شرح أبي داود
للعيني 22- باب: مَن يُعطى من الصدقة وحدّ الغِنَى
أي: هذا باب في بيان من يجوز له إعطاء الصدقة، وبيان حد
الغنى الشرعي.
1746- ص- نا الحسن بن علي، نا يحيى بن آدم، نا سفيان، عن
حكيم ابن جبير، عن محمد بن عبد الرحمن بن يزيد، عن أبيه،
عن عبد الله، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ سَألَ وله ما يُغنيه جاءت يومَ القيامة خمُوشٌ، أو
كُدُوح، أو خُدوشٌ (1) في وجهِه، فقيلَ (2) : يا رسوله
اللهِ، وما الغِنَى؟ قال: خمسونَ درهما، أو قِيمَتُهَا منذ
الذهبِ " (3) .
ش- سفيان الثوري.
وحكيم بن جبير الأسدي الكوفي، قيل: مولى آل الحكم بن أبي
العاص. روى عن: سعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، ومحمد بن
عبد الرحمن النخعي، وغيرهم. روى عنه: الأعمش، والثوري،
وشعبة، وغيرهم. قال عبد الرحمن: سألت أبا زرعة عنه؟ فقال:
في رأيه شيء، قلت: ما محله؟ قال: الصدق- إن شاء الله-
وسألت أبي عنه؟ فقال: ما أقربه من يونس بن خباب في الضعف
والرأي، وهو ضعيف الحديث، منكر الحديث، له رأي غير محمود-
نسأل الله السلامة- قلت لأبي: هو أحب إليك أو ثُوير، قال:
ما فيهما إلا ضعيف غالٍ
__________
(1) في سنن أبي داود: " أو خدوش أو كدوح ".
(2) في سنن أبي داود: "فقال ".
(3) الترمذي: كتاب الزكاة، باب: ما جاء من تحل له الزكاة
(650) ، النسائي: كتاب الزكاة، باب: حد الغنى (5/ 97) ،
ابن ماجه: كتاب الزكاة، باب:
من سأل عن ظهر الغنى (1840) .
(6/359)
في التشيع، وهما متقاربان. وقال أحمد بن
سنان: قلت لعبد الرحمن ابن مهدي: لم تركت حديث حكيم بن
جبير؟ قال: أخاف النار. وقال علي بن المديني: سألت يحيى بن
سعيد القطان عن حكيم بن جبير؟ فقال: كم روى؟ إنما روى شيئا
يسيراً قلت: من تركه؟ قال: شعبة من أجل حديثه في الصدقة،
يعني حديث ابن مسعود: ما من سأل وله ما يغنيه لما، وكان
يحدث عمن دونه. وقال ابن معين: ليس بشيء. وقال الدارقطني:
متروك. وقال الذهبي في "الميزان": وقال الجوزجاني: حكيم بن
جبير كذاب. روى له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه (1) .
ومحمد بن عبد الرحمن بن يزيد النخعي الكوفي. سمع: أباه،
وعمه الأسود بن يزيد، وروى عن عائشة مرسلاً. روى عنه: حكيم
بن جبير، مسلمة بن سهيل، والأعمش، وغيرهم. قال ابن معين:
ثقة. وقال أبو زرعة: كان رفيع القدر، من الجِلَةِ. روى له:
أبو داود، والترمذي، والنسائي (2) .
وأبوه عبد الرحمن بن يزيد بن قيس النخعي أبو بكر الكوفي،
وعبد الله بن مسعود.
قوله: " وله ما يغنيه" الواو فيه للحال، وكلمة "ما" بمعنى:
شيء، أي: والحال أن له شيئا يغنيه عن السؤال.
قوله: " جاءت يوم القيامة " الضمير في " جاءت " يرجع إلى
المسألة التي يدل عليها قوله:"سأل".
وقوله: " خموش" مرفوع على ابنه خبر مبتدأ محذوف تقديره:
وهي خموش، أي: المسألة خموش في وجهه، وتكون الجملة حالاً
ويؤيد ما ذكرناه رواية الترمذي: "من سأل الناس وله ما
يغنيه جاء يوم القيامة
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7/ 1452) . (2) المصدر
السابق (25/ 5412) .
(6/360)
ومسألته في وجهه خموش، اهو خدوش، اهو
كدوح"، وفي بعض نسخ "الحق ": "خموشا" بالنصب، وكذلك
"كدوحا"، و" خدوشا " فوجهه- إن صح- أن يكون ما، من الضمير
الذي في "جاءت" الذي هو عبارة عن المسألة، وهنا وجه آخر،
وهو أن يكون " جاءت " مسندة إلى قوله: "خموش"، ويكون
ارتفاع "خموش" على الفاعلية، ويكون/ التأنيث باعتبار
المسألة لأن المسألة هي التي تكون (خموشا يوم القيامة
[....] (1) وهو الظاهر، يقال: خمشت المرأة وجهها تخدشه
خمشا وخموشا إذا خدشته بظفر أو حديد، وأما إذا كان الخموش
جمع " خمش"، فحينئذ يكون تأنيث الفعل لتأنيث الفاعل، و
"الكدُوح" بضم الكاف: الخدوش، وكل أثر من خدش، أو عض فهو
كدح، ويجوز أن تكون " الكدوح " مصدرا سمي به الأثر، وأن
تكون جمع
كدح، فافهم. والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه،
وقال الترمذي: حديث حسن، وقال: والعمل على هذا عند بعض
أصحابنا، وبه يقول الثوري، وعبد الله بن المبارك، وأحمد،
وإسحاق،
قالوا: إذا كان عند الرجل خمسون درهما لم تحل له الصدقة،
قال:
ولم يذهب بعض أهل العلم إلى حديث حكيم بن جبير، ووسعوا في
هذا، وقالوا: إذا كان عنده خمسون درهماً أو كثر وهو محتاج
فله أن يأخذ من الزكاة، وهو قول الشافعي، وغيره من أهل
الفقه والعلم.
قلت: مذهب أبي حنيفة: أن دفع الزكاة لا يجوز على من يملك
قدر نصاب فاضل عن مسكنه، وخادمه، وفرسه، وسلاحه، وثياب
بدنه، وما يتأثث (2) به، وكتب العلم إن كان من أهله، وما
ذكره صاحب "المنظومة" من أن من ملك خمسين درهما يحرم عليه
أخذ الزكاة عند الشافعي، فليس بمعتمد مذهبه.
ص- قال يحيى: فقال عبد الله بن عثمان لسفيان: حِفظِي أن
شُعبةَ لا
__________
(1) طمس في الأصل قدر ست كلمات.
(2) في الأصل: "يتأثت ".
(6/361)
يَرْوي عن حَكِيم بن جُبير، فقال سفيان:
فقدْ حَدثناهُ زُبيدٌ، عن محمدِ بنِ عَبدَ الرحمنِ بنِ
يزيد.
ش- أي: قال يحيى بن آدم: فقال عبد الله بن عثمان بن خثيم
القاريّ- من القارة حليف بني زهرة- لسفيان الثوري: حفظي أن
شعبة ابن الحجاج لا يروي عن حكيم بن جبير، فقال سفيان: فقد
حدثناه، أي: الحديث، زبيد بن الحارث الكوفي، عن محمد بن
عبد الرحمن ابن يزيد النخعي الكوفي.
وقال الخطابي (1) : وضعفوا هذا الحديث للعلة التي ذكرها
يحيى بن آدم، قالوا: أما ما رواه سفيان فليس فيه بيان أنه
أسنده، وإنما قال: فقد حدثناه عبيد، عن محمد بن عبد الرحمن
بن يزيد، حسب.
وحكى الإمام أحمد بن حنبل، عن يحيى بن آدم: أن الثوري قال
يوماً قال أبو بسطام: يحدث- يعني شعبة- هذا الحديث عن حكيم
ابن جبير، قيل له: قال: حدَثني عبيد، عن محمد بن عبد
الرحمن، ولم يزد عليه، قال أحمد: كأنه أرسله، أو كره أن
يحدث به، أما يعرف الرجل كلاما نحو ذا؟ وحكى الترمذي: أن
سفيان صرح بإسناده، فقال: سمعت زبيدا يحدث بهذا عن محمد بن
عبد الرحمن بن يزيد، وحكاه ابن عدي أيضا، وحكى أيضاً أن
الثوري قال: فأخبرنا به عبيد، وهذا يدل على أن الثوري حيث
به مرتين، مرة لا يصرح فيه بالإسناد، ومرة يسنده فتجمع
الروايات، وقال أبو عبد الرحمن النسائي: لا نعلم أحدا قال
في هذا الحديث: زايد، غير يحيى بن آدم، ولا نعرف هذا
الحديث إلا من حديث حكيم بن جبير، وحكيم ضعيف، وسئل شعبة
عن حديث حكيم؟ فقال: أخاف النار، وقد كان روى عنه قديماً
وسئل يحيى بن معين: يرويه أحد غير حكيم؟ فقال يحيى: نعم،
يرويه يحيى بن آدم، عن سفيان، عن عبيد، ولا أعلم أحدا
يرويه إلا يحيى بن
__________
(1) معالم السنن (2/ 48) .
(6/362)
آدم، وهذا وهم، لو كان كذا حدث الناس به
جميعا عن سفيان، ولكنه حديث منكر، هذا الكلام قاله يحيى،
أو نحوه.
1747- ص- نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن زيد بن أسلم،
عن عطاء بن يسار، عن رجل من بني أسد، أنه قال: " نزلتُ
أنا، وأهلي ببقِيع الغَرقَد، فقال لي أهلِي: اذهبْ إلى
رسولِ اللهِ- عليه السلام- فَسَلهُ لنا شيئا نأكُلُهَُ،
فجَعَلُوا يذكرونَ من حاجَتِهِم، فذهبتُ إلى رسول اللهِ-
عليه السلام- فوجدتُ عندَه رجلا يسألُهُ، ورسولُ الله-
عليه السلامَ- يقول: لا أَجدُ ما أعْطيكَ، فتولَّى الرجلُ
عنه وهو مُغْضَب، وهو يقولُ: لَعَمْرِي إِنكَ لَتعطي مَن
شَئتَ، فقالَ رسولُ الله- عليه السلام- بغضب (1) عَلَيَّ
أن لا أجد ما أعطيه: مَن سألَ منكم ولهه أوقِيَّة، أو
عدْلُهَا فقد سًألَ إِلحاف، قال الأَسَدِيُّ: فَقلَتُ:
لقحة (2) لنا خير من أوقية، وَالوَقيةُ (3) : أربعونَ
درهماً قال: فرجعتُ، ولهم أسأله، فَقدمَ على رسولَ الله-
عليه السلام- بعدَ ذلك شعير (4) ، وزبيب، قَسَمَ (5) لنا
منه/ [أو كما قال: حتى أغنانا الله عَزَّ وجَلَ] (6) ، (7)
.
ش- " بقيع الغرقد": بالباء الموحدة: مدفن أهل المدينة، و
"البقيع ": المكان المتسع من الأرض، وقيل: لا يسمى بقيعة
إلا إذا كان فيه شجر، أو أصول شجر من ضروب شتى، و" الغرقد"
بفتح الغين المعجمة، وسكون الراء، وفتح القاف، وفي آخره
دال مهملة من شجر الغضاة، والغضاة: شجر له شوك، وقيل:
الطلح، والسدر، وكان فيه غرقا فذهب وبقي اسمه.
__________
(1) في سنن أبي داود: " يغضب".
(2) في سنن أبي داود: "لَلُقحة"، وسيذكر المصنف أنها نسخة.
(3) في سنن أبي داود: "والأوقية". (4) في سنن أبي داود: "
أو شعير". (5) في سنن أبي داود: " فقسم".
(6) طمس في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(7) النسائي: كتاب الزكاة، باب: الإلحاح في المسألة (5/
99) .
(6/363)
قوله: " وهو مغضب " جملة حالية، و" مغضب "
بفتح الضاد مفعول من الإغضاب، وكذلك قوله: "وهو يقول "
جملة حالية.
قوله: " لعمري " " العمر" بالفتح: العمر، ولا يقال. في
القسم إلا بالفتح، ومعنى قوله: " لعمري ": وحق بقائي
وحياتي، وكذا معنى قوله: " لعمر الله "، الحلف ببقاء الله،
واللام فيه للتأكيد.
قوله: " أو عدلها" بفتح العين، يريد قيمتها، يقال: هذا عدل
الشيء أي: ما يساويه في القيمة، وهذا عدله- بكسر العين-
أي: نظيره، ومثله في الصورة والهيئة.
قوله (1) : " لقحة لنا " اللقحة: الناقة المرية، وهي التي
تمراً أي: تحلب، وجمعها لقاح، وفي بعض النسخ: "للقحة "
بلام التأكيد، وارتفاعها بالابتداء، وتخصص بالصفة، وخبره
قوله: " خير ".
قوله: " والوقية" بفتح الواو، وهي لغة في " أوقية "، وقد
مر تحقيق الكلام فيه، وذهب أبو عبيد القاسم بن سلام في
تحديد الغنى إلى هذا الحديث، وزعم ابن من وجد أربعة درهما
حرمت عليهم الصدقة. والحديث أخرجه النسائي.
ص- قال أبو داود: هكذا رَواهُ الثوريُ، كما قال مالك.
ش- أي: هكذا روى الحديثَ المذكور سفيان الثوريُ كما قال
مالك ابن أنس- رضي الله عنه-.
1748- ص- لا عتيبة بن سعيد، وهشام بن عمار، قالا: نا عبد
الرحمن ابن أبي الرجال، عن عمارة بن غزية، عن عبد الرحمن
بن أبِي سعيد الخدري، عن أبيه، قال: قال رسول الله- عليه
السلام-: "منْ سَأل وله قيمةُ أوقية فقد ألحَفَ، فقلتُ:
نَاقَتِي الياقُوتةُ هي خيرٌ من أوقية" قال هشامٌ: " خيًرٌ
من أربعين درهماً، فرجعتُ ولم أسأله " (2) زاد هشامٌ
__________
(1) مكررة في الأصل.
(2) في سنن أبي داود: " فلم أسأله شيئا".
(6/364)
في حديثه: " وكانتْ الوَقيةُ على عهد
النبيِّ- عليه السلام- أربعينَ درهماً " (1) .
ش- اسم أبي الرجال: محمد بن عبد الرحمن، وقد مر بيانه،
واسم أبي سعيد: سعد بن مالك الأنصاري، وقد مر مرة.
قوله: "فقد ألحف" يقال: اللحف في المسألة إذا بالغ فيها،
وألح، يقال: ألح، وألحف، وقيل: اللحف شمل بالمسألة، ومنه
اشتق اللحاف. قوله: " ناقتي الياقوتة" مبتدأ، وقوله: " هي
ما مبتداه ثان، وخبره قوله: "خير "، والجملة خبر المبتدأ
الأول، و "الياقوتة" اسم تلك الناقة، وفيه جواز تسمية
البهائم، وقد كان خيل رسول الله- عليه السلام- وغيرها من
دوابه لها أسماء، والحديث أخرجه النسائي.
