المفروض ركعتان فقط، وفائدة الخلاف تظهر
فيما إذا أتمّ المسافر يكون الشفع الثاني عندنا فرضًا
وعندهم نفلاً.
لنا إن الوقت سبب للأربع والسفر سبب للقصر فيختار
أيهما شاء، ولهم قول ابن عباس رضي الله عنهما: إن الله
فرض عليكم على لسان نبيّه عليه الصلاة والسلام والصلاة
(للمقيم أربعة وللمسافر ركعتين) ويأتي مزيد لذلك إن
شاء الله تعالى في محله في باب التقصير. ورواة هذا
الحديث ما بين مصري ومدني، وفيه التحديث والإخبار
والعنعنة، وهو من مراسيل عائشة وهو حجّة.
2 - باب وُجُوبِ الصَّلاَةِ فِي الثِّيَابِ،
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {خُذُوا زِينَتَكُمْ
عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ} وَمَنْ صَلَّى مُلْتَحِفًا فِي
ثَوْبٍ وَاحِدٍ
وَيُذْكَرُ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «يَزُرُّهُ وَلَوْ بِشَوْكَةٍ». فِي
إِسْنَادِهِ نَظَرٌ،
وَمَنْ صَلَّى فِي الثَّوْبِ الَّذِي يُجَامِعُ فِيهِ
مَا لَمْ يَرَ أَذًى، وَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لاَ يَطُوفَ
بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ.
(باب وجوب الصلاة في الثياب) بالجمع على حدّ قولهم:
فلان يركب الخيول ويلبس البرود، والمراد ستر العورة،
وهو عند الحنفية والشافعية كعامّة الفقهاء وأهل الحديث
شرط في صحة الصلاة. نعم الحنفية لا يشترطون الستر عن
نفسه، فلو كان محلول الجيب فنظر إلى عورته لا تفسد
صلاته، وقال بهرام من المالكية: اختلف هل ستر العورة
شرط في الصلاة أم لا؟ فعند ابن عطاء الله: أنه شرط
فيها ومن واجباتها مع العلم والقدرة على المعروف من
الذهب، وفي القبس المشهور: أنه ليس من شروطها وقال
التونسي: هو فرض في نفسه لا من فروضها، وقال إسماعيل
وابن بكير والشيخ أبو بكر: هو من سُننها، وفي تهذيب
الطالب والمقدمات وتبصرة ابن محرز: اختلف هل ذلك فرض
أو سُنة اهـ.
(و) بيان معنى (قول الله تعالى) وللأصيلي وابن عساكر
عزّ وجلّ {خذوا زينتكم} أي ثيابكم لمواراة عوراتكم
{عند كل مسجد} [الأعراف: 31] لطواف أو صلاة، وفيه دليل
على وجوب ستر العورة في الصلاة، ففي الأوّل إطلاق اسم
الحال على المحل، وفي الثاني إطلاق اسم المحل على
الحال بوجود الاتصال الذاتي بين الحال والمحل، وهذا
لأن أخذ الزينة نفسها وهي عرض محُال فأُريد محلها وهو
الثوب مجازًا، لا يقال سبب نزولها أنهم كانوا يطوفون
عُراة، ويقولون لا نعبد الله في ثياب أذنبنا فيها
فنزلت، لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذا
عامّ لأنه قال: {عند
كل مسجد} ولم يقل المسجد الحرام فيؤخذ بعمومه (ومَن
صلّى ملتحفًا في ثوب واحد) كذا ثبت للمستملي وحده
قوله، ومَن صلّى إلخ ساقط عند الأربعة من طريق الحموي
والكشميهني.
(ويذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه (عن سلمة بن الأكوع أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
يزرّه) بالمثناة التحتية المفتوحة وتشديد الراء
المضمومة أي بأن يجمع بين طرفيه كي لا ترى عورته،
وللأصيلي تزره بالمثناة الفوقية، وفي رواية يزرّ بحذف
الضمير، (ولو) لم يكن ذلك إلاّ بأن يزره (يشوكه)
ويستمسك بها فليفعل، وهذا وصله المؤلّف في تاريخه وأبو
داود وابنا خزيمة وحبّان من طريق الدراوردي عن موسى بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن أبي ربيعة عن سلمة بن الأكوع
قلت: يا رسول الله إني رجل أتصيد أفأصلّي في القميص
الواحد؟ قال: (نعم زرّه ولو بشوكة) هذا لفظ ابن حبّان.
ورواه المؤلف عن إسماعيل بن أبي أُويس عن أبيه عن موسى
بن إبراهيم عن أبيه عن سلمة فزاد في الإسناد رجلاً،
ورواه أيضًا عن مالك بن إسماعيل عن عطاف بن خالد قال:
حدّثنا موسى بن إبراهيم قال: حدّثنا سلمة فصرّح
بالتحديث عن موسى وسلمة، فاحتمل أن تكون رواية ابن أبي
أُويس من المزيد في متصل الأسانيد، أو كان التصريح في
رواية عطاف وهما فهذا وجه قول المؤلّف (في) وللأربعة
وفي (إسناده نظر) أو هو من جهة أن موسى هو ابن محمد
التيمي المطعون فيه كما قاله ابن القطّان، وتبعه
البرماوي وغيره، لكن ردّه الحافظ ابن حجر بأنه نسب في
رواية البخاري وغيره مخزوميًا وهو غير التيمي بلا
تردّد. نعم وقع عند الطحاوي موسى بن محمد بن إبراهيم،
فإن كان محفوظًا فيحتمل على بُعد أن يكونا جميعًا رويا
الحديث، وحمله عنهما الدراوردي وإلاّ فذكر محمد فيه
شاذّ اهـ. من الفتح.
وحينئذ فمَن صلىّ في ثوب واسع الجيب وهو القدر الذي
يدخل فيه الرأس ترى عورته من جيبه في ركوع أو سجود
فليزره أو يشدّ وسطه، (ومن) أي وباب من (صلّى في الثوب
الذي يجامع فيه) امرأته أو أمته (ما لم يرَ فيه أذًى)
أي نجاسة وللمستملي والحموي ما لم يرَ أذًى بإسقاط
فيه، (وأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) فيما رواه أبو هريرة في بعث عليّ في
(1/386)
حجة أبي بكر مما وصله المؤلف قريبًا لكن
بغير تصريح بالأمر (أن لا يطوف بالبيت) الحرام (عريان)
وإذا منع التعرّي في الطواف فالصلاة أولى إذ يشترط
فيها ما يشترط فيه وزيادة.
351 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدٍ
عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: أُمِرْنَا أَنْ
نُخْرِجَ الْحُيَّضَ يَوْمَ الْعِيدَيْنِ وَذَوَاتِ
الْخُدُورِ، فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ
وَدَعْوَتَهُمْ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ عَنْ
مُصَلاَّهُنَّ. قَالَتِ امْرَأَةٌ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِحْدَانَا لَيْسَ لَهَا جِلْبَابٌ. قَالَ:
لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا
عِمْرَانُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ
حَدَّثَتْنَا أُمُّ عَطِيَّةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهَذَا.
وَقَالَ أَبُو حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ: صَلَّوْا مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى عَوَاتِقِهِمْ.
وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري
التبوذكي (قال: حدّثنا يزيد بن إبراهيم) التستري،
المتوفى سنة إحدى وستين ومائة (عن محمد) هو ابن سيرين
(عن أُم عطية) نسيبة بنت كعب رضي الله عنها (قالت):
(أُمرنا) بضم الهمزة وكسر الميم أي أمرنا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما عند مسلم (أن
نخرج الحُيَّض)
بضم النون وكسر الراء في الأولى وضم المهملة وتشديد
المثناة التحتية في الأخرى جمع حائض (يوم العيدين)
وللكشميهني والمستملي يوم العيد بالإفراد (و) أن نخرج
(ذوات الخدور) بالدال المهملة أي صواحبات الستور
(فيشهدن) كلهنّ (جماعة المسلمين ودعوتهم ويعتزل الحيض)
منهنّ (عن مصلاّهنّ) أي عن مصلّى النساء اللاتي لسن
بحيض، وللمستملي مصلاّهم باليم بدل النون على التغليل،
وللكشميهني عن المصلّى بضم الميم وفتح اللام موضع
الصلاة. (قالت امرأة: يا رسول الله إحدانا) أي بعضنا
مبتدأ خبره قوله (ليس بها جلباب) بكسر الجيم محلفة أي
كيف تشهد ولا جلباب لها وذلك بعد نزول الحجاب؟ (قال)
عليه الصلاة والسلام: (لتلبسها) بالجزم (صاحبتها من
جلبابها) أي بأن تعيرها جلبابًا من جلابيبها، ووجه
مطابقته للترجمة من جهة تأكيد الأمر باللبس حتى
بالعارية للخروج إلى صلاة العيد فللصلاة أولى، وإذا
وجب ستر العورة للنساء فللرجل كذلك. وهل ستر العورة
واجب مطلقًا في الصلاة وغيرها؟ نعم هو واجب مطلقًا عند
الشافعية. ورواة هذا الحديث كلهم بصريون.
(وقال عبد الله بن رجاء) بالجيم والمدّ الغداني بضم
المعجمة وتخفيف المهملة وبعد الألف نون أي مما وصله
الطبراني في الكبير. قال ابن حجر: ووقع عند الأصيلي في
عرضه على أبي زيد بمكة حدّثنا عبد الله بن رجاء اهـ.
ولابن عساكر قال محمد أي المؤلف، وقال عبد الله بن
رجاء: (حدّثنا عمران) القطان (قال: حدّثنا محمد بن
سيرين، قال: حدّثنا أُم عطية) نسيبة فيه تصريح ابن
سيرين بتحديث أُم عطية له، وهو يردّ على مَن زعم أن
ابن سيرين إنما سمعه من أُخته حفصة عن أُم عطية قالت
(سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بهذا) الحديث السابق.
3 - باب عَقْدِ الإِزَارِ عَلَى الْقَفَا فِي
الصَّلاَةِ
(باب) حكم (عقد) المصليّ (الإزار على القفا) بالقصر أي
إزاره على قفاه وهو مؤخر عنقه، والحال أنه داخل (في
الصلاة، وقال أبو حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن
دينار الأعرج الزاهد المدني مما وصله المؤلف في باب
الثوب إذا كان ضيفًا (عن سهل) الأنصاري، المتوفى سنة
إحدى وتسعين آخر مَن مات من الصحابة بالمدينة،
وللأصيلي عن سهل بن سعد (صلّوا) أي الصحابة (مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونهم
(عاقدي أزرهم) بضم الهمزة وسكون الزاي جمع إزار وهو
الملحفة (على عواتقهم) فكان أحدهم يعقد إزاره في قفاه،
وللكشميهني عاقدو أزرهم بالواو، وحينئذ فيكون خبر
مبتدأ محذوف أي صلّوا وهم عاقدوا أزرهم.
352 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي
وَاقِدُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْكَدِرِ قَالَ: صَلَّى جَابِرٌ فِي إِزَارٍ قَدْ
عَقَدَهُ مِنْ قِبَلِ قَفَاهُ وَثِيَابُهُ مَوْضُوعَةٌ
عَلَى الْمِشْجَبِ. قَالَ لَهُ قَائِلٌ: تُصَلِّي فِي
إِزَارٍ وَاحِدٍ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا صَنَعْتُ ذَلِكَ
لِيَرَانِي أَحْمَقُ مِثْلُكَ. وَأَيُّنَا كَانَ لَهُ
ثَوْبَانِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ [الحديث 352 - أطرافه في: 353،
361، 370].
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه إلى جدّه
لشهرته به، وإلاَّ فأبوه عبد الله، وتوفي بالكوفة سنة
سبع وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا عاصم بن محمد) أي ابن
زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنه (قال:
حدّثني) بالإفراد (واقد بن محمد) بالقاف المكسورة
والدال المهملة القرشي العدوي المدني أخو عاصم بن محمد
الراوي عنه، (عن محمد بن المنكدر) التابعي المشهور
(قال):
(صلىّ جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (في إزار قد
عقده من قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهة (قفاه
وثيابه موضوعة على المشجب) بكسر الميم وسكون الشين
المعجمة وفتح الجيم عيدان تضم رؤوسها ويفرج بين
قوائمها توضع عليها الثياب وغيرها والجملة اسمية
حالية. (قال) وللأربعة فقال (له قائل) هو عبادة بن
الوليد بن عبادة بن الصامت كما في مسلم (تصلّي في إزار
واحد) بهمزة الإنكار المحذوفة (فقال) جابر: (إنما صنعت
ذلك) باللام قبل الكاف وللحموي والكشميهني ذاك
بإسقاطها، وللمستملي بدلها هذا أي الذي فعله من
(1/387)
صلاته وإزاره معقود على قفاه وثيابه موضوعة
على المشجب (ليراني أحمق) بالرفع غير منصرف أي جاهل.
(مثلك) فينكر عليّ بجهله
فأظهر له جوازه ليقتدي به الجاهل ابتداء، ومثلك بالرفع
صفة أحمق لأنها وإن أُضيفت إلى معرفة لا تتعرّف
لتوغلها في الإبهام إلاّ إذا أُضيفت لما اشتهر
بالمماثلة وهنا ليس كذلك فلذا وقعت صفة للنكرة وهي
أحمق. (وأيّنا كان له ثوبان) استفهام يفيد النفي وغرضه
أن الفعل كان مقرّرًا (على عهد النبي) وللأصيلي على
عهد رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
وحينئذ فلا ينكر، وقد كان الخلاف في منع جواز الصلاة
في الثوب الواحد قديمًا، فعن ابن مسعود قال: لا تصليّ
في ثوب واحد وإن كان أوسع مما بين السماء والأرض.
ورواه ابن أبي شيبة وعامّة الفقهاء على خلافه.
ورواة هذا الحديث ما بين كوفي ومدني، وفي رواية الأخ
عن أخيه وهما عاصم وواقد وتابعي عن تابعي وهما واقد
ومحمد بن المنكدر، وفيه التحديث والعنعنة والقول.
353 - حَدَّثَنَا مُطَرِّفٌ أَبُو مُصْعَبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: رَأَيْتُ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ
وَاحِدٍ وَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ.
وبه قال: (حدّثنا مطرف) بضم الميم وفتح الطاء وكسر
الراء الهملتين وفي آخره فاء (أبو مصعب) بضم الميم
وفتح العين ابن عبد الله بن سليمان الأصم المدني صاحب
مالك الإمام (قال: حدّثنا عبد الرحمن بن أبي الموالي)
بفتح الميم على وزن الجواري، وفي الفرع الموالِ بغير
ياء (عن محمد بن المنكدر قال)
(رأيت جابر بن عبد الله يصلّي في ثوب واحد. وقال: رأيت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في
ثوب) أي واحد، وهذا أوقع في النفس وأصرح في الرفع من
الطريق السابق، وسقط عند الأصيلي لفظ ابن عبد الله.
4 - باب الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ
مُلْتَحِفًا بِهِ
قَالَ الزُّهْرِيُّ فِي حَدِيثِهِ: الْمُلْتَحِفُ
الْمُتَوَشِّحُ، وَهْوَ الْمُخَالِفُ بَيْنَ
طَرَفَيْهِ عَلَى عَاتِقَيْهِ، وَهْوَ الاِشْتِمَالُ
عَلَى مَنْكِبَيْهِ. قَالَ: وَقَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ:
"الْتَحَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِثَوْبٍ وَخَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ
عَلَى عَاتِقَيْهِ".
(باب) حكم (الصلاة في الثوب الواحد) حال كون الصليّ
(ملتحفًا) أي متغطيًا به. (قال) وللأصيلي. وقال
(الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (في حديثه) الذي رواه
في الالتحاف مما وصله ابن أبي شيبة في مصنفه عنه عن
سالم عن ابن عمر، أو المراد وصله أحمد عنه عن أبي
هريرة: (الملتحف المتوشّح وهو المخالف بين طرفيه) أي
الثوب (على عاتقيه وهو الاشتمال على منكبيه) أي منكبي
التوشّح. قال ابن السكّيت: هو أن يأخذ طرف الثوب الذي
ألقاه على منكبه الأيمن من تحت يده اليسرى، ويأخذ الذي
ألقاه على منكبه الأيسر من تحت يده اليمنى ثم يعقد
طرفيهما على صدره.
(قال) أي المؤلّف وهذه ساقطة عند أبوي ذر والوقت
والأصيلي وابن عساكر. (قالت) وللأربعة وقالت (أُم
هانئ) بالنون والهمزة فاختة بنت أبي طالب: (التحف
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثوب
وخالف) وللأصيلي في ثوب، ولأبي ذر عن الكشميهني بثوب
له وخالف (بين طرفيه على عاتقيه) وصله المؤلّف في هذا
الباب لكنه لم يقل فيه وخالد. نعم ثبت في مسلم من وجه
آخر عن أبي مرّة عنها، وفائدة هذه المخالفة في الثوب
كما قال ابن بطّال أن لا ينظر المصلّي إلى عورة نفسه
إذا ركع أو أن لا يسقط عند الركوع والسجود.
354 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي ثَوْبٍ
وَاحِدٍ قَدْ خَالَفَ بَيْنَ طَرَفَيْهِ. [الحديث 354
- طرفاه في: 355، 356].
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى)
العبسي مولاهم الكوفي (قال: حدّثنا) وفي رواية ابن
عساكر أخبرنا (هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه) عروة
بن الزبير بن العوّام (عن عمر بن أبي سلمة) بفتح اللام
وضمّ العين من عمر، واسم أبي سلمة عبد الله بن عبد
الأسد المخزومي ربيب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأُمه أُم المؤمنين أُم سلمة، ولد بالحبشة
في السنة الثانية، المتوفّى بالمدينة سنة ثلاث
وثمانين، ووهم مَن قال أنه قتل بوقعة الجمل نعم شهدها
وتوفي بالمدينة في خلافة عبد الملك بن مروان، له في
البخاري حديثان:
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى
في ثوب واحد قد خالف بين طرفيه). ورواة هذا الحديث ما
بين كوفي ومدني وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي
وهو سند عالٍ جدًّا، وله حكم الثلاثيات وإن لم يكن على
صورتها لأن أعلى ما يقع للمؤلّف يكون بينه وبين
الصحابي فيه اثنان، فإن كان الصحابي يرويه عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصورة الثلاثي
وإن كان عن صحابي آخر فلا، لكنه من حيث العلوّ واحد
لصدق أن بينه وبين الصحابي اثنين، وبالجملة فهو من
العلوّ النسبي.
355 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ:
حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ عُمَرَ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ
أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فِي بَيْتِ
أُمِّ سَلَمَةَ قَدْ أَلْقَى طَرَفَيْهِ عَلَى
عَاتِقَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى. قال: حدّثنا يحيى)
القطان (قال: حدّثنا هشام)
(1/388)
عن أبيه عروة بن الزبير (قال: حدّثني)
بالإفراد (أبي) عروة (عن عمر بن أبي سلمة) بضم العين.
(أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يصلّي في ثوب واحد في بيت أُمّ سلمة) أُم المؤمنين ظرف
ليصلّي (قد ألقى طرفيه) أي طرفي ثوبه (على عاتقيه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
إنما أورد المؤلّف هذا الحديث وإن كان أنزل من السابق
بدرجة لما وقع فيه من تصريح هشام عن أبيه بأن عمر
أخبره، وفي السابق وقع بالعنعنة وتصريح الصحابي بأنه
شاهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفعل
ما نقل أوْلاً بالصورة المحتملة مع تعيين المكان،
وزيادة كون طرفي الثوب على عاتقيه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
356 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ
أَنَّ عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ:
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُشْتَمِلاً
بِهِ فِي بَيْتِ أُمِّ سَلَمَةَ وَاضِعًا طَرَفَيْهِ
عَلَى عَاتِقَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبيد) بضم العين مصغرًا من غير إضافة
(ابن إسماعيل) الهباري بفتح الهاء وتشديد الموحدة
الكوفي (قال: حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا (أبو أسامة)
بضم الهمزة حماد بن أسامة (عن هشام) هو ابن عروة (عن
أبيه) عروة بن الزبير (أن عمر بن أبي سلمة) بضمّ العين
(أخبره قال):
(رأيت رسول الله) وللأصيلي رأيت النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في ثوب واحد) حال
كونه (مشتملاً به) وللمستملى والحموي مشتمل بالجرّ على
المجاورة قاله ابن حجر وغيره كالزركشي، وتعقّبه البدر
الدماميني فقال: الأولى أن يجعل صفة لثوب ثم أورد
سؤالاً فقال: فإن قلت: لو كان لبرز الضمير لجريان
الصفة على غير مَن هي له. وأجاب: بأن الكوفيين قاطبة
لا يُوجِبون إبرازه عند أمن اللّبس، ووافقهم ابن مالك
ومذهبهم في المسألة أقوى واللبس في الحديث مُنتَفٍ
اهـ.
ولأبي ذر مشتمل بالرفع خبر مبتدأ محذوف (في بيت أُم
سلمة) حال كونه (واضعًا طرفيه) بالتثنية أي الثوب (على
عاتقيه) صلوات الله وسلامه عليه وفي بيت ظرف ليصلّي أو
للاشتمال أولهما، وفي هذه الطريق النازلة السند أيضًا
تصريح هشام عن أبيه بأن عمر أخبره، وفي السابقتين
العنعنة وزيادة لفظ الاشتمال.
357 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ
قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَبِي
النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ
أَبَا مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ بِنْتِ أَبِي
طَالِبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ أُمَّ هَانِئٍ
بِنْتَ أَبِي طَالِبٍ تَقُولُ: ذَهَبْتُ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ
الْفَتْحِ فَوَجَدْتُهُ يَغْتَسِلُ، وَفَاطِمَةُ
ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ. قَالَتْ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ
فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ؟. فَقُلْتُ: أَنَا أُمُّ هَانِئٍ
بِنْتُ أَبِي طَالِبٍ. فَقَالَ: مَرْحَبًا بِأُمِّ
هَانِئٍ. فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ غُسْلِهِ قَامَ
فَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ مُلْتَحِفًا فِي ثَوْبٍ
وَاحِدٍ. فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ زَعَمَ ابْنُ أُمِّي أَنَّهُ قَاتِلٌ رَجُلاً
قَدْ أَجَرْتُهُ فُلاَنَ بْنَ هُبَيْرَةَ. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ يَا أُمَّ هَانِئٍ».
قَالَتْ أُمُّ هَانِئٍ: وَذَاكَ ضُحًى.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أُويس) بضم الهمزة
وفتح الواو مصغرًّا (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) وفي
غير رواية ابن عساكر مالك بن أنس إمام دار الهجرة (عن
أبي النضر) بفتح النون وسكون المعجمة سالم بن أبي أمية
(مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين في الأوّل والثاني،
المتوفّى سنة تسع وعشرين ومائة (أن أبا مرّة) بضمّ
الميم وتشديد الراء يزيد (مولى أُم هانئ) بالهمزة
فاختة (بنت أبي طالب أخبره أنه سمع أُم هانئ بنت أبي
طالب) رضي الله عنها حال كونها (تقول):
(ذهبت إلى رسول الله) وللأصيلي إلى النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح) في رمضان سنة
ثمان (فوجدته) حال كونه (يغتسل وفاطمة ابنته) رضي الله
عنها (تستره) جملة حالية أيضًا (قالت) أم هانئ:
(فسلّمت عليه، فقال) عليه الصلاة والسلام (مَن هذه؟)
قالت: أُم هانئ (فقلت أنا) وللأصيلي قلت (أم
هانئ بنت أبي طالب فقال) عليه الصلاة والسلام (مرحبًا
بأُم هانئ) بباء الجرّ ولابن عساكر مرحبًا يا أم هانئ
بيا النداء أي لقيت رحبًا وسعةً يا أُم هانئ (فلما
فرغ) عليه الصلاة والسلام (من غسله) بضم الغين (قام
فصلّى ثماني ركعات) حال كونه (ملتحفًا في ثوب واحد)
بكسر نون ثماني وفتح الياء مفعول فصلّى، ولابن عساكر
ثمان بفتح النون من غير ياء (فلما انصرف) عليه الصلاة
والسلام من صلاته (قلت: يا رسول الله زعم) أي قال أو
ادّعى (ابن أُمي) عليّ بن أبي طالب وهي شقيقته أُمهما
فاطمة بنت أسد بن هاشم، لكن خصّت الأُم لكونها آكد في
القرابة، ولأنها بصدد الشكاية في إخفار ذمتها فذكرت ما
بعثها على الشكوى حيث أُصيبت من محل يقتضي أنها لا
تصاب منه لما جرت العادة أن الأخوّة من جهة الأمُ أشدّ
في اقتضاء الحنان والرعاية من غيرها. نعم في رواية
الحموي زعم ابن أبي (أنه قاتل رجلاً) أي عازم على
مقاتلة رجل (قد أجرته) بالراء أي أمنته هو (فلان بن
هبيرة) بالرفع بتقدير هو كما مرَّ أو بالنصب بدلاً من
رجلاً أو من الضمير المنصوب، وهبيرة بضم الهاء وفتح
الموحدة ابن أبي وهب بن عمرو المخزومي زوج أُم هانئ
ولدت منه أولادًا منهم هانئ الذي كنيت
(1/389)
به هرب من مكة عام الفتح لما أسلمت هي ولم
يزل مشركًا حتى مات، وترك عندها ولدها منه جعدة وهو
ممّن له رؤية ولم تصحّ له صحبة، وابنه المذكور هنا
يحتمل أن يكون جعدة هذا، ويحتمل أن يكون من غير أُم
هانئ، ونسي الراوي اسمه، لكن قال ابن الجوزي: إن كان
المراد بفلان ابنها فهو جعدة، وردّه ابن عبد البرّ
وغيره لصغر سنّه إذ ذاك المقتضي لعدم مقاتلته، وحينئذ
فلا يحتاج إلى الأمان وبأن عليًّا لا يقصد قتل ابن
أُخته فكونه من غيرها أرجح، وجزم ابن هشام في تهذيب
السيرة بأن اللذين أجارتهما أُم هانئ هما الحرث بن
هشام وزهير بن أبي أُمية المخزوميان، وعند الأزرقي عبد
الله بن أبي ربيعة بدل زهير، قال في الفتح: والذي يظهر
لي أن في رواية الباب حذفًا كأنه كان فيه فلان ابن عمّ
هبيرة فسقط لفظ عمّ أو كان فيه فلان قريب هبيرة،
فتغيّر لفظ قريب بلفظ ابن وكلٌّ من: الحرث بن هشام،
وزهير بن أبي أمية، وعبد الله بن أبي ربيعة يصحّ وصفه
بأنه ابن عمّ هبيرة وقريبه لكون الجميع من بني مخزوم.
(فقال رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قد أجرنا مَن أجرت) أي أمّنّا
مَن أمّنت (يا أُم هانئ)
فلا لعليّ قتله (قالت أُم هانئ: وذاك) وللأصيلي وذلك
باللام أي صلاته الثمان ركعات (ضحى) أي وقت ضحى أو
صلاة ضحى، ويؤيّدها ما في رواية ابن شاهين قالت أُم
هانئ: يا رسول الله ما هذه الصلاة؟ قال: الضحى. ورواة
هذا الحديث مدنيون، وفيه التحديث بالجمع والإفراد
والعنعنة والإخبار والسّماع والقول.
358 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ
سَائِلاً سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّلاَةِ فِي ثَوْبٍ
وَاحِدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «أَوَ لِكُلِّكُمْ ثَوْبَانِ»؟
[الحديث 358 - طرفه في: 365].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام (عن ابن شهاب) الزهري
(عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
(أن سائلاً) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه لكن
ذكر شمس الأئمة السرخسي الحنفيّ في كتابه المبسوط أنه
ثوبان (سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن الصلاة في ثوب واحد) ولأبي الوقت في
الثوب الواحد بالتعريف (فقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أو لكلكم) أي أأنت سائل
عن مثل هذا الظاهر ولكلكم (ثوبان) فهو استفهام إنكاري
إبطالي. قال الخطابي: لفظه استخبار ومعناه الإخبار
عمّا هم عليه من قلّة الثياب، ووقع في ضمنه الفتوى من
طريق الفحوى، لأنه إذا لم يكن لكلٍّ ثوبان والصلاة
لازمة، فكيف لم يعلموا أن الصلاة في الثوب الواحد
الساتر للعورة جائزة، وهذا مذهب الجمهور من الصحابة
كابن عباس وعليّ ومعاوية وأنس بن مالك وخالد بن الوليد
وأبي هريرة وعائشة وأُم هانئ، ومن التابعين الحسن
البصري وابن سيرين والشعبي وابن المسيب وعطاء وأبو
حنيفة، ومن الفقهاء أبو يوسف ومحمد والشافعي ومالك
وأحمد في رواية وإسحاق بن راهويه.
5 - باب إِذَا صَلَّى فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ
فَلْيَجْعَلْ عَلَى عَاتِقَيْهِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا صلّى في الثوب الواحد فليجعل)
بعضه (على عاتقيه) بالتثنية، ولابن عساكر على عاتقه
وهو ما بين المنكبين إلى أصل العنق.
359 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ
أَبِي الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يُصَلِّي
أَحَدُكُمْ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ لَيْسَ عَلَى
عَاتِقَيْهِ شَىْءٌ». [الحديث 359 - طرفه في: 360].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد بفتح
الميم البصري النبيل (عن مالك) هو ابن أنس الأصبحي (عن
أبي الزناد) بالزاي المكسورة والنون (عن عبد الرحمن)
بن هرمز (الأعرج عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال):
(قال النبي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا يصلي أحدكم
في الثوب الواحد) حال كونه (ليس على عاتقيه) بالتثنية،
ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر على عاتقه (شيء).
زاد مسلم من طريق ابن عيينة عن أبي الزناد منه شيء،
ولا نافية ويصلّي بإثبات الياء وهو خبر بمعنى النهي،
وقال ابن الأثير: كذا في الصحيحين بإثبات الياء، وذلك
لا يجوز لأنّ حذفها علامة الجزم بلا الناهية، فإن صحّت
الرواية فتحمل على أن لا نافية اهـ.
وقد صحّت الرواية بذلك فلا وجه للتردّد، وقد رواه
الدارقطني في غرائب مالك لا يصلِّ بغير ياء، ومن طريق
عبد الوهاب بن عطاء عن مالك بلفظ: لا يصلين بزيادة نون
التوكيد، وهو عند الإسماعيلي بلفظ: نهى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والنهي المذكور
ليس محمولاً على التحريم، فقد ثبت
أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في ثوب
واحد كان أحد طرفيه على بعض نسائه وهي
(1/390)
نائمة، ومعلوم أن الطرف الذي هو لابسه من
الثوب غير متّسع لأن يتّزر به ويفضل منه ما كان على
عاتقه قال الخطابي فيما نقلوه عنه، لكن قال في الفتح:
إن فيه نظرًا لا يخفى، نعم نقل السبكي وجوبه عن نص
الشافعي واختاره، لكن المعروف عن الشافعية خلافه وعن
أحمد لا تصحّ صلاة مَن قدر على ذلك فتركه جعله شرطًا
وعنه تصحّ ويأثم جعله واجبًا مستقلاً. وفي الحديث
التحديث والعنعنة.
360 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ
عِكْرِمَةَ قَالَ: سَمِعْتُهُ -أَوْ كُنْتُ
سَأَلْتُهُ- قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ
يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ
صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ فَلْيُخَالِفْ بَيْنَ
طَرَفَيْهِ».
وبه قال: (حدّثنا أيو نعيم) الفضل بن دكين (قال:
حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن (عن يحيى بن أبي كثير)
بالمثلثة (عن عكرمة) مولى ابن عباس (قال: سمعته) أي
قال يحيى سمعت عكرمة (أو كنت سألته) بالشك أي كنت سمعت
منه إما ابتداء أو جواب سؤال لا أدري كيف وقع. (قال)
ولابن عساكر فقال أي عكرمة (سمعت أبا هريرة) رضي الله
عنه حال كونه (يقول):
(أشهد أنيّ سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول: مَن صلّى في ثوب) وللكشميهني في ثوب
واحد (فليخالف بين طرفيه) حمل الجمهور الأمر هنا على
الاستحباب وأتى بلفظ أشهد تأكيدًا لحفظه وتحقيقًا
لاستحضاره.
6 - باب إِذَا كَانَ الثَّوْبُ ضَيِّقًا
هذا (باب) بالتنوين (إذا كان الثوب ضيقًا) كيف يفعل
المصلّي.
361 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ
فَقَالَ: خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، فَجِئْتُ
لَيْلَةً لِبَعْضِ أَمْرِي، فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي
وَعَلَىَّ ثَوْبٌ وَاحِدٌ فَاشْتَمَلْتُ بِهِ
وَصَلَّيْتُ إِلَى جَانِبِهِ. فَلَمَّا انْصَرَفَ
قَالَ: مَا السُّرَى يَا جَابِرُ؟ فَأَخْبَرْتُهُ
بِحَاجَتِي. فَلَمَّا فَرَغْتُ قَالَ: مَا هَذَا
الاِشْتِمَالُ الَّذِي رَأَيْتُ؟ قُلْتُ: كَانَ ثَوْبٌ
-يَعْنِي ضَاقَ- قَالَ: «فَإِنْ كَانَ وَاسِعًا
فَالْتَحِفْ بِهِ، وَإِنْ كَانَ ضَيِّقًا فَاتَّزِرْ
بِهِ».
وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظيّ بضم
الواو وتخفيف الحاء المهملة وبالظاء المعجمة الحمصي
الحافظ الفقيه، المتوفى سنة اثنتين وعشرين ومائتين
(قال: حدّثنا فليح بن سليمان) بضم الفاء وفتح اللام
آخره حاء مهملة في الأوّل وضمّ السين وفتح اللام في
الثاني (عن سعيد بن الحارث) بالثاء المثلثة الأنصاريّ
قاضي المدينة (قال):
(سألنا جابر بن عبد الله) الأنصاري (عن الصلاة في
الثوب الواحد فقال: خرجت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض أسفاره) في غزوة بواط كما
في مسلم (فجئت ليلة) إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لبعض أمري) أي لأجل بعض حوائجي
(فوجدته) -صى الله عليه وسلم- (يصلّي وعليّ ثوب واحدة
فاشتملت به وصلّيت) منتهيًا (إلى جانبه) أو منضمًا إلى
جانبه (فلما انصرف) عليه السلام من الصلاة (قال: ما
السرى يا جابر) بضم السين والقصر أي ما سبب سيرك في
الليل وإنما سأله لعلمه بأن الحامل له على الجيء في
الليل أمر أكيد (فأخبرته بحاجتي، فلما فرغت قال) عليه
الصلاة والسلام: (ما هذا الاشتمال الذي رأيت) هو
استفهام إنكاري، وقد وقع في مسلم التصريح بسبب الإنكار
وهو أن الثوب كان ضيقًا وأنه خالف بين طرفيه وتواقص أي
انحنى عليه كأنه عند المخالفة بين طرفي الثوب لم يصر
ساترًا فانحنى ليستتر فأعلمه عليه السلام بأن محل ذلك
ما إذا كان الثوب واسعًا، فأما إذا كان ضيقًا فإنه
يجزئه أن يتّزر به لأن القصد الأصلي ستر العورة وهو
يحصل بالاتّزار ولا يحتاج إلى التواقص المغاير
للاعتدال المأمور به، أو الذي أنكره عليه السلام هو
اشتمال الصماء وهو أن يخلّل نفسه بثوب ولا يرفع شيئًا
من جوانبه ولا يمكنه إخراج يديه إلاّ من أسفله خوفًا
من أن تبدو عورته.
قال جابر: (قلت كان) الذي اشتملت به (ثوبًا) واحدًا،
ولكريمة وأبي ذر ثوب بالرفع. قال ابن حجر والبرماوي
والعيني والزركشي: على أن كان تامّة فلا تحتاج إلى
خبر، واعترضه البدر الدماميني فقال الاقتصار على ذلك
لا يظهر وأيّ معنى لإخباره بوجود ثوب في الجملة فينبغي
أن يقدّر ما يناسب المقام. زاد في فرع اليونينية يعني
ضاق (قال) عليه الصلاة والسلام: (فإن كان) الثوب
(واسعًا فالتحف) أي ارتدّ (به) أي بأن يأتزر بأحد
طرفيه ويرتدي بالطرف الآخر منه، (وإن كان) الثوب
(ضيقًا فاتزر به) بإدغام الهمزة المقلوبة تاء في التاء
وهو يردّ على التصريفيين حيث جعلوه خطأ.
362 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو حَازِمٍ عَنْ
سَهْلٍ قَالَ: كَانَ رِجَالٌ يُصَلُّونَ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَاقِدِي أُزْرِهِمْ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ كَهَيْئَةِ
الصِّبْيَانِ، وَقَالَ لِلنِّسَاءِ: "لاَ تَرْفَعْنَ
رُءُوسَكُنَّ حَتَّى يَسْتَوِيَ الرِّجَالُ جُلُوسًا".
[الحديث 362 - طرفاه في: 814، 1215].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا
يحيى) القطان (عن سفيان) الثوري لا ابن عيينة (قال:
حدّثني) بالإفراد ولأبوي ذر والوقت حدّثنا (أبو حازم)
بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (عن سهل) الساعدي
وللأصيلي عن سهل بن سعد (قال):
(كان رجال) أي بعض الرجال لا كلهم فالتنكير للتبعيض
(يصلون مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
(1/391)
حال كونهم (عاقدي أزرهم) بضم الهمزة وسكون
الزاي ونون عاقدين سقطت للإضافة (على أعناقهم كهيئة
الصبيان، وقال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وللكشميهنيّ ويقال وهو أعمّ من أن يكون
القائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو
من أمره. قال الحافظ ابن حجر: ويغلب على الظن أن
القائل بلال (للنساء) اللاتي يصلّين وراء الرجال
(لا ترفعن رؤوسكنّ) من السجود (حتى يستوي الرجال) حال
كونهم (جلوسًا) جمع جالس أو مصدر بمعنى جالسين، وإنما
قيل لهنّ ذلك لئلا يلمحن عند رفعهنّ من السجود شيئًا
من عورات الرجال كما وقع التصريح فيه في حديث أسماء
بنت أبي بكر المرويّ عند أحمد وأبي داود بلفظ: فلا
ترفع رأسها حتى يرفع الرجال رؤوسهم كراهة أن يرين
عورات الرجال. واستنبط منه النهي عن فعل مستحب خشية
ارتكاب محذور، لأن متابعة الإمام من غير تأخير مستحبة
فنهى عنها لما ذكر وأنه لا يحب الستر من أسفل بخلاف
الأعلى. وفي الإسناد التحديث والإخبار والعنعنة.
7 - باب الصَّلاَةِ فِي الْجُبَّةِ الشَّأْمِيَّةِ
وَقَالَ الْحَسَنُ فِي الثِّيَابِ يَنْسُجُهَا
الْمَجُوسِيُّ لَمْ يَرَ بِهَا بَأْسًا، وَقَالَ
مَعْمَرٌ: رَأَيْتُ الزُّهْرِيَّ يَلْبَسُ مِنْ
ثِيَابِ الْيَمَنِ مَا صُبِغَ بِالْبَوْلِ. وَصَلَّى
عَلِيٌّ فِي ثَوْبٍ غَيْرِ مَقْصُورٍ.
(باب الصلاة في الجبّة الشامية) التي ينسجها الكفّار
ما لم تتحقق نجاستها. (وقال الحسن) البصري مما وصله
أبو نعيم بن حماد في نسخته المشهورة (في الثياب ينسجها
المجوسي) بضم سين ينسجها من باب نصر ينصر وبكسرها من
باب ضرب يضرب، والأوّل هو الذي في الفرع فقط.
والمجوسي بالياء بلفظ المفرد في رواية الحموي
والكشميهني، والمارد الجنس ولغيرهما المجوس بصيغة
الجمع والجملة صفة للثياب، لأن الجملة وإن كانت نكرة
لكن المعرفة بلام الجنس كالنكرة ومنه قوله:
ولقد أمُرُّ على اللئيم يسبني
(لم ير بها) الحسن (بأسًا) أي قبل أن تغسل، وقد أجازه
الشافعي والكوفيون وكره ذلك ابن سيرين كما رواه ابن
أبي شيبة. ومطابقة هذا الأثر للترجمة ظاهرة ثم استطرد
المؤلّف فقال:
(وقال معمر) بفتح الميمين ابن راشد مما وصله عبد
الرزاق في مصنفه (رأيت الزهريّ) محمد بن مسلم بن شهاب
(يلبس من ثياب اليمن ما صبغ بالبول) أي بعد أن يغسله
أو المراد بول المأكول وهو طاهر عند الزهري، (وصلّى
عليّ) وللأصيلي وصلّى عليّ ابن أبي طالب مما رواه ابن
سعد (في ثوب) خام (غير مقصور) قبل أن يغسله.
363 - حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ
مَسْرُوقٍ عَنْ مُغِيرَةَ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ كُنْتُ
مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِي سَفَرٍ فَقَالَ: «يَا مُغِيرَةُ خُذِ
الإِدَاوَةَ». فَأَخَذْتُهَا. فَانْطَلَقَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى
تَوَارَى عَنِّي فَقَضَى حَاجَتَهُ، وَعَلَيْهِ
جُبَّةٌ شَأْمِيَّةٌ، فَذَهَبَ لِيُخْرِجَ يَدَهُ مِنْ
كُمِّهَا فَضَاقَتْ، فَأَخْرَجَ يَدَهُ مِنْ
أَسْفَلِهَا، فَصَبَبْتُ عَلَيْهِ فَتَوَضَّأَ
وُضُوءَهُ لِلصَّلاَةِ، وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ،
ثُمَّ صَلَّى.
وبالسند قال: (حدّثنا يحيى) هو ابن موسى أبو زكريا
البلخي المعروف بخت بفتح الخاء المعجمة وتشديد المثناة
الفوقية وليس هو يحيى بن معين ولا ابن جعفر البيكندي
(قال: حدّثنا أبو
معاوية) محمد بن خازم بالخاء والزاي المعجمتين أو هو
أبو معاوية شيبان النحوي وجزم الحافظ ابن حجر بأنه
الأوّل (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم) هو ابن
صبيح بضم المهملة العطاردي، أو هو مسلم بن عمران
البطين وجزم في فتح الباري بأنه الأوّل أيضًا (عن
مسروق) هو ابن الأجدع الهمداني وسمّي به لأنه سرقه
سارق في صغره (عن مغيرة بن شعبة) رضي الله عنه (قال):
(كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
سفر) سنة تسع في غزوة تبوك (فقال) ولأبي ذر قال: (يا
مغيرة خذ
الإداوة) بكسر الهمزة وجمعها أداوي أي المطهرة
(فأخذتها فانطلق رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حتى توارى) أي غاب وخفي (عني ففض) بالفاء
وللأصيلي وقضى (حاجته وعليه جبّة شامية) من نسج
الكفّار الفارّين بالشام لأنها إذ ذاك كانت دارهم،
(فذهب) عليه الصلاة والسلام (ليخرج يده من كمّها
فضاقت) أي الجبّة لأن الثياب الشامية كانت حينئذ ضيقة
الأكمام (فأخرج) عليه الصلاة والسلام (يده من أسفلها
فصببت عليه) الماء (فتوضأ وضوءه للصلاة ومسح على
خُفّيه ثم صلى). ورواة هذا الحديث ما بين بلخي وكوفي،
وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الجهاد
واللباس ومسلم في الطهارة وكذا النسائي وابن ماجة.
8 - باب كَرَاهِيَةِ التَّعَرِّي فِي الصَّلاَةِ
وَغَيْرِهَا
(باب كراهية التعرّي في) نفس (الصلاة) وللكشميهني
والحموي زيادة وغيرها أي غير الصلاة.
364 - حَدَّثَنَا مَطَرُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ:
حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ
بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ
قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْقُلُ مَعَهُمُ
الْحِجَارَةَ لِلْكَعْبَةِ وَعَلَيْهِ إِزَارُهُ،
فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ عَمُّهُ: يَا ابْنَ أَخِي
لَوْ حَلَلْتَ إِزَارَكَ فَجَعَلْتَ عَلَى
مَنْكِبَيْكَ دُونَ الْحِجَارَةِ. قَالَ: فَحَلَّهُ
فَجَعَلَهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، فَسَقَطَ مَغْشِيًّا
عَلَيْهِ، فَمَا رُئِيَ بَعْدَ ذَلِكَ عُرْيَانًا
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 364 -
طرفاه في: 1583، 3829].
وبالسند قال: (حدّثنا مطر بن الفضل) المروزي (قال:
حدّثنا روح) بفتح الراء وسكون الواو ابن عبادة التنيسي
(قال: حدّثنا زكريا بن إسحاق) المكّي (قال: حدّثنا
عمرو بن دينار) بفتح العين الجمحي (قال): (سمعت جابر
بن عبد الله) الأنصاري حال كونه (يحدّث أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(1/392)
وَسَلَّمَ- كان ينقل معهم الحجارة) أي مع
قريش (للكعبة) أي لبنائها وكان عمره عليه السلام إذ
ذاك خمسًا وثلاثين سنة، وقيل: كان قبل المبعث بخمس
عشرة سنة، وقيل كان عمره خمس عشرة سنة (وعليه إزاره)
ولابن عساكر وعليه إزار بغير ضمير والجملة حالية
بالواو، وفي بعض الأصول بغير واو (فقال له العباس
عمّه) بالرفع عطف بيان (يا ابن أخي لو حللت إزارك)
لكان أسهل عليك أو لو بمعنى التمنّي فلا جواب لها
(فجعلت) وللكشميهني فجعلته بالضمير أي الإزار (على
منكبيك دون الحجارة) أي تحتها (قال) جابر أو مَن حدّثه
(فحلّه) أي حلّ عليه السلام الإزار (فجعله على منكبيه
فسقط) عليه السلام حال كونه (مغشيًّا) بفتح الميم
وسكون الغين المعجمة أي مغمى (عليه) أي لانكشاف عورته،
لأنه عليه الصلاة والسلام كان مجبولاً على أحسن
الأخلاق من الحياء الكامل حتى كان أشدّ حياءً من
العذراء في خدرها، فلذلك غشي عليه، ورُوِيَ مما هو في
غير الصحيحين أن الملك نزل عليه فشدّ عليه إزاره (فما
رُئِيَ) بضم الراء فهمزة مكسورة فمثناة تحتية مفتوحة
أو بسكر الراء فياء ساكنة فهمزة مفتوحة (بعد ذلك
عريانًا) بالنصب على الحال، وعند الإسماعيلي فلم يتعرّ
بعد ذلك (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
فإن قلت: ما الجمع بين حديث الباب وما ذكره ابن إسحاق
من أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تعرّى وهو
صغير عند حليمة فلكمه لاكم فلم يعد يتعرّى بعد ذلك؟
أُجيب بأنه إن ثبت حمل النفي فيه على التعرّي لغير
ضرورة عادية، والذي في حديث الباب على الضرورة العادية
والنفي فيها على الإطلاق أو يتقيد بالضرورة الشرعية
كحالة النوم مع الزوجة أحيانًا، واستنبط من الحديث منع
بدوّ العورة إلاّ ما رخص من رؤية الزوجات لأزواجهنّ
عُراة.
ورواة هذا الحديث ما بين تنيسي ومروزي ومكّي وفيه
التحديث والسماع، ورواية جابر له من مراسيل الصحابة
لأن ذلك كان قبل البعثة فأما أن يكون سمع ذلك من النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك أو من
بعض مَن حضر ذلك من الصحابة، وقد اتفقوا على الاحتجاج
بمرسل الصحابي إلاّ ما تفرّد به أبو إسحاق الإسفرايني
لكن في السياق ما يستأنس لأخذ ذلك من العباس فلا يكون
مرسلاً.
9 - باب الصَّلاَةِ فِي الْقَمِيصِ وَالسَّرَاوِيلِ
وَالتُّبَّانِ وَالْقَبَاءِ
(باب الصلاة في القميص والسراويل والتبّان) بضم
المثناة الفوقية وتشديد الموحدة سراويل صغيرة يستر
العورة المغلظة فقط (والقباء) بفتح القاف وتخفيف
الموحدة مع المدّ والقصر مشتق من القبو وهو الضم
والجمع سمّي به لانضمام أطرافه، وأول مَن لبسه سليمان
عليه الصلاة والسلام.
365 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ
مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "قَامَ رَجُلٌ
إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَسَأَلَهُ عَنِ الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الْوَاحِدِ،
فَقَالَ: أَوَ كُلُّكُمْ يَجِدُ ثَوْبَيْنِ. ثُمَّ
سَأَلَ رَجُلٌ عُمَرَ، فَقَالَ: إِذَا وَسَّعَ اللَّهُ
فَأَوْسِعُوا: جَمَعَ رَجُلٌ عَلَيْهِ ثِيَابَهُ،
صَلَّى رَجُلٌ فِي إِزَارٍ وَرِدَاءٍ، فِي إِزَارٍ
وَقَمِيصٍ، فِي إِزَارٍ وَقَبَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ
وَرِدَاءٍ، فِي سَرَاوِيلَ وَقَمِيصٍ، فِي سَرَاوِيلَ
وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ وَقَبَاءٍ، فِي تُبَّانٍ
وَقَمِيصٍ، -قَالَ وَأَحْسِبُهُ قَالَ- فِي تُبَّانٍ
وَرِدَاءٍ".
وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) أبو أيوب (قال:
حدّثنا حمّاد بن زيد) أبو إسماعيل (عن أيوب) السختياني
(عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة) رضي الله عنه
(قال):
(قام رجل) لم يُسَمَّ (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله عن الصلاة في الثوب الواحد)
أي هل تصحّ أم لا؟ (فقال) عليه السلام (أو كلكم) بهمزة
الاستفهام الإنكاري الإبطالي وواو العطف وأصل الكلام
وأكلكم، لكن قدّم الاستفهام لأن له صدر الكلام أو
الواو عاطفة على محذوف بين الهمزة والواو دلّ عليه
المعطوف ولا تقديم ولا تأخير، فالتقدير هنا أكلكم يجد
ثوبين وكلكم يجد ثوبين والأول أولى والتقديم والتأخير
أسهل من الحذف، والمعنى ليس كلكم (يجد ثوبين) فلذا
تصحّ الصلاة في الثوب الواحد، (ثم سأل رجل عمر) بن
الخطاب رضي الله عنه أنهى عن الصلاة في الثوب الواحد.
والسائل يحتمل أن يكون هو ابن مسعود أو أُبيًّا لأنهما
اختلفا في ذلك كما رواه عبد الرزاق فقال أبي: الصلاة
في الثوب الواحد لا تكره، وقال ابن مسعود: إنما كان
ذلك وفي الثياب قلّة، (فقال) عمر رضي الله عنه مجيبًا
للسائل: (إذا وسع الله فأوسعوا) فيه دليل على أن الثوب
الواحد كاف وأن الزيادة استحسان (جمع) أي ليجمع (رجل
عليه) أي على نفسه (ثيابه صلّى) أي ليصلّ (رجل في
إزار) وهو ما يؤتزر به في النصف الأسفل (ورداء) للنصف
الأعلى أو (في إزار وقميص) أو (في إزار وقباء) أو (في
سراويل ورداء) غير منصرف على وزن مفاعيل، أو (في سرايل
وقميص) أو (في
(1/393)
سراويل وقباء) أو (في تبّان وقباء) أو (في
تبّان وقميص).
(قال) أي أبو هريرة (وأحسبه) أي عمر (قال) أو (في
تبّان ورداء) وهذه تسع صور، ولم يجزم أبو هريرة بل
ذكره بالحسبان لإمكان أن عمر أهمل ذلك لأنّ التبّان لا
يستر العورة كلها بناء على أن الفخذ من العورة، فالستر
به حاصل مع القباء ومع القميص، وأما مع الرداء فقد لا
يحصل. ورأى أبو هريرة أن انحصار القسمة يقتضي ذكر هذه
الصورة والستر قد يحصل بها إذا كان الرداء سابغًا
وقدّم ملابس الوسط لأنها محل ستر العورة، وهذه الجملة
من قوله جمع إلى هنا من تتمة قول عمر وعبّر بصيغة
الماضي ومراده الأمر أي ليجمع وليصل كما مرّ، ومثله في
كلام العرب: اتقى الله امرؤ فعل خيرًا يثب عليه أي
ليتّق الله وليفعل. وقال ابن المنير: الصحيح أنه كلام
في معنى الشرط كأنه قال: إن جمع رجل عليه ثيابه فحسن
وحذف أو العاطفة في المواضع التسعة على قول مَن يجوّز
ذلك من النحاة، والأصل إثباتها كما قاله ابن مالك.
وعورض بأنه لا يتعيّن أن يكون المحذوف حرف عطف، بل
يحتمل أن يكون المحذوف فعلاً أي صلّى في إزار وقميص
صلى في إزار وقباء وكذا الباقي أي ليجمع عليه ثيابة
ليصلِّ إلي كذا، والحمل على هذا أولى لثبوته إجماعًا
وحذف حرف العطف بابه الشعر فقط وعند بعض وقوعه في
الشعر مختلف فيه أو أنها على سبيل التعداد فلا حاجة
للعطف.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة.
366 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "سَأَلَ رَجُلٌ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ؟ فَقَالَ: لاَ
يَلْبَسُ الْقَمِيصَ وَلاَ السَّرَاوِيلَ وَلاَ
الْبُرْنُسَ وَلاَ ثَوْبًا مَسَّهُ الزَّعْفَرَانُ
وَلاَ وَرْسَ، فَمَنْ لَمْ يَجِدِ النَّعْلَيْنِ
فَلْيَلْبَسِ الْخُفَّيْنِ وَلْيَقْطَعْهُمَا حَتَّى
يَكُونَا أَسْفَلَ مِنَ الْكَعْبَيْنِ».
وَعَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا عاصم بن علي) هو ابن عاصم الواسطي
(قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن نسبه
إلى جدّه لشُهرته به (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
(عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر (عن ابن عمر) بن
الخطاب رضي الله عنه (قال):
(سأل رجل) لم يُسمّ كما في الفتح (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) بالفاء التفسيرية
إذ هو نفس سأل
وللأصيلي قال (ما يلبس المحرم: فقال) عليه السلام: (لا
يلبس القميص) بفتح القاف ولا ناهية فتكسر السين أو
نافية فتضم (ولا السراويل ولا البرنس) بضم الموحدة
والنون ثوب معروف رأسه ملصق فيه أو هو قلنسوة طويلة
كان الناس يلبسونها في صدر الإسلام، والسراويل مفرد
بلفظ الجمع وجمعه سراويلات (ولا ثوبًا) ويجوز رفعه
بتقدير فعل مبني للمفعول أي ولا يلبس ثوب (منه
الزعفران) بفتح الزاي والفاء ولأبي ذر والأصيلي وابن
عساكر زعفران (ولا ورس) بفتح الواو وسكون الراء آخره
سين مهملة نبت أصفر باليمن يصبغ به (فمَن لم يجد
النعلين فليلبس الخفّين وليقطعهما حتى يكونا) وللحموي
والمستملي حتى يكون بالإفراد أي كل واحد منهما (أسفل
من الكعبين) هو إذن في ذلك لا أمر إذ لا يجب على مَن
فقد النعلين لبس الخفّين المقطوعين، والمراد هنا من
الحديث أن الصلاة تجوز بدون القميص والسراويل وغيرهما
من المَخيط لأمر المحرم باجتناب ذلك وهو مأمور
بالصلاة.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف
أيضًا في اللباس والحج وتأتي بقية مباحثه فيه إن شاء
الله تعالى بعون الله ثم عطف المؤلّف قوله.
(وعن نافع) على قوله عن الزهري كما قال الحافظ ابن
حجر، وقال البرماوي كالكرماني هو تعليق، ويحتمل أنه
عطف على سالم فيكون متصلاً، وتعقبه ابن حجر بأن
التجويزات العقلية لا يليق استعمالها في الأمور
النقلية، فإن المؤلّف رحمه الله أخرج الحديث في آخر
كتاب العلم عن آدم عن ابن أبي ذئب فقدّم طريق نافع
وعطف عليها طريق الزهري عكس ما هنا، وانتصر العيني
رحمه الله تعالى للكرماني رادًّا على ابن حجر بأنه
تعليق بالنظر إلى ظاهر الصورة، مع أن الكرماني لم يجزم
بذلك، بل قال: ويحتمل أن يكون عطفًا على سالم قال: ولا
فرق بين أن يقال عطفًا على سالم أو عطفًا على الزهري،
وأجاب ابن حجر في انتقاض الاعتراض بأنه إذا اتّضح
المراد فأيّ وجه للنزول وبأن قوله عطفًا على سالم يصير
كأن ابن أبي ذئب رواه عن الزهري عن نافع، فهو عند ابن
أبي ذئب عن شيخين بالنزول عن الزهري عن سالم، وبالعكس
عن نافع وسالم ونافع روياه جميعًا عن ابن عمر، قال:
فمَن كان هذا مبلغ فهمه فكيف يليق به التصدّي للردّ
على غيره اهـ.
(عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (عن
(1/394)
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مثله) أي مثل حديث سالم الرضي الله عنه.
10 - باب مَا يَسْتُرُ مِنَ الْعَوْرَةِ
(باب ما يستر من العورة) بضم المثناة التحتية وفتح
الفوقية ويجوز الفتح والضم وما مصدرية أو موصولة ومن
بيانية والعورة السوأة وكل ما يستحيا منه.
367 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ
اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ
فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَى فَرْجِهِ مِنْهُ
شَىْءٌ". [الحديث 367 - أطرافه في: 1991، 2144، 2147،
5820، 5822، 6284].
وبه قال (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البلخيّ (قال:
حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام وللأصيلي وابن عساكر
الليث بالتعريف (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن
عبد الله) بتصغير الأول (ابن عتبة) بن مسعود (عن أبي
سعيد الخدري) بالدال المهملة (أنه قال):
(نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عن اشتمال الصماء) بالمهملة والمدّ. قال الأصمعي: هو
أن يشتمل بالثوب حتى يجلل به جسده لا يرفع منه جانبًا
فلا يبقى ما يخرج منه يده اهـ. ومن ثم سميت صمّاء كما
قال ابن قتيبة لسدّ المنافذ كلها كالصخرة الصمّاء ليس
فيها خرق، فيكون النهي مكروهًا لعدم قدرته على
الاستعانة بيديه فيما يعرض له في الصلاة كدفع بعض
الهوام، وفي كتاب اللباس عند المؤلّف والصمّاء أن يجعل
ثوبه على أحد عاتقيه فيبدو أحد شقّيه وهو موافق لتفسير
الفقهاء، وحينئذ فيحرم إن انكشف منه بعض العورة وإلاّ
فيكره.
(و) نهى عليه الصلاة والسلام أيضًا عن (أن يحتبي
الرجل) أو وعن احتباء الرجل بأن يقعد على أليتيه وينصب
ساقيه ملتفًا (في ثوب واحد ليس على فرجه منه) أي من
الثوب (شيء) أما إذا كان مستور العورة فلا يحرم.
ورواة هذا الحديث ما بين بلخي ومصري ومدني، وفيه
التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في اللباس
والبيوع، وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
368 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ بْنُ عُقْبَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "نَهَى
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ
بَيْعَتَيْنِ: عَنِ اللِّمَاسِ وَالنِّبَاذِ، وَأَنْ
يَشْتَمِلَ الصَّمَّاءَ، وَأَنْ يَحْتَبِيَ الرَّجُلُ
فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ". [الحديث 368 - أطرافه في: 584،
588، 1993، 2145، 2146، 5819، 5821].
وبه قال: (حدّثنا قبيصة بن عقبة) بفتح القاف في الأوّل
وضمّ العين في الثاني وليس عند الأصيلي ابن عقبة (قال:
حدّثنا سفيان) الثّوري (عن أبي الزناد) بكسر الزاي
وبالنون عبد الله بن
ذكوان (عن الأعرج) هو عبد الرحمن بن هرمز من كبار
التابعين (عن أبي هريرة) عبد الرحمن بن صخر (قال):
(نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن
بيعتين) بفتح الموحدة كما في الفرع وهو المشهور على
الألسنة لكن الأحسن كسرها لأن المراد به الهيئة
كالركبة والجلسة (عن اللماس) بكسر اللام وهو أن يلمس
ثوبًا مطويًّا أو في ظلمة ثم يشتريه على أن لا خيار له
إذا رآه أيضًا اكتفاء بلمسه عن رؤيته، أو يقول إذا
لمسته فقد بعتكه اكتفاء بلمسه عن الصيغة أو يبيعه
شيئًا على أنه متى لمسه لزم البيع وانقطع خيار المجلس.
(و) عن (النباذ) بكسر النون والمعجمة آخره وهو أن
يجعلا النبذ بيعًا اكتفاء به عن الصيغة، فيقول أحدهما
أنبذ إليك ثوبي، بعشرة فيأخذه الآخر، أو يقول بعتك هذا
بكذا على أني إذا نبذت إليك لزم البيع وانقطع الخيار
والبطلان فيهما لعدم الرؤية أو عدم الصيغة أو للشرط
الفاسد. (و) نهى عليه الصلاة والسلام أيضًا (أن يشتمل)
أي عن اشتمال الثوب كاشتمال الصخرة (الصماء) لكونها
مسدودة المنافذ فيعسر أو يتعذّر على المشتمل إخراج يده
لما يعرض له في صلاته من دفع بعض الهوام ونحوها، أو
لانكشاف عورته على التفسير السابق المعزوّ للفقهاء
الموافق لما عند المؤلّف في اللباس كما مرّ ولابن
عساكر وأن يشتمر بضم أوّله مبنيًّا للمفعول الصماء
بالرفع نائبًا عن الفاعل، (و) نهى (أن يحتبي) بفتح
أوّله وكسر الموحدة ولابن عساكر يحتبي بضم أوله وفتح
الموحدة (الرجل) أي عن احتباء الرجل القاعد على أليتيه
منتصبًا ساقه وقوله الرجل ساقط لابن عساكر ملتفًا (في
ثوب واحد) والمطلق هنا في الاحتباء محمول على المقيد
في الحديث السابق بقوله ليس على فرجه منه شيء.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والقول ورواية تابعي
عن صحابي، وهو مما قيل فيه أنه أصح الأسانيد، وأخرجه
المؤلّف في الصلاة واللباس، ومسلم والترمذي والنسائي
وابن ماجه في التجارات واللباس.
369 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي
حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ
أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: "بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِي
تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنِينَ يَوْمَ النَّحْرِ
تُؤَذِّنُ بِمِنًى أَنْ لاَ يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ
مُشْرِكٌ وَلاَ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ. قَالَ
حُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: ثُمَّ أَرْدَفَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةَ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ
فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ: لاَ يَحُجُّ
بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ
عُرْيَانٌ". [الحديث 369 - أطرافه في: 1622، 3177،
4363، 4655، 4656، 4657].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن راهويه أو ابن منصور
تردّد فيه لأنهما يرويان عن يعقوب نعم جزم بالأول إمام
السُّنَّة وحافظها ابن حجر مستندًا إلى أن في نسخته من
طريق أبي ذر إسحاق بن إبراهيم وهو ابن راهويه (قال:
حدّثنا) وللأصيلي أخبرنا (يعقوب بن
(1/395)
إبراهيم) بن سعد سبط عبد الرحمن بن عوف
(قال: حدّثنا ابن أَخي ابن شهاب) هو محمد بن عبد الله
بن أخي بن شهاب
محمد بن مسلم (عن عمّه) محمد بن شهاب الزهري (قال:
أخبرني) بالإفراد (حميد بن عبد الرحمن) بضم الحاء
المهملة وفتح الميم (ابن عوف) التابعي (أن أبا هريرة)
رضي الله عنه (قال):
(بعثني أبو بكر) الصديق رضي الله عنه (في تلك الحجة)
التي حجّها أبو بكر بالناس قبل حجة الوداع بسنة (في
مؤذنين) بكسر الذال والنون أي رهط يؤذنون في الناس
(يوم النحر نؤذن) بنون فهمزة (بمنى أن لا يحجّ بعد
العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان) بإدغام نون أن في
لا يحج، ويحتمل أن تكون تفسيرية فلا نافية ويحجّ ويطوف
رفع، أو لا ناهية كما قاله ابن حجر وردّه العيني قال
الدماميني: لأن بعده ولا يطوف، ويحتمل أن تكون ناصبة
فيحجّ ويطوف نصب والظاهر كما قاله الكرماني أن قوله
بعد العام أي بعد خروج هذا العام لا بعد دخوله، لكن
قال العيني: ينبغي أن يدخل هذا العام أيضًا بالنظر إلى
التعليل اهـ. وللكشميهني ألا لا يحج بتخفيف اللام
للاستفهام قبل
حرف النهي.
(قال حميد بن عبد الرحمن) بن عوف التابعي (ثم أردف) أي
أرسل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عليًّا) وراء أبي بكر (فأمره أن يؤذن ببراءة) بالرفع
كما في اليونينية على الحكاية، ويجوز الفتح على أنها
علم للسورة والكسر مع التنوين أي بسورة براءة والحكمة
في تخصيص عليّ بذلك أن براءة تضمنت نقض العهد، وكان من
سيرة العرب أن لا يحلّ العقد إلا الذي عقده أو رجل من
أهل بيته، وهذا مرسل من تعاليق البخاري أو داخل تحت
الإسناد وكذا قوله: (قال أبو هريرة) (فأذن) بتشديد
الذال (معنا) بفتح العين وإسكانها (عليّ في أهل منى
يوم النحر لا يحجّ بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت
عريان) بالرفع في يحج ويطوف فقط، وفيه إبطال ما كانت
عليه الجاهلية من الطواف عُراة فستر العورة شرط خلافًا
للحنفية لكن يكره عندهم. وفي هذا الحديث رواية التابعي
عن التابعي والتحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في
الجزية والمغازي والحج والتفسير، ومسلم في الحج، وكذا
أبو داود والنسائي.
11 - باب الصَّلاَةِ بِغَيْرِ رِدَاءٍ
(باب الصلاة بغير رداء).
370 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي الْمَوَالِي
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: دَخَلْتُ
عَلَى جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ يُصَلِّي
فِي ثَوْبٍ مُلْتَحِفًا بِهِ وَرِدَاؤُهُ مَوْضُوعٌ.
فَلَمَّا انْصَرَفَ قُلْنَا: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ
تُصَلِّي وَرِدَاؤُكَ مَوْضُوعٌ؟ قَالَ: نَعَمْ،
أَحْبَبْتُ أَنْ يَرَانِي الْجُهَّالُ مِثْلُكُمْ.
رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُصَلِّي هَكَذَا.
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي
(قال: حدّثنا ابن أبي الموالي) عبد الرحمن (عن محمد بن
المنكدر قال):
(دخلت على جابر بن عبد الله وهو يصلّي في ثوب) حال
كونه (ملتحفًا به) أي بالثوب ويجوز ملتحف بالجرّ على
الجوار أو صفة للثوب. قال الحافظ ابن حجرة: وهو في
نسختي عن الحموي والمستملي؟ وفي رواية أبي ذر ملتحف
بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو ملتحف به (ورداؤه موضوع)
على الأرض أو على المشجب ونحوه والجملة حالية اسمية،
(فلما انصرف) من صلاته (قلنا يا أبا عبد الله) هي كنية
جابر (تصليّ ورداؤك موضوع؟ قال: نعم) أي أصليّ وردائي
موضوع (أحببت أن يراني الجهّال مثلكم) بالرفع صفة
للجهّال وهي وإن كانت لا تتعرف بالإضافة فالموصوف وهو
الجهّال قريب من النكرة لأن اللام فيه للجنس، وكون مثل
مفردًّا وصف به جمع والتطابق بين الصفة الموصوف في
الإفراد والجمع شرط فلأنه بمعنى المثيل على وزن فعيل
يستوي فيه المذكر والمؤنث والإفراد والجمع، أو يقال
أنه اكتسب الجمعية من المضاف إليه أو هو جنس يطلق على
المفرد والمثنى والجمع، ويجوز النصب على الحال. (رأيت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي
كذا)، وللكشميهني هكذا، وسبب إغلاظ جابر أنه فهم من
السائل الإنكار وأنه يحب أن يراه الجهّال ليتنبهوا
لإفادة الحكم.
12 - باب مَا يُذْكَرُ فِي الْفَخِذِ
وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَرْهَدٍ وَمُحَمَّدِ
بْنِ جَحْشٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «الْفَخِذُ عَوْرَةٌ». وَقَالَ أَنَسٌ:
حَسَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَنْ فَخِذِهِ. وَحَدِيثُ أَنَسٍ أَسْنَدُ،
وَحَدِيثُ جَرْهَدٍ أَحْوَطُ، حَتَّى يُخْرَجَ مِنِ
اخْتِلاَفِهِمْ. وَقَالَ أَبُو مُوسَى: غَطَّى
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رُكْبَتَيْهِ حِينَ دَخَلَ عُثْمَانُ. وَقَالَ زَيْدُ
بْنُ ثَابِتٍ: أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفَخِذُهُ عَلَى
فَخِذِي، فَثَقُلَتْ عَلَىَّ حَتَّى خِفْتُ أَنْ
تُرَضَّ فَخِذِي.
(باب ما يذكر في) حكم (الفخذ) وللكشميهني من الفخذ
(ويروى) بضم الياء مبنيًّا للمفعول تعليق بصيغة
التمريض ولأبوي ذر والوقت قال أبو عبد الله أي
البخاري: ويروي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله
أحمد والترمذي بسند فيه أبو يحيى القتات وهو ضعيف، (و)
عن (جرهد) بفتح الجيم والهاء الأسلمي مما وصله في
الموطأ وحسنه الترمذي وصحّحه ابن
(1/396)
حبّان (و) عن (محمد بن جحش) نسبة إلى جدّه
لشُهرته به، وإلاّ فاسم أبيه عبد الله الأسدي وهو ابن
أخي زينب أُم المؤمنين له ولأبيه صحبة، قال ابن حبّان:
سمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ووصل حديثه هذا المؤلّف في تاريخه وأحمد والحاكم. (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الفخذ
عورة. وقال أنس) مما وصله المؤلّف قريبًا وللأصيلي
وقال أنس بن مالك (حسر) بالهملات المفتوحة أي كشف
(النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن فخذه،
وحديث أنس) ولابن عساكر قال أبو عبد الله أي المؤلّف:
وحديث أنس (أسند) أي أقوى وأحسن سندًا من الحديث
السابق.
