شرح القسطلاني إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم

9 - كتاب مواقيت الصلاة
جمع ميقات وهو الوقت المضروب للفعل

1 - باب مَوَاقِيتِ الصَّلاَةِ وَفَضْلِهَا وَقَوْلِهِ: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء: 103] مُوَقَّتًا، وقَّتَه عَلَيْهِمْ
(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا في رواية أبي ذر والمستملي، لكن بتقديم البسملة، ولرفيقه الكشميهني والحموي في رواية بسم الله الرحمن الرحيم باب مواقيت الصلاة وفضلها، وكذا لكريمة لكن بدون البسملة، وللأصيلي مواقيت الصلاة وفضلها من غير باب كذا قاله العيني كابن حجر، وفي فرع اليونينية كأصلها عزو الأولى لأبي ذر عن المستملي كما مرّ وقد جرى رسمهم أن يذكروا الأبواب بعد لفظ الكتاب بأنه يشمل الأبواب والفصول. (وقوله) بالجرّ عطفًا على مواقيت الصلاة وللأصيلي، وقوله عز وجل: {إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103] أي (وقته عليهم) بتشديد القاف، واستشكله السفاقسي بأن المعروف في اللغة التخفيف. وأجيب: بأنهما جاءا
في اللغة كما في المحكم، وكأنه لم يطلع عليه، وللأصيلي وأي ذر عن الحموي والمستملي (موقوتًا) مؤقتًا وقّته عليهم أي فرضًا محدودًا لا يجوز إخراجها عن وقتها في شيء من الأحوال.
521 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: قَرَأْتُ عَلَى مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ أَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا، فَدَخَلَ عَلَيْهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ أَخَّرَ الصَّلاَةَ يَوْمًا وَهْوَ بِالْعِرَاقِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ أَبُو مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيُّ فَقَالَ: مَا هَذَا يَا مُغِيرَةُ؟ أَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتَ أَنَّ جِبْرِيلَ نَزَلَ فَصَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ صَلَّى فَصَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ قَالَ بِهَذَا

أُمِرْتُ. فَقَالَ عُمَرُ لِعُرْوَةَ: اعْلَمْ مَا تُحَدِّثُ، أَوَ إِنَّ جِبْرِيلَ هُوَ أَقَامَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقْتَ الصَّلاَةِ؟ قَالَ عُرْوَةُ: كَذَلِكَ كَانَ بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ.
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بفتح الميمين واللام القعنبي (قال: قرأت على مالك) إمام الأئمة ابن أنس (عن ابن شهاب) الزهري (أن عمر بن عبد العزيز) بن مروان أحد الخلفاء الراشدين (أخّر الصلاة) أي صلاة العصر (يومًا) حتى خرج الوقت المستحب، لا أنه أخّرها حتى غربت الشمس، ولا يليق أن يظن به أنه أخّرها عن وقتها، وحديث: دعا المؤذن لصلاة العصر فأمسى عمر بن عبد العزيز قبل أن يصلّيها المروي في الطبراني محمول على أنه قارب السماء لا أنه دخل فيه، وقد جوّز جمهور العلماء التأخير ما لم يخرج الوقت. (فدخل عليه عروة بن الزبير) بن العوّام (فأخبره أن المغيرة بن شعبة) الصحابي (أخّر الصلاة يومًا) لفظة يومًا تدلّ على أنه كان نادرًا
من فعله (وهو بالعراق) جملة وقعت حالاً من المغيرة، والمراد عراق العرب وهو من عبادان للموصل طولاً ومن القادسية لحلوان عرضًا، ووقع في الموطأ رواية القعنبي وغيره عن مالك وهو بالكوفة وهي من جملة العراق، فالتعبير بها أخصّ من التعبير بالعراق، وكان المغيرة إذ ذاك أميرًا عليها من قبل معاوية بن أبي سفيان، (فدخل عليه أبو مسعود) عقبة بن عمرو البدري (الأنصاري فقال: ما هذا) التأخير (يا مغيرة أليس) قال الزركشي وابن حجر والعيني والبرماوي: الأفصح ألست بالتاء لأنه خاطب حاضرًا، لكن الرواية أليس بصيغة مخاطبة الغائب وهي جائزة، وتعقب ذلك في مصابيح الجامع بأنه يوهم جواز استعمال هذا التركيب مع

(1/477)


إرادة أن يكون ما دخلت عليه ضمير المخاطب، وليس كذلك بل هما تركيبان مختلفان وليس أحدهما بأفصح من الآخر، فإنه يستعمل كلٌّ منهما في مقام خاص، فإن أريد إدخال ليس على ضمير المخاطب تعين ألست قد علمت، وإن أريد إدخالها على ضمير الشأن مخبرًا عنه بالجملة التي أسند فعلها إلى المخاطب تعين أليس (قد علمت أن جبريل صلوات الله وسلامه عليه نزل) صبيحة ليلة الإسراء المفروض فيها الصلاة (فصلّى) وسقط فصلّى لابن عساكر. زاد في رواية أبي الوقت برسول الله عليه الصلاة والسلام (فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صلّى) جبريل صلوات الله عليه وسلامه (فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صلى) جبريل صلوات الله وسلامه عليه (فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صلى) جبريل صلوات الله وسلامه عليه، (فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صلى) جبريل (فصلّى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتكرير صلواتهما خمس مرات، وعبر بالفاء في صلاة الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنها متعقبة لصلاة جبريل أي كانت بعد فراغها، وبثم في صلاة جبريل لأنها متراخية عن سابقتها، لكن ثبت من خارج في غيره أن جبريل أمّه عليهما السلام، فعند المصنف في رواية الليث نزل جبريل عليه الصلاة والسلام فأمّني فصليت فيؤوّل قوله صلّى فصلّى على أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان كلما فعل جبريل جزءًا
من الصلاة تابعه عليه، لأن ذلك حقيقة الائتمام، وقيل: الفاء بمعنى الواو المقتضية لمطلق الجمع، وعورض بأنه يلزم أن يكون عليه الصلاة والسلام كان يتقدم في بعض الأركان على جبريل عليه

الصلاة والسلام كما يقتضيه مطلق الجمع. وأجيب: بأن ذلك يمنع منه مراعاة التبيين، فكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتراخى عنه لذلك.
(ثم قال) جبريل صلوات الله عليه وسلامه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بهذا) أي بأداء الصلوات في هذه الأوقات (أمرت) بضم الهمزة والتاء أي أن أصلي بك أو أبلغه لك، ولأبي ذر بفتح التاء وهو المشهور أي الذي أمرت به من الصلوات ليلة الإسراء مجملاً هذا تفسيره اليوم مفصلاً لا يقال ليس في الحديث بيان لأوقات هذه الصلوات لأنه إحالة على ما يعرف المخاطب (فقال عمر) بن عبد العزيز (لعروة) بن الزبير (اعلم) بصيغة الأمر (ما) أي الذي (تحدث به) وسقط لفظ به لغير أبي ذر (أو) علمت (أن جبريل) عليه الصلاة والسلام بفتح همزة الاستفهام والواو العاطفة وبكسر همزة أن على الأشهر وبفتحها على تقدير: أو علمت بأن جبريل صلوات الله وسلامه عليه (هو أقام)
وللأصيلي هو الذي أقام (لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وللأصيلي عليهما وسلم (وقت) وللمستملي وقوت ولابن عساكر مواقيت (الصلاة) يا عروة وظاهر الإنكار عليه أنه لم يكن عنده علم أن جبريل هو المبين له ذلك بالفعل، فلذلك استثبت فيه.
(قال عروة: كذلك) ولأبي ذر وكذلك (كان بشر بن أبي مسعود) بفتح الموحدة بوزن فعيل التابعي الجليل المشهور الأنصاري المدني رضي الله عنه له رؤية. قال العجلي: تابعي ثقة (يحدث عن أبيه) أبي مسعود عقبة بن عمرو وهذا يسمى مرسل صحابي لأنه لم يدرك القصة، فاحتمل أن يكون سمع ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو بلغه عنه بتبليغ من شاهده أو سمعه من صحابي آخر وفي رواية الليث عند المؤلّف فقال عروة: سمعت بشير بن أبي مسعود يقول: سمعت أبي يقول: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول فذكره وهي تزيل الإشكال كله قاله ابن شهاب.
522 - قَالَ عُرْوَةُ: وَلَقَدْ حَدَّثَتْنِي عَائِشَةُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا قَبْلَ أَنْ تَظْهَرَ. [الحديث 522 - أطرافه في: 544، 545، 546، 3103].

(قال عروة: لقد حدّثتني عائشة) رضي الله عنها: (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي العصر والشمس في حجرتها) في بيتها (قبل أن تظهر) أي تعلو، والمراد والفيء في حجرتها قبل أن يعلو على البيوت، فكنت بالشمس عن الفيء، لكن قال ابن السيد والفقهاء يقولون معناه قبل أن يظهر الظل على الجدار، والأول أليق بالحديث لأن ضمير تظهر عائد إلى الشمس ولم يتقدم للظل في الحديث ذكر اهـ.
قال أبو عبد الله الأبي: وكل هذا حجة على عمر وأن الحكم التعجيل لأن هذا مع ضيق ْالحجرة وقصر البناء إنما يتأتى في وقت العصر اهـ.
وليس في الحديث بيان الأوقات المذكورة ويأتي

(1/478)


إن شاء الله تعالى ذلك مستوفى، واستنبط ابن العرب من هذا الحديث جواز صلاة المفترض خلف المتنفل من جهة أن الملك ليس مكلفًا بمثل ما كلّف به البشر.
وأجيب: باحتمال أن تكون تلك الصلاة غير واجبة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذ، وعورض بأنها كانت صبيحة ليلة فرضها. وأجيب: باحتمال كون الوجوب معلقًا ببيان جبريل صلوات الله وسلامه عليه. فلم يتحقق الوجوب إلاّ بعد تلك الصلاة، وبأن جبريل عليه الصلاة والسلام كان مكلفًا بتبليغ تلك الصلاة فلم يكن متنفلاً، وحينئذ فهي صلاة مفترض خلف مفترض.
ورواته التسعة مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في بدء الخلق وفي المغازي ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.

2 - باب {مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَلاَ تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [الروم: 31]
هذا (باب) بالتنوين (قول الله تعالى) كذا لأبي ذر ولغيره باب قوله تعالى بالإضافة، وسقط للأصيلي لفظ باب وقال قول الله عز وجل: {منيبين إليه} راجعين إليه من أناب إذا رجع مرة بعد أخرى وقيل منقطعين {واتقوه} أي خافوه وراقبوه {وأقيموا الصلاة} التي هي الطاعة العظمى {ولا تكونوا من المشركين} [الروم: 31]. بل كونوا من الموحدين المخلصين له العبادة لا تريدون بها سواه. وهذه الآية مما استدل به من يرى تكفير تارك الصلاة لما يقتضيه مفهومها، لكن المراد أن ترك الصلاة من أفعال المشركين، فورد النهي عن التشبه بهم لا أن من وافقهم في الترك صار مشركًا وهي من أعظم ما ورد في القرآن في فضل الصلاة.
523 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبَّادٌ -هُوَ ابْنُ عَبَّادٍ- عَنْ أَبِي جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: إِنَّا مِنْ هَذَا الْحَىِّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَلَسْنَا نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، فَمُرْنَا بِشَىْءٍ نَأْخُذْهُ عَنْكَ وَنَدْعُو إِلَيْهِ مَنْ وَرَاءَنَا. فَقَالَ: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللَّهِ -ثُمَّ فَسَّرَهَا لَهُمْ- شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَىَّ خُمُسَ مَا غَنِمْتُمْ. وَأَنْهَى عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالْمُقَيَّرِ، وَالنَّقِيرِ». [انظر الحديث 53 - وأطرافه].
وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بضم القاف وكسر العين وسقط ابن سعيد للأصيلي (قال: حدّثنا عباد هو) ولأبي ذر وهو (ابن عباد) بفتح العين وتشديد الموحدة فيهما ابن حبيب بن المهلب بن أبي صفرة البصري (عن أبي جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران البصري (عن ابن عباس) رضي الله عنهما.

(قال: قدم وفد عبد القيس) بن أفصى بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح الصاد المهملة (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عام الفتح بمكة (فقالوا: إنا هذا الحي) بالنصب على الاختصاص، ولغير الأربعة إنّا من هذا الحي (من ربيعة) لأن عبد القيس من أولاد ربيعة (ولسنا نصل إليك إلاّ في الشهر الحرام) رجب كما عند البيهقي أو المراد الجنس فيشتمل الأربعة (فمرنا بشيء نأخذه منك) بالرفع على الاستئناف لا بالجزم جوابًا للأمر لقوله (ندعو إليه) إذ هو معطوف عليه مرفوع قاله العيني، والذي في اليونينية الجزم ليس إلا (من وراءنا) مفعول ندعو أي الذين خلفناهم في بلادنا (فقال) عليه الصلاة والسلام: (آمركم بأربع) من الخصال (وأنهاكم عن أربع) من الخصال: (الإيمان بالله) خفض وللأصيلي عز وجل بدل من أربع أو رفع بتقدير هي، (ثم فسرها لهم) أنّث الضمير بالنظر إلى كلمة الإيمان فقال هي (شهادة أن لا إله إلاّ الله وأني رسول الله، وإقام الصلاة) المكتوبة وقرنها بنفي الإشراك به تعالى لأن الصلاة أعظم دعائم الإسلام بعد التوحيد وأقرب الوسائل إليه تعالى. (وإيتاء الزكاة) المفروضة (وأن تؤدّوا إليّ خُمس ما غنمتم) أي الذي غنمتموه وذكر رمضان في الرواية السابقة في باب أداء الخمس من الايمان، ولم يذكره هنا مع أنه فرض في السنة الثانية من الهجرة، ووفادة هؤلاء كانت عام الفتح كما مرّ فقيل: هو إغفال من الرواة لا أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاله في موضع ولم يقله في آخر قاله ابن الصلاح (وأنهى) وللحموي والأصيلي وأنهاكم (عن) الانتباذ في (الدباء) بضم الدال وتشديد الموحدة ممدودًا اليقطين اليابس (و) عن الانتباذ في (الحنتم) بفتح المهملة الجرار الخضر أو غير ذلك (و) في (المقير) ما طلي بالقار (و) في (النقير) بفتح النون وكسر القاف ما ينقر في أصل النخلة فيوعى فيه.
وقد سبقت مباحث هذا الحديث في باب أداء الخمس من الإيمان ووجه مطابقته للترجمة من جهة أن في الآية اقتران نفي الشرك بإقامة الصلاة، وفي الحديث اقتران إثبات التوحيد بإقامتها.
ورواته الأربعة ما بين بلخي وبصري وفيه التحديث والعنعنة والقول.

3 - باب الْبَيْعَةِ عَلَى إِقَامَةِ الصَّلاَةِ
(باب البيعة على إقام الصلاة)

(1/479)


كذا لأبي ذر كما في الفرع وأصله ولغيره إقامة بالتاء وعزاها الحافظ ابن حجر لكريمة فقط.
524 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: بَايَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى إِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالنُّصْحِ لِكُلِّ مُسْلِمٍ. [انظر الحديث 57 - وأطرافه].
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بتشديد النون المفتوحة (قال: حدّثنا يحيى) القطان (قال: حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد (قال: حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم بالمهملة والزاي البلخي

الكوفي التابعي المخضرم (عن جرير بن عبد الله) بفتح الجيم البجلي، المتوفى سنة إحدى وخمسين (قال):
(بايعت رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على إقام الصلاة) المكتوبة (وإيتاء الزكاة) المفروضة
(والنصح لكل مسلم) بالجر عطفًا على السابق، وخصّ مبايعة جرير بالنصيحة لأنه كان سيد بجيلة وقائدهم فأرشده إلى النصيحة لأن حاجته إليها أمسّ، بخلاف وفد عبد القيس ذكر لهم أداء الخمس لكونهم أهل محاربة مع من يليهم من كفار مضر، فذكر لكل قوم الأهم مما يحتاجون إليه ويخاف عليهم من جهته، وقد تقدمت مباحث الحديث في باب الدين النصيحة آخر كتاب الإيمان.

4 - باب الصَّلاَةُ كَفَّارَةٌ
هذا (باب) بالتنوين (الصلاة كفارة) للخطايا، ولأبي ذر والمستملي وفي نسخة للأصيلي باب تكفير الصلاة لإضافة باب لتاليه.

