قوله: "أحد المتصدقين" بفتح القاف على
التثنية، ومعناه: له أجر متصدق.
والمعنى:" (1) أن المشارك في الطاعة مشارك في الأجر،
ومعنى المشاركة أن له أجراً كما لصاحبه أجر، وليس
معناه: ابن يزاحمه في أجره، والمراد: المشاركة في أفصل
الثواب، فيكون لهذا ثواب ولهذا ثواب، وإن كان أحدهما
أكثر من الآخر، ولا يلزم أن يكون مقدار ثوابهما سواء،
بل قد يكون ثواب هذا أكثر، وقد يكون عكسه، فإذا أعطى
المالكُ الخازنَ له أو امرأته أو غيرهما مائة درهم أو
نحوها ليُوصلها إلى مستحق الصدقة على باب داره أو
نحوه، فأجر المالك أكثر، وإن أعطاه رمانة أو رغيفا
ونحوهما حيث ليس له كثير قيمة، ليذهب إلى محتاج في
مسافة بعيدة، بحيث يقابل مشي الذاهب إليه بأجرة تزيد
على الرمانة أو الرغيف، فأجر الوكيل كثر، وقد يكون
عمله قدر الرغيف مثلاً، فيكون مقدار الآخر سواء.
والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي.
42- بابُ: المرأة تَصَدّق (2) من بيت زوجها
أي: هذا باب في بيان حكمَ صدقة المرأة من بيت زوجها.
1855- ص- نا مسدد، نا أبو عوانة، عن منصور، عن شقيق،
عن مسروق، عن عائشة قالت: قال النبي- عليه السلام-: "
إذا أنفَقَت المرأةُ من بيتِ زَوْجهَا غيرَ مُفْسدة،
كان لها/ [أجْرُ ما أنْفَقَتْ، ولِزَوْجِهَا أَجرُ مَا
اكْتَسَبَ، وَلِخًازِنِه مِثلُ ذلَكً، لا يَنْقُصُ
بعضُهم أَجْرَ] (3) بعضِ " (4) .
__________
(1) المصدر السابق (7/ 111- 112) .
(2) في سنن أبي داود: " تتصدق".
(3) طمس في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(4) البخاري: كتاب الزكاة، باب: أجر المرأة إذا تصدقت
أو أطعمت من بيت زوجها غير مفسدة (1439) ، مسلم: كتاب
الزكاة، باب: أجر الخازن =
(6/437)
ش أبو عوانة الوضاح، ومنصور بن معتمر، وشقيق
بن سلمه
قوله: "غير مفسدة" نصب على الحال.
قوله: " ولخازنه " الخازن: هو الذي يكون بيده حفظ
الطعام والمكون من خادم وقهرمان. واختلف الناس في
تأويل هذا الحديث، فقال بعضهم: هذا على مذهب الناس
بالحجاز وبغيرها من البلدان: أن رب أبيت قد يأذن لأهله
وعياله وللخادم في الإنفاق بما يكون في البيت من طعام
وإدام، ويُطلق أمرهم فيه إذا حضر السائل، ونزل الضيف،
وحضهم رسول الله - عليه السلام- على لزوم هذه العادة،
ووعدهم الثواب عليه، وليس ذلك بأن تقتات المرأة أو
الخادم على رب البيت فيما لم يأذن لهما فيه.. وقيل:
هذا في اليسير الذي لا يؤثر نقصانه ولا يظهر.
وقيل: هذا إذا علم منه أنه لا يكره العطاء، فيعطي ما
لم يُجحف، وهذا معنى قوله: "غير مفسدة"، وفرق بعضهم
بين الزوجة والخادم، فإن الزوجة لها حق في مال الزوج،
ولها النظر في بيتها، فجاز لها أن تتصدق بما لا يكون
إسرافاً لكن بمقدار العادة، وما يُعلم أنه لا يؤلم
زوجها، وأما الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه، ولا
حكم، فيشترط الإذن في عطية الخادم دون الزوجة. والحديث
أخرجه: الجماعة.
1806- ص- نا محمد بن سيار المصري، نا عبد السلام بن
حرب، عن يونس بن عُبيد، عن زياد بن جُبير بن حية، عن
سعد قال: لما بَايعً
__________
= الأمين والمرأة إذا تصدقت من بيت زوجها غير مفسدة
بإذنه الصريح والعرفي (81/ 1024) ، الترمذي: كتاب
الزكاة، باب: في نفقة المرأة من بيت روجها (672) ،
النسائي: كتاب الزكاة، باب: صدقة المرأة من بيت زوجها
(5/ 65) ، ابن ماجه: كتاب التجارات، باب: ما للمرأة من
مال زوجها
(1) أمسى في الأصل قرر ثلاث كلمات.
(6/438)
رسولَ الله- عليه السلام- النساء قَامَتْ
امرأة جَليلة كَأنهَا من نساء مُضَرَ، فقالتْ: يا
رسولَ اللهِ، إِنا كََلٌّ على آبَائِنَا وأبنائِنَا.
قال أبو داودَ: وَأَرَى فيه: وَأزْوَاجِنَا فما يَحِل
لنا مِن أمْوَالِهِم؟ قال: "الرطبُ تَأكُلنَهُ
وتُهْدينَهُ" (1) .
ش- محمد بن سيار على وزن فعال بالتشديد، وقيل: بضم
السين المهملة، وفتح الواو المخففة: ابن راشد بن جعفر
الكوفي، نزيل مصر. روى عن: عبد السلام بن حرب، وعبدة
بن سليمان. روى عنه: أبو داود. مات سنة ثمان وأربعة
ومائتين (2) .
وزياد بن جبير بن حية- بالياء آخر الحروف- الثقفي
البصري. سمع: أباه، وعبد الله بن عمر بن الخطاب. روى
عنه: ابن عون، ويونس بن عبيد، وسعيد، والمغيرة أبناء
عبيد الله (3) . قال أحمد بن حنبل: من الثقات. وفي
رواية عنه: رجل معروف. روى له الجماعة إلا النسائي (4)
، وسعد بن أبي وقاص.
