شرح أبي داود
للعيني 301- باب: في رفع
الصوت بالقراءة في صلاة الليل
أي: هذا باب في بيان رفع الصوت بقراءة القرآن في صلاة
الليل.
1297- ص- نا محمد بن جعفر الوَرَكاني، نا ابن أبي الزناد،
عن عمرو بن أبي عمرو ومولى المطلب، عن عكرمة، عن ابن عباس،
قال: كانتْ قراءَةُ رسول الله- عليه السلام- على قَدْرِ
مَا يَسْمَعُهُ مَنْ فِي الحُجْرة وهو فيه البَيْتِ (1)
ش- ابن أبي الزناد عبد الرحمن بن عبد الله بن أكوان
المدني، وعمرو ابن أبي عمرو ميسرة مولى المطلب بن عبد الله
بن حاطب المدني.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(5/232)
قوله: " من في الحجرة " فاعل قوله " يسمعه
" والواو في قوله " وهو " للحال. ويستفاد منه جواز رفع
الصوت بالقراءة في صلاة الليل.
1298- ص- نا محمد بن بكار بن الرنان، نا عبد الله بن
المبارك، عن عمران بن زائدة، عن أبيه، عن أبي خالد
الوالبي، عن أبي هريرة، أنه قال: كانتْ قراءة النبيِّ-
عليه السلام- بالليلِ يَرفعُ طَوْراً ويخفض طَوْراً (1) .
ش- عمران بن زائدة بن نشيط. روى عن أبيه. روى عنه ابن
المبارك، وعيسى بن يونس، ووكيع وغيرهم. قال ابن معين: ثقة.
روى له: أبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2) .
وأبوه زائدة بن نشيط. روى عن أبي خالد الوالبي. روى عنه
ابنه عمران، وفطر. روى له: أبو داود، والترمذي (3) .
قوله: " يرفع طوراً " انتصاب " طور " َ، على المصدرية من
غير لفظ فعله، يقال: فعل هذا طورًا وطورين وأطواراً، كما
يقال فعل مرةً ومرتين ومرارًا. ومرات، ومعنى " يَرفع طورًا
" يرفع صوته بالقراءة مرة، ويخفض مرة.
ص- قال أبو داود: أبو خالد الوالبي اسمه هرمز.
ش- الكوفي، ويقال هَرِمُ. سمع ابن عباس، وأبا هريرة، وجابر
بن سمرة. وروى عن علي مرسلاً. وروى عنه المنصور بن
المعتمر، والأعمش، وفطر بن خليفة. قال أبو حاتم: صالح
الحديث. مات سنة مائة. روى له: أبو داود، والترمذي، وابن
ماجه (4) .
والوالبي نسبة إلى والبة حي من بني أسد خزيمة.
1299- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، وعن ثابت البياني،
عن
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (22/ 4490) .
(3) المصدر السابق (9/ 1951) .
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7337/33) .
(5/233)
النبي - عليه السلام- ح ونا الحسن بن
الصباح، نا يحيي بن إسحاق، أنا حماد بن سلمة، عن ثابت
البياني، عن عبد الله بن رباح، عن أبي قتادة، أن النبي-
عليه السلام - خَرَجَ لَيلة فإذا هو بأبي بكرِ يصلي يَخْفض
من صَوتِه , قال: ومَر بعُمرَ بنِ الخطاب وهو يُصَلِّي
رَافعَا صَوْتَهُ. قال: فَلما اجْتمَعَا عندَ النبي- عليه
السلام- قالَ: قال (1) النبي- عليه السلام-: " يا أبا بكْر
مَرَرْتُ بك وأنْتَ تصلي تَخْفضُ صَوْتَكَ؟ " قال: قد
أَسْمعتُ مَن نَاجَيْت يا رسولَ الله. قال: وقال لعمَرَ: "
مَررتُ بك وأنتَ تُصَلي رَافعَا صَوْتَك؟ " قال: فقال يا
رسولَ اللهِ: أوقِظُ الوَسْنَانَ وأطردُ الشيطانَ.
زاد الحسن في حديثه: فقال النبيُّ- عليه السلام-: " يا
أَبا بَكْر! ارْفعْ من صوتِكَ شيئا "، وقال لعمرَ: "
اخْفِضْ من صوتِكَ شيئاً " (2) .
ش- حماد بن سلمة.
ويحي بن إسحاق السَيْلَحيني أبو زكريا البلخي (3) . سمع
الليث بن سعد، ويحي بن أيوب المصَرين، وحماد بن كلمة
وغيرهم. روى عنه: أحمد بن حنبل، وأحمد بن سنان القطان،
ومحمد بن سعد كاتب الواقدي وغيرهم. قال أحمد: شيخ صالح
ثقة. وقال ابن معين: هو صدوق. توفي ببغداد في سنة عشرين
ومائتين. روى له مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (4)
.
والسيْلَحيني منسوب إلى سيلحين. قرية قدامة من سواد بغداد،
وهي بفتح السين المهمَلة، وسكون الياء آخر الحروف، وبعدها
لام مفتوحة، وحاء مهملة مكسورة، وياء آخر الحروف ساكنة،
ونون، ويقال لها أيضا سالحين، وينسب إليها سالحيني.
__________
(1) كلمة " قال " غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في قراءة الليل
(447) . (3) كذا، وفي تهذيب الكمال " البجلي ".
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (31/ 6781) .
(5/234)
وعبد الله بن رباح أبو خالد الأنصاري.
قوله: " مَن ناجيت " أي: مَن ناجيته، مِن ناجى يناجي
مناجاة فهو مناج، والمناجي المخاطب للإنسان.
قوله: " أوقظ الوسنان " الوسن ثقل النوم، وقيل مبدؤه،
وقيل: النعاس، وكذلك السنَةُ، والرجل وسنان والمرأة وسنى
ووسنانة، قال ابن عرفة: السنَةُ النعاس، تبدأ في الرأس،
فإذا دخل إلى القلب فهو نوم، وقال/ المفضل: السنَةُ ثقل في
الرأس، والنعاس في العين، والنوم في (2/142-أ) القلب.
واختلف الناس أي المقامين أفضل؟ هل التناجي سراً مع المولى
أم الجهر
لما فيه من تضاعف الأجر في تذكرة الغافل؟ وطرد العدو؟ وقال
للصديق " ارفع من صوتك " حتى يقتدي بك من يسمعك، وهذا
لخلوص نيته وسلامته عن الرياء، وتصديقه له في قوله: "
أسمعت من ناجيت "، والسر لغيره أفضل، لأنه أقرب إلى
الإخلاص، وأسلم من الآفات. قوله: " زاد الحسن " أي الحسن
بن الصباح، أخرجه مسنداً ومرسلاً من طريق ثابت البياني،
وأخرجه الترمذي، وقال: حديث غريب، وإنما أسنده يحيى بن
إسحاق عن حماد بن سلمة، وكثر الناس إنما رووا هذا الحديث
عن ثابت، عن عبد الله بن رباح مرسل.
1300- ص- نا أبو حَصين بن يحيى الرازي، نا أسباط بن محمد،
عن محمد بن عمرو، عن أبي سلَمة، عن أبي هريرة، عن النبي-
عليه السلام- بهذه القصة لم يذكر: " فقال لأبي بكر. ارفعْ
شيئاً " (1) ولا لعمر: (اخْفضْ شيئاً " زاد: " وقد
سَمعْتُكَ يا بلالُ وأنتَ تَقرأ مِن هذه السورة ومن هذهَ
السورة " قال: كَلام طيب يَجْمَعُهُ اللهُ بَعْضَه إلى
بَعْض. فقالَ النبي عليه السلام - (كُلكُمْ قَد أصَابَ)
(2) .
(1) في سنن أبي داود: " ارفع من صوتك شيئا ".
(2) تفرد به أبو داود.
(5/235)
ش- أبو حَصِين - بفتح الحاء، وكسر الصاد-
ابن يحيى بن سليمان (1) الرازي. روى عن أسباط بن محمد،
وسفيان بن عيينة، ويحيى بن يمان، وعبد الرزاق وغيرهم. روى
عنه أبو داود، وأبو زرعة، وأبو حاتم. وقال ابن أبي حاتم:
هو صدوق ثقة، وسمعت أبي يقول لابن حصين: هل لك اسم؟ قال:
اسمي وكنيتي واحد. فقلت: فأنا أسميك عبد الله. فتبسم. وسئل
أبو حاتم عنه فقال: ثقة.
وأسباط بن محمد بن عبد الرحمن القرشي، ومحمد بن عمرو بن
علقمة بن وقاص.
قوله: " بهذه القصة " أي: القصة المذكورة.
قوله: " كلكم قد أصاب " أي: فيما فعل. ويستفاد منه جواز
رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، وجواز خفضه بها أيضاً،
وجواز القراءة من السور المختلفة.
1301- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن هشام بن عروة،
أعن عروة، عن عائشة، أن رَجُلاً قَامَ من الليل فَقَرأ،
فَرَفَعَ صَوْتَه بالقُرآن، فَلما أصْبحَ قال رسولُ الله:
" يَرحَمُ اللهُ فُلانًا، كَأينْ (2) من "آية
أَذكَرنِيَهَا الليلة كُنت قَد أسقطتها " (3) .
ش- " كأين " معناه معنى " كم " في الخبر والاستفهام عند
البعض، ويوافقها في خمسة أمور: الإبهام، والافتقار إلى
التمييز، والبناء، ولزوم التصدير، وإفادة التكثير تارة وهو
الغالب، نحو " وكَأيِّن مّن نبِيّ قاتل مَعَهُ رِبيونَ "
(4) والاستفهام أحْرى وهو نادر، ويخالفها في خمسة أمور:
أحدها أنها مركبة و " كم " بسيطة، والثاني أن مميزها مجرور
ب "من " غالبًا، والثالث أنها لا تقع استفهامية عند
الجمهور، والرابع أنها لا تقع مجرورة خلافا للبعض، والخامس
أن خبرها لا يقع مفردًا، وهو
__________
(1) في الأصل: " سلمان " خطأ.
(2) في سنن أبى داود: " كأي ". (3) تفرد به أبو داود.
(4) سورة آل عمران: (146) .
(5/236)
اسم مركب من " كاف " التشبيه و " أي "
المنونة، وفيها لغات كأي وكاء بوزن كاعِ، وكئ بوزن كَيْع،
وكَاءْي بوزن كَعْي، وكإ بوزن كَع. ويستفاد من الحديث أن
الاستماع للقراءة سُنَة. وأخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي
بنحوه، وفي رواية لمسلم " كان النبي- عليه السلام- يسمع
قراءة رجل في المسجد فقال: رحمه الله لقد أذكرني أيةً كنت
أْنِسيتُها ".
ويستفاد منه كراهة أن يقول نسيت آَية كذا، وهي كراهة
تنزيه، لأنه يتضمن التساهل فيها، ولا يكره أن يقول
أنسيتها. وفيه جواز النسيان عليه - عليه السلام- فيما قد
بلَّغه إلى الأمة، وقد تقدم الكلام فيه في باب سجود السهو
مستوفى.
ص- قال أبو داود: رواه هارون النحويُ، عن حماد بن سلمة في
سورة آل عمران في الحروف " وكَأيّن من نَّبِي ".
ش- هارون بن موسى الأزدي العَتكي مولاهم أبو عبد الله،
ويقال أبو موسى النحوي البصري الأعور، صاحب القراءة. روى
عن: أبان بن تغلب وغيره. روى عنه: حماد بن زيد وغيره قال
(1) أبو زرعة: ثقة. وذكره ابن حبان في " الثقات " روى له
الجماعة سوى ابن ماجه (2) . وأراد بالحروف القراءات، وأراد
من لغات كأين اللغة المشهورة.
1302- ص- نا الحسن بن علي، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن
إسماعيل بن أمية، عن أبي كلمة، عن أبي سعيد قال: اعْتكَفَ
رسولُ الله في المسْجِد، فَسمعهم يجهرون بالقراءَة فكَشَفَ
السِّتْرَ وقال " ألا إِن كُلَكُمْ يُناجِي (3) ربهَ، فلا
يُؤذيَنْ بَعْضُكُم بَعضًا، ولا يَرْفَعُ بَعْضُكُم عَلى
بَعضٍ فِي القِراءَةِ " أو قال: " في الصلاةِ " (4) .
__________
(1) في الأصل: " قالت ".
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6530) .
(3) في سنن أبي داود: " مناج ". (4) تفرد به أبو داود.
(5/237)
[2/142-ب] ، ش- عبد الرزاق/ بن همام، ومعمر
بن راشد، وأبو سعيد الخدري. قوله: " ألا " للتنبيه.
قوله: " فلا يؤذين " بنون التأكيد الخفيفة. ويستفاد منه أن
رفع الصوت
بالقراءة بحيث أنه يؤذي رفيقه مكروه، وأن التهدي والسكون
أفضل، وأن
إقامة النفل في المسجد غير مكروهة. والحديث أخرجه:
النسائي.
1303- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا إسماعيل بن عياش، عن
بحير
ابن سعد، عن خالد بن معدان، عن كثير بن مرة الحضرمي، عن
عقبة بن
عامر الجهني قال: قال رسول الله- عليه السلام - ْ: "
الجَاهِرُ بالقُرآنِ كالجاهِرِ بالصَدَقَةِ، والمُسِرُّ
بالقرآنِ كالمُسِرِّ بالصدَقَةِ " (1) .
ش- إسماعيل بن عياش فيه مقال، ومنهم من يصحح حديثه عن
الشاميين وهذا الحديث شامي الإسناد.
وبحير- بفتح الباء الموحدة، وكسر الحاء المهملة، وسكون
التاء آخر
الحروف، وفي آخره راء- ابن سعد السَّحوليُ. أبو خالد
الحمصي.
سمع خالد بن معدان. روى عنه: ثور بن يزيد، وبقية بن
الوليد،
ومعاوية بن صالح، وإسماعيل بن عياش وغيرهم. قال أبو حاتم:
صالح الحديث. وقال ابن سعد: كان ثقة. روى له: الترمذي،
وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه (2) .
والسَّحوليُّ نسبة إلى سَحول أخو الخبائْر، وهو بطن من ذي
الكلاع،
وهو ابن سوادة بن عمرو بن سعد بن عوف.
وجه التشبيه بين الجاهر بالقراَن والجاهر بالصدقة، أن
الجاهر بالصدقة
قلَّما يخلو عن الرياء، فلذلك كان الإخفاء فيها أفضل،
فكذلك الإخفاء
__________
(1) الترمذي: كتاب فضائل القران، باب: (20) (2919) ،
النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: فضل السر
والجهر (1663) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 642) .
(5/238)
في القراءة أفضل. ووجه التشبيه بين المسر
بالصدقة والمسر بالقراَن، أن المسر بالصدقة أسلم من
الرياء، وأقرب إلى الإخلاص، فكذلك المسر بالقراءة. والحديث
أخرجه: الترمذي، والنسائي، وقال الترمذي: هذا حديث حسن
غريب.
***
302- باب: في صلاة الليل
أي: هذا باب في بيان أحكام صلاة الليل.
1304- ص- نا محمد بن المثنى، نا ابن أي عدي، عن حنظلة، عن
القاسم بن محمد، عن عائشة- رضي الله عنها- قالت , (كان
رسولُ الله - عليه السلام- يُصَلي من الليلِ عَشْرَ
رَكَعات ويوتِرُ بسَجْدةَ، ويسْجُدُ سجدتي الفجرِ، فذلك
ثلاثَ عشرةَ رَكعة " (1) .َ
ش- محمد بن أبي عدي، وحنظلة بن أبي سفيان المكي، والقاسم
بن محمد بن أبي بكر الصديق- رضي الله عنه-.
قوله: " ويوتر بسجدة " أي: بركعة، وبه استدل الشافعي أن
أقل الوتر ركعة، وأن الركعة الفَردةَ صلاة صحيحة. قال
الشيخ محمي الدين (2) : " وهو مذهبنا ومذهب الجمهور. وقال
أبو حنيفة: لا يصح الإيتار بواحدة، ولا تكون الركعة
الواحدة صلاة قط، والأحاديث الصحيحة ترد عليه ".
قلنا: معناه يوتر بسجدة أي: بركعة وركعتين قبلها، فيصير
وتره ثلاثا، ونفله ثمانيا، والركعتان للفجر فذلك ثلاث عشرة
ركعة، والدليل على هذا ما رواه الطحاوي: ثنا أبو بشر
الرقي، نا شجاع بن الوليد، عن
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: كيف صلاة النبي صلى الله
عيه وسلم؟ (1140) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها،
باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي كل في الليل وأن الوتر
ركعة، وأن الركعة صحيحة 128- (738) .
(2) شرح صحيح مسلم (6 بر 19) .
(5/239)
سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة، عن زرارة بن
أوفى (1) ، عن سعد بن هشام، عن عائشة قالت: كان النبي-
عليه السلام- لا يسلم في ركعتي الوتر.
