شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
6 - كتاب الحيض
وقوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ
أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا
تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ
فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ
الْمُتَطَهِّرِين} [البقرة: 222].
(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا في الفرع بإثباتها مع رقم
علامة إسقاطها عند ابن عساكر والأصيلي.
هذا (كتاب) بيان أحكام (الحيض) وما يذكر معه من الاستحاضة
والنفاس، ولأبي ذر تقديم كتاب على البسملة، وفي رواية باب
بدل كتاب والتعبير بالكتاب أولى كما لا يخفى، وترجم بالحيض
لكثرة وقوعه وله أسماء عشرة: الحيض، والطمث، والضحك،
والإكبار، والإعصار، والدراس، والعراك، والفرا بالفاء،
والطمس والنفاس. ومنه قوله عليه الصلاة والسلام لعائشة:
"أنفست".
والحيض في اللغة السيلان يقال: حاض الوادي إذا سال، وحاضت
الشجرة إذا سال صمغها.
وفي الشرع دم يخرج من قعر رحم المرأة بعد بلوغها في أوقات
معتادة، والاستحاضة الدم الخارج في غير أوقاته ويسيل من
عرق فمه في أدنى الرحم اسمه العاذل بالذال المعجمة قاله
الأزهري.
وحكى ابن سعيده إهمالها والجوهري بدل اللام راء.
(وقول الله تعالى) وللأصيلي عز وجل بالجر عطفًا على قوله
الحيض المجرور بإضافة كتاب إليه، وفي رواية قول الله
بالرفع: {ويسألونك عن المحيض} مصدر كالمجيء والمبيت أي
الحيض أي عن حكمه. وروى الطبري عن السدي أن الذي سأل
أوّلاً عن ذلك أبو الدحداح، وسبب نزول الآية ما روى مسلم
عن أنس: أن اليهود كانوا إذا حاضت المرأة فيهم أخرجوها من
البيوت، فسأل
الصحابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فأنزل الله تعالى {ويسألونك عن المحيض} الآية، وقال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "افعلوا كل شيء إلا
النكاح" ("قل هو أذى") أي الحيض مستقذر يؤدي من يقربه
لنتنه ونجاسته، (فاعتزلوا النساء في المحيض) فاجتنبوا
مجامعتهن في نفس الدم أي حال سيلانه أو زمن الحيض أو
الفرج، والأوّل هو الأصح، وهو اقتصاد بين إفراط اليهود
الآخذين في ذلك بإخراجهنّ من البيوت، وتفريط النصارى فإنهم
كانوا يجامعونهنّ ولا يبالون بالحيض. وإنما وصفه بأنه أذى،
ورتب عليه بالفاء إشعارًا بأنه العلة. ({ولا تقربوهن حتى
يطهرن}) تأكيد للحكم، وبيان لغايته وهو أن يغتسلن بعد
الانقطاع
_________
(1) بياض في الأصل.
(1/340)
ويدل عليه صريحًا قراءة يطهرن بالتشديد
بمعنى يغتسلن والتزامًا قوله: ({فإذا تطهرن فأتوهن}) فإنه
يقتضي تأخر جواز الإتيان عن الغسل. وقال أبو حنيفة إن طهرت
لأكثر الحيض جاز قربانها قبل الغسل ({من حيث أمركم}) أي
المأتي الذي أمركم به وحلّله لكم ({إن الله يحب
التوّابين}) من الذنوب ({ويحب المتطهرين}) [البقرة: 222]
المتنزهين عن الفواحش والأقذار كمجامعة الحائض، والإتيان
في غير المأتي، كذا ذكرت الآية كلها في رواية ابن عساكر،
ولأبوي ذر والوقت: {فاعتزلوا} إلى قوله: {ويحب المتطهرين}
وللأصيلي كذلك إلى قوله: {المتطهرين} وفي رواية {ويسألونك
عن الحيض} الآية.
1 - باب كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْحَيْضِ، وَقَوْلِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا
شَىْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ».
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَ أَوَّلُ مَا أُرْسِلَ الْحَيْضُ
عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ، قال أبو عبد الله وَحَدِيثُ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَر.
هذا (باب كيف كان بدء الحيض) أي ابتداؤه ويجوز تنوين باب
بالقطع عما بعده وتركه للإضافة لتاليه. (وقول النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بجر قول ورفعه على
ما لا يخفى (هذا) أي الحيض (شيء كتبه الله على بنات آدم)
لأنه من أصل خلقتهن الذي فيه صلاحهن، ويدل له قوله تعالى:
{وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ} [الأنبياء: 90] المفسر
بأصلحناها للولادة بردّ الحيض إليها عند عقرها، وقد روى
الحاكم بإسناد صحيح من حديث ابن عباس: إن ابتداء الحيض كان
حوّاء عليها الصلاة والسلام بعد أن أهبطت من الجنة، قال في
الفتح: وهذا التعليق المذكور وصله المؤلف بلفظ شيء من طريق
أخرى بعد خمسة أبواب اهـ. يعني في باب تقضي الحائض المناسك
كلها إلا الطواف بالبيت.
وتعقبه البرماوي فقال: ليس في الباب المذكور شيء، بل هو
الحديث الذي أورده البخاري في هذا الباب فلا حاجة لادّعاء
وصله بموضع آخر. نعم لفظه هناك أمر بدل شيء فشيء إما رواية
بالمعنى وإما أنه مروي أيضًا اهـ.
والصواب ما قاله ابن حجر فإنه في الباب المذكور كذلك. نعم
قال فيه: فإن ذلك شيء بدل قوله هنا هذا شيء.
(وقال بعضهم) هو عبد الله بن مسعود وعائشة (كان أوّل)
بالرفع اسم كان (ما أرسل الحيض) بضم الهمزة مبنيًّا
للمفعول والحيض نائب عن الفاعل (على) نساء (بني إسرائيل)
خبر كان وكأنه يشير إلى حديث عبد الرزاق عن ابن مسعود
بإسناد صحيح قال: كان الرجال والنساء في بني إسرائيل يصلون
جميعًا، فكانت المرأة تتشرف للرجل فألقى الله عليهن الحيض
ومنعهن المساجد وعنده عن عائشة نحوه.
(قال أبو عبد الله) البخاري وسقط لغير أبوي ذر والوقت وابن
عساكر قال أبو عبد الله: (وحديث النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم
(أكثر) بالمثلثة أي أشمل من قول بعضهم السابق لأنه يتناول
نساء بني إسرائيل وغيرهن وقال الداودي ليس بينهما مخالفة،
فإن نساء بني إسرائيل من بنات آدم اهـ.
والمخالفة كما ترى ظاهرة فإن هذا القول يلزم منه أن غير
نساء بني إسرائيل لم يرسل عليهن الحيض، والحديث ظاهر في أن
جميع بنات آدم كتب عليهن الحيض إسرائيليات كن أو غيرهن،
وأجاب الحافظ ابن حجر بأنه يمكن أن يجمع بينهما مع القول
بالتعميم بأن الذي أرسل على نساء بني إسرائيل طول مكثه بهن
عقوبة لهن لا ابتداء وجوده، وتعقبه العيني فقال: كيف يقول
لا ابتداء وجوده والخبر فيه أوّل ما أرسل وبينه وبين كلامه
منافاة، وأيضًا من أين ورد أن الحيض طال مكثه في نساء بني
إسرائيل، ومن نقل هذا ثم أجاب بأنه يمكن أن الله تعالى قطع
حيض نساء بني إسرائيل عقوبة لهن ولأزواجهن لكثرة عنادهم
ومضت على ذلك مدّة، ثم إن الله رحمهم وأعاد حيض نسائهم
الذي جعله سببًا لوجود النسل، فلما أعاده عليهن كان ذلك
أوّل الحيض بالنسبة إلى مدة الانقطاع فأطلق الأولية عليه
بهذا الاعتبار لأنها من الأمور النسبية. وأجاب في المصابيح
بالحمل على أن المراد بإرسال الحيض إرسال حكمه بمعنى أن
كون الحيض مانعًا ابتدئ بالإسرائيليات، وحمل الحديث على
قضاء الله على بنات آدم بوجود الحيض كما هو الظاهر منه
اهـ.
(فائدة): الذي يحيض من الحيوانات المرأة والضبع والخفاش
والأرنب، ويقال إن الكلبة أيضًا كذلك، وروى أبو داود في
سننه عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: الأرنب تحيض وزاد بعضهم
الناقة والوزغة.
1 م - باب الأَمْرِ بِالنُّفَسَاءِ إِذَا نُفِسْنَ
(باب الأمر للنساء إذا نفسن) بفتح النون وكسر الفاء وسكون
السين
(1/341)
آخره نون أي حضن كذا في رواية أبوي الوقت
وذر كما في الفرع، وفي غيره باب الأمر بالنفساء إذا نفسن،
والضمير الذي فيه يرجع إلى النفساء وتذكيره باعتبار الشخص
أو لعدم الإلباس لاختصاص الحيض بالنساء والجمع باعتبار
الجنس والباء في بالنفساء زائدة لأن النفساء مأمورة لا
مأمور بها. وفي أكثر الروايات الباب والترجمة ساقطان.
294 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بْنَ الْقَاسِمِ قَالَ: سَمِعْتُ الْقَاسِمَ يَقُولُ:
سَمِعْتُ عَائِشَةَ تَقُولُ: خَرَجْنَا لاَ نَرَى إِلاَّ
الْحَجَّ، فَلَمَّا كُنَّا بِسَرِفَ حِضْتُ، فَدَخَلَ
عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَنَا أَبْكِي قَالَ: مَا لَكِ أَنُفِسْتِ؟.
قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «إِنَّ هَذَا أَمْرٌ كَتَبَهُ
اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ. فَاقْضِي مَا يَقْضِي
الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَطُوفِي بِالْبَيْتِ»
قَالَتْ: وَضَحَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ نِسَائِهِ بِالْبَقَرِ. [الحديث
294 - أطرافه في: 305، 316، 317، 319، 328، 1516، 1518،
1556، 1560، 1561، 1562، 1638، 1650، 1709، 1720، 1733،
1757، 1762، 1771، 1772، 1783، 1786، 1787، 1788، 2952،
2984، 4395، 4401، 4408، 5329، 5548، 5559، 6157، 7229].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) ولابن عساكر علي يعني
ابن عبد الله أي المديني بفتح الميم وكسر الدال (قال:
حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت عبد الرحمن بن القاسم
قال: سمعت) أبي (القاسم) بن محمد كما في رواية الأصيلى ابن
أبي بكر الصديق حال كونه (يقول: سمعت عائشة) رضي الله عنها
حال كونها (تقول):
(خرجنا) حال كوننا (لا نرى) بضم النون أي لا نظن وفي الفرع
لا نرى بفتحها (إلا الحج) إلا قصده لأنهم كانوا يظنون
امتناع العمرة في أشهر الحج فأخبرت عن اعتقادها أو عن
الغالب عن حال الناس أو حال الشارع (فلما كنا) وللكشميهني
والأصيلي فلما كنت (بسرف) بفتح السين المهملة وكسر الراء
آخره فاء موضع على عشرة أميال أو تسعة أو سبعة أو ستة من
مكة غير منصرف للعلمية والتأنيث وقد يصرف باعتبار إرادة
المكان (حضت) بكسر الحاء (فدخل علي رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا أبكي) جملة اسمية حالية
(فقال) ولأبي الوقت قال (ما لكِ) بكسر الكاف (أنفست) بهمزة
الاستفهام وضم النون في فرع اليونينية لكنه ضبب عليها. قال
النووي: الضم في الولادة أكثر من الفتح والفتح في الحيض
أكثر من الضم، وقال الهروي الضم والفتح في الولادة وأما
الحيض فبالفتح لا غير (قلت نعم) نفست (قال) عليه الصلاة
والسلام: (إن هذا) الحيض (أمر) أي شأن (كتبه الله) عز وجل
(على بنات آدم) امتحنهنّ به وتعبدهن بالصبر عليه (فاقضي ما
يقضي) بإثبات الياء في اقضي لأنه خطاب لعائشة أي أدّي الذي
يؤدّيه (الحاج) من المناسك (غير أن لا تطوفي بالبيت) أي
غير أن تطوفي فلا زائدة وإلاّ فغير عدم الطواف هو نفس
الطواف أو تطوفي مجزوم بلا أي لا تطوفي ما دمت حائضًا،
وزاد في الرواية الآتية: حتى تطهري وأن مخففة من الثقيلة
وفيها ضمير الشأن.
(قالت) عائشة: (وضحى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن نسائه) التسع رضي الله عنهن بإذنهن (بالبقر)
ولأبي ذر والحموي والمستملي بالبقبرة أي عن سبع منهن ويفهم
منه جواز التضحية ببقرة واحدة عن النساء واشتراط الطهارة
في الطواف، ويأتي تمام البحث في الحج إن شاء الله تعالى.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري ومكي ومدني وأخرجه
المؤلف أيضًا في الأضاحي، ومسلم وابن ماجة في الحج
والنسائي فيه وفي الطهارة.
2 - باب غَسْلِ الْحَائِضِ رَأْسَ زَوْجِهَا وَتَرْجِيلِهِ
(باب غسل الحائض رأس زوجها وترجيله) بالجيم والجر عطفًا
على غسل المجرور بالإضافة أي تسريح شعر رأسه وتنظيفه
وتحسينه.
295 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أُرَجِّلُ رَأْسَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَنَا حَائِضٌ. [الحديث 295 - أطرافه في: 296، 301،
2028، 2031، 2046، 5925].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدّثنا)
وللأصيلي وابن عساكر أخبرنا (مالك) بن أنس الأصبحي (عن
هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن
عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(كنت أرجل) بضم الهمزة وتشديد الجيم أمشط (رأس) أي شعر رأس
(رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وأرسله
فهو من مجاز الحذف لأن الترجيل للشعر لا للرأس أو من إطلاق
الحل على الحال مجازًاً (وأنا حائض) جملة اسمية حالية.
ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون إلا شيخ المؤلف فهو تنيسي
وأخرجه المؤلف أيضًا في اللباس والنسائي في الطهارة
والاعتكاف.
296 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ:
حدَّثَنا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ
أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ
أَنَّهُ سُئِلَ: أَتَخْدُمُنِي الْحَائِضُ أَوْ تَدْنُو
مِنِّي الْمَرْأَةُ وَهْيَ جُنُبٌ؟ فَقَالَ عُرْوَةُ:
كُلُّ ذَلِكَ عَلَىَّ هَيِّنٌ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَخْدُمُنِي
وَلَيْسَ عَلَى أَحَدٍ فِي ذَلِكَ بَأْسٌ، أَخْبَرَتْنِي
عَائِشَةُ أَنَّهَا كَانَتْ تُرَجِّلُ رَأْسَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهِيَ
حَائِضٌ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حِينَئِذٍ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ، يُدْنِي
لَهَا رَأْسَهُ وَهْيَ فِي حُجْرَتِهَا فَتُرَجِّلُهُ
وَهْيَ حَائِضٌ.
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي الرازي
الفراء يعرف بالصغير (قال: حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني
من أبناء الفرس أكبر اليمانيين وأحفظهم وأتقنهم المتوفى
سنة سبع وتسعين ومائة (أن ابن جريج) بضم الجيم وفتح الراء
نسب لجدّه لشهرته به واسمه عبد الملك بن عبد العزيز المكي
القرشي الموصلي أصله رومي أحد العلماء المشهورين قيل: هو
أول من صنف في الإسلام
(1/342)
المتوفى سنة خمسين ومائة (أخبرهم قال):
(أخبرني) بالإفراد (هشام) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر
وأبي الوقت هشام بن عروة (عن) أبيه (عروة) بن الزبير بن
العوام (أنه) أي عروة (سئل) بضم أوله وكسر ثانيه (أتخدمني
الحائض أو
تدنو) أي تقرب (مني المرأة وهي جنب) يستوي فيه المذكر
والمؤنث والواحد والجمع لأنه كما قال: جار الله اسم جرى
مجرى المصدر، الذي هو الإجناب، والجملة اسمية حالية (فقال
عروة كل ذلك) أي الخدمة والدنو (عليّ هين) بتشديد المثناة
وقد تخفف أي سهل ولابن عساكر كل ذلك هين (وكل ذلك) أي
الحائض والجنب وكل رفع بالابتداء أو منصوب على الظرفية
وجازت الإشارة بذلك إلى اثنين كقوله: {عَوَانٌ بَيْنَ
ذَلِكَ} [البقرة: 68] (تخدمني وليس على أحد) أنا وغيري (في
ذلك بأس) أي حرج.
(أخبرتني عائشة) رضي الله عنها (أنها كانت ترجل رسول الله)
أي شعر رأسه، وفي رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن
عساكر يعني رأس رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهي حائض) بالهمز والجملة حالية ولم يقل حائضة
بالتاء لعدم الإلباس لاختصاص الحيض بالنساء: (ورسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذ) أي حين
الترجيل (مجاور) أي معتكف (في المسجد) المدني (يدني) بضم
أوله أي يقرب (لها) أي لعائشة (رأسه) الشريف (وهي في
حجرتها) بضم الحاء المهملة جملة حالية (فترجله وهي حائض)
أي فترجل شعر رأسه والحال أنها حائض، واستنبط منه أن إخراج
المعتكف جزءًا منه كيده ورأسه غير مبطل لاعتكافه كعدم
الحنث في إدخال بعضه دارًا حلف لا يدخلها وجواز مباشرة
الحائض، وأما النهي في آية {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ}
[البقرة: 187] فعن الوطء أو ما دونه من دواعي اللذة لا
المسّ، وألحق عروة الجنابة بالحيض قياسًا بجامع الحدث
الأكبر، بل هو قياس جليّ لأن الاستقذار بالحائض أكثر من
الجنب. ورواة هذا الحديث ما بين مروزي وصنعاني ومكي ومدني،
وفيه التحديث والإخبار بالإفراد والعنعنة والقول.
3 - باب قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حَجْرِ امْرَأَتِهِ
وَهْيَ حَائِضٌ
وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ يُرْسِلُ خَادِمَهُ وَهْيَ حَائِضٌ
إِلَى أَبِي رَزِينٍ فَتَأْتِيهِ بِالْمُصْحَفِ
فَتُمْسِكُهُ بِعِلاَقَتِهِ.
