شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
5 - كتاب الغسل
وقولِ اللهِ تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا
فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ
أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ
لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا
بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ
لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ
لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ
لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] وقوله جَلَّ
ذِكرُه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا
الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا
تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى
تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ
أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ
لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً
فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا
بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا
غَفُورًا} [النساء: 43].
(بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الغسل) هو بفتح الغين أفصح
وأشهر من ضمها مصدر غسل وبمعنى الاغتسال، وبكسرها اسم لما
يغسل به من سدر وخطمي ونحوهما، وبالضم اسم للماء الذي
يغتسل به وهو بالمعنيين الأولين لغة سيلان الماء على الشيء
وشرعًا سيلانه على جميع البدن، مع تمييز ما للعبادة عن
العادة بالنيّة، ووقع في رواية الأكثر تأخير البسملة عن
كتاب الغسل وسقطت من رواية الأصيلي، وعنده باب بدل كتاب
وهو أولى لأن الكتاب يجمع أنواعًا، والغسل نوع واحد من
أنواع الطهارة وإن كان في نفسه يتعدد.
ثم إن المؤلف افتتح كتاب الغسل بآيتي النساء والمائدة
إشعارًا بأن وجوب الغسل على الجنب بنص القرآن فقال: (وقول
الله تعالى) وللأصيلي عز وجل {وإن كنتم جنبًا فاطهّرُوا}
أي فاغتسلوا، والجنب الذي أصابته الجنابة يستوي فيه المذكر
والمؤنث والواحد والجمع لأنه يجري مجرى المصدر ({وإن كنتم
مرضى}) مرضًا يخاف معه من استعمال الماء فإن الواجد له
كالفاقد أو مرضًا يمنعه من
الوصول إليه قال مجاهد فيما رواه ابن أبي حاتم نزلت في
مريض من الأنصار لم يكن له خادم ولم يستطع أن يقوم ويتوضأ،
{أو على سفر} طويلاً كان أو قصيرًا لا تجدونه فيه {أو جاء
أحد منكم من الغائط} فأحدث بخروج الخارج من أحد السبيلين
وأصل الغائط المطمئن من الأرض {أو لامستم النساء} أي
ماسستم بشرتهن ببشرتكم، وبه استدل الشافعي على أن اللمس
ينقض الوضوء وهو قول ابن مسعود وابن عمر وبعض التابعين،
وقيل: أو جامعتموهن وهو قول عليّ، والثابت عن ابن عباس وعن
أكثر الصحابة والتابعين {فلم تجدوا ماء} فلم تتمكنوا من
استعماله إذ الممنوع عنه كالمفقود، ووجه هذا التقسيم أن
المترخص بالتيمم إما محدث أو جنب، والحال المقتضية له في
غالب الأمر مرض أو سفر والجنب لما سبق ذكره اقتصر على بيان
حاله، والمحدث لما لم يجر ذكره ذكر أسبابه ما يحدث بالذات
وما يحدث بالعرض، واستغنى عن تفصيل أحواله بتفصيل حال
الجنب وبيان العذر مجملاً، وكأنه قيل: وإن كنتم جنبًا مرضى
أو على سفر أو محدثين جئتم من الغائط أو لامستم النساء فلم
تجدوا ماء ({فتيمموا صعيدًا طيبًا}) أي اقصدوا ترابًا أو
ما يصعد من الأرض طاهرًا أو حلالاً ({فامسحوا بوجوهكم
وأيديكم منه}) أي من بعضه، ولذا قال أصحابنا لا بد أن يعلق
باليد شيء من التراب ({ما يريد الله ليجعل عليكم}) بما فرض
من الغسل والوضوء والتيمم ({من حرج}) ضيق ({ولكن يريد
ليطهركم}) من الأحداث والذنوب فإن الوضوء تكفير لها،
({وليتم نعمته عليكم}) بيان ما هو مطهرة للقلوب والأبدان
عن الآثام والأحداث ({لعلكم تشكرون}) [المائدة: 6] نعمتي
فأزيدها عليكم.
(وقوله جل ذكره: {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة
وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون}) اجتنبوها حال السكر
نزلت في جمع من الصحابة شربوا الخمر قبل تحريمها عند ابن
عوف وتقدم عليّ للإمامة وقرأ: {قل يا أيها الكافرون أعبد
ما تعبدون} رواه الترمذي وأبو داود، وقال الضحاك عنى به
سكر النوم لا سكر الخمر. ({ولا جنبًا}) عطف على وأنتم
سكارى إذ الجملة في موضع النصب على الحال ({إلا عابري
سبيل}) مسافرين حين فقد الماء فإنه جائز للجنب حينئذ
للصلاة أو المعنى لا تقربوا مواضع الصلاة في حال السكر ولا
في حال الجنابة إلا حال العبور فيها فجاز المرور لا اللبث
وعليه كلام أكثر السلف ({حتى تغتسلوا}) من الجنابة ({وإن
كنتم مرضى أو على سفر أو جاء أحد منكم من الغائط أو لامستم
النساء فلم تجدوا ماء فتيمموا صعيدًا طيبًا فامسحوا
بوجوهكم وأيديكم}) استدل به الحنفية على أنه لو ضرب
المتيمم يده على حجر صلد ومسح أجزأه ({إن الله كان عفوًّا
غفورًا}) [النساء: 43] يسهل ولا يعسر كذا ساق الآيتين
بتمامهما في الفرع، وعند ابن عساكر ({فتيمموا}) إلى قوله:
({وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون}) وفي رواية ({وإن كنتم
جنبًا فاطهروا}) الآية، وفي رواية أبي ذر عن الكشميهني
والأصيلي {وإن كنتم جنبًا فاطهروا} إلى قوله: {لعلكم
تشكرون} وفي رواية {يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة}
الآية إلى قوله: {إن الله كان عفوًّا
(1/314)
غفورًا} ولأبوي ذر والوقت والأصيلي {يا
أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى} إلى قوله:
{عفوًّا غفورًا}.
1 - باب الْوُضُوءِ قَبْلَ الْغُسْلِ
(باب) سنّة (الوضوء قبل الغسل) بفتح الغين وضمها على ما
سبق، وإنما قدّم الوضوء على الغسل لفضل أعضاء الوضوء، ولا
يحتاج إلى إفراد هذا الوضوء بنيّة كما قاله الرافعي بناء
على اندراجه في الغسل زاد في الروضة.
قلت: المختار أنه إن تجردت جنابته عن الحدث نوى بوضوئه
سُنَّة الغسل، وإن اجتمعا نوى به رفع الحدث الأصغر، وقال
المالكية: ينوي به رفع حدث الجنابة عن تلك الأعضاء ولو نوى
الفضيلة وجب عليه إعادة غسلها.
248 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ
بَدَأَ فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ كَمَا
يَتَوَضَّأُ لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ يُدْخِلُ أَصَابِعَهُ فِي
الْمَاءِ فَيُخَلِّلُ بِهَا أُصُولَ شَعَرِهِ، ثُمَّ
يَصُبُّ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثَ غُرَفٍ بِيَدَيْهِ، ثُمَّ
يُفِيضُ الْمَاءَ عَلَى جِلْدِهِ كُلِّهِ. [الحديث 248 -
طرفاه في: 262، 272].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) الإمام (عن هشام) هو ابن عروة (عن أبيه) عروة بن
الزبير بن العوام (عن عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا
اغتسل) أي إذا أراد أن يغتسل (من الجنابة) أي لأجلها فمن
سببية (بدأ فغسل يديه) قبل الشروع في الوضوء والغسل لأجل
التنظيف مما بهما من مستقذر أو لقيامه من النوم، ويدل عليه
زيادة ابن عيينة في هذا الحديث عن هشام قبل أن يدخلهما في
الإناء رواه الترمذي، وزاد أيضًا ثم يغسل فرجه وكذا لمسلم
وهي زيادة حسنة لأن تقديم غسله يحصل به إلا من مسّه في
أثناء الغسل، (ثم يتوضأ) ولأبي ذر ثم توضأ (كما يتوضأ
للصلاة) ظاهره أنه يتوضأ وضوءًا كاملاً وهو مذهب الشافعي
ومالك. وقال الفاكهاني في شرح العمدة: وهو المشهور، وقيل
يؤخر غسل قدميه إلى ما بعد الغسل لحديث ميمونة الآتي إن
شاء الله تعالى، وللمالكية قول ثالث وهو إن كان موضعه
وسخًا أخّر وإلا فلا، وعند الحنفية إن كان في مستنقع يؤخر
وإلاّ فلا ثم إن ظاهره مشروعية التكرار ثلاثًا وهو كذلك،
لكن قال عياض: إنه لم يأت في شيء من وضوء الجنب ذكر
التكرار، وقد قال بعض شيوخنا إن التكرار في الغسل لا فضيلة
فيه. وأجيب: بأن إحالتها على وضوء الصلاة تقتضيها ولا يلزم
من أنه لا فضيلة في عمل الغسل أن لا تكون في وضوئه، ومن
شيوخنا من كان يفتي سائله بالتكرار وكان غيره يفتي بتركه
قاله أبو عبد الله الأبي.
(ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها) أي بأصابعه التي
أدخلها في الماء (أصول شعره) أي شعر رأسه كما يدل عليه
رواية حماد بن سلمة عن هشام يخلل بها شق رأسه الأيمن،
فيتبع بها أصول الشعر ثم يفعل بشقه الأيسر، كذلك رواه
البيهقي وللمستملي والحموي أصول الشعر بالتعريف
والحكمة في هذا تليين الشعر وترطيبه ليسهل مرور الماء عليه
ويكون أبعد من الإسراف في الماء.
وفى المهذب يخلل اللحية أيضًا، وأوجب المالكية والحنفية
تخليل شعر المغتسل لقوله عليه الصلاة والسلام "خللوا الشعر
وأنقوا البشرة فإن تحت كل شعرة جنابة" (ثم يصب على رأسه
ثلاث غرف) من الماء (بيديه) استدل به على مشروعية التثليث
وهو سُنّة عند الشافعية كالوضوء فيغسل رأسه ثلاثًا بعد
تخليله في كل مرة ثم شقّه الأيمن ثلاثًا ثم شقه الأيسر
ثلاثًا، وقال الباجي من المالكية: والثلاث يحتمل أنها لما
جاء من التكرار وإنها مبالغة لإتمام الغسل إذ قد لا تكفي
الواحدة، وخصّ الشيخ خليل الثلاث بالرأس، وقوله: غرف جمع
غرفة بالضم وهي ملء الكف، وللأصيلي غرفات وهي الأصل في
مميز الثلاثة لأنه جمع قلة فغرف حينئذ من إقامة جمع الكثرة
موضع القلة أو أنه جمع قلة عند الكوفيين كعشر سور وثماني
حجج، (ثم يفيض) عليه الصلاة والسلام أي يسيل (الماء على
جلده كله) أكده بلفظ الكل ليدل على أنه عمّ جميع جسده
بالغسل بعدما تقدم، وفيه دلالة على أن الوضوء قبل الغسل
سُنّة مستقلة ولا يفهم منه الدلك وهو مستحب عند الشافعية
والحنفية والحنابلة، وأوجبه المالكية في المشهور عندهم،
وقيل: واجب لا لنفسه، واحتج ابن بطال للوجوب بالإجماع على
وجوب إمرار اليد على أعضاء الوضوء عند غسلها، فيجب ذلك في
الغسل قياسًا لعدم الفرق بينهما. وأجيب بأن جميع من لم
يوجب الدلك أجازوا غمس اليد للمتوضئ من غير إمرار فبطل
الإجماع وانتفت الملازمة.
ورواة هذا
(1/315)
الحديث الخمسة ما بين تنيسي وكوفي وفيه
التحديث والإخبار والعنعنة وأخرجه مسلم والنسائي وأبو
داود.
249 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ
أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ
مَيْمُونَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَتْ: تَوَضَّأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ غَيْرَ
رِجْلَيْهِ، وَغَسَلَ فَرْجَهُ وَمَا أَصَابَهُ مِنَ
الأَذَى، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ، ثُمَّ نَحَّى
رِجْلَيْهِ فَغَسَلَهُمَا. هَذِهِ غُسْلُهُ مِنَ
الْجَنَابَةِ. [الحديث 249 - أطرافه في: 257، 259، 260،
265، 266، 274، 276، 281].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي لا البيكندي
(قال: حدّثنا سفيان) الثوري لا ابن عيينة (عن الأعمش)
سليمان بن مهران (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون
العين المهملة (عن كريب) بضم الكاف (عن ابن عباس عن ميمونة
زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت توضأ
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضوءه
للصلاة) هو كالذي قبله احترازًا عن الوضوء اللغوي الذي هو
غسل اليدين فقط (غير رجليه) فأخرهما. قال القرطبي: ليحصل
الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء، والأرجح عند الشافعية
والمالكية تكميل الوضوء. نعم نقل في الفتح عن مالك: إن كان
المكان غير نظيف فالمستحب تأخيرهما، وكذا نقل عن الشافعية
أيضًا. وأجاب القائل بالتأخير بأن الاستثناء زائد على حديث
عائشة
والزيادة من الثقة مقبولة. وأجيب: بأن حديث عائشة هو الذي
فيه زيادة الثقة لاقتضائه غسل الرجلين فيقدم، وحمل القائل
بالتأخير إطلاقها أيضًا على فعل أكثر الوضوء حملاً للمطلق
على المقيد.
وأجيب بأنه ليس من المطلق والمقيد لأن ذلك في الصفات لا في
غسل جزء وتركه، وحمله الحنفية على أنه كان في مستنقع كما
تقدم قريبًا أن مذهبهم إن كان في مستنقع أخّر، وإلا فلا،
قالوا: وكل ما جاء من الروايات التي فيها تأخير الرجلين
فهو محمول عليه جمعًا بين الروايات.
(وغسل) عليه الصلاة والسلام (فرجه) أي ذكره المقدس وأخّره
لعدم وجوب التقديم، وهذا مذهب الشافعية، نعم قال النووي في
زيادة الروضة: ينبغي أن يستنجي قبل الوضوء والتيمم فإن
قدّمهما صحّ الوضوء لا التيمم اهـ. أو لأن الواو لا تقتضي
الترتيب فيكون قدّمه، والمراد أنه جمع بين الوضوء وغسل
الفرج، وهو وإن كان لا يقتضي تقديم أحدهما على الآخر على
التعيين، فقد بيّن ذلك فيما رواه المؤلف في باب الستر في
الغسل من طريق ابن المبارك عن الثوري فذكر أوّلاً غسل
اليدين ثم غسل الفرج ثم مسح يده بالحائط ثم الوضوء غير
رجليه، وأتى بثم الدالّة على الترتيب في جميع ذلك.
(و) غسل عليه الصلاة والسلام (ما) أي الذي (أصابه من
الأذى) الطاهر كالمني على الذكر والمخاط، ولو كان على جسد
المغتسل نجاسة كفاه لها وللجنابة واحدة على ما صححه
النووي، والسُّنّة البدء بغسلها ليقع الغسل على أعضاء
طاهرة، (ثم أفاض) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(عليه الماء ثم نحى رجليه فغسلهما هذه) الأفعال المذكورة
(غسله) عليه الصلاة والسلام أو صفة غسله، وضبب عليها ابن
عساكر وللكشميهني هذا غسله (من الجنابة) وفي هذا الحديث
تابعي عن تابعي عن تابعي وصحابيان والتحديث والعنعنة،
وأخرجه المؤلف في مواضع ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي
وابن ماجة في الطهارة.
2 - باب غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ
(باب غسل الرجل مع امرأته) من إناء واحد.
250 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا
وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ
إِنَاءٍ وَاحِدٍ، مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ الْفَرَقُ.
[الحديث 250 - أطرافه في: 261، 263، 273، 299، 5956،
7339].
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة (قال:
حدّثنا ابن أبي ذئب) بكسر المعجمة محمد بن عبد الرحمن
القرشي (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير بن
العوّام (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(كنت أغتسل أنا) أبرزت الضمير لتعطف عليه الظاهر وهو قولها
(والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فهو مرفوع،
ويجوز أن يكون مفعولاً معه (من إناءٍ واحد من قدح) بفتحتين
واحد الأقداح التي للشرب، (يقال له الفرق) بفتح الفاء
والراء قال النووي وهو الأفصح وهو صاعان كما عليه
الجماهير. وقال ابن الأثير: الفرق بالفتح ستة عشر رطلاً
وبالإسكان مائة وعشرون رطلاً. قال في الفتح: وهو غريب،
وقال الجوهري: مكيال معروف بالمدينة ستة عشر رطلاً، وكان
من شبه بفتح الشين المعجمة والموحدة كما عند الحاكم بلفظ:
تور من شبه وهو نوع من النحاس، ومن في قوله من إناء
ابتدائية، وفي قوله من قدح بيانية. وفي هذا الحديث التحديث
والعنعنة وأخرجه مسلم والنسائي.
3 - باب الْغُسْلِ بِالصَّاعِ وَنَحْوِهِ
(باب الغسل بالصاع) أي بالماء الذي هو قدر ملء الصاع
(ونحوه) من الأواني التي تسع ما يسع الصاع وهو خمسة أرطال
وثلث على مذهب الحجازيين احتجاجًا بحديث الفرق، فإن تفسيره
ثلاثة آصع، والمراد بالرطل
(1/316)
البغدادي وهو ما رجحه النووي مائة وثمانية
وعشرون درهمًا وأربعة أسباع درهم، وأنا احتجاج العراقيين
لأن الصاع ثمانية أرطال بحديث مجاهد، دخلنا على عائشة فأتي
بعس أي قدح عظيم فقالت عائشة: كان رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يغتسل بمثله، قال مجاهد:
فحزرته ثمانية أرطال إلى تسعة إلى عشرة فلا يقابل بما
اشتهر بالمدينة، وتداولوه في معايشهم وتوارثوا ذلك خلفًا
عن سلف كما أخرجه مالك لأبي يوسف حين قدم المدينة. وقال
له: هذا صاع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فوجده أبو يوسف خمسة أرطال وثلثًا، فرجع إلى قول مالك. فلا
يترك نقل هؤلاء الدين لا يجوز تواطؤهم على الكذب إلى خبر
واحد يحتمل التأويل لأنه حزر والحزر لا يؤمن فيه الغلط.