نا ابن أبي داود، نا محمد بن المنهال، نا يزيد بن زريع، عن
سعيد فذكر بإسناده مثله. فأخبرت أن الوتر ثلاث لا تسليم
بين شيء منهن، ثم قال الطحاوي: ثم قد رُوي عن عائشة بعد
هذا أحاديث في الوتر إذا كشفت رجعت إلى معنى حديث سعيد
هذا، فمن ذلك ما حدثنا صالح ابن عبد الرحمن، نا سعيد بن
منصور، ثنا هشيم، أنا أبو حَرةَ، نا الحسن، عن سعد بن
هشام، عن عائشة قالت: كان رسول الله- عليه السلام- إذا قام
من الليل افتتح صلاته ركعتين خفيفتين، ثم صلى ثمان ركعات،
ثم أوتر. فأخْبرت هاهنا أنه كان يصلي ركعتين، ثم ثمانياً،
ثم يوتر، فكان معنى " ثم يوتر " يحتمل يوتر بثلاث منهن
ركعتان من الثمان وركعة بعدها، فيكون جميع ما صلى أحد عشر
ركعة، فنظرنا فيما يحتمل من ذلك هل جاء شيء يدل علي شيء
منه؟ فإذا إبراهيم بن مرزوق، ومحمد بن سليمان الباغندي قد
حدثانا [2/ 143- أ] قالا: نا أبو الوليد، نا الحصين بن
نافع العنبري، عن الحسن/ عن سعد بن هشام قال: دخلت على
عائشة فقلت: حدثيني عن صلاة رسول الله- عليه السلام-.
فقال: قالت: كان النبي- عليه السلام- يصلي بالليل ثمان
ركعات، ويوتر بالتاسعة، فلما بدن صلى ست ركعات وأوتر
بالتاسعة وصلى ركعتين وهو جالس، ففي هذا الحديث أنه كان
يوتر بالتاسعة، فذلك محتمل أن يكون أوتر بالتاسعة مع
اثنتين من الثمان التي قبلها، حتى يتفق هذا الحديث، وحديث
زرارة ولا يتضادان.
ولنا دلائل أخر تدل على أن الوتر ثلاث ركعات بتسليمة
واحدة، وأن التطوع بركعة واحدة مكروه سنذكرها في " باب
الوتر "، إن شاء الله تعالى. وحديث عائشة أخرجه: البخاري،
ومسلم، والنسائي.
1305- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن ابن شهاب، عن عروة بن
__________
(1) في الأصل: " زرارة بن أبي أوفى " خطأ.
(5/240)
الزبير، عن عائشة زوج النبي- عليه السلام
-، أن رسول الله كان يصلي من الليل إحدى عَشْرةَ رَكْعةَ،
يوتِرُ منها بَواحدِةٍ، فإِذا فَرغَ منهَا اضْطَجَعَ على
شِقّه اَلأيْمَنِ (1) .
شَ- أي: بركعة واحدة مع ثنتين قبلها، فيكون نفله ثمانياً،
ووتره ثلاثاً لما ذكرنا الآن، وفيه دليل على استحباب
الاضطجاع والنوم على الشق الأيمن.
قال الحكماء: وحكمته أنه لا يستغرق في النوم، لأن القلب في
جهة اليسار فيقلق حينئذ، فلا يستغرق، وإذا نام على اليسار
كان في دعة واستراحه فيستغرق. وأما الكلام في الاضطجاع قبل
سُنَّة الفجر وبعدها، فقد مر مستوفى. والحديث أخرجه:
البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه.
1306- ص- نا عبد الرحمن بن إبراهيم، ونصر بن عاصم- وهذا
لفظه - قالا: نا الوليد، نا الأوزاعي. وقال نصر: عن ابنِ
أبي ذئب والأوزاعي: عن الزهري، عن عروة، عن عائشة قالتْ:
كان رسولِ اللهِ - عليه السلام- يصلي فيما بين أنْ يَفْرغُ
من صَلاة العشَاء إلى أنْ يَنْصَدِعَ الفَجْرُ إحدى
عَشْرةَ رَكْعةً، يُسَلمُ من كلِّ ثنتينِ، ويُوَتِرُ
بَواحدَة، ويمكُثُ في سُجُوده قدرَ ما يَقرأ أحدُكُم
خمسينَ آيةَ قبلَ أن يَرْفَعِ رأسَه، فإذا سَكَتَ
المُؤَذّنُ بَالأولَى منِ صلاة الفجر قَامَ فَرَكَعَ
رَكعتينِ خفِيفتينِ، ثمَ اضْطَجَعَ على شِقِّه الأيمنِ حتى
يأتِيه المُؤَذنّ " (2) .
__________
(1) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل، وعدد
ركعات النبي صلى الله عيه وسلم في الليل 00. (736/ 121) ،
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وصف صلاة النبي صلى
الله عيه وسلم بالليل (440) ، النسائي: كتاب قيام الليل،
باب: كيف الوتر بواحدة؟ (3/ 234) ، وباب: كيف الوتر بإحدى
عشرة ركعة (243/3) .
(2) البخاري: كتاب الوتر، باب: ما جاء في الوتر (994) ،
مسلم: كتاب الصلاة، باب: صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى
الله عيه وسلم في الليل، وأن الوتر ركعة، وأن الركعة صلاة
صحيحة (736) ، النسائي: كتاب الأذان، باب: إيذان الأئمة
بالصلاة (684) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء
في كم يصلى بالليل؟ (1358) .
(5/241)
ش- عبد الرحمن بن إبراهيم المعروف بدحيم
قاضي الأردن وفلسطين، ونصر بن عاصم الأنطاكي، والوليد بن
مسلم، وابن أبي ذئب محمد بن عبد الرحمن.
قوله: " إلى أن يَنصاع الفجر " أي: ينشق.
قوله: " وبوتر بواحدة " أي: بركعة واحدة وركعتين قبلها.
فإن قيل هذا صريح أنه أوتر بواحدة، ولئن سلمنا أنه أوتر
بثلاث فكذلك هو صريح أنه بتسليمتين، لأن عائشة- رضي الله
عنها- صرحت بقولها:، يسلم من كل ثنتين " فيكون هذا حجهٌ
عليكم في أن الوتر ثلاث بتسليمة؟ قلنا: يحتمل أن يكون
قولها " يسلم من كل ثنتين " يسلم بين كل ركعتين في الوتر
وغيره، فثبت بذلك ما يذهب إليه أهل المدينة من التسليم بين
الشفع والوتر، ويحتمل أن يكون كان يسلم بين كل ركعتين من
ذلك غير الوتر، ليتفق ذلك وحديث سعد بن هشام الذي مضى
ذكره، ولا يتضادان، مع أنه قد رُوي عن غيره في هذا خلاف ما
رواه الزهري عنه، فمن ذلك ما رواه الطحاوي: [نا] يونس قال:
نا ابن وهب، أن مالكًا حدثه، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن
عائشة، أن رسول الله صلى الله عيه وسلم كان يصلي بالليل
ثلاث عشرة، ثم يصلي إذا سمع النداء ركعتين خفيفتين " فهذا
خلاف ما في حديث ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن عروة.
قوله: " فإذا سكت المؤذن بالأولى " معناه: الفراغ من
الأذان الأول، تريد انه لا يصلي مادام يؤذن، فإذا فرغ من
الأذان وسكت، قام فصلى ركعتي الفجر، هذا هو المشهور. وسكت،
بالتاء ثالث الحروف. ورواه سويد عن ابن المبارك: " سكب "
بالباء الموحدة. قال بعضهم: سكب وسكت بمعنًى. وقال غيره: "
سكب " تريد أذن، قال: والسكبُ الصبر، وأصله في الماء يصب،
وقد يستعار ويستعمل في القول كقول القائل: أفرِغَ في أذني
كلام لم أسمع مثله، والباء في قوله
(5/242)
" بالأولى " بمعنى " عن " كقوله تعالى:
{فاسْألْ بِه خَبِير} (1) أي: عنه ويجئ بمعنى " من " أيضًا
كقوله تعالى: {عَيْنَا يَشرَبُ بهَا عبَادُ الله} (2) أي:
يشرب منها، وفي بعض النسخ الصحيحة " فإذَا سَكب اَلأول "
بالباء الموحدة، وبدون باء الجر في الأول، وبتذكيره،
والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم/ والنسائي، وابن ماجه
بنحوه. [2/143- ب]
1307- ص- نا سليمان بن داود المَهْري، نا ابن وهب، أخبرني
ابن أبي ذئب، وعمرو بن الحارث، ويونس بن يزيد، أن ابن شهاب
أخبرهم بإسناده ومعناه قال: وَيُوترُ بوَاحدة، ويسْجُدُ
سَجدةَ قَدرَ ما يَقْرَأ أحَدُكُمِ خَمسينَ آيَة قَبلَ أن
يَرْفَعَ رَأسَه، فإذًا سَكَتَ المُؤَذن من صَلاةِ الفجرِ،
وتَبَين له الفَجْرُ. وساقَ معناه، وقال: بعضُهُم يَزيدُ
على بعضٍ (3) .
ش- أي: بإسناد الحديث ومعناه، ويجوز أن يرجع الضمير الذي
في " بإسناده " إلى ابن شهاب الزهري.
قوله: " وقال: بعضهم " أي قال سليمان بن داود، أو قال ابن
وهب:
" بعضهم " أي: بعض هؤلاء المذكورين، وهم: ابن أبي ذئب،
وعمرو ابن الحارث، ويونس بن يزيد.
1308- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا وهيب، نا هشام بن عروة،
عن أبيه، عن عائشة قالت: كان رسولُ الله- عليه السلام-
يُصَلِّي من اللَيلِ ثلاثَ عَشْرةَ رَكعة، يُوترُ منها
بخمس، لا يَجْلسُ في شيء من الخمسِ حتى يَجْلِسَ في الآخرة
فيُسَلمُ (4) .ً
ش- استدل به الشافعي أن الإتيان بخمس ركعات جائز بتسليمة
واحدة.
__________
(1) سورة الفرقان: (59) .
(2) سورة الإنسان: (6) .
(3) انظر الحديث السابق.
(4) البخاري: كتاب التهجد، باب: ما يقرأ في ركعتي الفجر
(1164) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: صلاة الليل وعدد
ركعات النبي صلى الله عيه وسلم ... (737) ، الترمذي: كتاب
الصلاة، باب: ما جاء في الوتر بخمس (459) ، النسائي: كتاب
قيام الليل، باب: كيف الوتر بخمس؟ (3/ 240) ، ابن ماجه:
كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في كم يصلي بالليل؟ (359)
.
(5/243)
21/ 143 حب،
وقال الشيخ محيي الدين (1) : " دلت الروايات على أن الوتر
ليس مختصاً بركعة واحدة، ولا بإحدى عشرة ولا بثلاث عشرة،
بل يجوز ذلك، وما بينه وأنه يجوز جمع ركعات بتسليمة واحدة،
وهذا لبيان الجواز وإلا فالأفضل التسليم من كل ركعتين ".
قلنا: هذه الرواية تخالف ما رواه الزهري في قوله: " كان
يصلي إحدى عشرة ركعة، يوتر منها بواحدة، ويسلم بين كل
ركعتين " وأن ما روي عن عروة في هذا عن عائشة مضطرب. وروت
العامة عنه وعن غيره عن عائشة بخلاف ذلك، فما روته العامة
أولى مما رواه هو وحده، وانفرد به. والحديث أخرجه الجماعة.
ص - قال أبو داود: رواه ابن نمير عن هشام نحوه.
ش- أي: روى الحديث المذكور عبد الله بن نمير الكوفي، عن
هشام
ابن عروة نحوه.
1309- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن هشام بن عروة، عن أبيه،
عن عائشة قالت: كان رسولُ الله- عليه السلام- يصلي بالليل
ثَلاَثَ عَشْرَة رَكْعةً، ثم يُصَلِّي إِذا سَمِعَ
الندَاءَ بالصبْح ركعتين خَفِيفَتينِ (2) .
ش- هذا طرف من الحديث الذي قبله.
قوله: " إذا سمع النداء " أي: الأذان.
1310- ص- نا موسى بن إسماعيل، ومسلم بن إبراهيم قالا: نا
أبان، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن عائشة، أن نبي الله- عليه
السلام- كان يُصَلي من الليْلِ ثَلاثَ عَشْرةَ، كان يُصَلي
ثَمانِ رَكَعَات، ويُوترُ بركْعَة ثم يصلي. قال مسلم: بعدَ
الوِترِ ركعتين وهو قَاعد، فإذًا أرادَ أن يَرْكَع قامَ
فَرَكَعَ، ويُصَلي بين أذانِ الفجرِ والإِقَامةِ رَكعتين
(3) .
__________
(1) شرح صحيح مسلم (6/ 20) .
(2) انظر: الحديث السابق.
(3) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل
وعدد ركعات=
(5/244)
ش- أبان بن يزيد العطار، ويحيى بن أبي كثير
الطائي، وأبو سلمة عبد الله بن عبد الرحمن.
قوله: " ويوتر بركعة " قال الطحاوي: يحتمل أن تكون الثمان
ركعات التي أوتر بتاسعهن في هذا الحديث هو الثمان ركعات
التي ذكر سعد بن هشام عن عائشة " أن رسول الله- عليه
السلام- كان يصلي قبلهن أربع ركعات "، ليتفق هذا الحديث،
وحديث سعد، ويكون هذا الحديث قد زاد على حديث سعد، وحديث
عبد الله بن شقيق " تطوع رسول الله بعد الوتر "، ويحتمل أن
تكون هذه التسع هي التسع التي ذكرها سعد بن هشام في حديثه،
عن عائشة " أن رسول الله- عليه السلام- كان يصليها لما بدن
" فيكون ذلك تسع ركعات مع الركعتين الخفيفتين التي كان
يفتتح بهما صلاته، ثم كان يصلي بعد الوتر ركعتين جالسًا
بدلاً مما كان يصليه قبل أن يبدن قائمًا، وهو ركعتان، فقد
عاد ذلك إلى ثلاث عشرة. وقال الشيخ محي الدين (1) : " هذا
الحديث أخذ بظاهره الأوزاعي، واحمد فيما حكاه القاضي
عنهما، فأباحا ركعتين بعد الوتر جالسًا. قال احمد: لا
أفعله ولا امنع من فعله. قال: وأنكره مالك " قلت: الصواب
أن هاتين الركعتين فعلهما- عليه السلام- بعد الوتر جالسًا
لبيان جواز الصلاة بعد الوتر، وبيان جواز النفل جالساً،
ولم يواظب على ذلك، بل فعله مرة أو مرتين أو مرات قليلة،
ولا يُغتر بقولها: " كان يصلي " فإن المختار الذي عليه
الأكثرون والمحققون/ من الأصوليين، أن [2/ 144 - أ] " كان
" لا يلزم منها الدوام ولا التكرار، وإنما هي فعل ماض، يدل
على وقوعه مرة، فإن دل دليل على التكرار عمل به، وإلا فلا
يقتضيه بوضعها " انتهى. قلت: فيه نظر، لأن أهل اللغة
والعربية ذكروا أن " كان " تدل على الثبات والاستمرار،
وذلك عند فرقهم بين " كان "، و " صار "، وأن "صار" تدل على
الحدوث والتجدد، واستشهدوا عليه بجواز القول:
__________
النبي صلى الله عيه وسلم 26 1- (738) ، النسائي: كتاب قيام
الليل، باب: إباحة الصلاة بين الوتر وبين ركعتي الفجر (3/
251) ، وباب: وقت ركعتي الفجر (3/ 256) .
(1) شرح صحيح مسلم (21/6) .
(5/245)
" كَانَ اللهُ غفُوراً رَّحيماً " وبعدم
جوازها صار الله، فافهم. والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي.
1311- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن سعيد بن أبي سعيد
المقبري،
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، أنه أخبره، أنه سألَ عَائشةَ-
رضي الله عنها- زَوْجَ النبيِّ- عليه السلام-: كَيفَ
كَانتْ صَلاَةُ رسولِ الله في رَمَضَانَ؟ فقالتْ: مَا كان
رَسُولُ اللهِ يَزِيدُ في رَمَضَانَ وَلا في غَيْرِه عَلى
إحْدَى عَشْرةَ رَكعةً يُصَلِّي أربعًا فلا تَسألْ عن
حُسْنهنَّ وطُولِهِن، ثم يصلّي أَربعًا فلا تَسألْ عن
حُسْنهِنَّ وطُولِهِنَّ، ثم يُصَلي ثَلاثاً. قالتْ عائشةُ:
فقلتُ: نا رسولَ الله أتَنَامُ قبل أَن تُوترَ؟ فقالَ: "
يا عَائشةُ إن عيني تَنَامَان، ولا يَنَامُ قَلبي " (1)
.َ
ش - معنى قوله: " فلا تسأل عن حسنهن " أنهن في غاية من
كمال الحسن والطول، مستغنيات بظهور حسنهن وطولهن عن السؤال
عنه والوصف. وفيه دليل للجمهور في أن تطويل القيام أفضل من
تكثير الركوع والسجود، ودليل لأبي حنيفة أن التنفل بالليل
أربع ركعات بتسليمة واحدة.
قوله: " إن عيني تنامان ولا ينام قلبي " هذا من خصائص
الأنبياء- عليهمْ السلام- وقد تأوله بعضهم على أن ذلك كان
غالب أمره، وقد ينام نادراً لحديث الوادي، فلم يعلم بفوات
الصبح حتى طلعت الشمس، ومنهم من قال لا يستغرقه النوم حتى
يكون منه الحدث، ومنهم من قال: نوم الوادي إنما نامت
عيناه، فلم ير طلوع الشمس، وطلوعها إنما يدرك بالعين لا
بالقلب، وقيل: لا ينام قلبه من أجل أنه يوحى إليه. والصواب
الأول. والحديث أخرجه الجماعة ما خلا ابن ماجه.
__________
(1) البخاري: كتاب التهجد، باب: قيام النبي صلى الله عيه
وسلم بالليل في رمضان وغيره، مسلم: كتاب صلاة الليل، باب:
صلاة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عيه وسلم في الليل،
وأن الوتر ركعة وأن الركعة صلاة صحيحة 126- (738) ،
الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وصف صلاة النبي صلى
الله عيه وسلم (439) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع
النهار (1795) .
