شرح أبي داود للعيني

244- باب: يصلي الناس العيد في المسجد إذا كان يوم مطر
أي: هذا باب في بيان ما إذا كان يوم مطر ولم يقدروا على الخروج إلى المصلى، يصلونه في المسجد.
1131- ص- نا هشام بن عمار، نا الوليد ح، ونا الربيع بن سليمان، نا عبد الله بن يوسف، نا الوليد بن مسلم، نا رجل من الفرويين (1) - وسماه: الربيع في حديثه عيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة- سمِع أبا يحيي عبيد الله التيمي، يحدث عن أبي هريرة: أنه أصَابَهُم مَطَر فِي يوم عيد فَصلي بهم النبي- عليه السلام- صَلاةَ العِيدِ في المَسْجِدِ (2) .ًَ
ش- الوليد بن مسلم، والربيع بن سليمان الجيزي الأعرج، وعبد الله ابن يوسف التنيسي المصري. وعيسى بن عبد الأعلى بن أبي فروة القرشي الأموي مولى عثمان بن عفان. روى عن: أبي يحيي عبيد الله (3) التيمي. روى عنه: الوليد بن مسلم. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
وأبو يحيي: عبيد الله بن موهب التيمي. روى عن: أبي هريرة. روى عنه: ابنه يحيي، وعيسى المذكور. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (5) .
والحديث: أخرجه ابن ماجه.
__________
(1) في الأصل: "العدويين".
(2) ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة العيد في المسجد إذا كان مطر (1313) .
(3) في الأصل: "عبد الله" خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/ 4636) .
(5) المصدر السابق (19/ 3655) .

(4/512)


245- جِماع أبواب صلاة الاستسقاء وتفريعها
أي: هذا جماع أنواع صلاة الاستسقاء وتفريعها، وجِماع الشيء
- بكسر الجيم-: جمعه، والمعنى: هذا الذي يجمع أبواب صلاة الاستسقاء، وفي بعض النسخ: " باب تفريع صلاة الاستسقاء " والاستسقاء: طلب السُّقْيا- بضم السين، وسكون القاف-: المطر.
1132- ص- نا أحمد بن محمد بن ثابت المروزي، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، عن عباد بن تميم، عن عمه: أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم خرجَ بالناسِ يَسْتَسْقِي، فَصَلى بهم ركْعتينِ، جَهَرَ بالقِرَاءَة فيهما، وحَوَلَ رِدَاءَهُ، ورَفَعَ يَديهِ فَدَعَا واسْتَسْقَى، واستقبل القِبْلَةَ (1) .
ش- عبد الرزاق بن همام، ومعمر بن راشد، وعم عباد هو: أبو محمد عبد الله بن زيد بن عاصم الأنصاري المازني المدني الصحابي. ثم الكلام في أصل الاستسقاء وكيفيته، أما أصله: فأجمع العلماء على أنه سُنَّة. وأما كيفيته: فقال مالك، والشافعي، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد: السُنَّة: أن يصلي الإمام ركعتن بجماعة كهيئة صلاة العيد. وقال أبو حنيفة: الاستسقاء استغفار ودعاء. وقال صاحب " الهداية ": ليس في الاستسقاء صلاة مسنونة في جماعة، فإن صلى الناس وحدانا جاز. وذكر في (المحيط) قول أبي يوسف مع أبي حنيفة. واستدلت
__________
(1) البخاري: كتاب الاستسقاء، باب: تحويل الرداء في الاستسقاء (34, 39) ، مسلم: كتاب الاستسقاء، باب.
(2) ، (894) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء (556) ، النسائي: كتاب الاستسقاء، باب: تحويل الإمام ظهره إلى الناس عند الدعاء في الاستسقاء (3/ 157) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء (1267) .

(5/5)


الجماعة بهذا الحديث وأمثاله، واستدل أبو حنيفة بما رواه البخاري، ومسلم، عن أنس: " أن رجلاً دخل المسجد في يوم جمعة ورسول الله
قائم يخطب وقال: يا رسول الله، هلكت الأموال، وانقطعت السبل،
فادع الله يغثنا. قال: فرفع رسول الله يديه ثم قال: " اللهم أغثنا!
اللهم أغثنا! " الحديث (1) .
[2/99- أ] ولا معارضة/ بين الأحاديث , لأنه- عليه السلام- تارة استسقى في خطبة الجمعة، وتارة صلى ركعتين، ولهذا قالت الشافعية: الاستسقاء
ثلاثة أنواع: أحدها: الاستسقاء بالدعاء في غير صلاة.
الثاني: الاستسقاء في خطبة الجمعة، أو في أثر صلاة مفروضة، وهو
أفضل من النوع الذي قبله.
والثالث- وهو أكملها-: أن يصلي ركعتين ويخطب خطبتين.
ثم الحديث مشتمل على ثلاثة أشياء: الأول: أن يصلي ركعتين.
والثاني: أن يجهر بالقراءة فيهما، وهو مستحب عندهم، وأجمعوا أنه
لا يؤذن لها ولا يقام، واختلفوا هل تكبر تكبيرات زائدة في أول صلاة الاستسقاء كما يكبر في صلاة العيد؟ فقال به الشافعي، وابن جرير،
ورُوي عن ابن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول، وقال الجمهور: لا يكبر. واختلفت الرواية عن أحمد في ذلك، وخيَّره داود
بين التكبير وتركه.
والثالث: تحويل الرداء، فقال مالك: يقلب الإمام والقوم أرديتهم.
وقال محمد: يقلب الإمام دون القوم، وبه قال الشافعي، وأحمد.
وقال أبو حنيفة: لا يقلب لا الإمام ولا القوم.
وقال الشيخ محيي الدين: قال أصحابنا: يحوله في نحو ثلث
__________
(1) يأتي قريباً

(5/6)


الخطبة الثانية وذلك حين يستقبل القبْلة، قالوا: والتحويل شرع تفاؤلا بتغير الحال من القحط إلى نزول الغياث والخِصْب، ومن ضيق الحال إلى سعته.
والحديث: أخرجه الجماعة.
وقوله: "جهر بالقراءة فيهما" للبخاري خاصة.
1133- ص- نا ابن السرْح، وسليمان بن داود قالا: أنا ابن وهب، أخبرني ابن أبي ذئب، ويونس، عن ابن شهاب قال: أخبرني عباد بن تميم المازني أنه سمع عَمه- وكان من أصحاب النبيِّ- عليه السلام- يقولُ: خَرجَ رسولُ الله يوما يَسْتَسْقِي، فحول إلَى الناسِ ظَهْرَهُ يَدْعُو اللهَ. قال سليمان بن داودَ: واسْتَقْبَلَ القبْلةَ، وَحَولَ رِدَاءَهُ (1) ، ثم صلى ركْعتينِ. وقال ابن أي ذئب: وَقَرأ فيهماَ. زاد ابن السرحْ: يُرِيدُ الجَهْرَ (2) .
ش- ابن أبي ذئب: محمد بن عبد الرحمن، ويونس: ابن يزيد. وروى أحمد في " مسنده " من طريق مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن عباد بن تميم، عن عمه عبد الله بن زيد قال: فخرج رسول الله - عليه السلام- يستسقي فبدأ بالصلاة قبل الخطبة، ثم استقبل القِبْلة فدعا، فلما أراد أن يدعو قبل توجهه إلى القِبْلة حول رداءه ". وأخرجه الدارقطني في " سننه ": عن يحي بن سعيد الأنصاري، عن عبد الله بن أبي بكر به بلفظ:" فخطب الناس، ثم استقبل القِبْلة " إلى آخره.
1134- ص- نا محمد بن عوف قال: قرأت في كتاب عمرو بن الحارث- يعني: الحمصي- عن عبد الله بن سالم، عن الزبيدي، عن محمد ابن مسلم بهذا الحديث بإسناده لم يذكر " الصلاة " قال: وحَولَ رِداءَهُ،
__________
(1) في الأصل " ردايه "
(2) انظر الحديث السابق.

(5/7)


فَجَعَلَ عِطَافَهُ الأيْمَنَ على عَاتِقِهِ الأيْسَرِ، وَجَعَلَ عِطَافَهُ الأيْسَرَ على عَاتِقِهِ الأيمن، ثم دعا اللهَ (1) .
ش- عمرو بن الحارث بن الضحوك الحمصي الزبيدي، وعداده في الكلاعيين. روى عن: عبد الله بن سالم الأشعري الحمصي. روى عنه: محمد بن عوف الحمصي، وإسحاق بن إبراهيم الزبيدي الحمصي. روى له: أبو داود (2) .
وعبد الله بن سالم الأشعري أبو يوسف الوُحاظي (3) اليحصبي الحمصي. روى عن: محمد بن زياد الألهاني، وإبراهيم بن أبي عبلة، وابن جرير، وغيرهم. روى عنه: بقية بن الوليد، وأبو مسهر، وأبو المغيرة. مات سنة تسع وتسعين ومائة. روى له: البخاري، وأبو داود، والنسائي (4) .
والزبيدي هو: محمد بن الوليد، ومحمد بن مسلم: الزهري.
قوله: " عطافه الأيمن " أراد بالعطاف جانب ردائه الأيمن، والعطاف والمِعْطف: الرداء، وقد تعطف به، واعترف، وتعطفه، واعتطَفه، وسمي عطافي لوقوعه على عِطْفي الرجل وهما ناحيتا عنقه , وإنما أضاف العِطاف إلى الرداء , لأنه أراد إحدى شقي الأعطاف، فالهاء ضمير الرداء، ويجور أن تكون للرجل، فافهم.
1135- ص- نا عتيبة بن سعيد، نا عبد العزيز، عن عُمارة بن غزية، عن عباد بن تميم، عن عبد الله بن/ زيد قال: استَسْقَى رَسولُ اللهِ- عليه
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1 2/ 2339) .
(3) في الأصل: " أبو يوسف بن الوحاظي ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4 1/ 3285) .

(5/8)


السلام- وعليه خَميصَةٌ له سَوْدَاءُ، فأراد رسولُ الله أن يأخذ بأسْفَلِهَا فيجْعَلُه أعلاهَا، فلما ثَقُلَت قَلَبَهَا على عاتِقِهِ (1) .
ش- عبد العزيز بن محمد الدراوردي.
قوله: " وعليه خميصة " الواو فيه للحال، والخميصة: ثوب خز أو صوف معلمة، وقيل: لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء مُعلمة، وجمعها الخصائص.
1136- ص- نا النفيلي، وعثمان بن أبي شيبة نحوه قالا: نا حاتم بن إسماعيل، نا هشام بن إسحاق بن عبد الله بن كنانة قال: أخبرني أبي قال: أرسلني الوليدُ بن عتبة- قال عثمان: ابن عقبة: وكان أميرُ المدينة- إلى ابنِ عباس اسْألُه عن صَلاةِ رسولِ اللهِ- عليه السلام- في الاستسْقاء فَقال: خَرجَ رسول الله مبتذلاً مُتَوَاضِعاً مُتَضَرعاً حتى أتَى المصلى- زاد عَثمانُ: فَرَقِي على ا! منبرَ، ثم اتفقا- ولم يَخْطُبْ خُطَبَكُمْ هذه، ولكن لم يَزَلْ في الدُعَاء والتضَرع والتكْبِيرِ، ثم صلى ركعتينِ كما يُصلِّي في العِيدِ (2) .
ش- حاتم بن إسماعيل الكوفي.
وهشام بن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن كنانة المدينة أخو عبد الرحمن. روى عن: أبيه. روى عنه: الثوري، وحاتم بن إسماعيل. وقال أبو حاتم: شيخ. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وأبوه إسحاق، روى عن: ابن عباس، وأبي هريرة مرسلاً. روى
__________
(1) انظر الحديث السابق.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء (558) ، النسائي: كتاب الاستسقاء، باب: الحال التي يستحب للإمام أن يكون عليها (1/563) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء (1266) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (0 3/ 6567) .