1749- ص- نا عبد الله بن محمد النفيلي، نا مسكين، نا محمد
بن المهاجر، عن ربيعة بن يزيد، عن أبي كبشة السلولي، نا
سهل ابن الحنظلية، قال: "قَدمَ عَلَى رسولِ الله- عليه
السلام- عُيَيْنَةُ بنُ حصْينٍ، والأقرعُ بنُ حابس،
فَسألاهُ، فأمَرَ لهمَا بما سَألاهُ، فَأمَرَ (2)
مُعاويَةَ، فكَتَبَ لهما بما سألاه (3) ، فأمَا الأقرعُ
فأخذَ كتَابَهُ فَلَفهُ في عمامَته وانطلقَ، وأما عيينةُ
فأخذ كتَابَهُ، وأتَى النبي- عليه السلام- مكانه فقال: يَا
محمدُ، أتُرَانِي حامِلاً إلى قًومِي كتَابا لا أدرِي ما
فيه كَصحيفة المُتَلَمسِ؟ فأخبرَ معاوية بقولِهِ رسولَ
اللهِ - عليه اَلسلام- فقال رسولُ الله- عَليه السلام-:
مَنْ سَألَ، وعندَه ما يُغنِيهِ فإنما يَسْتَكْثِرُ من
النارِ"، وقال اَلنفيلي في موضعٍ آخر: " مِن جَمْرِ
جَهنمَ، فقالوا: يا رسولَ الله، وما يُغْنيه؟ " وقال
النفيلي في موضعٍ آخر: "وما الغنَى الذي لا يَنبغِي (4)
معه المَسَألَةُ؟ قال: قَدْرَ ما يُغَدِّيهِ، وبُعَشيهِ "،
وقال النفَيلي في موضعٍ آخر: " أن يكونَ له شِبَعُ يومٍ
وليلةٍ، أو ليلةٍ وبومٍ (5) .
__________
(1) النسائي: كتاب الزكاة، باب: الإلحاف في المسألة (5/98)
.
(2) في سنن أبي داود: " سألا وأمر ".
(3) في سنن أبي داود: "سألا".
(4) في سنن أبي داود:"تنبغي ".
(5) تفرد به أبو داود.
(6/365)
ش- مسكين بن بكير الحراني الحذاء.
ومحمد بن المهاجر بن دينار بن أبي مسلم الأنصاري الأشهلي
الشامي مولى أسماء بنت يزيد الأشهلية. روى عن: أبيه،
وأخيه، وكيسان مولى معاوية، وربيعة بن يزيد، وغيرهم. روى
عنه: الربيع بن نافع الحلبي، والوليد بن مسلم، ومسكين،
وابن عيينة، وغيرهم. قال ابن معين، وأبو زرعة، ويعقوب بن
سفيان: هو ثقة، مات سنة سبعين ومائة. روى له: أبو داود،
والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) . وربيعة بن يزيد/
الدمشقي، وأبو كبشة السلولي، مذكور في الكنى، وقد مر ذكره،
وسهل بن الربيع بن عمرو الأنصاري الأوسي، والحنبلية أمه،
وعيينة بن حصن بن بدر الفزاري، كنيته: أبو مالك، من
المؤلفة قلوبهم، أسلم بعد الفتح، وقيل: قبل الفتح، وقيل:
إن الأقرع، وعيينة شهدا مع رسول الله- عليه السلام- فتح
مكة، وحنيناً والطائف، والأقرع لقب، واسمه: فراس بن حابس،
تميمي مجاشعي، قدم على رسول الله- عليه السلام- في أشراف
بني تميم بعد فتح مكة، وكان هو أيضا أحد المؤلفة قلوبهم.
قوله: " أتراني حاملاً " بفتح الهمزة، وضم التاء.
قوله: "كصحيفة المتلمس " المتلمس هو: جريج بن عبد المسيح
الضبعي، الشاعر المشهور الجاهلي، وسمي المتلمس ببيت قاله
هجاء هو وطرفةُ عمرَو بن هند ملك الحيرة، فكتب إلى عامله
له ولطرفة بن العبد كتابين، أوهمهما أنه أمر لهما بجوائز،
وكتب فيه يأمره بقتلهما، والقصة مشهورة عند العرب، وأن
المتلمس لما علم بما فيها رمى بها وهرب، فضربت العرب المثل
بصحيفته بعد، ولما وافى طرفة بصحيفته قتل.
قوله: "ما يغديه ويعشيه " اختلف الناس في تأويله، فقال
بعضهم:
من وجد غداء يومه وعشاء، لم تحل له المسألة على ظاهر
الحديث.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (26/ 5636) .
(6/366)
قلت: قال أصحابنا: ومن له قوت يوم فسؤاله
حرام، وقال بعضهم: إنما هو فيمن وجد غداء وعشاء على دائم
الأوقات، فإذا كان عنده ما يكفيه لقوته المدة الطويلة حرمت
عليه المسألة. وقيل: هذا منسوخ بما تقدم من الأحاديث،
والغداء والعشاء يُحَرمُ سؤال اليوم، والأوقية تحرم مقدار
ما يسد من المناقر للسائل. ويجوز لصاحب الغداء والعشاء أن
يسأل الجبة والكساء، ويجوز لصاحب الأوقية والخمسين درهما
أن يسأل ما يحتاج إليه من الزيادة على ذلك، وقيل: إنما
أعطاهما رسول الله- عليه السلام- من سهم المؤلفة، فإن
الظاهر أنهما ليسا فقيرين، وهما رئيسا قبائلهما، وسيدا
قومهما.
ص- وكان حدثنا به مختصرا على هذه الألفاظ التي ذكرت.
ش- هذا من كلام أبي داود، أي: كان النفيلي حدثنا به.
قوله: " التي ذكرت"، وفي بعض النسخ: "التي ذكرها" أي.
ذكرها النفيلي.
1750- ص- أنا عبد الله بن مسلمة، نا عبد الله- يعني: ابن
عمر بن غانم- عن عبد الرحمن بن زياد، أنه سمع زياد بن نعيم
الحضرمي، أنه سمِع زياد بن الحارث الصدائي، قال: " أتيتُ
رسولَ الله- عليه السلام- فَبَايعْتُه"، فذكر حديثا طويلاً
(1) : " فأتاه رجل، فقال: أعَطِني من الصدقة فقال له رسولُ
اللهِ- عليه السلام-: إن اللهَ لم يرضَ بحكْم نَبي ولا
غيرِه في الصدقات، حتى حَكَمَ فيها هو، فَجَزأهَا ثمانيةَ
أجزَاء، فإن كنتَ من تَلك الأجزاء أعَطيتُكَ حَقَكَ " (2)
.
ش- عبد الرحمن بن زياد الإفريقي فيه مقال، وقد مر غير مرة،
وزياد ابن نعيم الحضرمي البصري، ذكره ابن حبان في " الثقات
".
قوله: " فجزأها" أي: الصدقات، " ثمانية أجزاء، أي: ثمانية
__________
(1) في سنن أبي داود:"طويلا قال".
(2) تفرد به أبو داود.
(6/367)
أقسام، وذلك في قوله تعالى: {إنما
الصَّدَقَاتُ للفُقَرَاء وَالمسَاكينِ} (1) الآية.
وقال الخطابي (2) في قوله: " فإن كنت من تلك الأجزاء
أعطيتك حقك، دليل على أنه لا يجوز جمع الصدقة كلها في صنف
واحد، وأن الواجب تفرقتها على أهل السهمان: بحصصهم، ولو
كان في الآية بيان الحمل (3) دون بيان الحصص، لم يكن
للتجريد معنى، ويدل على صحة ذلك قوله: " أعطيتك حقك،، فبين
أن لأهل كل جزء على حدة حقا، وإلى هذا ذهب: عكرمة، وهو قول
الشافعي. وقال إبراهيم النخعي: إذا كان المال كثيرا يحتمل
الأجزاء قسمه على الأصناف، وإذا كان قليلا جاز أن يضع في
صنف واحد. وقال أحمد بن حنبل: تفريقه أولى، ويجزئه أن
يجعله في صنف واحد. وقال أبو ثور: إن قسمه الإمام قسمه على
الأصناف الثمانية، وإن تولى قسمه رب المال فوضعه في صنف
واحد رجوت أن يسعه. وقال مالك بن أنس: يجتهد، ويتحرى موضع
الحاجة منهم، ويقدم الأولى فالأولى من أهل الفاقة والخلة،
فإن رأى الخلة في الفقراء في عام كثر قَدَّمهم، وإن رآها
في أبناء السبيل في عام آخر حولها إليهم. وقال أصحاب
الرأي: هو خبير/ يضعه في أي [الأصناف شاء، وكذلك قال سفيان
الثوري] (4) ، وقد روي ذلك عن ابن عباس، وهو قول الحسن
البصري، وعطاء بن أبي رباح،.
قلت: " (5) روى الطبري (6) في تفسير قوله تعالى: {إنما
الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاء} الآية، أخبرنا عمران بن عيينة،
عن عطاء، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس في قوله تعالى:
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلفُقَرَاء وَالمَسَاكِينِ}
الآية، قال: في أي صنف وضعته أجزأه، وقال ابن
__________
(1) سورة التوبة: (6) .
(2) معالم السنن (2/ 50- 51) .
(3) في معالم السنن: " المحمل".
(4) طمس في الأصل، وأثبتناه من معالم السنن (2/ 51) .
(5) انظر: نصب الراية (2/ 397- ها 3) .
(6) تفسير الطبري (0 1/ 16 1) .
(6/368)
أبي شيبة في "مصنفه ": أخبرنا جرير، عن
ليث، عن عطاء، عن عمر ابن الخطاب، أنه قال: {إنما الصدفات
للفقراء} الآية، قال: أيما صنف أعطيته من هذا أجزأه.
حدثنا حفص، عن ليث، عن عطاء، عن عمر: " أنه كان يأخذ الفرض
في الصدقة، فيجعله في صنف واحد ".
وروي أيضاً عن الحجاج بن أرطأة، عن المنهال بن عمرو، عن زر
ابن حبيش، عن حذيفة، أنه قال: " إذا وضعتها في صنف واحد
أجزأك" وأخرج نحو ذلك عن: سعيد بن جبير، وعطاء بن أبي
رباح، وإبراهيم النخعي، وأبي العالية، وميمون بن مهران،
بأسانيد حسنة، واستدل ابن الجوزي في "التحقيق" على ذلك
بحديث معاذ: "فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة تؤخذ
من أغنيائهم، وترد في فقرائهم "، قال: والفقراء صنف واحد،
ولم يذكر سواهم. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب "
الأموال ": "ومما يدل على صحة ذلك أن النبي- عليه السلام-
أتاه بعد ذلك مال فجعله في صنف واحد سوى صنف الفقراء، وهم:
المؤلفة قلوبهم: الأقرع بن حابس، وعيينة بن حصن، وعلقمة
ابن علاثة، وزيد الخيل قسم فيهم الذهبة التي بعث بها إليه
علي من اليمن، وإنما تؤخذ من أهل اليمن الصدقة، ثم أتاه
مال آخر فجعله في صنف آخر، وهم: الغارمون، فقال لقبيصة بن
المخارق حين أتاه وقد تحمل حمالة: "يا قبيصة، أقم حتى
تأتينا الصدقة، فنأمر لك بها"، وفي حديث سلمة بن صخر
البياضي: " أنه أمر له بصدقة قومه"، ولو وجب صرفها إلى
جميع الأصناف لم يجز دفعها إلى واحد"، وبهذا سقط قول
الخطابي: لا يجوز جمع الصدقة كلها في صنف واحد، ولا تمسك
للشافعي بالآية أيضا؛ لأن المراد بها بيان الأصناف التي
يجوز الدفع إليهم دون غيرهم، وكذا المراد بآية الغنيمة
فافهم " (1) .
__________
(1) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
24. شرح سنن أبي داوود 6
(6/369)
وقال الخطابي أيضا (1) : وفي قوله: " إن
الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها"
دليل على أن بيان الشريعة قد يقع من وجهين، أحدهما: ما
تولى الله بيانه في الكتاب العزيز وأحكم فرضه فيه، فليس به
حاجة إلى زيادة من بيان النبي- عليه السلام- وبيان شهادة
الأصول، والوجه الآخر: ما ورد ذكره في الكتاب مجملاً ووكل
بيانه إلى النبي- عليه السلام- فهو تفسيره قولا وفعلاً أو
يتركه على إجماله ليبينه فقهاء الأمة، ويستدركوه:
استنباطه، واعتباراً بدلائل الأصول، وكل ذلك بيان مصدره عن
الله تعالى، وعن رسوله- عليه السلام- ولم يختلفوا في [أن]
السهام الستة ثابتة مستقرة لأهلها في الأحوال كلها، وإنما
اختلفوا في سهم المؤلفة، فقالت طائفة من أهل العلم: سهمهم
ثابت، يجب أن يعطوه، هكذا قال الحسن البصري، وقال أحمد بن
حنبل: يعطون أن احتاج المسلمون إلى ذلك، وقالت طائفة:
انقطعت المؤلفة بعد رسول الله- عليه السلام- روي ذلك عن
الشعبي، وكذلك قال أصحاب الرأي، وقال مالك: سهم المؤلفة
يرجع على أهل السهام الباقية، وقال الشافعي: لا يُعطى من
الصدقة مشرك يتألف على الإسلام، وأما العاملون وهم:
السعاة، وجباة الصدقة فإنما يعطون عمالة قدر أجر مثلهم،
فأما إذا كان الرجل هو الذي يتولى إخراج الصدقة وقسمها بين
أهلها فليس فيها للعامين حق ".
1751- ص- نا عثمان بن أبي شيبة، وزهير بن حرب قالا: نا
جرير،
عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم: "ليسَ المسكينُ الذي تَرُده التمرةُ
والتمرتان، والأكْلَةُ والأكْلَتَانِ، ولكن المسكينَ اَلذي
لا يَسْألُ الناسَ شيئاً ولا يَفْطِنُوَنَ به
فَيُعْطُونَهُ" (2) .
__________
(1) معالم السنن (2/ 51- 52) .
(2) البخاري: كتاب الزكاة، باب: قول الله تعالى: {لا
يسألون الناس إلحافاً} (1476) ، مسلم: كتاب الزكاة، باب:
المسكين الذي لا يجد غنى ولا يفطن له فيتصدق عليه (1039) ،
النسائي: كتاب الزكاة، باب: تفسير المسكين
(6/370)
ش- جرير بن عبد الحميد، وسليمان الأعمش،
وأبو صالح ذكوان الزيات.
قوله: "ليس المسكين" هو مفعيل/ وهو من صيغ المبالغة "
كمنطيق"، واشتقاقه من السكون، [ويستوي في هذا المذكر
والمؤنث] (1) ، يقال:
رجل مسكين، وامرأة مسكين، ويقال: مسكينة أيضا، وجمعه:
مساكين ومسكينون، وقال الجوهري: والمسكين الفقير، وقد يكون
بمعنى الذلة والضعف، يقال: تسكن الرجل وتمسكن، كما قالوا:
تمدرع، وتمندل،
من المدرعة، والمنديل على تمفعل وهو شاذ، وقياسه تسكن
وتدرع وتندل، مثل: تشجع وتحلم، وكان يونس يقول: المسكين
أشد حالا من الفقير،
قال: وقلت لأعرابي: الفقير اثنت؟ فقال: لا والله، بل
مسكين.