قوله: "لما بايع رسول الله " فاعل بايع "النساء "،
ولرسول الله، بالنصب مفعوله. وإنما ذكر الفعل المسند
إلى جماعة النساء لوقوع الفصل بينهما كما في قولهم:
حضر القاضي اليوم امرأة.
قوله: "جليلة " بمعنى: خليقة جسيمة، يقال: امرأة خليقة
وخَليقاء كذلك، وقيل: بمعنى مُسنةٍ، يقال: جَل الرجلُ
إذا كبر وأسن، وجلت المرأة إذا عجزت.
قوله: " أنا كَل على آبائنا" بفتح الكاف، وتشديد
اللام، أي: عيال. قوله: " الرطب" بفتح الراء، وسكون
الطاء، أي: الرطب من
__________
(1) تفرد به أبو داود.
(2) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (5 273/2 5) .
(3) في الأصل: عبد الله، خطأ.
(4) المصدر السابق (9/ 2029) .
(6/439)
الطعام، " (1) وإنما خص الرطب لأن خطبه أيسر،
والفساد إليه أسرع إذا ترك، كالفواكه والبقول، فلم
يؤكل، وربما عفن فلم ينتفع به، فيصير إلى أن يُلقى
ويرمى به، بخلاف اليابس لأنه يبقى على الخزن، وينتفع
به إذا ادخر، فوقعت المسامحة في الرطب بترك الاستبدال،
وأن يجري على العادة المستحسنة فيه من الجيرة والأقارب
أن يتهادوا الفواكه والبقول، وأن يغرفوا لهم من
الطبيخ، وأن يُتحفوا الضيف والزائر بما يحضرهم، وهذا
فيمن يُبسط إليه في ماله من الآباء والأبناء دون
الأزواج والزوجات، فإن الحال بين الولد والوالد ألطف
من أن يحتاج معها إلى زيادة استقصاء في الاستثمار
للشركة النسبية بينهما، والبعضية الموجودة فيهما.
وقال الخطابي (2) بعد أن فرق بين الآباء والأبناء،
وبين الأزواج والزوجات: وأما نفقة الزوجة على (3) /
الزوج فإنها معاوضة على الاستمتاع، وهي مقدرة بكمية،
ومتناهية إلى غاية، فلا يقاس أحد الأمرين، (4) بالآخر،
وليس لأحدهما أن يفعل شيئا من ذلك [إلا بإذن صاحبه] ،
(4) [قلت: يرد،] قاله الخطابي من الفرق صريح الحديث،
وهو قوله: "وأزواجنا " فافهم.
ص- قال أبو داود: الرَّطبُ: الخبزُ والبَقلُ
والرُّطَبُ.
ش- أشار بهذا إلى تفسير الرطب بفتح الراء، والرُّطب
الثاني بضم الراء، وهو رطب التمر، وكذلك العنب وسائر
الفواكه الرطبة دون النابسة.
ص- قال أبو داود: كذا رواه الثوري عن يونسَ.
ش- أي: كذا روى الحديث سفيان الثوري عن يونس بن عُبيد.
1807- ص- ما الحسن بن عليه، نا محمد الرزاق، أنا معمر،
عن همام
__________
(1) انظر: معالم السنن (2/ 67- 68) .
(2) المصدر السابق.
(3) مكررة في الأصل.
(4) طمس في الأصل، وأثبتناه من معالم السنن.
(6/440)
ابن منبه قال: سمعت أبا هريرة يقول: قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم: " إِذا أنفَقَتِ المرأةُ من
كَسْب زَوْجِهَا من غَيْرِ أمْرِهِ فَلَهَا نِصْفُ
أجْرِه" (1) .
ش- أَي: من غير أمره الصريح في ذلكَ القدر المُعيّن،
ويكون معها
إذن عام سابق متناول لهذا القدر وغيره، وذلك الإذن إما
بالصريح وإما بالعرف، ولا بد من هذا التأويل لأنه
-عليه السلام- جعل الأمر مناصفة بقوله: "فلها نصف أجره
"، ومعلوم أنها إذا أنفقت من غير إذن صريح ولا معروف
من العرف فلا أجر لها، بل عليها ورد فيتعين تأويله.
واعلم أن هذا كله مفروض في قدر يسير يُعلم رضا المالك
به في العادة،
فإن زاد على المتعارف لم يجز، وقد أشار إليه قوله-
عليه السلام- في الحديث الماضي: "إذا أنفقت المرأة من
بيت زوجها غير مفسدة".
قوله: " فلها نصف أجره " قيل: هو على المجاز، أي:
أنهما سواء في المثوبة، كل واحد منهما له أجر كامل
وهما اثنان، فكأنه نصفان. وقيل: يحتمل أن أجرهما مثلان
فأشبه الشيء المنقسم بنصفين، وأشار القاضي إلى أنه
يحتمل أن يكون سواء لأن الأجر فضل من الله تعالى ولا
يُدرك بقياس، ولا هو بحسب الأعمال، وذلك فضل الله
يؤتيه من يشاء. والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم.
1808- ص- نا محمد بن سيار المصري، نا عَبدةُ، عن عبد
الملك، عن عطاء، عن أبي هريرةَ في المرأة تَصدَقُ من
بَيتِ زَوْجِهَا؟ قال: "لا، إلا من قُوتهَا، والأجْرُ
بينهما، ولا يَحِل لها أنْ تَصدَقَ من مَال زَوْجِهَا
إلا بِإذنهِ " (2) .
ش- عبدة بن سليمان، وعبد الملك بن عبد العزيز بن جريج
المكي، وعطاء بن أبي رباح.
