شرح أبي داود
للعيني 252- بَابُ: الصدَقة فيها
أي: هذا باب في بنان الصدقة في صلاة الكسوف.
1162- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن عروة،
عن عائشة- رضي الله عنها-: أن النبي- عليه السلام-/ قال:
لا الشمسُ [2/ 106
__________
(1) مسلم: كتاب الكسوف، باب: صلاة الكسوف (4/ 901) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/ 3981) .
(5/45)
والقمرُ لا يَخْسفَان لمَوْت أحَد ولا
لحياته، فإذا رَأيْتُم ذلك فادْعُوا الله عمر وَبَئ،
وكبِّر وا وَتُصَدَّقوا " (1) .
ش- " ذلك " أي: الخسوف، " فادعوا الله "، وفي رواية: "
فاذكروا الله ".
قوله: " وتصدقوا " أطلق ذلك ليتناول جميع أنواع الصدقات،
وسواء كانت قليلة أو كثيرة، وإنما المرد بها لأن الصدقات
تدفع البلاء والعذاب، والكسوف والخسوف من جملة الآيات
المنذرة بالعذاب. والحديث: أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي
مُطولا.
***
253- بَابُ: العِتْق فِيهَا
أي: هذا باب في بنان العتق في صلاة الكسوف.
1163- ص- نا زُهَير بن حرب، نا معاويةُ بن عَمرو، نا
زائدة، عن هشام، عن فاطمة، عن أسماءَ قالت: كان النبي-
عليه السلام- يأمُرُنَا (2) بالعَتَاقَةِ فِي صَلاةِ
الكُسُوفِ (3) .
ش- زائدة بن قديمة، وهشام بن عروة، وفاطمة بنت المنذر بن
الزبير ابن العوام، زوجة هشام بن عروة، وقد ذكرت، وأسماء
بنت أبي بكر الصديق.،
قوله:" بالعَتاقة " بفتح العن يقال: أعتق العبد يعتِق-
بكسر التاء- عتقا وعَتاقا وعَتَاقةً وعاتقٌ، وأعتقته أنا،
وهذا الأمر للاستحباب
__________
(1) أخرجه البخاري: كتاب الكسوف، باب: لا تنكشف الشمس لموت
أحد ولا لحياته (1058) ، مسلم: كتاب الكسوف، باب: (29/
915) ، النسائي: كتاب الكسوف، باب: الأمر بالصلاة عند كسوف
الشمس (3/ 125) .
(2) في حق أبي داود: " يأمر ".
(3) أخرجه البخاري: كتاب الكسوف، باب: من أحب العتاقة في
كسوف الشمس (1054) .
(5/46)
لترغيب الناس في الخير، كما أمرهم
بالصَدقة. والحديث أخرجه البخاري.
***
254- بَابُ: مَنْ قَال: يَركَعُ رَكعَتيْن
أي: هذا باب في بنان قول من قال: يركع ركعتين في صلاة
الكسوف. 1164- ص- نا أحمد بن أبي شعيب الحراني، حدثني
الحارثُ بن عمير البصري، عن أيوب السختياني، عن أبي قلابة،
عن النعمان بن بشير قال: كَسَفَت الشمسُ على عهد رسول
الله- عليه السلام- فَجَعَلَ يُصَلِّي رَكْعتينِ
رَكْعتيَنِ ويَسأل عَنها حتىَ انْجَلَت (1) .
ش- الحارث بن عمير البصري أبو عمير، نزيل مكة. روى عن:
أيوب السختياني. روى عنه: عبد الرحمن بن مهدي، وأبو أسامة،
وابن عيينة، ويعلى بن عبيد، وأحمد بن أبي شعيب، إبراهيم بن
محمد الشافعي، وابنه: حمزة بن الحارث. وقال ابن معين: ثقة-
وقال أبو حاتم: ثقة. وقال أبو زرعة: ثقة، رجل صالح. وقال
ابن حبان: كان ممن يَرْوي عن الإثبات الأشياءَ الموضوعات.
روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، واستشهد
به البخاري (2) . والحديث أخرجه النسائي، وابن ماجه، وقال
البيهقي: هذا مرسل، أبو صلابة لم يسمع من النعمان.
قلت: صرح فيه الكمال بسماعه من النعمان. وقال ابن حزم: أبو
قرابة أدرك النعمان، وروى هذا الخبر عنه. وصرح ابن عبد
البر بصحة هذا الحديث وقال: من أحسن حديث ذهب إليه
الكوفيون حديث
__________
(1) النسائي: كتاب الكسور، باب: نوع آخر (3/ 141) ، ابن
ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في صلاة الكسوف
(1262) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5/ 1036) .
(5/47)
أبي قلابة عن النعمان، فصار قول البيهقي: "
لم يسمعه منه " دعوى بلا
دليل.
1165- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن عطاء بن السائب،
عن أبيه، عن عبد الله بن عَمرو قال: انكَشفَت الشمسُ على
عَهْد رسولَ الله
- عليه السلام-، فَقَامَ رسولُ الله لم يَكَدْ يَرْكَعُ ثم
رَكَعِ، فلم يَكًدْ يَرْفَع ثم
رَفَعَ، فلم يَكَدْ يَسْجُدُ ثم سَجَدَ، فَلم يَكَد
ْيَرفعُ ثم رَفع، فلم يَكَدْ يَسجدُ ثم
سَجَدَ، فلم يَكَدْ يرفعُ ثم رَفَعَ، وفَعَلَ في الركْعَة
الأخْرَى مثلَ ذلك، ثم نَفَخ
في آخِرِ سُجُودهِ فقال: " أف أف "، ثم قالَ: لا رَبِّ،
ألَمْ تَعدْنِي أن لا
تعَذبهُم وأنا فِيهم؟ ألَمْ تَعدْنِي أن لا تُعَذبهم وهم
يَسْتَغفِرُونَ؟ " فَفَرخَ
رسولُ اللهِ من صلاِتهِ وقد أَمْحَصَتِ الشمسُ، وساقَ
الحديثَ (1) .
ش- أبوه السائب بن مالك الثقفي، ويقال: الأشعري، ويُقال:
السائب بن يَزيد أبو يَحْيى، وهو والد عطاء. سمع: عليه بن
أبي طالب
وعمار بن ياسر، وعبد الله بن عمرو بن العاص. روى عنه: ابنه
عطاء،
وأبو إسحاق الطبيعي. روى له: أبو داود، والنسائي، وابن
ماجه (2) .