251 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: حَدَّثَنِي شُعْبَةُ
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ قَالَ
سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ دَخَلْتُ أَنَا وَأَخُو
عَائِشَةَ عَلَى عَائِشَةَ فَسَأَلَهَا أَخُوهَا عَنْ
غُسْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَدَعَتْ بِإِنَاءٍ نَحْوًا مِنْ صَاعٍ فَاغْتَسَلَتْ
وَأَفَاضَتْ عَلَى رَأْسِهَا، وَبَيْنَنَا وَبَيْنَهَا
حِجَابٌ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ يَزِيدُ بْنُ
هَارُونَ وَبَهْزٌ وَالْجُدِّيُّ عَنْ شُعْبَةَ: قَدْرِ
صَاعٍ.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبوي ذر والوقت حدّثني (عبد
الله بن محمد) الجعفي المسندي بضم الميم (قال: حدّثني)
بالإفراد، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر حدّثنا:
(عبد الصمد) بن عبد الوارث التنوري (قال: حدّثني) بالإفراد
ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر حدّثنا (شعبة) بن الحجاج
(قال: حدّثني) بالإفراد (أبو بكر بن حفص) أي ابن عمر بن
سعد بن أبي وقاص (قال: سمعت أبا سلمة) عبد الله بن عبد
الرحمن بن عوف حال كونه (يقول دخلت أنا وأخو عائشة) رضي
الله عنها من الرضاعة كما صرح به مسلم في صحيحه وهو عبد
الله بن يزيد البصري كما عند مسلم في الجنائز في حديث غير
هذا، واختاره النووي وغيره أو هو كثير بن عبيد الله الكوفي
رضيعها أيضًا كما في الأدب المفرد للمؤلف وسنن أبي داود،
وليس عبد الرحمن بن
أبي بكر ولا الطفيل بن عبد الله أخاها، لأمها، وعطف على
الضمير المرفوع المتصل بضمير منفصل وهو أنا لأنه لا يحسن
العطف على المرفوع المتصل بارزًا كان أو مستترًا إلا بعد
توكيده بمنفصل (على عائشة) رضي الله عنها (فسألها أخوها)
المذكور (عن) كيفية (غسل النبي) بفتح الغين كما في الفرع،
ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر رسول الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعت بإناء نحو) بالجرّ
منوّنًا صفة لإناء، ولكريمة نحوًا بالنصب نعت للمجرور
باعتبار المحل أو بإضمار أعني (من صاع فاغتسلت وأفاضت على
رأسها وبيننا وبينها حجاب) يستر أسافل بدنها مما لا يحل
للمحرم بفتح الميم الأولى النظر إليه لا أعاليه الجائز له
النظر إليها ليريا عملها في رأسها وأعالي بدنها، وإلاّ لم
يكن لاغتسالها بحضرة أخيها وابن أُختها أم كلثوم من
الرضاعة معنى، وفي فعلها ذلك دلالة على استحباب التعليم
بالفعل لأنه أوقع في النفس من القول وأدل عليه. وهذا
الحديث سباعي الإسناد وفيه التحديث والسماع والسؤال.
(قال أبو عبد الله) المؤلف (قال) ولابن عساكر والأصيلي،
وقال (يزيد بن هارون) بإسقاط قال أبو عبد الله وزيادة واو
العطف في تاليه وطريقه مروية في مستخرجي أبي نعيم وأبي
عوانة (وبهز) بفتح الموحدة وسكون الهاء آخره زاي ابن أسد
الإمام الحجة البصري، المتوفى بمرو في بضع وتسعين ومائة
وطريقه مروية عند الإسماعيلي، (والجُدِّي) بضم الجيم
وتشديد الدال المكسورة نسبة لجدة ساحل البحر من جهة مكة
المشرفة واسمه عبد الملك بن إبراهيم نزيل البصرة، المتوفى
سنة خمس ومائتين الثلاثة رووه (عن شعبة) بن الحجاج المذكور
(قدر صاع) بدل قوه نحوًا ممن صاع، وقدر بالنصب كما في
اليونينية وبالجرّ على الحكاية.
252 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ
أَنَّهُ كَانَ عِنْدَ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ
وَأَبُوهُ، وَعِنْدَهُ قَوْمٌ فَسَأَلُوهُ عَنِ الْغُسْلِ،
فَقَالَ: يَكْفِيكَ صَاعٌ. فَقَالَ رَجُلٌ: مَا
يَكْفِينِي. فَقَالَ جَابِرٌ كَانَ يَكْفِي مَنْ هُوَ
أَوْفَى مِنْكَ شَعَرًا وَخَيْرٌ مِنْكَ. ثُمَّ أَمَّنَا
فِي ثَوْبٍ. [الحديث 252 - طرفاه في: 255، 256].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد قال: حدّثنا يحيى بن
آدم) الكوفي، المتوفى سنة ثلاث ومائتين (قال: حدّثنا)
ولابن عساكر أخبرنا (زهير) بضم الزاي ابن معاوية الكوفي ثم
الجزري (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي بفتح
السين الكوفي (قال: حدّثنا أبو جعفر) الباقر محمد بن عليّ
بن الحسين بن عليّ بن أبي طالب (أنه كان عند جابر بن عبد
الله هو وأبوه) عليّ بن الحسين (وعنده) أي عند جابر (قوم
فسألوه عن الغسل) السائل هو أبو جعفر كما في مسند إسحاق بن
راهويه (فقال) جابر (يكفيك صاع: فقال رجل) هو الحسن بن
محمد ابن الحنفية خولة بنت جعفر، المتوفى سنة مائة ونحوها
(ما يكفيني، فقال جابر: كان يكفي من هو أوفى) أي أكثر (منك
شعرًا وخير
(1/317)
منك) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وخير بالرفع عطفًا على أوفى المخبر به عن هو،
وللأصيلي وخيرًا بالنصب
عطفًا على الموصول المصوب بيكفي (ثم أمّنا) جابر رضي الله
عنه (في ثوب) واحد ليس عليه غيره.
واستنبط من هذا الحديث كراهية الإسراف في استعمال الماء
وأكثر رواته كوفيون وفيه التحديث والعنعنة والسؤال والجواب
وأخرجه النسائي.
253 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَمَيْمُونَةَ كَانَا يَغْتَسِلاَنِ مِنْ
إِنَاءٍ وَاحِدٍ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: كَانَ ابْنُ عُيَيْنَةَ
يَقُولُ أَخِيرًا: "عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ"
وَالصَّحِيحُ مَا رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
ابن عيينة) سفيان (عن عمرو) بفتح العين أي ابن دينار (عن
جابر بن زيد) أبي الشعثاء الأزدي البصري، المتوفى سنة ثلاث
ومائة (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن النبي-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) أم المؤمنين (ميمونة كانا
يغتسلان من) ولأبي الوقت في (إناء واحد) من الجنابة.
فإن قلت: ما وجه تعلق هذا الحديث بهذا الباب: أجيب بأن
المراد بالإناء الفرق المذكور أو لكونه كان معهودًا عندهم
أنه الذي يسع الصاع أو أكثر فلم يحتج إلى التعريف، أو أن
في الحديث اختصارًا، وكان في تمامه ما يدل عليه كما في
حديث عائشة ولا يخفى ما في الثلاثة من التعسف.
ورواته الخمسة ما بين كوفي وبصري ومكي وفيه التحديث
والعنعنة، وأخرجه مسلم والترمذي وابن ماجة.
(قال أبو عبد الله) أي البخاري (كان ابن عيينة) سفيان
(يقول أخيرًا) من عمره (عن ابن عباس عن ميمونة) رضي الله
عنهم، فجعل الحديث من مسندها ورجحه الإسماعيلي بكون ابن
عباس لا يطلع على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في حالة اغتساله معها، وهو يدل على أن ابن عباس
أخذه عنها، (والصحيح) من الروايتين (ما رواه أبو نعيم)
الفضل بن دكين أنه من مسند ابن عباس لا من مسندها وهو الذي
صححه الدارقطني.
4 - باب مَنْ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلاَثًا
(باب من أفاض) الماء في الغسل (على رأسه ثلاثًا).
254 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي
سُلَيْمَانُ بْنُ صُرَدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي جُبَيْرُ بْنُ
مُطْعِمٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَّا أَنَا فَأُفِيضُ عَلَى
رَأْسِي ثَلاَثًا» وَأَشَارَ بِيَدَيْهِ كِلْتَيْهِمَا.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
زهير) أي ابن معاوية الجعفي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد
الله السبيعي بفتح السين (قال: حدّثني) بالإفراد (سليمان
بن صرد) بضم الصاد وفتح الراء آخره دال مهملات من أفاضل
الصحابة نزيل الكوفة، المتوفى سنة خمس وستين (قال: حدّثني)
بالإفراد (جبير بن مطعم) بضم الجيم وكسر العين القرشي،
المتوفى بالمدينة سنة أربع وخمسين له في البخاري تسعة
أحاديث (قال):
(قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أما
أنا) بفتح الهمزة وتشديد الميم (فأفيض) بضم الهمزة (على
رأسي ثلاثًا) أي ثلاث أكف وعند أحمد فآخذ ملء كفي فأصب على
رأسي، (وأشار) عليه الصلاة والسلام (بيديه) الاثنتين
(كلتيهما) وللكشميهني كلاهما بالألف بالنظر إلى اللفظ دون
المعنى وفي بعض الروايات فيما حكاه ابن التين كلتاهما وهما
على لغة لزوم الألف عند إضافتها للضمير كما في الظاهر كما
قال:
إنّ أباها وأبا أباها ... قد بلغا في المجد غايتاها
وقسيم أما محذوف يدل عليه السياق، ففي مسلم من طريق أبي
الأحوص عن أبي إسحاق أن
الصحابة تماروا في صفة الغسل عند رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال عليه الصلاة والسلام:
أما أنا فأفيض أي وأما غيري فلا يفيض أو فلا أعلم حاله قال
الحافظ ابن حجر كالكرماني، وتعقبه العيني بأنه لا يحتاج
إلى تقدير شيء من حيث روي من طريق لأجل حديث آخر في بابه
من طريق آخر، وبأن أما هنا حرف شرط وتفصيل وتوكيد، وإذا
كانت للتوكيد فلا تحتاج إلى التقسيم ولا أن يقال إنه محذوف
اهـ.
وفي الحديث أن الإفاضة ثلاثًا باليدين على الرأس وألحق به
أصحابنا سائر الجسد قياسًا على الرأس وعلى أعضاء الوضوء
وهو أولى بالتثلث من الوضوء، فإن الوضوء مبني على التخفيف
مع تكراره. ورواته الخمسة ما بين كوفي ومدني وفيه التحديث
بالجمع والإفراد والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي
وابن ماجة.
255 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
مِخْوَلِ بْنِ رَاشِدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُفْرِغُ عَلَى
رَأْسِهِ ثَلاَثًا.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد وللأصيلي حدّثنا (محمد بن
بشار) بفتح الموحدة وتشديد الشين المعجمة الملقب ببندار
وليس هو يسارًا بمثناة تحتية ومهملة مخففة وليس في
الصحيحين محمد بن بشار وغيره (قال: حدّثنا غندر) محمد بن
جعفر (قال:
(1/318)
حدّثنا شعبة) ابن الحجاج (عن مخول بن راشد)
بكسر الميم وسكون المعجمة، ولابن عساكر مخوّل بضم الميم
وتشديد الواو المفتوحة، وكذا ضبطه الحاكم كما عزاه في هامش
فرع اليونينية لعياض النهدي بالنون الكوفي، (عن محمد بن
علي) أبي جعفر الباقر (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي
الله عنه أنه (قال):
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفرغ) بضم
الياء آخره غين معجمة من الإفراغ (على رأسه ثلاثًا) أي
ثلاث غرفات وللإسماعيلي أظنه من غسل الجنابة.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه
التحديث بصيغة الإفراد والجمع والعنعنة وليس لمخول في
البخاري غير هذا الحديث، وأخرجه النسائي في الطهارة أيضًا.
256 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
مَعْمَرُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَامٍ قال: حدثني أَبُو
جَعْفَرٍ قَالَ: قَالَ لِي جَابِرٌ: أَتَانِي ابْنُ
عَمِّكَ -يُعَرِّضُ بِالْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدٍ ابْنِ
الْحَنَفِيَّةِ- قَالَ: كَيْفَ الْغُسْلُ مِنَ
الْجَنَابَةِ؟ فَقُلْتُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْخُذُ ثَلاَثَةَ أَكُفٍّ
وَيُفِيضُهَا عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ يُفِيضُ عَلَى سَائِرِ
جَسَدِهِ. فَقَالَ لِي الْحَسَنُ: إِنِّي رَجُلٌ كَثِيرُ
الشَّعَرِ، فَقُلْتُ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكْثَرَ مِنْكَ شَعَرًا.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
معمر بن يحيى) بفتح الميمين وسكون العين في أكثر الروايات،
وجزم به المزي وللقابسي معمر بضم الميم الأولى وتشديد
الثانية على وزن محمد، وجزم به الحاكم، وجوّز الغساني
الوجهين (ابن سام) بالمهملة وتخفيف الميم (قال: حدّثني)
بالإفراد وللأصيلي حدّثنا (أبو جعفر) محمد بن علي الباقر
(قال: قال لي جابر) الصحابي زاد الأصيلي ابن عبد الله
(أتاني ابن عمك) أي ابن عم أبيك ففيه تجوّز لأنه ابن أخي
والده علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب حال كونه أي جابر
(يعرض بالحسن بن محمد ابن الحنفية) زوج علي تزوجها بعد
فاطمة الزهراء فولدت له محمدًا هذا فاشتهر بها والتعريض
غير التصريح، وفي الاصطلاح هو كناية سيقت لموصوف غير
مذكور، وفي الكشاف أن تذكر شيئًا تدل به على شيء لم تذكره،
وسقطت الموحدة من قوله بالحسن لابن عساكر (قال) أي الحسن:
(كيف الغسل من الجنابة) فيه إشعار بأن سؤاله كان في غيبة
أبي جعفر فهو غير سؤال أبي جعفر السابق. قال جابر: (فقلت)
له:
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأخذ
ثلاثة أكف) كذا في رواية كريمة بالتاء ولغيرها ثلاث أكف
جمع كف يذكر ويؤنث فيجوز دخول التاء وتركه، والمواد به
يأخذ كل مرة كفين لأن الكف اسم جنس فيجوز حمله على
الاثنين، ويدل له رواية إسحاق السابقة وأشار بيديه فيحمل
اللاحق على السابق (ويفيضها) بالواو أي ثلاثة الأكف،
وللكشميهني والأصيلي فيفيضها (على رأسه) وسقط لأبي ذر على
رأسه، وفي قوله كان الدالة على الاستمرار ملازمته عليه
الصلاة والسلام على ثلاثة أكف في غسل الرأس، وأنه يجزئ وإن
كان كثير الشعر (ثم يفيض) الماء بعد رأسه (على سائر جسده)
فمفعوله محذوف ولا يعود إلى ما سبق في المعطوف عليه وهو
ثلاثة أكف، ويكون قرينته العطف لأن الثلاثة لا تكفي الجسد
غالبًا قال جابر (فقال لي الحسن) بن محمد ابن الحنفية:
(إني رجل كثير الشعر) أي لا يكفيني الثلاث.
قال جابر: (فقلت كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أكثر منك شعرًا) وقد كفاه ذلك. فالزيادة على ما
كفاه عليه الصلاة والسلام تنطع، وقد يكون مثاره الوسواس من
الشيطان فلا يلتفت إليه.
فإن قلت: السؤال هنا وقع عن الكيفية لقوله كيف الغسل كما
هو في الحديث السابق؟ أجاب في الفتح: بأنه عن الكمية كما
أشعر به قوله في الجواب يكفيك صاع، وتعقبه العيني بأن لفظة
كيف في السؤال السابق مطوية اختصارًا لأن السؤال في
الموضعين عن حالة الغسل وصفته، والجواب في الموضعين
بالكمية لأن هناك قال يكفيك صاع، وهنا قال ثلاثة أكف وكل
منهما كم.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي ومدني وفيه
التحديث بالجمع والإفراد والقول.
5 - باب الْغُسْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً
(باب) حكم (الغسل مرة واحدة).
257 - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَاحِدِ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي
الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
قَالَتْ مَيْمُونَةُ: وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاءً لِلْغُسْلِ فَغَسَلَ
يَدَيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى
شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ مَسَحَ يَدَهُ
بِالأَرْضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، وَغَسَلَ
وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ
تَحَوَّلَ مِنْ مَكَانِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا موسى) التبوذكي وزاد أبو الوقت وذر وابن
عساكر ابن إسماعيل (قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد
البصري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم بن أبي
الجعد) بسكون العين (عن كريب) بالتصغير (عن ابن عباس) رضي
الله عنهما أنه (قال: قلت ميمونة) بنت الحرث أم المؤمنين
رضي الله عنها:
(وضعت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماء
للغسل فغسل يديه) كذا بالتثنية للكشميهني وللحموي
والمستملي يده
(مرتين أو ثلاثًا) الشك من الأعمش أو من
(1/319)
ميمونة (ثم أفرغ على شماله فغسل مذاكيره)
جمع ذكر على قياس فرقًا بينه وبين الذكر خلاف الأنثى، وعبر
بلفظ الجمع وهو واحد إشارة إلى تعميم غسل الخصيتين
وحواليهما معه كأنه جعل كل جزء من هذا المجموع كذكر في حكم
الغسل. قال النووي: ينبغي للمغتسل من نحو إبريق أن يتفطن
لدقيقة وهي أنه إذا استنجى يعيد غسل محل الاستنجاء بنية
غسل الجنابة لأنه إذا لم يغسل الآن ربما غفل عنه بعد ذلك،
فلا يصح غسله لتركه بعض البدن فإن تذكر احتاج لمسّ فرجه
فينتقض وضوءه أو يحتاج إلى تكلّف لف خرقة على يده اهـ.
(ثم مسح) عليه الصلاة والسلام (يده) بالإفراد (بالأرض ثم
مضمض واستنشق وغسل وجهه ويديه) بالتثنية، (ثم أفاض) الماء
(على جسده) يتناول المرة فأكثر ومن ثم تحصل المطابقة بين
الحديث والترجمة. قال ابن بطال: لم يذكر في الإفاضة كمية
فحمل على أقل ما يمكن وهو الواحد والإجماع على وجوب
الإسباغ والتعميم لا العدد. (ثم تحول) عليه الصلاة والسلام
(من مكانه فغسل قدميه).
ورواة هذا الحديث ستة وفيه التحديث والعنعنة وأخرجه أصحاب
الكتب الخمسة.
6 - باب مَنْ بَدَأَ بِالْحِلاَبِ أَوِ الطِّيبِ عِنْدَ
الْغُسْلِ
(باب من بدأ بالحلاب) بكسر الحاء المهملة وتخفيف اللام لا
بتشديدها، ولأبي عوانة في صحيحه عن يزيد بن سنان عن أبي
عاصم كان يغتسل من حلاب فيأخذ غرفة بكفّيه فيجعلها على شقة
الأيمن ثم الأيسر، وهو يرد على من ظن أن الحلاب ضرب من
الطيب ويؤيده قوله بعد: (أو الطيب عند الغسل) إذ العطف
يقتضي التغاير، وقد عقد المؤلف الباب لأحد الأمرين الإناء
والطيب حيث أتى بأو الفاصلة دون الواو الواصلة فوفى بذكر
أحدهما وهو الإناء، وكثيرًا ما يترجم ثم لا يذكر في بعضه
حديثًا لأمور سبق التنبيه عليها، ويحتمل أن يكون أراد
بالحلاب الإناء الذي فيه الطيب يعني أنه يبدأ تارة بطلب
ظرف الطيب وتارة بطلب نفس الطيب، لكن في رواية والطيب
بإسقاط الألف.
258 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ حَنْظَلَةَ عَنِ الْقَاسِمِ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ
دَعَا بِشَىْءٍ نَحْوَ الْحِلاَبِ فَأَخَذَ بِكَفِّهِ
فَبَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ، ثُمَّ الأَيْسَرِ،
فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدّثني (محمد بن
المثنى) البصري (قال: حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد
بفتح الميم وسكون المعجمة النبيل (عن حنظلة) بن أبي سفيان
القرشي (عن القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله
عنهم المدني أفضل أهل زمانه التابعي أحد الفقهاء السبعة
بالمدينة، المتوفى سنة بضع ومائة (عن عائشة) رضي الله عنها
(قالت):
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا
اغتسل) أي أراد أن يغتسل (من الجنابة دعا بشيء نحو الحلاب)
بكسر الحاء أي طلب إناء مثل الإناء الذي يسمى الحلاب، وقد
وصفه أبو عاصم كما أخرجه أبو عوانة في صحيحه عنه بأقل من
شبر في شبر، وللبيهقي قدر كوز يسع ثمانية أرطال (فأخذ
بكفّه) بالإفراد وللكشميهني بكفّيه (فبدأ بشق رأسه الأيمن)
بكسر الشين المعجمة (ثم) بشق رأسه (الأيسر فقال بهما) أي
بكفّيه وهو يقوي رواية الكشميهني بكفّيه (على رأسه) ولأبوي
ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر على وسط رأسه بفتح السين.