525 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: حَدَّثَنِي شَقِيقٌ قَالَ: سَمِعْتُ حُذَيْفَةَ قَالَ: "كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عُمَرَ -رضي الله عنه- فَقَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْفِتْنَةِ؟ قُلْتُ: أَنَا، كَمَا قَالَهُ، قَالَ: إِنَّكَ عَلَيْهِ! أَوْ عَلَيْهَا -لَجَرِيءٌ. قُلْتُ: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَوَلَدِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّوْمُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ وَالنَّهْيُ. قَالَ: لَيْسَ هَذَا أُرِيدُ، وَلَكِنِ الْفِتْنَةُ الَّتِي تَمُوجُ كَمَا يَمُوجُ الْبَحْرُ. قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا بَأْسٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ: يُكْسَرُ أَمْ يُفْتَحُ؟ قَالَ: يُكْسَرُ. قَالَ: إِذَنْ لاَ يُغْلَقَ أَبَدًا. قُلْنَا: أَكَانَ عُمَرُ يَعْلَمُ الْبَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ. كَمَا أَنَّ دُونَ الْغَدِ اللَّيْلَةَ. إِنِّي حَدَّثْتُهُ بِحَدِيثٍ لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَ حُذَيْفَةَ، فَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: الْبَابُ عُمَرُ". [الحديث 525 - أطرافه في: 1435، 1895، 3586، 7096].
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيي) القطان (عن الأعمش) سليمان بن مهران (قال: حدّثني) بالإفراد (شقيق) أبو وائل بن سلمة الأسدي (قال: سمعت حذيفة) بن اليمان، وللمستملي حدّثني بالإفراد حذيفة رضي الله عنه حال كونه (قال):
(كنّا جلوسًا) أي جالسين (عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: أيّكم يحفظ قول رسول الله) ولأبي ذر والأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الفتنة) المخصوصة وهي في الأصل الاختبار والامتحان. قال حذيفة رضي الله عنه: (قلت: أنا) أحفظ (كما قاله) أي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والكاف في كما زائدة للتأكيد (قال) عمر لحذيفة: (إنك عليه) أي على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أو عليها) على المقالة (لجريء) بوزن فعيل من الجرأة أي جسور مقدام قاله على جهة الإنكار والشك من حذيفة أو من غيره من الرواة. قال

حذيفة: (قلت) هي (فتنة الرجل في أهله) بأن يأتي من أجلهم بما لا يحل من القول والفعل.
(و) فتنته في (ماله) بأن يأخذه من غير مأخذه ويصرفه في غير مصرفه، (و) فتنته في (ولده) بفرط المحبة والشغل به عن كثير من الخيرات أو التوغّل في الاكتساب من أجلهم من غير اتقاء المحرمات (و) فتنته في (جاره) بأن يتمنى مثل حاله إن كان متسعًا مع الزوال هذه كلها (تكفرها الصلاة والصوم والصدقة والأمر) بالمعروف. (والنهى) عن المنكر كما صرح به في الزكاة وكلها تكفر الصغائر فقط لحديث "إن الصلاة إلى الصلاة كفّارة لما بينهما ما اجتنبت الكبائر" ففيه تقييد لما أطلق.
فإن قلت: إذا كانت الصغائر مكفّرة باجتناب الكبائر فما الذي تكفره الصلوات الخمس؟ أجيب: بأنه لا يتم اجتناب الكبائر إلاّ بفعل الصلوات الخمسة فإن لم يفعلها لم يكن مجتنبًا للكبائر فتوقف التكفير على فعلها.
(قال) عمر رضي الله عنه (ليس هذا) الذي ذكرته (أريد، ولكن) الذي أريده (الفتنة) بالنصب مفعول فعل مقدّر أي أريد الفتنة الكبرى الكاملة (التي تموج كما يموج البحر) أي تضطرب كاضطرابه، وما مصدرية (قال) حذيفة لعمر: (ليس عليك منها بأس يا أمير المؤمنين، وإن بينك وبينها بابًا) وللأربعة لبابًا (مغلقًا) بالنصب صفة لسابقه اسم مفعول من أغلق رباعيًا أي لا يخرج شيء من الفتن في حياتك (قال) عمر؛ (أيكسر) هذا الباب (أم يفتح؟ قال) حذيفة: (يكسر. قال) عمر: (إذا) جواب وجزاء أي إن انكسر (لا يغلق أبدًا) فإن الإغلاق إنما يكون في الصحيح؛ وأما الكسر فهو هتك لا يجبر، ولذلك انخرق عليهم بقتل عثمان رضي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الفتن ما لا يغلق إلى يوم القيامة، وإذا حرف ناصب ولا يغلق منصوب بها لوجود ما اشترط في عملها وهو تصديرها، وكون الفعل مستقبلاً واتصاله بها وانفصاله عنها بالقسم أو بلا النافية لا يبطل عملها، وفي كتابة إذا بالنون خلاف

(1/480)


وللكشميهني لا يغلق بالرفع بتقدير نحو ب الباب أو هو قال شقيق. (قلنا) لحذيفة (أكان عمر) رضي الله عنه (يعلم الباب؟ قال: نعم) يعلمه (كما) يعلم (أن دون الغد الليلة) أي أن الليلة أقرب من الغد قيل: وإنما علمه عمر رضي الله عنه لأنه عليه الصلاة والسلام كان على حراء هو والعمران وعثمان رضي الله عنهم فاهتز فقال عليه الصلاة والسلام: "إنما عليك نبي وصديق وشهيدان" قال. حذيفة: (اني حدّثته) أي عمر (بحديث) صدق عن الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ليس بالأغاليط) بفتح الهمزة جمع أغلوطة بضمها. قال شقيق: (فهبنا) أي خفنا (أن نسأل حذيفة) من الباب (فأمرنا مسروقًا) هو ابن الأجدع أن يسأله (فسأله، فقال) حذيفة: (الباب) هو (عمر) رضي الله عنه ولا تغاير بين "قوله" أولاً إن بينك وبينها بابًا مغلقًا، وبين قوله هنا: إنه هو الباب، لأن المراد بقوله بينك أي بين زمانك وزمان الفتنة وجود حياتك. وعلم حذيفة بذلك مستند إلى الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقرينة السياق والسؤال والجواب، وقيل: إن عمر لما رأى الأمر كان يتغير سأل عن الفتنة التي تأتي بعده خوفًا أن يدركها مع أنه علم الباب الذي تكون الفتنة بعد كسره، لكنه من شدة الخوف خشي أن يكون نسي فسأل من ذكره.

ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصريين وكوفيين، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وعلامات النبوّة والفتن والصوم، ومسلم والترمذي وابن ماجة في الفتن.
526 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ "أَنَّ رَجُلاً أَصَابَ مِنَ امْرَأَةٍ قُبْلَةً، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {أَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَىِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} فَقَالَ الرَّجُلُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلِي هَذَا؟ قَالَ لِجَمِيعِ أُمَّتِي كُلِّهِمْ». [الحديث 526 - طرفه في: 4687].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء وسكون المثناة التحتية (عن سليمان) بضم السين وفتح اللام ابن طرخان (التيمي) البصري (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ بلام مشددة مع تثليث الميم (النهدي) بفتح النون وسكون الهاء المخضرم العابد (عن ابن مسعود) عبد الله.
(أن رجلاً) هو أبو اليسر بفتح المثناة التحتية والسين المهملة كعب بن عمرو الأنصاري أبو حبة بالموحدة التمار، أو ابن معتب الأنصاري؛ أو أبو مقبل عامر بن قيس الأنصاري، أو نبهان التمار أو عباد (أصاب من امرأة) أنصارية (قبلة) فقط من غير مجامعة (فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد أن ندم على فعله وعزم على تلافي حاله (فأخبره) بذلك (فأنزل الله عز وجل) {أقم الصلاة طرفي النهار} غدوة وعشية {وزلفًا من الليل} وساعات منه قريبة من النهار، فإنه من أزلفه إذا قربه وهو جمع زلفة، وصلاة الغداة صلاة الصبح لأنها أقرب الصلوات من أول النهار، وصلاة العشية العصر وقيل الظهر والعصر لأن ما بعد الزوال عشي وصلاة الزلف المغرب والعشاء {إن الحسنات يذهبن} أي يكفرن (السيئات) [هود: 114] الصغائر لحديث:"إن الصلاة إلى الصلاة مكفرات ما بينهما ما اجتنبت الكبائر" (فقال الرجل) المعهود: (يا رسول الله ألي هذا)؟ بهمزة الاستفهام واسم الإشارة مبتدأ مؤخر ولي خبر مقدم ليفيد الاختصاص (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هو (لجميع أمتي كلهم) مبالغة في التأكيد، لكن سقط كلهم من رواية المستملي كذا قاله العيني كابن حجر، والذي في الفرع كأصله رقم علامة سقوطها لأبي ذر عن الكشميهني والحموي والأصيلي والله أعلم.

ورواته الخمسة بصريون ما خلا قتيبة، وفيه التحديث والعنعنة وفيه تابعي عن تابعي عن صحابي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير ومسلم في التوبة والترمذي والنسائي في التفسير وابن ماجة في الصلاة.

5 - باب فَضْلِ الصَّلاَةِ لِوَقْتِهَا
(باب فضل الصلاة لوقتها) أي في وقتها أو على وقتها.
527 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ هِشَامُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: الْوَلِيدُ بْنُ الْعَيْزَارِ أَخْبَرَنِي قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عَمْرٍو الشَّيْبَانِيَّ يَقُولُ: حَدَّثَنَا صَاحِبُ هَذِهِ الدَّارِ -وَأَشَارَ إِلَى دَارِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: "سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ؟ قَالَ: الصَّلاَةُ عَلَى وَقْتِهَا. قَالَ: ثُمَّ أَىُّ؟ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوَالِدَيْنِ. قَالَ: ثُمَّ أَىُّ؟ قَالَ: الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ. قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي". [الحديث 527 - أطرافه في: 2782، 5970، 7534].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد هشام بن عبد الملك) الطيالسي البصري، وسقط من رواية الأصيلي هشام بن عبد الملك (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: الوليد بن العيزار) بعين مهملة مفتوحة فمثناة تحتية ساكنة فزاي فألف فراء ابن حريث بضم المهملة آخره مثلثة الكوفي (أخبرني) بالإفراد هو على التقديم والتأخير أي حدّثنا شعبة قال: أخبرني الوليد بن العيزار (قال: سمعت أبا عمرو) سعد بن إياس بسكون العين وبكسر الهمزة في إياس وتخفيف المثناة التحتية (الشيباني) المخضرم

(1/481)


الكوفي، المتوفى سنة خمس أو ست وتسعين وله مائة وعشرون سنة (يقول: حدّثنا صاحب هذه الدار) هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه كما صرّح به مالك بن مغول عند المؤلّف في الجهاد، (وأشار) أبو عمرو الشيباني (بيده إلى دار عبد الله) بن مسعود اكتفاء بالإشارة المهمة عن التصريح (قال:
(سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أيّ العمل أحبّ إلى الله؟ قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-َ (الصلاة على وقتها) اتفق أصحاب
شعبة على هذا اللفظ، وخالفهم علي بن حفص وهو ممن احتج به مسلم فقال: (الصلاة في أول وقتها) رواه الحاكم والدارقطني واحترز بقوله على وقتها عما إذا وقعت الصلاة خارج وقتها من معذور كالنائم والناسي، فإن إخراجهما لها عن وقتها لا يوصف بتحريم ولا بأنه أفضل الأعمال مع أنه محجوب، لكن إيقاعها في الوقت أحب.
ووجه المطابقة بين الترجمة باللام وبين الحديث بعلى أن اللام قد تأتي بمعنى على وحروف الخفض ينوب بعضها عن بعض عند الكوفيين كهي في قوله تعالى: {ويخرّون للأذقان} [الإسراء: 109]. أي عليها {وتله للجبين} [الصافات: 103]. أي عليه أو هي لام التأقيت والتأريخ كهي في قوله تعالى: {فطلقوهن لعدتهن} [الطلاق: 1] أي وقتها وهو الطهر، فإن اللام في الأزمان وما أشبهها للتأقيت، ومن عدّ العدة بالحيض علق اللام بمحذوف مثل مستقبلات قاله البيضاوي، فعلى قول الكوفيين إن حروف الجر تنوب بعضها عن بعض فهما متطابقان، وإلاّ فمتغايران لأن على للاستعلاء على الوقت والتمكن من أداء الصلاة في أي جزء كان من أجزائه واللام لاستقبال الوقت، أو اللام بمعنى في لأن الوقت ظرف لها. قال تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [الأنبياء: 47] أي فيه.

(قال) أي ابن مسعود قلت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ثم أي) بالتشديد والتنوين كما سمعه أبو الفرج بن الجوزي من ابن الخشاب. وقال: يعني ابن الخشاب لا يجوز غيره لأنه اسم معرب غير مضاف، وأجاب الزركشي في تعليق العمدة بأنه مضاف تقديرًا والمضاف إليه محذوف لوقوعه في الاستفهام والتقدير، ثم أي العمل أفضل؟ قال: فالأولى أن يوقف عليه بإسكان الياء، وتعقبه في المصابيح فقال: كأنه فهم أن ابن الخشاب نفى كونه مضافًا مطلقًا حتى أورد عليه أنه مضاف تقديرًا، وليس هذا مراد ابن الخشاب قطعًا إذ هو بصدد تعليل إيجاب التنوين فيه وهو يثبت بكونه غير مضاف لفظًا وتقدير الإضافة لا يوجب عدم تنوينه، بل ولا يجوزه، وتوجيه الفاكهاني في شرح العمدة بأنه موقوف عليه في الكلام، والسائل ينتظر الجواب منه عليه الصلاة والسلام، والتنوين لا يوقف عليه إجماعًا، وحينئذ فتنوينه ووصله بما بعده خطأ فيوقف عليه وقفة لطيفة ثم يؤتى بما بعده. أجيب: عنه بأن الحاكي لا يجب عليه في حالة وصل الكلام بما قبله أو بما بعده أن يراعي حال المحكي عنه في الابتداء والوقف، بل يفعل هو ما تقتضيه حالته التي هو فيها والاستعمالات الفصيحة شاهدة بذلك. قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] فهذا كلام محكي بدئ بهمزة قطع وختم بتنوين ولم يقل أحد بوجوب الوقف على ما قالوا محافظة على الإتيان بهمزة القطع كما كانت في كلامهم المحكي ولا بوجوب الوقف على الميم بالسكون كما وقفوا عليه. بل يجوز الوصل إجماعًا فتراعى حالته قاله الدماميني.
(قال) عليه الصلاة والسلام: (بر الوالدين) بالإحسان إليهما والقيام بخدمتهما وترك عقوقهما وللمستملي ثم بر الوالدين (قال) أي ابن مسعود رضي الله عنه قلت: (ثم أي) بالتشديد والتنوين كما سبق (قال) عليه الصلاة والسلام: (الجهاد في سبيل الله) لإعلاء كلمة الله عز وجل وإظهار شعائر الإسلام بالنفس والمال. (قال) ابن مسعود رضي الله عنه: (حدّثني بهن) أي بالثلاثة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو استزدته) أي طلبت منه الزيادة في السؤال (لزادني) في الجواب.
فإن قلت: ما الجمع بين حديث الباب ونحو: إن إطعام الطعام خير أعمال الإسلام؟ أجيب: بأن الجواب اختلف باختلاف أحوال السائلين. فأعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بما هو لائق بهم، أو الاختلاف باختلاف

(1/482)


الأوقات فقد كان الجهاد في ابتداء الإسلام أفضل الأعمال، لأنه وسيلة إلى القيام بها. ولا ريب أن الصلاة أفضل من الصدقة وقد تكون في وقت مؤاساة المضطر أفضل، أو أن أفعل ليست على بابها، بل المراد بها الفضل المطلق أو هو على حذف من وارداتها.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث والإخبار والقول والسماع والسؤال، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الجهاد وفي الأدب والتوحيد، ومسلم في الإيمان، والترمذي في الصلاة وفي البر والصلة، والنسائي في الصلاة.

6 - باب الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ كَفَّارَةٌ
هذا (باب) بالتنوين (الصلوات الخمس كفارة) وللكشميهني كفّارات للخطايا إذا صلاّهنّ لوقتهنّ في الجماعة وغيرها، وسقط الباب والترجمة لأبي ذر والأصيلي، وضبب عليه في رواية أبي الوقت وعند أبي ذر وفي نسخة أبي الهيثم الباب والترجمة وعنده عوض كفّارة كفّارات وعوض لوقتهنّ لوقتها.
528 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ وَالدَّرَاوَرْدِيُّ عَنْ يَزِيدَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «أَرَأَيْتُمْ لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا مَا تَقُولُ ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ؟ قَالُوا: لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ شَيْئًا. قَالَ: فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ يَمْحُو اللَّهُ بِهَا الْخَطَايَا».

وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي ابن محمد بن حمزة الزبيري المدني (قال: حدّثني) بالإفراد وفي رواية أبي ذر حدّثنا (ابن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي عبد العزيز واسم أبي حازم سلمة بن دينار المدني (و) عبد العزيز بن محمد بن عبيد (الدراوردي) بفتح الدال والراء المهملتين فألف ثم واو مفتوحة ثم راء ساكنة ثم دال مهملة فياء قرية بخراسان نسب إليها كلاهما (عن يزيد) ولأبي ذر زيادة ابن عبد الله وللأصيلي يعني ابن عبد الله بن الهاد أي الليثي الأعرج التابعي الصغير (عن محمد بن إبراهيم) التيمي التابعي راوي حديث: إنما الأعمال بالنيّة، (عن أبي سلمة) بفتح اللام (بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أنه سمع
رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(أرأيتم) بهمزة الاستفهام التقريري وتاء الخطاب أي أخبروني (لو) ثبت (أن نهرًا) بفتح الهاء وسكونها ما بين جنبتي الوادي سمي به لسعته صفته أنه (بباب أحدكم) ظرف مستقر حال كونه (يغتسل فيه كل يوم) ظرف ليغتسل (خمسًا) أي خمس مرات مصدر له (ما تقول) أيها السامع أي ما تظن، فأجرى فعل القول مجرى فعل الظن، كما نبّه عليه ابن مالك في توضيحه لأن ما الاستفهامية تقدمت ووليها فعل مضارع مسند إلى ضمير المخاطب، فاستحق أن يعمل عمل فعل الظن. وقال في المصابيح: جواب لو اقترن بالاستفهام كما اقترن به جواب أن الشرطية في مثل قوله: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} [العلق: 14] هكذا مثله بعضهم، ومثل الرضى لذلك بقوله تعالى: {أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُون} [الأنعام: 47] وفيهما نظر. فإن اقتران الجواب في مثله بالفاء واجب ولا محل لهذه الجملة المتضمنة للاستفهام لأنها مستأنفة لبيان الحال المستخبر عنها كأنه لما قال: أرأيتم قالوا عن أي شيء تسأل؟ فقال: لو أن نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه في كل يوم خمسًا ما تقول. (ذلك) أي الاغتسال (يبقي) بضم أوله وكسر ثالثه المخفّف من الإبقاء وهو بالموحدة عند الجمهور. وحكى عياض عن بعض شيوخه أنه ينقي بالنون والأول أوجه (من

درنه؟) بفتح أوله أي من وسخه زاد مسلم شيئًا وما الاستفهامية في موضع نصب يبقي، وقدم لأن الاستفهام له الصدر.
فإن قيل: خاطب أولاً الجماعة بقوله أرأيتم ثم أفرد في تقول فما وجهه؟ أجاب في المصابيح: بأنه أقبل على الكل أولاً فخاطبهم جميعًا، ثم أفرد إشارة إلى أن هذا الحكم لا يخاطب به معين لتناهيه في الظهور فلا يختص به مخاطب دون مخاطب وقد مرَّ نظيره.
(قالوا: لا يُبقي) بضم أوله وكسر ثالثه المخفّف وفاعله ضمير يعود إلى ما تقدم أي لا يبقي ذلك الفعل أو الاغتسال (من درنه) وسخه (شيئًا) نصب على المفعولية (قال): عليه الصلاة والسلام: (فذلك) الفاء جواب شرط محذوف أي إذا علمتم ذلك فهو (مثل الصلوات الخمس) بفتح الميم والمثلثة أو بالكسر والسكون (يمحو الله به الخطايا) أي الصغائر وتذكير الضمير باعتبار أداء الصلوات، وللأربعة بها أي بالتأنيث باعتبار الصلوات، وفائدة التمثيل التأكيد وجعل المعقول كالمحسوس. قال الدماميني رحمه الله تعالى: شبه على وجه التمثيل حال المسلم المقترف لبعض الذنوب المحافظ على أداء الصلوات الخمس في زوال الأذى عنه وطهارته من أقذار السيئات

(1/483)


بحال المغتسل في نهر على باب داره كل يوم خمس مرات في نقاء بدنه من الأوساخ وزوالها عنه، ويجوز أن يكون هذا من تشبيه أشياء بأشياء، فشبهت الصلاة بالنهر لأنها تنقي صاحبها من درن الذنوب كما ينقي النهر البدن من الأوساخ التي تعلق به بالاغتسال فيه، وشبه قرب تعاطي الصلوات وسهولته بكون النهر قريبًا من مجاورته على باب داره، وشبه أداؤها كل يوم خمس مرات بالاغتسال المتعدد كذلك، وشبهت الذنوب بالأدران للتأذّي بملابستها وشبه محو السيئات عن المكلف بنقاء البدن وصفائه والأول أفحل وأجزل.
ورواة هذا الحديث السبعة مدنيون، وفيه ثلاثة من التابعين يزيد ومحمد وأبو سلمة، وفيه التحديث والعنعنة والسماع، وأخرجه مسلم في الصلاة والترمذي في الأمثال.