(باب قراءة الرجل) حال كونه متكئًا (في) أي على (حجر
امرأته) بفتح الحاء المهملة وكسرها وسكون الجيم (وهي) أي
والحال أنها (حائض) وفي رواية عطية باب قراءة القرآن في
حجر المرأة (وكان أبو وائل) بالهمزة شقيق بن سلمة التابعي
المشهور، المتوفى في خلافة عمر بن عبد العزيز فيما قاله
الواقدي مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح (يرسل خادمه)
اسم لمن يخدم غيره أي جاريته بدليل تأنيثه في قوله: (وهي
حائض إلى أبي رزين) بفتح الراء وكسر الزاي مسعود بن مالك
الأسدي مولى أبي وائل الكوفي التابعي، (فتأتيه) وفي رواية
أبوي الوقت وذر لتأتيه (بالمصحف فتمسكه بعلاقته) بكسر
العين أي الخيط الذي يربط به كيسه، وغرض المؤلف رحمه الله
الاستدلال على جواز حمل الحائض والجنب المصحف، لكن من غير
مسّه لحديث: "إن المؤمن لا ينجس" ولكتابه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى هرقل وفيه من القرآن مع علمه أنهم
يمسونه وهم أنجاس، ومنعه الجمهور لقوله تعالى: {لَا
يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [الواقعة: 79]. من
الآدميين، ويمسه مجزوم بلا الناهية وضم السين لأجل الضمير
كما صرح به جماعة وقالوا: إنه مذهب البصريين بل قال في
الدر: إن سيبويه لم يحفظ في نحوه إلا الضم، والحمل أبلغ من
المس ولو حمله مع أمتعة وتفسير حل تبعًا لها لأنها
المقصودة، فلو قصده ولو معها أو كان أكثر من التفسير حرم.
297 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ
سَمِعَ زُهَيْرًا عَنْ مَنْصُورٍ ابْنِ صَفِيَّةَ أَنَّ
أُمَّهُ حَدَّثَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ
يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ ثُمَّ يَقْرَأُ
الْقُرْآنَ. [الحديث 297 - طرفه في: 7549].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم الفضل بن دكين) بالدال المهملة
أنه (سمع زهيرًا) أي ابن معاوية بن خديج الجعفي (عن منصور
ابن صفية) هي أمه اشتهر بها وأبوه عبد الرحمن الحجبي
العبدري (أن أمه) صفية بنت شيبة (حدّثته أنّ عائشة) رضي
الله عنها (حدّثتها):
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يتكئ)
بالهمز (في) أي على (حجري وأنا حائض) جملة حالية من ياء
المتكلم في حجري (ثم يقرأ القرآن) في كتاب التوحيد كان
يقرأ القرآن ورأسه في حجري وأنا حائض، وحينئذ فالمراد
بالاتكاء وضع رأسه في حجرها، وقيل: مناسبة أثر أبي وائل
للحديث من جهة أن ثيابها بمنزلة العلاقة
(1/343)
والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بمنزلة الصحف لأنه في جوفه وحامله، إذ غرض
المؤلف بهذا الباب الدلالة على جواز حمل الحائض المصحف،
فالمؤمن الحافط له أكبر أوعيته. وتعقب بأنه ليس في الحديث
إشارة إلى الحمل، وإنما فيه الاتكاء وهو غير الحمل، وكون
الرجل في حجر الحائض لا يدل على جواز الحمل، وإنما مراده
الدلالة على جواز القراءة بقرب موضع النجاسة لا على جواز
حمل الحائض المصحف.
ورواة الحديث ما بين كوفي ومكي، وفيه التحديث بالجمع
والإفراد والسماع والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في
التوحيد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة في الطهارة.
4 - باب مَنْ سَمَّى النِّفَاسَ حَيْضًا.
(باب من سمى النفاس حيضًا) واعترض عليه بأن الذي في الحديث
الآتي أنفست أي أحضت فأطلق على الحيض النفاس، فكان حقه أن
يقول من سمى الحيض نفاسًا. وأجيب بأنه أراد التنبيه على
تساويهما في حكم تحريم الصلاة كغيرها، وعورض بأن الترجمة
في التسمية لا في الحكم أو مراده من أطلق لفظ النفاس على
الحيض، وبذلك تقع المطابقة بين ما في الحديث والترجمة زاد
الكشميهني والحيض نفاسًا.
298 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أُمِّ سَلَمَةَ
حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ حَدَّثَتْهَا قَالَتْ:
بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مُضْطَجِعَةً فِي خَمِيصَةٍ إذْ
حِضْتُ، فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي.
قَالَ: أَنُفِسْتِ؟. قُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَانِي
فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ. [الحديث 298 -
أطرافه في: 322، 323، 1929].
وبه قال: (حدّثنا المكي) وللأصيلي مكي (بن إبراهيم) بن بشر
البلخي (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى بن أبي
كثير) بالمثلثة (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف ولمسلم
قال: حدّثني أبو سلمة:
(أن زينب ابنة) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر بنت
(أُم سلمة) رضي الله عنهما (حدّثته أن أم سلمة) أم
المؤمنين هند بنت أبي أمية (حدّثتها قالت: بينا) بغير ميم
(أنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال
كوني (مضطجعة) أصله مضتجعة بالتاء من باب الافتعال فقلبت
التاء طاء ويجوز رفعه على الخبرية (في خميصة) بفتح الخاء
وكسر الميم كساء أسود مربع له علمان يكون من صوف وغيره (إذ
حضت) جواب بينًا، وقد علم أن الأفصح في جواب بينا أن لا
يكون فيه إذا ولا إذ (فانسللت) ذهبت في خفية تقدّرت نفسها
أن تضاجعه وهي كذلك أو خشيت أن يصيبه من دمها أو أن يطلب
منها استمتاعًا، (فأخذت ثياب حيضتي) بكسر الحاء كما في
الفرع. قال النووي: وهو الصحيح المشهور اهـ. وبه جزم
الخطابي وبفتحها، ورجحه القرطبي، وبهما رويناه فمعنى
الأولى أخذت ثيابي التي أعددتها لألبسها حالة الحيض، ومعنى
الثانية أخذت ثيابي التي ألبسها من الحيض لأن الحيضة
بالفتح هي الحيض، ووقع في بعض الأصول حيضي بغير تاء وهو
يؤيد وجه رواية الفتح.
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبوي ذر
والوقت فقال: (أنفست) بضم النون كذا في الفرع لا غير
وبفتحها.
قال النووي: وهو الصحيح في اللغة بمعنى حضت والضم الأكثر
في الولادة، وبالوجهين رواه ابن حجر ورويناه قالت أُم سلمة
رضي الله عنها: (قلت نعم) نفست (فدعاني) عليه الصلاة
والسلام (فاضطجعت معه في الخميلة) باللام بدل الصاد وهي
القطيفة ذات الخمل وهو الهدب الذي ينسج ويفضل له فضول أو
هي من صوف له خمل من أي نوع كان أن الأسود من الثياب.
واستنبط من الحديث استحباب اتخاذ المرأة ثيابًا للحيض غير
ثيابها المعتادة، وجواز النوم مع الحائض في ثيابها
والاضطجاع في لحاف واحد.
ورواته الستة ما بين بلخي وبصري ومدني ويماني، وفيه
التحديث بصيغة الجمع والإفراد والعنعنة ورواية تابعي عن
تابعي وصحابية عن صحابية، وأخرجه المؤلف في الصوم والطهارة
ومسلم والنسائي فيه أيضًا.
5 - باب مُبَاشَرَةِ الْحَائِضِ
(باب مباشرة) الرجل زوجته (الحائض) أي التقاء بشرتيهما لا
الجماع.
299 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا َالنَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ
كِلاَنَا جُنُبٌ.
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة وفتح
الصاد المهملة ابن عقبة الكوفي (قال: حدّثنا سفيان) الثوري
(عن منصور) أي ابن المعتمر (عن إبراهيم) النخعي (عن
الأسود) بن يزيد (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(كنت أغتسل أنا والنبي) بالرفع عطفًا على الضمير المرفوع
في كنت والنصب على أن الواو بمعنى مع أي مصاحبة للنبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من إناء واحد) حالة
كوننا (كلانا جنب) بالتوحيد أفصح من التثنية.
300 - وَكَانَ يَأْمُرُنِي فَأَتَّزِرُ فَيُبَاشِرُنِي
وَأَنَا حَائِضٌ. [الحديث 300 - طرفاه في: 302، 2030].
(وكان) عليه الصلاة والسلام وللأصيلي
(1/344)
فكان (يأمرني فأتزر) بفتح الهمزة وتشديد
المثناة الفوقية وأنكره أكثر النحاة وأصله فاأتزر بهمزة
ساكنة بعد الهمزة المفتوحة ثم المثناة الفوقية بوزن افتعل.
قال ابن هشام: وعوام المحدثين يحرّفونه فيقرؤونه بألف وتاء
مشددة ولا وجه لأنه افتعل ففاؤه همزة ساكنة بعد همزة
المضارعة المفتوحة. وقطع الزمخشري بخطأ الإدغام، وقد حاول
ابن مالك جوازه. وقال: إنه مقصور على السماع كاتكل، ومنه
قراءة ابن محيصن فليؤد الذي اتمن بهمزة وصل وتاء مشددة،
وعلى تقدير أن يكون خطأ فهو من الرواة عن عائشة فإن صح
عنها كان حجة في الجواز لأنها من فصحاء العرب، وحينئذ فلا
خطأ. نعم نقل بعضهم أنه مذهب الكوفيين، وحكاه الصغاني في
مجمع البحرين (فيباشرني) عليه الصلاة والسلام أي تلامس
بشرته بشرتي (وأنا حائض) جملة حالية، وليس المراد المباشرة
هنا الجماع إذ هو حرام بالإجماع فمن اعتقد حلّه كفر.
301 - وَكَانَ يُخْرِجُ رَأْسَهُ إِلَىَّ وَهُوَ
مُعْتَكِفٌ فَأَغْسِلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ.
قالت عائشة: (وكان) عليه الصلاة والسلام (يخرج رأسه) من
المسجد (إليَّ) أي وهي في حجرتها (وهو معتكف) في المسجد
جملة حالية (فاغسله وأنا حائض) جملة حالية أيضًا.
ورواة هذا الحديث كلهم إلى عائشة كوفيون وفيه التحديث
والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي عن صحابية، وأخرجه المؤلف
في آخر الصوم ومسلم في الطهارة وكذا أبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة.
302 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ -هُوَ الشَّيْبَانِيُّ- عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا إِذَا كَانَتْ حَائِضًا
فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ
فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا. قَالَتْ:
وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ كَمَا كَانَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟
تَابَعَهُ خَالِدٌ وَجَرِيرٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (إسماعيل بن خليل)
وللأصيلي وابن عساكر الخليل باللام للمح الصفة كالحرث
والعباس الكوفي الخزاز بالخاء والزايين المعجمات وأولى
الزايين مشددة. قال البخاري: جاءنا نعيه سنة خمس وعشرين
ومائتين. (قال: أخبرنا علي بن مسهر) بضم الميم وسكون السين
المهملة وكسر الهاء آخره راء القرشي الكوفي، المتوفى سنة
تسع وثمانين ومائة (قال: أخبرنا أبو إسحاق) سليمان بن
فيروز التابعي، المتوفى سنة إحدى وأربعين ومائة (وهو
الشيباني) بفتح الشين المعجمة وإنما قال هو لينبّه على أنه
من قوله لا من قول الراوي عن أبي إسحاق (عن عبد الرحمن بن
الأسود) التابعي، المتوفى سنة تسع وتسعين (عن أبيه) الأسود
بن يزيد (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(كانت إحدانا) أي إحدى زوجاته عليه الصلاة والسلام (إذا
كانت حائضًا فأراد رسول الله)
وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن
يباشرها) بملاقاة البشرة للبشرة من غير جماع (أمرها أن
تتّزر) بتشديد المثناة الفوقية وللكشميهني أن تأتزر بهمزة
ساكنة وهي أفصح. وقال في المصابيح على القياس (في فور)
بفتح الفاء وسكون الواو آخره راء أي في ابتداء (حيضتها)
قبل أن يطول زمنها، وفي سنن أبي داود فوح بالحاء المهملة
(ثم يباشرها) بملامسة بشرته لبشرتها. (قالت) عائشة: (وأيكم
يملك إربه) بكسر الهمزة وسكون الراء ثم موحدة. ورواة أبو
ذر فيما حكاه في اللامع بفتح الهمزة والراء، وصوبه الخطابي
والنحاس، وعزاه ابن الأثير لرواية أكثر المحدثين ومعناه
أضبطكم لشهوته أو عضوه الذي يستمتع به (كما كان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-ويملك إربه) فلا يخشى
عليه ما يخشى على غيره من أن يحوم حول الحمى، وكان يباشر
فوق الإزار تشريعًا لغيره ممن ليس بمعصوم، وبه استدل
الجمهور على تحريم الاستمتاع بما بين سرتها وركبتها بوطء
أو غيره، وفي الترمذي وحسنه أنه سئل عما يحل من الحائض
فقال: ما وراء الإزار وهو الجاري على قاعدة المالكية في سد
الذرائع، وذهب كثير من العلماء إلى أن الممنوع هو الوطء
دون غيره، واختاره النووي في التحقيق وغيره وقال به محمد
بن الحسن من الحنفية، ورجحه الطحاوي واختاره أصبغ من
المالكية لخبر مسلم: اصنعوا كل شيء إلا النكاح فجعلوه
مخصصًا لحديث الترمذي السابق، وحملوا حديث الباب وشبهه على
الاستحباب جمعًا بين الأدلة، وعند أبي داود بإسناد قوي
حديث أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد من الحائض ألقى
على فرجها ثوبًا، واستحسن في المجموع وجهًا ثالثًا أنه إن
وثق بترك الوطء لورع أو قلة شهوة جاز الاستمتاع وإلاّ فلا.
قال في التحقيق وغيره: فلو وطئ عامدًا عالمًا بالتحريم أو
الحيض مختارًا فقد ارتكب كبيرة فيتوب
(1/345)
والجديد لا غرم ويندب ما أوجبه القديم وهو
دينار إن وطئ في قوة الدم وإلا فنصفه، وأما المباشرة فوق
السرة وتحت الركبة فجائزة اتفاقًا، وهل يحل الاستمتاع
بالسرة والركبة؟
قال في المجموع: لم أر فيه نقلاً والمختار الجزم بالحل،
ويحتمل أن يخرج على الخلاف في كونهما عورة. قال في
المهمات: وقد نص في الأم على الحل في السرة.
ورواة الحديث الستة إلى عائشة كوفيون وفيه التحديث
والإخبار والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي عن صحابية،
وأخرجه مسلم وأبو داود وابن ماجة في الطهارة.
(تابعه) أي تابع علي بن مسهر في روايته هذا الحديث (خالد)
هو ابن عبد الله الواسطي مما وصله أبو القاسم التنوخي في
فوائده من طريق وهب بن بقية عنه، (و) تابعه (جرير) هو ابن
عبد الحميد مما وصله أبو داود والإسماعيلي (عن الشيباني)
أبي إسحاق المذكور أي عن عبد الرحمن إلى آخر الحديث.
303 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ
قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ:
سَمِعْتُ مَيْمُونَةَ تقول: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ أَنْ
يُبَاشِرَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ أَمَرَهَا
فَاتَّزَرَتْ وَهْيَ حَائِضٌ". وَرَوَاهُ سُفْيَانُ عَنِ
الشَّيْبَانِيِّ.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي
المعروف بعارم (قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد البصري
(قال: حدّثنا الشيباني) أبو إسحاق (قال: حدّثنا عبد الله
بن شداد) بتشديد الدال ابن أسامة بن الهاد الليثي (قال):
(سمعت ميمونة) أم المؤمنين رضي الله عنها (تقول: كان رسول
الله) وفي رواية سمعت ميمونة أم المؤمنين رضي الله عنها
تقول كان، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر قالت: كان
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أراد أن
يباشر امرأة من نسائه) رضي الله عنهنّ (أمرها) بالاتزار
(فاتزرت) كما في فرع اليونينية. قال ابن حجر في روايتنا
بإثبات الهمزة على اللغة الفصحى (وهي حائض) جملة حالية من
مفعول يباشر على الظاهر أو من مفعول أمر أو من فاعل اتزرت.
وقال الكرماني: يحتمل أنه حال من الثلاثة جميعًا.
ورواة الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي ومدني وفيه التحديث
والسماع ورواية تابعي عن تابعي عن صحابية، وأخرجه مسلم في
الطهارة وأبو داود في النكاح وابن ماجة.
(رواه) أي الحديث وللأصيلي وكريمة ورواه (سفيان) الثوري
مما وصله أحمد في مسنده (عن الشيباني) أبي إسحاق وعبّر
بقوله رواه دون تابعه، لأن الرواية أعمّ من المتابعة فلعله
لم يروه متابعة، وقيل: المراد بسفيان هنا ابن عيينة وعلى
كل تقدير فلا يضر إبهامه لأنهما على شرطه لكن جزم بالأول
ابن حجر وغيره لما عند أحمد كما مر فافهم.
6 - باب تَرْكِ الْحَائِضِ الصَّوْمَ
(باب ترك الحائض الصوم) في أيام حيضتها.
304 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي
زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَسْلَمَ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: خَرَجَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
أَضْحًى -أَوْ فِطْرٍ- إِلَى الْمُصَلَّى، فَمَرَّ عَلَى
النِّسَاءِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ تَصَدَّقْنَ،
فَإِنِّي أُرِيتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ.
فَقُلْنَ: وَبِمَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: تُكْثِرْنَ
اللَّعْنَ، وَتَكْفُرْنَ الْعَشِيرَ، مَا رَأَيْتُ مِنْ
نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُلِ
الْحَازِمِ مِنْ إِحْدَاكُنَّ. قُلْنَ وَمَا نُقْصَانُ
دِينِنَا وَعَقْلِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ:
أَلَيْسَ شَهَادَةُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ نِصْفِ شَهَادَةِ
الرَّجُلِ؟. قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكَ مِنْ
نُقْصَانِ عَقْلِهَا. أَلَيْسَ إِذَا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ
وَلَمْ تَصُمْ؟ قُلْنَ: بَلَى. قَالَ: فَذَلِكَ مِنْ
نُقْصَانِ دِينِهَا». [الحديث 304 - أطرافه في: 1462،
1951، 2658].