قال الجوهري: كل موضع يصلح فيه بين فهو وسط بالسكون وإلا
فهو بالتحريك وأطلق القول على الفعل مجازًا.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري ومكّي ومدني، وفيه
التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود
والنسائي.
7 - باب الْمَضْمَضَةِ وَالاِسْتِنْشَاقِ فِي الْجَنَابَةِ
(باب) حكم (المضمضة والاستنشاق) هل هما واجبان أو سُنّتان
(في) الغسل من (الجنابة).
259 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي قال: حدَّثَنا الأَعْمَشُ قَالَ:
حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ: حَدَّثَتْنَا مَيْمُونَةُ قَالَتْ: صَبَبْتُ
لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُسْلاً،
فَأَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ فَغَسَلَهُمَا،
ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ قَالَ بِيَدِهِ الأَرْضَ
فَمَسَحَهَا بِالتُّرَابِ، ثُمَّ غَسَلَهَا، ثُمَّ
تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ
وَأَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ
قَدَمَيْهِ، ثُمَّ أُتِيَ بِمِنْدِيلٍ فَلَمْ يَنْفُضْ
بِهَا.
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص بن غياث) بضم العين المهملة
في الأول وكسر المعجمة في الثالث وآخره مثلثة المتوفى سنة
اثنتين وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا أبي) هو حفص بن غياث
بن طلق النخعي الكوفي قاضي بغداد، المتوفى سنة ست وتسعين
ومائة (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني)
بالإفراد (سالم) هو ابن أي الجعد التابعي (عن كريب) بضم
الكاف مصغرًا (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: حدّثتنا)
بالمثناة الفوقية بعد المثلثة (ميمونة) أم المؤمنين رضي
الله عنها (قالت):
(صببت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غسلاً)
بضم الغين أي ماء للاغتسال (فأفرغ) عليه الصلاة والسلام
(بيمينه
على يساره فغسلهما ثم غسل فرجه، ثم قال
(1/320)
بيده الأرض) ولأبي ذر وابن عساكر على الأرض
أي ضربها بيده (فمسحها بالتراب ثم غسلها) بالماء وأجرى
القول مجرى الفعل مجازًا كما مرَّ (ثم تمضمض) بمثناة قبل
الميم، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر مضمض (واستنشق) طلبًا
للكمال المستلزم للثواب، وقد قال الحنفية بفرضيتهما في
الغسل دون الوضوء لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا
فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6]. قالوا: وهو أمر بتطهير جميع
البدن إلا أن ما يتعذر إيصال الماء إليه خارج عن النص
بخلاف الوضوء لأن الواجب غسل الوجه والمواجهة فيهما
منعدمة، وأيضًا مواظبته عليه الصلاة والسلام عليهما بحيث
لم ينقل عنه تركهما يدل على الوجوب لنا قوله عليه الصلاة
والسلام عشر من الفطرة أي من السُّنّة وذكرهما منها، (ثم
غسل) عليه الصلاة والسلام (وجهه وأفاض) أي صب الماء (على
رأسه ثم تنحى) أي تحول إلى ناحية (فغسل قدميه ثم أُتي) بضم
الهمزة (بمنديل) بكسر الميم (فلم ينفض بها) بضم الفاء وفي
نسخه فلم ينتفض بمثناة فوقية بعد النون، وأنّث الضمير على
معنى الخرقة لأن المنديل خرقة مخصوصة. زاد هنا في رواية
كريمة قال أبو عبد الله: أي المؤلف يعني لم يتمسح به أي
بالمنديل من بلل الماء لأنه أثر عبادة فكان تركه أولى. قال
ابن التين: ما أُتي بالمنديل إلا أنه كان يتنشف به ورده
لنحو وسخ كان فيه اهـ.
وفي التنشف في الوضوء والغسل أوجه فقيل: يندب تركه لا ذكر،
وقيل: يندب فعله ليسلم من غبار نجس ونحوه، وقيل: يكره فعله
فيهما وإليه ذهب ابن عمرو. قال ابن عباس: يكره في الوضوء
دون الغسل وقبل تركه وفعله سواء. قال النووي في شرح مسلم:
وهذا هو الذي نختاره ونعمل به لاحتياج المنع والاستحباب
إلى دليل، وقيل: يكره في الصيف دون الشتاء. قال في
المجموع: وهذا كله إذا لم يكن حاجة كبرد أو التصاق نجاسة
فإن كان فلا كراهة قطعًا اهـ.
قال في الذخائر: وإذا تنشف فالأولى أن لا يكون بذيله وطرف
ثوبه ونحوهما.
ورواة هذا الحديث السبعة ما بين كوفي ومدني وفيه التحديث
بالجمع والإفراد والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي وصحابي عن
صحابي.
8 - باب مَسْحِ الْيَدِ بِالتُّرَابِ لِيَكُونَ أَنْقَى
(باب مسح اليد) أي مسح المغتسل يده (بالتراب لتكون)
بالفوقية لابن عساكر والأصيلي ولغيرهما بالتحتية (أنقى)
بالنون والقاف أي أطهر من غير الممسوحة فحذف من الملازمة
لأفعل التفضيل المنكر، وحينئذ فلا مطابقة بينهما لأن أفعل
التفضيل إذا كان بمن فهو مفرد مذكر قاله العيني كالكرماني،
وتعقبه البرماوي بأنه إن عنى أن اسمها ضمير اليد صح ما
قاله قال: والظاهر أن اسمها يعود على المسح أو نحوه
فالمطابقة حاصلة.
260 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ
أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ
مَيْمُونَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَغَسَلَ
فَرْجَهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ دَلَكَ بِهَا الْحَائِطَ ثُمَّ
غَسَلَهَا، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ،
فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ غَسَلَ رِجْلَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) بضم الحاء وفتح الميم ولأبي ذر
عبد الله بن الزبير الحميدي (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة
(قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم بن أبي
الجعد عن كريب عن ابن عباس عن ميمونة) رضي الله عنها:
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اغتسل من
الجنابة) هذا مجمل فصله بقوله (فغسل فرجه بيده ثم دلك بها
الحائط) وفي الرواية السابقة دلك يده على التراب (ثم
غسلها) بالماء (ثم توضأ وضوءه للصلاة، فلما فرغ من غسله
غسل رجليه) لأن المفصل يعقب المجمل فهو تفسير لاغتسل وإلا
فغسل الفرج والدلك ليسا بعد الفراغ من الاغتسال. وقال
العيني: الفاء عاطفة ولكنها للترتيب أي المستفاد من ثم
الدالة عليه.
قال: والمعنى أنه عليه الصلاة والسلام اغتسل فرتب غسله
فغسل فرجه ثم يده ثم توضأ، وكون الفاء للتعقيب لا يخرجها
عن كونها عاطفة.
فإن قلت: سياق المؤلف لهذا الحديث تكرار لأن حكمه علم من
السابق. أجيب بأن غرض المؤلف بمثله استخراج روايات الشيوخ
مثلاً عمر بن حفص روى الحديث في معرض المضمضة والاستنشاق
في الجنابة، والحميدي في معرض مسح اليد بالتراب هذا مع
إفادة التقوية والتأكيد، وحينئذ فلا تكرار في سياقه له.
وهذا الحديث من السباعيات وفيه التحديث والعنعنة.
9 - باب هَلْ يُدْخِلُ الْجُنُبُ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ
قَبْلَ أَنْ يَغْسِلَهَا إِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى يَدِهِ
قَذَرٌ غَيْرُ الْجَنَابَةِ
وَأَدْخَلَ ابْنُ عُمَرَ وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ يَدَهُ
فِي الطَّهُورِ وَلَمْ يَغْسِلْهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ.
وَلَمْ يَرَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ بَأْسًا بِمَا
يَنْتَضِحُ مِنْ غُسْلِ الْجَنَابَةِ.
هذا (باب) بالتنوين (هل يدخل الجنب يده في الإناء) الذي
فيه ماء الغسل (قبل أن يغسلها) خارج الإناء (إذا لم يكن
على يده قذر) بالذال المعجمة أي شيء مستكره من نجاسة أو
غيرها
(1/321)
(غير الجنابة وأدخل ابن عمر) بن الخطاب
(والبراء بن عازب) رضي الله عنهم (يده) بالإفراد أي أدخل
كل واحد منهما يده (في الطهور) بفتح الطاء وهو الماء الذي
يتطهر به (ولم يغسلها) قبل (ثم توضأ) كل منهما، ولأبي
الوقت توضآ بالتثنية على الأصل. قال البرماوي كالكرماني
وفي بعض النسخ يديهما ولم يغسلاهما ثم توضآ بالتثنية في
الكل، وأثر ابن عمر وصله سعيد بن منصور بمعناه، وأثر
البراء وصله ابن أبي شيبة بلفظ: أنه أدخل يده في المطهرة
قبل أن يغسلها. واستنبط منه جواز إدخال الجنب يده في إناء
الماء الذي يتطهر به قبل أن يغسلها إذا لم يكن على يده
نجاسة.
(ولم ير ابن عمر) بن الخطاب (وابن عباس) رضي الله عنهم
(بأسًا بما ينتضح) أي يترشرش (من) ماء (غسل الجنابة) في
الإناء الذي يغتسل منه لأنه يشق الاحتراز عنه. قال أحسن
البصري فيما رواه ابن أبي شيبة: ومن يملك انتشار الماء
إنّا لنرجو من رحمة الله ما هو أوسع من هذا. وأثر ابن عمر
وصله عبد الرزاق هنا، وأثر ابن عباس وصله ابن أبي شيبة
وعبد الرزاق.
261 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قال:
أَخْبَرَنَا أَفْلَحُ عَنِ الْقَاسِمِ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ
تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتى الميم واللام
القعنبي (قال: أخبرنا) ولكريمة وعزاه في الفرع للأصيلى
وابن عساكر حدّثنا (أفلح) غير منسوب، وللأصيلي وأبي الوقت
ابن حميد بضم الحاء وفتح الميم الأنصاري المدني وليس هو
أفلح بن سعيد لأن المؤلف لم يخرج له شيئًا (عن القاسم) بن
محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنهم (عن عائشة) رضي الله
عنها أنها (قالت):
(كنت أغتسل أنا والنبي) بالرفع عطفًا على المرفوع في كنت
وأبرز الضمير المنفصل ليصح العطف عليه وبالنصب مفعول معه
فتكون الواو للمصاحبة أي اغتسل مصاحبة له (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من إناء واحد) نغترف منه جميعًا
(تختلف أيدينا فيه) من الإدخال فيه والإخراج منه. زاد مسلم
في آخره من الجنابة أي لأجلها، ولمسلم أيضًا من طريق معاذ
عن عائشة فيبادرني حتى أقول دع لي، وللنسائي وأبادره حتى
يقول دعي لي، وجملة تختلف الخ حالية من قوله من إناء واحد،
والجملة بعد المعرفة حال وبعد النكرة صفة والإناء هنا
موصوف.
ومطابقة هذا الحديث للترجمة من حيث جواز إدخال الجنب يده
في الإناء قبل أن يغسلها إذا لم يكن عليها قدّر لقولها
تختلف أيدينا فيه واختلافها فيه لا يكون إلا بعد الإدخال،
فدل ذلك على أنه غير مفسد للماء إذا لم يكن عليها ما ينجس
يقينًا. ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وفيه التحديث
بالجمع والإفراد والعنعنة وأخرجه مسلم.
262 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ
عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَهُ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا حماد)
هو ابن زيد لا حماد بن سلمة لأن المؤلف لم يرو عنه (عن
هشام) هو ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوام (عن
عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا
اغتسل من الجنابة غسل يده) قبل أن يدخلها الإناء، وهو
محمول على ما إذا خشي أن يكون علق بها شيء والسابق كاللاحق
في حال تيقن نظافتها، فاستعمل في اختلاف الحديثين ما جمع
بينهما، ونفي التعارض عنهما، أو يحمل الفعل على الندب
والترك على الجواز أو أن الترك مطلق والفعل مقيد فيحمل
المطلق على المقيد.
وهذا الحديث من الخماسيات، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه
المؤلف مختصرًا وأبو داود مطولاً لكنه قال: غسل يديه
بالتثنية وهي نسخة في اليونينية.
263 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَفْصٍ عَنْ عُرْوَةَ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا
وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ
إِنَاءٍ وَاحِدٍ مِنْ جَنَابَةٍ. وَعَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بكر بن حفص)
السابق في باب الغسل بالصاع (عن عروة) بن الزبير (عن
عائشة) رضي الله عنها:
(كنت) ولابن عساكر قالت: كنت (أغتسل أنا والنبي) بالرفع
والنصب كما مر (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
آخذين الماء (من إناء واحد من جنابة) وللكشميهني من
الجنابة ثم عطف المؤلف على قوله عن أبي بكر بن حفص قوله:
(وعن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي
بكر الصديق (عن عائشة) رضي الله عنها لينبه على أن لشعبة
فيه إسنادين إلى عائشة أحدهما عن عروة والآخر عن القاسم
كلاهما عن عائشة (مثله) بالنصب والرفع أي مثل
(1/322)
حديث شعبة عن أبي بكر بن حفص، وللأصيلي
بمثله بزيادة الموحدة. وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة.
264 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
جَبْرٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَالْمَرْأَةُ مِنْ نِسَائِهِ يَغْتَسِلاَنِ مِنْ إِنَاءٍ
وَاحِدٍ. زَادَ مُسْلِمٌ وَوَهْبٌ عَنْ شُعْبَةَ: مِنَ
الْجَنَابَةِ.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) الطيالسي المذكور (قال:
حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عبد الله بن عبد الله)
بالتكبير فيهما (ابن جبر) بفتح الجيم وسكون الموحدة (قال):
(سمعت أنس بن مالك) رضي الله عنه حال كونه (يقول: كان
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمرأة)
بالرفع على العطف والنصب على المعية واللام للجنس فيشمل كل
امرأة (من نسائه) رضي الله عنهن (يغتسلان من إناء واحد)
وهذا الحديث انفرد به المؤلف وفيه التحديث والعنعنة
والسماع والقول.
(زاد مسلم) هو ابن إبراهيم الأزدي شيخ المؤلف (ووهب)
وللأصيلي وأبي الوقت ابن جرير أي ابن حازم في روايتهما
لهذا الحديث (عن شعبة) بهذا الإسناد الذي رواه عنه أبو
الوليد في آخره لفظة (من الجنابة).
فإن قلت: هل هذا من التعاليق؟ أجيب: بأن الظاهر كذلك لأنه
حين وفاة وهب كان المؤلف ابن اثنتي عشرة سنة أو أنه سمعه
منه وإدخاله في سلك مسلم يدل عليه. قال البرماوي: وعلى كل
حال فزيادة وهب وصلها الإسماعيلي وزيادة مسلم قال بعض
العصريين لم أجدها.
10 - باب تَفْرِيقِ الْغُسْلِ وَالْوُضُوءِ
وَيُذْكَرُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ غَسَلَ قَدَمَيْهِ
بَعْدَ مَا جَفَّ وَضُوءُهُ.
(باب تفريق النسل والوضوء) هل هو جائز أم لا؟ (ويذكر) بضم
أوله على صيغة المجهول (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله
عنهما (أنه غسل قدميه بعدما جف وضوءه) بفتح الواو أي الماء
الذي توضأ به، وفي فرع اليونينية بضمها، وهذا نص صريح في
عدم وجوب الموالاة بين الأعضاء في التطهير وهو مذهب أبي
حنيفة، وأصح قولي الشافعي أنها سُنَّة لهذا الحديث، ولأن
الله تعالى إنما أوجب غسل هذه الأعضاء فمن أتى به امتثل
مواصلاً أو مفرقًا، وفي القديم للشافعي وجوبها لحديث أبي
داود عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً يصلي وفي ظهر قدميه
لمعة قدر الدرهم لم يصبها الماء فأمره أن يعيد الوضوء
والصلاة، لكن قال في شرح المهذب: إنه ضعيف، وقال مالك
بوجوبها إلا إن كان ناسيًا أو كان التفريق يسيرًا، ونقل
عنه ابن وهب أنها مستحبة، وهذا التعليق وصله الشافعي في
الأم عنه بلفظ أنه توضأ بالسوق فغسل وجهه ويديه ومسح
برأسه، ثم دعي لجنازة فدخل المسجد ليصلي عليها فمسح خفّيه
ثم صلى عليها. قال الشافعي: لعله قد جف وضوءه وسنده صحيح،
ولعل المؤلف إنما أورده بصيغة التمريض ولم يجزم به لكونه
ذكره بالمعنى كما هو اصطلاحه.
265 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
الأَعْمَشُ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ
كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
قَالَ قَالَتْ مَيْمُونَةُ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاءً يَغْتَسِلُ
بِهِ، فَأَفْرَغَ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا
مَرَّتَيْنِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ
بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ مَذَاكِيرَهُ، ثُمَّ
دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ،
ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ غَسَلَ رَأْسَهُ
ثَلاَثًا، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى
مِنْ مَقَامِهِ فَغَسَلَ قَدَمَيْه.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن محبوب) بمهملة وموحدة مكررة أبو
عبد الله البصري، المتوفى سنة ثلاث وعشرين ومائتين (قال:
حدّثنا عبد الواحد) بن زياد البصري (قال: حدّثنا الأعمش)
سليمان بن مهران (عن سالم بن أبي الجعد) بسكون العين (عن
كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال):
(قالت ميمونة) أم المؤمنين رضي الله عنها (وضعت لرسول
الله) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر
للنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماء يغتسل به)
وفي الرواية السابقة في باب الغسل مرة واحدة ماء للغسل
(فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين) من غير تكرار كذا في رواية
غير أبي ذر والأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت، وفي الرواية
السابقة فغسل يديه مرتين (أو ثلاثًا) شك من الراوي (ثم
أفرغ) عليه الصلاة والسلام (بيمينه على شماله) وفي الرواية
السابقة ثم أفرغ على شماله (فغسل مذاكيره ثم دلك يده
بالأرض) وفي السابقة ثم مسح يده بالأرض خمس (ثم تمضمض)
ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلى وابن عساكر ثم مضمض
(واستنشق ثم غسل وجهه ويديه وغسل) ولأبوي ذر والوقت
والأصيلى وابن عساكر ثم غسل (رأسه ثلاثًا) الظاهر عوده
لجميع الأفعال السابقة، ويحتمل عوده للأخير فقط وهو يناسب
قول الحنفية إن القيد المتعقب لجمل يعود على الأخيرة، وقال
الشافعية يعود على الكل نبّه عليه البرماوي كغيره (ثم
أفرغ) عليه الصلاة والسلام (على جسده) وفي السابقة ثم أفاض
على جسده (ثم تنحى) أي بعد (من مقامه) بفتح الميم وفي
السابقة ثم تحول من مكانه (فغسل
(1/323)
قدميه) وهذا الحديث من السباعيات وتقدم ما
فيه من البحث.
11 - باب مَنْ أَفْرَغَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فِي
الْغُسْلِ
(باب من أفرغ) الماء (بيمينه على شماله في الغسل) وهذا
الباب مقدم على سابقه عند الأصيلى وابن عساكر.