قوله: " لم يكد يرفع " يعني: لم يكد في القيام واقفا زمانا
طويلاً ثم
ركع، فلم يكد يرفع رأسه، بمعنى: أنه أطال في الركوع.
قوله: " ثم رفع " أي: ثم رفع رأسه من الركوع وسجد فلم يكد
يَسجد، ووقف زمانا طويلاً ثم سجد فلم يكد يرفع رأسه من
السجدة،
وقعد زمانا طويلاً، ثم رفع رأسه، وفعل في الركعة الأخرى
مثل ما فعل
في الركعة الأولى.
قوله:" ثم نفخ في آخر سجُوده " فسر النفخ بقوله: " فقال:
أف [2/ 107 - أ] أف" / بتسكين الفاء، و " أف " لا تكون
كلاما حتى تشددَ الفاء، فتكون
__________
(1) النسائي: كتاب الكسوف، باب: نوع آخر (3/ 137) ، باب:
القول في السجود في صلاة الكسوف (3/ 149) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/ 2173) .
(5/48)
على ثلاثة أحرُف من التأفيف، وهو قولك: "
أف لكذا "، فأما " أف " والفاء خفيفة فليس بكلام، والنافخ
لا يُخْرِجُ الفاءَ مُشددةً، ولا يكادُ يُخرجُها فاء
صادقةً من مخرجها، ولكنه يفشيها من غير إطباق الشفة على
الشفة، وما كان كذلك لا يكون كلاما، وبهذا استدل أبو يوسف
على أن المصلي إذا قال في صلاة " أفْ " أو " أهْ " أو " أخ
" لا تفسد صلاته. وقال أبو حنيفة ومحمد: تفسدُ لأنه من
كلام الناس، وأجابا أن هذا كان ثم نسِخ.
قوله: "وقد أمحصَت الشمس " معناه: انجلت من الإمحاص، وأصل
المحص: الخلوص، وقد محصته محصا إذا خلصته، وانمحص هو إذا
خلص وقد تدغم فيقالُ افحص، ومنه تمحيص الذنوب وهو التطهير
منها، وتمحص الظلمة انكسافها وذهابها، وفي رواية: " محضت
الشمس " بالضاد المعجمة، والمعنى: نَصَع لونها، وخلُص
نُورُها، وكل شيء خَلُص حتى لا يشوبُه شيء يُخالِطه فهو
مَحْض.
والحديث: أخرجه الترمذي، والنسائي، وأخرجه الحاكم في!
المستدرك " وقال: صحيح ولم يخرجاه من أجل عطاء بن السائب.
قلت: قد أخرج البخاري لعطاء حديثا مقرونا بأبي بشر، وقال
أيوب: هو ثقة.
1166- ص- نا مسدد، نا بشر بن المفضل، نا الجُرَيري، عن
حيان بن عمير، عن عبد الرحمن بن سمرة قال: بينا أنا
أتَرَفَى بأسْهُمِي (1) في حياة رسول الله صلى الله عليه
وسلم إذا خَسَفَت الشمسُ، فَنَبَذتُهن وقلتُ: لأنظُرَن ما
أحْدِثَ لرسولَ اللهِ في (2) كُسُوفِ الشمسِ اليومَ؟
فانتهيتُ إليه وهو رَافع يدَيْه يُسبحُ ويَحْمَدُ ويُهَللُ
ويدْعُو، حتى حسرة عن الشمس، فَقرأ بسورَتين ورَكعً
ركعتينِ (3) .ً
__________
(1) في سنن أبي داود: " بينما أنا أترمي بأسهم ".
(2) سقطت كلمة " في " من سنن أبي داود.
(3) أخرجه مسلم: كتاب الكسوف، باب: ذكر النداء بصلاة
الكسوف (26 / 913) =
4 5 شرح سنن أبي داوود 5
(5/49)
ش- الجُرَيري هو سعيد بن إياس البصري،
وحيان- بالياء آخر الحروف- بن عمير الجُريري أبو العلاء.
وعبد الرحمن بن سمرة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف
القرشي العَبْشمي، يكنى: أبا سَعيد، أسلم يوم فتح مكة،
وصحب النبي- عليه السلام- وغزا خراسان في زمن عثمان بن
عفان، وهو الذي افتتح سِجدتان وكابل. رُوي له عن رسول
الله- عليه السلام- أربعة عشر حديَثا، اتفقا منها على حديث
واحد، وانفرد مسلم بحديثين. روى عنه: عبد الله بن عباس،
وابن سيرين، وابن المسيب، والحسن البصري، وحيان بن عمير،
وغيرهم. مات سنة خمسين بالبصرة. روى له: الجماعة (1)
قوله: " أترمى" بتشديد الميم، قال يَعقوبُ: خرجتُ أترمي
إذا خرجت تَرْمي في الأغراض، أو في أصول الشجر، وخرجتُ
أرتمِي إذا رميتُ القنَصَ، وتَرامَى الرَجُلان. وقال الشيخ
محيي الدين: يقال: أرْمي وأرْتَمي وأترامَى وأترَمى.
قوله: " فنبذتهن " أي: ألقيتُهن.
قوله: " حتى حَسِرَ عن الشمس " أي: حتى جَلى الكسوف عنها،
وهو بفتح الحاء، وكسر السن المهملتين وأخرجه مسلم،
والنسائي.
***
255- بَابُ: الصلاة عند الظلمة ونحوها
أي: هذا باب في بنان الصلاة عند اشتداد الظلمة ونحوها، مثل
الزلزلة، والريح الشديدة، والمطر العظيم، ونحو ذلك.
= النسائي: كتاب الكسوف، باب: التسبيح والتكبير والدعاء
عند كسوف الشمس (3/ 124) .
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 402) ،
وأسد الغابة (3/ 454) ، والإصابة (2/ 400) .