(5/9)


عنه: ابنه هشام، وهاشم بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص. قال أبو زرعة: مديني ثقة. روى له: أبو داود،- والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
والوليد بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس، وكان والي المدينة لعمه معاوية بن أبي سفيان، ولابن عمه يزيد، وكان جوادا حليماً
قوله: " قال عثمان: ابن عقبة " أي: قال عثمان بن أبي شيبة: الوليد ابن عقبة بالقاف.
قوله: " متبذلا " حال من الرسول، وكذا قوله: " متواضعا متضرعا " حالان مترادفان أو متداخلان، والتبذل: ترك التزين والتهيوءِ بالهيئة الحسنة الجميلة على جهة التواضع.
قوله: " فرقي على المنبر " المحفوظ " فرقى " بكسر القاف في الماضي وفتحها في المستَقبل، ورواه بعضهم: " فرقى " بفتح القاف، وقيل: إن فتح القاف مع الهمزة لغة شيء، والأول أعرف والشهر.
قوله: " ثم اتفقا " أي: النفيلي وعثمان.
قوله: " كما يصلي في العيد " قال الخطابي (2) : وفي هذا دلالة على أنه يكبر كما يكبر في العيدين، وإليه ذهب الشافعي، وهو قول ابن المسيب، وعمر بن عبد العزيز، ومكحول.
والجواب عن هذا: أن المراد من قوله: " كما يصلي في العيد " يعني في العدد والجهر بالقراءة، وفي كون الركعتين قبل الخطبة.
فإن قيل: " (3) قد روى الحاكم في " المستدرك " (4) ، والدارقطني (5) ثم البيهقي في السنن " (6) ، عن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن
__________
(1) المصدر السابق (2/ 364) .
(2) معالم الحق (1/ 220) .
(3) انظر: نصب الراية (2/ 240- 241) .
(4) (1/ 326) .
(5) (2/66) .
(6) (3/348) .

(5/10)


عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه، عن طلحة قال: فأرسلني مروان إلى ابن عباس أسأله عن سُنَة الاستسقاء، فقال: سُنَة الاستسقاء سُنَة الصلاة في العيدين، إلا أن رسول الله قلب رداءه فجعل يمينه على يساره، وشماله على يمينه، وصلى ركعتن، كبر في الأولى سبع تكبيرات، وقرأت " سبح اسْمَ ربكَ الأعْلَى "، وقرأ في الثانية: "هَلْ أتَاكَ حَديثُ الغَاشيَة " وكبر فيها خمس تكبيرات ". انتهى. قال الحاكم: صَحيح الإَسنَاد ولم يخرجاه. قلنا: الجواب عنه من وجهن: الأول: أنه ضعيف، فإن محمد بن عبد العزيز هذا قال فيه البخاري: منكر الحديث. وقال النسائي: متروك الحديث. وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث، ليس له حديث مستقيم. وقال ابن حبان في كتاب "الضعفاء": يَرْوي عن الثقات المعضلات، وينفرد بالطامات عن الإثبات، حتى سقط الاحتجاج به. وقال ابن قطان في. " كتابه ": هو أحد ثلاث إخوة كلهم ضعفاء: محمد، وعبد الله، وعمران بنو عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف، وأبوهم عبد العزيز مجهول الحال فاعتل الحديث بهما.
والثاني: أنه معارض بحديث رواه الطبراني في " معجمه الوسط " (1) :
نا مسعدة بن سعد/ العطار، ثنا إبراهيم بن المنذر، أنا محمد بن فليح، [2 / 100] حدَّثني عبد الله بن حسين بن عطاء، عن داود بن بكر بن أبي الفرات، عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن أنس بن مالك: " أن رسول الله استسقى فخطب قبل الصلاة، واستقبل القِبْلة، وحول رداؤه، ثم نزل فصلى ركعتين لم يكبر فيهما إلا تكبيرة ".
وحديث ابن عباس أخرجه الترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
ص- قال أبو داودَ: والإخبار للنفيلي والصواب: ابن عتبة.
ش- الإخبار- بكسر الهمزة- أراد به قوله: " قال: أخبرني أبي ".
__________
(1) (9/9108) .

(5/11)


قوله: " والصواب: ابن عتبة " يعني , الصواب في الوليد " ابن عتبة " بالتاء المثناة من فوق. وقول عثمان: " عقبة " بالقاف خطأ.
* * *
246- باب: في أي وقت يحول رداءه (1)
أي: هذا باب في بيان وقت تحويل الرداء، ولفظ الباب ليس بثابت في بعض النسخ.
1137- ص- نا (2) القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر: أنه سمع عبادَ بن تميم يقول: سمعتُ عبدَ الله بنَ زيد المازني يقول: خَرَجَ رسولُ اللهِ إلى المصلى فاسْتَسْقَى، وحَولَ رِدَاءه حين اسْتَقْبَلَ القبلةَ (3) .
ش- عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأَنصاري.
وقال الخطابي (4) : قد اختلفوا في صفة التحويل، فقال الشافعي: ينكس أعلاه أسفله، وأسفَله أعلاه، ويتوخى أن يجعل ما على شقه الأيمن على شقه الأيسر، ويجعل الجانب الأيسر على الجانب الأيمن. وقال أحمد بن حنبل: يجعل اليمين على الشمال، ويجعل الشمال على اليمن، وكذلك قال إسحاق، وقول مالك قريب من ذلك.
وقال الخطابي (4) : إذا كان الرداء مربعا نكسه، وإن كان طيلساناً مُدوراً قَلَبَه ولم ينكسه.
وقال أصحابنا: إن كان مربعا يجعل أعلاه أسفله، وأن كان مدورا يجعل الجانب الأيمن على الأيسر، والأيسر على الأيمن.
1138- ص- نا عبد الله بن مسلمة، نا سليمان- يعني: ابن بلال- عن يحيى، عن أبي بكر بن محمد، عن عباد بن تميم: أن عبدَ اللهِ بنَ زبدٍ أخبَرَهُ
__________
(1) في سق أبي داود: " ... أدامه إذا استسقى ".
(2) جاء هذا الحديث في سنن أبي داود عقب الحديث الآتي.
(3) انظر الحديث الآتي.
(4) معالم السنن (1/ 219- 220) .

(5/12)


أن النبي- عليه السلام- خَرَجَ إلى المصلى يَسْتَسْقي، وأنه لَمّا أرادَ أن يَدْعُوَ اسْتَقْبلَ القِبلةَ، ثم حَوَّلَ رِدَاءَهُ (1) .
ش- يحيى بن سعيد الأنصاري، وقد ذكرنا أن حكمة التحويل: التفاؤل بتغيير الحال، وقد جاء ذلك مصرحا في " مستدرك الحاكم " من حديث جابر وصحَحه، وفيه: " وحول رداءه ليتحول القحط "، وكذلك رواه الدارقطني في " سننه "، وفي " السؤالات للطبراني " من حديث أنس: " وقلب رداءه لكي يُقْلب القحط إلى الخِصْب ". وفي " مسند إسحاق بن راهويه ": " لتتحول السنة من الجدب إلى الخِصْب "، ذكره من قول وكيع.
* * *
247- باب: رفع اليدين في الاستسقاء
أي: هذا باب في بيان رفع اليدين في الاستسقاء.
1139- ص- نا محمد بن سلمه المرادي، نا ابن وهب، عن حيوة، وعُمَر بن مالك، عن ابن الهاد، عن محمد بن إبراهيم، عن عميرِ مولى بني آَبِي اللحم: أنه رَأى النبي- عليه السلام- يَسْتَسْقِي عندَ أحْجَارِ الزَّيْت قَرِيباً من الزورَاءِ، قَائِماً يَدْعُو، يَسْتَسْقِي رافعا يديه قِبَلَ وَجْهِهِ، لا يُجَاوِز بهما رَأسَه (2) .
ش- عبد الله بن وهب، وحيوة بن شريح.
__________
(1) البخاري: كتاب الاستسقاء، باب: الاستسقاء وخروج النبي صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء (105) ، مسلم: كتاب صلاة الاستسقاء أول كتاب صلاة الاستسقاء
(2/ 894) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء (556) ، النسائي: كتاب الاستسقاء، باب: خروج الإمام إلى المصلى (3/ 55 1، 56 1، 57 1، 58 1، 163، 164) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء (1267) .
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الاستسقاء (557) ، النسائي: كتاب الاستسقاء، باب: كيف يرفع (3/ 158) .

(5/13)


وعمر بن مالك الشرعبي المعافري المصري. روى عن: خالد بن
أبي عمران، وصفوان بن سليم، ويزيد بن الهاد. روى عنه: ابن
لهيعة، وابن وهب. قال أبو زرعة: صالح الحديث. وقال أبو حاتم:
شيخ لا بأس به، ليس بالمعروف. روى له: مسلم، وأبو داود (1) .
وابن الهام هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهند المدني. ومحمد بن
إبراهيم بن الحارث القيمي.
وعمير مولى آبِي اللحم الغفاري، شهد مع النبي- عليه السلام-
خيبر، رُوي له عن رسول الله سبعة أحاديث، أخرج مسلم منها حديثا
واحدة. روى عنه: يزيد بن أبي، عبيد، ومحمد بن زيد بن المهاجر.
روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (3) .
وأبي اللحم- بمد الهمزة- اسم فاعل من أبى، اسمه: الحويرث بن
[2/ 100 - ب] . اجمع عبد الله الغفاري/، وقيل: عبد الله بن عبد الملك، وقيل: خلف بن عبد الملك. قتل يوم حنين شهيدا سنة ثمان من الهجرة، قيل له آبِي اللحم
لأنه كان لا يأكل اللحم. وقيل: لا يأكل ما ذبح على النصب. وقيل:
إن هذا اسم لبطن من بني ليث بن غفار، ومولى عمير من هذا البطن،
فهو نُسِب إلى هذا الرجل الذي سُمِي به البطن المذكور.
قوله: " عند أحجار الزيت " هو موضع بالمدينة كان هناك أحجار عَلا
عليها الطريق فاندفنت، وهي بفتح الزاي، وبعدها ياء آخر الحروف
ساكنة، وتاء ثالث الحروف.
قوله: " قريبا من الزوراء " بفتح الزاي، وسكون الواو، وبعدها راء
ممدودة، وهي موضع عند صدوق المدينة مرتفع كالمنار، والزهراء ستة
مواضع هذا أحدها.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (21/ 4299) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 490) ، وأسد الغابة (4/ 284) ، والإصابة (3/ 38) .

(5/14)


قوله: " قبل وجهه " بكسر القاف وفتح الباء. فيه من السُنَة رفع اليدين إلى وجهه، ولا يجاوز بهما رأسه كما فعله رسول الله. والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي من حديث عمير مولى آبِي اللحم، عن آبِي اللحم. وقال الترمذي: كذا قال قتيبة في هذا الحديث عن آبي اللحم، ولا يعرف له عن النبي- عليه السلام- إلا هذا الحديث الواحد.
1140- ص- نا ابن أبي خلف، نا محمد بن عبيد، نا مسعر، عن يزيد الفقير، عن جابر بن عبد الله قال: أتَت النبيَّ- عليه السلام- بَوَاكي فقال: " اللهم اسْقنَا غَيْثاً مُغيثاً مَريئاً مَرِيعاً نَافعاً غيرَ ضار، عاجلاً غير آجلٍ". قال: فَأطبقت علَيهم السمَاء (1) .
ش- ابن أبي خلف: محمد بن أحمد بن أبي خلف، ومحمد بن عبيد ابن أبي أمية الكوفي، ومسعر بن كدام.
ويزيد بن صهيب الفقير أبو عثمان الكوفي، روى عن: عبد الله بن عمرو (2) ، وجابر بن عبد الله، وأبي سعيد الخدري. روى عنه: الحكم ابن عُتَيْبة، ومسعر، والمسعودي، وغيرهم. قال ابن معين، وأبو زرعة: ثقة. وقال أبو حاتم: صدوق. روى له الجماعة إلا الترمذي (3) . قوله: " أتت النبي- عليه السلام- بواكي " بالباء الموحدة المفتوحة، هكذا هي الرواية المشهورة. وقال الخطابي (4) : رأيت النبيَّ- عليه السلام- يُواكي "- بضم التاء آخر الحروف - قالت: معناه: التحامل على يديه إذا رفعهما ومدهما في الدعاء، ومن هذا التوكل على العصا وهو التحامل عليها ". قال بعضهم: والصحيح ما ذكره الخطابي.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) كذا، وفي تهذيب الكمال: " عبد الله بن عمر بن الخطاب ".
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 7007) .
(4) معالم السنن (1/ 220) .