7 - باب تَضْيِيعِ الصَّلاَةِ عَنْ وَقْتِهَا
(باب تضييع الصلاة) بإضافة باب لتاليه، ولأبي ذر باب بالتنوين في تضييع الصلاة (عن وقتها) أي تأخيرها إلى أن يخرج وقتها، وسقط لابن عساكر والأصيلي الباب والترجمة. وقال الحافظ ابن حجر: هذه الترجمة ثابتة في رواية الكشميهني والحموي وسقطت للباقين.
529 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَهْدِيٌّ عَنْ غَيْلاَنَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: مَا أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا كَانَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قِيلَ: الصَّلاَةُ. قَالَ: أَلَيْسَ صَنَعْتُمْ مَا صَنَعْتُمْ فِيهَا؟

وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قال: حدّثنا مهدي) هو ابن ميمون (عن غيلان) بفتح المعجمة ابن جرير المعولي بفتح الميم وإسكان العين المهملة وفتح الواو نسبة إلى المعاول بطن من الأزد (عن أنس) هو ابن مالك رضي الله عنه أنه (قال:) لما أخّر الحجاج الصلاة

(ما أعرفُ شيئًا مما كان على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في رواية ابن سعد في الطبقات إلا شهادة أن لا إله إلاّ الله (قيل:) أي قال له أبو رافع (الصلاة) هي شيء مما كان على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي باقية، فكيف تصدق القضية السالبة العامّة؟ (قال:) أنس رضي الله عنه في الجواب (أليس ضيعتم ما ضيعتم فيها؟) بالضاد المعجمة والمثناة التحتية المشددة واسم ليس ضمير الشأن المستتر فيها وضيعتم في موضع نصب خبرها، ولأبي ذر قد ضيعتم بزيادة قد والمراد بإضاعتها إخراجها عن وقتها. قال تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ} [مريم: 59] قال البيضاوي: تركوها أو أخّروها عن وقتها انتهى.
والثاني هو قول ابن مسعود رضي الله عنه ويشهد له ما في الطبقات لابن سعد عن ثابت
البناني فقال رجل: فالصلاة يا أبا حمزة؟ قال: جعلتم الظهر عند المغرب أفتلك صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وقيل: المراد بتضييعها تأخيرها عن وقتها المستحب لا عن وقتها بالكلية، ولغير النسفيّ صنعتم ما صنعتم بالصاد المهملة والنون فيها من الصنع، والأولى أوضح في مطابقة الترجمة. ورواة هذا الحديث الأربعة بصريون، وفيه التحديث والعنعنة وهو من أفراد المؤلّف.
530 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ زُرَارَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ وَاصِلٍ أَبُو عُبَيْدَةَ الْحَدَّادُ عَنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي رَوَّادٍ أَخِي عَبْدِ الْعَزِيزِ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ يَقُولُ: دَخَلْتُ عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ بِدِمَشْقَ وَهُوَ يَبْكِي فَقُلْتُ: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: لاَ أَعْرِفُ شَيْئًا مِمَّا أَدْرَكْتُ إِلاَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ، وَهَذِهِ الصَّلاَةُ قَدْ ضُيِّعَتْ.
وَقَالَ بَكْرٌ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ الْبُرْسَانِيُّ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي رَوَّادٍ نَحْوَه.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن زرارة) بفتح العين وسكون الميم وزرارة بضم الزاي وراءين مفتوحتين بينهما ألف آخره هاء تأنيث (قال: أخبرنا عبد الواحد بن واصل أبو عبيدة) بضم العين آخره تاء تأنيث مصغرًا (الحداد) بحاء ودالين مهملات السدوسي البصري (عن عثمان بن أبي روّاد) بفتح الراء وتشديد الواو واسمه ميمون الخراساني نزيل البصرة (أخو) أي هو أخو (عبد العزيز) وللأصيلي زيادة ابن أبي رواد وللحموي والمستملي أخي بالياء بدلاً من قوله عثمان (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب حال كونه (يقول: دخلت على أنس بن مالك) رضي الله عنه (بدمشق) بكسر الدال وفتح الميم لما قدمها شاكيًا من والي العراق الحجاج للوليد بن عبد الملك بن مروان (وهو) أي والحال أن أنسًا (يبكي فقلت له: ما يبكيك؟ فقال:) يبكيني أني (لا أعرف شيئًا مما أدركتُ) في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي شيئًا موجودًا من الطاعات معمولاً به على وجهه أي بالنسبة إلى ما شاهده من أمراء الشام والبصرة خاصة (إلاّ هذه الصلاة،) بالنصب على الاستثناء أو البدلية (وهذه الصلاة قد ضُيعت) بضم الضاد المعجمة وكسر المثناة التحتية المشددة بإخراجها عن وقتها، فقد صحّ

أن الحجاج وأميره الوليد وغيرهما كانوا يؤخرون الصلاة عن وقتها، وهو يردّ على من فسّره بتأخيرها عن وقتها المستحب على ما لا يخفى.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين نيسابوري

(1/484)


وخراساني وبصري ومدني، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول.
(وقال بكر:) بفتح الموحدة وسكون الكاف، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر بكر بن خلف البصري نزيل مكة مما وصله الإسماعيلي (حدّثنا محمد بن بكر البرساني) بضم الموحدة وسكون الراء وبالسين المهملة وبالنون الواسطي (قال: أخبرنا عثمان بن أبي روّاد) المذكور (نحوه.) أي نحو سياق عمرو بن زرارة عن عبد الواحد.

8 - باب الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
هذا (باب) بالتنوين (المصلّي يناجي) أي يخاطب (ربه عز وجل) ولا يخفى أن مناجاة الرب أرفع درجات العبد.
531 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى يُنَاجِي رَبَّهُ، فَلاَ يَتْفِلَنَّ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ تَحْتَ قَدَمِهِ الْيُسْرَى».

وَقَالَ سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ: لاَ يَتْفِلُ قُدَّامَهُ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمَيْهِ.
وَقَالَ شُعْبَةُ: لاَ يَبْزُقُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ.
وَقَالَ حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَبْزُقْ فِي الْقِبْلَةِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، وَلَكِنْ عَنْ يَسَارِهِ أَوْ تَحْتَ قَدَمِهِ».
وبالسند قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) البصري (قال: حدّثنا هشام) هو ابن أبي عبد الله الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) وللأصلي أنس بن مالك (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن أحدكم إذا صلّى يناجي ربه،) زاد الأصيلي عز وجل: واعلم أنه لا تتحقق المناجاة إلا إذا كان اللسان معبرًا عما في القلب فالغفلة ضد، ولا ريب أن المقصود من القراءة والأذكار مناجاته تبارك وتعالى، فإذا كان القلب محجوبًا بحجاب الغفلة غافلاً عن جلال الله عز وجل وكبريائه، وكان اللسان يتحرك بحكم العادة فما أبعد ذلك عن القبول. وعن بشر الحافي رحمة الله عليه مما نقله الغزالي: من لم يخشع فسدت صلاته، وعن الحسن رحمة الله تعالى عليه كل صلاة لا يحضر فيها القلب فهي إلى العقوبة أسرع. سلمنا أن الفقهاء صحّحوها فهلاّ يأخذ بالاحتياط ليذوق لذة المناجاة؟ (فلا يتفلن عن يمينه) بكسر الفاء في الفرع، ويجوز ضمها. قال البرماوي: وإن أنكر ابن مالك الضم من
التفل بالمثناة أقل من البزق (ولكن) يتفل (تحت قدمه اليسرى).

وبالإسناد المذكور (قال سعيد) أي ابن أبي عروبة (عن قتادة:) وطريقه موصولة عند الإمام أحمد وابن حبّان (لا يتفل قدامه) بكسر الفاء وضمها وجزم اللام بلا الناهية. (أو) قال الراوي (بين يديه) أي قدامه فالشك في اللفظ (ولكن) يتفل (عن يساره أو تحت قدميه). ولأبوي ذر والوقت قدمه بالإفراد.
(و) بالسند السابق أيضًا (قال شعبة:) بن الحجاج عن قتادة وطريقه موصولة عند المؤلّف فيما سبق عن آدم عنه (لا يبزق بين يديه) بالجزم على النهي، والذي في اليونينية الرفع فقط (ولا عن يمينه، ولكن) يبزق (عن يساره أو تحت) ولابن عساكر وتحت (قدمه).
(و) بالإسناد السابق أيضًا (قال حميد) بضم الحاء المهملة وفتح الميم (عن أنس) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا يبزق) أحدكم (في القبلة ولا) يبزق (عن يمينه، ولكن) يبزق (عن يساره أو تحت) ولابن عساكر وتحت (قدمه) بالإفراد وفي رواية قدميه بالتثنية.
532 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «اعْتَدِلُوا فِي السُّجُودِ، وَلاَ يَبْسُطْ ذِرَاعَيْهِ كَالْكَلْبِ، وَإِذَا بَزَقَ فَلاَ يَبْزُقَنَّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلاَ عَنْ يَمِينِهِ، فَإِنَّهُ يُنَاجِي رَبَّهُ».
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين ابن الحرث الأزدي النمريّ الحوضيّ (قال: حدّثنا يزيد بن إبراهيم) التستري بضم المثناة الفوقية وسكون المهملة وفتح المثناة ثم راء نزيل البصرة (قال: حدّثنا قتادة) بن دعامة بن قتادة السدوسي البصري (عن أنس) وللأصيلي أنس بن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:) ولأبي ذر عن الكشميهني أنه قال:
(اعتدلوا في السجود) بوضع الكفّين على الأرض ورفع المرفقين عنها وعن الجنبين والبطن عن الفخذ إذ هو أشبه بالتواضع، وأبلغ في تمكين الجبهة من الأرض، وأبعد من هيئات الكسالى (ولا يبسط) بالجزم على النهي أي المصلي والفاعل مضمر ولأبي ذر ولا يبسط أحدكم بإظهاره (ذراعيه كالكلب،) فإن فيه مع ذلك إشعارًا بالتهاون بالصلاة وقلة الاعتناء بها والإقبال عليها (وإذا بزق) أحدكم (فلا يبزقن) بنون التأكيد الثقيلة وللأصيلي فلا يبزق (بين يديه ولا عن يمينه، فإنه) وللحموي والمستملي فإنما (يناجي ربه) عز وجل.

9 - باب الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ
(باب) فضل (الإبراد بالظهر) أي بصلاتها (في شدة الحر) سقط باب للأصيلي.

533، 534 - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ: حَدَّثَنَا الأَعْرَجُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَغَيْرُهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَنَافِعٌ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ» [الحديث 533 - طرفه في: 536].
وبالسند قال: (حدّثنا أيوب بن سليمان) المدني ولأبوي ذر والوقت ابن سليمان بن بلال (قال: حدّثنا) وللأصيلي حدّثني (أبو بكر) عبد الحميد بن أبي أويس الأصبحي (عن سليمان بن بلال) والد أيوب شيخ المؤلّف

(1/485)


(قال صالح بن كيسان) بفتح الكاف (حدّثنا الأعرج عبد الرحمن) بن هرمز (وغيره) قال الحافظ ابن حجر هو أبو سلمة بن عبد الرحمن فيما أظن (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (ونافع) بالرفع عطفًا على الأعرج (مولى عبد الله بن عمر عن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (أنهما) أي أبا هريرة وابن عمر (حدّثاه) أي حدّثا من حدّث صالح بن كيسان أو الضمير في أنهما للأعرج ونافع يعني أن الأعرج ونافعًا حدّثاه يعني صالح بن كيسان عن شيخهما بذلك، ولابن عساكر وهو عند الإسماعيلي حدّثا بغير ضمير، وحينئذ فلا يحتاج إلى التقدير المذكور (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال):
(إذا اشتد الحر فأبردوا) بقطع الهمزة وكسر الراء (بالصلاة) أي بصلاة الظهر كما في رواية أبي سعيد والمطلق يحمل على المقيد أي أخّروا صلاة الظهر عند شدة الحر وعند إرادة صلاتها بمسجد الجماعة حيث لا ظل لمنهاجه في بلد حار ندبًا عن وقت الهاجرة إلى حين يبرد النهار، فالتأخير إلى حين ذهاب شدّة الحر لا إلى آخر بردي النهار وهو برد العشي لأنه إخراج عن الوقت، ولا في بلد معتدل، ولا لمن يصلّي في بيته منفردًا، ولا لجماعة مسجد لا يأتيهم غيرهم، ولا لمن كانت منازلهم قريبة من المسجد، ولا لمن يمشون إليه من بُعد في ظل. واستدل به على استحباب الإبراد بالجمعة لدخولها في مسمى الصلاة، ولأن العلة وهي شدة الحر موجودة في وقتها، والأصح أنه لا يبرد بها لأن المشقّة في الجمعة ليست في التعجيل بل في التأخير، والمستحب لها التعجيل والباء في بالصلاة للتعدية فالمعنى: ادخلوا الصلاة في البرد. وللكشميهني: فأبردوا عن الصلاة فعن بمعنى الباء كاسأل به خبيرًا ورميت عن القوس، أو ضمن أبردوا معنى التأخير فعدّي بعن أي إذا اشتد الحر فتأخروا عن الصلاة مبردين أو أبردوا متأخرين عنها، وحقيقة التضمين أن يقصد بالفعل معناه الحقيقي مع فعل آخر يناسبه، وقد استشكل هذا بأن الفعل المذكور إن كان في معناه الحقيقي فلا دلالة على الفعل الآخر، وإن كان في معنى الفعل الآخر فلا دلالة على معناه الحقيقي، وإن كان فيهما جميعًا لزم الجمع بين الحقيقة والمجاز.
وأجيب: بأنه في معناه الحقيقي مع حذف حال مأخوذ من الفعل الآخر بمعونة القرينة اللفظية، وقد يعكس كما مثلناه ومنه قوله تعالى: {وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُم} [البقرة: 185] أي لتكبّروه مدين على ما هداكم، أو لتحمدوا الله مكبّرين على ما هداكم.

فإن قيل: صلة المتروك تدل على زيادة القصد إليه فجعله أصلاً، وجعل المذكور حالاً وتبعًا أولى. فالجواب: أن ذكر صلته يدل على اعتباره في الجملة لا على زيادة القصد إليه إذ لا دلالة بدونه، فينبغي جعل الأوّل أصلاً والتبع حالاً قاله في المصابيح.
(فإن شدة الحر من فيح) أي من سعة تنفس (جهنم). حقيقة للحديث الآتي إن شاء الله تعالى، فأذن لها بنفسين، ولا يمكن حمله على المجاز، ولو حملنا شكوى النار على المجاز لأن الإذن لها في التنفس ونشأة شدة الحر عنه لا يمكن فيه التجوّز أو هو من مجاز التشبيه أي مثل نار جهنم فاحذروه واخشوا ضرره، والأوّل أولى لا سيما والنار عندنا مخلوقة فإذا تنفست في الصيف للإذن لها قوّى لهب نفسها حرّ الشمس، والفاء في فإن للتعليل لأن علّة مشروعية الإبراد شدّة الحر لكونها تسلب الخشوع، أو لأنها ساعة تسجر فيها جهنم، وعورض بأن فعل الصلاة مظنّة وجود الرحمة.
وأجيب: بأن التعليل من قبل الشارع يجب قبوله، وإن لم يدرك معناه. وبأن وقت ظهوره أثر الغضب لا ينجع فيه الطلب إلا لمن أذن له بدليل حديث الشفاعة إذ يعتذر كل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بغضب الله عز وجل إلاّ نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام المأذون له في الشفاعة.
ورواة هذا الحديث الثمانية مدنيون وفيه صحابيان وثلاثة من التابعين، والتحديث والعنعنة والقول.

535 - حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْمُهَاجِرِ أَبِي الْحَسَنِ سَمِعَ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قَالَ: "أَذَّنَ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ فَقَالَ: أَبْرِدْ أَبْرِدْ -أَوْ قَالَ -انْتَظِرِ انْتَظِرْ- وَقَالَ: شِدَّةُ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّم، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا عَنِ الصَّلاَةِ. حَتَّى رَأَيْنَا فَىْءَ التُّلُولِ". [الحديث 535 - أطرافه في: 539، 629، 3258].
وبه قال: (حدّثنا ابن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة وللأربعة محمد بن بشار الملقب ببندار العبدي (قال: حدّثنا غندر) اسمه محمد بن جعفر ابن امرأة شعبة (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن المهاجر أبي الحسن) بضم الميم بلفظ اسم الفاعل وهو اسم له وليس بوصف وأل فيه كالتي في العباس (سمع زيد بن وهب)

(1/486)


الهمداني الجهني (عن أبي ذر) جندب بن جنادة الغفاري الصحابي رضي الله عنه أنه (قال):
(أذّن مؤذّن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). بلال (الظهر) بالنصب أي في وقت الظهر فحذف المضاف الذي هو الوقت وأقيم الظهر مقامه، وبهذا يرد على الزركشي حيث قال: إن الصواب بالظهر أو للظهر (فقال:) عليه الصلاة والسلام لبلال رضي الله عنه: (أبرد أبرد) مرتين (أو قال:) عليه الصلاة والسلام: (انتظر انتظر) مرتين كذلك.