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن
محمد بن سالم المصري الجمحي (قال: أخبرنا) ولأبي الوقت
وابن عساكر حدّثنا (محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير
الأنصاري أخو إسماعيل (قال: أخبرني) بالإفراد (زيد هو ابن
أسلم) المدني وسقط هو ابن أسلم عند ابن عساكر والأصيلي (عن
عياض بن عبد الله) هو ابن أبي سرح العامري (عن أبي سعيد
الخدري) رضي الله عنه (قال):
(خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من
بيته أو مسجده (في) يوم (أضحى) بفتح الهمزة وسكون الضاد
جمع أضحاة إحدى أربع لغات في اسمها بضم الهمزة وكسرها
وضحية بفتح الضاد وتشديد الياء، والأضحى تذكر وتؤنث وهو
منصرف سميت بذلك لأنها تفعل في الضحى وهو ارتفاع النهار
(أو) في يوم (فطر) شك من الراوي أو من أبي سعيد (إلى
المصلى) فوعظ الناس وأمرهم بالصدقة فقال: يا أيها الناس
تصدقوا (فمر على النساء فقال: يا معشر النساء) المعشر كل
جماعة أمرهم واحد وهو يرد على ثعلب حيث خصّه بالرجال إلا
إن كان مراده بالتخصيص حالة إطلاق المعشر لا تقييده كما في
الحديث (تصدقن فإني أريتكن) بضم الهمزة وكسر الراء أي في
ليلة الإسراء (أكثر أهل النار) نعم وقع في حديث ابن عباس
الآتي إن شاء الله تعالى في صلاة الكسوف أن الرواية
المذكورة وقعت في صلاة الكسوف، والفاء في قوله فإني
للتعليل وأكثر بالنصب مفعول أريتكن الثالث أو على الحال
إذا قلنا بأن أفعل لا يتعرف بالإضافة كما صار إليه الفارسي
وغيره، (فقلن) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر عن
الحموي قلن (وبم يا رسول الله)
(1/346)
قال ابن حجر: والواو استئنافية والباء
تعليلية والميم أصلها ما الاستفهامية فحذفت منها الألف
تخفيفًا. وقال العيني: الواو للعطف على مقدر تقديره ما
ذنبنا وبم الباء سببية وكلمة ما استفهامية فإذا جرت ما
الاستفهامية وجب حذف ألفها وإبقاء الفتحة دليلاً عليها
نحو: إلام وعلام وعلة حذف الألف الفرق بين الاستفهام
والخبر نحو: فيم أنت من ذكراها؟ وأما قراءة عكرمة عما
يتساءلون فنادر.
(قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لأنكن (تكثرن
اللعن) المتفق على تحريم الدعاء به على من لا تعرف خاتمة
أمره
بالقطع أما من عرف خاتمة أمره بنص فيجوز كأبي جهل. نعم لعن
صاحب وصف بلا تعيين كالظالمين والكافرين جائز (وتكفرن
العشير) أي تجحدن نعمة الزوج وتستقللن ما كان منه، والخطاب
عام غلبت عليه فيه الحاضرات على الغيب، واستنبط من التوعد
بالنار على كفران العشير وكثرة اللعن أنهما من الكبائر ثم
قال عليه الصلاة والسلام: (ما رأيت) أحدًا (من ناقصات عقل
ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) أذهب من الإذهاب
على مذهب سيبويه حيث جوّز بناء أفعل التفضيل من الثلاثي
المزيد فيه، وكان القياس فيه أشد إذهابًا. واللب بضم اللام
وتشديد الموحدة العقل الخالص من الشوائب فهو خالص ما في
الإنسان من قواه فكل لب عقل وليس كل عقل لبًّا، والحازم
بالحاء المهملة والزاي أي الضابط لأمره وهو على سبيل
المبالغة في وصفهن بذلك لأنه إذا كان الضابط لأمره ينقاد
لهن فغيره أولى. (قلن) مستفهمات عن وجه نقصان دينهن وعقلهن
لخفائه عليهن (وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجيبًا لهن بلطف
وإرشاد من غير تعنيف ولا لوم: (أليس شهادة المرأة مثل نصف
شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها) بكسر
الكاف خطابًا للواحدة التي تولت خطابه عليه السلام.
فإن قلت: إنما هو خطاب للإناث والمعهود فيه فذلكن، أجيب
بأنه قد عهد في خطاب المذكر الاستغناء بذلك عن ذلكم قال
تعالى: {فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ}
[البقرة: 85]. فهذا مثله في المؤنث على أن بعض النحاة نقل
لغة بأنه يكتفى بكاف مكسورة مفردة لكل مؤنث، أو الخطاب
لغير معين من النساء ليعم الخطاب كلاًّ منهنّ على سبيل
البدل إشارة إلى أن حالتهن في النقص تناهت في الظهور إلى
حيث يمتنع خفاؤها فلا تختص به واحدة دون الأخرى فلا تختص
حينئذ بهذا الخطاب مخاطبة دون مخاطبة قاله في المصابيح،
ويجوز فتح الكاف على أنه للخطاب العامّ. واستنبط من ذلك أن
لا يواجه بذلك الشخص المعين فإن في الشمول تسلية وتسهيلاً،
وأشار بقوله: مثل نصف شهادة الرجل إلى قوله تعالى:
{فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ
الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282]. لأن الاستظهار بأخرى يؤذن
بقلة ضبطها وهو يشعر بنقص عقلها. ثم قال عليه السلام (أليس
إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم) أي لما قام بها من مانع الحيض
(قلن: بلى. قال) عليه الصلاة والسلام (فذلك من نقصان
دينها) بكسر الكاف وفتحها كالسابق. قيل: وهذا العموم فيهن
يعارضه حديث كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا
مريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم، وفي رواية الترمذي وأحمد
أربع: مريم ابنة عمران، وآسية امرأة فرعون، وخديجة بنت
خويلد، وفاطمة بنت محمد. وأجيب بأن الحكم على الكل بشيء لا
يستلزم الحكم على كل فرد من أفراده بذلك الشيء.
فإن قلت: لِمَ خصّ بالذكر في الترجمة الصوم دون الصلاة
وهما مذكوران في الحديث؟ أجيب: بأن تركها للصلاة واضح
لافتقارها إلى الطهارة بخلاف الصوم، فتركها له مع الحيض
تعبد محض فاحتيج إلى التنصيص عليه بخلاف الصلاة، وليس
المراد بذكر نقص العقل والدين في النساء لومهن عليه لأنه
من أصل الخلقة، لكن التنبيه على ذلك تحذيرًا من الافتتان
بهنّ، ولهذا رتب العذاب على ما
ذكر من الكفران وغيره لا على النقص وليس نقص الدين منحصرًا
فيما يحصل من الإثم بل في أعم من ذلك قاله النووي لأنه أمر
نسبي، فالكامل مثلاً ناقص عن الأكمل، ومن ذلك الحائض لا
تأثم بترك الصلاة زمن الحيض لكنها ناقصة عن المصلي
(1/347)
وهل تثاب على هذا الترك لكونها مكلفة به
كما يثاب المريض على النوافل التي كان يفعلها في صحته وشغل
عنها بمرضه. قال النووي: الظاهر لا لأن ظاهر الحديث أنها
لا تثاب لأنه ينوي أنه يفعل لو كان سالمًا مع أهليته وهي
ليست بأهل ولا يمكن أن تنوي لأنها حرام عليها.
ورواة هذا الحديت الخمسة كلهم مدنيون إلا ابن أبي مريم
فمصري، وفيه التحديث بصيغة الجمع والإخبار والعنعنة ورواية
تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه المؤلف في الطهارة والصوم
والزكاة مقطعًا وفي العيدين بطوله ومسلم في الإيمان
والنسائي في الصلاة وابن ماجة.
7 - باب تَقْضِي الْحَائِضُ الْمَنَاسِكَ كُلَّهَا إِلاَّ
الطَّوَافَ بِالْبَيْتِ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: لاَ بَأْسَ أَنْ تَقْرَأَ الآيَةَ.
وَلَمْ يَرَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْقِرَاءَةِ لِلْجُنُبِ
بَأْسًا. وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ.
وَقَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ: كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ يَخْرُجَ
الْحُيَّضُ فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَخْبَرَنِي أَبُو سُفْيَانَ أَنَّ
هِرَقْلَ دَعَا بِكِتَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَرَأَ فَإِذَا فِيهِ: {بِسْمِ
اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وَ {يَا أَهْلَ
الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآيَةَ. وَقَالَ
عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ: حَاضَتْ عَائِشَةُ فَنَسَكَتِ
الْمَنَاسِكَ غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلاَ
تُصَلِّي. وَقَالَ الْحَكَمُ: إِنِّي لأَذْبَحُ وَأَنَا
جُنُبٌ.
وَقَالَ اللَّهُ تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ
يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ}.
هذا (باب) بالتنوين (تقضي) أي تؤدّي (الحائض) المتلبسة
بالإحرام (المناسك كلها) المتعلقة بالحج أو العمرة
كالتلبية (إلا الطواف بالبيت) لكونه صلاة مخصوصة. (وقال
إبراهيم) النخعي مما وصله الدارمي: (لا بأس) لا حرج (أن
تقرأ) الحائض (الآية) من القرآن، وروي نحوه عن مالك
والجواز مطلقًا والتخصيص بالحائض دون الجنب، ومذهبنا
كالحنفية والحنابلة التحريم ولو بعض آية لحديث الترمذي: لا
يقرأ الجنب ولا الحائض شيئًا من القرآن وهو حجة على
المالكية في قولهم: إنها تقرأ القرآن ولا يقرأ الجنب وعلل
بطول أمد الحيض المستلزم نسيان القرآن بخلاف الجنب وهو
بإطلاقه يتناول الآية فما دونها، فيكون حجة على النخعي
وعلى الطحاوي في إباحته بعض الآية لكن الحديث ضعيف من جميع
طرقه. نعم يحل له قراءة الفاتحة في الصلاة إذا فقد
الطهورين، بل يجب كما صححه النووي لأنه نادر، وصحح الرافعي
حرمتها لعجزه عنها شرعًا وكذا تحل أذكاره لا بقصده قرآن
كقوله عند الركوب: {سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا
وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ} [الزخرف: 13] فإن قصد
القرآن وحده أو مع الذكر حرم وإن أطلق فلا كما اقتضاه كلام
المنهاج خلافًا لا في المحرر. وقال في شرح المهذب: أشار
العراقيون إلى التحريم (ولم ير ابن عباس) رضي الله عنهما
(بالقراءة للجنب بأسًا) روى ابن المنذر بإسناده عنه أنه
كان يقرأ ورده من القرآن وهو جنب فقيل له في ذلك فقال ما
في جوفي أكثر منه. (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يذكر الله) بالقرآن وغيره (على كل أحيانه) أي
زمانه فدخل فيه حين الجنابة، وبه قال الطبري وابن المنذر
وداود وهذا التعليق وصله مسلم من حديث عائشة.
(قالت أم عطية) مما وصله المؤلف في العيدين بلفظ: (كنّا
نؤمر أن يخرج) بفتح المثناة التحتية يوم العيد حتى تخرج
البكر من خدرها وحتى يخرج (الحيض) بالرفع على الفاعلية،
ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر أن نخرج بنون مضمومة وكسر
الراء الحيض بالنصب على المفعولية فيكنّ خلف الناس،
(فيكبرن بتكبيرهم ويدعون) بدعائهم يرجون بركة ذلك اليوم
وطهرته، وللكشميهني يدعين بمثناة تحتية بدل الواو: وردّها
العيني مخالفتها لقواعد التصريف لأن هذه الصيغة معتلة
اللام من ذوات الواو يستوي في لفظ جماعة الذكور والإناث في
الخطاب والغيبة جميعًا، وفي التقدير يختلف فوزن الجمع
المذكر يفعلون والمؤنث يفعلن.
(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله المؤلف في بدء
الوحي (أخبرني) بالإفراد (أبو سفيان) بن حرب (أن هرقل دعا
بكتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقرأه
فإذا فيه بسم الله الرحمن الرحيم ويا أهل الكتاب) بزيادة
الواو للقابسي والنسفيّ وعبدوس وسقطت لأبي ذر والأصيلي
{تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ} الآية [آل عمران: 64] استدل
به على جواز القراءة للجنب لأن الكفار جنب، وإنما كتب لهم
ليقرؤوه وذلك يستلزم جواز القراءة بالنص لا بالاستنباط.
وأجيب: بأن الكتاب اشتمل على غير الآيتين فهو كما لو ذكر
بعض القرآن في التفسير، فإنه لا يمنع قراءته ولا مسّه عند
الجمهور لأنه لا يقصد منه التلاوة.
(وقال عطاء) هو ابن أبي رباح (عن جابر) هو ابن عبد الله
الأنصاري مما وصله المؤلف في باب قوله عليه السلام: لو
استقبلت من أمري ما استدبرت من كتاب الأحكام أنه قال:
(حاضت عائشة) رضي الله عنها (فنسكت) بفتح النون أي أقامت
(المناسك) المتعلقة بالحج (كلها غير الطواف بالبيت ولا
تصلي) ولفظة كلها ثابتة عند الأصيلي دون غيرة كما في
الفرع.
(وقال
(1/348)
الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف ابن
عتيبة بضم العين المهملة وفتح المثناة الفوقية والموحدة
بينهما تحتية الكوفي مما وصله البغوي في الجعديات (أني
لأذبح) الذبيحة (وأنا) أي والحال أني (جنب و) الذبح يستلزم
ذكر الله. (وقال الله عز وجل: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا
لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] إذ
المراد به لا تذبحوا بإجماع المفسرين، وظاهره تحريم متروك
التسمية عمدًا أو نسيانًا، وإليه ذهب داود. وعن أحمد مثله:
وقال مالك والشافعي بخلافه لقوله عليه السلام "ذبيحة
المسلم حلال وإن لم يذكر اسم الله عليها". وفرق أبو حنيفة
بين العمد والنسيان وأوّلوه بالميتة أو بما ذكر غير اسم
الله عليه، وقد نوزع في جميع ما استدل به المؤلف مما يطول
ذكره.
305 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْقَاسِمِ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ نَذْكُرُ إِلاَّ
الْحَجَّ، فَلَمَّا جِئْنَا سَرِفَ طَمِثْتُ، فَدَخَلَ
عَلَىَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَنَا أَبْكِي فَقَالَ «مَا يُبْكِيكِ». قُلْتُ
لَوَدِدْتُ وَاللَّهِ أَنِّي لَمْ أَحُجَّ الْعَامَ. قَالَ
«لَعَلَّكِ نُفِسْتِ». قُلْتُ نَعَمْ. قَالَ «فَإِنَّ
ذَلِكَ شَىْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَى بَنَاتِ آدَمَ،
فَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ، غَيْرَ أَنْ لاَ
تَطُوفِي بِالْبَيْتِ حَتَّى تَطْهُرِي».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
عبد العزيز بن أبي سلمة عن عبد الرحمن بن القاسم عن القاسم
بن محمد) بن أبي بكر الصديق (عن عائشة) رضي الله عنها
(قالت):
(خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
من المدينة في حجة الوداع (لا نذكر إلا الحج) لأنهم كانوا
يعتقدون امتناع العمرة في أشهر الحج (فلما جئنا سرف) بفتح
السين وكسر الراء (طمثت) بطاء مهملة مفتوحة وميم مكسورة
يجوز فتحها أي حضت (فدخل عليّ النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللأربعة فدخل النبي (وأنا أبكي)
جملة حالية بالواو و (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما
يبكيك؟ قلت لوددت) بكسر الدال الأولى وهو جواب قسم محذوف
والقسم التالي وهو قوله: (والله) تأكيد له (أني لم أحج
العام) أي لم أقصد الحج هذه السنة لأن قولها ذلك كان قبل
شيء من الحج (قال) عليه السلام (لعلك) بكسر الكاف (نفست)
بفتح النون وضمها أي حضت؟ (قلت: نعم) نفست، (قال) عليه
السلام: (فإن ذلك) باللام وكسر الكاف، ولأبوي ذر والوقت
والأصيلي فإن ذاك (شيء كتبه الله على بنات آدم) ليس هو
خاصًّا بك قاله تسلية لها وتخفيفًا لهما (فافعلي ما يفعل
الحاج) من المناسك (غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري)
طهارة كاملة بانقطاع الحيض والاغتسال لحديث الطواف بالبيت
صلاة فيشترط له ما يشترط لها، نعم تعلق بهذه الغاية
الحنفية في صحة الطواف بالانقطاع وإن لم تغتسل، لكن الأصح
عندهم وجوبه لأنه يجب بتركه الجائز فلو طافت بعد الانقطاع
قبل الغسل وجب عليها بدنة، وكذلك النفساء والجنب كما روي
عن ابن العباس. وهذا الحديث تقدّم في أوّل كتاب الحيض.
8 - باب الاِسْتِحَاضَةِ
(باب) حكم (الاستحاضة) وهي أن يجاوز الدم أكثر الحيض
ويستمر وهي أربعة أقسام، مبتدأ أوّل ما ابتدأها الدم
ومعتادة سبق لها حيض وطهر وكلاهما مميزة وهي التي دمها
نوعان قوي وضعيف، وهذه تردّ إلى التمييز فيكون حيضها
الأقوى إن لم ينقص عن أقل الحيض وهو قدر يوم وليلة متصلاً
ولم يعبر أكثره وهو خمسة عشر يومًا بلياليها، وإن تفرق
دمها ولم ينقص الضعيف المتصل بعضه ببعض عن أقل الطهر بين
الحيضتين وهو خمسة عشر يومًا، ولا حدّ لأكثره، وأما غير
المميزة فإن رأت الدم بصفة أو أكثر لكن فقدت شرطًا من شروط
التمييز السابقة فإن كانت مبتدأة عارفة
بوقت ابتداء دمها ردت لأقل الحيض في الطهر لأنه المتيقن
وما زاده شكوك فيه، وإن كانت معتادة ردّت لعادتها قدرًا
ووقتًا إن كانت حافظة لذلك، فإن نسيت عادتها بأن تعلم
قدرها وتسمى المتحيرة فكالمبتدأة غير المميزة بجامع فقد
العادة والتمييز، فيكون حيضها يومًا وليلة وطهرها بقية
الشهر، والمشهور أنها ليست كالمبتدأة لاحتمال كل زمن يمر
عليها للحيض والطهر فيجب الاحتياط فتكون في العبادة فرضها
ونفلها كطهارة، وفي الوطء ومسّ المصحف والقراءة خارج
الصلاة كحائض وتغتسل لكل فريضة بعد دخول وقتها عند احتمال
الانقطاع، قال في شرح المهذب عن الأصحاب: فإن علمت وقت
انقطاعه كعند الغروب لزمها الغسل كل يوم عقيب الغروب وتصلي
به المغرب وتتوضأ لباقي الصلوات لاحتمال الانقطاع عند
الغروب دون ما سواه.
306 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: قَالَتْ
فَاطِمَةُ بِنْتُ أَبِي حُبَيْشٍ لِرَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنِّي لاَ أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِنَّمَا ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَ بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا
أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَاتْرُكِي الصَّلاَةَ، فَإِذَا
ذَهَبَ قَدْرُهَا فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ وَصَلِّي».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) الإمام (عن هشام بن عروة) سقط لابن عساكر ابن عروة
(عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (أنها
قالت):
(قالت فاطمه بنت أبي حبيش) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة
وسكون المثناة التحتية آخره شين معجمة ابن المطلب بن أسد
بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية الرسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يا رسول الله إني لا أطهر)
أي بسبب إني أستحاض، وظنت أن طهارة الحائض إنما هي
بالانقطاع فتكنت بعدم الطهر عن اتصال الدم، وكانت قد علمت
أن الحائض لا تصلي، وظنت أن ذلك الحكم مقترن بجريان الدم
من الفرج فأرادت تحقيق ذلك فقالت: (أفأدع الصلاة؟ فقال
رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-): لا تدعيها (إنما ذلك) بكسر الكاف (عرق) يسمى
العاذل بالمعجمة يخرج منه (وليس بالحيضة) بفتح الحاء كما
نقله الخطابي عن أكثر المحدثين أو كلهم وإن كان قد اختار
الكسر على إرادة الحال، لكن الفتح هنا أظهر، وقال النووي:
وهو متعين أو قريب من المتعين لأنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أراد إثبات الاستحاضة ونفي الحيض اهـ.