(5/246)
1312- ص- نا حفص بن عمر، نا همام، نا
قتادة، عن زرارة بن أوفىِ (1) ، عن سعد بن هشام قال:
طَلقْتُ امْرَأتِي، فأتَيْتُ المَدينةَ لأبِيعَ عَقَاراً
كان لي بها، فأشْتَرِي به السلاح، وأغزو فَلَقيتُ نَفَرم
من أصحَاب رسول الله - عليه السلام- فقالوا: قد أراد نَفَز
مِنا ستةَ أن يَفْعَلُوا ذاك (2) فَنًهاهُمُ الَنبي - عليه
السلام- وقال: " لكم فِي رسولَ الله أسْوة حَسَنَة " (3)
فأتَيْتُ ابنَ عَبَّاسِ فسألته عن وِتْرِ النبي- عليه
السلامَ-َ فقالَ: أدُلك علىِ أعْلَم الناسٍ بوتْرِ رسول
الله- عليه السلام-؟ فَائْتِ عائشةَ! فأتَيْتُهَا
فَاسْتتبعْتُ حكيمَ بن أَفْلحِ فأبَىَ " فَنَاشَدْتُه
فانطَلَق معيِ، فاسْتَأذَنا على عائشةَ فقالتْ: مَن هَذا؟
قال: حكيمُ بنُ أفلح. قالت: ومَنْ مَعَك؟ قال: سعدُ بنُ
هشام. قالت: هشامُ بنُ عامر الذي قتِلَ يومَ أحد؟ قال:
قلتُ: نعم. قالت: نعْمُ المرء كان عَامر. قال: َ قلتُ: يا
أم المؤمنَين " حَدِّثيني عن خُلُقِ رسولَ الله- عليه
السَلام- " قالتْ: ألَسْتَ تَقْرأ القُرآنَ؟ فَإن خُلُقَ
رسول الله كَان القُرآنُ. قال: قلتُ: حَدثيني عن قيام
الليلِ! قالت: ألستَ تَقرأ الَقرآنَ (4) : {يا أيهَا
المُزَّمِّلُ} قال: قلتَ: بلى! قالتْ: فإن أولَ هذه السورة
نَزَلَتْ فَقَامَ أصحابُ رسولِ اللهِ حتَى انْتَفَخَتْ
أقْدَامُهُم، وحُبس خَاتِمَتُهاَ في السماء اثنى عَشَرَ
شَهر، ثم نَزَلَ آخِرُهَا، فَصَارَ قيام الليلِ تًطَوَّعا
بعدَ فريضَة. قال: قلتُ: حَدِّثيني عن وِتْرِ النبي- عليه
السلام-! قالت: كان يُوتِر بثمانِ رَكعات لا (5) يَجْلِسُ
إلا في الثَّامنة، والتاسِعَةِ، ولا يُسَلمُ إلا في
التاسعةِ، ثم يُصَلي رَكعتينِ وهو جَالس، فتلكً إِحدى
عَشْرةَ رَكعةَ يا بُنَي. فلما أسَن، وأخَذَ اللحمُ
أوْتَرَ بسبع رَكعاتِ لم يَجْلِسْ إلا في السادسةِ
والسابعةِ، ولم
__________
(1) في الأصل: " زرارة بن أبي أوفى " خطأ.
(2) في " سنن أبي داود: " ذلك ".
(3) في " سنن أبي داود: " لقد كان لكم.... "
(4) كلمة " القرءان غير موجودة في سنن أبي داود ".
(5) في سنن أبي داود: " لا يجلس إلا في الثامنة، ثم يقوم
فيصلي ركعة أخرى، لا يجلس إلا في الثامنة والتاسعة ... ".
(5/247)
يُسَلِمْ إلا في السابعة، ثم يصلي ركعتين
وهو جالس فتلك (1) تسعُ رَكَعات يا بُني ولمِ يَقُمْ رسولُ
الله لَيلة يُتمُها إلى الصباح، ولم يقرأ القراَنَ في ليلة
قَط، ولم يصُمْ شَهرا يُتمه كيرَ رَمضانَ، وكانَ إِذا صلى
صلاة دَاوَمَ عَلَيها، وكان إِذا غلَبَتْهُ عيناهُ منَ
الليلِ بنوم صلى من النهارِ ثنْتَي عَشْرةَ رَكعة. قال:
[2/ 144 - ب] فأتيت ابنَ عباسٍ / فحدثته فقال: هذا والله
الحديثُ (2) ، ولو كُنتُ أكمُلهَا لأتَيْتُها حتى
أشافِهَهَا به مُشافَهَة. قال: قُلتُ: لو عَلمتُ أنك لا
تكلمها ما حَدثتُكَ (3) .
ش- همام بن يحيى العَوْذي البصري، وسعد بن هشام بن عامر
الأنصاري ابن عم أنس بن مالك- رضي الله عنه-.
قوله: " لأبيع عقارا " العقار- بالفتح- الأرض والضياع
والنخل، ومنه قولهم: ماله دار ولا عقار. ويقال أيضًا: في
البيت عقار حسن. أي: متاع وأداة. وقيل: العقار الأصل من
المال.
قوله: " نفر منا ستة " ارتفاع " ستة " على أنها صفة للنفر،
والنفر عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة، والنفير مثله.
قوله: " أن يفعلوا ذاك " أي: بيع العقار وشراء السلاح
بثمنه.
قوله: " حكيم بن أفلح " من التابعة. وقد روى عن أبي مسعود
الأنصاري، وعائشة. روى عنه (4) : جعفر بن عبد الله والد
عبد الحميد. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه (5) .
__________
(1) في سنن أبي داود:" فتلك هي ".
(2) في سنن أبي داود: " هذا والله هو الحديث ".
(3) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: جامع صلاة الليل
(746) ، النسائي: كتاب قيام الليل، باب: قيام الليل (3/
199) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها، باب: ما
جاء في الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع (1191) بقصة الوتر فقط.
(4) في الأصل: " عنها ".
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1450) .
(5/248)
قوله: " قالت: هشام بن عامر؟ " وكان اسمه
في الجاهلية شهابًا، فغير رسول الله اسمه فسماه هشامًا (1)
.
وأبوه (2) عامر بن أمية [زيد بن] الحسحاس بن مالك بن عامر
غنم بن عدي بن النجار الأنصاري، واستشهد عامر يوم أحد،
وسكن هشام البصرة ومات بها. روى له: الجماعة إلا البخاري.
قوله: " عن خلق رسول الله " الخلق- بضم الخاء واللام،
وسكون اللام- أيضًا الدين والطبعُ والسجية، وحقيقته أنه
لصورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه وأوصافها ومعانيها
المختصة بها، بمنزلة الخَلق لصورته الظاهرة وأوصافها
ومعانيها، ولهما أوصاف حسنة وقبيحة، والثواب والعقاب
يتعلقان بأوصاف الصورة الباطنة كثر مما يتعلقان بأوصاف
الصورة الظاهرة، ولهذا جاءت الأحاديث الكثيرة في مدح
حُسْنِ الخُلُق، وكذلك في ذم سوء الخُلُق.
قوله: " فإن خلق رسول الله كان القرآن " تعني: التأدب
بآدابه، والتخلق بمحاسنه، والالتزام لأوامره وزواجره.
قوله: " فصار قيام الليل تطوعًا بعد فريضة " حكى أبو بكر
الأدفوي أن قوله تعالى: {قُم الليْلَ} ليس بفرض، ولا على
الوجوب عند بعضهم، وإنما هو ندب، وقيل: حتم وفرض. وقيل:
حتم على رسول الله - عليه السلام- وحده. وقال غيره: لم
يختلف العلماء أن فرضه قد سقط عن المسلمين إلا طائفة رُوي
عنهم بقاء فرضه ولو قدر حلب شاة، وأن المنسوخ هو طول
القيام، وأن القيام اليسير لم ينسخ، وذكر بعضهم أن النبي-
عليه السلام- لم ينسخ عنه فرض قيام الليل، وظاهر القرآن
والحديث يدل على تسوية الجميع.
__________
(1) أخرجه البخاري فيه الأدب المفردة (825) باب شهاب، من
حديث عائشة قالت: " ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا
يقال له: شهاب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم
بل أنت هشام " وذكره أبو داود في سننه (4956) بدون سند.
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (3/ 9) ، أسد
الغابة (3/ 117) ، الإصابة (2/ 248) .
(5/249)
قوله: " كان يوتر بثمان ركعات " اعلم أن
عائشة- رضي الله عنها- أطلقت على جميع صلاته- عليه السلام-
في الليل التي كان فيها الوتر وترًا، فجملتها إحدى عشرة
ركعة، منها الوتر ثلاث ركعات، قبله ست ركعات من النفل،
وبعده ركعتان، فالجميع إحدى عشرة ركعة، وهذا كان قبل أن
يبدن ويأخذ اللحم، فلما بدن وأخذ اللحم أوتر بسبع ركعات،
وهاهنا أيضًا أطلقت على الجميع وترًا، والوتر منها ثلاث
ركعات، قبله أربع من النفل، وبعده ركعتان، فالجملة تسع
ركعات. فإن قيل قد صرحت في الصورة الأولى بقولها: " لا
يجلس إلا في الثامنة والتاسعة، ولا يسلم إلا في التاسعة،
وصرحت في الصورة الثانية بقولها: " لم يجلس إلا في السادسة
والسابعة" ولم يسلم إلا في السابعة " قلت: هذا اقتصار منها
على بيان جلوس الوتر وسلامه، لأن السائل إنما سأل عن حقيقة
الوتر ولم يسأل عن محيره، فأجابت مبينة بما في الوتر من
الجلوس على الثانية بدون سلام، والجلوس أيضًا على الثالثة
بالسلام، وهذا عين مذهب أبي حنيفة، وسكتت عن جلوس الركعات
التي قبلها، وعن السلام فيها، لما أن السؤال لم يقع عنها،
فجوابها قد طابق سؤال السائل، غير أنها أطلقت على الجميع
وترًا في الصورتين، لكون الوتر فيها، ويؤيد ما ذكرناه ما
روى الطحاوي عن سعيد بن عفير قال: نا يحمى بن أيوب، عن
يحيى بن سعيد، عن عمرة بنت عبد الرحمن، عن عائشة " أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الركعتين اللتين/
يوتر بعدهما بـ {سبِّح اسْمَ ربِّكَ الأعْلَى} و {قُلْ يا
أيُّهَا الكَافرُونَ} ويقرأ في الوتر {قُلْ هوَ اللهُ
أحَدٌ} و {قُلْ أعوذُ برَبّ الفَلَق} و {قُلْ أعُوذُ
برَبِّ الناس} .ً
حدثنا بكر بن سهل الدمياطي، نا شعيب بن يحيى، نا يحيى بن
أيوب، عن يحيى بن سعيد، عن عمرة، عن عائشة " أن النبي-
عليه السلام- كان يوتر بثلاث، يقرأ في أول ركعة {سبح اسْمَ
ربكَ الأعْلَى} وفي الثانية: {قُلْ يا أيُّهَا
الكافِرُونَ} وفي الثالثة {قُلْ هُوَ اللهُ احد}
(5/250)
والمعوذتين "، فأخبرت عمرة، عن عائشة في
هذا الحديث بكيفية الوتر كيف كانت، ووافق على ذلك سعد بن
هشام، وزاد عليها سعد: إنه كان لا يسلم إلا في آخرهن.
قوله: " ولو كنت كلمها " أي: عائشة.
قوله: " حتى أشافهها به " فيه دليل على طلب علوّ الإسناد،
والمشافهة: المخاطبة من فيك إلى فيه.
قوله: " قال: قلت " أي: قال حكيم بن أفلح، وقوله هذا على
طريق العتب له على ترك الدخول عليها، والمكافأة على ذلك
بأن يحرمه الفائدة عنها، حتى يضطر إلى الدخول عليها.
فإن قيل: ما تقول في هذا الاختلاف في أعداد ركعات صلاته-
عليه السلام- بالليل من سبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاث
عشرة، إلى سبع عشرة ركعة، وهي منتهاها، قدر عدد ركعات
الفرض في اليوم والليلة؟ قلت: كل واحد من الرواة مثل
عائشة، وابن عباس، وزيد بن خالد، وغيرهم أخبر بما شاهده،
وأما الاختلاف عن عائشة، فقيل: هو من الرواة عنها، وقيل:
هو منها، ويحتمل أنها أخبرت عن حالات، منها: ما هو الأغلب
عن فعله- عليه السلام- ومنها: ما هو نادر، ومما اتفق من
اتساع الوقت، وضيقه، والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي. 1313-
ص- نا محمد بن بشار، حدثني يحيى بن سعيد، عن سعيد، عن
قتادة بإسناده نحوه قال: يُصَلّي ثمانِ رَكعات، لا يجلسُ
فيهن إلا عندَ الثامنة، فيجلسُ، فيذكرُ اللهَ ثم يدعو، ثم
يُسَلِّمُ تًسليمًا يُسمعُنَا، ثم يُصَلِّي ركعتيَن، وِهو
جالس بعد ما يُسلِّمُ، ثم يصلِّي رَكعةً، فتلكَ إحدى
عَشْرةَ رَكْعةَ يا بُني، فلما أسَن رسولُ الله، وأخَذَ
اللحمُ أوترَ بسبعٍ، وصلى ركعتين، وهو جالس بعد ما
يُسَلمْ، بمَعناه إلى " مشافهةً " (1) .
ش- يحمص بن سعيد الأنصاري، وسعيد بن أبي سعيد المقبرة.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(5/251)
قوله: يصلي ثمان ركعات لا يجلس فيهن " إلى
قوله: " فلما أسن " لم يُبين فيها الوتر، غاية ما في الباب
بين فيها انه صلى ركعة، فيحمل هذا على انه صلى قبلهاَ
ركعتين أخريين، لتتفق الروايات، ولا يقع التضاد فيها. فإن
قيل: فعلى هذا يكون الجميع ثلاث (1) عشرة ركعة، وقد صرحت
عائشة- رضي الله عنها- بقولها: " فتلك إحدى عشرة ركعة يا
بني "، قلنا: يحتمل أنها ما وقعْت إلا على الركعة الثالثة
بعد قيامه- عليه السلام- من التشهد على رأس الركعتين، فظنت
انه صلى واحدة، فأخبرت بناء على ظنها أنها واحدة، فلذلك
قالت: " فتلك إحدى عشرة "، وإنما أولنا هذا التأويل، لأن
غالب الروايات عنها يخالف هذه الرواية، فلما أمكن الجمع
بينها بهذا التأويل، صرنا إليه مع تأيده بما رُوي في
الأحاديث الناطقة بأن الوتر ثلاث ركعات، وبقوله: " ثمان
ركعات لا يجلس فيهن " استدل أبو حنيفة أنه إذا صلى بالليل
ثمان ركعات بتسليمة واحدة جاز، ولا يكره.
قوله: " فلما أسن رسول الله، وأخذ اللحم أوتر بسبع " أي:
سبع ركعات، أطلقت هنا أيضا على الجميع وتراً، لما فيها من
الوتر ثلاث ركعات قبله أربع من النفل، وبالركعتين اللتين
كان يصليهما بعده يصير الجميع تسعاً.
قوله: " إلى (2) مشافهة " أي: إلى قوله: " حتى أشافهها به
مشافهة". 1314- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا محمد بن بشر،
نا سعيد بهذا الحديث قال: يُسلمُ تسليمًا يُسمِعُنَا، كما
قال يحيي بن سعيد (3) .
ش- أي: بالحديث المذكور.
1315- ص- نا محِمد بن بشار، نا ابن أبي عدي، عن سعيد بهذا
الحديث (4) ، إلا أنه قال: " ويُسلمُ تسليمةً يُسمِعُنَا "
(5) .
__________
(1) في الأصل: " ثلاثة ".
(2) في الأصل " إلا ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) في سنن أبي داود: " بهذا الحديث. قال ابن بشار: بنحو
حديث يحيى بن سعيد إلا أنه ... ".
(5) تفرد به أبو داود.
(5/252)
ش- محمد بن أبي عدي، والحاصل أنه روى هذا
الحديث من ثلاث
روايات.
1316- ص- نا علي بن الحسين الدرهمي، نا ابن أبي عدي، عن
بهز
ابن حكيم، نا زرارة بن أوفى، أن عائشة- رضي الله عنها-/
سئلت عن [2/ 145- ب] صلاة رسولِ الله صلى الله عليه وسلم
في جَوفِ الليلِ فقالت: " كان يُصلي صَلاةَ العشاء في
جماعة، ثم يَرجعُ إلى أهلِهِ، فيركعُ أربعَ رَكَعات، ثم
يأوي إلى فِراشَه وَينامُ،
وطَهورهُ مُغَطَى عندَ رأسِهِ، وسوَاكُهُ موضوعٌ، حتى
يَبْعَثَهُ الله تعالىً سَاعَتهُ
التي يَبْعَثُه من الليل، فيتسوكُ ويسبِغُ الوُضوء، ثم
يقومُ إلى مُصَلاه، فيصلي
ثمانِ رَكَعات يقرأَ فيهن بأم القرآنِ، وسورة من القرآنِ،
وما شاءَ اللهُ، ولا
يَقْعُدُ في شيء منها حتى يَقْعُدَ في الثامنة، ولا
يُسْلمُ، ويقرأ في التاسعة، ثم
يَقْعُدُ، فيدْعُو بما شَاءَ اللهُ أن يَدْعُو، ويَسألُهُ،
ويَركَبُ إليه، ويسلِّم تسَليمةً
واحدةً، شديدةً، يكادُ أن (1) يُوقِظُ أهْلَ البيْتِ من
شدةِ تَسليمه، ثم يقرأ
وهو قاعدٌ بأمِّ الكتابِ، ويركعُ وهو قاعدٌ، ثم يقرأ
الثانيةَ، فيركعُ، ويَسجُدُ،
وهو قاعد، ثم يَدْعُو ما شاءَ اللهُ أن يَدْعُوَ، ثم
يُسلمُ، وينصرفُ، فلم تَزَلْ
تلكَ صلاةُ رسول الله- عليه السلام- حتى بَدُن فَنَقَصَ من
التسع ثنتينِ
فَجَعَلَهَا إلى الست والسَبع، وركعتيه وهو قاعد، حتى
قُبِضَ على ذلكَ " (2) .