فإن قلت: الإبراد للصلاة فكيف أمر المؤذن به للأذان؟ أجيب: بأنه مبني على أن الأذان هل هو للوقت أو للصلاة؟ وفيه خلاف مشهور وظاهر هذا يقوّي القول بأنه للصلاة، لأن الأذان وقد وقع وانقضى، أو أن المراد بالأذان الإقامة. ويؤيده حديث الترمذي بلفظ: فأراد بلال أن يقيم، وفي رواية البخاري الآتية إن شاء الله تعالى في التالي، فأراد المؤذّن أن يؤذن للقهر فقال له: أبرد وهي تقتضي أن الإبراد راجع إلى الأذان، وأنه منعه من الأذان في ذلك الوقت.
(وقال): عليه الصلاة والسلام: (شدة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة). أي إذا اشتد الحر فتأخروا عن الصلاة مبردين. قال أبو ذر: كان يقول ذلك (حتى) أي أخّرنا إلى أن (رأينا فيء التلول) بضم المثناة الفوقية وتخفيف اللام جمع تل بفتح أوّله كل ما اجتمع على الأرض من تراب أو رمل أو نحوهما، وهي في الغالب مسطحة غير شاخصة لا يظهر لها ظل إلا إذا ذهب أكثر وقت الظهر، والفيء ما بعد الزوال، والظل أعم منه يكون لما قبل وما بعد، والتلول لانبساطها لا يظهر فيها عقب الزوال فيء بخلاف الشاخص المرتفع. نعم دخول وقت الظهر لا بدّ فيه من فيء فالوقت لا يتحقق دخوله إلاّ عند وجوده، فيحمل الفيء هنا على الزائد على هذا المقدار، ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في باب الإبراد في السفر.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين مدني وكوفي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وفي صفة النار، ومسلم وأبو داود وابن ماجة في الصلاة.
536 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَفِظْنَاهُ مِنَ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) ولأبي ذر بن عبد الله بن المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حفظناه من الزهري) وفي رواية عن الزهري محمد بن مسلم بن شهاب (عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة) رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا اشتد الحر فأبردوا بالصلاة) ندبًا، والمراد الظهر لأنها الصلاة التي يشتد الحر غالبًا في أوّل وقتها. (فإن شدة الحر من فيح جهنم).
فإن قلت: ظاهره يقتضي وجوب الإبراد. أجيب: بأن القرينة صرفته إلى الندبية لأن العلّة فيه دفع المشقّة عن المصلي لشدة الحر فصار من باب الشفقة والنفع.
فإن قلت: ما الجمع بين هذا وبين حديث خباب شكونا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حرّ الرمضاء فلم يشنّا أي لم يزل شكوانا؟ أجيب: بأن الإبراد رخصة والتقديم أفضل، أو هو منسوخ بأحاديث
الإبراد، والإبراد مستحب لفعله عليه الصلاة والسلام له وأمره به، أو حديث خباب محمول على أنهم طلبوا زائدًا على قدر الإبراد لأنه بحيث يحصل للحيطان ظل يمشى فيه.

537 - «وَاشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ: نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَهُوَ أَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الْحَرِّ، وَأَشَدُّ مَا تَجِدُونَ مِنَ الزَّمْهَرِيرِ». [الحديث 537 - طرفه في: 3260].
(واشتكت النار إلى ربها) شكاية حقيقية بلسان المقال بحياة يخلفها الله تعالى فيها قاله عياض.
وتعقبه الأبي بأنه لا بد من خلق إدراك مع الحياة انتهى. لكن قال الأستاذ أبو الوليد الطرطوشي فيما نقله في المصابيح: وإذا قلنا بأنها حقيقية فلا يحتاج إلى أكثر من وجود الكلام في الجسم، أما في محاجة النار فلا بدّ من وجود العلم مع الكلام لأن المحاجّة تقتضي التفطّن لوجه الدلالة أو هي مجازية عرفية بلسان الحال عن لسان المقال كقوله:
شكا إليّ جملي طول السرى.
وقرّر البيضاوي ذلك فقال: شكواها مجاز عن غليانها، وأكل بعضها بعضًا مجاز عن ازدحام أجزائها، وتنفسها مجاز عن خروج ما يبرز منها. وصوّب النووي حملها على الحقيقة. وقال ابن المنير: هو المختار، وقد ورد مخاطبتها للرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللمؤمنين بقولها: جز يا مؤمن فقد أطفأ نورك لهبي، ويضعف حمل ذلك على المجاز قوله:
(فقالت: يا رب) وللأربعة فقالت: رب (أكل بعضي بعضًا، فأذن لها) ربها تعالى (بنفسين): تثنية

(1/487)


نفس بفتح الفاء وهو ما يخرج من الجوف ويدخل فيه من الهواء (نفس في الشتاء ونفس في الصيف) بجر نفس في الموضعين على البدل أو البيان، ويجوز رفعهما بتقدير أحدهما ونصبهما بأعني فهو (أشد ما تجدون) أي الذي تجدونه (من الحر)، أي من ذلك النفس، وهذا لا يمكن الحمل معه على المجاز، ولو حملنا شكوى النار على المجاز لأن الإذن لها في التنفس ونشأة شدة الحر عنه لا يمكن فيه التجوّز، والذي رويناه أشد بالرفع مبتدأ محذوف الخبر، ويؤيده رواية النسائي من وجه آخر بلفظ: فأشد ما تجدون من الحر من حر جهنم الحديث، أو خبر مبتدأ محذوف أي فذلك، ويؤيده رواية غير أبوي ذر والوقت والأصيلي، وعزاها ابن حجر لرواية الإسماعيلي من هذا الوجه فهو أشد، ويجوز الجر على البدل من السابق، ويجوز النصب مفعول تجدون الواقع بعد. قال الدماميني: وفيه بعد (وأشد) بالرفع أو الجر أو النصب (ما تجدون من الزمهرير) من ذلك النفس ولا مانع من حصول الزمهرير من نفس النار، لأن المراد من النار محلها وهو جهنم وفيها طبقة زمهريرية، والذي خلق الملك من الثلج والنار قادر على جمع الضدّين في محل واحد، وفيه أن النار مخلوقة موجودة الآن وهو أمر قطعي للتواتر المعنوي خلافًا لمن قال من المعتزلة أنها إنما تخُلَق يوم القيامة.
ورواته خمسة، وفيه التحديث والقول والحفظ والعنعنة، وأخرجه النسائي.

538 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَبْرِدُوا بِالظُّهْرِ فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ». تَابَعَهُ سُفْيَانُ وَيَحْيَى وَأَبُو عَوَانَةَ عَنِ الأَعْمَشِ. [الحديث 538 - طرفه في: 3259].
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) ولأبي ذر ابن حفص بن غياث بكسر الغين المعجمة آخره مثلثة (قال: حدّثنا أبي) حفص بن طلق بفتح الطاء وسكون اللام (قال: حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران وللأصيلي عن الأعمش (قال: حدّثنا أبو صالح) ذكوان (عن أبي سعيد) الخدري رضي الله عنه: (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (أبردوا بالظهر فإن شدة الحر من فيح جهنم) خصّ الشافعي الإبراد بالإمام المنتاب من بعد دون الفذ والجماعة بموضعهم كما مرّ ولم يقل بالإبراد في غير الظهر إلا أشهب. قال: يبرد بالعصر كالظهر، وقال أحمد: تؤخر العشاء في الصيف كالظهر، وعكس ابن حبيب فقال: إنما تؤخر في ليل الشتاء لطوله، وتعجل في الصيف لقصره، وقد يحتج بحديث الباب على مشروعية الإبراد للجمعة كما مرّ، وبه قال بعض الشافعية وهو مقتضى صنيع المؤلّف. وتأتي مباحث ذلك إن شاء الله تعالى.
وفي هذا الحديث رواية الابن عن الأب والتحديث والعنعنة والقول:
(تابعه) وفي رواية وتابعه أي تابع حفص بن غياث والد عمر المذكور (سفيان) الثوري مما وصله المصنف في صفة النار من بدء الخلق، (و) تابع حفصًا أيضًا (يحيى) بن سعيد القطان مما وصله الإمام أحمد في مسنده عنه، (و) كذا تابعه (أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله في روايتهم (عن الأعمش) سليمان بن مهران في لفظ: أبردوا بالظهر.

10 - باب الإِبْرَادِ بِالظُّهْرِ فِي السَّفَرِ
(باب الإبراد بالظهر في) حالة (السفر) كالحضر إذا كان المسافر غير سائر.
539 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا مُهَاجِرٌ أَبُو الْحَسَنِ مَوْلًى لِبَنِي تَيْمِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُ زَيْدَ بْنَ وَهْبٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ، فَأَرَادَ الْمُؤَذِّنُ أَنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَبْرِدْ. ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُؤَذِّنَ فَقَالَ لَهُ: أَبْرِدْ. حَتَّى رَأَيْنَا فَىْءَ التُّلُولِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ، فَإِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلاَةِ". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ تَتَفَيَّأُ تَتَمَيَّلُ.
وبالسند قال: (حدّثنا آدم) ولغير الأربعة (ابن أبي إياس قال): (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا مهاجر أبو الحسن مولى لبني تيم الله) وللحموي والكشميهني مولى بني تيم الله بالإضافة الكوفي (قال: سمعت زيد بن وهب) الجهني الكوفي المخضرم (عن أبي ذر الغفاري) رضي الله عنه (قال):
(كنا مع النبي) ولأبي ذر وابن عساكر مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) قيده هنا بالسفر وأطلقه في السابقة مشيرًا بذلك إلى تلك الرواية المطلقة محمولة على هذه المقيدة، لأن المراد من الإبراد التسهيل ودفع المشقّة فلا تفاوت بين السفر والحضر، (فأراد المؤذن) بلال (أن يؤذن للظهر، فقال:) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال له: أبرد) في رواية عن أبي الوليد عن شعبة مرتين أو ثلاثًا، وجزم مسلم بن إبراهيم عن شعبة بذكر الثالثة (حتى) أي إلى أن (رأينا فيء التلول،) وغاية الإبراد حتى يصير الظل ذراعًا بعد ظل الزوال، أو ربع قامة أو ثلثها أو نصفها. وقيل غير ذلك أو

(1/488)


يختلف باختلاف الأوقات، لكن يشترط أن لا يمتد إلى آخر الوقت. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): عقب مقالته السابقة: (إن شدّة الحر من فيح جهنم، فإذا اشتد الحر فأبردوا)، بهمزة قطع مفتوحة (بالصلاة).
التي يشتد الحر غالبًا في أوّل وقتها وهي الظهر.
(وقال ابن عباس رضي الله عنهما:) ولابن عساكر قال محمد أي البخاري، قال ابن عباس رضي الله عنهما فيما وصله ابن أبي حاتم في تفسيره، وهو ثابت في رواية لكريمة والمستملي ساقط عند غيرهما في تفسير قوله تعالى: (تتفيأ) معناه (لا تتميل) ظلاله، وفي رواية الفرع وأصله من غير رقم تفيأ تميل بحذف إحدى التاءين فيهما، وللكشميهني يتفيأ يتميل بمثناة تحتية قبل الفوقية فيهما.

11 - باب وَقْتِ الظُّهْرِ عِنْدَ الزَّوَالِ
وَقَالَ جَابِرٌ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي بِالْهَاجِرَة
هذا (باب) بالتنوين (وقت الظهر) ولغير أبي ذر باب وقت الظهر بالإضافة أي ابتداؤه (عند الزوال) وهو ميل الشمس إلى جهة المغرب، (وقال جابر:) هو ابن عبد الله مما هو طرف حديث موصول عند المؤلّف في باب وقت المغرب (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يصلّي) الظهر (بالهاجرة.) وهي وقت اشتداد الحر في نصف النهار.
540 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ حِينَ زَاغَتِ الشَّمْسُ فَصَلَّى الظُّهْرَ، فَقَامَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَذَكَرَ السَّاعَةَ، فَذَكَرَ أَنَّ فِيهَا أُمُورًا عِظَامًا ثُمَّ قَالَ: «مَنْ أَحَبَّ أَنْ يَسْأَلَ عَنْ شَىْءٍ فَلْيَسْأَلْ، فَلاَ تَسْأَلُونِي عَنْ شَىْءٍ إِلاَّ أَخْبَرْتُكُمْ مَا دُمْتُ فِي مَقَامِي هَذَا». فَأَكْثَرَ النَّاسُ فِي الْبُكَاءِ، وَأَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي». فَقَامَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ فَقَالَ: مَنْ أَبِي؟ قَالَ: «أَبُوكَ حُذَافَةُ». ثُمَّ أَكْثَرَ أَنْ يَقُولَ: «سَلُونِي». فَبَرَكَ عُمَرُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ: رَضِينَا بِاللَّهِ رَبًّا، وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا. فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ: «عُرِضَتْ عَلَىَّ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ آنِفًا فِي عُرْضِ هَذَا الْحَائِطِ، فَلَمْ أَرَ كَالْخَيْرِ وَالشَّرِّ».

وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة بالمهملة والزاي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد وللأصيلي بالجمع (أنس بن مالك) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خرج حين زاغت الشمس) أي مالت وللترمذي زالت أي عن أعلى درجات ارتفاعها. قال أبو طالب في القوت والزوال ثلاثة: زوال لا يعلمه إلا الله تعالى، وزوال تعلمه الملائكة المقربون، وزوال يعلمه الناس. قال: وجاء في الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. سأل جبريل صلوات الله وسلامه عليه هل زالت الشمس؟ قال: لا نعم. قال: ما معنى لا نعم؟ قال: يا رسول الله قطعت الشمس من فلكها بين قولي لا نعم مسيرة خمسمائة عام، أن الزوال الذي يعرفه الناس يعرف بمعرفة أقل الظل وطريقه بأن تنصب قائمًا معتدلاً في أرض معتدلة وتنظر إلى ظله في جهة المغرب وظله فيها أطول ما يكون غدوة وتعرف منتهاه، ثم كلما ارتفعت نقص الظل حتى تنتهي إلى أعلى درجات ارتفاعها فتقف وقفة الظل لا يزيد ولا ينقص وذلك وقت نصف النهار
ووقت الاستواء، ثم تميل إلى أول درجات انحطاطها في الغروب فذلك هو الزوال وأوّل وقت الظهر (فصلّى الظهر،) في أول وقتها، ولم ينقل أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى قبل الزوال، وعليه استقرّ الإجماع وهذا لا يعارض حديث الإبراد لأنه ثبت بالقول وذاك بالفعل والقول فيرجح عليه. وقال البيضاوي: الإبراد تأخير الظهر أدنى تأخير بحيث لا يخرج عن حد التهجير فإن الهاجرة تطلق على الوقت إلى أن يقرب العصر (فقام) بعد فراغه من الصلاة (على المنبر) لما بلغه أن قومًا من المنافقين يسألون منه ويعجزونه عن بعض ما يسألونه (فذكر الساعة فذكر أن فيها أمورًا عظامًا، ثم قال:) عليه الصلاة والسلام:
(من أحب أن يسأل عن شيء فليسأل،) أي فليسألني عنه (فلا) وللأصيلي لا (تسألوني عن شيء) بحذف نون الوقاية (إلاّ أخبرتكم) به (ما دمت في مقامي هذا.) بفتح ميم مقامي، واسم الإشارة ساقط عند أبي ذر والأصيلي وأبي الوقت وابن عساكر، واستعمل الماضي في قوله أخبرتكم موضع المستقبل إشارة إلى أنه كالواقع لتحقّقه، (فأكثر الناس في البكاء،) خوفًا من نزول العذاب العامّ المعهود في الأمم السالفة عند ردّهم على أنبيائهم بسبب تغيظه عليه الصلاة والسلام من مقالة المنافقين السابقة آنفًا، أو سبب بكائهم ما سمعوه من أهوال يوم القيامة والأمور العظام والبكاء بالمد مد الصوت في البكاء وبالقصر الدموع وخروجها، (وأكثر) عليه الصلاة والسلام (أن يقول: سلوني) ولأبي ذر والأصيلي سلوا أي أكثر القول بقوله: سلوني (فقام عبد الله بن حذافة السهمي) بضم الحاء المهملة وفتح الذال المعجمة والسهمي بفتح السين المهملة وسكون الهاء المهاجري (فقال:) يا رسول الله (من أبي؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (أبوك حذافة)

(1/489)


وكان يدعى لغير أبيه (ثم كثر) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن يقول: (سلوني) (فبرك عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (على ركبتيه) بالتثنية (فقال) ولابن عساكر قال: (رضينا بالله ربّا وبالإسلام دينًا وبمحمدٍ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نبيًّا. فسكت.) عليه الصلاة والسلام (ثم قال) (عرضت) بضم العين وكسر الراء (عليّ الجنة والنار آنفًا) بمد الهمزة والنصب على الظرفية لتضمنه

معنى الظرف أي في أوّل وقت يقرب مني وهو الآن "في عُرض هذا الحائط بضم العين المهملة وسكون الراء أي جانبه وناحيته وعرضهما أما بأن تكونا رفعنا إليه، أو زوى له ما بينهما أو مثلاً له، وتأتي مباحثه إن شاء الله تعالى. (فلم أر) أي لم أبصر (كالخير) الذي في الجنة (والشر) الذي في النار أو ما أبصرت شيئًا كالطاعة والمعصية في سبب دخول الجنة والنار.
541 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الصُّبْحَ وَأَحَدُنَا يَعْرِفُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ فِيهَا مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ. وَيُصَلِّي الظُّهْرَ إِذَا زَالَتِ الشَّمْسُ، وَالْعَصْرَ وَأَحَدُنَا يَذْهَبُ إِلَى أَقْصَى الْمَدِينَةِ ثُمَّ يَرْجِعُ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ. وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ. وَلاَ يُبَالِي بِتَأْخِيرِ الْعِشَاءِ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ. -ثُمَّ قَالَ- إِلَى شَطْرِ اللَّيْلِ". وَقَالَ مُعَاذٌ قَالَ شُعْبَةُ: ثُمَّ لَقِيتُهُ مَرَّةً فَقَالَ: "أَوْ ثُلُثِ اللَّيْل".
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث الحوضي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي المنهال) وللكشميهني في غير اليونينية حدّثنا أبو المنهال وهو بكسر الميم وسكون النون سيار بن سلامة البصري (عن أبي برزة) بفتح الموحدة وسكون الراء ثم بالزاي الأسلمي واسمه نضلة بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن عبيد مصغرًا رضي الله عنه:
(كان) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي قال: كان (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي الصبح وأحدنا يعرف جليسه)، أي مجالسه الذي إلى جنبه والواو للحال (ويقرأ) عليه الصلاة والسلام (فيها) أي في صلاة الصبح (ما بين الستين) من أي القرآن وفوقها (إلى المائة) وحذف لفظ فوقها لدلالة السياق عليه، وإلاّ فلفظ بين يقتضي دخوله على متعدد فكان القياس أن يقول والماء بدون كلمة الانتهاء كما في قوله باب ما يكره من السمر بعد العشاء أنه يقرأ من الستين إلى المائة كما نبّه عليه الكرماني (وكان) عليه الصلاة والسلام (ويصلّي الظهر إذا زالت الشمس) أي مالت إلى جهة المغرب (و) يصلّي (العصر وأحدنا يذهب) من المسجد (إلى) منزله (أقصى المدينة) آخرها حال كونه (رجع) أي راجعًا من المسجد إلى منزله (والشمس حية) بيضاء لم يتغير لونها ولا حرّها، وليس المراد الذهاب إلى أقصى المدينة والرجوع من ثم إلى المسجد. ورواية عوف الآتية إن شاء الله تعالى قريبًا، ثم يرجع أحدنا إلى رحله في أقصى المدينة والشمس حيّة توضح ذلك لأنه ليس فيها إلا الذهاب فقط دون الرجوع، ووقع في رواية غير أبى ذر والأصيلي ويرجع بالواو وصيغة المضارع، وفي رواية ثم يرجع، ومثل ذلك رواية أبي داود عن حفص بن عمر بلفظ: وإن أحدنا ليذهب أقصى المدينة ويرجع والشمس حيّة وهذا يغاير رواية عوف المذكورة وهي قد أوضحت أن المراد بالرجوع الذهاب إلى المنزل من المسجد، وطرق الحديث يبين بعضها بعضًا وإنما سمي رجوعًا لأن ابتداء المجيء كان من المنزل إلى المسجد، فكان الذهاب منه إلى المنزل رجوعًا.
قال أبو المنهال (ونسيت ما قال) أبو برزة (في المغرب. و) كان عليه السلام (لا يبالي بتأخير) صلاة (العشاء إلى ثلث الليل.) الأوّل وهو وقت الاختيار (-ثم قال-) أبو المنهال (إلى شطر الليل) أي نصفه، ورجحه النووي في شرح مسلم وكلامه في شرح المهذب يقتضي أن الأكثرين عليه، والحاصل أن للعشاء أربعة أوقات: وقت فضيلة أوّل الوقت، ووقت اختيار إلى ثلث الليل على الأصح، ووقت جواز إلى طلوع الفجر الصادق، ووقت عذر وقت المغرب لمن يجمع (وقال معاذ) هو ابن معاذ بن نصر العنبري التابعي التيمي قاضي البصرة ولابن عساكر قال محمد أي البخاري: وقال معاذ (قال شعبة) بن الحجاج بإسناده السابق (ثم لقيته) أي أبا المنهال (مرة) أخرى بعد ذلك (فقال): (أو ثلث الليل) تردّد بين الشطر والثلث، ووقع عند مسلم من طريق حماد بن سلمة عن أبي سلمة الجزم بقوله إلى ثلث الليل.
ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين بصري وواسطي، وفيه التحديث والقول، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي.
542 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ -يَعْنِي ابْنَ مُقَاتِلٍ- قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي غَالِبٌ الْقَطَّانُ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كُنَّا إِذَا صَلَّيْنَا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالظَّهَائِرِ فَسَجَدْنَا عَلَى ثِيَابِنَا اتِّقَاءَ الْحَرِّ".
وبه قال: (حدّثنا محمد -يعني ابن مقاتل-) بضم الميم المروزي وعند أبوي ذر والوقت والأصيلي إسقاط يعني لابن عساكر محمد يعني ابن معاذ لكن لا يعرف للمؤلّف شيخ اسمه محمد بن معاذ (قال: أخبرنا)