(5/15)


قلت: الصحيح: الرواية المشهورة بالباء الموحدة، وهكذا روى عن ابن الأعرابي وغيره: " أتت النبي- عليه السلام- بَواكي "، وكذلك ذكره البحار في " مسنده " فقال: حدَثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، وعلي بن الحسين الدرهمي قالا: نا محمد بن عبيد قال: نا مسعر، عن يزيد الفقير، عن جابر: أن بواكي أتوا النبي- عليه السلام-، فقالوا: ادع الله أن يَسْقينَا " الحديث، وفي بعض الطرق: عن يزيد الفقير عن جابر قال: أتت هوازن النبي- عليه السلام- فقال: " اللهم اسقنا " الحديث.
قوله: " غيثاً " أي: مطراً
قوله: " مغيثاً " من الإغاثة، وهي الإعانة.
قوله: " مريئاً " أي: هنيئاً صالحاً كالطعام يَمْرُؤ. معناه: الخلو عن كل ما ينغصه كالهدم والغَرْق، ونحوهما. ويقال: مراني الطعام وأمْراني إذا لم يثقل على المعدة، وانحدر عنها طيباً قال الفراء: يقال: هناني الطعام ومَرَاني، بغير ألف، فإذا أفردوها عن هَنَاني قالوا: أمْراني. قلت: يحتمل أن تكون هنا بلا همزة، ومعناه: مدرارا من قولهم: ناقة مَرِيٌ، أي: كثيرة اللبن، ولا أُحققه رواية.
قوله: " مريعاً " بفتح الميم، وكسر الراء، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها عين مهملة، أي: مخصباً ناجعاً من مرع الوادي مراعةً، يقال: مكان مريع، أي: خصِيبْ، ويروى بضم الميم من أمرع المكان، إذا أخصب، ويروى بالباء الموحدة من أربع الغيث إذا أنبت الربيع، ويروى بالتاء المثناة من فوق، أي: يُنبت الله فيه ما ترتع فيه المواشي، وفي كلامهم: غيث مُرْبع مُرْتع.
قوله: " فأطبقت عليهم السماء " أي: أطبقت عليهم المطر، من قولهم: أطبق عليه الحمى وهي التي تدوم فلا تفارق ليلاً ولا نهاراً ويحتمل أنه أراد: أصابتهم السماء بالمطر العام، والمستعمل في هذا الباب

(5/16)


التطبيق، يقال: طَبقَ الغيم تطبيقا إذا أصاب ماؤه جميع الأرض، يقال: مطر طبْقٌ، أي: عام، ومنه الحديث: " اللهم اسقنا غيثا طبقا " أي: مالئاً للَأرض.
/ 1141- ص- نا نصر بن عليه، نا يزيد- يعني: ابن زريع - نا سعيد، [2/ 101 - أ] عن قتادة، عن أنس: أن النبي - عليه السلام- كان لا يرْفَعُ يديه في شَيء من الدعاء إلا في الاسْتِسْقاء فإنه كانَ يَرفعُ يديه حتى يُرَى بَياضُ إَبِطيهِ (1) .ً ش- سعيد بن أبي عروبة.
والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه. فإن قيل: قد روى " رفع اليدين في الدعاء " جماعة من الصحابة، وقد قال الشيخ محي الدين (2) : ثبت رفع يديه- عليه السلام- في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء، وهي كثر من أن تحصى، وقد جمعت منها نحواً من ثلاثين حديثا من الصحيحين وذكرتها في " شرح المهذب " في أواخر باب الصلاة. انتهى.
وقد رُوي عن أنس أيضا حديث يعارض هذا، وهو حديث السبعين الذين بعثهم رسول الله- عليه السلام-، وكان فيهم خاله حرام وفيه: فقال أنس: لقد رأيت رسول الله كلما يُصلي الغداة رفع يديه يدعو عليهم. قلنا: التوفيق بينهما أنه يحتمل أن يكون أنس- رضي الله عنه- أراد أن النبي- عليه السلام- كان لا يرفع يديه رفعا يبالغ فيه إلا في الاستسقاء، وذلك لما في الجدب من عموم الجهد، وشموله للجمع الكثير، فأما في غيره من الدعاء للجماعة اليسيرة، أو للواحد من الناس
__________
(1) البخاري: كتاب الاستسقاء، باب: رفع الإمام يديه في الاستسقاء (1031) ، مسلم: كتاب صلاة الاستسقاء، باب: رفع اليدين في الدعاء في الاستسقاء (7/ 896) ، النسائي: كتاب الاستسقاء، باب: كيف يرفع؟ (3/ 58 1) ،ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: من كان لا يرفع يديه في القنوت (1180) .
(2) شرح صحيح مسلم (6/190) .

(5/17)


فكان يرفع يديه لهم رفعا دون ذلك، ويؤيد هذا التأويل ما رواه الأوزاعي، عن سليمان بن موسى قال: لم يُحفظ من رسول الله أنه رفع يديه الرفع كله إلا في ثلاثة مواضع: الاستسقاء، والاستنصار، وعشية عرفة، ثم كان بعده رفعا دون رفع.
وجواب آخر: أنه لم يره رفع وقد رآه غيره، فيُقدَّم المثبتون في مواضع كثيرة، وهم جماعات على واحد لم يحضر ذلك.
1142- ص- نا الحسن بن محمد الزعفراني، نا عفان، نا حماد، أنا ثابت، عن أنس: أن النبي- عليه السلام- كان يستسْقي هكذا، ومد يَديه، وجَعلَ بُطُونَهُمَا مما يَلِي الأرضَ حتى رأيتُ بَياضَ إِبطَيْهَِ (1) .
ش- الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني أبو علي البغدادي، نسبة إلى درْب الزعفران فيها. سمع: ابن عيينة، وعفان بن مسلم، ووكيعاً، وغيرهم. روى عنه: البخاري، وأبي داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وابن خزيمة، والبغوي. قال النسائي: ثقة. مات سنة ستين ومائتين في رمضان (2) .
وحماد بن سلمي، وثابت البناني.
ومن هذا الحديث قالت جماعة من العلماء: إن السُنَة في كل دعاء لدفع بلاء كالقحط ونحوه: أن يرفع يديه، ويجعل ظهر كفيه إلى السماء، وإذا دعا لسؤال شيء وتحصيله، جعل بطن كفيه إلى السماء. قوله: " بياض إبطيه " وكان هذا من جماله- عليه السلام-، فإن كل إبط من سائر الناس متغير اللون , لأنه مغموم ِمِرْواح، وكان منه- عليه السلام- أبيض عطراً والحديث: أخرجه مسلم مختصرا بنحوه.
1143- ص- نا مسلم بن إبراهيم، نا شعبة، عن عبد ربه بن سعيد،
__________
(1) أخرجه مسلم: كتاب صلاة الاستسقاء، باب: رفع اليدين بالدعاء في الاستسقاء (7/ 896) مختصراً.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/ 1270) .

(5/18)


عن محمد بن إبراهيم قال: أخبرني مَنْ رَأَى النبي- عليه السلام- يَدْعُو
عندَ أحْجَارِ الزيتِ بَاسِطاً كَفيْهِ (1) .
ش- عبد ربه بن سعيد بن قيس بن عمرو الأنصاري المدني، ومحمد
ابن إبراهيم التيمي، وفيه مجهول.
1144- ص- نا هارون بن سعيد الأيلي، نا خالد بن نزار، حدثني
القاسم بن مَبرور، عن يونس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة
قالت: شكي الناسُ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم قُحُوطَ المَطَرِ، فأمَرَ بمِنبَرِ فَوُضِعَ له في المُصلى، وَوَعَدَ الناس يوطأ يَخْرجُونَ فيه، قالت عائشةُ: فَخرج رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يكن حين بَدَا حَاجِبُ الشمْسِ، فَقَعَدَ على المنبرِ، فَكبرَ وحَمدَ اللهَ، ثم قال:
" إنكم شَكَوْتُم جَدْبَ ديارِكُمْ، واسْتئْخَارَ الَمَطَرِ عن إبانَ زَمانه عنكُم، وَقَدْ
أمًرَكُمُ اللهُ تعالى أن تَدْعُوهُ وَوَعَدكم أنْ يَسْتَجيب (2) لكم "، ثم قال:
" الحمدُ للهِ رَبِّ العَالَمينَ، الرحمَنِ الرحيمَ، مَالكَ يَوْم الدِّينِ، لا إله إلا اللهُ
يفعلُ ما يُريدُ، اللهم أَنتَ اللهُ لا إله إلا أنَتَ الغني ونحنُ الفُقَراء، أنزِلْ علينا
الغيثَ، واجْعَلْ ما أنزلتَ لنا قُوةً وبَلاغاً إلى حين " ثم رَفعَ يَديه فلم يَزَلْ في
الرفع حتى بَدَا بياضُ إِبِطيهِ، ثم حَولَ إلى الناسِ ظًهْرَهُ، وقَلَبَ- أو حَولَ-
رِاءَه وهو رَافع يديه ثم (3) أقبلَ على الناسِ، ونَزَل فَصلى ركعتين، فأنشأ
اللهُ عَز وجَل سَحَابةً، فرَعَدَتْ وبَرَقَتْ، ثم أمطَرَتْ بطش الله/ فَلم يأتِ [2/101-ب] مسجِدَه حتى سَالَت السيولُ، فلما رَأى سُرْعَتَهُمْ إلى الكَنِّ ضًحِكَ حتى بَدَتْ نَوَاجذُهُ فقال: " أشهدُ أن اللهَ على كُلِّ شَيْء قَديرَ، وأني عبدُ الله ورسولُهُ، (4) .
ش- هارون بن سعيد بن الهيثم بن محمد بن الهيثم بن فيروز الأيلي
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في الأصل: " ووعدكم أن الله يستجيب " وهو سبق قلم، وقد ذكره في الشرح بدون لفظ الجلالة.
(3) مكررة في الأصل.
(4) تفرد به أبو داود.