وقال الخطابي (2) : وقد اختلف الناس في المسكين والفقير،
والفرق بينهما، فروي عن ابن عباس، أنه قال: "المساكين هم:
الطوافون، والفقراء: فقراء المسلمين"، وعن مجاهد، وعكرمة،
والزهري: " إن المسكين الذي يسأل، والفقير الذي لا يسأل "،
وعن قتادة: " إن الفقير هو الذي به زمانة، والمسكين الصحيح
المحتاج "، وقال الشافعي: "الفقير من لا مال له ولا حرفة،
تقع منه موقعاً زَمنا كان، أو غير زَمِنٍ، والمسكين من له
مال أو حرفة، ولا يقع منه موقعا، ولا تغنيه، سائلاً كان،
أو غير سائل". وقال بعض أهل اللغة: " المسكين الذي لا
شيء له، والفقير من له البلدة من العيش، واحتج بقول
الراعي:
أما الفقير الذي كانت حَلوبته ... وَفقَ العيال فلم يترك
له سَبد
قال: فجعل للفقير حلوبة، وقال غيره من أهل اللغة: إنما
اشترط له الحلوبة قبل الفقر، فلما انتزعت منه، ولم يترك له
عبد صار فقيراً لا شيء له، قال: والمسكين أحسن حالا من
الفقير، واحتج بقول الله تعالى:
__________
(1) طمس في الأصل، ولعل الجادة ما أثبتناه.
(2) معالم السنن (2/ 52- 53) .
(6/371)
( {أما السفينَةُ فَكَانَتْ لمَسَاكينَ
يَعْمَلُونَ في البَحْرِ} (1) ، فأثبت لهم مع المسكنة
ملكَا وكسبا وهَما: َ السفينة، والعمل بها في البحر، وقال
بعض من ينصر القول الأول: إنما سماهم مساكين مجازاً على
سبيل الترحم والشفقة عليهم، إذ كانوا مظلومين.
قلت: قال صاحب "الهداية": "والفقير من له أدنى شيء،
والمسكين من لا شيء له، وهذا مروي عن أبي حنيفة، وقد قيل
على العكس، وقالت الشراح: وهو قول الشافعي، ولكل وجه،
والأول أصح، ووجهه قوله تعالى: {أوْ مسكينا ذا مَتْرَبَة}
(2) أي: لاصقة بالتراب من الجوع والعُري، ووجه الثانوي أن
الفقير مًشتق من انكسار فقار الظهر، فيكون أسوأ حالا من
المسكن، وقال الخطابي (3) : وقيل: إن الفقير مشبه بمن أصيب
فقاره فالنصف ظهره، من قولهم: "فقرت الرجل" إذا أصبت
فقاره، كما تقول:" بطنته" إذا أصبت بطنه، و "رأسته " إذا
أصبت رأسه، إلى ما أشبه ذلك من نظائر هذا الباب.
فإن قيل: فائدة هذا الخلاف تظهر في ماذا؟ قلت: يظهر ذلك في
الوصايا والأوقاف، وأما في الزكاة فلا يظهر الخلاف فيها
عندنا، فافهم. ثم اعلم أنه- عليه السلام- نفى المسكنة عن
الذي ترده التمرة، أو التمرتان، الذي هو السائل الطواف
لأنه بمسألته تأتيه الكفاية، وقد تأتيه زيادة عليها، فيسقط
عنه اسم المسكنة، والحديث حجة قوية لما قال أبو حنيفة من
أن المسكين من لاشيء له.
قوله: " وأكلة" الأكلة بضم الهمزة: اللقمة، والأكلتان:
اللقمتان، والأكلة بفتح الهمزة هي الواحدة، والمرة من
الأكل.
قوله:" ولا يفطنون به " أي: لا يعلمون بحاله، من فطن يفطن،
من باب ضرب يضرب. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم،
والنسائي، من حديث عطاء بن يسار، عن أبي هريرة.
__________
(1) سورة الكهف: (79) .
(2) سورة البلد: (16) .
(3) معالم السنن (2/ 53) .
(6/372)
1752- ص- نا مسدد، وعبيد الله بن عمر، وأبو
كامل- المعنى- قالوا: نا عبد الواحد بن زياد، نا معمر، عن
الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسولُ الله-
عليه السلام- مثلَه (1) : " ولكن المسكينَ المُتَعَففَ "
زاد مسدد في حديثه: " ليس له ما يَستغنِي به، الذي لا
يَسْألُ، ولا يُعْلَمُ بحاجَته فيُتَصَدَقُ عليه، فذاكَ
المَحْرُومُ "، ولم يذكر مسدد: " المتعفف الذي لا يَسأَلُ
" (2) .
ش- أبو كامل: فضيل الجحدري، ومعمر بن راشد، وأبو سلمة: عبد
الله بن عبد الرحمن.
قوله: " بمثله" أي: مثل الحديث المذكور.
قوله: " فيتصدق" [......] (3) .
/ قوله: "فذاك المحروم " المحروم: الذي حُرِمَ، أي: مُنِع
من العطاء، يقال: حرمه الشيء، يحرمه حرماً مثل: سرقه سرقة
بكسر الراء، وحرمة وحريمة وحريما، وأخرجه النسائي بمثله،
وليس فيه: "فذاك المحروم ".
ص- قال أبو داود: روى هذا (4) محمد بن ثور، وعبد الرزاق،
عن معمر، جعلا المحروم من كلام الزهري (5) .
ش- أي: روى هذا الحديث محمد بن ثور، وعبد الرزاق بن همام،
عن معمر بن راشد، وجعلا لفظ: "فذاك المحروم " من كلام ابن
شهاب الزهري، ولم يجعلاه من متن الحديث.
ومحمد بن ثور الصنعاني، روى عن: معمر، وابن جريج. روى
__________
(1) في سنن أبي داود: " مثله. قال ".
(2) النسائي: كتاب الزكاة، باب: تفسير المسكين (5/ 86) .
(3) بياض في الأصل قدر نصف سطر.
(4) في سنن أبي داود: "روى هذا الحديث محمد".
(5) في سنن أبي داود:"وجعلا ... الزهري وهو أصح".
(6/373)
عنه: فضيل بن عياش، ومحمد بن عبيد بن
حِساب، ونعيم بن حماد، وجماعة آخرون. قال يحيى بن معين:
ثقة. روى له: أبو داود، والنسائي (1) .
1753- ص- نا مسدد، نا عيسى بن يونس، نا هشام بن عروة، عن
أبيه، عن عبيد الله بن عدي بن الخيار، أخبرني رجلانِ: "
أَنهما أتَيا النبيَّ - عليه السلامِ- في حَجَّةِ
الوَدَاع، وهو يَقْسمُ الصدقةَ، فَسَألاهُ منها، فَرَفَعَ
فينا البصرَ وخفَضَهُ، فَرآنَا جَلدين، فقال: أنَ شئتُمَا
أعطَيْتُكُمَا، وَلا حظ فيها لِغَنِيّ، ولا لِقَوِيّ
مكتَسِبِ " (2) .
ش- عبيد الله بن عدي بن الخيار بن نوفل بن عبد مناف بن قصي
القرشي النوفلي المدني، أدرك النبي- عليه السلام- وكان من
فقهاء قريش، وروى عن: عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- وسمع:
عثمان ابن عفان، وعلي بن أبي طالب، والمقداد بن الأسود،
وكعب الأحبار. روى عنه: عروة، وحميد بن عبد الرحمن، وعطاء
بن يزيد، وغيرهم. قال ابن سعد: كان ثقة قليل الحديث. روى
له: البخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي (3) .
قوله: " جلدين " بفتح الجيم، وسكون اللام تقنية "جَلْد"،
وهو الرجل القوي من الجَلَد بفتح اللام، وهو القوة والصبر،
تقول منه: جَلُدَ الرجل- بالضمة- فهو جَلْد وجَلِيد بَينُ
الجَلَد، والجَلادة، والجُلُودة. وقال الخطابي (4) : هذا
الحديث أصل في أن من لم يعلم له مال فأمره محمول على
العدم، وفيه أنه لم يعتبر في منع الزكاة ظاهر القوة
والجلد، دون أن يضم (5) إليه الكسب، فقد يكون من الناس من
يرجع
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5108/24) .
(2) النسائي: كتاب الزكاة، باب: مسألة القوي المكتسب (5/
100) .
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 436) ،
وأسد الغابة (3/ 526) ، والإصابة (3/ 74) .
(4) معالم السنن (2/ 53) .
(5) في الأصل: " ضم".
(6/374)
إلى قوة الكسب، وقد يكون من الناس من يرجع
إلى قوة بدنه، ويكون مع ذلك أخرق اليد، لا يعمل، فمن كان
هذا سبيله لم يمنع الصدقة بدلالة الحديث، وقد استظهر- عليه
السلام- مع هذا في أمرهما بالأنداد، وقلدهما الأمانة فيما
يظن من أمرهما ". والحديث أخرجه: النسائي.
1754- ص- نا عباد بن موسى الختُلي الأبناوي (1) ، نا
إبراهيم- يعني: ابن سعد- أخبرني أبي، عن ريحان بن يزيد، عن
عبد الله بن عمرو، عن النبي - عليه السلام- قال: " لا
تَحِل الصدقةُ لِغَنِي، ولا لِذِي مِرةٍ سَوِي ".
ش- قد مر غير مرة أن الخُتُّلِي- بضم الخاء المعجمة،
وتشديد التاء المثناة من فوق المضمومة- نسبة إلى ختلان،
وهي بلاد مجتمعة وراء بلخ، والأبناوي نسبة إلى الأبناء،
ويقال لأولاد فارس: الأبناء، وهم الذين أرسلهم كسرى مع سيف
بن ذي يزن لما جاء يستنجده على الحبشة، فنصروه، وملكوا
اليمن، وتديَّرُوها، وتزوجوا من العرب، فقيل لأولادهم:
الأبناء، وغلب عليهم هذا الاسم لأن أمهاتهم من عصير جنس
آبائهم، والأبناء في الأصل جمع ابن.
وريحان بن يزيد العامري، روى عن: عبد الله بن عمرو بن
العاص. روى عنه: سعد بن إبراهيم. قال حجاج: نا شعبة، عن
سعد بن إبراهيم سمع: ريحان- وكان أعرابي صدق- وقال أبو
حاتم: هو شيخ مجهول. وقال عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن
معين: ما حاله؟ قال: ثقة. روى له: أبو داود، والترمذي (3)
.
قوله: "ولا لذي مرة سوي " " المرة"- بكسر الميم-: القوة
والشدة،
__________
(1) في سنن أبي داود: " الأنباري " خطأ.
(2) الترمذي: كتاب الزكاة، باب: من لا تحل له الصدقة (652)
.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 1944) .
(6/375)
و" السوي": الصحيح الأعضاء، وبه تمسك
الشافعي أن من يجد قوة يقدر بها على الكسب لا تحل له
الصدقة، وبه قال إسحاق، وأبو عبيد، وقال أصحابنا: يجوز له
ذلك ما لم يملك مائتي درهم فصاعدا لأن المراد من الغنى هو:
الغنى الشرعي، وهو أن يملك نصاباً وما فوقه، وأجابوا عن
قوله: " ولا لذي مرة سوي" أن المراد به: أن يسأل مع، قدرته
على اكتساب القوت، وأما إذا/ أعطي من غير سؤال، فلا يحرم
له أخذه لدخوله في الفقراء،
[.....] (1) . والحديث أخرجه: الترمذي، عن سفيان، عن سعد
به، وقال: حديث حسن، وقد رواه شعبة، عن سعد فلم يرفعه.
ص- قال أبو داود: رواه سفيان، عن سعد بن إبراهيمَ، كما قال
إبراهيمُ، ورواه شعبةُ، عن سعدٍ، قال: " لِذِي مِرَّةٍ
سوِي".
ش- أي: روى هذا الحديث سفيان الثوري، عن سعد بن إبراهيم،
كما قال إبراهيم بن سعد، وهو: " لا تحل الصدقة لغني، ولا
لذي مرة سوي".
" (2) وكذا رواه: النسائي، وابن ماجه، عن أبي حصين، عن
سالم ابن أبي الجعد، عن أبي هريرة بنحوه، ورواه ابن حبان
في "صحيحه " في النوع السابع والسبعين من القسم الثاني،
قال صاحب " التنقيح": رواته ثقات إلا أن أحمد بن حنبل قال:
سالم بن أبي الجعد لم يسمع من أبي هريرة.
وطريق آخر أخرجه الحاكم في "المستدرك " (3) ، عن ابن
عيينة، عن منصور، عن أبي حازم، عن أبي هريرة، فذكره، وقال:
حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه.
وطريق آخر أخرجه البزار في "مسنده"، عن إسرائيل، عن منصور،
__________
(1) طمس في الأصل قدر نصف سطر.
(2) انظر: نصب الراية (2/ 399- 0 0 4) .
(3) (407/1) .
(6/376)
عن سالم بن أبي الجعد، عن أبي هريرة، وقال
البزار: وهذا الحديث رواه ابن عيينة، عن منصور، عن أبي
حازم، عن أبي هريرة، والصواب حديث إسرائيل، وقد تابع
إسرائيل على روايته أبو حصين، فرواه عن سالم، عن أبي
هريرة، ثم أخرجه كذلك، وهذا مخالف لكلام الحاكم.
وروى الترمذي (1) : "علي بن سعيد الكندي، نا عبد الرحيم بن
سليمان، عن مجاهد، عن الشعبي، عن حُبشي (2) بن جنادة
السلولي، قال: سمعت رسول الله- عليه السلام- وهو واقف
بعرفة في حجة الوداع، وقد أتاه أعرابي فسأله رداءه، فأعطاه
إياه، قال:" إن المسألة لا تحل لغني، ولا لذي مرة سوي "،
وقال: غريب من هذا الوجه.
ورواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" (3) : حدثنا عبد الرحيم به،
ومن طريقه الطبراني في " معجمه " (4) .
قوله: " ورواه شعبة، عن سعد " أي: روى الحديث المذكور
شعبة،
عن سعد بن إبراهيم، قال: "لذي مرة قوي "، قي (5) وأخرج
الطبراني (6) في "سننه "، عن الوازع بن نافع، عن أبي سلمة،
عن جابر بن عبد الله، قال:" جاءت رسول الله صدقة، فركبه
الناس، فقال: إنها لا تصلح لغني، ولا لصحيح سعود، ولا
لعامل قوي ". انتهى. والوازع بن نافع قال ابن حبان في
كتاب، الضعفاء ": يروي الموضوعات عن الثقات على قلة
روايته، ويشبه أنه لم يتعمدها، بل وقع ذلك في روايته لكثرة
وهمه، فبطل الاحتجاج به. انتهى كلامه.
__________
(1) كتاب الزكاة، باب: ما جاء من لا تحل له الصدقة (653) .
(2) تصحف في جامع الترمذي إلى "حبيشي ". (3) (56/3) .
(4) إلى هنا انتهى النقل من نصب الراية.
(5) انظر: نصب الراية (2/ 400) .