(5/50)
1167- ص- نا محمد بن عمرو بن جَبَلة بن أبي
رواد، نا حَرَمِي بن
عمارة، عن عُبَيد الله بن النضر، حدثني أبي قال: كانت
ظُلمَة على عهدِ
أنس بن مالك، قال: فأتيتُ أنسَ بنَ مالك (1) فقلت: يا
أَبَا حَمزةَ، هل كانَ
يُصيبكُم مثلُ فذا على عهدِ رسولِ صلى الله عليه وسلم؟
قال: مَعَاذَ اللهِ، إن كانتْ الرَّيحُ
لَتَشْتَد فَنُبَا "رُ المَسْجِدَ مَخَافَةَ القِيامَةِ
(2) .
ش- محمد بن عمرو بن عباد بن جبلة بن أبي رواد البصري. روى
عن: غندر، وأبي عامر العقدي، ومسلم بن قتيبة، وأبي عاصم
النبيل، وغيرهم. روى عنه: مسلم، وأبو داود، والحسن بن
سفيان (3) .
وحرمي بن عمارة بن أبي حفصة العتكي مولاهم أبو روح. سمع:
شعبة، وقرة بن خالد، وغيرهم. روى عنه: عبيد الله بن عمر
القواريري، وعلي بن المديني، والبخاري، ومسلم، وأبو داود،
والنسائي، وابن ماجه. قال ابن معين: صدوق (4) .
وعبيد الله بن النضر أبو النضر القيسي من ولد قيس بن عباد.
سمع:
أباه. وروى عن: أنس بن مالك. روى/ عنه: أبو عاصم، وحرمي
[2/ 107 - ب] ابن عمارة، وابن المبارك، وغيرهم. قال ابن
معين: ثقة. روى له:
أبو نا ود، والترمذي (5) .
وأبوه: النضر- بالنون والضاد المعجمة- القيسي. روى عن: أنس
ابن مالك. روى عنه: ابنه: عبيد الله. روى له: أبو داود.،
والترمذي (6) .
قوله: " أن كانت الريح لتشتد " " إن " مخففة من مثقلة،
والأصل: إنه
كانت الريح لتشتد، واللام فيه للتأكيد.
__________
(1) في سنن أبي داود: " فأتيت أنسا ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5511) .
(4) المصدر السابق (5/ 1169) .
(5) المصدر السابق (19/ 3690) .
(6) المصدر السابق (29/ 6423) .
(5/51)
قوله: " فنبادر " أي: نسارع.
قوله: " مخافة القيامة " نصب على التعليل.
ويستفاد من الحديث: أن الصلاة تشرع للظلمة، وللريح الشديدة
ونحوهما. وحكى البخاري في " التاريخ ": أن هذا الحديث فيه
اضطراب.
***
256- بَابُ: السُّجُود عند الآيات
أي: هذا باب في بيان السجود عند العلامات.
1168- ص- نا محمد بن عثمان بن أبي صفوان الثقفي، نا يحيى
بن كثير، نا سلمُ بن جَعْفر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة
قال: قيل لابن عباس: مَاتَتْ فُلانة بعضُ أزواج النبي-
عليه السلام-، فَخَر ساجداً فقيل له: تَسْجُدُ (1) هذه
الساعَة؟ فقال: قال رسولُ اللهِ- عليه السلام-: " إذا
رَأيْتُمْ آيَةً فاسْجُدُوا " وَأفي آية أعْظَمُ مِن ذهاب
أزْوَج النبي- عليه السلام- (2) "؟
ش- محمد بن عثمان بن أبي صفوان بن مروان بن عثمان بن أبي
العاص الثقفي البصري. روى عن: أمية بن خالد، وعبد الرحمن
ابن مهدي، وابن أبي عدي، ويحيى بن كثير. روى عنه: أبو
داود، والترمذي، وأبو حاتم- وقال: بصري ثقة-، والنسائي (3)
.
ويحيى بن كثير بن درهم البصري أبو غسان العنبري مولاهم،
أصله خراساني، رأى معاوية بن مرة، وطاوسا، وسمع قولهما.
وروى عن: عمران بن حديد، وشعبة، وغيرهم. روى عنه: خالد بن
الحارث،
__________
(1) في سنن أبي داود: " أتسجد ".
(2) الترمذي: كتاب الملتهب، باب: فضل أزواج النبي- صلى
الله عليه وسلم (3891) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5457) .
(5/52)
وعمرو بن علي، ومحمد بن عثمان، وغيرهم. قال
أبو حاتم: صالح الحديث. روى له الجماعة (1) .
وسلم بن جعفر الأعمى أبو جعفر. روى عن: الحكم بن أبان،
والجريري، والوليد بن كثير. روى عنه: يحيى بن كثير أبو
غسان، ونعيم بن حماد وقال: كان ثقةً. روى له: أبو داود،
والترمذي (2) . والحكم بن أبان العدني أبو عيسى.
قوله: " إذا رأيتم آية " أي: علامة، وهي بإطلاقها سائر
الآيات المخوفة، مثل الريح الشديدة، والظلمة الشديدة،
والزلزلة، والسيل العظيم، والنار العظيمة، ونحو ذلك،
ويندرجُ تحت فعل ابن عباس - رضي الله عنه- جواز السجدة عند
موت عالم كبير مقتدى، أو سلطان عادل , لأن موت مثل هؤلاء
من الآيات. والحديث أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن غريبٌ لا
نعرفه إلا من هذا الوجه. وقال الموصلي: سلم بن جعفر متروك
الحديث، لا يحتج به. وذكر له هذا الحديث. قلت: سكوت أبي
داود أدناه يدلُ على أن الحديث حسنٌ كما قال به الترمذي،
وسلم بن جعفر قال يحيى بن كثير العنبري: كان ثقة.
***
تفريعُ أبواب صَلاةِ المُسَافر
أي: هذا تفريع أنواع صلاة المسافر، وفي بعض النسخ: " أبواب
صلاة المسافر " بدون لفظ تفريع.
257- بَابُ: صَلاةِ المُسَافِر
أي: هذا باب في بيان صلاة المسافر، وفي بعض النسخ: " باب
في فرض صلاة المسافر "
1169- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن صالح بن كيسان، عن عرو
__________
(1) المصدر السابق (31/ 6904) .
(2) المصدر السابق (11/ 2425) .
(5/53)
ابن الزبير، عن عائشة قالت: فُرِضَتِ
الصلاةُ رَكْعتين ركعتين في الحَضَرِ والسَّفَرِ، فأقرَتْ
صَلاةُ السَّفرِ،! زِيدَ في صَلاةِ الحَضَرِ (1) .