(5/19)


أبو جعفر السعدي، مولى عبد الملك بن عطية السعدي، وهم من أهل أيلة، وكانوا من قَبْلُ [من أهل] (1) بلبيس. روى عن: عبد الله بن وهب، وأنس بن عياض، وخالد بن نِزار، وأشهب. روى عنه: مسلم وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه، وأبو حاتم، وسئل عنه فقال: شيخ. توفي سنة ثلاث وخمسة ومائتين، وولد بعد السبعة ومائة (2) . وخالد بن نِزار بن مغيرة بن سليم الأيلي، من أهل أيلة، أبو يزيد الغساني. روى عن: مالك بن أنس، وياسين بن خلف المكي، وأيوب ابن سُوَيد الرملي، والقاسم بن مبرور الأيلي. روى عنه: ابنه طاهر، وهارون بن سعيد الأيلي، وأحمد بن عمرو بن السرح، وأحمد بن صالح المصري، وغيرهم. توفي سنة اثنتين عشرين ومائتين. روى له: أبو داود (3) .
والقاسم بن المبرور بن أخي طلحة بن عبد الملك، ويونس بن يزيد. قوله: " قحوط المطر " أي: حَبْسَه وإقلاعه، والقحط: الجدب.
قوله:" حين بدا حاجب الشمس " أي: حرفها الأعلى من قرنيها، وحواجبها: نواحيها، وقيل: سمي بذلك لأنه أول ما يبدو منها كحاجب الإنسان، وعلى هذا يختص الحاجب بالحرف الأعلى البادي أولاً ولا يسعى جميع نواحيها حواجب.
قوله:" واستئخار المطرب " أي: تأخر المطر، من استأخر استئخارا. قوله: وعن إبان زمانه " بكسر الهمزة، وتشديد الباء الموحدة وبعد الألف نون، أي: وقت زمانه، والنون أصلية. وقيل: هي رائدة من ألف الشيء إذا تهنا للذهاب.
قوله: "عنكم " متعلق بقوله: " واستئخار المطر ".
__________
(1) زيادة من تهذيب الكمال.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6515) . (3) المصدر السابق (8/ 1657) .

(5/20)


قوله: " ووعدكم أن يستجيب لكم " وهو قوله تعالى: {ادْعُوني أسْتَجِبْ لَكُمْ} (1) .
قوله: " الغيث " أي: المطر.
قوله: " قوة " أراد به المطر النافع , لأنه سبب لنبات الأرزاق، والأرزاق سبب لقوة بني آدم.
قوله: " وبلاغا إلى حين " أراد به المطر الكافي إلى وقت انقطاع الحاجة والاستغناء عنه.
قوله: " فرددت وبرقت " رعدت السماء وبرقت، وأرعدت وأبرقت، لغتان. معنى رعدت: صوتت، وأسند صوت الرعد إلى السحابة مجازاً باعتبار كونه مجاوراً لها، والرعد ملك يزجر السحاب، وزجره تسبيحُه، قال الله تعالى: {وَيُسبحُ الرعْدُ بحَمْده} (2) ، ومعنى برقت: خرج منها برق، والبرق للرعد أيضاً، قال اَلشَافعي: أخبرنا الثقة أن مجاهداً قال , الرعد ملك، والبرق أجنحته.
قوله: " ثم أمطرت " هكذا هو بالألف، مطرت وأمطرت لغتان، ولا التفات إلى قول من قال: لا يقال: أمطر بالألفِ إلا في العذاب.
قوله: " إلى الكون " الكن- بكسر الكاف وتشديد النون-: ما يرد الحر والبرد من الأبنية، والمساكن، وقد ظننته كنه كنت، والاسم: الآن. قوله: " ضحك " وضحكه- عليه السلام- تعجبا منهم، حيث اشتكوا أولا، من عدم المطر، فلما سُقُوا هربوا طالبين الكن.
قوله: " حتى بدت نواجذه " أي: حتى ظهرت أنيابه، وهي بالذال المعجمة، ويقال: النواجذ: الضواحك، وهي التي تبدو عند الضحك، وقيل: الأضراس والأنياب، والأشهر أنها أقصى الأسنان.
__________
(1) سورة غافر: (60) .
(2) سورة الرعد: (13) .

(5/21)


قوله: " أشهد أن الله على كل شيء قدير " استعظام منه لقدرة الله تعالى، حيث أنزل الغيث حتى سالت السيول بعد ما كانت الأرض جدبا.
قوله: " وإني عبد الله " اعتراف بالعبودية، وإظهار للتذلل والخضوع. قوله: " ورسوله " إظهار بأن قبول دعائه من ساعته لأجل أنه رسول الله، وأنه مؤيد من عند الله.
ويستفاد من الحديث: أن الإمام الأعظم يخرج بالناس إلى المصلى في زمن القحط، ويستسقي، ويخرج معهم مقتداهم وكبيرهم الذي اشتهر بينهم بالزهد والورع , لأن مَن هذه صفته يكون دعاؤه أقرب إلى الإجابة، وأن تعيين اليوم ليس بشرط فيه، وأنهم يخرجون بالنهار، وأن يخطب لهم الإمام، وأن ينصب له منبرا أو يخطب على موضع مرتفع، وأن يكون وجهه وقت الدعاء إلى الجماعة، وأن تكون الخطبة قبل الصلاة وهو المفهوم من الحديث، ومذهب أبي يوسف، ومحمد، والشافعي بعد [2/ 102 - أ] الصلاة، والجواب عن الحديث/ أنه محمول على بيان الجوار، والمستحب: تقديم الصلاة لأحاديث أخر. وأن يذكر الغيث في دعائه، وأن يرفعون (1) أيديهم غاية الرفع، وأن يحول الإمام ظهره إلى الناس بعد الدعاء ويُقلبُ رداءه، وأن يصلي بالناس ركعتين، وابن الضحك إلى بدو النواجذ جائز.
ص- قال أبو داودَ: هذا حَديث غريب، إِسنادُهُ جيد أهلُ المدينة يقرءون: " مَلكِ يَوْم الدينِ " وإن هذا الحديثَ حجة لهم.
ش- الغريب: هو الذي ينفرد به الرجل من أئمة الحديث. وقد ذكرناه في أول الكتاب.
قوله:" إسناده جيد " لأن رواته جناد، ولهذا قال الحاكم في "المستدرك " بعد أن رواه: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه ابن حبان أيضا في " صحيحه " في النوع الثاني عشر من القسم الخامس. قوله: " أهل المدينة " إلى آخره، بدون واو العطف، على أنه كلام
__________
(1) كذا، والجادة " يرفعوا ".

(5/22)


ابتدائي، واستدل أهل المدينة على قراءتهم: " ملك يوم الدين " بإسقاط الألف بهذا الحديث، وقرئ " مالك " بالألف، وملك على لفظ الماضي. 1145- ص- نا مسدد، نا حماد بن زيد، عن عبد العزيز بن صهيب، عن أنس بن مالك. ويونس بن عبيد، عن ثابت، عن أنس- رضي الله عنه- قال: أصَابَ أهلَ المدينة قَحْط على عَهْد رَسُول الله صلى الله عليه وسلم، فبينما هو يَخْطُبُنَا يومَ جُمُعَة إذ قَامَ رَجل فقال: يا رسوله الله " (1) هَلَكَ الكُرَاع، هَلَكَ الشاءُ، فادع اللهَ أن يَسْقِيَنَا، فَمَدَ يَدَهُ وَدَعَا، قال أنس: وإن السماءَ لَمثْلِ الزجاجَة، فَهَاجَتِ ريح، ثم أنشأتْ سَحَابَةً، ثم اجتمعَ (2) ، ثم أرسلًت السماءُ عًزَالِيهَا فخرجْنَا نَخُوضُ المَاءَ حتى أتَيْنَا مَنَازِلَنَا، فلم يزَلِ المَطَرُ إلى الجُمُعَة الأخْرَى، فَقَامَ إليه ذلك الرجلُ أو غيرُه، فقال: يا رسولَ الله، تَهَدمَتَ البُيُوتُ، فادع اللهَ أن يَحْبسَهُ، فَتَبَسم رسولُ الله ثم قال: " حَوَالينَا ولا علينا "، فَنظرتُ إلى السحَابَةِ تتصَدع حَولَ المدينةِ كأنه إِكْلَيل.
ش- (الكراع" يذكر ويؤنث، وهو في البقر والغنم بمنزلة الوصيف للفرس والبعير، وهو مستدق الساق، وقيل: الكراع اسم لجميع الخيل. والشيء جمع شاة، والشاة من الغنم تذكر وتؤنث، ونقول: فلان كثير الشاة والبعير، وهو في معنى الجمع , لأن الألف واللام للجنس، والغنم أيضا اسم مؤنث موضوع للجنس يقع على الذكور والإناث وعليهما جميعاً والسبل كالغنم في جميع ذلك.
قوله: " لمثل الزجاجة " شبهها بالزجاجة لشدة يبسها وعدم رطوبتها، هكذا قاله بعضهم.
قلت: الأولى أن يكون وجه التشبيه الصفاء والخلو من السحب،
وهذا أنسب في هذا المقام.
__________
(1) زيادة من سنن أبي داود. (2) في سجن أبي داود: " اجتمعت ".
(3) البخاري: كتاب الاستسقاء، باب: الدعاء إذا كثر المطر حوالينا ولا علينا (1021)

(5/23)


قوله: " فهاجت ريح " أي: ثارت وقامت من الهيجان.
قوله: " ثم أنشأت سحابة " نشأت السحابة تنشأ، إذا ابتدأت في الارتفاع، وأنشأتها الريح.
قوله: " عزاليها " بكسر اللام جمع العزلاء، وهي فم المزادة الأسفل الذي يصب منها الماء عند تفريغك، والمزودة: الزاوية، والعزلاء ممدودة وتثنيتها عزلاوان، وقد قيل في الجمع عزالَى- بفتح اللام- مثل: الصحارِي والصحارَى، والعذارِي والعذارَى، شبه اتساع المطر واندفاقه بالذي يخرج من فم المزادة.
قوله: " حوالينا ولا علينا " أي: أنزله حوالي المدينة حيث مواضع النبات لا علينا في المدينة، ولا في غيرها من المباني والمساكن، يقال: رأيت الناس حوله، وحوالَيْه، وحواله، وحوليه، أي: مُطِيفين به من جوانبه، وهو من الظروف المتصرفة اللازمة للإضافة، وقال الركني في " شرحه ": ومن الظروف اللازمة للإضافة: " حَوالُ " وتثنيته، و" حَولُ " وتثنيته وجمعه، نحو: امشي حوله، وقوله- عليه السلام-: " حوالينا ولا علينا"، وقوله تعالى: {فَلَفا أضرا صكا مَا حَوْلَهُ} (1) ، وامشي حولَيْه، وأحْوَاله.
قوله: " تتصدع " أي: تتفرق وتتقطع، يقال: صَدْعتُ الرداء، إذا شققته.
قوله: " كأنه إكليل " يريد: أن الغيم تقشع عنها، واستدار بآفاقها، وكل ما أحاط بشيء فهو إكليل، وشممت التاج إكليلاً، وهو بكسر الهمزة. والحديث أخرجه البخاري مختصراً
1146- ص- نا عيسى بن حماد، أنا الليث، عن سعيد المقبري، عن [2/ 102 - ب] شريك بن عبد الله،/ عن أنس أنه سمعه " يقول " ... وذكر نحو حديثِ
__________
(1) سورة البقرة: (17) .

(5/24)


عبد العزيز، قال: فَرَفَعَ رسولُ اللهِ يديه بحذاءَ وجْهِهِ، وقال: " اللهم اسْقِنَا" وساقَ نحوه (1) .
ش- عيسى بن حماد المصري، والليث بن سعد، وشريك بن عبد الله ابن أبي نمر القرشي المدني.
قوله: " وساق نحوه " أي: حديث عبد العزيز بن صهيب. وأخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي بنحوه.
1147- ص- نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن يحي بن سعيد، عن عمرو بن شعيب: أن رسول الله- عليه السلام- كان يقول ح، وثنا سهل بن صالح، لا علي بن قادم، نا سفيان، عن يحيي بن سعيد، عن عمرو ابن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: كان النبيُّ- عليه السلام- إذا اسْتَسْقَى قال: " اللهم اسْقِ عبَادَكَ وبَهَائمَكَ، وانْشُرْ رَحْمَتَكَ، وأحْيِي بَلَدَكَ الميِّتَ " هدفا لفظُ حديثِ مالكَ (2) .
ش- سهل بن صالح بن حكيم البزار (3) أبو سعيد الأنطاكي. روى عن: إسماعيل ابن علية، وأبي خالد الأحمر، وإبراهيم بن حبيب بن الشهيد. روى عنه: أبو داود، وأبو حاتم الرازي وقالت: ثقة، والنسائي وقالت: لا ناس به (4) .
وعليّ بن قادم الخزاعي الكودي. روى عن: سفيان الثوري، وعبيد الله بن مسهب، وعليه بن صالح. روى عنه: سهل بن صالح،
__________
(1) أخرجه البخاري: كتاب الاستسقاء، باب: الاستسقاء في المسجد الجامع (1013) ، مسلم: كتاب الاستسقاء، باب: الدعاء في الاستسقاء (8/ 897) ، النسائي: كتاب الاستسقاء، باب: متى يستسقي الإمام؟ (3/ 154) ، وباب: كيف يرفع؟ (3/ 159) ، باب: ذكر الدعاء (3/ 161) .
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في الأصل: " البزاز " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (12/ 2613) .