(1/490)


وللأصيلي وأبي ذر حدّثنا (عبد الله) بن المبارك الحنظلي المروزي (قال: أخبرنا) وللأصيلي حدّثنا (خالد بن عبد الرحمن) بن بكير السلمي البصري ولم يذكر في هذا الكتاب إلاّ في هذا الموضع (قال: حدّثني) بالإفراد (غالب القطان) بن خطاف المشهور بابن أبي غيلان بفتح الغين المعجمة وسكون المثناة التحتية، (عن بكر بن عبد الله) بفتح الموحدة وسكون الكاف (المزني، عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال) (كنّا إذا صلينا خلف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالظهائر) جمع ظهيرة أي الهاجرة وأراد بها الظهر وجمعها بالنظر إلى تعدّد الأيام (فسجدنا على ثيابنا) بزيادة الفاء وهي عاطفة على مقدار أي فرشنا الثياب فسجدنا على ثيابنا أي الغير المتصلة بنا أو المتصلة الغير المتحركة بحركتنا ولأبي ذر والأصيلي سجدنا بغير فاء وصوّبه في هامش الفرع كأصله (اتقاء الحر) أي لأجل اتقاء الحر.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين مروزي وبصري، وفيه التحديث والعنعنة وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وكذا مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

12 - باب تَأْخِيرِ الظُّهْرِ إِلَى الْعَصْرِ
(باب تأخير) صلاة (الظهر إلى) أول وقت (العصر) بحيث أنه إذا فرغ منها يدخل وقت تاليها لا أنه يجمع بينهما في وقت واحد.
543 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِالْمَدِينَةِ سَبْعًا وَثَمَانِيًا الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ وَالْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ، فَقَالَ أَيُّوبُ: لَعَلَّهُ فِي لَيْلَةٍ مَطِيرَةٍ؟ قَالَ عَسَى. [الحديث 543 - طرفاه في: 562، 1174].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل (قال: حدّثنا حماد بن زيد) ولغير الأربعة إلا ابن عساكر هو ابن زيد (عن عمرو بن دينار) بفتح العين وسكون الميم ولأبوي ذر والوقت وهو ابن دينار (عن جابر بن زيد) هو أبو الشعثاء (عن ابن عباس) رضي الله عنهما:
(أن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صلّى بالمدينة سبعًا) أي سبع ركعات جمعًا (وثمانيًا) جمعًا (الظهر والعصر) ثمانيًا (والمغرب والعشاء)، سبعًا وهو لف ونشر غير مرتب والظهر نصب بدلاً أو عطف بيان أو على نزع الخافض (فقال) وفي رواية قال (أيوب) السختياني لجابر: (لعله) أي التأخير كان (في ليلة) أي مع يومها بقرينة الظهر والعصر (مطيرة؟) أي كثير المطر ويومها كذلك. (قال): جابر (عسى) أن يكون فيها، فحذف اسم عسى وخبرها وعلة جمعه للمطر خوف المشقّة في حضوره المسجد مرة بعد أخرى، وهذا قول الشافعي وأحمد بن حنبل، وتأوّله به مالك عقب إخراجه لهذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما، وقال: بدل قوله بالمدينة من غير خوف ولا سفر، لكن الجمع بالمطر لا يكون إلا بالتقديم. فكيف تحصل المطابقة بين الحديث والترجمة بالتأخير؟ وحمله بعضهم على الجمع للمرض، وقوّاه النووي رحمه الله تعالى لأن المشقّة فيه أشد من المطر، وتعقب بأنه مخالف لظاهر الحديث وتقييده به ترجيح بلا مرجح وتخصيص بلا مخصص اهـ.
وقد أخذ آخرون بظاهر الحديث فجوّزوا الجمع في الحضر للحاجة لمن لا يتخذ عادة وبه قال أشهب والقفال الشاشي، وحكاه الخطابي عن جماعة من أصحاب الحديث، وتأوّله آخرون على الجمع الصوري بأن يكون أخّر الظهر إلى آخر وقتها وعجّل العصر في أول وقتها وضعّف لمخالفته الظاهر.
ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون ما خلا عمرو بن دينار المكي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في الصلاة وكذا مسلم وأبو داود والنسائي.

13 - باب وَقْتِ الْعَصْرِ. وَقَالَ أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ: مِنْ قَعْرِ حُجْرَتِهَا
(باب وقت) صلاة (العصر. وقال أبو أسامة) بضم الهمزة حيث زاد على رواية أبي ضمرة الآتية (عن هشام:) هو ابن عروة أي عن أبيه عن عائشة مما وصله الإسماعيلي في مستخرجه التقييد

بقوله: (من قعر حجرتها) ولأبي ذر في بدل من وهذا التعليق ساقط من رواية الأصيلي والكشميهني وابن عساكر وهو المناسب لما لا يخفى.
544 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ حُجْرَتِهَا".
وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) بن عبد الله الأسدي الحزامي بالزاي (قال: حدّثنا أنس بن عياض) أبو ضمرة الليثي المدني (عن هشام) هو ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (أن عائشة) رضي الله عنها: (قالت) (كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يصلّي العصر والشمس لم تخرج من حجرتها) أي بيت عائشة، وهو من باب التجريد كأنها جردت واحدة من النساء وأثبتت لها حجرة وأخبرت بما أخبرت به، وإلاّ فالقياس

(1/491)


التعبير بحجرتي، والمراد من الشمس ضوؤها لا عينها إذ لا يتصوّر دخولها في الحجرة حتى تخرج فهو من باب المجاز والواو في قوله والشمس للحال.
وهذا الحديث سبق في مواقيت الصلاة وقد زاد هنا في رواية أبي ذر وكريمة وغيرهما أول الباب ما جرت به عادة المؤلّف من تأخيره للمعلقات بعد المسندات الموصلة، وهو قال أبو أسامة عن هشام من قعر حجرتها وهو أوضح في تعجيل العصر من رواية الإطلاق.
545 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ فِي حُجْرَتِهَا، لَمْ يَظْهَرِ الْفَىْءُ مِنْ حُجْرَتِهَا.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا الليث) بن سعد إمام المصريين (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) رضي الله عنها:
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: صلى العصر والشمس في حجرتها) باقية (لم يظهر الفيء) في الموضع
الذي كانت الشمس فيه (من حجرتها) ولا يعارضه ما مر في المواقيت والشمس في حجرتها قبل أن تظهر أي تصعد لأن المراد بظهور الشمس خروجها من الحجرة، وبظهور الفيء انبساطه في الحجرة، وهذا لا يكون إلاّ بعد خروج الشمس.
546 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي صَلاَةَ الْعَصْرِ وَالشَّمْسُ طَالِعَةٌ فِي حُجْرَتِي، لَمْ يَظْهَرِ الْفَىْءُ بَعْدُ".
وَقَالَ مَالِكٌ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَشُعَيْبٌ وَابْنُ أَبِي حَفْصَةَ: "وَالشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ تَظْهَر".
وبه قال (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: أخبرنا) وللأربعة حدّثنا (ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير بن العوام (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يصلّي صلاة العصر والشمس طالعة) ظاهرة (في حجرتي لم يظهر الفيء بعد) بالبناء على الضم لقطعه عن الإضافة لفظًا. (وقال مالك) الإمام، وللأصيلي قال مالك،

ولأبوي الوقت وذر قال أبو عبد الله يعني المؤلّف، وقال مالك مما وصله المؤلّف في أوّل المواقيت، (ويحيى بن سعيد) الأنصاري مما وصله الذهلي في الزهريات (وشعيب) هو ابن أبي حمزة بالمهملة والزاي مما وصله الطبراني في مسند الشاميين، (وابن أبي حفصة) محمد بن ميسرة البصري مما في نسخة إبراهيم بن طهمان فيما رووه بهذا الإسناد بلفظ. (والشمس قبل أن تظهر) فالظهور في روايتهم للشمس، وفي رواية ابن عيينة للفيء. وكأن المؤلّف لما لم يقع له حديث على شرطه في تعيين أوّل وقت العصر وهو مصير ظل كل شيء مثله استغنى بهذا الحديث الدال على ذلك بطريق الاستنباط.
547 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَوْفٌ عَنْ سَيَّارِ بْنِ سَلاَمَةَ قَالَ: دَخَلْتُ أَنَا وَأَبِي عَلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ -الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى- حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ. وَيُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى رَحْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ. وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ. وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الْعَتَمَةَ، وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا. وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ الرَّجُلُ جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ بِالسِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) أبو الحسن المروزي نزيل بغداد ثم مكة (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا عوف) بالفاء الأعرابي (عن سيار بن سلامة) بفتح السين المهملة وتشديد المثناة التحتية (قال: دخلت أنا وأبي) سلامة زمن أخرج ابن زياد من البصرة سنة أربع وستين (على أبي برزة) نضلة بن عبيد (الأسلمى، فقال له أبي) سلامة (كيف كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي المكتوبة؟) أي المفروضة (فقال:) أبو برزة:
(كان) عليه الصلاة والسلام (يصلّي الهجير،) أي صلاة الظهر لأن وقتها، يدخل إذ ذاك (-التي تدعونها الأولى-) أنّث الضمير نظرًا إلى الصلاة وقيل لها الأولى لأنها أول صلاة في إمامة جبريل عليه السلام وقول البيضاوي لأنها أوّل صلاة النهار مدفوع بأن الصحيح أن الصبح نهارية فهي الأولى (حين تدحض الشمس) أي تزول عن وسط السماء إلى جهة المغرب (ويصلي العصر ثم يرجع أحدنا إلى رحله) بالراء المفتوحة والحاء المهملة الساكنة أي منزله ومحل أثاثه (في أقصى المدينة) صفة لسابقتها لا ظرف للفعل (والشمس حية) بيضاء نقية والواو للحال قال سيار: (ونسيت ما قال) أبو برزة (في المغرب. وكان) عليه الصلاة والسلام وللكشميهني فكان (يستحب) بفتح أوّله وكسر رابعه (أن يؤخر العشاء) أي صلاتها، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي من العشاء أي من وقت، وحمل ابن دقيق العيد من فيه على التبعيضية باعتبار الوقت أو الفعل، واستنبط من ذلك استحباب التأخير قليلاً (التي تدعونها العتمة) بفتحات. (وكان) عليه الصلاة والسلام (يكره النوم قبلها والحديث) أي التحديث المدنيوي (بعدها) لا الديني. (وكان) عليه الصلاة والسلام (ينفتل) أي ينصرف من الصلاة

أو يلتفت إلى المأمومين (من صلاة الغداة) أي الصبح (حين يعرف الرجل جليسه،

(1/492)


ويقرأ) في الصبح (بالستين إلى المائة) من الآي وقدرها الطبراني بالحاقة.
548 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَخْرُجُ الإِنْسَانُ إِلَى بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ فَيَجِدُهُمْ يُصَلُّونَ الْعَصْرَ". [الحديث 548 - أطرافه في: 550، 551، 7329].
وبه قال: (حدثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن) إمام الأئمة (مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (عن) عمه (أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال):
(كنّا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف) بقباء لأنها كانت منازلهم وهي على ميلين من المدينة (فيجدهم) بالتحتية، وفي اليونينية فنجدهم بالنون فقط (يصلون العصر) أي عصر ذلك اليوم وإنما كانوا يؤخرون عن أول الوقت لاشتغالهم في زرعهم وحوائطهم، ثم بعد فراغهم يتأهبون للصلاة بالطهارة وغيرها فتتأخر صلاتهم إلى وسط الوقت.
وهذا الحديث موقوف لفظًا مرفوع حكمًا، لأن الصحابي أورده في مقام الاحتجاج، ويؤيده رواية النسائي مرفوعًا بلفظ: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي العصر.
ورواته أربعة وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا ومسلم والنسائي.
549 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عُثْمَانَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا أُمَامَةَ يَقُولُ: صَلَّيْنَا مَعَ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ الظُّهْرَ، ثُمَّ خَرَجْنَا حَتَّى دَخَلْنَا عَلَى أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فَوَجَدْنَاهُ يُصَلِّي الْعَصْرَ، فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَا هَذِهِ الصَّلاَةُ الَّتِي صَلَّيْتَ؟ قَالَ: الْعَصْرُ، وَهَذِهِ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي كُنَّا نُصَلِّي مَعَهُ.
وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) أبو الحسن محمد المروزي (قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا أبو بكر بن عثمان بن سهل بن حنيف) بالحاء المهملة مصغرًا وسكون هاء سهل الأنصاري الأوسي (قال: سمعت أبا أمامة) بضم الهمزة أسعد بن سهل بن حنيف بالمهملة المضمومة مصغرًا الأنصاري الصحابي على الأصح له رؤية لكنه لم يسمع من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وللأصيلي أبا أمامة بن سهل (يقول: صلّينا مع عمر بن عبد العزبز) رضي الله عنه (الظهر ثم خرجنا حتى دخلنا على أنس بن مالك) في داره بجنب المسجد النبوي، وكان إذ ذاك وليَّ المدينة نائبًا (فوجدناه يصلي العصر فقلت): له (يا عم) بحذف الياء بعد الميم والأصل إثباتها وقال له ذلك توقيرًا وإكرامًا وإلاّ فليس هو عمه (ما هذه الصلاة التي صليت) في هذا الوقت أي أهي الظهر أم العصر؟ (قال) أنس: هي (العصر، وهذه صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي كنّا نصلي معه). وإنما أخّر عمر بن عبد العزيز الظهر إلى آخر وقتها حتى

كانت صلاة أنس العصر عقبها أما تبعًا لسلفه قبل أن تبلغه السُّنَّة في التعجيل، أو أخّر لعذر عرض له.
ورواة هذا الحديث ما بين مروزي ومدني وفيه التحديث والإخبار والقول والسّماع وصحابي عن صحابي، وأخرجه مسلم والنسائي في الصلاة والله المستعان.

(باب وقت العصر) وسقط التبويب والترجمة عند الأصيلي وابن عساكر وهو الصواب، لأن في إثباته تكرارًا عاريًا عن الفائدة.
550 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْعَصْرَ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذَّاهِبُ إِلَى الْعَوَالِي فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ، وَبَعْضُ الْعَوَالِي مِنَ الْمَدِينَةِ عَلَى أَرْبَعَةِ أَمْيَالٍ أَوْ نَحْوِهِ.
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال: حدّثني) بالإفراد (أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال):
(كان رسول الله) وللأصيلي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي العصر والشمس مرتفعة حية) هو من باب الاستعارة والمراد بقاء حرّها وعدم تغير لونها والواو للحال (فيذهب الذاهب إلى العوالي) جمع عالية ما حول المدينة من القرى من جهة نجد (فيأتيهم) أي أهله (والشمس مرتفعة) دون ذلك الارتفاع. قال الزهري كما عند عبد الرزاق عن معمر عنه. (وبعض العوالي من المدينة على أربعة أميال أو نحوه) ولأبي ذر نحوه وللبيهقي كالمؤلّف في الاعتصام تعليقًا وبعد العوالي بضم الموحدة والدال، والدارقطني على ستة أميال، ولعبد الرزاق ميلين، وحينئذ فأقربها على ميلين وأبعدها على ستة أميال.
وقال عياض: أبعدها ثمانية وبه جزم ابن عبد البر وصاحب النهاية. وفي الحديث أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يبادر بصلاة العصر في أول وقتها لأنه لا يمكن أن يذهب الذاهب أربعة أميال والشمس لم تتغير إلاّ إذا صلّى حين صار ظل الشيء مثله كما لا يخفى.
وفي رواة هذا الحديث حمصيان ومدني والتحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة.
551 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي الْعَصْرَ، ثُمَّ يَذْهَبُ الذَّاهِبُ مِنَّا إِلَى قُبَاءٍ فَيَأْتِيهِمْ وَالشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا) إمام الأئمة (مالك عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك)

(1/493)


رضي الله عنه (قال):

(كنا نصلي العصر) مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما عند الدارقطني في غرائبه (ثم يذهب الذاهب منا)
يريد أنس نفسه لقوله في رواية أبي الأبيض عنه عند النسائي والطحاوي ثم أرجع إلى قومي في ناحية المدينة (إلى) أهل (قباء) بالمد والقصر والصرف وعدمه والتذكير والتأنيث، والأفصح فيه المد والصرف والتذكير موضع على ثلاثة أميال من المدينة وأصله اسم بئر. قال ابن عبد البر: الصواب إلى العوالي وقباء وهم من مالك لم يتابعه أحد من أصحاب الزهري عليه. وتعقب بأنه روي عن ابن أبي ذئب عن الزهري إلى قباء كما نقله الباجي عن الدارقطني، وقباء من العوالي وليست العوالي كل قباء (فيأتيهم) أي أهل قباء (والشمس مرتفعة).
وفي هذا الحديث التحديث والإخبار والعنعنة والقول.