ش- " طهوره " بفتح الطاء، اسم لما يتطهر به، فيه استحباب
التأهب
بأسباب العبادة، قبل وقتها، والاعتناء بها.
قوله: " فيتسوك " فيه دليل على استحباب السواك عند القيام
من النوم.
قوله: "ويقرأ في التاسعة " أي: الركعة التاسعة، فهذه
الركعة مع ما
قبلها من الركعتين هو الوتر، وهذ عين مذهب أبي حنيفة، حيث
قعد
على رأس الركعتين ولم يسلم، ثم لما صلى التاسعة التي هي
الثالثة من
الوتر قعد وسلم.
__________
(1) كلمة " أن " غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.
(5/253)
قوله: " ثم يقرأ الثانية " أي: في الركعة
الثانية من الركعتين اللتين كان يصليهما بعد الوتر، وهو
قاعد.
قوله: " حتى بدن " بضم الدال وتخفيفها، معناه عظم بدنه،
وكثر لحمه، وأنكر هذا بعضهم وقالوا: لم تكن هذه صفته- عليه
السلام-، والصواب: بدَّن بالتشديد، أي: أسن، وفي حديث
عائشة ما يصحح الروايتين وذلك قولها: " فلما أسن، وأخذ
اللحم "، وقد جاء في صفته - عليه السلام- " بادن متماسك "،
أي: عظيم البدن، مُشَدَدَهُ، غير مهزول اللحم، ولا خوار
البنية، وقولها: " وأخذ اللحم " أي: زاد لحمه على ما كان
قبل، ولم يصل إلى حد السمن.
قوله: " فنقص من التسع ثنتين " أي: من التسع ركعات ركعتين.
قوله: " فجعلها " أي: فجعل التسع إلى ست ركعات، بأن كان
يصلي ست ركعات، ويقعد في آخرها، ولا يسلم، ثم يصلي
السابعة، ويقعد، ويسلم، فالثلاث وتر، والأربع التي قبله
نفل.
قوله: " وركعتيه " عطف على المجرور، الذي قبله، والحاصل
أنه كان يصلي قبل أن يبدن إحدى عشرة ركعة: ست ركعات نافلة،
وثلاث وتر، وركعتان بعدهما، وبعد أن بدن كان يصلي تسع
ركعات: أربع نافلة، وثلاث وتر، وركعتان بعده.
1317- ص- نا هارون بن عبد الله، نا يزيد بن هارون، أنا بهز
بن حكيم، فذكر هذا الحديث بإسناده، قال: يُصلي العشاءَ، ثم
يأوي إلى فراشِه، لم يذكر، الأربع ركعات، وساقَ الحديثَ،
وقال فيه: فيصلي ثَمانَ ركعات، يُسَوي بينهن في القًراءة،
والركوعِ، والسجود، وقال: لا يجلسُ في شًيء منهن إلا في
الثامنةَ فإنه كان يجلسُ، ثم يَقُومُ، ولا يسلم (1) ،
فيصليً ركعةً يُوترُ بها، ثم يُسلمُ تسليمة، يرفع بها
صَوْتَهُ، حتى يُوقِظَنَا، ثم ساقَ معناه (2) .
__________
(1) في سنن أبي داود: " ولا يسلم فيه "
(2) انظر: الحديث السابق.
(5/254)
ش- أي: الحديث المذكور.
قوله: " يوتر بها " أي: بالركعة التاسعة، والمعنى: أنه كان
يجعل الركعة التاسعة مع ركعتين قبلها وترًا.
1318- ص- نا عمرو بن عثمان، نا مروان بن معاوية، عن بهز،
نا زرارة بن أوفى، عن عائشة أم المؤمنين " أنها سُئلَتْ عن
صَلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالتْ: كان يُصَلي
بالناس العشاءَ، ثمِ يَرْجِعُ إلَى أهله، فَيُصَلي
أربَعًا، ثم يأوي إلى فراشه "، ثم سَاقً الحديث بطُوله، لم
يذَكَرْ " سَوَّى بينهن في القرَاءةِ، والَركوَعَ،
والسجودِ،، ولم يذكرْ فيً التسليم،/ حتى يُوقِظَنَا (1) .
[2/ 146 - أ] ش- عمرو بن عثمان أبو حرص " الحمصي، ومروان
بن معاوية الفزاري الكوفي، وبهز بن حكيم، والباقي ظاهر.
1319- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد- يعني: ابن سلمة- عن
بهز بن حكيم، عن زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام، عن عائشة
بهذا الحديث، وليس في تمام حديثهم (2) .
ش- رواية زرارة بن أوفى، عن سعد بن هشام هي المحفوظة، وفي
سماع زرارة، عن عائشة نظر، فإن أبا حاتم الرازي قال: قد
سمع زرارة من عمران بن حصين، ومن أبي هريرة، ومن ابن عباس،
قيل له: ومَن أيضًا؟ قال: هذا ما صح له. وظاهر هذا أنه لم
يسمع عنده من عائشة، والله أعلم.
1320- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن محمد بن عمرو،
عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة أن رسولَ الله- عليه
السلام- كان يُصَلي من الليلِ ثَلاث عَشرةَ ركعة يُوترُ
بسبع (3) ، أخوكما قالت (4) ، ويصلي ركعتينِ وهو جالسن،
وركْعَتِي الفجَرِ بين الأذانِ والإقامَةِ (5) .
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في سنن أبي داود: " بتسع ".
(4) في الأصل: " قال "
(5) تفرد به أبو داود.
(5/255)
ش- حماد بن سلمة، ومحمد بن عمرو بن علقمة
بن وقاص.
قوله: " يوتر بسبع " الوتر منها ثلاث ركعات، ولكنها أطلقت
عليه، وعلى غيره الوتر، لاتصال الوتر ومجاورته بتلك
الركعات التي هي النفل، وإنما أولنا هذا التأويل، لتتفق
الأخبار، ولا يقع فيها تضاد، فافهم.
1321- ص- نا موسى بن إسماعيل، نا حماد، عن محمد بن عمرو،
عن محمد بن إبراهيم، عن علقمة بن وقاص، عن عائشة " أن
رسولَ الله- عليه السلام- كان يُوتر بتسع رَكَعات، ثم
أَوْتَر بسبع رَكَعات، ورَكَعَ ركعتين وهو جالس بعدَ
الوِترِ، يقرأ فيهما، فإذا أرادَ أن يَركَعَ قامَ فركعَ،
ثم سَجدَ " (1) .
ش- الكلام فيه كالكلام في الذي قبله.
ص- قال أبو داودَ: روى الحديثين خالد بن عبد الله الواسطي
(2) مثل " قال فيه: قال علقمة بنُ وقاص: يا أمه (3) ، كيف
كان يصلي الركعتين؟ فذكرَ معناهُ.
ش- أي: روى الحديثين المذكورين خالد بن عبد أدنه الطحان
الواسطي، مثله، أي: مثل ما روى محمد بن عمرو بن علقمة.
قوله: " نا أمه " [......] (4) .
1322- ص- نا وهب بن بقية، عن خالد ح ونا ابن المثنى، نا
عبد الأعلى، نا هشام، عن الحسن، عن سعد بن هشام، قال:
قَدمْتُ المدينة فَدَخَلتُ على عائشةَ قلتُ: أخبريني عن
صَلاة رسول الله- عليَه السلام- قالتْ: إن رسولَ اللهِ صلى
الله عليه وسلم كان يصلي بالناسِ صًلاةَ الَعِشَاءِ، ثم
يأوي إلى
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) في سنن أبي داود: " ... الواسطي، عن محمد بن عمرو مثله
"
(3) في سنن أبي داود: " يا أمتاه "
(4) بياض في الأصل قدر ثلثي سطر؟
(5/256)
فراشه، فينام، فإذا كان جَوفُ الليلِ قَامَ
إلى حاجته، وإلِى طَهُورِهِ، فيَتَوضأ، ثَم دخَلَ المسجدَ،
فَصلى ثمان ركعات يُخَيلُ إلي أَنه سوى بينهن في القراءة،
والرِكوعِ، والسجود، ثم يُوتر برِكعة، ثم يُصَلِّي ركعتين،
وهو جالس، ثَم يَضعُ جنْبَهْ، فربما جاءَ بلالٌ فآذنه
بالصلاة ثم يغْفِي، وربما شَكَكْتُ أغفَى أولا حتى
يُؤْذنَه بالصلاة، فكانتْ تلكَ صلَاتُه حتَى أسَن،
ولَحُمَ، فَذَكَرتْ مِن لَحمِهِ ما شَاءَ اللهُ، وسَاقَ
الحديثَ (1) .
ش- خالد بن عبد الله الطحان، ومحمد بن المثنى، وعبد الأعلى
بن عبد الأعلى السامي، وهشام بن حسان، والحسن البصري.
قوله: " ثم يوتر بركعة " أي: مع الركعتين اللتين قبلها.
قوله: " فآذنه " بالمد أي: أعلمه.
قوله: " ويُغفِي " من أغفيت إغفاء، أي: نمت، قال ابن
السكيت:
ولا تقل: غفوت.
قوله: " ولحم " بضم الحاء، تقول: لحم، الرجل فهو لحيم، إذا
كان كثير اللحم في بدنه، ولحم بالكسر اشتهى اللحم، ولحمه
بالفتح إذا أطعمه اللحم، والحديث: أخرجه النسائي.
1323- ص- نا محمد بن عيسى، نا هشيم، أنا حصين، عن حبيب بن
أبي ثابت، المعنى ح ونا عثمان بن أبي شيبة، نا محمد بن
فضيل، عن حصين، عن حبيب بن أبي ثابت، عن محمد بن علي بن
عبد الله بن عباس، عن أبيه، عن ابن عباس " أنه رَقَدَ عندَ
النبي- عليه السلام- فَرَاهُ استيقظَ، فَتسوكَ، وتَوضأ،
وهو يَقولُ: {وإِن في خَلقِ السَّمَوات والأرْضً} (2) حتَى
خَتمَ السورةَ، ثم قامَ، فَصلى رَكعتين، أطالَ فيهمَا
القيام، والركوعَ، والسجودَ، [ثم] انصرف فَنَامَ حتى
نَفَخَ، ثم فَعَلَ ذلك ثَلاثَ مراتِ،
__________
(1) النسائي: كتاب قيام الليل، باب: ذكر اختلاف الناقلة عن
عاشقة في ذلك (3/ 220) .
(2) سورة آل عمران: (190) .
17 شرح سن أبى داوود 5
(5/257)
[2/ 146- ب] ستَّ (1) رَكَعات، كلُّ ذلك
يَسْتَاكُ،/ ثم يَتوضأُ ويقرأُ هؤلاء الآيات، ثم أوتَر،
قال عثمان: بثلاث رَكَعات، فأَتَاهُ المؤَذنُ، فخرجَ إلى
اَلصلاة، قال
ابن عيسى: ثم أَوتَر، فأتَاهُ بلالٌ، فأَذَنَهُ بالصلاة
حين طَلَعَ الفجر، ثم
صلَّى (2) ركعتي الفجر، ثم خَرَجَ إلى الصلاة، ثم اَتفقا،
وفو يقولُ: اللهم
اجعلْ فِي قلبي نورا، واجعلْ في لسَاني نورا، واجْعلْ في
سَمْعِي نُورا
واجعْل في بَصَرِي نُورًا، واجعلْ خًلفِي نُورا وأَمَامِي
نورًا، واجعلْ من
فَوقي نُورا، ومِن لمحتي نُورا، اللهم وأعْظِمْ لي نُورا
(2) ".
ش- هشيم بن بشير، وحصين بن عبد الرحمن المدني.
قوله: " ست ركعات " بالنصب بدل من قوله: " ثلاث مرات لا
ويجوز
الرفع من حيث العربية على أنه خبر مبتدأ محذوف، أي: هي ست
ركعات.
قوله: " قال عثمان " أي: ابن أبي شيبة.
قوله: " بثلاث ركعات " متعلق بقوله: " ثم أوتر" وهذا نص
صريح
على أن الوتر ثلاث ركعات.
قوله: " قال ابن عيسى " أي: محمد بن عيسى الطباع.
قوله: " ثم اتفقا " أي: عثمان، ومحمد.
قوله: " قي قلبي نورا " إلى آخره سأل النور في أعضائه،
وجهاته،
والمراد به: بيان الحق وضياؤه، والهداية إليه، فسأل "
النور في جميع أعضائه، وجسمه وتصرفاته، وتقلباته، وحالاته،
وجملته في جهاته
الست، حتى لا يزيغ شيء منها عنه، والحديث أخرجه: مسلم،
والنسائي، وأخرجه: البخاري، ومسلم من حديث كريب، عن ابن
عباس، وسيأتي
__________
(1) في سنن أبي داود: " بست ".
(2) في سنن أبي داود: " فصلى ".
(3) مسلم: كتاب صلاة المسافرين، باب: الدعاء يمر صلاة
الليلة 191 - (763)
النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: ذكر ما
يستفتح به القيام
(3 / 210) .
(5/258)
1324- ص- نا وهب بن بقية عن خالد عن حصين
نحوه قال: "وأعظم
لي نورا " (1) .
ش- خالد بن عبد الله الواسطي، وحصين بن عبد الرحمن.
قوله: " نحوه " أي: نحو الحديث المذكور.
ص- قال أبو داود: وكذلك قال أبو خالد الدالاني، عن حبيب في
هذا (2) .
ش- أبو خالد اسمه [......] (3) وحبيب بن أبي ثابت.
ص- وقال سلمةُ بن كهيل: عن أبي رِشدين، عن ابن عباس.
ش- أبو رِشدين كنية كريب مولى ابن عباس، وهو بكسر الراء،
وسكون الشن المعجمة،. وكسر الدال، بعدها ناء آخر الحروف
ساكنة، وفي آخره نون. واعلم أن قوله: " نا لا وهب بن بقية
" إلى هاهنا ليس بموجود في بعض نسخ الأصل.
1325- ص- نا محمد بن بشار، نا أبو عاصم، نا زهير بن محمد،
عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر، عن كريب، عن الفضل بن
عباس، قال: " بت ليلة عندَ النبي- عليه السلام- لأنظُرَ
كيفَ يُصلِّي، فقامَ، فَتوِضأ، وَصَلَّى ركعتين، قيامه
مثلَ رُكُوعه، ورُكُوعه مثلَ سُجوده، ثم نَام، ثم
اسْتَيْقظَ، فتوضأ، َ واستنثر (4) ، ثَم قَرأ بخمَسَ آيات
من اًل عمرانَ {وإِن في خَلق السَّمَوات وَالأرْض
وَاخْتلاف اللَّيل والنهَار} (5) فلمَ يَزَلْ يفعلُ هَذا
حتىَ صَلَّى عَشرَ رَكَعاتَ، ثم قام صلى سَجدَة واحدة، في
وتَرَ بها، ونَادَى المنَادِى عندَ ذلك فقام رسولُ الله
بعد ما سَكَتَ المؤَذِّنُ، فصلَّى سَجدتنِ خَفيفَتينِ، ثم
جَلَسَ، حتى صلى الَصُبْحَ " (6) .
__________
(1) انظر التخريج المتقدم.
(2) في سنن أبي داود: " في هذا وكذلك قال في هذا الحديث ".
(3) بياض في الأصل قدر ثلث سطر.
(4) في سنن أبي داود: " واستن " وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(5) سورة آل عمران: (190) .
(6) تفرد به أبي داود.
(5/259)
ش- أبو عاصم: الضحاك بن مخلد، وزهير بن
محمد المروزي.
قوله: " واستنثر " هو استفعل من نثر ينثِر- بالكسر- إذا
امتخط، أي:
استنشق الماء، ثم استخرج ما في الأنف، وفي بعض النسخ: "
واسق " موضع " استنثر " أي: تسوك، وفي بعضها: " ثم اسق ".
قوله: " ثم قرأ بخمس آيات " وفي بعض النسخ الصحيحة: " ثم
قرأ
من آل عمران " بدون قوله: " بخمس آيات " وكذا لابن حزم.
قوله: " فصلى سجدة واحدة " أي: ركعة واحدة.
قوله: " فأوتر بها " أي: أوثر بتلك الركعة مع ركعتين
قبلها.
قوله: " ونادى المنادي " أي: أذن المؤذن.
ص- قال أبو داودَ: خَفِيَ عَلَيَّ مِن ابن بشار بَعْضُهُ.
ش- أي: خَفِيَ عَلَي من محمد بن بشار بعضُ الحديث.
1326- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا وكيع، نا محمد بن قيس
الأسدي، عن الحكم بن عتيبة، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس،
قال:
" بت عندَ خَالتِي ميمونة، فجاءَ رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم بعد ما أمْسَى، فقال: أَصلى الَغُلامُ؟ قالوا: نعم،
فاضطَجَعَ، حتى إذا مَضَى من الليلِ ما شاء الله، قامَ،
فَتَوضأ، ثم صلى سبْعَا، أو خَمسا، أَوْتَرَ بهن، لم
يُسَلمْ إلا في آخِرِهن " (1) .