(5/25)


ويوسف بن موسى القطان، وأبو بكر بن أبي شيبة. قال أبو حاتم: محله الصدق. روى له: أبو داود، والترمذي (1) .
قوله: " وانشر رحمتك " أي: ابسطها علينا.
قوله: " هذا لفظ حديث مالك " أشار به إلى الذي ذكر فيه: عن عمرو ابن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرسلاً.
***
248- باب: صلاة الكسوف
أي: هذا باب في بنان صلاة الكسوف. روى جماعة: أن الكسوف يكون في الشمس والقمر، وروى جماعة فيهما " بالخاء "، وروى جماعة في الشمس بالكاف وفي القمر بالخاء، والكثير في اللغة وهو اختيار الفراء: أن يكون الكسوف للشمس والخسوف للقمر. يقال: كسفت الشمس، وكسَفها الله، وانكشفت، وخسف القمر، وخسَفه الله، والخسف.
1148- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا إسماعيل ابن علية، عن ابن جريح، عن عطاء، عن عبيد بن عمير قال: أخبرني من أصَدِّقُ- فَظَنَنَّا (2) أنه يُريدُ عَائشةَ- قالتْ: كَسَفَت الشمسُ على عَهدِ رسولِ الله، فقامَ النبيُّ تحليه السلام- قياما شَديدا يَقومُ بالناسِ، ثم يركعُ، ثم يَقومُ، ثَم يَركعُ، ثم يَقومُ، ثم يَركعُ (3) ، فَرَكَعَ رَكعتينِ في كلِّ ركعة ثلاثُ رَكَعَاتٍ، يركع الثالثةَ ثم يَسجدُ، حتى إن رجالا يومئذ ليُغْشَى عليهًم مما قامَ بهم، حتى إنَّ سجَالَ الماء لَتُصَب عليهم، يقولُ إذا ركع (4) : " اللهُ كبر"، وإذا رفع: " سًمِعَ اللهُ لمَن حَمِدَه " حتى تَجَلَتِ الشمسُ، ثم قال: " إِنَّ الشمس والقَمرَ
__________
(1) المصدر السابق (21/ 4122) .
(2) في الأصل: " فظنننا "، وفي سنن أبي داود: " وظننت "
(3) في الأصل: " يقوم ثم يركع " أربع مرات، وهو خطأ.
(4) في الأصل: " إذا رفع " خطأ.

(5/26)


لا يَنكَسفَان لمَوْت أحَد ولا لحَياته , ولكنهما آيَتَان من آيات الله، يُخَوَفُ بهما عِبَادهُ، فَإذا كَسَفَا فاَفْزَعُواَ إلى اَلَصلاةِ " (1) .
ش- عبيد بن عمير بن قتادة المكي.
قوله:" حتى إن سجال الماء " السجال جمع سَجل- بفتح السين المهملة، وسكون الجيمَ- وهو مذكر، وهو الدلو الذي فيه ماء قل أو كثر، ولا يقال لها وهي فارغة سَجل، وقيل: لا يقال لها سَجل إلا مملوءة، صالا فهو دلو.
قوله: " حتى تجلت الشمس " أي: حتى انكشفت.
قوله: " لموت أحد " أي: لأجل موت أحد، وهذا رد لما قالوا: " كسفت لموت إبراهيم ". وقد كان صادف كسوف الشمس موته، ويقال: هذا رد لكلام الضُّلال من المنجمين وغيرهم، ابنهما لا يكسفان إلا لموت عظيم أو لحدوث أمر عظيم ونحو ذلك.
قوله: " ولا لحياته " أي: ولا ينكسفان لأجل حياة الحد، وهي عبارة عن ولادة أحد.
أو له: " آيتان " أي: علامتان.
قوله:" يخوف بهما " أي: بكسوفهما.
قوله: " فافزعوا إلى الصلاة " أي: الجأوا إليها واستعينوا بها على دفع الأمر الحادث. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي بنحوه.
واعلم أن صلاة الكسوف رويت على الوجه كثيرة، ذكر أبو داود منها جملة، وذكر البخاري ومسلم جملة، وغيرهما جملة.
وقال الخطابي (2) : وقد اختلفت الروايات في هذا الباب، فرُوي أنه
__________
(1) مسلم: كتاب الكسوف، باب: صلاة الكسوف (6/ 902) ، النسائي: كتاب الكسوف، باب: نوع آخر من صلاة الكسوف (3/ 130) .
(2) معالم الحق (1/ 222) .

(5/27)


[2/ 103 - أ] ركع ركعتين في أربع ركعات وأربع سجدات (1) ،/ ورُوي أنه رفعهما في ركعتين وأربع سجدات، ورُوي أنه ركع ركعتين في ست ركعات والربع سجدات، ورُوي أنه ركع ركعتين في عشر ركعات والربع سجدات. وقد ذكر أبو داود أنواعا منها ويشبه أن يكون المعنى مي ذلك أنه صلاها مرات وكرات، وكان إذا طالت مدة الكسوف مد في صلاته، وزاد في عدد الركوع، ماذا قصرت نقص من ذلك، وحذا بالصلاة حذوها، وكل ذلك جائز، يصلي على حسب الحال ومقدار الحاجة فيه.
وقال الشيخ محيي الدين (2) : واعلم أن صلاة الكسوف أجمع العلماء على أنها سُنة، ومذهب مالك، والشافعي، وأحمد، وجمهور العلماء: إنه يسن فعلها جماعة، وقال العراقيون: فرادى. واختلفوا في صفتها، فالمشهور في مذهب الشافعي أنها ركعتان في كل ركعة قيامان وقراءتان وركوعان، وأما السجود فسجدتان كغيرها، وسواء تمادى الكسوف أو لا، وبهذا قال مالك، والليث، وأحمد، وأبو ثور، وجمهور علماء الحجاز، وغيرهم. وقال الكوفيون: هما ركعتان كسائر النوافل. وقال: واتفق العلماء على ابنه يقران الفاتحة في القيام الأول من كل ركعة، واختلفوا في القيام الثاني، فمذهبنا ومذهب مالك وجمهور أصحابه أنه لا تصح الصلاة إلا بقراءتها فيه، وقال محمد بن مسلمة من المالكية: لا يقرأ الفاتحة في القيام الثاني. واختلف العلماء في الخطبة لصلاة الكسوف، فقال الشافعي، وإسحاق، وابن جرير، وفقهاء أصحاب الحديث: يستحب بعدها خطبتان. وقال مالك، وأبو حنيفة: لا يستحب ذلك.
قلت: قال صاحب " الهداية ": إذا انكسفت الشمس صلى الإمام بالناس ركعتين كهيئة النافلة، في كل ركعة ركوع واحد. وقال الشافعي: ركوعين، له ما روت عائشة، ولنا رواية ابن عمر، والحال كشف على
__________
(1) في الأصل: " سجدتان " كذا.
(2) شرح صحيح مسلم (6/ 198 - 200) .

(5/28)


الرجال لقربهم فكان الترجيح لروايته، ويطول القراءة فيهما ويخفي، وقالا: يجهر. وعن محمد مثل قول أبي حنيفة، ويدعو بعدها حتى تنجلي الشمس، ويصلي بهم الإمام الذي يصلي بهم الجمعة، وإن لم يحضر صلى الناس فرادى تحرزا عن الفتنة، وليس في كسوف القمر جماعة، وليس في الكسوف خطبة. انتهى.
هذا حاصل مذهب أبي حنيفة في هذا الباب.
قوله: " وله ما روت عائشة " وهو الذي رواه الجماعة عن عروة، عن عائشة لما يجئ الآن، وتعلق الشافعي أيضا بحديث جابر، وابن عباس، وابن عمرو بن العاص.
قوله: " ولنا رواية ابن عمر " ليس هذا ابن عمر بل هو ابن عمرو بن العاص، وإنما هذا تصحيف من الكاتب، وقد روى رواية ابن عمرو: أبو داود، والنسائي، والترمذي في " الشمائل " لما نذكره عن قريب. وتعلق أبو حنيفة أيضا برواية سمرة بن جندل رواها أبو داود، والنسائي، وبرواية الحسن عن أبي بكرة أخرجها البخاري قال: وخسفت الشمس على عهد رسول الله، فخرج يجر رداءه حتى انتهى إلى المسجد، وثاب الناس إليه فصلى بهم ركعتين فانجلت الشمس فقال: " إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله " وإنهما لا يخسفان لموت أحد ولا لحياته , ولكن يخوف الله بهما عباده، فإذا كان ذلك فصلوا حتى يكشف ما بكم ". ورواه النسائي أيضا وقال فيه: " فصلى بهم ركعتين كما تصلون "، ورواه ابن حبان في " صحيحه "، وقال فيه: " فصلى بهم ركعتين مثل صلاتكم "، ووهم النووي في " الخلاصة " فعزا هذا الحديث للصحيحين , " أنما انفرد به البخاري. وتعلق أيضا برواية عبد الرحمن بن سمرة أخرجها مسلم قال: وكنت أرْتمِي بأسهم لي بالمدينة في حياة رسول الله في كسوف الشمس، قال: فانتهيتُ إليه وهو رافع يديه، فجعل يسبح ويحمد ويهلل ويكبر ويدعو حتى حضر عنها، فلما حضر عنها قرأ سورتين وصلى ركعتين ". وفي لفظ قال:" فأتيته وهو قائم في الصلاة، رافعا يديه

(5/29)


فجعل يسبح ويحمد ويهلل " إلى آخره. وظاهر هذين الحديثة أن الركعتين بركوع واحد، وقد تكلفوا للجواب عنهما فقال النووي: قوله: سب " وصلى ركعتين " يعني: في كل ركعة قياما وركوعا/. وقال القرطبي: يحتمل أنه إنما أخبر عن حكم ركعة واحدة، وسكت عن الأخرى.
قلت: وفي هذين الجوابين إخراج اللفظ عن ظاهره، وهو لا يجوز إلا بدليل، وأيضا فلفظ النسائي: " كما يصلون "، وابن حبان: " مثل صلاتكم " يرد ذلك، وتأوله المازري على أنها كانت صلاة تطوع لا كسوف، فإنه إنما صلى بعد الانجلاء، وابتداؤها بعد الانجلاء لا يجوز، وضعفه النووي بمخالفته للرواية الأخرى قال: بل يحمل قوله: " فانتهيت إليه وهو رافع يديه " على أنه وجده في الصلاة كما في الرواية الأخرى: " فأتيته وهو قائم في الصلاة " وكانت السورتان بعد الانجلاء تتميما للصلاة، فتمت جملة الصلاة ركعتين، أولها في حال الكسوف وآخرها بعد الانجلاء، وهذا لا بد منه جمعا بين الروايتين، وذكر القرطبي ما ذكره المازني أيضا ثم قال: لكن ورد في أبي داود عن النعمان بن بشير قال: وكسفت الشمسِ على عهد رسول الله، فجعل يصلي ركعتين، ويسأل عنها حتى تجلت الشمس " قال: وهو معتمد قوي للكوفية , غير أن أحاديث الركعتين في كل ركعة أصح وأشهر، ويحمل هذا على أنه بين الجواز وذاك هو السنة.
قلت: وقد غفل القرطبي عن حديث أبي بكرة عند البخاري كما تقدم، وفيه: " فصلى بهم ركعتين "، وتعلق أبو حنيفة بحديث قبيلة الهلالي أيضا رواه أبو داود لما نذكره عن قريب.
قلت: الصواب عندي أن لا يقال: اختلفوا في صلاة الكسوف، بل تخيروا، فكل واحد منهم تعلق بحديث ورآه أوْلى من غيره بحسب ما أدى اجتهاده إليه في صحته وموافقته للأصل المعهود في البواب الصلاة، فأبو حنيفة تعلق بأحاديث الجماعة الذين ذكرناهم ورآها أوْلى من رواية عائشة وابن عباس، لموافقتها القياس في أبواب الصلاة، على أن في