14 - باب إِثْمِ مَنْ فَاتَتْهُ الْعَصْرُ
(باب إثم من فاتته العصر).
552 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «والَّذِي تَفُوتُهُ صَلاَةُ الْعَصْرِ كَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ».
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب. ولأبوي الوقت وذر عن عبد الله بن عمر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(الذي تفوته صلاة العصر) بأن أخرجها متعمدًا عن وقتها بغروب الشمس أو عن وقتها المختار باصفرار الشمس كما ورد مفسرًا من رواية الأوزاعي في هذا الحديث قال فيه: وفواتها أن تدخل الشمس صفرة. قال في شرح التقريب: كذا ذكر عياض، وتبعه النووي، وظاهر إيراد أبي داود في سننه أنه من كلام الأوزاعي لا أنه من الحديث لأنه روي بإسناد منفرد عن الحديث عن الأوزاعي أنه قال: وذلك أن ترى ما على الأرض من الشمس أصفر، وفي العلل لابن أبي حاتم سألت أبي عن حديث رواه الأوزاعي عن نافع عن ابن عمر مرفوعًا: من فاتته صلاة العصر، وفواتها أن تدخل الشمس صفرة فكأنما وتر أهله وماله. قال أبي: التفسير قول نافع اهـ.
وقيل: المراد فواتها عن الجماعة، والراجح الأول، ويؤيده حديث ابن عمر عند ابن أبي شيبة في مصنفه مرفوعًا: "من ترك العصر حتى تغيب الشمس" أي من غير عذر (كأنما) وللكشميهني وابن عساكر فكأنما (وتر) وهو الذي فاتته العصر نقص أو سلب (أهله وماله) وترك فردًا منهما فبقي بلا أهل ولا مال فليحذر من تفويتها كحذره من ذهاب أهله وماله ووتر بضم الواو مبنيًّا للمفعول وأهله مفعول ثان له والأول الضمير المستتر فيه. وقيل: منصوب على نزع الخافض أي وتر في أهله وماله، فلما حذف الخافض انتصب، ويروى أهله بالرفع على أنه نائب الفاعل ولا يضمر في وتر بل
يقوم أهل مقام الفاعل وماله عطف عليه أي انتزع منه أهله وماله. وقال ابن الأثير من ردّ النقص إلى الرجل نصبهما ومن ردّه إلى الأهل والمال رفعهما، والنصب هو الصحيح المشهور الذي عليه الجمهور كما قاله النووي. وقال عياض: هو الذي ضبطناه عن جماعة شيوخنا.
ووقع هنا في رواية المستملي زيادة وهي (قال أبو عبد الله) يعني المؤلّف مما يدل لنصب الكلمتين بوتر وهو قوله تعالى: {يتركم أعمالكم} [محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: 35]. بنصب أعمالكم مفعول ثانٍ والأول كاف الخطاب، ثم أشار بقوله: (وترت الرجل إذا قتلت له قتيلاً) من قريب أو حميم فأفردته عنه (أو أخذت له مالاً) وللأصيلي والهروي وأبي الوقت: أو أخذت ماله إلى أن وتر يتعدى إلى مفعول واحد، وهو يؤيد رواية الرفع. قيل: وخصت صلاة العصر بذلك لاجتماع المتعاقبين من الملائكة فيها، وعورض بأن صلاة الفجر كذلك يجتمع فيها المتعاقبون. وأجيب: باحتمال أن التهديد إنما غلظ في العصر دون الفجر لأنه لا عذر في تفويتها لأنه وقت يقظة بخلاف الفجر. فربما كان النوم عندها عذرًا، وأوله ابن عبد البر على أنه خرج جوابًا لسائل عنها. فأجيب: أي فلا يمنع إلحاق غرها أو نبّه بالعصر على غيرها وخص بالذكر لأنها تأتي والناس في وقت تعبهم من أعمالهم وحرصهم على تمام اشتغالهم، وتعقب بأنه إنما يلحق غير المنصوص بالمنصوص إذا عرفت العلة واشتراكًا فيها والعلة هنا لم تتحقّق فلا يلحق غير العصر بها. وأجيب: بأن ما ذكره هذا المتعقب لا يدفع الاحتمال، وقد ورد ما يدل للعموم، فعند ابن أبي شيبة من طريق أبي قلابة عن أبي الدرداء مرفوعًا: "من ترك صلاة مكتوبة حتى

(1/494)


تفوته" الحديث. وتعقب بأن في سنده انقطاعًا لأن أبا قلابة لم يسمع من أبي الدرداء، وقد رواه أحمد من حديث أبي الدرداء بلفظ: "من ترك الصلاة" فرجع حديث أبي الدرداء إلى تعيين العصر، قال ابن المنير: والحق أن الله تعالى يخص ما يشاء من الصلوات بما يشاء من الفضيلة. اهـ.
وحديث الباب أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي، والله تعالى أعلم بالصواب.

15 - باب مَنْ تَرَكَ الْعَصْرَ
(باب) إثم (من ترك العصر) عمدًا.
553 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ قَالَ: كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي غَزْوَةٍ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ، فَقَالَ: بَكِّرُوا بِصَلاَةِ الْعَصْرِ، فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ». [الحديث 553 - طرفه في: 594].
وبالسند قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي البصري وسقط عند الأصيلي ابن إبراهيم (قال: حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر أخبرنا (هشام) هو ابن عبد الله الدستوائي (قال: حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة الطائي اليمامي (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن

زيد (عن أبي المليح) بفتح الميم وكسر اللام آخره حاء مهملة عامر بن أسامة الهذلي (قال: كنّا مع بريدة) بن الحصيب الأسلمي آخر من مات من الصحابة رضي الله عنهم بخراسان سنة اثنتين وستين حال كوننا (في غزوة) وحال كوننا (في يوم ذي غيم، فقال): بريدة بعد معرفته بدخول الوقت بظهور الشمس في خلال الغيم أو بالاجتهاد بورد أو نحوه (بكروا) أي عجلوا وأسرعوا (بصلاة العصر فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من ترك صلاة العصر) أي متعمدًا كما زاده معمر في روايته (فقد حبط عمله) أي ثواب عمله أورده على سبيل التغليظ أو فكأنما حبط عمله لأن الأعمال لا يحبطها إلا الشرك. قال تعالى: {وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِط عمله} [المائدة: 5] ووقع في رواية المستملي: من ترك صلاة العصر حبط عمله بإسقاط فقد، وإنما خص الغيم بذلك لأنه مظنة التأخير تنطعًا في الاحتياط وإخلادًا من النفس إلى التأخير الزائد على الحد بحجة الاحتياط فقابل ما في الطباع بالتنبيه على مخالفتها والاجتهاد في التلوّم إليها بالتحرّي بحسب الإمكان. قاله في المصابيح.
ورواة هذا الحديث الستة بصريون، وفيه التحديث والقول وثلاثة من التابعين على الولاء، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والنسائي وابن ماجة.

16 - باب فَضْلِ صَلاَةِ الْعَصْرِ
(باب فضل صلاة العصر) على غيرها من الصلوات لكونها الوسطى عند الأكثرين.
554 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةً -يَعْنِي الْبَدْرَ- فَقَالَ: إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا الْقَمَرَ، لاَ تُضَامُّونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا. ثُمَّ قَرَأَ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}. قَالَ إِسْمَاعِيلُ: افْعَلُوا، لاَ تَفُوتَنَّكُمْ. [الحديث 554 - أطرافه في: 573، 4851، 7434، 7435، 7436].
وبالسند قال: (حدّثنا الحميدي) بضم الحاء عبد الله بن الزبير القرشي المكّي (قال: حدّثنا مروان بن معاوية) بن الحرث الفزاري (قال: حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم بالحاء المهملة البجلي الكوفي المخضرم ويقال له رؤية: قال في التقريب: قيس بن أبي حازم يقال له رؤية. ويقال أنه يروي عن العشرة، توفي بعد التسعين أو قبلها وقد جاوز المائة وتغير. (عن جرير) البجلي رضي الله عنه ولأبي الوقت والهروي والأصيلي عن جرير بن عبد الله (قال: كنا مع) وفي رواية وهي في اليونينية فقط عند (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنظر إلى القمر ليلة) أي في ليلة من الليالي (يعني البدر) وسقط يعني البدر عند الأربعة وهو كذلك عند مسلم كالمؤلّف من وجه آخر: (فقال):

(إنكم سترون ربكم) عز وجل (كما ترون هذا القمر) رؤية محققة لا تشكون فيها (ولا تضامون) بضم المثناة الفوقية وتخفيف الميم أي لا ينالكم ضيم في رؤيته أي تعب أو ظلم فيراه بعضكم دون بعض بأن يدفعه عن الرؤية ويستأثر بها بل تشتركون في الرؤية فهو تشبيه للرؤية بالرؤية لا المرئي بالمرئي. وروي لا تضامون بفتح أوله مع التشديد من الضم أي لا ينضم بعضكم إلى بعض وقت النظر لإشكاله وخفائه كما تفعلون عند النظر إلى الهلال ونحوه وفي رواية أولاً تضاهون بالهاء بدل الميم على الشك أي لا يشتبه عليكم وترتابون فيعارض بعضكم بعضًا. (في رؤيته) تعالى (فإن استطعتم أن لا تغلبوا) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول بأن تستعدوا لقطع أسبابها أي الغلبة المنافية
للاستطاعة كنوم وشغل مانع (على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها) يعني الفجر والعصر كما عند مسلم (فافعلوا) عدم المغلوبية التي لازمها الصلاة كأنه قال صلوا في هذين الوقتين. (ثم قرأ): عليه الصلاة والسلام

(1/495)


{وسبح} كما هو ظاهر السياق أو هو جرير الصحابي كما عند مسلم فيكون مدرجًا وللهروي وأبي الوقت والأصيلي وابن عساكر فسبح بالقاء لكن التلاوة وسبح بالواو {بحمد ربك} أي نزهه عن العجز عما يمكن والوصف بما يوجب التشبيه حامدًا له على ما أنعم عليك {قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]. يعني الفجر والعصر وقد عرفت فضيلة الوقتين على غيرهما مما سيأتي إن شاء الله تعالى من ذكر اجتماع الملائكة فيهما ورفع الأعمال إلى غير ذلك، وقد ورد أن الرزق يقسم بعد صلاة الصبح وإن الأعمال ترفع آخر النهار، فمن كان حينئذ في طاعة ربه بورك له في رزقه وعمله وأعظم من ذلك بل من كل شيء وهو مجازاة المحافظة عليهما بأفضل العطايا وهو النظر إلى وجه الله تعالى كما يشعر به سياق الحديث. (قال إسماعيل) بن أبي خالد في تفسيره: (افعلوا لا تفوتنكم) بنون التوكيد أي هذه الصلاة. وفي رواية لا يفوتنكم بالمثناة التحتية.
ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله ورواته الخمسة ما بين مكي وكوفي وفيه تابعي عن تابعي والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة والتفسير والتوحيد ومسلم في الصلاة وأبو داود.
555 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلاَئِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلاَئِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ وَصَلاَةِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ، فَيَسْأَلُهُمْ -وَهْوَ أَعْلَمُ بِهِمْ-: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُونَ: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ، وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ». [الحديث 555 - أطرافه في: 3223، 7429، 7486].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر أخبرنا (مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان القرشي المدني (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال):

(يتعاقبون) أي الملائكة يتعاقبون بأن تأتي طائفة عقب الأخرى على باب المفاعلة (فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالهار) كذا أخرجه المؤلّف بهذا اللفظ، وأخرجه في بدء الخلق من طريق شعيب بن أبي حمزة بلفظ: "الملائكة يتعاقبون ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" وحينئذ ففي سياقه هنا إضمار الفاعل كأن الراوي اختصر المسوق هنا من المذكور في بدء الخلق، فملائكة المنكر بدل من الضمير أو بيان كأنه قيل: من هم؟ فقيل: هم ملائكة. وذهب سيبويه فيه وفي نظائره، وإلى ذلك ذهب أبو حيان والسهيلي، وناقشه أبو حيان بأن هذه الطريقة اختصرها الراوي، واحتج بحديث أبي هريرة من وجه آخر عند البزار: "إن لله ملائكة يتعاقبون فيكما ملائكة بالليل وملائكة بالنهار" تعقبه في
المصابيح بأنها دعوى لا دليل عليها فلا يلتفت إليها اهـ. فليتأمل مع ما مرّ.
نعم شوحح في العزو إلى مسند البزار مع كونه في الصحيحين بهذا اللفظ فالعزو إليهما أولى وبالجملة فوقع في طريق الحديث ما يدل على أنه اختلف فيه على أبي الزناد، فالظاهر أنه كان تارة يذكره هكذا وتارة هكذا وذلك يقوّي ما مرّ أولاً، وحمله ابن مالك وغيره على لغة بني الحرث في أكلوني البراغيث، فالواو علامة الفاعل المذكور المجموع وهي لغة فاشية، ونازعه أبو حيان بما مرّ والتعاقب أن تأتي جماعة عقب الأخرى ثم تعود الأولى عقب الثانية، وتنكير ملائكة في الموضعين ليفيد أن الثانية غير الأولى كما قيل في قوله تعالى: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} [الشرح: 6]. إنه استئناف وعده تعالى بأن اليسر مشفوع بيسر آخر لقوله: لن يغلب عسر يسرين، فإن العسر معرف فلا يتعدد سواء كان للعهد أو للجنس، واليسر منكر فيحتمل أن يراد بالثاني فرد ما يغاير ما أريد بالأول، والمراد بالملائكة الحفظة عند الأكثرين، وتعقب لأنه لم ينقل أن الحفظة يفارقون العبد ولا أن حفظة الليل غير حفظة النهار (ويجتمعون) في وقت (صلاة الفجر و) وقت (صلاة العصر).
فإن قلت: التعاقب يغاير الاجتماع؟ أجيب: بأن تعاقب المصنفين لا يمنع أجتماعهما لأن التعاقب أعم من أن يكون معه اجتماع كهذا أو لا يكون معه اجتماع كتعاقب الضدّين أو المراد حضورهم معهم الصلاة في الجماعة فينزل على حالين، وتخصيص اجتماعهم في الورود والصدور بأوقات العبادة تكرمة بالمؤمنين ولطفًا بهم لتكون شهادتهم بأحسن الثناء وأطيب الذكر، ولم يجعل اجتماعهم معهم في حال خلواتهم بلذّاتهم وانهماكهم على شهواتهم فللَّه الحمد.
(ثم يعرج) الملائكة (الذين باتوا فيكم) أيها المصلون وذكر

(1/496)


الذين باتوا دون الذين ظلوا إما للاكتفاء بذكر أحد المثلين عن الآخر نحو: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [النحل: 81]. أي والبرد إما لأن طرفي النهار يعلم من طرفي الليل وإما لأنه استعمل بات في أقام مجازًا فلا يختص ذلك بليل دون نهار ولا نهار دون ليل، فكل طائفة منهم إذا صعدت سئلت، ويؤيد هذا ما رواه النسائي عن موسى بن عقبة عن أبي الزناد، ثم يعرج الذين كانوا فيكم، بل في حيث الأعمش عن صالح عن أبي هريرة عند ابن خزيمة في صحيحه مرفوعًا ما يغني عن كثير من الاحتمالات ولفظه: "يجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر وصلاة العصر فيجتمعون في صلاة الفجر فتصعد

ملائكة الليل وتثبت ملائكة النهار، ويجتمعون في صلاة العصر فتصعد ملائكة النهار وتثبت ملائكة الليل".
(فيسألهم) تعبدًا لهم كما تعبدهم بكتب أعمالهم (وهو أعلم بهم) أي بالمصلّين من الملائكة فحذف صلة أفعل التفضيل ولابن عساكر فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم (كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون) الواو للحال لكنه استشكل لأنه يلزم منه مفارقتهم قبل أن يشهدوها معهم والحديث صرح بأنهم شهدوها معهم. وأجيب: بالحمل على شهودهم لها مع المصلي لها أول وقتها، وشهدوا من دخل فيها ومن شرع في أسبابها بعد ذلك والمنتظر لها في حكم مصلّيها، وهذا آخر الجواب عن سؤالهم كيف تركتم، ثم زادوا في الجواب لإظهار فضيلة المصلّين والحرص على ذكر ما يوجب مغفرة ذنوبهم فقالوا: (وأتيناهم وهم يصلون).
ولما كان المراد الإخبار عن صلاتهم والأعمال بخواتيمها حسن أن يخبروا عن آخر أعمالهم قبل أولها.
ورواة هذا الحديث مدنيون إلا شيخ المؤلّف فتنيسي، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد ومسلم في الصلاة وكذا النسائي فيها وفي البعوث.