(6) كذا، وفي نصب الراية: " وأخرج الدارقطني "، والحديث في
سنن الدارقطني (2/ 119) ، ولم أجده في معاجم الطبراني
الثلاثة، فالله أعلم.
(6/377)
ورواه أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي في
"تاريخ جرجان" من حديث محمد بن الفضيل (1) بن حاتم: حدثنا
إسماعيل بن بهرام الكوفي، حدثني محمد بن جعفر، عن أبيه، عن
جده، عن جابر مرفوعاً "لا تحل الصدقة لغني، ولا لذي مرة
سوي ".
ورواه أبو يعلى الموصلي في "مسنده": من حديث إسماعيل بن
يعلى ابن أمية الثقفي، عن نافع، عن أسلم مولى عمر، عن طلحة
بن عبيد الله، عن النبي- عليه السلام- قال: "لا تحل الصدقة
لغني، ولا لذي مرة سوي،.
ورواه ابن عدي في "الكامل" (2) ، وقال: لا أعلم أحداً رواه
بهذا الإسناد غير أبي أمية بن يعلى، وضعفه عن: ابن معين،
والنسائي، ولينه عن البخاري، ووثقه عن شعبة، ثم قال: وهو
من جملة الضعفاء الذين يكتب حديثهم" (3) .
ص- قال: والأحاديثُ الأخَرُى، عن النبي- علبهِ السلام-
بعضُها: "لذي مِرَّةٍ قَوِي"، وبعضُها: "لِذي مِرَّةٍ
سَوِي"
ش- أي: قال أبو داود- رحمه الله-، وقد ذكرنا اختلاف الطرق
فيه. ص- قال عطاء بن زهير: أنه لقط محمد الله بن عَمرو،
فقال:" أن الصدقة لا لمحل لقوي، ولا لذي مرة سوي ".
ش- أشار بهذا التعليق إلى أن هذا الحديث موقوف عند البعض،
وعطاء بن زهير ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: عطاء بن
زهير بن الأصبع العامري. روى عن: ابن عمر [و] . روى عنه:
الأخضر بن عجلان، وهو الذي يقال له ابن الأصبع.
__________
(1) كذا، وفي " تاريخ جرجان " (ص/ 367) ، و"نصب الراية ":
" الفضل".
(2) (1/ 514، ترجمة إسماعيل بن يعلى بن أمية) .
(3) إلى هنا انتهى النفل من نصب الراية.
(6/378)
23- باب: من يجوز له
أخذ الصدقة وهو غني
أي: هذا باب في بيان حكم من يجور له أخذ الصدقة، والحال
أنه غني.
1755- ص- نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن زيد بني
أسلم،/ عن عطاء بن يسار، أن رسولَ الله- عليه السلام- قال:
" لا تَحِل الصدقةُ لغَنِيّ إلا لخمسة: لغازي (1) في
سَبيلِ الله، أو لعاملٍ عليها، أو لغارمٍ، أو لَرجلٍ
اشتراهَا بماله، أول رَجلٍ (2) كان له جار مسكين فتصدقَ
على المسكينِ فأهْداهَا المِسكنُ للَغًنِي " (3) .
ش- هذا مرسل، به استدل الشافعي أن الزكاة يجوز دفعها إلى
الغازي
- وأن كان غنيا- وهو قول مالك، وأحمد، وإسحاق. وقال أبو
حنيفة، وأصحابه: لا يجوز ذلك لإطلاق، لقوله- عليه السلام-:
" لا تحل الصدقة لغني "، والمراد من قوله: " لغازي في سبيل
الله" هو الغازي الغني بقوة البدن، والقدرة على الكسب لا
الغني بالنصاب الشرعي، بدليل حديث معاذ: "وردها في فقرائهم
".
قوله:" أو لعامل عليها" أي: على الزكاة، وقال أصحابنا:
العامل يدفع إليه الإمام إن عمل بقدر عمله، فيعطيه ما يسعه
وأعوانه لأن استحقاقه بطريق الكفاية، ولهذا يأخذ- وإن كان
غنيا- ويستثنى منه العامل الهاشمي تنزيهاً لقرابة الرسول
عن شبهة الوسخ.
وقال الخطابي (4) : وأما العامل فإنه يعطى منها عمالة على
قدر عمله وأجرة مثله، فسواء كان غنيا أو فقيراً، فإنه
يستحق العمالة إذا لم يفعله متطوعاً"
ونقل صاحب "الهداية" عن الشافعي أن الذي يعطى للعامل مقدر
بالثمن.
__________
(1) في سنن أبي داود: "لغازِ".
(2) في سنن أبي داود: " لرجل".
(3) تفرد به أبو داود. ...
(4) معالم السنن (2/ 55) .
(6/379)
قوله:" أو لغارم " الغارم: من لزمه دين،
ولا يملك نصابا فاضلاً عن دينه، كذا فسره صاحب "الهداية"،
ثم قال: وقال الشافعي: من تحمل غرامة في إصلاح ذات البين،
وإطفاء النائرة بين القبيلين.
وقال الخطابي (1) : وأما الغارم الغني فهو: الرجل يتحمل
الحمالة ويدان في المعروف، وإصلاح ذات البين، وله مال إن
يقع فيها افتقر فيُوَفَرُ عليه ماله، ويعطى من الصدقة ما
يقضي به دينه، وأما الغارم الذي يدان لنفسه وهو معسر، فلا
يدخل في هذا المعنى لأنه من جملة الفقراء. انتهى.
فإن قيل: ما فسره صاحب "الهداية " لا يطلق إلا على الفقير،
وهو ليس له دخل في هذا الباب لأن الكلام في الغارم الغني،
كما دل عليه عبارة الحديث، وكما بينه الخطابي. قلت: ليس
الأمر كما ذكرتم لأن الغارم الذي فسره صاحب " الهداية "
إنما هو فقير بالنظر إلى نفس الأمر، أعني عند مقابلة
موجودة وما يملكه بسائر ديونه، وأما بالنظر إلى الظاهر
فيطلق عليه أنه غني غارم في (2) يصح الاستثناء، ويكون
المعنى: تحمل الصدقة للغارم الغني في الصورة، وإن كان
فقيرا في نفس الأمر بالمعنى الذي ذكرناه- كما قلنا-: إن
المراد بالغازي الغني: الغني بالقوة والقدرة على الكسب،
فافهم.
قوله ": " أو لرجل اشتراها" أي: اشترى الصدقة بماله،
والمعنى: إن المتصدق إذا تصدق بالشيء، ثم اشتراه من
المدفوع إليه، فإن أبيع جائز، وقد كرهه كثر العلماء مع
تجويزهم أبيع في ذلك. وقال مالك: إن اشتراه فالبيع مفسوخ،
وقد مر الكلام فيه مرة مستوفى.
قوله: " أو رجل كان له جار مسكين " برفع " مسكين" على أنه
صفة للجار، الذي ارتفع بأنه اسم كان، وإنما جاز في هذه
الصورة لأن المهدي له الصدقة إذا ملكها، فقد خرجت أن تكون
صدقة،
__________
(1) نفسه.
(2) أي: "فحينئذ."
(6/380)
فصارت ملكه، فيجوز التصرف في ملكه، وفيه
حديث بريرة- رضي الله عنها-.
1756- ص- نا الحسن بن عليّ، نا عبد الرزاق، أنا معمر، عن
زيد ابن أسلم، عن عطاء بن يسار، عن أبي سعيد الخدري، قال:
قال رسول الله - عليه السلام- بمعناه (1) .
ش- أشار بهذه الطريق إلى أن الحديث مسند، وكذا أخرجه ابن
ماجه مسندا، وقال أبو عمر النمري: قد وصل هذا الحديث جماعة
من رواة زيد بن أسلم.
ص- قال أبو داودَ: ورواه ابنُ عُيَينةَ، عن زيد- كما قال
مالك- ورواه الثوريُّ، عن زيدٍ، قال: حدثني الثبتُ، عن
النبيَ- عليه السلام-.
ش- أي: روى الحديث سفيان بن عيينة، عن زيد بن أسلم، كما
قال مالك بن أنس، وأشار به إلى الرواية المرسلة. قلت:
ورواه، أي: روى الحديث سفيان الثوري، عن زيد بن أسلم،
وأشار به إلى الرواية المسندة.
قوله: " الثبت " بفتح الثاء المثلثة، وسكون الباء الموحدة،
وفي آخره تاء مثناة من فوق، وهو: الحجة والبينة، والمراد/
به الرجل الثبت، يقال: رجل ثبت، أي: ثقة حجة في كلامه.
1757- ص-[نا محمد بن عوف الطائي، نا الفريابي] (2) ، نا
سفيان، عن عمران البارقي، عن عطية، عن أبي سعيد، قال: قال
رسول الله- عليه السلام-: " لا تَحِل الصدقَةُ لغَنِيّ إلا
في سَبيلِ الله، أو ابن السبيلِ، أو جار
فَقِيرٍ يُتَصدَّقُ عليهِ، فيَهْدِي لكَ، أو يَدْعُوكَ "
(3) .َ
ش- الفِريابي محمد بن يوسف بن واقد أبو عبد الله، وسفيان
الثوري،
__________
(1) ابن ماجه: كتاب الزكاة، باب: من تحل له الصدقة (1841)
.
(2) طمس في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(3) تفرد به أبو داود.
(6/381)
وعمران البارقي. روى عن: الحسن، وعطية.
وروى عنه: الثوري. روى له: أبو داود، وعطية هذا هو: ابن
سعد أبو الحسن العوفي الكوفي، لا يحتج بحديثه.
قوله: " إلا في سبيل الله " أي: إلا لغني في سبيل الله،
وهو منقطع الغزاة عند أبي يوسف لأنه المتفاهم عند الإطلاق،
وعند محمد منقطع الحاصل.
قوله: " أو ابن السبيل" وهو: من له مال في وطنه، وهو في
مكان لا شيء له فيه، وإنما سُمي ابن السبيل لأنه لزم
السفر، ومن لزم شيئا نسب إليه، كما يقال: ابن الغني، وابن
الفقير.
ص- قال أبو داودَ: ورواه فِراس، وابنُ أبي لَيلَى، عن
عَطيةَ (1) مثله. ش- أي: روى الحديث المذكور فراس بن يحيى
الهمداني الكوفي المكتب، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى
الكوفي، عن عطية بن سعد، مثل ما ذكر من الحديث.
1758- ص- (2) نا حرص بن عمر النمري، نا شعبة، عن عبد الملك
ابن عمير، عن زيد بن عقبة الفزاري، عن سمرة، عن النبي-
عليه السلام- قال: " المَسائِلُ كدوح يَكْدح بها الرجلُ
وَجْهَهُ، فمَنْ شَاء أبقى على وَجْهِهِ، ومَن شَأ تَرَكَ،
إلا أن يَسْألَ الرجلُ ذَا سُلطان، أو في أمر لا يَجدُ منه
بُدا" (3) .
ش- عبد الملك بن عمير بن سويد القرشي الكوفي، وزيد بن عقبة
__________
(1) زاد في سنن أبى داود بعد قوله: " عن عطية": " عن أبي
سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم "ْ
(2) جاء هذا الحديث واللذان بعده في سنن أبي داود تحت "باب
ما تجوز فيه المسألة،، وجاء هذا الباب بعد الباب الآتي.
(3) الترمذي: كتاب الزكاة (681) ، النسائي: كتاب الزكاة،
باب: مسألة الرجل ذا سلطان (5/ 100) .
(6/382)
الفزاري، ذكره ابن حبان في "الثقات "،
وقال: روى عن سمرة بن جندب. روى عنه: سعيد بن خالد، وعبد
الملك بن عمير، وابنه: سعيد بن زيد.
قوله: " المسائل " مبتدأ، وخبره قوله: "كدوح" وهو جمع كدح،
وهو كل أثر من خدش، وعض، وقد مر مرة عن قريب.
قوله: " إلا أن يسأل الرجل ذا سلطان " أي: ذا يد، وقوة،
وذلك مثل: الخلفاء، والملوك، ومن يلي من جهتهم.
وقال الخطابي (1) : هو أن يسأله حقه من بيت المال الذي في
يده، وليس هذا على معنى استباحة الأموال التي تحويها أيدي
بعض السلاطين من غصب أموال المسلمين.
قلت: عموم اللفظ يدل على أن الرجل إذا سأل سلطاناً ومَن في
معناه يباح له ذلك، سواء كان حقه من بيت المال، أو من
غيره، وذلك بعد أن يعرف أن غالب أمواله من وجه حل، وكذلك
يجوز قبول هدية السلاطين، والأمراء إذا كان غالب أموالهم
حلالاً وأما إذا عرف أن غالب أموالهم حرام، أو كلها، لا
يجوز سؤاله منهم شيئاً ولا قبول هديتهم.
قوله: " أو في أمر" أي: أو أن يسأل الرجل أحداً في أمر لا
يجد منه فراقه، وهو ضروري له، فحينئذ يباح له السؤال وإن
كان غنيا، وصور هذا كثيرة، يستخرجها من له ذهن قوي مستقيم،
أو فهم سليم، والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي. وقال
الترمذي: حسن صحيح.
1759- ص- نا مسدد، نا حماد بن زيد، عن هارون بن رِياب (2)
، حدَّثني كنانة بن نُعيم العدوي، عن قبيصة بن مخارق
الهلالي، قال: "تَحَمَّلتُ حَمَالَةً، فأتيتُ النبيَّ-
عليه السلام- فقالَ: أَقمْ يا قَبيصةُ حتى تَأتِينَا
الصدقةُ، فنأمُرَ لكَ بها، ثم قالَ: يا قَبِيصَةُ، إِنَّ
المًسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلا
__________
(1) معالم السنن (2/ 56) .
(2) في سنن أبي داود: " رباب" خطأ.
(6/383)
لإحْدَى (1) ثلاثة: رَجُل تَحَمَّلَ
حَمَالَةً، فَحَفَتْ له المَسألةُ، فَسَالَ حتى
يُصَيبَهَا، ثم يُمْسًكُ، ورجل أصَابَتْهُ جائِحَةٌ
فَاجْتَاحَتْ مَالَه، فَحَفَتْ له المَسألَةُ، فسَألَ حتى
يُصِيبَ قِوَاما من عَيْشٍ، أو قال: سدادا مِن عَيْشٍ،
ورَجلٌ أصَابَتْهُ فَاقَة، حتى يَقُولَ ثَلاثَةٌ من ذوي
الحِجَى من قًوْمهِ: قد أصَابَتْ فلاناً الفَاقَةُ (2) ،
فَحَلَّتْ له المَسْألَةُ، فسألَ حتى يُصيبَ قِوَاما مَن
عَيْشٍ، أو سدَادا من عَيْش، ثم يُمْسكُ، وما سوَاهُن من
المَسألة يا قبيصةُ سُحْتٌ يَأكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتا "
(3) .