والذي في فرع اليونينية بعد كشط الفتح (فإذا قبلت الحيضة)
بالفتح في الفرع، قال ابن حجر: والذي في روايتنا بالفتح في
الموضعين، وجوّز النووي في هذه الأخيرة الكسر أيضًا
(فاتركي الصلاة فإذا ذهب قدرها) أي قدر الحيضة (فاغسلي عنك
الدم وصلي) أي بعد الاغتسال كما صرح به في باب إذا حاضت في
شهر ثلاث حيض، وزاد في رواية أبي معاوية في باب غسل الدم
توضئي لكل صلاة أي مكتوبة فلا تصلي عند الشافعيهَ أكثر من
فريضة واحدة مؤدّاة أو مقضية، وقال
الحنفية: تتوضأ المستحاضة لوقت كل صلاة فتصلي بذلك الوضوء
في الوقت ما شاءت من الفرائض الحاضر والفائت والنوافل. لنا
أن اعتبار طهارتها ضرورة أداء المكتوبة فلا تبقى بعد
الفراغ منها. وقال المالكية: يستحب لها الوضوء لكل صلاة
ولا يجب إلا بحدث آخر بناء على أن دم الاستحاضة لا ينقض
الوضوء.
9 - باب غَسْلِ دَمِ الْمَحِيضِ
(باب غسل دم المحيض) بالميم ولأبي الوقت وابن عساكر الحيض،
وفي رواية الحائض، وسبق في كتاب الوضوء باب غسل الدم وهذه
الترجمة أخصّ منها على ما لا يخفى.
307 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ
الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهَا
قَالَتْ: سَأَلَتِ امْرَأَةٌ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِحْدَانَا إِذَا أَصَابَ ثَوْبَهَا
الدَّمُ مِنَ الْحَيْضَةِ كَيْفَ تَصْنَعُ؟ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنَ
الْحَيْضَةِ فَلْتَقْرُصْهُ ثُمَّ لِتَنْضَحْهُ بِمَاءٍ
ثُمَّ لِتُصَلِّي فِيهِ».
وبه قال:
(1/349)
(حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) هو ابن أنس (عن هشام) زاد الأصيلي ابن عروة
(عن فاطمة بنت المنذر) بن الزبير بن العوام (عن أسماء بنت
أبي بكر) الصديق كما صرح به في رواية الأصيلي وهي جدّة
فاطمة (أنها قالت):
(سألت امرأة) هي أسماء بنت الصديق أبهمت نفسها لغرض صحيح
(رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا
رسول الله أرأيت) استفهام بمعنى الأمر لاشتراكهما في الطلب
أي أخبرني (إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم من الحيضة كيف
تصنع) فيه؟ (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة) بفتح
الحاء كالسابقة (فلتقرصه) بالقاف والراء المضمومة والصاد
المهملة الساكنة أي تقلعه بظفرها أو أصابعها (ثم لتنضحه)
بكسر الضاد وفتحها أي تغسله (بماء) بأن تصبه شيئًا فشيئًا
حتى يزول أثره والحكمة في القرص تسهيل الغسل (ثم لتصلّي
فيه) ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون إلا شيخ المؤلف.
308 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ
وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ عَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَهُ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَتْ إِحْدَانَا
تَحِيضُ ثُمَّ تَقْتَرِصُ الدَّمَ مِنْ ثَوْبِهَا عِنْدَ
طُهْرِهَا فَتَغْسِلُهُ وَتَنْضَحُ عَلَى سَائِرِهِ ثُمَّ
تُصَلِّي فِيهِ.
وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بالغين المعجمة ابن الفرج الفقيه
المصري (قال: أخبرني) بالتوحيد (ابن وهب) عبد الله المصري
(قال: أخبرني) بالإفراد وفي رواية: حدّثني (عمرو بن
الحارث) بفتح العين
المصري (عن عبد الرحمن بن القاسم) بن محمد بن أبي بكر
الصديق رضي الله عنهم أنه (حدّثه عن أبيه) القاسم (عن
عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(كانت إحدانا) أي من أمهات المؤمنين رضي الله عنهنّ (تحيض
ثم تقترص) بالقاف والصاد المهملة بوزن تفتعل، وفي رواية ثم
تقرص (الدم من ثوبها عند طهرها) أي من الحيض وللمستملي
وبالحموي عند طهره أي الثوب أي عند إرادة تطهيره (فتغسله)
أي بأطراف أصابعها (وتنضح) الماء أي ترشه (على سائره)
دفعًا للوسوسة (ثم تصلي فيه). ورواة هذا الحديث الستة ما
بين مصري بالميم ومدني وفيه رواية
(1/350)
تابعي عن تابعي عن صحابة والتحديث بالجمع
والإفراد والإخبار بالإفراد والعنعنة، وأخرجه ابن ماجة في
الطهارة.
10 - باب الاِعْتِكَافِ لِلْمُسْتَحَاضَةِ
(باب) حكم (الاعتكاف) في المسجد (للمستحاضة) ولأبوي ذر
والوقت وابن عساكر والأصيلي باب اعتكاف المستحاضة.
309 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- اعْتَكَفَ مَعَهُ بَعْضُ نِسَائِهِ وَهْيَ
مُسْتَحَاضَةٌ تَرَى الدَّمَ، فَرُبَّمَا وَضَعَتِ
الطَّسْتَ تَحْتَهَا مِنَ الدَّمِ. وَزَعَمَ أَنَّ
عَائِشَةَ رَأَتْ مَاءَ الْعُصْفُرِ فَقَالَتْ: كَأَنَّ
هَذَا شَىْءٌ كَانَتْ فُلاَنَةُ تَجِدُهُ. [الحديث 309 -
أطرافه في: 310، 311، 2037].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن شاهين بكسر الهاء ولابن عساكر
حدّثني إسحاق الواسطي (قال: حدّثنا) وللأصيلي وابن عساكر
أخبرنا (خالد بن عبد الله) الطحان الواسطي المتصدّق بزنة
نفسه ثلاث مرات فضة (عن خالد) هو ابن مهران الحذاء
بالمهملة ثم المعجمة المثقلة (عن عكرمة) بن عبد الله مولى
ابن عباس أصله بربري ثقة ثبت عالم بالتفسير لم يثبت تكذيبه
عن ابن عمر ولا ثبتت عنه بدعة، واحتج به البخاري وأصحاب
السُّنن وأثنى عليه غير واحد من أهل عصره وهلمّ جرّا، (عن
عائشة) رضي الله عنها:
(أن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعتكف معه)
في مسجده (بعض نسائه) هي سودة بنت زمعة أو رملة أم حبيبة
بنت أبي سفيان، وأسنده الحافظ ابن حجر لحاشية نسخة صحيحة
من أصل أبي ذر رآها. وقيل: هي زينب بنت جحش الأسدية، وعورض
بأن زينب لم تكن استحيضت إنما المستحاضة أختها حمنة،
وإنكار ابن الجوزي على المؤلف قوله بعض نسائه وأوّله
بالنساء المتعلقات به وهي أم حبيبة بنت جحش أخت زينب. ردّه
الحافظ ابن حجر بقوله في الرواية الثانية: امرأة من
أزواجه، وفي الثالثة بعض أمهات المؤمنين، ومن المستبعد أن
يعتكف معه عليه الصلاة والسلام غير زوجاته، ثم رجح أنها أم
سلمة بحديث في سنن سعيد بن منصور، ولفظه: إن أم سلمة كانت
عاكفة وهي مستحاضة،
وربما جعلت الطست تحتها وحينئذ فسلمت رواية المؤلف من
المعارض ولله الحمد. (وهي مستحاضة) حال كونها (ترى الدم)
وأتي بتاء التأنيث في المستحاضة وإن كانت الاستحاضة من
خصائص النساء للإشعار بأن الاستحاضة حاصلة لها بالفعل لا
بالقوّة (فربما وضعت الطست) بفتح الطاء (تحتها من الدم) أي
لأجله: قال خالد بن مهران: (وزعم عكرمة) عطف على معنى
العنعنة أي حدّثني عكرمة كذا وزعم (أن عائشة رأت ماء
العصفر) هو زهر القرطم (فقالت: كأن) بتشديد النون بعد
الهمزة (هذا) أي الأصفر (شيء كانت فلانة تجده) في زمان
استحاضتها، وفلانة غير منصرف كناية عن علم امرأة وهي
المرأة التي ذكرتها قبل على الاختلاف السابق.
واستنبط منه جواز اعتكاف المستحاضة عند أمن تلويث المسجد
كدائم الحدث. ورواته الخمسة ما بين واسطي وبصري ومدني وفيه
التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف هنا وفي الصوم وكذا أبو
داود وابن ماجة والنسائي في الاعتكاف.
310 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ
بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتِ: اعْتَكَفَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- امْرَأَةٌ مِنْ
أَزْوَاجِهِ فَكَانَتْ تَرَى الدَّمَ وَالصُّفْرَةَ
وَالطَّسْتُ تَحْتَهَا وَهْيَ تُصَلِّي.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بضم القاف ابن سعيد (قال: حدّثنا
يزيد بن زريع عن خالد) الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس
(عن عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(اعتكفت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
امرأة) مستحاضة (من أزواجه) هذا يردّ على ابن الجوزي
اعتراضه على رواية المؤلف بعض نسائه كما سبق قريبًا (فكانت
ترى الدم) الأحمر (والصفرة) كناية عن الاستحاضة (والطست
تحتها) جملة حالية بالواو وفي بعض الأصول سقوطها (وهي
تصلي) جملة حالية أيضًا فيه جواز صلاتها كاعتكافها لكن مع
عدم التلويث فيهما.
311 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ
عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ بَعْضَ
أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ اعْتَكَفَتْ وَهْيَ
مُسْتَحَاضَةٌ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا معتمر)
بضم الميم الأولى وكسر الثانية ابن سليمان بن طرخان البصري
(عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن عائشة).
(أن بعض أمهات المؤمنين) إحدى المذكورات رضي الله عنهن
(اعتكفت وهي مستحاضة).
11 - باب هَلْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي ثَوْبٍ حَاضَتْ
فِيهِ؟
هذا (باب) بالتنوين (هل تصلي المرأة في ثوب حاضت فيه).
312 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ قَالَتْ عَائِشَةُ مَا كَانَ لإِحْدَانَا
إِلاَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ فَإِذَا أَصَابَهُ
شَىْءٌ مِنْ دَمٍ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَقَصَعَتْهُ
بِظُفْرِهَا.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
إبراهيم بن نافع) بالنون والفاء المخزومي أوثق شيخ بمكة
(عن ابن أبي نجيح) عبد الله واسم أبي نجيح يسار ضد اليمين
(عن مجاهد قالت) ولابن عساكر قال: قالت (عائشة) رضي الله
عنها:
(ما كان لإحدانا) أي من أمهات المؤمنين (إلا ثوب واحد تحيض
فيه) النفي عام لكلهن لأنه نكرة في سياق النفي، لأنه لو
كان
(1/351)
لواحدة ثوب لم يصدق النفي ويجمع بين هذا
وبين حديث أم سلمة السابق في باب النوم مع الحائض وهي في
ثيابها الدال على أنه كان لها ثوب مختص بالحيض أن حديث
عائشة هذا محمول على ما كان في أوّل الأمر، وحديث أم سلمة
محمول على ما كان بعد اتساع الحال، ويحتمل أن يكون مراد
عائشة بقولها: ثوب واحد مختص بالحيض وليس في سياقها ما
ينفي أن يكون لها غيره في زمن الطهر فيوافق حديث أم سلمة
قاله في فتح الباري، (فإذا أصابه) أي الثوب (شيء من دم)
وللأصيلي من الدم (قالت) أي بلته (بريقها فقصعته) بالقاف
والصاد والعين المهملتين كذا في الفرع، وعزاها الحافظ ابن
حجر لرواية أبي داود. ومفهومه أنها ليست للبخاري، والمعنى
فدلكته وعالجته، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر
فمصعته بالميم وهي في هامش فرع اليونينية أي: حكته
(بظفرها) بإسكان الفاء في الفرع، ويجوز ضمها.
ووجه مطابقة هذه الترجمة من حيث أن من لم يكن لها إلا ثوب
واحد تحيض فيه معلوم أنها تصلي فيه، إذا غسلته بعد
الانقطاع، وليس هذا مخالفًا لما تقدم فهو من باب حمل
المطلق على المقيد، أو لأن هذا الدم الذي مصعته قليل معفو
عنه لا يجب عليها غسله، فلذا لم يذكر أنها غسلته بالماء،
وأما الكثير فصح عنها أنها كانت تغسله قاله البيهقي، لكن
يبقى النظر في مخالطة الدم بريقها فقد قالوا فيه حينئذ
بعدم العفو وليس فيه أنها صلّت فيه، فلا يكون فيه حجة لمن
أجاز إزالة النجاسة بغير الماء، وإنما أزالت الدم بريقها
ليذهب أثره ولم تقصد تطهيره. فقد سبق بباب عنها ذكر الغسل
بعد القرص. ورواة هذا الحديث خمسة وفيه التحديث والعنعنة
والقول.
12 - باب الطِّيبِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ
الْمَحِيضِ
(باب) استحباب (الطيب للمرأة) غير المحرمة (عند غسلها من
المحيض) وكذا من النفاس تطييبًا للمحل بل يكره تركه بلا
عذر كما صرّح به في المجموع وغيره، ولأبي ذر من الحيض بغير
ميم.
313 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ
قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ
عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: كُنَّا
نُنْهَى أَنْ نُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ،
إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَلاَ
نَكْتَحِلَ وَلاَ نَتَطَيَّبَ وَلاَ نَلْبَسَ ثَوْبًا
مَصْبُوغًا إِلاَّ ثَوْبَ عَصْبٍ. وَقَدْ رُخِّصَ لَنَا
عِنْدَ الطُّهْرِ إِذَا اغْتَسَلَتْ إِحْدَانَا مِنْ
مَحِيضِهَا فِي نُبْذَةٍ مِنْ كُسْتِ أَظْفَارٍ، وَكُنَّا
نُنْهَى عَنِ اتِّبَاعِ الْجَنَائِزِ. قَالَ: رَوَاهُ
هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
[الحديث 313 - أطرافه في: 1278، 1279، 5340، 5341، 5342،
5343].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري
(قال: حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن حفصة)
بنت سيرين زاد في رواية المستملي وكريمة، قال أبو عبد الله
أي البخاري: أو هشام بن حسان بالصرف وتركه من الحسن أو
الحسن عن حفصة فكأنه شك في شيخ حماد أهو أيوب السختياني أو
هشام بن حسان، وليس ذلك عند بقية الرواة ولا عند أصحاب
الأطراف، (عن أم عطية) نسيبة بضم النون وفتح السين مصغرًا
بنت الحرث كانت تمرّض المرضى وتداوي الجرحى وتغسل الموتى.
لها في البخاري خمسة أحاديث رضي الله عنها (قالت):
(كنا ننهى) بضم النون الأولى وفاعل النهي النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن تحد) أي المرأة وفي الفرع
أن نحد
بضم الأول مع كسر المهملة فيهما من الإحداد أي تمنع من
الزينة (على ميت فوق ثلاث) يعني به الليالي مع أيامها (إلا
على زوج) دخل بها أو لم يدخل صغيرة كانت أو كبيرة حرة أو
أمة، نعم عند أبي حنيفة لا إحداد على صغيرة ولا أمة، وفي
رواية المستملي والحموي إلا على زوجها، فالأولى وافقة للفظ
نحدّ بالنون والثانية موافقة لرواية تحد بالغيبة أو توجه
الثانية أيضًا على رواية النون بأن الضمير يعود على
الواحدة المندرجة في قولها: كنا ننهى أي كل واحدة منهن
تنهى أن تحدّ فوق ثلاث إلا على زوجها (أربعة أشهر وعشرًا)
يعني عشر ليالٍ إذ لو أريد به الأيام لقيل عشرة بالتاء.
قال البيضاوي في تفسير أربعة أشهر وعشرًا وتأنيث العشر
باعتبار الليالي لأنها غرر المشهور والأيام، ولذلك لا
يستعملون التذكير في مثله قط ذهابًا إلى الأيام حتى إنهم
يقولون صمت عشرًا، ويشهد له قوله: إن لبثتم إلا عشرًا ثم
أن لبثتم إلا يومًا، ولعل المقتضي لهذا التقدير أن الجنين
في غالب الأمر يتحرك لثلاثة أشهر إن كان ذكرًا ولأربعة إن
كان أنثى، واعتبر أقصى الأجلين، وزيد عليه العشر استظهارًا
إذ ربما تضعف حركته في المبادئ فلا تحس بها.
(ولا نكتحل) بالنصب وهو الذي في فرع اليونينية فقط عطفًا
على المنصوب السابق كذا قرّروه، ولكن ردّه البدر الدماميني
بأنه يلزم من عطفه عليه فساد المعنى لأن تقديره: كنا ننهى
أن لا نكتحل نعم يصح العطف عليه على تقدير أن لا زائدة أكد
بها في النهي معنى النفي، ورواية
(1/352)
الرفع هي الأحسن على ما لا يخفى. (ولا
نتطيب ولا نلبس ثوبًا مصبوغًا إلا ثوب عصب) بفتح العين
وسكون الصد المهملتين في آخره موحدة برود يمانية يعصب
غزلها أي يجمع ثم يصبغ ثم ينسج، (وقد رخص لنا) التطيب
بالتبخر (عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها) لدفع
رائحة الدم لما
تستقبله من الصلاة (في نبذة) بضم النون وفتحها وسكون
الموحدة وبالذال المعجمة أي في قطعة يسيرة (من كست أظفار)
كذا في هذه الرواية بضم الكاف وسكون المهملة، وفي كتاب
الطيب للمفضل بن سلمة القسط والكسط والكست ثلاث لغات وهو
من طيب الأعراب، وسماه ابن البيطار راسنا والأظفار ضرب من
العطر على شكل ظفر الإنسان يوضع في البخور، وقال ابن
التين: صوابه قسط ظفار أي بغير همز نسبة إلى ظفار مدينة
بساحل البحر يجلب إليها القسط الهندي، وحكي في ضبط ظفار
عدم الصرف والبناء كقطام وهو العود الذي يتبخر به.
(وكنا ننهى عن اتباع الجنائز) يأتي البحث فيه في محله إن
شاء الله تعالى. ورواة هذا الحديث بصريون وفيه التحديث
والعنعنة، وأخرجه المؤلف هنا وفي الطلاق وكذا مسلم وأبو
داود والنسائي وابن ماجة.