ش- قال أبو إسحاق الحربي: إن الصلاة قبل الإسراء كانت صلاة
قبل غروب الشمس، وصلاة قبل طلوعها، ويشهد له قوله سبحانه:
{وسبِّحْ بحَمْد ربكَ بِالعَشِي وَالإبكَار} (2) ، وقال
يحيى بن سلام مثله، وقد كانَ الإسرَاء وفرض الصلواَت
اَلخمس قبل الهجرة بعام، فعلى هذا يحمل قول عائشة: " فزيد
في صلاة الحضر " أي: زيد فيها حتى كملت خمسا، فيكون
الزيادة في الركعات وفي عدد الصلوات، ويكون قولها:" فرضت
الصلاة ركعتين " أي: قبل الإسراء، وقد قال بهذا طائفة من
السلف منهم ابن عباس. وقال بعضهم: لم يوجد هذا في أثر
صحيح. {2/ 108 - ب] وقال بعضهم: يجوز/ أن يكون معنى " فرضت
الصلاة " أي: ليلة الإسراء حين فرضت الصلوات الخمسُ، فرضت
ركعتهن ركعتين، ثم زيد في صلاة الحضر بعد ذلك، وهذا هو
المروي عن بعض رواة هذا الحديث عن عائشة. وممن رواه هكذا
الحسن والشعبيّ، أن الزيادة في صلاة الحضر كانت بعد الهجرة
بعام أو نحوه، وقد ذكره أبو عمر، وقد ذكره البخاري من
رواية معمر، عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالت: " فرضت
الصلاة ركعتين ركعتين، ثم هاجر رسول الله إلى المدينة
ففرضت (3) أربعا " وقال بعضهم: فرضت الصلاة ركعتين، يعني:
إن اختار المسافر أن يكون فرضه ركعتين فله ذلك، وإن اختار
أن يكون أربعا فله ذلك. وقيل: يحتمل أن يريد بقولها: "فرضت
الصلاة " أي: قدرت، ثم تركت صلاة السفر على هيئتها في
المقدار لا في الإيجاب،
__________
(1) البخاري: كتاب الصلاة، باب: كيف فرضت الصلوات في
الإسراء (350) ، مسلم: كتاب صلاها المسافرين وقصرها، باب:
صلاة المسافرين وقصرها
(685) ، النسائي: كتاب الصلاة، باب: كيف فرضت الصلاة (1/
225) .
(2) سورة غافر: (55) .
(3) في الأصل: " فرضت "، وما أثبتناه من صحيح البخاري.
(5/54)
والفرض في اللغة بمعنى التقدير. وقال
الخطابي (1) : " هذا قول عائشة عن نفسها وليست برواية عن
رسول الله- عليه السلام- ولا بحكاية لقوله. وقد رُوي عن
ابن عباس مثل ذلك عن (2) قوله، فيحتمل أن يكون الأمر في
ذلك كما قالاه , لأنهما عالمان فقيهان، قد شهدا زمان رسول
الله وصحباه، وإن لم يكونا شهدا أول زمان الشريعة وقت
إنشاء فرض الصلاة على النبي- عليه السلام-، فإن الصلاة
فرضت عليه بمكة، ولم تلق عائشة رسول الله إلا بالمدينة،
ولم يكن ابن عباس في ذلك الزمان [في سن] (3) مَنْ يَعْقل
الأمور، ويَعْرف حقائقها، ولا يبعد ابن يكون قد اتخذ هذا
الكلام عن عائشة، فإنه قد يفعلُ ذلك كثيرا في حديثه، وإذا
فتشت عن كثر ما يرويه كان ذلك سماعا عن الصحابة، ماذا كان
كذلك، فإن عائشة نفسها قد ثبت عنها أنها كانت تُتم في
السافر وتصلِي أربعا وقال الشيخ محيي الدين (4) : معنى "
فرضت الصلاة ركعتين " لمن أراد الاقتصار عليهما، فزيد في
صلاة الحضر ركعتان على سبيل التحتيم، وأقرت صلاة السفر على
جواز الاقتصار، وثبتت دلائل جواز الإتمام، فوجبَ المصير
إليها، والجمع بين دلائل الشرع، ثم ذكر تتميم عائشة الصلاة
في السفر وكذلك عثمان، وقول عروة ابنها تأولت كما تأول
عثمان، وقال: اختلف العلماء في تأويلهما، فالصحيح الذي
عليه المحققون ابنهما رأيا القصر جائزا والإتمام جائزاً
فأخذا بأحد الجائزين وهو الإتمام. وقيل: لأن عثمان إمام
المؤمنين، وعائشة أمهم، فكأنهما في منازلهما، وأبطله
المحققون بأن النبي- عليه السلام- كان أوْلى بذلك منهما،
وكذلك أبو بكر وعمر، وقيل: لأن عثمان تأهل بمكة، وأبطلوه
بأن النبي- عليه السلام- سافر بأزواجه وقصر، وقيل: فعل ذلك
من اجل الأعراب الذين حضروا معه، لئلا يظنون " أن فرض
الصلاة ركعتان أبدأ حضرا وسفراً وأبطلوه بأن هذا المعنى
كان موجودا في زمن النبي- عليه
__________
(1) معالم السنن (1/ 224- 225) .
(2) كذا، وفي " المعالم " " من "
(3) زيادة من " المعالم ".
(4) شرح صحيح مسلم (5/ 195) .
(5) كذا، والجاد ة " يظنوا ".