266 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ قال: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ
عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى
ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ
بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ: وَضَعْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُسْلاً
وَسَتَرْتُهُ، فَصَبَّ عَلَى يَدِهِ فَغَسَلَهَا مَرَّةً
أَوْ مَرَّتَيْنِ -قَالَ سُلَيْمَانُ: لاَ أَدْرِي
أَذَكَرَ الثَّالِثَةَ أَمْ لاَ- ثُمَّ أَفْرَغَ
بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ
دَلَكَ يَدَهُ بِالأَرْضِ أَوْ بِالْحَائِطِ، ثُمَّ
تَمَضْمَضَ
وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَغَسَلَ
رَأْسَهُ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى
فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ خِرْقَةً فَقَالَ
بِيَدِهِ هَكَذَا، وَلَمْ يُرِدْهَا.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا
أبو عوانة) بفتح العين الوضاح اليشكري (قال: حدّثنا
الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم بن أو الجعد) بسكون
العين (عن كريب مولى ابن عباس عن ابن عباس) رضي الله عنهما
(عن ميمونة بنت) وللأصيلي وأبي الوقت ابنة (الحارث) رضي
الله عنها.
(قالت وضعت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- غسلاً) هو الماء الذي يغتسل به وبالفتح الصدر
وبالكسر اسم
ما يغتسل به كالسدر ونحوه (وسترته) بثوب كما في الحديث
الآتي إن شاء الله تعالى في باب نفض اليدين من الغسل من
الجنابة رأسه أي غطيت رأسه، فأراد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الغسل فكشف رأسه فأخذ الماء (فصب على
يده) منه (فغسلها مرة أو مرتين) شك من الراوي، والمراد
باليد الجنس فتصح إرادة كلتيهما وفاء فصب عطف على محذوف
كما مرَّ. قال أبو عوانة: (قال سليمان) بن مهران الأعمش:
(لا أدري أذكر) سالم بن أبي الجعد (الثالثة أم لا). نعم في
رواية عبد الواحد عن الأعمش السابقة فغسل يديه مرتين أو
ثلاثًا.
فإن قلت: وقع في رواية ابن فضيل عن الأعمش فيما أخرجه أبو
عوانة في مستخرجه فصب على يديه ثلاثًا فلم يشك فكيف الجمع
بينهما؟ أجيب: باحتمال أن الأعمش كان يشك فيه ثم تذكر فجزم
لأن سماع ابن فضيل منه متأخر.
(ثم أفرغ) عليه الصلاة والسلام (بيمينه على شماله فغسل
فرجه ثم دلك يده بالأرض أو بالحائط) شك من الراوي وهو
محمول على أنه كان في يده أذى فلذلك دلك يده بالأرض وغسلها
قبل إدخالها وفيه أن تقديم الاستنجاء أولى، وإن تعذر تأخره
لأنهما طهارتان مختلفتان (ثم تمضمض) بالتاء أوّله وللأصيلي
مضمض (واستنشق وغسل وجهه ويديه وغسل رأسه ثم صب على جسده
ثم تنحى) من مكانه (فغسل) بالفاء للأكثر ولأبي ذر وغسل
(قدميه) قالت ميمونة: (فناولته خرقة) لينشف بها جسده
الشريف (فقال) أي أشار عليه الصلاة والسلام (بيده هكذا) أي
لا أتناولها (ولم يردها) بضم أوّله وسكون ثالثه من الإرادة
مجزوم بحذف الياء. وما حكاه في المطالع مبهمًا ناقله من
فتح أوّله وتشديد ثالثه عن رواية القابسي فتصحيف يفسد
المعنى، وعند الإمام أحمد من حديث أبي عوانة فقال بيده
هكذا أي لا أريدها، وقد تقدم في باب المضمضة والاستنشاق في
الغسل من الجناية ما في التنشيف فليراجع ثم.
12 - باب إِذَا جَامَعَ ثُمَّ عَادَ. وَمَنْ دَارَ عَلَى
نِسَائِهِ فِي غُسْلٍ وَاحِدٍ
هذا، (باب) بالتنوين (إذا جامع) الرجل امرأته أو أمته (ثم
عاد) إلى جماعها مرة أخرى ما يكون
حكمه؟ وللكشميهني ثم عاود أي الجماع وهو أعم من أن يكون
لتلك المجامعة أو غيرها، (ومن دار على نسائه في غسل واحد)
ما حكمه؟ وأشار به إلى ما روي في بعض طرق الحديث الآتي إن
شاء الله تعالى: وإن لم يكن منصوصًا فيما أخرجه. وفي
الترمذي وقال حسن صحيح أنه عليه الصلاة والسلام كان يطوف
على نسائه في غسل واحد، ولم يختلفوا في أن الغسل بينهما لا
يجب، واستدلوا لاستحبابه بين الجماعين بحديث أبي رافع عند
أبي داود والنسائي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- طاف على نسائه يغتسل عند هذه وعند هذه. قال:
فقلت يا رسول الله ألا تجعله غسلاً واحدًا؟ قال: "هذا أزكى
وأطيب". اختلف هل يستحب له أن يتوضأ عند وطء كل واحدة
وضوءه للصلاة؟ فقال أبو يوسف: لا. وقال الجمهور: نعم،
وحمله بعضهم على الوضوء اللغوي فيغسل فرجه، وعورض بحديث
ابن خزيمة فليتوضأ وضوءه للصلاة. وذهب ابن حبيب والظاهرية
إلى وجوبه لحديث مسلم: إذا أتى أحدكم أهله ثم أراد أن يعود
فليتوضأ. وأجيب بما في حديث ابن خزيمة فإنه أنشط للعود فدل
على أن الأمر للإرشاد، وبحديث الطحاوي عن عائشة أنه عليه
الصلاة والسلام كان يجامع ثم يعود ولا يتوضأ.
267 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ
عَنْ شُعْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذَكَرْتُهُ لِعَائِشَةَ
فَقَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ
كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَيَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ ثُمَّ
يُصْبِحُ مُحْرِمًا يَنْضَخُ طِيبًا. [الحديث 267 - طرفه
في: 270].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة والمعجمة
المشددة المعروف ببندار (قال: حدّثنا أبن أبي عديّ) محمد
بن إبراهيم، المتوفى بالبصرة سنة أربع وتسعين ومائة،
(ويحيى بن سعيد) بالياء بعد
(1/324)
العين هو القطان كلاهما (عن شعبة) بن
الحجاج (عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر) بضم الميم وسكون
النون وفتح المثناة الفوقية وكسر المعجمة (عن أبيه) محمد
(قال ذكرته لعائشة) أي ذكرت لها قول ابن عمر ما أحب أن
أصبح محرمًا أنضح طيبًا الحديث الآتي إن شاء الله تعالى
بعد باب غسل المذي، واختصره هنا للعلم بالمحذوف عند أهل
الشأن أو رواه كذلك. (فقالت) عائشة (يرحم الله أبا عبد
الرحمن) تريد عبد الله بن عمر، وفي ترحمها له إشعار بأنه
سها فيما قاله في شأن النضح وغفل عن فعل النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(كنت أطيب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فيطوف) أي يدور (على نسائه) أي في غسل واحد وهو كناية عن
الجماع أو المراد تجديد العهد بهن كما ذكره الإسماعيلي،
لكن قوله في الحديث الثاني أعطي قوة ثلاثين يدل على إرادة
الأوّل، (ثم يصبح محرمًا ينضخ) بالخاء المعجمة وفتح أوّله
وثالثه المعجم أو بالحاء المهملة أي يرش (طيبًا) أي ذريرة
بالنصب على التمييز. ومطابقة الحديث للترجمة في قوله فيطوف
على نسائه، وفيه: أن غسل الجنابة ليس على الفور وإنما
يتضيق عند إرادة القيام إلى الصلاة.
ورواته السبعة ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث والعنعنة
والقول، وأخرجه المؤلف في الباب الذي يليه، ومسلم في الحج،
والنسائي في الطهارة، وبقية مباحثه تأتي إن شاء الله
تعالى.
268 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي
عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَدُورُ عَلَى نِسَائِهِ فِي السَّاعَةِ
الْوَاحِدَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَهُنَّ
إِحْدَى عَشْرَةَ. قَالَ: قُلْتُ لأَنَسٍ: أَوَ كَانَ
يُطِيقُهُ؟ قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّهُ أُعْطِيَ
قُوَّةَ ثَلاَثِينَ. وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ إِنَّ
أَنَسًا حَدَّثَهُمْ: تِسْعُ نِسْوَةٍ. [الحديث 268 -
أطرافه في: 284، 5068، 5215].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) المذكور قريبًا (قال:
حدَّثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (قال: حدّثني) بالإفراد
(أبي) هشام (عن قتادة) الأكمه السدوسي (قال: حدّثنا أنس بن
مالك قال) رضي الله عنه ولابن عساكر بإسقاط لفظ ابن مالك
قال:
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدور على
نسائه) رضي الله عنهن (في الساعة الواحدة من الليل
والنهار) الواو
بمعنى أو ومراده بالساعة قدر من الزمان لا ما اصطلح عليه
الفلكيون (وهن) رضي الله عنهن (إحدى عشرة) امرأة تسع زوجات
ومارية وريحانة، وأطلق عليهن نساء تغليبًا، وبذلك يجمع بين
هذا الحديث وحديث وهن تسع نسوة أو يحمل على اختلاف
الأوقات، والإطلاق السابق في حديث عائشة محمول على القيد
في حديث أنس هذا حتى يدخل الأوّل في الترجمة، لأن النساء
لو كن قليلات ما كان يتعذر الغسل من وطء كل واحدة بخلاف
الإحدى عشرة إذ تتعذر المباشرة والغسل إحدى عشرة مرة في
ساعة واحدة في العادة، وأما وطء الكل في ساعة فلا لأن
القسم لم يكن واجبًا عليه كما هو وجه لأصحابنا الشافعية،
وجزم به الإصطخري. أو أنه لا رجع من سفر وأراد القسم ولا
واحدة أولى من الأخرى بالبدءة بها وطئ الكل، أو كان ذلك
باستطابتهن أو الدوران كان في يوم القرعة للقسمة قبلي أن
يقرع بينهن. وقال ابن العربي: أعطاه الله تعالى ساعة ليس
لأزواجه فيها حق يدخل فيها على جميع أزواجه فيفعل ما يريد
بهن، وفي مسلم عن ابن عباس أن تلك الساعة كانت بعد العصر،
واستغرب هذا الأخير الحافظ ابن حجر وقال: إنه يحتاج إلى
ثبوت ما ذكره مفصلاً.
(قال) قتادة: (قلت لأنس) رضي الله عنه مستفهمًا (أو كان)
عليه الصلاة والسلام (يطيقه) أي مباشرة المذكورات في
الساعة الواحدة (قال) أنس: (كنا) معشر الصحابة (نتحدث أنه)
عليه الصلاة والسلام (أعطي) بضم الهمزة وكسر الطاء وفتح
الياء (قوة ثلاثين) رجلاً، وعند الإسماعيلي عن معاذ قوّة
أربعين. زاد أبو نعيم عن مجاهد كل من أهل الجنة. وفي
الترمذي وقال صحيح غريب عن أنس مرفوعًا: يعطى المؤمن في
الجنة قوّة كذا وكذا في الجماع. قيل: يا رسول الله أو يطيق
ذلك؟ قال:
"يعطى قوّة مائة" والحاصل من ضربها في الأربعين أربعة
آلاف. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث بالجمع
والإفراد والعنعنة، وأخرجه النسائي في عشرة النساء.
(وقال سعيد) بن أبي عروبة مما وصله المؤلف بعد اثني عشر
بابًا (عن قتادة أن أنسًا حدّثهم) فقال في حديثه: (تسع
نسوة) بدل إحدى عشرة وتسع مرفوع بدل من العدد المذكور ذلك
(1/325)
خبر مبتدأ وهو وهن، وحكوا عن الأصيلي أنه
قال: وقع في نسختي شعبة بدل سعيد. قال: وفي عرضنا على أبي
زيد بمكة سعيد قال أبو علي الجياني وهو الصواب، ورواية
شعبة هذه عن قتادة وصلها أحمد.
13 - باب غَسْلِ الْمَذْيِ وَالْوُضُوءِ مِنْهُ
(باب غسل المذي) بفتح الميم وسكون المعجمة وتخفيف المثناة
التحتية وبكسرها مع تشديد المثناة وهو ماء أبيض رقيق لزج
يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع أو إرادته، (والوضوء
منه).
269 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
زَائِدَةُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً،
فَأَمَرْتُ رَجُلاً أَنْ يَسْأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-لِمَكَانِ ابْنَتِهِ-
فَسَأَلَ، فَقَالَ: «تَوَضَّأْ، وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام الطيالسي (قال: حدّثنا
زائدة) بن قدامة بضم أوّله وتخفيف ثانية المهمل الثقفي
الكوفي، المتوفى سنة ستين ومائة (عن أبي حصين) بفتح الحاء
وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الكوفي التابعي (عن
أبي عبد الرحمن) عبد الله بن حبيب ربيعة بفتح الموحدة
وتشديد التحتية السلمي بضم السين وفتح اللام مقرئ الكوفة
أحد أعلام التابعين، المتوفى سنة خمس ومائة وصام ثمانين
رمضان، (عن علي) هو ابن أبي طالب رضي الله عنه (قال: كنت
رجلاً مذاء) صفة لرجل، ولو قال كنت مذاء صحّ إلا أن ذكر
الموصوف مع صفته يكون لتعظيمه نحو: رأيت رجلاً صالحًا، أو
لتحقيقه نحو: رأيت رجلاً فاسقًا، ولما كان المذي يغلب على
الأقوياء
الأصحاء حسن ذكر الرجولية معه لأنه يدل على معناها، وراعى
في مذاء الثاني وهو كسر الذال. قال ابن فرحون: وهو خلاف
الأشهر عندهم لأن كان تدخل على المبتدأ والخبر فرجلاً خبر
وضمير المتكلم هو المبتدأ في المعنى، فلو راعاه لقال: كنت
رجلاً أمذى، ومثل هذا قوله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ
عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ} [البقرة: 186]
فراعى الضمير في إني، ولو راعى قريب لقال يجيب. قال أبو
حيان: ومن اعتبار الأوّل قوله: {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ
تُفْتَنُون} [النمل: 47] {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ
تَجْهَلُون} [النمل: 55] ومن اعتبار الثاني قوله: أنا رجل
يأمر بالمعروف وأنت امرؤ يأمر بالخير اهـ.
وزاد أحمد: فإذا أمذيت اغتسلت ولأبي داود: فجعلت أغتسل حتى
يتشقق ظهري، وزاد في الرواية السابقة في باب الوضوء من
المخرجين من وجه آخر فأحببت أن أسأل. (فأمرت رجلاً) هو
المقداد بن الأسود كما فى الحديث السابق (يسأل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمكان ابنته) فاطمة
بسبب كونها تحته (فسأل) وللحموي والسرخسي فسأله بالهاء،
وعند الطحاوي من حديث رافع بن خديج أن عليًّا أمر عمارًا
أن يسأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن
المذي. قال: يغسل مذاكيره أي ذكره، وعنده أيضًا عن علي
قال: كنت مذاء وكنت إذا أمذيت اغتسلت فسألت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو عند الترمذي عنه بلفظ:
سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن المذي،
وجمع ابن حبان بينهما بأن عليًّا سأل عمارًا ثم أمر
المقداد بذلك ثم سأل بنفسه، لكن صحح ابن بشكوال أن الذي
سأل هو المقداد، وعورض بأنه يحتاج إلى برهان، وقد دل ما
ذكر في الأحاديث السابقة أن كلاًّ منهما قد سأل، وأن
عليًّا كذلك سأل، لكن يعكر عليه أنه استحيا أن يسأل بنفسه
لأجل فاطمة فيتعين الحمل على المجاز بأن الراوي أطلق أنه
سأل لكونه الآمر بذلك.
(فقال) عليه الصلاة والسلام: (توضأ واغسل ذكرك) أي ما
أصابه من الذي كالبول، ويؤيده ما في رواية أغسله أي المذي،
وكذلك رواية فرجه، والفرج: المخرج، وهذا مذهب الشافعي
والجمهور. وأخرجه ابن أبي شيبة عن سعيد بن جبير قال: إذا
أمذى الرجل غسل الحشفة وتوضأ وضوءه للصلاة، واحتجوا لذلك
بأن الموجب لغسله إنما هو خروج الخارج فلا تجب المجاوزة
إلى غير محله، وفي رواية عن مالك وأحمد يغسل ذكره كله
لظاهر الإطلاق في قوله: اغسل ذكرك، وهل غسله كله معقول
المعنى أو للتعبد؟ وأبدى الطحاوي له حكمة وهي: أنه إذا غسل
الذكر كله تقلص فبطل خروج المذي كما في الضرع إذا غسل
بالماء البارد يتفرّق اللبن إلى داخل الضرع فينقطع خروجه،
وعلى القول بأنه للتعبد تجب النيّة. واستدل به ابن دقيق
العيد على تعين الماء فيه دون الأحجار ونحوها لأن ظاهره
تعين الغسل والمعين لا يقع الامتثال إلا به، وصححه النووي
في شرح مسلم وصحح في غيره جواز الاقتصار على
(1/326)
الأحجار إلحاقًا بالبول، وحمل الأمر بغسله
على الاستحباب، أو أنه خرج مخرج الغالب، والفعلان بالجزم
على الأمر وهو يشعر بأن المقداد سأل لنفسه، ويحتمل أن يكون
سأل لمبهم، ويقوّيه رواية مسلم فسأل عن المذي يخرج من
الإنسان أو لعليّ، فوجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الخطاب إليه، والظاهر أن عليًّا كان حاضرًا
للسؤال فقد أطبق أصحاب الأطراف والمسانيد على إيراد هذا
الحديث في مسند عليّ، ولو حملوه على أنه لم يحضره لأوردوه
في مسند المقداد.
ورواة هذا الحديث الخمسة كوفيون ما عدا أبا الوليد فبصري،
وفيه التحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي، وأخرجه
المؤلف في العلم والطهارة ومسلم فيها والنسائي فيها وفي
العلم أيضًا.
14 - باب مَنْ تَطَيَّبَ ثُمَّ اغْتَسَلَ، وَبَقِيَ أَثَرُ
الطِّيبِ
(باب من تطيب) قبل الاغتسال من الجنابة (ثم اغتسل) منها
(وبقي أثر الطيب) في جسده وقد كانوا يتطيبون عند الجماع
للنشاط.
270 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا
أَبُو عَوَانَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ
فَذَكَرْتُ لَهَا قَوْلَ ابْنِ عُمَرَ: "مَا أُحِبُّ أَنْ
أُصْبِحَ مُحْرِمًا أَنْضَخُ طِيبًا". فَقَالَتْ
عَائِشَةُ: أَنَا طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ طَافَ فِي نِسَائِهِ،
ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا.
وبه قال (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل (قال: حدّثنا
أبو عوانة) الوضاح (عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن
أبيه) محمد (قال سألت عائشة) رضي الله عنها عن الطيب قبل
الإحرام (فذكرت) بالفاء، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن
عساكر وذكرت (لها قول ابن عمر) بن الخطاب (ما أحب أن أصبح)
بضم الهمزة فيهما (محرمًا أنضخ) بالخاء المعجمة أو المهملة
روايتان (طيبًا) نصب على التمييز (فقالت عائشة) رضي الله
عنها:
(أنا طيبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ثم طاف في نسائه) كناية عن الجماع، ومن لازمه الاغتسال.