__________
(1) البخاري: كتاب البيوع، باب: قول الله تعالى:
{أنفقوا من طيبات ما كسبتم} (2066) ، مسلم: كتاب
الزكاة، باب: ما أنفق العبد من مال مولاه (1026) .
(2) تفرد به أبو داود.
(6/441)
فإن قيل: ما التوفيق بين الحديثين- أعني. حديث
همام، عن أبي هريرة، وحديث عطاء عنه-؟ فإن حديث همام
يصرح أنها إذا أنفقت من كسب زوجها من غير أمره فلها
نصف أجره، وحديث عطاء يصرح بأنه لا يحل لها أن تصدق من
مال زوجها إلا بإذنه. قلت: قد قررنا أن تأويل الحديث
الأول على الإذن أيضاً إما بطريق العموم، أو بطريق
العرف والعادة، فكل من الحديثين يشتمل على الإذن
مطلقاً سواء كان صريحا أو دلالة، فافهم.
43- باب: في صِلَة الرحم
أي: هذا باب في بيان صلة الرحم، اَلصلة أصلها: وصل،
فلما حذفت الواو عوض عنها الهاء كعدة أصلها وعد.
1809- ص- نا موسى بن إسماعيل، لا حماد، عن ثابت عن أنس
قال: لما نَزَلَتْ: {لَن تَنَالُوا البِر حتى تُنفقُوا
مما تُحبونَ} (1) ، قال أبو طلحةَ: يا رسولَ الله،
أرَى ربنا يَسْألُنَا من أمْوَالَنَا، فَإني أشْهِدُكَ
يرني جَعَلتُ أرْضِيِ بَاريحاء له، فقال (2) رسولُ
الله صلى الله عليه وسلم: " اجعلها في قرابتك "،
فَقَسَمَهَا بين حسان بنِ ثابت وأبيَّ بنِ كَعْب (3) .
ش- حمادَ بن سلمة، وَثابت البناني، وأنس بن مالك- رضى
الله عنه-. قوله: "باريحاء" هكذا وقع هاهنا باريحاء:
بفتح الباء الموحدة، بعدها ألف ساكنة، وبراء مكسورة،
بعدها ياء آخر الحروف ساكنة، وبحاء مهملة ممدودة،
والمشهور: بيرحاء، وقد اختلف الرواة في ضبطها، فقيل:
بضم الراء في الرفع، وفتحها في النصب، وكسرها في
__________
(1) سورة آل عمران: (92) .
(2) في سنن أبي داود: "فقال له".
(3) مسلم: كتاب الزكاة، باب: فضل النفقة والصدقة على
الأقربين (988) ، النسائي: كتاب الإحباس، باب: كيف
يكتب الحبس؟ (6/ 231) .
(6/442)
الجر مع الإضافة أبداً إلى " حاء"، وجاء على
لفظ الحاء من حروف المعجم. وقيل: إنما هي بفتح الراء
في كل حال. وقيل:/ [....] (1) ، ورواه بعضهم: " بيرحا"
وقال: وهذا كله يدل على أنها [ ... ] (2) بقرب المسجد،
وقال بعضهم: سميته بيرحاء بزجر الإبل عنها، وذلك أن
الإبل يقال له إذا زجرت عن الماء، وقد رويت "حاحا"،
وقال بعضا: " بيرحاء" هو من البرح، الياء زائدة. وقال
الزمخشري: وكأنها فيعلاء من البراح، وهي الأرض
المنكشفة الظاهرة.
" (3) وقال القاضي: وروينا هذه اللفظة عن شيوخنا بفتح
الراء وضمها مع كسر الباء، وبفتح الباء والراء. وقال
الباجي: قرأت هذه اللفظة على أبي ذر الهروي بفتح الراء
على كل حال قال: وعليه أدركت أهل العلم والحفظ
بالمشرق. وقال لي الصوري: هي بالفتح، واتفقا على أن من
رفع الراء وألزمها حكم الإعراب فقد أخطأ. قال: وبالرفع
قرأناه على شيوخنا بالأندلس، وهذا الموضع يعرف بقصر
بني جُديلة قِبلي المسجد. وذكر مسلم رواية حماد بن
سلمة هذا الحرف "بريحا" بفتح الباء، وكسر الراء، وكذا
سمعناه من أبي بحر عن العُذري والسمرقندي، وكان عند
أبي سعيد عن المجزي من رواية حماد " بِيرَحا " بكسر
الباء، وفتح الراء، وضبط الحُميدي من رواية حماد:
"بَيْرَحا" بفتح الباء والراء، وكثر رواياتهم في هذا
الحرف بالقصر، ورويناه عن بعض شيوخنا بالوجهين وبالمد
وجدته بخط الأصيلي، وهو حائط يسمى بهذا الاسم وليس اسم
" بئر" والحديث يدل عليه. انتهى كلام القاضي " (4) .
وفي الحديث استحباب الإنفاق مما نُحب، ومشاورة أهل
العلم والفضل في كيفية الصدقات، ووجوه الطاعات وغيرها،
وأن الصدقة على الأقارب
__________
(1) طمس في الأصل قدر نصف سطر.
(2) طمس في الأصل قدر أربع كلمات.
(3) انظر: شرح صحيح مسلم (7/ 84) .
(4) إلى هنا التهى النقل من شرح صحيح مسلم.
(6/443)
أفضل من الأجانب إذا كانوا محتاجة، وأن
القرابة يُراعى حقها في صلة الأرحام، وأن لم يجتمعوا
إلا في أب بعيد لأن النبي- عليه السلام- أمر أبا طلحة
أن يجعل صدقته في الأقران، فجعلها في أبي بن كعب،
وحسان بن ثابت، وإنما يجتمعان معه في الجد السابع.