ش- هارون بن رِياب- بكسر الراء، وبياء آخر الحروف، وبألف
بعدها باء موحدة- التميمي الأسدي من بني كاهل من نمير، أبو
الحسن البصري. روى عن: أنس/ بن مالك، [....] (4) ، وشعبة،
ومعمر، وابن عيينة، وغيرهم. روى له: مسلم، وأبو داود،
والنسائي (5) . وكنانة بن نعيم أبو بكر العدوي البصري. روى
عن: أبي بردة الأسلمي، وقبيصة بن المخارق الهلالي. روى
عنه: هارون بن رياب، وعدي بن ثابت، وثابت البناني. قال
أحمد بن عبد الله: تابعي ثقة. روى له: مسلم، وأبو داود،
والنسائي (6) .
قوله: " تحملت حَمالة " الحمالة- بفتح الحاء وتخفيف
الميم-: هي المال الذي يتحمله الإنسان، أي: يستدينه ويدفعه
في إصلاح ذات البين كالإصلاح بين قبيلتين ونحو ذلك.
وقال الخطابي (7) : صاحب الحمالة وهي الكفالة، والجميل
الكفيل
__________
(1) في سنن أبي داود: "لأحد ".
(2) في الأصل:" فلانٌ الفاقة " كذا، والتصويب من سنن أبي
داود.
(3) مسلم: كتاب الزكاة، باب: من لا تحل له المسألة (1044)
، النسائي: كتاب الزكاة، باب: الصدقة لمن تحمل بحمالة (5/
90) ، وباب: فضل من لا يسأل الناس شيئا (5/ 96) .
(4) طمس في الأصل قدر ثلث سطر.
(5) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (30/ 6510) .
(6) المصدر السابق (24/ 4999) .
(7) معالم السنن (2/ 57) .
(6/384)
والضمين، وتفسير الحمالة: أن يقع بين القوم
التشاجر في الدماء والأموال، وتحدث بسببها العداوة
والشحناء، ويخاف منها الفتن العظيمة، فيتوسط الرجل منهم،
ويسعى في إصلاح ذات البينِ، ويضمن ما لأصحاب الدم أو المال
يترضاهم بذلك حتى تسكن النائرة، وتعود بينهم الألفة، فهذا
رجل صنع معروفاً وابتغى بما أتاه صلاحا فليس من المعروف أن
تُوَرك الغرامة عليه في ماله، ولكن يُعان على أداء ما
تحمله منه ويعطى من الصدقة قدر ما تبرأ به ذمته، ويخرج من
عهدة ما تضمنه. قوله: "جائحة " بالجيم أولا ثم بالحاء
المهملة: وهي في غالب العرف ما ظهر أمره من الآفات، كالسيل
يُغرق متاعه، والنار تحرقه، والبرد يُفسد زرعه وثماره،
ونحو ذلك، فإذا أصاب الرجلَ شيء من ذلك وافتقر، حلت له
المسألة، ووجب على الناس أن يعطوه الصدقة من غير بينة
يطلبونه بها علي ثبوت فقره، واستحقاقه إياها.
قوله: " قواما " القِوام بكسر القاف: وهو ما يقوم بحاجته
ويستغنى به،
و" السِّداد "َ- بكسر السين المهملة- ما يسد به خلته،
والسداد- بالكسر- كل شيء سددت به حالاً ومنه سداد الصغر،
وسداد القارورة، والسداد - بالفتح-: إصابة المقصد.
قوله: " أصابته فاقة" أي: فقر.
قوله: " حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجى " الحجى- بكسر الحاء
المهملة، وفتح الجيم- مقصور، وهو العقل.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : وإنما شرط الحجى تنبيها على
أنه يشترط في الشاهد التيقظ، فلا تقبل من مغفل، وأما
اشتراط الثلاثة فقال بعض أصحابنا: هو شرط في بينة الإعسار،
فلا يقبل إلا من ثلاثة لظاهر هذا الحديث. وقالت الجمهور:
يقبل من عدلين كسائر الشهادات غير الزنا، وحملوا الحديث
على الاستحباب، وهذا محمول على من عُرف له مال
__________
(1) شرح صحيح مسلم (7/ 133-134) .
(6/385)
فلا يقبل قوله في تلفه والإعسار إلا ببينة،
وأما من لم يُعرف له مال فالقول قوله في عدم المال.
وقال الخطابي (1) : وليس هذا من باب الشهادة، لكن من باب
التبين والتعرف، وذلك أنه لا مدخل لعدد الثلاثة في شيء من
الشهادات، فإذا قال نفر من قومه أو جيرانه ومن ذوي الخبرة
بشأنه أنه صادق فيما يدعيه،
أعطي الصدقة.
قلت: الصواب ما قاله الخطابي لأنه أراد أن يخرج بالزيادة
عن حكم الشهادة إلى طريق انتشار الخبر واشتهاره، وأن
المقصد بالثلاثة هنا الجماعة التي أقلها أقل الجمع، لا نفس
العدد، فافهم.
قوله: " من قومه " إنما قال هذا لأنهم من أهل الخبرة
بباطنه، والمال مما يخفى في العادة، فلا يعلمه إلا من كان
خبيرا بصاحبه.
قوله: " سحت" مرفوع على أنه خبر لقوله: "وما سواهن ".
وقوله: " يا قبيصة " جملة نهائية معترضة. وفي رواية مسلم:
"سحتا" بالنصب وناصبه محذوف تقديره: وما سواهن من المسألة
أعتقده سحتاً أو يؤكل حال كونه سحتاً والحديث أخرجه: مسلم،
والنسائي.
ويستفاد منه فوائد كثيرة يستخرجها من له يد من العلوم،
وذكر الخطابي (2) منها فائدتين إحداهما: جواز نقل الصدقة
من بلد إلى أهل بلد آخر، فهم ذلك من قوله: "أقم حتى تأتينا
صدقة".
والثانية: أن الحد الذي ينتهي إليه العطاء في الصدقة هو
الكفاية التي يكون بها قوام العيش، وسداد الخلة، وذلك
يعتبر في كل إنسان بقدر حاله ومعيشته، مشى فيه حد معلوم،
ويحمل عليه الناس/ كلهم مع اختلاف أحوالهم.
1760- ص- نا عبد الله بن مسلمة، نا عيسى بن يونس، [عن
الأخضر
__________
(1) معالم السنن (2/ 58) .
(2) المصدر السابق.
(6/386)
ابن عجلان، عن أبي بكر الحنفي] (1) ، عن
أنس بن مالكٍ أن رَجُلاً من الأنصارِ أَتَى النبيَّ- عليه
السلام- يَسْألُهُ فقال له (2) :َ أمَا فِيِ بَيْتِكَ
شيءٌ؟ قال: بَلَى، حلسٌ نَلبس بَعضَه ونَبْتَسطُ (3)
بَعْضَهُ، وَقَعْبٌ تشربُ فيه من الماء. قال: ائتَني بهما،
فأتَاه (4) بهما، فأخَذهَما رسولُ اللهِ بِيَده وقال: من
يَشْتري هذينَ؟ قال رجلٌ: أنا آخذهما بدرهم. قال: مَن يزيد
على درهم مرتينِ أو ثلاثاً فقال (5) رجلٌ: أنا آخذهما
بدرهمينِ، فأعطاهُمَا إياهُ وأخَذَ الدرهمينِ فأعطاهُمَا
(6) الأنصاريَّ، وقال: اشْتَرِي (7) بأحدهمَا طَعاما
فانْبِذْهُ إلى أهلكَ، واشتري (7) بالآخر قَدوما فَأتِنِي
بها (8) ، فأتاهَ بها (8) ، فَشَد فيهِ رسوَلُ الله عُودا
بيَده ثم قال (9) : اذهبْ فاحْتَطبْ وَبِعْ ولا أرَينَّكَ
خَمْسَةَ عَشَرَ يَوما، فَذهب اَلرجلُ يَحْتَطبُ ويبيعُ
فجاء وقد أصابَ عَشْرَةَ درَاهمَ، فاشْتَرَى ببعضِهَا ثوبا
وببعضِهَا طَعاما. فقال رسولُ الله: هذا خَيرٌ لكَ من أَن
(5) تَجِيءَ المسألةُ نُكتةٌ في وَجهِكَ يومَ القيامة، إنه
المسألةَ لا تصْلُحُ إلا لثلاثةٍ: لِذِي فَقْرٍ مُدْقِعٍ،
أو لِذِي غُرْم مُفْظِع، أو لِذِي دَمٍ مُوجِعٍ " (11) .
ش- الأخضر بن عجلان الشيباني البصري أخو شريط. روى عن: أبي
بكر الحنفي. روى عنه: معتمر بن سليمان، وهاشم بن القاسم،
__________
(1) طمس في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(2) كلمة " له" غير موجودة في سنن أبي داود.
(3) في سنن أبي داود: "ونبسط"، وذكر المصنف أنها نسخة.
(4) في سنن أبي داود: "قال: فأتاه بهما".
(5) في سنن أبي داود: " قال".
(6) في سنن أبي داود: " وأعطاهما".
(7) في سنن أبي داود: "اشترِ ".
(8) في سنن أبي داود: " به".
(9) في سنن أبي داود: " قال له".
(10) كلمة "أن " غير موجودة في سنن أبي داود.
(11) الترمذي: كتاب البيوع، باب: ما جاء في بيع من يزيد
(1218) ، النسائي: كتاب البيوع، باب: البث فيمن يزيد (7/
262) ، ابن ماجه: كتاب التجارات، باب: بيع المزايدة (2198)
(6/387)
وأبو عاصم النبيل، وغيرهم. وعن يحيى بن
معين: يكتب حديثه. وعنه لا بأس به. وعن النسائي: ثقة. روى
له: أبو داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه (1) .
وأبو بكر الحنفي اسمه: عبد الله، وهو أبو بكر الحنفي
الكبير. روى له: الأربعة، وقد مرّ ذكره.
قوله: " حلس" الحلس- بكسر الحاء المهملة، وسكون اللام، وفي
آخره سين مهَملة- كسَاء رقيق يكون تحت البردعة، وحكى أبو
عبيد: حِلْسٌ وحَلَس مثل شِبْه وشَبَه، ومِثل ومَثَل.
وأحلاس البيوت: ما يبسط تحت حر الثياب.
قوله: " ونبتسط " نفتعل بمعنى: نبسط، وفي بعض النسخ: "
نبسط". قوله: "وقعبٌ " القعب: قدح من خشب مُقعر.
قوله: " مرتين أو ثلاثاً" أي: قال قوله ذلك مرتين أو
ثلاثاً
قوله: " فانبذه إلى أهلك " أي: من قولهم: نبذت الشيء أنبذه
نبذاً فهو منبوذ إذا رميته وأبعدته، والنبذ يكون بالفعل
والقول في الأجسام والمعاني. والمعنى: ادفعه إلى أهلك.
قوله: " قدوما" القدوم- بفتح القاف وضم الدال المخففة-:
آلة النجارة، ومنع ابن السكيت التشديد في الدال. وقال
غيره: يقال بالتخفيف والتشديد.
قوله:" نكتة " النكتة: هي الأثر في الشيء. وقال الجوهري:
النكتة: النقطة.
قوله: " مدقع " من أدقع من الدقع، وهو الفقر الشديد، وأصله
من الدقعاء وهي التراب، ومعناه: الفقر الذي يفضي به إلى
التراب لا يكون عنده ما يقيه من التراب. وقال ابن
الأعرابي: الدقع: سوء احتمال الفقر.
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (2/288) .
(6/388)
قوله: " أو لذي غرم مفظع" الغُرْمُ: هو
الدينُ، وهو بضم الغين وسكون الراء، ومفظع من أفظع يقال:
أفظعني الأمر اشتد عَلَيَّ، والأمر الفظيع هو الشديد
الشنيع الذي جاوز المقدار.
وقال الخطابي (1) : والغُرم المفظع هو أن تلزمه الديون
الفظيعة القادحة حتى تتفرع به، فتحل له الصدقة، فيعطى من
سهم الغارمين.
قوله: " أو لذي دم موجع" بكسر الجيم، والدم الموجع هو أن
يتحمل حمالة في حقن الدماء، وإصلاح ذات البين، حتى يؤديها،
فإن لم يؤدها قتل فيوجعه قتله.
ويستفاد منه فوائد، الأولى: أن بيع المزايدة جائز، والنهي
عن البيع على بيع أخيه إنما هو بعد الركون.
الثانية: إثبات الكسب والأمر به.
الثالثة: أن السؤال حرام إذا قدر على الكسب.
الرابعة: فيه أن مُقْتَدَى القوم يرشد قومه إلى طريق فيه
نجاتهم، ويُوضح لهم كيفية الأعمال في كل شيء.
الخامسة: أن السؤال وإن كان عن حاجة فإنه يُؤثر في القصد،
لما فيه من التعلق بغير الله، فيكون أثراً كالنكتة، ويظهر
تأثيره بإسقاط جزء من الجواب.
والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي، وابن ماجه. وقال
الترمذي: هذا حديث حسن، لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن
عجلان.
24- باب: كم يعطى الرجل الواحد
من الزكاة
أي: هذا باب في بيان كمية ما يعطى الرجل الواحد من الزكاة،
وفي بعض النسخ لفظ هذا الباب على رأس حديث سمرة بن جندل،
__________
(1) معالم السنن (2/ 59) .
(6/389)
وليس هاهنا باب، وإنما الحديث الذي يأتي
متصل بالحديث الذي مرّ ذكره.
1761- ص- نا الحسن بن محمد بن الصباح، نا أبو نعيم،
حدَّثني سعيد بن عُبيد الطائي، عن بشير بن يسار، زعم أن
رجلاً من الأنصار يُقال له سهلِ بن أبي حَثمةَ، أخبره أن
النبيَّ صلى الله عليه وسلم ودَاهُ مائةً (1) من إِبِلِ
الصدقةِ، يَعني: ديةَ الأنصاريَ الذي قُتِلَ بخَيْبَر (2)
.
ش- الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني، أبو عليّ البغدادي.
سمع: سفيان بن عيينة، وإسماعيل ابن علية، ووكيعا، وغيرهم.
وروى عن الشافعي كتابه القديم. روى عنه: البخاري، وأبو
داود، والترمذي، والنسائي، وابن ماجه، والبغوي، وابن صاعد.
قال النسائي: هو ثقة. مات سنة ستين ومائتين في رمضان.
والزعفراني نسبة إلى دَرْب الزعفران ببغداد، ويُقال إلى
قرية يقال لها الزعفرانية. قال الحسن بن محمد بن الصباح:
لما قرأت كتاب الرسالة على الشافعي قال لي: من أي العرب
أنت؟ قلت: ما أنا بعربي، وما أنا إلا من قرية يقال لها:
الزعفرانية. قال: أنت سيد هذه القرية (3) .
وأبو نعيم الفضل بن دكين.
وسعيد بن عُبيد أبو الهذيل الطائي الكوفي. روى عن: بشير بن
يسار، وعليّ بن ربيعة الطائي. روى عنه: الثوري، وابن
المبارك، والفضل بن دكين، ووكيع، وغيرهم. قال يحيى القطان:
ليس به بأس. وقال أحمد وابن معين: ثقة. روى له: الجماعة
إلا ابن ماجه (4) .
__________
(1) في سنن أبي داود: "بمائة".