وقد ذكرت أنها طيبته قبل ذلك (ثم أصبح محرمًا) ناضخًا
طيبًا، وبذلك يحصل الرد على ابن عمر ومطابقة ترجمة الباب.
271 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ:
حَدَّثَنَا الْحَكَمُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ
الطِّيبِ فِي مَفْرِقِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُحْرِمٌ. [الحديث 271 -
أطرافه في: 1538، 5918، 5923].
وبه قال: (حدّثنا آدم) ابن أبي إياس كما في رواية أبي
الوقت وأبي ذر عن الكشميهني (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج
(قال: حدّثنا الحكم) بفتحتين ابن عتيبة مصغر عتبة (عن
إبراهيم) النخعي (عن الأسود) خال إبراهيم (عن عائشة) رضي
الله عنها (قالت كأني أنظر إلى وبيص) بالصاد المهملة بعد
المثناة التحتية اللاحقة للموحدة المكسورة بعد الواو
المفتوحة أي بريق (الطيب) لعين قائمة لا لرائحة (في مفرق)
بفتح الميم وكسر الراء وقد تفتح أي مكان فرق شعر (النبي)
وفي رواية رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وهو من الجبين إلى دائرة وسط الرأس (وهو محرم) ومطابقة هذا
الحديث للترجمة من نظر وبيص الطيب بعد الإحرام ومن سنية
الغسل عنده، ولم يكن عليه الصلاة والسلام يدعه، ومباحث
تطيب المحرم تأتي إن شاء الله تعالى في الحج.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين خراساني وواسطي وكوفي وفيه
ثلاثة من التابعين والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا
في اللباس ومسلم والنسائي في الحج.
15 - باب تَخْلِيلِ الشَّعَرِ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ
قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْه
(باب تخليل الشعر) في غسل الجنابة (حتى إذا ظن أنه قد أروى
بشرته) من الإرواء أي جعله
ريان والبشرة ظاهر الجلد وهو ما تحت شعره (أفاض عليه) أي
صب الماء على شعره وللأصيلي عليها أي على بشرته، واقتصر
ابن عساكر على قوله أفاض ولم يقل عليه ولا عليها.
272 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا اغْتَسَلَ مِنَ
الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ
لِلصَّلاَةِ، ثُمَّ اغْتَسَلَ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ
شَعَرَهُ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنْ قَدْ أَرْوَى
بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ،
ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ.
وبه قال: (حدّثئا عبدان) هو عبد الله بن عثمان العتكي
مولاهم المروزي وعبدان لقبه (قال: أخبرنا عبد الله) بن
المبارك (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (هشام بن عروة عن
أبيه) عروة (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا
اغتسل) أي إذا أراد الاغتسال (من الجنابة غسل يديه وتوضأ
وضوءه
للصلاة ثم اغتسل) أي أخذ في أفعال الاغتسال، (ثم يخلّل
بيده شعره) كله وهو واجب عند المالكية في الغسل لقوله عليه
الصلاة والسلام: "خللوا الشعر فإن تحت كل شعرة جنابة"
سُنّة في الوضوء للحية عند أبي يوسف، فضيلة عند أبي حنيفة
ومحمد، سُنّة فيهما عند الشافعية وفي الروضة وأصلها يخلل
الشعر بالماء قبل إفاضته ليكون أبعد عن الإسراف في الماء،
وفي المهذب يخلل اللحية أيضًا (حتى إذا ظن) أي علم أو على
بابه ويكتفي فيه بالغلبة (أنه قد) أي النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وللحموي
(1/327)
والمستملي أن قد بفتح الهمزة أي أنه قد أي
فهي المخففة من الثقيلة واسمها ضمير الشأن حذف وجوبًا
(أروى بشرته أفاض عليه) أي على شعره (الماء ثلاث مرات)
بالنصب على المصدرية لأنه عدد المصدر وعدد المصدر مصدر (ثم
غسل سائر) أي بقية (جسده) لكن في الرواية السابقة في أوّل
الغسل على جلده كله فيحتمل وإن يقال أن سائر هنا بمعنى
الجميع.
273 - وَقَالَتْ كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ إِنَاءٍ
وَاحِدٍ نَغْرِفُ مِنْهُ جَمِيعًا.
(وقالت) عائشة رضي الله عنها بواو العطف على السابق فهو
موصول الإسناد: (كنت أغتسل أنا والنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنا تأكيد لاسم كان. مصحح للعطف على
الضمير المرفوع المستكن، ويجوز فيه النصب على أنه مفعول
معه أي مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
والأكثرون على أن هذا العطف وما كان مثله من باب عطف
المفردات. وزعم بعضهم أنه من باب عطف الجمل وتقديره في
قوله تعالى: {لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ} [طه:
58] ولا تخلفه أنت و: {اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ
الْجَنَّة} [البقرة: 35] تقديره: وليسكن زوجك، وهكذا كنت
أغتسل أنا ويغتسل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (من إناء واحد) حال كوننا (نغرف) بالنون والغين
المعجمة الساكنة (منه جميعًا) وصاحب الحال فاعل أغتسل وما
عطف عليه ونظيره قوله تعالى: {فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا
تَحْمِلُهُ} [مريم: 27] فقيل: هو حال من ضمير مريم ومن
الضمير المجرور ضمير عيسى عليه الصلاة والسلام، لأن الجملة
اشتملت على ضميرها وضميره،
وقيل من ضميرها، وقيل من ضميره، ويحتمل أن يكون في محل
الصفة لأناء صفة مقدرة بعد الصفة الظاهرة المذكورة أو
بدلاً من أغتسل، ويقال: جاؤوا جميعًا أي كلهم قاله العيني
كالكرماني. وتعقبه البرماوي فقال: إنه وهم فى ذلك واختار
أنها حال أي نغرف منه حال كوننا جميعًا. قال: والجمع ضد
التفريق، ويحتمل منا أن يراد جميع المغروف أو جميع
الغارفين. وقال ابن فرحون: وجميعًا يرادف كلاً في العموم
لا يفيد الاجتماع في الزمان بخلاف معًا، وعدّها ابن مالك
من ألفاظ التوكيد، قال: وأغفلها النحويون، وقد نبّه سيبويه
على أنها بمنزلة كل معنى واستعمالاً، ولم يذكروا شاهدًا من
كلام العرب، وقد ظفرت بشاهد له وهو قول امرأة من العرب
ترقص ابنًا لها: فداك حيّ خولان. جميعهم وهمدان. وهكذا
قحطان. والأكرمون عدنان.
16 - باب مَنْ تَوَضَّأَ فِي الْجَنَابَةِ ثُمَّ غَسَلَ
سَائِرَ جَسَدِهِ وَلَمْ يُعِدْ غَسْلَ مَوَاضِعِ
الْوُضُوءِ مَرَّةً أُخْرَى
(باب من توضأ في) غسل (الجنابة ثم غسل سائر) أي باقي (جسده
ولم يعد) بضم الياء من الإعادة (غسل مواضع الوضوء منه مرة
أخرى) كذا في رواية أبي ذر منه ولغيره بإسقاطها.
274 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا
الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى قَالَ: أَخْبَرَنَا الأَعْمَشُ عَنْ
سَالِمٍ عَنْ كُرَيْبٍ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: وَضَعَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَضُوءًا
لِجَنَابَةٍ فَأَكْفَأَ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ
مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ غَسَلَ فَرْجَهُ، ثُمَّ
ضَرَبَ يَدَهُ بِالأَرْضِ -أَوِ الْحَائِطِ- مَرَّتَيْنِ
أَوْ ثَلاَثًا، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ
وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى رَأْسِهِ
الْمَاءَ، ثُمَّ غَسَلَ جَسَدَهُ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ
رِجْلَيْهِ. قَالَتْ: فَأَتَيْتُهُ بِخِرْقَةٍ فَلَمْ
يُرِدْهَا، فَجَعَلَ يَنْفُضُ بِيَدِهِ.
وبه قال: (حدّثنا يوسف بن عيسى) بن يعقوب المروزي. (قال:
أخبرنا) وللهروي وأبي الوقت حدّثنا (الفضل بن موسى)
السيناني (قال: أخبرنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم)
هو ابن أبي الجعد رافع الأشجعي مولاهم الكوفي (عن كريب
مولى ابن عباس عن ابن عباس) رضي الله عنهما (عن ميمونة) أم
المؤمنين رضي الله عنها (قالت):
(وضع) بفتح الواو مبنيًّا للفاعل (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالرفع فاعل (وضوءًا
للجنابة) بفتح الواو
والتنوين والنصب على المفعولية وللجنابة في رواية
الكشميهني بلامين، ولكريمة وأبوي ذر والوقت وضوءًا
بالتنوين أيضًا لجنابة بلام واحدة، وللأكثر وضوء الجنابة
بالإضافة، وإنما أضيف مع أن الوضوء بالفتح هو الماء المعدّ
للوضوء لأنه صار اسمًا له، ولو استعمل في غير الوضوء فهو
من إطلاق المقيد وإرادة المطلق قاله البرماوي كالكرماني،
وقال ابن فرحون: قوله وضوء الجنابة يقع على الماء وعلى
الإناء، فإن كان المراد الماء كان التقدير وضع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الماء المعدّ للجنابة
ولا بدّ من تقدير في تور أو طست، وإن كان المراد الإناء
كان هو الموضوع وأضيف إلى الجنابة بمعنى أنه معدّ
لغسل الجنابة إضافة تخصيص، وفي رواية الحموي والمستملي وضع
بضم الواو مبنيًّا للمفعول لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بزيادة اللام أي لأجله وضوء بالرفع
والتنوين (فأكفأ) ولأبي ذر فكفأ أي قلب (بيمينه على يساره)
وللمستملي وكريمة على شماله (مرتين أو ثلاثًا ثم غسل فرجه
ثم ضرب يده بالأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثًا) جعل الأرض
أو الحائط آلة الضرب
(1/328)
والشك من الراوي، وللكشميهني ضرب بيده
الأرض، فيحتمل أن تكون الأولى من باب القلب كقولهم: أدخلت
القلنسوة في رأسي أي أدخلت رأسي في القلنسوة، ويحتمل أن
يكون الفعل متضمنًا غير معناه، لأن المراد تعفير اليد
بالتراب فكأنه قال: فعفر يده بالأرض، (ثم مضمض) وللهروي
والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر تمضمض (واستنشق وغسل وجهه
وذراعيه) أي ساعديه مع مرفقيه (ثم أفاض) أي أفرغ (على رأسه
الماء ثم غسل جسده) أي ما بقي منه بعد ما تقدم، قال ابن
المنير: قرينة الحال والعرف من سياق الكلام تخصّ أعضاء
الوضوء وذكر الجسد بعد ذكر الأعضاء المعينة يفهم عرفًا
بقية الجسد لا جملته لأن الأصل عدم التكرار، (ثم تنحى فغسل
رجليه قالت) أي ميمونة وللأصيلي عائشة ولا يخفى غلطه
(فأتيته بخرقة) أي ليتنشف بها (فلم يردها) بضم المثناة
التحتية وكسر الراء وسكون الدال من الإرادة، وعند ابن
السكن من الردّ بالتشديد وهو وهم كما قاله صاحب المطالع،
ويدل له الرواية الآتية إن شاء الله تعالى فلم يأخذها
(فجعل ينفض) زاد الهروي الماء (بيده) بياء الجر وللأصيلي
يده. ورواة هذا الحديث سبعة وفيه التحديث والإخبار
والعنعنة.
17 - باب إِذَا ذَكَرَ فِي الْمَسْجِدِ أَنَّهُ جُنُبٌ
يَخْرُجُ كَمَا هُوَ وَلاَ يَتَيَمَّمُ
هذا (باب) بالتنوين (إذا ذكر) أي تذكر الرجل وهو (في
السجد) قاله الحافظ ابن حجر، وتعقبه العيني بأن ذكر هنا من
الباب الذي مصدره الذكر بضم الذال لا من الذي بكسرها. قال:
وهذه دقة لا يفهمها إلا من له ذوق بنكات الكلام، قال: ولو
ذاق ما ذكرنا ما احتاج إلى تفسير فعل بتفعل (أنّه جنب
يخرج) كذا لأبي ذر وكريمة وللأصيلي وابن عساكر خرج (كما
هو) أي على هيئته وحاله جنبًا (ولا يتيمم) عملاً بما نقل
عن الثوري وإسحاق وبعض المالكية فيمن نام في المسجد فاحتلم
يتيمم قبل أن يخرج، ولأبي حنيفة أن الجنب السافر يمرّ على
مسجد فيه عين ماء يتيمم ويدخل السجد فيستقي ثم يخرج الماء
من المسجد.
275 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ وَعُدِّلَتِ
الصُّفُوفُ قِيَامًا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا قَامَ فِي
مُصَلاَّهُ ذَكَرَ أَنَّهُ جُنُبٌ فَقَالَ لَنَا:
«مَكَانَكُمْ». ثُمَّ رَجَعَ فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ خَرَجَ
إِلَيْنَا وَرَأْسُهُ يَقْطُرُ، فَكَبَّرَ فَصَلَّيْنَا
مَعَهُ.
تَابَعَهُ عَبْدُ الأَعْلَى عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ. وَرَوَاهُ الأَوْزَاعِيُّ عَنِ
الزُّهْرِيِّ. [الحديث 275 - طرفاه في: 639، 640].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) الجعفي المسندي (قال:
حدّثنا عثمان بن عمر) بضم العين ابن فارس البصري (قال
أخبرنا يونس) بن يزيد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي
سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه
(قال): (أقيمت الصلاة وعدّلت) أي سوّيت (الصفوف قيامًا)
جمع قائم منصوب على الحال من مقدّر أي وعدل القوم الصفوف
حال كونهم قائمين أو منصوب على التمييز لأنه مفسر لما في
قوله: وعدّلت الصفوف من الإبهام أي سوّيت الصفوف من حيث
القيام، (فخرج إلينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فلما قام في مصلاه) بضم الميم أي موضع صلاته
(ذكر) بقلبه قبل أن يكبر ويدخل في الصلاة (أنّه جنب) وإنما
فهم أبو هريرة ذلك بالقرائن، لأن الذكر باطني لا يطلع عليه
(فقال) عليه الصلاة والسلام (لنا) وفي رواية الإسماعيلي
فأشار بيده فيحتمل أن يكون جمع بينهما (مكانكم) بالنصب أي
الزموه (ثم رجع) إلى الحجرة (فاغتسل ثم خرج إلينا ورأسه)
أي والحال أن رأسه (يقطر) من ماء الغسل، ونسبة القطر إلى
الرأس مجاز من باب ذكر المحل وإرادة الحال (فكبَّر)
مكتفيًا بالإقامة السابقة كما هو ظاهر من تعقيبه بالفاء
وهو حجة لقول الجمهور: إن الفصل جائز بينها وبين الصلاة
بالكلام مطلقًا وبالفعل إذا كان لمصلحة الصلاة، وقيل:
يمتنع فيؤوّل فكبّر أي مع رعاية ما هو وظيفة للصلاة
كالإقامة، أو يؤوّل قوله أوّلاً أقيمت بغير الإقامة
الاصطلاحية (فصلينا معه) ورواة هذا الحديث الستة ما بين
بصري وأيلي ومدني، وفي التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه
المؤلف أيضًا ومسلم في الصلاة وأبو داود في الطهارة
والصلاة والنسائي في الطهارة.
(تابعه) الضمير لعثمان أي تابع عثمان بن عمر السابق قريبًا
(عبد الأعلى) بن عبد الأعلى السامي بالمهملة البصري (عن
معمر) بن راشد بفتح الميم (عن الزهري) محمد بن مسلم، وهذه
متابعة ناقصة لكن وصلها أحمد عن عبد الأعلى.
(ورواه) أي الحديث عبد الرحمن
(1/329)
(الأوزاعي عن الزهري) محمد بن مسلم مما
وصله المؤلف في أواخر أبواب الأذان ولم يقل المؤلف وتابعه
الأوزاعي لأنه لم ينقل لفظ الحديث بعينه، وإنما رواه
بمعناه لأن المفهوم من المتابعة الإتيان بمثله من غير
تفاوت، والرواية أعم أو هو من التفنن في العبارة، وجزم به
الحافظ ابن حجر وردّ الأوّل.
18 - باب نَفْضِ الْيَدَيْنِ مِنَ الْغُسْلِ عَنِ
الْجَنَابَةِ
(باب نفض اليدين من الغسل عن الجنابة) كذا لأبي ذر وكريمة،
وفي رواية الحموي والمستملي من الجنابة، وللكشميهني وابن
عساكر والأصيلي من غسل الجنابة أي من ماء غسلها.
276 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
حَمْزَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الأَعْمَشَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ
كُرَيْبٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَتْ مَيْمُونَةُ:
وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
غُسْلاً فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ
فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ
فَغَسَلَ فَرْجَهُ فَضَرَبَ بِيَدِهِ الأَرْضَ
فَمَسَحَهَا، ثُمَّ غَسَلَهَا، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ،
وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى
رَأْسِهِ وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ، ثُمَّ تَنَحَّى
فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ، فَنَاوَلْتُهُ ثَوْبًا فَلَمْ
يَأْخُذْهُ، فَانْطَلَقَ وَةوَ يَنْفُضُ يَدَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو ابن عبد الله العتكي (قال:
أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي حدّثنا (أبو حمزة)
بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون المروزي السكري سمي
به لحلاوة كلامه، أو لأنه كان يحمل السكر في كمه (قال:
سمعت الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم) أي ابن أبي الجعد
بسكون العين كما في رواية ابن عساكر (عن كريب) مولى ابن
عباس (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال قالت ميمونة) رضي
الله عنها:
(وضعت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غسلاً)
أي ماء يغتسل به (فسترته بثوب) أي غطيت رأسه فأراد عليه
الصلاة والسلام الغسل فكشف رأسه فأخذ الماء (وصب) الماء
بالواو وفي السابقة بالفاء (على يديه فغسلهما ثم صبّ
بيمينه على شماله فغسل فرجه فضرب بيده الأرض فمسحها) بها
(ثم غسلها فمضمض) وللكشميهني فتمضمض (واستنشق وغسل وجهه
وذراعيه) مع مرفقيه. (ثم صب) الماء (على رأسه وأفاض) الماء
(على جسده ثم تنحى) من مكانه (فغسل قدميه) قالت ميمونة:
(فناولته ثوبًا) لينشف به جسده من أثر الماء (فلم يأخذه
فانطلق) أي ذهب (وهو ينفض يديه) من الماء جملة اسمية وقعت
حالاً، واستدل به على إباحة نفض اليد في الوضوء والغسل،
ورجحه في الروضة وشرح المهذب إذ
لم يثبت في النهي عنه شيء والأشهر تركه لأن النفض كالتبرئ
من العبادة فهو خلاف الأولى، وهذا ما رجحه في التحقيق وجزم
به في المنهاج وفي المهمات أن به الفتوى، فقد نقله ابن كج
عن نص الشافعي، وقيل فعله مكروه، وصححه الرافعي.
ورواة هذا الحديث ما بين مروزي وكوفي ومدني، وفيه التحديث
والعنعنة، وأخرجه المؤلف قبل هذا في ستة مواضع وفي ثالث
هذا الباب يأتي إن شاء الله تعالى.
19 - باب مَنْ بَدَأَ بِشِقِّ رَأْسِهِ الأَيْمَنِ فِي
الْغُسْلِ
(باب من بدأ بشق) بكسر الشين المعجمة أي بجانب (رأسه
الأيمن في الغسل).