وقال الخطابي (1) : فيه من الفقه: أن الحبس إذا وفي
أصله مبهما ولم يذكر سبله وقع صحيحا وفيه دلالة على أن
من حبس عقارا على رجل بعينه، فمات المُحبس عليه ولم
يذكر المُحبس مصرفها بعد موته، فإن مرجعها يكون إلى
أقرب الناس بالواقف، وذلك أن هذه الأرض التي هي "
باريحاء" لما حبسها أبو طلحة، بأن جعلها لله- عبر
وجَل-، ولم يذكر سُبلها، صرفها رسول الله- عليه
السلام- إلى أقرب الناس إليه من قبيلته، فقياس ذلك
فيمن وقفها على رجل فمات الموقوف عليه، وبقي الشيء
محبس الأصل غير مبين السبل، أن يوضع في أقاربه، وأن
يتوخى بذلك الأقرب فالأقرب، ويكون في التقدير، كأن
الواقف قد شرطه له، وهذا يشبه معنى قول الشافعي. وقال
المدني: يرجع إلى أقرب الناس به إذا كان فقيراً وقصة
أبي بن كعب تدل على أن الفقير والغني في ذلك سواء.
وقال الشافعي: كان أبي يُعد من مواسير الأنصار، وفيه
دليل على جوار قسم الأرض الموقوفة بين الشركاء، وأن
للقسمة مدخلاً فيما ليس بمملوك الرغبة، وقد يحتمل أيضا
أن يكون أريد بهذه القسمة ريعها دون رقبتها، وقد امتنع
عمر بن الخطاب من قسمة أحباس النبي- عليه السلام- بين
عليه والعباس لما جاءا يلتمسان ذلك.
قلت: أما قوله: " إن الحبس إذا وقع أصله مبهما ولم
يذكر سبله وقع صحيحا" فيه تفصيل، وهو أنه لا- ح (2)
إما أن يقول مثلاً: أرضي هذه أو ضيعتي هذه صدقة، أو
جعلت أرضي هذه صدفة، أو قال: أرضي هذه أو ضيعتي هذه
وقف، أو جعلت أرضي هذه موقوفة أو وقفاً أو
__________
(1) معالم السنن (2/ 68 - 69) .
(2) كذا، ولعلها بمعنى: " لا يخرج ".
(6/444)
قال: أرضي هذه أو ضيعتي هذه للسبيل، أو قال:
أرضي هذه أو ضيعتي
هذه لله تعالى، فهذه أربع صور، ففي الصورة الأولى هذا
نذر بالتصدق حتى لو تصدق بعينها،/ أو بقيمتهما جاز،
وفي الصورة [....] (1) الفقراء، أما إذا ذكرهم فإن
قال: أرضي هذه [.....] (2) بالتنصيص
على الفقراء، وكذلك في قوله: أرضي هذه [....] (3) إذا
لم يذكر التأبيد، فإن ذكره بأن قال: أرضي هذه موقوفة
مؤبدة على الفقراء [.....] (4) وقف من هذه الألفاظ إلا
أن في هذه الفصول التسليم إلى المتوفى ليس بشرط عند
أبي حنيفة، وعند محمد شرط، وبه يفتي هذا إذا لم يضف
إلى ما بعد الموت، فإن أضاف بأن قال: أرضي هذه موقوفة
مؤبدة على الفقراء في حياتي وبعد وفاتي، فكذلك في
الألفاظ الثلاثة صار وقفا عند الكل، إلا أن عند أبي
حنيفة هو نذر في حياته، حتى لو تصدق بقيمتها جاز،
ووصية بعد وفاته، هذا كله إذا لم يقف على إنسان
بعينه، فأما إذا وقف على إنسان بعينه بأن قال: أرضي
هذه موقوفة على فلان، أو على ولدي، أو على قرابتي وهم
يخصون لم يجز الوقف عندهم جميعاً فَرق أبو (5) يوسف
بين هذا وبن إذا لم يُسم إنسانا بعينه، أنه إذا لم يسم
إنسانا بعينه كان وقفا على الفقراء ظاهراً وإذا سمى
إنسانا بعينه لا يمكن أن يجعل وقفا على الفقراء، هذا
إذا لم يذكر مع الوقف الصدقة، فأما إذا ذكر بأن قال:
أرضي هذه صدقة موقوفة على فلان، أو على ولدي، أو على
قرابتي، وكذلك الألفاظ الثلاثة جاز الوقف، والغلةُ
كذلك ما دام حيا، فإذا مات هو تُصرف الغلة إلى الفقراء
لأنه لما نصت على الصدقة- والصدقة لا تكون إلا
للفقراء- كان هذا وقفا على الفقراء.
وفي الصورة الثالثة وهي قوله:" أرضي هذه أو ضيعتي هذه
للسبيل "،
__________
(1) طمس في الأول قدر ثلثي سطر.
(2) طمس في الأول قدر نصف سطر.
(3) طمس في الأول قدر أربع كلمات. "
(4) طمس في الأول قدر كلمتين.
(5) في الأول: "أبي ".
(6/445)
ولم يزد على هذا، ينظر إن كان في بلدهم
تعارفوا أن مثل هذا الكلام يكون وقفا صارت الأرض وقفا
لأن المعروف كالمنصوص، وإن لم يكن في بلدهم تعارف
يُسأل فيه فبعدَ ذلك المسألةُ على ثلاثة أوجه: إن أراد
به الوقف صار وقفا لأنه نوى ما يحتمله، وأن أراد به
الصدقة فهو نذر، يتصدق بها أو بثمنها لأنه نوى ما
يحتمله، دن لم ينو شيئا، فإن مات صارت ميراثا عنه.
وفي الصورة الرابعة وهي قوله:" أرضي هذه أو ضيعتي هذه
لله تعالى، أو جعلتها لله تعالى [.....] (1) ، وأما
قوله: وفيه دلالة على أن من حبس عقارا على رجل بعينه"
إلى آخره. ليس فيه دلالة على نحو ما ذكره لأن الذي
يُفهم من الحديث أنه قال: جعلت أرضي باريحاء له، أي:
لله تعالى، وهذا يحتمل أن يكون نذراً، ويحتمل أن يكون
وقفا فلما قال- عليه السلام-:" اجعلها في قرابتك"،
وقسمها أبو طلحة بين حسان وأبيّ تعين جهة الوقفية.