(و) هو (حديث جرهد) وما معه لكن العمل به (أحوط) من
حديث أنس أي أكثر احتياطًا في أمر الستر (حتى يخرج)
بضم المثناة التحتية وفتح الراء، وفي رواية حتى يخرج
بفتح المثناة التحتية
وضمّ الراء كذا في الفرع، وقال الحافظ ابن حجر روايتنا
بفتح النون وضم الراء (من اختلافهم) أي العلماء، فقال
الجمهور من التابعين وأبو حنيفة ومالك في أصح أقواله،
والشافعي وأحمد في أصح روايتيه، وأبو يوسف ومحمد الفخذ
عورة. وذهب ابن أبي ذئب وداود وأحمد في إحدى روايتيه
والإصطخري من الشافعية وابن حزم إلى أنه ليس بعورة قال
في المحلىّ لو كان عورة ما كشفها الله تعالى من رسوله
المطهر المعصوم من الناس ولا رآها أن ولا غيره.
(وقال أبو موسى) الأشعري مما هو طرف من حديث موصول عند
المؤلّف في مناقب عثمان رضي الله عنه: (غطى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركبتيه) بالتثنية
وفي رواية ركبته (حين دخل عثمان) رضي الله عنه أدبًا
معه واستحياء، ولذا قال كما في مسلم والبيهقي ألا
أستحي من رجل تستحي منه الملائكة، وقد كان عليه الصلاة
والسلام يفعل مع كل واحد من أصحابه ما هو الغالب عليه،
فلما كان الغالب على عثمان رضي الله عنه الحياء عامله
بذلك جزاءً وفاقًا، كشف ركبته عليه الصلاة والسلام قبل
دخول عثمان رضي الله عنه دليل على أنها ليست بعورة مع
أن ستر العورة واجب مطلقًا ولو في خلوة إلاّ عن نفسه
ويكره نظره سوأتيه ويُباح كشفها لغسل ونحوه خاليًا،
وعورة الرجل والصبي والأمة قنة أو مبعضة أو مكاتبة أو
مدبرة أو مستولدة، والحرّة عند المحارم عند الشافعية
ما بين السرّة والركبة لحديث عورة الرجل ما بين سرّته
إلى ركبته ورواه الحرث بن أبي أُسامة، وقيس بالرجل
الأمة بجامع مع أن رأس كلٍّ منهما ليس بعورة، وفي
السُّنن أن عورتها ما بين معقد إزارها إلى ركبتها، نعم
يجب ستر بعض السرّة والركبة ليحصل الستر، وقيل هما
عورة، وقيل الركبة دون السرّة لحديث الدارقطني: عورة
الرجل ما دون سرّته حتى يجاوز ركبتيه وهو مذهب
الحنفية، وعورة الحرّة في الصلاة وعند الأجنبي جميع
بدنها إلاّ الوجه والكفّين أي اليدين ظاهرًا وباطنًا
إلى الكوعين كما فسّر به ابن عباس قوله تعالى: {إِلَّا
مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور: 31] والخنثى كالأُنثى،
فلو استتر كالرجل بأن اقتصر على ستر ما بين سرّته
وركبته وصلّى لم تصحّ صلاته على الأصح في الروضة،
والأفقه في المجموع للشك في الستر وصحّح في التحقيق
صحتها، وأما في الخلوة فالذي يجب ستره فيها هو العورة
الكبرى قاله الإمام، وقال أبو حنيفة في أصحّ الروايتين
عنه: قدم المرأة ليس بعورة لأن المرأة مبتلاة بإبداء
قدميها في مشيها إذ ربما لا تجد الخفّ.
(وقال زيد بن ثابت) الأنصاري البخاري، كتب الوحي لرسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وجمع
القرآن في عهد أبي بكر رضي الله عنه، وتعلّم كتاب يهود
في نحو نصف شهر، والسريانية في سبعة عشر يومًا بأمره
عليه الصلاة والسلام، وكان من علماء الصحابة. وقال
عليه الصلاة والسلام (أفرضكم زيد) رواه أحمد بإسناد
صحيح، وتوفي سنة اثنتين أو ثلاث أو خمس وأربعين. وقال
أبو هريرة حين توفي: مات حبر هذه الأمة، وعسى الله أن
يجعل في ابن عباش منه خلفًا.
وتعليقه هذا وصله المؤلّف في تفسير سورة النساء (أنزل
الله) تعالى (على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) قوله تعالى: {لا يستوي القاعدون من
المؤمنين} الآية [النساء: 95) (وفخذه) بواو الحال
ولأبي ذر عن
الكشميهني فخذه (على فخذي فثقلت) بضم
(1/397)
القاف أي فخذه عليه الصلاة والسلام (عليّ
حتى خفت أن ترضّ) بفتح المثناة الفوقية وتشديد المعجمة
أي تكسر (فخذي) نصب بفتح مقدّر، ويجوز ترضّ فخذي بضم
المثناة وفتح الراء وفخذي رفع بضمة مقدّرة. قيل: لا
وجه لإدخال المؤلّف هذا الحديث هنا لأنه لا دلالة فيه
على حكم الفخذ نفيًا ولا إثباتًا.
وأُجيب بالحمل على المسّ من غير حائل لأنه الأصل، وهو
يقتضي النفي لأن مسّ العورة بلا حائل حرام كالنظر،
وتعقب بأنه لو كان فيه تصريح بعدم الحائل لدلّ على أنه
ليس بعورة، وإذ لو كان عورة لما مكّن عليه الصلاة
والسلام فخذه على فخذ زيد.
371 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ
أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزَا خَيْبَرَ فَصَلَّيْنَا
عِنْدَهَا صَلاَةَ الْغَدَاةِ بِغَلَسٍ، فَرَكِبَ
نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَرَكِبَ أَبُو طَلْحَةَ وَأَنَا رَدِيفُ أَبِي
طَلْحَةَ، فَأَجْرَى نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي زُقَاقِ خَيْبَرَ وَإِنَّ
رُكْبَتِي لَتَمَسُّ فَخِذَ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ حَسَرَ الإِزَارَ
عَنْ فَخِذِهِ حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى بَيَاضِ
فَخِذِ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. فَلَمَّا دَخَلَ الْقَرْيَةَ قَالَ:
«اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا
نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ
الْمُنْذَرِينَ». قَالَهَا ثَلاَثًا. قَالَ: وَخَرَجَ
الْقَوْمُ إِلَى أَعْمَالِهِمْ، فَقَالُوا: مُحَمَّدٌ؟
-قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ وَقَالَ بَعْضُ
أَصْحَابِنَا- وَالْخَمِيسُ يَعْنِي الْجَيْشَ. قَالَ:
فَأَصَبْنَاهَا عَنْوَةً، فَجُمِعَ السَّبْيُ!
"فَجَاءَ دِحْيَةُ فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ
أَعْطِنِي جَارِيَةً مِنَ السَّبْيِ. قَالَ: اذْهَبْ
فَخُذْ جَارِيَةً. فَأَخَذَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ.
فَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ
أَعْطَيْتَ دِحْيَةَ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَىٍّ
سَيِّدَةَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ، لاَ تَصْلُحُ
إِلاَّ لَكَ. قَالَ: ادْعُوهُ بِهَا. فَجَاءَ بِهَا.
فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: خُذْ جَارِيَةً مِنَ
السَّبْيِ غَيْرَهَا. قَالَ: فَأَعْتَقَهَا النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَزَوَّجَهَا.
فَقَالَ لَهُ ثَابِتٌ: يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا
أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: نَفْسَهَا، أَعْتَقَهَا
وَتَزَوَّجَهَا. حَتَّى إِذَا كَانَ بِالطَّرِيقِ
جَهَّزَتْهَا لَهُ أُمُّ سُلَيْمٍ فَأَهْدَتْهَا لَهُ
مِنَ اللَّيْلِ، فَأَصْبَحَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرُوسًا، فَقَالَ: مَنْ
كَانَ عِنْدَهُ شَىْءٌ فَلْيَجِئْ بِهِ. وَبَسَطَ
نِطَعًا فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالتَّمْرِ،
وَجَعَلَ الرَّجُلُ يَجِيءُ بِالسَّمْنِ"، قَالَ:
وَأَحْسِبُهُ قَدْ ذَكَرَ السَّوِيقَ. قَالَ:
فَحَاسُوا حَيْسًا، فَكَانَتْ وَلِيمَةَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث
371 - أطرافه في: 610، 947، 2228، 2235، 2889، 2893،
2943، 2944، 2945، 2991، 3085، 3086، 3367، 3647،
4083، 4084، 4197، 4198، 4199، 4200، 4201، 4211،
4212، 4213، 5085، 5159، 5169، 5387، 5425، 5528،
5968، 6185، 6363، 6369، 7333].
وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي (قال:
حدّثنا إسماعيل بن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام
وتشديد المثناة التحتية مصغرًا وللأصيلِي حدّثني ابن
علية وأبوه اسمه إبراهيم بن
سهم البصري (قال: حدّثنا عبد العزيز بن صهيب) بضم
الصاد المهملة البناني البصري الأعمى (عن أنس)
وللأصيلي عن أنس بن مالك.
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
غزا خيبر) على ثمانية برد من المدينة وكانت في جمادى
الأولى سنة سبع من الهجرة (فصلّينا عندها) خارجًا عنها
(صلاة الغداة) أي الصبح (بغلس) بفتح الغين واللام ظلمة
آخر الليل، (فركب نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) على حمار مخطوم برسن ليف وتحته الكاف من
ليف رواه البيهقي والترمذي وضعّفه، (وركب أبو طلحة)
زيد بن سهل الأنصاري، المتوفى سنة اثنتين أو أربع
وثلاثين بالمدينة أو بالشام أو في البحر (وأنا رديف
أبي طلحة) جملة اسمية حالية. أي قال أنس وأنا رديف أبي
طلحة، (فأجرى) من الإجراء (نبي الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مركوبه (في زقاق خيبر) بضم الزاي
وبالقافين أي سكة خيبر، (وإن ركبتي لتمسّ فخذ نبيّ
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم حسر
الإزار عن فخذه) الشريف عند سوق مركوبه ليتمكّن من
ذلك، (حتى أني أنظر إلى بياض فخذ نبي الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)، وللكشميهني في الفرع لا
نظر بزيادة لام التأكيد وحسر بفتح الحاء والسين
المهملتين كما في الفرع وغيره: أي: كشف الإزار. وصوّب
ابن حجر هذا الضبط مستدلاً بالتعليق السابق وهو قوله.
قال أنس: حسر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وقال الزركشي: حسر بضم أوّله مبنيًّا
للمفعول بدليل رواية مسلم فانحسر أي بغير اختياره
لضرورة الإجراء، وحينئذ فلا دلالة فيه على كون الفخذ
ليس بعورة. وتعقبه في فتح الباري بأنه لا يلزم من
وقوعه كذلك في رواية مسلم أن لا يقع عند البخاري على
خلافه.
وأُجيب: بأن اللائق بحاله عليه الصلاة والسلام أن لا
ينسب إليه كشف فخذه قصدًا مع ثبوت قوله عليه الصلاة
والسلام (الفخذ عورة) ولعلّ أنسًا لما رأى فخذه عليه
الصلاة والسلام مكشوفًا وكان عليه الصلاة والسلام
سببًا في ذلك بالإجراء أسند الفعل إليه، وقد مرّ قول
المؤلّف وحديث أنس أسند وحديث جرهد أحوط فافهم.
(فلما دخل) عليه الصلاة والسلام (القرية) أي خيبر وهو
يشعر بأن الزقاق كان خارج القرية (قال: الله أكبر خربت
خيبر) أي صارت خرابًا قاله على سبيل الإخبار، فيكون من
الإنباء بالمغيبات أو على جهة الدعاء عليهم أي التفاؤل
لما رآهم خرجوا بمساحيهم ومكاتلهم التي هي من آلات
الهدم {إنّا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين}
بفتح الذال المعجمة (قالها) عليه الصلاة والسلام
(ثلاثًا. قال) أنس (وخرج القوم إلى) مواضع (أعمالهم)
كذا قدّره البرماوي كالكرماني، لكن قال العيني: بل
معناه خرج القوم لأعمالهم التي كانوا يعملونها وكلمة
(إلى) بمعنى اللام، (فقالوا) هذا (محمد) أو جاء محمد
(قال عبد العزيز) بن صهيب الراوي. (وقال بعض أصحابنا)
هو محمد بن سيرين كما عند المؤلّف من طريقه أو ثابت
البناني كما أخرجه مسلم من طريقه أو غيرهما، (والخميس)
بالرفع عطفًا على محمد أو بالنصب على أن الواو بمعنى
مع قال عبد العزيز أو من دونه (يعني الجيش) وأشار بهذا
إلى أنه لم يسمع والخميس من أنس بل من
(1/398)
بعض أصحابه عنه، والحاصل أن عبد العزيز
قال: سمعت من أنس قالوا جاء محمد فقط، وقال بعض
أصحابه: قالوا محمد
والخميس والتفسير مدرج وسمي بالخميس لأنه خمسة أقسام
مقدمة وساقه وقلب وجناحان. (قال: فأصبناها) أي خيبر
(عنوة) بفتح العين وسكون النون أي قهرًا في عنف أو
صلحًا في رفق ضد، ومن ثم اختلف هل كانت صلحًا أو عنوة
أو إجلاءً وصحّح المنذري أن بعضها أُخذ صلحًا وبعضها
عنوة وبعضها إجلاء وبهذا يندفع التضادّ بين الآثار،
(فجمع السبي) بضم الجيم مبنيًّا للمفعول (فجاء دحية)
بكسر الدال وفتحها ولابن عساكر حية الكلبي (فقال: يا
نبيّ الله أعطني جارية من السبي قال) عليه الصلاة
والسلام، ولأبوي ذر والوقت فقال: (اذهب فخذ جارية)
منه، فذهب (فأخذ صفية) بفتح الصاد المهملة قيل وكان
اسمها زينب (بنت حيي) بضم الحاء المهملة وكسرها وفتح
المثناة الأولى مخفّفة وتشديد الثانية ابن أخطب من
بنات هارون عليه السلام، المتوفّاة سنة ست وثلاثين أو
ست وخمسين، وكانت تحت كنانة بن أبي الحقيق قتل عنها
بخيبر، وإنما أذن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لدحية في أخذ الجارية قبل القسمة لأن له عليه الصلاة
والسلام صفي المغنم يعطيه لمَن يشاء أو تنفيلاً له من
أصل الغنيمة أو من خمس الخمس بعد أن تميز أو قبل على
أن يحسب منه إذا تميز أو أذن له في أخذها لتقوّم عليه
بعد ذلك وتحسب من سهمه.
(فجاء رجل) لم أعرف اسمه (إلى النبي-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال يا نبي الله أعطيت دحية صفية
بنت حيي سيدة قريظة) بضم القاف وفتح الراء والظاء
المعجمة (والنضير) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة
الساقطة قبيلتان من يهود خيبر (لا تصلح إلاّ لك) لأنها
من بيت النبوّة من ولد هارون عليه السلام والرئاسة
لأنها من بيت سيد قريظة والنضير مع الجمال العظيم،
والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكمل
الخلق في هذه الأوصاف بل في سائر الأخلاق الحميدة.
(قال) عليه الصلاة والسلام: (ادعوه) أي دحية (بها) أي
بصفية فدعوه (فجاء بها فلما نظر إليها النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) له: (خذ جارية من
السبي غيرها) وارتجعها منه لأنه إنما كان أذن له في
جارية من حشو السبي لا من أفضلهنّ، فلما رآه أخذ
أنفسهن نسبًا وشرفًا وجمالاً استرجعها لئلا يتميز دحية
بها على سائر الجيش، مع أن فيهم مَن هو أفضل منه،
وأيضًا لما فيه من انتهاكها مع علو مرتبتها، وربما
ترتب على ذلك شقاق أو غيره مما لا يخفى فكان اصطفاؤه
لها قاطعًا لهذه المفاسد. وفي فتح الباري نقلاً عن
الشافعي في الأُم عن سيرة الواقدي: أنه عليه الصلاة
والسلام أعطى دحية أُخت كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق
زوج صفية أي تطييبًا لخاطره، وفي سيرة ابن سيد الناس
أنه أعطاه ابنتي عمّ صفية. (قال: فأعتقها) أي صفية
(النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتزوّجها،
فقال له ثابت) البناني (يا أبا حمزة) بالحاء المهملة
والزاي كنية أن (ما أصدقها) عليه الصلاة والسلام (قال)
أنس: أصدقها (نفسها أعتقها) بلا عوض (وتزوّجها) بلا
مهر أو أعتقها، وشرط أن ينكحها فلزمها الوفاء أو جعل
نفس العتق صداقًا وكلها من خصائصه، وأخذ الإمام أحمد
والحسن وابن المسيب وغيرهم بظاهره فجوّزوا ذلك لغيره
أيضًا (حتى إذا كان) عليه الصلاة والسلام (بالطريق) في
سدّ الروحاء على أربعين ميلاً من المدينة أو نحوها
(جهزتها له أُم سليم) بضم السين وهي أُم أنس (فأهدتها)
أي زفّتها (له) عليه الصلاة والسلام (من الليل). قال
البرماوي كالكرماني. وفي بعضها أي النسخ أو الروايات
فهدتها أي بغير همز وصوّبت لقول الجوهري الهداء مصدر
هديت
أنا المرأة إلى زوجها، (فأصبح النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عروسًا) على وزن فعول يستوي فيه
الذكر والمؤنث ما داما في إعراسهما وجمعه عرس وجمعها
عرائس، (فقال) عليه الصلاة والسلام: (مَن كان عنده شيء
فليجئ به وبسط) بفتحات (نطعًا) بكسر النون وفتح الطاء
المهملة، وعليها اقتصر ثعلب في فصيحه، وكذا في الفرع
وغيره في الأصول؟ ويجوز فتح النون وسكون الطاء وفتحهما
وكسر النون وسكون الطاء.
وقال الزركشي: فيه سبع لغات وجمعه
(1/399)
أنطاع ونطوع (فجعل الرجل يجيء بالتمر وجعل
الرجل يجيء بالسمن قال) عبد العزيز بن صهيب (وأحسبه)
أي أنسًا (قد ذكر السويق) نعم في رواية عبد الوارث
الجزم بذكر السويق (قال فحاسوا) بمهملتين أي خلطوا أو
اتخذوا (حيسًا) بفتح الحاء والسين المهملتين بينهما
مثناة تحتية ساكنة وهو الطعام المتخذ من التمر والإقط
والسمن، وربما عوّض بالدقيق عن الأقط، (فكانت) بالفاء.
وفي رواية وكانت أي الثلاثة المصنوعة حيسًا (وليمة
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي
طعام عرسه من الولم وهو الجمع، سمي به لاجتماع
الزوجين. واستنبط منه مشروعية مطلوبية الوليمة للعرس
وأنها بعد الدخول، وجوّز النووي كونها قبله أيضًا، وأن
السنة تحصل بغير اللحم ومساعدة الأصحاب بطعام من
عندهم.
ورواة هذا الحديث ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث
والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في النكاح والمغازي، وأبو
داود في الخراج، والنسائي في النكاح والوليمة.
13 - باب فِي كَمْ تُصَلِّي الْمَرْأَةُ فِي
الثِّيَابِ
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: لَوْ وَارَتْ جَسَدَهَا فِي
ثَوْبٍ لأَجَزْتُهُ.
هذا (باب) بالتنوين (في كم) ثوبًا (تصلي المرأة من
الثياب) ولغير الأربعة في الثياب وكم لها صدر الكلام
فلا يقدح تأخرها عن في الجارّة لأن الجار والمجرور
ككلمة واحدة. (وقال عكرمة) مولى ابن عباس مما وصله عبد
الرزاق عنه بمعناه (لو وارت) أي سترت المرأة (جسدها في
ثوب) واحد (لأجزته) كذا للكشميهني بفتح لام التأكيد
والجيم وسكون الزاي، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن
عساكر جاز.
372 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي
عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ لَقَدْ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُصَلِّي الْفَجْرَ فَيَشْهَدُ مَعَهُ نِسَاءٌ مِنَ
الْمُؤْمِنَاتِ مُتَلَفِّعَاتٍ فِي مُرُوطِهِنَّ،
ثُمَّ يَرْجِعْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ مَا
يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ. [الحديث 372 - أطرافه في: 578،
867، 872].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال:
أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري:
قال: أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير (أن عائشة)
رضي الله عنها (قالت):
والله (لقد كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يصلّي الفجر فيشهد) أي فيحضر (معه) وفي
رواية فشهد أي
فحضر معه (نساء) جمع امرأة لا واحد له من لفظه (من
المؤمنات) حال كونهنّ (متلفعات) بعين مهملة بعد الفاء
المشدّدة أي مغطيات الرؤوس والأجساد (في مروطهنّ) جمع
مرط بكسر أوّله كساء من خزّ أو صوف أو غيره، أو هي
الملحفة أو الإزار أو الثوب الأخضر، وللأصيلي متلفعات
بالرفع صفة للنساء، وله في غير الفرع متلفّفات بفاءين.
قال ابن حبيب: التلفع أي بالعين لا يكون إلاّ بتغطية
الرأس والتلفّف بتغطية الرأس وكشفه، (ثم يرجعن) من
المسجد (إلى بيوتهنّ ما يعرفهنّ أحد) أي من الغلس كما
عند المؤلّف في المواقيت، وقد اعترض على المؤلّف في
استدلاله بهذا الحديث على جواز صلاة المرأة في الثوب
الواحد بأن الالتفاع المذكور يحتمل أن يكون فوق ثياب
أخرى.
وأجيب: بأنه تمسك بأن الأصل عدم الزيادة على ما أشار
إليه على أنه لم يصرّح بشيء إلاّ أن اختياره يؤخذ في
العادة من الآثار التي يوردها في الترجمة قاله في
الفتح، ورواة هذا الحديث ما بين حمصي ومدني، وفيه
التحديث والعنعنة والإخبار ورواية تابعي عن تابعي عن
صحابية، وأخرجه المؤلّف في الصلاة، وكذا مسلم وأبو
داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
14 - باب إِذَا صَلَّى فِي ثَوْبٍ لَهُ أَعْلاَمٌ،
وَنَظَرَ إِلَى عَلَمِهَا
هذا (باب) بالتنوين (إذا صلّى) الشخص (في ثوب) أي وهو
لابس ثوبًا (له أعلام ونظر إلى علمها) أنّث بالنظر إلى
الخميصة الآتية إن شاء الله تعالى.
373 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ
فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا
انْصَرَفَ قَالَ: اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى
أَبِي جَهْمٍ وَائْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي
جَهْمٍ. فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ
صَلاَتِي». وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى
عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلاَةِ فَأَخَافُ أَنْ
تَفْتِنَنِي». [الحديث 373 - طرفاه في: 752، 5817].
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) نسبه لجدّه لشهرته به
وأبوه عبد الله (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون
العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (قال: حدّثنا
ابن شهاب) الزهري ولابن عساكر عن ابن شهاب (عن عروة)
بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) رضي الله عنها.
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى
في خميصة) بفتح الحاء المعجمة وكسر الميم وبالصاد
المهملة كساء أسود
مربع (لها أعلام) جملة وقعت صفة لخميصة (فنظر) عليه
الصلاة والسلام (إلى أعلامها نظرة فلما انصرف) من
صلاته (قال: اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم) بفتح
الجيم وسكون الهاء عامر بن حذيفة العدوي القرشي المدني
أسلم يوم الفتح، وتوفي في آخر خلافة معاوية، (وائتوني
بأنبجانية أبي جهم) بفتح الهمزة وسكون النون وكسر
الموحدة وتخفيف الجيم وبعد
(1/400)
النون ياء نسبة مشدّدة كساء غليظ لا علم
له، ويجوز كسر الهمزة وسكون النون وفتح الموحدة وتخفيف
المثناة. قال ابن قرقول: نسبة إلى منبج بفتح الميم
وكسر الموحدة موضع بالشام، وقيل نسبة إلى موضع يقال له
أنبجان. وفي هذه قال ثعلب: يقال كساء أنبجاني وهذا هو
الأقرب إلى الصواب في لفظ الحديث اهـ.
(فإنها) أي الخميصة (ألهتني) من لهى بالكسر لا من لها
لهوًا إذا لعب أي شغلتني (آنفًا) أي قريبًا (عن صلاتي)
وعند مالك في الموطأ. فإني نظرت إلى علمها في الصلاة
فكاد يفتنني، وفي التعليق الآتي إن شاء الله تعالى
قريبًا فأخاف أن يفتنني فيحمل قوله: ألهتني على قوله
كاد فيكون الإطلاق للمبالغة في القرب لا لتحقّق وقوع
الإلهاء، ولا يقال أن المعنى شغلتني عن كمال الحضور في
صلاتي لأنّا نقول قوله في التعليق الآتي فأخاف أن
يفتتي يدلّ على نفي وقوع ذلك، وقد يقال أن له عليه
الصلاة والسلام حالتين حالة بشرية وحالة يختصّ بها
خارجة عن ذلك، فبالنظر إلى الحالة البشرية قال:
ألهتني، وبالنظر إلى الحالة الثانية لم يجزم به، بل
قال: أخاف ولا يلزم من ذلك الوقوع ونزع الخميصة ليستنّ
به في ترك كل شاغل، وليس المراد أن أبا جهم يصلّي في
الخميصة لأنه عليه الصلاة والسلام لم يكن ليبعث إلى
غيره به، يكرهه لنفسه فهو كإهداء الحلّة لعمر رضي الله
عنه مع تحريم لباسها عليه لينتفع بها ببيع أو غيره.
واستنبط من الحديث الحثّ على حضور القلب في الصلاة
وترك ما يؤدّي إلى شغله، وقد شهد القرآن بالفلاح
للمصلّين الخاشعين والفلاح أجمع اسم لسعادة الآخرة
وبانتفاء الخشوع ينتفي الفلاح فالمصلّي يناجي ربّه
فعظّم في نفسك قدر مناجاته وانظر مَن تناجي وكيف تناجي
وبماذا تناجي فاعلم واعمل تسلم.
ورواة هذا الحديث ما بين كوفي ومدنيين، وفيه رواية
تابعي عن تابعي عن صحابية والتحديث والعنعنة.
(وقال هشام بن عروة) بن الزبير (عن أبيه) عروة (عن
عائشة) رضي الله عنها مما رواه مسلم وغيره بالمعنى.
قالت:
(قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كنت
أنظر إلى علمها) أي الخميصة (وأنا في الصلاة) جملة
حالية (فأخاف أن تفتنني) بفتح المثناة الفوقية وكسر
الثانية وبالنونين من باب ضرب يضرب وفي رواية يفتنني
بفتح المثناة التحتية في أوّله بدل الفوقية.
15 - باب إِنْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ مُصَلَّبٍ أَوْ
تَصَاوِيرَ هَلْ تَفْسُدُ صَلاَتُهُ؟ وَمَا يُنْهَى
عَنْ ذَلِكَ
هذا (باب) بالتنوين (إن صلّى) الشخص حال كونه (في ثوب
مصلب) بفتح اللام المشدّدة أي فيه صلبان منقوشة أو
منسوجة (أو) في ثوب ذي (تصاوير هل تفسد صلاته) أم لا
(وما ينهى عن ذلك) ولابن عساكر في نسخة، وأبي الوقت
والأصيلي وما ينهى عنه بالضمير، ولأبي ذر وما ينهى من
ذلك بدل عن.
374 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَمْرٍو قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ
أَنَسٍ: "كَانَ قِرَامٌ لِعَائِشَةَ سَتَرَتْ بِهِ
جَانِبَ بَيْتِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمِيطِي عَنَّا
قِرَامَكِ هَذَا، فَإِنَّهُ لاَ تَزَالُ تَصَاوِيرُهُ
تَعْرِضُ فِي صَلاَتِي». [الحديث 374 - طرفه في:
5959].
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر عبد الله بن عمرو) بفتح
العين وإسكان الميم (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد
(قال: حدّثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس) وللأصيلي عن
أنس بن مالك (قال):
(كان قرام) بكسر القاف وتخفيف الراء ستر رقيق من صور
ذو ألوان أو رقم ونقوش (لعائشة) رضي الله عنها (سترت
به جانب بيتها فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) لها (أميطي) أمر من أماط يميط أي أزيلي
(عنّا قرامك هذا فإنه لا تزال تصاوير) بغير ضمير
والهاء في فإنه ضمير الشأن، وفي رواية تصاويره بإضافته
إلى الضمير فضمير أنه للثوب (تعرض) بفتح المثناة
الفوقية وكسر الراء أي تلوح لي (في صلاتي) ولم يعد
الصلاة ولم يقطعها نعم تكره الصلاة حينئذ لما فيه من
سبب اشتغال القلب المفوّت للخشوع، ووجه إدخال حديث
القرام في الترجمة لأنه إذا نهى عنه في التجمّل كان
النهي عن لباسه في الصلاة بطريق الأولى، ويلحق المصلب
بالمصوّر لاشتراكهما في كون كلٍّ منهما قد عبد من دون
الله، وفي حديث عائشة عند المؤلّف في اللباس قالت: لم
يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يترك في بيته شيئًا فيه تصليب إلاّ نقضه، وأمره
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالإماطة في حديث
الباب يستلزم النهي عن الاستعمال، واستنبط منه
الشافعية كراهة الصور مطلقًا، واستثنى الحنفية من ذلك
ما يبسط، وبه قال المالكية وأحمد في رواية.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون وفيه
(1/401)
التحديث والعنعنة، وأخرجه في اللباس أيضًا
والنسائي.
16 - باب مَنْ صَلَّى فِي فَرُّوجِ حَرِيرٍ ثُمَّ
نَزَعَهُ
(باب مَن صلّى في فرّوج حرير) بفتح الفاء وتشديد الراء
المضمومة وتخفيفها وآخره جيم وحكي ضمّ أوّله وخفّة
الراء على وزن خروج قباء مشقوق من خلفه وهو من لبوس
الأعاجم (ثم نزعه).
375 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي
الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ:
"أُهْدِيَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَرُّوجُ حَرِيرٍ فَلَبِسَهُ فَصَلَّى
فِيهِ، ثُمَّ انْصَرَفَ فَنَزَعَهُ نَزْعًا شَدِيدًا
كَالْكَارِهِ لَهُ وَقَالَ: لاَ يَنْبَغِي هَذَا
لِلْمُتَّقِينَ". [الحديث 375 - طرفه في: 5801].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
حدّثنا الليث) بن سعد (عن يزيد) ولابن عساكر والأصيلي
عن يزيد بن أبي حبيب ولابن عساكر والأصيلي في نسخة هو
يزيد بن أبي حبيب (عن أبي الخير) مرثد بفتح الميم
والمثلثة اليزني (عن عقبة بن عامر) الجهني رضي الله
عنه كان قارئًا فصيحًا شاعرًا كاتبًا وهو أحد مَن جمع
القرآن في المصحف وكان مصحفه على غير تأليف مصحف عثمان
وشهد صفّين مع معاوية وأمّره على مصر، وتوفي في خلافة
معاوية على الصحيح وروى عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثيرًا وله في البخاري أحاديث
(قال): (هدي) بضم الهمزة وكسر الدال (إلى النبي)
وللأصيلي إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فرُّوج حرير) بالإضافة كثوب خزّ وخاتم فضّة
وكان الذي أهداه له أكيدر بن عبد الملك صاحب دومة
الجندل (فلبسه) عليه الصلاة والسلام قبل تحريم الحرير
(فصلّى فيه ثم انصرف) من صلاته، (فنزعه نزعًا شديدًا
كالكاره له) وفي حديث جابر بن مسلم: صلّى في قباء
ديباج ثم نزعه وقال: نهاني جبريل عليه الصلاة والسلام،
فالنهي سبب نزعه له وذلك ابتداء تحريمه. (وقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا ينبغي استعمال
(هذا) الحرير (للمتّقين) عن الكفر وهم المؤمنون، وعبّر
بجمع المذكر ليخرج النساء لأنه حلال لهنّ فإن قلت:
يدخلن تغليبًا، أُجيب: بأنهنّ خرجن بدليل آخر قال عليه
الصلاة والسلام: (أحلّ الذهب والحرير لإناث أمتي وحرّم
على ذكورها) وقال الترمذي: حسن صحيح. نعم الأصح عند
الرافعي تحريم افتراشها إياه لأنه ليس في الفرش ما في
اللبس من التزيّن للزوج المطلوب، وصحّح النووي حلّه.
قال: وبه قطع العراقيون وغيرهم لإطلاق الحديث السابق،
وبه قال أبو حنيفة وكرهه صاحباه، فلو صلّى فيه الرجل
أجزأته صلاته لكنه ارتكب حرامًا. وقال الحنفية: تكره
وتصح، وقال المالكية: يعيد في الوقت إن وجد ثوبًا
غيره، ويأتي إن شاء الله تعالى مزيد لذلك في باب
اللباس.
ورواة هذا الحديث كلهم مصريون وفيه التحديث والعنعنة
والقول، وأخرجه المؤلّف في اللباس وكذا مسلم والنسائي
في الصلاة.
(باب) حكم (الصلاة في الثوب الأحمر).
17 - باب الصَّلاَةِ فِي الثَّوْبِ الأَحْمَرِ
376 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ:
حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ عَوْنِ
بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "رَأَيْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِي قُبَّةٍ حَمْرَاءَ مِنْ أَدَمٍ، وَرَأَيْتُ
بِلاَلاً أَخَذَ وَضُوءَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَأَيْتُ النَّاسَ
يَبْتَدِرُونَ ذَاكَ الْوَضُوءَ، فَمَنْ أَصَابَ
مِنْهُ شَيْئًا تَمَسَّحَ بِهِ، وَمَنْ لَمْ يُصِبْ
مِنْهُ شَيْئًا أَخَذَ
مِنْ بَلَلِ يَدِ صَاحِبِهِ، ثُمَّ رَأَيْتُ بِلاَلاً
أَخَذَ عَنَزَةً فَرَكَزَهَا، وَخَرَجَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حُلَّةٍ
حَمْرَاءَ مُشَمِّرًا صَلَّى إِلَى الْعَنَزَةِ
بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ، وَرَأَيْتُ النَّاسَ
وَالدَّوَابَّ يَمُرُّونَ مِنْ بَيْنِ يَدَىِ
الْعَنَزَةِ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بالعينين المهملتين
وسكون الراء الأولى (قال: حدّثني) بالإفراد (عمر بن
أبي زائدة) بضم العين الكوفي (عن عون بن أبي جحيفة)
بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وهب بن عبد الله السوائي
بضم السين المهملة وتخفيف الواو الكوفي (عن أبيه) أبي
جحيفة رضي الله عنه (قال):
(رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
وهو بالأبطح (في قبة حمراء من أدم) بفتح الهمزة والدال
جلد (ورأيت
بلالاً أخذ وضوء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بفتح الواو أي الماء الذي يتوضأ به (ورأيت
الناس يبتدرون) أي يتسارعون ويتسابقون إلى (ذاك) بغير
لام وللأصيلي وابن عساكر ذلك (الوضوء) تبرّكًا بآثاره
الشريفة (فمَن أصاب منه شيئًا تمسح به ومن لم يصب منه
شيئًا أخذه من بلل صاحبه) وفي رواية من بلال بفتح
الباء وكسرها (ثم رأيت بلالاً أخذ عنزة) بفتح العين
المهملة والنون والزاي مثل نصف الرمح أو أكبر لها
سنّان كسنّان الرمح، وفي رواية عنزة له (فركّزها، وخرج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه
(في حلّة حمراء) بردين إزار ورداء يمانيين منسوجين
بخطوط حمر مع الأسود حال كونه (مشمّرًا) ثوبه بكسر
الميم الثاني قد كشف شيئًا من ساقيه. قال في مسلم:
كأني أنظر إلى بياض ساقيه (صلى) ولمسلم تقدم فصلّى
(إلى العنزة بالناس) الظهر (ركعتين، ورأيت الناس
والدواب يمرّون بين يدي العنزة)، ولأبي ذر في نسخة من
بين يدي العنزة وفيه استعمال المجاز وإلاّ فالعنزة لا
يد لها.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري وكوفيين، وفى التحديث
والعنعنة. والقول، وأخرجه المؤلّف في اللباس وفي
الصلاة وكذا أبو داود والترمذي
(1/402)
وأخرجه النسائي في الزينة وابن ماجة في
الصلاة.
18 - باب الصَّلاَةِ فِي السُّطُوحِ وَالْمِنْبَرِ
وَالْخَشَبِ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَلَمْ يَرَ الْحَسَنُ
بَأْسًا أَنْ يُصَلَّى عَلَى الْجَمْدِ وَالْقَنَاطِرِ
وَإِنْ جَرَى تَحْتَهَا بَوْلٌ أَوْ فَوْقَهَا أَوْ
أَمَامَهَا إِذَا كَانَ بَيْنَهُمَا سُتْرَةٌ.
وَصَلَّى أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَى سَققِ الْمَسْجِدِ
بِصَلاَةِ الإِمَامِ، وَصَلَّى ابْنُ عُمَرَ عَلَى
الثَّلْجِ.
(باب) حكم (الصلاة في السطوح) بضم السين جمع سطح
(والمنبر) بكسر الميم وفتح الموحدة (والخشب) بفتحتين
أو بضمتين (قال أبو عبد الله) محمد بن إسماعيل
البخاري: (ولم ير الحسن) البصري (بأسًا أن يصلّي) بضم
الياء وفتح اللام المشددة (على الجمد) بفتح الجيم
وضمها وسكون الميم ثم دال مهملة، وللأصيلي فيما ذكره
ابن قرقول بفتح الميم، وحكى ابن التين ضمها، لكن قال
القاضي عياض: الصواب السكون وهو الماء الجامد من شدة
البرد، (والقناطر) وللحموي والمستملي
والقناطير وهو ما ارتفع من البنيان، وفي اليونينية مما
لم يرقّم له علامة على الخندق، (وإن جرى تحتها بول أو
فوقها أو أمامها) أي القناطر وهمزة أمامها مفتوحة أي
قدّامها (إذا كان بينهما) أي بين المصليّ وأمام
القناطر (سترة) مانعة من ملاقاة النجاسة. (وصلّى أبو
هريرة) رضي الله عنه، مما وصله ابن أبي شيبة (على سقف
المسجد) ولأبي ذر والأصيلي وأبي الوقت على ظهر المسجد
(بصلاة الإمام) وهو أسفل، لكنه في رواية ابن أبي شيبة
صالح مولى التوأمة وتكلم فيه، لكنه تقوّى برواية سعيد
بن منصور من وجه آخر، نعم يكره عندنا والحنفية ارتفاع
كلٍّ من الإمام والمأموم على الآخر إلاّ لحاجة كتعليم
الإمام المأمومين صفة الصلاة، وكتبليغ المأمومين تكبير
الإمام فيستحب ارتفاعهما لذلك.
(وصلّى ابن عمر) بن الخطاب (على الثلج) بالمثلثة
والجيم.
377 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو حَازِمٍ
قَالَ: سَأَلُوا سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ مِنْ أَىِّ شَىْءٍ
الْمِنْبَرُ؟ فَقَالَ: مَا بَقِيَ بِالنَّاسِ أَعْلَمُ
مِنِّي، هُوَ مِنْ أَثْلِ الْغَابَةِ، عَمِلَهُ
فُلاَنٌ مَوْلَى فُلاَنَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَامَ عَلَيْهِ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حِينَ عُمِلَ وَوُضِعَ، فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ،
كَبَّرَ وَقَامَ النَّاسُ خَلْفَهُ، فَقَرَأَ وَرَكَعَ
وَرَكَعَ النَّاسُ خَلْفَهُ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ،
ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى فَسَجَدَ عَلَى الأَرْضِ،
ثُمَّ عَادَ إِلَى الْمِنْبَرِ، ثُمَّ رَكَعَ ثُمَّ
رَفَعَ رَأْسَهُ ثُمَّ رَجَعَ الْقَهْقَرَى حَتَّى
سَجَدَ بِالأَرْضِ. فَهَذَا شَأْنُهُ. قَالَ: أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
سَأَلَنِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ
- عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ: فَإِنَّمَا أَرَدْتُ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانَ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ، فَلاَ بَأْسَ أَنْ
يَكُونَ الإِمَامُ أَعْلَى مِنَ النَّاسِ بِهَذَا
الْحَدِيثِ. قَالَ: فَقُلْتُ: إِنَّ سُفْيَانَ بْنَ
عُيَيْنَةَ كَانَ يُسْأَلُ عَنْ هَذَا كَثِيرًا فَلَمْ
تَسْمَعْهُ مِنْهُ؟ قَالَ: لاَ. [الحديث 377 - أطرافه
في: 448، 917، 2094، 2569].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال:
حدّثنا سفيان) بن عُيينة (قال: حدّثنا أبو حازم)
بالحاء المهملة والزاي سلمة بن دينار (قال):
(سألوا سهل بن سعد) بسكون العين الساعديّ (من أي شيء
المنبر) النبوي المدني، ولأبي داود: إن رجالاً أتوا
سهل بن سعد الساعدي وقد امتروا في المنبر ممّ عوده
(فقال) سهل: (ما بقي بالناس) وفي رواية من الناس،
ولأبوي ذر والوقت في الناس (أعلم مني) أي بذلك (هو من
أثل الغابة) بالغين المعجمة والموحدة موضع قرب المدينة
من العوالي، والأثل: بفتح الهمزة وسكون المثلثة شجر
كالطرفاء لا شوك له، وخشبه جيد يعمل منه القصاع
والأواني، وورقه أشنان يغسل به القصارون (عمله) أي
المنبر (فلان) بالتنوين هو ميمون. قال الحافظ ابن حجر:
وهو الأقرب فيما قاله الصغاني، أو باقوم فيما قاله
الغافقي وهو بموحدة فألف فقاف فواو فميم الرومي مولى
سعيد بن العاص، أو باقول باللام فيما رواه عبد الرزاق
أو قبيصة المخزومي (مولى فلانة) بعدم الصرف للتأنيث
والعلمية أنصارية وهي عائشة فيما قاله البرماوي
كالكرماني، ورواه الطبراني بلفظ: وأمرت عائشة فصنعت له
منبره، لكن سنده ضعيف، وقيل: مينا بكسر الميم أو هو
صالح مولى العباس،
ويحتمل أن يكون الكل اشتركوا في عمله (لرسول الله) أي
لأجله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقام
عليه) أي على المنبر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين عمل ووضع) بالبناء للمفعول
فيهما، (فاستقبل) عليه السلام (القبلة كبّر) بغير واو
جواب عن سؤال كأنه. قيل: ما عمل به بعد الاستقبال؟
قال: كبّر، وفي بعض الأصول: وكبّر بالواو، وفي أخرى
فكبّر بالفاء، (وقام الناس خلفه فقرأ) عليه السلام
(وركع وركع الناس خلفه ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى)
نصب على أنه مفعول مطلق بمعنى الرجوع إلى خلف أي رجع
الرجوع الذي يعرف بذلك، وإنما فعل ذلك لئلا يولي ظهره
القبلة (فسجد على الأرض ثم عاد إلى المنبر ثم قرأ ثم
ركع ثم رفع رأسه ثم رجع القهقرى حتى سجد بالأرض فهذا
شأنه). ولاحظ في قوله على الأرض معنى الاستعلاء، وفي
قوله بالأرض معنى الإلصاق.
وفي هذا الحديث جواز ارتفاع الإمام على المأمومين، وهو
مذهب الحنفية والشافعية وأحمد والليث، لكن مع الكراهة.
وعن مالك المنع، وإليه ذهب الأوزاعي وأن العمل اليسير
غير مبطل للصلاة. قال الخطابي: وكان المنبر ثلاث مراقي
فلعله إنما قام على الثانية منها فليس في نزوله وصعوده
إلاّ خطوتان، وجواز الصلاة على الخشب، وكرهه الحسن
وابن سيرين كما رواه ابن أبي شيبة عنهما وأن ارتفاع
الإمام
(1/403)
لغرض التعليم غير مكروه.
ورواته ما بين بصري ومكّي ومدني، وفيه التحديث
والإخبار والسؤال، وأخرجه المؤلّف في الصلاة، وكذا
مسلم وابن ماجة.
(قال) وللأصيلي وقال (أبو عبد الله) أي البخاري، (قال
علي بن عبد الله) ولأبي ذر قال علي بن المديني: (سألني
أحمد بن حنبل) الإمام الجليل الذي وصفه ابن راهويه
بأنه حجة بين الله وبين عباده في أرضه، المتوفّى
ببغداد سنة إحدى وأربعين ومائتين (رحمه الله عن هذا
الحديث. قال) وفي رواية فقال: (فإنما) ولابن عساكر
والأصيلي وإنما (أردت أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أعلى من الناس فلا) ولابن
عساكر ولا (بأس أن يكون الإمام أعلى من الناس بهذا
الحديث) أي بدلالة هذا الحديث.
(قال) أي علي بن المديني (فقلت) أي لابن حنبل، وفي
رواية قلت: (إن سفيان) وللأصيلي وأبي الوقت: فإن سفيان
(بن عيينة كان يسأل) بالبناء للمفعول (عن هذا كثيرًا
فلم) أي أفلم (تسمعه منه؟ قال: لا) صريح في أن أحمد بن
حنبل لم يسمع هذا الحديث من ابن عيينة.
378 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ
قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ الطَّوِيلُ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَقَطَ عَنْ فَرَسِهِ فَجُحِشَتْ
سَاقُهُ -أَوْ كَتِفُهُ- وَآلَى مِنْ نِسَائِهِ
شَهْرًا، فَجَلَسَ فِي مَشْرُبَةٍ لَهُ دَرَجَتُهَا
مِنْ جُذُوعٍ، فَأَتَاهُ أَصْحَابُهُ يَعُودُونَهُ
فَصَلَّى بِهِمْ جَالِسًا وَهُمْ قِيَامٌ، فَلَمَّا
سَلَّمَ قَالَ: «إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ
لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا،
وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا سَجَدَ
فَاسْجُدُوا، وَإِنْ صَلَّى قَائِمًا فَصَلُّوا
قِيَامًا».
وَنَزَلَ لِتِسْعٍ وَعِشْرِينَ، فَقَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ آلَيْتَ شَهْرًا، فَقَالَ:
«إِنَّ الشَّهْرَ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ». [الحديث أطرافه
في: 689، 732، 733، 805، 1114، 1911، 2469، 5201،
5289، 6684].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم. قال: حدّثنا
يزيد بن هارون. قال: أخبرنا حميد الطويل) بضم الحاء
(عن أنس بن مالك) رضي الله عنه:
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سقط عن فرس) في ذي الحجة سنة خمس من الهجرة، وفي رواية
عن فرسه (فجحشت ساقه) بضم الجيم وكسر الحاء المهملة
والشين المعجمة أي خدشت أو أشدّ منه قليلاً (أو) جحشت
(كتفه) شك من الراوي، وفي رواية الزهري عن أنس عند
الشيخين فجحش شقّه الأيمن وهو أشمل، وعند الإسماعيلي
من رواية بشر بن المفضل عن حميد انفكّت قدمه (وآلى من
نسائه) أي حلف لا يدخل عليهنّ (شهرًا) لا أنه حلف لا
يقربهنّ أربعة أشهر فصاعدًا (فجلس) عليه الصلاة
والسلام (في مشربة) بفتح الميم وسكون المعجمة وضم
الراء وفتحها في غرفة (له) معلقة (درجتها من جذوع) بضم
الجيم والمعجمة والتنوين بغير إضافة، وللكشميهني من
جذوع النخل أي ساقها، (فأتاه أصحابه يعودونه) بالدال
المهملة (فصلّى بهم) حال كونه (جالسًا وهم قيام) جملة
اسمية حالية، (فلما سلم) من صلاته (قال إنما جعل
الإمام) إمامًا (ليؤتم) أي ليقتدي (به) وتتبع أفعاله
والمفعول الأوّل وهو قوله: الإمام قائم مقام الفاعل.
(فإذا كبَّر) الإمام (فكبّروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا
سجد فاسجدوا) بفاء التعقيب المقتضية لمشروعية المأموم
الإمام في الأفعال. (وإن صلّى) وللأصيلي. وإذا صلّى
(قائمًا فصلّوا قيامًا) مفهومه وإن صلّى قاعدًا فصلّوا
قعودًا وهو محمول على العجز أي: إذا كنتم عاجزين عن
القيام كالإمام، والصحيح أنه منسوخ بصلاتهم في آخر
عمره عليه الصلاة والسلام قيامًا وهو قاعد خلافًا
لأحمد في مباحث تأتي إن شاء الله تعالى في موضعها.
(ونزل) عليه الصلاة والسلام من المشربة (لتسع وعشرين)
يومًا (فقالوا يا رسول الله إنك آليت شهرًا، فقال)
عليه الصلاة والسلام: (إن الشهر) أي المحلوف عليه (تسع
وعشرون) يومًا، وفي رواية تسعة وعشرون، واستنبط منه
أنه لو نذر صوم شهر معين أو اعتكافه فجاء تسعًا وعشرين
لم يلزمه أكثر من ذلك، بخلاف ما لو قال شهرًا فعليه
ثلاثون إن قصد عددًا وإلاّ فشهر بالهلال.
ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بغدادي وواسطي وبصري،
وأخرجه المؤلّف في المظالم والصوم والنذور والنكاح
والطلاق، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة في
الصلاة.
19 - باب إِذَا أَصَابَ ثَوْبُ الْمُصَلِّي
امْرَأَتَهُ إِذَا سَجَدَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا أصاب ثوب المصلّي امرأته إذا
سجد) فهل تفسد صلاته أم لا؟
379 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ عَنْ خَالِدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ:
"كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَأَنَا حِذَاءَهُ وَأَنَا
حَائِضٌ، وَرُبَّمَا أَصَابَنِي ثَوْبُهُ إِذَا
سَجَدَ".
قَالَتْ: "وَكَانَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ".
وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد (عن خالد) هو
ابن عبد الله الطحان (قال: حدّثنا سليمان الشيباني)
التابعي (عن عبد الله بن شداد) هو ابن الهاد وسقط لفظ
ابن شداد عند الأصيلي (عن) أُم المؤمنين (ميمونة) رضي
الله عنها (قالت):
(كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يصلّي وأنا حذاءه) بكسرُ المهملة وبالمعجمة وبالنصب
كما في اليونينية على الظرفية، وفي غيرها حذاؤه بالرفع
على الخبرية (وأنا حائض) جملة
(1/404)
اسمية حالية (وربما أصابني ثوبه إذا سجد)
(قالت) ميمونة: (وكان) عليه الصلاة والسلام (يصلّي على
الخمرة) بضم الخاء المعجمة وسكون الميم سجادة صغيرة من
سعف النخل تزمل بخيوط، وسميت خمرة لأنها تستر وجه
المصلّي عن الأرض كتسمية الخمار لسترة الرأس، واستنبط
منه جواز الصلاة على الحصير، لكن رُوِيَ عن عمر بن عبد
العزيز أنه كان يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد
عليه مبالغة في التواضع والخشوع، وأن بدن الحائض
وثوبها طاهران، وأن الصلاة لا تبطل بمحاذاة المرأة.
ورواته الخمسة ما بين بصري وواسطي وكوفي ومدني، وفيه
التحديث والعنعنة، ورواية التابعي عن التابعي عن
الصحابية، وأخرجه المؤلّف في الطهارة -كما سبق- وفي
الصلاة وكذا مسلم وأبو داود وابن ماجة.
20 - باب الصَّلاَةِ عَلَى الْحَصِيرِ
وَصَلَّى جَابِرٌ وَأَبُو سَعِيدٍ فِي السَّفِينَةِ
قَائِمًا. وَقَالَ الْحَسَنُ: تُصَلِّي قَائِمًا مَا
لَمْ تَشُقَّ عَلَى أَصْحَابِكَ تَدُورُ مَعَهَا،
وَإِلاَّ فَقَاعِدًا.
(باب) حكم (الصلاة على الحصير) وهي ما اتخذ من سعف
النخل وشبهه قدر طول الرجل وأكبر، والنكتة في هذه
الترجمة الإشارة إلى ضعف حديث ابن أبي شيبة وغيره عن
يزيد بن المقدام عن أبيه عن شريح بن هانئ أنه سأل
عائشة: أكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يصلّي على الحصير والله تعالى يقول:
{وجعلنا جهنم للكافرين حصيرًا} [الإسراء: 8] فقالت: لم
يكن يصلّي على الحصير لضعف يزيد بن المقدام أو ردّه
لمعارضة ما هو أقوى منه.
(وصلّى جابر) ولأبوي ذر والوقت جابر بن عبد الله (وأبو
سعيد) الخدري مما وصله ابن أبي شيبة بسند صحيح (في
السفينة) كل منهما حال كونه (قائمًا) كذا في الفرع وفي
غيره قيامًا بالجمع وأراد التثنية، وأدخل المؤلّف هذا
الأثر هنا لما بينهما من المناسبة بجامع الاشتراك في
الصلاة على غير
الأرض لئلا يتوهم من قوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ:
عفّر وجهك في التراب اشتراط مباشرة المصلّي الأرض.
(وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد
صحيح أيضًا خطابًا لمن سأله عن الصلاة في السفينة: هل
يصلّي قائمًا أو قاعدًا. فأجابه (تصلّي) حال كونك
(قائمًا ما لم تشق على أصحابك) بالقيام (تدور معها) أي
مع السفينة حيثما دارت (وإلا) بأن كان يشق عليهم
(فقاعدًا) أي فصلّ حال كونك قاعدًا لأن الحرج مرفوع،
نعم جوّز أبو حنيفة الصلاة في السفينة قاعدًا مع
القدرة على القيام، ولأبي ذر عن الكشميهني يصلّي
بالمثناة التحتية، وكذا يشق على أصحابه بضمير الغائب
يدور بالتحتية كذلك، وفي متن الفرع. وقال الحسن قائمًا
إلخ فأسقط لفظ يصلي.
380 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ
جَدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ
لَهُ، فَأَكَلَ مِنْهُ ثُمَّ قَالَ: «قُومُوا
فَلأُصَلِّ لَكُمْ». قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى
حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ،
فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،وَصَفَفْتُ
وَالْيَتِيمَ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ
وَرَائِنَا. فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ
انْصَرَفَ. [الحديث 380 - أطرافه في: 727، 860، 871،
874، 1164].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله) أي التنيسي وللأربعة
عبد الله بن يوسف (قال: أخبرنا مالك) هو إمام الأئمة
(عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن سهل
الأنصاري، وللكشميهني والحموي عن إسحاق بن أبي طلحة
فأسقط أباه ونسبه لجدّه (عن أنس بن مالك).
(أن جدّته) أي جدّة إسحاق لأبيه، وبه جزم ابن عبد
البرّ وعياض وعبد الحق وصحّحه النووي واسمها (مليكة)
بضم الميم بنت مالك بن عدي وهي والدة أمّ أنس لأن أمه
أم سليم أمها مليكة المذكورة أو الضمير في جدّتها يعود
على أنس نفسه، وبه جزم ابن سعد وابن مندة وابن الحصار
وهو مقتضى ما في النهاية لإمام الحرمين لحديث إسحاق بن
أبي طلحة عن أنس عند أبي الشيخ في فوائد العراقيين.
قال: أرسلتني جدّتي (دعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لطعام) أي لأجل طعام (صنعته)
مليكة جدّة إسحاق أو ابنتها أُم سليم والدة أنس (له)
عليه الصلاة والسلام (فأكل منه ثم قال: قوموا فلأصلّي)
بكسر اللام وضم الهمزة وفتح الياء على أنها لام كي
والفعل بعدها منصوب بأن مضمرة، واللام ومصحوبها خبر
مبتدأ محذوف أي قوموا فقيامكم لأن أصلي لكم، ويجوز أن
تكون الفاء زائدة على رأي الأخفش واللام متعلقة
بقوموا، وفي رواية فلأصلّي بكسر اللام على أنه لام كي
وسكون الياء على لغة التخفيف أو لام الأمر، وثبتت
الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح، وللأربعة
فلأصلّي بفتح اللام مع سكون الياء على أن اللام لام
ابتداء للتأكيد أو هي لام الأمر فتحت على لغة بني
سليم، وثبتت الياء في الجزم إجراء للمعتل مجرى الصحيح
كقراءة قنبل: مَن يتّقي ويصبر، أو
اللام جواب قسم محذوف والفاء جواب شرط محذوف أي إن
قمتم فوالله
(1/405)
لأصلّي لكم. وتعقبه ابن السيد فقال: وغلط
مَن توهّم أنه قسم لأنه لا وجه للقسم، ولو أُريد ذلك
لقال لأصلينّ بالنون، وفي رواية الأصيلي: فالأصل بكسر
اللام وحذف الياء على أن اللام للأمر والفعل مجزوم
بحذفها، ولم يعزها في الفرع لأحد، وفي رواية حكاها ابن
قرقول: فلنصل بكسر اللام وبالنون والجزم، وحينئذ
فاللام للأمر وكسرها لغة معروفة. وفي رواية قيل: إنها
للكشميهني. قال الحافظ ابن حجر، ولم أقف عليها في نسخة
صحيحة فأصلّي بغير لام مع سكون الياء على صيغة الإخبار
عن نفسه وهو خبر مبتدأ محذوف أي فأنا أصلي (لكم) أي
لأجلكم وإن كان الظاهر أن يقول بكم بالموحدة والأمر في
قوله قوموا. قال السهيلي فيما حكاه في فتح الباري
بمعنى الخبر كقوله {فليمدد له الرحمن مدّا} [مريم: 75]
أو هو أمر لهم بالائتمام، لكن أضافه إلى نفسه لارتباط
تعليمهم بفعله اهـ.
فإن قلت: لَمِ بدأ في قصة عتبان بن مالك بالصلاة قبل
الطعام وهنا بدأ به قبل الصلاة؟ أُجيب: بأنه بدأ في
كلٍّ منهما بأصل ما دعي لأجله أو دعي لهما، ولعل مليكة
كان غرضها الأعظم الصلاة، ولكنها جعلت الطعام مقدّمة
لها.
(قال أنس) رضي الله عنه: (فقمت إلى حصير لنا قد اسودّ
من طول ما لبس) بضم اللام وكسر الباء الموحدة أي
استعمل ولبس كل شيء بحسبه (فنضحته) أي رششته (بماء)
تليينًا له أو تنظيفًا (فقام رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) على الحصير (وصففت
واليتيم) هو ضميرة بن أبي ضميرة بضم الضاد المعجمة
وفتح الميم مولى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كما في تجريد الصحابة للذهبي، وفي رواية
غير المستملي والحموي.
وصففت أنا واليتيم بزيادة ضمير الرفع المنفصل لتأكيد
المتصل ليصحّ العطف عليه نحو {اسكن أنت وزوجك الجنة}
[البقرة: 35] ورواية المستملي والحموي جارية على مذهب
الكوفيين في جواز عدم التأكيد واليتيم بالرفع في رواية
أبي ذر عطفًا على الضمير المرفوع، وبالنصب في نفس متن
الفرع مصحّحًا عليه على المفعول معه أي وصففت أنا مع
اليتيم (وراءه والعجوز) أي أُم سليم المذكورة (من
ورائنا فصلّى لنا) أي لأجلنا (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركعتين ثم انصرف) من
الصلاة وذهب إلى بيته.
وقد استنبط المالكية من هذا الحديث الحنث بافتراش
الثوب المحلوف على لبسه. وأجاب الشافعية وبأنه لا يسمى
لبسًا عرفًا والأيمان منوطة بالعرف، وحمل اللبس هنا
على الافتراش إنما هو للقرينة ولأنه المفهوم وفيه
مشروعية تأخر النساء عن صفوف الرجال وقيام المرأة صفًا
وحدها إذا لم يكن معها امرأة غيرها، وفيه التحديث
والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في الصلاة وكذا
مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.
21 - باب الصَّلاَةِ عَلَى الْخُمْرَةِ
(باب الصلاة على الخمرة) بضم الخاء كما سبق.
381 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ
الشَّيْبَانِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ
عَنْ مَيْمُونَةَ قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي عَلَى
الْخُمْرَةِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك
الطيالسي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا
سليمان الشيباني) التابعي (عن عبد الله بن شداد) هو
ابن الهاد (عن) أُم المؤمنين (ميمونة) رضي الله عنها
(قالت):
(كان النبي) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي على الخمرة) وقد سبق هذا
الحديث قريبًا بغير سنده السابق مع الاختصار كما رواه
عن شيخه أبي الوليد مع اختلاف استخراج الحكم فيه.
22 - باب الصَّلاَةِ عَلَى الْفِرَاشِ. وَصَلَّى
أَنَسٌ عَلَى فِرَاشِه
وَقَالَ أَنَسٌ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَسْجُدُ
أَحَدُنَا عَلَى ثَوْبِهِ.
(باب) حكم (الصلاة على الفراش) من أيّ نوع كان هو جائز
سواء كان ينام عليه مع امرأته أم لا. (وصلّى أنس) هو
ابن مالك (على فراشه) وصله ابن أبي شيبة وسعيد بن
منصور عن ابن المبارك عن حميد عنه، (وقال أنس) مما
وصله في الباب اللاحق (كنّا نصلّي مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيسجد أحدنا) أي بعضنا
(على ثوبه) أي الذي لا يتحرك بحركته، لأن المتحرك
بحركته كالجزء منه، وسقط لفظ أنس من رواية الأصيلي وهو
يوهم أنه بقية الذي قبله وليس كذلك، وسقط هذا التعليق
كله من روايته كما في الفرع.
382 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي
مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ
عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهَا قَالَتْ:
"كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَىْ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرِجْلاَىَ فِي
قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ
رِجْلَىَّ، فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا. قَالَتْ:
وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا مَصَابِيحُ".
[الحديث 382 - أطرافه في: 383، 384، 508، 511، 512،
513، 514، 515، 519، 997، 1209، 6276].
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن عبد الله بن أبي أُوس
المدني ابن أُخت الإمام مالك بن أنس (قال: حدّثني)
بالإفراد (مالك) إمام دار الهجرة (عن أبي النضر) بفتح
النون وسكون المعجمة سالم (مولى عمر) بضم العين (ابن
عبد الله) بضم العين
(1/406)
وفتح الموحدة التيمي (عن أبي سلمة) بفتح
اللام عبد الله (بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عائشة زوج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنها
قالت):
(كنت أنام بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ورجلاي في قبلته) جملة حالية أي في موضع
سجوده (فإذا سجد) عليه الصلاة والسلام (غمزني) بيده أي
مع حائل (فقبضت رجليّ) بفتح اللام وتشديد الياء
بالتثنية وللمستملي والحموي رجلي بكسر اللام بالإفراد،
(فإذا قام) عليه الصلاة والسلام (بسطتهما)
بالتثنية وللمستملي والحموي بسطتها بالإفراد أيضًا.
(قالت) عائشة رضي الله عنها معتذرة عن نومها على هذه
الهيئة (والبيوت يومئذ) أي وقت إذ (ليس فيها مصابيح)
أي إذ لو كانت لقبضت رجليها عند إرادته السجود ولما
أحوجته للغمز.
واستنبط الحنفية من هذا الحديث عدم نقض الوضوء بلمس
المرأة. وأُجيب: باحتمال أن يكون بينهما حائل من ثوب
أو غيره أو بالخصوصية، وأُجيب: بأن الأصل عدم الحائل
في الرجل واليد عرفًا وبأن دعوى الخصوصية بلا دليل،
وبأنه عليه الصلاة والسلام في مقام التشريع لا
الخصوصية.
ورواته الخمسة مدنيون وفيه التحديث بالجمع والإفراد
والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
383 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ
أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي وَهْيَ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ
اعْتِرَاضَ الْجَنَازَةِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا
(قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) بضم العين ابن
خالد بن عقيل بفتح العين ولأبي الوقت وابن عساكر
حدّثني بالإفراد عقيل (عن ابن شهاب) الزهري (قال
أخبرني) بالإفراد (عروة) بن الزبير بن العوّام (أن
عائشة) رضي الله عنها (أخبرته) (أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي) في حجرتها
(وهي بينه وبين القِبلة) أي والحال أن عائشة بينه عليه
الصلاة والسلام وبين موضع سجوده (على فراش أهله) وهي
معترضة بينه وبين موضع القبلة (اعتراض الجنازة) بكسر
الجيم وقد تفتح وهي التي في الفرع فقط أي اعتراضًا
كاعتراض الجنازة بأن تكون نائمة بين يديه من جهة يمينه
إلى جهة يساره كما تكون الجنازة بين يدي المصلّي
عليها.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين مصري ومدني وفيه
التحديث بصيغة الجمع والإفراد والإخبار بالإفراد
والعنعنة، ورواية تابعي عن تابعي عن صحابية، وأخرجه
مسلم وأبو داود وابن ماجة.
384 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ عَنْ عِرَاكٍ عَنْ
عُرْوَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي وَعَائِشَةُ مُعْتَرِضَةٌ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ عَلَى الْفِرَاشِ
الَّذِي يَنَامَانِ عَلَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
حدّثنا الليث) بن سعد (عن يزيد) بن أبي حبيب (عن عراك)
بكسر العين ابن مالك (عن عروة) بن الزبير بن العوّام.
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان
يصلّي وعائشة) رضي الله عنها (معترضة بينه) عليه
الصلاة والسلام (وبين القبلة على الفراش الذي ينامان
عليه) فيه تقييد الفراش بكونه الذي ينامان عليه بخلاف
الرواية السابقة
فإنها بلفظ فراش أهله وهي أعمّ من أن يكون هو الذي
ناما عليه أو غيره، وفيه إشارة إلى أن حديث أبي داود
عن عائشة كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا
يصلّي في لحفنا لم يثبت عنه.
واستنبط منه أن الصلاة إلى النائم لا تكره وأن المرأة
لا تُبطِل صلاة مَن صلّى إليها أو مرّت بين يده كما
ذهب إليه مالك وأبو حنيفة والشافعي وغيرهم من جمهور
السلف والخلف، لكن يكره عند خوف الفتنة بها واشتغال
القلب بالنظر إليها.
ورواته ما بين مصري ومدني وفيه رواية ثلاثة من
التابعين يروي بعضهم عن بعض، وفيه التحديث والعنعنة
وصورته صورة المرسل، لكنه محمول على أنه سمع ذلك من
عائشة بدليل الرواية السابقة.
23 - باب السُّجُودِ عَلَى الثَّوْبِ فِي شِدَّةِ
الْحَرّ
وَقَالَ الْحَسَنُ: كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى
الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ وَيَدَاهُ فِي
كُمِّهِ.
(باب السجود على) طرف (الثوب) كالكمّ والذيل (في شدّة
الحر) أي والبرد (وقال الحسن) البصري مما وصله ابن أبي
شيبة وعبد الرزاق (كان القوم) أي الصحابة (يسجدون على
العمامة) بكسر العين (والقلنسوة) بفتح القاف واللام
وإسكان النون وضم السين المهملة وفتح الواو من ملابس
الرأس كالبرنس الواسع يغطي بها العمائم من الشمس
والمطر، (ويداه في كمّه) جملة حالية مبتدأ وخبر أي ويد
كل واحد في كمّه، وللكشميهني ويديه بتقدير، ويجعل كل
واحد يديه في كمّه، واستنبط منه أبو حنيفة جوازًا
السجود
(1/407)
على كور العمامة، وكرهه مالك ومنعه
الشافعية محتجّين بأنه كما لم يقم المسح عليها مقام
الرأس وجب أن يكون السجود كذلك، ولأن القصد من السجود
التذلّل وتمامه بكشف الجبهة.
385 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ
عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ
الْمُفَضَّلِ قَالَ: حَدَّثَنِي غَالِبٌ الْقَطَّانُ
عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَنَسِ بْنِ
مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَضَعُ
أَحَدُنَا طَرَفَ الثَّوْبِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ فِي
مَكَانِ السُّجُودِ. [الحديث 385 - طرفاه في: 542،
1208].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك)
الطيالسي (قال: حدّثنا بشر بن المفضل) بكسر الموحدة
وسكون الشين المعجمة في الأول وبضم الميم وفتح الفاء
والضاد المعجمة الرقاشي بفتح الراء (قال: حدّثني)
بالإفراد (غالب) بالغين المعجمة وكسر اللام ابن خطاف
بضم الخاء المعجمة وفتحها وتشديد الطاء المهملة آخره
فاء (القطان) بالقاف (عن بكر بن عبد الله) بفتح
الموحدة وسكون الكاف المزنيّ البصري (عن أنس بن مالك)
رضي الله عنه (قال):
(كنا نصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فيضع أحدنا طرف الثوب) أي المنفصل أو
المتصل الذي لا يتحرك
بحركته (من شدّة الحرّ في مكان السجود) وعند ابن أبي
شيبة: كنّا نصلّي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في شدّة الحرّ والبرد فيسجد على ثوبه،
واحتجّ بذلك أبو حنيفة ومالك وأحمد وإسحاق على جواز
السجود على الثوب في شدّة الحرّ والبرد، وبه قال عمر
بن الخطاب وغيره؟ وأوّله الشافعية بالمنفصل أو المتصل
الذي لا يتحرك بحركته كما مرّ فلو سجد على متحرك
بحركته عامدًا عالمًا بتحريمه بطلت صلاته لأنه كالجزء
منه أو جاهلاً أو ساهيًا لم تبطل صلاته، وتجب إعادة
السجود قاله في شرح المهذب. نعم استثنى في المهمات ما
لو كان بيده عود أو نحوه فسجد عليه، فإنه يجوز كما في
شرح المهذب في نواقض الوضوء.
ورواه هذا الحديث الخمسة بصريون، وفيه التحديث بالجمع
والإفراد والعنعنة، وأخرجه في الصلاة أيضًا وكذا مسلم
وأبو داود والترمذيّ والنسائي.
24 - باب الصَّلاَةِ فِي النِّعَالِ
(باب) حكم (الصلاة في النعال) أي على النعال أو بها
لأن الظرفية غير صحيحة.
386 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
مَسْلَمَةَ سَعِيدُ بْنُ يَزِيدَ الأَزْدِيُّ قَالَ:
سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ: أَكَانَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي
نَعْلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ. [الحديث 386 - طرفه في:
5850].
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) وليس عند الأصيلي
ابن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال:
أخبرنا) وللأصيلي وابن عساكر حدّثنا (أبو مسلمة) بفتح
الميم وسكون السين المهملة وفتح اللام (سعيد بن يزيد)
بكسر العين (الأزدي) بفتح الهمزة (قال):
(سألت أنس بن مالك) رضي الله عنه (أكان النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في نعليه) أي
عليهما أو بهما؟
(قال: نعم) أي إذا لم يكن فيهما نجاسة والاستفهام على
سبيل الاستفسار، واختلف فيما إذا كان فيهما نجاسة،
فعند الشافعية لا يطهرها إلاّ الماء، وقال مالك وأبو
حنيفة إن كانت يابسة أجزأ حكمها وإن كانت رطبة تعين
الماء.
ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين عسقلاني وبصري وكوفي،
وفيه التحديث والإخبار والسؤال، وأخرجه المؤلّف في
اللباس ومسلم في الصلاة وكذا الترمذي والنسائي.
25 - باب الصَّلاَةِ فِي الْخِفَافِ
(باب الصلاة في الخفاف) أي بها.
387 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ إِبْرَاهِيمَ
يُحَدِّثُ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ:
رَأَيْتُ جَرِيرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بَالَ ثُمَّ
تَوَضَّأَ وَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ ثُمَّ قَامَ
فَصَلَّى، فَسُئِلَ فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَنَعَ مِثْلَ
هَذَا. قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَكَانَ يُعْجِبُهُمْ،
لأَنَّ جَرِيرًا كَانَ مِنْ آخِرِ مَنْ أَسْلَمَ.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان (قال: سمعت إبراهيم)
النخعي (يحدّث عن همام بن الحرث) بفتح الهاء وتشديد
الميم والحرث بالمثلثة (قال):
(رأيت جرير بن عبد الله) بفتح الجيم البجلي الصحابي
بال ثم توضأ ومسح على خفّيه ثم قام فصلّى) أي في خفّيه
(فسئل) بضم السين مبنيًّا للمفعول أي سئل جرير عن
المسح على الخُفين في الصلاة فيهما والسائل له همام
كما في الطبراني (فقال) أي جرير: (رأيت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صنع مثل هذا) أي من المسح
والصلاة فيهما. (قال إبراهيم) النخعي: (فكان) حديث
جرير (يعجبهم) أي القوم وفي طريق عليّ بن يونس، فكان
أصحاب عبد الله أي ابن مسعود يعجبهم (لأن جريرًا كان
من آخر) ولابن عساكر لأن جريرًا من آخر (من أسلم)
ولمسلم: لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة، ووجه
إعجابهم بقاء الحكم فلا نسخ بآية المائدة خلافًا لا
ذهب إليه بعضهم لأنه لا كان إسلامه في السنة التي توفي
فيها الرسول عليه الصلاة والسلام علمنا أن حديثه معمول
به، وهو يبين أن المراد بآية المائدة غير صاحب الخف،
فتكون السُنّة مخصّصة للآية.
ورواة هذا الحديث ما بين بغداديّ وكوفيّ وفيه ثلاثة من
التابعين يروي بعضهم عن بعض عن الصحابي، وفيه التحديث
بالجمع والإفراد والعنعنة والقول والرؤية، وأخرجه مسلم
والترمذي والنسائي وأبو
(1/408)
داود في الطهارة.
388 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ
مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ
شُعْبَةَ قَالَ: "وَضَّأْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ
وَصَلَّى".
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) بصاد مهملة نسبة إلى
جدّه لشُهرته به وأبوه إبراهيم (قال: حدّثنا أبو
أسامة) حماد (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم) أي
ابن صبيح بضم الصاد المكنى بأبي الضحى أو هو مسلم
المشهور بالبطين، وكلٌّ منهما يروي عن مسروق والأعمش
يروي عن كلٍّ منهما (عن مسروق) أي ابن الأجدع (عن
المغيرة بن شعبة) رضي الله عنه (قال):
(وضأت النبي) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسمح على خُفيه وصلّى) أي فيهما.
ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون، وفيه ثلاثة من
التابعين. والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه في الصلاة
والجهاد واللباس ومسلم في الطهارة والنسائي وابن ماجة
فيها والزينة.
26 - باب إِذَا لَمْ يُتِمَّ السُّجُودَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يتم) المصليّ (السجود) حرم
عليه لترتب الوعيد الشديد، وهذا الباب ثابت في رواية
الأصيلي، وسقط في رواية المستملي لأن محله كالباب
التالي في أبواب صفة الصلاة.
389 - أَخْبَرَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ
أَخْبَرَنَا مَهْدِيٌّ عَنْ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي
وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ رَأَى رَجُلاً لاَ يُتِمُّ
رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ
قَالَ لَهُ حُذَيْفَةُ: مَا صَلَّيْتَ. قَالَ:
وَأَحْسِبُهُ قَالَ: لَوْ مُتَّ مُتَّ عَلَى غَيْرِ
سُنَّةِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. [الحديث 389 - طرفاه في: 791، 808].
وبه قال: (أخبرنا) وللأربعة حدّثنا (الصلت بن محمد)
الخاركي بالخاء المعجمة والراء والكاف نسبة إلى خارك
من سواحل البصرة قال: (أخبرنا) وللأربعة حدّثنا (مهدي)
هو ابن ميمون الأزدي (عن واصل) الأحدب (عن أبي وائل)
بالهمز شقيق بن سلمة (عن حذيفة) بن اليمان.
(أنه رأى رجلاً) لم أقف على اسمه (لا يتم ركوعه ولا
سجوده) جملة وقعت صفة لرجلاً (فلما قضى) أي أدّى الرجل
(صلاته) الناقصة الركوع والسجود (قال له حذيفة) رضيَ
الله عنه: (ما صلّيت) نفى عنه الصلاة لأن الكل ينتفي
بانتفاء الجزء فانتفاء تمام الركوع يلزم منه انتفاء
الركوع المستلزم لانتفاء الصلاة، وكذا السجود. (قال)
أبو وائل: (وأحسبه) أي حذيفة (قال) للرجل (لو مت) بضم
الميم من مات يموت وبكسرها من مات يمات، وفي رواية ولو
من (مت على غير سنة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي طريقته المتناولة للفرض والنفل، وفي
حديث أنس مرفوعًا عند الطبراني: ومن لم يتم خشوعها ولا
ركوعها ولا سجودها خرجت وهي سوداء مظلمة تقول ضيعك
الله كما ضيعتني حتى إذا كانت حيث شاء الله لفت كما
يلفّ الثوب الخلق ثم ضرب بها وجهه. ورئي ابن خيثم
ساجدًا كخرقة ملقاة وعليه عصافير لا يشعر بها.
ورواه هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي، وفيه
التحديث والعنعنة وهو من أفراد البخاري.
27 - باب يُبْدِي ضَبْعَيْهِ وَيُجَافِي فِي
السُّجُودِ
هذا (باب) بالتنوين من السنة (يبدي) بضم الياء يظهر
المصلّي (ضبعيه) تثنية ضبع بفتح الضاد المعجمة وسكون
الموحدة وسط العضد أو ما تحت الإبط أي لا يلصق عضديه
بجنبيه (ويجافي) أي ويباعد عضديه ويرفعهما عن جنبيه
(في السجود) وليست المفاعلة في يجافي على بابها، وهذا
الباب كالسابق لم يكن عند المستملي كما سبق.
390 - أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرٍ عَنِ ابْنِ هُرْمُزَ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانَ إِذَا صَلَّى فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى
يَبْدُوَ بَيَاضُ إِبْطَيْهِ.
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ
رَبِيعَةَ نَحْوَهُ. [الحديث 390 - طرفاه في: 807،
3564].
وبه قال: (أخبرنا) وللأربعة حدّثنا (يحيى بن بكير) بضم
الموحدة وفتح الكاف (قال: حدّثنا) وفي رواية أخبرنا
(بكر بن مضر) بفتح الموحدة وسكون الكاف وضم ميم مضر
وفتح ضادها قال البرماوي وابن الدماميني والعيني: غير
منصرف للعدل والعلمية كعمر (عن جعفر) المصري، وللأصيلي
عن جعفر بن ربيعة (عن ابن هرمز) بضم الهاء والميم عبد
الرحمن الأعرج (عن عبد الله بن مالك ابن بحينة) بضم
الموحدة وفتح الحاء المهملة وسكون المثناة التحتية
وفتح النون أم عبد الله وهي صفة أخرى له لا صفة لمالك،
وحينئذ فتحذف الألف من ابن السابقة لمالك خطأ لأنها
وقعت بين علمين من غير فاصل فينوّن مالك وتثبت الألف
من ابن بحينة، لأنه وإن كان صفة لعبد الله لكن وقع
الفاصل.
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان
إذا صلّى) أي سجد من إطلاق الكل على الجزء (فرج) بفتح
الفاء. قال السفاقسي: رويناه بتشديد الراء والمعروف في
اللغة التخفيف أي فتح (بين يديه) أي وجنبيه. قال
الكرماني: ويحتمل أن يكون بين يديه على ظاهره يعني
قدّامه وأراد يبعد قدامه من الأرض (حتى يبدو) بواو
مفتوحة أي يظهر (بياض إبطيه) وفي رواية الليث: إذا سجد
فرج يديه عن إبطيه وإذا فرج بين يديه لا بدّ من إبداء
ضبعيه، وعند الحاكم وصحّحه من حديث عبد الله بن أقرم
فكنت أنظر إلى عفرتي إبطيه.
(1/409)
وفي حديث ميمونة إذا سجد لو شاءت بهيمة أن
تمرّ بين يديه لمرّت والحكمة فيه أنه أشبه بالتواضع
وأبلغ فى تمكين الجبهة من الأرض وأبعد من هيئات
الكسالى، وأما المرأة فتضمّ بعضها إلى بعض لأنه أستر
لها وأحوط وكذا الخنثى (وقال الليث) بن سعد مما وصله
مسلم في صحيحه وهو عطف على بكر (حدّثني) بالإفراد
(جعفر بن ربيعة نحوه) أي نحو حديث بكر، لكنه رواه
بالحديث وبكر بالعنعنة.
ورواة هذا الحديث ما بين مصري ومدني، وفيه التحديث
والعنعنة، وأخرجه في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومسلم والنسائي في الصلاة.
ولما فرغ المؤلّف رحمه الله تعالى من بيان أحكام ستر
العورة شرع في بيان استقبال القبلة لأن الذي يريد
الشروع في الصلاة يحتاج أولاً إلى ستر العورة، ثم إلى
استقبال القبلة وما يتبعها من أحكام المساجد فقال:
28 - باب فَضْلِ اسْتِقْبَالِ الْقِبْلَة
ِيَسْتَقْبِلُ بِأَطْرَافِ رِجْلَيْهِ
قَالَ أَبُو حُمَيْدٍ: عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(باب فضل استقبال القبلة يستقبل) المصلّي (بأطراف
رجليه القبلة) ولأبي ذر عن الكشميهني يستقبل القبلة
بأطراف رجليه أي برؤوس أصابعهما نحو القبلة (قاله) في
الفروع قال أبو حميد من غير هاء (أبو حميد) عبد الرحمن
بن سعد الساعدي المدني الأنصاري (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في صفة صلاته عليه
الصلاة والسلام كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وسقط في
رواية الأصيلي وابن عساكر من قوله: يستقبل إلى آخر
قوله وسلم.
391 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ الْمَهْدِيِّ قَالَ: حَدَّثَنَا
مَنْصُورُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ مَيْمُونِ بْنِ سِيَاهٍ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ
صَلَّى صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا،
وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَذَلِكَ الْمُسْلِمُ الَّذِي
لَهُ ذِمَّةُ اللَّهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَلاَ
تُخْفِرُوا اللَّهَ فِي ذِمَّتِهِ». [الحديث 391 -
طرفاه في: 392، 393].
وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن عباس) بفتح العين فيهما
وتشديد الموحدة في الثاني الأهوازي البصري (قال:
حدّثنا ابن المهدي) بفتح الميم وكسر الدال مع التعريف
ابن حسان البصري اللؤلؤي، وللأصيلي وابن عساكر: حدّثنا
ابن مهدي (قال: حدّثنا منصور بن سعد) بسكون العين
البصري (عن ميمون بن سياه) بكسر السين المهملة وتخفيف
المثناة التحتية وبعد الألف هاء منوّنة أو غير مصروف
للعلمية والمعجمة وردّ بأنه غير علم في العجم ومعناه
بالفارسية الأسود (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه
(قال):
(قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
مَن صلّى صلاتنا) أي من صلّى صلاة كصلاتنا المتضمنة
للإقرار بالشهادتين، (واستقبل قبلتنا) المخصوصة بنا
(وأكل ذبيحتنا) وإنما أفرد ذكر استقبال القبلة تعظيمًا
لشأنها، وإلاّ فهو داخل في الصلاة لكونه من شروطها أو
عطفه على الصلاة لأن اليهود لما تحوّلت القبلة شنّعوا
بقولهم ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها وهم الذين
يمتنعون من أكل ذبيحتنا أي صلّى صلاتنا وترك المنازعة
في أمر القبلة، والامتناع عن أكل الذبيحة فهو من باب
عطف الخاص على العامّ، فلما ذكر الصلاة عطف ما كان
الكلام (فيه وما هو مهتم بشأنه عليها (فذلك) مبتدأ
خبره (المسلم له ذمة الله) بكسر الذال المعجمة مرفوع
أخبره له والموصول صفة المسلم والجملة صلته (وذمة
رسوله) ولأبي ذر وذمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي أمان الله ورسوله أو عهدهما
(فلا تخفروا) بضم المثناة الفوقية وإسكان المعجمة وكسر
الفاء أي لا تخونوا (الله) أي ولا رسوله (في ذمته) أي
ذمة الله أو ذمة المسلم أي لا تخونوا في تضييع مَن هذا
سبيله، يقال: خفرت الرجل إذا حميته وأخفرته إذا نقضت
عهده، والهمزة فيه للسلب أي أزلت خفارته كأشكيته إذا
أزلت شكواه، واكتفى بذكر الله وحده دون ذكر الرسول
لاستلزامه عدم إخفار ذمّة الرسول وإنما كره أوّلاً
للتأكيد.
واستنبط من هذا الحديث اشتراط استقبال عين الكعبة
لصلاة القادر عليه، فلا تصح الصلاة بدونه إجماعًا
بخلاف العاجز عنه كمريض لا يجد من يوجهه إلى القبلة
ومربوط على خشبة فيصلّي على حاله ويعيد، ويعتبر
الاستقبال بالصدر لا بالوجه أيضًا لأن الالتفات به لا
يبطل. نعم لا يشترط الاستقبال في شدة الخوف ونفل السفر
والفرض استقبال عين الكعبة يقينًا لمن بمكة وظنًّا لمن
هو غائب عنها، فلا يكفي إصابة الجهة لحديث الصحيحين
أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركع ركعتين
قبل الكعبة وقال: هذه القبلة، وقبل بضم القاف والباء
ويجوز إسكانها ومعناه مقابلها أو ما استقبلك منها وعند
عامة الحنفية فرض الغائب عن مكة استقبال جهة الكعبة لا
عينها.
ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون، وفيه التحديث
والعنعنة، وأخرجه
(1/410)
النسائي.
392 - حَدَّثَنَا نُعَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُمِرْتُ أَنْ
أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لاَ إِلَهَ
إِلاَّ اللَّهُ، فَإِذَا قَالُوهَا، وَصَلَّوْا
صَلاَتَنَا، وَاسْتَقْبَلُوا قِبْلَتَنَا، وَذَبَحُوا
ذَبِيحَتَنَا، فَقَدْ حَرُمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ
وَأَمْوَالُهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا، وَحِسَابُهُمْ
عَلَى اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: وحدّثنا بالواو
(نعيم) هو ابن حماد الخزاعي (قال: حدّثنا ابن المبارك)
عبد الله فهو موصول، ولأبوي ذر والوقت: حدّثنا نعيم،
قال ابن المبارك: وفي رواية حماد بن شاكر عن المؤلّف.
قال نعيم بن حماد: فيكون المؤلّف علقه عنه، وللأصيلي
وكريمة وقال ابن المبارك: فيكون المؤلّف علقه عنه،
ولابن عساكر قال محمد بن إسماعيل، وقال ابن المبارك:
وقد وصله الدارقطني من طريق نعيم عن ابن المبارك (عن
حميد الطويل عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال):
(قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أُمرت) بضم الهمزة وكسر الميم أي أمرني الله (أن) أي
بأن (أقاتل الناس)
أى بقتل المشركين (حتى يقولوا لا الله إلاّ الله) أي
مع محمد رسول الله، واكتفى بالأولى لاستلزامها الثانية
عند التحقيق أو أنها شعار للمجموع كما في قرأت الحمد
أي كل السورة (فإذا قالوها) أي كلمة الإخلاص وحقّقوا
معناها بموافقة الفعل لها (وصلّوا صلاتنا) أي بالركوع
(واستقبلوا قبلتنا) التي هدانا الله لها (وذبحوا
ذبيحتنا) أي ذبحوا المذبوح مثل مذبوحنا فعيل بمعنى
المفعول لكنه استشكل دخول التاء فيه، لأنه إذا كان
بمعنى المفعول يستوي فيه المذكّر والمؤنث فلا تدخله
التاء، وأُجيب بأنه لا زال عنه معنى الوصفية وغلبت
عليه الاسمية دخلت التاء وإنما يستوي الأمران فيه عند
ذكر الموصوف، (فقد حرمت) بفتح الحاء وضمّ الراء كما في
الفرع، وجوّز البرماوي كغيره ضم الأول وتشديد الثاني،
لكن قال الحافظ ابن حجر: ولم أرَ في شيء من الروايات
تشديد الراء (علينا دماؤهم وأموالهم إلاّ بحقها) أي
إلا بحق الدماء والأموال وفي حديث ابن عمر: فإذا فعلوا
ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام
(وحسابهم على الله) هو على سبيل التشبيه أيّ هو
كالواجب على الله في تحقق الوقوع، وإلا فلا يجب على
الله تعالى شيء. وقد استنبط ابن المنير من قوله: فإذا
قالوها وصلوا صلاتنا حرمت دماؤهم قتل تارك الصلاة لأن
مفهوم الشرط إذا قالوها، وامتنعوا من الصلاة لم تحرم
دماؤهم منكرين للصلاة كانوا أو مقرّين لأنه رتب
استصحاب سقوط العصمة على ترك الصلاة لا ترك الإقرار
بها. لا يقال الذبيحة لا يقتل تاركها لأنّا نقول: إذا
أخرج الإجماع بعضًا لم يخرج الكل انتهى من المصابيح.
فإن قلت: لم خصّ الثلاثة بالذكر من بين الأركان
وواجبات الدين أُجيب بأنها أظهر وأعظم وأسرع علمًا لأن
في اليوم تعرف صلاة الشخص وطعامه غالبًا بخلاف الصوم
والحج كما لا يخفى.
393 - قَالَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ أَخْبَرَنَا يَحْيَى
حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ
قَالَ: سَأَلَ مَيْمُونُ بْنُ سِيَاهٍ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ قَالَ: يَا أَبَا حَمْزَةَ مَا يُحَرِّمُ دَمَ
الْعَبْدِ وَمَالَهُ؟ فَقَالَ: مَنْ شَهِدَ أَنْ لاَ
إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَاسْتَقْبَلَ قِبْلَتَنَا،
وَصَلَّى صَلاَتَنَا، وَأَكَلَ ذَبِيحَتَنَا، فَهُوَ
الْمُسْلِمُ: لَهُ مَا لِلْمُسْلِمِ، وَعَلَيْهِ مَا
عَلَى الْمُسْلِمِ.
وهذا الحديث رواه أبو داود في الجهاد، والترمذي في
الإيمان، والنسائي في المحاربة.
(وقال ابن أبي مريم) سعيد بن الحكم المصري (أخبرنا
يحيى) وللأربعة يحيى بن أيوب الغافقي (قال: حدّثنا
حميد) الطويل ولابن عساكر، وقال محمد أي المؤلّف قال
ابن أبي مريم حدّثني (بالإفراد حميد (قال: حدّثنا أنس)
رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وقد وصله محمد بن نصر وابن منده في
الإيمان من طريق ابن أبي مريم، وقد ذكره المؤلّف
استشهادًا وتقوية وإلاّ فيحيى بن أيوب مطعون فيه قال
أحمد: سيئ الحفظ، (وقال علي بن عبد الله) أي المديني:
(حدّثنا خالد بن الحرث قال: حدّثنا حميد) الطويل (قال:
سأل ميمون بن سياه) بكسر السين المهملة آخره هاء (أنس
بن مالك قال) ولأبوي ذر والوقت فقال وسقطت هذه الكلمة
بالكلية عند الأصيلي.
(يا أبا حمزة) بالحاء والزاي كنية أنس (وما يحرّم)
بواو العطف على معطوف محذوف كأنه سأل عن شيء مثل هذا
وغير هذا، وقول ابن حجر أو الواو استئنافية. تعقبه
العيني بأن الاستئناف كلام مبتدأ، وحينئذ لا يبقى مقول
لقال فيحتاج إلى تقدير، وفي رواية كريمة والأصيلي ما
يحرّم (دم العبد وماله فقال) أنس: (من شهد أن لا إله
إلاّ الله واستقبل قبلتنا وصلّى صلاتنا وأكل ذبيحتنا
فهو المسلم له ما للمسلم) من النفع (وعليه ما على
المسلم) من المضرة.
ووجه مطابقة جواب أنس للسؤال عن سبب التحريم أنه
يتضمنه لأنه لما ذكر الشهادة وما عطف عليها علم أن
الذي يفعل هذا هو المسلم، والمسلم يحرم دمه وماله،
إلاّ بحقه فهو مطابق له
(1/411)
وزيادة.
29 - باب قِبْلَةِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَهْلِ
الشَّأْمِ وَالْمَشْرِقِ، لَيْسَ فِي الْمَشْرِقِ
وَلاَ فِي الْمَغْرِبِ قِبْلَةٌ
لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ
بِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ
غَرِّبُوا».
(باب) حكم (قبلة أهل المدينة وأهل الشام و) قبلة أهل
(المشرق) أي وأهل المغرب في استقبالها واستدبارها
المنهي عنه، وأهل بالجر عطفًا على المضاف إليه والمشرق
عطفًا على المجرور قبله، والمراد بالمشرق مشرق الأرض
كلها المدينة والشام وغيرهما، ولم يذكر المؤلّف المغرب
مع أن العلّة فيهما مشتركة اكتفاء بذلك عنه كما في:
{سرابيل تقيكم الحر} [النحل: 81] وخصّ المشرق بالذكر
لأن أكثر بلاد الإسلام في جهته، ولما ذكر المؤلّف ذلك
كأن سائلاً سأله فقال: كيف قبلة هذه المواضع؟ فقال:
(ليس في المشرق ولا في المغرب قبلة) أي ليس في التشريق
والتغريب في المدينة والشام، ومَن يلحق بهم ممن هو على
سمتهم قبلة، فأطلق المشرق والمغرب على التشريق
والتغريب، والجملة استئنافية من تفقه المؤلّف جواب عن
سؤال مقدّر كما مرّ، وفي رواية الأربعة بإسقاط قبلة
هذه، وحينئذ يتعيّن تنوين باب بتقدير هذا باب، ورفع
قبلة أهل المدينة على الابتداء وجر أهل عطفًا على
المضاف إليه، وكذا المشرق والمغرب عطفًا على المجرور،
وخبر المبتدأ قوله: ليس في المشرق لكن بتأويل قبلة
بلفظ مستقبل، لأن التطابق في التذكير والتأنيث بين
المبتدأ والخبر واجب والمشرق بالتشريق والمغرب
بالتغريب أي: هذا باب بالتنوين مستقبل أهل المدينة
وأهل الشام ليس في التشريق ولا في التغريب، وقد سقطت
التاء من ليس فلا تطابق بينه وبين قبلة، فلذا أول
بمستقبل ليتطابقا تذكيرًا.
وحكى الزركشي ضم قاف مشرق للأكثرين عن عياض عطفًا على
باب أي، وباب حكم المشرق، ثم حذف في الثاني باب وحكم
وأقيم المشرق مقام الأوّل، وصوّبه الزركشي لما في
الكسر من إشكال وهو إثبات قبلة لهم أي لأهل المشرق،
وتعقبه الدماميني فقال: إثبات قبلة، لأهل المشرق في
الجملة لا إشكال فيه لأنهم لا بدّ لهم أن يصلوا إلى
الكعبة فلهم قبلة يستقبلونها قطعًا إنما الإشكال لو
جعل المشرق نفسه قبلة مع استدبار الكعبة وليس في جرّ
المشرق ما يقتضي أن يكون المشرق نفسه قبلة، وكيف يتوهم
هذا، والمؤلّف قد ألصق بهذا الكلام قوله: ليس في
المشرق ولا في المغرب قبلة، ثم إن ما وجه به الرفع
يمكن أن يوجه به الكسر، وذلك بأن يكون المشرق معطوفًا
على ما أُضيف إليه الباب وهو قبلة لا على المدينة ولا
على الشام، فكأنه قال: باب حكم قبلة أهل المدينة وحكم
الشرق ولا إشكال البتّة. اهـ.
ومراده بالمشرق والمغرب كما مرّ اللذان من ناحية
المدينة والشام بخلاف مشرق مكة ومغربهما وكل البلاد
التي تحت الخط المارّ عليها من مشرقها إلى مغربها،
فإنها مخالفة المشرق والمغرب للمدينة والشام وما كان
من جهتهما في حكم اجتناب الاستقبال والاستدبار
بالتشريق والتغريب، فإن أولئك
إذا شرقوا أو غربوا لا يكونون مستقبلي الكعبة ولا
مستدبريها، ومشرق مكة ومغربها وما بينهما متى شرقوا
استدبروا الكعبة أو غربوا استقبلوها، فينحرفون حينئذ
للجنوب أو الشمال، وهو معنى قول المؤلّف: ليس في
المشرق ولا في المغرب قبلة القول النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله النسائي
والمؤلّف في الباب وغيره (لا تستقبلوا القبلة بغائط أو
بول ولكن شرقوا أو غربوا) ظاهره التسوية بين الصحاري
والأبنية فيكون مطابقًا للترجمة وهو مذهب أبي حنيفة
وأحمد في رواية عنه. وقال مالك والشافعي: يحرم في
الصحراء لا في البنيان لحديث الباب، ولأنه عليه الصلاة
والسلام قضى حاجته في بيت حفصة مستقبل الشام مستدبر
الكعبة، فجمع الشافعي رحمه الله بينهما بحمل حديث
الباب المفيد للتحريم على الصحراء لأنها لسعتها لا يشق
فيها اجتناب الاستقبال والاستدبار بخلاف البنيان، فقد
يشق فيه اجتناب ذلك فيجوز فعله كما فعله عليه السلام
لبيان الجواز، وإن كان الأولى لنا تركه، وتقدم مزيد
لذلك في كتاب الوضوء.
394 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ
عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِي أَيُّوبَ
الأَنْصَارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا أَتَيْتُمُ
الْغَائِطَ فَلاَ تَسْتَقْبِلُوا الْقِبْلَةَ وَلاَ
تَسْتَدْبِرُوهَا، وَلَكِنْ شَرِّقُوا أَوْ
غَرِّبُوا». قَالَ أَبُو أَيُّوبَ: فَقَدِمْنَا
الشَّأْمَ فَوَجَدْنَا مَرَاحِيضَ بُنِيَتْ قِبَلَ
الْقِبْلَةِ، فَنَنْحَرِفُ وَنَسْتَغْفِرُ اللَّهَ
تَعَالَى.
وَعَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا أَيُّوبَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ.
وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المدينى (قال:
حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا) محمد بن مسلم بن
شهاب (الزهري عن عطاء بن يزيد)
(1/412)
ولأبوي ذر والوقت زيادة الليثي (عن أبي
أيوب) خالد بن زيد (الأنصاري) رضي الله عنه.
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
إذا أتيتم الغائط) اسم للأرض المطمئنة لقضاء الحاجة
(فلا تستقبلوا القبلة
ولا تستدبروها) احترامًا لها وتعظيمًا، وهل هو من جهة
خروج الخارج المستقذر أو من جهة كشف العورة، فيه خلاف
مبني على جواز الوطء مستقبل القبلة مع كشف العورة، فمن
علل بالخارج أباح ومن علل بالعورة منع، (ولكن شرقوا أو
غربوا) مخصوص بأهل المدينة لأنهم المخاطبون، ويلحق بهم
من كان على سمتهم ممن إذا استقبل المشرق أو المغرب لم
يستقبل القبلة ولم يستدبرها. (قال أبو أيوب) الأنصاري
(فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض) بفتح الميم وكسر الحاء
المهملة والضاد المعجمة جمع مرحاض بكسر الميم (بنيت)
لقضاء حاجة الإنسان (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي
مقابل (القبلة فننحرف) عن جهة القبلة من الانحراف، وفي
رواية فنتحرف (ونستغفر الله تعالى) لمن بناها، فإن
الاستغفار للمؤمنين سنة أو من الاستقبال، ولعل أبا
أيوب رضي الله عنه لم يبلغه حديث ابن عمر في ذلك أو لم
يره مخصصًا، وحمل ما رواه على العموم.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري ومكي ومدني، وفيه
التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي
والنسائي وابن ماجة في الطهارة.
ثم عطف المؤلّف على قوله حدّثنا سفيان قوله: (وعن
الزهري) بالإسناد المذكور (عن عطاء) أي ابن يزيد
(قال):
(سمعت أبا أيوب) الأنصاري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) أي مثل الحديث السابق،
والحاصل أن سفيان حدّث به عليًّا مرّتين: مرة صرح
بتحديث الزهري له وفيه عنعنة عطاء، ومرة أتى بالعنعنة
عن الزهري وبتصريح عطاء بالسماع.
30 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ
مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125]
(باب قوله تعالى: {واتخذوا} بكسر الخاء على الأمر أي
وقلنا لهم: اتخذوا {من مقام إبراهيم مصلّى} [البقرة:
125] مدّعى يدعى عنده، وقال البرماوي موضع صلاة. وتعقب
بأنه لا يصلى فيه بل عنده، ويترجح القول الأول بأنه
جار على المعنى اللغوي والغرض البيت لا المقام لأن مَن
صلّى إلى الكعبة لغير جهة المقام فقد أدّى فرضه،
والأمر في: واتخذوا للاستحباب كما لا يخفى، ومقام
إبراهيم هو الحجر الذي فيه أثر قدمه. وقال مجاهد:
المراد بمقام إبراهيم الحرم كله، وقرأ نافع وابن عامر
{واتّخذوا} بفتح الخاء بلفظ الماضي عطفًا على جعلنا
البيت مثابة للناس وأمنًا واتخذوا.
395 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ
قَالَ: سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ
بِالْبَيْتِ الْعُمْرَةَ وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ أَيَأْتِي امْرَأَتَهُ؟
فَقَالَ: قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعًا وَصَلَّى
خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ وَطَافَ بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي
رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. [الحديث 495 -
أطرافه في: 1623، 1627، 1645، 1647، 1793].
وبالسند قال: (حدّثنا الحميدي) بضم الحاء وفتح الميم
عبد الله بن الزبير القرشي المكّي (قال: حدّثنا سفيان)
بن عيينة (قال: حدّثنا عمرو بن دينار) بفتح العين
المكي (قال):
(سألنا عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (عن رجل طاف
بالبيت العمرة) بالنصب للمستملي والحموي أي طواف
العمرة ثم حذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه،
وللأربعة للعمرة بلام الجر أي لأجل العمرة (ولم يطف)
أي لم يسع (بين الصفا والمروة أيأتي) أي هل حلّ من
إحرامه حتى يجوز له أن يجامع (امرأته) ويفعل غير ذلك
من محرمات الإحرام أم لا؟ (فقال) عبد الله بن عمر
مجيبًا له: (قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. فطاف بالبيت سبعًا، وصلّى خلف المقام
ركعتين، وطاف بين الصفا والمروة، وقد
كان لكم في رسول الله أُسوة حسنة) فأجاب ابن عمر
بالإشارة إلى وجوب اتباعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، لا سيما وقد قال عليه الصلاة والسلام:
(خذوا عني مناسككم).
396 - وَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
فَقَالَ: لاَ يَقْرَبَنَّهَا حَتَّى يَطُوفَ بَيْنَ
الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ. [الحديث 396 - أطرافه في:
1624، 1646، 1794].
قال عمر بن دينار: (وسألنا جابر بن عبد الله) الأنصاري
عن ذلك (فقال) (لا يقربنّها) جملة فعلية مؤكدة بالنون
الثقيلة (حتى يطوف بين الصفا والمروة) فأجاب بصريح
النهي. ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في
الحج.
ورواة هذا الحديث الثلاثة مكيّون، وفيه التحديث
والسؤال وهو من مسند ابن عمر لا من مسند جابر لأنه لم
يرفعه وأخرجه المؤلّف في الحج وكذا مسلم والنسائي وابن
ماجة.
397 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ سَيْفٍ -يعني ابن سليمان- قَالَ: سَمِعْتُ
مُجَاهِدًا قَالَ: "أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ فَقِيلَ لَهُ
هَذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْكَعْبَةَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ:
فَأَقْبَلْتُ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَدْ خَرَجَ، وَأَجِدُ بِلاَلاً قَائِمًا
بَيْنَ الْبَابَيْنِ، فَسَأَلْتُ بِلاَلاً فَقُلْتُ:
أَصَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ،
رَكْعَتَيْنِ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ
عَلَى يَسَارِهِ إِذَا دَخَلْتَ، ثُمَّ خَرَجَ
فَصَلَّى فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ رَكْعَتَيْنِ".
[الحديث 397 - أطرافه في: 468، 504، 505، 506، 1167،
1598، 1599، 2988، 4289، 4400].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا
يحيى) القطان (عن سيف) بفتح السين زاد ابن عساكر يعني
ابن أبي سليمان كما في الفرع المخزومي المكّي (قال:
سمعت مجاهدًا) الإمام المفسّر (قال):
(أُتي ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما بضم الهمزة
مبنيًّا للمفعول (فقيل له)
(1/413)
لم يعرف الحافظ ابن حجر اسم هذا القائل
(هذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
دخل الكعبة. فقال ابن عمر: فأقبلت والنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد خرج) من الكعبة (وأجد
بلالاً) حال كونه (قائمًا بين البابين) أي مصراعي
الباب، إذ لم يكن للكعبة يومئذ إلاّ باب. وفي رواية
الحموي: بين الناس بالنون والسين المهملة بدل البابين.
قال في الفتح: وهي أوضح وعبّر بالمضارع في قوله وأجد
حكاية عن الحال الماضية أو استحضارًا لتلك الصورة حتى
كأن المخاطب يشاهدها، وإلاّ فكان المناسب للسياق أن
يقول: ووجدت (فسألت بلالاً فقلت أصلى) بهمزة
الاستفهام، ولأبي ذر والأصيلي صلّى بإسقاطها (النبي)
وللأصيلي وحده رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في الكعبة، قال: نعم) صلّى (ركعتين بين
الساريتين) تثنية سارية وهي الأسطوانة (اللتين على
يساره) أي الداخل أو يسار البيت أو هو من الالتفات
ولأبي ذر عن الكشميهني يسارك بالكاف وهي أنسب لقوله:
(إذا دخلت ثم خرج) من البيت (فصلّى في وجه) مواجهة
(الكعبة
ركعتين) عند مقام إبراهيم، وبذلك تحصل المطابقة لترجمة
أو جهة الباب عمومًا، وقد أجمع أهل الحديث على الأخذ
برواية بلال لأنه مثبت ومعه زيادة علم، فوجب ترجيح
روايته على النافي كأسامة، وسبب نفيه اشتغاله بالدعاء
في ناحية من نواحي البيت غير التي كان فيها الرسول مع
غلق الباب وكان بلال قريبًا منه عليه الصلاة والسلام،
فخفي على أسامة (لبعده واشتغاله ما شاهده بلال لقربه
وجاز له النفي عملاً بالظن، أو أنه عليه الصلاة دخل
البيت مرتين مرة صلّى ومرة دعا ولم يصلّ.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري ومكّي، وفيه
التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الحج والصلاة
والجهاد ومسلم في الحج وكذا أبو داود والنسائي وابن
ماجة.
398 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ
قَالَ: "لَمَّا دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَيْتَ دَعَا فِي نَوَاحِيهِ
كُلِّهَا وَلَمْ يُصَلِّ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ.
فَلَمَّا خَرَجَ رَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي قُبُلِ
الْكَعْبَةِ وَقَالَ: هَذِهِ الْقِبْلَةُ». [الحديث
398 - أطرافه في: 1601، 3351، 3352، 4288].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبة إلى جدّه لشهرته
به وإلاّ فأبوه إبراهيم السعدي (قال: حدّثنا عبد
الرزّاق) بن همام (قال: أخبرنا) وللأصيلي وأبي الوقت
حدّثنا (ابن جريح) نسبة إلى جدّه لشهرته به واسمه عبد
الملك بن عبد العزيز (عن عطاء) هو ابن أبي رباح (قال:
سمعت ابن عباس) رضي الله عنهما (قال):
(لما دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
البيت دعا في نواحيه كلها) جمع ناحية وهي الجهة (ولم
يصل) فيه (حتى
خرج منه) ورواية بلال المثبت أرجح من نفي ابن عباس
هذا، لا سيما أن ابن عباس لم يدخل، وحينئذٍ فيكون
مرسلاً لأنه أسنده عن غيره ممن دخل مع النبي-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-الكعبة فهو مرسل صحابيّ،
(فلما خرج) عليه الصلاة والسلام منه (ركع) أي صلّى
(ركعتين) فأطلق الجزء وأراد به الكل (في قبل الكعبة)
وما استقبله منها وهو وجهها بضم القاف والموحدة وقد
تسكن (وقال) عليه الصلاة والسلام (هذه) أي الكعبة هي
(القبلة) التي استقر الأمر على استقبالها فلا تنسخ كما
نسخ بيت المقدس أو علمهم بذلك سنة موقف الإمام في
وجهها دون أركانها وجوانبها الثلاثة، وإن كان الكل
جائزًا أو أن من حكم من شاهد البيت وجوب مواجهة عينه
جزمًا بخلاف الغائب أو أن الذي أمرتم باستقباله ليس هو
الحرم كله ولا مكة ولا المسجد حول الكعبة بل الكعبة
نفسها.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مدني وصنعاني ومكّي،
وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والسماع، وأخرجه مسلم
في المناسك والنسائي.
31 - باب التَّوَجُّهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ حَيْثُ
كَانَ
وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اسْتَقْبِلِ
الْقِبْلَةَ وَكَبِّرْ».
(باب التوجه) في صلاة الفرض (نحو القبلة) أي جهتها
(حيث كان) أي وجد المصلي في سفر أو حضر. (وقال أبو
هريرة) رضي الله عنه مما وصله المؤلّف في الاستئذان من
جملة حديث المسيء صلاته (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: استقبل القبلة) حيث كنت (وكبّر)
بكسر الباء الموحدة فيهما على الأمر وكبر بالواو،
وللأربعة فكبر، وفي رواية الأصيلي: قام النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استقبل فكبّر بالميم وفتح
الموحدة فيهما.
399 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رضي الله عنهما قَالَ: "كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ
-أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ- شَهْرًا، وَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ
أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ}
فَتَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ، وَقَالَ السُّفَهَاءُ
مِنَ النَّاسِ -وَهُمُ الْيَهُودُ- {مَا وَلاَّهُمْ
عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ
لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ
يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فَصَلَّى مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رَجُلٌ، ثُمَّ خَرَجَ بَعْدَ مَا صَلَّى فَمَرَّ عَلَى
قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ فِي صَلاَةِ الْعَصْرِ نَحْوَ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ أَنَّهُ
صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وَأَنَّهُ تَوَجَّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ.
فَتَحَرَّفَ الْقَوْمُ حَتَّى تَوَجَّهُوا نَحْوَ
الْكَعْبَةِ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) بتخفيف الجيم
الغداني بضم الغين المعجمة (قال: حدّثنا إسرائيل) بن
يونس بن أبي إسحاق عمرو بن عبد الله الكوفي (عن أبي
إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي
(1/414)
جدّ إسرائيل (عن البراء بن عازب) رضي الله
عنهما ثبت ابن عازب عند أبي ذر عن المستملي (قال):
(كان رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحو) أي جهة (بيت المقدس)
بالمدينة (ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا) من الهجرة
وكان ذلك بأمر الله تعالى له قاله الطبري، ويجمع بينه
وبين حديث ابن عباس عند أحمد من وجه آخر أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي بمكة نحو بيت
المقدس، والكعبة بين يديه بحمل الأمر في المدينة على
الاستمرار باستقبال بيت المقدس، وفي حديث الطبري من
طريق ابن جريج قال: أوّل ما صلّى إلى الكعبة ثم صرف
إلى بيت المقدس وهو بمكة فصلّى ثلاث حجج، ثم هاجر
فصلّى إليه بعد قدومه المدينة ستة عشر شهرًا ثم وجّهه
الله تعالى إلى الكعبة. (وكان رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب أن يوجه) بضم أوّله
وفتح الجيم مبنيًّا للمفعول أي يؤمر بالتوجّه (إلى
الكعبة) وفي حديث ابن عباس عند الطبري: وكان يدعو
وينظر إلى السماء (فأنزل الله عز وجل: {قد نرى تقلّب
وجهك في السماء} [البقرة: 144] تردد وجهك في جهة
السماء تطلعًا للوحي، وكان عليه الصلاة والسلام يقع في
روعه، ويتوقع من ربه أن يحوّله إلى الكعبة لأنها قبلة
أبيه إبراهيم، وذلك
يدل على كمال أدبه حيث انتظر ولم يسأل قاله البيضاوي
(فتوجّه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد
نزول الآية (نحو الكعبة، وقال السفهاء من الناس وهم
اليهود: ما ولاهم) أي ما صرفهم {عن قبلتهم التي كانوا
عليها} يعني بيت المقدس والقبلة في الأصل الحال التي
عليها الإنسان من الاستقبال، فصارت عُرفًا للمكان
المتوجّه إليه للصلاة {قل لله الشرق والمغرب} [البقرة:
142] لا يختصّ به مكان دون مكان بخاصة ذاتية تمنع
إقامة غيره مقامه، وإنما العبرة بارتسام أمره لا بخصوص
المكان. {يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم} [البقرة: 142]
وهو ما ترتضيه الحكمة وتقتضيه المصلحة من التوجّه إلى
بيت المقدس تارة وإلى الكعبة أخرى (فصلّى) الظهر (مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل) اسمه
عباد بن بشر كما قاله ابن بشكوال، أو هو عباد بن نهيك
بفتح النون وكسر الهاء، (ثم خرج) أي الرجل (بعدما
صلّى) أي بعد صلاته أو بعد الذي صلّى، وللمستملي
والحموي: فصلّى مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رجال بالجمع ثم خرج أي بعض أولئك الرجال
بعدما صلّى، (فمرّ على قوم من الأنصار في صلاة العصر
نحو) أي جهة (بيت المقدس) وفي رواية الكشميهني في صلاة
العصر: يصلّون نحو بيت المقدس (فقال) الرجل: (هو يشهد
أنه صلّى مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأنه) عليه الصلاة والسلام (توجّه نحو
الكعبة) وللأربعة: وأنه نحو الكعبة (فتحرّف القوم حتى
توجهوا نحو الكعبة) وعنى بقوله هو يشهد نفسه على طريق
التجريد بأن جرد من نفسه شخصًا، أو على طريق الالتفات،
أو نقل الراوي كلامه بالمعنى.
وعند ابن سعد في الطبقات أنه عليه الصلاة والسلام صلّى
ركعتين من الظهر في مسجده بالمسلمين، ثم أمر أن يتوجّه
إلى المسجد الحرام، فاستدار إليه ودار معه المسلمون،
ويقال: إنه عليه الصلاة والسلام زار أُم بشر بن البراء
بن معرور في بني سلمة فصنعت له طعامًا وحانت الظهر
فصلّى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأصحابه
ركعتين، ثم أمر فاستدار إلى الكعبة واستقبل الميزاب
فسمي مسجد القبلتين. قال ابن سعد، قال الواقدي: هذا
أثبت عندنا، ولا تنافي بين قوله هنا صلاة العصر وبين
ثبوت الرواية عن ابن عمر في الصبح بقباء المروي عند
الشيخين والنسائي لأن العصر ليوم التوجّه بالمدينة،
والصبح لأهل قباء في اليوم الثاني، لأنهم خارجون عن
المدينة من سوادها.
واستنبط من حديث الباب قبول خبر الواحد، وجواز النسخ،
وأنه لا يثبت في حق المكلّف حتى يبلغه. ورواته ما بين
بصري وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في
التفسير أيضًا ومسلم في الصلاة والترمذي والنسائي وابن
ماجة.
400 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ
قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرٍ
قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ
حَيْثُ تَوَجَّهَتْ. فَإِذَا أَرَادَ الْفَرِيضَةَ
نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ". [الحديث 400 -
أطرافه في: 1094، 1099، 4140].
وبه قال: (حدّثنا مسلم) وللأصيلي مسلم بن إبراهيم
(قال: حدثنا هشام) الدستوائي وللأصيلي هشام بن عبد
الله (قال: حدّثنا يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن
محمد بن عبد
(1/415)
الرحمن) بن ثوبان
العامري المدني وليس له في البخاري عن جابر غير هذا
الحديث، وفي طبقته محمد بن عبد الرحمن بن نوفل، ولم
يخرج له البخاري عن جابر شيئًا قاله الحافظ ابن حجر
(عن جابر) الأنصاري رضي الله عنه وللأصيلي جابر بن عبد
الله (قال):
(كان رسول الله) وللأربعة النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) النفل (على راحلته) ناقته
التي تصلح لأن ترحل
(حيث توجهت) به أي الراحلة، زاد ابن عساكر وأبو ذر عن
الكشميهنى به، والمراد توجه صاحب الراحلة لأنها تابعة
لقصد توجّهه، وفي حديث ابن عمر عند مسلم وأبي داود
والنسائي: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يصلّي على حمار وهو متوجّه لخيبر، وعند أبي
داود والترمذي وقال: حسن صحيح من حديث جابر: بعثني
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حاجة
فجئت وهو يصلّي على راحلته نحو المشرق السجود أخفض
(فإذا أراد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن
يصلّي (الفريضة نزل) عن راحلته (فاستقبل القبلة)
وصلّى، وهذا يدلّ على عدم ترك استقبال القبلة في
الفريضة، وهو إجماع. نعم رخص في شِدة الخوف كما سيأتي
في محله إن شاء الله تعالى.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري ويماني ومدني،
وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في تقصير الصلاة
وفي المغازي ومسلم.
401 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ
عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ
قَالَ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: صَلَّى النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ
إِبْرَاهِيمُ: لاَ أَدْرِي زَادَ أَوْ نَقَصَ -
فَلَمَّا سَلَّمَ قِيلَ لَهُ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَحَدَثَ فِي الصَّلاَةِ شَىْءٌ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟
قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا. فَثَنَى رِجْلَيْهِ
وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ
ثُمَّ سَلَّمَ. فَلَمَّا أَقْبَلَ عَلَيْنَا
بِوَجْهِهِ قَالَ: إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلاَةِ
شَىْءٌ لَنَبَّأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنْ إِنَّمَا أَنَا
بَشَرٌ مِثْلُكُمْ، أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا
نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، وَإِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي
صَلاَتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ
عَلَيْهِ ثُمَّ يُسَلِّمْ، ثُمَّ يَسْجُدْ
سَجْدَتَيْنِ». [الحديث 401 - أطرافه في: 404، 1226،
6671، 7249].
وبه قال: (حدّثنا عثمان) بن أبي شيبة (قال: حدّثنا
جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر
(عن إبراهيم) بن يزيد النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي
(قال):
(قال عبد الله) بن مسعود ولأبي ذر عن عبد الله لكنه
ضبب عليه في الفرع (صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
الظهر أو العصر (قال إبراهيم) النخعي: (لا أدري زاد)
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في صلاته،
ولابن عساكر: أزاد بالهمزة (أو نقص، فلما سلم قيل له:
يا رسول الله أحدث) بهمزة الاستفهام وفتح الحاء والدال
أي أوقع (في الصلاة شيء) من الوحي يوجب تغييرها بزيادة
أو نقص؟ (قال) عليه الصلاة والسلام: (وما ذاك) سؤال
مَن لم يشعر بما وقع منه، (قالوا: صلّيت كذا وكذا)
كناية عمّا وقع أما زائد على المعهود أو ناقص عنه،
(فثنى) عليه الصلاة والسلام بتخفيف النون أي عطف
(رجله) بالأفراد بأن
جلس كهيئة قعود المتشهد، وللكشميهني والأصيلي رجليه
بالتثنية (واستقبل القبلة وسجد سجدتين ثم سلم) لم يكن
سجوده عليه الصلاة والسلام عملاً بقولهم، لأن المصلّي
لا يرجع إلى قول غيره، بل لما سألهم بقوله: وما ذاك
تذكر فسجد أو أن قول السائل: أحدث شكًّا فسجد لحصول
الشك الذي طرأ له لا لمجرّد إخبارهم، (فلما أقبل علينا
بوجهه قال: إنه لو حدث في الصلاة شيء لنبّأتكم) أي
لأخبرتكم (به) أي بالحدوث وحذف لدلالة قوله لو حدث في
الصلاة، واللام في لنبأتكم لام الجواب، ومفعوله الأول
ضمير المخاطبين، والثاني به، والثالث محذوف، وفيه أنه
كان يجب عليه تبليغ الأحكام إلى الأمة، (ولكن إنما أنا
بشر مثلكم) أي بالنسبة إلى الاطّلاع على بواطن
المخاطبين لا بالنسبة إلى كل شيء (أنسى كما تنسون)
بهمزة مفتوحة وسين مخفّفة. قال الزركشي: ومن قيده بضم
أوّله وتشديد ثالثه لم يناسب التشبيه، (فإذا نسيتُ
فذكروني) في الصلاة بالتسبيح ونحوه، (وإذا شك أحدكم)
بأن استوى عنده طرفا العلم والجهل (في صلاته فليتحرّ
الصواب) أي فليجتهد وعن الشافعي فليقصد الصواب أي:
فليأخذ باليقين وهو البناء على الأقل. وقال أبو حنيفة:
معناه البناء على غالب الظن. ولا يلزم بالاقتصار على
الأقل، ولمسلم فلينظر أقرب ذلك إلى الصواب (فليتم)
بناءً (عليه ثم يسلم) وجوبًا (ثم يسجد) للسهو أي ندبًا
(سجدتين) لا واحدة كالتلاوة وعبّر بلفظ الخبر في هذين
الفعلين، وبلفظ الأمر في السابقين وهما: فليتحرّ وليتم
لأنهما كانا ثابتين يومئذ بخلاف التحرّي والإتمام،
فإنهما ثبتا بهذا الأمر، ولأبى ذر: يسلم بغير لام
الأمر، وللأصيلي وليسجد بلام الأمر وهو محمول على
الندب وعليه الإجماع في المسألتين.
ودلالة الحديث على الترجمة من
(1/416)
قوله فثنى رجليه واستقبل القبلة.
واستنبط منه جواز النسخ عند الصحابة وأنهم كانوا
يتوقعونه، وعلى جواز وقوع السهو من الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام في الأفعال وعليه عامّة العلماء
والنظّار كما قاله الشيخ تقي الدين.
ورواته الستة كلهم كوفيون أئمة أجلاء، وإسناده من أصحّ
الأسانيد، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه
المؤلّف في النذور ومسلم والنسائي وأبو داود وابن
ماجة.
ولما فرغ المؤلّف من حكم التوجّه إلى القبلة شرع يذكر
حكم مَن سها فصلّى إلى غير القبلة فقال:
32 - باب مَا جَاءَ فِي الْقِبْلَةِ، وَمَنْ لاَ يَرَى
الإِعَادَةَ عَلَى مَنْ سَهَا فَصَلَّى إِلَى غَيْرِ
الْقِبْلَةِ
وَقَدْ سَلَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي رَكْعَتَىِ الظُّهْرِ وَأَقْبَلَ عَلَى
النَّاسِ بِوَجْهِهِ ثُمَّ أَتَمَّ مَا بَقِيَ.
(باب ما جاء في القبلة) غير ما ذكر (ومن لا يرى
الإعادة) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ومن
لم يرَ الإعادة (على من سها فصلّى إلى غير القبلة)
الفاء تفسيرية لأنه تفسير لقوله سها
قاله البرماوي كالكرماني وتعقبه العيني فقال فيه بعد،
والأولى أن تكون للسببية كقوله تعالى: {فتصبح الأرض
مخضرّة} [الحج: 63] وأصل هذه المسألة في المجتهد في
القبلة إذا صلّى به فتيقن الخطأ في الجهة في الوقت أو
بعده فإنه يقضي على الأظهر، والثاني لا يجب القضاء
لعذره بالاجتهاد، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وإبراهيم
النخعي والثوري، لأن جهة تحرّيه هي التي خوطب
باستقبالها حالة الاشتباه فأتى بالواجب عليه فلا
يعيدها، وقال المالكية يعيد في الوقت المختار وهو مذهب
المدوّنة، وقال أبو الحسن المرداوي من الحنابلة في
تنقيح المقنع: ومَن صلّى بالاجتهاد سفرًا فأخطأ لم
يعد. أهـ.
فلو تيقن الخطأ في الصلاة وجب استئنافها عند الشافعية
والمالكية ويستدير إلى جهة القبلة ويبني على ما مضى
عند الحنفية وهو قول للشافعية، لأن أهل قباء لما بلغهم
نسخ القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة استداروا في
الصلاة إليها.
(وقد سلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في ركعتي الظهر) وللأصيلي ركعتين من الظهر (وأقبل على
الناس بوجهه)
الشريف، (ثم أتمّ ما بقي) من الركعتين الأخيرتين.
وهذا التعليق قطعة من حديث أبي هريرة فى قصة اليدين
المشهور، ووجه ذكره في الترجمة أنه عليه الصلاة
والسلام بانصرافه وإقباله على الناس بوجهه بعد سلامه
كان وهو عند نفسه الشريفة في غير صلاة، فلما مضى على
صلاته كان وقت استدبار القبلة في حكم المصلّي، فيؤخذ
منه أن من اجتهد ولم يصادف القبلة لا يعيد.
402 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
قَالَ عُمَرُ: "وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ:
فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ
مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى فَنَزَلَتْ
{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}،
وَآيَةُ الْحِجَابِ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوْ
أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ فَإِنَّهُ
يُكَلِّمُهُنَّ الْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ
آيَةُ الْحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَيْرَةِ
عَلَيْهِ فَقُلْتُ لَهُنَّ: عَسَى رَبُّهُ إِنْ
طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبَدِّلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا
مِنْكُنَّ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ". [الحديث 402 -
أطرافه في: 4483، 4790، 4916].
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: أَخْبَرَنَا
يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ
قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا بِهَذَا.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بالنون أبو عثمان
الواسطي البزاز بزايين نزيل البصرة، المتوفى سنة خمس
وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح
الشين المعجمة وسكون المثناة ابن بشير بفتح الموحدة
وكسر المعجمة (عن حميد) الطويل (عن أنس) وللأصيلي أنس
بن مالك (قال):
(قال عمر) بن الخطاب وللأصيلي رضي الله عنه: (وافقت
ربي في ثلاث) أي وافقني ربي فيما أردت أن يكون شرعًا،
فأنزل القرآن على وفق ما رأيت، لكن لرعاية الأدب أسند
الموافقة إلى نفسه كذا قال العيني كابن حجر وغيره، لكن
قال صاحب اللامع: لا يحتاج إلى ذلك، فإن مَن وافقك فقد
وافقته انتهى.
قال في الفتح: أو أشار به إلى حدث رأيه وقدم الحكم،
وقوله في ثلاث أي قضايا أو أمور ولم يؤنّث مع أن الأمر
مذكر لأن التمييز إذا لم يكن مذكورًا جاز في لفظ العدد
التذكير والتأنيث، وليس في تخصيصه العدد بالثلاث ما
ينفي الزيادة، فقد روي عنه موافقات بلغت الخمسة عشر:
أسارى بدر، وقصة الصلاة على المنافقين، وتحريم الخمر.
ويحتمل أن يكون ذلك قبل الموافقة في غير الثلاث، ونوزع
فيه لأن عمر أخبر بهذا بعد موته -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يتجه ما ذكر من ذلك.
(قلت) ولغير الأربعة فقلت: (يا رسول الله لو اتخذنا من
مقام إبراهيم مصلّى) بين يدي القبلة يقوم الإمام عنده
بحذف جواب لو أو هي للتمني فلا تفتقر إلى جواب، وعند
ابن مالك هي لو المصدرية أغنت عن فعل التمني (فنزلت
{وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى}
[البقرة: 125] وآية الحجاب) برفع آية على الابتداء
والخبر محذوف أي كذلك أو على العطف على مقدر أي هو
اتخاذ مصلّى، وآية الحجاب وبالنصب على الاختصاص
وبالجرّ عطفًا على مقدّر، أي اتخاذ مصلّى من مقام
إبراهيم وهو بدل من قوله ثلاث
(1/417)
(قلت يا رسول الله لو أمرت نساءك أن يحتجبن
فإنه يكلّمهنّ البرّ) بفتح الموحدة صفة مشبهة
(والفاجر) الفاسق وهو مقابل البر (فنزلت آية الحجاب):
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ
وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ
عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنّ} [الأحزاب: 59]
(واجتمع نساء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في الغيرة عليه) بفتح الغين المعجمة وهي
الحمية والأنفة (فقلت لهنّ: عسى ربه إن طلقكنّ أن
يبدله أزواجًا خيرًا منكنّ) ليس في ما يدل على أن في
النساء خيرًا منهن لأن المعلّق بما لم يقع لا يجب
وقوعه (فنزلت هذه الآية).
وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) سعيد بن محمد بن الحكم
كذا في رواية كريمة ولأبي ذر عن المستملي، قال أبو عبد
الله أي المؤلّف: وحدّثنا ابن أبي مريم، ولابن عساكر
قال محمد أي المؤلّف أيضًا. وقال ابن أبي مريم،
وللأصيلي وأبي ذر عن الحموي والكشميهني، وقال ابن أبي
مريم: (أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي (قال: حدّثني)
بالإفراد (حميد) الطويل (قال: سمعت أنسًا) أي ابن مالك
(بهذا) أي بالحديث المذكور سندًا ومتنًا، وفائدة إيراد
هذا الإسناد ما فيه من التصريح بسماع حميد من أنس،
فحصل الأمن من تدليسه، واستشكل بأن يحيى بن أيوب لم
يحتج به البخاري، وإن خرّج له في المتابعات. وأُجيب:
بأن هذه من جملة المتابعات ولم ينفرد يحيى بن أيوب
بالتصريح المذكور، فقد أخرجه الإسماعيلي من رواية يوسف
القاضي عن أبي الربيع الزهراني عن هشيم أخبرنا حميد
حدّثنا أنس قاله في الفتح.
403 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ:
"بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِي صَلاَةِ الصُّبْحِ
إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أُنْزِلَ
عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ
يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ، فَاسْتَقْبِلُوهَا.
وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا
إِلَى الْكَعْبَةِ". [الحديث 403 - أطرافه في: 4488،
4490، 4491، 4493، 4494، 7251].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك بن أنس) وسقط قوله ابن أنس عند الأصيلي
وابن عساكر (عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر)
بن الخطاب رضي الله عنهما (قال):
(بينا الناس بقباء) بالمد والتذكير والصرف على الأشهر
أي بينا الناس بمسجد قباء وهم (في صلاة الصبح) ولا
منافاة بين قوله هنا الصبح وقوله في حديث البراء العصر
إذ المجيء إلى بني حارثة داخل المدينة وإلى بني عمرو
بن عوف بقباء وقت الصبح، وقوله: بنا أضيف إلى المبتدأ
والخبر وجوابه قوله: (إذ جاءهم) أي أهل قباء (آت)
بالمد هو عباد بن بشر بتشديد الموحدة لأن القصد البعض،
وفي رواية الأصيلي القرآن بأل التي للعهد أي قوله
تعالى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي
السَّمَاءِ} [البقرة: 144] الأيات وأطلق الليلة على
بعض اليوم الماضي وما يليه مجازًا، (وقد أمر) رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بضم الهمزة
مبنيًّا للمفعول (أن) أي بأن (يستقبل) أي باستقبال
(الكعبة فاستقبلوها) بفتح الموحدة عند جمهور الرواة
على أنه فعل ماضٍ، (وكانت وجوههم إلى الشام) تفسير من
الراوي للتحوّل المذكور، والضمير في فاستقبلوها
ووجوههم لأهل قباء أو للنبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-ومَن معه، وفي رواية الأصيلي فاستقبلوها
بكسر الموحدة بصيغة الأمر لأهل قباء، ويؤيده ما عند
المؤلّف في التفسير، وقد أمر أن يستقبل الكعبة ألا
فاستقبلوها، (فاستداروا إلى الكعبة) بأن تحوّل الإمام
من مكانه في مقدّم المسجد إلى مؤخره، ثم تحوّلت الرجال
حتى صاروا خلفه؟ وتحوّل النساء حتى صرن خلف الرجال،
واستشكل هذا لما فيه من العمل الكثير في الصلاة.
وأُجيب باحتمال وقوعه قبل التحريم أو لم تتوال الخطأ
عند التحويل بل وقعت مفرقة.
واستنبط من الحديث أن الذي يؤمر به عليه الصلاة
والسلام يلزم أمته، وأن أفعاله يؤتسى بها كأقواله حتى
يقوم دليل على الخصوصية، وأن حكم الناسخ لا يثبت في حق
المكلّف حتى يبلغه وقبول خبر الواحد ووجه استدلال
المؤلّف به أنهم صلّوا إلى القبلة المنسوخة التي هي
غير القبلة الواجب استقبالها جاهلين بوجوبه ولم يؤمروا
بالإعادة. ورواة هذا الحديث أئمة مشهورون، وفيه
التحديث والأخبار والعنعنة والقول، وأخرجه في التفسير
ومسلم والنسائي في الصلاة.
404 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "صَلَّى
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الظُّهْرَ خَمْسًا، فَقَالُوا: أَزِيدَ فِي
الصَّلاَةِ؟ قَالَ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ
خَمْسًا، فَثَنَى رِجْلَيْهِ وَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا
يحيى) القطّان (عن شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بن
عتيبة
(1/418)
(عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس
النخعي (عن عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (قال):
(صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الظهر خمسًا) أي خمس ركعات، (فقالوا: أزيد في الصلاة،
قال) عليه الصلاة والسلام (وما ذاك) أي ما سبب هذا
السؤال؟ (قالوا صلّيت خمسًا) قال (فثنى) عليه الصلاة
والسلام أي عطف (رجليه) بالتثنية ولابن عساكر رجله
بالإفراد (وسجد سجدتين) للسهو.
ولما فرغ المؤلّف من بيان أحكام القبلة شرع في بيان
أحكام المساجد فقال:
33 - باب حَكِّ الْبُزَاقِ بِالْيَدِ مِنَ الْمَسْجِدِ
(باب حك البزاق) بالزاي لغة كالصاد والسين (باليد من
المسجد) سواء كان بآلة أم لا.
405 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ فَشَقَّ ذَلِكَ
عَلَيْهِ حَتَّى رُئِيَ فِي وَجْهِهِ، فَقَامَ
فَحَكَّهُ بِيَدِهِ فَقَالَ: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا
قَامَ فِي صَلاَتِهِ فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ -
أَوْ إِنَّ رَبَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ.
فَلاَ يَبْزُقَنَّ أَحَدُكُمْ قِبَلَ قِبْلَتِهِ،
وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ».
ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَصَقَ فِيهِ، ثُمَّ
رَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَقَالَ: «أَوْ يَفْعَلْ
هَكَذَا».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد الثقفي (قال: حدّثنا
إسماعيل بن جعفر عن حميد) الطويل (عن أنس) وللأصيلي عن
أنس بن مالك رضي الله عنه.
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى
نخامة) بالميم مع ضم النون وهي ما يخرج من الصدر أو من
الرأس (في)
الحائط الذي في جهة (القبلة فشق ذلك عليه) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى رئي) بضم الراء وكسر
الهمزة وفتح الياء، وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني حتى
ريء بكسر الراء وسكون الياء آخره همزة أي شوهد (في
وجهه) أثر المشقة وفي رواية النسائي فغضب حتى احمرّ
وجهه، (فقام) عليه الصلاة والسلام (فحكه) أي أثر
النخامة (بيده فقال) عليه الصلاة والسلام ولابن عساكر
وقال: (إن أحدكم إذا قام في صلاته) بعد شروعه فيها
(فإنه يناجي ربّه) من جهة مساررته بالقرآن والإذكار،
فكأنه يناجيه تعالى والربّ تعالى يناجيه من جهة لازم
ذلك وهو إرادة الخير فهو من باب المجاز لأن القرينة
صارفة عن إرادة الحقيقة إذ لا كلام محسوسًا إلاّ من
جهة العبد، (أو إن) بفتح الهمزة وكسرها كما في
اليونينية، ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي وإن (ربه) بواو العطف أي
اطّلاع ربّه على ما (بينه وبين القبلة) إذ ظاهره مُحال
لتنزيه الرب تعالى عن المكان، فيجب على المصلّي إكرام
قبلته بما يكرم به من يناجيه من المخلوقين عند
استقبالهم بوجهه، ومن أعظم الجفاء وسوء الأدب أن تتنخم
في توجهك إلى رب الأرباب، وقد أعلمنا الله تعالى
بإقباله على مَن توجّه إليه قاله ابن بطال. (فلا
يبزقن) بنون التوكيد الثقيلة وللأصيلي فلا يبزق (أحدكم
قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة (قبلته) التي
عظمها الله تعالى فلا تقابل بالبزاق المقتضي للاستخفاف
والاحتقار، والأصح أن النهي للتحريم (ولكن) يبزق (عن
يساره) أي لا عن يمينه فإن عن يمينه كانت الحسنات كما
رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح (أو
تحت قديمه) بالتثنية، ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر
قدمه أي اليسرى كما في حديث أبي هريرة في الباب الآتي.
قال النووي: هذا في غير المسجد أما فيه فلا يبزق إلاّ
في ثوبه (ثم أخذ) عليه الصلاة والسلام (طرف ردائه فبصق
فيه ثم ردّ بعضه على بعض فقال أو يفعل هكذا) عطف على
المقدر بعد حرف الاستدراك أي ولكن ليبزق عن يساره أو
يفعل هكذا، وفيه البيان بالفعل لأنه أوقع في النفس،
وليست لفظة أو هنا للشك بل للتنويع أي هو مخيّر بين
هذا وهذا، لكن سيأتي أن المصنّف حمل هذا الأخير على ما
إذا بدره البزاق وحينئذ فأو للتنويع.
وأخرج هذا الحديث المؤلّف في كفّارة البزاق في المسجد
وفي باب إذا بدره البزاق وفي غيرهما، وكذا مسلم
والترمذي وأبو داود والنسائي.
406 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى بُصَاقًا فِي جِدَارِ
الْقِبْلَةِ فَحَكَّهُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ
فَقَالَ: «إِذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلاَ
يَبْصُقْ قِبَلَ وَجْهِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ قِبَلَ
وَجْهِهِ إِذَا صَلَّى». [الحديث 406 - أطرافه في:
753، 1213، 6111].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد
الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما:
(أن رسول الله وصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رأى بصاقًا) وهو ما يسيل من الفم (في جدار القبلة)
ولأبي ذر عن المستملي في جدار المسجد (فحكّه) أي
البصاق (ثم أقبل على الناس فقال: إذا كان أحدكم يصلّي
فلا يبصق قبل) بكيسر القاف وفتح الموحدة أي قدام
(وجهه) ويبصق بالجزم على النهي (فإن الله) أي القصد
منه تعالى أو ثوابه عز وجل أو عظمته (قبل وجهه) أي
المصليّ (إذا صلّى)، وهذا التعليل يرشد إلى أن البصاق
في القبلة حرام سواء كان في المسجد أم لا.
(1/419)
407 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ
الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى فِي جِدَارِ الْقِبْلَةِ
مُخَاطًا -أَوْ بُصَاقًا أَوْ نُخَامَةً- فَحَكَّهُ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسى (قال:
أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي (عن هشام بن عروة عن
أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة أم المؤمنين) رضي الله
عنها (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رأى في جدار القبلة مخاطًا) هو السائل من
الأنف (أو بصاقًا) من الفم (أو نخامة) من الصدر وهي
النخاعة أو النخاعة بالعين من الصدر وبالميم من الرأس
(فحكّه) أي الذي رآه في الجدار.
34 - باب حَكِّ الْمُخَاطِ بِالْحَصَى مِنَ
الْمَسْجِدِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنْ وَطِئْتَ عَلَى قَذَرٍ
رَطْبٍ فَاغْسِلْهُ، وَإِنْ كَانَ يَابِسًا فَلاَ.
(باب حك المخاط بالحصى) أو نحوه وللأصيلي بالحصباء (من
المسجد) لما كان المخاط فيه لزوجة يكون لها جرم في
الغالب يحتاج في زواله إلى معاجة بنحو الحصى ترجم له.
(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله ابن أبي شيبة
بسند صحيح (إن وطئت على قدر) بالذال المعجمة طاهر أو
نجس (رطب فاغسله وإن كان يابسًا فلا) تغسله لأنه لا
يضرّك وطؤه.
408 و 409 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ
قَالَ: أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ
أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ
حَدَّثَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَى نُخَامَةً فِي جِدَارِ
الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَ حَصَاةً فَحَكَّهَا فَقَالَ:
«إِذَا تَنَخَّمَ أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَخَّمَنَّ
قِبَلَ وَجْهِهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَبْصُقْ
عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى».
[الحديث 408 - طرفاه في: 410، 416]. [الحديث 409 -
طرفاه في: 411، 414].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي
البصريّ (قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي
حدّثنا (إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف القرشي المدني (قال: أخبرنا) وفي
رواية حدّثنا (ابن شهاب) الزهري (عن حميد بن عبد
الرحمن) بن عوف القرشي الزهري (أن أبا هريرة) عبد
الرحمن بن صخر (وأبا سعيد) سعد بن مالك الخدري رضي
الله عنهما (حدّثاه):
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رأى نخامة في جدار المسجد) النبوي (فتناول حصاة
فحكّها) بالكاف أي النخامة ولأبوي ذر والوقت والأصيلي
وابن عساكر فحتَّها) بالمثناة الفوقية بدل الكاف
ومعناها واحد، (فقال) عليه الصلاة والسلام: (إذا تنخم
أحدكم) أي رمى بالنخامة (فلا يتنخمن قبل وجهه ولا عن
يمينه) فإن عن يمينه ملكًا، وعند ابن أبي شيبة بسند
صحيح فعن يمينه كاتب الحسنات، (وليبصق عن يساره أو تحت
قدمه اليسرى) ووجه دلالة الحديث على الترجمة أن المخاط
والنخامة حكمهما واحد لأنهما من الفضلات الطاهرة.