(قال: ورواه) أي الحديث المذكور وللأصيلي وابن عساكر: قال
أبو عبد الله أي المؤلف وفي رواية لابن عساكر روى، ولأبوي
ذر والوقت: وروى (هشام بن حسان) الذكور مما سيأتي موصولاً
عند المؤلف في كتاب الطلاق إن شاء تعالى (عن حفصة) بنت
سيرين (عن أم عطية) رضي الله عن (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، ولم يقع هذا التعليق في رواية
المستملي وفائدة ذكره الدلالة على أن الحديث السابق من
قبيل المرفوع.
13 - باب دَلْكِ الْمَرْأَةِ نَفْسَهَا إِذَا تَطَهَّرَتْ
مِنَ الْمَحِيض
وَكَيْفَ تَغْتَسِلُ وَتَأْخُذُ فِرْصَةً مُمَسَّكَةً
فَتَتَّبِعُ بِهَا أَثَرَ الدَّمِِ
(باب) بيان استحباب (دلك المرأة نفسها إذا تطهرت من
المحيض) مصدر كالجيء والمبيت، (و) بيان (كيف تغتسل و) كيف
(تأخذ فرصة) بتثليث الفاء وسكون الراء وفتح الصاد المهملة
كما حكاه ابن سعيده قطعة من قطن أو صوف أو خرقة (ممسكة)
بتشديد السين وفتح الكاف (فتتبع) بلفظ الغائبة مضارع
التفعل وحذف إحدى التاءات الثلاث، وفي الفرع فتتبع بتشديد
التاء الثانية وتخفيف الموحدة المكسورة، ولأبي ذر تتبع
بسكون التاء الثانية وفتح الموحدة (بها) أي الفرصة (أثر
الدم).
314 - حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ مَنْصُورِ ابْنِ صَفِيَّةَ عَنْ أُمِّهِ
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتِ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ غُسْلِهَا مِنَ
الْمَحِيضِ فَأَمَرَهَا كَيْفَ تَغْتَسِلُ قَالَ: «خُذِي
فِرْصَةً مِنْ مِسْكٍ فَتَطَهَّرِي بِهَا». قَالَتْ:
كَيْفَ أَتَطَهَّرُ؟ قَالَ: تَطَهَّرِي بِهَا. قَالَتْ:
كَيْفَ؟ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ، تَطَهَّرِي،
فَاجْتَبَذْتُهَا إِلَىَّ فَقُلْتُ: تَتَبَّعِي بِهَا
أَثَرَ الدَّمِ. [الحديث 314 - طرفاه في: 315، 7357].
وبه قال: (حدّثنا يحيى) أي ابن موسى البلخي الختي بفتح
الخاء المعجمة وتشديد المثناة الفوقية فيما جزم به ابن
السكن في روايته عن الفربري، وتوفي سنة أربعين ومائتين، أو
يحيى بن جعفر البيكندي كما وجد في بعض النسخ (قال: حدّثنا
ابن عيينة) سفيان (عن منصور ابن صفية) نسبه
إليها لشهرتها واسم أبيه عبد الرحمن بن طلحة (عن أمه) صفية
بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري، ووقع التصريح
بالسطع في جميع السند في مسند الحميدي (عن عائشة) رضي الله
عنها.
(أن امرأة) من الأنصار كما في حديث الباب التالي لهذا أو
هي أسماء بنت شكل كما في مسلم، لكن قال الدمياطي: إنه
تصحيف، وإنما هو سكن بالسين المهملة والنون نسبة إلى جدها،
وجزم تبعًا للخطيب في مبهماته إنها أسماء بنت يزيد بن
السكن الأنصارية خطيبة النساء، وصوّبه بعض المتأخرين بأنه
ليس في الأنصار من اسمه شكل، وتعقب بجواز تعدد الواقعة.
ويؤيده تفريق ابن منده بين الترجمين، وبأن ابن طاهر وأبا
موسى المديني وأبا علي الجياني جزموا بما في مسلم، ورواة
ابن أبي شيبة وأبو نعيم كذلك فسلم مسلم من الوهم والتصحيف.
(سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن غسلها
من المحيض) أي الحيض (فأمرها) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (كيف تغتسل) أي بأن قال كما رواه مسلم بمعناه
تطهري فأحسني الطهور ثم صبي على رأسك فادلكيه دلكًا شديدًا
حتى يبلغ شؤون رأسك أي أصوله ثم صبي الماء عليك. (قال: خذي
فرصة) بتثليث الفاء قطعة، وقيل بفتح القاف والصاد المهملة
أي شيئًا يسيرًا مثل الفرصة بطرف الأصبعين، وقال ابن
قتيبة: إنما هو بالقاف والضاد المعجمة أي قطعة، والرواية
ثابتة بالفاء والصاد المهملة ولا مجال للرأي في مثله،
والمعنى صحيح بنقل أئمة اللغة (من مسك) بكسر الميم دم
الغزال، وروي
(1/353)
بفتحها. قال القاضي عياض: وهي رواية
الأكثرين وهو الجلد أي خذي قطعة وتحملي بها لمسح القبل،
واحتجّ بأنهم كانوا في ضيق يمتنع معه أن يمتهنوا المسك مع
غلاء ثمنه، ورجح النووي الكسر. (فتطهري) أي تنظفي (بها) أي
بالفرصة. (قالت) أسماء: (كيف أتطهر بها؟ قال) عليه الصلاة
والسلام: (سبحان الله) متعجبًا من خفاء ذلك عليها (تطهري)
ولابن عساكر تطهري بها قالت: كيف؟ قال: سبحان الله تطهري
بها. قالت عائشة رضي الله عنها: (فاجتبذتها إلي) بتقديم
الموحدة على الذال المعجمة، وفي رواية فاجتذبتها بتأخيرها
(فقلت) لها (تتبعي بها) أي بالفرصة (أثر الدم) أي في
الفرج، واستنبط منه أن العَالم يكني بالجواب في الأمور
المستورة، وأن المرأة تسأل عن أمر دينها، وتكرير الجواب
لإفهام السائل، وأن للطالب الحاذق تفهيم السائل قول الشيخ
وهو يسمع، وفيه الدلالة على حسن خلق الرسول -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعظيم حلمه وحيائه، ووجه
المطابقة بينه وبين الترجمة من جهة تضمنه طريق مسلم التي
سبق ذكرها بالمعنى المصرّحة بكيفية الاغتسال والدلك
المسكوت عنه في رواية المؤلف، ولم يخرجها لأنها ليست على
شرطه لكونها من رواية إبراهيم بن مهاجر عن صفية. ورواة
حديث هذا الباب ما بين بلخي ومكي وفيه التحديث والعنعنة،
وأخرجه المؤلف في الطهارة والاعتصام، وكذا مسلم والنسائي.
14 - باب غُسْلِ الْمَحِيضِ
(باب غسل) المرأة من (المحيض) بفتح الغين وضمها كما في
الفرع.
315 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ
قال: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أُمِّهِ عَنْ عَائِشَةَ
أَنَّ امْرَأَةً مِنَ الأَنْصَارِ قَالَتْ لِلنَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كَيْفَ أَغْتَسِلُ
مِنَ الْمَحِيضِ؟ قَالَ: «خُذِي فِرْصَةً مُمَسَّكَةً
فَتَوَضَّئِي ثَلاَثًا» ثُمَّ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَحْيَا فَأَعْرَضَ
بِوَجْهِهِ أَوْ قَالَ: تَوَضَّئِي بِهَا. فَأَخَذْتُهَا
فَجَذَبْتُهَا فَأَخْبَرْتُهَا بِمَا يُرِيدُ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا مسلم) زاد الأصيلي ابن إبراهيم (قال:
حدّثنا وهيب) تصغير وهب ابن خالد (قال: حدّثنا منصور) هو
ابن عبد الرحمن (عن أمه) صفية بنت شيبة (عن عائشة) رضي
الله عنها.
(أن امرأة من الأنصار) هي أسماء بنت شكل (قالت للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كيف أغتسل من
المحيض؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (خذي) أي بعد إيصال
الماء لشعرك وبشرتك (فرصة ممسكة) بضم الميم الأولى وفتح
الثانية ثم مهملة مشددة مفتوحة أي قطعة من صوف أو قطن
مطيبة بالمسك (فتوضئي) الوضوء اللغوي وهو التنظيف، ولأبوي
ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: وتوضئي وفي رواية فتوضئي
بها قال لها ذلك (ثلاثًا) أي ثلاث مرات. قالت عائشة: (ثم
إن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استحيا
فأعرض) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر وأعرض (بوجهه) الكريم
(أو قال) شك من عائشة (توضئي بها) ولابن عساكر وقال: فزاد
في هذه كالرواية السابقة لفظة بها أي بالفرصة. قالت عائشة:
(فأخذتها فجذبتها فأخبرتها بما يريد النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من التتبع وإزالة الرائحة الكريهة.
والمطابقة بين الحديث والترجمة على رواية فتح غين غسل
وتفسير المحيض باسم المكان ظاهرة، وعلى رواية ضم الغين
والمحيض بمعنى الحيض فالإضافة بمعنى اللام الاختصاصية لأنه
ذكر لها خاصة هذا الغسل.
15 - باب امْتِشَاطِ الْمَرْأَةِ عِنْدَ غُسْلِهَا مِنَ
الْمَحِيضِ
(باب امتشاط المرأة) أي تسريح شعر رأسها (عند غسلها) بفتح
الغين وضمها (من المحيض) أي الحيض.
316 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قال:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قال: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ
عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: أَهْلَلْتُ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
حَجَّةِ الْوَدَاعِ، فَكُنْتُ مِمَّنْ تَمَتَّعَ وَلَمْ
يَسُقِ الْهَدْيَ. فَزَعَمَتْ أَنَّهَا حَاضَتْ وَلَمْ
تَطْهُرْ حَتَّى دَخَلَتْ لَيْلَةُ عَرَفَةَ فَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ لَيْلَةُ عَرَفَةَ، وَإِنَّمَا
كُنْتُ تَمَتَّعْتُ بِعُمْرَةٍ. فَقَالَ لَهَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «انْقُضِي
رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَمْسِكِي عَنْ عُمْرَتِكِ».
فَفَعَلْتُ. فَلَمَّا قَضَيْتُ الْحَجَّ أَمَرَ عَبْدَ
الرَّحْمَنِ لَيْلَةَ الْحَصْبَةِ فَأَعْمَرَنِي مِنَ
التَّنْعِيمِ، مَكَانَ عُمْرَتِي الَّتِي نَسَكْتُ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا
إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف المدني
نزيل بغداد (قال: حدّثنا ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن
الزبير بن العوّام (أن عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(أهللت) أي أحرمت ورفعت صوتي بالتلبية (مع رسول الله)
وللأصيلي مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في حجة الوداع، فكنت ممن تمتع ولم يسق الهدي) بفتح الهاء
وسكون المهملة وتخفيف الياء أو كسر المهملة مع تشديد الياء
اسم لما يهدى بمكة من الأنعام، وفيه التفات من المتكلم إلى
الغائب، لأن الأصل أن تقول ممن تمتعت لكن ذكر باعتبار لفظ
من (فزعمت أنها حاضت ولم تطهر) من حيضها (حتى دخلت ليلة
عرفة) فيه دلالة على أن حيضها كان ثلاثة أيام خاصة لأن
دخوله عليه الصلاة والسلام مكة كان في الخامس من الحجة،
فحاضت يومئذٍ فطهرت يوم عرفة، ويدل على أنها حاضت يومئذٍ
قوله عليه الصلاة والسلام في باب كيف تهلّ الحائض بالحج
والعمرة من أحرم بعمرة الحديث. قالت: فحضت ففيه دليل على
أن
(1/354)
حيضها كان يوم القدوم إلى مكة. قالت: فلم
أزل حائضًا حتى كان يوم عرفة قاله البدر. (فقالت) وللأصيلي
وابن عساكر قالت: (يا رسول الله هذه ليلة عرفة) وفي بعض
النسخ هذا ليلة عرفة. قال البدر أي هذا الوقت، ولأبوي ذر
والوقت وابن عساكر والأصيلي يوم عرفة (وإنما كنت تمتعت
بعمرة) أي وأنا حائض وفيه تصريح بما تضمنه التمتع لأنه
إحرام بعمرة في أشهر الحج ممن على مسافة القصر من الحرم ثم
يحج من سنته (فقال لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: انقضي رأسك) بضم القاف أي حلّي شعرك (وامتشطي
وأمسكي) بهمزة قطع (عن عمرتك) أي اتركي العمل في العمرة
وإتمامها، فليس المراد الخروج منها فإن الحج والعمرة لا
يخرج منهما إلا بالتحلل وحينئذٍ فتكون قارنة، ويؤيده قوله
عليه الصلاة والسلام: "يكفيك طوافك لحجك وعمرتك" ولا يلزم
من نقض الرأس والامتشاط إبطالها لجوازهما عندنا حال
الإحرام، لكن يكرهان خوف نتف الشعر، وقد حملوا فعلها ذلك
على أنه كان برأسها أذى، وقيل: المراد أبطلي عمرتك، ويؤيده
قولها في العمرة وأرجع
بحجة واحدة وقولها ترجع صواحبي بحج وعمرة وأرجع أنا بالحج،
وقوله عليه الصلاة والسلام "هذه مكان عمرتك" قالت عائشة:
(ففعلت) النقض والامتشاط والإمساك (فلما قضيت) أي أدّيت
(الحج) بعد إحرامي به (أمر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أخي (عبد الرحمن) بن أبي بكر الصديق رضي الله
عنه (ليلة الحصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد المهملتين وفتح
الموحدة التي نزلوا فيها بالمحصب موضع بين مكة ومنى يبيتون
فيه إذا نفروا منها (فأعمرني) أي اعتمر بي (من التنعيم)
موضع على فرسخ من مكة فيه مسجد عائشة (مكان عمرتي التي
نسكت) من النسك أي التي أحرمت بها وأردت أوّلاً حصولها
منفردة غير مندرجة ومنعني الحيض، وفي رواية أبي زيد
المروزي أي سكت بلفظ التكلم من السكوت أي التي تركت
أعمالها وسكت عنها، وللقابسي شكت بالشين المعجمة والتخفيف
والضمير فيه راجع إلى عائشة على سبيل الالتفات من التكلم
للغيبة أو المعنى شكت العمرة من الحيض وإطلاق الشكاية
عليها كناية عن اختلالها وعدم بقاء استقلالها، وإنما أمرها
بالعمرة بعد الفراغ وهي قد كانت حصلت لها مندرجة مع الحج
لقصدها عمرة منفردة كما حصل لسائر أزواجه عليه الصلاة
والسلام حيث اعتمرن بعد الفراغ من حجهنّ المفرد عمرة
منفردة عن حجهن حرصًا منها على كثرة العبادة.
وتمام مباحث الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الحج
بعون الله وقوّته. ورواته الخمسة ما بين بصري ومدني وفيه
التحديث والعنعنة.
16 - باب نَقْضِ الْمَرْأَةِ شَعَرَهَا عِنْدَ غُسْلِ
الْمَحِيضِ
(باب) حكم (نقض المرأة شعرها) أي شعر رأسها (عند غسل
المحيض) هل هو واجب أم لا ولابن عساكر باب من رأى نقض
المرأة الخ.
317 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مُوَافِينَ لِهِلاَلِ
ذِي الْحِجَّةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُهِلَّ
بِعُمْرَةٍ فَلْيُهْلِلْ، فَإِنِّي لَوْلاَ أَنِّي
أَهْدَيْتُ لأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ». فَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ
بِعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ بَعْضُهُمْ بِحَجٍّ، وَكُنْتُ أَنَا
مِمَّنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَدْرَكَنِي يَوْمُ
عَرَفَةَ وَأَنَا حَائِضٌ، فَشَكَوْتُ إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «دَعِي
عُمْرَتَكِ وَانْقُضِي رَأْسَكِ وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي
بِحَجٍّ». فَفَعَلْتُ. حَتَّى إِذَا كَانَ لَيْلَةُ
الْحَصْبَةِ أَرْسَلَ مَعِي أَخِي عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
أَبِي بَكْرٍ فَخَرَجْتُ إِلَى التَّنْعِيمِ فَأَهْلَلْتُ
بِعُمْرَةٍ مَكَانَ عُمْرَتِي. قَالَ هِشَامٌ: وَلَمْ
يَكُنْ فِي شَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ هَدْيٌ وَلاَ صَوْمٌ وَلاَ
صَدَقَةٌ.
وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) الهباري بفتح الهاء
وتشديد الموحدة الكوفي، المتوفى سنة خمسين ومائتين (قال:
حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة الهاشمي الكوفي (عن هشام)
أي ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن
عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(خرجنا) من المدينة مكملين ذا القعدة (موافين) وفي رواية
موافقين (لهلال ذي الحجة) كذا شرحه بعضهم والأولى أن يكون
معنى موافين مشرفين. يقال: أوفى على كذا إذا أشرف عليه ولا
يلزم منه الدخول فيه. وقال النووي: أي مقاربين لاستهلاله
لأن خروجه عليه الصلاة والسلام كان لخمس ليال بقين من ذي
القعدة يوم السبت. (فقال) ولأبوي ذر والوقت قال (رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أحب أن يهلل)
بلامين وللأصيلي وابن عساكر يهل بلام مشددة أي يحرم (بعمرة
فليهلل) بعمرة (فإني لولا أني أهديت) أي سقت الهدي
(لأهللت) كذا في رواية الحموي وكريمة ولأبوي الوقت وذر
والأصيلي لأحللت (بعمرة) ليس فيه دلالة على أن التمتع أفضل
من الإفراد لأنه عليه الصلاة والسلام، إنما قال ذلك لأجل
فسخ الحج إلى العمرة الذي هو خاص بهم في تلك السنة
المخالفة تحريم الجاهلية العمرة في أشهر الحج لا التمتع
الذي فيه الخلاف وقاله ليطيب قلوب
(1/355)
أصحابه إذ كانت نفوسهم لا تسمح بفسخ الحج
إليها لإرادتهم موافقة عليه الصلاة والسلام أي ما يمنعني
من موافقتكم فيما أمرتكم به إلا سوقي الهدي، ولولاه
لوافقتكم، وإنما كان الهدي علة لانتفاء الإحرام بالعمرة
لأن صاحب الهدي لا يجوز له التحلل حتى ينحره ولا ينحره إلا
يوم النحر، والمتمتع يتحلل من عمرته قبله فيتنافيان.
(فأهلَّ بعضهم بعمرة وأهلَّ بعضهم بحج) قالت عائشة: (وكنت
أنا ممن
أهل بعمرة فأدركني يوم عرفة وأنا حائض فشكوت) ذلك (إلى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: دعي
عمرتك) أي أفعالها وارفضيها (وانقضي رأسك) أي شعرها
(وامتشطي وأهلّي بحج) أي مع عمرتك أو مكانها (ففعلت) ذلك
كله (حتى إذا كان ليلة الحصبة) بفتح الحاء وسكون الصاد
وليلة بالرفع على أن كان تامة أي وجدت وبالنصب على أنها
ناقصة واسمها الوقت (أرسل) عليه الصلاة والسلام (معي أخي
عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق رضي الله عنهم (فخرجت) معه
(إلى التنعيم فأهللت بعمرة) منه (مكان عمرتي) التي تركتها.