277 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ
عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كُنَّا إِذَا أَصَابَتْ إِحْدَانَا جَنَابَةٌ أَخَذَتْ
بِيَدَيْهَا ثَلاَثًا فَوْقَ رَأْسِهَا، ثُمَّ تَأْخُذُ
بِيَدِهَا عَلَى شِقِّهَا الأَيْمَنِ، وَبِيَدِهَا
الأُخْرَى عَلَى شِقِّهَا الأَيْسَرِ.
وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بتشديد اللام ابن صفوان
الكوفي السلمي سكن مكة، وتوفي سنة سبع عشرة ومائتين (قال:
حدّثنا إبراهيم بن نافع) المخزومي الكوفي (عن الحسن بن
مسلم) بن يناق بفتح المثناة التحتية وتشديد النون وبالقاف
المكي (عن صفية بنت شيبة) بن عثمان الحجبي القرشي العبدري
وهي وأبوها من الصحابة لكنها من صغارهم، وللإسماعيلي أنه
سمع صفية (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(كنا إذا أصاب) ولكريمة أصابت (إحدانا) أي من أزواج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (جنابة أخذت بيديها)
الماء
فصبته (ثلاثًا فوق رأسها) ولكريمة والأصيلي وأبي ذر عن
الكشميهني والمستملي بيدها بالإفراد (ثم تأخذ بيدها) وفي
بعض الأصول يدها بدون حرف الجرّ فينصب بنزع الخافض أو يجرّ
بتقدير مضاف أي أخذت ملء يديها فتصبه (على شقها الأيمن و)
تأخذ (بيدها الأخرى) فتصبه (على شقها الأيسر) أي من الرأس
فيهما لا من الشخص وهذا من محاسن استنباطات المؤلف، وبه
تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة.
وقال ابن حجر: والذي يظهر أنه حمل الثلاث في الرأس على
التوزيع، وظاهره أن الصب بكل يد على شق في حالة واحدة، لكن
العادة إنما هي الصب باليدين معًا فتحمل اليد على الجنس
الصادق عليهما، وعلى هذا فالمغايرة بين الأمرين بحسب الصفة
وهو أخذ الماء أوّلاً وأخذه ثانيًا وإن لم تدل على الترتيب
فلفظ أخرى يدل على سبق أولى وهي اليمنى، وللحديث حكم الرفع
لأن الصحابي إذا قال: كنا نفعل أو كانوا يفعلون فالظاهر
إطلاع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك،
وتقريره سواء صرح الصحابي بإضافته إلى الزمن النبوي أم لا.
ورواة هذا الحديث الخمسة
(1/330)
مكيّون وخلاد سكنها وفيه التحديث والعنعنة
ورواية صحابية عن صحابية، وأخرجه أبو داود. (بسم الله
الرحمن الرحيم) هكذا لأبي ذر وسقطت لغيره كما في الفرع.
20 - باب مَنِ اغْتَسَلَ عُرْيَانًا وَحْدَهُ فِي
الْخَلْوَةِ، وَمَنْ تَسَتَّرَ فَالتَّسَتُّرُ أَفْضَلُ
وَقَالَ بَهْزٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُ أَحَقُّ
أَنْ يُسْتَحْيَى مِنْهُ مِنَ النَّاسِ».
(باب من اغتسل عريانًا) حال كونه (وحده في الخلوة)
وللكشميهني في خلوة أي من الناس وهي تأكيد لقوله وحده
واللفظان متلازمان بحسب المعنى، (ومن تستر) عطف على من
اغتسل السابق وللحموي والمستملي ومن يستتر (فالتستر)
ولأبوي الوقت وذر والأصيلي وابن عساكر والتستر (أفضل) بلا
خلاف، ويفهم منه جواز الكشف للحاجة كالاغتسال كما هو مذهب
الجمهور خلافًا لابن أبي ليلى لحديث أبي داود مرفوعًا "إذا
اغتسل أحدكم فليستتر" قاله لرجل رآه يغتسل عريانًا وحده.
وفي مراسيله حديث: لا تغتسلوا في الصحراء إلا أن تجدوا
متوارى فإن لم تجدوا متوارى فليخط أحدكم كالدائرة فليسمّ
الله تعالى وليغتسل فيه. وهذا حكاه الماوردي وجهًا
لأصحابنا فيما إذا
نزل عريانًا في الماء بغير مئزر لحديث "لا تدخلوا الماء
إلا بمئزر فإن للماء عامرًا" وضعف فإن لم تكن حاجة للكشف
فالأصح عند الشافعية التحريم.
(وقال بهز) بفتح الموحدة وسكون الهاء وبالزاي المعجمة زاد
الأصيلي ابن حكيم (عن أبيه) حكيم بفتح الحاء المهملة وكسر
الكاف التابعي الثقة (عن جده) معاوية الصحابي فيما قاله في
الكمال وأشعر به كلام المؤلف ابن حيدة بفتح الحاء المهملة
وسكون المثناة التحتية ابن معاوية القشيري. قال البغوي:
نزل البصرة، وقال ابن الكلبي: أخبرني أبي أنه أدركه
بخراسان ومات بها. وقال ابن سعد: له وفادة وصحبة علق له
البخاري في الطهارة وفي الغسل رضي الله عنه.
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الله أحق
أن يستحيى منه من الناس) يتعلق بأحق، وللسرخسي: الله أحق
أن
يستتر منه بدل أن يستحيى منه، وهذا التعليق قطعة من حديث
وصله أحمد والأربعة، من طرق عن بهز وحسنه الترمذي وصححه
الحاكم، ولفظ رواية ابن أبي شيبة قلت: يا رسول الله
عوراتنا ما نأتي منها وما نذر؟. قال: "احفظ عورتك إلا من
زوجتك وما ملكت يمينك". قلت: يا رسول الله أحدنا إذا كان
خاليًا؟ قال: "الله أحق أن يستحيى منه من الناس" وفهم من
قوله: إلا من زوجتك جواز نظرها ذلك منه، وقياسه جواز نظره
لذلك منها إلا حلقة الدير كما قاله الدارمي من أصحابنا.
وبهز وأبوه ليسا من شرط المؤلف. قال الحاكم: بهز كان من
الثقات ممن يحتج بحديثه، وإنما لم تعدّ من الصحيح روايته
عن أبيه عن جدّه لأنها شاذة لا متابع له فيها، نعم الإسناد
إلى بهز صحيح، ومن ثم عرف أن مجرد جزمه بالتعليق لا يدل
على صحة الإسناد إلا إلى من علق عنه بخلاف ما فوقه.
278 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ
مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «كَانَتْ بَنُو
إِسْرَائِيلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ
إِلَى بَعْضٍ، وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ،
فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا يَمْنَعُ مُوسَى أَنْ يَغْتَسِلَ
مَعَنَا إِلاَّ أَنَّهُ آدَرُ، فَذَهَبَ مَرَّةً
يَغْتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ فَفَرَّ
الْحَجَرُ بِثَوْبِهِ، فَخَرَجَ مُوسَى فِي إِثْرِهِ
يَقُولُ: ثَوْبِي يَا حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو
إِسْرَائِيلَ إِلَى مُوسَى فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا
بِمُوسَى مِنْ بَأْسٍ. وَأَخَذَ ثَوْبَهُ فَطَفِقَ
بِالْحَجَرِ ضَرْبًا». فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
وَاللَّهِ إِنَّهُ لَنَدَبٌ بِالْحَجَرِ سِتَّةٌ أَوْ
سَبْعَةٌ ضَرْبًا بِالْحَجَرِ. [الحديث 278 - طرفاه في:
3404، 4799].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبه هنا إلى جده وفي غيره
إلى أبيه إبراهيم وقد مرّ ذكره في باب فضل من تعلم وعلم
(قال: حدّثنا عبد الرزق) بن همام الصنعاني (عن معمر) أي
ابن راشد (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة (عن أبي هريرة)
رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(كانت بنو إسرائيل) وهو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل
عليهم الصلاة والسلام وأنّث كانت على رأي من يؤنث الجموع
مطلقًا، ولو كان الجمع سالمًا لمذكر كما هنا فإن بني جمع
سلامة
أصله بنون لكنه على خلاف القياس لتغير مفرده، وأما على قول
من يقول كل جمع مؤنث إلا جمع السلامة المذكر فإما لتأويله
بالقبيلة وإما لأنه جاء على خلاف القياس (يغتسلون) حال
كونهم (عراة) حال كونهم (ينظر بعضهم إلى بعض) لكونه كان
جائزًا في شرعهم وإلا لما أقرّهم موسى على ذلك أو كان
حرامًا عندهم، لكنهم كانوا يتساهلون في ذلك وهذا الثاني هو
الظاهر لأن الأوّل لا ينهض أن يكون دليلاً لجواز مخالفتهم
له في ذلك، ويؤيده قول القرطبي: كانت بنو إسرائيل تفعل ذلك
معاندة للشرع ومخالفة لموسى عليه الصلاة والسلام، وهذا من
جملة عتوّهم وقلة مبالاتهم باتباع شرعه.
(وكان موسى) زاد الأصيلي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (يغتسل وحده) يختار الخلوة تنزهًا واستحبابًا
وحياء ومروءة أو لحرمة التعري (فقالوا) أي بنو إسرائيل
(1/331)
(والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلا أنه
آدر) بالمد وتخفيف الراء كآدم أو على وزن فعل أي عظيم
الخصيتين أي منتفخهما، (فذهب مرة) حال كونه (يغتسل فوضع
ثوبه على حجر) قال سعيد بن جبير: هو الحجر الذي كان يحمله
معه في الأسفار فيتفجر منه الماء، (ففرّ الحجر بثوبه فخرج)
وللكشميهني والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر فجمع (موسى) أي
ذهب يجري جريًا عاليًا (في أثره) بكسر الهمزة وسكون
المثلثة، وفي بعد الأصول بفتحهما. قال في القاموس: خرج في
أثره وإثره بعده حال كونه (يقول) ردّ أو أعطني (ثوبي يا
حجر ثوبي يا حجر) مرتين ونصب ثوب بفعل محذوف كما قررناه.
ويحتمل أن يكون مرفوعًا بمبتدأ محذوف تقديره هذا ثوبي،
وعلى هذا الثاني المعنى استعظام كونه يأخذ ثوبه فعامله
معاملة من لا يعلم كونه ثوبه كي يرجع عن فعله ويرد، وقوله
ثوبي يا حجر الثانية ثابتة للأربعة، وإنما خاطبه لأنه
أجراه مجرى من يعقل
لفعله فعله إذ المتحرك يمكن أن يسمع ويجيب ولغير الأربعة
ثوبي حجر، (حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى) عليه الصلاة
والسلام، وفيه ردّ على القول بأن ستر العورة كان واجبًا
وفيه إباحة النظر إلى العورة عند الضرورة الداعية إلى ذلك
من مداواة أو براءة مما رمي به من العيوب كالبرص وغيره،
لكن الأوّل أظهر ومجرد تستر موسى لا يدل على وجوبه لما
تقرر في الأصول أن الفعل لا يدل بمجرده على الوجوب، وليس
في الحديث أن موسى صلوات الله وسلامه عليه أمرهم بالتستر
ولا أنكر عليهم التكشّف.
وأما إباحة النظر إلى العورة للبراءة مما رمي به من
العيوب، فإنما هو حيث يترتب على الفعل حكم كفسخ النكاح.
وأما قصة موسى عليه الصلاة والسلام فليس فيها أمر شرعي
ملزم يترتب على ذلك، فلولا إباحة النظر إلى العورة لما
أمكنهم موسى عليه الصلاة والسلام من ذلك ولا خرج مارًّا
على مجالسهم وهو كذلك.
وأما اغتساله خاليًا فكان يأخذ في حق نفسه بالأكمل
والأفضل، ويدل على الإباحة ما وقع لنبينا -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقت بناء الكعبة من جعل إزاره على
كتفه بإشارة العباس عليه بذلك ليكون أرفق به في نقل
الحجارة، ولولا إباحته لما فعله لكنه ألزم بالأكمل والأفضل
لعلوّ مرتبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(فقالوا) وللأصيلي وابن عساكر وقالوا (والله ما) أي ليس
(بموسى من بأس) اسم ما وحرف الجر زائد (وأخذ) عليه الصلاة
والسلام (ثوبه فطفق) بكسر الفاء الثانية وفتحها وللأصيلي
وابن عساكر وطفق أي شرع (يضرب الحجر ضربًا) كذا للكشميهني
والحموي وللأكثر فطفق بالحجر بزيادة الموحدة أي جعل يضربه
ضربًا لما ناداه ولم يطعه. (فقال) وللأصيلي وابن عساكر قال
(أبو هريرة) رضي الله عنه مما هو من تتمة مقول همام فيكون
مسندًا أو مقول أبي هريرة فيكون تعليقًا وبالأوّل جزم في
فتح الباري: (والله إنه لندب) بالنون والدال المهملة
المفتوحتين آخره موحدة أي أثر (بالحجر ستة) بالرفع على
البدلية أي ستة آثار أو بتقدير هي أو بالنصب على الحال من
الضمير المستكن في
قوله بالحجر، فإنه ظرف مستقر لندب أي أنه لندب استقر
بالحجر حال كونه ستة آثار (أو سبعة) بالشك من الراوي
(ضربًا بالحجر) بنصب ضربًا على التمييز أراد عليه الصلاة
والسلام إظهار المعجزة لقومه بأثر الضرب في الحجر، ولعله
أوحي إليه أن يضربه، ومشي الحجر بالثوب معجزة أخرى، ودلالة
الحديث على الترجمة من حيث اغتسال موسى عليه الصلاة
والسلام عريانًا وحده خاليًا من الناس وهو مبني على أن شرع
من قبلنا شرع لنا.
ورواة هذا الحديث خمسة، وأخرجه مسلم في أحاديث الأنبياء
وفي موضع آخر.
279 - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: بَيْنَا أَيُّوبُ
يَغْتَسِلُ عُرْيَانًا فَخَرَّ عَلَيْهِ جَرَادٌ مِنْ
ذَهَبٍ، فَجَعَلَ أَيُّوبُ يَحْتَثِي فِي ثَوْبِهِ،
فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا أَيُّوبُ أَلَمْ أَكُنْ
أَغْنَيْتُكَ عَمَّا تَرَى؟ قَالَ بَلَى: وَعِزَّتِكَ،
وَلَكِنْ لاَ غِنَى بِي عَنْ بَرَكَتِكَ». وَرَوَاهُ
إِبْرَاهِيمُ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ صَفْوَانَ
بنِ سُلَيمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا أَيُّوبُ يَغْتَسِلُ
عُرْيَانًا .... ». [الحديث 279 - طرفاه في: 3391، 7493].
وبالسند السابق أول الكتاب إلى المؤلف قال: حال كونه
عاطفًا على هذا السند السابق قوله: (وعن أبي هريرة) رضي
الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال):
(بينا) بألف من غير ميم (أيوب) النبي ابن العوص بن رزاح بن
العيص بن إسحاق بن إبراهيم أو ابن رزاح بن روم بن عيص وأمه
بنت لوط، وكان أعبد أهل زمانه وعاش ثلاثًا وستين أو تسعين
سنة ومدة
(1/332)
بلائه سبع سنين وأسمه أعجمي مبتدأ خبره
(يغتسل) حال كونه (عريانًا) والجملة أضيف إليها الظرف وهو
بينا وإنما لم يؤت في جواب بينا بإذ أو بإذا الفجائية لأن
الفاء تقوم مقامها في جزاء الشرط كعكسه في قوله تعالى:
{إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ} [الروم: 36] أو العامل في بين
قوله (فخرّ عليه) وما قيل أن ما بعد الفاء لا يعمل فيما
قبلها لأن فيه معنى الجزائية إذ بين متضمنة للشرط فجوابه
لا نسلم عدم عمله لا سيما في الظرف إذ فيه توسع وفاعل خرّ
قوله (جراد من ذهب) سمي
به لأنه يجرد الأرض فيأكل كل ما عليها، وهل كان جرادًا
حقيقة ذا روح إلا أن اسمه ذهب، أو كان على شكل الجراد وليس
فيه روح؟ قال في شرح التقريب: الأظهر الثاني وليس الجراد
مذكر الجرادة،
وإنما هو اسم جنس كالبقرة والبقر، فحق مذكره أن لا يكون
مؤنثه من لفظه لئلا يلتبس الواحد المذكر بالجمع، (فجعل
أيوب) عليه الصلاة والسلام (يحتثي) بإسكان المهملة وفتح
المثناة بعدها مثلثة على وزن يفتعل من حتى أي يأخذ بيده
ويرمي (في ثوبه) وفي رواية القابسي عن أبي زيد يحتثن بنون
في آخره بدل الياء لكن قال العيني: أنه أمعن النظر في كتب
اللغة فلم يجد لهذه الرواية الأخيرة معنى، (فناداه ربه)
تعالى (يا أيوب) بأن كلمه كموسى أو بواسطة الملك (الم أكن
أغنيتك) بفتح الهمزة (عما ترى) من جراد الذهب؟ (قال: بلى
وعزتك) أغنيتني، ولم يقل نعم كآية {أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ
قَالُوا بَلَى} [الأعراف: 172] لعدم جوازه، بل يكون كفرًا
لأن بلى مختصة يإيجاب النفي ونعم مقررة لما سبقها. قال في
القاموس: بلى جواب استفهام معقود بالجحد يوجب ما يقال لك،
ونعم بفتحتين وقد تكسر العين كلمة كبلى إلا أنه في جواب
الواجب اهـ. وإنما لم يفرق الفقهاء بينهما في الأقارير
لأنها مبنية على العرف. ولا فرق بينهما فيه ولا يحمل هذا
على المعاتبة كما فهمه بعضهم وإنما هو استنطاق بالحجة.
(ولكن لا غنى بي عن بركتك) أي خيرك وغنى بكسر الغين والقصر
من غير تنوين على أن لا لنفي الجنس، ورويناه بالتنوين
والرفع على أن لا بمعنى ليس ومعناهما واحد لأن النكرة في
سياق النفي تفيد العموم وخبر لا يحتمل أن يكون بي أو عن
بركتك، فالمعنى صحيح على التقديرين، واستنبط منه فضل الغنى
لأنه سماه بركة، ومحال أن يكون أيوب صلوات الله عليه
وسلامه أخذ هذا الماء حبًّا للدنيا، وإنما أخذه كما أخبر
هو عن نفسه لأنه بركة من ربه تعالى لأنه قريب العهد بتكوين
الله عز وجل أو أنه نعمة جديدة خارقة للعادة، فينبغي
تلقّيها بالقبول ففي ذلك شكر لها وتعظيم لشأنها، وفي
الإعراض عنها كفر بها وفيه جواز الاغتسال عريانًا لأن الله
تعالى عاتبه على جمع الجراد ولم يعاتبه على الاغتسال
عريانًا.
(ورواه) أي هذا الحديث المذكور (إبراهيم) بن طهمان بفتح
الطاء المهملة أبو سعيد الخراساني، المتوفى بمكة سنة ثلاث
وستين ومائة فيما وصله النسائي بهذا الإسناد (عن موسى بن
عقبة) بضم العين وسكون القاف وفتح الموحدة التابعي (عن
صفوان بن سليم) بضم السين المهملة وفتح اللام التابعي
المدني. قيل: إنه لم يضع جنبه الأرض أربعين سنة وقال أحمد:
يستنزل بذكره القطر، وتوفي بالمدينة سنة اثنتين أو ثلاث
ومائة (عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال بينا) بغير
ميم (أيوب يغتسل عريانًا) الحديث إلى آخره الإسناد عن
المتن ليفيد أن له طريقًا آخر غير هذا وتركه وذكره تعليقًا
الغرض من أغراض التعليقات، ثم قال: ورواه إبراهيم إشعارًا
بهذا الطريق الآخر وهو تعليق أيضًا لأن البخاري لم يدرك
إبراهيم. وفي هذا الحديث العنعنة ورواية تابعي عن تابعي عن
تابعي.