ورواته كلهم مدنيون إلاّ موسى بن إبراهيم فبصري، وفيه
التحديث والأخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الصلاة
وكذا مسلم.
35 - باب لاَ يَبْصُقْ عَنْ يَمِينِهِ فِي الصَّلاَةِ
هذا (باب) بالتنوين (لا يبصق) أي المصلّي (عن يمينه في
الصلاة).
410 و 411 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ
أَبَا هُرَيْرَةَ وَأَبَا سَعِيدٍ أَخْبَرَاهُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رَأَى نُخَامَةً فِي حَائِطِ الْمَسْجِدِ، فَتَنَاوَلَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَصَاةً فَحَتَّهَا ثُمَّ قَالَ: «إِذَا تَنَخَّمَ
أَحَدُكُمْ فَلاَ يَتَنَخَّمْ قِبَلَ وَجْهِهِ وَلاَ
عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ، أَوْ
تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح
الكاف (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن عقيل) بضم العين
وفتح القاف ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن
حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة وأبا سعيد)
الخدري رضي الله عنهما (أخبراه) في الحديث السابق
حدّثاه.
(إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رأى نخامة في حائط المسجد) وفي السابق في جدار السجد
(فتناول رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حصاة
فحتّها) بالتاء (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (إذا
تنخم أحدكم فلا يتنخم) وفي الفرع: إذا تنخمن فلا
يتنخمن بنون مكتوبة فوقها معها (قبل وجهه) بكسر القاف
وفتح الموحدة (ولا عن يمينه وليبصق عن يساره أو تحت
قدمه اليسرى).
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله فلا يتنخم قبل وجهه
ولا عن يمينه وحكم النخامة والبصاق واحد بدليل قوله في
حديث أنس الآتي إن شاء الله تعالى قريبًا: لا يتفلن
بعد رؤيته عليه الصلاة والسلام النخامة في القبلة.
412 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي قَتَادَةُ
قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ
يَتْفِلَنَّ أَحَدُكُمْ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ
يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ
رِجْلِهِ».
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين ابن الحرث
الحوضي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني)
بالإفراد (قتادة) بن دعامة (قال: سمعت أنا) وللأصيلي
أنس بن مالك (قال).
(قال النبي) في رواية رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا يتفلن) بكسر الفاء في الفرع
ويجوز الضم أي لا يبزقن (أحدكم بين يديه ولا عن يمينه
ولكن عن يساره أو تحت رجله) أي اليسرى، والتفل شبيه
بالبزق لأن الأوّل البزق ثم التفل ثم النفث ثم النفخ
وليس في هذا الحديث تقييد بحالة الصلاة إلاّ في رواية
آدم الآتية إن شاء الله تعالى، وحديث أنس السابق في
باب حك البصاق باليد من المسجد، وكأنه جنح إلى أن
المطلق محمول على المقيد، وقد جزم النووي، بالمنع منه
في
(1/420)
الجهة اليمنى داخل الصلاة وخارجها سواء كان
في المسجد أو غيره، ويؤيّده ما رواه عبد الرزّاق وغيره
عن ابن مسعود
أنه كره أن يبصق عن يمينه ولبس في صلاة، عن عمر بن عبد
العزيز أنه نهى ابنه عنه مطلقًا، وعن معاذ بن جبل أنه
قال: ما بصقت عن يميني منذ أسلمت، ونقل عن مالك أنه
قال: لا بأس به يعني خارج الصلاة، وكأن الذي خصّه
بحالة الصلاة أحده من علّة النهي المذكورة في رواية
همّام عن أبي هريرة حيث قال: فإن عن يمينه ملكًا.
36 - باب لِيَبْزُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ
قَدَمِهِ الْيُسْرَى
هذا (باب) بالتنوين (ليبزق) بالزاي ولأبي ذر عن
الكشميهني ليبصق بالصاد (عن يساره أو تحت قدمه
اليسرى).
413 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسَ
بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ
فِي الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلاَ
يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ،
وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة (قال: سمعت
أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال):
(قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إن
المؤمن إذا كان في الصلاة فإنما يناجي ربه) عز وجل
والمناجاة قبل العبد
حقيقة ومن قبل الرب إقباله تعالى عليه بالرحمة
والرضوان، (فلا يبزقن) بالزاي والنون (بين يديه ولا عن
يمينه ولكن عن يساره أو تحت قدمه) أي اليسرى حتى يطابق
للترجمة، وقيد الترجمة السابقة بالصلاة والقدم
باليسرى، وهنا أطلق الترجمة والقدم في الحديث، فيحمل
كل مطلق منهما على مقيده وفي إسناده التحديث والتصريح
بسماع قتادة من أنس.
414 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
حَدَّثَنَا الزُّهْرِيُّ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ "أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبْصَرَ
نُخَامَةً فِي قِبْلَةِ الْمَسْجِدِ فَحَكَّهَا
بِحَصَاةٍ. ثُمَّ نَهَى أَنْ يَبْزُقَ الرَّجُلُ
بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ
يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى. وَعَنِ
الزُّهْرِيِّ سَمِعَ حُمَيْدًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ ...
نَحْوَهُ.
وبه قال: (حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا (علي) وللأصيلي
علي بن عبد الله بن المديني (قال: حدّثنا) ولابن عساكر
أخبرنا (قال: حدّثنا الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن
حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري المدني لا الطويل
(عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه، ولابن عساكر كما
في الفرع عن أبي هريرة بدل أبي سعيد. قال الحافظ ابن
حجر: وهو وهم.
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبصر
نخامة في قبلة المسجد فحكها) بالكاف (بحصاة) وللمستملي
بحصى (ثم نهى أن يبزق الرجل بين يديه أو عن يمينه
ولكن) يبزق (عن يساره أو تحت قدمه اليسرى) كذا
للأكثرين ولأبي الوقت وتحت بواو العطف والأولى هي
المطابقة للترجمة (وعن الزهري سمع حميدًا) هو ابن عبد
الرحمن السابق (عن أبي سعيد) الخدري (نحوه) فيه
التصريح بسماع الزهري من حميد.
37 - باب كَفَّارَةِ الْبُزَاقِ فِي الْمَسْجِدِ
(باب كفارة) خطيئة (البزاق) بالزاي (في المسجد) بدفنه.
415 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ
بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْبُزَاقُ فِي الْمَسْجِدِ
خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة (قال: سمعت
أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال):
(قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
البزاق) بالزاي (في المسجد خطيئة) بالهمزة أي إثم
(وكفّارتها) أي الخطيئة (دفنها) في تراب المسجد ورمله
وحصبائه إن كان وإلاّ فيخرجها، وقوله في المسجد ظرف
للفعل فلا يشترط كون الفاعل فيه حتى لو بصق مَن هو
خارج المسجد فيه يتناوله النهي. قال القاضي عياض، إنما
يكون خطيئة إن لم يدفنه فمن أراد دفنه فلا. ويؤيده
حديث أبي أمامة عند أحمد والطبراني بإسناد حسن
مرفوعًا: (من تنخع في المسجد فلم يدفنه فسيئة وإن دفنه
فحسنة) فلم يجعله سيئة إلاّ بقيد عدم الدفن، وردّه
النووي فقال: هو خلاف صريح الحديث قال: وحاصل النزاع
إن هاهنا عمومين تعارضًا، وهما قوله: البزاق في المسجد
خطيئة، وقوله وليبصق عن يساره أو تحت قدمه، فالنووي
يجعل الأول عامًّا ويخصّ الثاني بما إذا لم يكن في
المسجد والقاضي يجعل الثاني عامًّا ويخصّ الأوّل بمن
لم يرد دفنها، وتوسط بعضهم فحمل الجواز على ما إذا كان
له عذر كأن لم يتمكّن من الخروج من المسجد والمنع على
ما إذا لم يكن له عذر.
وفي هذا الحديث التحديث والقول والتصريح بسماع قتادة
من أنس، وأخرجه مسلم في الصلاة وكذا أبو داود.
38 - باب دَفْنِ النُّخَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ
(باب دفن النخامة في المسجد) جائز.
416 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ
هَمَّامٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا
قَامَ أَحَدُكُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَلاَ يَبْصُقْ
أَمَامَهُ، فَإِنَّمَا يُنَاجِي اللَّهَ مَا دَامَ فِي
مُصَلاَّهُ، وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ فَإِنَّ عَنْ
يَمِينِهِ مَلَكًا. وَلْيَبْصُقْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ
تَحْتَ قَدَمِهِ فَيَدْفِنُهَا».
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبة إلى جدّه واسم
أبيه إبراهيم (قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت أخبرنا
(عبد الرزاق) صاحب المؤلّف ابن همام الصنعاني (عن
معمر) هو ابن راشد وللأصيلي أخبرنا معمر (عن همام) هو
ابن منبه بن كامل
(1/421)
الصنعاني أخو وهب أنه (سمع أبا هريرة) رضي
الله تعالى عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا قام أحدكم إلى الصلاة) أي شرع فيها (فلا يبصق)
بالصاد والجزم على النهي (أمامه) بفتح الهمزة قدامه
(فإنما) وللكشميهني فإنه (يناجي الله) عز وجل (ما دام
في مصلاه) ظاهره تخصيص المنع بحالة الصلاة، لكن
التعليل بتأذّي المسلم يقتضي المنع مطلقًا ولو لم يكن
في الصلاة، نعم هو في الصلاة أشد إثمًا مطلقًا، وفي
جدار القبلة أشد إثمًا من غيرها من جدار المسجد (ولا)
يبصق (عن يمينه فإن عن يمينه ملكًا) يكتب الحسنات لأن
الصلاة هي أمها، فلا دخل لكاتب السيئات الكائن عن
اليسار فيها، وأن لكل أحد قرينًا وموقفه يساره كما في
الطبراني، فلعل المصلّي إذا تفل يقع على قرينه وهو
الشيطان ولا يصيب الملك منه شيء (ويبصق عن يساره أو
تحت قدمه) اليسرى في غير المسجد أما في المسجد ففي
ثوبه لأنه قد قال إنه خطيئة فلم يأذن فيه فلو تعذّر في
جهة اليسار لوجود مصل فيها بصق تحت قدمه وفي ثوبه
(فيدفنها) بالرفع وهو الذي في الفرع خبرًا لمبتدأ
محذوف أي فهو يدفنها، وبالنصب جواب الأمر، وبالجزم
عطفًا على الأمر أي فيغيب البصقة بالتعميق في باطن أرض
المسجد إذا كانت غير متنجسة بحيث يأمن الجالس عليها من
الإيذاء، فلو كان المسجد غير ترابي فليدلكها بشيء حتى
يذهب أثرها البتّة.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بخاري وصنعاني وبصري،
وفيه التحديث والإخبار والعنعنة.
39 - باب إِذَا بَدَرَهُ الْبُزَاقُ فَلْيَأْخُذْ
بِطَرَفِ ثَوْبِهِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا بدره) أي غلب على المصلّي
(البزاق) بالزاي لم يقدر على دفعه (فليأخذ بطرف ثوبه)
وقد أنكر الشمس السروجي أن يقال بدره بل بدرت إليه
وبادرته. وأجاب الزركشي والبرماوي والدماميني وابن حجر
نصرة للمؤلّف بأنه من باب المغالبة أي بادر البزاق
فبدره أي غلبه في السبق، قال الدماميني: وهذا غير
منكر، وتعقب العيني ذلك على ابن حجر كعادته فقال: هذا
كلام من لم يمس شيئًا من علم التصريف فإن في المغالبة
يقال بادرني فبادرته، ولا يقال بادرت كذا فبدرني،
والفعل اللازم في باب المغالبة يجعل متعديًا بلا حرف
صلة يقال: كارمني فكرمته وليس هنا باب المغالبة حتى
يقال بدره انتهى.
417 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ
أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رَأَى نُخَامَةً فِي الْقِبْلَةِ
فَحَكَّهَا بِيَدِهِ، وَرُئِيَ مِنْهُ كَرَاهِيَةٌ
-أَوْ رُئِيَ كَرَاهِيَتُهُ لِذَلِكَ وَشِدَّتُهُ
عَلَيْهِ- وَقَال:
«إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا قَامَ فِي صَلاَتِهِ
فَإِنَّمَا يُنَاجِي رَبَّهُ -أَوْ رَبُّهُ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ قِبْلَتِهِ- فَلاَ يَبْزُقَنَّ فِي
قِبْلَتِهِ وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ
قَدَمِهِ». ثُمَّ أَخَذَ طَرَفَ رِدَائِهِ فَبَزَقَ
فِيهِ وَرَدَّ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ، قَالَ: «أَوْ
يَفْعَلُ هَكَذَا».
وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) النهدي الكوفي
(قال: حدّثنا زهير) بالتصغير ابن معاوية الكوفي الجعفي
(قال: حدّثنا حميد) الطويل (عن أنس) رضي الله عنه
وللأصيلي عن أنس بن مالك:
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى
نخامة في القبلة) أي في جهة حائطها (فحكها بيده)
بالكاف أي النخامة، وللأصيلي فحكه أي أثر النخامة أو
البصاق، (ورئي) بضم الراء ثم همزة مكسورة ثم ياء
مفتوحة، ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي، وريء بكسر
الراء ثم ياء ساكنة ثم همزة مفتوحة (منه) عليه الصلاة
والسلام (كراهية أو رئي) بضم الراء ثم همزة مكسورة
فياء مفتوحة (كراهيته) عليه الصلاة والسلام (لذلك) أي
الفعل والشك من الراوي وكراهية مرفوع برئي المبني
للمفعول (وشدته عليه) رفع عطفًا على كراهية أو جر
عطفًا على قوله لذلك. (وقال) عليه الصلاة والسلام: (إن
أحدكم إذا قام في صلاته فإنما يناجي ربه) بكلامه وذكره
ويناجيه ربه بلازم ذلك من إرادة الخير، قال النووي:
وهو إشارة لإخلاص القلب وحضوره وتفريغه لذكر الله
تعالى (أو ربه) تعالى مبتدأ خبره (بينه وبين قبلته)
والجملة عطف على الجملة الفعلية قبلها، ولأبوي ذر
والوقت وابن عساكر في نسخة وبين القبلة، وليس المراد
ظاهر ذلك إذ هو محال لتنزيه الرب تعالى عن المكان،
فيجب تأويله بنحو ما مرّ في باب حك البزاق باليد (فلا
يبزقن) أحدكم (في قبلته ولكن) يبزق (عن يساره أو تحت
قدمه) اليسرى، (ثم أخذ) عليه الصلاة والسلام (طرف
ردائه فبزق فيه) بالزاي (ورد بعضه على بعض، قال) عليه
الصلاة والسلام، وللأصيلي وابن عساكر فقال: (أو يفعل
هكذا).
فإن قلت: ليس في الحديث مطابقة للترجمة لأنه لم يذكر
في الحديث
(1/422)
بدر البزاق أجيب: بأنه أشار إلى ما في بعض
طرق الحديث عند مسلم من حديث جابر، فإن عجلت به بادرة
فليقل بثوبه هكذا، ثم طوى بعضه على بعض. واستنبط من
الحديث أن على الإمام النظر في أحوال المساجد وتعاهدها
ليصونها عن المؤذيات وأن البصق في الصلاة والتنحنح غير
مفسد لها، لكن الأصح عند الشافعية والحنابلة أن
التنحنح والنفخ إن ظهر من كلٍّ منهما حرفان أو حرف
مفهم كق من الوقاية أو مدة بعد حرف بطلت الصلاة.
وإلاَّ فلا تبطل مطلقًا لأنه ليس من جنس الكلام، وعن
أبي حنيفة ومحمد تبطل بظهور ثلاثة أحرف.
40 - باب عِظَةِ الإِمَامِ النَّاسَ فِي إِتْمَامِ
الصَّلاَةِ وَذِكْرِ الْقِبْلَةِ
(باب عظة الإمام) أي وعظه (الناس) بالنصب على
المفعولية (في) أي بسبب ترك (إتمام الصلاة وذكر
القبلة) بجر ذكر عطفًا على عظة.
418 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«هَلْ تَرَوْنَ قِبْلَتِي هَا هُنَا؟ فَوَاللَّهِ مَا
يَخْفَى عَلَىَّ خُشُوعُكُمْ وَلاَ رُكُوعُكُمْ،
إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي». [الحديث 418
- طرفه في: 741].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الكلاعي
الدمشقي الأصل (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي
الزناد) بكسر الزاي وتخفيف النون عبد الله بن ذكوان
القرشي المدنيّ (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز المدني
(عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
(أن رسول الله) ولأبي الوقت عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: هل ترون) بفتح التاء
والاستفهام إنكاري أي أتحسبون (قبلتي هاهنا) وأنني لا
أرى إلاّ ما في هذه الجهة (فوالله ما يخفى عليّ
خشوعكم) أي في جميع الأركان أو المراد في سجودكم لأن
فيه غاية الخشوع وبالسجود صرح في مسلم (ولا) يخفى عليّ
(ركوعكم) إذا كنت في الصلاة مستدبرًا لكم فرؤيتي لا
تختص بجهة قبلتي هذه، وإذا قلنا أن الخشوع المراد به
الأعمّ فيكون ذكر الركوع بعده من باب ذكر الأخص بعد
الأعم (إني لأراكم) بفتح الهمزة بدل من جواب القسم وهو
قوله ما يخفى إلخ أو بيان له (من وراء ظهري) رؤية
حقيقية أختصّ بها عليكم والرؤية لا يشترط لها مواجهة
ولا مقابلة، وإنما تلك أمور عادية يجوز حصول الإدراك
مع عدمها عقلاً أو كانت له عليه الصلاة والسلام عينان
بين كتفيه مثل سم الخياط يبصر بهما لا تحجبهما الثياب
أو غير ذلك مما ذكرته في المواهب اللدنية بالمنح
المحمدية، وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصلاة.
419 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ صَالِحٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ هِلاَلِ
بْنِ عَلِيٍّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى
بِنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
صَلاَةً، ثُمَّ رَقِيَ الْمِنْبَرَ فَقَالَ فِي
الصَّلاَةِ وَفِي الرُّكُوعِ: «إِنِّي لأَرَاكُمْ مِنْ
وَرَائِي كَمَا أَرَاكُمْ». [الحديث 419 - طرفاه في:
742، 6655].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن صالح) الوحاظيّ بضم الواو
وتخفيف المهملة ثم معجمة الحمصي، المتوفّى سنة اثنتين
وعشرين ومائتين وقد جاوز السبعين (قال: حدّثنا فليح بن
سليمان) بضم الفاء وفتح اللام وسكون المثناة التحتية
آخره مهملة، المتوفّى سنة ثمان وستين ومائة (عن هلال
بن علي) الفهري المدني (عن أنس بن مالك) الأنصاري رضي
الله عنه (قال):
(صلّى بنا) بالموحدة ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن
عساكر صلّى لنا أي لأجلنا (النبي) ولأبي ذر رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة) بالتنكير
للإبهام، (ثم رقي) بفتح الراء وكسر القاف وفتح الياء
ويجوز فتح القاف على لغة طيء أي صعد (المنبر) بكسر
الميم (فقال في) شأن (الصلاة وفي الركوع إني لأراكم من
ورائي كما أراكم) أي من أمامي، وأفرد الركوع بالذكر
اهتمامًا به لكونه أعظم الأركان لأن المسبوق يدرك
الركعة بتمامها بإدراكه الركوع أو لكون التقصير كان
فيه أكثر، وإطلاق الرؤية من ورائه يقتضي عمومه في
الصلاة وغيرها، نعم السياق يقتضي أن ذلك في الصلاة فقط
والكاف كما
أراكم للتشبيه فالمشبّه به الرؤية المقيدة بالقدام
والمشبه بالوراء. وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث في
الرقاق أيضًا.
41 - باب هَلْ يُقَالُ مَسْجِدُ بَنِي فُلاَنٍ؟
هذا (باب) بالتنوين (هل يقال) أي هل يجوز أن يضاف مسجد
من المساجد إلى بانيه أو ملازم الصلاة فيه أو نحو ذلك.
فيقال: (مسجد بني فلان) والجمهور على الجواز خلافًا
لإبراهيم النخعي لقوله تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ
لِلَّهِ} [الجن: 18] وحديث الباب يردّ عليه وأُجيب عن
الآية بحمل الإضافة فيها إلى الله تعالى على الحقيقة،
وإلى غيره على سبيل المجاز للتمييز والتعريف لا للملك.
420 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي
أُضْمِرَتْ مِنَ الْحَفْيَاءِ، وَأَمَدُهَا ثَنِيَّةُ
الْوَدَاعِ، وَسَابَقَ بَيْنَ الْخَيْلِ الَّتِي لَمْ
تُضْمَرْ مِنَ الثَّنِيَّةِ إِلَى مَسْجِدِ بَنِي
زُرَيْقٍ، وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ
فِيمَنْ سَابَقَ بِهَا. [الحديث 420 - أطرافه في:
2868، 2869، 2870، 7336].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي إمام دار الهجرة (عن
نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب
رضي الله عنهما.
(أن رسول الله
(1/423)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سابق
بين الخيل التي أضمرت) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول أي
ضمرت بأن
أدخلت في بيت وجلل عليها بجل ليكثر عرقها فيذهب رهلها
ويقوى لحمها ويشتدّ جريها، وقيل غير ذلك مما سيأتي إن
شاء الله تعالى في محله، وكان فرسه الذي سابق به يسمى
السكب بالكاف وهو أوّل فرس ملكه وكانت المسابقة (من
الحفياء) بفتح المهملة وسكون الفاء مع المدّ قال
السفاقسي: وربما قرئ بضم الحاء مع القصر وهو موضع بقرب
المدينة (وأمدها) بفتح الهمزة والميم أي غايتها (ثنية
الوداع) بالمثلثة وبينها وبين الخفياء خمسة أميال أو
ستة أو سبعة. (وسابق) عليه الصلاة والسلام (بين الخيل
التي لم تضمر) بفتح الضاد المعجمة وتشديد الميم
المفتوحة، وفي رواية لم تضمر بسكون الضاد وتخفيف الميم
(من) المذكورة (إلى مسجد بني زريق) بضم الزاي المعجمة
وفتح الراء وسكون المثناة التحتية آخره قاف ابن عامر،
وإضافة المسجد إليهم إضافة تمييز لا ملك كما مرّ (وأن
عبد الله بن عمر) بن الخطاب (كان فيمن سابق بها) أي
بالخيل أو بهذه المسابقة، وهذا الكلام إما من قول ابن
عمر عن نفسه كما تقول عن نفسك العبد فعل كذا أو هو من
مقول نافع الراوي عنه.
واستنبط منه مشروعية تضمير الخيل وتمرينها على الجري
وإعدادها لإعزاز كلمة الله تعالى ونصرة دينه قال
تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ}
[الأنفال: 60] الآية وجواز إضافة أعمال البر إلى
أربابها ونسبتها إليهم ولا يكون ذلك تزكية لهم.
وقد أخرج المؤلّف الحديث أيضًا في المغازي وأبو داود
في الجهاد والنسائي في الخيل.
42 - باب الْقِسْمَةِ وَتَعْلِيقِ الْقِنْوِ فِي
الْمَسْجِدِ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: الْقِنْوُ الْعِذْقُ،
وَالاِثْنَانِ قِنْوَانِ، وَالْجَمَاعَةُ أَيْضًا
قِنْوَانٌ. مِثْلَ صِنْوٍ وَصِنْوَانٍ.
(باب القسمة) للشيء (وتعليق القنو) بكسر القاف وسكون
النون (في المسجد) اللام للجنس والجار متعلق بقوله
القسمة وتعليق (قال أبو عبد الله) أي البخاري رحمه
الله: (القنو) هو (العذق) بكسر المهملة وسكون المعجمة
وهي الكباسة بشماريخه وبسره وأما بفتح العين المهملة
فالنخلة، (والاثنان قنوان) كفعلان بكسر الفاء والنون
(والجماعة أيضًا قنوان) بالرفع والتنوين وبه يتميز عن
المثنى كثبوت نونه عند إضافته بخلاف المثنى فتحذف (مثل
صنو وصنوان) في الحركات والسكنات والتثنية والجمع
والصاد فيهما مكسورة وهو أن تبرز نخلتان أو ثلاثة من
أصل واحد، فكل واحدة منهنّ صنو واحد، والاثنان صنوان
بكسر النون، والجمع صنوان بإعرابها، ولم يذكر المؤلّف
جمعه لظهوره من الأوّل. وهذا التفسير من قوله قال إلخ
ثابت عند أبي ذر وابن عساكر وأبي الوقت ساقط لغيرهم.
421 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ
بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ:
أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَقَالَ:
انْثُرُوهُ فِي الْمَسْجِدِ. وَكَانَ أَكْثَرَ مَالٍ
أُتِيَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الصَّلاَةِ وَلَمْ
يَلْتَفِتْ إِلَيْهِ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاَةَ جَاءَ
فَجَلَسَ إِلَيْهِ، فَمَا كَانَ يَرَى أَحَدًا إِلاَّ
أَعْطَاهُ. إِذْ جَاءَهُ الْعَبَّاسُ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَعْطِنِي، فَإِنِّي فَادَيْتُ
نَفْسِي وَفَادَيْتُ عَقِيلاً. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خُذْ
فَحَثَا فِي ثَوْبِهِ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَلَمْ
يَسْتَطِعْ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُؤْمُرْ
بَعْضَهُمْ يَرْفَعُهُ إِلَىَّ. قَالَ: لاَ. قَالَ:
فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَىَّ. قَالَ: لاَ. فَنَثَرَ
مِنْهُ، ثُمَّ ذَهَبَ يُقِلُّهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أُؤْمُرْ بَعْضَهُمْ يَرْفَعْهُ عَلَىَّ.
قَالَ: لاَ. قَالَ: فَارْفَعْهُ أَنْتَ عَلَىَّ.
قَالَ: «لاَ». فَنَثَرَ مِنْهُ. ثُمَّ احْتَمَلَهُ
فَأَلْقَاهُ عَلَى كَاهِلِهِ، ثُمَّ انْطَلَقَ، فَمَا
زَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُتْبِعُهُ بَصَرَهُ -حَتَّى خَفِيَ
عَلَيْنَا- عَجَبًا مِنْ حِرْصِهِ. فَمَا قَامَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَثَمَّ مِنْهَا دِرْهَمٌ. [الحديث 421 - طرفاه في:
3049، 3165].
(وقال إبراهيم يعني ابن طهمان) بفتح الطاء المهملة
وسكون الهاء ابن شعبة الخراساني وسقط اسم أبيه في
رواية الأربعة، وإثباته هو الصواب كما قاله ابن حجر
ليزول الاشتباه، وقد وصله أبو نعيم في المستخرج
والحاكم في المستدرك من طريق أحمد بن حفص بن عبد الله
النيسابوري عن إبراهيم بن طهمان (عن عبد العزيز بن
صهيب) بضم الصاد وفتح الهاء (عن أنس رضي الله عنه
قال):
(أتي رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم
أتي مبنيًّا للمفعول (بمال) وكان مائة ألف كما عند ابن
أبي شيبة من طريق حميد مرسلاً وكان خراجًا (من
البحرين) بلدة بين بصرة وعمان (فقال) عليه الصلاة
والسلام: (انثروه) بالمثلثة أي صبوه (في المسجد وكان
أكثر مال أُتي به رسول الله ل-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى
الصلاة ولم يلتفت إليه) أي إلى المال، (فلما قضى
الصلاة جاء فجلس إليه فما كان يرى أحدًا إلاّ أعطاه)
منه (إذ جاءه) (العباس) عمه (رضي الله عنه) قال في
المصابيح: المعنى والله أعلم فبينما هو على ذلك إذ
جاءه العباس (فقال: يا رسول الله أعطني) فإني فاديت
نفسي يوم بدر (وفاديت عقيلاً) بفتح العين المهملة وكسر
القاف ابن أخي أي حين أسرنا يوم بدر (فقال له) أي
للعباس (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: خذ. فحثى) بالمهملة والمثلثة من الحثية
وهي ملء اليد (فى ثوبه) أي حثى العباس في ثوبه نفسه،
(ثم ذهب) رضي الله عنه (يقله) بضم الياء أي يرفعه (فلم
يستطع) حمله (فقال: يا رسول الله أؤمر بعضهم يرفعه
إليَّ) بياء المضارعة. والجزم جوابًا للأمر أي فإن
تأمره يرفعه أو بالرفع استئنافًا أي: هو يرفعه والضمير
المستتر فيه يرجع إلى البعض، والبارز إلى المال الذي
حثاه في ثوبه، وأؤمر بهمزة مضمومة فأخرى ساكنة، وتحذف
الأولى عند الوصل وتصير الثانية ساكنة، وهذا جار على
الأصل.
وللأصيلي مُر على وزن على فحذف منه فاء الفعل لاجتماع
المثلين في أوّل كلمة، وهو مؤدّ إلى الاستثقال فصار
أمر فاستغنى عن همزة الوصل لتحرّك ما بعدها فحذفت،
ولأبي ذر في نسخة يرفعه بالموحدة المكسورة وسكون
الفاء. (قال) عليه السلام (لا) آمر أحدًا يرفعه. (قال:
فارفعه أنت عليّ) قال: (لا) أرفعه وإنما فعل عليه
السلام ذلك معه تنبيهًا له على الاقتصاد وترك
الاستكثار من المال، (فنثر) العباس (منه ثم ذهب يقله)
فلم يستطع حمله
(1/424)
(فقال) العباس (يا رسول الله اؤمر)
وللأصيلي مر (بعضهم يرفعه) بالجزم أو الرفع (قال: لا)
آمر (قال: فارفعه أنت عليّ، قال) عليه الصلاة والسلام
(لا) أرفعه (فنثر منه) العباس (ثم احتمله فألقاه على
كاهله) ما بين كتفيه، (ثم انطلق) رضي الله عنه (فما
زال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يتبعه) بضم أوّله وسكون ثانيه وكسر ثالثه من الاتباع
أي ما زال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يتبع العباس (بصره حتى خفي علينا عجبًا من حرصه) بفتح
العين والنصب مفعولاً مطلقًا، (فما قام رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من ذلك المجلس
(وثم) بفتح المثلثة أي وهناك (منها) أي من الدراهم
(درهم) جملة حالية من مبتدأ مؤخر وهو درهم وخبره منها،
ومراده نفي أن يكون هناك درهم فالحال قيد للمنفي لا
للنفي، فالمجموع منتفٍ بانتفاء القيد لانتفاء المقيد
وإن كان ظاهره نفي القيام حالة ثبوت الدراهم قاله
البرماوي والعيني نحوه، ولم يذكر المؤلّف حديثًا في
تعليق القنو، لكن قال ابن الملقن: أخذه من جواز وضع
المال في المسجد بجامع أن كلاًّ منهما وضع لأخذ
المحتاجين منه، وأشار بذلك إلى
حديث عوف بن مالك الأشجعي عند النسائي بإسناد قوي أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج وبيده عصا
وقد علق رجل قنو حشف فجعل يطعن في ذلك القنو ويقول: لو
شاء ربّ هذه الصدقة لتصدّق بأطيب من هذا وليس على
شرطه.
43 - باب مَنْ دَعَا لِطَعَامٍ فِي الْمَسْجِدِ،
وَمَنْ أَجَابَ فِيهِ
(باب من دعا) بفتح الدال والعين، ولأبوي ذر والوقت
والأصيلي وابن عساكر: من دُعي بضم الدال وكسر العين
(لطعام في المسجد) الجار متعلق بدعا وعدى دعا هنا
باللام لإرادة الاختصاص، فإذا أريد الانتهاء عدى بإلى
نحو: {وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ}
[يونس: 25] أو
معنى الطلب عدى بالباء نحو: دعا هرقل بكتاب رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتختلف صلة الفعل
بحسب اختلاف المعاني المرادة، (ومن أجاب فيه) أي في
المسجد، وللأربعة منه بدل فيه، فمن للابتداء والضمير
للمسجد، وللكشميهني إليه أي إلى الطعام.
422 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ سَمِعَ أَنَسًا قَالَ: "وَجَدْتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ
مَعَهُ نَاسٌ، فَقُمْتُ، فَقَالَ لِي: آرْسَلَكَ أَبُو
طَلْحَةَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ.
فَقَالَ: لِطَعَامٍ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ لِمَنْ
معه: قُومُوا. فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ
أَيْدِيهِمْ". [الحديث 422 - أطرافه في: 3578، 5381،
5450، 6688].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأصبحي (عن إسحاق بن عبد
الله) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي زيادة ابن أبي طلحة
كما في الفرع وهو ابن أخي أنس لأمه (سمع) وللأصيلي أنه
سمع (أنسًا) وفي رواية أنس بن مالك رضي الله عنه.
(وجدت) أي يقول وجدت ولابن عساكر قال وجدت أي أصبت
(النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه
(في
المسجد) المدني حال كونه (معه ناس) ولأبي الوقت ومعه
بالواو (فقمت فقال لي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (أأرسلك أبو طلحة) زيد بن سهل أحد النقباء
ليلة العقبة زوج أم أنس، المتوفّى بالمدينة سنة اثنتين
وثلاثين على الأصح، وقول ابن الملقن آرسلك بالمد وهو
علم من أعلام نبوّته لأن أبا طلحة أرسله بغتة. تعقبه
فى المصابيح فقال: لا يظهر هذا مع وجود الاستفهام إذ
ليس فيه أخبار البتّة، وفي بعض الأصول أرسلك بغير همزة
الاستفهام. (قلت) وللأصيلي وابن عساكر فقلت (نعم)
أرسلن (فقال) عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر قال
(لطعام) بالتنكير، وفي رواية للطعام (قلت: نعم، فقال)
بفاء قبل القاف ولأبي ذر والأصيلي قال: (لمن
(1/425)
معه) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر في نسخة
لمن حوله فالنصب على الظرفية أي لمن كان حوله: (قوموا
فانطلق) عليه الصلاة والسلام إلى بيت أبي طلحة، وفي
بعض الأصول فانطلقوا أي النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه (وانطلقت بين أيديهم).
وهذا الحديث أخرجه في علامات النبوّة والأطعمة
والإيمان والنذور، ومسلم في الصلاة والأطعمة، وأخرجه
أبو داود والترمذي والنسائي.
44 - باب الْقَضَاءِ وَاللِّعَانِ فِي الْمَسْجِدِ
بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ
(باب) حكم (القضاء و) حكم (اللعان في المسجد) زاد في
غير رواية ب المستملي (بين الرجال والنساء) وهو الذي
في الفرع من غير عزو، وسقطت في رواية المستملي إذ هي
حشو كما لا يخفى.
وقوله: واللعان بعد قوله انقضاء من عطف الخاص على
العامّ، لأن القضاء أعمّ من أن يكون في اللعان وغيره،
وسمي لعانًا لأن فيه لعن نفسه في الخامسة فهو من باب
تسمية الكل باسم البعض.
423 - حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ:
"أَنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ
رَجُلاً وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلاً
أَيَقْتُلُهُ؟ فَتَلاَعَنَا فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا
شَاهِدٌ". [الحديث 423 - أطرافه في: 4745، 4746، 5259،
5308، 5309، 6854، 7165، 7166، 7304].
وبه قال: (حدّثنا يحيى) الختي بفتح الخاء المعجمة
وتشديد المثناة الفوقية، وللكشميهني يحيى بن موسى
(قال: أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر
حدّثنا (عبد الرزّاق) بن همام الصنعانيّ (قال: أخبرنا
ابن جريج) بضم أوّله وفتح ثانيه عبد الملك (قال:
أخبرني) بالإفراد وللأصيلي. أخبرنا (ابن شهاب) الزهري
(عن سهل بن سعد) بسكون العين الساعدي الخزرجي رضي الله
عنه.
(أن رجلاً) هو عويمر بن عامر العجلاني، أو هلال بن
أمية، أو سعد بن عبادة. وتعقب بأن هذا الحديث فيه
فتلاعنا، ولم يتفق لسعد ذلك أو هو عاصم العجلاني،
وتعقب أيضًا بأن عاصمًا رسول هذه الواقعة لا سائل
لنفسه لأن عويمرًا قال له: سل لي يا عاصم رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فجاء عاصم فسأل
فكره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
المسائل وعابها فجاء عويمر بعد ذلك وسأل لنفسه. (قال:
يا رسول الله أرأيت رجلاً وجد مع امرأته رجلاً) أي
يزني بها (أيقتله) أم كيف يفعل فأنزل الله تعالى في
شأنه ما ذكر في القرآن من أمر المتلاعنين. فقال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قضى الله فيك
وفي امرأتك. قال: (فتلاعنا) أي الرجل والمرأة اللعان
المذكور في سورة النور (في المسجد وأنا شاهد) الحديث،
وأورده المؤلّف هنا مختصرًا لينبّه على جواز القضاء في
المسجد وهو جائز عند عامة الأئمة، وعن مالك أنه من
الأمر القديم المعمول به، وعن ابن المسيب كراهته، وعن
الشافعي كراهته إذا أعدّه لذلك دون ما إذا اتفقت له
فيه حكومة.
وتأتي بقية مباحث الحديث إن شاء الله تعالى في كتاب
اللعان بحول الله وقوّته. ورواة هذا الحديث الخمسة ما
بين بلخي وصنعاني ومكّي ومدني، وفيه التحديث والأخبار
بالجمع والإفراد والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في الطلاق
والاعتصام والأحكام والمحاربين والتفسير، ومسلم في
اللعان، وأبو داود في الطلاق، وكذلك النسائى وابن
ماجة.
45 - باب إِذَا دَخَلَ بَيْتًا يُصَلِّي حَيْثُ شَاءَ،
أَوْ حَيْثُ أُمِرَ، وَلاَ يَتَجَسَّس
هذا (باب) بالتنوين (إذا دخل) الرجل (بيتًا) لغيره
بإذنه هل (يصلّي) فيه (حيث شاء) اكتفاء بالإذن العام
في الدخول (أو) يصلّي (حيث أمر) لأنه عليه الصلاة
والسلام استأذن في موضع الصلاة
ولم يصلِّ حيث شاء كما في حديث الباب، وحينئذ فيبطل
حكم حيث شاء ويؤيده قوله: (ولا يتجسس) بالجيم أو الحاء
المهملة وبالضم أو بالجزم أي ولا يتفحص موضعًا يصلّي
فيه، لكن قال ابن المنير: والظاهر الأوّل وإنما استأذن
عليه الصلاة والسلام لأنه دعي إلى الصلاة ليتبرك صاحب
البيت بمكان صلاته، فسأله عليه الصلاة والسلام ليصلّي
في البقعة التي يحب تخصيصها بذلك، وأما من صلّى لنفسه
فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عموم الإذن
إلاّ أن يخص صاحب البيت ذلك العموم فيختص به.
424 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ
عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَاهُ فِي مَنْزِلِهِ
فَقَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ لَكَ مِنْ
بَيْتِكَ؟ قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى مَكَانٍ،
فَكَبَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَصَفَفْنَا خَلْفَهُ، فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ. [الحديث 424 - أطرافه في: 425، 667،
686، 838، 840، 1186، 4009، 4010، 5401، 6423، 6938].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (قال:
حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين سبط عبد الرحمن بن
عوف (عن ابن شهاب) الزهري وفي مسند أبي داود الطيالسي
التصريح بسماع إبراهيم بن سعد له من ابن شهاب (عن
محمود بن الربيع) بفتح الراء الخزرجي الأنصاري
الصحابي، وللمؤلّف من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن
أبيه قال: أخبرني محمود (عن عتبان بن مالك) بكسر العين
وضمها الأنصاري السالمي المدني
(1/426)
الأعمى، وصرّح في رواية يعقوب بسماع محمود
من عتبان.
(أن النبى) ولأبي ذر أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتاه في منزله) يوم السبت ومعه
أبو بكر وعمر كما
عند الطبراني، وفي لفظ أنّ عتبان لقي النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: إني أحب أن تأتيني،
وعند ابن حبان في صحيحه من حديث أبي هريرة أن رجلاً من
الأنصار وفيه وذلك بعدما عمي: (فقال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أين تحب أن أصلي لك من بيتك)
وللكشميهني في بيتك، والإضافة في لك باعتبار الموضع
المخصوص وإلاّ فالصلاة لله. (قال) عتبان: (فأشرت له)
عليه الصلاة والسلام (إلى مكان) من بيتي (فكبّر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
تكبيرة الإحرام (وصففنا) أي جعلنا صفًا (خلفه) ولأبي
ذر فصففنا بالفاء بدل الواو، ولأبي ذر أيضًا وابن
عساكر: وصفنا بالواو والإدغام (فصلّى ركعتين).
ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون وفيه رواية صحابي عن
صحابي والتحديث والعنعنة، وأخرجه في الرقاق والمغازي
واستتابة المرتدّين والأطعمة، ومسلم في الصلاة
والإيمان، والنسائي وابن ماجة في الصلاة.
46 - باب الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ وَصَلَّى
الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ فِي مَسْجِدِهِ فِي دَارِهِ
جَمَاعَةً
(باب) اتخاذ (المساجد في البيوت. وصلّى البراء بن
عازب) رضي الله عنه (في مسجده) وللأربعة فى مسجد (في
داره جماعة) كما رواه ابن أبي شيبة بمعناه، وللكشميهني
في جماعة.
425 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ
الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ
مَالِكٍ وَهُوَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ شَهِدَ
بَدْرًا مِنَ الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي وَأَنَا
أُصَلِّي لِقَوْمِي، فَإِذَا كَانَتِ الأَمْطَارُ
سَالَ الْوَادِي الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ لَمْ
أَسْتَطِعْ أَنْ آتِيَ مَسْجِدَهُمْ فَأُصَلِّيَ
بِهِمْ. وَوَدِدْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَّكَ
تَأْتِينِي فَتُصَلِّيَ فِي بَيْتِي فَأَتَّخِذَهُ
مُصَلًّى. قَالَ: فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَأَفْعَلُ إِنْ
شَاءَ اللَّهُ. قَالَ عِتْبَانُ: فَغَدَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو
بَكْرٍ حِينَ ارْتَفَعَ النَّهَارُ فَاسْتَأْذَنَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ يَجْلِسْ حَتَّى دَخَلَ
الْبَيْتَ ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ
مِنْ بَيْتِكَ؟ قَالَ: فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى
نَاحِيَةٍ مِنَ الْبَيْتِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَبَّرَ،
فَقُمْنَا فَصَفَّنَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ
سَلَّمَ، قَالَ: وَحَبَسْنَاهُ عَلَى خَزِيرَةٍ
صَنَعْنَاهَا لَهُ، قَالَ: فَثَابَ فِي الْبَيْتِ
رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الدَّارِ ذَوُو عَدَدٍ
فَاجْتَمَعُوا، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ: أَيْنَ
مَالِكُ بْنُ الدُّخَيْشِنِ -أَوِ ابْنُ الدُّخْشُنِ-؟
فَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ مُنَافِقٌ لاَ يُحِبُّ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تَقُلْ ذَلِكَ،
أَلاَ تَرَاهُ قَدْ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
يُرِيدُ بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ؟. قَالَ: اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: فَإِنَّا نَرَى وَجْهَهُ
وَنَصِيحَتَهُ إِلَى الْمُنَافِقِينَ. قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَإِنَّ
اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ: لاَ
إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ
اللَّهِ». قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: ثُمَّ سَأَلْتُ
الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ الأَنْصَارِيَّ -وَهْوَ
أَحَدُ بَنِي سَالِمٍ وَهُوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ- عَنْ
حَدِيثِ مَحْمُودِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَصَدَّقَهُ
بِذَلِكَ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين المهملة
وفتح الفاء نسبة إلى جدّه لشهرته به وأبوه كثير وعين
سعيد مكسورة وهو مصري (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث)
بن سعد المصري (قال: حدّثتي) بالإفراد أيضًا (عقيل)
بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب)
الزهري (قال):
(أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع) بفتح الراء
(الأنصاري أن عتبان بن مالك) الأعمى وعين عتبان بالكسر
والضم، وعند أبي عوانة من رواية الأوزاعي عن ابن شهاب
التصريح بتحديث عتبان لمحمود كما عند المؤلّف التصريح
بسماع محمود من عتبان، (وهو من أصحاب رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممّن شهد بدرًا
من الأنصار) رضي الله عنهم (أنّه أتى رسول الله)
ولمسلم أنه بعث إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
وجمع بينهما بأنه جاء إليه مرة بنفسه وبعث إليه أخرى
(فقال: يا رسول الله قد أنكرت بصري) أراد به ضعف بصره
كما لمسلم أو عماه كما عند غيره، والأولى أن يكون أطلق
العمى لقربه منه ومشاركته له في فوات بعض ما كان يعهده
في حال الصحة (وأنا أصلّي لقومي) أي لأجلهم يعني أنه
كان يؤمّهم (فإذا كانت الأمطار) أي وجدت (سال) الماء
في (الوادي الذي بيني وبينهم) فيحول بيني وبين الصلاة
معهم لأني (لم أستطع أن آتي مسجدهم) ولابن عساكر
المسجد (فأصلّي بهم) بالموحدة ونصب أصلي عطفًا على
آتي، وللأصيلي فأصلّي لهم أي لأجلهم، (ووددت) بكسر
الدال الأولى أي تمنيت (يا رسول الله أنك تأتيني
فتصلّي) بالسكون أو بالنصب كما في الفرع جوابًا
للتمنِّي (في بيتي
فاتخذه مصلّى) برفع فاتخذه على الاستئناف أو بالنصب
أيضًا كما في الفرع عطفًا على الفعل المنصوب، كذا
قرّره الزركشي وغيره، وتعقبه الدماميني فقال: إن ثبتت
الرواية بالنصب فالفعل منصوب بأن مضمرة وإضمارها هنا
جائز لا لازم، وأن والفعل بتقدير مصدر المسبوك من أنك
تأتيني أي: وددت إتيانك فصلاتك فاتخاذي مكان صلاتك
مصلّى، وهذا معطوف على المصدر المسبوك ليس في شيء من
جواب التمني الذي يريدونه، وكيف ولو ظهرت أن هنا لم
يمتنع وهناك يمتنع، ولو رفع تصلي وما بعده بالعطف على
الفعل المرفوع المتقدّم وهو قولك: تأتيني لصحّ والمعنى
بحاله انتهى.
(قال) الراوي (فقال له) أي لعتبان (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأفعل) ذلك (إن شاء الله)
علقه بمشيئة الله تعالى لآية الكهف لا لمجرّد التبرّك
لأن ذاك حيث كان الشيء مجزومًا به قاله البرماوي
كالكرماني، وجوز العيني كابن حجر كونه للتبرّك لأن
اطّلاعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالوحي
على الجزم، بأن ذلك سيقع غير مستبعد، (قال عتبان)
يحتمل أن يكون محمود أعاد اسم شيخه اهتمامًا بذلك لطول
الحديث، (فغدا رسول الله) ولأبي الوقت وأبي ذر عن
(1/427)
الكشميهني والأصيلي: فغدا عليّ رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر)
الصديق رضي الله عنه زاد الإسماعيلي بالغد، وللطبراني
أن السؤال كان يوم الجمعة والمجيء إليه يوم السبت (حين
ارتفع النهار، فاستأذن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الدخول (فأذنت له) وفي رواية
الأوزاعي: فاستأذنا فأذنت لهما أي للنبي-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وأبي بكر، وفي رواية أبي
أُويس ومعه أبو بكر وعمر، ولمسلم من طريق أنس عن عتبان
فأتاني ومَن شاء الله من أصحابه وجمع بأنه كان عند
ابتداء التوجّه هو وأبو بكر، ثم عند الدخول اجتمع عمر
وغيره فدخلوا معه عليه الصلاة والسلام، (فلم يجلس)
عليه الصلاة والسلام (حين دخل البيت) وللكشميهني حتى
دخل أي لم يجلس في الدار ولا غيرها حتى دخل البيت
مبادرًا إلى ما جاء بسببه، (ثم قال: أين تحبّ أن أصلّي
من بيتك) وللكشميهني في بيتك (قال) عتبان: (فأشرت له)
عليه الصلاة والسلام (إلى ناحية من البيت) يصلّي فيها
(فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فكبر فقمنا فصففنا) بالفك للأربعة، ونا فاعل، ولغيرهم:
فصفنا بالإدغام، ونا مفعول (فصلّى) عليه الصلاة
والسلام (ركعتين ثم سلّم) من الصلاة. واستنبط منه
مشروعية صلاة النافلة في جماعة بالنهار (قال) عتبان:
(وحبسناه) أي منعناه بعد الصلاة عن الرجوع (على خزيرة
صنعناها له) بفتح الخاء المعجمة وكسر الزاي وسكون
المثناة التحتية وفتح الراء آخرها تأنيث لحم يقطع
صغارًا
يطبخ بماء يذر عليه بعد النضج من دقيق، وإن عرف عن
اللحم فعصيدة. وقال النضر: هي من النخالة والحريرة
بالمهملات دقيق يطبخ بلبن (قال) عتبان (فثاب) بالمثلثة
والموحدة بينهما ألف أي جاء (في البيت رجال من أهل
الدار) أي المحلة (ذوو عدد) بعضهم إثر بعض لما سمعوا
بقدومه عليه الصلاة والسلام (فاجتمعوا) الفاء للعطف،
ومن ثم لا يحسن تفسير ثاب رجال باجتمعوا لأنه يلزم منه
عطف الشيء على مرادفه وهو خلاف الأصل، فالأولى تفسيره
بجاء بعضهم إثر بعض كما مرّ ونبّه عليه في المصابيح،
(فقال قائل منهم) لم يسم: (أين مالك بن الدخيشن) بضم
الدال المهملة وفتح الخاء المعجمة وسكون المثناة
التحتية وكسر الشين المعجمة آخره نون (أو ابن الدخشن)
بضم أوّله وثالثه وسكون ثانيه شك الراوي هل هو مصغّر
أو مكبّر؟ لكن عند المؤلّف رحمه الله في المحاربين من
رواية معمر مكبر من غير شك، وفي رواية لمسلم الدخشم
بالميم، ونقل الطبراني عن أحمد بن صالح أنه الصواب،
(فقال بعضهم) قيل هو عتبان بن مالك راوي الحديث: (ذلك)
باللام أي لبن الدخيشن أو ابن الدخشن أو ابن الدخشم
(منافق لا يحب الله ورسوله) لكونه يودّ أهل النفاق،
(فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
رادًّا على القائل مقالته هذه: (لا تقل ذلك) عنه (ألا
تراه) بفتح المثناة (قد قال لا الله إلاّ الله) أي مع
قول محمد رسول الله (يريد بذلك وجه الله) أي ذات الله
تعالى، فانتفت عنه الظنّة بشهادة الرسول له بالإخلاص
ولله المنّة ولرسوله. (قال) القائل: (الله ورسوله
أعلم) بذلك، وعند مسلم: أليس يشهد أن لا إله إلاّ الله
وكأنه فهم من الاستفهام عدم الجزم بذلك، ولذا (قال:
فإنا نرى وجهه) أي توجهه (ونصيحته إلى المنافقين، قال)
ولأبوي ذر والوقت والأصيلي (فقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن الله قد حرم على
النار من قال لا إله إلاّ الله يبتغي) أي يطلب (بذلك
وجه الله) عز وجل إذا أدّى الفرائض واجتنب المناهي،
وإلاّ فمجرّد التلفظ بكلمة الإخلاص لا يحرم النار لما
ثبت من دخول أهل المعاصي فيها، أو المراد من التحريم
هنا تحريم التخليد جميعًا بين الأدلة.
(قال ابن شهاب) الزهري أي بالسند الماضي: (ثم سألت
الحصين) وللكشميهني: ثم سألت بعد ذلك الحصين (بن محمد)
بحاء مضمومة وصاد مفتوحة مهملتين ثم مثناة تحتية
ساكنة، وضبطه القابسي بضاد معجمة وغلطوه (الأنصاري)
المدني من ثقات التابعين (وهو أحد بني سالم وهو من
سراتهم) بفتح السين المهملة أي
(1/428)
خيارهم (عن حديث محمود بن الربيع) ولابن
عساكر زيادة الأنصاري (فصدقه بذلك) أي بالحديث
المذكور.
47 - باب التَّيَمُّنِ فِي دُخُولِ الْمَسْجِدِ
وَغَيْرِهِ
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَبْدَأُ بِرِجْلِهِ الْيُمْنَى،
فَإِذَا خَرَجَ بَدَأَ بِرِجْلِهِ الْيُسْرَى.
(باب التيمن) أي البداءة باليمين (في دخول المسجد
وغيره) أي غير الدخول أو غير المسجد كالبيت (وكان ابن
عمر) بن الخطاب إذا دخل المسجد (يبدأ برجله اليمنى
فإذا خرج) منه (بدأ برجله اليسرى) قال ابن حجر: ولم
أره أي هذا الأثر موصولاً عنه أي عن ابن عمر.
426 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَشْعَثِ بْنِ سُلَيْمٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
"كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُحِبُّ التَّيَمُّنَ مَا اسْتَطَاعَ فِي
شَأْنِهِ كُلِّهِ: فِي طُهُورِهِ، وَتَرَجُّلِهِ
وَتَنَعُّلِهِ".
وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب، قال: حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن الأشعث) بالمعجمة ثم المهملة ثم
المثلثة (ابن سليم) بضم السين المهملة وفتح اللام (عن
أبيه) سليم (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة) رضي
الله عنها (قالت):
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب
التيمن) أي البداءة باليمين (ما استطاع) أي ما دام
مستطيعًا واحترز به عما لا يستطاع فيه التيمن شرعًا
كالخروج من المسجد والدخول للخلاء وتعاطي المستقذرات
كالاستنجاء والتمخط أو ما موصولة بدل من التيمن
والمحبة، وإن كانت من الأمور الباطنة فلعلها فهمت
بالقرائن حبه لذلك، أو أخبرها عليه الصلاة والسلام به
(في شأنه كله في طهوره) بضم الطاء أي طهره (و) في
(ترجله) بالجيم (و) في (تنعله) بتشديد العين أي تمشيطه
الشعر ولبسه النعل، وعمّ بقوله في شأنه كله ثم خصّ هذه
الثلاثة بالذكر اهتمامًا بشأنها والجار وتاليه بدل من
شأنه بدل البعض من الكل، وفي شأنه متعلق بالتيمن أو
بالمحبة أو بهما فيكون من باب التنازع.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في اللباس والأطعمة، وكذا
أخرجه غيره كما مرّ في باب التيمن في الوضوء والغسل.
48 - باب هَلْ تُنْبَشُ قُبُورُ مُشْرِكِي
الْجَاهِلِيَّةِ، وَيُتَّخَذُ مَكَانَهَا مَسَاجِدَ؟
لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا
قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ». وَمَا يُكْرَهُ
مِنَ الصَّلاَةِ فِي الْقُبُورِ، وَرَأَى عُمَرُ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُصَلِّي عِنْدَ قَبْرٍ فَقَالَ:
الْقَبْرَ الْقَبْرَ. وَلَمْ يَأْمُرْهُ
بِالإِعَادَةِ.
هذا (باب) بالتنوين (هل تنبش قبور مشركي الجاهلية)
الاستفهام للتقرير كقوله تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى
الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ} [الإنسان: 1] أي
يجوز نبشها لأنه لا حرمة لهم (ويتخذ مكانها مساجد)
بالنصب مفعولاً ثانيًا ليتخذ المبني للمفعول ومكانها
المفعول الأول وهو مرفوع نائب عن الفاعل، وفي رواية
مساجد بالرفع نائبًا عن الفاعل في يتخذ ومكانها نصب
على الظرفية فيتخذ متعدّ إلى مفعول واحد (لقول النبي)
أي لأجل قوله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
الموصول عند المؤلّف في أواخر المغازي كما سيأتي إن
شاء الله تعالى: (لعن الله اليهود) لأجل كونهم (اتخذوا
قبور أنبيانهم مساجد) سواء نبشت لما فيه من الاستهانة
أو لم تنبش لما فيه من المغالاة في التعظيم بعبادة
قبورهم والسجود لها، وكلاهما مذموم. ويلتحق بهم
أتباعهم وحينئذ فيجوز نبش قبور المشركين الذين لا ذمة
لهم واتخاذ المساجد مكانها لانتفاء العلّتين
المذكورتين إذ لا حرج في استهانتها بالنبش واتخاذ
المساجد مكانها وليس تعظيمًا لها، وإنما هو من قبيل
تبديل السيئة بالحسنة، وعلى هذا فلا تعارض بين فعله
عليه الصلاة والسلام
فى نبش قبور المشركين واتخاذ مسجده مكانها، وبين لعنه
عليه الصلاة والسلام من اتخذ قبور الأنبياء مساجد لما
ذكر من الفرق.
وفي هذا الحديث الاقتصار على لعن اليهود. فيكون قوله:
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد واضحًا، فإن النصارى لا
يزعمون نبوّة عيسى، بل يدّعون فيه أنه ابن أو إله أو
غير ذلك على اختلاف مِللهم الباطلة، ولا يزعمون موته
حتى يكون له قبر، وأما من قال منهم: أنه قتل فله في
ذلك كلام مشهور في موضعه، فتشكل حينئذ الرواية الآتية
إن شاء الله تعالى في الباب التالي لباب الصلاة في
البيعة، وفي أواخر المغازي بلفظ: لعن الله اليهود
والنصارى، وتعقيبه بقوله: اتخذوا، ويأتي الجواب عن ذلك
في موضعه إن شاء الله تعالى.
(وما يكره من الصلاة في القبور) سواء كانت عليها أو
إليها أو بينها. فإن قلت: كيف عطف هذه الجملة الخبرية
على جملة الاستفهام الطلبية؟ أجيب بأن جملة الاستفهام
التقريري في حكم الخبرية.
(ورأى عمر) أن ابن الخطاب رضي الله عنه كما في رواية
الأصيلي (أنس بن مالك) رضي الله عنه (يصلّي عند قبر
فقال: القبر القبر) بالنصب فيهما على التحذير محذوف
العامل وجوبًا أي اتّق أو اجتنب القبر، (ولم يأمره
بالإعادة) أي لم يأمر عمر أنسًا بإعادة صلاته تلك،
فدلّ على
(1/429)
الجواز لكن مع الكراهة لكونه صلّى على
نجاسة، ولو كان بينهما حائل، وهذا مذهب الشافعية أولاً
كراهة لكونه صلّى مع الفرش على النجاسة مطلقًا كما
قاله القاضي حسين، وقال ابن الرفعة: الذي دلّ عليه
كلام القاضي أن الكراهة لحرمة الميت أما لو وقف بين
القبور بحيث لا يكون تحته ميت ولا نجاسة فلا كراهة
إلاّ في المنبوشة فلا تصح الصلاة فيها. قال في
التوشيح: ويستثنى مقبرة الأنبياء فلا كراهة فيها لأن
الله حرم على الأرض أن تأكل أجسادهم، وأنهم أحياء في
قبورهم يصلّون، ولا يشكل بحديث: (لعن الله اليهود
اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) لأن اتخاذها مساجد أخص من
مجرد الصلاة فيها، والنهي عن الأخص لا يستلزم النهي عن
الأعم، قال في التحقيق: ويحرم أن يصلّي متوجهًا إلى
قبره عليه الصلاة والسلام، ويكره إلى غيره مستقبل
آدميّ لأنه يشغل القلب غالبًا، ويقاس بما ذكر فى قبره
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سائر قبور
الأنبياء -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولم
يرَ مالك بالصلاة في المقبرة بأسًا، وذهب أبو حنيفة
إلى الكراهة مطلقًا، وقال في تنقيح المقنع: ولا تصحّ
الصلاة تعبدًا في مقبرة غير صلاة الجنازة ولا يضرّ
قبران ولا ما دفن بداره.
427 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَبِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ
سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا
بِالْحَبَشَةِ فِيهَا تَصَاوِيرُ فَذَكَرَتَا ذَلِكَ
لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: «إِنَّ أُولَئِكَ إِذَا كَانَ فِيهِمُ
الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ
مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ.
فَأُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ». [الحديث 427 - أطرافه في: 434، 1341،
3873].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بالمثلثة ثم فتح
النون المشددة (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن
هشام) هو ابن عروة (قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة
(عن عائشة) رضي الله عنها ولابن عساكر عن عائشة أُم
المؤمنين.
(أن أُم حبيرة) رملة بنت أبي سفيان بن حرب (وأم سلمة)
هند بنت أبي أمية رضي الله عنها (ذكرتا) بلفظ التثنية
للمؤنث، وللمستملي والحموي ذكرا بالتذكير ولعله سبق
قلم من الناسخ كما لا يخفى (كنيسة) بفتح الكاف أي معبد
للنصارى (رأينها بالحبشة) بنون الجمع على أن أقل الجمع
اثنان أو على أنه كان معهما غيرهما من النسوة، ولأبي
ذر والأصيلي رأتاها بالمثناة الفوقية بضمير التثنية
على الأصل، وفي رواية رأياها بالمثناة التحتية (فيها
تصاوير) أي تماثيل، والجملة في موضع نصب صفة لكنيسة،
(فذكرتا ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. فقال: إن أولئك) بكسر الكاف لأن الخطاب
لمؤنث وقد تفتح (إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات) عطف
على قوله كان وجواب إذا قوله (بنوا على قبره مسجدًا
وصوّروا فيه تيك الصور) بكسر المثناة الفوقية وسكون
التحتية، كذا في رواية الحموي والكشميهني كما في
الفرع، وعزاها في الفتح للمستملي، وفي رواية أبي ذر
وابن عساكر كما في الفرع تلك باللام بدل المثناة
التحتية. (فأولئك) بكسر الكاف وقد تفتح (شرار الخلق
عند الله يوم القيامة) بكسر الشين المعجمة جمع شر كبحر
وبحار، وأما أشرار فقال السفاقسي: جمع شر كزند وأزناد،
وإنما فعل سلفهم ذلك ليتأنسوا برؤية تلك الصور يتذكروا
أحوالهم الصالحة ليجتهدوا كاجتهادهم، ثم خلف من بعدهم
خلف جهلوا مرادهم ووسوس لهم الشيطان أن أسلافهم كانوا
يعبدون هذه الصور ويعظمونها فعبدوها، فحذر عليه الصلاة
والسلام عن مثل ذلك سدًّا للذريعة المؤدية إلى ذلك.
أما مَن اتخذ مسجدًا في جوار صالح وقصد التبرك بالقرب
منه لا للتعظيم له ولا للتوجه إليه فلا يدخل في الوعيد
المذكور.
ورجال هذا الحديث بصريون، وفيه التحديث بالجمع
والإخبار بالإفراد والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في
هجرة الحبشة، ومسلم في الصلاة وكذا النسائي.
428 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
"قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ فَنَزَلَ أَعْلَى
الْمَدِينَةِ فِي حَىٍّ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَمْرِو
بْنِ عَوْفٍ، فَأَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِمْ أَرْبَعَ عَشْرَةَ
لَيْلَةً، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى بَنِي النَّجَّارِ
فَجَاءُوا مُتَقَلِّدِي السُّيُوفِ، كَأَنِّي أَنْظُرُ
إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَلَى رَاحِلَتِهِ وَأَبُو بَكْرٍ رِدْفُهُ وَمَلأُ
بَنِي النَّجَّارِ حَوْلَهُ، حَتَّى أَلْقَى بِفِنَاءِ
أَبِي أَيُّوبَ، وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُصَلِّيَ
حَيْثُ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ وَيُصَلِّي فِي
مَرَابِضِ الْغَنَمِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ بِبِنَاءِ
الْمَسْجِدِ، فَأَرْسَلَ إِلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي
النَّجَّارِ فَقَالَ: يَا بَنِي النَّجَّارِ
ثَامِنُونِي بِحَائِطِكُمْ هَذَا. قَالُوا: لاَ
وَاللَّهِ لاَ نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى
اللَّهِ. فَقَالَ أَنَسٌ: فَكَانَ فِيهِ مَا أَقُولُ
لَكُمْ: قُبُورُ الْمُشْرِكِينَ، وَفِيهِ خَرِبٌ،
وَفِيهِ نَخْلٌ. فَأَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِقُبُورِ الْمُشْرِكِينَ
فَنُبِشَتْ،
ثُمَّ بِالْخَرِبِ فَسُوِّيَتْ، وَبِالنَّخْلِ
فَقُطِعَ. فَصَفُّوا النَّخْلَ قِبْلَةَ الْمَسْجِدِ،
وَجَعَلُوا عِضَادَتَيْهِ الْحِجَارَةَ، وَجَعَلُوا
يَنْقُلُونَ الصَّخْرَ وَهُمْ يَرْتَجِزُونَ،
وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَعَهُمْ وَهُوَ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَهْ ...
فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا عبد
الوارث) بن سعيد التميمي (عن أدب التياح) بفتح المثناة
الفوقية وتشديد التحتية آخره مهملة يزيد بن حميد
الضبعي (عن أنس) وللأصيلي أنس بن مالك (قال):
(قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
المدينة فنزل أعلى) وللأصيلي في أعلى (المدينة في حي)
بتشديد الياء قبيلة (يقال لهم بنو عمرو بن عوف) بفتح
العين فيهما (فأقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فيهم أربعة عشرة ليلة) ولأبوي ذر والوقت
وابن عساكر في نسخة أربعًا وعشرين، وصوب الحافظ ابن
حجر الأولى. قال: وكذا رواه أبو داود عن مسدد شيخ
المؤلّف فيه، (ثم
(1/430)
أرسل) عليه الصلاة والسلام (إلى بني
النجار) أخواله عليه الصلاة والسلام (فجاؤوا) حال
كونهم (متقلدي السيوت) بالجر وحذف نون متقلدين للإضافة
كذا في رواية كريمة وفي رواية متقلدين بإثبات النون
فلا إضافة والسيوف نصب بمتقلدين أي: جعلوا نجاد السيف
على المنكب خوفًا من اليهود ليروه ما أعدّوه لنصرته
عليه الصلاة والسلام (كأني أنظر إلى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على راحلته) أي ناقته
القصواء، (وأبو بكر) الصديق (ردفه) بكسر الراء وسكون
الدال جملة اسمية حالية أي راكب خلفه ولعله عليه
الصلاة والسلام أراد تشريف أبي بكر بذلك وتنويهًا
بقدره وإلاّ فقد كان له رضي الله عنه ناقة، (وملأ بني
النجار) أي أشرافهم أو جماعتهم يمشون (حوله) عليه
الصلاة والسلام أدبًا والجملة حالية (حتى ألقى) أي طرح
رحله (بفناء) بكسر الفاء والمدّ أي بناحية متّسعة أمام
دار (أبي أيوب) خالد بن زيد الأنصاري (وكان) رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يحب أن يصلّي
حيث أدركته الصلاة ويصلّي في مرابض الغنم) جمع مربض أي
مأواها (وأنه) بكسر الهمزة، وفي فرع اليونينية بفتحها
أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أمر)
بفتح الهمزة (ببناء المسجد) بكسر الجيم وقد تفتح
(فأرسل إلى ملأ من بني النجار) وللأربعة إلى ملأ بني
النجار بإسقاط من (فقال: يا بني النجار ثامنوني)
بالمثلثة أي ساوموني (بحائطكم) أي ببستانكم (هذا
قالوا: لا والله لا نطلب ثمنه إلاّ إلى الله) عز وجل
أي من الله كما وقع عند الإسماعيلي، (فقال) ولابن
عساكر قال (أنس) رضي الله عنه: (فكان فيه) أي في
الحائط (ما أقول لكم قبور المشركين) بالرفع بدل أو
بيان لقوله ما أقول لكم، (وفيه خرب) بفتح الخاء
المعجمة وكسر الراء اسم جمع واحده خربة كلكم وكلمة،
ولأبي ذر خرب بكسر الخاء وفتح الراء جمع خربة كعنب
وعنبة (وفيه نخل فأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بقبور المشركين فنبشت) وبالعظام فغيبت (ثم
بالخرب) بفتح الخاء وكسر الراء (فسويت) بإزالة ما كان
في تلك الخرب (و) أمر (بالنخل فقطع فصفوا النخل قبلة
المسجد) أي في جهتها (وجعلوا عضادتيه الحجارة) تثنية
عضادة بكسر العين. قال صاحب العين: أعضاد كل شيء ما
يشدّه من حواليه، وعضادتا الباب ما كان عليهما يغلق
الباب إذا أصفق (وجعلوا ينقلون الصخر وهم يرتجزون) أي
يتعاطون الرجز تنشيطًا لنفوسهم ليسهل عليهم
العمل (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
يرتجز (معهم) جملة حالية كقوله (وهو) عليه الصلاة
والسلام (يقول: اللهمّ لا خير إلاّ خير الآخرة فاغفر
للأنصار) الأوس والخزرج الدين نصروه على أعدائه
(والمهاجرة) الذين هاجروا من مكة إلى المدينة محبة فيه
عليه الصلاة والسلام وطلبًا للأجْر، وللمستملي: فاغفر
الأنصار على تضمين اغفر معنى استر، واستشكل قوله عليه
الصلاة والسلام هذا مع قوله تعالى: {وَمَا
عَلَّمْنَاهُ الشِّعْر} [يس: 69] وأجيب: بأن الممتنع
عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنشاء الشعر
لا إنشاده على أن الخليل ما عدّ المشطور من الرجز
شعرًا، هذا وقد قيل أنه عليه الصلاة والسلام قالهما
بالتاء متحركة، فخرج عن وزن الشعر.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه التحديث والعنعنة
والقول، وأخرجه المؤلّف في الصلاة والوصايا والهجرة
والحج والبيوع، ومسلم في الصلاة، وكذا أبو داود
والنسائي وابن ماجة، وتأتي بقية مباحثه إن شاء الله
تعالى.
49 - باب الصَّلاَةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ
(باب) حكم (الصلاة في مرابض الغنم) جمع مربض بكسر
الباء أي مأواها، وقال العيني وضبط بعضهم المربض بكسر
الميم وهو غلط.
429 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ
أَنَسٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ
الْغَنَمِ"، ثُمَّ سَمِعْتُهُ بَعْدُ يَقُولُ: "كَانَ
يُصَلِّي فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ قَبْلَ أَنْ يُبْنَى
الْمَسْجِد".