(5/55)
السلام- بل اشتهر أمر الصلاة في زمن عثمان
كثر مما كان. وقيل: لأن عثمان نوى الإقامة بمكة بعد الحج،
وأبطلوه بأن الإقامة بمكة حرام على المهاجر فوق ثلاث،
وقيل: كان لعثمان اعرض بمِنَى، وأبطلوه بأن ذلك لا يقتضي
الإتمام والإقامة. والصواب الأولُ، ثم مذهب الشافعي ومالك
وأبي حنيفة والحمد والجمهور أنه يجوز القصر في كل سفر
مباح، وشرط بعض السلف كونه سفر خوف، وبعضهم كونه سفر حج أو
عمرة أو غزوة، وبعضهم كونه سفر طاعةِ. قال الشافعي ومالك
وأحمد والأكثرون: لا يجوز في سفر المعصية، وجوزه أبو
حنيفة، والثوري، ثم اختلفوا أن القصر رخصة أو عزيمة، فقال
أبو حنيفة وأصحابه: إنه عزيمة، وقال الشافعي ومالك وأحمد:
رخصة. واستدلوا بحديث أخرجه مسلم عن يعلى بن أمية قال: قلت
لعمر بن الخطاب الحديث لما نذكره عن قريب. وبما أخرجه
الدارقطني عن عمر بن سعيد، عن عطاء بن أبي رباح، عن عائشة:
لأن النبي- عليه السلام- كان يقصرُ في الصلاة ويتم ويُفطِر
[2/ 108 - ب] ويَصُوم ". قال الدارقطني: إسناده صحيح./ وقد
رواه البيهقي عن طلحة بن عمرو ودلهم بن صالح والمغيرة بن
زياد- وثلاثتهم ضعفاء- عن عطاء، عن عائشة، قال: والصحيح عن
عائشة موقوف.
واستدلّ أصحابنا بقول عائشة: وفرضت الصلاة ركعتين " الحديث
أخرجه البخاري ومسلمٌ والنسائي، وبما رواه مسلم أيضا عن
مجاهد عن ابن عباس قال: " فرض اللهُ الصلاة على لسان نبيكم
في الحضر أربع ركعاتِ، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة "
رواه الطبراني في ومعجمه " بلفظ: وافترض رسول الله ركعتين
في السفر كما افترض في الحضر أربعا" وبما رواه النسائي
وابن ماجه عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن عمر قال: " صلاة
السفر ركعتان، وصلاة الأضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان،
وصلاة الجمعة ركعتان، تمام غيرُ قَصْرِ على لسان محمد-
عليه السلام- ". ورواه ابن حبان في " صحيحه " في النوع
السادس والستين، من القسم الثالث، ولم يقدحه بشيء، ولكن
اعترضه
(5/56)
النسائي في " سننه " بأن فيه انقطاعا فقال:
وابن أبي ليلى لم يَسمعْه من عمر.
قلت: حكم مسلم في مقدمة كتابه بسماع ابن أبي ليلى منْ عمر،
وصرَّح في بعض طرقه فقال: عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال:
سمعت عمر بن الخطاب فذكره. ويؤيدُ ذلك ما أخرجه أبو يعلى
الموصلي في " مسنده " عن الحسن بن واقد، عن الأعمش، عن
حبيب بن أبي ثابت، أن عبد الرحمن بن أبي ليلى حدَّثه قال:
حْرجت مع عمر بن الخطاب فذكره. والجواب عن الحديث نذكره في
موضعه الآتي.
وأما الجواب عن الحديث الثاني أنه مُعارضٌ بحديث أخرجه
البخاري ومسلم- عن حفص بن عاصم، عن ابن عمر قال: " صحبت
رسول الله - عليه السلام- في السفر، فلم يزدْ على ركعتين
حتى قبضه الله، وصحبت أبا بكر فلم يزد على ركعَتيْن حتى
قبضه الله، وصحبت عثمان فلم يزد على ركعتين حتى قبضه الله،
وقد قال الله تعالى: " لَقَدْ كَان لَكُمْ فِي رَسُول الله
أسْوَةٌ حَسَنَة " (1) ، وإليه ذهب أكثر علماء السلف،
وفقهاء الأمصارَ إلَى أن القصر واجب، وهو قول عمر وعليّ
وابن عمر وجابر وابن عباس، ورُوي ذلك عن عمر بن عبد العزيز
والحسن وقتادة، وقال حماد بن أبي سليمان: يعيد من صلى في
السفر أربعا. وقاد مالك: يعيد ما دام في الوقت. وقال أحمد:
السُّنَّة ركعتان، وقال مرة أخرى: أنا أحب العافية في هذه
المسألة. وقال الخطابي: " والأوْلى أن يقصر المسافر الصلاة
لأنهم أجمعوا على جوازها إذا قصر، واختلفوا فيها إذا أتم،
والإجماع مُقدم على الاختلاف ".
1170- ص- نا أحمد بن حنبل ومسدد قالا: نا يحيى، عن ابن
جرير ح، ولا خُشَيْشٌ، نا عبد الرزاق، عن ابنِ خريج، حدثني
عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار، عن عبد الله بن
بَابيْه، عن يَعْلى بن أمية قال: قلتُ
__________
(1) سورة الأحزاب: (21) .
(5/57)
لعمرَ بنِ الخطاب: إِقْصَارُ (1) الناسِ
الصلاةَ اليومَ، وإنَّما قالَ اللهُ عز وجَل: {إنْ خفْتُمْ
أن يًفْتِنَكُمُ الَذينَ كَفَرُوا} (2) فقدْ ذهبَ ذلك
اليومُ، فقال: عَجبْتُ مَما عَجبْتَ منه، فذَكَرْتُ ذلك
لرسول الله فقالَ: " صَدَقَةٌ تصدق اللهُ بها عَليكُم
فاقْبلوا صَدَقته " (3) .
ش- يحيى القطان، وعبد الملك بن جريج.
وخُشَيْشُ- بضم الخاء المعجمة، وبشينين معجمتين أولهما
مضمومة، وبينهما ياء آخر الحروف ساكنة- ابن أصْرم أبو
عاصم. روى عن: عبد الرزاق، وأبي عاصم النبيل، والفريابي،
وغيرهم. روى عنه: أبو داود، والنسائي وقال: ثقة. مات سنة
ثلاث وخمسين ومائتين (4) . وعبد الرزاق بن همام.
وعبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمار المكي القرشي، يلقب
القَس لعبادته. روى عن: جابر بن عبد الله، وعبد الله بن
الزبير، وعبد الله ابن بابيه. روى عنه: يوسف بن ماهك، وابن
جريج. وقال أبو زرعة: ثقة. وقال أبو حاتم: صالح الحديث.
روى له الجماعة إلا البخاري ". وعبد الله بن بَابَيْه
وباباه وبابِي الكل واحد، المكي، مولى آل حجير ابن إهاب
المكي. سمع: عبد الله بن عُمر، وابن عَمرو، وجبير [بن]
مطعم، ويعلى بن أمية. روى عنه: عمرو بن دينار، وأبو
الزبير،
__________
(1) في سنن أبي داود: " ورأيت إبصار الناس الصلاة، " إنما
".