وأما قوله:" وفيه دليل على جواز قسم الأرض الموقوفة"
فغير مسلم لأنه لا دليل فيه على ذلك لأن المراد من
قوله:" فقسمها بين حسان وأبي" قام الغلة، والريع
الحاصل من تلك الأرض، ويؤيد ذلك قضية عمر مع علي
والعباس- رضي الله عنهم-، نعم إذا كان الوقف مشاعاً
فطلب الشريك القسمة، فيصح مقاسمتُه؟ لأن القسمة فيها
معنى المبادلة والإقرار، فجعل في الوقف معنى الإقرار
نظر [اً] ، للوقف، وفي "فتاوى الولوالجي ": رجل وقف
ضيعة له على بنيه، فأراد أحدهم قسمتها ليدفع نصيبه
مزارعة، فهاهنا حكمان، أحدهما: القسمة، والأخر: الدفع
مزارعة، أما القسمة قسمة الوقف لا يجوز من أحد، أما
الدفع مزارعة فليس لأرباب الوقف أن يعقدوا على الوقف
عقد مًزارعة، وأنما ذلك للقيم؟ لأن الولاية للقيم.
__________
(1) بياض في الأصل قدر سطر إلا أربع كلمات.
(6/446)
والحديث أخرجه: مسلم، والنسائي، وليس في
حديثهما كلام الأنصاري. وأخرجه البخاري، ومسلم،
والنسائي من حديث إسحاق ابن عبد الله بن أبي طلحة، عن
أنس أتم منه.
ص- قال أبو داودَ: بَلَغَني عن الأنصاريّ محمدِ بنِ
عبد اللهِ قال: أبو طلحةَ زيدُ بنُ سهلِ بنِ الَأسود
بنِ حرام/ [بنِ عمرِو بنِ زيد مناةَ بنِ عديِّ ابن
عمرو بن مالك بن النجارِ، َ وحسانُ بنِ ثابت بنِ
المنذرَِ بن حرامٍ، (1) ]
يجتمعانَ إلى حرامٍَ وهوَ الأبُ الثالث، وأبَي بنُ
كَعبِ بنِ قيسِ بنِ عتيكِ ابنِ زيد بنِ مُعاوية بن
عمرِو بز مالكِ بن النجارِ، (1) فعمرو يجمعُ حسانَ،
وأبا طلحَةَ وأبناء. قال الأنصاري: بين [أبي وأبي
طلحةَ ستةُ آباء.
ش- محمد بن] (1) عبد الله بن المثنى بن عبد الله بن
أنيس بن مالك أبو عبد الله الأنصاري البصري قاضيها.
وزيد بن سهل يكنى: أأبا طلحة، شهد، (2) العقبة وبدرا
وأحُداً، والمشاهد كلها مع رسول الله، وهو نقيب. رُوي
له عن رسول الله- عليه السلام- اثنا [ن وعشرون] (2)
حديثاً اتفقا منها على حديثين، وانفرد البخاري بحديث
ومسلم بآخر. روى عنه: ابن عباس، وأنس (3) بن [مالك]
(2) ، وسعيد بن يسار أبو الشباب. مات بالمدينة سنة
اثنتين وثلاثين. وقال أبو حاتم الرازي: سنة أربع وثلا
[ثين] ، (2) ، صلى عليه عثمان بن عفان، وسنه سبعون
سنة. وقال أبو زرعة الدمشقي: توفي بالشام، وعاش بعد
رسول الله أربعين سنة يسرد الصوم، وروى
ثابت البناني، وعلي بن زيد بن جدعان عن أنس بن مالك،
عن
__________
(1) طمس في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(2) غير واضح في الأصل.
(3) كذا في الأصل، وفي الاستيعاب، وفي الإصابة وتهذيب
الكمال: "ربيبه أنس بن مالك"، ولم يذكرا أنسا فالله
أعلم.
(6/447)
أبي طلحة، أنه غزا البحر فمات فيه. روى له
الجماعة (1) وحرام ضد حلال
وحسَان- فَعَال بالتشديد- بن ثابت بن المنذر بن حرام
بن عمرو بن زيد مناف بن عدي بن عمرو بن مالك بن
النجار، يكنى: أبا عبد الرحمن ويقال: أبو الوليد،
ويقال: أبو الحسام، وأمه: الفُريعة بنت خالد بن جبير
(2) بن لوذان بن عبد ود بن زيد بن ثعلبة بن الخزرج بن
كعب بن ساعدة، الأنصاري المدني، شاعر رسول الله. وعاش
حرام مائة وعشرين سنة، وكذلك ابنه المنذر وابن ابنه
ثابت، وكذا عاش حسان مائة وعشرين سنة: في الجاهلية
ستين سنة، وفي الإسلام ستين سنة. وقال أبو نعيم: لا
يعرف في العرب أربعة تناسلوا من صُلب واحد، اتفقت مدة
تعميرهم مائة وعشرين سنة غيرهم. روى عنه: ابنه عبد
الرحمن، والبراء بن عازب، وسعيد بن المسبب. مات سنة
خمسين، وقيل: سنة أربع وخمسين بالمدينة. روى له:
البخاري، ومسلم، والنسائي، وابن ماجه، وأبو داود (3) .
وأبي بن كعب قد ذكرناه مرة.
وعتيك- بفتح العين المهملة، وكسر التاء المثناة من
فوق- وهكذا هو عند جميع الرواة عن أبي داود، وقيل:
الصواب: عُبيد- بضم العين، وفتح الباء الموحدة، وفي
آخره دال- وكذا عند البخاري وابن أبي خيثمة وغير هما.
__________
(1) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 549)
، وأسد الغابة (2/ 289) ، والإصابة (1/ 566) ، وتهذيب
الكمال (0 1/ 0 1 1 2) .