(2) البخاري: كتاب الصلح، باب: الصلح مع المشركة (2702) ،
مسلم: كتاب القيامة، باب: القيامة (1669) ، الترمذي: كتاب
الديات، باب: في القيامة (1422) ، النسائي: كتاب القيامة،
باب: تبرئة أهل الدم في القيامة يهم/ 5- 6) ، ابن ماجه:
كتاب الديات، باب: القيامة (677) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/ 1270) .
(4) المصدر السابق (0 1/ 2323) .
(6/390)
وتُشير- بضم الباء-: ابن يسار الحارثي
الأنصاري، مولاهم المدني. روى عن: جابر بن عبد الله، وأنس
بن مالك، ورافع بن خديج، وسويد بن النعمان، وسهل بن أبي
حكمة. روى عنه: يحيى بن سعيد الأنصاري، وعقبة بن أبي عبيد،
ومحمد بن إسحاق بن يسار. قال ابن معين: هو ثقة، وليس بأخي
سليمان بن يسار. وقال ابن سعد: كان شيخا كبيراً فقيها،
وكان قد أدرك عامة أصحاب رسول الله- عليه السلام-، وكان
قليل الحديث. روى له الجماعة (1) .
وسهل بن أبي حثمة- بفتح الحاء المهملة، وسكون الثاء
المثلثة- واسم أبي حثمة: عبد الله، وقيل: عبيد الله، وقيل:
عامر، وقد مر ذكرهما مستوفى.
قوله: " وداه" أي: أعطى ديته، يقال: وديت القتيل أديه دية
إذا أعطيت ديته، واتديتُ أي: أخذت ديته. وأصل دية وديٌ
حذفت الواو وعوض منها الهاء فصار دية، كعدة ومقة أصلهما
وعد وومق.
وقال الخطابي (2) : يشبه أن يكون النبي- عليه السلام- إنما
أعطاه ذلك من سهم الغارمين على معنى الحمالة في إصلاح ذات
البين، إذ كان قد شجر بين الأنصار وبن أهل خيبر في دم
القتيل الذي وجد بها منهم، فإنه لا مصرف لمال الصدقات في
الديات.
وقال أيضا (3) : وقد اختلف الناس في قدر ما يُعطاه الفقير
من الصدقة، فكره أصحاب الرأي أن يبلغ به مائتي درهم إذا لم
يكن عليه دين أو له عيال، وكان الثوري يقول: لا يدفع إلى
الرجل من الزكاة أكثر من خمسين درهماً وكذلك قال أحمد بن
حنبل، وعلى مذهب الشافعي يجوز أن يعطى على قدر حاجته من
غير تحديد فيه، فإذا زال اسم الفقر عنه لم يُعط.
__________
(1) المصدر السابق (4/ 734) .
(2) معالم السنن (2/ 55) .
(3) نفسه (2/ 56) .
(6/391)
قلت: وفيه دليل لأبي حنيفة في قوله: يجوز
أن يقتصر الرجل في زكاته على صنف واحد من الأصناف المذكورة
في الآية.
والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن
ماجه مختصراً ومطولا في القصة المشهورة.
25- باب: كراهة (1) المسألة
أي: هذا باب في بيان كراهة السؤال.
1762- ص- نا هشام بن عمار، نا الوليد، نا سعيد بن عبد
العزيز، عن ربيعة- يعني ابن يزيد- عن أبي إدريس الخولاني،
عن أبي مسلم الخولاني قال: حدَّثني الحبيبُ الأمينُ، أمّا
هو إليُّ فحبيب، وأمَّا هول عندي فأمين: عوفُ بنُ مالك.
قال: كُنَّا عندَ رسول اللهِ- عليه السلام- سبعَةً أو
ثمانيةً أو تسعةً فقال: ألا تُبَايعُونَ رسولَ الله؟ /-
وكنا حديثُ عهد ببيعة- قلنا: قَدْ بَايَعْنَاكَ [حتى
قالَهًا ثلاثاً، فَبَسَطَنَا أيديَنَا فبايَعْنَاهُ، فقالت
قائل: يا رسولَ الله] ، (2) إنَّا قَد بَايَعْنَاكَ
فَعَلامَا نُبَايعُكَ؟ َ قال: أن تَعبُدُوا اللهَ [ولا
تشركُوا به شيَئا، وتُصَلُّوا الصَّلَوَاتِ الخمسة، (2) ،
وتسمَعُوا وتُطيعُوا وأسر كلمةً خَفِيَّةً قال: وَلا
تَسْألُوا الناسَ شيئاً قال: فلقد كان بعضُ أولئك النفر
يَسقطُ سَوْطُهُ فما يَسْألُ أحَداً أَن يُنَاوِلَهُ إياه
(3) .
ش- الوليد بن مسلم، وسعيد بن عبد العزيز الدمشقي، فقيه أهل
الشام، وربيعة بن يزيد الدمشقي، وأبو إدريس عائذ الله بن
عبد الله الخولاني، وأبو مسلم الخولاني اسمه: عبد الله بن
ثُوَب- بضم الثاء المثلثة، وفتح الواو، ويقال: ثواب، ويقال
ابن أثوب، ويقال: ابن
__________
(1) في سنن أبي داود: " كراهية".
(2) طمس في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(3) مسلم: كتاب الزكاة، باب: كراهية المسألة (1043) ،
النسائي: كتاب الصلاة، باب: البيعة على الصلوات الخمس (1/
228) ، ابن ماجه: كتاب الجهاد، باب: البيعة (2867) .
(6/392)
عبد الله، ويُقال: ابن عوف، ويقال: ابن
مسلم، ويقال: اسمه: يعقوب بن عوف اليماني، أبو مسلم
الخولاني الزاهد، سكن الشام بداريا بالقرب من دمشق، رحل
يطلب النبي- عليه السلام- فمات النبي - عليه السلام- وهو
في الطريق، ولقي أبا بكر الصِّديِّق، وروى عن: عمر بن
الخطاب، وأبي عبيدة بن الجراح، ومعاذ بن جبل، وسمع: عوف
أبن، مالك الأشجعي، وعبادة بن الصامت، وأبا ذر الغفاري.
روى عنه: أبو العالية الرياحي، وأبو إدريس الخولاني، وعطاء
بن أبي رباح، ومكحول، وجماعة آخرون. قال ابن معين، وأحمد
العجلي، وابن سعد: هو ثقة. زاد العجلي: من كبار التابعين
وعُبادهم. ورُوي أن الأسود العنسي أمر بنار عظيمة ثم ألقاه
فيها فلم تضره. روى له: مسلم، وأبو داود، والنسائي، وابن
ماجه. وقال الشيخ محيي الدين (1) : وأما قول السمعاني في "
الأنساب " أنه أسلم في زمن معاوية فغلط باتفاق أهل العلم
من المحدثين، وأصحاب التواريخ، والمغازي، والسير، وغيرهم
(2) .
قوله: " وأسر كلمة خفية " يشبه أن يكون صلى الله عليه وسلم
أسر النهي عن السؤال، ليخص به بعضهم دون بعضه ولا يعمهم
بذلك لأنه لا يمكن العموم، إذ لا بد من السؤال، ولا بد من
التعفف، ولا بد من الغنى، ولا بد من الفقر، وقد قضى الله
تبارك وتعالى بذلك كله، فلا بد أن ينقسم الخلق إلى
الوجهين.
قوله: " فما يسأل أحدا أن يناوله إياه" أي: سوطه، كراهة
الذل لأن في السؤال ذلا، ولهذا قال أبو حنيفة: المسافر لا
يسأل من رفيقه ماء، ولو تيمم قبل الطلب أجزأت، لأن السؤال
فيه ذل، وربما لا يعطيه. والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي،
وابن ماجه.
__________
(1) شرح صحيح مسلم (132/7) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (7627/34) .
(6/393)
ص- قال أبو داودَ: حديثُ هشامٍ لم يَرْوِيه
(1) إلا سعيدٌ.
ش- أي: حديث هشام بن عمار لم يرويه إلا سعيد بن عبد العزيز
الدمشقي.
1763- ص- نا عبيد الله بن معاذ، نا أبي، لا شعبة، عن عاصم،
عن أبي العالية، عن ثوبان قال: وكان ثوبان مولى رسول الله-
عليه السلام- قال: قال رسول الله- عليه السلام-: "مَنْ
تَكَفلَ لي أن لا يَسْألَ الناسَ شيئاً، وأتَكَفَّلُ له
بالجَنَّةِ؟ فقال ثوبانُ: أنا، فكان لا يَسْألُ أحداً شيئا
" (2) .
ش- أبوه: معاذ بن معاذ بن حسان، وعاصم بن سليمان الأحول
التميمي، وأبو العالية الرياحي اسمه: رفيع.
قوله: "وأتكفل"، بالواو، وفي بعض النسخ بالفاء.
قوله: " فكان لا يسأل" أي: فكان ثوبان لا يسأل أحدا شيئاً
وفي بعض النسخ: "فكفل ثوبان لا يسأل".
26- باب: في الاستعفاف
أي: هذا باب في بيان الاستعفاف، وهو طلب العفة، من عف عن
الحرام يعف عفا وعفةً وعفافه وشفافة، أي: كف، فهو عف
وعفيف، والمرأة عفة وعفيفة، وأعفه الله واستعف عن المسألة،
أي: عف.
1764- ص- نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن ابن شهاب، عن
عطاء بن يزيد الليثي، عن أبي سعيد الخدري أن ناسا من
الأنصار سَألُوا رسولَ اللهِ- عليه السلام- فَأعطاهُم، ثم
سَألُوهُ فَأعطاهُم حتى (3) نَفِدَ ما
__________
(1) كذا، وفي سنن أبي داود: "يروه ".
(2) تفرد به أبو داود.
(3) في سنن أبي داود: "حتى إذا نفد ".
(6/394)
عندَهُ قَالَ: ما يكونُ عندي من خَير فلن
أدَّخرَهُ عنكُم، ومن يَستعفف يُعفهُ اللهُ، ومن
يَسْتَغْنِي (1) يُغنه اللهُ، ومن يَتَصَبَّر يصبِّرْهُ
اللهُ، وما أعْطِيَ أَحد (2) مِن عطاء أوْسَعَ من
الصَّبْرَ (3) .
ش- "نفد" بفتح النون، وكسر الفاء، وفتح الدال المهملة أي:
فرغ/ [....] (4) ، وفيه الحض على الاستغناء عن الناس
بالصبر والتوكل، وانتظار رزق الله [....] (5) ، وأن الصبر
أفضل ما أعطِي المؤمن، ولذلك كان الجزاء عليه غير مقدر،
قال تعالى: {إِنَّمَا يُوَفى الصَّابرُونَ أجْرَهُم
بغَيْرِ حسَابٍ} (6) . والحديث أخرجه: البخاري، ومسلَم،
والترمذيَ، وا لنسائي.
1765- ص- نا مسدد، نا عبد الله بن داود ح، ونا عبد الملك
بن حبيب أبو مروان، نا ابن المبارك- وهذا حديثه- عن بشير
بن سلمان، عن سيار أبي حمزة، عن طارق، عن ابن مسعود قال:
قال رسولُ الله- عليه السلام-: "مَنْ أصَابتهُ فاقةٌ
فَأنزلَهَا بالناسِ لم تُسَدَّ فَاقَتُهُ، ومَنْ
أنزَلَهَاَ باللهِ جَلَّ وعز أوْشَكَ اللهُ له بالغِنَى،
إِما بموتٍ عَاجلٍ أو غِنًى عَاجلٍ " (7) .
ش- عبد الله بن داود الخريبي البصري.
وعبد الملك بن حَبيب- بفتح الحاء المهملة- أبو مروان. روى
عن: عبد الله بن المبارك، وأبي إسحاق الفزاري. روى عنه:
أبو داود، والحسين بن منصور المصيري.
__________
(1) كذا، وفي سنن أبي داود:" يستغن ".
(2) كذا، وفي سنن أبي داود: "وما أعطى الله أحداً ".
(3) البخاري: كتاب الزكاة، باب: الاستعفاف عن المسألة
(1469) ، مسلم: كتاب الزكاة، باب: فضل التعفف والصبر
(1053) ، الترمذي: كتاب البر، باب: ما جاء في الصبر (2025)
، النسائي: كتاب الزكاة، باب: الاستعفاف عن المسألة (5/
96) .
(4) طمس في الأصل قدر ثلث سطر.
(5) كلمة غير واضحة.
(6) سورة الزمر: (10) .
(7) الترمذي: كتاب الزهد، باب: الهم في الدنيا (327) .
(6/395)
وبشير- بفتح الباء- ابن سلمان، قال في
الكمال: بشير بن سُلَيمان (1) أبو إسماعيل النهدي الكوفي،
والد الحكم. سمع: عكرمة، وأبا حازم كلمة بن دينار، ومجاهد
بن جبر، وسياراً أبا الحكم. روى عنه: وكيع، وأبو نعيم،
ومحمد بن فضيل، ومروان بن ومعاوية، وابن عيينة، ومحمد بن
يوسف الفريابي. قال أحمد بن عبد الله: بشير بن إسماعيل أبو
إسماعيل الكوفي ثقة، كذا قال ابن إسماعيل والمعروف ابن
سلمان. روى له: مسلم، وأبو داود، والترمذي، وابن ماجه (2)
. وسَيار على وزن فعال بالتشديد أبو حمزة، قال في الكمال:
سيار بن وردان، وهو ابن أبي سيار أبو الحكم الواسطي، وقال:
سيار بن دينار، ويُقال: ابن ورد، وهو أخو محاور الوراق
لأمه. روى عن: أبي إسرائيل، والشعبي، وعبد الله بن يسار،
وغيرهم. روى عنه: إسماعيل بن أبي خالد، والثوري، وشعبة،
وبشير بن سلمان، وغيرهم. قال أحمد. صدوق ثقة ثبت في كل
المشايخ. وقال ابن معين: ثقة. مات سنة اثنين وعشرين ومائة.
روى له الجماعة (3) .
قلت: قال أبو داود: بشير كان يهم في سيار يقول: سيار أبو
الحكم، وهو خطأ إنما هو سيار أبو حمزة، وذكر الأثرم عن
أحمد بن حنبل قال: الذي يروي عنه بشير هو سيار أبو حمزة،
وليس قولهم سيار أبو الحكم بشيء، أبو الحكم ماله ولطارق بن
شهاب؟ وذهب البخاري في "تاريخه" إلى أنه سيار أبو الحكم
وخُطّئَ في ذلك، وكان عبد الغني ذهب إلى قول البخاري،
فلذلك قال: سيار أبو الحكم، والصواب ما قاله أبو داود
وأحمد فافهم.
وطارق بن شهاب الصحابي قد ذكرناه.
__________
(1) كذا، ولعله هكذا في "الكمال "، أو سبق قلم من المصنف،
والله أعلم.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (4/ 719) .
(3) كذا ترجم المصنف لسيار أبي الحكم، وإنما صاحب الترجمة
هو سيار أبو حمزة وهو مترجم في تهذيب الكمال (12/ 2671) ،
وسيار أبو الحكم في الترجمة التي قبله.
(6/396)
قوله: " فاقة " أي: فقر وحاجة.
قوله: " فأنزلها بالناس" يعني: عرفها لهم، وطلب سدادها
منهم، وسألهم في ذلك، لم تسد حاجته، لكونه سأل عاجزين
مثله.