17 - باب مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ الْغُرُوبِ
(باب) حكم (من) أي الذي (أدرك ركعة من العصر) أي من صلاتها (قبل الغروب) وللأصيلي قبل المغرب، ويحتمل أن تكون من شرطية حذف جوابها وتقديره فليتم صلاته.
556 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ سَجْدَةً مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاَتَهُ، وَإِذَا أَدْرَكَ سَجْدَةً مِنْ صَلاَةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلاَتَهُ». [الحديث 556 - طرفاه في: 579، 580].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا) وللأصيلي أخبرنا (شيبان) بن عبد الرحمن التيمي (عن يحيى) ولأبي الوقت فى نسخة عن يحيى بن أبي كثير بالمثلثة (عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا أدرك أحدكم سجدة) أي ركعة وهي إنما يكون تمامها بسجودها (من صلاة العصر قبل أن تغرب) وللأصيلي قبل أن تغيب (الشمس فليتم صلاته) أداء (إذا أدرك سجدة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس فليتم صلاته) إجماعًا خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: تبطل الصبح بطلوع الشمس لدخول وقت النهي، وهل هي أداء أم قضاء؟ الصحيح عندنا الأول أما دون الركعة فالكل قضاء عند
الجمهور، والفرق أن الركعة تشتمل على معظم أفعال الصلاة إذ معظم الباقي كالتكرير لها، فجعل ما بعد الوقت تابعًا لها بخلاف ما دونها، وعلى القول بالقضاء يأثم المصلي بالتأخير إلى ذلك وكذلك على الأداء نظرًا إلى التحقيق، وقيل: لا نظرًا إلى الظاهر المستند إلى الحديث، وقوله: فليتم جواب معنى الشرط المتضمن لإذا، ولذا دخلت الفاء.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين بصري وكوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصلاة وكذا النسائي ومسلم وابن ماجة.
557 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنَّمَا بَقَاؤُكُمْ فِيمَا سَلَفَ قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ كَمَا بَيْنَ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، أُوتِيَ أَهْلُ التَّوْرَاةِ التَّوْرَاةَ فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا. ثُمَّ أُوتِيَ أَهْلُ الإِنْجِيلِ الإِنْجِيلَ، فَعَمِلُوا إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ ثُمَّ عَجَزُوا، فَأُعْطُوا قِيرَاطًا قِيرَاطًا. ثُمَّ أُوتِينَا الْقُرْآنَ فَعَمِلْنَا إِلَى غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَأُعْطِينَا قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ. فَقَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ: أَىْ رَبَّنَا أَعْطَيْتَ هَؤُلاَءِ قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ وَأَعْطَيْتَنَا قِيرَاطًا قِيرَاطًا، وَنَحْنُ كُنَّا أَكْثَرَ عَمَلاً. قَالَ: قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ أَجْرِكُمْ مِنْ شَىْءٍ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَهْوَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ». [الحديث 557 - أطرافه في: 2268، 2269، 3459، 5021، 7467، 7533].
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) وللأصيلي ابن عبد الله الأويسي بضم الهمزة نسبة إلى أويس أحد أجداده (قال: حدّثني) بالإفراد وللأصيلي حدثنا (إبراهيم) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر ابن سعد بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي المدني (عن ابن شهاب) الزهري (عن سالم بن عبد الله) بن عمر (عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (أنّه أخبره أنّه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إنما بقاؤكم فيما) أي إنما بقاؤكم بالنسبة إلى ما (سلف قبلكم من الأمم كما بين) أجزاء وقت

(1/497)


(صلاة العصر) المنتهية (إلى غروب الشمس أوتي) بضم أوله وكسر ثالثه أي أعطي (أهل التوراة التوراة، فعملوا) زاد أبو ذر بها أي بالتوراة (حتى إذا انتصف النهار عجزوا) عن استيفاء عمل النهار كله من غير أن يكون لهم صنع في ذلك بل ماتوا قبل النسخ وللأصيلي ثم عجزوا (فأعطوا) أي أعطي كلٌّ منهم أجره (قيراطًا قيراطًا) فالأول مفعول أعطى الثاني وقيراطًا الثاني تأكيد، أو المعنى أعطوا أجرهم حال كونه قيراطًا فهو حال، أو المعنى أعطوا الأجر متساوين وانتصاب الثاني على التأكيد عند الزجاج. وتعقبه ابن هشام بأنه غير صالح للسقوط فلا تأكيد. وقال أبو حيان: الأولى انتصابه بالعامل في الأول، لأن المجموع هو الحال. وعند أبي الفتح انتصاب الثاني بالوصف وتعقب بأن معناه ولفظه كالموصوف فإنه جامد، والقيراط نصف دانق والمراد به النصيب. (ثم أوتي أهل

الإنجيل الإنجيل، فعملوا) من نصف النهار (إلى صلاة العصر ثم عجزوا) عن العمل أي انقطعوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا. ثم أوتينا القرآن فعملنا إلى غروب الشمس، فأعطينا قيراطين قيراطين. فقال أهل الكتابين): أي اليهود والنصارى ولابن عساكر أهل الكتاب بالإفراد على إرادة الجنس (أي) من حروف النداء أي يا (ربنا أعطيت هؤلاء قيراطين قيراطين وأعطيتنا قيراطًا قيراطًا، ونحن كنا أكثر عملاً) لأن الوقت من الصبح إلى الظهر أكثر من وقت العصر إلى الغروب، لكن قول النصارى لا يصح إلا على مذهب أبي حنيفة أن وقت العصر بصيرورة الظل مثليه، أو على مذهب صاحبيه والشافعية بمصير الظل مثله فمشكل، ويمكن أن يجاب بأن مجموع عمل الطائفتين أكثر وإن لم يكن عمل أحدهما أكثر أو أنه لا يلزم من كونهم أكثر عملاً أن يكون زمان عملهم أكثر لاحتمال كون الحمل أكثر في الزمان الأقل (قال: قال الله عز وجل): (هل ظلمتكم) أي نقصتكم (من أجركم) أي الذي شرطته لكم (من شيء) (قالوا: لا) لم تنقصنا من أجرنا شيئًا (قال: فهو) أي كل ما أعطيته من الثواب (فضلي أُوتيه من أشاء).
فإن قلت: ما وجه مطابقة الحديث للترجمة؟ أجيب: من قوله إلى غروب الشمس، فإنه يدل على أن وقت العصر إلى غروب الشمس، وأن من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب فقد أدرك العصر في وقتها فليتم. ولا يخفى ما فيه من التعسف.
ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون، وفيه التحديث والعنعنة والإخبار والقول والسماع وتابعي عن تابعي، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الإجارة إلى نصف النهار، وفي باب فضل القرآن، وفي التوحيد وباب ذكر بني إسرائيل ومسلم والترمذي.
558 - حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلاً إِلَى اللَّيْلِ، فَعَمِلُوا إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ، فَاسْتَأْجَرَ آخَرِينَ فَقَالَ: أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِكُمْ وَلَكُمُ الَّذِي شَرَطْتُ. فَعَمِلُوا حَتَّى إِذَا كَانَ حِينَ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَالُوا: لَكَ مَا عَمِلْنَا. فَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ». [الحديث 558 - طرفه في: 2271].
وبه قال (حدّثنا أبو كريب) بضم الكاف محمد بن العلاء (قال: حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة بضم الهمزة فيهما (عن بريد) بضم الموحدة آخره دال مهملة ابن عبد الله بن أبي بردة الكوفي (عن) جدّه (أبي بردة) عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال:
(مثل المسلمين) المثل في الأصل بمعنى النظير ثم استعير لكل حال أو قصة أو صفة لها شأن وفيها غرابة لإرادة زيادة التوضيح والتقرير، فإنه أوقع في القلب وأقمع للخصم الألدّ يريك المتخيل

محققًا والمعقول محسوسًا، ولذا أكثر الله تعالى في كتابه الأمثال وفشت في كلام الأنبياء والمعنى هنا مثل المسلمين مع نبيهم (و) مثل (اليهود والنصارى) مع أنبيائهم (كمثل رجل استأجر قومًا يعملون له عملاً إلى الليل،) فالمثل مضروب للأمة مع نبيهم والمثل به الأجزاء مع من استأجرهم (فعملوا إلى نصف النهار فقالوا لا حاجة لنا إلى أجرك)، أي لا حاجة لنا في أجرتك التي شرطت لنا وما عملناه باطل (فاستأجر) قومًا (آخرين) بفتح الخاء وكسر الراء (فقال:) لهم (أكملوا) بهمزة قطع وبالكاف وكسر الميم من الإكمال وللكشميهني اعملوا بهمزة وصل وبالعين بدل الكاف وفتح الميم (بقية يومكم ولكم الذي شرطت). لهؤلاء من الأجر (فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر) بنصب حين خبر كان أي كان الزمان زمان حين الصلاة أو بالرفع على أن كان تامة (قالوا: لك

(1/498)


ما عملنا) باطل وذلك الأجر الذي شرطت لنا لا حاجة لنا فيه فقال أكملوا بقية يومكم فإنه ما بقي من النهار إلا شيء يسير وخذوا أجركم فأبوا عليه، وفي باب الإجارة إلى نصف النار فغضبت اليهود والنصارى أي الكفار منهم (فاستأجر قومًا) آخريق (فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس، واستكملوا أجر الفريقين).
الأولين كله، فهذا مثل المسلمين الذي قبلوا هدى الله وما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام، ومثل اليهود والنصارى الذين حرّفوا وكفروا بالنبي الذي بعد نبيهم بخلاف الفريقين السابقين في الحديث السابق حيث أعطوا قيراطًا لأنهم ماتوا قبل النسخ ولأنهم من أهل الأعذار لقوله فعجزوا.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي وبصري، وفيه التحديث والعنعنة والقول ورواية الرجل عن جده ورواية الابن عن أبيه، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الإجارة.

18 - باب وَقْتِ الْمَغْرِبِ. وَقَالَ عَطَاءٌ: يَجْمَعُ الْمَرِيضُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
(باب) بيان (وقت المغرب. وقال عطاء:) هو ابن أبي رباح مما وصله عبد الرزاق في مصنفه عن ابن جريج عنه: (يجمع المريض بين المغرب والعشاء.)، وبه قال أحمد وإسحاق مطلقًا وبعض الشافعية، وجوّزه مالك بشرطه، والمشهور عن الشافعي وأصحابه المنع. قال في الروضة المعروف في المذهب أنه لا يجوز الجمع بالمرض والوحل. وقال جماعة من أصحابنا: يجوز بالمرض والوحل وممن قاله الخطابي والقاضي الحسين واستحسنه الروياني، ثم قال النووي قلت: القول بجواز الجمع للمرض ظاهر مختار، فقد ثبت في صحيح مسلم أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: جمع بالمدينة من غير خوف ولا مطر اهـ.
قال في المهمات: وظاهر الميل إلى الجواز بالمرض، وقد ظفرت بنقله عن الشافعي كذا رأيته في مختصر المزني وهو مختصر لطيف سماه نهاية الاختصار في قول الأستاذ الشافعي فقال: والجمع بين الصلاتين في السفر والمطر والمرض جائز هذه عبارته.

559 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو النَّجَاشِيِّ صُهَيْبٌ مَوْلَى رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ. قَالَ: سَمِعْتُ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ يَقُولُ: "كُنَّا نُصَلِّي الْمَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَنْصَرِفُ أَحَدُنَا وَإِنَّهُ لَيُبْصِرُ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ".
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن مهران) بكسر الميم الجمال (قال: حدّثنا الوليد) بن مسلم بسكون السين وكسر اللام الخفيفة الأموي عالم الشام (قال: حدّثنا الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو (قال: حدّثنا) ولأبي الوقت وابن عساكر حدّثني بالإفراد (أبو النجاشي) بنون مفتوحة وجيم مخففة وشين معجمة (مولى رافع بن خديج وهو عطاء بن صهيب) بضم الصاد مصغرًا (قال: سمعت رافع بن خديج) بالفاء في رافع والخاء المعجمة المفتوحة وكذا الدال المهملة في خديج وآخره جيم الأنصاري الأوسي المدني كذا لأبي ذر والأصيلي، ولأبي الوقت حدّثني أبو النجاشي مولى رافع بن خديج واسمه عطاء بن صهيب، وفي رواية أبو النجاشي هو عطاء بن صهيب، وفي رواية بالفرع
أبو النجاشي صهيب والصواب الأوّل، ولابن عساكر حدّثني أبو النجاشي قال: سمعت رافع بن خديج حال كونه (يقول):
(كنا نصلي المغرب مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،) أي في أوّل وقتها (فينصرف أحدنا) من المسجد (وأنه ليبصر) بضم المثناة التحتية واللام للتأكيد (مواقع نبله.) حين يقع لبقاء الضوء والنبل بفتح النون وسكون الموحدة ولأحمد بسند حسن من طريق علي بن بلال عن ناس من الأنصار قالوا كنّا نصلي مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المغرب، ثم نرجع نترامى حتى نأتي ديارنا فما تخفى علينا مواقع سهامنا وفيه دلالة على تعجيلها وعدم تطويلها. وأما الأحاديث الدالّة على التأخير لقرب سقوط الشفق فلبيان الجواز.
ورواة حديث الباب الخمسة ما بين رازي وشامي ومدني، وفيه التحديث والقول والسماع، وأخرجه مسلم وابن ماجة في الصلاة.
560 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ قَالَ: قَدِمَ الْحَجَّاجُ فَسَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا وَأَحْيَانًا: إِذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَوْا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانُوا -أَوْ كَانَ النَّبِيُّ-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ". [الحديث 560 - طرفه في: 565].
وبه قال (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة (قال: حدّثنا محمد بن جعفر) هو غندر (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد) بسكون العين ولغير أبي ذر عن الكشميهني عن سعد بن إبراهيم أي ابن عبد الرحمن بن عوف (عن محمد بن عمرو بن الحسن بن علي) هو ابن أبي طالب وعمرو بفتح العين وسكون الميم (قال: قدم الحجاج) بفتى الحاء المهملة وتشديد الجيم ابن

يوسف الثقفي وَليِ المدينة أميرًا عليها من قبل عبد الملك

(1/499)


بن مروان سنة أربع وسبعين عقب قتل ابن الزبير وكان يؤخر الصلاة (فسألنا جابر بن عبد الله) الأنصاري عن وقت الصلاة (فقال) جابر:
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي الظهر بالهاجرة) أي إلاّ أن يحتاج إلى الإبراد لشدة الحر (و) يصلّي
(العصر والشمس نقية) بالنون قبل القاف وبعدها مثناة تحتية أي خالصة صافية بلا تغير (و) يصلّي (المغرب إذا وجبت) أي غابت الشمس، ولأبي عوانة حين تجب الشمس ولا يخفى أن محل دخول وقتها بسقوط قرص الشمس حيث لا يحول بين رؤيتها وبين الرائي حائل (و) يصلّي (العشاء أحيانًا) يعجلها (وأحيانًا) يؤخرها ويبين هذا التقدير قوله (إذا رآهم اجتمعوا عجل) العشاء لأن في تأخيرها تنفيرهم (وإذا رآهم أبطؤوا أخّرها)، لإحراز الفضيلة في الجماعة وفي اليونينية أبطؤوا بسكون الواو ليس إلاّ ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في باب وقت صلاة العشاء إذا اجتمع الناس، (و) كان عليه الصلاة والسلام يصلّي (الصبح كانوا) أي الصحابة رضي الله عنهم مجتمعين يصلونها معه عليه الصلاة والسلام بغلس (أو كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) منفردًا (يصلّيها بغلس.) ولا يصنع فيها مثل ما يصنع في العشاء من تعجيلها إذا اجتمعوا وتأخيرها إذا أبطؤوا الغلس بفتح اللام ظلمة آخر الليل، وقوله يصلّيها بغلس بدل من الأوّل أو حال، ويحتمل أن يكون شكًّا من الراوي. وقال الحافظ ابن حجر: أنه الحق ولفظ مسلم: والصبح كانوا أو قال كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّيها بغلس، فالتقدير كانوا يصلونها بغلس، أو قال كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّيها بغلس، فحذف من الأوّل لدلالة الثاني عليه، والمراد بهما واحد لأنهم كانوا يصلون معه، فأما أن يعود الضمير للكل أو له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهم تبع له، ويحتمل أن تكون كان تامة غير ناقصة بمعنى الحضور والوقوع فيكون المحذوف ما بعد أو خاصة أي أو لم يكونوا مجتمعين قاله السفاقسي.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري ومدني وكوفي وفيه تابعيان والتحديث والعنعنة والقول والسؤال، وأخرجه أيضًا في الصلاة وأبو داود والنسائي.
561 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: "كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَغْرِبَ إِذَا تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ".
وبه قال (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير البلخي (قال: حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بضم العين وفتح الموحدة مولى سلمة (عن سلمة) بن الأكوع الصحابيّ رضي الله عنه (قال: كنا نصلي مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الغرب إذا توارت بالحجاب) أي غربت الشمس شبه غروبها بتواري المخبأة بحجابها وأضمرها من غير ذكر اعتمادًا على قرينة قوله المغرب ولمسلم عن يزيد بن أبي عبيد إذا غربت الشمس توارت بالحجاب. قال الحافظ ابن حجر: فدلّ على أن الاختصار في المتن من شيخ البخاري.

ورواة هذا الحديث ثلاثة وفيه التحديث والعنعنة والقول وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجة.
562 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعًا جَمِيعًا، وَثَمَانِيًا جَمِيعًا".
وبه قال: (حدثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثنا عمرو بن دينار) بفتح العين المكي الجمحي مولاهم (قال: سمعت جابر بن زيد) الأزدي الجوفي بفتح الجيم وسكون الواو بعدها فاء أبا الشعثاء البصري (عن ابن عباس) ولغير الكشميهني عن عبد الله بن عباس (قال):
(صلّى) بنا (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبعًا) أي سبع ركعات (جميعًا، وثمانيًا) وفي رواية وثماني وفي نسخة وثمانية أي ركعات (جميعًا) أي جمع بين الظهرين والغربين واللفظ محتمل للتقديم والتأخير، لكن حمله على الثاني أولى ليطابق الترجمة وسبق الكلام على الحديث في باب تأخير الظهر إلى العصر والله المستعان.

19 - باب مَنْ كَرِهَ أَنْ يُقَالَ لِلْمَغْرِبِ الْعِشَاءُ
(باب من كره أن يقال للمغرب العشاء).
563 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ - هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو - قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنِ الْحُسَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَغْلِبَنَّكُمُ الأَعْرَابُ عَلَى اسْمِ صَلاَتِكُمُ الْمَغْرِبِ، قَالَ: وَتَقُولُ الأَعْرَابُ: هِيَ الْعِشَاءُ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين (- هو عبد الله بن عمرو-) بفتح العين وسكون الميم النقري البصري وسقط لفظ هو للأصيلي (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد بن ذكوان العنبري مولاهم التنوري بفتح المثناة الفوقية وتشديد النون البصري (عن الحسين) بن ذكوان المعلم المكتب العوذي بفتح المهملة وسكون الواو بعدها معجمة البصري (قال: حدّثنا عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء قاضي مرو (قال: حدّثني)

(1/500)


بالإفراد (عبد الله) بن مغفل بالغين المعجمة المفتوحة والفاء المشددة (المزني أن النبي) وللأصيلي أن رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:):
(لا تغلبنكم) بالمثناة الفوقية وللكشميهني لا يغلبنكم بالتحتية (الأعراب) سكان البوادي (على اسم صلاتكم المغرب) بالجر صفة لصلاة وللكشميهني المغرب بالرفع أي لا تتبعوا الأعراب في تسميتهم، لأن الله تعالى سمّاها مغربًا ولم يسمها عشاء، وتسمية الله تعالى أولى من تسميتهم، والسرّ في النهي خوف الاشتباه على غيرهم من السلمين، لكن حديث "لو تعلمون ما في العتمة" يوضح أن

النهي ليس للتحريم، أو المعنى لا يغصب منكم الأعراب، فالنهي في الظاهر للأعراب، وفي الحقيقة للعموم. (قال وتقول) بالمثناة التحتية وثبتت الواو في ويقول للأصيلي وفي رواية الكشميهني وتقول (الأعراب هي) أي المغرب (العشاء). بكسر العين والمدّ، وفي رواية وهي التي في اليونينية قال الأعراب تقول: لكنه رقم عليها علامة التقديم والتأخير، وجعل الكرماني فاعل قال عبد الله المزني: راوي الحديث ونوزع فيه بأنه يحتاج إلى نقل خاص لذلك، وإلاّ فظاهر إيراد الإسماعيلي أنه من تتمة الحديث فإنه أورده بلفظ فإن الأعراب تسميها والأصل عدم الإدراج.
ورواة الحديث الخمسة بصريون وفيه التحديث والعنعنة والقول وهو من أفراد المؤلّف.