ش- محمد بن قيس الأسدي أبو نصر، ويقال: أبو الحكم الكوفي.
روى عن: الشعبي، والحكم بن عتبة، ومحارب بن دثار، وسلمة بن
كهيل وغيرهم. روى عنه: الثوري، ووكيع، وعلي بن مسهر،
[2/147- أ] / وغيرهم، وقال أحمدْ ثقة، لا يُشك فيه. روى
له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
قوله: " خالتي ميمونة " وهي بنت الحارث بن حرب أم
المؤمنين، وقد
ذكرناها.
__________
(1) انظر الحديث الآتي.
(5/260)
قوله: " أصلى الغلام " الهمزة فيه
للاستفهام.
قوله: " صلى سبعَا، أو خمسَا، أوتر بهن " أطلق على الجميع
وترًا، والحال أن الوتر منها ثلاث ركعات، وقد مر مثل هذا
في حديث عائشة.
1327- ص- نا ابن المثنى، نا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن
الحكم، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: " بت في بيت
خَالتِي ميمونة بنْت الحارث، فصلى رسولُ الله العشَاءَ، ثم
جاءَ، فَصلى أربَعًا، ثم نَامَ، ثم قَام يُصَلي، فَقُمْتُ
عن يَسَارِه، فأدَارَني، فأقَامَني عن يَمينه، فصلى خمسًا،
ثم نَامَ، حتَى سَمعْتُ غطيطَه، أو خَطيطَهُ، ثم قَامَ
فَصلى ركعتين، ثم خرجَ، فصلى الغَدَاة " (1)
.َ
ش- محمد بن المثنى، ومحمد بن إبراهيم بن أبي عدي، وشعبة بن
الحجاج، والحكم بن عتيبة.
قوله: " فصلى خمسَا " أي: خمس ركعات، منها الوتر ثلاث
ركعات وإنما قلنا هكذا، لأن الرواية التي رواها كريب عنه
تدل على ذلك، وهي ما رواه الطحاوي: نا المقبري، عن سعيد بن
أبي أيوب، نا عبد ربه بن سعيد، عن قيس بن سليمان، عن كريب
مولى ابن عباس، أن عبد الله ابن عباس حدثه، قال: فصلى رسول
الله ركعتين بعد العشاء، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين،
ثم أوتر بثلاث انتهى.
فهذه جملتها إحدى عشرة ركعة، وكذلك في الحديث المذكور
جملتها إحدى عشرة ركعة، لأنه صلى أولا أربعًا، ثم صلى
خمسًا، ثم صلى ركعتين، فحديث كريب هذا قد بين أن الثلاث من
الخمس في ذاك. الحديث هو الوتر، فافهم. قوله: " غطيطه "
الغطيط صوت يخرجه النائم مع نفسه، وقال بعضهم:
__________
(1) البخاري: كتاب العلم، باب: السمر في العلم (117) ،
النسائي في الكبرى.
(5/261)
الخطيط بالخاء لا يعرف، وقال غيره: الخطيط
قريب من الغطيط، والغين والخاء متقاربان في المخرج، وقال
الجبان (1) : خَط في نومه يَخُطُّ بمنزلة غَط، والحديث
أخرجه: البخاري، والنسائي.
1328- ص- نا قتيبة، نا عبد العزيز بن محمد، عن عبد المجيد،
عن يحيى بن عباد، عن. سعيد بن جبير، أن ابن عباس حدثه في
هذه القصة، قال: " قَامَ (2) فصلى ركعتين ركعتين، حتىَ
صَلَّى ثمان (3) رَكعات، ثم أَوتَر بخمسٍ، لم (4) يجلسْ
بينهن"َ (5)
ش- قتيبة بن سعيد، وعبد العزيز بن محمد الدراوردي "، وعبد
المجيد ابن سهيل بن عبد الرحمن بن عوف أبو وهب، ويقال: أبو
محمد القرشي الزهري المدني. روى عن: ابن المسيب، وعمه أبي
سلمة، وعكرمة مولى ابن عباس، وغيرهم. روى عنه: مالك بن
أنس، والدراوردي، وسليمان بن بلال، وغيرهم، قال ابن معين:
هو ثقة وقال أبو حاتم: صالح الحديث. روى له: البخاري،
ومسلم، وأبو داود، والنسائي.
ويحيى بن عباد بن شيبان بن مالك الأنصاري السلمي الكوفي
أبو هبيرة. روى عن: أنس بن مالك، وجابر بن عبد الله، وسعيد
بن جبير، وآخرين. روى عنه: السدي، وعبد المجيد بن سهيل،
ومسعر بن كدام، وآخرون، قال النسائي: ثقة. روى له: البخاري
في " الأدب " والباقون.
قوله: " ثم أوتر بخمس " أي: بخمس ركعات، ثلاث منها وتر كما
قلنا، وأما قوله: " لم يجلس بينهن " فيخالفه عامة ما روى
عن ابن عباس، فما روته العامة منه ومن غيره خلاف ذلك، أولى
مما رواه سعيد ابن جبير وحده، وقد مر نظيره في أحاديث
عائشة.
__________
(1) كذا، ولعل الجادة: " الجبائى ".
(2) في سنن أبي داود: " فقام ".
(3) في سنن أبي داود: " ثماني ".
(4) في سنن أبي داود: " ولم ".
(5) انظر: التخريج السابق.
(5/262)
1329- ص- نا عبد العزيز بن يحيى الحراني،
حدثني محمد بن
سلمة عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن جعفر بن الزبير، عن
عروة
ابن الزبير، عن عائشة قالت: " كان رسولُ الله- عليه
السلام- يصلي ثلاثَ
عَشْرةَ رَكعة بركعتيه قبلَ الصبح، يُصفَي ستّا مَثْنَى
مَثْنى، وبوترُ بخمس، لا
يقعدُ بينهن إلا في آَخِرِهِن " (1) .
ش- قد ذكرنا أن العامة قد رووا عن عروة، وعن غيره، عن
عائشة
بخلاف هذا، فما روته العامة أولى مما رواه هو وحده، وانفرد
به.
1330- ص- نا قتيبة، نا الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن
عراك،
عن عروة، عن عائشة، أنها أخبرتْهُ أن رسولَ الله- عليه
السلام- كانَ يُصلي من الليل ثلاثَ عَشْرةَ رَكعة بركعتي
الفجرِ (2) .
ش- الليث بن سعد، ويزيد بن أبي حبيب، سويد المصري، وعراك
ابن مالك، وعروة بن الزبير.
[2/147- ب] ، / قوله: " بركعتي الفجر " أي: بسُنَة الصبح،
والحديث أخرجه مسلم.
1331- ص- نا نصر بن علي، وجعفر بن مسافر، أن عبد الله بن
يزيد
المقرئ أخبرهما، عن سعيد بن أبي أيوب، عن جعفر بن ربيعة،
عن عراك
ابن مالك، عن أبي سلمة، عن عائشة- رضي الله عنها-: " أن
رسولَ الله
صلى الله عليه وسلم صلى العشاءَ، ثم صَلَّى ثمان رَكَعاَت
قَائمًا، وركعتين بين الأذانين، ولمَ يكُنْ يَدَعُهُمَاَ،
قال جعفر بن مساَفر في حديثه: وركعتين جالساً بين
الأذانين، زاد: جَالساً " (3) .
ش- الأذانان: الأذان، والإقامة.
قوله: " لم يكن يدعهما " أي: لم يكن رسول الله يترك
الركعتين اللتين
بين الأذان والإقامة وقد تقدم، والحديث أخرجه البخاري.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) مسلم: كتاب صلاة الليل، باب: صلاة الليل وعدد ركعات
النبي صلى الله عليه وسلم في الليل.... (134/ 734) .
(3) البخاري: كتاب التهجد، باب: المداومة على ركعتي الفجر
(1159) .
(5/263)
1332- ص- نا أحمد بن صالح، ومحمد بن سلمة
المرادي، قالا: نا ابن وهب، عن معاوية بن صالح، عن عبد
الله بن أبي قيس، قال: " قلتُ لعائشة: بِكَمْ كانَ رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم يُوتِرُ؟ قالتْ: كان يُوتِرُ
بأربع، وثلاثٍ، وستّ، وثلاث، وثمان، وَثلاث وعشر، وثلاث،
ولم يكن يوتِرُ بأنقصَ من سَبعٍ، ولا بأكثرَ من ثلاث
عَشْرة، زاد أحمد: ولم يكن يُوتِرُ ركعتينِ قبلَ الفجر،
قلتُ: ما يُوتِرُ؟ قاَلت: لم يكن يدع ذلك، ولم يذكرْ
أحمدُ: وست وثلاث " (1) .
ش- أطلقت عائشة- رضي الله عنها- على جميع ما صلى في الليل
وترًا، فقولها: " يوتر بأربع، وثلاث " الأربع النفل،
والثلاث الوتر، وجمعها سبع ركعات.
قوله: " وست وثلاث " الست نفل، والثلاث الوتر، فالجميع تسع
ركعات.
قوله: " وثمان وثلاث " الثمان نفل، والثلاث وتر، فالجميع
إحدى عشرة ركعة.
قوله: " وعشر وثلاث " العشر نفل، والثلاث وتر، فالجميع
ثلاث عشرة ركعة، وهذه الرواية تؤيد جميع ما رُوي عن عائشة
من الإيتار بواحدة، أن المراد منها واحدة قبلها ثنتان،
فافهم.
قوله: " قلت: ما يوتر؟ " يعني: ما معنى: " لم يكن يوتر
ركعتين قبل الفجر " قالت عائشة- مفسرة: " لم يكن يدع ذلك-
أي: لم يكن يترك فعل ذلك.
1333- ص- نا مؤمل بن هشام، نا إسماعيل بن إبراهيم، عن
منصور ابن عبد الرحمن، عن أبي إسحاق الهمداني، عن الأسود
بن يزيد، أنه دَخَل على عائشة- رضي الله عنها- " فسَألَهَا
عن صلاة رسول الله- عليه السلام- بالليلِ؟ فقالتْ: كان
يُصَلي ثلاثَ عَشْرةَ رَكعةً من اللَيلِ، ثم إنه
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(5/264)
صلى إحدى عَشرةَ ركعةً، وتركَ ركعتين، ثم
قُبضَ حين قُبضَ (1) وهو يصلي من الليلِ تسعَ رَكَعات (2)
، آخر صَلاتِهِ منَ الليلِ الوتَرُ " (3) .
ش- إسماعيل بن إبراهيمَ المعروف بابن علية.
ومنصور بن عبد الرحمن الأشل البصري. سمع الشعبي، وأبا
إسحاق السبيعي. روى عنه: شعبة، وابن علية، وبشر بن المفضل،
قال ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: ليس بالقوي، يكتب حديثه
ولا يحتج به. وأبو إسحاق الهمداني هو عمرو بن عبد الله
السبيعي.
قوله: " آخر صلاته من الليل الوتر " وهو ثلاث ركعات من
التسع
وقال البيهقي: في هذا ما يدل على أنه ترك الركعتين بعد
الوتر، والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وأخرج مسلم طرفا
منه، وهو قول عائشة: " كان رسول الله يصلي من الليل حتى
يكون آخر صلاته الو تر ".
1334- ص- نا عبد الملك بن شعيب بن الليث، قال: حدثني أبي،
عن جدي، عن خالد بن يزيد، عن سعيد بن أبي هلال، عن مخرمة
بن سليمان، أن كريبَاً مولى ابن عباس أخبره أنه قال: "
سألت ابن عباس، كيفَ كانتْ صلاةُ رسول الله بالليل؟ قال:
بت عندَهُ ليلةً وهو عندَ ميمونةَ، فنامَ حتى إذا ذهبَ
ثُلُثُ اَلليل، َ أو نصْفُهُ، استيقظَ فقامَ إلى شَن فيه
ماءٌ، فتوضأ، وتَوضأتُ معه، ثم قَامَ، فَقمتُ إلى جنبه على
يَسارِه، فجعلَني على يمينه، ثم وضَعَ يَدَهُ على رأسي،
كأنه يَمس أذُني، كأنه يُوَقظُني، فَصلى ركعتيَنِ خفيفتين،
قلتُ (4) : قرأ فيهما بأم القَرآنِ في كلَّ ركَعةِ، ثم
سلَّم، ثم
__________
(1) في سنن أبي داود: " ثم قبض رسول الله صلى الله عليه
وسلم حين قبض ".
(2) في سنن أبي داود: " وكان آخر ".
(3) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: صلاة الليل
وعدد ركعات النبي صلى الله عليه وسلم في الليل.... 130-
(740) ، الترمذي: كتاب الصلاة، باب: ما جاء في وصف صلاة
النبي صلى الله عليه وسلم
بالليل (442) ، النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار،
باب: وقت ركعتي الفجر (3/ 256) .
(4) في سنن أبي داود: " قد ".
(5/265)
صلَّى، حتى صلَّى إحدَى عَشْرةَ رَكعةً
بالوترِ، ثم نامَ، فأتَاهُ بلالٌ، فقال: الصلاةَ يا رسولَ
اللهِ، فقامَ فَرَكعَ ركعتين، ثم صَلَّى للناسِ " (1) .
ش- خالد بن يزيد الإسكندراني المصري، وسعيد. بن أبي هلال
أبو العلاء المصري، ومخرمة بن سليمان الوالبي.
[2/148 - أ] / قوله: " إلى شَن " الشَنُّ- بفتح الشين
المعجمة، وتشديد النون- القِربة الخلق، وجمعه شنان، واستدل
بعض الشافعية بهذا الحديث أن كثر الوتر إحدى عشرة ركعة،
وقال بعضهم: أكثر الوتر ثلاث عشرة ركعة. قلنا: ليس فيه
استدلال صحيح على ذلك، لأنه قال: " صلى إحدى عشرة ركعة
بالوتر، فالوتر منها ثلاث ركعات، والباقي صلاة الليل، لأن
أحاديث أخر كثيرة تبين هذا المعنى، والحديث أخرجه:
البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، مختصراً
ومطولاً، وقد قيل: حديث ابن عباس هذا في مبيته عند خالته
ميمونة استُخرج منه ما يقارب عشرين حكماً.
1335- ص- نا نوح بن حبيب ويحيى بن موسى، قالا: نا عبد
الرزاق، أنا معمر، عن ابن طاوس، عن عكرمة بن خالد، عن ابن
عباس، قال: بتُّ عند خالَتي ميمونة " فقامَ النبيُّ- عليه
السلامِ- يُصَلِّيِ من الليلِ، فَصَلَّى ثلَاثَ عشرة
رَكعةً، منها ركعتا الفجر، حزَرْتُ قيامه في كلِّ رَكعة
بقدْرِ {يا أيُّهَا المُزَّمِّلُ} لم يقل نوح: منها ركعتا
الفجرَِ " (2) .
ش- نوح بن حبيب البَذْشِي القُومسي. سمع أبا بكر بن عياش،
__________
(1) البخاري: كتاب الوضوء، باب: قراءة القرآن بعد الحدث
وغيره (183) ، مسلم , كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب:
الدعاء في صلاة الليل وقيامه (763/ 82 1- 185) ، الترمذي
في " الشمائل "، النسائي: كتاب الأذان، باب: إيذان
المؤذنين الأئمة بالصلاة (2/ 30) ، وكتاب قيام الليل، باب:
ذكر ما يستفتح به القيام (3/ 210) ، ابن ماجه: كتاب إقامة
الصلاة، باب: ما جاء في كم يصلي بالليل؟ (1363) .
(2) النسائي: كتاب قيام الليل وتطوع النهار، باب: ذكر ما
يستفتح به القيام (210/3) .
(5/266)
وإبراهيم بن خالد، وعبد الرزاق بن همام،
وغيرهم. روى عنه: أبو بكر بن أبي الدنيا، وعبد الله بن
أحمد بن حنبل، وأبو داود، والنسائي وقال: لا بأس به، وقال
الخطيب: كان ثقة توفي بقومس سنة اثنتين وأربعين ومائتين في
شعبان.
ويحيى بن موسى بن عبد ربه البلخي، ومعمر بن راشد، وعبد
الله بن طاوس.
قوله: " حزرتُ " أي: قدرتْ، والحديث أخرجه: النسائي.
1336- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن عبد الله بن أبي بكر، عن
أبيه , أن عبد الله بن قيس بن مخرمة، أخبره عن زيد بن خالد
الجهني، أنه قال: " لأرْمُقَنَّ صَلاةَ رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال: فَتَوسَّدْتُ عَتَبَتَهُ، أو فُسْطَاطَهُ،
فَصلى رسولُ الله- عليه السَلام- ركعتين خفيفتين ثم صلى
رَكعتين طَويلتين، طَويلتين (1) ، ثم صلَّى ركعتينِ، وهَما
دونَ الَلتين قَبلهُما، ثم صَلَّى ركعتَينِ دون اللتينِ
قبلهما (2) ، ثم أوترَ، فذلك ثلاث عشرةَ ركعةً " (3) .
ش- عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري
المدني قد ذكرناه، وأبوه أبو بكر بن محمد، ولي القَضاء،
والإمرة، والموسم زمن سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد
العزيز، يقال: اسمه أبو بكر، وكنيته أبو محمد. سمع أباه،
وعمر بن عبد العزيز، والقاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق،
وغيرهم. روى عنه: الزهري، ويحيي بن سعيد الأنصاري، وابناه
محمد، وعبد الله، وغيرهم، قال محمد بن عمر: تَوفي سنة
عشرين ومائة بالمدينة، وهو ابن أربع وثمانين سنة، وكان ثقة
كثير الحديث. روى له الجماعة إلا الترمذي.