21 - باب التَّسَتُّرِ فِي الْغُسْلِ عِنْدَ النَّاس
(باب التستر في الغسل عند) وفي رواية عطاء عن (الناس).
280 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ
عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ
هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ
أُمَّ هَانِئٍ بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ
وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ، فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟ فَقُلْتُ:
أَنَا أُمُّ هَانِئٍ.
[الحديث 280 - أطرافه في: 357، 3171، 6158].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميم واللام
زاد ابن عساكر ابن قعنب بفتح القاف وسكون العين (عن مالك)
إمام دار الهجرة ابن أنس (عن أبي النضر) بفتح النون وسكون
الضاد المعجمة واسمه سالم بن أبي أمية (مولى عمر) بضم
العين (ابن عبيد الله) بالتصغير التابعي (أن أبا مرة) بضم
الميم وتشديد الراء (مولى أم هانئ) بالهمزة المنوّنة بعد
النون، وفي غير رواية الأصيلي زيادة بنت أبي طالب
(1/333)
هو ابن عبد المطلب بن هاشم الهاشمية ابنة
عمّه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قيل: اسمها
فاختة، وقيل فاطمة، وقيل هند والأوّل أشهر. وروت أحاديث في
الكتب الستة ولها في البخاري حديثان (أخبره أنه سمع أم
هانئ بنت أبي طالب) رضي الله عنها حال كونها (تقول ذهبت
إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام
الفتح) أي فتح مكة في رمضان سنة ثمان (فوجدته) عليه الصلاة
والسلام (يغتسل وفاطمة) ابنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ورضي الله عنها (تستره فقال: من هذه)؟ يدل على
أن الستر كان كثيفًا وعرف أنها امرأة لكون ذلك الموضع لا
يدخل عليه فيه الرجال (فقلت) ولابن عساكر قلت (أنا أم
هانئ) فيه جواز الغسل بحضرة المحرم إذا حال بينهما ساتر من
ثوب أو غيره.
ورواة الحديث الخمسة مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة
والإخبار بالإفراد والسماع والقول ورواية تابعي عن تابعي
عن صحابية، وأخرجه المؤلف أيضًا في الأدب والصلاة والجزية
ومسلم في الطهارة والطلاق، والترمذي في الاستئذان
والسِّيَر، والنسائي في الطهارة والسير، وابن ماجة في
الطهارة.
281 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ
عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ كُرَيْبٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: سَتَرْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ
يَغْتَسِلُ مِنَ الْجَنَابَةِ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ
صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ
وَمَا أَصَابَهُ، ثُمَّ مَسَحَ بِيَدِهِ عَلَى الْحَائِطِ
أَوِ الأَرْضِ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ
غَيْرَ رِجْلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ
الْمَاءَ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ. تَابَعَهُ
أَبُو عَوَانَةَ وَابْنُ فُضَيْلٍ فِي السَّتْرِ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) عبد الله العتكي (قال: أخبرنا عبد
الله) بن المبارك (قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت حدّثنا
(سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن سالم بن
أبي الجعد) بسكون العين (عن كريب) بالتصغير مولى ابن عباس
(عن ابن عباس عن ميمونة) أم المؤمنين رضي الله عنهم
(قالت):
(سترت النبي) وفي رواية رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بثوب (وهو يغتسل من الجنابة) الجملة
في موضع الحال (فغسل يديه ثم صب بيمينه على شماله فغسل
فرجه وما أصابه) من رطوبة فرج المرأة والبول وغيرهما، (ثم
مسح بيده على الحائط والأرض) ولأبي ذر بيده الحائط (ثم
توضأ وضوءه للصلاة غير رجليه ثم أفاض الماء على جسده ثم
تنحى) من مكانه (فغسل قدميه).
(تابعه) أي تابع سفيان (أبو عوانة) الوضاح اليشكري في
الرواية عن الأعمش وسبقت هذه المتابعة موصولة عند المؤلف
في باب من أفرغ بيمينه. (و) تابع سفيان أيضًا (ابن فضيل)
محمد في الرواية عن الأعمش فيما وصله أبو عوانة الإسفرايني
في صحيحه كلاهما (في الستر) المذكور لا في بقية الحديث،
وللأصيلي في التستر وسبقت مباحث الحديث.
22 - باب إِذَا احْتَلَمَتِ الْمَرْأَةُ
هذا (باب) بالتنوين (إذا احتلمت المرأة) قيد بها ردًّا على
من منع منه في حقها وتنبيهًا على أن حكمها كحكم الرجل قال
عليه الصلاة والسلام في جواب سؤال أم سليم المرأة ترى في
ذلك أعليها الغسل نعم النساء شقائق الرجال رواه أبو داود
أي نظائر الرجال وأمثالهم في الأخلاف والطباع كأنهن شققن
منهم.
282 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ
سَلَمَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا قَالَتْ: جَاءَتْ
أُمُّ سُلَيْمٍ امْرَأَةُ أَبِي طَلْحَةَ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي مِنَ
الْحَقِّ، هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إِذَا هِيَ
احْتَلَمَتْ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نَعَمْ، إِذَا رَأَتِ الْمَاءَ».
وبه قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال أخبرنا
مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن
العوّام (عن زينب بنت أبي سلمة) عبد الله بن عبد الأسد
المخزومي ونسبها المؤلف في باب الحياء في العلم إلى أمها
أم سلمة وهي هند بنت أبي أمية (عن أم سلمة أم المؤمنين)
رضي الله عنها (أنها قالت):
(جاءت أم سليم) بضم السين وفتح اللام سهلة أو رميلة أو
رميثة بنت ملحان الخزرجية والدة أنس بن مالك، وكانت أسلمت
مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار، وكان النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يزورها فتتحفه بالشيء تضعه
له، ولها في البخاري حديثان وهي (امرأة أبي طلحة) زيد بن
سهل بن الأسود بن حرام الأنصاري البدري (إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله
إن الله) عز وجل (لا يستحيي من الحق) أي لا يأمر بالحياء
فيه أو لا يمنع من ذكره. وقالت ذلك قبل اللاحق تمهيدًا
لعذرها في ذكر ما يستحيا منه (هل على المرأة من غسل) أي هل
على المرأة غسل فحرف الجر زائد وقد سقط عند المؤلف في
الأدب (إذا هي احتلمت) ولأحمد من حديث أُم سلمة رضي الله
عنها أنها
قالت: يا رسول الله إذا رأت المرأة أن زوجها يجامعها في
المنام أتغتسل؟ (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نعم) يجب عليها الغسل (إذا رأت الماء) أي المني
بعد استيقاظها من النوم، فالرؤية بصرية فتتعدى لواحد،
ويحتمل أن تكون علمية فتتعدى لمفعولين الثاني مقدّر أي:
إذا رأت
(1/334)
الماء موجودًا أو غير ذلك قال أبو حيان
رحمه الله: حذف أحد مفعولي رأى وأخواتها عزيز، وقد قيل في
قوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ
بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا
لَهُمْ} [آل عمران: 180] أي البخل خيرًا لهم، وأما حذفها
جميعًا فجائز اختصارًا، ومنه قوله تعالى: {أَعِنْدَهُ
عِلْمُ الْغَيْب} [النجم: 35] فهو يرى والظاهر أنها هنا
بصرية، وينبني على ذلك أن المرأة إذا علمت أنها أنزلت ولم
تره أنه لا غسل عليها، ولمسلم من حديث أنس أن أم سليم
حدّثت أنها سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وعائشة عنده فقالت: يا رسول الله المرأة ترى ما
يرى الرجل في النام ومن نفسها ما يرى الرجل من نفسه. فقالت
عائشة: يا أم سليم فضحت النساء. وعند ابن أبي شيبة فقال:
هل تجد شهوة؟ قالت: لعله قال هل تجد بللاً؟ قالت: لعلّه
فقال: فلتغتسل. فلقيتها النسوة فقلن فضحتنا عند رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: والله ما كنت
لأنتهي حتى أعلم في حلٍّ أنا أم في حرام. وهذا يدل على أن
كتمان ذلك من عادتهن لأنه يدل على شدة شهوتهن، وإنما أنكرت
أم سلمة على أم سليم لكونها واجهت به النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واستدل به ابن بطال على أن
كل النساء يحتلمن وعكسه غيره. وقال: فيه دليل على أن بعض
النساء لا يحتلمن. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: والظاهر
أن مراد ابن بطال الجواز لا الوقوع أي فيهن قابلية ذلك.
ورواة حديث الباب الستة مدنيون إلا شيخ المؤلف، وفيه
التحديث والإخبار والعنعنة والقول وثلاث صحابيات، وأخرجه
الستة واتفق الشيخان على إخراجه من طرق عن هشام بن عروة عن
أبيه عن زينب بنت أبي سلمة عن أم سلمة، وقد جاء عن جماعة
من الصحابيات أنهن سألت كسؤال أم سلمة منهن: خولة بنت حكيم
كما عند النسائي وأحمد وابن ماجة، وسهلة بنت سهيل كما عند
الطبراني، وبسرة بنت صفوان كما عند ابن أبي شيبة.
23 - باب عَرَقِ الْجُنُبِ، وَأَنَّ الْمُسْلِمَ لاَ
يَنْجُسُ
(باب عرق الجنب وأن المسلم) طاهر (لا ينجس) ولو أجنب ومن
لازم طهارته طهارة عرقه، وكذا عرق الكافر عند الجمهور.
283 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ قَالَ:
حَدَّثَنَا بَكْرٌ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ
وَهْوَ جُنُبٌ، فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ، فَذَهَبَ
فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ، فَقَالَ: أَيْنَ كُنْتَ يَا
أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ
أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ. فَقَالَ:
«سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ».
[الحديث 283 - طرفه في: 285].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (قال: حدّثنا حميد) بضم الحاء الطويل
التابعي (قال: حدّثنا بكر) بفتح الموحدة ابن عبد الله بن
عمرو بن هلال المزني البصري (عن أبي رافع) نفيع بضم النون
وفتح الفاء الصائغ بالغين المعجمة البصري ترحل إليها من
المدينة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقيه في
بعض طريق المدينة) بالإفراد ولكريمة في بعض طرق المدينة
(وهو جنب) جملة اسمية حالية من الضمير المنصوب في لقيه.
قال أبو هريرة: (فانخنست منه) بنون ثم معجمة ثم نون فمهملة
أي تأخرت وانقبضت ورجعت، وفي رواية فانخنس، ولابن السكن
والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر: فانبجست بالموحدة والجيم
أي اندفعت، وللمستملي فانتجست بنون فمثناة فوقية فجيم من
النجاسة من باب الافتعال أي اعتقدت نفسي نجسًا، (فذهب
فاغتسل) بلفظ الغيبة من باب النقل عن الراوي بالمعنى، أو
من قول أبي هريرة من باب التجريد وهو أنه جرّد من نفسه
شخصًا وأخبر عنه وهو المناسب لرواية فانخنس. وفي رواية
فذهبت فاغتسلت وهو المناسب لسابقه، وكان سبب ذهاب أبي
هريرة ما رواه النسائي وابن حبان من حديث حذيفة أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا لقي أحدًا من
أصحابه ماسحه ودعا له، فلما ظن أبو هريرة رضي الله عنه أن
الجنب ينجس
بالجنابة خشي أن يماسه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كعادته فبادر إلى الاغتسال، (ثم جاء فقال) عليه
الصلاة والسلام: (أين كنت يا أبا هريرة؟ قال: كنت جنبًا)
أي ذا جنابة لأنه اسم جرى مجرى المصدر وهو الإجناب، (فكرهت
أن أجالسك وأنا على غير طهارة) جملة اسمية حالية من الضمير
المرفوع في أجالسك (فقال) بالفاء قبل القاف وسقطت في كلام
أبي هريرة على الأفصح في الجمل المفتتحة بالقول كما قيل في
قوله تعالى: {أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ}
[الشعراء: 10] قوم فرعون ألا يتقون قال وما بعدها، وأما
القول مع ضمير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فالفاء سببية رابطة فاجتلبت لذلك ولأبي ذر وابن عساكر
والأصيلي قال: (سبحان الله) نصب بفعل لازم الحذف
(1/335)
وأتى به هنا للتعجب والاستعظام أي: كيف
يخفى مثل هذا الظاهر عليك.
(إن المؤمن) وفي رواية مضبب عليها بفرع اليونينية إن
المسلم (لا ينجس) أي في ذاته حيًّا ولا ميتًا، ولذا يغسل
إذا مات. نعم يتنجس بما يعتريه من ترك التحفظ من النجاسات
والأقذار، وحكم الكافر في ذلك كالمسلم، وأما قوله تعالى:
{إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَس} [التوبة: 28] فالمراد بها
نجاسة اعتقادهم، أو لأنه يجب أن يتجنب عنهم كما يتجنب عن
الإنجاس، أو لأنهم لا يتطهرون ولا يتجنبون عن النجاسات فهم
ملابسون لها غالبًا، وعن ابن عباس: إن أعيانهم نجسة
كالكلاب، وبه قال ابن حزم، وعورض بحل نكاح الكتابيات
للمسلم ولا تسلم مضاجعتهنّ من عرقهنّ، ومع ذلك لم يجب من
غسلهن إلا مثل ما يجب من غسل المسلمات، فدل على أن الآدمي
لي بنجس العين إذ لا فرق بين الرجال والنساء بل يتنجس بما
يعرض له من خارج.
ويأتي البحث إن شاء الله تعالى في الاختلاف في الميت في
باب الجنائز، ورواة هذا الحديث الستة بصريون وفيه رواية
تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم
في
الطهارة وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في الصلاة.
24 - باب الْجُنُبُ يَخْرُجُ وَيَمْشِي فِي السُّوقِ
وَغَيْرِهِ
وَقَالَ عَطَاءٌ: يَحْتَجِمُ الْجُنُبُ وَيُقَلِّمُ
أَظْفَارَهُ وَيَحْلِقُ رَأْسَهُ وَإِنْ لَمْ يَتَوَضَّأْ.
هذا (باب) بالتنوين (الجنب يخرج) من بيته (ويمشي في السوق
وغيره) يجوز له ذلك عند الجمهور خلافًا لما حكاه ابن أبي
شيبة عن علي وعائشة وابن عمرو وأبيه وشداد بن أوس وسعيد بن
المسيب ومجاهد وابن سيرين والزهري ومحمد بن علي والنخعي.
وحكاه البيهقي وزاد سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمرو
وابن عباس وعطاء والحسن أنهم كانوا إذا أجنبوا لا يخرجون
ولا يأكلون حتى يتوضؤوا والواو في قوله: ويمشي عطفًا على
يخرج وفي غيره عطفًا على سابقه أي وفي غير السوق، وجوّز
ابن حجر كالكرماني الرفع على أنه مبتدأ أي وغيره نحو أي
فينام ويأكل كما يخرج فهو عطف عليه من جهة المعنى، لكن
تعقبه البرماوي والعيني بأنه تكلف بلا ضرورة.
(وقال عطاء) مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه (يحتجم
الجنب ويقلم أظفاره ويحلق
رأسه وإن لم يتوضأ) زاد عبد الرزاق ويطلي بالنورة.
284 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ
حَدَّثَهُمْ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ فِي
اللَّيْلَةِ الْوَاحِدَةِ، وَلَهُ يَوْمَئِذٍ تِسْعُ
نِسْوَةٍ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) وللأصيلي بإسقاط ابن
حماد (قال: حدّثنا يزيد بن زريع) بزاي فراء مصغر زرع (قال:
حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة وللأصيلي شعبة بدل سعيد قال
الغساني وليس صوابًا (عن قتادة) بن دعامة (أن أنس بن مالك)
رضي الله عنه (حدّثهم) وفي رواية حدثه.
(أن نبي الله) كذا لكريمة وفي رواية أبي ذر أن النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يطوف على نسائه
في الليلة الواحدة وله يومئذٍ تسع نسوة) أي وله حينئذٍ إذ
لا يوم لذلك معين ولفظة كان تدل على التكرار والاستمرار.
وسبق بيان مباحث الحديث في باب إذا جامع ثم عاد، ومطابقته
لهذه الترجمة تفهم من قوله: كان يطوف على نسائه لأن نساءه
كان لهن حجر متقاربة، فبالضرورة أنه كان يخرج من حجرة إلى
حجرة قبل الغسل.
285 - حَدَّثَنَا عَيَّاشٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الأَعْلَى قال: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ بَكْرٍ عَنْ
أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَقِيَنِي
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَنَا جُنُبٌ، فَأَخَذَ بِيَدِي فَمَشَيْتُ مَعَهُ
حَتَّى قَعَدَ، فَانْسَلَلْتُ
فَأَتَيْتُ الرَّحْلَ فَاغْتَسَلْتُ، ثُمَّ جِئْتُ وَهْوَ
قَاعِدٌ فَقَالَ: «أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيرةَ»؟
فَقُلْتُ لَهُ، فَقَالَ: «سُبْحَانَ اللَّهِ يَا أَبَا
هُرَيرةَ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ لاَ يَنْجُسُ».
وبه قال: (حدّثنا عياش) بمثناة تحتية مشددة وشين معجمة ابن
الوليد الرقام (قال: حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى
السامي بالمهملة (قال: حدّثنا حميد) الطويل (عن بكر)
المزني (عن أبي رافع) نفيع (عن أبي هريرة) رضي الله عنه
(قال):
(لقيني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأنا جنب فأخذ بيدي) وفي بعض الأصول بيميني (فمشيت معه حتى
قعدنا فانسللت) أي خرجت أو ذهبت في خفية، ولابن عساكر
فانسللت منه (فأتيت) وفي رواية وأتيت (الرحل) بالحاء
المهملة الساكنة أي الذي آوى إليه (فاغتسلت ثم جئت وهو)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قاعد فقال: أين كنت)
كان واسمها والخبر الظرف أو هي تامة فلا تحتاج لخبر (يا
أبا هريرة)؟ وللكشميهني يا أبا هر بالترخيم. قال أبو
هريرة: (فقلت له) الذي فعلته من المجيء للرحل والاغتسال
(فقال) عليه الصلاة والسلام متعجبًا منه: (سبحان الله يا
أبا هريرة) وفي رواية الأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت يا
أبا هر (إن المؤمن) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر
سبحان الله إن المؤمن (لا ينجس) بضم الجيم، وقد سبق الكلام
على مباحث هذا
(1/336)
الحديث قريبًا ومطابقته للترجمة في قوله
فمشيت معه. واستنبط منه جواز أخذ العلم بيد تلميذه ومشيه
معه معتمدًا عليه ومرتفقًا به وغير ذلك مما لا يخفى.
25 - باب كَيْنُونَةِ الْجُنُبِ فِي الْبَيْتِ إِذَا
تَوَضَّأَ قَبْلَ أَنْ يَغْتَسِلَ
(باب) جواز (كينونة الجنب) أي استقراره (في البيت إذا
توضأ) زاد أبو الوقت وكريمة (قبل أن يغتسل) وليس في رواية
الحموي والمستملي إذا توضأ قبل أن يغتسل.