(2) كذا، وفي الاستيعاب: "خنس "، وقال محققه: " في
الأصل: جسر، وما أثبته عن الخزانة: 1/ 227 "، وفي أسد
الغابة: "خنيس "، وفي الإصابة: "حبيش".
(3) انظر ترجمته في: الاستيعاب بهامش الإصابة (1/ 335)
، وأسد الغابة (2/ 5) ، وا لإصابة (1/ 326) .
(6/448)
1810- ص- لا هناد بن السري، عن عبدة، عن محمد
بن إسحاق، عن بكير بن عبد الله بن الأشج، عن سليمان بن
يسار، عن ميمونةَ زوج النبي- عليه السلام- قالتْ:
كانتْ لي جاريه فَأعْتَقْنُهَا، فدخَلَ عَلَيَّ النبي
عليه السلام- فأخْبَرْتُه فقالَ: " آجَرَك اللهُ، أَما
إِنكَ لو كُنتِ أَعْطَيْتِيهَا (1) أخْوَالَكِ كان
أَعْظَمَ لأجْرِكِ " (2) .
ش- عبدة بن سليمان.
قوله: " أخوالك " " (3) باللام، وهكذا وقع في رواية
مسلم، ووقعت في رواية غير الأصيلي في البخاري، وفي
رواية الأصيلي: " أخواتك" بالتاء. قال القاضي: ولعله
أصح بدليل رواية مالك في " الموطأ ": "أعطيتها أختك".
وقال الشيخ محي الدين (3) : الجميع صحيح ولا تعارض،
وقد قال - عليه السلام- ذلك كله. وفيه الاعتناء بأقارب
الأم إكراما لحقها، وهو زيادة في برها. وفي قوله:
"أخوالك " فضيلة صلة الأرحام والإحسان إلى الأقارب،
وأنه أفضل من العتق، وفيه جواز تبرع المرأة بمالها
بغير إذن زوجها".
والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي من حديث
كريب،
عن ميمونة- رضي الله عنها-.
1811- ص- نا محمد بن كثير، أنا سفيان، عن محمد بن
عجلان، عن المقبري، عن أبي هريرةَ قال: أمَرَ النبي-
عليه السلام- بالصدقة، فقالَ رجلٌ: يا رسولَ اللهِ،
عندِي دينارٌ. قال: " تَصَدقْ بِهِ علَى نفسِكَ "َ.
قال:
__________
(1) في سنن أبي داود: " أعطيتها".
(2) البخاري: كتاب الهبة، باب: هبة المرأة لغير روجها،
وعتقها إذا كان لها زوج (2592) ، مسلم: كتاب الزكاة،
باب: فضل النفقة والصدقة على الأقربين والزوج والأولاد
والوالدين (999) ، النسائي في الكبرى، كتاب العتق.
(3) انظر: شرح صحيح مسلم (86/7) .
29 طرح صنف أبي داوود 6
(6/449)
عِندي آخر. قال: "تَصَدَقْ به عَلَى وَلَدكَ
". قال: عندي آخر. قال: " تَصَدَّقْ به عَلَى
زَوْجَتكَ أو (2) زَوْجكَ ". قال: عندِي آخر قال: "
تَصَدَّقْ به على خَادمكَ". قالَ: عِندِي آخر. قال:
"أنتَ أبصَرُ " (2) .
ش- " (3) المراد من الصدقة فيه: النفقة، ورتب- عليه
السلام- الأول فالأول، والأقرب فالأقرب، أمره أن يبدأ
بنفسه، ثم بولده لأنه كبعضه، ثم ثلث بالزوجة، وأخرها
عن الولد لأنه إذا لم يجد ما ينفق عليها تركها، فينفق
عليها ذو رحم تجب نفقتها عليه، أو تتزوج بآخر فينفق
عليها/ [ثم ذكر الخادم لأنه يباع عليه إذا عجز عن
نفقته، فتكون النفقة على من يبتاعه ويملكه، ثم قال له
فيما بعد: أنت أبصر، أي: إن شئت تصدقت، وإن شئت أمسكت]
(4) ، والحديث أخرجه: النسائي.
1812- ص- نا محمد بن [كثير، نا سفيان، حدَثنا أبو
إسحاق، عن وهب بن جابر الخيواني، عن عبد الله بن عمرو]
(5) قال: قال رسول الله علبه السلام-: " كَفَى بالمرء
إِثما أن يُضيعَ من يَقوت " (6) .
أي- سفيان، الثوري، وأبو إسحاق السبيعي. ووهب بن جابر
الخيواني ذكره ابن حبان في "الثقات " وقال: من أهل
[الكوفة] (7) ، يروي عن: عبد الله بن عمرو. روى عنه:
السبيعي.
__________
(1) في سنن أبي داود: "أو قال".
(2) النسائي: كتاب الزكاة، باب: الصدقة عن ظهر غنى (5/
62) . (3) انظر: معالم السنن (2/ 69) .
(4) طمس في الأصل، وأثبتناه من معالم السنن.
(5) طمس في الأصل، وأثبتناه من سنن أبي داود.
(6) النسائي في الكبرى، كتاب: عشرة النساء (167) .
(7) غير واضح في الأصل، وأثبتناه من " الثقات " (5/
489)
(6/450)
والخيواني- بفتح الخاء المعجمة، وسكون الياء
آخر الحروف- نسبة إلى خيوان [....] (1) .