وعبد الله بن قيس بن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف بن قصي
القرشي
__________
(1) ذكر قوله: " طويلتين " في سنن أبي داود ثلاث مرات.
(2) ذكر قوله: " ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما "
أربع مرات.
(3) مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: الدعاء في
صلاة الليل وقيامه (765/ 195) ، ابن ماجه: كتاب إقامة
الصلاة، باب: ما جاء في كم يصلى بالليل (1362) .
(5/267)
المطلبي المدني، اخو محمد بن قيس، وهو والد
حكيم، بضم الحاء، ويقال: له صحبة من النبي- عليه السلام-
روى عن زيد بن خالد الجهني، وأبيه، وعن عبد الله بن عمر.
روى عنه: ابنه مطالب بن عبد الله، وأبو بكر بن محمد بن
عمرو بن حزم، وإسحاق بن يسار. استعمله عبد الملك بن مروان
على الكوفة، والبصرة، واستقضاه الحجاج على المدينة. روى
له: مسلم، وأبو داود، وابن ماجه.
قوله: " لأرمقن " أي: لأنظرن.
قوله: " فتوسدت عتبته " العتبة أسكفة الباب.
قوله: " أو فسطاطه " قال الزمخشري: الفسطاط ضرب من الأبنية
في السفر دون السرادق، وبه سميت المدينة، ويقال لمصر،
وبصرة: الفُسطاط.
قوله: " ثم أوتر " أي: بعد أن صلى عشر ركعات، ركعتين
ركعتين، وهذا صريح أن الوتر ثلاث ركعات، لأنه قال: فذلك.
أي: المجموع ثلاث عشرة ركعة، وكل ما رُوي عن ابن عباس،
وعائشة، وغيرهما في الوتر فمعناه هذا، لأن الأحاديث تفسر
بعضها بعضًا، كما أن القرآن يفسر بعضه بعضًا، والحديث
أخرجه: مسلم، وابن ماجه.
1337- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن مخرمة بن سليمان، عن
كريب مولى ابن عباس، أن عبد الله بن عباس أخبره: " أنه
باتَ عندَ ميمونةَ زَوج النبي- عليه السلام-/ وهي خالتُهُ،
قال: فاضطجعت. , في عَرْضِ الوسادة، واضْطَجَعَ رسولُ
الله- عليه السلام- وأهلُهُ في طُولِهَا، فَقامَ رسولُ
الله حتى إذا انتصَفَ الليلُ، أو قَبله بقليل، أو بَعدَه
بقليل، ثم (1) استيقظ رَسولُ اللهِ، فجلَسَ يَمسحُ النومَ
عن وجهِهِ بيدهِ، ثم قَرأ العَشْرَ
__________
(1) كلمة " ثم " غير موجودة في سنن أبي داود.
(5/268)
آيات (1) الخواتمَ من سُورة آل عمرانَ، ثم
قامَ إلى شَنٌ مُعَلقة فتوضأ منها، فأحسنَ وُضوءه، ثم
قَامَ يصلي، قال عبد الله: فقمتُ فَصَنعت مثلَ ما صَنَعَ،
ثم ذهبتُ فقمتُ إلى جَنبه، فَوَضَعَ رسولُ اللهِ يدَهُ
اليُمنى على رأسِي، وأخذ (2) بأذُنِي يَفْتلُهَا، فَصلى
ركعتين، ثم ركعتينٍ، ثم ركعتينِ، ثم ركعتين، ثم ركعتينَ،
ثم ركعتين، قال القعنبي: ست مِرَاتِ، ثم أوترَ، ثمِ
اضطجعَ، حتى جَاءَهُ المؤَذنُ، فقامَ، فصلى ركعتينِ
خفيفتينِ، ثم خَرَج فصلى الصبحَ، (3) .
ش- الوسادة هاهنا الفراش، ويحتمل أن اضطجاع ابن عباس كان
في عرضها عند أرجلهم، أو رءوسهم، والعَرض هاهنا- بالفتح-
ضد الطول، وقيل: الوسادة هاهنا المرفقة، والعُرض- بالضم-
بمعنى الجانب، جعلوا رءوسهم في طولها، وجعل رأسه هو في
الجهة الضيقة منها، والرواية الأولى كثر وأظهر من جهة
المعنى.
قوله: " فجعل يمسح النوم " أي: أثر النوم، وفيه استحباب
هذا.
قوله: " شن معلقه " إنما أنثها على إرادة القربة.
قوله: " وأخذ بأذني يفتلها " قيل: إنما فتلها تنبيهًا له
من النعاس، وقيل: لتنبيهه لهيعة الصلاة، وموقف المأموم،
وغير ذلك، ويستفاد من الحديث فوائد، الأولى: جواز نوم
الرجل مع امرأته في غير مواقعة بحضرة بعض محارمها، وإن كان
مميزًا.
الثانية: استحباب قيام الليل.
الثالثة: جواز القراءة للمحدث، وهذا بالإجماع.
الرابعة: استحباب قراءة الآيات المذكورة عند القيام من
النوم.
(1) في سنن أبي داود: " الآيات ".
(2) في سنن أبي داود: " فأخذ ".
(3) انظر الحديث (1334) .
(5/269)
الخامسة: جواز قول سورة آل عمران، وسورة
البقرة ونحوهما.
السادسة: إحسان الوضوء، وهو إسباغه وتكميله.
السابعة: استحباب تأخير الوتر إلى آخر الليل لمن يثق
بالانتباه.
الثامنة: استحباب الاضطجاع بعد الوتر.
التاسعة: استحباب اتخاذ المؤذن لإعلام مواقيت الصلوات.
العاشرة: جواز إتيان المؤذن إلى الإمام ليخرج إلى الصلاة.
الحادية عشرة: صلاة ركعتي الفجر.
الثانية عشرة: التخفيف فيهما.
الثالثة عشر: التنفل بالليل بركعتين ركعتين.
الرابعة عشر: أن الوتر ثلاث ركعات.
***
303- باب: ما يؤمر به من القصد
أي: هذا باب في بيان ما- يؤمر به المؤمن من القصد، والقصد
في الأمور في القول والفعل، هو الوسط بين الطرفين، المعتدل
الذي لا يميل إلى أحد طرفي التفريط والإفراط، وفي بعض
النسخ " باب: ما يؤمر به من القصد في الصلاة " (1) .
1338- ص- نا قتيبة، نا الليث، عن ابن عجلان، عن سعيد
المقبري، عن أبي سلمة، عن عائشة: أن وسولَ اللهِ صلى الله
عليه وسلم أنه (2) قال: "اكْلَفُوا من العمل ما تُطيقُونَ،
فإن (3) الله لا يَمَلُّ حتى تَمَلُّوا، فإن أحبَّ العملِ
إلى اللهِ تعالى أَدوَمُهَُ، وإن قَلَّ [و] كان إذا عمل
عملاً أثبته " (4) .
__________
(1) كما في سنن أبي داود.
(2) كذا.
(3) في سنن أبي داود:" وإن ".
(4) البخاري: كتاب الرقاق، باب: القصد والمداومة على العمل
(6462) ، =
(5/270)
ش- " اكلفوا " بفتح اللام، والهمزة فيه
للوصل، من كلفت بالشيء
إذا ولعت به، وأحببته، من باب علم يعلم.
قوله: " لا يمل " بفتح الميم، قيل معناه لا يمل أبدًا،
مَلِلْتُم أو لم تملوا،
وقيل: لا يمل بمعنى لا يترك، لأن من مَلَّ شيئًا تركه،
فالمعنى لا يترك
الثواب ما لم يملوا من العمل، فعلى هذا يكون من باب ذكر
الملزوم،
وإرادة اللازم، وقيل: لا يقطع عنكم فضله، ما لم تملوا
سؤاله، فسمى
فعله مَلَلاً، وليس بملل، ولكن لتزدوج اللفظة "بأختها في
اللفظ، وإن
خالفتها في المعنى، وهذا كقوله تعالى {وَجَزَاءُ سيئة
سيئةٌ مثْلُهَا} (1)
وقوله تعالى: {فمَنَ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا
عَلَيْهِ} (2) وقوله تعالى:
{ومَكرُوا وَمَكَرَ اللهُ} (3) وقال الشاعر:
ألا [لا] يجهلن أحد علينا..... فنجهل فوق جهل الجاهلينا
أراد فيجازيه، فسماه جهلاً، والجهل لا يفخر به/ ذو عقل،
ولكنه [2/149- أ] ، على المذهب المذكور أعني: الازدواج،
والمشاكلة، وقيل: معناه لا
يطرحكم حتى تتركوا العمل، أو تزهدوا في الرغبة إليه، فسمى
الفعلي
مللاً وليرس بملل في الحقيقة، على مذهب العرب في وضع الفعل
موضع الفعل، إذا وافق معناه كقول الشاعر:
ثم أضحوا لعب الدهر بهم...... وكذلك الدهر يودي بالرجال
فجعل هلاكه إياهم لعبا.
قوله: " فإن أحب العمل إلى الله أدومه " أي: أثبته، و" إن
قل "، وفيه
الحث على المداومة على العمل، وأن قليله الدائم، خير من
كثيره الذي
__________
= مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضيلة العمل
الدائم من قيام الليل وغيره 215- (782) ، النسائي: كتاب
القبلة، باب: المصلى يكون
بينه وبين الإمام عشرة (2/ 68) ، ابن ماجه: كتاب الزهد،
باب: المداومة على العمل (4238) .
(1) سورة الشورى (40) .
(2) سورة البقرة: (194) .
(3) سورة آل عمران (54) .
(5/271)
ينقطع، وذلك لأن بدوام القليل تدوم الطاعة،
ويثمر ذلك، بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافًا كثيرة.
قوله: " وكان " أي: النبي- عليه السلام- إذا عمل عملاً
أثبته. أي:
داوم عليه، وواظبه، ولا يقطعه، والحديث أخرجه: البخاري،
ومسلم، والنسائي، وابن ماجه.
1339- ص- نا عبيد الله بن سعد، ناعمي، نا أبي، عن ابن
إسحاق، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة- رضي الله
عنها- أن النبي- عليه السلام- بَعَثَ إلى عُثمان بن مظعون
فَجَاءَهُ، فقال: " يا عثمانُ أرَغبتَ عن سُنتي؟ قال:
فقال: لا والله يا رسول الله، ولكن سُنتكَ أطلبُ، قالَ:
فإني أنام وأصلي، وأصومُ وأفطر، وأنكحُ النسَاءَ، فاتقِ
الله يا عثمانُ، فإن لأهلِكَ عليك حقا، وإن لِضيفِكَ عليك
حقا، وإن لنفسِكَ عليكَ حقا، فصُمْ وأفطِرْ، وصل ونَمْ "
(1) .
ش- عبيد الله بن سعد بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد
الرحمن ابن عوف الزهري، وعمّه يعقوب بن إبراهيم بن سعد بن
إبراهيم، ومحمد بن إسحاق، وعثمان بن مظعون، بسكون الظاء
المعجمة- القرشي الجمحي أبو السائب، وهو أول رجل مات من
المهاجرين بالمدينة بعد رجوعه من بدر، وأول من دفن
بالبقيع، وقيل: أول من مات بعد قدوم النبي- عليه السلام-
المدينة كلثوم بن الهدم، وتوفي بعده أسعد بن زرارة،
والأنصار تقول: إن أسعد بن زرارة أول مدفون بالبقيع، وأما
المهاجرون فيقولون: أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون.
قوله: " أرغبت " الهمزة فيه للاستفهام على سبيل الإنكار.
قوله: " سنتك أطلب " انتصاب " سنتك " بأطلب المحذوف، الذي
يفسره " أطلب " الثاني.
قوله:" فإن لأهلك عليك حقًا " المراد من الأهل الزوجة،
يريد أنه إذا أدأب نفسه، ضعفت قواه، فلم يستطع لقضاء حق
أهله.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(5/272)
قوله: " وإن لضيفك عليك حقًا " فيه دليل
على أن المتطوع بالصوم إذا ضافه ضيف كان المستحب له أن
يفطر، ويأكل معه، ليزيد في إيناسه، وذلك نوع من إكرامه.
1340- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، نا جرير، عن منصور، عن
إبراهيم، عن علقمة قال: " سألتُ عائشةَ كيفَ كانَ عَمَلُ
رسول الله؟ هل كانَ يَخُص شيئًا من الأيام؟ قالتْ: لا، كان
عَمَلُهُ (1) ديمَةً، وأيكم يَستطيعُ ما كان رسولُ الله
يستطيعُ " (2) .
ش- جرير بن عبد الحميد، ومنصور بن المعتمر، وإبراهيم
النخعي، وعلقمة بن قيس النخعي.
قوله: " ديمة " بكسر الدال، أي: دائما متصلاً، والديمة
المطر الدائم في سكون، شبهت عمله في دوامه، مع الاقتصاد
بديمة المطر، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي.
***
باب: تفريع أبواب شهر رمضان
أي: هذا باب في بيان تفريع أنواع شهر رمضان، واشتقاقه من
الرمض بفتح الميم، وهو شدة الحر، من رمض يرمض رمضًا من باب
علم يعلم، قال ابن الأثير: ومنه سمي رمضان، لأنهم لما
نقلوا أسماء الشهور عن اللغة القديمة سموها بالأزمنة التي
وقعت فيها، فوافق هذا الشهر أيام شدة الحر، ورمضه انتهى.
وقيل: سمي به لأنه يرمض الذنوب بحرارة القلوب، من رَمضَ
الفصيلُ: نَخُلَ من الحر، ومنه الرمضاء، أو خيره كالرمل
وهو مَطر
__________
(1) في سنن أبي داود: " كان كل عمله ".
(2) البخاري: كتاب الصوم، باب: هل يخص شيئا من الأيام
(1987) ، مسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب: فضيلة
العمل الدائم من قيام الليل وغيره 217- (783) ، والترمذي
في " الشمائل "، والنسائي في
" الكبرى ".
18، شرح سنن أبي داود 5-
(5/273)
أيام الخريف، ويجمع على رمضانات، وأرمضاء،
وقد قيل: إن رمضان
اسم من أسماء الله تعالى، ولهذا كرهوا أن يقال: رمضان في
غير ذكر الشهور، وهذا قول أصحاب مالك أيضًا، والأصح أنه
يجوز، وأن كونه
[2/49- ب] ، اسماً من (1) / أسماء الله غير صحيح، لأن
أسماء الله توقيفية لا تطلق إلا بدليل صحيح، والأثر الذي
جاء فيه ضعيف، والشهر مشتق من الشهرة، وهي وضوح الأمر.
***
304- باب: في قيام شهر رمضان
أي: هذا باب في بيان قيام شهر رمضان، والمراد منه
التراويح.
1341- ص- نا الحسن بن علي، ومحمد بن المتوكل، قالا: نا عبد
الرزاق، أنا معمر، قال الحسن في حديثه: ومالك بن أنس، عن
الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: " كان رسولُ
اللهِ- عليه السلام- يُرَغِبُ في قيام رَمضانَ من غيرِ أن
يأمُرَهُمْ بعزيمة، ثِم يقولُ: مَنْ قَامَ رمضانَ إيمانًا،
واحتسابًا، غُفِرَ له ما تقدمَ من ذنبه، فتوفي رسول الله،
والأمر علىَِ ذلك، ثم كان الأمر على ذلك في خلافة أبي بكَر
وصدرًا مَن خلافة عمر " (2) .
ش- محمد بن المتوكل العسقلاني، وعبد الرزاق بن همام، ومعمر
بن راشد.
قوله: " من غير أن يأمرهم بعزيمة " معناه لا يأمرهم أمر
إيجاب وتحتيم، بل أمر ندب وترغيب، ثم فسره بقوله: ثم يقول:
" من قام رمضان " إلى آخره.
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) مسلم: كتاب الصلاة، باب: الترغيب في قيام رمضان 172-
(759) ، الترمذي: كتاب الصوم، باب الترغيب في قيام رمضان
(808) ، النسائي: كتاب الصيام، باب: ثواب من قام رمضان
وصامه إيماننا واحتسابا والاختلاف على الزهري في الخبر في
ذلك (156/4) .
(5/274)
فإن قيل: ما الفرق بين قولك: قام رمضان،
وقام شهر رمضان؟ قلت: الأول التعميم، بخلاف الثاني: ولما
كان المراد قيام كل الشهر، قال: " من قام رمضان " ولو قال:
من قام شهر رمضان احتمل أن يريد بعضه، وكذلك إذا قلت:
اعتكفت رمضان، كأنك قلت: اعتكفت ثلاثين يومًا، بخلاف ما
إذا قلت: اعتكفت شهر رمضان، فإنه يجوز أن يراد به العشر
الأخير، ونحوه، وفيه رد أيضًا لقول من يمنع أن يقال: رمضان
بدون ذكر الشهر.
قوله: " إيمانا " أي: تصديقًا بالثواب من الله تعالى، على
صيامه وقيامه.
قوله: " واحتساباً " أي: محتسبًا الثواب على الله، أو
ناويا بصيامه وجه الله تعالى، ثم المراد من هذا القيام
التراويح، واتفق العلماء على استحبابها، واختلفوا في أن
الأفضل صلاتها منفرداً في بيته، أو في جماعة في المسجد؟
فقال أصحابنا: والشافعي وأحمد، وبعض المالكية، وغيرهم: إن
الأفضل صلاتها جماعة كما فعله عمر بن الخطاب، واستمر عمل
المسلمين عليه، لأنه من الشعائر الظاهرة، فأشبه صلاة
العيد، وقال مالك، وبعض الشافعية، وغيرهم: الأفضل فرادى في
البيت.