لا يقال ليس في الحديث دلالة على الترجمة لأن أمرها بنقض
الشعر كان للإهلال وهي حائض لا عند غسلها لأنا نقول: إن
نقض شعرها إن كان لغسل الإحرام وهو سُنّة فلغسل الحيض أولى
لأنه فرض، وقد كان ابن عمر يقول بوجوبه، وبه قال الحسن
وطاوس في الحائض دون الجنب، وبه قال أحمد لكن رجح جماعة من
أصحابه الاستحباب فيهما، واستدل الجمهور على عدم وجوب
النقض بحديث أم سلمة: إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه
للجنابة؟ قال: "لا". رواه مسلم، وقد حملوا حديث عائشة على
الاستحباب جمعًا بين الروايتين. نعم إن لم يصل الماء إلا
بالنقض وجب. ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي ومدني
وفيه التحديث والعنعنة.
(قال هشام) أي ابن عروة (ولم يكن في شيء من ذلك هدي ولا
صوم ولا صدقة). استشكل النووي نفي الثلاثة بأن القارن
والمتمتع عليه الدم، وأجابب القاضي عياض بأنها لم تكن
قارنة ولا متمتعة لأنها أحرمت بالحج ثم نوت فسخه في عمرة،
فلما حاضت ولم يتم لها ذلك رجعت إلى حجها لتعذّر أفعال
العمرة وكانت ترفضها بالوقوف فأمرها بتعجيل الرفض، فلما
أكملت الحج اعتمرت عمرة مبتدأة وعورض بقولها: وكنت أنا ممن
أهل بعمرة، وقولها ولم أهلَّ إلا بعمرة. وأجيب: بأن هشامًا
لما لم يبلغه ذلك أخبر بنفيه ولا يلزم منه نفيه فى نفس
الأمر، بل روى جابر أنه عليه الصلاة والسلام أهدى عن عائشة
بقرة فافهم.
17 - باب مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ
(باب مخلقة وغير مخلقة) أي مسوّاة لا نقص فيها ولا عيب
وغير مسوّاة أو تامّة أو ساقطة أو مصوّرة وغير مصوّرة،
وللأصيلي قول الله عز وجل: {مُخَلَّقَةٍ} [الحج: 5] قال
ابن المنير: أدخل المؤلف هذه الترجمة في أبواب الحيض
لينبّه بها على أن دم الحامل ليس بحيض، لأن الحمل إن تم
فإن الرحم مشغول به، وما ينفصل عنه من دم إنما هو رشح
غذائه أو فضلته أو نحو ذلك فليس بحيض، وإن لم يتم وكانت
المضغة غير مخلقة مجها الرحم مضعة مائعة حكمها حكم الولد،
فكيف يكون حكم الولد حيضًا؟ انتهى.
وهذا مذهب الكوفيين وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد بن حنبل
والأوزاعي والثوري، وذهب الإمام الشافعي في الجديد إلى
أنها تحيض، وعن مالك روايتان، وما ادّعاه ابن المنير كغيره
من أنه
رشح غذاء الولد الخ يحتاج إلى دليل، وأما ما ورد في ذلك من
خبر أو أثر نحو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إن الله
رفع الحيض وجعل الدم رزقًا للولد مما تغيض الأرحام. رواه
ابن شاهين، وقول ابن عباس مما رواه ابن شاهين أيضًا فقال
الحافظ ابن حجر: لا يثبت لأن هذا دم بصفات الحيض في زمن
إمكانه فله حكم دم الحيض، وأقوى حججهم أن استبراء الأمة
اعتبر بالحيض لتحقيق براءة الرحم من الحمل، فلو كانت
الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض.
318 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَكَّلَ
بِالرَّحِمِ مَلَكًا يَقُولُ: يَا رَبِّ نُطْفَةٌ، يَا
رَبِّ عَلَقَةٌ، يَا رَبِّ مُضْغَةٌ. فَإِذَا أَرَادَ أَنْ
يَقْضِيَ خَلْقَهُ قَالَ: أَذَكَرٌ أَمْ أُنْثَى؟ شَقِيٌّ
أَمْ سَعِيدٌ؟ فَمَا الرِّزْقُ، وَالأَجَلُ؟ فَيُكْتَبُ
فِي بَطْنِ أُمِّهِ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا حماد)
هو ابن زيد البصري (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن
أبي بكر) بن أنس بن مالك الأنصاري (عن أنس بن مالك) رضي
الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال):
(إن الله عز وجل وكّل) بالتشديد. قال
(1/356)
الحافظ ابن حجر: وفي روايتنا بالتخفيف من
وكله بكذا إذا استكفاه وصرف أمره إليه (بالرحم ملكًا يقول)
عند وقوع النطفة التماسًا لإتمام الخلقة، أو الدعاء بإقامة
الصورة الكاملة عليها أو الاستعلام أو نحو ذلك فليس في ذلك
فائدة الخبر ولا لازمة لأن الله تعالى عالم الكل فهو على
نحو قوله تعالى: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى} [آل
عمران: 36] قالتها تحسّرًا وتحزّنًا إلى ربها (يا رب) بحذف
ياء المتكلم هذه (نطفة) قال ابن الأثير: هي الماء القليل
الكثير، والمراد بها هنا المني، وللقابسي نطفة بالنصب على
إضمار فعل أي خلقت يا رب نطفة أو صارت نطفة (يا رب) هذه
(علقة) قطعة من الدم جامدة (يا رب) هذه (مضغة) قطعة من
اللحم وهي في الأصل قدر ما يمضع، ويجوز نصب الاسمين عطفًا
على السابق المنصوب بالفعل المقدر بين قول الملك يا رب
نطفة وقوله علقة أربعون يومًا كقوله: يا رب مضغة لا في وقت
واحد وإلاّ تكون النطفة علقة مضغة في ساعة واحدة ولا يخفى
ما فيه، (فإذا أراد) الله (أن يقضي) وللأصيلي فإذا أراد
الله أن يقضي أي يتم (خلقه) أي ما في الرحم من النطفة التي
صارت علقة ثم مضغة، وهذا هو المراد بقوله: {مخلقة وغير
مخلقة} وقد علم بالضرورة أنه لم يرد خلقه تكون غير مخلقة
وهذا وجه مناسبة الحديث للترجمة، وقد صرّح بذلك في حديث
رواه الطبراني بإسناد صحيح من حديث ابن مسعود قال: إذا
وقعت النطفة في الرحم بعث الله ملكًا فقال: يا رب مخلقة أو
غير مخلقة؟ فإن قال غير مخلقة مجها الرحم دمًا. (قال)
الملك (أذكر) هو (أم أُنثى) أو التقدير أهو ذكر أم أنثى؟
وسوّغ الابتداء به وإن كان نكرة لتخصيصه بثبوت أحد الأمرين
إذ السؤال فيه عن التعيين، وللأصيلي أذكر أم أنثى بتقدير
أتخلق ذكرًا أم أُنثى؟ (شقي) أي أعاصٍ لك هو (أم سعيد)
مطيع وحذف أداة الاستفهام لدلالة السابق وللأصيلي
شقيًّا أم سعيدًا؟ (فما الرزق) أي الذي ينتفع به؟ (و) ما
(الأجل) أي وقت الموت أو مدة الحياة إلى الموت لأنه يطلق
على المدة وعلى غايتها، وفي رواية أبي ذر: وما الأجل
بزيادة ما كما وقع في الشرح (فيكتب) على صيغة المجهول أي
المذكور، والكتابة إما حقيقة أو مجاز عن التقدير، وللأصيلي
قال: فيكتب (في بطن أمه) ظرف لقوله يكتب أو أن الشخص مكتوب
عليه في ذلك الظرف، وقد روي أنها تكتب على جبهته.
ورواة هذا الحديث الأربعة بصريون، وفيه التحديث والعنعنة،
وأخرجه المؤلف أيضًا فى خلق آدم وفي القدر ومسلم فيه.
18 - باب كَيْفَ تُهِلُّ الْحَائِضُ بِالْحَجِّ
وَالْعُمْرَةِ؟
(باب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة) ليس مراده الكيفية
التي يراد بها الصفة بل بيان صحة إهلال الحائض.
319 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ. فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا
مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ. فَقَدِمْنَا مَكَّةَ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَلَمْ يُهْدِ فَلْيُحْلِلْ،
وَمَنْ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَأَهْدَى فَلاَ يَحِلُّ
حَتَّى يَحِلَّ بِنَحْرِ هَدْيِهِ. وَمَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ
فَلْيُتِمَّ حَجَّهُ». قَالَتْ: فَحِضْتُ، فَلَمْ أَزَلْ
حَائِضًا حَتَّى كَانَ يَوْمُ عَرَفَةَ، وَلَمْ أُهْلِلْ
إِلاَّ بِعُمْرَةٍ، فَأَمَرَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ أَنْقُضَ رَأْسِي
وَأَمْتَشِطَ وَأُهِلَّ بِحَجٍّ وَأَتْرُكَ الْعُمْرَةَ،
فَفَعَلْتُ ذَلِكَ حَتَّى قَضَيْتُ حَجِّي، فَبَعَثَ مَعِي
عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ وَأَمَرَنِي أَنْ
أَعْتَمِرَ مَكَانَ عُمْرَتِي مِنَ التَّنْعِيمِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف
(قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) بضم العين وفتح
القاف ابن خالد بن عقيل بفتح العين الأيلي (عن ابن شهاب)
الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة) رضي الله
عنها (قالت):
(خرجنا مع النبي) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المدينة (في حجة الوداع) لخمس
بقين من ذي القعدة سنة عشر من الهجرة (فمنا من أهلَّ) أي
أحرم (بعمرة ومنا من أهلَّ بحج) وفي رواية أبي ذر عن
المستملي بحجة (فقدمنا مكة فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من أحرم بعمرة ولم يهدِ) بضم المثناة
التحتية من الإهداء (فليحلل) بكسر اللام من الثلاثي أي قبل
يوم النحر حتى يحرم بالحج، (ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل
حتى يحل) بفتح المثناة وكسر الحاء والضم في لام الأولى
والفتح في لام الأخرى (بنحر هديه) ولأبوي ذر والوقت
والأصيلي وابن عساكر حتى يحل نحر هديه أي يوم العيد لكونه
أدخل الحج فيصير قارنًا ولا يكون متمتعًا فلا يحل، وأما
توقفه على دخول يوم النحر مع إمكان التحلل بعد نصف ليلته
فليس التحلل الكلي، أما التحلل الكلي المبيح للجماع فهو في
يوم
النحر، (ومن أهلَّ بحج) مفردًا ولأبي ذر وعزاها في الفتح
للمستملي والحموي ومن أهلَّ بحجة (فليتم حجه) سواء كان معه
هدي أم لا. (قالت) عائشة رضي الله عنها: (فحضت) أي بسرف
(فلم أزل حائضًا حتى كان يوم عرفة) برفع يوم لأن كان تامة
(ولم أهلل) بضم الهمزة وكسر اللام الأولى
(1/357)
(إلا بعمرة فأمرني النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أنقض) شعر (رأسي و) أن (أمتشط و)
أن (أهلَّ) بضم الهمزة (بحج و) أن (أترك العمرة) أي
أعمالها أو أبطلها (ففعلت ذلك) كله (حتى قضيت حجي) ولأبوي
ذر والوقت والأصيلي حجتي (فبعث) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (معي) أخي (عبد الرحمن بن أبي بكر) وللأصيلي
زيادة الصديق، (وأمرني) عليه الصلاة والسلام، ولأبوي ذر
والوقت: فأمرني بالفاء (أن أعتمر مكان عمرتي من التنعيم).
ورواة هذا الحديث الستة ما بين مصري وايلّي ومدنيّ، وأخرجه
مسلم في المناسك، ويأتي ما فيه من البحث في الحج إن شاء
الله تعالى بعونه وقوّته.
19 - باب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ
وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرْجَةِ
فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ: لاَ
تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ،
تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنَ الْحَيْضَةِ. وَبَلَغَ
ابْنَةَ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّ نِسَاءً يَدْعُونَ
بِالْمَصَابِيحِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ يَنْظُرْنَ إِلَى
الطُّهْرِ فَقَالَتْ: مَا كَانَ النِّسَاءُ يَصْنَعْنَ
هَذَا. وَعَابَتْ عَلَيْهِنَّ.
(باب إقبال المحيض وإدباره وكن نساء) بالرفع بدل من ضمير
كن على لغة أكلوني البراغيث، وفائدة ذكره بعد أن علم من
لفظ كنّ إشارة إلى التنويع والتنوين يدل عليه أي كان ذلك
من بعضهن لا من كلهن (يبعثن إلى عائشة) رضي الله عنها
(بالدرجة) بكسر الدال وفتح الراء والجيم جمع درج بالضم ثمّ
السكون، وبضم أوّله وسكون ثانيه في قول ابن قرقول، وبه
ضبطه ابن عبد البرّ في الموطأ، وعند الباجي بفتح الأوّلين
ونوزع قيه وهي وعاء أو خرقة (فيها الكرسف) بضم الكاف
وإسكان الراء وضم السين آخره فاء أي القطن (فيه) أي في
القطن (الصفرة) الحاصلة من أثر دم الحيض بعد وضع ذلك في
الفرج لاختبار الطهر، وإنما اختير القطن لبياضه ولأنه ينشف
الرطوبة فيظهر فيه من آثار الدم ما لم يظهر في غيره.
(فتقول) عائشة لهن: (لا تعجلن حتى ترين) بسكون اللام
والمثناة التحتية (القصة البيضاء تريد بذلك الطهر من
الحيضة) بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة ماء أبيض يكون
آخر الحيض يتبين به نقاء الرحم تشبيهًا بالجص وهو النورة،
ومنه قصص داره أي جصصها. وقال الهروي: معناه أن يخرج ما
تحتشي به الحائض نقيًا كالقصة كأنه ذهب إلى الجفوف.
قال القاضي عياض: وبينهما عند النساء وأهل المعرفة فرق
بيِّن انتهى.
قال في الصابيح وسببه أن الجفوف عدم والقصة وجود والوجود
أبلغ دلالة، وكيف لا والرحم قد يجف في أثناء الحيض، وقد
تنظف الحائض فيجف رحمها ساعة، والقصة لا تكون إلا طهرًا
انتهى. وفيه دلالة على أن الصفرة والكدرة في أيام الحيض
حيض. وهذا الأثر رواه مالك في
الموطأ من حديث علقمة بن أبي علقمة المدني عن أمه مرجانة
مولاة عائشة، وقد علم أن إقبال المحيض يكون بالدفعة من
الدم وإدباره بالقصة أو بالجفاف.
(وبلغ ابنة) ولابن عساكر بنت (زيد بن ثابت) هي أم كلثوم
زوج سالم بن عبد الله بن عمر أو أختها أم سعد والأول
اختاره الحافظ ابن حجر (أن نساء) من الصحابيات (يدعون
بالمصابيح) أي يطلبنها (من جوف الليل ينظرن إلى) ما يدل
على (الطهر فقالت: ما كان النساء يصنعن هذا وعابت عليهن)
ذلك لكون الليل لا يتبين فيه البياض الخالص من غيره،
فيحسبن أنهم طهرن وليس كذلك فيصلين قبل الطهر.
320 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ كَانَتْ
تُسْتَحَاضُ، فَسَأَلَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «ذَلِكِ عِرْقٌ وَلَيْسَتْ
بِالْحَيْضَةِ، فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي
الصَّلاَةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (قال: حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن هشام) أي ابن عروة (عن أبيه) عروة بن
الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها.
(أن فاطمة بنت أبي حبيش) بضم الحاء المهملة وفتح الموحدة
آخره معجمة (كانت تستحاض) بضم التاء مبنيًّا للمفعول
(فسألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال
ذلك) بكسر الكاف (عرق) بكسر العين وسكون الراء يسمى العاذل
(ليست بالحيضة) بفتح الحاء وقد تكسر (فإذا أقبلت الحيضة
فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي) لا يقتضي تكرار
الاغتسال لكل صلاة بل يكفي غسل واحد، لا يقال إنه معارض
باغتسال أم حبيبة لكل صلاة لأنه أجيب بأنه إما لأنها كانت
ممن يجب عليه ذلك لاحتمال الانقطاع عند كل صلاة، أو كانت
متطوعة به وبهذا نص الشافعي.
20 - باب لاَ تَقْضِي الْحَائِضُ الصَّلاَةَ
وَقَالَ جَابِرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "تَدَعُ الصَّلاَةَ".
هذا (باب) بالتنوين (لا تقضي الحائض الصلاة. وقال جابر)
ولأبوي ذر والوقت جابر بن عبد الله مما رواه المؤلف في
الأحكام بالمعنى (وأبو سعيد) الخدري رضي الله عنه مما رواه
أيضًا بالمعنى في ترك الحائض الصوم (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تدع) الحائض (الصلاة) وترك
الصلاة يستلزم عدم قضائها لأن
(1/358)
الشارع أمر بالترك ومتروكه لا يجب فعله فلا
يجب قضاؤه.
321 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ:
حَدَّثَتْنِي مُعَاذَةُ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ
لِعَائِشَةَ: أَتَجْزِي إِحْدَانَا صَلاَتَهَا إِذَا
طَهُرَتْ؟ فَقَالَتْ: أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ؟ كُنَّا
نَحِيضُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَلاَ يَأْمُرُنَا بِهِ. أَوْ قَالَتْ: فَلاَ
نَفْعَلُهُ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا
همام) بالتشديد ابن يحيى بن دينار العوذي، المتوفى سنة
ثلاث وستين ومائة (قال: حدّثنا قتادة) الأكمه المفسر (قال:
حدّثتني) بالتأنيث والإفراد (معاذة) بضم الميم وفتح العين
المهملة والذال المعجمة بنت عبد الله العدوية.