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب قال: حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن أبي التياح) بفتح المثناة الفوقية وتشديد
المثناة التحتية آخره مهملة يزيد بن حميد الضبعي (عن
أنس) وللأصيلي عن أنس بن مالك (قال):
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي
في مرابض الغنم) مطلقًا (ثم سمعته) أي قال أبو التياح:
سمعت أنسًا، أو قال شعبة سمعت أبا التياح (بعد) أي بعد
ذلك القول (يقول) (كان) عليه الصلاة والسلام (يصلّي في
مرابض الغنم
(1/431)
قبل أن يبنى المسجد) النبوي المدني ويفهم
من هذه الزيادة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لم يصلِّ في مرابض الغنم بعد بناء المسجد
نعم ثبت إذنه في ذلك مع السلامة من الأبوال والأبعاد،
وسبق في كتاب الطهارة مزيد لذلك فليراجع. وفي هذا
الحديث التحديث والعنعنة والقول.
50 - باب الصَّلاَةِ فِي مَوَاضِعِ الإِبِلِ
(باب) حكم (الصلاة في مواضع الإبل) أي معاطنها وهي
مباركها لتشرب عللاً بعد نهل، وكره الصلاة فيها مالك
والشافعي لنفارها السالب للخشوع، أو لكونها خلقت من
الشياطين كما في
حديث عبد الله بن مغفل المروي في ابن ماجة، وعند مسلم
من حديث جابر بن سمرة أن رجلاً قال: يا رسول الله
أصلّي في مبارك الإبل؟ قال (لا) وعند الترمذي من حديث
أبي هريرة مرفوعًا (صلّوا في مرابض الغنم ولا تصلّوا
في أعطان الإبل). وعند الطبراني في الأوسط من طريق
أسيد بن حضير (ولا تصلوا في مناخها) وهو بضم الميم
وليس كل مبرك عطنًا، والمبرك أعمّ، وعبّر المصنّف
بالمواضع لأنها أشمل.
430 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَيَّانَ قَالَ:
حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ قَال: َ
رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يُصَلِّي إِلَى بَعِيرِهِ
وَقَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَفْعَلُهُ.
وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي (قال:
أخبرنا) ولأبوي ذر والوقت حدّثنا (سليمان بن حيان)
بفتح الحاء المهملة وتشديد المثناة التحتية منصرف وغير
منصرف ابن خالد الأحمر الأزدي الجعفري الكوفي (قال:
حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا (عبيد الله) بالتصغير ابن
عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن
نافع) مولى ابن عمر (قال):
(رأيت ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (يصلّي إلى
بعيره وقال) ولأبي ذر فقال (رأيت النبي- يفعله) أي
يصلّي، والبعير في طرف قبلته.
فإن قلت لا مطابقة بين الحديث والترجمة لأنه لا يلزم
من الصلاة إلى البعير وجعله ستره عدم كراهة الصلاة في
مبركه. أجيب بأن مراده الإشارة إلى ما ذكر من علة
النهي عن ذلك وهي كونها من الشياطين كأنه يقول: لو كان
ذلك مانعًا من صحة الصلاة لامتنع مثله في جعلها أمام
المصلّي، وكذلك صلاة راكبها، وقد ثبت أنه عليه الصلاة
والسلام كان يصلّي النافلة على بعيره قاله في الفتح،
وتعقبه العيني فقال: ما أبعد هذا الجواب عن موقع
الخطاب، فإنه متى ذكر علة النهي عن الصلاة في معاطن
الإبل حتى يشير إليه اهـ.
ورواة هذا الحديث ما بين مروزي وكوفي ومدني، وفيه
التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والترمذي وقال
حسن صحيح.
51 - باب مَنْ صَلَّى وَقُدَّامَهُ تَنُّورٌ أَوْ
نَارٌ أَوْ شَىْءٌ مِمَّا يُعْبَدُ فَأَرَادَ بِهِ
اللَّهَ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: أَخْبَرَنِي أَنَسٌ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «عُرِضَتْ عَلَىَّ النَّارُ وَأَنَا
أُصَلِّي».
(باب من صلّى وقدامه) بالنصب على الظرفية (تنور) بفتح
المثناة الفوقية وتشديد النون المضمومة وهو ما يوقد
فيه النار للخبز وغيره والجملة اسمية حالية وتنور
مبتدأ خبره الظرف أي بينه وبين القبلة وعطف المؤلّف
على قوله تنوّر قوله (أو نار) وهو من عطف العامّ على
الخاص اهتمامًا به لأن عبدة
النار من المجوس (أو) صلّى وقدامه (شيء يعبد) كالأصنام
والأوثان (فأراد) المصلّي الذي قدامه شيء من هذه
الأشياء (به) أي بفعله (الله تعالى) ولأبوي ذر والوقت
وجه الله تعالى أي ذاته تعالى، وحينئذ فلا كراهة. نعم
كرهه الحنفية لما فيه من التشبه بعبدة المذكورات
ظاهرًا.
(وقال) ابن شهاب (الزهري) مما وصله المؤلّف في باب وقت
الظهر (أخبرني) بالإفراد (أنس) وللأصيلي أنس بن مالك
(قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عرضت عليّ النار) الجهنمية (وأنا أصلي).
431 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ
يَسَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
"انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ:
«أُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أَرَ مَنْظَرًا كَالْيَوْمِ
قَطُّ أَفْظَعَ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن
مالك) إمام دار الهجرة (عن زيد بن أسلم) مولى عمر بن
الخطاب (عن عطاء بن يسار) بالمثناة التحتية والمهملة
المخفّفة القاضي المدني الهلالي (عن عبد الله بن عباس)
رضي الله عنهما (قال):
(انخسفت الشمس) أي انكسفت أي تغير لونها أو ذهب ضوءها
(فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) صلاة
الكسوف (ثم قال: أريت) بضم الهمزة وكسر الراء أي أبصرت
(النار) في الصلاة رؤية عين (فلم أرَ منظرًا كاليوم)
أي رؤية مثل رؤية اليوم (قط) بضم الطاء (أفظع) منه
وبفاء وظاء معجمة ونصب العين صفة لمنظر أو صلة أفعل
التفضيل محذوفة أي منه كالله أكبر أي من كل شيء أو
بمعنى فظيع كأكبر بمعنى كبير، والفظيع الشنيع الشديد
المجاوز المقدار قال السفاقسي: لا حجة في الحديث على
ما بوّب له لأنه عليه الصلاة والسلام لم يفعل ذلك
مختارًا وإنما
(1/432)
عرض عليه ذلك لمعنى أراده الله تعالى
تنبيهًا لعباده اهـ.
وأجيب بأن الاختيار وعدمه في ذلك سواء منه لأنه عليه
الصلاة والسلام لا يقرّ على باطل، فدل على أن مثله
جائز قاله الحافظ ابن حجر. وتعقبه العيني فقال: لا
نسلم التسوية فإن الكراهة تتأكد عند الاختيار، وأما
عند عدمه فلا كراهة لعدم العلّة الموجبة للكراهة وهي
التشبه بعبدة النار.
ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون. نعم عبد الله بن مسلمة
سكن البصرة وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في
الكسوف والإيمان والنكاح وبدء الخلق ومسلم وأبو داود
والنسائي في الصلاة.
52 - باب كَرَاهِيَةِ الصَّلاَةِ فِي الْمَقَابِرِ
(باب) ذكر (كراهية الصلاة في المقابر) في حديث أبي
سعيد الخدري عند أبي داود والترمذي بسند رجاله ثقات
مرفوعًا الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام وليس هو
على شرط المؤلّف.
432 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اجْعَلُوا فِي
بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ، وَلاَ تَتَّخِذُوهَا
قُبُورًا». [الحديث 432 - طرفه في: 1187].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالمهملات ابن مسرهد (قال:
حدّثنا يحيى) القطان (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا
وللأصيلي عن عبيد الله بن عمر (قال):
(أخبرني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر بن الخطاب رضي
الله عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال اجعلوا في بيوتكم من صلاتكم) النافلة،
وفي الصحيحين حديث (صلوا أيها الناس في بيوتكم فإن
أفضل صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة).
وإنما شرع ذلك لكونه أبعد من الرياء ولتنزل الرحمة فيه
والملائكة، لكن استثنى منه نفل يوم الجمعة قبل صلاتها،
فالأفضل كونه في الجامع لفضل البكور وركعتا الطواف
والإحرام، وكذا التراويح للجماعة.
وعن بعضهم فيما حكاه عياض أن المعنى اجعلوا بعض
فرائضكم في بيوتكم ليقتدي بكم من لا يخرج إلى المسجد
من نسوة وغيرهنّ، لكن قال النووي: لا يجوز حمله على
الفريضة.
(ولا تتخذوها) أي البيوت (قبورًا) أي كالقبور مهجورة
من الصلاة وهو من التشبيه البليغ البديع بحذف حرف
التشبيه للمبالغة، وهو تشبيه البيت الذي لا يُصلّى فيه
بالقبر الذي لا يتمكن الميت من العبادة فيه، وقد حمل
المؤلّف هذا الحديث على منع الصلاة في المقابر، ولهذا
ترجم به.
وتعقب بأنه ليس فيه تعرض لجواز الصلاة في المقابر ولا
منعها، بل المراد منه الحثّ على الصلاة في البيت فإن
الموتى لا يصلون في بيوتهم، وكأنه قال: لا تكونوا
كالموتى في القبور حيث انقطعت عنهم الأعمال وارتفعت
التكاليف، ولو أريد ما تأوّله المؤلّف لقال المقابر.
وأجيب بأنه قد ورد في مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ
(المقابر) وتعقب بأنه كيف يقال حديث يرويه غيره بأنه
مطابق لما ترجم به. وفي هذا الحديث التحديث والأخبار
بالإفراد والعنعنة، وأخرجه مسلم وابن ماجة.
53 - باب الصَّلاَةِ فِي مَوَاضِعِ الْخَسْفِ
وَالْعَذَابِ وَيُذْكَرُ أَنَّ عَلِيًّا رضي الله عنه
كَرِهَ الصَّلاَةَ بِخَسْفِ بَابِلَ
(باب) حكم (الصلاة في مواضع الخسف) بالجمع وللأصيلي في
موضع بالإفراد (و) موضع نزول (العذاب) من باب عطف
العامّ على الخاص لأن الخسف من جملة العذاب (ويذكر)
مما وصله ابن أبي شيبة (أن عليًّا) رضي الله عنه (كره
الصلاة بخسف بابل) بعدم الصرف. قال الأخفش: لتأنيثه،
وقال البيضاوي والمشهور أنه بلد من سواد الكوفة اهـ.
وقيل: المراد بالخسف المذكور ما في قوله تعالى: {قَدْ
مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَأَتَى اللَّهُ
بُنْيَانَهُمْ مِنَ الْقَوَاعِدِ} [النحل: 26] الآية
وذلك أن نمروذ بن كنعان بنى الصرح ببابل سمكه خمسة
آلاف ذراع ليترصّد أمر السماء، فأهبّ الله الريح فخرّ
عليه وعلى قومه فهلكوا قيل: وبات الناس ولسانهم سرياني
فأصبحوا وقد تفرقت لغتهم على اثنين وسبعين لسانًا كلٌّ
يبلبل بلسانه فسمي الموضع بابلاً.
433 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَدْخُلُوا عَلَى
هَؤُلاَءِ الْمُعَذَّبِينَ، إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا
بَاكِينَ، فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلاَ
تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لاَ يُصِيبُكُمْ مَا
أَصَابَهُمْ». [الحديث 433 - أطرافه في: 3380، 3381،
4419، 4420، 4702].
وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أويس
(قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) هو ابن أنس (عن عبد
الله بن دينار، عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي
الله عنهما).
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال) لأصحابه لما مروا معه بالحجر ديار ثمود في حال
توجههم إلى تبوك: (لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين) بفتح
الذال المعجمة وهم قوم صالح أي لا تدخلوا ديارهم (إلا
أن تكونوا
(1/433)
باكين) شفقة وخوفًا من حلول مثل ذلك، (فإن
لم تكونوا باكين فلا تدخلوا عليهم لا يصيبكم) وعند
المؤلّف في أحاديث الأنبياء أن يصيبكم أي خشية أن
يصيبكم (ما أصابهم) من العذاب، ويصيبكم بالرفع على
الاستئناف، ولا تنافي في بين خوف إصابة العذاب وبين
قوله تعالى {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}
[الأنعام: 164] لأن الآية محمولة على عذاب يوم
القيامة، ووجه الخوف هنا أن البكاء يبعثه على التفكّر
والاعتبار، فكأنه أمرهم بالتفكّر في أحوال توجب البكاء
من تقدير الله على أولئك بالكفر مع تمكينه لهم في
الأرض وإمهالهم مدة طويلة، ثم إيقاع نقمه بهم وشدة
عذابه، فمن مرّ عليهم ولم يتفكّر فيما يوجب البكاء
اعتبارًا بأحوالهم، فقد شابههم في الإهمال ودلّ على
قساوة قلبه وعدم خشوعه فلا يأمن أن يجرّه ذلك إلى
العمل بمثل أعمالهم فيصيبه ما أصابهم قاله ابن حجر ومن
قبله الخطابي.
وقد تشاءم عليه الصلاة والسلام بالبقعة التي نام فيها
عن الصلاة ورحل عنها ثم صلّى، فكراهية الصلاة في مواضع
الخشف أولى لأن إباحة الدخول فيها إنما هو على وجه
الاعتبار والبكاء، فمن صلّى هناك لا تفسد صلاته لأن
الصلاة موضع البكاء والاعتبار. ورواة هذا الحديث كلهم
مدنيون. وفيه التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة،
وأخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي والتفسير.
54 - باب الصَّلاَةِ فِي الْبِيعَةِ
وَقَالَ عُمَرُ -رضي الله عنه-: إِنَّا لاَ نَدْخُلُ
كَنَائِسَكُمْ مِنْ أَجْلِ التَّمَاثِيلِ الَّتِي
فِيهَا الصُّوَرَ وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يُصَلِّي فِي
الْبِيعَةِ إِلاَّ بِيعَةً فِيهَا تَمَاثِيل.
(باب) حكم (الصلاة في البيعة) بكسر الباء الموحدة معبد
النصارى كالكنائس والصلوات لليهود والصوامع للرهبان
والمساجد للمسلمين والكنائس أيضًا للنصارى كالبيعة كما
قاله الجوهري، وبه تحصل المطابقة بين الترجمة وذكر
الكنائس الآتي إن شاء الله تعالى في قوله: (وقال عمر)
بن الخطاب (رضي الله عنه) مما وصله عبد الرزاق من طريق
أسلم مولى عمر قال: لما قدم عمر الشام صنع له رجل من
النصارى طعامًا وكان من عظمائهم وقال: أحبّ أن تجيبني
وتكرمني فقال عمر: (إنّا لا ندخل كنائسكم) بكاف الخطاب
وللأصيلي كنائسهم بضمير الجمع الغائب (من أجل التماثيل
التي فيها الصور) جملة اسمية لأن الصور مبتدأ مرفوع
خبره فيها أي في الكنائس، والجملة صلة الموصوف وقعت
صفة للكنائس لا للتماثيل لفساد المعنى، لأن التماثيل
هي الصور، وهذه رواية أبي ذر كما في الفرع، ووجهه في
المصابيح بأن يكون خبر مبدأ محذوف والصلة فعلية أي
التي استقرت فيها ووجهه الحافظ ابن حجر بقوله أي أن
التماثيل مصوّرة، قال: والضمير على هذا للتماثيل.
وتعقبه العيني فقال: هذا توجيه مَن لا يعرف من العربية
شيئًا، وفي بعض الأصول الصور بالجر على البدل من
التماثيل أو عطف بيان، ويكون الموصول مع صلته صفة
للتماثيل. وصرّح ابن مالك بجوازه عطفًا بواو محذوفة،
وللأصيلي والصور بواو العطف على التماثيل، والمعنى:
ومن أجل الصور التي فيها. وفي رواية صحح عليها في
الفرع بالنصب على إضمار أعني والتماثيل جمع تمثال
بمثناة فوقية فمثلثة وبينه وبين الصورة عموم وخصوص
مطلق فالصورة أعمّ من التمثال. (وكان ابن عباس) رضي
الله عنهما مما وصله البغوي في الجعديات (يصلّي في
البيعة إلاّ بيعة فيها تماثيل) فلا يصلّي فيها، وكرهه
الحسن البصري، والمعنى فيه أنها مأوى الشياطين.
434 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا
عَبْدَةُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتْ
لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَنِيسَةً رَأَتْهَا بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ
يُقَالُ لَهَا مَارِيَةُ، فَذَكَرَتْ لَهُ مَا رَأَتْ
فِيهَا مِنَ الصُّوَرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُولَئِكَ
قَوْمٌ إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الْعَبْدُ الصَّالِحُ
-أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ- بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ
مَسْجِدًا، وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ،
أُولَئِكَ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب، ولابن عساكر محمد
بن سلام، وعزاها في الفتح لابن السكن وهو البيكندي
(قال: أخبرنا) بالجمع وللأصيلي أخبرني (عبدة) بفتح
العين وسكون الموحدة واسمه عبد الرحمن بن سليمان (عن
هشام بن عروة عن أبيه) عروة (عن عائشة).
(أن أُم سلمة) رضي الله عنهما (ذكرت لرسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنيسة رأتها بأرض
الحبشة يقال لها مارية) بالراء وتخفيف المثناة التحتية
والرفع (فذكرت له) عليه الصلاة والسلام (ما رأت فيها)
أي في الكنيسة (من الصور، فقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أولئك) بكسر الكاف
خطابًا بالمؤنث ويجوز فتحها (قوم إذا مات فيهم العبد
الصالح) نبيّ أو غيره (والرجل الصالح بنوا على قبره
مسجدًا وصوّروا فيه) أي في المسجد (تلك الصور)
ليتأنسوا بها. وفي رواية تيك بمثناة تحتية بدل اللام
في تلك والكاف فيها
تكسر وتفتح، ويؤخذ منه المطابقة
(1/434)
لما ترجم له لأن فيه إشارة إلى نهي المسلم
عن أن يصلّي في الكنيسة فيتخذها بصلاته مسجدًا. (أولئك
شرار الخلق عند الله) عز وجل زاد في باب: هل تنبش قبور
مشركي الجاهلية يوم القيامة وفي كاف أولئك الكسر
والفتح.
55 - باب
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو كالفصل من الباب
السابق وسقط لفظ باب في رواية الأصيلي.
435 و 436 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ:
أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ
أَنَّ عَائِشَةَ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ
قَالاَ: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَفِقَ يَطْرَحُ
خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ
بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: -وَهْوَ
كَذَلِكَ- «لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ
وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ
مَسَاجِدَ» يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا. [الحديث 435 -
أطرافه في 1330، 1390، 3453، 4441، 4443، 5815].
[الحديث 436 - أطرافه في: 3454، 4444، 5816].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال:
أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري
قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بالتصغير (ابن عبد
الله بن عتبة أن) الصدّيقة (عائشة وعبد الله بن عباس)
رضي الله عنهم (قالا):
(لما نزل) الموت (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) حذف الفاعل للعلم به، ولأبي ذر عن
الكشميهني والأصيلي
نزل بضم النون مبنيًّا للمفعول (طفق) بكسر الفاء جواب
لما أي جعل (يطرح خميصة) بالنصب مفعول يطرح أي كساء له
أعلام الله على وجهه) الشريف (فإذا اغتمّ بها) بالغين
المعجمة أي تسخن بالخميصة وأخذ بنفسه من شدّة الحر
(كشفها عن وجهه، فقال) عليه الصلاة والسلام (وهو كذلك)
أي في حالة الطرح والكشف (لعنة الله على اليهود
والنصارى) وكأنه سئل ما سبب لعنهم، فقال: (اتخذوا قبور
أنبيائهم مساجد) وكأنه قيل للراوي ما حكمة ذكر ذلك في
ذلك الوقت؟ فقال (يحذر) أمته أن يصنعوا بقبره مثل (ما
صنعوا) أي اليهود والنصارى بقبور أنبيائهم، والحكمة
فيه أنه ربما يصير بالتدريج شبيهًا بعبادة الأوثان.
فإن قلت: إن النصارى ليس لهم إلاّ نبي واحد وليس له
قبر. أجيب: بأن الجمع بإزاء المجموع من اليهود
والنصارى، فإن اليهود لهم أنبياء أو المراد الأنبياء
وكبار أتباعهم فاكتفى بذكر الأنبياء، وفي مسلم ما يؤيد
ذلك حيث قال في طريق جندب: كانوا يتخذون قبور أنبيائهم
وصالحيهم مساجد أو أنه كان فيهم أنبياء أيضًا لكنهم
غير مرسلين كالحواريين ومريم في قول أو الضمير راجع
إلى اليهود فقط، أو المراد من أمروا بالإيمان بهم كنوح
وإبراهيم.
ورواة هذا الحديث ما بين حمصي ومدني، وفيه رواية صحابي
وصحابية والتحديث والأخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف
في اللباس والمغازي وذكر بني إسرائيل ومسلم والنسائي
في الصلاة.
437 - حَدَّثَنًا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مًالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهًابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قًالَ:
«قًاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ
أَنْبِيًائِهِمْ مَسًاجِدَ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن
مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن
المسيب) بفتح المثناة (عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال: قاتل الله اليهود) أي قتلهم الله لأن فاعل يأتي
بمعنى فعل أو المعنى أبعد الله اليهود بسبب أنهم
(اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) وخصص اليهود هنا لأنهم
الذين ابتدؤوا ابتداع هذا الاتخاذ واتبعتهم النصارى
فاليهود أظلم.
ورواة هذا الحديث مدنيون، وفيه رواية تابعيّ عن تابعيّ
والتحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الصلاة، وأبو داود
في الجنائز والنسائي في الناس الوفاة.
56 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- «جُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا
وَطَهُورًا»
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) فتجوز الصلاة على أيّ
جزء كان من
أجزائها وطاء طهورًا مفتوحة.
438 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا سَيَّارٌ -هُوَ
أَبُو الْحَكَمِ- قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ
الْفَقِيرُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ
يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الأَنْبِيَاءِ قَبْلِي:
نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وَجُعِلَتْ
لِيَ الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا، وَأَيُّمَا
رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ
فَلْيُصَلِّ، وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَكَانَ
النَّبِيُّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً
وَبُعِثْتُ إِلَى النَّاسِ كَافَّةً، وَأُعْطِيتُ
الشَّفَاعَةَ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) العوقي بفتح العين
المهملة والواو بعدها قاف الباهلي البصري (قال: حدّثنا
هشيم) بضم أوّله وفتح ثانيه ابن بشير بوزن عظيم الفقيه
الثبت لكنه كثير التدليس والإرسال الخفي (قال: حدّثنا
سيار) بتشديد المثناة التحتية (هو أبو الحكم) بفتحتين
العنزي الواسطي (قال: حدّثنا يزيد) بن صهيب (الفقير
قال: حدّثنا جابر بن عبد الله) الأنصاري (قال):
(قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أُعطيت خمسًا) بضم الهمزة أي أعطاني الله خمس خصال (لم
يعطهنّ أحد)
قال الداودي: أي لم تجتمع لأحد (من الأنبياء قبلي:
نصرت بالرعب) يقذف في قلوب أعدائي (مسيرة شهر، وجعلت
لي الأرض مسجدًا) أي موضع سجود قال ابن بطال: فدخل في
العموم المقابر والمرابض والكنائس ونحوها اهـ. نعم
تكره الصلاة فيها للتنزيه كما مرّ (و) جعل لي ترابها
(طهورًا وأيما) بالواو وللأصيلي: فأيما
(1/435)
(رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) حيث
أدركته الصلاة أو بعد أن يتيمّم، (وأحلّت لي الغنائم)
ولم تحل لأحد من الأنبياء قبلي. (وكان النبي يبعث إلى
قومه خاصة وبعثت إلى الناس كافة) أي جميعًا ونصبه على
الحالية لازم له، (وأعطيت الشفاعة) العظمى أو غيرها
مما ذكر اختصاصه بها.
ورواة هذا الحديث ما بين واسطي وكوفي، والله أعلم.
57 - باب نَوْمِ الْمَرْأَةِ فِي الْمَسْجِدِ
(باب نوم المرأة في المسجد) وإقامتها فيه إذا لم يكن
لها مسكن غيره.
439 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ وَلِيدَةً كَانَتْ سَوْدَاءَ
لِحَىٍّ مِنَ الْعَرَبِ فَأَعْتَقُوهَا فَكَانَتْ
مَعَهُمْ. قَالَتْ: فَخَرَجَتْ صَبِيَّةٌ لَهُمْ
عَلَيْهَا وِشَاحٌ أَحْمَرُ مِنْ سُيُورٍ. قَالَتْ:
فَوَضَعَتْهُ -أَوْ وَقَعَ مِنْهَا- فَمَرَّتْ بِهِ
حُدَيَّاةٌ وَهْوَ مُلْقًى، فَحَسِبَتْهُ لَحْمًا
فَخَطَفَتْه. ُ قَالَتْ: فَالْتَمَسُوهُ فَلَمْ
يَجِدُوهُ. قَالَتْ: فَاتَّهَمُونِي بِهِ. قَالَتْ:
فَطَفِقُوا يُفَتِّشُونَ حَتَّى فَتَّشُوا قُبُلَهَا.
قَالَتْ: وَاللَّهِ إِنِّي لَقَائِمَةٌ مَعَهُمْ إِذْ
مَرَّتِ الْحُدَيَّاةُ فَأَلْقَتْهُ، قَالَتْ:
فَوَقَعَ بَيْنَهُمْ، قَالَتْ فَقُلْتُ: هَذَا الَّذِي
اتَّهَمْتُمُونِي بِهِ زَعَمْتُمْ، وَأَنَا مِنْهُ
بَرِيئَةٌ وَهُوَ ذَا هُوَ. قَالَتْ فَجَاءَتْ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَسْلَمَتْ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَ لَهَا
خِبَاءٌ فِي الْمَسْجِدِ، أَوْ حِفْشٌ، قَالَتْ
فَكَانَتْ تَأْتِينِي فَتَحَدَّثُ عِنْدِي. قَالَتْ
فَلاَ تَجْلِسُ عِنْدِي مَجْلِسًا إِلاَّ قَالَتْ:
وَيَوْمَ الْوِشَاحِ مِنْ تعَاجِيبِ رَبِّنَا ...
أَلاَ إِنَّهُ مِنْ بَلْدَةِ الْكُفْرِ أَنْجَانِي
وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين وفتح
الموحدة مصغرًا القرشي الهباري الكوفي، وفي بعض الأصول
عبد الله وهو اسمه في الأصل وعبيد لقب غلب عليه وعرف
به (قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي
الكوفي (عن هشام) وللأصيلي زيادة ابن عروة (عن أبيه)
عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة) رضي الله عنها.
(أن وليدة) بفتح الواو أي أمة (كانت سوداء) أي كانت
امرأة كبيرة سوداء (لحيّ من العرب فأعتقوها فكانت معهم
قالت) أي الوليدة: (فخرجت صبية لهم) أي لهؤلاء الحيّ
وكانت الصبية عروسًا فدخلت مغتسلها وكان (عليها وشاح
أحمر) بكسر الواو وتضم وقد تبدل همزة مكسورة (من سيور)
جمع سير وهو ما يقدّ من الجلد. وقال الجوهري: الوشاح
ينسج عرضًا من أديم ويرصع بالجواهر وتشدّه المرأة بين
عاتقها وكشحها. وقال السفاقسي: خيطان من لؤلؤ يخالف
بينهما وتتوشح به المرأة، وقال الداودي: ثوب كالبرد أو
نحوه (قالت) أي عائشة: (فوضعته) أي الوشاح (أو وقع
منها) شك الراوي (فمرّت به) أي بالوشاح (حدياة) بضم
الحاء وفتح الدال المهملتين وتشديد المثناة
التحتية والأصل حديأة بهمزة مفتوحة بعد الياء الساكنة
لأنه تصغير حدأة بالهمز بوزن عنبة، لكن أبدلت الهمزة
ياء وأدغمت الياء في الياء ثم أشبعت الفتحة فصارت
ألفًا، وللأربعة فمرت حدياة بإسقاط به (وهو ملقى) أي
مرمى والجملة حالية (فحسبته لحمًا) سمينًا لأنه كان من
جلد أحمر وعليه اللؤلؤ (فخطفته) بكسر الطاء المهملة لا
بفتحها على اللغة الفصيحة. (قالت فالتمسوه) أي طلبوه
وسألوا عنه (فلم يجدوه. قالت: فاتهموني به) (قالت)
عائشة (فطفقوا يفتشون) وللأصيلي وابن عساكر يفتشوني
(حتى فتشوا قبلها) بضم القاف والموحدة أي فرجها، وعبّر
بضمير الغيبة لأنه من كلام عائشة وإلا فمقتضى السياق
أن تقول قُبلي كما عند المؤلّف في أيام الجاهلية أو هو
من كلام الوليدة
على طريقة الالتفات أو التجريد كأنها جردت من نفسها
شخصًا وأخبرت عنه (قالت: والله إني لقائمة معهم) زاد
ثابت في دلائله فدعوت الله أن يبرئني (إذ مرت الحدياة
فألقته. قالت: فوقع بينهم، قالت: فقلت هذا الذي
اتهمتموني به زعمتم) أني أخذته (وأنا منه بريئة) جملة
حالية (وهو ذا هو) حاضر، الضمير الأوّل ضمير الشأن وذا
مبتدأ والإشارة إلى ما ألقته الحدياة، والضمير الثاني
إلى الذي اتهمتموني به، لكن خبر الثاني محذوف أي حاضر
كما مرّ أو الأوِّل مبتدأ وذا خبره، والضمير الثاني
خبر بعد خبر أو الثاني تأكيد للأوّل أو تأكيد لذا أو
بيان له، أو ذا مبتدأ ثانٍ وخبره الضمير الثاني
والجملة خبر الأوّل (قالت) عائشة (فجاءت) أي المرأة
(إلى رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسلمت) (قالت عائشة) رضي الله
عنها (فكانت) أي المرأة وللكشميهني فكان (لها خباء)
بكسر الخاء المعجمة وفتح الموحدة وبالمد خيمة من صوف
أو وبر (في المسجد) النبوي (أو حفش) بحاء مهملة مكسورة
ثم فاء ساكنة ثم شين معجمة بيت صغير وفيه يبيت من لا
مسكن له في المسجد سواء كان رجلاً أو امرأة عند أمن
الفتنة وإباحة الاستظلال فيه بالخيمة ونحوها (قالت)
عائشة: (فكانت) أي المرأة (تأتيني فتحدث عندي) أصله
تتحدث بتاءين فحذفت إحداهما تخفيفًا. (قالت) عائشة
(فلا تجلس عندي مجلسًا إلاّ قالت: ويوم الوشاح من
تعاجيب ربنا) بالمثناة الفوقية قبل العين كذا لأبوي ذر
والوقت والأصيلي وابن عساكر جمع أعجوبة، قال الزركشي:
كابن سيده لا واحد له من
(1/436)
لفظه ومعناه عجائب. قال الدماميني: وكذا هو
في الصحاح لكن لا أدري لم لا يجعل جمعًا لتعجيب مع أنه
ثابت في اللغة يقال: عجبت فلانًا تعجيبًا إذا جعلته
يتعجب وجمع الصدر باعتبار أنواعه لا يمتنع، وفي رواية
غير المذكورين من أعاجيب ربنا بالهمز بدل التاء، (إلا)
بتخفيف اللام (أنه من بلدة الكفر أنجاني) همزة إنه
مكسورة والبيت من الطويل وأجزاؤه ثمانية وزنه فعولن
مفاعيلن أربع مرات، لكن دخل البيت المذكور القبض في
الجزء الثاني وهو حذف الخامس الساكن (قالت عائشة) رضي
الله عنها (فقلت لها) أي للمرأة (ما شأنك لا تقعدين
معي مقعدًا إلاّ قلت هذا) البيت (قالت فحدّثنني بهذا
الحديث) أي المتضمن للقصة المذكورة.
58 - باب نَوْمِ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ
وَقَالَ أَبُو قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ: قَدِمَ رَهْطٌ
مِنْ عُكْلٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَانُوا فِي الصُّفَّةِ وَقَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ: كَانَ
أَصْحَابُ الصُّفَّةِ الْفُقَرَاءَ.
(باب) جواز (نوم الرجال في المسجد) وفي بعض الأصول نوم
الرجل بالإفراد. (وقال أبو قلابة) بكسر القاف وتخفيف
اللام عبد الله بن زيد فيما وصله المؤلّف في المحاربين
في قصة العرنيين (عن أنس) وللأصيلي عن أنس بن مالك
(قدم رهط) هو ما دون العشرة من الرجال (من عكل) بضم
العين المهملة وسكون الكاف قبيلة من العرب (على النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكانوا في الصفة)
بضم الصاد وتشديد الفاء موضع مظلل في أُخريات المسجد
النبوي تأوي إليه المساكين (وقال عبد الرحمن بن أبي
بكر) وللأصيلي ابن أبي بكر الصديق مما وصله في حديث
طويل يأتي إن شاء الله تعالى بعونه في علامات النبوّة.
قال: (كان أصحاب الصفة الفقراء) بالنصب خبر كان أو
بالرفع على أنه اسمها، وأصحاب خبر مقدم لأنهما
معرفتان، وللأربعة فقراء بالتنكير وحينئذ يتعيّن
خبريته.
440 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ
قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ أَنَّهُ كَانَ
يَنَامُ وَهْوَ شَابٌّ أَعْزَبُ لاَ أَهْلَ لَهُ فِي
مَسْجِدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. [الحديث 440 - أطرافه في: 1121، 1156،
3738، 3740، 7015، 7028، 7030].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا
يحيى) القطان (عن عبيد الله) العمري (قال: حدّثني)
بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (قال):
(أخبرني) بالإفراد (عبد الله) بن عمر بن الخطاب (أنه
كان ينام وهو شاب) جملة اسمية حالية (أعزب) بهمزة ثم
مهملة فزاي وهي لغة قليلة بل أنكرها القزاز، ولأبي ذر
عزب بفتح العين والزاي من غير همزة وهي اللغة الفصيحة،
وضبطها البرماوي وابن حجر في الفتح بكسر الزاي وقال:
إنه المشهور، لكن حكى في المقدمة الفتح وكذا ضبطه
الدمياطي بخطه (لا أهل له) أي لا زوجة له وهو وإن كان
مفهومًا من أعزب لكنه ذكره تأكيدًا أو هو من العام بعد
الخاص فيشمل الأقارب والزوجة (في مسجد النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الجار والمجرور متعلق
بقوله ينام.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث
بالجمع والإفراد والإخبار بالإفراد والعنعنة، وأخرجه
مسلم والنسائي في الصلاة وابن ماجة.
441 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ
أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: جَاءَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بَيْتَ فَاطِمَةَ فَلَمْ يَجِدْ عَلِيًّا فِي
الْبَيْتِ فَقَالَ: أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟ قَالَتْ:
كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ شَىْءٌ فَغَاضَبَنِي
فَخَرَجَ فَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لإِنْسَانٍ: انْظُرْ
أَيْنَ هُوَ؟ فَجَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
هُوَ فِي الْمَسْجِدِ رَاقِدٌ. فَجَاءَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ
مُضْطَجِعٌ قَدْ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ شِقِّهِ
وَأَصَابَهُ تُرَابٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَمْسَحُهُ
عَنْهُ وَيَقُولُ: قُمْ أَبَا تُرَابٍ، قُمْ أَبَا
تُرَابٍ. [الحديث 441 - أطرافه في: 3703،د 6204،
6280].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين ابن جميل
الثقفي اسمه يحيى وقتيبة لقب غلب عليه وعرف به (قال:
حدّثنا عبد العزيز بن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي
الموصوف بأنه لما يكن في المدينة أفقه منه بعد مالك
(عن) أبيه (أبي حازم) سلمة بفتح اللام ابن دينار
الأعرج (عن سهل بن سعد) هو ابن مالك الأنصاري (قال):
(جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بيت) ابنته (فاطمة فلم يجد عليًّا) ابن عمّه ابن أبي
طالب (في البيت فقال) لها (أين ابن عمّك) ولم يقل أين
زوجك ولا ابن عمّ أبيك استعطافًا لها على تذكّر
القرابة القريبة بينهما لأنه فهم أنه جرى بينهما شيء
(قالت) ولابن عساكر وقالت، وللأصيلي فقالت أي فاطمة
رضي الله عنها (كان بيني وبينه شيء فغاضبني) من باب
المفاعلة الموضوع لمشاركة اثنين (فخرج فلم) بالفاء
وللأصيلي ولم (يقل عندي) بفتح أوّله وكسر القاف مضارع
قال من القيلولة وهي نوم نصف النهار، وللأصيلي وابن
عساكر يقل بضم أوّله (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإنسان انظر أين هو) وعند
الطبراني فأمر إنسانًا معه. قال الحافظ ابن حجر: يظهر
ليس أنه راوي الحديث لأنه لم يذكر أنه كان معه غيره،
وهذا لا ينافي ما وقع عنده في الأدب، فقال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لفاطمة: أين ابن
عمك؟ قالت: في المسجد لأنه يحتمل أن يكون المراد من
قوله انظر أين هو المكان المخصوص من المسجد (فجاء) ذلك
(1/437)
الإنسان (فقال: يا رسول الله هو في المسجد
راقد فجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) إلى المسجد ورآه (وهو مضطجع) جملة وقعت
حالاً وكذا قوله (وقد سقط رداؤه عن شقّه) بكسر الشين
أي جانبه (وأصابه تراب فجعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمسحه عنه، ويقول: قم) يا (أبا
تراب قم) يا (أبا تراب) بحذف حرف النداء المقدّر.
واستنبط منه الملاطفة بالأصهار ونوم غير الفقراء في
المسجد وغير ذلك من وجوه الانتفاعات المباحة وجواز
التكنية بغير الولد. ورواته الأربعة مدنيون إلاّ شيخ
المؤلّف فبلخي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف
في الاستئذان وفي فضل عليّ ومسلم في الفضائل.
442 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: رَأَيْتُ
سَبْعِينَ مِنْ أَصْحَابِ الصُّفَّةِ مَا مِنْهُمْ
رَجُلٌ عَلَيْهِ رِدَاءٌ، إِمَّا إِزَارٌ وَإِمَّا
كِسَاءٌ قَدْ رَبَطُوا فِي أَعْنَاقِهِمْ، فَمِنْهَا
مَا يَبْلُغُ نِصْفَ السَّاقَيْنِ، وَمِنْهَا مَا
يَبْلُغُ الْكَعْبَيْنِ، فَيَجْمَعُهُ بِيَدِهِ
كَرَاهِيَةَ أَنْ تُرَى عَوْرَتُهُ.
وبه قال: (حدّثنا يوسف بن عيسى) المروزي السابق في باب
مَن توضأ من الجنابة (قال: حدّثنا ابن فضيل) بضم الفاء
وفتح المعجمة مصغرًا هو محمد بن فُضيل بن غزوان الكوفي
(عن أبيه)
فضيل (عن أبي حازم) بالمهملة والزاي سلمان بسكون اللام
الأشجعي الكوفي التابعي هو غير الراوي في الحديث
السابق، والمميز بينهما أن الراوي عن سهل هو سلمة بن
دينار والراوي عن أبي هريرة سلمان الأشجعي (عن أبي
هريرة) رضي الله عنه (قال):
(رأيت) وللأربعة قال لقد رأيت (سبعين من أصحاب الصفة)
هم غير السبعين الذين استشهدوا ببئر معونة لأنهم
استشهدوا قبل إسلام أبي هريرة (ما منهم رجل عليه رداء)
بكسر الراء وهو ما يستر أعالي البدن فقط (إما إزار)
فقط (وإما كساء) على الهيئة المذكورة في قوله (قد
ربطوا) بحذف الضمير العائد على الكساء، والجمع باعتبار
أن المراد بالرجل الجنس أي ربطوا الأكسية (في أعناقهم
فمنها) أي الأكسية والجمع باعتبار أن الكساء جنس (ما
يبلغ نصف الساقين، ومنها ما يبلغ الكعبين فيجمعه)
الواحد منهم (بيده) زاد الأصيلي إن ذلك حال كونهم في
الصلاة (كراهية أن ترى عورته).
59 - باب الصَّلاَةِ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ
وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ: كَانَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَدِمَ
مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى فِيهِ.
(باب الصلاة) في المسجد (إذا قدم) الرجل (من سفر، وقال
كعب بن مالك) في حديثه الطويل في قصة تخلفه عن غزوة
تبوك مما هو موصول عند المؤلّف: (كان النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا قدم من سفر بدأ
بالمسجد فصلّى فيه).
443 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ:
حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَارِبُ بْنُ
دِثَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ -قَالَ مِسْعَرٌ:
أُرَاهُ قَالَ ضُحًى- فَقَالَ: صَلِّ رَكْعَتَيْنِ.
وَكَانَ لِي عَلَيْهِ دَيْنٌ فَقَضَانِي وَزَادَنِي.
[الحديث 443 - أطرافه في: 1801، 2097، 2309، 2385،
2394، 2406، 2470، 2603، 2604، 2718، 2861، 2967،
3087، 3089، 3090، 4052، 5079، 5080، 5243، 5244،
5245، 5246، 5247، 5367، 6387].
وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بتشديد اللام بوزن
فعال (قال: حدّثنا مسعر) بكسر الميم وفتح العين
المهملة (قال: حدّثنا محارب بن دثار) بميم مضمومة
بعدها حاء مهملة ثم راء مكسورة آخره موحدة في الأولى
وكسر الدال المهملة وبالمثلثة آخره راء السدوسي قاضي
الكوفة، (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (قال):
(أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو
في المسجد) جملة حالية (قال مسعر أراه) بضم الهمزة أي
أظنه (قال ضحى) هو كلام مدرج من الراوي والضمير
المنصوب لمحارب أي أظنه قال بزيادة هذه اللفظة
(فقال) لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (صل ّركعتين) أي للقدوم من السفر وليستا
تحية المسجد قال جابر (وكان لي عليه دين) أوقية
(فقضاني) أي عند قدومه من السفر (وزادني) وللحموي وكان
له عليه دين أي كان لجابر على النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وحينئذ ففي قوله بعد ذلك فقضاني
التفات.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف في نحو عشرين موضعًا
مطوّلاً ومختصرًا موصولاً ومعلمًا، وفيه أنه وجد النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على باب المسجد
قال: الآن قدمت؟ قلت: نعم، قال: فادخل فصلّ ركعتين.
ورواته كلهم كوفيون، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه
مسلم في الصلاة والبيوع وكذا أبو داود والنسائي.
60 - باب إِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَلْيَرْكَعْ
رَكْعَتَيْنِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا دخل المسجد) وللأصيلي إذا دخل
أحدكم المسجد (فليركع ركعتين) زاد في رواية ابن عساكر:
قبل أن يجلس.
444 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ
الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ السَّلَمِيِّ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ
فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يَجْلِسَ».
[الحديث 444 - طرفه في: 1163].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) الإمام (عن عامر بن عبد الله بن الزبير)
بن العوّام القرشي المدني (عن عمرو بن سليم) بفتح
العين وضم السين (الزرقي) بضم الزاي وفتح الراء
وبالقاف الأنصاري (عن أبي قتادة) الحرث بالمثلثة ابن
ربعي بكسر الراء وتسكين الموحدة (السلمي) بفتحتين
(1/438)
وفي آخره ميم كذا ضبطه الأصيلي والجياني
لأنه من الأنصار.
قال القاضي عياض: وأهل العربية يفتحون اللام لكراهة
توالي الكسرات وضبطه الأكثرون بكسر اللام نسبة إلى
سلمة بكسرها، المتوفّى بالمدينة سنة أربع وخمسين (أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
إذا دخل أحدكم المسجد) أي وهو متوضئ (فليركع) أي
فليصلِّ ندبًا (ركعتين) تحية المسجد (قبل أن يجلس)
تعظيمًا للبقعة فلو خالف وجلس هل يشرع له التدارك؟ صرح
جماعة بأنه لا يشرع له التدارك ولو جلس سهوًا وقصر
الفصل شرع له ذلك كما جزم به في التحقيق، ونقله في
الروضة عن ابن عبدان واستغربه وأيّده بأنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال وهو قاعد على المنبر
يوم الجمعة لسليك الغطفاني لما قعد قبل أن يصلّي: (قم
فاركع ركعتين) إذ مقتضاه كما في المجموع أنه إذا تركها
جهلاً أو سهوًا شرع له فعلها إن قصر الفصل قال وهو
المختار، قال في شرح المهذب: فإن صلّى أكثر من ركعتين
بتسليمة واحدة جاز وكانت كلها تحية لاشتمالها على
الركعتين، وتحصل بفرض أو نفل آخر سواء نويت معه أم لا،
لأن المقصود وجود صلاة قبل الجلوس، وقد وجدت بما ذكر
ولا تضرّه نيّة التحية لأنها سُنة غير مقصودة بخلاف
نيّة فرض، وسُنة مقصودة لا تصحّ، ولا تحصل بركعة ولا
بجنازة وسجدة تلاوة وشكر على
الصحيح، ولا تسنّ لداخل المسجد الحرام لاشتغاله
بالطواف واندراجها تحت ركعتيه ولا إذا اشتغل الإمام
بالفرض لحديث الصحيحين: إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة
إلاّ المكتوبة، ولا إذا شرع المؤذن في إقامة الصلاة أو
قرب إقامتها، ولا للخطيب يوم الجمعة عند صعوده المنبر
على الأصح في الروضة، ولو دخل وقت كراهة كره له أن
يصلّيها في قول أبي حنيفة وأصحابه ومالك، والصحيح من
مذهب الشافعى عدم الكراهة.
ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون إلا الأول، وفيه التحديث
والإخبار والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي
والنسائي.
61 - باب الْحَدَثِ فِي الْمَسْجِدِ
(باب) حكم (الحدث) الناقض للوضوء كالريح ونحوه الحاصل
(في المسجد).
445 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«الْمَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَى أَحَدِكُمْ مَا دَامَ
فِي مُصَلاَّهُ الَّذِي صَلَّى فِيهِ مَا لَمْ
يُحْدِثْ، تَقُولُ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ،
اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) هو ابن أنس الأمام (عن أبي الزناد) بكسر
الزاي وبالنون عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد
الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) رضي الله عنه.
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال: الملائكة) وللكشميهني أن الملائكة والجمع المحلى
بأل يفيد الاستغراق
(تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه) بضم الميم أي ما دام
في المكان (الذي صلّى فيه ما لم يحدث) بضم أوله وسكون
ثانيه أي ما لم يحصل منه ما ينقض الطهارة، فإن أحدث
حرم استغفارهم ولو استمر جالسًا معاقبة له لإيذائه لهم
برائحته الخبيثة، وهو يدلّ على أنه أشدّ من النخامة
لأن لها كفّارة وهي الدفن بخلافه وصلاة الملائكة (تقول
اللهمَّ اغفر له) ذنوبه (اللهمّ ارحمه) ومباحثه تأتي
إن شاء الله تعالى في باب من جلس ينتظر الصلاة، وفيه
التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في
الصلاة ومسلم وأبو داود والنسائي.
62 - باب بُنْيَانِ الْمَسْجِدِ
وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: كَانَ سَقْفُ الْمَسْجِدِ مِنْ
جَرِيدِ النَّخْلِ.
وَأَمَرَ عُمَرُ بِبِنَاءِ الْمَسْجِدِ وَقَالَ:
أَكِنَّ النَّاسَ مِنَ الْمَطَرِ، وَإِيَّاكَ أَنْ
تُحَمِّرَ أَوْ تُصَفِّرَ فَتَفْتِنَ النَّاسَ.
وَقَالَ أَنَسٌ يَتَبَاهَوْنَ بِهَا ثُمَّ لاَ
يَعْمُرُونَهَا إِلاَّ قَلِيلاً. وَقَالَ ابْنُ
عَبَّاسٍ: لَتُزَخْرِفُنَّهَا كَمَا زَخْرَفَتِ
الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
(باب بنيان المسجد) النبوي (وقال أبو سعيد) الخدري رضي
الله عنه مما وصله المؤلّف في الاعتكاف: (كان سقف
المسجد) النبوي (من جريد النخل) أي الذي يجرد عنه
الخوص فإن لم يجرد فسعف، (وأمر عمر) بن الخطاب رضي
الله عنه (ببناء المسجدِ) النبوي (وقال) للصانع: (أكنّ
الناس من المطر) بفتح الهمزة وكسر الكاف وفتح النون
المشددة على صيغة الأمر من الأكنان أي اصنع لهم كنَّا
بالكسر وهو ما يسترهم من الشمس وهي رواية الأصيلي وهي
الأظهر، وفي رواية: أكن كذلك لكن مع كسر النون، ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي أكن بضم الهمزة والنون المشددة
بلفظ المتكلم من الفعل المضارع المرفوع، وضبطه بعضهم
كن بحذف الهمزة وكسر الكاف وتشديد النون على صيغة
الأمر على أن أصله أكن فحذفت الهمزة تخفيفًا. قال
القاضي: وهو صحيح، وجوّز ابن مالك كن بضم الكاف وحذف
الهمزة على أنه من كن فهو مكنون
(1/439)
أي صانه. قال العيني كغيره وهذا له وجه
ولكن الرواية لا تساعده (وإياك) خطاب للصانع (أن تحمر
أو تصفر) أي إياك وتحمير المسجد وتصفيره (فتفتن الناس)
بفتح المثناة الفوقية وتسكين الفاء وفتح النون من فتن
يفتن كضرب يضرب، وضبطه الزركشي بضم المثناة الفوقية
على أنه من أفتن، وأنكره الأصمعي.
(وقال أنس) مما وصله أبو يعلى في مسنده وابن خزيمة في
صحيحه: (يتباهون) بفتح الهاء من المباهاة أي يتفاخرون
(بها) أي بالمساجد (ثم لا يعمرونها) بالصلاة والذكر
(إلا قليلاً) بالنصب ويجوز الرفع على البدل من ضمير
الفاعل.
(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله أبو داود
وابن حبّان (لتزخرفنّها) بفتح لام القسم وضم المثناة
الفوقية وفتح الزاي وسكون الخاء المعجمة وكسر الراء
وضم الفاء دلالة على واو الضمير المحذوفة عند اتصال
نون التوكيد من الزخرفة وهي الزينة بالذهب ونحوه، (كما
زخرفت اليهود والنصارى) كنائسهم وبيعهم لما حرّفوا
الكتب وبدّلوها وضيّعوا الدين وعرجوا على الزخارف
والتزيين.
واستنبط منه كراهية زخرفة المساجد لاشتغال قلب المصلّي
بذلك أو لصرف المال في غير وجهه. نعم إذا وقع ذلك على
سبيل التعظيم للمساجد ولم يقع الصرف عليه من بيت المال
فلا بأس به، ولو أوصى بتشييد مسجد وتحميره وتصفيره
نفذت وصيته لأنه قد حدث للناس فتاوى بقدر ما أحدثوا،
وقد أحدث الناس مؤمنهم وكافرهم تشييد بيوتهم وتزيينها،
ولو بنينا مساجدنا باللبن وجعلناها متطامنة بين الدور
الشاهقة وربما كانت لأهل الذمّة لكانت مستهانة قاله
ابن المنير. وتعقب بأن المنع إن كان للحثّ على اتّباع
السلف فى ترك الرفاهية فهو كما قال، وإن كان لخشية شغل
بال المصلي بالزخرفة فلا لبقاء العلّة.
446 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ
قَالَ: حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ
أَخْبَرَهُ أَنَّ الْمَسْجِدَ كَانَ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَبْنِيًّا بِاللَّبِنِ وَسَقْفُهُ الْجَرِيدُ
وَعُمُدُهُ خَشَبُ النَّخْلِ، فَلَمْ يَزِدْ فِيهِ
أَبُو بَكْرٍ شَيْئًا، وَزَادَ فِيهِ عُمَرُ وَبَنَاهُ
عَلَى بُنْيَانِهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِاللَّبِنِ وَالْجَرِيدِ
وَأَعَادَ عُمُدَهُ خَشَبًا. ثُمَّ غَيَّرَهُ
عُثْمَانُ فَزَادَ فِيهِ زِيَادَةً كَثِيرَةً، وَبَنَى
جِدَارَهُ بِالْحِجَارَةِ الْمَنْقُوشَةِ
وَالْقَصَّةِ، وَجَعَلَ عُمُدَهُ مِنْ حِجَارَةٍ
مَنْقُوشَةٍ، وَسَقَفَهُ بِالسَّاجِ.
وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) بن جعفر بن نجيح
المشهور بابن المديني البصري (قال: حدّثنا يعقوب بن
إبراهيم) وللأصيلي ابن إبراهيم بن سعد أي ابن إبراهيم
بن عبد الرحمن بن عوف المدني الأصل العراقي الدار
(قال: حدّثني) بالإفراد، وللأصيلي حدّثنا (أبي)
إبراهيم بن سعد (عن صالح بن كيسان) مؤدّب ولد عمر بن
عبد العزيز (قال: حدّثنا نافع) مولى ابن عمر (أن عبد
الله) زاد الأصيلي ابن عمر (أخبره).
(أن المسجد) النبوي (كان على عهد) أي زمان (رسول الله)
وأيامه وللأصلي على عهد النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مبنيًّا باللبن) بفتح اللام وكسر
الموحدة وهو الطوب النيء. (وسقفه الجريد وعمده) بضم
العين والميم وبفتحهما (خشب النخل) بفتح الخاء والشين
وبضمهما، (فلم يزد فيه أبو بكر) الصديق رضي الله عنه
أي لم يغير فيه (شيئًا) بالزيادة والنقصان، (وزاد فيه
عمر) بن الخطاب رضي الله عنه في الطول والعرض (و) لم
يغير في بنيانه بل (بناه على بنيانه في عهد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باللبن والجريد،
وأعاد عمده) بضمتين أو بفتحتين (خشبًا) لأنها بليت،
(ثم غيّره عثمان) بن عفان رضي الله عنه من جهة التوسيع
وتغيير الآلات (فزاد) فيه (زيادة كثيرة وبنى جداره
بالحجارة المنقوشة) بدل اللبن (والقصة) بفتح القاف
وتشديد الصاد المهملة الجص بلغة أهل الحجاز. يقال: قصص
داره إذا جصصها، وللحموي والمستملي بحجارة منقوشة
بالتنكير، (وجعل عمده) بضمتين أو بفتحتين (من حجارة
منقوشة وسقفه بالساج) بفتح القاف والفاء بلفظ الماضي
عطفًا على جعل. وفي فرع اليونينية
وسقفه بإسكان القاف وفتح الفاء عطفًا على عمده، وضبطه
البرماوي وسقفه بتشديد القاف والساج بالجيم ضرب من
الشجر يؤتى به من الهند الواحدة ساجة.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه رواية
الأقران صالح عن نافع لأنهما من طبقة واحدة وتابعي عن
تابعي، والتحديث والأخبار والعنعنة، وأخرجه أبو داود
في الصلاة.
63 - باب التَّعَاوُنِ فِي بِنَاءِ الْمَسْجِدِ
(مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ
اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ
أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ
خَالِدُونَ إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ
آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ
الصَّلاَةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ
اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ
الْمُهْتَدِينَ) [التوبة: 17، 18].
(باب التعاون في بناء المسجد) بالإفراد، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي بالجمع (ما كان) كذا في رواية أْبي
ذر وللكشميهني، وقول الله عز وجل: (ما كان) ولابن
عساكر قوله تعالى: ما كان (للمشركين) أي ما صحّ لهم
(1/440)
(أن يعمروا مساجد الله) أي شيئًا من
المساجد فضلاً عن المسجد الحرام، وقيل هو المراد وإنما
جمع لأنه قبلة المساجد وأمها وإمامها فعامره كعامر
الجميع، ويدل عليه قراءة ابن كثير وأبما عمرو ويعقوب
بالتوحيد (شاهدين على أنفسهم بالكفر) بإظهار الشرك،
وتكذيب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي
ما استقام لهم أن يجمعوا بين أمرين متنافيين عمارة بيت
الله وعبادة غيره، روي أنه لما أسر العباس يوم بدر
عيَّره المسلمون بالشرك وقطيعة الرحم وأغلظ له عليّ
رضي الله عنه في القول فقال: تذكرون مساوئنا وتكتمون
محاسننا إنّا لنعمر المسجد الحرام ونحجب الكعبة ونسقي
الحجيج ونفك العاني فنزلت: {أولئك حبطت أعمالهم} التي
يفتخرون بها لأن الكفر يذهب ثوابها {وفي النار هم
خالدون} لأجله {إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله
واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة} أي إنما
تستقيم عمارتها لهؤلاء الجامعين للكمالات العلمية
والعملية، ومن عمارتها تزيينها بالفرش وتنويرها بالسرج
وإدامة العبادة والذكر ودرس العلم فيها وصيانتها مما
لم تبن له كحديث الدنيا. وفي حديث أنس بن مالك رضي
الله عنه في مسند عبد بن حميد مرفوعًا إن عمار المساجد
أهل الله.
وروي إن الله تعالى يقول: إن بيوتي في أرض المساجد وإن
زوّاري فيها عمارها فطوبى لعبد تطهر في بيته ثم زارني
في بيتي فحق على المزور أن يكرم زائره. {ولم يخش إلاّ
الله} في أبواب الدين {فعسى أولئك أن يكونوا من
المهتدين} [التوبة: 17، 18] قيل: الإتيان بلفظ عسى
إشارة إلى ردع الكفار وتوبيخهم بالقطع في زعمهم أنهم
مهتدون، فإن هؤلاء مع هذه الكمالات اهتداؤهم دائر بين
عسى ولعل، فما ظنك بمن هو أضل من البهائم وإشارة أيضًا
إلى منع المؤمنين من الاغترار والاتكال على الأعمال
انتهى.
وقد ذكر هاتين الآيتين هنا في الفرع لكنه رقم على قوله
(شاهدين) علامة السقوط إلى آخرها، ولفظ رواية أبي ذر
{أن يعمروا مساجد الله} الآية. ولفظ الأصيلي (مساجد
الله) إلى قوله (من المهتدين).
447 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ
الْحَذَّاءُ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ
وَلاِبْنِهِ عَلِيٍّ: انْطَلِقَا إِلَى أَبِي سَعِيدٍ
فَاسْمَعَا مِنْ حَدِيثِهِ. فَانْطَلَقْنَا، فَإِذَا
هُوَ فِي حَائِطٍ يُصْلِحُهُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ
فَاحْتَبَى، ثُمَّ أَنْشَأَ يُحَدِّثُنَا، حَتَّى
أَتَى ذِكْرُ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: "كُنَّا
نَحْمِلُ لَبِنَةً لَبِنَةً وَعَمَّارٌ لَبِنَتَيْنِ
لَبِنَتَيْنِ. فَرَآهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْهُ
وَيَقُولُ: وَيْحَ عَمَّارٍ تَقْتُلُهُ الْفِئَةُ
الْبَاغِيَةُ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ
وَيَدْعُونَهُ إِلَى النَّارِ. قَالَ يَقُولُ
عَمَّارٌ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْفِتَنِ". [الحديث
447 - طرفه في: 2812].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد الأسدي البصري
(قال: حدّثنا عبد العزيز بن مختار) الدباغ الأنصاري
البصري (قال: حدّثنا خالد الحذاء) بفتح الحاء المهملة
وتشديد الذال المعجمة (عن عكرمة) مولى ابن عباس.
(قال لي ابن عباس) عبد الله رضي الله عنهما (ولابنه)
أي لابن عبد الله بن عباس (علي) أبي الحسن العابد
الزاهد المتوفى بعد العشرين والمائة، وكان مولده يوم
قتل عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فسمي باسمه، وكان
فيما قيل أجمل قرشيّ في الدنيا (انطلقا إلى أبي سعيد)
الخدري رضي الله عنه (فاسمعا) ولأبي ذر واسمعا (من
حديثه فانطلقنا فإذا هو) أي أبو سعيد (في حائط) أي
بستان (يصلحه فأخذ رداءه فاحتبى) بالحاء المهملة
والموحدة أي جمع ظهره وساقيه بنحو عمامته أو بيديه (ثم
أنشأ) أي شرع (يحدّثنا حتى أتى ذكر) وللأربعة وكريمة
حتى إذا أتى على ذكر وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني
حتى أتى على ذكر (بناء المسجد) النبوي (فقال) أبو
سعيد: (كنّا نحمل لبنة لبنة) بفتح اللام وكسر الموحدة
الطوب النيء، (وعمار) هو ابن ياسر يحمل (لبنتين
لبنتين) ذكرهما مرتين كلبنة، وزاد معمر في جامعه لبنة)
عنه ولبنة عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فرآه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) الضمير المنصوب لعمار رضي الله عنه
(فينفض) بصيغة المضارع في موضع الماضي لاستحضار ذلك في
نفس السامع كأنه يشاهده، ولأبي الوقت وابن عساكر فنفض
بصيغة الماضي وللأصيلي وعزاها في الفتح للكشميهني فجعل
ينفض (التراب عنه ويقول) في تلك الحالة (ويح عمار)
بفتح الحاء والإضافة كلمة رحمة لمن وقع في هلكة لا
يستحقها كما أن ويل كلمة عذاب لمن يستحقها (يدعوهم) أي
يدعو عمار الفئة الباغية وهم أصحاب معاوية رضي الله
عنه الذين قتلوه في وقعة صفين (إلى) سبب (الجنة) وهو
طاعة عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه الإمام الواجب
الطاعة إذ ذاك، (ويدعونه إلى) سبب (النار) لكنهم
معذورون للتأويل الذي ظهر لهم
(1/441)
لأنهم كانوا مجتهدين ظانّين أنهم يدعونه
إلى الجنة، وإن كان في نفس الأمر بخلاف ذلك فلا لوم
عليهم في اتباع ظنونهم، فإن المجتهد إذا أصاب فله
أجران وإذا أخطأ فله أجر، وأعيد الضمير عليهم وهم غير
مذكورين صريحًا، لكن وقع في رواية ابن السكن وكريمة
وغيرهما، وثبت في نسخة الصغاني المقابلة على نسخة
الفربري التي بخطه: ويح عمار تقتله الفئة الباغية
يدعوهم، والفئة: هم أهل الشام وهذه الزيادة حذفها
المؤلّف لنكتة وهي أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه لم
يسمعها من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كما بين ذلك في رواية البزار من طريق داود بن أبي هند
عن أبي نضرة عن أبي سعيد رضي الله عنه، ولفظه قال أبو
سعيد: فحدّثني أصحابي ولم أسمعه من النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال: "يا ابن سمية
تقتلك الفئة الباغية" وإسناده على شرط مسلم لا
المؤلّف، ومن ثم اقتصر على القدر الذي سمعه أبو سعيد
من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دون
غيره.
(قال يقول عمار: أعوذ بالله من الفتن). واستنبط منه
استحباب الاستعاذة من الفتن، ولو علم المرء أنه يتمسك
فيها بالحق لأنها قد تفضي إلى ما لا يرى وقوعه، وفيه
رد على ما اشتهر على الألسنة
مما لا أصل له لا تستعيذوا من الفتن أو لا تكرهوا
الفتن فإن فيها حصاد المنافقين. ورواة هذا الحديث كلهم
بصريون، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا
في الجهاد والفتن.
64 - باب الاِسْتِعَانَةِ بِالنَّجَّارِ وَالصُّنَّاعِ
فِي أَعْوَادِ الْمِنْبَرِ وَالْمَسْجِدِ
(باب الاستعانة بالنجار والصناع) بضم الصاد وتشديد
النون من عطف العام على الخاص (في أعواد المنبر
والمسجد) جوّز الحافظ ابن حجر في الترجمة لفًّا ونشرًا
مرتبًا، فقوله في أعواد المنبر يتعلق بالصناع أي في
بنائه، وتعقبه العيني بأن النجار داخل في الصناع وشرط
اللف والنشر أن يكون من متعدد.
448 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلٍ قَالَ:
"بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلَى امْرَأَةٍ أَنْ مُرِي غُلاَمَكِ
النَّجَّارَ يَعْمَلْ لِي أَعْوَادًا أَجْلِسُ
عَلَيْهِنَّ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) وللأصيلي قتيبة بن سعيد (قال:
حدّثنا عبد العزيز) بن أبي حازم (عن أبي حازم) ولأبوي
ذر والوقت حدّثني بالإفراد أبو حازم (عن سهل) هو ابن
سعد الساعدي رضي الله عنه (قال):
(بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إلى امرأة) من الأنصار واسمها عائشة (أن مري غلامك
النجار) بأقوم أو
ميمون أو مينًا بكسر الميم أو قبيصة أو غير ذلك، وأن
مفسرة بمنزلة أي كهي في قوله تعالى: {أن اصنع الفلك}
[المؤمنون: 27] وضبب في اليونينية على لفظ أن (يعمل لي
أعوادًا) أي منبرًا مركبًا منها (أجلس عليهنّ) أي
الأعواد، وأجلس بالرفع لأن الجملة صفة لأعواد ويعمل
بالجزم جواب الأمر، ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين
بلخي ومدني، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وكذا مسلم
وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
449 - حَدَّثَنَا خَلاَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِرٍ:
"أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ
أَجْعَلُ لَكَ شَيْئًا تَقْعُدُ عَلَيْهِ؟ فَإِنَّ لِي
غُلاَمًا نَجَّارًا. قَالَ: إِنْ شِئْتِ. فَعَمِلَتِ
الْمِنْبَرَ". [الحديث 449 - أطرافه في: 918، 2095،
3584، 3585].
وبه قال: (حدّثنا خلاد) هو ابن يحيى بن صفوان السلمي
الكوفي نزيل مكة (قال: حدّثنا عبد الواحد بن أيمن)
بفتح الهمزة وسكون المثناة التحتية وفتح الميم آخره
نون الحبشي مولى بني مخزوم (عن أبي) أيمن (عن جابر)
وللأصيلي زيادة ابن عبد الله.
(أن امرأة) هي المذكورة في حديث سهل (قالت يا رسول
الله ألا) بتخفيف لام لا النافية بعد همزة الاستفهام
(اجعل لك شيئًا تقعد عليه) إذا خطبت الناس (فإن ليس
غلامًا نجارًا) وللكشميهني فإني لي غلام نجار (قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لها: (إن شئت)
عملت (فعملت) المرأة (المنبر) وهذا إسناد مجازي
كإضافتها الجعل، لأن الجاعل هو الغلام.
وأجيب عما في هذين الحديثين من التعارض لأن في حديث
سهل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سأل
المرأة، وفي حديث جابر أنها السائلة باحتمال أنها بدأت
بالسؤال، فلما أبطأ الغلام استنجزها إتمامه لا علم من
طيب قلبها بما بذلت من صنعة غلامها أو أرسل إليها
ليعرفها ما يصنعه الغلام بصفة للمنبر مخصوصة، أو أنه
لما فوّض إليها الأمر بقوله لها: إن شئت كان ذلك سبب
البطء لا أن الغلام كان شرع وأبطأ ولا أنه جهل الصفة.
ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين كوفي ومكّي، وفيه
التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في البيوع وعلامات
النبوّة.
65 - باب مَنْ بَنَى مَسْجِدًا
450 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي
ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّ بُكَيْرًا
حَدَّثَهُ أَنَّ عَاصِمَ بْنَ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ
حَدَّثَهُ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ
الْخَوْلاَنِيَّ أَنَّهُ سَمِعَ عُثْمَانَ بْنَ
عَفَّانَ يَقُولُ -عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ
بَنَى مَسْجِدَ الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: إِنَّكُمْ أَكْثَرْتُمْ، وَإِنِّي
سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنْ بَنَى مَسْجِدًا -قَالَ
بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ- يَبْتَغِي بِهِ
وَجْهَ اللَّهِ، بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِي
الْجَنَّةِ».
(باب) بيان فضل (من بنى مسجدًا) وبه قال: (حدّثنا يحيى
بن سليمان) بضم السين وفتح اللام الجعفي (قال: حدّثني)
بالإفراد ولابن عساكر حدّثنا (ابن وهب) عبد الله
(1/442)
قال (أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين
ابن الحرث الملقب بدرة الغراص (أن بكيرًا) بضم الموحدة
بالتصغير وهو ابن عبيد الله بن الأشج مدني سكن البصرة
(حدّثه) وللأصيلي أخبره (أن عاصم بن عمر) بضم العين
وفتح الميم (بن قتادة) الأنصاري، المتوفى بالمدينة سنة
عشرين ومائة (حدّثه أنه سمع عبيد الله) بتصغير العبد
ابن الأسود (الخولاني) بفتح الخاء المعجمة ربيب أم
المؤمنين ميمونة رضي الله عنها (أنه سمع عثمان بن عفان
رضي الله عنه) حال كونه (يقول عند قول الناس فيه) أي
إنكارهم عليه (حين بنى) أي أراد أن يبني (مسجد الرسول
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالحجارة
المنقوشة والقصة، ويجعل عمده من الحجارة ويسقفه
بالساج، وكان ذلك سنة ثلاثين على المشهور ولم يبن
المسجد إنشاء وإنما وسعه وشيّده.
(إنكم أكثرتم) أي الكلام في الإنكار على ما فعلته
(وإني سمعت النبي) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي رسول
الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه
(يقول: من بنى) حقيقةً أو مجازًا (مسجدًا) كبيرًا كان
أو صغيرًا، ولابن خزيمة كمفحص قطاة أو أصغر ومفحصها
بفتح الميم والحاء المهملة كمقعد هو مجثمها لتضع فيه
بيضها وترقد عليه كأنها تفحص عنه التراب أي تكشفه،
والفحص البحث والكشف.
ولا ريب أنه لا يكفي مقداره للصلاة فيه فهو محمول على
المبالغة لأن الشارع يضرب المثل في الشيء لما لا يكاد
يقع كقوله: اسمعوا وأطيعوا ولو عبدًا حبشيًا، وقد ثبت
أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "الأئمة
من قريش " أو هو على ظاهره بأن يزيد في المسجد قدرًا
يحتاج إليه تكون تلك الزيادة هذا القدر أو يشترك جماعة
فى بناء مسجد فتقع حصة كل واحد منهم ذلك القدر، أو
المراد بالمسجد موضع السجود وهو ما
يسع الجبهة فأطلق عليه البناء مجازًا، لكن الحمل على
الحقيقة أولى، وخصّ القطاة بهذا لأنها لا تبيض على
شجرة ولا على رأس جبل، بل إنما تجعل مجثمها على بسيط
الأرض دون سائر الطير، فلذلك شبّه به المسجد ولأنها
توصف بالصدق، فكأنه أشار بذلك إلى الإخلاص في بنائه
كما قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي خالص العبودية
الاندماج في طيّ الأحكام من غير شُهرة ولا إرادة، وهذا
شأن هذا الطائر. وقيل: لأن أفحوصها يشبه محراب المسجد
في استدارته وتكوينه.