قوله: " أوشك الله" بفتح الهمزة، وفتح الشين المعجمة:
يُوشك
إيشاكا، ومعناه عند الخليل: أسرع، وأنكر بعضهم أوشك، وإنما
يأتي عندهم مستقبلاً.
قلت: الحديث ينكر قول المنكرين.
واعلم أن أوشك من أفعال المقاربة، وهي ما وضع لدنو الخبر
رجاء أو حصولا أو أخذا فيه، وفي الحقيقة من النواقص لأنها
لتقرير الفاعل على صفة على سبيل المقاربة، ولا تستعمل
أفعال المقاربة بمعنى المقاربة إلا بلفظ
الماضي إلا كاد وأوشك، فإنه قد جاء مضارعهما بهذا المعنى،
وشذ مجيء اسم الفاعل من أوشك كما جاء في الشعر. والحديث
أخرجه: الترمذي وقال: حسن صحيح غريب.
1766- ص- نا قتيبة بن سعيد، نا الليث بن سعد، عن جعفر بن
ربيعة عن بكر بن سوادة، عن مسلم بن مخشي، عن ابن الفراسي
أن الفراسي قال لرسول الله- عليه السلام-: " أسْألُ يا
رسولَ الله؟ فقال النبي عليه السلام-: لا، وإن كُنتَ لا
بُد سَائِلاً فسَلِ (1) الصالِحِين" (2) .
ش- جعفر بن ربيعة بن شرحبيل بن حسنة المصري، وبكر بن سوادة
ابن ثمامة المصري، ومسلم بن مَخْشِيَّ بفتح الميم، وسكون
الخاء، وكسر الشين المعجمة، وتشديد الياء: المدلجي أبو
معاوية المصري. روى عن:
ابن الفراسي. روى عنه/: بكر بن سعادة. روى له: أبو داود،
والنسائي [.....] (3) في "الكمال" روى عن النبي- عليه
السلام-
__________
(1) في سنن أبي داود: "وإن كنت سائلاً لا بد فاسأل".
(2) النسائي: كتاب الزكاة، باب: سؤال الصالحين (5/ 95) .
(3) طمس في الأصل قدر نصف سطر، ولعله يترجم للفراسي.
(6/397)
حديثا واحداً. روى عنه: ابنه. روى له: أبو
داود، والنسائي. وقال في "مختصر الحق": ويُقال فيه عن
الفراسي، ومنهم من يقول عن ابن الفراسي، عن أبيه كما ذكره
أبو داود، وهو من بني فراس بن مالك من كنانة، حديثه عند
أهل مصر، وله حديث آخر في البحر " هو الطهور ماؤه الحل
ميتته"، كلاهما يرويه الليث بن سعد.
قوله: " لا" أي: لا تسأل، وإنما نهى عن السؤال عن غير
الصالحين لأن الخير قَلَّ أن يحصل من غير الصالحين. ومن
شيم الصالحين أن لا يردوا السائلين خائبين، وإن كانوا هم
أحوج إلى ما يعطون من غيرهم. والحديث أخرجه النسائي.
1767- ص- نا أبو الوليد الطيالسي، نا ليث، عن بكير بن عبد
الله بن الأشج، عن بسر بن سعيد، عن ابن الساعدي قال:
اسْتَعْمَلَنِي عمرُ- رضي الله عنه- على الصدقة، فلما
فَرغتُ منها وَأَدَّيْتُهَا إليه أمَرَ لي بعُمَالَة،
فقلتُ: إنما عَمِلتُ لله وأجرِي عَلى الله. قال: خُذْ ما
أعطيت، فإني قَد عَمًلتُ على عَهد رسول صلى الله عليه وسلم
فَعَملَني، َ فقلتُ مثلَ قولكَ، َ فقال لي رسولُ الله-
عليه السلام-: إذا أعْطِيتَ شيَئا من غير أن تَسْألَهُ
فكلْ وتَصدَّقْ (1) .
ش- أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي، وبكسر- بضم
الباء الموحدة، وسكون السين المهملة-.
وابن (2) الساعدي صوابه: ابن السعدي، وهو عبد الله بن عمرو
بن وقدان بن عبد شمس بن عبد ود بن نصر بن مالك بن حسن بن
عامر بن لؤي المعروف بابن السعدي لأنه كان مسترضعا في بني
سعد، يكنى:
__________
(1) البخاري: كتاب الأحكام، باب: رزق الحاكم والعاملين
عليها (7163) ، مسلم: كتاب الزكاة، باب: إباحة الأخذ لمن
أعطي من غير مسألة ولا إشراف (1045) ، النسائي: كتاب
الزكاة، باب: من آتاه الله مالا من غير مسألة (103/5-104)
.
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (2/ 0 35،
384) ، وأسد الغابة (3/ 261) ، والإصابة (2/ 318) .
(6/398)
أبا محمد، وقيل: اسم السعدي: قدامة بن
وقدان، سكن الأردن (1) من أرض الشام، رُوي له عن رسول
الله- عليه السلام- ثلاثة أحاديث، رويا له جميعا عن عمر بن
الخطاب حديث العمالة. روى عنه: السائب بن يزيد. قال
الواقدي: توفي سنة سبع وخمسين. روى له: النسائي عن النبي-
عليه السلام-، وروى له: البخاري، ومسلم، وأبو داود،
والنسائي عن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه-. قلت: هذا ما
ذكره صاحب الكمال.
وقال الشيخ محيي الدين (2) : وقد وقع في مسلم من رواية
قريبة قال: عن ابن الساعدي المالكي، فقوله: المالكي صحيح
منسوب إلى مالك بن حسن بن عامر. وإنما قوله: الساعدي
فأنكروه، قالوا: وصوابه: السعدي، كما رواه الجمهور منسوب
إلى سعد بن بكر.
وقال زكي الدين في "المختصر": ولم يكن سعديا، وإنما قيل
لأبيه السعدي لأنه كان مسترضعا في بني سعد بن بكر، وأما
الساعدي فنسبة إلى بني ساعدة من الأنصار من الخزرج لا وجه
له هاهنا، إلا أن يكون له نزول أو حلف، أو خؤولة، أو غير
ذلك.
وقال أيضاً ورواه الزهري عن السائب بن يزيد، عن حويطب بن
عبد العزى، عن عبد الله بن السعدي، عن عمر- رضي الله عنهم-
فاجتمع في إسناده أربعة من الصحابة، وهو أحد الأحاديث التي
جاءت كذلك. ووقع في حديث الليث بن سعد: ابن الساعدي كما
قدمناه. قلت: أشار به إلى رواية أبي داود لأن في روايته
ابن الساعدي، والصواب: ابن السعدي كما قررناه، وهذا الحديث
رُوي من طرق مختلفة، والصحيح ما اتفق عليه الجماعة- يعني:
عن الزهري، عن السائب، عن حويطب، عن ابن السعدي، عن عمر-
رضي الله عنهم-. والسائب: ابن يزيد.
__________
(1) في الأصل: "الأزد".
(2) شرح صحيح مسلم (136/7) .
(6/399)
وحويطب- بضم الحاء المهملة- أبو محمد،
ويُقال: أبو الأصبع حويطب بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد
ود بن نصر بن مالك بن حسن بن عامر بن لؤي القرشي العامري،
أسلم يوم فتح مكة، ولا تحفظ له رواية عن النبي- عليه
السلام- إلا شيء ذكره الواقدي، والله أعلم.
قوله: " أمر لي بعُمالة" العُمالة- بضم العين- المال الذي
أعطاه العامل على عمله.
قوله: " فعملني" بتشديد الميم أي: أعطاني أجرة عملي؟ وفيه
جواز أخذ العوض على أعمال المسلمين سواء كانت لدين أو
لدنيا كالقضاء والحسبة وغيرها.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : واختلف العلماء فيمن جاءه مال
هل يجب قبوله أم يندب؟ على ثلاثة مذاهب حكاها/ [أبو جعفر
محمد بن جريج الطبري وآخرون، والصحيح المشهور الذي عليه
الجمهور، أنه يستحب في غير عطية] (2) السلطان، وأما عطية
السلطان فحرمها قوم، وأباحها قوم، وكرهها قوم، والصحيح:
أنه إن غلب الحرام فيما في يد السلطان حرمت، وكذا إن أعطي
ما لا يستحق، لان لم يغلب الحرام فمباح إن لم يكن في
القابض مانع يمنعه من استحقاق الأخذ. وقالت طائفة: الأخذ
واجب من السلطان وغيره. وقال آخرون: هو مندوب في عطية
السلطان دون غيره. انتهى. وقيل: وليس معنى الحديث في
الصدقات، وإنما هو في الأموال التي يقسمها الإمام على
أغنياء الناس وفقرائهم، واستشهد بقوله في بعض طرقه: "
فتموله "، وقال: الفقير لا ينبغي له ذلك أن يأخذ من الصدقة
ما يتخذه مالا [سواء] كان عن مسألة أو عن غير مسألة.
__________
(1) شرح صحيح مسلم (134/7-135) .
(2) طمس في الأصل، وأثبتناه من شرح صحيح مسلم.
(6/400)
واختلف العلماء فيما أمر به النبي- عليه
السلام- عُمر من ذلك بعد إجماعهم على أنه أمر ندب وإرشاد.
فقيل: هو أمر ندب من النبي- عليه السلام- لكل من أعطي عطية
كانت من سلطان أو عامي، صالحا كان أو فاسقاً بعد أن يكون
ممن يجوز عينه، حكى ذلك غير واحد، وقيل ذلك من النبي- عليه
السلام- ندب إلى قبول عطية غير السلطان، فبعضهم منعها
وبعضهم كرهها. وقال آخرون: ذلك ندب لقبول هدية السلطان دون
غيره، ورجح بعضهم الأول لأن النبي- عليه السلام- يخصص وجها
من الوجوه. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي
بنحوه.
1768- ص- نا عبد الله بن مسلمة، عن مالك، عن نافع، عن عبد
الله ابن عمر، أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال وهو
على المنبرِ، وهو يذكرُ الصدقةَ والتعففَ منها والمسألةَ:
َ" اليدُ العُليا خير من اليدِ السُفلَى، واليدُ العُليا
المنفِقَةُ، والسفْلَى السائِلَةُ" (1) .
ش- هكذا وقع في صحيحي البخاري ومسلم من قوله: "واليد
العليا المنفقة" من الإنفاق، وكذا هي رواية أبي داود عن
أكثر الرواة، وفيه دليل للجمهور أن اليد العليا هي
المنفقة.
وقال الخطابي (2) : المتعففة لما نذكره الآن. وقال غيره:
العليا الأخذة، والسفلى المانعة، حكاه القاضي. والمراد
بالعلو: علو الفضل والمجد ونيل الجواب.
قلت: هو قول المتصوفة، ذهبوا إلى أن اليد العليا هي الآخذة
لأنها نائبة عن يد الله تعالى. وما جاء في الحديث الصحف من
التفسير مع فهم
__________
(1) البخاري: كتاب الزكاة، باب: لا صدقة ألا عن ظهر غنى
(1429) ، مسلم: كتاب الزكاة، باب: بيان أن اليد العليا خير
(1033) ، النسائي: كتاب الزكاة، باب: أيهما اليد العليا
(5/ 61) ، وباب: اليد السفلى (5/ 61) .
(2) معالم السنن (2/ 60) .
26. شرح سنن أبي داوود 6
(6/401)
المقصد من الحث على الصدقة أوْلى، فعلى
التأويل الأول هي العليا بالصورة. وعلى الثاني عليا
بالمعنى. وفي الحديث ندب إلى التعفف عن المسألة، وحض على
معالي الأمور، وترك دنيها، وفيه أيضا حض على الصدقة.
والحديث أخرجه: النسائي أيضا بنحوه.
ص- قال أبو داود: اخْتُلفَ على أيوبَ، عن نافع في هذا
الحديث،
فقال (1) عبدُ الوارث: اليدُ الَعُليا المتعففةُ. وقال
كثرُهمً عن حماد بن زياد، عن أيوبَ: اليدُ العُليا
المنفقةُ. وقال واحد (2) : المتعففةُ. ً
ش- أشار بهذا إلى أن كثر الرواة رووا: " اليد العُليا
المنفقة" من الإنفاق، وأن رواية: "اليد العليا المتعففة"
بالعين من العفة هي رواية واحد، وهي رواية عبد الوارث بن
سعيد، عن حماد بن زيد، ورجح الخطابي (3) رواية " المتعففة"
وقال: هي أشبه وأصح في المعنى، وذلك أن ابن عمر ذكر أن
رسول الله- عليه السلام- قال هذا الكلام وهو يذكر الصدقة
والتعفف منها، فعطف الكلام على سببه الذي خرج عليه وعلى ما
يطابقه في معناه أوْلى، وقد يتوهم كثير من الناس أن معنى
العليا هي أن يد المعطي مستعلية فوق يد الآخذ، يجعلونه من
علو الشيء إلى فوق، وليس عندي ذلك بالوجه، وإنما هو من
علاء المجد والكرم، يريد به الترفع عن المسألة والتعفف
عنها، وأنشدني أبو عمر قال: أنشدنا أبو العباس قال: أنشدنا
ابن الأعرابي في معناه:
إذا كان باب الذل من جانب الغنى ... سموت إلى العلياء من
جانب الفقر
يريد به التعزز بترك المسألة، والتنزه عنها.
وقال الشيخ محيي الدين (4) : والصحيح: الرواية الأولى،
ويحتمل صحة الروايتين، فالمنفقة أعلى من السائلة،
والمتعففة خير من السائلة.
__________
(1) في سنن أبي داود: "قال".
(2) في سنن أبي داود: "وقال واحد عن حماد "
(3) معالم السنن (2/ 60) .
(4) شرح صحيح مسلم (125/7) .
(6/402)
1769- ص- نا أحمد بن حنبل، نا عبيدة بن
حميد التيمي، حدَّثني أبو الزعراء،/ عن أبي الأحوص، عن
أبيه مالك بن نضله قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه
وسلم: [" الأيْدي ثلاثةٌ: فيدُ الله جل وعز العُليا] ، (1)
، ويدُ المُعْطِي التي تَلِيهَاَ، ويدُ السائلِ اَلسفْلَى،
فأعْطِ الَفضلَ ولا تَعْجَزْ عنْ نَفْسِكَ " (2) .
ش- أبو الزعراء: عبد الله بن هاني الكوفي الكندي. سمع: عبد
الله بن مسعود. روى عنه: سلمة بن كهيل قال البخاري: ولا
يتابع في حديثه. وقال النسائي وعلي بن المديني: لا نعلم
أحداً روى عنه إلا سلمة بن سهيل. وقال ابن عدي: والذي قال
النسائي كما قال، ويروي سلمة بن سهيل عن أبي الزعراء، عن
ابن مسعود إن كان قد سمع من عبد الله بن مسعود، ويروي عن
أبي الأحوص عن أبيه، وغيرهم (3) .
وأبو الأحوص: عوف بن مالك بن نضلة الكوفي.
قوله: " فيد الله جل وعز العليا" المراد بها: قدرته
الباسطة (4) . وقد جعل في هذا الحديث اليد العليا أته
تعالى، ثم للمعطي وهي يد المنفق.