(أن امرأة) أبهمها همام وهي معاذة نفسها (قالت لعائشة) رضي
الله عنها (أتجزي) بفتح الهمزة والمثناة الفوقية وكسر
الزاي آخره مثناة تحتية من غير همز أي أتقضي (إحدانا
صلاتها) التي لم تصلها زمن الحيض وصلاتها نصب على
المفعولية (إذا طهرت) بفتح الطاء وضم الهاء؟ (فقالت) عائشة
(أحرورية أنت) بفتح الحاء المهملة وضم الراء الأولى
المخففة نسبة إلى حروراء قرية بقرب الكوفة كان أوّل اجتماع
الخوارج بها أي أخارجية أنت لأن طائفة من الخوارج يوجبون
على الحائض قضاء الصلاة الفائتة زمن الحيض وهو خلاف
الإجماع، فالهمزة للاستفهام الإنكاري، وزاد في رواية مسلم
عن عاصم عن معاذة فقلت، لا ولكني أسال سؤالاً لمجرد طلب
العلم لا للتعنت. فقالت عائشة: (كنا) وللأصيلي قد كنا
(نحيض مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي
مع وجوده أو عهده أي فكان يطلع على حالنا في الترك (فلا)
وللأصيلي ولا (يأمرنا به) أي بالقضاء لأن التقدير على ترك
الواجب غير جائز (أو قالت) أي معاذة (فلا نفعله) وفرق بين
الصلاة والصوم بتكررها فلم يجب قضاؤها للحرج بخلافه
وخطابها بقضائه بأمر جديد لا بكونها خوطبت به أوّلاً. نعم
استثنى من نفي قضاء الصلاة ركعتا الطواف.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث بالإفراد
والجمع وأخرجه الستة.
21 - باب النَّوْمِ مَعَ الْحَائِضِ وَهْيَ فِي ثِيَابِهَا
(باب النوم مع الحائض وهي) أي والحال أنها (في ثيابها)
المعدة لحيضها.
322 - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ زَيْنَبَ
ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ
قَالَتْ: حِضْتُ وَأَنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْخَمِيلَةِ، فَانْسَلَلْتُ
فَخَرَجْتُ مِنْهَا فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي
فَلَبِسْتُهَا، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَنُفِسْتِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
فَدَعَانِي فَأَدْخَلَنِي مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ.
قَالَتْ: وَحَدَّثَتْنِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُقَبِّلُهَا وَهُوَ صَائِمٌ.
وَكُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنَ
الْجَنَابَةِ.
وبالسند قال: (حدّثنا سعد بن حفص) بسكون العين الكوفي
الطلحي المعروف بالضخم (قال: حدّثنا شيبان) النحوي (عن
يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) عبد الله أو إسماعيل بن
عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن زينب ابنه) ولأبي ذر
والأصيلي وابن عساكر بنت (أبي سلمة) بفتح اللام أنها
(حدّثته أن أم سلمة) هند رضي الله عنها (قالت):
(حضت وأنا مع النبي) وللأصيلي مع رسول الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الخميلة) أي القطيفة
(فانسللت
فخرجت منها فأخذت ثياب حيضتي) بكسر الحاء (فلبستها فقال
ليس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أنفست) بضم النون وكسر الفاء كما في الفرع. (قلت: نعم)
نفست (فدعاني فأدخلني معه في الخميلة) هي الخميلة الأولى
لأن المعرفة إذا أعيدت معرفة تكون عين الأولى. (قالت) أي
زينب مما هو داخل تحت الإسناد الأول: (وحدّثتني) عطف على
قالت الأولى أو عطف جملة كما في {اسْكُنْ أَنْتَ
وَزَوْجُكَ} [البقرة: 35] أي وليسكن زوجك (أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقبلها وهو صائم
وكنت) أي وحدّثتني أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كان يقبلها وهو صائم وبقولها: كنت (أغتسل أنا
والنبي) وللأصيلي ورسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بالرفع على ما في الفرع عطفًا على الضمير أو
بالنصب مفعولاً معه أي أغتسل معه (من إناء واحد من
الجنابة) ومن في قوله من إناء ومن الجنابة يتعلقان بقوله
أغتسل، ولا يمتنع هذا لأنها في الأوّل من عين وهو الإناء،
وفي الثاني من معنى وهو الجنابة، وإنما الممتنع إذا كان
الابتداء من شيئين هما من جنس واحد كزمانين نحو: رأيته من
شهر من سنة، أو مكانين نحو: خرجت من البصرة من الكوفة.
22 - باب مَنِ اتَّخَذَ ثِيَابَ الْحَيْضِ سِوَى ثِيَابِ
الطُّهْرِ
(باب من أخذ) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر من
اتخذ وللكشميهني مما ذكره في فتح الباري من أعدّ بالعين من
الإعداد أي من أخذ أو اتخذ أو أعدّ من النساء (ثياب الحيض
سوى ثياب الطهر).
323 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
زَيْنَبَ ابْنَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُضْطَجِعَةً فِي خَمِيلَةٍ حِضْتُ،
فَانْسَلَلْتُ فَأَخَذْتُ ثِيَابَ حِيضَتِي، فَقَالَ:
أَنُفِسْتِ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ
مَعَهُ فِي الْخَمِيلَةِ.
وبالسند قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد
المعجمة أبو زيد الزهراني البصري (قال: حدّثنا هشام)
الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد
الرحمن بن عوف (عن
(1/359)
زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة) أم المؤمنين
رضي الله عنها (قالت):
(بينا أنا مع النبي) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كوني (مضطجعة في خميلة) ولأبي
الوقت
في الخميلة (حضت فانسللت) منها (فأخذت ثياب حيضتي) بكسر
الحاء كما في الفرع ولا تعارض بين هذا وبين قولها في
الحديث السابق ما كان لإحدانا إلا ثوب واحد لأنه باعتبار
وقتين حالة الإقتار وحالة السعة، أو المراد خرق الحيضة
وحفاظها فكنت بالثياب تجملاً وتأدّبًا (فقال) عليه الصلاة
والسلام: (أنفست) بضم النون كما في الفرع عن ضبط الأصيلي،
لكن قال الهروي يقال ألا في الولادة بضم النون وفتحها،
وإذا حاضت نفست بالفتح فقط ونحوه لابن الأنباري (فقلت)
ولابن عساكر قلت (نعم) نفست (فدعاني) عليه الصلاة والسلام
(فاضطجعت معه في الخميلة).
23 - باب شُهُودِ الْحَائِضِ الْعِيدَيْنِ وَدَعْوَةَ
الْمُسْلِمِينَ، وَيَعْتَزِلْنَ الْمُصَلَّى
(باب شهود الحائض) أي حضورها يوم (العيدين ودعوة المسلمين)
كالاستسقاء (ويعتزلن) أي حال كونهن يعتزلن، ولابن عساكر
واعتزالهن (المصلى) تنزيهًا وصيانة واحترازًا عن مخالطة
الرجال من غير حاجة ولا صلاة، وإنما يحرم لأنه ليس مسجدًا
وجمع الضمير مع رجوعه لمفرد لإرادة الجنس كما في سامرًا
تهرجون.
324 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ قَالَتْ: كُنَّا
نَمْنَعُ عَوَاتِقَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ فِي الْعِيدَيْنِ،
فَقَدِمَتِ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ
فَحَدَّثَتْ عَنْ أُخْتِهَا -وَكَانَ زَوْجُ أُخْتِهَا
غَزَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثِنْتَىْ عَشَرَةَ، وَكَانَتْ أُخْتِي مَعَهُ
فِي سِتٍّ- قَالَتْ: كُنَّا نُدَاوِي الْكَلْمَى،
وَنَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى، فَسَأَلَتْ أُخْتِي
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَعَلَى
إِحْدَانَا بَأْسٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أَنْ
لاَ تَخْرُجَ؟ قَالَ: «لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ
جِلْبَابِهَا، وَلْتَشْهَدِ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ
الْمُسْلِمِينَ». فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ
سَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: بِأَبِي نَعَمْ -وَكَانَتْ
لاَ تَذْكُرُهُ إِلاَّ قَالَتْ "بِأَبِي"- سَمِعْتُهُ
يَقُولُ: «تَخْرُجُ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ
-أَوِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ- وَالْحُيَّضُ،
وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ،
وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى». قَالَتْ حَفْصَةُ:
فَقُلْتُ "الْحُيَّضُ"؟ فَقَالَتْ: أَلَيْسَ تَشْهَدُ
عَرَفَةَ وَكَذَا وَكَذَا؟. [الحديث 324 - أطرافه في: 351،
971، 974، 980، 981، 1652].
وبالسند قال: (حدّثنا محمد) ولأبي ذر كما في الفتح وابن
عساكر كما في الفرع محمد بن سلام، ولكريمة هو ابن سلام وهو
بتخفيف اللام البيكندي (قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت
والأصيلي عن الكشميهني حدّثنا (عبد الوهاب) الثقفي (عن
أيوب) السختياني (عن حفصة) بنت سيرين الأنصارية البصرية
أخت محمد بن سيرين أنها (قالت):
(كنا نمنع عواتقنا) جمع عاتق وهي من بلغت الحلم أو قاربته
واستحقت التزويج فعتقت عن قهر أبويها أو الكريمة على أهلها
أو التي عتقت من الصبا والاستعانة بها في مهنة أهلها
(يخرجن) إلى المصلى (في العيدين فقدمت امرأة) لم تسم
(فنزلت قصر بني خلف) كان بالبصرة منسوب إلى خلف جدّ طلحة
بن عبد الله بن خلف وهو طلحة الطلحات (فحدثت عن أختها) قيل
هي أم عطية وقيل غيرها، (وكان زوج أختها) لم يسم أيضًا
(غزا مع النبي) وللأصيلي مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثنتي عشرة) زاد الأصيلي غزوة، قالت
المرأة: (وكانت أُختي معه) أي مع زوجها أو مع الرسول
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في ست) أي ست غزوات،
وفي الطبراني أنها غزت معه سبعًا (قالت) أي الأخت لا
المرأة (كنا) بلفظ الجمع لبيان فائدة حضور النساء الغزوات
على سبيل العموم (نداوي الكلمى) بفتح الكاف وسكون اللام
وفتح الميم أي الجرحى (ونقوم على المرضى فسألت أختي
النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعلى إحدانا
بأس) أي حرج وإثم
(إذا) وللأصيلي إن (لم يكن لها جلباب) بكسر الجيم وسكون
اللام وبموحدتين بينهما ألف أي خمار واسع كالملحفة تغطي به
المرأة رأسها وظهرها أو القميص (أن لا تخرج) أي لئلا تخرج
وأن مصدرية أي لعدم خروجها إلى المصلى للعيد. (قال) عليه
الصلاة والسلام: (لتلبسها) بالجزم وفاعله (صاحبتها) وفي
رواية: فتلبسها بالرفع وبالفاء بدل اللام (من جلبابها) أي
لتعرها من ثيابها ما لا تحتاج المعيرة إليه، أو تشركها في
لبس الثوب الذي عليها وهو مبني على أن الثوب يكون واسعًا
وفيه نظر، أو هو على سبيل المبالغة أي يخرجن، ولو كانت
اثنتان في ثوب واحد. (ولتشهد الخير) أي ولتحضر مجالس الخير
كسماع الحديث والعلم وعيادة المريض ونحو ذلك. (ودعوة
المسلمين) كالاجتماع لصلاة الاستسقاء، ولأبوي ذر والوقت
والأصيلي وابن عساكر: ودعوة المؤمنين. قالت حفصة: (فلما
قدمت أم عطية) نسيبة بنت الحرث أو بنت كعب (سألتها أسمعت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يقول المذكور؟
(قالت: بأبي) بهمزة وموحدة مكسورة ثم مثناة تحتية ساكنة،
ولأبي ذر عن الكشميهني بيبي بقلب الهمزة ياء، ونسبها
الحافظ ابن حجر لرواية عبدوس، وللأصيلي بأبا بفتح الموحدة
وإبدال ياء المتكلم ألفًا، وفيها رابعة بيبا بقلب الهمزة
ياء وفتح الموحدة أي فديته أو هو مفدي بأبي، وحذف المتعلق
تخفيفًا
(1/360)
لكثرة الاستعمال، وفي الطبراني بأبي هو
وأمي (نعم) سمعته (وكانت لا تذكره) أي النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلا قالت بأبي) أي أفديه أو
مفدي بأبي (سمعته) حال كونه (يقول تخرج) أي لتخرج
(العوائق) فهو خبر متضمن للأمر لأن أخبار الشارع عن الحكم
الشرعي متضمن للطلب لكنه هنا للندب لدليل آخر، (وذوات
الخدور) بواوي العطف والجمع، ولأبي ذر ذوات بغير واو العطف
وإثبات واو الجمع صفة للعوائق، ولأبي ذر عن الكشميهني
والأصيلي ذات الخدور بغير عطف مع الإفراد والخدور بضم
الخاء المعجمة والدال المهملة جمع خدور وهو السّتر في جانب
البيت أو البيت نفسه، (والعواتق ذوات الخدور) على الشك
ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي ذات الخدر بغير واو فيهما.
(والحيض) بضم الحاء وتشديد الياء جمع حائض وهو معطوف على
العواتق (وليشهدن) ولابن عساكر يشهدن (الخير) عطف على تخرج
المتضمن للأمر كما سبق أي: لتخرج العواتق ويشهدن الخير،
(ودعوة المؤمنين ويعتزل الحيض المصلى) أي فيكن فيمن يدعو
ويؤمن رجاء بركة المشهد الكريم، ويعتزل بضم اللام خبر
بمعنى الأمر كما في السابق، وخص أصحابنا من هذا العموم غير
ذات الهيئات والمستحسنات، أما هن فيمنعن لأن المفسدة إذ
ذاك كانت مأمونة بخلافها الآن، وقد قالت عائشة في الصحيح
لو رأى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما
أحدث النساء لمنعهن المساجد كما منعت نساء
بني إسرائيل، وبه قال مالك وأبو يوسف.
(قالت حفصة فقلت) لأم عطية (الحيض) بهمزة ممدودة على
الاستفهام التعجبي من اخبارها بشهود الحيض (فقالت) أم عطية
(أليس) الحائض (تشهد) وأسم ليس ضمير الشأن وللكشميهني
أليست بتاء التأنيث وللأصيلي أليس يشهدن بنون الجمع أي
الحيض (عرفة) أي يومها (وكذا وكذا) أي نحو المزدلفة ومنى
وصلاة الاستسقاء.
ورواة هذا الحديث بين بخاري وبصري ومدني، وفيه التحديث
والعنعنة والقول والسؤال
والسماع، وأخرجه المؤلف أيضًا في العيدين والحج، ومسلم في
العيدين، وأبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة في الصلاة.
24 - باب إِذَا حَاضَتْ فِي شَهْرٍ ثَلاَثَ حِيَضٍ
وَمَا يُصَدَّقُ النِّسَاءُ فِي الْحَيْضِ وَالْحَمْلِ
فِيمَا يُمْكِنُ مِنَ الْحَيْضِ
لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى (وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ
يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ)
وَيُذْكَرُ عَنْ عَلِيٍّ وَشُرَيْحٍ إِنِ امْرَأَةٌ
جَاءَتْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ بِطَانَةِ أَهْلِهَا مِمَّنْ
يُرْضَى دِينُهُ، أَنَّهَا حَاضَتْ ثَلاَثًا فِي شَهْرٍ.
صُدِّقَتْ. وَقَالَ عَطَاءٌ أَقْرَاؤُهَا مَا كَانَتْ،
وَبِهِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ. وَقَالَ عَطَاءٌ الْحَيْضُ
يَوْمٌ إِلَى خَمْسَ عَشْرَةَ. وَقَالَ مُعْتَمِرٌ عَنْ
أَبِيهِ سَأَلْتُ ابْنَ سِيرِينَ عَنِ الْمَرْأَةِ تَرَى
الدَّمَ بَعْدَ قَرْئِهَا بِخَمْسَةِ أَيَّامٍ قَالَ
النِّسَاءُ أَعْلَمُ بِذَلِكَ.
هذا (باب) بالتنوين في بيان حكم الحائض (إذا حاضت في شهر)
واحد (ثلاث حيض) بكسر
الحاء وفتح المثناة التحتية جمع حيضة (و) بيان (ما يصدق
النساء) بضم الياء وتشديد الدال المفتوحة
(في) مدة (الحيض) ومدة (الحمل) ولابن عساكر والحبل بالباء
الموحدة المفتوحة (وفيما) بالفاء ولابن
عساكر وما (يمكن من الحيض) أي من تكراره، والجار والمجرور
متعلق بيصدّق فإذا لم يمكن لم
تصدق (لقول الله تعالى) وللأصيلي عز وجل (وَلاَ يَحِلُّ
لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي
أَرْحَامِهِنَّ)
[البقرة: 228] قال القاضي: من الولد والحيض استعجالاً في
العدة وإبطالاً لحق الرجعة، وفيه دليل
على أن قولها مقبول في ذلك، زاد الأصيلي (إن كن يؤمن)
(ويذكر) بضم أوّله (عن علي) هو ابن
أبي طالب (و) عن (شريح) بالشين المعجمة والحاء المهملة ابن
الحرث بالمثلثة أي الكوفي أدرك
الرسول عليه الصلاة والسلام ولم يلقه استقضاه عمر بن
الخطاب، وتوفي سنة ثمان وتسعين. وهذا
التعليق وصله الدارمي بإسناد رجاله ثقات عن الشعبي قال:
جاءت امرأة إلى عليّ بن أبي طالب
رضي الله عنه تخاصم زوجها طلقها فقالت: حضت في شهر ثلاث
حيض، فقال عليّ لشريح اقضِ
بينهما. قال: يا أمير المؤمنين وأنت هاهنا؟ قال: اقضِ
بينهما، قال: (إن جاءت) ولكريمة إن امرأة
جاءت (ببينة من بطانة أهلها) بكسر الموحدة أي من خواصها
(ممن يرضى دينه) وأمانته بأن يكون
عدلاً يزعم (أنها حاضت في شهر) ولابن عساكر في كل شهر
(ثلاثًا صدّقت) وفي رواية الدارمي
أنها حاضت ثلاث حيض تطهر عند كل قرء وتصلي جاز لها وإلاّ
فلا قال في رضي الله عنه:
قالون، قال، وقالون بلسان الروم أحسنت وليس عنده لفظة
ببينة وطريق علم الشاهد بذلك مع أنه
أمر باطني القرائن والعلامات، بل ذلك ما يشاهده النساء فهو
(1/361)
ظاهر بالنسبة لهن (وقال عطاء) هو
ابن أبي رباح مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريح عنه:
(أقراؤها) جمع قرء بضم القاف وفتحها في
زمن العدّة (ما كانت) قبل العدّة، فلو ادّعت في زمن الطلاق
أقراء معدودة في مدة معينة في شهر
مثلاً معتادة لما ادّعته فإذًا، وإن ادّعت في العدّة ما
يخالف ما قبلها لم يقبل، (وبه) أي بما قال عطاء
(قال إبراهيم) النخعي فيما وصله عبد الرزاق أيضًا. (وقال
عطاء) هو ابن أبي رباح مما وصله
الدارمي أيضًا (الحيض يوم إلى خمس عشرة) فاليوم مع ليلته
والخمسة عشر أكثره، ولابن عساكر وأبي
ذر إلى خمسة عشر. (وقال معتمر) هو ابن سليمان العابد، كان
يصلي الليل كله بوضوء العشاء (عن
أبيه) سليمان بن طرخان مما وصله الدارمي أيضًا (سألت)
ولأبي ذر والأصيلي قال سألت: (ابن
سيرين) محمد (عن المرأة ترى الدم بعد قرئها) أي طهرها لا
حيضها بقرينة رؤية الدم (بخمسة أيام.