(قال بكير) المذكور (حسبت أنه) أي شيخه عاصمًا (قال)
بالإسناد السابق: (يبتغي به) أي ببناء المسجد (وجه
الله) عز وجل أي ذاته تعالى طلبًا لمرضاته تعالى لا
رياء ولا سمعة، ومن كتب اسمه على المسجد الذي يبنيه
كان بعيدًا من الإخلاص قاله ابن الجوزي، وجملة يبتغي
في موضع الحال من ضمير بنى إن كان من لفظ النبي، وإنما
لم يجزم بكير بهذه الزيادة لأنه نسيها فذكرها بالمعنى
مترددًا في اللفظ الذي ظنه، والجملة اعتراض بين الشرط
وهو قوله من بنى، وجوابه وهو قوله: (بنى الله) عز وجل
(له) مجازًا بناء (مثله) في مسمى البيت حال كونه (في
الجنة) لكنه في السعة أفضل مما لا عين رأت ولا أُذن
سمعت ولا خطر على قلب بشر.
وروى الإمام أحمد بإسناد لين من حديث عبد الله بن عمرو
بن العاص مرفوعًا "من بنى لله مسجدًا بنى الله له
بيتًا أوسع منه". أو المراد بالجزاء أبنية متعددة أي
بنى الله له عشرة أبنية مثله إذ الحسنة بعشر أمثالها،
والأصل أن جزاء الحسنة الواحدة واحد بحكم العدل
والزيادة عليه بحكم الفضل.
ورواة هذا الحديث السبعة ثلاثة مصريون بالميم وثلاثة
مدنيون والرابع بينهما مدني سكن مصر وهو بكير، وفيه
التحديث بالجمع والإفراد والإخبار به والسماع وثلاثة
من التابعين، وأخرجه مسلم والترمذي.
66 - باب يَأْخُذُ بِنُصُولِ النَّبْلِ إِذَا مَرَّ
فِي الْمَسْجِدِ
هذا (باب) بالتنوين وهو ساقط عند الأصيلي (يأخذ) الشخص
(بنصول النبل إذا مرّ في المسجد) والنبل بفتح النون
وسكون الموحدة السهام العربية لا واحد لها من لفظها
ولابن عساكر يأخذ بنصال النبل، ولأبي ذر يأخذ نصول
النبل.
451 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قُلْتُ لِعَمْرٍو:
أَسَمِعْتَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ:
مَرَّ رَجُلٌ فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ سِهَامٌ
فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: " أَمْسِكْ بِنِصَالِهَا "؟.
[الحديث 451 - طرفاه في: 7073، 7074].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بضم القاف، وللأربعة ابن سعيد
أي جميل بفتح الجيم ابن طريف الثقفي البغلاني بفتح
(1/443)
الموحدة وسكون المعجمة (قال: حدّثنا سفيان)
بن عيينة الكوفي ثم المكي تغير
حفظه بآخرة وربما دلس لكن عن الثقات (قال) (قلت لعمرو)
بفتح العين ابن دينار (أسمعت جابر بن عبد الله) بن
عمرو بن حرام بحاء مهملة وراء الأنصاري ثم السلمي
بفتحتين حال كونه (يقول مرّ رجل) لم أقف على اسمه (في
المسجد) النبوي (ومعه سهام) قد أبدى نصولها، ولمسلم من
طريق أبي الزبير عن جابر أن المارّ المذكور كان يتصدق
بالنبل في المسجد (فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أمسك بنصالها) كي لا تخدش
مسلمًا، وهذا من كريم خلقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، ولم يذكر قتيبة في هذا السياق جواب عمرو
بن دينار عن استفهام سفيان. نعم ذكر في رواية الأصيلي
أنه قال في آخره فقال نعم، وكذا ذكرها المؤلّف في غير
رواية قتيبة في الفتن والمذهب الراجح الذي عليه
الأكثرون، وهو مذهب المؤلّف أن قول الشيخ نعم لا يشترط
بل يكتفي بالسكوت إذا كان متيقظًا.
ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين كوفي ومدني، وأخرجه
المؤلّف أيضًا في الفتن، ومسلم في الأدب، والنسائي في
الصلاة، وأبو داود في الجهاد، وابن ماجة في الأدب.
67 - باب الْمُرُورِ فِي الْمَسْجِدِ
(باب) جواز (المرور في المسجد) بالنبل إذا أمسك
بنصالها.
452 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
بُرْدَةَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ مَرَّ فِي
شَىْءٍ مِنْ مَسَاجِدِنَا أَوْ أَسْوَاقِنَا بِنَبْلٍ
فَلْيَأْخُذْ عَلَى نِصَالِهَا لاَ يَعْقِرْ بِكَفِّهِ
مُسْلِمًا». [الحديث 452 - طرفه في: 7075].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري بكسر الميم
وسكون النون وفتح القاف التبوذكي بفتح المثناة الفوقية
وضم الموحدة وسكون الواو وفتح المعجمة (قال: حدّثنا
عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم البصري (قال:
حدّثنا أبو بردة) بضم الموحدة وسكون الراء يريد بموحدة
وراء مصغرًا (بن عبد الله) بن أبي موسى الأشعري الكوفي
(قال: سمعت) جدّي (أبا بردة) عامرًا (عن أبيه) أبي
موسى الأشعري عبد الله بن قيس رضي الله عنه (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) (من مرّ في
شيء من مساجدنا أو أسواقنا بنبل) معه وأو للتنويع لا
للشك من الراوي ومن موصول في موضع رفع على الابتداء
خبره (فليأخذ على نصالها) زاد الأصيلي بكفّه ضمن كلمة
الأخذ هنا معنى الاستعلاء للمبالغة فعدّيت بعلى، وإلاّ
فالوجه تعديته بالباء والجار والمجرور متعلق بيأخذ أي
فليأخذ على نصالها بكفّه (لا يعقر) جزم بلا الناهية
ويجوز الرفع أي بلا يجرح (بكفّه مسلمًا) وللأصيلي
بكفّه لا يعقر مسلمًا بسبب ترك أخذ النصال، ولمسلم من
رواية أبي أسامة: فليمسك على نصالها بكفّه أن يصيب
أحدًا من المسلمين.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي، وفيه
التحديث والسماع والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في الفتن
ومسلم في الأدب وأبو داود في الجهاد وابن ماجة في
الأدب.
68 - باب الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ
(باب) حكم إنشاد (الشعر في المسجد).
453 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ الْحَكَمُ بْنُ
نَافِعٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّهُ سَمِعَ
حَسَّانَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ يَسْتَشْهِدُ
أَبَا هُرَيْرَةَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ سَمِعْتَ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: «يَا حَسَّانُ أَجِبْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، اللَّهُمَّ
أَيِّدْهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ» قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
نَعَمْ. [الحديث 453 - طرفاه في: 3212، 6152].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان الحكم بن نافع) البهراني
بفتح الموحدة الحمصي وسقط أبو اليمان للأصيلي (قال:
أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة بالحاء المهملة والزاي
الأموي واسم أبي حمزة دينار الحمصي (عن الزهري) محمد
بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة)
عبد الله أو إسماعيل (بن عبد الرحمن بن عوف) الزهري
المدني، وعند المؤلّف في بدء الخلق من طريق سفيان بن
عيينة عن الزهري فقال عن سعيد بن السيب بدل أبي سلمة
وهو غير قادح، لأن الراجح أنه عنده عنهما معًا فكان
يحدث به تارة عن هذا وتارة عن هذا.
(أنه سمع حسان بن ثابت) أي ابن المنذر بن حرام بفتح
المهملة والراء (الأنصاري) الخزرجي شاعر رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال كونه (يستشهد
أبا هريرة) أي يطلب منه الشهادة أي الإخبار فأطلق عليه
الشهادة مبالغة في تقوية الخبر (أنشدك الله) بفتح
الهمزة وضم الشين والجلالة الشريفة نصب أي سألتك بالله
(هل سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول يا حسان أجب) دافعًا وليس من إجابة السؤال أو
المعنى أجب الكفّار (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إذ هجوه. وأصحابه، وفي رواية
سعيد بن المسيب أجب عني فعبر عنه بما هنا تعظيمًا أو
أنه عليه الصلاة والسلام قال ذلك كذلك تربية للمهابة
وتقوية لداعي المأمور كما في قوله الخليفة رسم
(1/444)
بكذا بدل أنا رسمت (اللهمّ أيّده) أي قوّه
(بروح القدس) جبريل صلوات الله وسلامه عليه. (قال أبو
هريرة) رضي الله عنه: (نعم) سمعته يقول ذلك:
فإن قلت: ليس في حديث الباب أن حسانًا أنشد شعرًا في
المسجد بحضرته عليه الصلاة والسلام، وحينئذٍ فلا تطابق
بينه وبين الترجمة. أجيب: بأن غرض المؤلّف تشحيذ
الأذهان بالإشارات، ووجه ذلك هنا أن هذه المقالة منه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دالّة على أن
للشعر حقًّا يتأهل صاحبه لأن يؤيد في النطق به بجبريل
صلوات الله عليه وسلامه، وما هذا شأنه يجوز قوله في
المسجد قطعًا، والذي يحرم إنشاده فيه ما كان من الباطل
المنافي لما اتخذت له المساجد من الحق أو أن روايته في
بدء الخلق تدلّ على أن قوله عليه الصلاة والسلام لحسان
أجب عني كان في المسجد، وأنه أنشد فيه ما أجاب به
المشركين، ولفظة: مرّ عمر رضي الله عنه في المسجد
وحسان ينشد فزجره فقال: كنت أنشد فيه وفيه من هو خير
منك ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله الحديث.
ورواة حديث الباب الستة ما بين حمصي ومدني، وفيه
التحديث بالجمع والإخبار به والإفراد والعنعنة
والسماع، وأخرجه المؤلّف أيضًا في بدء الخلق، وأبو
داود في الأدب، والنسائي في الصلاة وفى اليوم والليلة.
69 - باب أَصْحَابِ الْحِرَابِ فِي الْمَسْجِدِ
(باب) جواز دخول (أصحاب الحراب في المسجد) ونصال
حرابهم مشهورة والحراب بالكسر جمع حربة بفتحها.
454 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ
عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ:
"لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا عَلَى بَابِ حُجْرَتِي
وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَرَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَسْتُرُنِي بِرِدَائِهِ أَنْظُرُ إِلَى لَعِبِهِمْ.
[الحديث 454 - أطرافه في: 455، 950، 988، 2906، 3529،
5190، 5236].
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى
القرشي العامري المدني (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد)
بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن
صالح) وللأصيلي زيادة ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن
مسلم الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير)
بن العوّام بن خويلد الأسدي المدني:
(أن) أُم المؤمنين (عائشة رضي الله عنها قالت: لقد
رأيت) أي والله لقد أبصرت (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا على باب حجرتي والحبشة
يلعبون في المسجد) للتدريب على مواقع الحروب
والاستعداد للعدو ومن ثم جاز فعله في المسجد لأنه من
منافع الدين، (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يسترني بردائه أنظر إلى لعبهم) وآلاتهم لا
إلى ذواتهم، إذ نظر الأجنبية إلى الأجنبي غير جائز،
وهذا يدلّ على أنه كان بعد نزول الحجاب، ولعله عليه
الصلاة والسلام تركها تنظر إلى لعبهم لتضبطه وتنقله
لتعلمه بعد واللعب بفتح اللام وكسر العين أو بالكسر ثم
السكون والجمل كلها أحوال.
455 - زَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ:
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
"رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَالْحَبَشَةُ يَلْعَبُونَ بِحِرَابِهِمْ".
(زاد) ولأبي الوقت وزاد (إبراهيم بن المنذر) بن عبد
الله الأسدي الحازمي. فقال: (حدّثنا) ولابن عساكر وأبي
الوقت حدّثني بالإفراد وفي رواية حدّثه (ابن وهب) عبد
الله بن مسلم القرشي مولاهم المصري قال: (أخبرني)
بالإفراد (يونس) هو ابن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب)
الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها
(قالت) (رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- والحبشة يلعبون بحرابهم) هذه اللفظة
الأخيرة هي التي زادها ابن المنذر في رواية يونس، وبها
تحصل المطابقة بين الترجمة والحديث،
ورواته التسعة ما بين مدني ومصري بالميم وأيلي، وفيه
التحديث والإخبار بصيغة الإفراد والعنعنة وثلاثة من
التابعين، وأخرجه المؤلّف في العيدين ومناقب قريش
ومسلم في العيدين.
70 - باب ذِكْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ عَلَى
الْمِنْبَرِ فِي الْمَسْجِدِ
(باب ذكر البيع والشراء) أي في الأخبار عن وقوعهما
(على المنبر في المسجد) لا عن وقوعهما
على المنبر، ولأبي ذر على المنبر والمسجد أي وعلى
المسجد فضمن على معنى في عكس {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ
فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [طه: 71].
456 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: "أَتَتْهَا بَرِيرَةُ تَسْأَلُهَا
فِي كِتَابَتِهَا، فَقَالَتْ: إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتُ
أَهْلَكِ وَيَكُونُ الْوَلاَءُ لِي. وَقَالَ
أَهْلُهَا: إِنْ شِئْتِ أَعْطَيْتِهَا مَا بَقِي"َ.
وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: "إِنْ شِئْتِ
أَعْتَقْتِهَا وَيَكُونُ الْوَلاَءُ لَنَا. فَلَمَّا
جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ذَكَّرَتْهُ ذَلِكَ فَقَالَ: ابْتَاعِيهَا
فَأَعْتِقِيهَا فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْتَقَ.
ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ" وَقَالَ سُفْيَانُ
مَرَّةً "فَصَعِدَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: مَا
بَالُ أَقْوَامٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي
كِتَابِ اللَّهِ؟ مَنِ اشْتَرَطَ شَرْطًا لَيْسَ فِي
كِتَابِ اللَّهِ فَلَيْسَ لَهُ، وَإِنِ اشْتَرَطَ
مِائَةَ مَرَّةٍ". قَالَ عَلِيٌّ: قَالَ يَحْيَى
وَعَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ ...
وَقَالَ جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ عَنْ يَحْيَى قَالَ:
سَمِعْتُ عَمْرَةَ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ ...
رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَمْرَةَ أَنَّ
بَرِيرَةَ ... وَلَمْ يَذْكُرْ صَعِدَ الْمِنْبَرَ.
[الحديث 456 - أطرافه في: 1493، 2155، 2168، 2536،
2560، 2561، 2563، 2564، 2565، 2578، 2717، 2726،
2729، 2735، 5097، 5279، 5284، 5430، 6717، 6751،
6754، 6758، 6760].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن جعفر السعدي
مولاهم المدني البصري (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة
(عن يحيى) بن سعيد الأنصاري، وفي مسند الحميدي عن
سفيان: حدّثنا يحيى (عن عمرة) بفتح العين وسكون الميم
بنت عبد الرحمن بن سعد بن زرارة الأنصارية (عن عائشة)
رضي الله عنها (قالت) أي عائشة: (أتتها بريرة) بعدم
الصرف لأنه منقول من بريرة واحدة البرير وهو ثمر
الأراك وهي بنت صفوان فيما نقل عن النووي في التهذيب.
قال الجلال البلقيني: لم يقله غيره وفيه نظر وفيه
التفات إذ الأصل أن تقول: أتتني أو القائلة ذلك عمرة
وحينئذٍ فلا التفات (تسألها) أي
(1/445)
حال كونها تستعين بها (في كتابتها) عبر بفي
دون عن لأن السؤال للاستعطاء لا للاستخبار (فقالت)
عائشة لها: (إن شئت أعطيت أهلك) أي مواليك بقية ما
عليك فحذف مفعول أعطيت الثاني لدلالة الكلام عليه،
(ويكون الولاء) بفتح الواو عليك (لي) دونهم (وقال
أهلها) مواليها لعائشة رضي الله عنها: (إن شئت
أعطيتها) أي بريرة (ما بقي) عليها من النجوم وموضع هذه
الجملة النصب مفعول ثان لأعطيتها ومفعوله الأوّل
الضمير المنصوب في أعطيتها. (وقال سفيان) بن عيينة
(مرة) ومفهومه تحديثه به على وجهين وهو موصول بالسند
السابق (إن شئت أعتقتها) هي بدل أعطيتها (ويكون
الولاء) عليها (لنا) وكان المتأخر على بريرة من
الكتابة خمس أواق نجمت عليها في خمس سنين كما سيأتي إن
شاء الله تعالى في الكتابة (فلما جاء رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكرته ذلك)
بتشديد كاف ذكرته وسكون تائها. بلفظ المتكلم كما في
الفرع وأصله، أو بضمها مع سكون الراء فعلى الأوّل يكون
من كلام الراوي بمعنى ما وقع منها، وعلى الثاني يكون
من كلام عائشة رضي الله عنها.
وقال الزركشي: صوابه ذكرت ذلك له انتهى. وهو الذي وقع
في رواية مالك وغيره، وعلّل بأن التذكير يستدعي سبق
علم بذلك. قال الحافظ ابن حجر: ولا يتجه تخطئة الرواية
لاحتمال السبق أوّلاً على وجه الإجمال انتهى.
وتعقّبه العيني بأنه لم يبيّن أحد هاهنا راوي التشديد
ولا راوي التخفيف، واللفظ يحتمل أربعة أوجه ذكرته
بالتشديد والضمير المنصوب، وذكرت بالتشديد من غير
ضمير، وذكرت على صيغة المؤنثة الواحدة بالتخفيف بدون
الضمير، وذكرته بالتخفيف والضمير لأن ذكرت بالتخفيف
يتعدى.
يقال: ذكرت الشيء بعد النسيان، وذكرته بلساني وبقلبي،
وتذكرته وأذكرته غيري، وذكرته بمعنى انتهى.
وقال الدماميني متعقبًا لكلام الزركشي وكأنه فهم أن
الضمير المنصوب عائد إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وذلك مفعول فاحتاج إلى تقدير
الحرف ضرورة أن ذكر إنما يتعدى بنفسه، وليس الأمر كما
ظنه بل الضمير المنصوب عائد إلى الأمر المتقدم، وذلك
بدل منه، والمفعول الذي يتعدى إليه هذا الفعل بحرف
الجر حذف مع الحرف الجار له لدلالة ما تقدم عليه، فآل
الأمر إلى أنها قالت: فلما جاء رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكرت ذلك الأمر له وليت
شعري ما المانع من حمل هذه الرواية الصحيحة على الوجه
السائغ ولا غبار عليه.
(فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لعائشة رضي الله عنها: (ابتاعيها) ولغير أبي ذر فقال
ابتاعيها (فأعتقيها) بهمزة القطع في الثاني والوصل في
الأوّل (فإن الولاء) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن
عساكر فإنما الولاء (لمن أعتق ثم قام رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر)
النبوي.
(وقال سفيان مرة) (فصعد) بدل ثم قال (رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على المنبر فقال
ما بال) أي ما شأن (أقوام) كنى به عن الفاعل إذ من
خلقه العظيم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن
لا يواجه أحدًا بما يكرهه (يشترطون شروطًا ليس) أي
الاشتراط أو التذكير باعتبار جنس الشرط وللأصيلي ليست
أي الشروط (في كتاب الله) عز وجل أي في حكمه سواء ذكر
في القرآن أم في السنة، أو المراد بالكتاب المكتوب وهو
اللوح المحفوظ (من اشترط شرطًا ليس فى كتاب الله فليس)
ذلك الشرط (له) أي لا يستحقه، (وإن اشترط
مائة مرة) للمبالغة لا لقصد التعيين، ولا يستدلّ به
على أن ما ليس في القرآن باطل لأن قوله: إنما الولاء
لمن أعتق ليس في كتاب الله، بل من لفظ الرسول إلا أن
يقال لا قال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ
فَخُذُوهُ} [الحشر: 7] كان ما قاله عليه الصلاة
والسلام كالمذكور في كتاب الله.
وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى، ورواة
هذا الحديث الخمسة ما بين مدني وكوفي ومديني وفيه
تابعي عن تابعي عن صحابي، وفيه التحديث والعنعنة،
وأخرجه المؤلّف في الزكاة والعتق والبيوع والهبة
والفرائض والطلاق والشروط والأطعمة وكفّارة الإيمان،
ومسلم مختصرًا ومطوّلاً، وأبو داود في العتق، والترمذي
في الوصايا، والنسائي في البيوع والعتق والفرائض
والشروط، وابن
(1/446)
ماجة في العتق.
(قال علي) هو ابن المديني (قال يحيى) بن سعيد القطان
(وعبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي، ولابن عساكر قال
أبو عبد الله يعني البخاري قال يحيى وعبد الوهاب أي
فيما وصله الإسماعيلي من طريق محمد بن بشار عنهما، (عن
يحيى) بن سعيد الأنصاري، (عن عمرة) المذكورة. زاد
الأصيلي نحو رواية مالك من صورة الإرسال وعدم ذكر
المنبر وعائشة.
(وقال جعفر بن عون) بفتح العين المهملة وسكون الواو
وبالنون مما وصله النسائي والإسماعيلي (عن يحيى) بن
سعيد الأنصاري رضي الله عنه (قال: سمعت عمرة قالت:
سمعت عائشة رضي الله عنها) أفادت هذه الطريق التصريح
بسماع كلِّ من يحيى وعمرة فأمن الإرسال بخلاف السابق
فإنه بالعنعنة مع إسقاط عائشة، وإنما أفرد المؤلّف
رواية سفيان لمطابقتها للترجمة بذكر المنبر فيها،
ويؤيده أن التعليق عن مالك متأخر في رواية كريمة عن
طريق جعفر بن عون قاله في الفتح.
(رواه) كذا في الفرع تأخير رواه مالك عن قوله قال علّي
قال يحيى وفي غيره تقديمه، ولأبي ذر والأصيلي وابن
عساكر، ورواه أي حديث الباب (مالك) الإمام فيما وصله
المؤلف في باب المكاتب (عن يحيى) بن سعيد (عن عمرة)
بنت عبد الرحمن المذكور (أن بريرة) فذكره لكنه لم
يسنده إلى عائشة رضي الله عنها (ولم يذكر) فيه قوله
(فصعد المنبر) وفي رواية على المنبر فصورة سياقه
الإرسال.
71 - باب التَّقَاضِي وَالْمُلاَزَمَةِ فِي الْمَسْجِد
(باب) حكم (التقاضي) أي مطالبة الغريم بقضاء الذين (و)
حكم (الملازمة) للغريم لأجل طلب الدين (في المسجد).
457 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَال:
َ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ كَعْبٍ أَنَّهُ
تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ
عَلَيْهِ فِي
الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا) حَتَّى
سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا
حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى: يَا
كَعْبُ. قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ:
ضَعْ مِنْ دَيْنِكَ هَذَا. وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ، أَىِ
الشَّطْرَ قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، قَالَ: قُمْ فَاقْضِهِ. [الحديث 457 - أطرافه
في: 471، 2418، 2424، 2706، 2710].
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولابن عساكر حدّثني بالإفراد
(عبد الله بن محمد) هو ابن عبد الله بن جعفر المسندي
(قال: حدّثنا عثمان بن عمر) بضم العين ابن فارس البصري
العبدي (قال: أخبرنا يونس) بن يزيد (عن) ابن شهاب
(الزهري عن عبد الله بن كعب بن مالك) الأنصاري السلمي
المدني (عن) أبي (كعب) الشاعر أحد الثلاثة الذين خلفوا
عن غزوة تبوك.
(أنه تقاضى) بوزن تفاعل أي أن كعبًا طالب (ابن أبي
حدرد) بمهملات مفتوح الأوّل ساكن الثاني صحابي على
الأصح، واسمه عبد الله بن سلامة كما ذكره المؤلّف في
إحدى رواياته. قال الجوهري: ولم يأت من الأسماء فعلع
بتكرير العين غير حدرد (دينًا) نصب بنزع الخافض أي
بدين لأن تقاضى متعدٍّ لواحد وهو ابن (كان له عليه) أي
كان لكعب على ابن أبي حدرد وجملة كان له في موضع نصب
صفة لدينا، وللطبراني: إن الدين كان أوقيتين (في
المسجد) الشريف النبوي متعلق بتقاضى (فارتفعت
أصواتهما) من باب فقد صغت قلوبكما لعدم اللبس أو الجمع
بالنظر لتنوّع الصوت (حتى سمعهما) ولغير الأصيلي وأبي
ذر سمعها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وشرّف وكرّم (وهو في بيته) جملة حالية في
موضع نصب، (فخرج إليهما) عليه الصلاة والسلام، وللأعرج
فمرّ بهما أي أنه لما سمع صوتهما خرج لأجلهما ومرّ
بهما وبهذا التوفيق ينتفي التعارض (حتى كشف سجف) بكسر
السين المهملة وفتحها وإسكان الجيم أي ستر (حجرته) أو
السجف الباب أو أحد طرفي الستر المفرج فنادى) عليه
الصلاة والسلام: (يا كعب. قال) كعب: (لبيك يا رسول
الله) تثنية اللب وهو الإقامة أي لبًّا بعد لب، ومعناه
أنا مقيم على طاعتك إقامة بعد إقامة، (فقال) عليه
الصلاة والسلام له: (ضع) عنه (من دينك هذا وأومأ)
بهمزة في أوّله وفي آخره (إليه أي الشطر) أي ضع عنه
النصف كما فسره به في رواية الأعرج عند المؤلّف، وهو
تفسير بالمقصود الذي أومأ إليه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفيه جواز الاعتماد على الإشارة
وأنها تقوم مقام النطق إذا فهمت دلالتها عليه. (قال)
كعب: والله (لقد فعلت يا رسول الله) ما أمرت به وخرج
ذلك منه مخرج المبالغة في امتثال الأمر، ولذا أكد
باللام مع ما فيه من معنى القسم، ولأبي ذر وابن عساكر
والمستملي قد فعلت. (قال) عليه الصلاة والسلام لابن
أبي حدرد: (قم فاقضه) حقه على الفور، والأمر
(1/447)
على جهة الوجوب. وفيه إشارة إلى أنه لا
يجتمع الوضيعة والتأجيل.
فإن قلت: ما مطابقة الحديث للترجمة؟ أجيب: بأن التقاضي
ظاهر، وأما الملازمة فمستنبطة من ملازمة ابن أبي حدرد
خصمه في وقت التقاضي، أو أن المؤلّف أشار بالملازمة
هاهنا إلى ما رواه في الصلح بلفظ إنه كان له على عبد
الله بن أبي حدرد الأسلمي مال فلزمه انتهى.
وبقية مباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في محاله.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين بخاري وبصري ومدني،
وفيه رواية الابن عن الأب والتحديث والإخبار والعنعنة،
وأخرجه المؤلّف في الصلح والملازمة، ومسلم في البيوع،
وأبو داود والنسائي في القضاء، وابن ماجة في الأحكام.
72 - باب كَنْسِ الْمَسْجِدِ وَالْتِقَاطِ الْخِرَقِ
وَالْقَذَى وَالْعِيدَانِ
(باب كنس المسجد والتقاط الخرق) بكسر المعجمة وفتح
الراء جمع خرقة (و) التقاط (العيدان) بكسر العين جمع
عود (والقذى) بفتح القاف والمعجمة ما يسقط في العين
والشراب، ثم استعمل في كل ما يقع في البيت وغيره إذا
كان يسيرًا كالقش ونحوه. وفي رواية الأربعة القذي
والعيدان، وللأصيلي والقذى منه أي من المسجد والجار
والمجرور مضمر في رواية غيره ومتعلق بالالتقاط.
458 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ
أَبِي رَافِعٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلاً
أَسْوَدَ -أَوِ امْرَأَةً سَوْدَاءَ- كَانَ يَقُمُّ
الْمَسْجِدَ، فَمَاتَ، فَسَأَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْهُ فَقَالُوا: مَاتَ.
قَالَ: أَفَلاَ كُنْتُمْ آذَنْتُمُونِي بِهِ،
دُلُّونِي عَلَى قَبْرِهِ -أَوْ قَالَ قَبْرِهَا-
فَأَتَى قَبْرَهُ فَصَلَّى عَلَيْهِ. [الحديث 458 -
طرفاه في: 460، 1337].
وبه قال: قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بتصغير الأوّل
وبالموحدة آخر الثاني الأزدي الواشحي بشين معجمة ثم
حاء مهملة البصري قاضي مكة (قال: حدّثنا حمّاد بن زيد)
هو ابن درهم الأزدي الحمصي البصري (عن ثابت) البناني
(عن أبي رافع) نفيع بضم النون وفتح الفاء الصائغ
التابعي لا الصحابي لأن ثابتًا لم يدركه (عن أبي
هريرة) رضي الله عنه.
(أن رجلاً أسود أو امرأة سوداء) وعند ابن خزيمة من
طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ:
امرأة سوداء من غير شك، وبه جزم أبو الشيخ في كتاب
الصلاة له بسند مرسل، فالشك هنا من ثابت على الراجح،
وسمّاها لي رواية البيهقي أم محجن (كان يقم) أو كانت
تقم (المسجد) بضم القاف أي تكنسه، وفي بعض طرقه كانت
تلتقط الخرق والعيدان من المسجد وبذلك تقع المطابقة
بين الترجمة والحديث، (فمات) أو ماتت (فسأل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنه) أو عنها
الناس (فقالوا: مات) أو ماتت، وأفاد البيهقي في روايته
أن الذي أجاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- هو أبو بكر الصديق رضي الله عنه (قال) عليه
الصلاة والسلام، ولأبوي ذر والوقت فقال: (أفلا) أئذا
دفنتم فلا (كنتم آذنتموني) بالمد أي أعلمتموني (به) أو
بها حتى أصلي عليه أو عليها، وعند المؤلّف في الجنائز
فحقروا شأنه، ولابن خزيمة قالوا: مات من الليل فكرهنا
أن نوقظك وحذف كانت بعد قوله كان يقم كحذف مؤنث باقيها
الذي قدّرته للدلالة عليه، ثم قال عليه الصلاة
والسلام: (دلّوني على قبره أو قال على قبرها) على
الشك، (فأتى) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (قبره) ولابن عساكر قبرها (فصلّى عليها)
وزاد
الطبراني من حديث ابن عباس رضي الله عنهما وقال: إني
رأيتها في الجنة تلقط القذى من المسجد، وللأصيلي عليه
وهو حجة على المالكية حيث منعوا الصلاة على القبر.
وتأتي مباحث الحديث إن شاء الله تعالى في محاله.
ورواته الخمسة ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث
والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والجنائز،
ومسلم وأبو داود وابن ماجة.
73 - باب تَحْرِيمِ تِجَارَةِ الْخَمْرِ فِي
الْمَسْجِدِ
(باب) ذكر (تحريم تجارة الخمر في المسجد) وتبيين
أحكامه فيه، فالجار والمجرور يتعلق بتحريم لا بتجارة،
وليس المراد اختصاص تحريمها بالمسجد لأنها حرام في
المسجد وغيره، أو المراد أن الإعلام بتحريم تجارة
الخمر كان في المسجد كما هو ظاهر تصريح حديث الباب.
459 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا أُنْزِلَتِ الآيَاتُ مِنْ
سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي الرِّبَا خَرَجَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى
الْمَسْجِدِ فَقَرَأَهُنَّ عَلَى النَّاسِ، ثُمَّ
حَرَّمَ تِجَارَةَ الْخَمْرِ. [الحديث 459 - أطرافه
في: 2084، 2226، 4540، 4541، 4542، 4543].
وبه قال: (حدّثنا عبدان) بفتح العين المهملة وسكون
الموحدة ابن عبد الله بن عثمان المروزي البصري الأصل
(عن أبي حمزة) بالمهملة والزاي محمد بن ميمون السكري
(عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم) هو ابن صبيح
بضم المهملة وفتح الموحدة أبي الضحى الكوفي (عن مسروق)
هو ابن الأجدع الكوفي (عن) أُم المؤمنين (عائشة) رضي
الله عنها (قالت):
(لما أنزل) بضم الهمزة وسكون النون وكسر الزاي، ولأبي
ذر وابن عساكر أنزلت ولابن عساكر أيضًا نزلت (الآيات)
التي (في سورة البقرة في الربوا) بالقصر، وإنما
(1/448)
كتب بالواو كالصلاة للتفخيم على لغة، وزيدت
الألف بعدها تشبيهًا بواو الجمع، والمراد قوله تعالى:
{الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا} [البقرة: 275] إلى
آخر العشر، وبالأكل الأخذ، وإنما ذكر الأكل لأنه أعظم
منافع المال، ولأن الربا شائع في المطعومات (خرج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المسجد
فقرأهنّ على الناس ثم حرم تجارة الخمر)، وللإمام أحمد
فحرم التجارة في الخمر وهو من تحريم الوسائل المفضية
إلى المحرمات، ومفهومه سبق تحريم الخمر على تحريم
الربا، ويؤيده ما نقل عن عياض أنه كان قبل نزول آيات
الربا بمدة طويلة، فيحتمل وقوع الإخبار بالتحريم مرتين
للتأكيد أو تأخر التحريم هنا عن تحريم عينها.
وتأتي مباحث هذا الحديث إن شاء الله تعالى في تفسير
سورة البقرة بعون الله تعالى. ورواة هذا الحديث الستة
ما بين مروزي وكوفي، وفيه ثلاثة من التابعين والتحديث
والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في البيوع وفي
التفسير، ومسلم وابن داود والنسائي وابن ماجة.
74 - باب الْخَدَمِ لِلْمَسْجِدِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ {نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي
بَطْنِي مُحَرَّرًا}: لِلْمَسْجِدِ يَخْدُمُهُ.
(باب الخدم للمسجد) ولكريمة وأبي الوقت وابن عساكر في
المسجد، وكان الأولى ذكر هذا الباب قبل سابقه. (وقال
ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله ابن أبي حاتم
بمعناه في تفسير قوله تعالى حكاية عن حنّة بفتح الحاء
المهملة وتشديد النون بنت فاقوذا امرأة فرعون، وكانت
عاقرًا فرأت يومًا طائرًا يزق فرخه فاشتهت الولد،
فسألت الله أن يهبها ولدًا، فاستجاب الله دعاءها
فواقعها زوجها فحملت منه، فلما تحقّقت الحمل قالت ما
أخبر الله تعالى عنها {رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا
فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا)} [آل عمران: 35] وللأصيلي
تعني محررًا أي معتقًا (للمسجد) الأقصى (يخدمه) لا
أشغله بشيء غيره، ولأبي ذر يخدمها أي المساجد أو
الصخرة أو الأرض المقدسهّ، وكان النذر مشروعًا عندهم
في الغلمان فلعلها بنت الأمر على التقدير أو طلبت
ذكرًا {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي
وَضَعْتُهَا أُنْثَى} [آل عمران: 36] قالته تحسّرًا
وتحزّنًا إلى ربها لأنها كانت ترجو أن تلد ذكرًا
تحرّره للمسجد، فتقبلها ربها فرضي بها في النذر مكان
الذكر بقبول حسن بوجه حسن تقبّل به النذائر وهو
إقامتها مقام الذكر.
460 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَبِي رَافِعٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ امْرَأَةً -أَوْ رَجُلاً-
كَانَتْ تَقُمُّ الْمَسْجِدَ -وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ
امْرَأَةً- فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ صَلَّى عَلَى
قَبْرِهِ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن واقد) بالقاف نسبه لجدّه
لشُهرته به وأبوه عبد الملك الحراني، المتوفى ببغداد
سنة إحدى وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا حماد) وللأصيلي
حماد بن زيد (عن ثابت) البناني (عن أبي رافع) نفيع (عن
أبي هريرة) رضي الله عنه (أن امرأة أو رجلاً كانت تقم
المساجد) فحذف أو كان كما سبق فحذف من الأوّل خبر
المؤنث وهنا خبر المذكر اعتبارًا بالسابق ليكون جاريًا
على المهيع الكثير وهو الحذف من الثاني لدلالة الأوّل
قاله الدماميني. نعم في رواية أبي ذر كان يقم المسجد
بالتذكير. قال أبو رافع: (ولا أراه) بضم الهمزة أي لا
أظنه (إلا امرأة فذكر) أبو هريرة (حديث النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) السابق (أنه صلّى على
قبره) ولأبي الوقت والأصيلي قبرها، وفي رواية على قبر
بغير الضمير.
75 - باب الأَسِيرِ أَوِ الْغَرِيمِ يُرْبَطُ فِي
الْمَسْجِدِ
(باب) حكم (الأسير أو الغريم) حال كونه، (يربط في
المسجد) الإباحة وأو للتنويع والأسير الأخيذ، ولابن
السكن وابن عساكر الأسير والغريم بواو العطف.
461 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا رَوْحٌ وَمُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ عِفْرِيتًا مِنَ الْجِنِّ
تَفَلَّتَ عَلَىَّ الْبَارِحَةَ -أَوْ كَلِمَةً
نَحْوَهَا- لِيَقْطَعَ عَلَىَّ الصَّلاَةَ،
فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ، فَأَرَدْتُ أَنْ
أَرْبِطَهُ إِلَى سَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ
حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ،
فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي سُلَيْمَانَ {رَبِّ اغْفِرْ
لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ
بَعْدِي} قَالَ رَوْحٌ: فَرَدَّهُ خَاسِئًا. [الحديث
461 - أطرافه في: 1210، 3284، 3423، 4808].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه (قال:
أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (روح) بفتح الراء ابن عبادة
بضم العين المهملة وتخفيف الموحدة (ومحمد بن جعفر)
المشهور بغندر كلاهما (عن شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن
زياد) بكسر الزاي المعجمة وتخفيف المثناة التحتية
القرشي الجمحي مولى آل عثمان بن مظعون (عن أبي هريرة)
رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال]:
(إن عفريتًا) أي جنيًّا ماردًّا (من الجن) بيان له
(تفلت عليّ البارحة) أي تعرّض لي فلتة أي بغتة في سرعة
في أدنى ليلة مضت، وتفلت بفتحات مع تشديد اللام ونصب
البارحة على الظرفية. (أو قال) عليه الصلاة والسلام
(كلمة نحوها) أي كقوله في الرواية الآتية إن شاء الله
تعالى في أواخر الصلاة عرض لي فشدّ عليّ، فالضمير
لجملة تفلت عليّ البارحة (ليقطع) بفعله (عليّ الصلاة
فأمكنني الله منه فأردت) بالفاء، ولأبوي ذر والوقت
(1/449)
والأصيلي وابن عساكر وأردت (أن أربطه) بكسر
الموحدة (إلى سارية من سواري المسجد) أي أسطوانة من
أساطينه (حتى تصبحوا) تدخلوا في الصباح (وتنظروا إليه
كلكم) بالرفع توكيدًا للضمير المرفوع والفعل تام لا
يحتاج إلى خبر، وهل كانت إرادته لربطه بعد تمام الصلاة
أو فيها لأنه يسيرًا، حتمًا لأن ذكرهما ابن الملقن
فيما نقله عنه في المصابيح (فذكرت قول أخي) في النبوّة
(سليمان) بن داود عليهما السلام {ربّ اغفر لي وهب لي
ملكًا لا ينبغي لأحد من بعدي} من البشر مثله فتركه
عليه الصلاة والسلام مع القدرة عليه حرصًا على إجابة
الله عز وجل دعوة سليمان كذا في رواية أبي ذر كما في
الفتح: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا} [ص:
35] ولابن عساكر هب لي وإسقاط سابقه كما في الفرع
وأصله ولغيرهما {رب هب لي} وحمله في الفتح على التغيير
من بعض الرواة. وقال الكرماني: ولعله ذكره على قصد
الاقتباس من
القرآن لا على قصد أنه قرآن، وزاد في حاشية الفرع
وأصله بعد قوله {من بعدي} مما ليس به رقم
علامة أحد من الرواة {إنك أنت الوهاب}.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين مروزي بصري، وفيه
التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف
أيضًا في الصلاة والتفسير وأحاديث الأنبياء وصفة إبليس
اللعين، وأخرجه مسلم في الصلاة، والنسائي في التفسير.
(قال روح) هو ابن عبادة في روايته دون رواية رفيقه
محمد بن جعفر: (فردّه) عليه الصلاة والسلام أي العفريت
حال كونه (خاسئًا) أي مطرودًا. نعم وقع عند المؤلّف في
أحاديث الأنبياء عن محمد بن بشّار عن محمد بن جعفر
وحده بلفظ فرددته خاسئًا.
واستنبط من الحديث إباحة ربط الأسير في المسجد وربط
الغريم بالقياس عليه، والله سبحانه الموفّق والمعين
على الإتمام والمتفضل بالقبول والإقبال.
76 - باب الاِغْتِسَالِ إِذَا أَسْلَمَ، وَرَبْطِ
الأَسِيرِ أَيْضًا فِي الْمَسْجِدِ
وَكَانَ شُرَيْحٌ يَأْمُرُ الْغَرِيمَ أَنْ يُحْبَسَ
إِلَى سَارِيَةِ الْمَسْجِدِ.
(باب) بيان (الاغتسال) للكافر (إذا أسلم و) بيان (ربط
الأسير أيضًا في المسجد) ولأي ذر في نسخة ويربط الأسير
أيضًا. (وكان شريح) بالمعجمة أوله والمهملة آخره
مصغرًا ابن الحرث الكندي النخعي أدرك زمنه عليه الصلاة
والسلام لكنه لم يلقه، وكان قاضيًا بالكوفة لعمر، ومن
بعده ستّين سنة، وتوفي قبل الثمانين أو بعدها (يأمر
الغريم) أي بالغريم كما في أمرتك الخير أن تأتيه (أن
يحبس) بضم أوله وفتح الموحدة أو يأمر الغريم أن يحبس
نفسه (إلى سارية المسجد) وتمامه فيما وصله معمر عن
أيوب عن ابن سيرين عنه: إلى أن يقوم بما عليه فإن أعطى
الحق وإلاّ أمر به إلى السجن، لكن هذه الجملة من قوله:
وربط الأسير إلى آخر قوله إلى سارية المسجد ساقطة في
رواية الأصيلي وابن عساكر، وزاد في الفتح وكريمة وضبب
عليها في رواية أبوي ذر والوقت كما نبّه عليه في الفرع
وأصله: ووقع عند بعضهم سقوط الترجمة أصلاً والاقتصار
على باب فقط وصوّب نظرًا إلى أن حديث الباب من جنس
حديث سابقه وفصل بينهما لمغايرة ما.
462 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ
أَبِي سَعِيدٍ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: "بَعَثَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي
حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ،
فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ،
فَخَرَجَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ،
فَانْطَلَقَ إِلَى نَخْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ
فَاغْتَسَلَ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ فَقَالَ:
أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. [الحديث 462 - أطرافه في:
469، 2422، 2423، 4372].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
حدّثنا الليث) بن سعد المصري (قال: حدّثنا) بالجمع
وللأربعة حدّثني (سعيد بن أبي سعيد) بكسر العين فيهما
المقبري (أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه ولأبوي ذر
والوقت والأصيلي وابن عساكر حدّثني بالإفراد أبو هريرة
(قال):
(بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لعشر
ليال خلون من المحرم سنة ست إلى القرطاء نفر من بني
أبي بكر بن كلاب (خيلاً) فرسانًا ثلاثين (قبل) بكسر
القاف وفتح الموحدة أي جهة (نجد) بفتح النون وسكون
الجيم (فجاءت برجل من بني حنيفة) بفتح الحاء المهملة
(يقال له ثمامة بن أثال) بضم أول الاسمين والثاء
المثلثة فيهما وهي مخففة كالميم (فربطوه) بأمر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما صرّح به ابن
إسحاق في مغازيه.
(بسارية من سواري المسجد) وحينئذ فيكون حديث ثمامة من
جنس حديث العفريت فهناك هم بربطه، وإنما امتنع لأمر
أجنبي وهنا أمر به، (فخرج إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: أطلقوا ثمامة) منّا عليه أو
تالفًا، أو لما علم من إيمان قلبه وأنه سيظهره أو أنه
مرّ عليه فأسلم
(1/450)
كما رواه ابنا خزيمة وحبّان من حديث أبي
هريرة وهمزة أطلقوا همزة قطع فأطلقوه، (فانطلق) وفي
رواية فذهب (إلى نخل قريب من المسجد) بالخاء المعجمة
في نخل في أكثر الروايات، وفي النسخة المقروءة عن أبي
الوقت إلى نجل بالجيم، وصوّبه بعضهم وهو الماء القليل
النابع، وقال ابن دريد: هو الماء الجاري، (فاغتسل ثم
دخل المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلاّ الله وأن محمدًا
رسول الله) وفيه مشروعية اغتسال الكافر إذا أسلم
وأوجبه الإمام أحمد.
ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين مصري بالميم ومدني،
وفيه التحديث بالجمع والإفراد والسّماع والقول، وأخرجه
المؤلّف في الصلاة والمغازي، ومسلم في المغازي، وأبو
داود في الجهاد، والنسائي في الطهارة ببعضه وببعضه في
الصلاة.
77 - باب الْخَيْمَةِ فِي الْمَسْجِدِ لِلْمَرْضَى
وَغَيْرِهِمْ
(باب) جواز نصب (الخيمة في المسجد للمرضى وغيرهم).
463 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ: "أُصِيبَ سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ فِي
الأَكْحَلِ، فَضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ
لِيَعُودَهُ مِنْ قَرِيبٍ، فَلَمْ يَرُعْهُمْ -وَفِي
الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ- إِلاَّ
الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ
الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ
قِبَلِكُمْ؟ فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا،
فَمَاتَ فِيهَا". [الحديث 463 - أطرافه في: 2813،
3901، 4117، 4122].
وبه قال: (حدّثنا زكريا بن يحيى) البلخي اللؤلؤي
الحافظ (قال: حدّثنا عبد الله بن نمير) بضم النون وفتح
الميم (قال: حدّثنا هشام) هو ابن عروة (عن أبيه) عروة
بن الزبير بن العوام (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(أصيب سعد) هو ابن معاذ سيد الأوس المهتز لموته عرش
الرحمن رضي الله عنه (يوم الخندق) وهو يوم الأحزاب في
ذي القعدة (في الأكحل) بفتح الهمزة والمهملة بينهما
كاف ساكنة عرق في وسط الذراع. قال الخليل: هو عرق
الحياة وكان الذي أصابه ابن العرقة أحد بني عامر بن
لؤي (فضرب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
خيمة في المسجد) لسعد رضي الله عنه (ليعوده من قريب
فلم يرعهم) أي لم يفزعهم (وفي المسجد خيمة من بني
غفار) بكسر الغين المعجمة (إلا الدم يسيل إليهم
فقالوا: يا أهل
الخيمة ما هذا الذي يأتينا من قبلكم) بكسر القاف وفتح
الموحدة أي من جهتكم؟ (فإذا سعد يغذو) بغين وذال
معجمتين أي يسير (جرحه دمًا) نصب على التمييز وسابقه
رفع فاعل يغذو الجيم مضمومة (فمات) سعد (فيها) أي في
تلك المرضة أو في الخيمة، وللأربعة: وعزاها في الفتح
للكشميهني والمستملي منها أي من الجراحة.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مدني وكوفي، وفيه
التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في
الصلاة والمغازي والهجرة وأبو داود في الجنائز
والنسائي في الصلاة.
78 - باب إِدْخَالِ الْبَعِيرِ فِي الْمَسْجِدِ
لِلْعِلَّةِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "طَافَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى بَعِيرٍ".
(باب) جواز (إدخال البعير في المسجد للعلة) أي للحاجة
(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما مما وصله المؤلّف في
كتاب الحج: (طاف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على بعير) وفي رواية على بعيره.
464 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ
قَالَتْ: "شَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنِّي أَشْتَكِي. قَالَ:
طُوفِي مِنْ وَرَاءِ النَّاسِ وَأَنْتِ رَاكِبَةٌ.
فَطُفْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُصَلِّي إِلَى جَنْبِ الْبَيْتِ يَقْرَأُ
بِالطُّورِ وَكِتَابٍ مَسْطُورٍ". [الحديث 464 -
أطرافه في: 1619، 1626، 1633، 4853].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) الإمام (عن محمد بن عبد الرحمن) بن
الأسود (بن نوفل) بفتح النون والفاء يتيم عروة بن
الزبير (عن عروة) ولأبي الوقت وابن عساكر زيادة ابن
الزبير (عن زينب) ولأبي ذرّ برة (بنت أبي سلمة) عبد
الله بن عبد الأسد المخزومي (عن) أُم المؤمنين (أم
سلمة) هند بنت أبي أمية رضي الله عنها (قالت):
(شكوت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أني أشتكي) أي أتوجع وهو مفعول شكوت (قال)
عليه الصلاة والسلام (طوفي) أي بالكعبة (من وراء الناس
وأنت راكبة) قالت: (فطفت) راكبة البعير (ورسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي إلى جنب
البيت) الحرام (يقرأ بالطور وكتاب مسطور) أي بسورة
الطور، ومن ثم حذفت واو القسم لأنه صار علمًا عليها،
وقد قيل: إن ناقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كانت منوّقة أي معلمة فيؤمن معها مما يحذر
من التلويث وهي سائرة، فيحتمل أن يكون بعير أُم سلمة
كان كذلك.
ورواة هذا الحديث الستة مدنيون إلا شيخ المؤلّف، وفيه
التحديث والإخبار والعنعنة والقول ورواية تابعي عن
تابعي عن صحابية عن صحابية، وأخرجه أيضًا في الصلاة
والحج ومسلم فيه.
79 - باب
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة.
465 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ:
حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنِي
أَبِي عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ
رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةٍ
مُظْلِمَةٍ وَمَعَهُمَا مِثْلُ الْمِصْبَاحَيْنِ
يُضِيئانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا. فَلَمَّا افْتَرَقَا
صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى
أَتَى أَهْلَهُ. [الحديث 465 - طرفاه في: 3639، 3805].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) من التثنية (قال:
حدّثنا معاذ بن هشام، قال: حدّثني) بالإفراد (أبي)
هشام الدستوائي البصري (عن قتادة) بن دعامة السدوسي
الأعمى البصري (قال: حدّثنا أنس) وللأصيلي أنس بن
(1/451)
مالك (أن رجلين من أصحاب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هما عباد بن بشر وأسيد
بن حضير كما عند المؤلّف في المناقب (خرجا من عند
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعدما
كانا معه في المسجد (في ليلة مظلمة) بكسر اللام من
أظلم الليل يظلم (ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين
أيديهما) إكرامًا لهما ببركة نبيّهما آية له عليه
الصلاة والسلام، إذ خصّ بعض أصحابه بمثل هذه الكرامة
عند حاجتهم إلى النور وإظهار السر قوله: بشر المشائين
في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة فعجل
لهما مما ادّخر في الأخرى، (فلما افترقا صار مع كل
واحد منهما) نور (واحد) يضيء له (حتى أتى أهله).
ويأتي مزيد لما ذكرته في هذا الحديث في علامات النبوّة
إن شاء الله تعالى بعونه وقوته. ورواة هذا الحديث كلهم
بصريون، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف في
علامات النبوّة ومنقبة أسيد بن حضير وعباد بن بشر في
مناقب الأنصار.
80 - باب الْخَوْخَةِ وَالْمَمَرِّ فِي الْمَسْجِدِ
(باب الخوخة) بفتح الخاء المعجمة الباب الصغير
(والممرّ) الكائنين (في المسجد).
466 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
النَّضْرِ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ عَنْ بُسْرِ
بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ:
خَطَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: "إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ عَبْدًا
بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ، فَاخْتَارَ
مَا عِنْدَ اللَّهِ. فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ -رضي الله
عنه- فَقُلْتُ فِي نَفْسِي: مَا يُبْكِي هَذَا
الشَّيْخَ، إِنْ يَكُنِ اللَّهُ خَيَّرَ عَبْدًا
بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ
مَا عِنْدَ اللَّهِ؟ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ الْعَبْدَ، وَكَانَ
أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا. قَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ
لاَ تَبْكِ، إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَىَّ فِي
صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبُو بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ
مُتَّخِذًا خَلِيلاً مِنْ أُمَّتِي لاَتَّخَذْتُ أَبَا
بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ
وَمَوَدَّتُهُ. لاَ يَبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ بَابٌ
إِلاَّ سُدَّ، إِلاَّ بَابُ أَبِي بَكْرٍ". [الحديث
466 - طرفاه في: 3654، 3904].
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين
المهملة ثم نونين بينهما ألف (قال: حدّثنا فليح) بضم
الفاء وفتح اللام آخره حاء مهملة ابن سليمان (قال:
حدّثنا أبو النضر) بفتح النون وسكون المعجمة سالم بن
أبي أمية (عن عبيد بن حنين) بضم العين والحاء
المهملتين فيهما وفتح النون في الثاني مصغرين المدني
(عن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وإسكان المهملة وكسر
العين في الثاني المدني العابد مولى ابن الحضرمي، (عن
أبي سعيد الخدري) ولأبي ذر والأصيلي عن أبي زيد عن
عبيد بن حنين عن أبي سعيد الخدري فأسقطا بسر بن سعيد،
وكذا وجد تصويبه على الأصل المسموع على الحافظ أبي ذر
وأن الفربري قال: إن الرواية هكذا أي بإسقاطه. ونقل
ابن السكن عن الفربري
عن البخاري أنه قال: هكذا حدّث به محمد بن سنان عن
فليح وهو خطأ، وإنما هو عن عبيد بن حنين وعن بسر بن
سعيد يعني بواو العطف. قال الحافظ ابن حجر: فعلى هذا
يكون أبو النضر سمعه من شيخين حدّثه كلٌّ منهما به عن
أبي سعيد فحذف العاطف خطأ من محمد بن سنان أو من فليح،
وحينئذٍ فانتقاد الدارقطني على المؤلّف هذا الحديث مع
إفصاحه بما ذكر لا وجه له وليست هذه بعلة قادحة، والله
أعلم. (قال):
(خطب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال:
إن الله سبحانه خيّر عبدًا) من التخيير (بين الدنيا
وبين ما عنده) أي عند الله في الآخرة (فاختار) العبد
(ما عند الله) سقط عند الأصيلي وابن عساكر قوله فاختار
ما عند الله وضرب عليه عند أبي الوقت، (فبكى أبو بكر
رضي الله عنه) وللأصيلي أبو بكر الصديق. قال أبو سعيد:
(فقلت في نفسي ما يبكي هذا الشيخ) نصب على المفعولية
وكلمة ما استفهامية (إن يكن الله خير عبدًا) كذا في
رواية الأكثرين وهو بكسر همزة إن الشرطية، ويكن فعل
الشرط مجزوم كسر لالتقاء الساكنين أي أيّ شيء يبكيه من
كون الله خيّر عبدًا؟ وللكشميهني من غير اليونينية إن
يكن لله عبد خير بكسر إن ويكن مجزوم به كذلك، وعبد
مبتدأ وخبره لله مقدمًا وخير بضم الخاء مبنيًّا
للمفعول في موضع رفع صفة لعبد، وفي بعض النسخ كما في
اللامع أن بالفتح، وجعله الزركشي من تجويز السفاقسي أي
لأجل أن، لكن يشكل الجزم حينئذ في يكن. وأجاب ابن مالك
بأن يقال فيه ما قيل في حديث لن ترع فإن سكن مع الناصب
وهو لن للوقف فأشبه المجزوم فحذفت الألف كما تحذف في
المجزوم ثم أجرى الوصل مجرى الوقف اهـ.
والجزاء محذوف يدلّ عليه السياق وفيه ورود الشرط
مضارعًا مع حذف الجزاء أو الجزاء قوله فاختار، وفي
اليونينية من غير علامة أن يكون عبدًا خير (بين الدنيا
وبين ما عنده) تعالى (فاختار ما عند الله فكان رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو العبد)
المخير وسقط قوله فاختار ما عند الله للأصيلي وابن
عساكر وضرب عليه أبو الوقت: (وكان أبو بكر) الصديق رضي
الله عنه، (أعلمنا) حيث فهم أنه رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يفارق الدنيا فبكى حزنًا
(1/452)
على فراقه، وعبّر بقوله عبدًا بالتنكير
ليظهر نباهة أهل العرفان في تفسير هذا المبهم فلم يفهم
المقصود غير صاحبه الخصيص به فبكى. وقال: بل نفديك
بأموالنا فسكن الرسول جزعه (فقال) ولغير الأصيلي وأبي
ذر عن الكشميهني قال: (يا أبا بكر لا تبك) ثم خصّه
بالخصوصية العظمى، فقال: (إن أمنّ الناس عليّ في صحبته
وماله أبو بكر) بفتح الهمزة والميم وتشديد النون من
أمنّ أي أكثرهم جودًا بنفسه وماله بلا استثابة ولم يرد
به المنّة لأنها تفسد الصنيعة، ولأنه لا منّة لأحد
عليه عليه الصلاة والسلام، بل منّته والله على جميع
الخلائق.
وقال القرطبي: هو من الامتنّان يعني أن أبا بكر رضي
الله عنه له من الحقوق ما لو كان لغيره لامتنّ بها،
وذلك لأنه بادر بالتصديق ونفقة الأموال وبالملازمة
وبالمصاحبة إلى غير ذلك بانشراح صدر ورسوخ علم بأن
الله ورسوله لهما المنّة في ذلك، لكن الرسول عليه
الصلاة والسلام بجميل أخلاقه وكرم أعراقه اعترف بذلك
عملاً بشكر النعم، وفي حديث أبي هريرة رضي الله عنه
عند الترمذي مرفوعًا: "ما لأحد عندنا يد إلاّ كافأناه
ما خلا أبا بكر فإن له عندنا يدًا يكافئه الله بها يوم
القيامة".
(ولو كنت متخذًا خليلاً) أي أختار وأصطفي (من أمتي)
كذا للأربعة ولغيرهم: ولو كنت متخذًا من أمتي خليلاً
(لاتخذت) منهم (أبا بكر) لكونه متأهلاً لأن يتخذه عليه
الصلاة والسلام خليلاً لولا المانع، وهو أنه عليه
الصلاة والسلام امتلأ قلبه بما تخلّله من معرفة الله
تعالى ومحبته ومراقبته حتى كأنها مزجت أجزاء قلبه بذلك
فلم يتّسع قلبه لخلّة غير الله عز وجل، وعلى هذا فلا
يكون الخليل إلاّ واحدًا، ومن لم ينته إلى ذلك ممن
تعلّق القلب به فهو حبيب، ولذلك أثبت عليه الصلاة
والسلام لأبي بكر وعائشة رضي الله عنهما أنهما أحبّ
الناس إليه ونفى عنهما الخلّة التي هي فوق المحبة،
وللأصيلي: لاتخذت أبا بكر يعني خليلاً. (ولكن أخوّة
الإسلام) أفضل، وللأصيلي ولكن خوّة الإسلام بحذف
الهمزة نقل حركة الهمزة إلى النون وحذف الهمزة فتضم
فينطق بها كذلك، ويجوز تسكينها تخفيفًا فيحصل فيها
ثلاثة أوجه سكون النون مع ثبوت الهمزة على الأصل، ونقل
ضمة الهمزة للساكن قبلها وهو النون والثالثة كذلك، لكن
استثقلت ضمة بين كسرة وضمة فسكنت تخفيفًا فهذه فرع
الفرع. (ومودّته) أي مودّة الإسلام وهي بمعنى الخلة،
والفرق بينهما باعتبار المتعلق، فالمثبتة ما كان بحسب
الإسلام، والمنفية بجهة أخرى يدلّ عليه قوله في الحديث
الآخر: ولكن خلة الإسلام أفضل والمودّة الإسلامية
متفاوتة بحسب التفاوت في إعلاء كلمة الله تعالى،
وتحصيل كثرة الثواب. ولا ريب أن الصديق رضي الله عنه
كان أفضل الصحابة رضي الله عنهم من هذه الحيثية. (لا
يبقين في المسجد باب) بالبناء للفاعل والنون مشدّدة
للتأكيد وباب رفع على الفاعلية والنهي راجع إلى
المكلفين لا إلى الباب فكنّى بعدم البقاء عن عدم
الإبقاء لأنه لازم له كأنه قال: لا يبقه أحد حتى لا
يبقى، وفي نسخة لا يبقين مبنيًّا للمفعول، فلفظ باب
نائب عن الفاعل أي لا يبق أحد في المسجد بابًا، (إلاّ)
بابًا (سدّ) بحذف المستثنى المقدّر ببابًا والفعل صفته
وحينئذ، فلا يقال الفعل وقع مستثنى ومستثنى منه ثم
استثنى من هذا فقال: (إلاّ باب أبي بكر) الصديق رضي
الله عنه بنصب باب على الاستثناء أو برفعه على البدل،
وفيه دلالة على الخصوصية لأبي بكر الصدّيق رضي الله
عنه بالخلافة بعده عليه الصلاة والسلام والإمامة دون
سائر الناس، فأبقى خوخته دون خوخة
غيره، وهو يدل على أنه يخرج منها إلى المسجد للصلاة
كذا قرّره ابن المنير، وعورض بما في الترمذي من حديث
ابن عباس رضي الله عنهما "سدّوا الأبواب إلاّ باب
علّي".
وأجيب بأن الترمذي قال إنه غريب. وقال ابن عساكر: إنه
وهم لكن للحديث طرق يقوّي بعضها بعضًا، بل قال الحافظ
ابن حجر في بعضها إسناده قوي وفي بعضها رجاله ثقات،
وفيه أن المساجد تُصان عن تطرّق الناس إليها في خوخات
ونحوها إلاّ من أبوابها إلاّ لحاجة مهمة، وسيكون لنا
عودة إن شاء الله تعالى إلى ما في ذلك من البحث
(1/453)
في الفضائل. وفي الحديث التحديث والعنعنة
والقول، وأخرجه المؤلّف في فضل أبي بكر رضي الله عنه،
ومسلم في الفضائل.
467 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْجُعْفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: سَمِعْتُ يَعْلَى بْنَ
حَكِيمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
"خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ عَاصِبٌ
رَأْسَهُ بِخِرْقَةٍ فَقَعَدَ عَلَى الْمِنْبَرِ
فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ:
إِنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَمَنَّ عَلَىَّ
فِي نَفْسِهِ وَمَالِهِ مِنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي
قُحَافَةَ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنَ النَّاسِ
خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً،
وَلَكِنْ خُلَّةُ الإِسْلاَمِ أَفْضَلُ. سُدُّوا
عَنِّي كُلَّ خَوْخَةٍ فِي هَذَا الْمَسْجِدِ غَيْرَ
خَوْخَةِ أَبِي بَكْرٍ". [الحديث 467 - أطرافه في:
3656، 3657، 6738].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد الجعفي) بضم الجيم
وسكون العين المسندي (قال: حدّثنا وهب بن جرير) بفتح
الجيم (قال: حدّثنا أبي) جرير بن حازم بالحاء المهملة
والزاي العتكي (قال: سمعت يعلى بن حكيم) بفتح المثناة
التحتية وسكون العين وفتح اللام في الأوّل وفتح الحاء
وكسر الكاف في الثاني الثقفي المكّي ثم البصري الشامي
المدني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عياس) رضي
الله عنهما (قال):
(خرج رسول الله) وللأصيلي خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في مرضه الذي مات فيه) حال كونه
(عاصبًا
رأسه بخرقة) ولغير الأربعة عاصب بالرفع أي وهو عاصب
لكنه ضبب عليها في الفرع وأصله، (فقعد) عليه الصلاة
والسلام (على المنبر فحمد الله) تعالى على وجود الكمال
(وأثنى عليه) على عدم النقصان (ثم قال: إنه) أي الشأن
(ليس من الناس أحد أمنّ عليّ في نفسه وماله) أي أبذل
لنفسه وماله (من أبي بكر بن أبي قحافة) بضم القاف
عثمان رضي الله عنهما. (ولو كنت متخذًا من الناس
خليلاً لاتخذت أبا بكر) منهم (خليلاً ولكن خلة الإسلام
أفضل) أي فاضلة، إذ المقصود أن الخلة بالمعنى الأوّل
أعلى مرتبة وأفضل من كل خلة (سدّوا عني كل خوخة في هذا
المسجد غير خوخة أبي بكر) وللكشميهني كما في الفتح
إلاّ بدل غير.
وفي هذا الحديث التحديث والعنعنة والسماع والقول،
وأخرجه في الفرائض بزيادة، وأخرجه النسائي في المناقب.
81 - باب الأَبْوَابِ وَالْغَلَقِ لِلْكَعْبَةِ
وَالْمَسَاجِدِ
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَقَالَ لِي عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ أَبِي
مُلَيْكَةَ: يَا عَبْدَ الْمَلِكِ لَوْ رَأَيْتَ
مَسَاجِدَ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبْوَابَهَا.
(باب) اتخاذ (الأبواب والغلق للكعبة و) لغيرها من
(المساجد) لأجل صونها. (قال أبو عبد الله) أي البخاري:
وسقط ذلك عند ابن عساكر والأصيلي (وقال لي عبد الله بن
محمد) المسندي: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن ابن جريج)
عبد الملك بن عبد العزيز (قال: قال لي ابن أبي مليكة)
بضم الميم وفتح اللام عبد الله بن عبد الرحمن، واسم
أبي مليكة زهير بن عبد الله التيمي الأحول المكّي. (يا
عبد الملك لو رأيت مساجد ابن عباس وأبوابها) لرأيت
عجبًا أو حسنًا لإتقانها فحذف الجواب.
468 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ وَقُتَيْبَةُ
قَالاَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدِمَ مَكَّةَ فَدَعَا
عُثْمَانَ بْنَ طَلْحَةَ فَفَتَحَ الْبَابَ، فَدَخَلَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَبِلاَلٌ وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ
طَلْحَةَ، ثُمَّ أُغْلِقَ الْبَابُ فَلَبِثَ فِيهِ
سَاعَةً ثُمَّ خَرَجُوا. قَالَ ابْنُ عُمَرَ
فَبَدَرْتُ فَسَأَلْتُ بِلاَلاً فَقَالَ: صَلَّى
فِيهِ، فَقُلْتُ: فِي أَىٍّ؟ قَالَ: بَيْنَ
الأُسْطُوَانَتَيْنِ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: فَذَهَبَ
عَلَىَّ أَنْ أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى؟.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) بضم النون محمد بن
الفضل السدوسي البصري (وقتيبة) ولأبي ذر وقتيبة بن
سعيد (قالا: حدّثنا حماد) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر
حماد بن زيد (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن
عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما:
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قدم
مكة) عام الفتح. (فدعا عثمان بن طلحة) الحجبي (ففتح
الباب) أي باب
الكعبة في (دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) فيها (و) دخل معه (بلال) مؤذنه وخادم أمر
صلاته (و) دخل معه أيضًا (أسامة بن زيد) خادمه فيما
يحتاج إليه (وعثمان بن طلحة) الحجبي حتى لا يتوهم
الناس عزله عن سدانة البيت، (ثم أغلق الباب) لئلا
يزدحم الناس عليه لتوقّر دواعيهم على مراعاة أفعاله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليأخذوها عنه،
وأغلق بضم الهمزة وكسر اللام مبنيًّا للمفعول، وفي
رواية: ثم أغلق بفتح الهمزة واللام مبنيًّا للفاعل
والباب نصب على المفعولية، (فلبث) عليه الصلاة والسلام
(فيه ساعة ثم خرجوا) كلهم (قال ابن عمر):
(فبدرت) أي أسرعت (فسألت بلالاً) هل صلّى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه أم لا؟
(فقال: صلّى فيه فقلت في أيّ) بالتنوين أي في أيّ
نواحيه؟ (قال: ببن الأسطوانتين) بضم الهمزة. (قال ابن
عمر) (فذهب عليّ أن أسأله كم صلّى) أي فاتني سؤال
الكمية.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث
والعنعنة، وأخرجه أيضًا في المغازي والجهاد، ومسلم في
الحج، وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة.
82 - باب دُخُولِ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ
(باب دخول المشرك المسجد).
469 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: "بَعَثَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلاً
قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي
حَنِيفَةَ يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ،
فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِد".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا الليث)
بن سعد الإمام (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري.
(أنه سمع أبا هريرة) رضي الله عنه (يقول: بعث رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيلاً)
فرسانًا (قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهتها،
ونجد ما ارتفع
(1/454)
من تهامة إلى العراق (فجاءت برجل من بني
حنيفة يقال له ثمامة بن أثال) بضم المثلثة وتخفيف
الميم في الأوّل وضم الهمزة وتخفيف المثلثة في الثاني
(فربطوه بسارية من سواري المسجد) لينظر حسن صلاة
السلمين واجتماعهم عليها فيرقّ قلبه.
وهذا الحديث سبق قريبًا في باب الاغتسال إذا أسلم،
واختصره هنا مقتصرًا على مراد الترجمة وهو دخول المشرك
المسجد، وعند الشافعية التفصيل بين المسجد الحرام
وغيره فيمنع من دخوله لقوله تعالى: {إِنَّمَا
الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام}
[التوبة: 28] بخلاف سائر المساجد فإنه لا يمنع منه
لهذا الحديث، ولأن ذات المشرك ليست بنجسة فيدخل بإذن
المسلم، وعن الحنفية الجواز مطلقًا، وعن المالكية
والمزني المنع مطلقًا تعظيمًا لشعائر الله تعالى،
ويأتي الحديث بتمامه إن شاء الله تعالى بعونه عز وجل
في المغازي.
83 - باب رَفْعِ الصَّوْتِ فِي الْمَسَاجِدِ
(باب) حكم (رفع الصوت في المساجد) هل هو ممنوع أم لا؟
ولأبي ذر في المسجد بالإفراد.
470 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
الْجُعَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ:
حَدَّثَنِي يَزِيدُ بْنُ خُصَيْفَةَ عَنِ السَّائِبِ
بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ
فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ.
فَجِئْتُهُ بِهِمَا. قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا -أَوْ مِنْ
أَيْنَ أَنْتُمَا-؟ قَالاَ: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ.