قوله: "غفر له ما تقدم من ذنبه " المعروف عند الفقهاء أن
هذا مختص بغفران الصغائر، دون الكبائر، قال بعضهم: يجوز أن
يُخَففَ من الكبائر إذا لم تصادف صغيرة. قلت: اللفظ عام،
ينبغي أن يشمل الصغيرة والكبيرة، والتخصيص بلا مخصص باطل.
قوله: " فتوفى رسول الله، والأمر على ذلك " إلى آخره.
معناه استمر الأمر هذه المدة، على أنّ كل واحد يقوم رمضان
في بيته منفرداً حتى انقضى صدر من خلافة عمر، ثم جمعهم عمر
على أبي بن كعب، فصلى بهم جماعة، واستمر العمل على فعلها
جماعة، والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي، والنسائي.
(5/275)
ص- قال أبو داود: كذا رواه عُقيل، ويونسُ،
وأبو أويس: " من قام رمضانَ لما ور ى عُقيل: " من صَامَ
رمضانَ، وقامَه ".
ش- عقيل- بضم العين- ابن خالد بن عَقيل- بفتح العين-
الأيلي، وأخرج البخاري حديث عقيل، عن الزهري بلفظ القيام.
1342- ص- نا مخلد بن خالد (1) ، وابن أبي خلف- المعنى-،
قالا:
نا سفيان، عنِ الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرِة
يَبْلُغُ به النبي- عليه السلام-: " من صامَ رَمضانَ
إيمانًا، واحتسابًا، غُفِر له ما تقدم من ذَنبهِ ومن قامَ
لَيلةَ القدرِ إِيمانًا، واحتسابًا، غُفِرَ لهَ ما تَقَدمَ
من ذنبِهِ " (2) .
ش- ابن أبي خلف: محمد بن أحمد بن أبي خلف، وسفيان: الثوري.
فإن قيل: قوله في الحديث المتقدم: " من قام رمضان "
الحديث، يغني عن قوله: " ومن قام ليلة القدر "، الحديث،
قلنا: المراد من قيام رمضان من غير موافقة ليلة القدر، فلم
يغن احدهما عن الآخر، والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم،
والنسائي، وأخرجه ابن [2/ 150 - أ] ماجه مختصرا/ في ذكر
الصوم.
ص- قال أبو داود: كذا رواه يحيى بنُ أبي كثير، عن أبي
سلمة، ومحمد بن عمروٍ، عن أبي سلمة.
ش- أي: كذا روى الحديث يحيى بن أبي كثير: صالح اليمامي، عن
أبي سلمة عبد الله بن عبد الرحمن، وكذا رواه محمد بن عمرو
بن علقمة ابن وقاص، عن أبي سلمة وروى الترمذي، وقال: نا
هناد، نا عبدة،
__________
(1) في الأصل: " محمد بن خالد " خطأ.
(2) البخاري: كتاب الإيمان، باب: صوم رمضان احتسابًا من
الإيمان له (38) ، مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب
الترغيب في قيام رمضان وهو التراويح 175- (760) ، النسائي:
كتاب الصيام، باب: ثواب من قام رمضان وصام إيمانا
واحتسابا، والاختلاف على الزهري في الخبر في ذلك
(4/ 157) ، ابن ماجه: كتاب الصوم، باب: قيام شهر رمضان
(1326) .
(5/276)
والمحاربي، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة،
عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله- عليه السلام-: " من صام
رمضان وقامه إيمانًا، واحتسابًا، غفر له ما تقدم من ذنبه،
ومن قام ليلة القدر إيمانًا، واحتسابًا، غفر له ما تقدم من
ذنبه " وقال: هذا حديث حسن صحيح.
1343- ص- نا القعنبي، عن مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن
عروة بن الزبير، عن عائشة زوج النبي- عليه السلام- أن
النبي- عليه السلام- صلى في المسجد، فصلى بصلاته ناسٌ، ثم
صلَى من القَابلَة، فكَثُرَ الناسُ، ثم اجتمَعُوا منَ
الليلةِ الثالثة، فَلَم يَخْرج إليهم رسولُ الله، َ فلَما
أصْبَحَ قال: قد رأيتُ الذي صنَعْتُم، ولَم يَمْنَعْني من
الخروج إليكم إَلا أني خَشِيتُ أن تُفْرَضَ عليكم، وذلك في
رمضانَ " (1) .
ش- أخرجه: البخاري، ومسلم، وفيه جواز النافلة جماعة، ولكن
الأفضل فيها الانفراد إلا في التراويح (2) ، وجوازها في
المسجد، وإن كان البيت أفضل، وفيه جواز الاقتداء بمن لم
ينو إمامته، وهذا مذهب الجمهور، إلا رواية من الشافعي،
وفيه إذا تعارضت مصلحة وخوف مفسدة أو مصلحتان اعتبر
أهمهما، لأنه- عليه السلام- كان رأى الصلاة في المسجد
مصلحة لبيان الجواز أو أنه كان معتكفًا، فلما عارضه خوف
الافتراض عليهم تركه لعظم المفسدة التي يخاف من عجزهم،
وتركهم الفرض، وفيه أن الإمام، أو كبيرَ القوم إذا فعل
شيئا خلاف ما يتوقعه تُباعه، وكان له فيه عذر يذكره لهم،
تطيباً لقلوبهم، وإصلاحًا لذات البَيْنِ، لئلا يظنوا خلاف
هذا، وربما ظنوا ظن السَّوء، والله أعلم.
1344- ص- نا هناد، نا عبدة، عن محمد بن عمرو، عن محمد بن
__________
(1) البخاري: كتاب الصوم، باب: فضل من قام رمضان، مسلم:
كتاب الصلاة، باب: قيام رمضان وهو التراويح 177- (761) ،
النسائي: كتاب
قيام الليل، باب: قيام شهر رمضان (3/ 202) .
(2) في الأصل: " التواريح ".
(5/277)
إبراهيمِ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن
عائشة، قالت: " كَانَ الناس يُصَلُّون في المسجد في
رمَضانَ أَوْزَاعًا، فأمرنِي رسولُ الله- عليه السلام-
فَضَربتُ له حَصيرًاَ فصلَّى عليه بهذه القصة، قال (1)
فيه. قالت: قال تعني النبيَّ- عليه السلام-: " أيُّها
الناسُ، أمَا والله ما بتّ ليلتي هذه بحمد الله غَافِلاً،
ولا خَفِيَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ " (2)
.ً
ش- هنّاد: ابن السري، وعبدة: ابن سليمان، ومحمد بن عمرو:
ابن علقمة، ومحمد بن إبراهيم: ابن الحارث التيمي.
قوله: " أوزاعاً " حال من الضمير الذي في " يصلون "، بمعنى
متفرقين، أو جماعات متفرقة، وضروب مجتمعة بعضها دون بعض
وأصله من التوزيع، وهو الانقسام، والمعنى: كان الناس
يتنفلون فيه بعد صلاة العشاء متفرقين.
قوله: " حصيرًا " الحصير ينسج من السعف أصغر من المصلى،
وقيل: الخمرة: الحصير الصغير الذي يسجد عليه.
قوله: " بهذه القصة " إشارة إلى ما رُوي من الحديث
المذكور.
قوله: " قال فيه: قالت " أي: قال هناد في هذا الخبر: "
قالت عائشة: قال، تعني " أي: تقصد عائشة النبيَّ- عليه
السلام- من قولها: " قال ". قوله: " أما والله " كلمة "
أما " بالفتح والتخفيف على وجهين، أحدهما أن تكون حرف
استفتاح بمنزلة ألا، وتكثر قبل القسم، والآخر أن تكون
بمعنى حقًا، فأما الذي في الحديث من القسم الأول.
1345- ص- نا مسدد، نا يزيد بن زريع، نا داود بن أبي هند،
عن الوليد بن عبد الرحمن، عن جبير بن نفير، عن أبي ذر،
قال: "صُمْنَا مع رسول الله رَمضانَ فلم يَقُمْ بنا شيئًا
من الشهرِ حتى بَقيَ سَبع، فقامَ بنا حتى فَهبَ ثلُث
الليلِ، فلما كانت السادسةُ لم يقُمْ بنا، فلما كانتِ
الخامسةُ قامَ
__________
(1) كلمة " قال " غير موجودة في سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.
(5/278)
بنا حتى ذَهبَ شَطرُ الليل، فقلتُ: نا
رسولَ اللهِ لو نَفلتَنَا قيام هذه الليلة؟
قال: فقال: إن الرجل إذا صَلَّى مع الإمام حتى ينَصرِفَ
حُسبتْ له قيام ليلةٍ،
قال: فلما كانت الرابعةُ لم يُقم، فلما كانت الثالثةُ
جَمَعَ أهلًه ونساءَهُ والناسَ
فقامَ بنا، حتى خًشِينا أن يفوتَنَا الفلاحُ، َ قال: قلتُ:
وما الفلاحُ؟ قال السَّحورُ، ثم لم يقُمْ بنا بقية الشهرِ
" (1) .
ش- الوليد بن عبد الرحمن الجرشي الحمصي، مولى أبي سفيان
الأنصاري، سكن دمشق، وكان على خراج الغوطة أنام هشام بن
عبد الملك. روى عن سلمة بن نفيل، وعياض/ بن غطيف، وجبير بن
21 [2/ 150 - ب] نفير. روى عنه: إبراهيم بن أبي عبلة،
وداود بن أبي هند، ومحمد بن
مهاجر، وغيرهم، وقال أبو زرعة الدمشقي: هو قديم، جيد
الحديث،
وقال ابن خراش: هو ثقة، كان فيمن قدم على الحجاج. روى له
الجماعة إلا البخاري.
قوله: " حتى بقي سبع " أي: سبع ليال من الشهر.
قوله: " فلما كانت السادسة " أي: الليلة السادسة، وهي ليلة
الرابع
والعشرين من الشهر.
قوله: " فلما كانت الخامسة " أي: الليلة الخامسة، وهي ليلة
الخامس
والعشرين منه.
قوله: " فلما كانت الرابعة " أي: الليلة الرابعة، وهي ليلة
السادس
والعشرين من الشهر.
قوله: " فلما كانت الثالثة " أي: الليلة الثالثة، وهي ليلة
السابع
والعشرين، ليلة القدر عند الجمهور، جمع رسول الله أهله
ونساءه،
وجمع الناس.
__________
(1) الترمذي: كتاب الصوم، باب: ما جاء في قيام شهر رمضان
(806) ، النسائي: كتاب السهو، باب: ثواب من صلى مع الإمام
(3/ 83) ، ابن ماجه: كتاب إقامة الصلاة، باب: ما جاء في
قيام شهر رمضان (1327) .
(5/279)
قوله: " حتى خشينا أن يفوتنا الفلاح " أصل
الفلاح النقاء، وسمي السحور فلاحًا إذ كان سببًا لبقاء
الصوم، ومعينًا عليه، والحديث أخرجه الترمذي، والنسائي،
وابن ماجه، وقال الترمذي: حسن صحيح.
1346- ص- نا نصر بن علي، وداود بن أمية، أن سفيان أخبرهم،
عن أبي يعفور. وقال داود: عن ابن عبيد بن نسطاس، عن أبي
الضحى، عن مسروق، عن عائشة: " أن النبيَّ- عليه السلام-
كان إذا دَخَلَ العَشْرُ، أحْنا الليلَ، وشَذَ المِئْزَرَ،
وأيْقظَ أهْلَهُ " (1) .
ش- داود بن أمية. روى عن معاذ بن هشام، ومعاذ بن معاذ. روى
عنه أبو داود، وأبو الضحى: مسلم بن صبيح، ومسروق: ابن
الأجدع. قوله: " وشد المئزر " كناية عن الجد، والتشمير في
العبادة، وقيل:
هو كناية عن ترك النساء، وقيل: إن هذا من ألطف الكناية عن
اعتزال النساء، وقيل: كان يجتهد في العشر لمعنيين، أحدهما:
لرجاء ليلة القدر، والثاني: لأنه آخر العمل، وينبغي أن
يحرص على تجويد الخاتمة، والمئزر بكسر الميم، والإزار ما
ائتزر الرجل به من أسفله، والإزار يذكر ويؤنث، والإزارة
مثله، كما قالوا: للوسادة إساد، وإسادة، وفيه من الاستحباب
إحياء العشر الأخير من رمضان، ولا سيما ليلة السابع
والعشرين، فيحيها بأهله، وعياله، إلى وقت السحور كما مر في
الحديث السالف، والحديث أخرجه البخاري، ومسلم، والنسائي،
وابن ماجه.
ص- قال أبو داود: أبو يعفور اسمه عبد الرحمن بن عبيد بن
نسطاس.
__________
(1) البخاري: كتاب فضل ليلة القدر، باب: العمل في العشر
الأواخر من رمضان (2024) ، مسلم: كتاب الاعتكاف، باب:
الاجتهاد في العشر الأواخر من شهر رمضان (7/ 1174) ،
النسائي: كتاب قيام الليل، باب:
الاختلاف على عائشة في إحياء الليل (3/ 69) ، ابن ماجه:
كتاب إقامة الصلاة، باب: في فضل العشر الأواخر من شهر
رمضان (1768) .
(5/280)
ش- يعفور: بفتح الياء آخر الحروف، وسكون
العين المهملة، وضم الفاء، بعدها واو ساكنة وفي آخره راء،
واليعفور في اللغة الخشف، وولد البقرة الوحشية، ويقال:
اليعافير تُيوس الظباء، وأبو يعفور كنية عبد الرحمن بن
عبيد بن نسطاس بن أبي صفية الثعْلبي العامري البكالي
الكوفي. روى عن أبيه، والسائب بن يزيد، وأبي الضحى،
وغيرهم. روى عنه: الثوري، وابن عيينة، وابن المبارك،
وغيرهم، قال أحمد: هو: أبو يعفور الصغير، كوفي ثقة. وقال
ابن معين: ثقة، وقال أبو حاتم: ليس به بأس. روى له:
الجماعة (1) .
1347- ص- نا أحمد بن سعيد الهمداني، نا عبد الله بن وهب،
أخبرني مسلمِ بن خالد، عن العلاء بن عبد الرحمن، عن أبيه،
عن أبي هريرة قال: " خَرَج رسولُ الله- عليه السلام- فإذا
الناسُ في رَمضانَ يُصَلُّونَ في نَاحية المسجد، فقالَ:
مَا هؤلاء؟ فقيلَ: هؤلاء أناس (2) ليس معهم قُرآن، وأبي
بنُ كعبَ يصلي وهم يُصًلونَ بصلاته، فَقال النبيُّ- عليه
السلام- أصَابُوا، ونِعْمَ فا صَنَعُوا " (3) .
ش- مسلم بن خالد بن قرقرة أبو خالد الزنجي القرشي
المخزومي، مولى [عبد الله بن] سفيان بن عبد الله بن عبد
الأسد. روى عن: الزهري، وعمرو بن دينار، والعلاء بن عبد
الرحمن، وغيرهم. روى عنه: الشافعي، وعبد الله بن الزبير
الحميدي، وعبد الله بن وهب وغيرهم. وإنما لقب بالزنجي،
وكان أبيض مشرباً بحمرة، لمحبته التمر، ويقال: لأنه كان
أشقر مثل البصلة. روى له: أبو داود، وابن ماجه (4) .
والعلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب، أبو شبل الحرقي الجهني
مولاهم، والحرقة من جهينة.
قوله: " يصلون " يعني: يتنفلون بعد العشاء الآخرة.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (17/ 3895) .
(2) في سنن أبي داود: " ناس ".
(3) تفرد به أبو داود.
(4) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (27/ 5925) .
(5/281)
ص- قال أبو داود: ليس هذا الحديث بالقويِّ،
مسلمُ بنُ خالد ضعيف [2/ 151 - أ] ش - / أشار أبو داود إلى
تضعيف الحديث بقوله: " مسًلم بن خالد ضعيف " وقال البخاري:
منكر الحديث، وقال ابن المديني: ليس بشيء، وقال أبو حاتم:
ليس بذاك القوي، منكر الحديث، لا يكتب حديثه، لا يحتج به،
تعرف وتنكر، وقال صاحب " الكمال ": وقال يحيى بن معين:
ثقة. وفي رواية: ليس به بأس، وقال ابن عدي: هو حسن الحديث،
وأرجو أنه لا بأس به.
***
305- باب: في ليلة القدر
أي: هذا باب في بيان ليلة القدر، سميت ليلة القدر لما تكتب
فيها الملائكة من الأقدار والرزاق والآجال، التي تكون في
السَّنَة لقوله تعالى: {فيها يُفْرَقُ كُلّ أَمْر حكيمٍ}
(ا) ويقال: سميت بذلك لعظم قدرها، وشَر فها.