(2) سورة النساء: (101) .
(3) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: صلاة المسافرين
وقصرها (686) ، الترمذي: كتاب التفسير، باب: سورة النساء
(3034) ، النسائي: كتاب تقصير الصلاة في السفر (3/ 116-
117) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب:
تقصير الصلاة في السفر (1065) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (8/ 1690) .
(5) المصدر السابق (17/ 3874) .
(5/58)
وقتادة، وغيرهم. قال أبو حاتم: صالح
الحديث. روى/ له الجماعة [2/ 109 - إلا البخاري (1) .
ويَعْلى بن أمية بن أبي عُبيدة بن همام بن الحارث بن بكر
أبو خلف،
أو أبو خالد، أو أبو صفوان، وأمه منية بنت غزوان أخت عتبة
بن غزوان، ويقال: يعلى بن مُنْية- بضم الميم، وسكون النون،
وبعدها ناء آخر الحروف مفتوحة وتاء تأنيث- أسلم يوم فتح
مكة، وشهد الطائف وحنينا وتبوك مع رسول الله، وكان يسكن
مكة. رُوي له عن رسول الله ثمانية وعشرون حديثا، اتفقا على
ثلاثة أحاديث. روى عنه: ابنه: صفوان بن يعلى، ومجاهد،
وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وغيرهم. روى له الجماعة (2)
قوله: "إقصارُ الناس الصلاة اليوم " " إقصار " مصدر مضاف
إلى فاعله، ومفعوله: " الصلاة " و" اليوم " نصب على
الظرفية، وهو مبتدأ وخبره محذوف، والتقدير: إقصار الناس
الصلاة لماذا؟ أو لأيِ شيء؟ ونحو ذلك، والحال أن الله قد
قال: {أنْ خِفْتُمْ أن يَفْتنَكُمُ الذِين كَفَروا} فقد
ذهب ذلك اليوم، والمعنى: أن الحكم ينتهي بانتهاءَ علته.
قوله: " صدقة " مرفوع على أنه خبر لمبتدإ محذوف، أي:
القَصْر في السفر صدقة تصدق الله بها عليكُم. واستدل
الشافعي به أن القصر رخصة وليس بعزيمة، وقد أخرجه ابن حبان
بلفظ:" فاقبلوا رخصته ". قلنا: الحديث دليل لنا , لأنه أمر
بالقبول فلا يَبْقى له خيارُ الردّ شرعاً إذ الأمر للوجوب.
فإن قيل , المتصدقُ عليه يكون مختارا في قبول الصدقة كما
في المتصدق من العباد؟ قلنا: معنى قوله: " تحقق الله بها
عليكما حكم عليكم ,
__________
(1) المصدر السابق (14/ 3172) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 661) ،
وأسد الغابة (5/ 523) ، والإصابة (3/ 668) .
(5/59)
لأن التصدق من الله فيما لا يحتمل التمليك،
يكون عبارةً عن الإسْقاط، كالعفو من الله، وفي الحديث
فوائد أخرى، الأولى: جواز قول تصدق الله علينا، واللهم
تصدق علينا، وقد كرهه بعض السلف وهو غلط ظاهر. الثانية:
جواز القصر في غير الخوف.
الثالثة: أن المفضول إذا رأى الفاضل يعمل شيئا يشكل عليه
دليلهُ، يسأله عنه. والحديث أخرجه مسلم، والترمذي،
والنسائي، وابن ماجه، وابن حبان.
1171- ص- نا أحمد بن حنبل، نا عبد الرزاق ومحمد بن بكر
قالا:
نا ابنُ جريج قال: سمعتُ عبدَ اللهِ بن أبي عمار يُحدث،
فذكر نحوه (1) . ش- محمد بن بكر بن عثمان البصري.
قوله: " فذكر نحوه " أي: نحو الحديث المذكور.
ص- قال أبو داود: رواه أبو عاصم وحماد بن مَسْعدة كما رواه
ابن بكر.
ش- أي: روى الحديث أبو عاصم النبيل وحماد بن مَسْعدة كما
رواه محمد بن بكر.
وحماد بن مَسْعدة أبو سعيد البصري التميمي، وقيل: التيمي،
ويقال:
[مولى] بأهلة. روى عن: هشام (2) بن عروة، وحميد الطويل،
ويزيد بن، أبي عبيد، وعبد الله بن عون، وابن عجلان، ومالك
بن انس. روى عنه: إسحاق بن راهويه، وأبو بكر بن أبي شيبة،
وابن المثنى، وابن بشار، وغيرهم. قال أبو حاتم: ثقة. توفي
بالبصرة في جمادى سنة اثنتين ومئتين. روى له الجماعة (3) .
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) في الأصل: " هاشم "خطأ.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1488) .
(5/60)
258- بَابُ: مَتَى يَقْصُر المُسَافِرُ
أي: هذا باب في بنان قصر المسافر متى يكون؟
1172- ص- نا ابن بَشار، ثنا محمد بن جعفر، نا شعبة، عن
يحيى بن
يزيد الهُنائي قال: سألت أنس بن مالك عن قَصْرِ الصلاة؟
فقال أنس: كان
رسولُ الله إذا خَرجَ مَسيرَ ثلاثة أميال أو ثَلاثة
فَرَاسِخَ- شك (1) شعبةُ
شك (1) - يُصَلِّي رَكعتينَ (2) .َ
ش- محمد بن بشار.
ويحيى بن يزيد أبو نصر الهُنائي، ويقال: أبو زيد البصري.
روى
عن: أنس بن مالك. روى عنه: شعبة، وإسماعيل ابن علية، وعتبة
بن
حُميد. قال أبو حاتم: شيخ. روى له: مسلم، وأبو داود (3) .
والهُنائي- بضم الهاء-: نسْبة إلى هُناءة بن مالك بطن من
الأزد،
وهم الجهاضم، وهم بالبصرة.
قوله: " ثلاثة أميال " الأميال جمعُ ميلٍ، وهو ثلث الفرسخ،
والفرسخ اثنا عشر ألف خطوة، وهي ذراع ونصف بذراع العامة،
وهو
أربع وعشرون إصبعا. وقال الشيخ محيى الدين: " والميل ستة
آلاف ذراع والذراع أربعة وعشرون إصبعا معترضة معتدلة،
والإصبع ست شعيرات
معرضات معتدلات ".