قَالَ لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ
لأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي
مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني (قال:
حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (قال: حدّثنا الجعيد) بضم
الجيم وفتح العين المهملة وسكون المثناة التحتية آخره
دال مهملة مصغرًا ويقال له
الجعد (بن عبد الرحمن) بن أوس (قال: حدّثني) بالإفراد
(يزيد بن خصيفة) بخاء معجمة مضمومة وصاد مهملة مفتوحة
وبالفاء نسبة لجدّه واسم أبيه عبد الله (عن السائب بن
يزيد) بالسين المهملة الكندي الصحابي، وهو عمّ يزيد بن
خصيفة (قال):
(كنت قائمًا) بالقاف وفي نسخة نائمًا بالنون، ويؤيده
رواية حاتم عند الإسماعيلي عن الجعيد بلفظ: كنت
مضطجعًا (في المسجد فحصبني) أي رماني بالحصباء (رجل
فنظرت) إليه (فإذا عمر بن الخطاب) رضي الله عنه حاضر
أو واقف، (فقال) أي عمر للسائب: (اذهب فائتني بهذين)
الشخصين وكانا ثقفيين كما في رواية عبد الرزاق (فجئته
بهما. قال) أي عمر رضي الله عنه، ولأبوي ذر والوقت
فقال: (من) ولأبي الوقت وابن عساكر ممن (أنتما أو من
أين أنتما؟ قالا: من أهل الطائف.
قال) عمر رضي الله عنه: (لو كنتما من أهل البلد) أي
المدينة (لأوجعتكما) جلدًا (ترفعان) جواب عن سؤال
مقدّر كأنهما قالا: لم توجعنا؟ قال: لأنكما ترفعان
(أصواتكما في مسجد رسول الله) وللأصيلي في مسجد النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عبّر بأصواتكما
بالجمع دون صوتيكما بالتثنية لأن المضاف المثنى معنى
إذا كان جزء ما أضيف إليه، فالأصح أن يذكر بالجمع
كقوله تعالى: {فقد صغت قلوبكما} [التحريم: 4) وإن لم
يكن جزأه فالأكثر مجيئه بلفظ التثنية نحو: سلّ الزيدان
سيفيهما فإن من اللبس جاز جعل المضاف بلفظ الجمع كقوله
عليه الصلاة والسلام (يعذبان في قبورهما) وإنما قال
عمر رضي الله عنه لهما: من أين أنتما ليعلم أنهما إن
كانا من أهل البلد وعلما أن رفع الصوت باللغط في
المسجد غير جائز زجرهما وأدّبهما، فلما أخبراه أنهما
من غير أهل البلد عذرهما بالجهل.
ورواة هذا الحديث ما بين مديني ومدني وبصري، وفيه
التحديث والعنعنة والقول.
471 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ
بْنِ مَالِكٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ
أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ
عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ
أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي
بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى كَشَفَ
سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادَى: يَا كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ،
يَا كَعْبُ. قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ،
فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعِ الشَّطْرَ مِنْ
دَيْنِكَ. قَالَ كَعْبٌ: قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قُمْ فَاقْضِهِ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد) غير منسوب نعم في رواية أبي
عليّ بن شبويه عن الفربري، حدّثنا أحمد بن صالح وبه
جزم ابن السكن وهو مصري (قال: حدّثنا) ولأبي الوقت
وابن عساكر أخبرنا (ابن وهب) عبد الله المصري (قال:
أخبرني) بالإفراد (يونس بن يزيد) الأيلي (عن ابن شهاب)
محمد بن مسلم الزهري قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الله
بن كعب بن مالك) أن أباه (كعب بن مالك) الأنصاري
السلمي المدني الشاعر (أخبره) (أنه تقاضى) أي طالب
(ابن أبي حدرد) بالحاء المهملة المفتوحة والدالين
المهملتين الساكنة أولاهما بينهما راء عبد الله بن
سلامة (دينًا) أي بدين (له
عليه) ولأبوي ذر والوقت كان له عليه (في عهد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد
فارتفعت أصواتهما حتى سمعها) أي أصواتهما، وللأصيلي
حتى سمعهما أي كعبًا وابن أبي حدرد (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في بيته) جملة حالية
اسمية ولم ينكر عليهما رفع أصواتهما في المسجد، لأن
ذلك لطلب حق ولا بد فيه من رفع الصوت كما لا يخفى.
وقال مالك: لا يرفع الصوت في المسجد بعلم ولا بغيره،
وأجازه أبو حنيفة رحمه الله، (فخرج إليهما رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(1/455)
حتى كشف سجف حجرته) بكسر السين المهملة
وسكون الجيم وبالفاء أي ستر بيته. (ونادى: يا كعب بن
مالك) الأوّل مضموم منادى مفرد، والثاني منصوب منادى
مضاف، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: ونادى
كعب بن مالك (قال) وللأصيلي فقال كعب: (لبيك يا رسول
الله فأشار بيده) الكريمة المباركة (أن ضع الشطر من
دينك، قال كعب: قد فعلت) ذلك (يا رسول الله، قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مخاطبًا
لابن أبي حدرد وآمرًا له: (قم فاقضه) دينه.
84 - باب الْحِلَقِ وَالْجُلُوسِ فِي الْمَسْجِدِ
(باب) جواز (الحلق) للعلم وقراءة القرآن والذكر وغيرها
وهي بكسر الحاء المهملة وفتح اللام ولابن عساكر الحلق
بفتحهما (و) جواز (الجلوس في المسجد).
472 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ
بْنُ الْمُفَضَّلِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَهْوَ عَلَى
الْمِنْبَرِ- مَا تَرَى فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ؟ قَالَ:
مَثْنَى مَثْنَى. فَإِذَا خَشِيَ الصُّبْحَ صَلَّى
وَاحِدَةً فَأَوْتَرَتْ لَهُ مَا صَلَّى" وَإِنَّهُ
كَانَ يَقُولُ: اجْعَلُوا آخِرَ صَلاَتِكُمْ وِتْرًا،
فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَمَرَ بِهِ. [الحديث 42 - أطرافه في: 473،
990، 993، 995، 1137].
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا
بشر بن المفضل) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة في
الأوّل وضم الميم وفتح الفاء وتشديد الضاد المعجمة
المفتوحة (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري،
وللأصيلي حدّثنا عبيد الله (عن نافع) مولى ابن عمر (عن
ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، وللأصيلي عن عبد
الله بن عمر (قال):
(سأل رجل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه (وهو على المنبر)
جملة حالية (ما ترى) أي ما رأيك أو من رأى بمعنى علم،
والمراد لازمه إذ العالم يحكم بما علم شرعًا (في صلاة
الليل. قال) عليه الصلاة والسلام: (مثنى مثنى) أي صلاة
الليل مثنى مثنى، فالمبتدأ محذوف ومثنى غير منصوف
للعدل والوصف. أي اثنين اثنين وكرره للتأكيد. قال
الزركشي رحمه الله في تعليق العمدة: استشكل بعضهم
التكرار، فإنّ القاعدة فيما عدل من أسماء الأعداد أن
لا يكرر فلا يقال: جاء القوم مثنى مثنى.
وأجيب: بأنه تأكيد لفظي لا لقصد التكرار، فإن ذلك
مستفاد من الصيغة ثم قال: وأقول إن أصل السؤال فاسد،
بل لا بدّ من التكرار إذا كان العدل في لفظ واحد كمثنى
مثنى وثلاث ثلاث.
قال الشاعر:
هنيئًا لأرباب البيوت بيوتهم ... وللآكلين التمر مخمس
مخمسا
ومنه الحديث مثنى مثنى، فإن وقعت بين لفظين أو ألفاظ
مختلفة لم يجز التكرار كمثنى وثلاث ورباع، والحكمة في
ذلك أن ألفاظ العدد المعدولة مشروطة بسبق ما يقع فيه
التفصيل تحقيفًا نحو: {أولي أجنحة} [فاطر: 1] أو
تقديرًا نحو: صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا أريد تفصيله
من نوع واحد وجب تكريره، لأن وقوعه بعده إما على جهة
الخبرية أو الحالية أو الوصفية، فحمله عليه يقتضي
مطابقته له، فلا بدّ من تكريره لتحصل الموافقة له، إذ
لا يحسن وصف الجماعة باثنين وإن كان من ألفاظ مقدرة
متعددة، فالمجموع تفصيل للمجموع فكان وافيًا به فلأجل
ذلك لم يكرر نحو قوله تعالى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ
لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}
[النساء: 3] وإنما كان العدل في هذه الألفاظ من غير
تكرار ليصيب كل ناكح ما شاء من هذه الأعداد، إذ لو كان
من لفظ واحد لاقتصر الناكحون على ذلك العدد اهـ.
وتعقبه في المصابيح بأنه لا يعرف أحدًا من النحاة ذهب
إلى هذا التفصيل الذي ذكره، وفي الصحاح: إذا قلت جاءت
الخيل مثنى فالمعنى اثنين اثنين أي جاؤوا مزدوجين،
فهذا مما يقدح في إيجاب التكرير في اللفظ الواحد ثم
بناء ما ذكره على الحكمة التي أبداها بناء واهٍ لأن
المطابقة حاصلة بدون تكرير اللفظ المعدول من جهة
المعنى، وذلك أنك إذا قلت جاء القوم مثنى إنما معناه
اثنين اثنين، وهكذا فهو بمعنى مزدوجين كما قال
الجوهري، ولا شك في صحة حمل مزدوجين على القوم ثم
تكرير اللفظ المعدول لا يوجب المطابقة لأن الثاني
كالأوّل سواء وليس ثم حرف يقتضي الجمع حتى تحسن
المطابقة التي قصدها فلا يظهر وجه صحيح لما قاله وبناه
اهـ.
(فإذا خشى) المصلي (الصبح صلّى) ركعة (واحدة فأوترت)
تلك الركعة (له ما صلّى) احتجّ به الشافعية على أن أقل
الوتر ركعة واحدة مع حديث ابن عمر رضي الله عنهما
مرفوعًا: "الوتر ركعة من آخر الليل" وقال المالكية أي
ركعة مع شفع تقدمها
(1/456)
ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى. قال
نافع: (وأنه) أي ابن عمر (كان يقول) (اجعلوا آخر
صلاتكم وترًا) وللأصيلي وأبي الوقت في نسخة عنهما وابن
عساكر: آخر صلاتكم بالليل فزاد لفظ بالليل، وعزاها في
الفتح لرواية الكشميهني والأصيلي فقط، (فإن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر به) أي
بالوتر أو بالجعل الذي يدلّ عليه قوله اجعلوا.
فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة: أجيب:
بأنّ كونه عليه الصلاة والسلام على المنبر يدل على
جماعة جالسين في المسجد، وعنهم الرجل الذي سأل عن صلاة
الليل. ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه
التحديث والعنعنة والقول.
473 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ:
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَخْطُبُ
فَقَالَ: كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيْلِ؟ فَقَالَ: مَثْنَى
مَثْنَى، فَإِذَا خَشِيتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ
بِوَاحِدَةٍ تُوتِرُ لَكَ مَا قَدْ صَلَّيْتَ". قَالَ
الْوَلِيدُ بْنُ كَثِيرٍ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُمْ
أَنَّ رَجُلاً نَادَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل (قال:
حدّثنا حماد) وللأربعة حماد بن زيد (عن أيوب)
السختياني (عن نافع عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله
عنهما:
(أن رجلاً جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهو يخطب) على المنبر (فقال: كيف صلاة
الليل؟ فقال) ولأبي
ذر قال (مثى مثنى فإذا خشيت الصبح فأوتر بواحدة توتر)
بالرفع على الاستئناف أو بالجزم جواب الأمر، وزاد في
رواية أبي الوقت في نسخة لك، وعزاها فى الفتح
للكشميهني والأصيلي (ما قد صلّيت) وإسناد الإيتار إلى
الصلاة مجاز (قال) وفي رواية وقال (الوليد بن كثير)
بالمثلثة القرشي المخزومي المدني ثم الكوفي مما وصله
مسلم: (حدّثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن
عبد الله) العمري (أن) أباه عبد الله (بن عمر) بن
الخطاب رضي الله عنه (حدّثهم) أن رجلاً نادى النبيّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في المسجد
قيل: ليس فيه ما يدل على الحلق. وأجيب بأنه شبه جلوس
الرجال في المسجد حوله عليه الصلاة والسلام وهو يخطب
بالتحلق حول العالم، لأن الظاهر أنه عليه الصلاة
والسلام لا يكون في المسجد وهو على المنبر وعنده جمع
جلوس إلاّ محدقين به كالتحلقين.
474 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ أَبَا مُرَّةَ
مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ عَنْ
أَبِي وَاقِدٍ اللَّيْثِيِّ قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ، فَأَقْبَلَ
اثْنَانِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَهَبَ وَاحِدٌ، فَأَمَّا
أَحَدُهُمَا فَرَأَى فُرْجَةً فَجَلَسَ، وَأَمَّا
الآخَرُ فَجَلَسَ خَلْفَهُمْ. فَلَمَّا فَرَغَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
أَلاَ أُخْبِرُكُمْ عَنِ الثَّلاَثَةِ؟ أَمَّا
أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ فَآوَاهُ اللَّهُ،
وَأَمَّا الآخَرُ فَاسْتَحْيَى فَاسْتَحْيَى اللَّهُ
مِنْهُ، وَأَمَّا الآخَرُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ
اللَّهُ عَنْهُ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا) ولابن عساكر والأصيلي حدّثنا (مالك) الإمام
(عن إسحاق بن عبد الله بن أو طلحة أن أبا مرة) بضم
الميم يزيد (مولى عقيل بن أبي طالب) بفتح العين (أخبره
عن أبي واقد) بالقاف والدال المهملة الحرث بن عوف
(الليثي قال):
(بينما رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جالس حال كونه (في المسجد) زاد
في كتاب العلم والناس معه (فأقبل ثلاثة نفر) من الطريق
ودخلوا المسجد مارّين فيه وفيه زيادة الفاء على جواب
بينما، وللأصيلي فأقبل نفر ثلاثة فـ (أقبل اثنان) من
الثلاثة الذين أقبلوا من الطريق (إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وذهب واحد) عطف
على فأقبل اثنان (فأما أحدهما) أما للتفصيل وأحدهما
رفع بالابتداء
والخبر قوله (فرأى فرجة فجلس) هذا موضع الترجمة وأدخل
الفاء في فرأى لتضمن أما معنى الشرط وفي فجلس للعطف،
وللأصيلي فرجة في الحلقة بإسكان اللام فجلس (وأما
الآخر) بفتح الخاء أي الثاني (فجلس خلفهم) نصب على
الظرفية (وأما الآخر فأدبر ذاهبًا) وهذه ساقطة من
اليونينية، (فلما فرغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما كان مشتغلاً به من الخطبة أو
تعليم العلم أو غير ذلك (قال: ألا أخبركم عن الثلاثة)
وللأصيلي عن النفر الثلاثة (أما أحدهم فأوى) بالقصر أي
لجأ (إلى الله فآواه الله) عز وجل بالمد، (وأما الآخر
فاستحيا) ترك المزاحمة (فاستحيا الله منه) جازاه بمثل
فعله بأن رحمه ولم يعاقبه، (وأما الآخر فأعرض) عن مجلس
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأعرض
الله عنه) أي جازاه بأن غضب عليه فهو من باب ذكر
الملزوم وإرادة اللازم، لأن نسبة الإيواء والاستحياء
والإعراض في حقه تعالى محُال، فالمراد لازم ذلك وهو
إرادة إيصال الخير وترك العقاب.
وفي الحديث التحلّق للعلم والذكر وهو ظاهر فيما ترجم
له، والحديث سبق في باب من قعد حيث ينتهي به المجلس من
كتاب العلم.
85 - باب الاِسْتِلْقَاءِ فِي الْمَسْجِدِ، وَمَدِّ
الرِّجْلِ
(باب) جواز (الاستلقاء في المسجد ومدّ الرجل) سقط قوله
ومدّ الرجل عند الأصيلي وأبي ذر وابن عساكر، وثبت في
نسخة عند أبي ذر وابن عساكر كما في الفرع، وكذا
(1/457)
ثبت في نسخة الصغاني كما في الفتح.
475 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبَّادِ بْنِ
تَمِيمٍ عَنْ عَمِّهِ أَنَّهُ رَأَى رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُسْتَلْقِيًا
فِي الْمَسْجِدِ وَاضِعًا إِحْدَى رِجْلَيْهِ عَلَى
الأُخْرَى.
وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
قَالَ: كَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ يَفْعَلاَنِ ذَلِكَ.
[الحديث 475 - طرفاه في: 5969، 6287].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن)
إمام دار الهجرة (مالك عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري (عن عباد بن تميم) بفتح العين وتشديد الموحدة
(عن عمّه) عبد الله بن زيد بن عاصم المازني رضي الله
عنه.
(أنه رأى) أي أبصر (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (مستلقيًا) على ظهره
(في المسجد) حال كونه
(واضعًا إحدى رجليه على الأخرى) فعل ذلك ليبيّن جوازه،
فحديث جابر المروي في مسلم نهى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يضع
الرجل إحدى رجليه على الأخرى وهو مستلقٍ على ظهره إما
منسوخ أو مقيد بما إذا ظهرت بذلك عورته، كأن يكون
الإزار ضيقًا، فإذا وضع رِجلاً فوق الأخرى وهناك فرجة
ظهرت منها العورة فإن أمنَ ذلك جاز.
ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون، وفيه التحديث
والعنعنة وأخرجه المؤلّف أيضًا في اللباس والاستئذان،
ومسلم فى اللباس، وأبو داود في الأدب، والترمذى في
الاستئذان وقال: حسن صحيح، والنسائي في الصلاة.
(وعن ابن شهاب) الزهري بواو العطف على الإسناد السابق
وصرّح به الداودي في روايته عن القعنبي، (عن سعيد بن
المسيب) بفتح المثناة التحتية وكسرها ابن حزن القرشي
المخزومي أحد العلماء الأعلام الأثبات المتفق على أن
مرسلاته أصح المراسيل. وقال ابن المديني: لا أعلم في
التابعين أوسع علمًا منه، وتوفي بعد التسعين وقد ناهز
الثمانين (قال: كان عمر) بن الخطاب (وعثمان) بن عفان
(يفعلان ذلك) رضي الله عنهما أي الاستلقاء المذكور،
وزاد الحميدي عن ابن مسعود أن أبا بكر الصديق رضي الله
عنه كان يفعل ذلك أيضًا، وهذا يردّ على من قال: إن
الاستلقاء من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
86 - باب الْمَسْجِدِ يَكُونُ فِي الطَّرِيقِ مِنْ
غَيْرِ ضَرَرٍ بِالنَّاسِ
وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَأَيُّوبُ وَمَالِك.
(باب) حكم بناء (المسجد يكون في الطريق) المباحة (من
غير ضرر بالناس) ولأبي ذر للناس (وبه) أي بجوازه (قال
الحسن) البصري (وأيوب) السختياني (ومالك) إمام دار
الهجرة وعليه الجمهور، وأما ما رواه عبد الرزاق عن علي
وابن عمر رضي الله عنهما من المنع فسنده ضعيف لا يحتج
به.
476 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ
أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "لَمْ أَعْقِلْ
أَبَوَىَّ إِلاَّ وَهُمَا يَدِينَانِ الدِّينَ، وَلَمْ
يَمُرَّ عَلَيْنَا يَوْمٌ إِلاَّ يَأْتِينَا فِيهِ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
طَرَفَىِ النَّهَارِ بُكْرَةً وَعَشِيَّةً. ثُمَّ
بَدَا لأَبِي بَكْرٍ فَابْتَنَى مَسْجِدًا بِفِنَاءِ
دَارِهِ، فَكَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَيَقْرَأُ
الْقُرْآنَ، فَيَقِفُ عَلَيْهِ نِسَاءُ الْمُشْرِكِينَ
وَأَبْنَاؤُهُمْ يَعْجَبُونَ مِنْهُ وَيَنْظُرُونَ
إِلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَجُلاً بَكَّاءً لاَ
يَمْلِكُ عَيْنَيْهِ إِذَا قَرَأَ الْقُرْآنَ،
فَأَفْزَعَ ذَلِكَ أَشْرَافَ قُرَيْشٍ مِنَ
الْمُشْرِكِينَ". [الحديث 476 - أطرافه في: 2138،
2263، 2264، 2297، 3905، 4093، 5807، 6079].
وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجدّه واسم
أبيه عبد الله المخزومي المصري (قال: حدّثنا الليث) بن
سعد المصري (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الإيلي (عن
ابن شهاب) الزهري (قال):
أخبرني بالإفراد، ولأبي ذر عن الكشميهني، فأخبرني
بالفاء، ولأبي الوقت والأصيلي: وأخبرني بالواو وكلاهما
عطف على مقدر أي أخبرني (عروة بن الزبير) بن العوام
بكذا وأخبرني عقب هذا (أن عائشة زوج النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: لم أعقل) أي لم
أعرف (أبوي) أبا بكر وأم رومان رضي الله عنهما (إلاّ
وهما يدينان الدين) بكسر الدال أي يتدينان بدين
الإسلام فهو نصب بنزع الخافض (ولم يمر علينا) وللأصيلى
وأبي الوقت وابن عساكر عليهما أي الصديق وزوجته (يوم
إلا يأتينا فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- طرفي النهار بكرة وعشية) نصب على الظرفية
فيهما (ثم بدا) أي ظهر (لأبي بكر) رضي الله عنه رأي
بعد أن خرج مهاجرًا من مكة ورجع في جوار ابن الدغنة
واشتراطه عليه أن لا يستعلن بعبادته القصة الآتية إن
شاء الله تعالى في كتاب الهجرة إلى قوله: (فابتنى
مسجدًا بفناء داره) بكسر الفاء مع المد ما امتد من
جوانبها (فكان يصلّي فيه) أي في المسجد (ويقرأ القرآن)
أي ما نزل منه إذ ذاك، (فيقف عليه نساء المشركين
وأبناؤهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكر) رضي
الله عنه (رجلاً بكاءً) بتشديد الكاف مبالغة في باكٍ
(لا يملك عينيه) أي لا يطيق إمساكهما ومنعهما مرّ
البكاء (إذا قرأ القرآن فأفزع) بالزاي أي فأخاف (ذلك)
الوقوف (أشراف قريش من المشركين) أن تميل أبناؤهم
ونساؤهم إلى دين الإسلام.
ووجه المطابقة بين الحديث والترجمة من جهة أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اطّلع على بناء أبي بكر
رضي الله عنه
المسجد وأقرّه عليه. ورواته الستة ثلاثة منهم مصريون
بالميم والآخرون مدنيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي
والتحديث والعنعنة والإخبار، وأخرجه المؤلّف في
الإجارة والكفالة
(1/458)
والأدب والهجرة وبعضه في غزوة الرجيع.
87 - باب الصَّلاَةِ فِي مَسْجِدِ السُّوقِ وَصَلَّى
ابْنُ عَوْنٍ فِي مَسْجِدٍ فِي دَارٍ يُغْلَقُ
عَلَيْهِمُ الْبَاب
(باب) جواز (الصلاة في مسجد السوق) فلا دلالة في حديث:
إن الأسواق شرّ البقاع وإن المساجد خير البقاع المروي
عند البزار لعدم صحة إسناده، ولو صح لم يمنع وضع
المسجد في السوق لأن بقعة المسجد حينئذ تكون بقعة خير
ومسجد بالإفراد، وللأصيلي وابن عساكر مساجد السوق.
(وصلّى ابن عون) بفتح العين المهملة وسكون الواو وآخره
نون عبد الله (في مسجد في دار يغلق عليهم الباب) أي
على ابن عون ومن معه وليس في هذا ذكر السوق فالله أعلم
بوجه المطابقة.
477 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «صَلاَةُ الْجَمِيعِ
تَزِيدُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ وَصَلاَتِهِ فِي
سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ دَرَجَةً، فَإِنَّ
أَحَدَكُمْ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ، وَأَتَى
الْمَسْجِدَ لاَ يُرِيدُ إِلاَّ الصَّلاَةَ لَمْ
يَخْطُ خُطْوَةً إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ بِهَا
دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ خَطِيئَةً، حَتَّى يَدْخُلَ
الْمَسْجِدَ. وَإِذَا دَخَلَ الْمَسْجِدَ كَانَ فِي
صَلاَةٍ مَا كَانَتْ
تَحْبِسُهُ، وَتُصَلِّي -يَعْنِي عَلَيْهِ-
الْمَلاَئِكَةُ مَا دَامَ فِي مَجْلِسِهِ الَّذِي
يُصَلِّي فِيهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لَهُ، اللَّهُمَّ
ارْحَمْهُ، مَا لَمْ يُحْدِثْ فِيهِ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدثنا أبو
معاوية) محمد بن حازم الضرير (عن الأعمش) سليمان بن
مهران (عن أبي صالح) ذكوان (عن أبي هريرة) رضي الله
عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال):
(صلاة الجميع) بياء بعد الميم المكسورة وفى رواية صلاة
الجماعة (تزيد على صلاته) أي الشخص المنفرد (في بيته
و) على (صلاته) بانفراده (في سوقه خمسًا وعشرين درجة)
نصب على التمييز وخمسًا مفعول تزيد نحو قولك: زدت عليه
خمسًا وسرّ الأعداد لا يوقف عليه إلا بنور النبوّة،
وسيأتي إن شاء الله تعالى وجه المناسبة في التخصيص
بعدد الخمس والعشرين في باب فضل الجماعة مع مباحث
أخرى. (فإن أحدكم إذا توضأ فأحسن) الوضوء بإسباغه
ورعاية سُننه وآدابه وأسقط المفعول لدلالة السياق
عليه. نعم ألحق في الفرع لا في أصله وضوءه بعد فأحسن،
ويشبه أن يكون بغير خط كاتب الأصل، وللكشميهني في غير
اليونينية بأن أحدكم بالموحدة بدل الفاء للسببية أو
للمصاحبة أي تزيد بخمس وعشرين درجة مع فضائل أخرى هي
رفع الدرجات وصلاة الملائكة ونحوهما. (وأتى المسجد)
حال كونه (لا يريد إلاّ الصلاة) أو ما في معناها
كاعتكاف ونحوه، واقتصر على الصلاة للأغلبية (لم يخط
خطوة) بفتح الخاء (إلاّ رفعه الله بها درجة) سقط لفظ
الجلالة للأصيلي (وحطّ عنه خطيئة) نصب فيهما على
التمييز، وللأصيلي وحطّ عنه بها، وله وللكشميهني أو حط
والواو أشمل (حتى يدخل المسجد) فالمشي إلى الجماعة
يستلزم احتساب الأجْر بالخطوات والتنصّل عن الخطيئات،
ومن توقَّى عن دركات الهلكات فقد ترقى إلى منجاة
الدرجات (وإذا دخل المسجد كان في) ثواب (صلاة ما كانت)
بتاء التأنيث، ولأبي ذرّ: ما كان (تحبسه) الصلاة أي
مدّة دوام ذلك وحذف الفاعل للعلم به (وتصلّي يعني عليه
الملائكة ما دام في مجلسه الذي يصلّي فيه) أي تستغفر
وتطلب له الرحمة قائلين: (اللهم اغفر له اللهم ارحمه)
وسقط عند أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر لفظ يعني
ولفظ عليه عند ابن عساكر في نسخة، وثبت عنه في أخرى
(ما لم يؤذ) المصلّي الملائكة (يحدث) من الإحداث بكسر
الهمزة وبضم أول المضارعين مجزومين، واللاحق بدل من
سابقه، ولأبي ذر وابن عساكر في نسخة، وأبي الوقت يحدث
بالرفع على الاستئناف، وللكشميهني ما لم يؤذ بحدث فيه
بلفظ الجار والمجرور متعلق بيؤذ، وفي نسخة ما لم يحدث
فيه بإسقاط يؤذ أي ما لم يأتِ بناقض للوضوء.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني وكوفي، وفيه
التحديث والعنعنة ورواية تابعي عن تابعي، وأخرجه
المؤلّف أيضًا في باب الجماعة، ومسلم وأبو داود
والترمذي وابن ماجة في الصلاة.
88 - باب تَشْبِيكِ الأَصَابِعِ فِي الْمَسْجِدِ
وَغَيْرِهِ
(باب) جواز (تشبيك الأصابع في المسجد وغيره).
478 و 479 - حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ
بِشْرٍ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ حَدَّثَنَا وَاقِدٌ عَنْ
أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -أَوِ ابْنِ عَمْرٍو-
"شَبَّكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَصَابِعَه". [الحديث 479 - طرفه في: 480].
وبه قال: (حدّثنا حامد بن عمر) بضم العين البكراوي،
المتوفّى بنيسابور أوّل سنة ثلاث وثلاثين ومائتين (عن
بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة ابن المفضل الرقاشي:
كان يصوم يومًا ويفطر يومًا ويصلّي كل يوم أربعمائة
ركعة، وتوفي سنة تسع وثمانين ومائة (قال: حدّثنا عاصم)
هو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب
العمري المدني (قال: حدّثنا) أخي (واقد) بالقاف ابن
محمد (عن أبيه) محمد بن زيد (عن ابن عمر) بن الخطاب
(أو ابن عمرو) هو ابن العاص رضي الله عنه والشك من
واقد (قال):
(شبك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أصابعه) ولابن عساكر شبك أصابعه.
(1/459)
480 - حدثنا وقال عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ
حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ هَذَا
الْحَدِيثَ مِنْ أَبِي فَلَمْ أَحْفَظْهُ، فَقَوَّمَهُ
لِي وَاقِدٌ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي
وَهُوَ يَقُولُ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «يَا
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، كَيْفَ بِكَ إِذَا
بَقِيتَ فِي حُثَالَةٍ مِنَ النَّاسِ ... بِهَذَا».
قال البخاري رحمه الله: (وقال عاصم بن علي) هو ابن
عاصم بن صهيب الواسطي شيخ المؤلّف، وتوفي سنة إحدى
وعشرين ومائتين مما وصله إبراهيم الحربي في غريب
الحديث له (حدّثنا عاصم بن محمد) هو ابن زيد قال (سمعت
هذا الحديث من أبي) محمد بن زيد (فلم أحفظه فقوّمه لي)
أخي (واقد عن أبيه) محمد بن زيد (قال سمعت أبي وهو
يقول):
(قال عبد الله) بن عمرو بن العاص رضي الله عنهم (قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يا عبد
الله بن عمرو) بفتح العين: (كيف بك إذا بقيت في حثالة
من الناس) بضم الحاء المهملة وتخفيف المثلثة (يهذا) أي
بما سبق، وزاد الحميدي في الجمع بين الصحيحين نقلاً عن
ابن مسعود: قد مرجت عهودهم وأمانتهم واختلفوا فصاروا
هكذا وشبك بين أصابعه، وإنما شبك -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أصابعه ليمثل لهم هيئة
اختلاطهم من باب تصوير المعقول بصورة المحسوس.
وهذا الحديث ساقط في أكثر الروايات، ولم يذكره
الإسماعيلي ولا أبو نعيم في مستخرجيهما، وإنما وجد بخط
البرزالي، وذكر أبو مسعود في الأطراف له أنه رآه في
كتاب ابن رميح عن الفربري عن حماد بن شاكر عن البخاري،
وفي اليونينية سقوطه للأصيلي فقط. ورواته ما بين بصري
ومدني وفيه التحديث والعنعنة.
481 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي
مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ
كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا». وَشَبَّكَ
أَصَابِعَهُ. [الحديث 481 - طرفاه في: 2446، 6026].
وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) السلمي الكوفي نزيل
مكة (قال: حدّثنا سفيان) الثّوري (عن أبي بردة بن عبد
الله) وللكشميهني في نسخة عن بريد وهو اسم أبي بردة
(ابن أبي بردة عن جدّه) أبي بردة بن أبي موسى (عن أبي
موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إن المؤمن) ولابن عساكر قال المؤمن (للمؤمن كالبنيان)
بضم الموحدة أي كالحائط (يشدّ بعضه بعضًا) نصب على
المفعولية وسابقه فاعل لسابقه وللمستملي في غير
اليونينية شدّ بلفظ الماضي (وشبك -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصابعه) وللأصيلي بين أصابعه.
ورواة هذا الحديث الخمسة كوفيون، وفيه رواية الابن عن
جدّه، ورواية جدّه عن أبيه والتحديث والعنعنة، وأخرجه
المؤلّف أيضًا في الأدب والمظالم، والترمذي في البر
والنسائي.
482 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ
شُمَيْلٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنِ ابْنِ
سِيرِينَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "صَلَّى بِنَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِحْدَى صَلاَتَىِ الْعَشِيِّ -قَالَ ابْنُ سِيرِينَ:
سَمَّاهَا أَبُو هُرَيْرَةَ، وَلَكِنْ نَسِيتُ أَنَا،
قَالَ-فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ سَلَّمَ،
فَقَامَ إِلَى خَشَبَةٍ مَعْرُوضَةٍ فِي الْمَسْجِدِ
فَاتَّكَأَ عَلَيْهَا كَأَنَّهُ غَضْبَانُ وَوَضَعَ
يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، وَشَبَّكَ بَيْنَ
أَصَابِعِهِ، وَوَضَعَ خَدَّهُ الأَيْمَنَ عَلَى
ظَهْرِ كَفِّهِ الْيُسْرَى، وَخَرَجَتِ السَّرَعَانُ
مِنْ أَبْوَابِ الْمَسْجِدِ فَقَالُوا: قَصُرَتِ
الصَّلاَةُ. وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
فَهَابَا أَنْ يُكَلِّمَاهُ، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ
فِي يَدَيْهِ طُولٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ أَمْ قَصُرَتِ
الصَّلاَةُ؟ قَالَ: لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تُقْصَرْ.
فَقَالَ: أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟ فَقَالُوا:
نَعَمْ. فَتَقَدَّمَ فَصَلَّى مَا تَرَكَ ثُمَّ
سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ
أَوْ أَطْوَلَ. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ
وَسَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ أَوْ أَطْوَلَ، ثُمَّ
رَفَعَ رَأْسَهُ وَكَبَّرَ، فَرُبَّمَا سَأَلُوهُ:
ثُمَّ سَلَّمَ؟ فَيَقُولُ: نُبِّئْتُ أَنَّ عِمْرَانَ
بْنَ حُصَيْنٍ قَالَ: ثُمَّ سَلَّمَ. [الحديث 482 -
أطرافه في: 714، 715، 1227، 1228، 1229، 6051، 7250].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن منصور كما جزم به أبو نعيم
(قال: حدّثنا ابن شميل) بضم المعجمة ولابن عساكر النضر
بن شميل (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (ابن عون) بفتح
العين وسكون الواو عبد الله (عن ابن سيرين) محمد (عن
أبي هريرة) رضي الله عنه (قال):
(صلّى بنا رسولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إحدى صلاتي العشي) بفتح العين المهملة
وتشديد الياء وهو من أوّل الزوال إلى الغروب وللمستملي
والحموي: صلاة العشاء بالمد، وهم في ذلك لا صح أنها
الظهر أو العصر. (قال ابن سيرين) محمد: (قد سماها أبو
هريرة ولكن نسيت أنا) أهي الظهر أم العصر.
(قال: فصلّى بنا ركعتين ثم سلّم فقام إلى خشبة معروضة)
أي موضوعة بالعرض أو مطروحة (في) ناحية (المسجد فاتكأ)
عليه الصلاة والسلام (عليها كأنه غضبان ووضع يده
اليمنى على اليسرى) ولأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر
على يده اليسرى (وشبك بين أصابعه ووضع خدّه الأيمن على
ظهر كفّه اليسرى) ولغير الكشميهني ووضع يده اليمنى بدل
خدّه الأيمن، والرواية الأولى أولى لئلا يلزم التكرار.
(وخرجت السرعان من أبواب المسجد) بفتح السين والراء
المهملتين وضم النون فاعل خرج أي أوائل الناس الذين
يتسارعون، وضبطه الأصيلي مما في غير اليونينية سرعان
بضم السين وإسكان الراء جمع سريع ككثيب وكثبان وهو
المسرع للخروج، وقول أبي الفرج فيما حكاه
الزركشي: إن فيه ثلاث لغات فتح السين وكسرها وضمّها
والراء ساكنة والنون نصب أبدًا، تعقبه الدماميني بأنه
إنما هو في سرعان الذي هو اسم فعل أي سرع، ولذا قال:
والنون نصب أبدًا أي مفتوحة لا تتغير عن الفتح لأنها
حركة بناء، فأما جمع سريع فمعرب تعتور نونه الحركات
الثلاث فنقل اللفظ في غير محله كما ترى اهـ.
(فقالوا: قصرت الصلاة) بفتح القاف وضم الصاد على
البناء للفاعل، أو قصرت من قصر يقصر بضم
(1/460)
القاف وكسر الصاد على البناء للمفعول وعزي
لأصل الحافظ المنذري (وفي القوم أبو بكر وعمر فهابا)
بإسقاط الضمير المنصوب وفي رواية فهاباه أي خافاه (أن
يكلماه) عليه السلام إجلالاً له؛ (وفي القوم رجل) هو
الخرباق وكان (في يديه طول يقال له ذو اليدين قال) وفي
رواية فقال: (يا رسول الله أنسيت أم قصرت الصلاة)
بالفتح ثم الضم أو الضم ثم الكسر كالسابقة (قال) عليه
الصلاة والسلام: (لم أنسَ) في ظني (ولم تقصر) أي
الصلاة (فقال) عليه الصلاة والسلام للحاضرين: (أكما)
أي الأمر كما (يقول ذو اليدين؟ فقالوا: نعم) الأمر ما
يقول (فتقدم) عليه الصلاة والسلام (فصلّى ما ترك) أي
الذي تركه وهو الركعتان (ثم سلم ثم كبر وسجد مثل سجوده
أو أطول ثم رفع رأسه وكبر ثم كبر) وسقط لابن عساكر ثم
كبر (وسجد مثل سجوده أو أطول ثم رفع رأسه وكَبّر فربما
سألوه) أي سألوا ابن سيرين هل في الحديث (ثم سلم
فيقول) وللأصيلي يقول: (نبئت) بضم النون أي أخبرت (أن
عمران بن حصين قال ثم سلم) ولأبي داود والترمذي
والنسائي من طريق أشعث عن ابن سيرين حدّثني خالد
الحذاء عن أبي قلابة عن عمّه أبي المهلب عن عمران بن
حصين: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- صلّى بهم فَسَها فسجد سجدتين ثم تشهّد ثم
سلّم فبين أشعث الواسطة بين ابن سيرين وبين عمران.
ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في باب
السهو. ورواته الخمسة ما بين مروزي وبصري، وفيه
التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه أيضًا في السهو
وكذا مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
89 - باب الْمَسَاجِدِ الَّتِي عَلَى طُرُقِ
الْمَدِينَةِ وَالْمَوَاضِعِ الَّتِي صَلَّى فِيهَا
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب) بيان (المساجد التي على طرق المدينة) النبوية
بينها وبين مكة (والمواضع التي صلّى فيها النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولم تجعل مساجد.
483 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
الْمُقَدَّمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا فُضَيْلُ بْنُ
سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ
قَالَ: رَأَيْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
يَتَحَرَّى أَمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي
فِيهَا، وَيُحَدِّثُ أَنَّ أَبَاهُ كَانَ يُصَلِّي
فِيهَا، وَأَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي فِي تِلْكَ
الأَمْكِنَةِ. وَحَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ.
وَسَأَلْتُ سَالِمًا فَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ وَافَقَ
نَافِعًا فِي الأَمْكِنَةِ كُلِّهَا، إِلاَّ
أَنَّهُمَا اخْتَلَفَا فِي مَسْجِدٍ بِشَرَفِ
الرَّوْحَاءِ. [الحديث 483 - أطرافه في: 1535، 2336،
7345].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر) البصري، المتوفّى
سنة أربع وثلاثين ومائتين (المقدمي) بضم الميم الأول
وفتح القاف وتشديد الدال المهملة بلفظ المفعول (قال:
حدثنا فضيل بن سليمان) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة
وسليمان بضم السين النميري بضم النون (قال: حدّثنا
موسى بن عقبة) بضم العين وإسكان القاف (قال):
(رأيت سالم بن عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله
عنهم (يتحرّى) أي يقصد ويختار (أماكن من الطريق فيصلّي
فيها ويحدث أن أباه) عبد الله بن عمر (كان يصلّي فيها
وأنه) أي أبا عبد الله (رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في تلك الأمكنة) سقط لفظ
يصلّي لابن عساكر، وهذا مرسل من سالم إن كان الضمير له
قال موسى بن عقبة: (وحدّثني) بالإفراد (نافع) مولى ابن
عمر (عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يصلّي في تلك
الأمكنة) قال ابن عقبة أيضًا: (وسألت سالمًا) أي ابن
عبد الله بن عمر عن ذلك (فلا أعلمه إلاّ وافق نافعًا
في الأمكنة كلها إلاّ أنهما اختلفا في مسجِد بشرف
الروحاء) بفتح الشين المعجمة والراء آخره فاء في
الأوّل وبفتح الراء وسكون الواو وبالحاء المهملة
ممدودًا اسم موضع بينه وبين المدينة ستة وثلاثون ميلاً
كما عند مسلم في الأذان، ولابن أبي شيبة ثلاثون، وقد
قال فيه عليه الصلاة والسلام: "هذا وادٍ من أودية
الجنة وقد صلّى فيه قبلي سبعون نبيًّا ومرّ به موسى بن
عمران عليه الصلاة والسلام حاجًّا أو معتمرًا".
ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث
والعنعنة والرؤية.
484 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ
قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَنْزِلُ
بِذِي الْحُلَيْفَةِ حِينَ يَعْتَمِرُ وَفِي حَجَّتِهِ
حِينَ حَجَّ تَحْتَ سَمُرَةٍ فِي مَوْضِعِ الْمَسْجِدِ
الَّذِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ. وَكَانَ إِذَا رَجَعَ
مِنْ غَزْوٍ كَانَ فِي تِلْكَ
الطَّرِيقِ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ هَبَطَ مِنْ
بَطْنِ وَادٍ، فَإِذَا ظَهَرَ مِنْ بَطْنِ وَادٍ
أَنَاخَ بِالْبَطْحَاءِ الَّتِي عَلَى شَفِيرِ
الْوَادِي الشَّرْقِيَّةِ فَعَرَّسَ ثَمَّ حَتَّى
يُصْبِحَ، لَيْسَ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الَّذِي
بِحِجَارَةٍ وَلاَ عَلَى الأَكَمَةِ الَّتِي عَلَيْهَا
الْمَسْجِدُ، كَانَ ثَمَّ خَلِيجٌ يُصَلِّي عَبْدُ
اللَّهِ عِنْدَهُ فِي بَطْنِهِ كُثُبٌ كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَّ
يُصَلِّي، فَدَحَا السَّيْلُ فِيهِ بِالْبَطْحَاءِ
حَتَّى دَفَنَ ذَلِكَ الْمَكَانَ الَّذِي كَانَ عَبْدُ
اللَّهِ يُصَلِّي فِيهِ. [الحديث 484 - أطرافه في:
1532، 1533، 1799].
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) بكسر الذال
المعجمة ابن عبد الله المديني الحزامي بكسر الحاء
المهملة وبالزاي (قال: حدّثنا أنس بن عياض) بكسر العين
المهملة آخره معجمة المدني، المتوفى سنة ثمانين ومائة
(قال: حدّثنا موسى بن عقبة بن نافع أن عبد الله)
ولأبوي ذر والوقت أن عبد الله بن عمر وللأصيلي يعني
ابن عمر (أخبره):
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كان ينزل بذي الحليفة) بضم الحاء المهملة وفتح اللام
الميقات المشهور لأهل
المدينة (حين يعتمر وفي حجته حين حج) حجة الوداع (تحت
سمرة) بفتح المهملة وضم الميم أم غيلان وشجر الطلح ذات
الشوك (في موضع المسجد الذي بذي الحليفة) وفي نسخة
الذي كان بذي الحليفة (وكان) عليه
(1/461)
الصلاة والسلام (إذا رجع من غزو كان في تلك
الطريق) أي طريق الحديبية وكان صفة لغزو، ولابن عساكر
وأبي ذر في نسخة غزو وكان بالواو قبل الكاف، ولأبي
الوقت والأصيلي غزوه كان بالهاء فتذكير الضمير باعتبار
تأويلها بسفر، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي والأصيلي
غزوة وكان بتاء التأنيث والواو، (أو) كان (في حج أو
عمرة هبط من بطن وادٍ) هو وادي العقيق وسقط حرف الجر
عند أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، ولابن عساكر
وحده هبط من ظهر وادٍ بدل بطن وادٍ (فإذا ظهر من بطن
وادٍ أناخ) راحلته (بالبطحاء) أي بالمسيل الواسع
المجتمع فيه دقاق الحصى من مسيل الماء وهي (التي على
شفير الوادي) بفتح الشين المعجمة أي طرفه (الشرقية)
صفة بطحاء (فعرّس) بمهملات مع تشديد الراء أي نزل آخر
الليل للاستراحة، (ثم) بفتح المثلثة أي هناك (حتى
يصبح) بضم أوّله أي يدخل في الصباح وهي تامة استغنت
بمرفوعها (ليس عند المسجد الذي بحجارة ولا على الأكمة)
بفتح الهمزة والكاف الموضع المرتفع على ما حوله أو تلّ
من حجر واحد (التي عليها المسجد كان ثم) بفتح المثلثة
هناك (خليج) بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام آخره جيم
وادٍ له عمق (يصلّي عبد الله) بن عمر (عنده في بطنه
كثب) بضم الكاف والمثلثة جمع كثيب رمل مجتمع (كان رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم) بفتح
المثلثة هناك (يصلّي) قال البرماوي كالكرماني هو مرسل
من نافع (فدحا) بالحاء المهملة أي دفع (السيل فيه)
ولأبي ذر فدحا فيه السيل (بالبطحاء حتى دفن) السيل
(ذلك المكان الذي كان عبد الله) بن عمر (يصلّي فيه).
485 - وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
صَلَّى حَيْثُ الْمَسْجِدُ الصَّغِيرُ الَّذِي دُونَ
الْمَسْجِدِ الَّذِي بِشَرَفِ الرَّوْحَاءِ، وَقَدْ
كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَعْلَمُ الْمَكَانَ الَّذِي
صَلَّى فِيهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: ثَمَّ
عَنْ يَمِينِكَ حِينَ تَقُومُ فِي الْمَسْجِدِ
تُصَلِّي، وَذَلِكَ الْمَسْجِدُ عَلَى حَافَةِ
الطَّرِيقِ الْيُمْنَى وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى
مَكَّةَ، بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الأَكْبَرِ
رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ، أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ.
(وأن عبد الله بن عمر حدّثه) بالإسناد المذكور إليه
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى
حيث المسجد الصغير) بالرفع صفة للمسجد المرفوع بتقدير
حيث هو المسجد وحيث لا تضاف إلاّ إلى جملة، وفي بعض
الأصول صلّى جنب المسجد بالجيم والنون والموحدة،
وحينئذ فالمسجد مجرور بالإضافة (الذي دون المسجد الذي
بشرف الروحاء) هي قرية جامعة على ليلتين من المدينة،
وتقدّم أن بينها وبين المدينة ستة وثلاثين ميلاً (وقد
كان عبد الله) بن عمر رضي الله عنهما (يعلم) بفتح
أوّله وثالثه وسكون ثانيه من العلم، ولأبوي ذر والوقت
يعلم بضم ثم سكون ثم كسر من العلامة ولهما أيضًا تعلم
بمثناة فوقية وتشديد اللام مفتوحتين (المكان الذي كان
صلّى) ولابن عساكر الذي صلّى (فيه النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) المكان الموصوف
(ثم) بفتح المثلثة هناك (عن يمينك حين تقوم في المسجد
تصلّي وذلك المسجد على حافّة الطريق اليمنى) بتخفيف
الفاء أي على جانبه (وأنت ذاهب إلى مكة بينه وبين
المسجد الأكبر رمية بحجر أو نحو ذلك).
486 - وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يُصَلِّي إِلَى
الْعِرْقِ الَّذِي عِنْدَ مُنْصَرَفِ الرَّوْحَاءِ،
وَذَلِكَ الْعِرْقُ انْتِهَاءُ طَرَفِهِ عَلَى حَافَةِ
الطَّرِيقِ دُونَ الْمَسْجِدِ الَّذِي بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْمُنْصَرَفِ وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى
مَكَّةَ، وَقَدِ ابْتُنِيَ ثَمَّ مَسْجِدٌ فَلَمْ
يَكُنْ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي فِي ذَلِكَ
الْمَسْجِدِ، كَانَ يَتْرُكُهُ عَنْ يَسَارِهِ
وَوَرَاءَهُ وَيُصَلِّي أَمَامَهُ إِلَى الْعِرْقِ
نَفْسِهِ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَرُوحُ مِنَ
الرَّوْحَاءِ فَلاَ يُصَلِّي الظُّهْرَ حَتَّى
يَأْتِيَ ذَلِكَ الْمَكَانَ فَيُصَلِّي فِيهِ
الظُّهْرَ، وَإِذَا أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ فَإِنْ
مَرَّ بِهِ قَبْلَ الصُّبْحِ بِسَاعَةٍ أَوْ مِنْ
آخِرِ السَّحَرِ عَرَّسَ حَتَّى يُصَلِّيَ بِهَا
الصُّبْح.
(وأن ابن عمر كان يصلّي إلى العرق) بكسر العين وسكون
الراء المهملتين وبالقاف الجبل الصغير أو عرق الظبية
الوادي المعروف (الذي عند منصرف الروحاء) بفتح الراء
فيهما أي عند آخرها، (وذلك العرق انتهاء طرفه على حافة
الطريق) ولأبي ذر عن الكشميهني انتهى طرفه بالقصر ورفع
طرفه (دون) أي قريب أو تحت (المسجد الذي بينه وبين
المنصرف) بفتح الراء (وأنت ذاهب إلى مكة، وقد ابتني)
بضم المثناة الفوقية مبنيًّا للمفعول (ثم) أي هناك
(مسجد فلم يكن عبد الله يصلّي) وللأصيلي فلم يكن عبد
الله بن عمر يصلّي (في ذلك المسجد كان) وللأصيلي وكان
(يتركه عن يساره ووراءه) بالنصب على الظرفية بتقدير في
أو الجر عطفًا على سابقه، (ويصلّي أمامه) أي قدام
المسجد (إلى العرق نفسه، وكان عبد الله) بن عمر (يروح
من الروحاء فلا يصلّي الظهر حتى يأتي ذلك المكان
فيصلّي فيه الظهر، وإذا أقبل من مكة فإن مرّ به قبل
الصبح بساعة أو من آخر السحر) ما بين الفجر الكاذب
والصادق، والفرق بينه وبين قوله قبل الصبح بساعة أنه
أراد بآخر السحر أقل من ساعة، وحينئذ فيغاير اللاحق
السابق (عرّس حتى يصلّي بها الصبح).
487 - وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ
يَنْزِلُ تَحْتَ سَرْحَةٍ ضَخْمَةٍ دُونَ
الرُّوَيْثَةِ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ وَوِجَاهَ
الطَّرِيقِ فِي مَكَانٍ بَطْحٍ سَهْلٍ حَتَّى يُفْضِيَ
مِنْ أَكَمَةٍ دُوَيْنَ بَرِيدِ الرُّوَيْثَةِ
بِمِيلَيْنِ وَقَدِ انْكَسَرَ أَعْلاَهَا فَانْثَنَى
فِي جَوْفِهَا وَهِيَ قَائِمَةٌ عَلَى سَاقٍ وَفِي
سَاقِهَا كُثُبٌ كَثِيرَةٌ.
(وأن عبد الله حدّثه) بالسند
(1/462)
السابق إليه (أن النبي) ولابن عساكر أن
رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان
ينزل
تحت سرحة) بفتح السين والحاء المهملتين بينهما راء
ساكنة شجرة (ضخمة) أي عظيمة (دون الرويثة) بضم الراء
وبالمثلثة مصغرًا قرية جامعة بينها وبين المدينة سبعة
عشر فرسخًا (عن يمين الطريق ووجاه الطريق) بكسر الواو
وضمها أي مقابلها والهاء خفض عطفًا على يمين أو نصب
على الظرفية (في مكان بطح) بفتح الموحدة وسكون المهملة
وكسرها واسع (سهل حتى) ولأبي الوقت والأصيلي وابن
عساكر حين (يفضي) أي يخرج عليه الصلاة والسلام (من
أكمة) بفتح الهمزة والكاف والميم موضع مرتفع (دوين
بريد الرويثة) بضم الدال وفتح الواو مصغرًا، ولابن
عساكر دون الرويثة (بميلين) أي بينه وبين المكان الذي
ينزل فيه البريد بالرويثة ميلان أو البريد الطريق،
(وقد انكسر أعلاها فانثنى) بفتح المثلثة مبنيًّا
للفاعل أي انعطف (في جوفها وهي قائمة على ساق)
كالبنيان ليست متّسعة من أسفل (وفي ساقها كثب) بكاف
ومثلثة مضمومتين جمع كثيب وهي تلال الرمل (كثيرة).
488 - وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
صَلَّى فِي طَرَفِ تَلْعَةٍ مِنْ وَرَاءِ الْعَرْجِ
وَأَنْتَ ذَاهِبٌ إِلَى هَضْبَةٍ عِنْدَ ذَلِكَ
الْمَسْجِدِ قَبْرَانِ أَوْ ثَلاَثَةٌ عَلَى
الْقُبُورِ رَضْمٌ مِنْ حِجَارَةٍ عَنْ يَمِينِ
الطَّرِيقِ عِنْدَ سَلِمَاتِ الطَّرِيقِ، بَيْنَ
أُولَئِكَ السَّلِمَاتِ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَرُوحُ
مِنَ الْعَرْجِ بَعْدَ أَنْ تَمِيلَ الشَّمْسُ
بِالْهَاجِرَةِ فَيُصَلِّي الظُّهْرَ فِي ذَلِكَ
الْمَسْجِدِ.
(وأن عبد الله بن عمر حدّثه) بالسند المتقدم إليه (أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في
طرف تلعة) بفتح المثناة
الفوقية وسكون اللام وفتح العين المهملة مسيل الماء من
فوق إلى أسفل الهضبة فوق الكثيب في الارتفاع ودون
الجبل (من وراء العرج) بفتح العين وسكون الراء
المهملتين آخره جيم قرية جامعة بينها وبين الرويثة
ثلاثة عشر أو أربعة عشر ميلاً، (وأنت ذاهب إلى هضبة)
بفتح الهاء وسكون الضاد المعجمة جبل منبسط على وجه
الأرض أو ما طال أو اتسع وانفرد من الجبال (عند ذلك
المسجد قبران أو ثلاثة على القبور رضم) بفتح الراء
وسكون المعجمة وللأصيلي رضم بفتحها أي صخور بعضها فوق
بعض (من حجارة عن يمين الطريق عند سلمات الطريق) بفتح
السين المهملة وكسر اللام صخرات، ولغير أبي ذر
والأصيلي سلمات بفتح اللام شجرة يدبغ بورقها الأديم
(بين أولئك السلمات كان عبد الله) بن عمر رضي الله
عنهما (يروح من العرج بعد أن تميل الشمس بالهاجرة) نصف
النهار عند اشتداد الحرّ (فيصلّي الظهر في ذلك
المسجد).
489 - وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَزَلَ عِنْدَ سَرَحَاتٍ عَنْ يَسَارِ
الطَّرِيقِ فِي مَسِيلٍ دُونَ هَرْشَى، ذَلِكَ
الْمَسِيلُ لاَصِقٌ بِكُرَاعِ هَرْشَى بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الطَّرِيقِ قَرِيبٌ مِنْ غَلْوَةٍ، وَكَانَ
عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي إِلَى سَرْحَةٍ هِيَ أَقْرَبُ
السَّرَحَاتِ إِلَى الطَّرِيقِ وَهْيَ أَطْوَلُهُنَّ.
(وأن عبد الله بن عمر حدّثه) بالسند السابق: (أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نزل عند
سرحات) بفتح الراء
شجرات (عن يسار الطريق في مسيل) بفتح الميم وكسر
المهملة مكان منحدر (دون هرشى) بفتح الهاء وسكون الراء
وبالشين المعجمة مقصور جبل على ملتقى طريق المدينة
والشام قريب من الجحفة (ذلك المسيل لاصق بكراع) بضم
الهاء وسكون الراء وبالشين المعجمة ثنية بين مكة
والمدينة، وقيل جبل قريب من الجحفة (بينه وبين الطريق
قريب من غلوة) بفتح الغين المعجمة غاية بلوغ السهم أو
أمد جري الفرس (وكان عبد الله) بن عمر (يصلّي إلى
سرحة) بفتح السين وسكون الراء (هي أقرب السرحات) بفتح
الراء أي إلى شجرة هي أقرب الشجرات (إلى الطريق وهي
أطولهنّ).
490 - وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانَ يَنْزِلُ فِي الْمَسِيلِ الَّذِي فِي أَدْنَى
مَرِّ الظَّهْرَانِ قِبَلَ الْمَدِينَةِ حِينَ
يَهْبِطُ مِنَ الصَّفْرَاوَاتِ يَنْزِلُ فِي بَطْنِ
ذَلِكَ الْمَسِيلِ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ وَأَنْتَ
ذَاهِبٌ إِلَى مَكَّةَ لَيْسَ بَيْنَ مَنْزِلِ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ
الطَّرِيقِ إِلاَّ رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ.
(وأن عبد الله بن عمر حدّثه) بالسند السابق: (أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينزل في
المسيل) المكان المنحدر (الذي في أدنى مرّ الظهران)
بفتح الميم وتشديد الراء في الأولى، وبفتح الظاء
المعجمة وسكون الهاء في الأخرى المسمى الآن بطن مرو،
وللأصيلي مرّ الظهران (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة
أي مقابل (المدينة حين يهبط) وفي رواية حتى يهبط (من
الصفراوات) بفتح الصاد المهملة وسكون الفاء جمع صفراء
وهي الأودية أو الجبال التي بعد مرّ الظهران (ينزل في
بطن ذلك المسيل عن يسار الطريق) ينزل بالمثناة التحتية
كما في الفرع وغيره، أو تنزل بتاء الخطاب ليوافق قوله:
(وأنت ذاهب إلى مكة ليس بين منزل رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين الطريق إلاّ رمية
بحجر).
491 - وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانَ يَنْزِلُ بِذِي طُوًى وَيَبِيتُ حَتَّى يُصْبِحَ
يُصَلِّي الصُّبْحَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ وَمُصَلَّى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ لَيْسَ فِي
الْمَسْجِدِ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ وَلَكِنْ أَسْفَلَ
مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَكَمَةٍ غَلِيظَةٍ. [الحديث 491 -
طرفاه في: 1767، 1769].
(وأن عبد الله بن عمر حدّثه) بالسند السابق: (أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان ينزل بذي
طوى) بضم الطاء
موضع بمكة، ولأبي ذر عن الكشميهني طوى بكسرها
(1/463)
وعزاه العيني كابن جابر للأصيلي وله في
الفرع كأصله طوى بفتحها ولأبي ذر بذي الطواء بزيادة أل
مع كسر الطاء والمد، وعزا العيني كابن حجر زيادة الألف
واللام للحموي والمستملي وحكيا فتح الطاء عن عياض
وغيره، وهو الذي في الفرع وليس فيه ضم الطاء البتّة،
(ويبيت) بها (حتى يصبح يصلّي الصبح حين يقدم مكة
ومصلّى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك
على أكمة) بفتح الهمزة والكاف والميم موضع مرتفع على
ما حوله أو تل من حجر واحد (غليظة) وفي رواية عظيمة
(ليس في المسجد الذي بني ثم ولكن أسفل من ذلك على أكمة
غليظة).
492 - وَأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ حَدَّثَهُ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَىِ الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْجَبَلِ الطَّوِيلِ نَحْوَ الْكَعْبَةِ
فَجَعَلَ الْمَسْجِدَ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ يَسَارَ
الْمَسْجِدِ بِطَرَفِ الأَكَمَةِ وَمُصَلَّى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَسْفَلَ مِنْهُ عَلَى الأَكَمَةِ السَّوْدَاءِ تَدَعُ
مِنَ الأَكَمَةِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ أَوْ نَحْوَهَا
ثُمَّ تُصَلِّي مُسْتَقْبِلَ الْفُرْضَتَيْنِ مِنَ
الْجَبَلِ الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَ الْكَعْبَةِ.
(وأن عبد الله) زاد الأصيلي ابن عمر (حدّثه) بالسند
السابق إليه: (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- استقبل فرضتي
الجبل) بضم الفاء وسكون الراء وفتح الضاد المعجمة مدخل
الطريق إلى الجبل (الذي بينه) ولأبي الوقت وابن عساكر
الذي كان بينه (وبين الجبل الطويل نحو الكعبة) أي
ناحيتها. قال نافع: (فجعل) عبد الله (المسجد الذي بني
ثم) بفتح الثاء أي هناك (يسار المسجد بطرف الأكمة
ومصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أسفل منه) بالنصب على الظرفية أو بالرفع خبر مبتدأ
محذوف (علي الأكمة السوداء تدع من الأكمة عشرة أذرع)
بالذال المعجمة ولأبي ذر عشر أذرع (أو نحوها ثم تصلّي)
حال كونك (مستقبل الفرضتين من الجبل الذي بينك وبين
الكعبة)، وإنما كان ابن عمر رضي الله عنه يصلّي في هذه
المواضع للتبرّك، وهذا لا ينافي ما روي من كراهية أبيه
عمر لذلك لأنه محمول على اعتقاد من لا يعرف وجوب ذلك
وابنه عبد الله مأمون من ذلك، بل قال البغوي من
الشافعية: إن المساجد التي ثبت أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى فيها لو نذر أحد الصلاة في
شيء منها تعين كما تتعين المساجد الثلاثة، فحفظ اختلاف
عمر وابنه عبد الله رضي الله عنهما عظيم في الدين ففي
اقتفاء آثاره عليه الصلاة والسلام تبرك به وتعظيم له،
وفي نهي عمر رضي الله عنه السلامة في الاتباع من
الابتداع. ألا ترى أن عمر نبه على أن هذه المساجد التي
صلّى فيها عليه الصلاة والسلام ليست من المشاعر ولا
لاحقة بالمساجد الثلاثة في التعظيم ثم إن هذه المساجد
المذكورة لا يعرف اليوم منها غير مسجد ذي الحليفة،
ومساجد الروحاء يعرفها أهل تلك الناحية.
وفي هذا السياق المذكور هنا تسعة أحاديث أخرجها الحسن
بن سفيان في مسنده مفرقة إلا أنه لم يذكر الثالث،
وأخرج مسلم الأخير في كتاب الحج ... ورواة هذا الحديث
الخمسة مدنيون وفيه التحديث والعنعنة والإخبار.
(أبواب سترة المصلي) وهذا ساقط في اليونينية.
90 - باب سُتْرَةُ الإِمَامِ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ
هذا (باب) بالتنوين (سترة الإمام) الذي يصلّي بالناس
وليس بين يديه جدار ونحوه (ستره من) وفي رواية سترة
لمن (خلفه) من المصلين.
493 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ:
"أَقْبَلْتُ رَاكِبًا عَلَى حِمَارٍ أَتَانٍ وَأَنَا
يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْتُ الاِحْتِلاَمَ وَرَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي
بِالنَّاسِ بِمِنًى إِلَى غَيْرِ جِدَارٍ، فَمَرَرْتُ
بَيْنَ يَدَىْ بَعْضِ الصَّفِّ فَنَزَلْتُ
وَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلْتُ فِي
الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَىَّ أَحَد".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (مالك) الإمام الأعظم (عن ابن
شهاب) الزهري (عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن
عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما، وسقط لابن عساكر
عبد الله (أنه قال) وللمستملي أن عبد الله بن عباس
قال:
(أقبلت راكبًا على حمار أتان) بالمثناة الفوقية (وأنا
يومئذ قد ناهزت) أي قاربت (الاحتلام ورسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي بالناس
بمنى) ولمسلم من رواية ابن عيينة بعرفة وجمع بينهما
النووي بأنهما واقعتان، وتعقب بأن الأصل عدم التعدّد،
ولا سيما مع اتحاد مخرج الحديث. قال ابن حجر: والحق أن
قول ابن عيينة بعرفة شاذ وكان في حجة الوداع من غير شك
(إلى غير جدار) قال الشافعي إلى غير سترة وحينئذ فلا
مطابقة بين الحديث والترجمة، وقد بوّب عليه البيهقي
باب من صلّى إلى غير سترة، لكن استنبط بعضهم المطابقة
من قوله إلى غير جدار لأن لفظ غير يشعر بأن ثمة سترة
لأنها تقع دائمًا صفة، وتقديره إلى شيء غير جدار وهو
أعمّ من أن يكون عصًا أو غير ذلك. (فمررت بين يدي بعض
الصف فنزلت وأرسلت) ولأبي ذر فأرسلت (الأتان ترتع
ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك عليّ أحد) فدلّ على جواز
المرور وصحة الصلاة معًا.
(1/464)
فإن قلت: لا يلزم مما ذكر اطّلاعه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك لاحتمال أن يكون
الصف حائلاً دون رؤيته
عليه الصلاة والسلام له. أجيب: بأنه عليه الصلاة
والسلام كان يرى في الصلاة من ورائه كما يرى من أمامه،
وفي رواية المصنف في الحج أنه مرّ بين يدي بعض الصف
الأول فلم يكن هناك حائل دون الرؤية.
494 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ
إِذَا خَرَجَ يَوْمَ الْعِيدِ أَمَرَ بِالْحَرْبَةِ
فَتُوضَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إِلَيْهَا
وَالنَّاسُ وَرَاءَهُ، وَكَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي
السَّفَرِ، فَمِنْ ثَمَّ اتَّخَذَهَا الأُمَرَاءُ.
[الحديث 494 - أطرافه في: 498، 972، 973].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) ولابن عساكر إسحاق يعني ابن
منصور، وبه جزم أبو نعيم وغيره (قال: حدّثنا عبد الله
بن نمير) بضم النون (قال: حدّثنا عبيد الله) بضم العين
وفتح الموحدة ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب
القرشي المدني، المتوفّى سنة تسع وأربعين ومائة (عن
نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله
عنهما:
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كان إذا خرج يوم العيد أمر) خادمه (بالحربة) أي بأخذها
(فتوضع بين يديه فيصلّي إليها والناس وراءه) نصب على
الظرفية والناس رفع عطفًا على فاعل فيصلّي، (وكان)
عليه الصلاة والسلام (يفعل ذلك) أي وضع الحربة والصلاة
إليها (في السفر) فليس مختصًّا بيوم العيد.
قال نافع: (فمن ثم) أي من هنا (اتخذها الأمراء) يخرج
بها بين أيديهم في العيد ونحوه.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفيين ومدنيين، وفيه
التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود في الصلاة.
495 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ عَوْنِ بْنِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبِي أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ
-وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ- الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ
وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ تَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ
الْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك
الطيالسي البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عون
بن أبي جحيفة) بفتح العين وسكون الواو (قال):
(سمعت أبي) أبا جحيفة بضم الجيم وفتح المهملة واسمه
وهب بن عبد الله السموائي بضم السين (أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى بهم بالبطحاء) خارج
مكة ويقال له الأبطح (وبين يديه عنزة) بفتح العين
والنون كنصف رمح لكن سنانها في أسفلها بخلاف الرمح،
فإنه في أعلاه والجملة حالية (الظهر ركعتين والعصر
ركعتين) نصب على الحال أو بدل من المفعول، وزاد في
رواية آدم عن شعبة عن عون أن ذلك كان بالهاجرة. قال
النووي: فيكون عليه الصلاة والسلام جمع حينئذ بين
الصلاتين في وقت الأولى منهما (يمرّ بين يديه) أي بين
العنزة والقبلة (المرأة والحمار) لا بينه وبين العنزة،
لأن في رواية عمر بن أبي زائدة في باب الصلاة في الثوب
الأحمر، ورأيت الناس والدواب يمرون بين يدي العنزة،
وقد اختلف فيما يقطع الصلاة فذهبت طائفة إلى ظاهر حديث
أبي ذر المروي في مسلم من كون مرور الحمار والكلب يقطع
الصلاة. وقال الإمام أحمد: لا شك في الكلب الأسود وفي
قلبي من الحمار والمرأة شيء، وذهب الشافعي إلى أنه لا
يقطع الصلاة شيء لا الكلب ولا الحمار ولا المرأة ولا
غيرها، والتشديد الوارد فيه هو لما يشغل قلب المصلي،
ولا يخفى أن ما رواه ابن عباس كان قبل وفاته -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثمانين يومًا، فيكون
ناسخًا لحديث أبي ذر المذكور والله أعلم.
ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بصري وكوفي، وفيه
التحديث والعنعنة والسماع، وأخرجه المؤلّف أيضًا في
الصلاة وفي ستر العورة والأذان وصفة النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واللباس وفي باب السترة
بمكة ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة في الصلاة.
91 - باب قَدْرِ كَمْ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ
الْمُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ؟
(باب) بيان (قدر كم) ذراع (ينبغي أن يكون بين المصلي)
بكسر اللام (والسترة) كم وإن كان لها صدر الكلام
استفهامية أو خبرية لكن تقدمها المضاف لأنه مع المضاف
إليه في حكم كلمة واحدة.
496 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ قَالَ: "كَانَ بَيْنَ
مُصَلَّى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ الْجِدَارِ مَمَرُّ الشَّاةِ".
[الحديث 496 - طرفه في: 7334].
وبالسند قال (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين وضم
الزاي ثم بالراء المكررة بين ألف، النيسابوري المتوفى
سنة ثلاث وثمانين ومائتين (قال: أخبرنا) ولأبي ذر
حدّثنا (عبد العزيز بن أبي حازم) بالحاء المهملة
والزاي واسمه سلمة (عن أبيه) سلمة بن دينار ولأبي ذر
أخبرني أبي (عن سهل) الساعدي، وللأصيلي سهل بن سعد رضي
الله عنه (قال):
(كان بين مصلّى رسول الله) بفتح اللام بعد الصاد
وللأصيلي النبي أي مقامه في صلاته (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين الجدار) أي جدار المسجد مما
يلي القبلة كما في الاعتصام (ممر الشاة) أي موضع
مرورها وهو بالرفع على أن كان تامّة أو ممر اسم كان
بتقدير قدر أو نحوه والظرف الخبر. وقال الكرماني: ممر
نصب على أنه خبر كان والاسم قدر المسافة، وهذا يحتاج
إلى ثبوت
(1/465)
الرواية.
فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة بالكسر؟
أجيب: بأنه بالفتح لازم له. ورواة هذا الحديث أربعة،
وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، ورواية الابن
عن أبيه، وأخرجه مسلم وأبو داود في الصلاة.
497 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ:
"كَانَ جِدَارُ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْمِنْبَرِ، مَا
كَادَتِ الشَّاةُ تَجُوزُهَا".