(5/30)


روايتهما احتمالا، وهو ما ذكره محمد بن الحسن في صلاة الأثر، فقال: يحتمل أنه- عليه السلام- أطال الركوع زيادة على قدر ركوع سائر الصلوات، فرفع أهل الصف الأول رءوسهم ظنا منهم أنه- عليه السلام- رفع رأسه من الركوع، فمن خلفهم رفعوا رءوسهم، فلما رأى أهل الصف الأول رسول الله راكعا ركعوا، فَمَنْ خلفهم ركعوا، فلما رفع - عليهما السلام - رأسه من الركوع رفع القوم رءوسهم، ومَن خلف الصف الأول ظنوا أنه ركع ركوعه، فرووه على حسب ما وقع عندهم، ومثل هذا الاشتباه قد يقع لمن كان في آخر الصفوف، وعائشة- رضي الله عنها- كانت واقعة في صف النساء، وابن عباس في صف الصبيان في ذلك الوقت، فنقلا كما وقع عندهما، فيحمل على هذا توفيقا بين الروايات.
***
249- باب: من قال: أربع ركعات
أي: هذا باب في بيان من قال: إن في صلاة الكسوف أربع ركعات. 1149- ص- نا أحمد بن حنبل، نا يحيي، عن عبد الملك، لا عطاء، عن جابر بن عبد الله قال:- كَسَفَت الشمسُ على عهدِ رسول الله، وكان ذلك اليوم (1) الذي مات فيه إِبراهيمُ ابْنُ رسول الله- عليه السلامَ-َ فقال الناسُ: إنما كَسَفَتْ لِمَوْت إِبراهيمَ (2) ، فقام النبي- عليه السلام- فَصلى بالناسِ ست رَكَعَات فِي أَربع سَجَدَات، كبرَ، ثم قَرَأ فَأطالَ القِراءةَ، ثم رَكَعَ نَحواً ممرا قَامَ، ثم رفعَ رأسَه فَقَرَأ لُهنً القِراءَة الأولَى، ثم رَكَعَ نحوا مما قامَ، ثم رَفَعَ رأسَه فَقَرَأ قِراءة " (3) الثالثةِ لحُونَ القِرَاءةِ الثانية، ثم رَكَعَ نحوا مما قَامَ، ثم رَفعَ رَأسَه فانْحَدرَ للسجُودِ فَسَجَدَ سَجْدتَينِ، ثَم قَامَ فركعَ ثلاثَ ركعاتٍ
__________
(1) في سنن أبي داود:" وكان ذلك في أليوم ".
(12 في سنن أبي داود: " إبراهيم ابنه صلى الله عليه وسلم ".
(3) في سنن أبي داود:" القراءة ".

(5/31)


قبلَ أن يَسْجُدَ لَيْسَ فيها رَكعة إلا التي قبلها أطولُ من التي بعدَهَا إلا أن
رُكُوعَه نحو من قيامه، قال: ثم تَأخرَ في صَلاته فَتَأخرَت الصفُوفُ معه،
ثم تَقَدمَ فقام في مَقَاَمَه، وتَقدمت الصفُوفُ فًقًضَى الصَلاةَ وقد طَلَعت الشمسُ، فقال: " يا أيهَا الناسُ، إِن الشمسَ والقمرَ آيَتانِ من آيتان الله عَزَّ
وجَلُّ، لا يَنكَسفَانِ لمَوْت بَشَرٍ، فإذا رَأيْتُم شيئا من ذلك فَصَلُّوَا حَتى
تَنْجَلِيَ " وساقَ بقيَةَ الحدَيثِ (1) .
ش- يحيى القطان، وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي (2) ،
[2/ 104 - أ] / وعطاء بن أبي رباح.
قوله: " إبراهيم ابن رسول الله " أمه: مارية القبطية، ولد في ذي الحجة
سنة ثمان، وتوفي سنة عشر وهو ابن ثمانية عشر شهراً هذا هو الأشهر
وقيل: ستة عشر شهراً وقيل: سبعة عشر شهراً وقيل: ستة عشر
شهرا وثمانية أيام، وقيل: سنة وعشرة أشهر وستة أيام. وتوفي يوم
الثلاثاء لعشر ليال خلت من ربيع الأول سنة عشر، وقد صحت الأحاديث
أن الشمس كسفت يوم وفاته.
فإن قيل: الكسوف في الشمس إنما يكون في الثامن والعشرين أو
التاسع والعشرين في آخر الشهر العربي، فكيف يكون ووفاته في العاشر،
وأجيب بأن هذا التاريخ يحكى عن الواقعي ذكره بغير إسناد، فقد تكلموا
فيما يسنده فكيف فيما يرسله؟ وقال الذهبي: لم يقع ذلك ولن يقع،
والله قادر على كل شيء.
قوله: " فصلى بالناس ست ركعات " يعني: في كل ركعة ثلاث
ركعات. وقد قال بعض الشافعية: إنما أخذنا بقول عائشة لأن فيه زيادة،
والأخذ بالزيادة أوْلى، فيرد عليهم هذا الحديث , لأن الزيادة فيه أكثر،
__________
(1) أخرجه مسلم: كتاب الكسوف، باب: ما عرض على النبي لمجلس في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار (10/ 904) .
(2) في الأصل: " العزرمي " خطأ.

(5/32)


وكذا الحديث الذي أخرجه مسلم أيضاً: " انه صلاها في كل ركعة أربع ركعات "، وكذا الحديث الذي رواه أبو داود: " أنه صلاها في كل ركعة خمس ركعات "، وقد قيل: إن هذا بحسب مكث الكسوف، فما طال مكثه زاد تكرير الركوع فيه، وما قصر اقتصر فيه، وما توسط اقتصد فيه واعترض على هذا بأن طولها ودوامها لا يعلم من أول الحال، مع كون النبي- عليه السلام- في المسجد لا يكاد يحقق أمرها، ولا رُوي ابنه برز إليها في الصحراء، ويمكن أن يجاب عنه بأنه قد يكون- عليه السلام- اطلع في كل صلاة على حالها بوحي من الله، أو إخبار ملك له، اهو إلهام من الله تعالى، ولا يحتاج إلى مشاهدة، ولا خروج إلى الصحراء، وقال بعضهم: صلى النبي- عليه السلام- صلاة الكسوف غير مرة وفي غير سنة، فروى كل واحد ما شاهده من صلاته، وضبطه من فعله. قوله: " ثم ركع نحو " قام " انتصاب " نحوا " على أنه صفة لمصدر محذوف تقديره: ثم ركع ركوعا نحواً، أي: مثلاً مما قام.
قوله: " فقرأ قراءة الثالثة " أي: الركعة الثالثة.
قوله: " فانحدر " أي: نزل للسجود.
قوله: " إلا أن ركوعه نحوٌ من قيامه "- ارتفاع " نحوٌ " على أنه خبر ما أنّ، أي: مثل وشبيه من قيامه، أو قريب من قيامه.
قوله: " ثم تأخر وتأخرت الصفوف معه " فيه دليل على أن العمل القليل
لا يبطل الصلاة.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : وضبط أصحابنا القليل بما دون ثلاث خطوات متتابعات وقالوا: الثلاث المتتابعات تبطلها، ويتأولون هذا الحديث على أن الخطوات كانت متفرقة لا متوالية.
قلت: مذهب أبي حنيفة: أن ثلاث خطوات تبطلها، وكذا خطوتين
لا الخطوة، إلا إذا كانت متفرقة، فلا تبطلها ولو كانت ثلاثاً
__________
(1) شرح صحيح مسلم (6/ 209) .
3، شرح منن أبى داود 5

(5/33)


قوله: " حتى تنجلي " أي: تنكشف. والحديث: أخرجه مسلم بطوله.
1150- ص- لا مؤمل بن هشام، نا إسماعيل، عن هشام، نا أبو الزبير،
عن جابر قال: كَسَفَتِ الشمسي على عَهد رسول الله- عليه السلام- في يَوم
شَديد الحَرِّ، فَصلى رسولُ الله بأصْحَابه، فأطَالً القيام حتى جَعلُوا يَخِرونَ،
ثم رَكًعَ فأطَالَ، ثم رَفَعَ فَأطَالً، ثم ركًعَ فأطَالَ، ثَم رَفَعَ فأطَالَ، ثم سَجَدَ سجدتين، ثم قَامَ فَصَنَعَ نَحواً من ذلك، فكان أرْبَعُ رَكَعَات وَأرْبَعُ سَجَدَات
وساقَ الحديث (1) .
ش- إسماعيل ابن علية، وهشام بن حسان، وأبو الزبير: محمد بن
مسلم بن تدرس.
قوله: " يخرون " أي: يقعون. والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
1151- ص- نا ابن السرح، نا ابن وهب ح، ونا محمد بن سلمه
المعادي، نا ابن وهب، عن يونس، عن ابن شهاب أخبرني عروةُ بن الزبير،
عن عائشةَ زوج النبيِّ- عليه السلام- قالتْ: خَسَفَت الشمسُ في حياة
رسول الله- عليه السلام-، فَخَرَجَ رسولُ الله- عليه السَلام- إلى الْمَسجدَ
فَقَامَ فًكَثرً، وَصُفَّ الناسُ وَرَاءَهُ فَاقْتَرَأ رسوَلُ الله- عليه السلام- قراءةً
طَوِيلَةً، ثم كبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعا طَوِيلاً، ثم رَفَعَ رأسَه فقال: " سَمِعَ الله لمن
[2/ 104 - ب] حَمدَهُ / ربنا ولك الحمدُ ما، ثم قَامَ فاقْتَرَأ قرَاءَةً طَوِيلةً، هي أَدْنَى من القِرَاءَة الأوَلَى، ثم كَبَّرَ فَرَكَعَ رُكُوعا طَوِيلا، هو أَدْنَى من الرُّكُوع الأوَّل، ثم قال
" سَمِعَ اللهُ لمن حَمدَهُ، رَبَّنا ولك الحمدُ ما ثم فَعلَ في الركعة الأخْرَى مثلَ
ذلك، فاسْتَكْمَلَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَأَرْبَعَ سَجَدَات، وانْجَلَتِ الشَمسُ قَبلَ أن
يَنْصَرِف (2) .
__________
(1) أخرجه مسلم: كتاب الكسور، باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة
الكسوف من أمر الجنة والنار (9/ 904) ، النسائي: كتاب الكسوف، باب:
كيف الخطبة في الكسوف؟ (3/ 152) .
(2) البخاري: كتاب الكسوف، باب: خطبة الإمام في الكسوف (1046) ،

(5/34)


ش- عبد الله بن وهب، ويونس بن يزيد.
قوله: " فاقترأ " بمعنى: قرأ.
وفيه من الفوائد: إثبات صلاة الكسوف، واستحباب فعلها في المسجد الذي تصلى فيه الجمعة، وقيل: إنما يخرج إلى المصلى لخوف فواتها بالانجلاء لسُنَة المبادرة بها، وفيه: استحباب الجماعة، وتجوز فُرَادَى، وفيه: الجمع بين التسميع والتحميد للأمام، وهو حجة أبي يوسف، ومحمد، والشافعي. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1152- ص- نا أحمد بن صالح، نا عنبسة، نا يونس، عن ابن شهاب قال: وكان كثير بن عباس يُحدثُ أن عبد الله بنَ عباس كان يحدثُ لا أن رسولَ اللهِ- عليه السلام- صلى في كُسُوف الشمسِ " مثلَ حَديث عُروةَ، عن عائشةَ، عن النبي- عليه السلام-، أنفه صلى ركعتين في كلّ رَكعة ركعتين (1) .ًَ ش- عنبسة بن خالد، ويونس بن يزيد الأيلي.
وكثير بن عباس بن عبد المطلب القرشي الهاشمي المدينة. روى عن: أبيه، وأخيه عبد الله بن العباس. روى عنه: الأعرج، والزهري. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي. وكنيته: أبو تمام، وُلِدَ سنة عشر قبل وفاة النبي- عليه السلام- بأشهر، وليست له صحبة (2) .
__________
= مسلم: كتاب الكسوف، باب: صلاة الكسوف (3/ 901) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الكسوف (561) ، النسائي: كتاب الكسوف، باب: نوع آخر منه عن عائشة (3/ 130) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الكسوف (1263) .
(1) البخاري: كتاب الكسوف، باب: صحة الكسوف جماعة (1052) ، مسلم: كتاب الكسوف، باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الكسوف من أمر الجنة والنار (907) ، النسائي: كتاب الكسوف، باب: كيف صلاة الكسوف؟ (3/ 128) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (24/ 4947) .