ويؤيد هذا رواية الجمهور: "أن اليد العليا هي المنفقة ".
قوله: " فأعط الفضل" أي: الذي يفضل من كفايته، وهو الذي لا
يحتاج إليه، وفيه حث على الصدقة عن فضل ماله، ووصيته لترك
العجز والكسل في الصدقة.
__________
(1) طمس في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(2) تفرد به أبو داود.
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (3627/16) .
(4) بل المراد: يد الله سبحانه على وجه الحقيقة، يدا لا
تأويل فيها، ولا تشبيه، ولا تعطيل، ولا تمثيل، قال تعالى:
{بل يداه مبسوطتان} ، وهذا اعتقاد أهل السُنَة والجماعة،
وانظر: التوحيد لابن خزيمة (ص/ 53- 59) ، ومجموع الفتاوى
(3/ 133) .
(6/403)
27- باب: الصدقة على
بني هاشم
أي: هذا باب في بيان الصدقة على بني هاشم. قال صاحب
"الهداية":
وهم آل علي، وآل عباس، وآل جعفر، وآل عقيل، وآل الحارث بن
عبد المطلب، ومواليهم.
قلت: هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مُرة.
1770- ص- نا محمد بن كثير، أنا شعبة، عن الحكم، عن ابن أبي
رافع، عن أبي رافع، أن النبي- عليه السلام- بَعَثَ رجلاً
على الصدقةِ من بنِي مخزوم فقال لأبي رَافع: اصْحَبْنِي
فإنكَ تُصيبُ منها. قال: حتى آتي النبيَّ- عليه السلام-
فَأسْألُهُ فَأتَاهُ، فَسَألَهُ فقالت: " مَوْلَى القوم من
أنفُسِهِمْ، وإنا لا تَحِلُّ لنا الصدقةُ" (1) .
ش- ابن أبي رافع اسمه: عُبيد الله، كاتب عليّ- رضي الله
عنه-، واسم أبي رافع: إبراهيم، أو أسلم، أو ثابت، أو هرمز،
وقد ذكرناه وهو مولى النبي- عليه السلام-.
قوله: " بعث رجلا على الصدقة " هذا الرجل هو الأرقم بن أبي
الأرقم القرشي المخزومي، بَيَّن ذلك النسائي والخطيب، كان
من المهاجرين الأولي، وكنيته: أبو عبد الله، وهو الذي
استخفى رسول الله- عليه السلام- في داره بمكة في أسفل
الصفا حتى كملوا أربعين رجلاً آخرهم عمر بن الخطاب- رضي
الله عنه-، وهي التي تعرف بالخيزران (2) . وقال الخطابي
(3) : أما النبي- عليه السلام- فلا خلاف بين المسلمين
__________
(1) الترمذي: كتاب الزكاة، باب: ما جاء في كراهية الصدقة
للنبي صلى الله عليه وسلم وأهل بيته ومواليه (657) ،
النسائي: كتاب الزكاة، باب: مولى القوم منهم (107/5) .
(2) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 107) ،
وأسد الغابة (1/ 74) ، والإصابة (1/ 28) .
(3) معالم السنن (2/ 60- 61) .
(6/404)
أن الصدقة لا تحل له، وكذلك بنو هاشم في
قول أكثر العلماء. وقال الشافعي: لا تحل الصدقة لبني
المطلب لأن النبي- عليه السلام- أعطاهم من سهم ذي القربى،
وأشركهم فيه مع بني هاشم، ولم يُعط أحدا من قبائل قريش
غيرهم. وتلك العطية عوض عُوضوه بدلا عما حُرموا من الصدقة،
فأما موالي بني هاشم فإنه لاحظ لهم في سهم ذي القربى، فلا
يجوز أن يحرموا من الصدقة، ويشبه أن يكون إنما نهاه عن ذلك
تنزيها له. وقال: "مولى القوم من أنفسهم" على سبيل التشبيه
في الاستناد بهم، والاقتداء بسيرتهم في اجتناب مال الصدقة،
التي هي أوساخ الناس، ويشبه أن يكون عليه السلام قد كان
يكْفيه المؤنة، ويُزيحُ له العلةَ، إذ كان أبو رافع مولى
له، وكان ينصرف له فَيَ الحاجة والخدمة فقالَ له على هذا
المعنى: إذا كنت تستغني بما أعطيتك فلا تطلب أوساخ الناس،
فإنك مولانا ومنا قال: وكان النبي- عليه السلام- يقبل
الهدية ولا يأخذ الصدقة لنفسه، وكأن المعنى في ذلك أن
الهدية إنما يُراد بها ثواب الدنيا، وقد كان عليه السلام
يقبلها، ويثيب عليها، فتزول المنة عنه. والصدقة يراد بها
ثواب الآخرة فلم يجز أن تكون يد أعلى من يده في ذات الله
تعالى وفي أمر الآخرة.
وقال الشيخ محيي الدين (1) : تحرم الزكاة على النبي- عليه
السلام- وعلى آله وهم: بنو هاشم، وبنو المطلب، هذا مذهب
الشافعي ومرافقيه، أن آله- عليه السلام- هم بنو هاشم، وبنو
المطلب، وبه قال بعض المالكية. وقال أبو حنيفة ومالك: هم
بنو هاشم خاصة. ْ قال القاضي: وقال بعض العلماء: هم قريش
كلها. وقال أصبغ المالكي: هم بنو قصي. وأما صدقة التطوع
فللشافعي فيها ثلاثة/ [أقوال: أصحها: أنها تحرم على رسول
الله صلى الله عليه وسلم وتحل لآله، والثاني: تحرم] (2)
عليه وعليهم. والثالث: تحل له ولهم، وأما لموالي بني هاشم
__________
(1) شرح صحيح مسلم (176/7) .
(2) طمس في الأول، وأثبتناه من شرح صحيح مسلم.
(6/405)
وبني المطلب، فهل تحرم عليهم الزكاة؟ فيه
وجهان لأصحابنا، أصحهما: تحرم. والثاني: تحل، وبالتحريم
قال أبو حنيفة وسائر الكوفيين وبعض المالكية، وبالإباحة
قال مالك، وادعى ابن بلال المالكي أن الخلاف إنما هو في
موالي بني هاشم. وأما موالي غيرهم فيباح لهم بالإجماع،
وليس كما قال، بل الأصح عند أصحابنا تحريمها على موالي بني
هاشم وبني المطلب، ولا فرق بينهما.
قلت: ذكر في " شرح الآثار" للطحاوي، عن أبي حنيفة: لا بأس
بالصدقة كلها على بني هاشم، والحرمة في عهد رسول الله
للعوض وهو خمس الخمس، فلما سقط ذلك بموته حلت لهم الصدقة،
وذكر في غيره: أن الصدقة المفروضة والتطوع محرمة على بني
هاشم في قول أبي يوسف ومحمد، وعن أبي حنيفة روايتان فيها
قال الطحاوي: وبالجواز يأخذ.
والحديث أخرجه: الترمذي، والنسائي. وقال الترمذي: هذا حديث
حسن صحيح، ورواه أحمد في "مسنده "، والحاكم في "مستدركه "
وقال: صحيح على شرط الشيخين.
1771- ص- نا موسى بن إسماعيل ومسلم بن إبراهيم- المعني-
قالا: نا حماد، عن قتادةَ، عن أنس: إلى النبي- عليه
السلام- كان يَمُر بالتمرة العَائِرَةِ فما يَمْنَعُهُ مِن
أَخِذها إلاً مَخَافَةَ أن تَكُونَ صَدَقَةً (1) .
ش- "العائرةُ " الساقطة لا يعرف لها مالك، من عار الفرس
يعير إذا انطلق من مربطه مارا على وجهه، وهذا أصل في
الورع، وفي أن كل ما لا يستبينه الإنسان مباحا فإنه
يُجتنب، وفيه دليل على أن التمرة ونحوها من الطعام إذا
وجدها الإنسان ملقاة أن له أخذها وأكلها إن شاء، وليس لها
حكم اللقطة.
1772- ص- لا نصر بن علي، أنا أبي، عن خالد بن قيس، عن
قتادةَ،
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(6/406)
عن أنسٍ: أن النبيَّ- عليه السلام- وَجَدَ
تَمرةً فقال: " لَولا أني أخاف أن تكونَ صدقةً أكَلتُهَا"
(1) .
ش- أبوه: عليه بن نصر بن عليه الكوفي الكبير، وخالد بن قيس
الأزدي البصري أخو نوح.
قوله: " أن تكون صدقة " فيه دليل على تحريم الصدقة على
النبي- عليه السلام- مطلقاً سواء كانت فرضا أو تطوعا لعموم
اللفظ، وفيه استعمال الورع لأن هذه التمرة لا تحرم بمجرد
الاحتمال، لكن الورع تركها. والحديث أخرجه مسلم.
ص- قال أبو داودَ: رواه هِشام، عن قتادةَ هَكذا.
ش- أي: روى الحديث المذكور هشام بن أبي عبد الله
الدَّستوائي عن قتادة بن دعامة "هكذا" أي: كما روى خالد بن
قيس، عن قتادة.
1773- ص- نا محمد بن عبيد المحاربي، نا محمد بن فضيل، عن
الأعمش، عن حبيب بن أبي ثابت، عن كريب مولى ابن عباس، عن
ابن عباسٍ قال: بَعَثَنِي أبي إلى النبي- عليه السلام- في
إبِلٍ أعطاهَا إياهُ من الصدقة (2) .
ش- الحديث أخرجه النسائي أيضاً
قال الخطابي (3) : هذا لا أدري ما وجهه، والذي لا أشك فيه
أن الصدقة محرمة على العباس، والمشهور أنه أعطاه من سهم
ذوي القربى من الفيء، ويشبه أن يكون ما أعطاه من إبل
الصدقة- إن ثبت الحديث- قضاء عن سلف كان تسلفه منه لأهل
الصدقة، فقد رُوي أنه شكي إليه العباس في منع الصدقة فقال:
" هي عليَّ ومثلها" (4) ، كأنه كان قد تسلف منه صدقة
عامين، فردها، أو رد صدقة أحد العامين عليه لما جاءته
__________
(1) مسلم: كتاب الزكاة، باب: تحريم الزكاة على رسول الله
صلى الله عليه وسلم (1071) . (2) النسائي في الكبرى، كتاب
الصلاة.
(3) معالم السنن (2/ 62) .
(4) تقدم قريباً
(6/407)
إبل الصدفة، فروى الحديث مَن رواه على
الاختصار من غير ذكر السبب
فيه، والله أعلم.
1774- ص- نا عثمان بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء قالا: نا
محمد - هو ابن أبي عبيدة- عن أبيه، عن الأعمش، عن سالم، عن
كريب مولى ابن عباس، عن ابن عباس نحوه زاد أبي:"يبذلُهَا
(1) " (2) .
ش- محمد بن أبي عبيدة بن معن بن عبد الرحمن بن عبد الله بن
مسعود الكوفي المسعودي، واسم أبي عبيدة عبد الملك، وقد
ذكرناه مرة.
قوله: " نحوه" أي: نحو الحديث المذكور: له وزاد فيه
[.....] (3)
28- بابٌ: في فقير يَهدي إلى غنيٍّ من الصدقة
أي: هذا باب في بيان حكيم الهدية التي يهديها الفقير إلى
الغني من
الصدقة.
1775- ص- نا عمرو بن مرزوق، نا شعبة، عن قتادة، عن أنس: أن
النبي- عليه السلام-/ أتِيَ بِلَحْمِ، قال: ما هذا؟ قالوا:
شيءٌ تُصُدَقَ به [على بَرِيرة، فقال: " هو لها صدَقَه،
ولنا هَدِيه] "، (4) ، (5)
[....] (6) المتصدق عليه زال عنها وصف الصدقة، وحلت لكل
أحد ممن كانت الصدقة محرمة عليه. والحديث [أخرجه] (7) :
البخا ري، ومسلم، وا لنسائي.
__________
(1) في سنن أبي داود: "ليدلها له".
(2) انظر التخريج المتقدم.
(3) بياض في الأصل قرر نصف سطر.
(4) طمس في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(5) البخاري: كتاب الزكاة، باب: إذا تحولت الصدقة (1495) ،
مسلم: كتاب الزكاة، باب: إباحة الهدية للنبي صلى الله عليه
وسلم ولبني هاشم وبني عبد المطلب (1074) ، النسائي: كتاب
الزكاة، باب: إذا تحولت الصدقة (5/ 107) .
(6) طمس في الأصل قدر نصف سطر.
(7) غير واضح في الأصل.
(6/408)
29- باب: من تصدق
بصدقة ثم ورثها
أي: هذا باب في بيان من تصدق بشيء ثم ورث ذلك الشيء.
1776- ص- نا أحمد بن عبد الله بن يونس، نا زهير، نا عبد
الله بن عطاء، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه بريدةَ، أن
امرأةً أتتْ رسولَ الله عن فقالتْ: كُنتُ تَصدقْتُ على أمي
بِوَلِيدةَ، وإنها مَاتتْ وتركتْ تلك الوَلِيَدةَ. قال: "
قد وَجَبَ أجْرُكِ، ورجعتْ إليكم في الميراثِ " (1) .
ش- زهير بن معاوية.
وعبد الله بن عطاء المكي، ويقال: الطائفي أبو عطاء المدني،
ويقال: الواسطي مولى المطلب. روى عن: عبد الله بن بريدة،
وأخيه سليمان، وسعد بن إبراهيم، وغيرهم. روى عنه: الثوري،
ومحمد بن أبي ليلى، وشعبة، وزهير، وغيرهم. وقال النسائي:
ليس بالقوي. روى له الجماعة إلا البخاري (2) .
وعبد الله بن بريدة بن الخصيب الأسلمي قاضي مرة.
قوله: " بوليدة " الوليدة- بفتح الواو، وكسر اللام-
الجارية الصغيرة، والوسائد (3) الوصائف. وقيل: هي كناية
عما ولد من الإماء في ملك الرجل. وقال الجوهري: والوليدة:
الصبية والأمة. وقيل: الصدقة في الوليدة معناها التمليك،
فإذا ملكتها في حياتها بالإقباض ثم ماتت كانت كسبيل سائر
أملاكها، وذكر أبو بكر المعافري أن الناس اختلفوا فيما إذا
عادت الصدقة بالميراث إلى الرجل هل تحل له أم يلزمه أن
يتصدق بها؟ قال: الصحيح جوار كلها للأثر والنظر [ثم] ذكر
هذا الحديث. وقال: الملك إذا تغاير تغايرت الأحكام.
والحديث أخرجه: مسلم، والترمذي،
__________
(1) مسلم: كتاب الصوم، باب: قضاء الصوم عن الميت (1149) ،
الترمذي: كتاب الزكاة، باب: ما جاء في المتصدق يرث صدقته
(667) ، ابن ماجه: كتاب الصدقات، باب: من تصدق بصدقة ثم
صرفها (2394) .
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (15/ 3429) .
(3) في الأصل: "والواليد".
(6/409)
والنسائي، وابن ماجه. وقال الترمذي: والعمل على هذا عند
كثر أهل العلم أن الرجل إذا تصدق بصدقة ثم ورثها حلّت له. |