وقال الخطابي (4) : " إن ثبت هذا الحديث/ كانت الثلاثة
الفراسخ [2/ 109 - ب] حداً فيما يقصر إليه الصلاة إلا أني
لا أعْرف أحداً من الفقهاء يقولُ به،
وأما مذاهب الفقهاء فإن الأوزاعي قال: عامة الفقهاء
يقولون: مسيرة يوم
__________
(1) كذا بالتكرار، وفي سنن أبي داود: " شعبةُ شك "، وعند
مسلم: وشعبة الشاك ".
(2) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة
المسافرين (12/ 691) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (32/ 6947) .
(4) معالم السنن (1/ 226) .
(5/61)
تام، وبهذا نأخذ. وقال مالك: يقصر من مكة
إلى عُسْفان وإلى الطائف وإلى جُدة، وهو قول أحمد بن حنبل
وإسحاق، وإلى نحو ذلك أشار الشافعي حين قال: ليلتين
قاصدتين، ويُروى عن الحسن والزهري قريب من ذلك قالا: يقصر
في مسيرة يومين، واعتمد الشافعي في ذلك قول ابن عباس حين
سئِل، فقيل له: يقصر إلى عرفة؟ قال: لا، ولكن إلى عسفان
وإلى جدة، وإلى الطائف، ورُوي عن ابن عمر مثل ذلك، وهو
أربعة بُرد، وهذا عن ابن عمر أصح الروايتين وقال سفيان
الثوري وأصحاب الرأي: لا يقصر إلا في مسافة ثلاثة أيام ".
قلت: قال داود وأهل الظاهر: يجوز في السفر الطويل والقصير
حتى
لو كان ثلاثة أميالٍ قصَر. وقال الشيخ محيي الدين في تفسير
هذا الحديث (1) : " هذا ليس [على] سبيل الاشتراط، وإنما
وقع بحسب الحاجة , لأن الظاهر في أسفاره - عليه السلام -
أنه ما كان يسافر سفرا طويلاً، فيخرج عند حضور فريضة
مقصورة ويترك قصرها بقرب المدينة ويتمها، وإنما كان يُسافر
بعيدا من وقت المقصورة فتدركه على ثلاثة أميال أو أكثر
ونحو ذلك، فيصليها حينئذ، والأحاديث المطلقة مع ظاهر
القرآن متعاضدان على جواز القصر من حين يخرج من البلد،
فإنه حينئذ يسعى مسافرا " انتهي.
وقال النمري: يحيى بن يزيد شيخ من أهل البصرة، وليس مثله
ممن يحتمل أن يحمل مثل هذا المعنى الذي خالف فيه جمهور
الصحابة والتابعة، ولا هو ممن يُوثقُ به في ضبط مثل هذا
الأصل، وقد يحتمل أن يكون أراد ما تقدم ذكره من ابتداء قصر
الصلاة إذا خرج ومشى ثلاثة أميال.
قلت: يحيى بن يزيد قد نص البخاري وغيره أنه سمع من أنس بن
مالك، ولم يذكروا فيه طعناً والحديث قد أخرجه مسلم في "
صحيحه " من روايته، وهو والحديث الذي بعده محمولان على أنه
أرادَ ابتداء القصر
__________
(1) شرح صحيح مسلم (5/ 200 - 201) .
(5/62)
في السفر الطويل، وحديث أنس الثاني جاء
مفسرا أنه كان في حجته صلى الله عليه وسلم.
1173- ص- نا زهير بن حرب، نا ابن عيينة، عن محمد بن
المنكدر وإبراهيم بن مَيْسرة، سمع أنس بن مالك يقولُ:
صليتُ مع رسولِ الله "عليه السلام- الظُّهرَ بالمدينةِ
أربعا والعَصرَ بِذِي الحُلَيْفَةِ رَكعتينِ (1) .
ش- سفيان بن عيينة.
وإبراهيم بن ميسرة الطائفي سكن مكة وحديثه في أهلها. سمع:
أنس ابن مالك، وطاوس بن كيسان، ووهب بن عبد الله، وغيرهم.
روى عنه: أيوب السختياني، وابن جريج، والثوري، وابن عيينة،
وغيرهم. وقال ابن معين: ثقة. مات قريبا من سنة ست وثلاثين
ومائة (2) .
قوله: " بذي الحليفة " ذو الحليفة ميقات أهل المدينة
بينهما ستة أميال، ويقال: سبعة، وهذا مما احتج به أهل
الظاهر في جواز القصر في طويل السفر وقصيره، ولا حجة لهم
في ذلك , لأن المراد به حين سافر- عليه السلام- إلى مكة في
حجة العدل صلى الظهر بالمدينة أربعا ثم سافر فأدركته العصر
وهو مسافر بذي الحليفة، فصلاها ركعتين، وليس المراد أن ذا
الحليفة غاية سفره، فلا دلالة فيه قطعاً وأما ابتداء القصر
فيجوز من حين يُفارق بنيان بلده أو خيام قومه، إن كان من
أهل الخيام، هذا مذهب العلماء كافةً إلا رواية ضعيفة عن
مالك، أنه لا يقصر حتى يجاوز ثلاثة أميال، وحكي عن عطاء
وجماعة من أصحاب ابن مسعود أنه إذا أراد السافر قصر قبل
خروجه، وعن مجاهد أنه لا يقصر في يوم خروجه حتى
__________
(1) البخاري: كتاب تقصير الصلاة، باب: يقصر إذا خرج من
موضعه (1089) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: صلاة
المسافرين وقصرها (11/ 690) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب:
ما جاء في التقصير في السفر (546) ، النسائي: كتاب الصلاة،
باب: عدد صلاة الظهر في السفر
(1/ 235) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/ 255) .
(5/63)
يدخل الليل. والحديث: أخرجه البخاري،
ومسلم، والترمذي، والنسائي.