قال: النساء أعلم بذلك).
325 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ قَالَ
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ سَمِعْتُ هِشَامَ بْنَ
عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ. أَنَّ
فَاطِمَةَ بِنْتَ أَبِي حُبَيْشٍ سَأَلَتِ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ إِنِّي
أُسْتَحَاضُ فَلاَ أَطْهُرُ، أَفَأَدَعُ الصَّلاَةَ
فَقَالَ «لاَ، إِنَّ ذَلِكِ عِرْقٌ، وَلَكِنْ دَعِي
الصَّلاَةَ قَدْرَ الأَيَّامِ الَّتِي كُنْتِ تَحِيضِينَ
فِيهَا، ثُمَّ اغْتَسِلِي وَصَلِّي».
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن أبي رجاء) بفتح الراء وتخفيف
الجميم مع المد عبد الله بن أيوب
الهرويّ حنفي النسب، المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومائتين
(قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة
الكوفي (قال: سمعت هشام بن عروة، قال: أخبرني) بالإفراد
(أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (عن
عائشة) رضي الله عنها.
(أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت) وفي بعض الأصول فقالت بالفاء
التفسيرية: (إني أستحاض) بضم الهمزة (فلا أطهر أفأدع) أي
أترك (الصلاة: فقال) عليه الصلاة
والسلام: (لا) تدعيها (إن ذلك) بكسر الكاف (عرق) أي دم عرق
وهو يسمى العاذل بالذال
المعجمة، (ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين
فيها ثم اغتسلي وصلي). ومعنى
الاستدراك لا تتركي الصلاة كل الأوقات، لكن اتركيها في
مقدار العادة.
ومناسبة الحديث للترجمة في قوله: قدر الأيام التي كنت
تحيضين فيها فيوكل ذلك إلى أمانتها
وردّها إلى عادتها، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص، وفيه
دلالة على أن فاطمة كانت معتادة،
واختلف في أقل الحيض وأقل الطهر فقال الشافعي: القرء الطهر
وأقله خمسة عشر يومًا وأقل الحيض
يوم وليلة، فلا تنقضي عدّتها في أقل من اثنين وثلاثين
يومًا ولحظتين بأن تطلق وبقي من الطهر لحظة
وتحيض يومًا وليلة، وتطهر خمسة عشرة يومًا ثم ستة عشر
كذلك، ولا بدّ من الطعن في الحيضة
الثالثة للتحقق، وقال أبو حنيفة: لا يجتمع أقل الطهر وأقل
الحيض معًا، فأقل ما تنقضي به العدة
عنده ستون يومًا، وعند مالك: لا حدّ لأقل الحيض ولا لأقل
الطهر إلا بما بيّنته النساء. ورواة هذا
الحديث ما بين هرويّ وكوفي ومدني، وفيه التحديث والإخبار
والعنعنة والسماع.
25 - باب الصُّفْرَةِ وَالْكُدْرَةِ فِي غَيْرِ أَيَّامِ
الْحَيْضِ
(باب الصفرة والكدرة) تراهما المرأة (في غير أيام الحيض).
326 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ
عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ كُنَّا لاَ نَعُدُّ
الْكُدْرَةَ وَالصُّفْرَةَ شَيْئًا.
وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد قال: حدّثنا إسماعيل)
بن علية (عن أيوب) السختياني
(عن محمد) هو ابن سيرين (عن أم عطية قالت):
(كنا) أي في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مع علمه وتقريره، ولأبي ذر عن أم عطية كنا (لا
نعد الكدرة
والصفرة شيئًا) أي من الحيض إذا كان في غير زمن الحيض أما
فيه فهو مر الحيض تبعًا، وبه قال
سعيد بن المسيب وعطاء والليث وأبو حنيفة ومحمد والشافعي
وأحمد، وأما الإمام مالك فيرى أنها
حيض مطلقًا، وأورد عليه حديث أم عطية هذا. ورواة هذا
الحديث خمسة، وفيه التحديث والعنعنة،
وأخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة.
26 - باب عِرْقِ الاِسْتِحَاضَةِ
(باب عرق الاستحاضة) بكسر العين وسكون الراء المسمى
بالعاذل.
327 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ
حَدَّثَنَا مَعْنٌ قَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ وَعَنْ عَمْرَةَ عَنْ
عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ اسْتُحِيضَتْ سَبْعَ
سِنِينَ، فَسَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَأَمَرَهَا أَنْ
تَغْتَسِلَ فَقَالَ «هَذَا عِرْقٌ». فَكَانَتْ تَغْتَسِلُ
لِكُلِّ صَلاَةٍ.
وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي بالحاء
المهملة المكسورة والزاي المخففة (قال:
حدّثنا معن) هو ابن عيسى القزاز (قال: حدّثني) بالإفراد
وللأصيلي حدّثنا (ابن أبي ذئب) بكسر الذال
المعجمة محمد بن عبد الرحمن (عن ابن شهاب) الزهريّ (عن
عروة) بن الزبير (وعن عمرة) عطف
على عروة أي ابن شهاب يرويه عنها أيضًا وهي عمرة بنت عبد
الرحمن بن سعد الأنصاري، المتوفاة
سنة ثمان وتسعين، ولأبي الوقت وابن
(1/362)
عساكر عن عروة عن عمرة بحذف الواو فيكون من
رواية
عروة عن عمرة والمحفوظ إثبات الواو (عن عائشة زوج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
(أن أُم حبيبة) بنت جحش زوج عبد الرحمن بن عوف أُخت زينب
أُم المؤمنين (استحيضت
سبع سنين) جمع سنة شذوذًا لأن شرط جمع السلامة أن يكون
مفرده مذكرًا عاقلاً ويكون مفتوح
الأوّل وهذا ليس كذلك، (فسألت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن ذلك فأمرها أن) أي بأن (تغتسل) أي
بالاغتسال (فقال: هذا عرق فكانت تغتسل لكل صلاة) وأمرها
بالاغتسال مطلق فلا يدل على
التكرار، وإنما كانت تغتسل لكل صلاة تطوّعًا كما نص عليه
الشافعي، واليه ذهب الجمهور قالوا:
لا يجب على المستحاضة الغسل كل صلاة إلا المتحيرة، لكن يجب
عليها الوضوء، وما في مسلم من
قوله: فأمرها بالغسل لكل صلاة طعن في النقاد لأن الإثبات
من أصحاب الزهري لم يذكروها. نعم
ثبتت في سنن أبي داود فيحمل على الندب جمعًا بين
الروايتين، وقد عدّ المنذري المستحاضات في
عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمسًا: حمنة بنت
جحش، وأم حبيبة بنت جحش، وفاطمة بنت أبي حبيش، وسهلة بنت
سهيل القرشية العامرية، وسودة بنت زمعة.
ورواة هذا الحديث السبعة مدنيون، وفيه التحديث بالجمع
والإفراد والعنعنة، وأخرجه مسلم
والترمذيْ والنسائي وأبو داود في الطهارة.
27 - باب الْمَرْأَةِ تَحِيضُ بَعْدَ الإِفَاضَةِ
(باب) حكم (المرأة) التي (تحيض بعد) طواف (الإفاضة) أي هل
تمنع من طواف الوداع أم لا.
328 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا
مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ
مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا
قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ
حُيَىٍّ قَدْ حَاضَتْ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لَعَلَّهَا تَحْبِسُنَا،
أَلَمْ تَكُنْ طَافَتْ مَعَكُنَّ». فَقَالُوا بَلَى. قَالَ
«فَاخْرُجِي».
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (مالك)
الإمام (عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم)
بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المدني
الأنصاري (عن أبيه) أبي بكر (عن عمرة بنت عبد الرحمن)
المذكورة في الباب السابق (عن عائشة زوج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها قالت
لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يا رسول الله إن صفية بنت حييّ) بضم الحاء وفتح المثناة
الأولى المخففة وتشديد الثانية ابن
أخطب بالخاء المعجمة النضرية بالضاد المعجمة زوج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، المتوفاة رضي الله
عنها سنة ستين في
خلافة معاوية أو ست ثلاثين في خلافة عليّ رضي الله عنهما
(قد حاضت. قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
لعلها تحبسنا) عن الخروج من مكة إلى المدينة حتى تطهر
وتطوف بالبيت. (ألم تكن طافت معكنّ)
طواف الركن، ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر:
ألم تكن أفاضت أي طافت طواف
الإفاضة وهو طواف الركن، (فقالوا) بالفاء، ولابن عساكر
قالوا: أي الناس أو الحاضرون هناك
وفيهم الرجال (بلى) طافت معنا الإفاضة. (قال) عليه الصلاة
والسلام: (فاخرجي) لأن طواف
الوداع ساقط بالحيض، وفيه التفات من الغيبة إلى الخطاب أي:
قال لصفية مخاطبًا لها أخرجي، أو
خاطب عائشة لأنها المخبرة له أي أخرجي فإنها توافقك. أو
قال لعائشة قولي لها أخرجي، وللأصيلي
وابن عساكر كما في الفرع، وفي الفتح عن المستملي
والكشميهني فأخرجن وهو مناسب للسياق.
ورواة الحديث الستة مدنيون إلا شيخ المؤلف، وفيه التحديث
والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه
مسلم والنسائي في الحج والنسائي في الطهارة أيضًا.
329 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ قَالَ حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ رُخِّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ
تَنْفِرَ إِذَا حَاضَتْ. [الحديث 329 - طرفاه في: 1755].
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وتشديد اللام
المفتوحة البصري المتوفى سنة تسع
عشرة ومائتين (قال: حدّثنا وهيب) بضم الواو تصغير وهب بن
خالد (عن عبد الله بن طاوس)
المتوفى سنة اثنتين وثلاثين ومائة (عن أبيه) طاوس بن كيسان
اليماني الحميري من أبناء الفرس،
المتوفى سنة بضع عشرة ومائة (عن ابن عباس) رضي الله عنهما
(قال):
(رخص للحائض) بضم الراء مبنيًّا للمفعول (أن تنفر) بفتح
أوّله وكسر ثالثه وقد يضم أي
رخص لها النفور وهو الرجوع من مكة إلى وطنها (إذا حاضت) من
غير أن تطوف للوداع.
330 - وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ
إِنَّهَا لاَ تَنْفِرُ. ثُمَّ سَمِعْتُهُ يَقُولُ تَنْفِرُ
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رَخَّصَ لَهُنَّ. [الحديث 330 - طرفه في:
1761].
قال طاوس: (وكان ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (يقول
في أوّل أمره إنها لا تنفر)
أي لا ترجع حتى تطوف طواف الوداع، (ثم سمعته يقول: تنفر)
أي
(1/363)
ولا تطوف رجع عن فتواه
الأولى الصادرة عن اجتهاده حيث بلغه (إن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رخص لهنّ) الرجوع من غير طواف
وداع
وإنما جمع، وإن كان المراد الحائض نظرًا إلى الجنس.
28 - باب إِذَا رَأَتِ الْمُسْتَحَاضَةُ الطُّهْرَ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَغْتَسِلُ وَتُصَلِّي وَلَوْ
سَاعَةً، وَيَأْتِيهَا زَوْجُهَا إِذَا صَلَّتْ،
الصَّلاَةُ أَعْظَم.
هذا (باب) بالتنوين (إذا رأت المستحاضة الطهر) بأن انقطع
دمها (قال ابن عباس) مما وصله ابن
أبي شيبة والدارمي (تغتسل) أي المستحاضة (وتصلي) إذا رأت
الطهر (ولو) كان الطهر (ساعة و) عن
ابن عباس أيضًا مما وصله عبد الرزاق أن المستحاضة (يأتيها
زوجها) ولأبي داود من وجه آخر
صحيح عن عكرمة قال: كانت أم حبيبة تستحاض فكان زوجها
يغشاها، وبه قال أكثر العلماء لأنه
ليس من الأذى الذي يمنع الصوم والصلاة فوجب أن لا يمنع
الوطء (إذا صلت) جملة ابتدائية لا
تعلق لها سابقها أي المستحاضة إذا أرادت تغتسل وتصلي، أو
التقدير إذا صلت تغتسل فعلى الأول
يكون الجواب مقدّمًا وهو رأي كوفي، وعلى الثاني محذوفًا
وهو رأي بصري (الصلاة أعظم) من
الجماع فإذا جاز لها الصلاة فالجماع بطريق الأولى، وكأنه
جواب عن مقدر كأنه قيل: كيف تأتي
المستحاضة زوجها فقال: الصلاة الخ.
331 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ عَنْ زُهَيْرٍ
قَالَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- «إِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي
الصَّلاَةَ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْسِلِي عَنْكِ الدَّمَ
وَصَلِّي».
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله
بن يونس التميمي اليربوعي
الكوفي نسبة إلى جدّه لشهرته به (عن زهير) بن معاوية
الجعفي الكوفي (قال: حدّثنا هشام) ولأبوي
ذر والوقت هشام بن عروة (عن) أبيه (عروة عن عائشة) رضي
الله عنها (قالت):
(قال النبي) وللأصيلي، قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إذا أقبلت الحيضة) بفتح الحاء
(فدعي) أي اتركي
(الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي) هذا مختصر من
حديث فاطمة بنت حبيش، ومثله
بالمخروم وتقدمت مباحثه في باب الاستحاضة.
29 - باب الصَّلاَةِ عَلَى النُّفَسَاءِ وَسُنَّتِهَا
(باب الصلاة على النفساء) بضم النون وفتح الفاء مع المد
مفرد وجمعه نفاس فليس قياسًا لا في
المفرد ولا في الجمع، إذ ليس في الكلام فعلاء يجمع على
فعال إلا نفساء وعشراء، والنفساء هي
الحديثة العهد بالولادة (وسنّتها) أي سُنة الصلاة عليها.
332 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ قَالَ
أَخْبَرَنَا شَبَابَةُ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ
حُسَيْنٍ الْمُعَلِّمِ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ
سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ أَنَّ امْرَأَةً مَاتَتْ فِي
بَطْنٍ، فَصَلَّى عَلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَامَ وَسَطَهَا. [الحديث 332 -
طرفاه في: 1331].
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن أبي سريج) بضم السين المهملة
وآخره جيم الصباح بتشديد
الموحدة الرازي، قيل: نسبه المؤلف إلى جدّه لشهرته به واسم
أبيه عمر (قال: أخبرنا) ولابن عساكر
حدّثنا (شبابة) بفتح الشين المعجمة وتخفيف الموحدتين ابن
سوار بفتح المهملة وتشديد الواو وآخره راء
الفزاري بفتح الفاء وتخفيف الزاي (قال: أخبرنا) وللأصيلي
حدّثنا (شعبة) بن الحجاج (عن حسين
المعلم) بكسر اللام المشدّدة المكتب (عن ابن بريدة)
وللأصيلي عن عبد الله بن بريدة بضم الموحدة
وفتح الراء ابن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين
الأسلمي المروزي التابعي، (عن سمرة بن
جندب) بضم الجيم وفتح الدال وضمها ابن هلال الفزاري،
المتوفى سنة تسع وخمسين (أن امرأة) هي
أُم كعب كما في مسلم (ماتت في) أي بسبب (بطن) أي ولادة
بطن، فالمراد النفاس (فصلى عليها
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقام وسطها) أي
محاذيًا لوسطها بتحريك السين على أنه اسم وبتسكينها على
أنه ظرف،
وللكشميهني فقام عند وسطها.
ورواة هذا الحديث ما بين رازي ومدني وبصري ومروزي، وفيه
التحديث والإخبار والعنعنة،
وأخرجه المؤلف في الجنائز وكذا مسلم، وأبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة.
35 - باب
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو ساقط للأصيلي.
333 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ قَالَ
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ أَخْبَرَنَا أَبُو
عَوَانَةَ - اسْمُهُ الْوَضَّاحُ - مِنْ كِتَابِهِ قَالَ
أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ قَالَ سَمِعْتُ خَالَتِي
مَيْمُونَةَ - زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَّهَا كَانَتْ تَكُونُ حَائِضًا لاَ
تُصَلِّي، وَهْيَ مُفْتَرِشَةٌ بِحِذَاءِ مَسْجِدِ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ
يُصَلِّي عَلَى خُمْرَتِهِ، إِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي
بَعْضُ ثَوْبِهِ. [الحديث 333 - أطرافه في: 379، 381، 517،
518].
وبالسند قال: (حدّثنا الحسن) بفتح الحاء المهملة (ابن
مدرك) بضم الميم من الإدراك السدوسي
البصري (قال: حدّثنا يحيى بن حماد) الشيباني، المتوفى سنة
خمس عشرة ومائتين (قال: أخبرنا أبو
عوانة) بفتح العين ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن
عساكر اسمه الوضاح (من كتابه) أشار
بذلك إلى ما قاله أحمد إذا حدّث من كتابه فهو أثبت، وإذا
حدّث من غيره فربما وهم (قال: أخبرنا)
ولأبي ذر عن الكشميهني حدّثنا (سليمان) بن أبي سليمان
(الشيباني عن عبد الله بن شدّاد) هو ابن
الهاد، وأمه سلمى بنت أبي عميس أخت ميمونة لأمها (قال):
(1/364)
(سمعت خالتي ميمونة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أنها) أي ميمونة (كانت تكون) إحداهما زائدة
كقوله:
وجيران لنا كانوا كرام
فلفظة كانوا زائدة وكرام بالجر صفة لجيران أو في كان ضمير
القصة وهو اسمها حائضًا
وخبرها حائضًا، أو تكون هنا بمعنى تصير ولابن عساكر أنها
تكون (حائضًا لا تصلي وهي مفترشة)
أي منبسطة على الأرض (بحذاء) بكسر الحاء المهملة وبالذال
المعجمة والد أي إزاء (مسجد) بكسر
الجيم أي موضع سجود (رسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) من بيته لا مسجده المعهود كذا قرروه، وتعقبه
في المصابيح
بأن المنقول عن سيبويه أنه إذا أريد موضع السجود قيل مسجد
بالفتح فقط. (وهو) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-
(يصلي على خمرته) بضم الخاء المعجمة وسكون الميم سجادة
صغيرة من خوص سميت بذلك لسترها
الوجه والكفّين من حرّ الأرض وبردها، ومنه الخمار (إذا
سجد) عليه الصلاة والسلام (أصابني بعض
ثوب) هذا حكاية لفظها، وإلا فالأصل أن تقول أصابها.
والجملة حالية، واستنبط منه عدم نجاسة
الحائض والتواضع والمسكنة في الصلاة بخلاف صلاة المتكبرين
على سجاجيد غالية الأثمان مختلفة
الألوان.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه
التحديث والإخبار والعنعنة،
وأخرجه المؤلف في الصلاة وكذا مسلم وأبو داود وابن ماجة
ولله الحمد. |