(5/35)


والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي.
1153- ص- نا أحمد بن الفرات بن خالد الرازي أبو مسعود، نا محمد بن عبد الله بن أبي جعفر الرازي، عن أبيه، عن أبي جعفر الرازي قال أبو داودَ: وحُدّثت حديثا (1) عن عمر بن شقيق قال: نا أبو جعفر الرازي- وهذا لفظُهُ وهو أتمُّ- عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن أبي بن كعب قال: انكشفت الشمسُ على عهدِ رسول الله- عليه السلامِ-، وإن النبي- عليه السلامِ -َ صلى بهمْ فَقَرَأ بسورة منه الأُوَل وَرَكَعَ خمْسَ رَكَعَات، وسَجَدَ سَجْدتنِ، ثم قًامَ الثانيةَ فَقَرَأ سُورة من الَطُّوَل، ورَكَعَ خَمْسَ ركًعَات وسَجَدَ سَجدتيْ، ثم جَلَسَ كما هو مُسْتَقْبِلَ القبلَة، يَدْعو حتى انجلَى كُسُوفُهَا (2) .
ش- محمد بن عبد الله بن أبي جعفر عيسى بن ماهان. روي عن: أبيه، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، وعبد العزيز بن أبي حازم، وغيرهم. روي عنه: أبو مسعود، ومحمد بن أيوب، وأبو حاتم الرازيون، وسئل عنه أبو حاتم فقال: صدوق. روي له: أبو داود (3) . وأبوه: عبد الله بن عيسى بن ماهان، روي عن: أبيه، وأيوب بن عتبة، وشعبة، وغيرهم. روي عنه: ابنه محمد، ومحمد بن عيسى بن الطباع، والحسن بن عمر، قال محمد بن حميد: سمعت من عبد الله ابن أبي جعفر عشرة آلاف حديث فرميت بها. وقال ابن عدي: وبعض حديثه لا يتابع عليه. روي له: أبو داود (4) .
وجده: عيسى (5) بن أبي عيسى ماهان كذا قال يحي بن معين، وحاتم بن إسماعيل، وقال يونس بن بكير: اسمه: عبد الله بن ماهان، أصله من مركز (6) ، سكن الري، وقيل: كان مولده بالبصرة. سمع:
__________
(1) كلمة " حديثا " غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (25 / 5335) .
(4) المصدر السابق (4 1/ 3208) .
(5) مكررة في الأصل.
(6) في الأصل:" مرو "، وما أثبتناه من تهذيب الكمال.

(5/36)


عطاء بن أبي رباح، وعمرو بن دينار، وقتادة، وابن المنكدر، وغيرهم.
روى عنه: ابنه عبد الله، وشعبة، ووكيع، وغيرهم. وقال محمد بن
سعد: كان ثقة، وكذلك قال ابن معين: وعنه يكتب حديثه ولكنه يخطئ
وفي لفظ: صالح. وقال ابن عمار: ثقة. وقال أبو زرعة: شيخ يهم
كثيراً وقال زكرياء بن يحيى الساجي: صدوق ليس بمتقن. وقال النسائي: ليس بالقوي. وقال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وعمر بن شقيق بن أسماء الجرمي (2) البصري. روى عن: إسماعيل
ابن مسلم، وأبي جعفر الرازي. روى عنه: روح بن عبد المؤمن،
ويحيى بن حكيم. قال ابن عدي: هو قليل الحديث. روى له
أبو داود (3) .
والربيع بن أنس البكري الخراساني. سمع: أنس بن مالك، وأبا
العالية، والحسن البصري. روى عنه: سليمان التيمي، والأعمش، والثوري، وأبو جعفر الرازي، وغيرهم. قال أحمد بن عبد الله:
بصري ثقة. وقال أبو حاتم: هو صدوق. توفي في سدود قرية من قرى
مرة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4) .
وأبو العالية: رفيع بن مهران البصري.
/ قوله: " من الطّويل لما بضم الطاء، وفتح الواو، جمع الطُولَى، مثل [2/ 105 - أ] الكُبَر في الكُبْرى، والسبع الطُّوَل هي البقرة، وآل عمران، والنساء،
والمائدة، والأنعام، والأعراف، والتوبة. وقال النووي في لا الخلاصة لا:
هذا الحديث لم يضعفه أبو داود، وهو حديث في إسناده ضُعْ ". قلت:
سكوت أبي داود يدل على أنه ليس بضعيف، إذ لو كان عنده ضعيهما لَلَوَّح
عليه.
__________
(1) المصدر السابق (33/ 7284) .
(2) في الأصل: " المخرمي "
(3) المصدر السابق (21/ 4258) .
(4) المصدر السابق (9/ 1853) .

(5/37)


1154- ص- نا مسدد، نا يحيي، عن سفيان، نا حبيب بن أبي ثابت، عن طاوس، عن ابن عباس، عن النبي- عليه السلام-: أنه صلى في كُسُوف (1) فَقَرَأ ثوم رَكَعَ، ثم قَرأ ثم رَكَعَ، ثم قَرَأ ثم رَكَعَ، ثم قَرَأ ثم رَكَعَ، ثم سَجَدَ، والأخْرى مِثلهَا " (2) -
ش- أي: الركعة الأخرى مثل الركعة الأولى. والحديث: أخرجه مسلم، والترمذي، والنسائي،
1155- ص- نا أحمد بن يونس، نا زهير، لا الأسود بن قيس، حدثني ثعلبة بن عباد (3) العبدي ثم (4) من أهلِ البصرة، أنه شَهِدَ خُطبةً يوما لسَمُرَةَ بنِ جندبا قال: قال سَمُرَةُ بنُ جُندبٍ: بينمَا أنا وغُلام من الأنصارِ نَرْقِي غرَضَين لنا حتى إذا كانتا الشمسُ قيدَ رُمْحينِ أو ثلاثة في عينِ الناظِرِ من الأفُقِ اسوُدَتْ حتى آضَتْ كَأنها تنومة، فقالَ أحدُنا لصاحبه: انطلِقْ بنا إلى المسجد فو الله ليُحْدثَن شَأنُ هذه الشمسِ لرسولِ الله- عليه السلام- في أمته حَدَثنا، قال "َ فَدَفَعْنَا فإذا هو بَارِز، فاسْتَقَدمَ فصَلىَ، فقام بنا كأطوَلِ ما قَامً بنا في صَلاة قَط، لا نَسمعُ له صوتاً قال: ثم رَكَعَ بنا كأطوَلِ ما رَكَعَ بنا في صَلاة قط، ً لا نَسمعُ له صوتاً قال (5) : ثم سَجَدَ بنا كأطوَلِ ما سَجَدَ بنا في صَلاةً قط، لا نَسمعُ له صَوتاً، قال (5) : ثم فَعَلَ في الركْعةِ الأخرى مثلَ ذلك، قال: فَوَافَقَ تَجَلِّيَ الشمسِ جُلُوسُه في الركْعَةِ الثانيةِ، قال: َ ثم
__________
(1) في سنن أبي داود: " كسوف الشمس ".
(2) مسلم: كتاب صلاة الكسوف، باب: ذكر من قال: إنه ركع ثمان ركعات في أربع سجدات (908) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الكسوف (560) ، النسائي: كتاب صلاة الكسوف، باب: كيف صلاة الكسوف (3/ 128، 129) .
(3) كتب فوقها " معا "، أي: بفتح العين المهملة وكسرها.
(4) كلمة " ثم " غير موجودة في سنن أبي داود.
(5) كلمة " قال " غير موجودة في سنن أبي داود.

(5/38)


سَلَّمَ (1) فحمدَ اللهَ، وأثنى عليه، وشَهدَ أنْ لا إله إلا الله، وشَهدَ أنه عبدُ الله ورسولُهُ، ثم سًاقَ أحمدُ بنُ يُونُسَ خُطبًةَ النبيِّ- عليه السلام- (2) .
ش- زهير بن معاوية.
والأسود بن قيس العَبْدي، وقيل: البجلي أبو قيس الكوفي. سمع: جندي بن عبد الله التجلي، وسعيد بن عمرو بن سعيد، وشقيق بن عقبة. روى عنه: الثوري، وابن عجينة، وشعبة، وزهير بن معاوية، وغيرهم. قال ابن معين: ثقة. روى له الجماعة (3) .
وثعلبة بن عباد العادي البصري. سمع: سمرة بن جندل. روى عنه: الأسود بن قيس. روى له: أبو ما،. د، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (4) .
وعبَاد بكسر العن وتخفيف الباء الموحدة، له صحبة، ويقال: فيه عَباد بفتح العين وتشديد الباء؟ والأول أشهر.
قوله:" بينما " قد مر الكلام فيه غير مرة، أن أصله " بَيْن " فزيدت فيه "ما" وأن بينا وبينما ظرفا زمان بمعنى المناجاة، ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى، والجواب هاهنا.
قوله: " نَرْمي غَرضين " الغَرض- بفتح الآن، والراء-: الهَدفُ. قوله: " قيدَ رمحين " بكسر القاف، يقال: قِيلَ رمح، وقاد رمح، وقاب رمح، أي: قدر رمح.
قوله: " حتى آضت" أي: رجعت وصارت، من آل يوفر أيضاً
__________
(1) في سنن أبي داود:، ثم سلم، ثم قام فحمد،.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في صفة القراءة في الكسوف (562) ، النسائي: كتاب الكسوف، باب: نوع آخر (3/ 140) ، ابن ماجه: كتاب أقامة الصحة، باب: ما جاء في صلاة الكسوف (1264) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3/ 506) .
(4) المصدر السابق (4/ 844) .