قوله: " كفى بالمرء إثما " " إثما" منصوب على التمييز،
والباء في "بالمرء" (2) زائدة، و "المرء " مفعوله،
والفاعل قوله: " أن يضيع "، وأن، في تأويل المصدر،
والتقدير: كفى المرء إثما تضييع من يقول. وأصله:
يقوله، فحذف المفعول للعلم به، وللاستغناء عنه، من
قولهم: قات أصله يقوتهم قوتا وقياتة، والاسم: القوت
بالضم، وهو ما يقوم به بدن الإنسان من الطعام، ومعنى "
من يقوت ": من يلزمه قوته كأنه قال للمتصدق: لا تتصدق
بما لا فضل فيه عن قوت أهلك تطلب الأجر، فينقلب إثما
إذا ضيعتهم. والحديث أخرجه النسائي. والخرج مسلم في
"الصحيح" (3) من حديث خيثمة بن عبد الرحمن، عن عبد
الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: " كفى بالمرء إثما أن يَحْبِسَ عمن يَملكُ
قوتَه".
1813- ص- نا أحمد بن صالح ويعقوب بن كعب- وهذا حديثه-
قالا: نا ابن وهب، أخبرني يونس، عن الزهري، عن أنس
قال: قال رسولُ الله- عليه السلام-: " من سَره أنْ
يبسَطَ عَلَيهِ في رِزْقِهِ، وينسأ له في أثَرِهِ،
فَليَصَلْ رَحِمَهُ " (4) .
ش- يعقوب بن كعب الأنطاكي الحلبي، وعبد الله بن وهب،
ويونس ابن عبيد، ومحمد بن مسلم الزهري.
__________
(1) بياض في الأصل قدر ثلث سطر.
(2) في الأصل: " كفى"
(3) كتاب الزكاة، باب: فضل النفقة على العيال
والمملوك، وإثم من ضيعهم، أو حبس نفقتهم عنهم (996/
40) .
(4) البخاري: كتاب الأدب، باب: من بسط له في الرزق
لصلة الرحم (5 منه، 6 ماه) ، مسلم: كتاب البر والصلة
والآداب، باب: صلة الرحم وتحريم قطيعتها (2557) ،
النسائي في الكبرى: كتاب التفسير.
(6/451)
قوله: " وينسأ" أي: يؤخرُ، يقال: نسأت الشيء:
أخرته، وكذلك أنسأته: فعلت وأفعلت بمعنى واحد، والأثر:
الأصل، وسمي أثرا لأنه يتبع العمر، وأصله من أثر مشيه
في الأرض إذا مات لا يبقى لأقدامه في الأرض أثر،
والنساء في الأجل، قيل: هو بقاء ذكره الجميل بعد الموت
على الألسنة، فكأنه لم يمت، وقيل: هو على ما سبق به
العلم إن وصل رحمه فأجله كذا، وإن لم يصل فكذا، وفي
علم الله أنه لا بد له من أحد الحالين، ورجحه بعضهم.
وقيل بالبركة فيه، وسعة الرزق، وقيل بتكثيره. وصلة
الرحم كناية عن الإحسان والتعطف والرفق والرعاية، وصلة
الله تبارك وتعالى لعباده رحمته لهم، وعطفه بإحسانه
إليهم، أو صلته لهم بأهل ملكوته والرفيق الأعلى، وصلة
الرحم درجات، وأدناها ترك المهاجرة وصلتها ولو
بالسلام.
واختلف الناس في الرحم التي يجب صلتها فقيل: هي كل رحم
محرمة مما لو كان اْحدهما ذكراً حرم عليه نكاح الآخر،
فعلى [هذا] لا تجب في بني الأعمام وبني العمات وبني
الخالات. وقيل: بل هذا في كل رحم ممن ينطلق عليه ذلك
في ذوي الأرحام في المواريث، محرميا كان أو غيره.
والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والنسائي.
1814- ص- نا مسدد وأبو بكر بن أبي شيبة قالا: نا سفيان
عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عبد الرحمن بن عوف قال:
سمعتُ رسوِلَ الله - عليه السلام- يقوِلُ: [قال]
اللهُ: " أنا الرحمنُ، وهي الرحمُ، شقَقْتُ لها من
اسْمِي (1) ، منْ وَصَلَهَا وَصَلتُهُ، ومَن قَطَعَهَا
بَتَتُهُ " (2) .
ش- أبو بكر اسمه: عبد الله بن محمد بن إبراهيم بن
عثمان بن خواستي- بالخاء المعجمة، والسين المهملة،
وبعدها تاء مثناة من فوق- ابن أبي شيبة العباسي
الكوفي، أخو عثمان والقاسم. سمع: خلف بن
__________
(1) في سنن أبي داود: " شققت لها اسما من اسمي ".
(2) الترمذي: كتاب البر والصلة، باب: ما جاء في قطيعة
الرحم (1907) .
(6/452)
خليفة، وشريك بن عبد الله النخعي، وأبا داود
الحَفري، وأبا أحمد الزبيري، وأبا داود الطيالسي،
ووكيعا، ويحيى القطان، وجماعة آخرين. روى عنه: أحمد بن
حنبل، وابنه عبد الله، وأبو زرعة، وأبو حاتم،
والبخاري، ومسلم، وأبو داود، والنسائي عن رجل عنه،
وابن ماجه، ويعقوب بن شيبة، والباغندي (1) / [.....]
(2) .
قوله: " شققت لها" أي: [.....] (3) في الأسماء
اللغوية، وهذا يرد قول من يزعم أن الأسماء كلها موضوعة
[....] (4) الاشتقاق، وفيه دليل أيضا على أن اسم
الرحمن عربي مأخوذ من الرحمة، وقد زعم بعض المفسرين
أنه عبراني.
قوله: " من وصلها وصلته "، وقد ذكرنا معنى صلة العبد
وصلة الرب تبارك وتعالى.//.
قوله: " بَتَته " أي: قطعته، من البت وهو القطع.
والحديث أخرجه: الترمذي وقال: حديث صحيح. وفي تصحيحه
نظر، فإن يحيى بن معين قال: أبو سلمة بن عبد الرحمن لم
يسمع من أبيه شيئاً وذكر غيره أن أبا سلمة وأخاه حميدا
لم يصح لهما سماع من أبيهما.