1348- ص- نا سليمان بن حرب، ومسدد، المعنى، قالا: نا حماد،
عن عاصم، عن زر قال: قلتُ لأبيِّ بن كعب: نا أَخْبرنِي عن
ليلة القَدرِ نا أبا المنذر، فإن صاحبَنَا سُئِلَ عنها،
فقال: من يَقُمْ الحَوْلَ يُصبْهَا، فقال: رَحمَ اللهُ
أباَ عبد الرحمنَ، والله لَقَد عَلمَ أنها في رَمضان،
زَادَ مسَددٌ: ولكنْ كَرِهَ أن تَتَّكلُوا، أو أَحب أن لاَ
تتَّكلُواَ (2) . والله إنها لفِي رَمَضَانَ، ليلةَ سبع
وعشرين، لا نَستثْنِي (3) قلتُ: أبَا المنذر، أنَى عًلمتَ
ذلكَ؟ قال بالآية التي أخبرنا رسولُ الله، قلت لزِرٍّ: ما
الآيةُ؟ قال: تصبحُ الشمُس صَبيحةَ تلك الليلة مثلَ
الطّسْتِ، ليس لها شُعَاعٌ، حتى ترتفِعَ " (4) .
__________
(1) سورة الدخان: (4) .
(2) جاء في سنن أبي داود بعد قوله: " أن لا يتكلوا ": " لم
اتفقا ".
(3) في سنن أبي داود: " لا يستثنى " وسيذكر المصنف أنها
نسخة.
(4) مسلم: كتاب الصوم، باب: فضل ليلة القدر (762) ،
الترمذي: كتاب الصوم، باب: ليلة القدر (793) ، وكتاب
التفسير (3351) ، النسائي في الكبرى: كتاب التفسير.
(5/282)
ش- حماد بن سلمة، وعاصم بن بهدلة، وزر بن
حبيش.
قوله: " من يقم الحول " أي: جميع السنَة " يصبها ".
قوله: " رحم الله أبا عبد الرحمن " وهو كنية عبد الله بن
مسعود- رضي الله عنه-.
قوله: " ليلة سبع وعشرين " أي: في ليلة سبع وعشرين، وفي
بعض النسخ: " لليلة سبع وعشرين ".
قوله: " لا نستثنى " بنون الجماعة على صيغة المعلوم، ويكون
هذا من كلام أبَيِّ، والمعنى لا نستثني في يميننا، وفي بعض
الرواية " بالياء " على صيغة الغيبة، ويكون هذا من كلام
زر، والمعنى حلف أبي ولا يستثنى في يمينه، وموضع هذه
الجملة النصب على الحال، وقد عرف أن الجملة الفعلية إذا
وقعت حالا، وكان فعلها مضارعًا يجوز فيها الواو، وتركها،
فافهم.
قوله: " أَنى علمت ذلك " أي: من أين علمت أنها ليلة سبع
وعشرين؟ قوله: " قلت لزر " أي: قال عاصم: قلت لزر.
قوله: " مثل الطست " قد ذكرنا فيه لغات: طَست وطِست بالفتح
والكسر، وطَس وطِس كذلك، وطَسَه وطِسَه كذلك.
قوله: " ليس لها شعاع " قيل: يحتمل أن هذه الصفة اختصت
بعلامة صبيحة [الليلة] التي أنبأهم النبي- عليه السلام-
أنها ليلة القدر، وجعلها دليلاً لهم عليها في ذلك، لا أن
تلك الصفة مختصة بصبيحة كل ليلة قدر، كما أعلمهم- عليه
السلام- أنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، ً ويحتمل أنها
صفة خاصة لها، وقيل في ذلك: إنه لكثرة اختلاف الملائكة في
ليلتها، ونزولها إلى الأرض، وصعودها بما تنزلت به من عند
الله، وبكل أمر حكيم، وبالثواب في الأجور، سترت أجسامها
اللطيفة، وأجنحتها شعاعها، وحجبت نورها، والحديث أخرجه:
مسلم، والترمذي، والنسائي.
1349- ص- نا أحمد بن حرص، حدثني أبي، حدثني إبراهيم بن
(5/283)
طهمان، عن عباد بن إسحاق، عن محمد بن مسلم
الزهري، عن ضمرة بن
عبد الله بن أنيس، عن أبيه، قال: " كنتُ في مَجلسِ بني
سلمةَ، وأنا أصغرُهم، فقالوا: من يَسألُ لنا رسولَ الله "
يعن ليلةِ القدرِ؟ وذلك
صبيحةُ إحدى وعِشرينَ من رَمضانَ، فخرجتُ فَوافيتُ معَ
رسول الله صَلاةَ
المغربِ، ثم قمتُ بباب بيتهِ، فَمَر بي، فقال: ادخلْ،
فَدخلتُ، فأتِيَ
بعشائه، فرأيتُنِي (1) أكف عنه من قلَّته، فلما فَرغَ قال:
نَاولُوني (2) نَعْلِي
فَقام، وَقُمتُ معه، فقال: كَأن لكَ حًاجةً؟ فقلتُ: أجلْ،
أرْسَلنِي إليكَ
رَهْط من بني سلمة، يَسألُونكَ عن ليلةِ القدرِ، فقال: كم
الليلةُ؟ فقال:
اثنتان وعشرون، قال: هي الليلة، ثم رَجَعَ، فقال: أو
القَابلةُ، يريدُ ليلةَ
ثلاثٍ وعشرينَ " (3) .
ش- أحمد بن حفص بن الله بن رشاد السلمي السكري (4) أبو علي
النيسابوري قاضيها. سمع أباه وعبدان بن عثمان، ويحيى بن
يحيى، وغيرهم. روى عنه: البخاري، وأبو داود، والنسائي،
وأبو حاتم
الرازي، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة، وغيرهم، توفي ليلة
الأربعاء،
لثلاث خلون من المحرم (5) ، سنة ثمان وخمسة ومائتين، ودفن
بعد
المغرب (6) . [2/ 151 - ب] / وأبوه حفص بن عبد الله، قاضي
نيسابور. سمع إبراهيم بن طهران، ومسعر بن كدام، والثوري،
وغيرهم. روى عنه: ابنه أحمد،
والفضل بن لكن، وقطن بن إبراهيم، وغيرهم. روى عنه البخاري
حديثًا واحدة، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجه.
__________
(1) في سنن أبي داود: " قرآني".
(2) في سنن أبي داود: " ناولني ".
(3) النسائي في (الكبرى) كتاب: الاعتكاف.
(4) قال محقق " تهذيب الكمال " (1/ 294) : " في حاشية
النسخ تعليق للمؤلف:
" ذكر في نسبه السكري وأظنه وهما، لم أر كيره ذكره " ا.
هـ. قلت
والقائل هو محقق التهذيب-: راجع الكمال (1/ الورقة: 167)
فهو فيها
كذلك.
(5) في الأصل: والمغرب " خطأ.
(6) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (1/ 27) .
(5/284)
وعباد بن إسحاق هو: عبد الرحمن بن إسحاق بن
الحارث القرشي العامري، ويقال له: عباد بن إسحاق، وقد
ذكرناه مرةً، وضمرة بن عبد الله بن أنيس الجهني، ويقال:
الأسلمي الحجازي. روى عن أبيه. روى عنه: الزهري، وبكير بن
عبد الله الأشج، وبكير بن مسمار. روى له: أبو داود،
والنسائي.
قوله: " في مجلس بني سلمة " بكسر اللام بطن من الأنصار.
قوله: " فأتي بِعَشائه " بفتح العين.
قوله: " فرأيتُني " بضم التاء، أي: فرأيت نفسي.
قوله: " من قلته " أي: لأجل قلة الطعام، والحديث أخرجه:
النسائي.
وقال أبو داود: هذا حديث غريب، وعنه لم يرو الزهريُ، عن
ضمرة غير هذا الحديث.
1350- ص- نا احمد بن يونس، نا زهير، نا محمد بن إسحاق،
حدثني محمد بن إبراهيم، عن ابن عبد الله بن أنيس الجهني،
عن أبيه، قال: " قلتُ: يا رسولَ الله إن لي بَاديةً كونُ
فيها وأنا أصلي فيها بحمد الله، فمُرْنِي بليلة أنزِلُهَا
إلى هذاَ المسجد، فقال: انزلْ ليلة ثلاث وعشرين، فَقلتُ
لابنه: فكيفً كان أبوكَ يصنعُ؟ َ قال: كان يدخلُ المسجدَ
إذا صلى العَصرَ، فلا يخرجُ منه لحاجة، حتى يصلي الصبحَ،
فإذا صَلَّى الصبحَ، وَجَدَ دابتَهُ على بابِ المسجدِ،
فجلسَ عليها، فلَحِقَ بباديَتِهِ " (1) .
ش- زهير بن معاوية، ومحمد بن إبراهيم القيمي، وابن عبد
الله بن أنيس، هو ضمرة المذكور آنفا.
قوله: " إن لي بادية أكون فيها " والمعنى: إنه كان يسكن في
البادية في خباء.
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(5/285)
قوله: " فقلتُ لابنه " أي: قال " محمد بن
إبراهيم: قلت لابن عبد الله. 1351- ص- نا موسى بن إسماعيل،
نا وهيب، نا أيوب، عن عكرمة، عن ابن عباس، عن النبي " عليه
السلام- قال: " التَمسُوهَا في العشر الأواخر من رَمضانَ
في تاسعة تَبْقَى، وفي سابعة تَبقى، وفي خَامسة تَبقَى "
(1) .ً ش-
وهيب: ابن خالد، وأيوب: السختياني.
قوله: " في تاسعة تبقى " هي ليلة إحدى وعشرين، " وسابعة
تبقى "
هي ليلة ثلاث وعشرين " وخامسة تبقى " هي ليلة خمس وعشرين،
وقال " بعضهم: إنما يصح معناه، ويوافق ليلة القدر وترًا من
الليالي إذا كان الشهر ناقصًا، فأما إن [كان] كاملاً،
فإنها لا تكون إلا في شفع، فتكون التاسعة الباقية ليلة
اثنين وعشرين، والخامسة الباقية ليلة ست وعشرين، والسابعة
الباقية ليلة أربع وعشرين، على ما ذكره البخاري. عن ابن
عباس، فلا يصادف واحدة منهن وتراً، وهذا على طريقة العرب
في التأريخ إذا جاوزوا نصف الشهر، فإنما يؤرخون بالباقي
منه، لا بالماضي، هكذا ذكره بعضهم، والحديث أخرجه:
البخاري، وذكر متابعة، عن ابن عباس " التمسوها في أربع.
وعشرين ".
***
306- باب من قال: ليلة إحدى
وعشرين
أي: هذا باب في بيان قول من قال: إن ليلة القدر ليلة إحدى
وعشرين من رمضان.
1352- ص- نا القعنبي، عن مالك، عن يزيد بن عبد الله بن
الهاد، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي، عن أبي كلمة
بن عبد الرحمن، عن أبى سعيد الخدري، قال: " كان رسولُ
الله- عليه السلام- يعتكفُ العشرَ الأوْسَطَ من رَمضانَ،
فاعتكفَ عَامًا حتى إذا كانت ليلةَ إحدى وعشرينَ،
__________
(1) البخاري: كتاب فضل ليلة القدر، باب: تحري ليلة القدر
(2021) .
(5/286)
وهي الليلةُ التي يخرجُ فيها من اعتكافه،
قال: مَن كان اعتكفَ معي فليعتكفْ العَشْرَ الأواخَر، وقد
رأيتُ هذه الَليَلةَ، ثم أنسيتُها، وقد رأيتُني أسجدُ
صبيحتَها (1) في ماء وطِين، فالتمسُوهَا في العشرَ
الأواخرِ، والتمسُوهَا في كلَ وترٍ، قال أبو سًعيد: ً
فَمطرَت السماءُ من تلك الليلة، وكان المسجدُ على عَريشٍ
فوكَفَ المسجدُ، فقال أَبو سعيد: فأبْصَرتْ عينَاي
النبيَّ- عليه السلام- وعلى جَبهته، وأنفه أَثَرَ الماء،
والطين من صبيحة إحدى وعشرين " (2)
.ًً
ش- " العشر الأوسط " رواه بعضهم: " العشر الوُسُط " بضم
الواو والسين، جمع واسط كبازل وبُزُل. ورواه بعضهم بضم
الواو، وفتح السين جمع وسطى ككُبَرٍ وكُبرَى، وأكثر
الروايات فيه/ الأوسط، كما [2/ 152 - أ] هاهنا، وقيل إنه
جاء على لفظ العشر، فإن لفظ العشر مذكر.
قوله: " وقد رأيتني " بضم التاء، أي: قد رأيت نفسي.
قوله: " على عريش " أي: مظللاً بجريد ونحوه، مما يُستظل
به، يريد أنه لم يكن له سقف يكن من المطر، والعريش كالبيت
يصنع من سعف النخل، ينزل فيه الناس أيام الثمار، ليصيبوا
منها حتى تنصرم، والعريش أيضًا الخيام، والبيوت.
قوله: " فوكَف المسجد " بفتح الكاف، أي: قطر ماء المطر من
سقفه. قوله: " وعلى جبهته، وأنفه أثر الماء والطين " كان
الحميدي يحتج بهذا الحديث على أن السنَة للمصلي أن لا يمسح
جبهته في الصلاة، وكذا قال
__________
(1) في سنن أبي داود: " أسجد من صبيحتها ".
(2) البخاري: كتاب الأذان، باب: هل يصلي الإمام بمن حضر؟
(669) ، مسلم: كتاب الصوم، باب: فضل ليلة القدر والحث على
طلبها وبيان محلها وأرجى أوقات طلبها 213- (1167) ،
النسائي: كتاب التطبيقي، باب: السجود على الجبن (2/ 208) ،
ابن ماجه: كتاب الصيام، باب: في ليلة القدر (1766) ، وتقدم
برقم (871) .
(5/287)
العلماء: مستحب أن لا يمسحها في الصلاة،
والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائْي، وابن ماجه.
1353- ص- نا محمد بن المثنى، حدثني عبد الأعلى، نا سعيد،
عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسولُ الله صلى
الله عليه وسلم التمسُوها في العَشْرِ الأواخر من رَمضانَ،
والتمسُوها في التاسعة، والسَابعة، والخامسة، قال: قلتُ يا
أبَا سعيد إنكم أعلمُ بالعَدد منا، قال: أَجل، قلت: ما
التاسعةَ، والسابعة، والخامسة؟ قال: إذا مضَت واحدة
وعشرون: فالتي تليهَا التاسعة فإذا مضى ثلاث وعشرون فالتي
تليها السابعة، وإذا مضى خمس وعشرون فالتي تليها الخامسة "
(1) .
ش- عبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي، وسعيد بن أبي عروبة،
وأبو نضرة المنذر بن مالك العبدي البصري.
قو له: " التمسوها " أي: اطلبوها.
قوله: " فالتي تليها التاسعة " جعل أبو سعيد التاسعة ليلة
اثنين وعشرين، والسابعة ليلة أربع وعشرين، وهذا إذا كان
الشهر ناقصًا على ما قدمناه في حديث ابن عباس، وقيل: إنما
يصح لسبع بقين سواها، والحديث: أخرجه مسلم، والنسائي.
ص- قال أبو داودَ: لا أدرِي: أخَفِيَ عَلَي منه شيء، أم
لا؟
ش- الهمزة في أخفي للاستفهام.
قوله: " منه " أي: من الحديث.
***
307- باب: من روى أنها ليلة
سبع عشرة
أي: هذا باب في بيان قول من قال: إن ليلة القدر هي في ليلة
سبع عشرة من الشهر.
__________
(1) مسلم: كتاب الصوم، باب: في ليلة القدر (213- 1167) .
(5/288)
1354- ص- نا حكيم بن سيف الرقي، نا عبيد
الله- يعني: ابن عمرو
- عن زيد- يعني: ابن أبي أنيسة- عن أبي إسحاق، عن عبد
الرحمن بن الأسود، عن أبيه، عن ابنِ مسعود، قال: قال لَنَا
رِسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " اطلُبُوهَا ليلةَ سبع
عَشرةَ من رَمضان، وليلةَ إحدى وعشرين، وليلةَ ثلاث
وعشرين، وسكت " (1) ، (2) .
ً
ش- حكيم بن سيف الرقي أبو عمرو الأسدي مولاهم. روى عن أبي
المليح، وعبيد الله بن عمرو، وداود بن عبد الرحمن العطار.
روى عنه: أبو زرعة، وأبو داود، والنسائي عن رجل عنه،
وغيرهم.
وعبيد الله بن عمرو بن أبي الوليد الأسدي مولاهم أبو وهب
الرقي. سمع عبد الملك بن عمير، وأيوب السختياني، والأعمش،
وزيد بن أبي أنيسة، وغيرهم. روى عنه: بقية بن الوليد،
وحكيم بن سيف الرقي، وسليمان بن عبد الله الرقي، وغيرهم.
قال ابن معين: هو ثقة، وقال أبو حاتم: صالح ثقة، لا اعرف
له حديثًا منكرًا، مات بالرقة سنة ثمانين ومائة. روى له:
الجماعة.
وزيد بن أبي أنيسة أبو أسامة الجزري الرهاوي، واسم أبي
أنيسة: زيد، كوفي الأصل، وهو غنوي مولى [بني] ، غنيِّ بن
اعصر. روى عن: عطاء بن أبي رباح، والزهري، وعمرو بن مرة،
وغيرهم. روى عنه: مالك بن أنس، ومسعر بن كدام، وعبيد الله
بن عمرو الرقي، وغيرهم. قال محمد بن سعد: كان يسكن الرُها،
ومات بها، وكان ثقة، كثير الحديث، فقيهًا، راوية للعلم،
قال محمد بن عمر: مات سنة خمس وعشرين ومائة. روى له:
البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (3) .
وأبو إسحاق: السبيعي.
__________
(1) في سنن أبي داود: " ثم سكت ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (10/ 2089) .
19* شرح سنن أبى داود
(5/289)
قوله: " اطلبوها " أي: ليلة القدر، وقال في " مختصر السنن
": وفي إسناده حكيم بن سيف، وفيه مقال. |