وبه قال: (حدّثنا المكي) ولأبي ذر والأصيلي المكي بن
إبراهيم أي البلخي (قال: حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بضم
العين الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع، المتوفّى سنة بضع
وأربعين ومائة.
(عن سلمة) بفتح السين واللام ابن الأكوع الأسلمي
(قال):
(كان جدار المسجد) النبوي (عند المنبر) تتمة اسم كان
أي الجدار الذي عند المنبر والخبر قوله: (ما كادت
الشاة تجوزها) بالجيم أي المسافة وهي ما بين الجدار
والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ أو ما
بين الجدار والمنبر.
قال في الفتح: وهذا الحديث رواه الإسماعيلي من طريق
أبي عاصم عن يزيد فقال: كان المنبر على عهد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس بينه وبين
حائط القبلة إلاّ قدر ما تمر العنز، فتبين بهذا السياق
أن الحديث مرفوع، وللكشميهني: ما كادت الشاة أن تجوزها
بزيادة أن واقتران خبر كاد بأن قليل كحذفها من خبر
عسى، فحصل التقارض بينهما، ثم إن القاعدة أن حرف النفي
إذا دخل على كاد يكون للنفي، لكنه هنا لإثبات جواز
الشاة وقد قدروا ما بين المصلي والسترة بقدر ممر
الشاة، وقيل: أقل ذلك ثلاثة أذرع، وبه قال الشافعي
والإمام أحمد، ولأبي داود مرفوعًا من حديث سهل بن أبي
حثمة: إذا صلّى أحدكم إلى سترة فليدن منها لا يقطع
الشيطان عليه صلاته.
ورواة هذا الحديث ثلاثة، وفيه التحديث والعنعنة،
وأخرجه مسلم.
92 - باب الصَّلاَةِ إِلَى الْحَرْبَة
(باب الصلاة إلى) جهة (الحربة) المركوزة بين المصلي
والقبلة.
498 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُرْكَزُ لَهُ الْحَرْبَةُ
فَيُصَلِّي إِلَيْهَا.
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن
عمر بن حفص عن عاصم بن عمر بن الخطاب القرشي المدني
(قال: أخبرني) بالإفراد (نافع عن) مولاه (عبد الله)
ولأبي ذر عبد الله بن عمر أي ابن الخطاب.
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان
يركز) بالمثناة التحتية المضمومة وفتح الكاف، ولأبي ذر
والأصيلي وابن عساكر بالفوقية أي تغرز (له الحربة) وهي
دون الرمح عريضة النصل (فيصلّي إليها) أي إلى جهتها.
93 - باب الصَّلاَةِ إِلَى الْعَنَزَةِ
(باب الصلاة إلى) جهة (العنزة) بفتح العين المهملة
والنون والزاي وهي أقصر من الحربة أو الحربة الرمح
العريضة النصل والعنزة مثل نصف الرمح.
499 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ
قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: "خَرَجَ عَلَيْنَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِالْهَاجِرَةِ، فَأُتِيَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ
فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ، وَبَيْنَ
يَدَيْهِ عَنَزَةٌ وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ
يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا".
وبالسند قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا
شعبة) بن الحجاج الواسطي ثم البصري (قال: حدّثنا عون
بن أبي جحيفة) بفتح العين في عون وضم الجيم وفتح الحاء
المهملة في جحيفة (قال: سمعت أبي) أبا جحيفة وهب بن
عبد الله (قال) وللأصيلي يقول:
(خرج علينا رسول الله) ولأبوي ذر والوقت النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالهاجرة) وقت
شدّة الحر عند قيام الظهيرة (فأتي) بضم الهمزة (بوضوء)
بفتح الواو أي بماء (فتوضأ فصلّى) بالفاء وفي رواية:
وصلّى (بنا الظهر والعصر) جميعًا في وقت الأولى (وبين
يديه عنزة) جملة حالية (والمرأة والحمار) وغيرهما
(يمرون من ورائها) أي من وراء العنزة، ولا بد من تقدير
وغيرهما للمطابقة فيه حذف، ومثله قوله تعالى: {لَا
يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ
الْفَتْحِ وَقَاتَلَ} [الحديد: 10]. قال البيضاوي:
وقسيم من أنفق محذوف لوضوحه ودلالة ما بعده عليه أو هو
من إطلاق اسم الجمع على التثنية، كما وقع مثله في فصيح
الكلام، وحينئذ فلا يحتاج إلى تقدير. وقول الحافظ ابن
حجر: كأنه أراد الجنس.
تعقبه العيني بأنه إذا أريد به جنس المرأة وجنس الحمار
فيكون تثنية أيضًا وحينئذ فلا مطابقة. قال:
وقول ابن مالك أراد المرأة والحمار وراكبه، فحذف
الراكب لدلالة الحمار عليه، ثم غلب تذكير الراكب
المفهوم على تأنيث المرأة وذا العقل على الحمار فقال:
يمرون، وقد وقع الإخبار عن مذكور ومحذوف في قولهم راكب
البعير طليحان أي البعير وراكبه فيه تعسف وبعد.
500 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ
قَالَ: حَدَّثَنَا شَاذَانُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ قَالَ: سَمِعْتُ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا خَرَجَ لِحَاجَتِهِ
تَبِعْتُهُ أَنَا وَغُلاَمٌ وَمَعَنَا عُكَّازَةٌ أَوْ
عَصًا أَوْ عَنَزَةٌ وَمَعَنَا إِدَاوَةٌ، فَإِذَا
فَرَغَ مِنْ حَاجَتِهِ نَاوَلْنَاهُ الإِدَاوَةَ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن حاتم بن بزيع) بفتح الموحدة
وكسر الزاي وسكون المثناة التحتية آخره مهملة، وحاتم
بالحاء المهملة والمثناة الفوقية (قال: حدثنا شاذان)
بالشين والذال المعجمتين آخره نون ابن عامر البغدادي
(عن شعبة) بن الحجاج
(1/466)
(عن عطاء بن أبي ميمونة) البصري التابعي
(قال) وفي رواية يقول: (سمع أنس بن مالك) رضي الله عنه
(قال):
(كان النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا
خرج لحاجته) للتخلّي (تبعته أنا وغلام) بضمير الفصل
ليصح العطف (ومعنا عكازة) بضم العين وتشديد الكاف عصا
ذات زج (و) قال (عصا أو عنزة) وهي أطول من العصا وأقصر
من الرمح، ولأبي الهيثم أو غيره بالغين المعجمة
والمثناة التحتية والراء أي غير كل واحد من العكازة
والعصا، وصوّب الأولى عياض لموافقتها لسائر الأمهات،
وحمل ابن حجر الثانية على التصحيف ونازعه العيني في
ذلك. (ومعنا إداوة) بكسر الهمزة (فإذا فرغ من حاجته
ناولناه الإداوة) فيستنجي بالماء أو بالحجر ويتوضأ
بالماء وينبش بالعنزة الأرض الصلبة عند قضاء الحاجة
خوف الرشاش ويصلّي عليها.
94 - باب السُّتْرَةِ بِمَكَّةَ وَغَيْرِهَا
(باب) استحباب (السترة) لدفع المارّ (بمكة وغيرها).
501 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ أَبِي
جُحَيْفَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْهَاجِرَةِ فَصَلَّى
بِالْبَطْحَاءِ الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ
وَنَصَبَ بَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةً وَتَوَضَّأَ
فَجَعَلَ النَّاسُ يَتَمَسَّحُونَ بِوَضُوئِهِ.
وبالسند قال: (حدّثنا سلمان بن حرب) بفتح الحاء
المهملة وسكون الراء آخره موحدة (قال: حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن الحكم) بفتح الحاء والكاف ابن عتيبة بضم
العين وفتح المثناة الفوقية الكوفي (عن أبي جحيفة) وهب
بن عبد الله رضي الله عنه (قال):
(خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بالهاجرة فصلّى بالبطحاء) أي بطحاء مكة (الظهر والعصر)
كل واحدة
منهما (ركعتين) جمع بينهما (ونصب بين يديه عنزة وتوضأ)
الواو لمطلق الجمع لا للترتيب وحينئذ فلا إشكال هنا في
سياق نصب العنزة والوضوء بعد الصلاة، (فجعل الناس
يتمسحون بوضوئه) عليه الصلاة والسلام بقتح الواو
بالماء الذي فضل منه أو بالماء المتقاطر من أعضائه حال
التوضؤ، واستنبط منه التبرك بما يلامس أجساد الصالحين
وطهارة الماء المستعمل، وحكمة السترة درء المارّ بين
يديه، ويستحب بمكة وغيرها كما هو معروف عند الشافعية،
ولا فرق في منع المرور بين يدي المصلي بين مكة وغيرها.
نعم اغتفر بعضهم ذلك للطائفين دون غيرهم للضرورة.
95 - باب الصَّلاَةِ إِلَى الأُسْطُوَانَةِ
وَقَالَ عُمَرُ: الْمُصَلُّونَ أَحَقُّ بِالسَّوَارِي
مِنَ الْمُتَحَدِّثِينَ إِلَيْهَا.
وَرَأَى عُمَرُ رَجُلاً يُصَلِّي بَيْنَ
أُسْطُوَانَتَيْنِ فَأَدْنَاهُ إِلَى سَارِيَةٍ
فَقَالَ: صَلِّ إِلَيْهَا.
(باب) استحباب (الصلاة إلى) جهة (الاسطوانة) بهمزة قطع
مضمومة. (وقال عمر) بن الخطاب رضي الله عنه مما وصله
ابن أبي شيبة: (المصلّون أحق بالسواري) في التستر بها
(من المتحدثين) المستندين (إليها) لأنهما وإن اشتركا
في الحاجة إليها فالمصلّي أحق إذ هو في عبادة محققة،
(ورأى عمر) مما هو موصول عند ابن أبي شيبة أيضًا،
ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر في نسخة: رأى
ابن عمر (رجلاً يصلّي بين أسطوانتين) بضم الهمزة
(فأدناه) أي قربه (إلى سارية فقال: صل إليها).
502 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ:
كُنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ فَيُصَلِّي
عِنْدَ الأُسْطُوَانَةِ الَّتِي عِنْدَ الْمُصْحَفِ،
فَقُلْتُ: يَا أَبَا مُسْلِمٍ أَرَاكَ تَتَحَرَّى
الصَّلاَةَ عِنْدَ هَذِهِ الأُسْطُوَانَةِ، قَالَ:
فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَحَرَّى الصَّلاَةَ عِنْدَهَا.
وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) البلخي (قال:
حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بضم العين الأسلمي (قال):
(كنت آتي مع سلمة بن الأكوع) الأسلمي (فيصلّي عند
الأسطوانة) بقطع الهمزة المضمومة المتوسطة في الروضة
المعروفة بالمهاجرين (التي عند المصحف) الذي كان في
المسجد من عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه. قال يزيد:
(فقلت) لابن الأكوع؛ (يا أبا مسلم أراك) بفتح الهمزة
أي أبصرك (تتحرى) تجتهد وتختار وتقصد (الصلاة عند هذه
الأسطوانة قال: فإني رأيت النبي) وللأصيلي: رأيت رسول
الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتحرى
الصلاة عندها) لأنها أولى أن تكون سترة من العنزة.
ورواته ثلاثة، وفيه التحديث والقول، وأخرجه مسلم وابن
ماجة في الصلاة.
503 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ كِبَارَ أَصْحَابِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَبْتَدِرُونَ
السَّوَارِيَ عِنْدَ الْمَغْرِبِ. وَزَادَ شُعْبَةُ
عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَنَسٍ: حَتَّى يَخْرُجَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 503 -
طرفه في: 625].
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة
وبالصاد المهملة ابن عقبة الكوفي (قال: حدّثنا سفيان)
الثوري (عن عمرو بن عامر) بفتح العين وسكون الميم
الكوفي الأنصاري (عن أنس) وللأصيلي أنس بن مالك (قال):
(لقد رأيت) وللحموي والمستملي لقد أدركت (كبار أصحاب
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبتدرون)
بالدال المهملة (السواري) يتسارعون إليها (عند) أذان
(المغرب). (وزاد شعبة) مما هو موصول في كتاب الأذان
(عن عمرو) أي عامر الأنصاري (عن أنس) (حتى) وفي رواية
حين (يخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
ورواة هذا الحديث الأربعة كوفيون، وفيه التحديث
والعنعنة.
96 - باب الصَّلاَةِ بَيْنَ السَّوَارِي فِي غَيْرِ
جَمَاعَةٍ
(باب) حكم (الصلاة بين السواري في غير جماعة) أما فيها
فكره قوم الصلاة بينها
(1/467)
لورود النهي الخاص عن الصلاة بينها في حديث
أنس عند الحاكم بسند صحيح، وهو في السنن الثلاثة وحسنه
الترمذي لأنه يقطع الصفوف والتسوية في الجماعة مطلوبة.
504 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ قَالَ: "دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْبَيْتَ وَأُسَامَةُ بْنُ
زَيْدٍ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ وَبِلاَلٌ
فَأَطَالَ، ثُمَّ خَرَجَ، وَكُنْتُ أَوَّلَ النَّاسِ
دَخَلَ عَلَى أَثَرِهِ، فَسَأَلْتُ بِلاَلاً: أَيْنَ
صَلَّى؟ قَالَ: بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ
الْمُقَدَّمَيْن".
وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري
التبوذكي البصري (قال: حدّثنا جويرة) بضم الجيم ابن
أسماء الضبعي البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن
عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال):
(دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
الكعبة (البيت) الحرام (وأسامة بن زيد) خادمه (وعثمان
بن طلحة) الحجبي
صاحب مفتاح البيت (وبلال) مؤذنه (فأطال) المكث فيه (ثم
خرج) قال ابن عمر رضي الله عنه: (كنت) ولابن عساكر
وكنت (أول الناس دخل على أثره) بفتح الهمزة والمثلثة
أو بكسر ثم سكون، والذي فى اليونينية الفتح لا غير،
(فسألت بلالاً أين صلّى) النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ (قال) أي بلال، ولأبوي ذر والوقت
فقال: صلّى (بين العمودين المقدمين) وللكشميهني
المتقدمين.
ورواة هذا الحديث ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث
والعنعنة والقول.
505 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ الْكَعْبَةَ وَأُسَامَةُ
بْنُ زَيْدٍ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ
الْحَجَبِيُّ، فَأَغْلَقَهَا عَلَيْهِ وَمَكَثَ
فِيهَا. فَسَأَلْتُ بِلاَلاً حِينَ خَرَجَ: مَا صَنَعَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
قَالَ: جَعَلَ عَمُودًا عَنْ يَسَارِهِ وَعَمُودًا
عَنْ يَمِينِهِ وَثَلاَثَةَ أَعْمِدَةٍ وَرَاءَهُ.
وَكَانَ الْبَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلَى سِتَّةِ
أَعْمِدَةٍ، ثُمَّ صَلَّى. وَقَالَ لَنَا
إِسْمَاعِيلُ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ وَقَالَ:
عَمُودَيْنِ عَنْ يَمِينِهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) الإمام رضي الله عنه (عن نافع) مولى ابن
عمر (عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما
سقط عبد الله لابن عساكر.
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
دخل الكعبة وأسامة بن زيد) بالرفع عطفًا على فاعل دخل
أو بالنصب
عطفًا على اسم إن (وبلال وعثمان بن طلحة الحجبي) بفتح
الحاء المهملة والجيم وبالموحدة المكسورة نسبة إلى
حجابة الكعبة (فأغلقها) أي الحجبي أغلق باب الكعبة
(عليه) صلاة الله وسلامه عليه (ومكث فيها) بفتح الكاف
وضمها قال ابن عمر: (فسألت بلالاً حين خرج ما صنع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في الكعبة
(قال) أي بلال: (جعل عمودًا عن يساره وعمودًا عن يمينه
وثلاثة أعمدة وراءه) ولا تنافي بين قوله في الرواية
السابقة صلّى بين العمودين المقدمين، وبين قوله في هذه
جعل عمودًا عن يساره وعمودًا عن يمينه وثلاثة أعمدة
وراءه. نعم استشكل قوله: وكانت البيت يومئذ على ستة
أعمدة إذ فيه إشعار بكون ما عن يمينه أو يساره كان
اثنين. وأجيب: بأن التثنية بالنظر إلى ما كان عليه
البيت في الزمن النبوي والإفراد بالنظر إلى ما صار
إليه بعد، ويؤيده قوله: (وكان البيت يومئذ على ستة
أعمدة ثم صلّى) لأن فيه إشعارًا بأنه تغير عن هيئته
الأولى، أو يقال لفظ العمود جنس يحتمل الواحد والاثنين
فهو مجمل بينته رواية عمودين، أو لم تكن الأعمدة
الثلاثة على سمت واحد بل عمودان متسامتان والثالث على
غير سمتهما ولفظ المتقدمين في السابقة يشعر بهما. قال
البخارى: (وقال لنا إسماعيل) وللأصيلي ابن أبي أويس
ولكريمة قال لنا إسماعيل (حدّثني) بالإفراد (مالك)
الإمام (وقال) ولأبي ذر فقال (عمودين عن يمينه) وقد
وافق إسماعيل في قوله عمودين عن يمينه ابن
القاسم والقعنبي وأبو مصعب ومحمد بن الحسن وأبو حذافة
والشافعي وابن مهدي في إحدى الروايتين عنهما.
97 - باب
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة.
506 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ
قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ كَانَ إِذَا دَخَلَ الْكَعْبَةَ مَشَى قِبَلَ
وَجْهِهِ حِينَ يَدْخُلُ، وَجَعَلَ الْبَابَ قِبَلَ
ظَهْرِهِ، فَمَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْجِدَارِ الَّذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيبًا مِنْ
ثَلاَثَةِ أَذْرُعٍ صَلَّى يَتَوَخَّى الْمَكَانَ
الَّذِي أَخْبَرَهُ بِهِ بِلاَلٌ أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى فِيهِ.
قَالَ: وَلَيْسَ عَلَى أَحَدِنَا بَأْسٌ إِنْ صَلَّى
فِي أَىِّ نَوَاحِي الْبَيْتِ شَاءَ.
وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي الوقت حدّثني
بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) الحزامي المدني (قال:
حدّثنا أبو ضمرة) بفتح الضاد المعجمة وسكون الميم أنس
بن عياض (قال: حدّثنا موسى بن عقبة عن نافع) مولى ابن
عمر.
(أن عبد الله) وللأصيلي عبد الله بن عمر بضم العين رضي
الله عنهما (كان إذا دخل الكعبة مشى قبل) بكسر القاف
وفتح الموحدة أي مقابل (وجهه حين يدخل وجعل الباب قبل)
أي مقابل (ظهره فمشى حتى يكون بينه وبين الجدار الذي
قبل) أي مقابل (وجهه قريبًا) بالنصب وخطأه الزركشي،
وخرجه البدر الدماميني على حذف الموصول وبقاء صلته أي
حتى يكون الذي بينه قريبًا.
ولكنه ليس بمقيس، وخرجه ابن حجر والبرماوي والعيني
كالكرماني على أنه خبر كان والاسم محذوف أي القدر أو
المكان قريبًا، وفي رواية قريب بالرفع اسمها والظرف
المقدم خبرها
(1/468)
(من ثلاثة أذرع) ولأبي ذر ثلاث بالتذكير
والذراع يذكر ويؤنث (صلّى يتوخى) بالخاء المعجمة أي
يتحرّى ويقصد (المكان الذي أخبره به بلال أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى فيه قال)
ابن عمر رضي الله عنهما: (وليس على أحد) ولابن عساكر
على أحدنا (بأس إن صلّى في أي نواحي البيت شاء) بكسر
همزة إن وفتحها، وللكشميهني في غير اليونينية أن يصلّي
بلفظ المضارع.
98 - باب الصَّلاَةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ وَالْبَعِيرِ
وَالشَّجَرِ وَالرَّحْلِ
(باب) حكم (الصلاة إلى) جهة (الراحلة) أي الناقة تصلح
لأن ترحل (و) إلى جهة (البعير) وسقط البعير للأصيلي
كما في الفرع، وأصله وفي نسخة على بدل إلى فليتأمل
والبعير وهو من الإبل ما دخل في الخامسة (و) إلى جهة
(الشجر و) إلى جهة (الرحل) بالحاء المهملة الساكنة
أصغر من القتب.
507 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَنَّهُ كَانَ يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي
إِلَيْهَا. قُلْتُ: أَفَرَأَيْتَ إِذَا هَبَّتِ
الرِّكَابُ؟ قَالَ: كَانَ يَأْخُذُ هَذَا الرَّحْلَ
فَيُعَدِّلُهُ فَيُصَلِّي إِلَى آخِرَتِهِ -أَوْ قَالَ
مُؤَخَّرِهِ- وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ رضي الله عنه
يَفْعَلُهُ.
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر المقدمي) بضم
الميم وفتح القاف والدال المشددة البصري (قال: حدّثنا
معتمر) هو ابن سليمان (عن عبيد الله) بضم العين
وللأصيلي ابن عمر (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر)
رضي الله عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-).
(أنه كان يعرض راحلته) بضم المثناة التحتية وفتح العين
المهملة وتشديد الراء المكسورة أي يجعلها عرضًا، وفي
رواية يعرض بسكون العين وضم الراء (فيصلّي إليها) قال
عبيد الله: (قلت) لنافع كذا بينه الإسماعيلي وحينئذ
فيكون مرسلاً لأن فاعل قوله يأخذ الآتي إن شاء الله
تعالى هو الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ولم يدركه نافع. (أفرأيت) وللأصيلي أرأيت (إذا هبّت
الركاب) بكسر الراء أي هاجت الإبل وشوّشت على المصلي
لعدم استقرارها. (قال) نافع (كان) عليه الصلاة والسلام
(يأخذ الرحل) ولغير أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن
عساكر يأخذ هذا الرحل (فيعدله) بضم المثناة التحتية
وفتح العين وتشديد الدال من التعديل، وهو تقويم الشيء
وضبطه الحافظ ابن حجر وغيره بفتح أوله وسكون العين
وكسر الدال أي يقيمه تلقاء وجهه (فيصلّي إلى أخرته)
بفتح الهمزة والمعجمة والراء من غير مد ويجوز المد لكن
مع كسر الخاء. (أو قال مؤخره) بضم الميم ثم واو معجمة
مفتوحتين وكسر الراء من غير همز كذا في اليونينية ليس
إلا، وفي بعض الأصول مؤخره كذلك، لكن مع الهمزة وضبطه
النووي بضم الميم وهمزة ساكنة وكسر الخاء وهي الخشبة
التي يستند إليها الراكب. (وكان ابن عمر) رضي الله
عنهما (يفعله) أي ما ذكر من التعديل والتعريض.
فإن قلت: ما وجه مناسبة الحديث لما في الترجمة من
البعير والشجر؟ أجيب: بأنه ألحق البعير بالراحلة
للمعنى الجامع بينهما والشجر بالرحل بطريق الأولى، أو
إشارة إلى ما رواه النسائي بإسناد حسن من حديث علي رضي
الله عنه قال: لقد رأيتنا يوم بدر وما فينا إنسان إلا
نائم إلا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فإنه كان يصلّي إلى شجرة يدعو حتى أصبح.
واستنبط من حديث الباب جواز التستر بما يستقر من
الحيوان، وفيه التحديث والعنعنة، وهو من الرباعيات،
وأخرجه مسلم والنسائي.
99 - باب الصَّلاَةِ إِلَى السَّرِيرِ
(باب) حكم (الصلاة إلى السرير) ولابن عساكر في نسخة
على السرير.
508 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ
إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ:
أَعَدَلْتُمُونَا بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ؟ لَقَدْ
رَأَيْتُنِي مُضْطَجِعَةً عَلَى السَّرِيرِ فَيَجِيءُ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَيَتَوَسَّطُ السَّرِيرَ فَيُصَلِّي، فَأَكْرَهُ أَنْ
أُسَنِّحَهُ، فَأَنْسَلُّ مِنْ قِبَلِ رِجْلَىِ
السَّرِيرِ حَتَّى أَنْسَلَّ مِنْ لِحَافِي.
وبالسند قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) نسبة لجدّه
لشهرته به وإلا فأبوه محمد (قال: حدّثنا جرير) بفتح
الجيم ابن عبد الحميد الرازي الكوفي الأصل (عن منصور)
هو ابن المعتمر السلمي الكوفي (عن إبراهيم) بن يزيد
النخعي الكوفي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن) أم
المؤمنين (عائشة) رضي الله عنها (قالت) لمن قال
لحضرتها يقطع الصلاة الكلب والحمار والمرأة:
(أعدلتمونا) بهمزة الإنكار وفتح العين أي لِمَ
عدلتمونا (بالكلب والحمار لقد) وفي رواية ولقد
(رأيتني) بضم المثناة الفوقية أي لقد أبصرت نفسي حال
كوني (مضطجعة على السرير فيجيء النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيتوسط السرير فيصلّي) إليه كما
بين في رواية مسروق عن عائشة رضي الله عنها عند
المؤلّف في الاستئذان حيث قال: كان يصلّي والسرير بينه
وبين القبلة، أو المراد أنه جعل نفسه الشريفة في وسط
السرير فيصلّي عليه. ويؤيده رواية ابن عساكر باب
الصلاة على السرير وحروف الجرّ ينوب بعضها عن بعض.
وأجيب: عن
(1/469)
حديث مسروق بالحمل على حالة أخرى غير
المذكورة هنا (فكره أن أسنحه) بضم الهمزة وفتح السين
المهملة وتشديد النون المكسورة وفتح الحاء المهملة،
وللأصيلي أسنحه بضم ثم سكون فكسرة ففتحة كذا في الفرع
وأصله، وفي فرع آخر أسنحه بفتح ثم سكون ففتحتين أي
أكره أن أستقبله منتصبة ببدني في صلاته (فأنسل) بهمزة
قطع وفتح السين المهملة وتشديد اللام عطفًا على أكره
أي أخرج بخفية أو برفق (من قبل) بكسر القاف وفتح
الموحدة أي من جهة (رجلي السرير) بالتثنية مع الإضافة
لتاليه (حتى أنسل من لحافي) بكسر اللام وهو كالمرور
بين يديه، فيستنبط منه أن مرور المرأة غير قاطع للصلاة
كما إذا كانت بين يدي المصلي.
ورواة هذا الحديث كوفيون، وفيه رواية تابعي عن صحابية
والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا بعد خمسة
أبواب ومسلم في الصلاة.
100 - باب يَرُدُّ الْمُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَيْنَ
يَدَيْهِ
وَرَدَّ ابْنُ عُمَرَ فِي التَّشَهُّدِ، وَفِي
الْكَعْبَةِ، وَقَالَ: إِنْ أَبَى إِلاَّ أَنْ
تُقَاتِلَهُ فَقَاتِلْهُ.
هذا (باب) بالتنوين (يردّ المصلي) ندبًا (من مرّ بين
يديه) سواء كان المارّ آدميًّا أو غيره. (وردّ ابن
عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما مما وصله عبد الرزاق
وابن أبي شيبة (المارّ بين يديه) وهو عمرو بن دينار
(في) حال (التشهد) في غير الكعبة (و) رد أيضًا المارّ
بين يديه (في الكعبة) فالعطف على مقدرًا وهو على
التشهد، فيكون الرد في حالة واحدة في التشهد وفي
الكعبة، وحينئذٍ فلا حاجة لمقدر، وفي بعض الروايات كما
حكاه ابن قرقول وفي الركعة بدل الكعبة. قال: وهو أشبه
بالمعنى.
وأجيب: بأنه وقع عند أبي نعيم شيخ المؤلّف في كتاب
الصلاة من طريق صالح بن كيسان قال: رأيت ابن عمر يصلّي
في الكعبة فلا يدع أحدًا يمر بين يديه يبادره. قال: أي
يرده وبأن تخصيص الكعبة بالذكر لدفع توهم اغتفاره فيها
لكثرة الزحام بها.
(وقال) أي ابن عمر رضي الله عنهما مما وصله عبد
الرزاق: (إن أبى) المارّ (إلا أن تقاتله) أيها المصلي
بالمثناة الفوقية المضمومة (فقاتله) بكسر المثناة
الفوقية وسكون اللام بصيغة الأمر، ولأبي ذر وابن عساكر
قاتله بسكون اللام من غير فاء، لكن قال البرماوي
كالكرماني كونه بلا فاء في جواب الشرط يقدّر له مبتدأ
أي فأنت قاتله، ولغير الكشميهني في غير اليونينية إلا
أن يقاتله أي المصلي قاتله بفتح المثناة واللام بصيغة
الماضي، وهذا وارد على سبيل المبالغة إذ المراد أن
يدفعه دفعًا شديدًا كدفع المقاتل.
509 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنْ
حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ أَنَّ أَبَا
سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح. وَحَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي
إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
الْمُغِيرَةِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ
الْعَدَوِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ
السَّمَّانُ قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ
الْخُدْرِيَّ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلَى
شَىْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ، فَأَرَادَ شَابٌّ
مِنْ بَنِي أَبِي مُعَيْطٍ أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ
يَدَيْهِ فَدَفَعَ أَبُو سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ،
فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ مَسَاغًا إِلاَّ
بَيْنَ يَدَيْهِ، فَعَادَ لِيَجْتَازَ فَدَفَعَهُ
أَبُو سَعِيدٍ أَشَدَّ مِنَ الأُولَى، فَنَالَ مِنْ
أَبِي سَعِيدٍ. ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ فَشَكَا
إِلَيْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَدَخَلَ
أَبُو سَعِيدٍ خَلْفَهُ عَلَى مَرْوَانَ، فَقَالَ: مَا
لَكَ وَلاِبْنِ أَخِي كَ يَا أَبَا سَعِيدٍ؟ قَالَ:
سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ إِلَى
شَىْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فَأَرَادَ أَحَدٌ
أَنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ،
فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّمَا هُوَ
شَيْطَانٌ». [الحديث 509 - طرفه في: 3274].
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين عبد الله بن
عمرو المقعد البصري المتوفى بها سنة أربع وعشرين
ومائتين (قال: حدّثنا عبد الوارث) ابن سعيد بن ذكوان
العنبري البصري، المتوفّى سنة ثمانين ومائة (قال:
حدّثنا يونس) بن عبيد بالتصغير ابن دينار البصري،
المتوفّى سنة تسع وثلاثين ومائة (عن حميد بن هلال)
بكسر الهاء وتخفيف اللام العدوي التابعي الجليل (عن
أبي صالح) ذكوان السمان (أن أبا سعيد) سعد بن مالك
الخدريّ رضي الله عنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح) مهملة للتحويل وهي ساقطة من
اليونينية.
قال البخاري: (وحدّثنا آدم) ولغير أي ذر والأصيلي آدم
بن أي إياس (قال: حدّثنا سليمان بن المغيرة) القيسي
البصري (قال: حدّثنا حميد بن هلال العدوي، قال: حدّثنا
أبو صالح) ذكوان (السمان) المذكوران وقرن المؤلّف
رواية يونس برواية سليمان وساق لفظه دون لفظ يونس
(قال):
(رأيت أبا سعيد الخدري) رضي الله عنه (في يوم جمعة
يصلّي إلى شيء يستره من الناس فأراد شاب من بني أبي
معيط) قيل: هو الوليد بن عقبة بن أبي معيط كما خرّجه
أبو نعيم شيخ المؤلّف في كتاب الصلاة، وقيل غيره (أن
يجتاز بين يديه) بالجيم والزاي من الجواز (فدفع أبو
سعيد) الخدري رضي الله عنه (في صدره فنظر الشاب فلم
يجد مساغًا) بفتح الميم والغين المعجمة أي طريقًا
يمكنه المرور منها (إلاَّ بين يديه فعاد ليجتاز فدفعه
أبو سعيد أشد من) الدفعة (الأولى فنال) الشاب بالفاء
والنون (من أبي سعيد) أي أصاب من عرضه بالشتم (ثم دخل)
الشاب (على مروان) بن الحكم الأموي، المتوفى سنة خمس
وستين وهو ابن ثلاث وستين سنة. (فشكا إليه ما لقي من
أبي سعيد، ودخل أبو سعيد خلفه على مروان فقال) مروان
لأبي سعيد: (ما لك ولابن أخيك) أي في
(1/470)
الإسلام (يا أبا سعيد) وهو يردّ على من
قال: إن المارّ هو الوليد بن عقبة لأن أباه عقبة قتل
كافرًا. وقوله ما مبتدأ وخبره لك ولابن أخيك عطف عليه
بإعادة الخافض (قال) أبو سعيد رضي الله عنه: (سمعت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: إذا
صلّى أحدكم إلى شيء يستره من الناس فأراد أحد أن يجتاز
بين يديه فليدفعه) قال القرطبي رحمة الله عليه
بالإشارة ولطيف المنع (فإن أبى فليقاتله) بكسر اللام
الجازمة وسكونها.
قال النووي رحمة الله عليه: لا أعلم أحدًا من الفقهاء
قال بوجوب هذا الدفع، بل صرّح أصحابنا رحمهم الله
تعالى بأنه مندوب. نعم قال أهل الظاهر بوجوبه، ونقل
البيهقي عن الشافعي رحمهما الله تعالى أن المراد
بالمقاتلة دفع أشد من الدفع الأول. وقال أصحابنا: يرده
بأسهل الوجوه فإن أبى فبأشد ولو أدّى إلى قتله فقتله
فلا شيء عليه، لأن الشّارع أباح له مقاتلته، والمقاتلة
المباحة لا ضمان فيها وليس المراد المقاتلة بالسلاح
ولا بالمشي إليه، بل والمصلي بمحله بحيث تناله يده ولا
يكون عمله في مدافعته كثيرًا (فإنما هو شيطان) أي إنما
فعله فعل شيطان، وإطلاق الشيطان على مارد الإنس سائغ
على سبيل المجاز والحصر بإنما للمبالغة، فالحكم
للمعاني لا للأسماء لأنه يستحيل أن يصير المارّ
شيطانًا بمروره بين يدي المصلي.
ورواة هذا الحديث الثمانية بصريون إلا أبا صالح فإنه
مدني، وآدم فإنه عسقلاني، وفيه التحويل والتحديث
والعنعنة والقول والرؤية، ورواية تابعي عن تابعي عن
صحابي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في صفة إبليس لعنة الله
عليه، ومسلم وأبو داود في الصلاة.
101 - باب إِثْمِ الْمَارِّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّي
(باب إثم المارّ بين يدي المصلي).
510 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى
عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ بُسْرِ بْنِ
سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ أَرْسَلَهُ إِلَى
أَبِي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
الْمَارِّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّي، فَقَالَ أَبُو
جُهَيْمٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ
يَدَىِ الْمُصَلِّي
مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ
خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ.
قَالَ أَبُو النَّضْرِ: لاَ أَدْرِي أَقَالَ
أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً.
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) الإمام رضي الله عنه (عن أبي النضر) بفتح
النون وسكون الضاد المعجمة سالم بن أبي أمية (مولى عمر
بن عبيد الله) بضم العين فيهما (عن بسر بن سعيد) بضم
الموحدة وسكون المهملة وكسر العين الحضرمي المدني.
(أن زيد بن خالد) الأنصاري الصحابي رضي الله عنه
(أرسله) أي بسرًا (إلى أبي جهيم) بضم الجيم وفتح الهاء
عبد الله الأنصاري (يسأله ماذا سمع من رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المارّ بين
يدي المصلي) أي أمامه بالقرب منه مقدار سجوده أو مقدار
ثلاثة أذرع بينه وبينه أو رمية بحجر؟ (فقال أبو جهيم:
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لو يعلم المارّ بين يدي المصلي ماذا) أي الذي (عليه)
زاد الكشميهني من الإثم.
قال في الفتح: وليست هذه الزيادة في شيء من الروايات
غيره، والحديث في الموطأ وباقي السُّنن والمسانيد
والمستخرجات بدونها قال: ولم أرها في شيء من الروايات
مطلقًا، لكن في مصنف ابن أبي شيبة يعني من الإثم
فيحتمل أن تكون ذكرت في أصل البخاري حاشية، فظنها
الكشميهني أصلاً لأنه لم يكن من أهل العلم ولا من
الحفاظ، بل كان راوية وهي ثابتة في اليونينية من غير
عزو، وجملة ماذا في موضع نصب سادّة مسدّ مفعولي يعلم
وجواب لو قوله (لكان أن يقل) أي لو يعلم المار ما الذي
عليه من الأثم في مروره بين يدي المصلي لكان وقوله
(أربعين خيرًا له) نصب خبر كان وفي رواية خير بالرفع
اسمها (من أن يمر) أي من مروره (بين يديه) أي المصلي
لأن عذاب الدنيا وإن عظم يسير. قال مالك بالسند
السابق: (قال أبو النضر) سالم ابن أبي أمية (لا أدري
أقال) بهمزة الاستفهام، ولأبي ذر قال أي بسر بن سعيد
(أربعين يومًا أو شهرًا أو سنة) وللبزار أربعين
خريفًا، وفي صحيح ابن حبان عن أبي هريرة مائة عام، وكل
هذا يقتضي كثرة ما فيه من الإثم.
وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة وتابعي
وصحابيان ورجاله ستة، وأخرجه بقية الستة.
102 - باب اسْتِقْبَالِ الرَّجُلِ صَاحِبَهُ أَوْ
غَيْرَهُ فِي صَلاَتِهِ وَهُوَ يُصَلِّي
وَكَرِهَ عُثْمَانُ أَنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ
وَهُوَ يُصَلِّي، وَإِنَّمَا هَذَا إِذَا اشْتَغَلَ
بِهِ.
فَأَمَّا إِذَا لَمْ يَشْتَغِلْ فَقَدْ قَالَ زَيْدُ
بْنُ ثَابِتٍ: مَا بَالَيْتُ، إِنَّ الرَّجُلَ لاَ
يَقْطَعُ صَلاَةَ الرَّجُل.
(باب استقبال الرجل الرجل وهو) أي والحال أنه (يصلّي)
وفي هامش الفرع باب استقبال الرجل وهو يصلّي،
وللأربعة: هل يكره أم لا أو يفرق بين ما إذا ألهاه أو
لا؟ وفي نسخة الصغاني: استقبال الرجل صاحبه أو غيره في
صلاته وهو يصلّي وكذا في أصل الفرع واليونينية. (وكره
عثمان) بن عفان رضي الله عنه (أن يستقبل الرجل) بضم
المثناة
(1/471)
التحتية مبنيًّا للمفعول وتاليه نائب
الفاعل (وهو يصلّي) جملة اسمية حالية. قال البخاري
رحمة الله عليه: (وإنما هذا) الذي كرهه عثمان رضي الله
عنه، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي، وهذا (إذا اشتغل به)
أي المستقبل بالمصلي عن الخشوع وحضور القلب، (فاما إذا
لم يشتغل به) فلا بأس به، (فقد قال) فيما يدل لذلك
(زيد بن ثابت) الأنصاري الفرضي كاتب الوحي لرسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رضي الله عنه (ما
باليت) بالاستقبال المذكور (إن الرجل لا يقطع صلاة
الرجل) بكسر همزة إن لأنه استئناف لأجل علة عدم
المبالاة المذكورة، وأثر عثمان رضي الله عنه هذا قال
الحافظ ابن حجر لم أره عنه.
511 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ خَلِيلٍ
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنِ الأَعْمَشِ
عَنْ مُسْلِمٍ -يَعْنِي ابْنَ صُبَيْحٍ- عَنْ
مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ ذُكِرَ عِنْدَهَا
مَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ، فَقَالُوا: يَقْطَعُهَا
الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ، قَالَتْ: قَدْ
جَعَلْتُمُونَا كِلاَبًا، لَقَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ
- عَلَيْهِ السَّلاَمُ - يُصَلِّي وَإِنِّي لَبَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ عَلَى
السَّرِيرِ، فَتَكُونُ لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ
أَسْتَقْبِلَهُ فَأَنْسَلُّ انْسِلاَلاً. وَعَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ
عَائِشَةَ نَحْوَهُ.
وبالسند قال: (حدّثنا إسماعيل بن خليل) ولابن عساكر
ابن خليل بالتعريف الخزاز بمعجمات الكوفي، المتوفّى
سنة خمس وعشرين ومائتين قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر
والوقت والأصيلي وابن عساكر أخبرنا (علي بن مسهر) بضم
الميم وسكون السن المهملة وكسر الهاء القرشي الكوفي
قاضي الموصل (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم)
زاد في غير رواية أبي ذر وابن عساكر يعني ابن صبيح بضم
الصاد المهملة وفتح الموحدة (عن مسروق) هو ابن الأجدع
(عن عائشة) رضي الله عنها:
(أنه ذكر عندها ما) أي الذي (يقطع الصلاة؟ فقالوا)
ولأبي ذر وقالوا: (يقطعها الكلب والحمار والمرأة.
قالت) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي فقالت: (لقد جعلتمونا
كلابًا) أي كالكلاب في حكم قطع الصلاة. (لقد رأيت) أي
أبصرت (النبى) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي وإني) أي والحال إني
(لبينه) عليه الصلاة والسلام (وبين القبلة وأنا) أي
والحال إني (مضطجعة على السرير فتكون لي الحاجة فأكره)
بالفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني وأكره (أن أستقبله
فانسلّ انسلالاً) أي أخرج خفية.
(وعن الأعمش) أي وروي عن الأعمش بالسند السابق (عن
إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد النخعي (عن عاشة)
رضي الله عنها (نحوه) بالنصب مفعول أخبرنا أي نحو حديث
مسلم عن مسروق عنها من جهة معناه، ونحو لا تقتضي
المماثلة من كل وجه وفي نسخة مثله.
103 - باب الصَّلاَةِ خَلْفَ النَّائِمِ
(باب الصلاة خلف النائم) بالهمزة جائزة من غير كراهة
وأحاديث النهي عن الصلاة المروية عند أبي داود وابن
ماجة وابن عدي والأوسط للطبراني كلها واهية لا يحتجّ
بها.
512 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي
عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَأَنَا
رَاقِدَةٌ مُعْتَرِضَةٌ عَلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا
أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ أَيْقَظَنِي فَأَوْتَرْت".
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (قال: حدّثنا هشام) هو ابن عروة
(قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) عروة (عن) أم المؤمنين
(عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي
وأنا راقدة) جملة حالية (معترضة) صفة بعد صفة (على
فراشه فإذا أراد)
عليه الصلاة والسلام (أن يوتر) أي يصلّي الوتر (أيقظني
فأوترت) معه بتاء المتكلم، وحكم النسائي في الأحكام
الشرعية كالرجال إلاّ ما خصّه الدليل، وحينئذ فحصل
التطابق بين الحديث والترجمة، أو المراد الشخص النائم
أعمّ من الذكر والأُنثى، ولفظه كان في قولها: كان
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تفيد
التكرار، وكره مالك ومجاهد وطاوس الصلاة خلف النائم
خشية ما يبدو منه مما يلهي المصلي عن صلاته وتنزيهًا
للصلاة لما يخرج منهم وهم في قبلته. قال ابن بطال:
والقول قول من أجاز ذلك للسُّنّة
الثابتة، وأما ما رواه أبو داود من حديث ابن عباس، أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا
تصلوا خلف النائم ولا المتحدث) فإن في إسناده من لم
يسمّ، وهشام بن يزيد البصري ضعيف.
104 - باب التَّطَوُّعِ خَلْفَ الْمَرْأَةِ
(باب التطوع خلف المرأة) جائز.
513 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي النَّضْرِ مَوْلَى
عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ
بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَنَّهَا قَالَتْ: "كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَىْ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَرِجْلاَىَ فِي قِبْلَتِهِ، فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي
فَقَبَضْتُ رِجْلَىَّ فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا.
قَالَتْ: وَالْبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيهَا
مَصَابِيحُ".
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) الإمام (عن أبي النضر) بالضاد المعجمة
(مولى عمر بن عبيد الله) بالتصغير (عن أبي سلمة) عبد
الله (بن عبد الرحمن) بن عوف (عن عائشة) أم المؤمنين
رضي الله عنها (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أنها قالت):
(كنت أنام بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ورجلاي في قبلته، فإذا سجد غمزني) بيده
(فقبضت رجلَّي) ليسجد مكانهما (فإذا قام بسطتهما) وقد
اعتذرت رضي الله
(1/472)
عنها حيث (قالت): (والبيوت يومئذ ليس فيها
مصابيح) إذ لو كانت فيها المصابيح لضمتهما عند سجوده
ولم تحوجه إلى غمزها.
ووجه مطابقته للتطوّع في الترجمة من جهة أنه عليه
الصلاة والسلام إنما كان يصلّي الفرض في المسجد، وفيه:
أن المرأة لا تقطع الصلاة ولا تفسدها، وإنما كره مالك
الصلاة إليها خوف الفتنة والشغل بها، والنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا بخلاف غيره لملكه
إربه، وحينئذ فيكون من الخصائص كما قالت عائشة رضي
الله عنها في القبلة للصائم: وأيكم كان يملك إربه،
الحديث. لكن قد يقال الأصل عدم الخصوصية حتى يصح ما
يدل عليها، والله أعلم.
105 - باب مَنْ قَالَ: لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ شَىْءٌ
(باب من قال لا يقطع الصلاة شيء) أي من فعل غير
المصلي.
514 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ
عَائِشَةَ. قَالَ الأَعْمَشُ: وَحَدَّثَنِي مُسْلِمٌ
عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ: ذُكِرَ عِنْدَهَا مَا
يَقْطَعُ الصَّلاَةَ -الْكَلْبُ وَالْحِمَارُ
وَالْمَرْأَةُ- فَقَالَتْ: شَبَّهْتُمُونَا
بِالْحُمُرِ وَالْكِلاَبِ، وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُصَلِّي، وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً، فَتَبْدُو لِي
الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ.
وبالسند قال: (باب حدّثنا عمر بن حفص) ولأبي ذر زيادة
ابن غياث بالمثلثة (قال: حدّثنا أبي) حفص بن غياث
(قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثنا
إبراهيم) النخعي ولابن عساكر عن إبراهيم (عن الأسود)
بن يزيد النخعي (عن) أُم المؤمنين (عائشة) رضي الله
عنها. (قال الأعمش) بسنده السابق (وحدّثني) بالإفراد
(مسلم) هو ابن صبيح (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن
عائشة) رضي الله عنها أنه قال (ذكر عندها ما) أي الذي
(يقطع الصلاة)؟ فقالوا: يقطعها (الكلب والحمار
والمرأة) والموصول مبتدأ والكلب خبره وتاليه عطف عليه،
(فقالت) عائشة رضي الله عنها: (شبهتمونا بالحمر
والكلاب). قال ابن مالك: المشهور تعدّيه شبه إلى مشبه
به بدون باء لقول
امرئ القيس:
فشبهتهم في الآل لما تكمشوا ... حدائق دوم أو سفينا
مقيرا
وقد كان بعض المعجبين بآرائهم يخطئ سيبويه وغيره من
أئمة العربية في قولهم شبه كذا بكذا، ويزعم أنه لحن
وليس زعمه صحيحًا، بل سقوط الباء وثبوتها جائزان
وسقوطها أشهر في كلام القدماء وثبوتها لازم في عُرف
العلماء، وفي طريق عبيد الله عن القاسم عن عائشة رضي
الله عنها قالت: بئس ما عدلتمونا بالكلب والحمار،
وأرادت بخطابها ذلك ابن أختها عروة أو أبا هريرة رضي
الله عنه، فعند مسلم من رواية عروة بن الزبير قال:
قالت عائشة رضي الله عنها: ما يقطع الصلاة؟
قال: قلت: المرأة والحمار الحديث. وعند ابن عبد البر
من رواية القاسم قال: بلغ عائشة أن أبا هريرة رضي الله
عنهما يقول: إن المرأة تقطع الصلاة.
فإن قلت: كيف أنكرت على من ذكر المرأة مع الحمار
والكلب فيما يقطع الصلاة وهي قد روت الحديث عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما رآه الإمام
أحمد بلفظ: لا يقطع صلاة المسلم شيء إلا الحمار
والكافر والكلب والمرأة فقالت عائشة: يا رسول الله لقد
قرنًا بذوات سوء. أجيب؟ بأنها لم تنكر ورود الحديث ولم
تكن تكذب أبا هريرة، وإنما أنكرت كودة الحكم باقيًا.
هكذا فلعلها كانت ترى نسخه، ولذا قالت رضي الله عنها:
(والله لقد رأيت النبي) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي وإني) ولأبوي ذر
والوقت والأصيلي
وأنا (على السرير بينه وبين القبلة مضطجعة) بالرفع خبر
لقولها وأنا المبتدأ المقدّر، وعلى هذا التقدير تكون
الجملة هذه حالية، وفي رواية بالنصب حال من عائشة،
والوجهات في اليونينية، وصحّح على النصب ورقم على
الكلمة علامة أبي ذر (فتبدو) أي تظهر (لي الحاجة فأكره
أن أجلس) مستقبلة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، (فأوذي النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فأنسلّ) بالرفع عطفًا على فأكره أي فأمضي
بتأنٍّ وتدريج (من عند رجليه) وإذا كانت المرأة لا
تقطع الصلاة مع أن النفوس جبلت على الاشتغال بها
فغيرها من الكلب والحمار وغيرهما كذلك بل أولى. نعم
رأى القطع بالثلاثة قوم لحديث أبي ذر عند مسلم: يقطع
الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود، وكذا حديث أبي
داود وابن ماجة، وفيه تقييد المرأة بالحائض وأباه مالك
والشافعي والأكثرون. وقال الإمام أحمد: يقطعها الكلب
الأسود لنص الحديث وعدم المعارض، وفي قلبي من المرأة
والحمار شيء لوجود المعارض وهو صلاته عليه الصلاة
والسلام إلى أزواجه، ومن رأى القطع بها علّل بأن
الجميع في معنى الشيطان الكلب بنص حديث
(1/473)
أبي ذر المذكور والمرأة من جهة أنها تقبل
في صورة شيطان وتدبر كذلك وأنها من حبائله، والحمار
لما جاء من اختصاص الشيطان به في قصة نوح عليه الصلاة
والسلام في السفينة، واحتج الأكثرون بحديث: لا يقطع
الصلاة شيء،
وحملوا القطع في حديث أبي ذر وابن عباس رضي الله عنهما
على المبالغة في خوف الإفساد بالشغل بها.
فإن قلت: تمسك الأكثرين بحديث: لا يقطع الصلاة شيء لا
يحسن لأنه مطلق، وحديث الثلاثة مقيد، والمقيد يقضي على
المطلق. أجيب: بأنه ورد ما يقضي على هذا المقيد، وهو
صلاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أزواجه
رضي الله عنهنّ وهنّ في قبلته.
ومال الطحاوي وغيره إلى أن صلاته عليه الصلاة والسلام
إلى أزواجه ناسخة لحديث أبي ذر وما وافقه، وعورض بأن
النسخ لا يصار إليه إلاّ إذا علم التاريخ وتعذر الجمع
والتاريخ هنا لم يتحقق والجمع لم يتعذر وأجيب: بأن ابن
عمر رضي الله عنهما بعد ما روى أن المرور يقطع. قال:
لا يقطع صلاة المسلم شيء فلو لم يثبت عنده نسخ ذلك لم
يقل ذلك، وكذلك ابن عباس أحد الرواة للقطع روي عنه
حمله على الكراهة.
لكن قد مال الشافعي وغيره إلى تأويل القطع بأن المراد
به نقص الخشوع لا الخروج من الصلاة، ويؤيد ذلك أن
الصحابي راوي الحديث سأل عن الحكمة في التقييد
بالأسود. فأجيب: بأنه شيطان. ومعلوم أن الشيطان لو مرّ
بين يدي المصليّ لم تفسد صلاته. وفي هذا الحديث
التحديث بصيغة الجمع والإفراد والعنعنة ورواته ثمانية.
515 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ
أَخِي ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ سَأَلَ عَمَّهُ عَنِ
الصَّلاَةِ يَقْطَعُهَا شَىْءٌ؟ فَقَالَ: لاَ
يَقْطَعُهَا شَىْءٌ. أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "لَقَدْ
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُومُ فَيُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ
وَإِنِّي لَمُعْتَرِضَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الْقِبْلَةِ عَلَى فِرَاشِ أَهْلِهِ".
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه الحنظلي ولأبي ذر
إسحاق بن منصور (قال: أخبرنا) وفي رواية حدّثنا (يعقوب
بن إبراهيم) ولأبوي ذر والوقت إبراهيم بن سعد بسكون
العين (قال: حدّثني) بالإفراد وللأصيلي حدّثنا ولأبي
ذر أخبرنا (ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد الله بن
مسلم:
(أنه سأل عمّه) محمد بن مسلم بن شهاب الزهري (عن
الصلاة يقطعها شيء فقال) أي ابن شهاب وللأصيلي قال:
(لا يقطعها شيء) عامّ مخصوص، فإن القول والفعل الكثير
يقطعها أو المراد لا يقطعها شيء من الثلاثة التي وقع
النزاع فيها المرأة والحمار والكلب، ثم قال ابن شهاب
(أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير أن عائشة زوج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت: لقد كان
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقوم
فيصلّي من الليل وإني لمعترضة بينه وبين القبلة) جملة
اسمية حالية مؤكدة بأن واللام (على فراش أهله) متعلق
بقوله فيصلّي وهو يقتضي أن صلاته كانت واقعة على
الفراش، ولأبي ذر عن الحموي عن فراش أهله وهو متعلّق
بقوله يقوم.
ورواة هذا الحديث الستة مدنيون ما خلا إسحاق فإنه
مروزي، وفيه التحديث والإخبار بصيغة الجمع والإفراد
وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابية.
106 - باب إِذَا حَمَلَ جَارِيَةً صَغِيرَةً عَلَى
عُنُقِهِ فِي الصَّلاَةِ
وهذا (باب) بالتنوين (إذا حمل جارية صغيرة على عنقه)
لا تفسد صلاته وزاد غير الأربعة (في الصلاة).
516 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ
الزُّرَقِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الأَنْصَارِيِّ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي وَهْوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ
بِنْتَ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلأَبِي الْعَاصِ بْنِ
رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ، فَإِذَا سَجَدَ
وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا". [الحديث 516 -
طرفه في: 5996].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (مالك) إمام دار الهجرة (عن
عامر بن عبد الله بن الزبير) بن العوام (عن عمرو بن
سليم) بفتح العين وضم السين (الزرقي) بضم الزاي وفتح
الراء الأنصاري (عن أبي قتادة) الحرث بن ربعي
(الأنصار) السلمي رضي الله عنه:
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كان يصلّي وهو حامل أمامة) بتنوين حامل وضم همزة أمامة
وتخفيف ميمها والنصب والجملة اسمية حالية، وروي حامل
إمامة بالإضافة كان الله بالغ أمره بالوجهين ويظهر أثر
الوجهين في قوله (بنت زينب) فيجوز فيها الفتح والكسر
بالاعتبارين، وأما قوله (بنت رسول الله) وفي رواية
ابنة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
فبجر بنت خاصة لأنها صفة لزينب المجرورة قطعًا (و) هي
أي أمامة بنت (لأبي العاص) مقسم بكسر الميم وفتح السين
أو لقيط أو القاسم أو لقيم أو مهشم أو هشيم أو ياسر
أقوال وأسر يوم بدر كافرًا ثم أسلم وهاجر، وردّ عليه
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابنته زينب
وماتت معه وأثنى عليه في مصاهرته، وتوفي في خلافة أبي
بكر رضي الله عنهما (بن ربيعة) بن عبد العزى (بن عبد
شمس) كذا وقع في رواية الأكثرين عن مالك، والصواب ما
رواه أبو مصعب
(1/474)
ومعن بن عيسى ويحيى بن بكير عن مالك الربيع
بلا هاء، ونسبه مالك إلى جدّه لشهرته به، وكان حمله
عليه الصلاة والسلام لأمامة على عنقه كما رواه مسلم من
طريق أخرى وعبد الرزاق عن مالك، ولأحمد من طريق ابن
جريج على رقبته. (فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها)
وإنما فعل ذلك عليه الصلاة والسلام لبيان الجواز وهو
جائز لنا وشرع مستمر إلى يوم الدين، وهذا مذهبنا ومذهب
أبي حنيفة وأحمد، وادّعى المالكية بتحريم الحمل في
الصلاة وهو مردود بأن قصة أمامة كانت بعد قوله عليه
الصلاة والسلام: "إن في الصلاة لشغلاً" فإن ذلك كان
قبل الهجرة، وقصة أمامة بعدها قطعًا بمدة مديدة، وحمل
مالك لها فيما رواه أشهب على صلاة النافلة مدفوع بحديث
مسلم: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يؤمّ الناس وأمامة على عاتقه، وحديث أبي
داود: بينا نحن ننتظر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الظهر والعصر وقد
دعاه بلال للصلاة إذ خرج إلينا وأمامة بنت أبي العاص
بنت ابنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على
عنقه فقام في الصلاة وقمنا خلفه، وفي كتاب النسب لابن
بكار عن عمرو بن سليم أن ذلك كان في صلاة الصبح، وهذا
يقتضي أنه كان في الفرض.
وأجيب: باحتمال أنه كان في النافلة التي قبل الفرض،
وردّ بأن إمامته في النافلة ليست معهودة وبأنه عليه
الصلاة والسلام لم يكن يتنفل في المسجد بل في بيته قبل
أن يخرج وإنما يخرج عند الإقامة وحمل الخطابي ذلك على
عدم التعمّد منه عليه الصلاة والسلام لأنه عمل كثير في
الصلاة بل كانت أمامة ألفته وأنست بقربه، فتعلقت به في
الصلاة ولم يدفعها عن نفسه، فإذا أراد أن يسجد وضعها
عن عاتقه حتى يكمل سجوده فتعود إلى حالتها الأولى فلا
يدفعها، فإذا قام بقيت معه محمولة. وعورض بما رواه أبو
داود من طريق المقبري عن عمرو بن سليم حتى إذا أراد أن
يركع أخذها فوضعها ثم ركع وسجد، حتى إذا فرغ من سجوده
وقام أخذها فردها في مكانها ولأحمد من
طريق ابن جريج وإذا قام حملها فوضعها على رقبته، فهذا
صريح في أن فعل الحمل والوضع كان منه لا منها،
والأعمال في الصلاة إذا قلت أو تفرقت لا تبطلها،
والواقع هنا عمل غير متوالٍ لوجود الطمأنينة في أركان
صلاته، ودعوى خصوصيته عليه الصلاة والسلام بذلك كعصمته
من بول الصبية بخلاف غيره مردودة بأن الأصل عدم
الخصوصية، وكذا دعوى الضرورة حيث لم يجد من يكفيه
أمرها لأنه عليه الصلاة والسلام لو تركها لبكت وشغلته
في صلاته أكثر من شغله بحملها. قال النووي: وكلها
باطلة لا دليل عليها وليس في الحديث ما يخالف قواعد
الشرع انتهى.
ورواة هذا الحديث الخمسة كلهم مدنيون إلاّ شيخ
المؤلّف، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه
المؤلّف أيضًا في الأدب ومسلم في الصلاة وكذا أبو داود
والنسائي.
107 - باب إِذَا صَلَّى إِلَى فِرَاشٍ فِيهِ حَائِض
هذا (باب) بالتنوين (إذا صلّى) الرجل (إلى فراش فيه
حائض) صحّت صلاته وهل يكره ذلك أم لا؟
517 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ قَالَ:
أَخْبَرَتْنِي خَالَتِي مَيْمُونَةُ بِنْتُ الْحَارِثِ
قَالَتْ: "كَانَ فِرَاشِي حِيَالَ مُصَلَّى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُبَّمَا
وَقَعَ ثَوْبُهُ عَلَىَّ وَأَنَا عَلَى فِرَاشِي".
وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين وضم
الزاي وفتح الراء المكررة بينهما ألف آخره تاء تأنيث
ابن واقد بالقاف النيسابوري، المتوفى سنة ثمان وثلاثن
ومائتين (قال: أخبرنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بسر
بضم الموحدة وسكون المهملة الواسطي (عن الشيباني) بفتح
الشين المعجمة أبي إسحاق سليمان بن أبي سليمان الكوفي
(عن عبد الله بن شداد) بن أسامة (بن الهاد) بتشديد دال
شداد الليثي المدني من كبار التابعين الثقات (قال):
(أخبرتني خالتي ميمونة بنت الحارث) زوجته -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قالت: كان فراشي) الذي
أنام عليه (حيال) بكسر الحاء المهملة وفتح المثناة
التحتية الخفيقة أي بجنب (مصلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فربما وقع ثوبه عليّ) إذا صلّى
(وأنا على فراشي) أي وأنا حائض كما في الرواية الآتية
إن شاء الله تعالى.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين واسطي وكوفي، وفيه
التحديث والإخبار والعنعنة والقول.
518 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ سُلَيْمَانُ حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ
مَيْمُونَةَ تَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَأَنَا إِلَى
جَنْبِهِ نَائِمَةٌ، فَإِذَا سَجَدَ أَصَابَنِي
ثَوْبُهُ وَأَنَا حَائِضٌ".
وَزَادَ مُسَدَّدٌ عَنْ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ الشَّيْبَانِيُّ: "وَأَنَا حَائِضٌ".
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) بضم النون محمد بن
الفضل (قال: حدّثنا عبد الواحد بن زياد) العبدي مولاهم
البصري (قال: حدّثنا الشيباني) بفتح الشين المعجمة أبو
إسحاق (سليمان) بن فيروز التابعي،
(1/475)
وسقط سليمان عند الأصيلي وابن عساكر قال:
(حدّثنا عبد الله بن شداد) بتشديد الدال ابن أسامة بن
الهاد (قال):
(سمعت) خالتي أُم المؤمنين (ميمونة) رضي الله عنها
(تقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يصلّي وأنا إلى
جنبه نائمة فإذا سجد أصابني ثوبه) وللمستملي
والكشميهني كما في الفرع المكّي، ولأبي ذر كما في
الآخر وأصله أصابني ثيابه، وللأصيلي وابن عساكر
أصابتني ثيابه بتاء التأنيث (وأنا حائض) جملة حالية
وهي ساقطة في رواية غير أبي ذر نعم زاد في رواية كريمة
بعد قوله أصابني ثوبه وهي في اليونينية لغير الأربعة.
(وزاد مسدد) بمهملات ابن مسرهد (عن خالد) هو ابن عبد
الله بن عبد الرحمن بن يزيد الطحان الواسطي (قال:
حدّثنا سليمان الشيباني) الكوفي السابق (وأنا حائض)،
يقال: حاضت المرأة فهي حائض وحائضة ولحوق التاء أصل
تركت لعدم الالتباس تخفيفًا.
108 - باب هَلْ يَغْمِزُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ عِنْدَ
السُّجُودِ لِكَىْ يَسْجُدَ؟
هذا (باب) بالتنوين (هل يغمز الرجل امرأته عند السجود
لكي يسجد)؟
519 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ قَالَ:
حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ عَنْ عَائِشَةَ
-رضي الله عنها- قَالَتْ: "بِئْسَمَا عَدَلْتُمُونَا
بِالْكَلْبِ وَالْحِمَارِ، لَقَدْ رَأَيْتُنِي
وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُصَلِّي وَأَنَا مُضْطَجِعَةٌ بَيْنَهُ
وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَسْجُدَ
غَمَزَ رِجْلَىَّ فَقَبَضْتُهُمَا".
وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين فيهما
الفلاس الباهري (قال: حدّثنا يحيى) القطان (قال:
حدّثنا عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة العمري
(قال: حدّثنا القاسم) بن محمد بن أبي بكر (عن عائشة
رضي الله عنها) أنها (قالت) في جواب أيقطع الصلاة
المرأة والحمار والكلب.
(بئسما عدلتمونا) بتخفيف الدال وما نكرة منصوبة مفسرة
لفاعل بئس والمخصوص بالذم محذوف تقديره: عدلكم أي
تسويتكم إيّانا (بالكلب والحمار لقد رأيتني) بضم التاء
أي رأيت نفسي (ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يصلّي) جملة حالية كقوله (وأنا مضطجعة بينه
وبين القبلة، فإذا أراد أن يسجد غمز رجلي) بيده
(فقبضتهما) ليسجد، وتقدم الحديث مباحثه في باب الصلاة
على الفراش، ورواته الخمسة ما بين بصري ومدني وفيه
التحديث والعنعنة.
109 - باب الْمَرْأَةِ تَطْرَحُ عَنِ الْمُصَلِّي
شَيْئًا مِنَ الأَذَى
(باب المرأة تطرح عن المصلي شيئًا من الأذى).
520 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ
السُّرْمَارِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ يُصَلِّي
عِنْدَ الْكَعْبَةِ وَجَمْعُ قُرَيْشٍ فِي
مَجَالِسِهِمْ إِذْ قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ أَلاَ
تَنْظُرُونَ إِلَى هَذَا الْمُرَائِي؟ أَيُّكُمْ
يَقُومُ إِلَى جَزُورِ آلِ فُلاَنٍ فَيَعْمِدُ إِلَى
فَرْثِهَا وَدَمِهَا وَسَلاَهَا فَيَجِيءُ بِهِ، ثُمَّ
يُمْهِلُهُ حَتَّى إِذَا سَجَدَ وَضَعَهُ بَيْنَ
كَتِفَيْهِ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهُمْ، فَلَمَّا سَجَدَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَضَعَهُ بَيْنَ كَتِفَيْهِ! وَثَبَتَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاجِدًا.
فَضَحِكُوا حَتَّى مَالَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ مِنَ
الضَّحِكِ. فَانْطَلَقَ مُنْطَلِقٌ إِلَى فَاطِمَةَ
-عَلَيْهَا السَّلاَمُ- وَهْيَ جُوَيْرِيَةٌ
-فَأَقْبَلَتْ تَسْعَى وَثَبَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَاجِدًا حَتَّى
أَلْقَتْهُ عَنْهُ، وَأَقْبَلَتْ عَلَيْهِمْ
تَسُبُّهُمْ. فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصَّلاَةَ قَالَ:
اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ
بِقُرَيْشٍ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِقُرَيْشٍ. ثُمَّ
سَمَّى: اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِعَمْرِو بْنِ هِشَامٍ
وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ
وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ
وَعُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ وَعُمَارَةَ بْنِ
الْوَلِيدِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَوَاللَّهِ لَقَدْ
رَأَيْتُهُمْ صَرْعَى يَوْمَ بَدْرٍ، ثُمَّ سُحِبُوا
إِلَى الْقَلِيبِ قَلِيبِ بَدْرٍ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«وَأُتْبِعَ أَصْحَابُ الْقَلِيبِ لَعْنَةً».
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد بن إسحاق السورماري) بضم
السين المهملة وسكون الواو وفتح الراء بعدها ميم ثم
راء مكسورة بينهما ألف، ولابن عساكر السرماري براء
ساكنة بعد السين المضمومة فميم مفتوحة. وضبطه العيني
كالكرماني وغيره بكسر السين وفتحها وسكون الراء
الأولى، وهي نسبة إلى سرمار قرية من قرى بخارى، وكان
شجاعًا يضرب به المثل قتل ألفًا من الترك، وتوفي سنة
اثنتين وأربعين ومائتين، وسقطت النسبة عند أبي ذر
والأصيلي (قال: حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين
وفتح الموحدة ابن باذام الكوفي (قال: حدّثنا إسرائيل)
بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي إسحاق) عمرو بن
عبد الله (عن عمرو بن ميمونة) الكوفي الأودي (عن
عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه (قال) (بينما) بالميم
(رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم)
حال كونه (يصلّي عند الكعبة وجمع من قريش) والذي في
الفرع وأصله بالإضافة ولفظه وجمع قريش (في مجالسهم إذ
قال قائل منهم: ألا تنظرون إلى هذا المرائي) يتعبد في
الملأ دون الخلوة (أيكم يقوم إلى جزور آل فلان فيعمد)
بكسر الميم ورفع الدال عطفًا على يقوم، وفي بعضها
فيعمد بالنصب جوابًا للاستفهام أي يقصد (إلى فرثها
ودمها وسلاها) بفتح السين المهملة والقصر وعاء الجنين
(فيجيء به ثم يمهله حتى إذا سجد وضعه بين كتفيه فانبعث
أشقاهم) أي انتهض أشقى القوم، وهو عقبة بن أبي معيط
فجاء به، (فلما سجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وضعه بين كتفيه، وثبت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه
(ساجدًا فضحكوا حتى مال بعضهم إلى) وللأربعة على (بعض
من الضحك فانطلق منطلق) قال الحافظ ابن حجر: يحتمل أن
يكون هو ابن مسعود رضي الله عنه (إلى فاطمة) رضي الله
عنها (وهي) يومئذٍ (جويرية) صغيرة السنّ (فأقبلت تسعى،
وثبت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال
كونه (ساجدًا حتى ألقته) أي الذي وضعوه (عنه، وأقبلت)
فاطمة الزهراء رضي الله عنها (عليهم تسبهم فلما قضى
رسول الله) وللأصيلي النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: اللهم عليك
(1/476)
بقريش، اللهم عليك بقرش) قالها ثلاثًا أي أهلك كفّارهم
أو أهلك قريشًا
الكفار، فالأوّل على حذف المضاف، والثاني على حذف
الصفة، (ثم سمى) عليه الصلاة والسلام فقال: (اللهم
عليك بعمرو بن هشام) أبي جهل فرعون زمانه لعنه الله
(وعتبة بن رييعة و) أخيه (شيبة بن ربيعة، والوليد بن
عتبة، وأمية بن خلف، وعقبة بن أبي معيط، وعمارة بن
الوليد) (قال عبد الله) بن مسعود رضي الله عنه:
(فوالله لقد رأيتهم صرعى يوم بدر) أي إلا عمارة بن
الوليد فإنه لم يحضر بدرًا، وإنما توفي بجزيرة بأرض
الحبشة (ثم سحبوا) أي جرّوا ما عدا عمارة بن الوليد
(إلى القليب) البئر التي لم تطو (قليب بدر) بالجرّ
بدلاً من القليب السابق، (ثم قال رسول (الله) وللأصيلي
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وأتبع
أصحاب القليب لعنة) بضم الهمزة وأصحاب رفع نائب عن
الفاعل إخبار من الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بأن الله أتبعهم اللعنة أي: كما أنهم
مقتولون في الدنيا فهم مطرودون في الآخرة عن رحمة الله
عز وجل، ولأبي ذر وأتبع بفتح الهمزة وكسر الموحدة
بصيغة الأمر عطفًا على عليك بقريش، وأصحاب نصب على
المفعولية أي في حياتهم أي قال في حياتهم: اللهمّ
أهلكهم وفي مماتهم أتبعهم اللعنة.