286 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
هِشَامٌ وَشَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ أَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْقُدُ وَهْوَ جُنُبٌ؟
قَالَتْ: نَعَمْ. وَيَتَوَضَّأُ. [الحديث 286 - طرفه في:
288]
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
هشام) الدستوائي (وشيبان) بن عبد الرحمن النحوي المؤدب
كلاهما (عن يحيى) زاد ابن عساكر ابن أبي كثير (عن أبي
سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (قال): (سألت عائشة) رضي الله
عنها (أكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يرقد وهو جنب؟ قالت: نعم) يرقد (ويتوضأ) الواو لا تقتضي
الترتيب فالمراد أنه كان يجمع بين الوضوء والرقاد فكأنها
قالت: إذا أراد النوم يقوم ويتوضأ ثم يرقد، ويدل له رواية
مسلم: كان إذا أراد أن ينام وهو جنب يتوضأ وضوءه للصلاة.
ورواة هذا الحديث ستة وفيه التحديث والعنعنة والسؤال.
26 - باب نَوْمِ الْجُنُبِ
وقد زاد في رواية كريمة هنا (باب نوم الجنب) وهو ساقط في
رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وهو أولى لحصول الاستغناء
عنه باللاحق.
287 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهْوَ جُنُبٌ؟
قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْقُدْ
وَهُوَ جُنُبٌ». [الحديث 287 - طرفاه في: 289، 290].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا الليث) بن
سعد وللأصيلي عن الليث (عن نافع) مولى عبد الله بن عمر (عن
ابن عمر):
(أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (سأل رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيرقد) ولغير ابن عساكر
والأصيلي قال أيرقد (أحدنا) أي أيجوز الرقاد لأحدنا لأن
السؤال إنما هو عن حكمه لا عن تعيين وقوعه (وهو جنب) جملة
حالية؟ (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (نعم
إذا توضأ أحدكم فليرقد) أي إذا أراد الرقاد فليرقد بعد
التوضؤ (وهو جنب) وهذا مذهب الأوزاعي وأبي حنيفة ومحمد
ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وابن المبارك وغيرهم، والحكمة
فيه تخفيف الحدث لا سيما على القول بجواز تفريق الغسل
فينويه فيرتفع الحدث عن تلك الأعضاء المخصوصة على الصحيح،
ولابن أبي شيبة بسند رجاله ثقات عن شداد بن أوس قال: إذا
أجنب أحدكم من الليل ثم أراد أن ينام فليتوضأ فإنه نصف غسل
الجنابة، وذهب آخرون إلى أن الوضوء المأمور به هو غسل
الأذى وغسل ذكره ويديه وهو التنظيف، وأوجبه ابن حبيب من
المالكية وهو مذهب داود.
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن جواز رقاد الجنب في
البيت يقتضي جواز استقراره فيه.
27 - باب الْجُنُبِ يَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَنَامُ
(باب الجنب يتوضأ ثم ينام).
288 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ وَهْوَ
جُنُبٌ غَسَلَ فَرْجَهُ وَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة نسبة إلى جدّه
وأبوه عبد الله (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن عبيد الله
بن أبي جعفر) الفقيه المصري (عن محمد بن عبد الرحمن) أبي
الأسود المدني يتيم عروة بن الزبير كان أبوه أوصى به إليه
(عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أراد
أن ينام وهو جنب) جملة حالية (غسل فرجه) مما أصابه من
الأذى (وتوضأ) وضوءًا شرعيًّا كما يتوضأ (للصلاة) وليس
المراد أنه يصلي به لأن الصلاة تمنع قبل الغسل.
واستنبط منه أن غسل الجنابة ليس على الفور، بل إنما يتضيق
عند القيام إلى الصلاة. ورواة هذا الحديث الستة ثلاثة
مصريون وثلاثة مدنيون وفيه التحديث والعنعنة والقول.
289 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: اسْتَفْتَى عُمَرُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيَنَامُ أَحَدُنَا وَهْوَ جُنُبٌ؟
قَالَ: «نَعَمْ، إِذَا تَوَضَّأَ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا
جويرية) بالجيم والراء مصغرًا واسم أبيه أسماء بن عبيد
الضبعي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله) وللأصيلي
وابن عساكر عن ابن عمر (قال):
(استفتى عمر) بن الخطاب (النبي) أي طلب الفتوى من النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وصورة الاستفتاء
قوله: (أينام أحدنا وهو جنب) جملة حالية: (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر
فقال (نعم) ينام (إذا توضأ).
290 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: ذَكَرَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ تُصِيبُهُ
الْجَنَابَةُ مِنَ اللَّيْلِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَوَضَّأْ
وَاغْسِلْ ذَكَرَكَ ثُمَّ نَمْ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار) ووقع في رواية ابن
السكن كما حكاه أبو علي الجياني عن نافع بدل عبد الله بن
دينار والحديث محفوظ لمالك عنهما نعم اتفق رواة الموطأ على
روايته عن الأول (عن عبد الله بن عمر أنه قال):
(ذكر
(1/337)
عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (لرسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه) وللحموي
والمستملي بأنه أي ابن
عمر (تصيبه الجنابة من الليل) وفي رواية النسائي من طريق
ابن عون عن نافع قال: أصاب ابن عمر جنابة فأتى عمر فذكر
ذلك له فأتى عمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فقال له رسول الله) وللأصيلي فقال رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مخاطبًا لابن عمر
(توضأ واغسل ذكرك) أي الجمع بينهما. قالوا: ولا تدل على
الترتيب، وفي رواية ابن نوح عن مالك اغسل ذكرك ثم توضأ (ثم
نم) فيه من البديع تجنيس التصحيف، ويحتمل أن يكون الخطاب
لعمر في غيبة ابنه جوابًا لاستفتائه، ولكنه يرجع إلى ابنه
لأن الاستفتاء من عمر إنما هو لأجل ابنه، وقوله: توضأ أظهر
من الأول في إيجاب وضوء الجنب عند النوم. واستنبط من
الحديث ندب غسل ذكر الجنب عند النوم.
28 - باب إِذَا الْتَقَى الْخِتَانَانِ
291 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامٌ ح.
هذا (باب) بالتنوين في بيان حكم (إذا التقى الختانان) من
الرجل والمرأة، والمراد تلاقي موضع القطع من الذكر مع
موضعه من فرج الأُنثى.
وبه قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء البصري (قال:
حدّثنا هشام) الدستوائي (ح) للتحويل.
َ291 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ
قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا جَلَسَ بَيْنَ شُعَبِهَا
الأَرْبَعِ ثُمَّ جَهَدَهَا فَقَدْ وَجَبَ الْغَسْلُ».
تَابَعَهُ عَمْرُو بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ شُعْبَةَ مِثْلَهُ.
وَقَالَ مُوسَى: حَدَّثَنَا أَبَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا
قَتَادَةُ أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ مِثْلَه.
(وحدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (عن هشام) هو الدستوائي
السابق (عن قتادة) بن دعامة المفسر (عن الحسن) البصري (عن
أبي رافع) نفيع (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): (إذا جلس)
الرجل (بين شعبها) أي شعب المرأة (الأربع) بضم الشين
المعجمة وفتح العين المهملة جمع شعبة وهي القطعة من الشيء،
والمراد هنا على ما قيل اليدان والرجلان وهو الأقرب
للحقيقة، واختاره ابن دقيق العيد أو الرجلان والفخذان أو
الشفران والرجلان أو الفخذان والإسكتان، وهما ناحيتا الفرج
آو نواحي فرجها الأربع ورجحه عياض، (ثم جهدها) بفتح الجيم
والهاء أي بلغ جهده وهو كناية عن معالجة الإيلاج أو الجهد
الجماع أي جامعها، وإنما كنى بذلك للتنره عمّا يفحش ذكره
صريحًا، ولأبي داود إذا قعد بين شعبها الأربع وألزق الختان
بالختان أي موضع الختان بالختان، ولمسلم من حديث عائشة ومس
الختان الختان، وللبيهقي مختصرًا إذا التقى الختانان (فقد
وجب الغسل) على الرجل وعلى المرأة وإن لم يحصل إنزال
فالموجب غيبوبة الحشفة. هذا الذي انعقد عليه الإجماع،
وحديث: إنما الماء من الماء منسوخ، قال الشافعي وجماعة أي
كان لا يجب الغسل إلا بالإنزال ثم صار يجب الغسل بدونه،
لكن قال ابن عباس: إنه ليس بمنسوخ بل المراد به نفي وجوب
الغسل بالرؤية في النوم إذا لم ينزل، وهذا الحكم باقٍ.
وليس المراد بالمس في حديث مسلم السابق حقيقته لأن ختانها
في أعلى الفرج فوق مخرج البول الذي هو فوق مدخل الذكر ولا
يمسه الذكر في الجماع، فالمراد تغييب حشفة الذكر، وقد
أجمعوا على أنه لو وضع ذكره على ختانها ولم يولج لا يجب
الغسل، فالمراد المحاذاة. وهذا هو المراد أيضًا بالتقاء
الختانين، ويدل له رواية الترمذي بلفظ إذا جاوز.
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة قوله: ثم جهدها المفسر عند
الخطابي بالجماع المقتضي لالتقاء الختانين على ما مرّ من
المراد المصرّح به في رواية البيهقي السابقة، ولعل المؤلف
أشار في التبويب إلى هذه الرواية كعادته في التبويب بلفظ
إحدى روايات الباب.
ورواة هذا الحديث السبعة كلهم بصريون وفيه التحديث
والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة كلهم
في الطهارة.
(تابعه) أي تابع هشامًا (عمرو) بالواو أي ابن مرزوق كما
صرح به في رواية كريمة البصري الباهلي مما وصله عثمان بن
أحمد السماك (عن شعبة مثله) أي مثل حديث الباب، ولفظة مثله
ساقطة عند الأصيلي وابن عساكر.
(وقال موسى) بن إسماعيل التبوذكي شيخ المؤلف (حدّثنا)
وللأصيلي أخبرنا (أبان) بن يزيد العطار (قال: حدّثنا
قتادة) بن دعامة (قال: أخبرنا الحسن) البصري (مثله). صرّح
بتحديث الحسن لقتادة لينفي تدليس قتادة إذ ربما يحصل لبس
بعنعنته السابقة، وإنما قال هنا وهناك تابعه لأن المتابعة
أقوى لأن القول أعمّ من نقله رواية وعلى سبيل المذاكرة.
29 - باب غَسْلِ مَا يُصِيبُ مِنْ رطوبة فَرْجِ
الْمَرْأَةِ
(باب غسل ما يصيب) الرجل (من رطوبة فرج المرأة).
292 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قال: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي
أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ أَخْبَرَهُ
أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ أَخْبَرَهُ
أَنَّهُ سَأَلَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَقَالَ:
أَرَأَيْتَ إِذَا جَامَعَ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ فَلَمْ
يُمْنِ؟ قَالَ عُثْمَانُ: "يَتَوَضَّأُ كَمَا يَتَوَضَّأُ
لِلصَّلاَةِ وَيَغْسِلُ ذَكَرَهُ". قَالَ عُثْمَانُ:
سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. فَسَأَلْتُ عَنْ ذَلِكَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي
طَالِبٍ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَّامِ وَطَلْحَةَ بْنَ
عُبَيْدِ اللَّهِ وَأُبَىَّ بْنَ كَعْبٍ -رضي الله عنهم-
فَأَمَرُوهُ بِذَلِكَ. قَالَ يَحْيَى: وَأَخْبَرَنِي أَبُو
سَلَمَةَ أَنَّ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُ
أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ ذَلِكَ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا
(1/338)
أبو معمر) بفتح الميمين عبد الله بن عمرو
(قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن الحسين) بن ذكوان
ولأبي ذر زيادة المعلم قال الحسين (قال: يحيى) بن أبي
كثير، ولفظة قال الأولى تحذف في الخط اصطلاحًا كما حذفت
هنا. (وأخبرني أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف بالإفراد
وأتى بالواو إشعارًا بأنه حدّثه بغير ذلك أيضًا، وأن هذا
من جملته فالعطف على مقدر (أن عطاء بن يسار) بالمثناة
التحتية والسين المهملة. (أخبره أن زيد بن خالد الجهني)
بضم الجيم وفتح الهاء وبالنون نسبة إلى جهينة بن زيد
(أخبره).
(أنه سأل عثمان بن عفان) رضي الله عنه مستفتيًا له (فقال
أرأيت) ولأبي ذر والأصيلي قال له أرأيت أي أخبرني (إذا
جامع الرجل امرأته) أي أو أمته (فلم يمنِ) بضم أوله وسكون
الميم أي لم ينزل المني (قال عثمان) رضي الله عنه: (يتوضأ
كما يتوضأ للصلاة ويغسل ذكره) مما أصابه من رطوبة فرج
المرأة من غير غسل (قال) ولأبوي الوقت وذر وابن عساكر
والأصيلي وقال (عثمان) رضي الله عنه (سمعته) أي الذي أفتي
به من الوضوء وغسل الذكر (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال زيد بن خالد المذكور (فسألت عن
ذلك) الذي أفتاني به عثمان (عليّ بن أبي طالب والزبير بن
العوام وطلحة بن عبيد الله وأُبي بن كعب رضي الله عنهم
فأمروه بذلك) أي بغسل الذكر والوضوء، وللإسماعيلي فقالوا
مثل ذلك عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فصرّح بالرفع بخلاف الذي أورده المؤلف هنا، لكن قال
الإسماعيلي، لم يقل ذلك غير الحماني وليس هو من شرط هذا
الكتاب، نعم روي عن عثمان وعلي وأُبيّ أنهم أفتوا بخلافه،
ومن ثم قال ابن المديني: إن حديث زيد شاذ، وقال أحمد فيه
علة.
وأجيت: بأن كونهم أفتوا بخلافه لا يقدح في صحة الحديث، فكم
من حديث منسوخ وهو صحيح فلا منافاة بينهما انتهى. فقد كانت
الفتيا في أول الإسلام كذلك ثم جاءت السُّنّة بوجوب الغسل
ثم أجمعوا عليه بعد ذلك، وعلله الطحاوي بأنه مفسد للصوم
وموجب للحد والمهر وإن لم ينزل فكذلك الغسل انتهى. والضمير
المرفوع في قوله فأمروه للصحابة الأربعة المذكورين
والمنصوب للمجامع الذي يدل عليه قوله ولا إذا جامع الرجل
امرأته، وإذا تقرر هذا فليتأمل قوله في فتح الباري فأمروه
أن فيه التفاتًا لأن الأصل أن يقول فأمروني انتهى.
(قال يحيى) بن أبي كثير: (وأخبرني أبو سلمة) بالإفراد وهو
معطوف على الإسناد الأول وليس معلمًا ولأبي ذر بإسقاط قال
يحيى كما في الفتح وغيره: وهو في الفرع مضبب عليه مع علامة
الإسقاط للأصيلي وابن عساكر (أن عروة بن الزبير أخبره أن
أبا أيوب) الأنصاري (أخبره أنه سمع ذلك) أي غسل الذكر
والوضوء (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-). انتقد الدارقطني هذا بأن أبا أيوب لم يسمعه
من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما
سمعه من أُبيّ بن كعب كما في رواية هشام عن أبيه عن أبي
أيوب عن أُبي بن كعب الآتية قريبًا إن شاء الله تعالى.
وأجيب: بأن الحديث روي من وجه آخر عند الدارمي وابن ماجة
عن أبي أيوب عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وهو مثبت مقدم على المنفي، وبأن أبا سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف أكبر قدرًا وسنًا وعلمًا من هشام بن عروة انتهى. ورواة
إسناد هذا الحديث ستة وفيه التحديث والإخبار والعنعنة
وأخرجه مسلم.
293 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قال: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ:
أَخْبَرَنِي أَبُو أَيُّوبَ قَالَ: أَخْبَرَنِي أُبَىُّ
بْنُ كَعْبٍ أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِذَا
جَامَعَ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ فَلَمْ يُنْزِلْ؟ قَالَ:
«يَغْسِلُ
مَا مَسَّ الْمَرْأَةَ مِنْهُ ثُمَّ يَتَوَضَّأُ
وَيُصَلِّي». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الْغَسْلُ
أَحْوَطُ، وَذَاكَ الآخيرُ، وَإِنَّمَا بَيَّنَّا
لاِخْتِلاَفِهِمْ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بالمهملتين فيهما
(قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن هشام بن عروة قال: أخبرني
أبي) عروة بن الزبير (قال: أخبرني أبو أيوب) خالد بن زيد
الأنصاري (قال: أخبرني) بالإفراد في الثلاثة (أُبي بن كعب
أنه قال):
(يا رسول الله) في الرواية السابقة أن أبا أيوب سمعه من
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلا واسطة،
وذلك لاختلاف الحديثين لفظًا ومعنى، وإن توافقا في بعض
فيكون سمعه من النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مرة ومن أُبي مرة، فذكره أي أُبيًّا للتقوية أو لغرض غيره
(إذا جامع الرجل المرأة) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي
وابن عساكر امرأته (فلم ينزل) في السابقة فلم يمن وهما
بمعنى واحد. (قال) عليه الصلاة والسلام: (يغسل ما مس
المرأة منه) أي يغسل الرجل المذكور
(1/339)
العضو الذي مس رطوبة فرج المرأة من أعضائه وهو من إطلاق
اللازم وإرادة الملزوم، ففي مس ضمير وهو فاعله يعود إلى
كلمة ما وموضعها نصب مفعولاً ليغسل (ثم يتوضأ) وضوءه
للصلاة، كما زاد فيه عبد الرزاق عن الثوري عن هشام، وفيه
التصريح بتأخير الوضوء عن غسل ما يصيبه من المرأة (ويصلي)
وأصرح في الدلالة على ترك الغسل من الحديث السابق. والحديث
سداسي الإسناد وفيه رواية صحابي عن صحابي والتحديث
والإخبار بالإفراد والعنعنة.
(قال أبو عبد الله) أي المؤلف وقائل ذلك هو الراوي عنه:
(الغسل) بضم الغين أي الاغتسال من الإيلاج وإن لم ينزل،
وفي الفرع الغسل بفتح الغين وليس إلا (أحوط) أي أكثر
احتياطًا في أمر الدين من الاكتفاء بغسل الفرج، والوضوء
المذكور في الحديث السابق وفتوى من ذكر من الصحابة أي على
تقدير عدم ثبوت الناسخ وظهور الترجيح، (وذاك الأخير)
بالمثناة من غير مد، ولغير أبي ذر الآخر بالمد من غير
مثناة أي آخر الأمرين من فعل الشارع، وهو يشير إلى أن حديث
الباب غير منسوخ بل ناسخ لما قبله، وضبطه البدر الدماميني
كابن التين والآخر بفتح الخاء أي ذاك الوجه الآخر أو
الحديث الآخر الدال على عدم الغسل (إنما) ولابن عساكر
وإنما بالواو والأليق حذفها وهو يناسب رواية فتح خاء الآخر
(بينا) وللأصيلي بيناه (لاختلافهم) أي إنما ذكرناه لأجل
بيان اختلاف الصحابة في الوجوب وعدمه ولاختلاف المحدثين في
صحته وعدمها، ولكريمة وابن عساكر: وإنما بينا اختلافهم،
وفي نسخة الصغاني: إنما بينا الحديث الآخر لاختلافهم
والماء أنقى. وقال البدر الدماميني كالسفاقسي: فيه جنوح
لمذهب داود، وتعقب هذا القول البرماوي بأنه إنما يكون
ميلاً لمذهب داود إذا فتحت خاء آخر أما بالكسر فيكون جزمًا
بالنسخ والجمهور على إيجاب الغسل بالتقاء الختانين وهو
الصواب. ولما فرغ المؤلف. . . (1). |