(5/39)


قوله: " تَنُّومةٌ " بفتح التاء ثالثة الحروف، وتشديد النون وضمها، وبعدها واو ساكنة وميم: نَوع من نبات الأرض فيها، وفي ثمرها سواد قليل، ويقال: هو شجر له ثمر كَمِدُ اللون.
قوله: " فإذا هو بارز " من البروز وهو الظهور. وقال الخطابي (1) : "هذا تصحيف من الراوي، وإنما هو بأزز، أي: بجمع كثيرِ، تقول العربُ الفصحاء منهم: أزز، والبيْت منهم أزَز، إذا غصَ بهم لكثرتهم ". قوله: " لا نسمع له صوتا ما هذا دليل على ابنه لم يجهر بالقراءة، وفي قول عائشة أيضا: " فحَزرتُ قراءته " دليل على أنه لم يَجهْر، وفيه حجة لأبي حنيفة. والذي روى البخاري ومسلم عن عائشة، أن النبي- عليه السلام- جهر في صلاة الكسوف لبنان الجواز، ويُحتمل أن يكون جهرَ مرةً وخَفَتَ أخرى.
قوله: " فوافق تجلي الشمس جلوسُه " / ارتفاع جلوسه على أنه فاعل وافق ومفعوله قوله: " تجلي الشمس ". والحديث: أخرجه الترمذي مختصراً، والنسائي مُطولا ومختصرات، وابن ماجه مختصرات، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
1156- ص- نا موسى بن إسماعيل، لا وُهَيب، عن (2) أيوب، عن أبي صلابة، عن قبيلة الهلالي قال: كَسَفَتِ الشمسي على عهد رسولِ الله - عليه السلام- فَخَرَجَ فزعا يَجُرُّ ثَوبَه وأنا معه يومَئذ بالمدينة، فصًلى رَكْعتين فأطَالَ فيهما القيام، ثم انصرَفَ وانجلت، فقال: "إنما هذه الآياتُ يُخَوف اللهُ بها، فإذا رَأيْتُمُوهَا فَصَلوا كأحدَث صَلاة صَلَيْتُمُوهَا من المَكْتُوبَةِ " (3) .ش- وُهَيب بن خالد، وأيوب السختياني، وأبو صلابة: عبد الله بن زيد الجرمي.
__________
(1) معالم الحق (1/ 223) .
(2) في سنن أبي داود:" حدثنا ".
(3) أخرجه النسائي: كتاب صلاة الكسوف، باب: الأمر بالدعاء في الكسوف (3/ 144) .

(5/40)


وقبيصة بن المخارق بن عبد الله بن شداد بن أبي ربيعة الهلالي، وفد على النبي- عليه السلام-، ورُوي له عنه ستة أحاديث. ربكما له مسلم حديثا واحداَ مقرونا بزهير بن عمرو الهلالي. ربكما عنه: كنانة بن نعيم، وأبو عثمان المهدي، وابنه قطن بن قبيحة، وأبو قرابة. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
قوله: " وهيب عن أيوب " وفي بعض النسخ: " وهيب أظنُّه عن أيوب " وليس في نسخة ابن الأعرابي لفظ " أظنه " وهي الصحيحة.
قوله: " فزعا " حال من الضمير الذي في " فخرج "، وكذا قوله: " يجرّ ثوبيه " حال، وكذا قوله: " وأنا معه ".
قوله: " إنما هذه الآيات " أي: العلامات، وهي إشارة إلى كسوف الشمس وغيره نحو: خسوف القمر، والزلزلة، وهبوب الريح الشد [يد] ة، والظلمة الشديدة، مع هذه كلها تشرع الصلاة، فلذلك قال: " فإذا رأيتموها " أي: تلك العلامات " فصلوا " لله تعالى " كأحدث صلاةٍ صليتموها من المكتوبة " بمعنى: أن آيةً من هذه الآيات إذا وقعت مثلاً بعد الصبح تصلى، ويكون في كل ركعة ركوعين، وإن كانت بعد المغرب يكون في كل ركعة ثلاث ركعات، دان كانت بعد الرباعية يكون في كل ركعة أربع ركوعان (2) ، ويجور أن يكون المراد الجهر والإضرار في الزراعة، بمعنى: أن آية من هذه الآيات إذا وقعت عقيب صلاةٍ جهرية، تصلى ويجهر فيها بالقراءة، وإن وقعت عقيب صلاةٍ سرية، تُصلى ويخافت فيها بالقراءة، والحديث رواه النسائي، والحاكم فيه المستدرك " بالسند المذكور، وقال: حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. ورواه البيهقي أيضا بالسند المذكور ثم قال: سقط بين أبي قرابة وقبيلة
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 254) ، وأسد الغابة (4/ 383) ، والإصابة (3/ 222) .
(2) في الأصل: " ركعات ".

(5/41)


رجل، وهو هلال بن عامر، وقال النووي في " الخلاصة ": وهذا لا يقدح في صحة الحديث.
1157- ص- نا أحمد بن إبراهيم، نا ريحان بن سعيد، نا عباد بن منصور، عن أيوب، عن أبي قلابة، عن هلال بن عامر، أن قبيصةَ الهلالي حَدثه، أَن الشمسَ كَسَفَت- بمعنى موسى (1) - قال: حتى بَدَت النجوم (2) .
ش- ريحان بن سعيد بن المثنى بن معدان أبو عصْمة الناجي السامي (3) البصري، إمام مسجد عَبَّاد بن منصور. سمع: شعبة، وعباد بن منصور. روى عنه: أحمد بن إبراهيم، وإسحاق بن راهويه، وعلي بن المدينة، وغيرهم. توفي بالبصرة سنة ثلاث أو أربع ومائتين. روى له: أبو داود، والنسائي (4) .
وعباد بن منصور أبو سلمي الناجي، وأيوب: السختياني، وأبو قلابة: عبد الله وهلال بن عامر، وقيل: ابن عمرو بصري، روى عن: قبيصة ابن مخارج. روى عنه: أبو قرابة. روى له: أبو داود.
قوله: " بمعنى موسى " أي: بمعنى حديث موسى، قال: " حتى بَدت " أي: ظهرت " النجوم ".
***
250- بَابُ: القراءة في صلاة الكُسُوف
أي: هذا باب في بنان القراءة في صلاة الكسوف.
1158- ص- نا عُبَيد الله بن سَعْدَ، حدثني عمي، نا أبي عن محمد ابن إسحاق، حدثني هشام بن عودة. وعبد الله بن أبي سلمي، عن سليمان
__________
(1) في سنن أبي داود: " بمعنى حديث موسى ".
(2) تفرد به أبو داوود.
(3) في الأصل: " الشامي " خطأ.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 1943) .

(5/42)


ابن يسار، كل (1) قد حدثني عن عروة، عن عائشة قالت: كَسَفَت الشمسَ على عهدِ رسول الله، فَخرجَ رسولُ الله/ فصلى بالناسِ، فرقاً فَحَزَرْت [2/ 106 - أ] قراءتَه فَرُئِيتُ (2) أنه قَرَأ سُورَةَ (3) البقَرة- وسَاقَ الحديثَ- ثم سَجَدَ سَجدتينِ، ثم قَامَ فأطَالَ القراءةَ فحزَرْتُ قِراَءته فَرُئِيتُ (2) أنه قَرأ سُورةَ (3) آل عِمْرانَ (4) .
ش- عُبيد الله بن سَعْد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو الفضل، نزِيلُ سامرَّاء، وهو ابن أخي يعقوب بن إبراهيم بن سعد. سمع: عمه يعقوب، وروح بن عبادة. روى عنه: البخاري، وأبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، وأبو بكر الباغندي، وغيرهم. قال ابن أبي حاتم: كتبت عنه مع أبي وهو صدوق، مات في ذي الحجة سنة ستين ومائتين (6) .
وعمه: يعقوب بن إبراهيم الزهري قد ذكرناه، ووالد يَعْقُوب: إبراهيم بن سَعْد بن إبراهيم قد ذكر مرةَ.
وعبد الله بن أبي سلمي واسمه: ميمون الماجشون التيمي، مولى آل المنذر القيمي المدني. روى عن: عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عامر ابن ربيعة، وعبد الله بن عبد الله بن عمر. روى عنه: يحمى بن سعيد الأنصاري، وعمرو بن الحارث، ومحمد بن إسحاق بن يَسار. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (7) .
أو له: " فحزرت " أي: قدرت.
قوله: " فَرُئِيت " على صيغة المجهول في الموضعين بمعنى: ظننتُ، وفيه حجة لأبي حنيفة أيضاً وروى أحمد في " مسنده " بإسناده إلى ابن
__________
(1) في سنن أبي داود:" كلهم ".
(2) في سنن أبي داود: " فرأيت ".
(3) في سنن أبي داود: " بسورة "
(4) تفرد به أبو داود.
(5) صح.
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (19/ 3637) .
(7ر0 المصدر السابق (15/ 3314) .

(5/43)


عباس قال: " صليت مع النبي- عليه السلام- الكسوف فلم أسمع منه فيها حرفا من القراءة " ورواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده "، وأبو نعيم في " الحلية "، والطبراني في " معجمها " والبيهقي في " المعرفة "
1159- ص- نا العباس بن الوليد بن مَزْيَد، أخبرني أبي، نا الأوزاعي، أخبرني الزهري، أخبرني عروة بن الزبير، عن عائشة- رضي الله عنها- أن رسولَ الله- عليه السلام- قَرأ قِراءةَ طَوِيلةَ فَجَهَرَ بها، يعني في صَلاةِ الكُسُوفِ (1) .
ش- أبوه: الوليد بن مَزْيَد- بالزاي- البَيْروتي.
وفيه حجة لأبي يوسف ومحمد والشافعي. وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي بمعناه.
1160- عن- نا القعنبي، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن عطاء بن يَسار، [عن أبي هريرة والصواب] (2) عن ابن عباسِ قال: خَسَفَت الشمسُ فصلى رسولُ اللهِ- عليه السلام- والناسُ مَعه، فقامَ قِياما طَوِيلاً بنحوِ من سُورَةِ البَقَرةِ، ثم رَكَعَ وسَاقَ الحديثَ (3) .
ش- أي: بمثل من سورة البقرة، وهذا يدلّ أيضا على أنه- عليه السلام- خافَت بالقراءة. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائيّ.
****
__________
(1) تفرد به أبو داود
(2) غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) أخرجه البخاري: كتاب الكسوف، باب: صلاة الكسوف جماعة (1052) ، مسلم: كتاب الكسوف، باب: ما عرض على النبي صلى الله عليه السلام في صلاة الكسوف
من أمر الجنة والنار (17/ 907) ، النسائي: كتاب الكسوف، باب: قدر القراءة في صلاة الكسوف (3/ 146) .

(5/44)


251- بَاب: ينادي فيهَا بالصّلاةِ
أي: هذا باب في بنان النداء، أي: الإعلام بصلاة الكسوف.
1161- ص- نا عمرو بن عثمان، نا الوليد، نا عبد الرحمن بن نمِر، أنه
سَألَ الزهريَ، فقال الزهري: أخبرني عروةُ، عن عائشة قالت: كَسَفَت الشمسُ فأمرَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جميع رَجُلاً فناسَ أنه الصلاةَ جَامِعَةً (1) .
ش- الوليد بن مُسلم الدمشقي.
وعبد الرحمن بن نمِر أبو عمرو اليحصبي الشامي الدمشقي. روى عن: الزهري. روى عنه: الوليد بن مسلم. قال ابن معين: هو ضعيف.
وقال أبو حاتم: ليس بقويّ، لا أعلم روى عنه غير الوليد بن مسلم وسليمان بن كثير. وقال رحيم: هو صحيح الحديث. روى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (2) .
قوله: " أن الصلاة جامعةً " " لأن " بفتح الهمزة وتخفيف النون للتفسير،
و" الصلاة " نصر على أنه مفعول لفعل محذوف، والتقديرُ أقيموا الصلاة، أو ائتُوها، و" جامعة " نصت على الحال من " الصلاة "، أي:
حال كونها جامعةً للناس، والحديث أخرجه مسلم مطر،، وأخرجه البخاريّ ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص. وهذا استحسنه العلماء للإعلام، وقد قلنا: إنه ليس فيها الأذان والإقامة.
***