***
259- بَابُ: الأذانِ في السَّفر
أي: هذا باب في بيان الأذان في السفر، وفي بعض النسخ: "
المسافر يؤذن "
[2/ 110- ب] / 1174- ص- نا هارون بن مَعْروف، نا ابن وهب،
عن عَمرو بن الحارث، أن أبا عُشانَة المعَافِري حدثه، عن
عقبة بن عامر قال: سمعتُ رسولَ الله- عليه السلام-
يَقُولُ: " يَعْجَبُ رَبكَ من رَاعي غَنَمِ في رَأسِ
شَظيَّة للجًبَلِ (1) ، يُؤَذن بالصلاة ويُصَلِّي، فيَقولُ
الله: انَظُرُوا إلى عبدي هذا " يُؤَذِّنُ ويُقيمُ للصلاة
(2) ، يَخافُ مني، قد كَفَرْتُ لعبدي، وأدخَلتُه الجنةَ"
(3) .َ
ش- عبد الله بن وهب.
وأبو عُشانَة- بضم العين المهملة، وفتح الشين المعجمة،
وبعد الألف نون- اسمه: حَيُّ- بالحاء المهملة- ابن يُؤمن-
بضم التاء آخر الحروف- ابن حُجَيل بن حديج- بضم الحاء
المهملة- ابن أسعد المصري المعافري. سمع: عبد الله بن عمرو
بن عمرو بن العاص، وعُقْبة بن عامر الجهني، ورويفع بن ثابت
الأنصاري، وأبا اليقظان. روى عنه: الحارث بن يزيد الحضرمي،
وأبو قبيل، وعَمْرو بن الحارث، وابن لهيعة، وغيرهم. قال
ابن حَنبل: ثقة، وكذا قال ابن معين، وقال أبو حاتم: صالح
الحديث. توفي سنة ثمان وعشرين ومائة. روى: له أبو داود،
والنسائي، وابن ماجه (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " بجبل "
(2) في سنن أبي داود: " ويقيم الصلاة ".
(3) النسائي: كتاب الأذان، باب: الأذان لمن يصلي وحده (2/
20) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1583) .
(5/64)
قوله:" يَعْجبُ رَبك " التعجبُ إعظامُ أمرِ
لخفاء سببه، وهو محال على الله تعالى , لأنه لا يخفى عليه
أسْبابُ الأشياء، ويكون إسناد هذا الفعل إلى الله مجازا،
والمعنى: يَعظمُ ويكبرُ عند الله فعلُ هذا الراعي، فيكون
هذا من قبيل ذكر الملزوم وإرادة اللازم , لان التَعظيم
والتكبير من لوازم التعجب , لأن من عجب من أمرِ يُعظم ذلك
الأمر ويكبِرْه (1) . قوله: " في رأس شظية " الشَظية- بفتح
الشن المعجمة، وكسر الظاء المعجمة، وفتح الياء آخَر
الحروفَ المشددة- هي القطعةُ المرتفعة من رأس الجبل،
والشظِية الفِلْقة من العصا ونحوها وجمعها شَظايا. وهذا
الحديث رجال إسناده ثقات، وإنما أخرجه في هذا الباب , لأن
الرعيان غالبا يَبْعدُون من المُدُن مَسافةَ السفر، فإذا
أذنوا وصلوا يحصل لهم هذا الثواب العظيم، ويفهم أيضا أن
الأذان سُنَة في حق المسافرين.
***
260- بَابُ: المُسَافر يُصَلِي وهو يَشُكّ فِي الوَقتِ
أي: هذا باب في بيان المسافر الذي يُصلِي الصلاة والحال
أنَه يشكُ في
الوقت.
1175- ص- نا مسدد، هنا أبو معاوية، عن المسْحاج بن موسى
قال: قلتُ لأنس بن مالك: حدثنا ما سَمعتَ من رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال: كُنا إذا كُنَّا معه النبيِّ- عليه
السلام- في السفَر فقلنا: زَالَتَ اَلشمسُ، أو لم تَزُلْ،
صَلّي الظُّهرَ فارْتَحَلَ (2) ، (3) .
ش- أبو معاوية محمد بن حازم الضرير.
__________
(1) بل أجمع السلف على ثبوت العجب لله، عجبا يليق به
سبحانه، من غير تعطيل، ولا تكييف، ولا تمثيل، ولا تشبيه،
{ليس كمثله شيء وهو السميع البصير} اعتقاد أهل السُنَة
والجماعة، وانظر مجموع الفتاوى (3/ 138 وما بعدها) .
(2) في سنن أبي داود: " ثم ارتحل "
(3) تفرد به أبو داود.
(5/65)
والمسحاج- بكسر الميم وسكون السين المهملة،
وفتح الحاء المهملة، وفي آخَره جيم- ابن موسى الضبي
الكوفي، أخو سماك بن موسى. سمع: أنس بن مالك. روى عنه: أبو
معاوية، ومغيرة، ومروان بن معاوية، وجرير بن عبد الحميد.
قال ابن مَعين: ثقة. وقال أبو زرعة: لا بأس به (1) .
ومعنى الحديث: أنه- عليه السلام- كان يُصلي الظهر في السفر
في أول الوقت جدا من غير تأخير، حتى كانوا يَشكون في زوال
الشمس، وإنما كان يُبادر عليه السلام لأجل المَسِير.
1176- ص- نا مسدد، نا يحيى، عن شعبة، حدثني حمزة العائذي
رجل من بني ضبة- قال: سمعت أنس بن مالك يَقولُ: كان رسولُ
الله - صلى الله عليه وسلم إذا نَزَل منزلا لم يَرْتَحِلْ
حتى يُصَلي الظهرَ، فقالَ له رجل فإن (2) كان بِنصْفِ
النهارِ؟ قال: وإِنْ كان بِنصفِ النهارِ (3) .
ش- يحيى القطان.
وحمزة بن عَمرو العائذي- بالذال المعجمة- أبو عمر الضبي،
وعائذ الله من فئة. روى عن: أنس بن مالك، وعمر بن عبد
الرحمن ابن الحارث بن هشام، والقمة بن وائل. روى عنه: ابنه
عمرو، وعوف الأعرابي، وشعبة بن الحجاج. قال أبو حاتم: هو
شيخ. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي (4) .
قوله: " وإن كان بنصف النهار " المراد به: أول الوقت، وأول
الوقت يطلق عليه نصف النهار، وليس المعنى: أنه كان يصلي
قبل الزوال. والحديث أخرجه النسائي.
__________
11) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 5898) .
(2) في سنن أبي داود: " وإن "
(3) النسائي: كتاب المواقيت، باب: تعجيل الظهر في السفر
(1/ 248) . (4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1511) .
(5/66)
|