1815- ص- نا محمد بن المتوكل العسقلاني، نا عبد
الرزاق، أنا معمر، عن الزهري، حدثني أبو سلمة، أن
الرَّدَّادَ الليثي أخبره عن عبد الرحمن بن عوف، أنه
سمع رسولَ اللهِ- عليه السلام- بمعناه (5) .
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (16/ 3526) .
(2) طمس في الأصل قرر سطر.
(3) كلام غير واضح قدر ست كلمات، وفي معالم السنن (2/
70) : "في هذا بيان صحة القول بالاشتقاق في الأسماء
اللغوية، وذلك أن قوما أنكروا الاشتقاق، وزعموا أن
الأسماء كلها موضوعة، وهذا يبين لك فساد قولهم"
(4) كلمة غير واضحة.
(5) انظر الحديث السابق.
(6/453)
ش- عبد الرزاق بن همام، ومعمر بن راشد، وأبو
سلمة عبد الله بن عبد الرحمن، والرداد الليثي وقال
بعضهم: أبو الرداد وهو الأشهر. روى عن: عبد الرحمن بن
عوف. روى عنه: أبو سلمة. روى له: أبو داود (1) .
قوله: " بمعناه" أي: بمعنى الحديث المذكور، وإليه أشار
الترمذي أيضاً وحكى عن البخاري أنه قال: وحديث معمر
خطأ، وقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي من حديث سعيد بن
يسار أبي الحُباب، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله-
عليه السلام-: "إن الله خلق الخلق، حتى إذا فرغ منهم
قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ من القطيعة. قال:
نعم، أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت:
بلى، قال: فذاك لك ... " الحديث.
1816- ص- نا مسدد، نا سفيان، عن الزهري، عن محمد بن
جبير ابن مطعم، عن أبيه، يَبْلُغُ به النبيَّ- عليه
السلام- قال: "لا يَدْخُلُ الجنةَ قَاطِع (2) " (3) .
ش- أي: قاطع رحم.
وقوله: " لا يدخل الجنة" معناه: أمدا ما إن جازاه الله
وعاقبه، كما جاء في غير حديث، إما بدخول النار أولا،
أو بإمساكه مع أصحاب الأعراف، أو بطول حسابه،
والسابقون يتنعمون حينئذ إلا أن يكون فعل ذلك مستحلا.
والحديث أخرجه: البخاري، ومسلم، والترمذي.
1817- ص-. نا ابن كثير، أنا سفيان، عن الأعمش والحسن
بن عمر
__________
(1) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (9/ 1900) .
(2) في سنن أبي داود: " قاطع رحم"
(3) البخاري: كتاب الأدب، باب: إثم القاطع (5984) ،
مسلم: كتاب البر والصلة والأدب، باب: صلة الرحم وتحريم
قطعها (2556) ، الترمذي: كتاب البر والصلة، باب: ما
جاء في صلة الرحم (1909) .
(6/454)
وفطر، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمرو- قال
سفيان: ولم يرفعْهُ سليمانُ إلى النبي- عليه السلام-،
ورفعه فطر والحسنُ- قال: قال رسولُ الله - عليه
السلالم-: " ليسَ الوَاصلُ بالمُكَافئ، ولكن الوَاصلَ
الذي (1) إلاَ قُطِعَتْ رَحِمُه وَصَلهَا" (2) .
ش- فطربن خليفة.
قوله: "ولم يرفعه سليمان " أي: سليمان الأعمش، ورفعه
فطر. والحسن بن عمرو الفُقَيمي التميمي الكوفي، أخو
الفضل بن عمرو. روى عن: أخيه الفضل ومجاهد، وإبراهيم
النخعي. روى عنه: الثوري، وابن المبارك، وابن أبي
زائدة، وغيرهم. وقال ابن معين: هو ثقة حجة. روى له:
البخاري، وأبو داود، وابن ماجه، والنسائي (3) . قوله:
"ليس الواصل بالمكافئ" قيل: معناه ليس الواصل رحمه
الذي يصلهم مكافأة لهم على صلةِ تقدمت منهم إليه،
فكافأهم عليها بصلة مثلها، وقد رُوي هذا المعنى عن عمر
بن الخطاب وقال: ذلك القصاص، ولكن الوصل أن تصل من
قطعك.
والحديث أخرجه: البخاري، والترمذي.
44- باب: في الشح
أي: هذا باب في بيان الشُحّ، الشُّحُّ أشد البخل، وهو
أبلغ في المنع من البخل. وقيل: هو البخل مع الحرص،
وقيل: البخل في أفراد الأمور وآحادها، والشح عام.
وقيل: البخل بالمال، والشح بالمال
__________
(1) في سنن أبي داود: " ولكن هو الذي ".
(2) البخاري: كتاب الأدب، باب: ليس الواصل بالمكافئ
(9951) ، الترمذي: كتاب البر والصلة، باب: في صلة
الرحم (1908) .
(3) انظر ترجمته في: تهذيب الكمال (6/ 1256) .
(6/455)
والمعروف. يقال: شح يشح من باب نصر ينصر، شَحا
بالفتح فهو شحيح، والاسم الشح.
1818- ص- نا حفص بن عُمر، نا شعبة، عن عمرو بن مرة، عن
عبد الله بن الحارث، عن أبي كثير، عن عبد الله بن عمرو
قال: خَطَبَ رسولُ الله- عليه السلام- فقال: "إِياكُمْ
والشح، فإنما هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بالشح،
أمَرَهُمْ بِالبُخْلِ فَبَخلُوا، وأمَرَهُمْ
بالقَطيعَة فَقَطَعُوا، وَأمَرَهُمْ بالفُجُورِ
فَفَجَرُ " (1) ، (2) .
__________
(1) النسائي في الكبرى، كتاب التفسير.
(2) وهذا آخر ما عثرنا عليه مما كتبه المصنف- رحمه
الله- وبه ينتهي الكتاب، وأحمد الله الذي بنعمته تتم
الصالحات.
(6/456)