20 - باب ذِكْرِ الْعِشَاءِ وَالْعَتَمَةِ، وَمَنْ رَآهُ وَاسِعًا
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَثْقَلُ الصَّلاَةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ الْعِشَاءُ وَالْفَجْرُ. وَقَالَ: «لَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالْفَجْرِ». قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَالاِخْتِيَارُ أَنْ يَقُولَ الْعِشَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ}. وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: "كُنَّا نَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ فَأَعْتَمَ بِهَا". وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةُ: "أَعْتَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعِشَاءِ". وَقَالَ بَعْضُهُمْ عَنْ عَائِشَةَ: "أَعْتَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعَتَمَةِ". وَقَالَ جَابِرٌ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْعِشَاءَ". وَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُؤَخِّرُ الْعِشَاءَ". وَقَالَ أَنَسٌ: "أَخَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعِشَاءَ الآخِرَةَ". وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو أَيُّوبَ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم-: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ".
(باب ذكر العشاء والعتمة) بفتحات والعين مهملة وللأصيلي أو العتمة (ومن رآه واسعًا) أي جائزًا.
(قال) وللهروي وقال (أبو هريرة) رضي الله عنه فيما وصله المؤلّف في باب فضل العشاء جماعة (عن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والفجر). لأنه وقت راحة البدن (وقال): النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي هريرة فيما وصله في باب الاستفهام في الأذان (لو يعلمون ما في العتمة والفجر). أي لأتوهما ولو حَبْوًا فسماها عليه الصلاة والسلام تارة عشاء وتارة عتمة (قال أبو عبد الله) أي البخاري وسقط للأصيلي (والاختيار: أن يقول العشاء لقوله تعالى:) ولأبي ذر لقول الله تعالى: {وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] (ويذكر) بضم أوّله (عن أبي موسى) الأشعري (قال: كنّا نتناوب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي نأتي نوبة بعد نوبة (عند صلاة العشاء فأعتم بها) أي أخّرها حتى اشتدت ظلمة الليل وعن الخليل العتمة اسم لثلث الليل الأوّل بعد غروب الشفق وإنما ساقه بصيغة التمريض لكونه رواه بالمعنى قال البدر الدماميني كالزركشي وهذا أحد ما يرد على ابن الصلاح في دعواه أن تعليقات البخاري التي يذكرها بصيغة التمريض لا تكون صحيحة عنده انتهى وتعقبه البرماوي فقال إنما قال: لا تدل على الصحة ولم يقل أنها تدل على الضعف وبينهما فرق (وقال ابن عباس) رضي

الله عنهما مما وصله في باب النوم قبل العشاء (و) قالت: (عائشة) رضي الله عنها مما وصله أيضًا في باب فضل العشاء (أعتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعشاء. وقال بعضهم عن عائشة) مما وصله المؤلّف في باب خروج النساء إلى المساجد بالليل (أعتم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعتمة) أي دخل في وقتها فهذه ثلاث تعليقات ذكر فيها العتمة وأعتم ثم أخذ يذكر تعليقات أخرى تشهد لذكر العشاء فقال: (وقال جابر) أي ابن عبد الله الأنصاري مما وصله في باب وقت المغرب وفي باب وقت العشاء مطَوّلاً (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي العشاء وقال: أبو برزة) الأسلمي مما وصله مطوّلاً في باب وقت العصر (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يؤخر العشاء. وقال: أنس) أي ابن مالك مما وصله مطوّلاً في باب العشاء إلى نصف الليل (أخر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العشاء الآخرة. وقال ابن عمر) بن الخطاب مما وصله في الحج (و) قال (أبو أيوب) الأنصاري مما
وصله في حجة الوداع (و) قال (ابن عباس) رضي الله عنهم مما وصله في تأخير الظهر إلى العصر (صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المغرب والعشاء).
564 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سَالِمٌ أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ قَالَ: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً صَلاَةَ الْعِشَاءِ -وَهْيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ الْعَتَمَةَ- ثُمَّ انْصَرَفَ فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ: أَرَأَيْتُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ".
وبالسند قال (حدّثنا عبدان) بفتح أوّله وسكون الموحدة واسمه عبد الله بن

(1/501)


عثمان المروزي (قال أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (قال سالم أخبرني) بالتوحيد أبي (عبد الله) بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما (قال صلّى) إمامًا (لنا رسول الله) وللهروي النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة) من الليالي (صلاة العشاء -وهي التي يدعو الناس العتمة-) فيه إشعار بغلبة هذه التسمية عند الناس ممّن لم يبلغهم النهي (ثم انصرف عليه الصلاة والسلام) من الصلاة (فأقبل علينا) بوجهه الكريم (فقال):
(أرأيتم) وللأربعة أرأيتكم (ليلتكم هذه، فإن رأس مائة سنة منها) أي من ليلتكم (لا يبقى) أي لا يعيش (ممن هو على ظهر الأرض أحد). بعدها أكثر من مائة سنة سواء قل عمره بعد ذلك أم لا: وليس فيه نفي عيش أحد بعد تلك الليلة فوق مائة سنة واحتجّ به البخاري وغيره على موت الخضر وأجاب الجمهور بأنه عامّ أريد به الخصوص أو أن المراد بالأرض أرضه التي نشأ منها عليه الصلاة والسلام وحينئذٍ فيكون في أرض غير هذه وقد تواترت أخبار كثيرين من العلماء والصلحاء باجتماعهم عليه مما يطول ذكره وسبق في باب السمر بالعلم من يد لذلك.
ورواة الحديث الستة ما بين مروزي ومدني وإيلي وفيه تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والعنعنة والقول وأخرجه مسلم في الفضائل.

21 - باب وَقْتِ الْعِشَاءِ إِذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أَوْ تَأَخَّرُوا
(باب) بيان (وقت) صلاة (العشاء إذا اجتمع الناس أو تأخروا).
565 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو -هُوَ ابْنُ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ- قَالَ: "سَأَلْنَا جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ صَلاَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ، وَالْعَصْرَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إِذَا وَجَبَتْ، وَالْعِشَاءَ: إِذَا كَثُرَ النَّاسُ عَجَّلَ، وَإِذَا قَلُّوا أَخَّرَ. وَالصُّبْحَ بِغَلَسٍ".
وبالسند قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بسكون العين ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري قاضي المدينة (عن محمد بن عمرو -) بفتح العين (هو) وللأصيلي وابن عساكر وهو (ابن الحسن بن علي-) بن أبي طالب رضي الله عنهم وسقط ابن علي عند ابن عساكر (قال: سألنا) وفي رواية سألت (جابر بن عبد الله) الأنصاري رضي الله عنه (عن صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال:) ولابن عساكر قال:
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) وللأصيلي كان يصلّي (الظهر بالهاجرة) وقت شدّة الحرّ يهجر فيها الناس تصرفهم. (و) يصلّي (العصر والشمس حية،) نقية بيضاء (و) يصلّي (المغرب إذا وجبت) أي غابت الشمس (و) يصلّي (العشاء: إذا كثر الناس عجل) بصلاتها عقب غيبوبة الشفق الأحمر كما عند الشافعي ومحمد وأبي يوسف والأبيض عند أبي حنيفة والأوّل رواية عن أبي حنيفة أيضًا وعليه الفتوى عند الحنفية وعليه أطباق أهل اللسان (وإذا قلّوا أخّر) صلاتها إلى ثلث الليل الأوّل وهو اختيار كثير من الشافعية وبه قال: مالك وأحمد وأكثر الصحابة والتابعين وهو قول الشافعي في الجديد وقال في القديم تعجيلها أفضل وصحّحه النووي وجماعة وفي قول عند الشافعية تؤخر لنصفه لحديث لولا أن أشق على أمتي لأخّرت صلاة العشاء إلى نصف الليل وصحّحه الحاكم ورجّحه النووي في شرح مسلم وكلامه فى شرح المهذب يقتضي أن الأكثرين عليه وفيه إشارة إلى أن تأخير الصلاة للجماعة أفضل من صلاتها أوّل الوقت منفردًا بل فيه أخصّ من ذلك وهو أن التأخير لانتظار من تكثر بهم الجماعة أفضل نعم إذا فحش التأخير وشقّ على الحاضرين فالتقديم أولى (و) يصلّي (الصبح (بغلس) بفتح اللام ظلمة آخر الليل.
وهذا الحديث سبق في باب وقت المغرب.

22 - باب فَضْلِ الْعِشَاءِ
(باب فضل) صلاة (العشاء) أو فضل انتظارها.

566 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: "أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ، وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَفْشُوَ الإِسْلاَمُ، فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَالَ عُمَرُ: نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ فَقَالَ لأَهْلِ الْمَسْجِدِ: مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ". [الحديث 566 - أطرافه في: 569، 862، 864].
وبالسند قال (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف نسبة إلى جده لشهرته وأبوه عبد الله المخزومي (قال حدّثنا الليث) بن سعد المصري (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير بن العوام (أن عائشة) رضي الله عنها (أخبرته قالت):
(أعتم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة) من الليالي (بالعشاء) أي أخّر صلاتها وكانت صلاته عليه الصلاة
والسلام تقديمها (وذلك قبل أن يفشو الإسلام) أي يظهر في غير المدينة وإنما ظهر في غيرها بعد فتح مكة (فلم يخرج) عليه الصلاة والسلام (حتى قال عمر:) بن الخطاب رضي الله

(1/502)


عنه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نام النساء والصبيان) أي الحاضرون في المسجد وخصّهم بالذكر دون الرجال لأنهم مظنة قلة الصبر عن النوم ولمسلم أعتم عليه الصلاة والسلام حتى ذهب عامّة الليل وحتى نام أهل المسجد (فخرج) عليه الصلاة والسلام (فقال لأهل المسجد: ما ينتظرها) أي الصلاة في هذه الساعة (أحد من أهل الأرض غيركم) وذلك إما لأنه لا يصلّي حينئذ إلاّ بالمدينة أو لأن سائر الأقوام ليس في دينهم صلاة وغيركم بالرفع صفة لأحد أو بالنصب على الاستثناء.
ورواة هذا الحديث ستة وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والعنعنة والإخبار والقول وأخرجه المؤلّف أيضًا في باب النوم قبل العشاء لمن غلب ومسلم.
567 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: "كُنْتُ أَنَا وَأَصْحَابِي الَّذِينَ قَدِمُوا مَعِي فِي السَّفِينَةِ نُزُولاً فِي بَقِيعِ بُطْحَانَ -وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ- فَكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عِنْدَ صَلاَةِ الْعِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ، فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ - عليه السلام - أَنَا وَأَصْحَابِي، وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ فِي بَعْضِ أَمْرِهِ، فَأَعْتَمَ بِالصَّلاَةِ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَصَلَّى بِهِمْ، فَلَمَّا قَضَى صَلاَتَهُ قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ: عَلَى رِسْلِكُمْ أَبْشِرُوا، إِنَّ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْكُمْ أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ". أَوْ قَالَ: «مَا صَلَّى هَذِهِ السَّاعَةَ أَحَدٌ غَيْرُكُمْ» لاَ يَدْرِي أَىَّ الْكَلِمَتَيْنِ قَالَ: قَالَ أَبُو مُوسَى: "فَرَجَعْنَا فَفَرِحْنَا بِمَا سَمِعْنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدثنا محمد بن العلاء) هو أبو كريب (قال: أخبرنا) وللهروي وابن عساكر والأصيلي حدّثنا (أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة ابن عبد الله بن أبي بردة الكوفي (عن) جده (أبي بردة) عامر (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (قال: كنت أنا

وأصحابي الذين قدموا معي في السفينة نزولاً) جمع نازل كشهود وشاهد (في بقيع بطحان) وادٍ بالمدينة وهو بضم الموحدة وسكون الطاء في رواية المحدّثين وقيده أبو علي في بارعه كأهل اللغة بفتح الموحدة وكسر الطاء وقال البكري لا يجوز غيره، (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة، فكان يتناوب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند صلاة العشاء كل ليلة نفر منهم،) عدة رجال من ثلاثة إلى عشرة، (فوافقنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنا وأصحابيّ وله بعض الشغل في بعض أمره) تجهيز جيش كما في معجم الطبراني من وجه صحيح وجملة وله بعض الشغل حالية (فأعتم) عليه الصلاة والسلام (بالصلاة) أي أخّرها عن أول وقتها (حتى ابهارَّ الليل،) بهمزة وصل ثم موحدة ساكنة فهاء فألف فراء مشددة أي انتصف أو طلعت نجومه واشتبكت أو كثرت ظلمته ويؤيد الأوّل حتى إذا كان قريبًا من نصف الليل، (ثم خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فصلّى بهم فلما قضى صلاته. قال لمن حضره):
(على رسلكم) بكسر الراء وقد تفتح أي تأنوا (أبشروا) بقطع الهمزة من أبشر الرباعي أو همزة وصل من بشر (إن) بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها بتقدير الباء أي بأن لكن قال ابن حجر وهم من ضبطها بالفتح وفي رواية فإن (من نعمة الله عليكم أنه ليس أحد من الناس يصلّي هذه الساعة غيركم) بفتح همزة أنه وجهًا واحدًا لأنها في موضع المفرد وهو اسم أن والجار والمجرور خبرها قدم للاختصاص أي أن من نعمة الله عليكم انفرادكم بهذه العبادة (أو قال) عليه الصلاة والسلام: (ما صلّى هذه الساعة أحد غيركم. لا يدرى) بالمثناة التحتية ولأبي الوقت وابن عساكر. لا أدرى (أيّ الكلمتين قال) عليه الصلاة والسلام.
(قال أبو موسى) الأشعري رضي الله عنه. (فرجعنا) حال كوننا (فرحى بما سمعنا) أي بالذي سمعناه (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.) أي من اختصاصنا بهذه العبادة التي هي نعمة عظيمة مستلزمة للمثوبة الجسيمة مع ما انضم لذلك من صلاتهم لها خلف نبيّهم، وفرحى بسكون الراء بوزن سكرى كما في رواية أبوي ذر والوقت فقط، ولابن عساكر فرحًا بفتح الراء على المصدر، وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني، وفرحنا بكسر الراء وسكون الحاء، ولأبي ذر في نسخة فرحنا بإسقاط الواو وفتح الراء، وفي رواية: ففرحنا.
ورواة هذا الحديث ما بين كوفي ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في الصلاة وأبو داود والنسائي من حديث أبي سعيد وكذا ابن ماجة.

23 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ
(باب ما يكره من النوم قبل) صلاة (العشاء.).
568 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ الْعِشَاءِ وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا".
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام كذا في رواية الهروي ووافقه ابن السكن، وفي أكثر الروايات حدّثنا محمد غير منسوب ورواية أبي ذر عينته (قال: أخبرنا) وللأربعة حدّثنا (عبد الوهاب) بن عبد المجيد بن الصلت (الثقفي) البصري (قال: حدّثنا خالد) هو ابن مهران أبو المنازل بفتح الميم وكسر الزاي البصري

(1/503)


(الحذاء) بفتح الحاء المهملة وتشديد الذال المعجمة (عن أبي المنهال) بكسر الميم سيار بن سلامة الرياحي بالمثناة التحتية (عن أبي برزة) بفتح الموحدة وسكون الراء وفتح الزاي نضلة الأسلمي رضي الله عنه:
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يكره النوم) كراهة تنزيه (قبل) صلاة (العشاء) لأن فيه تعريضًا لفوات وقتها باستغراق النوم نعم من وكل به من يوقظه يباح له (و) كان عليه الصلاة والسلام يكره (الحديث بعدها) أي المحادثة بعد العشاء خوف السهر وغلبة النوم بعده فيفوت قيام الليل أو الذكر أو الصبح نعم لا كراهة فيما فيه مصلحة للدين كعلم وحكايات الصالحين ومؤانسة الضيف والعروس.
ورواة هذا الحديث خمسة وفيه التحديث والعنعنة.

24 - باب النَّوْمِ قَبْلَ الْعِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ
(باب) عدم كراهة (النوم قبل) صلاة (العشاء لمن غلب) بضم الغين وكسر اللام مبنيًّا للمفعول أي لمن غلب عليه النوم فخرج به من تعاطى ذلك مختارًا.
569 - حَدَّثَنَا أَيُّوبُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: "أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعِشَاءِ حَتَّى نَادَاهُ عُمَرُ: الصَّلاَةَ، نَامَ النِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ. فَخَرَجَ فَقَالَ: مَا يَنْتَظِرُهَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ. قَالَ: وَلاَ يُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إِلاَّ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانُوا يُصَلُّونَ فِيمَا بَيْنَ أَنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إِلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأَوَّلِ".
وبالسند قال: (حدّثنا أيوب بن سليمان) القرشي ولأبي ذر هو ابن بلال (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو بكر) هو عبد الحميد بن عبد الله بن أويس الأصبحي الأعشى (عن سليمان) القرشي المدني زاد في رواية أبوي ذر والوقت هو ابن بلال (قال صالح بن كيسان) بفتح الكاف المدني ولأبي ذر قال حدّثنا صالح بن كيسان قال: (أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن الزبير (أن) أم المؤمنين (عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(أعتم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالعشاء) أي أخر صلاتها ليلة (حتى ناداه عمر:) بن الخطاب رضي الله عنه (الصلاة) بالنصب على الإغراء (نام النساء والصبيان) الذين بالمسجد (فخرج) عليه الصلاة والسلام (فقال): ولأبي ذر وابن عساكر وقال (ما ينتظرها) أي الصلاة (أحد من أهل الأرض غيركم) (قال): أي الراوي وهو عائشة (ولا تصلّى) بضم المثناة الفوقية وفتح اللام المشددة أي لا تصلّى العشاء في جماعة ولغير أبي ذر ولا يصلّى بالمثناة التحتية (يومئذ إلا بالمدينة) لأن من بمكة من

المستضعفين كانوا يسرون وغير مكة والمدينة حينئذٍ لم يدخله الإسلام (وكانوا) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه ولأبوي الوقت وذر والأصيلي قال وكانوا (يصلون العشاء فيما بين أن يغيب الشفق) أي الأحمر المنصرف إليه الاسم وعند أبي حنيفة البياض دون الحمرة وليس في اليونينية ذكر العشاء وفي رواية فيما بين مغيب الشفق (إلى ثلث الليل الأوّل) بالجر صفة لثلث.
ورواة هذا الحديث سبعة وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابية والتحديث والإخبار والقول.
570 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً فَأَخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي الْمَسْجِدِ، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ رَقَدْنَا، ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا، ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الأَرْضِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ غَيْرُكُمْ». وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ لاَ يُبَالِي أَقَدَّمَهَا أَمْ أَخَّرَهَا، إِذَا كَانَ لاَ يَخْشَى أَنْ يَغْلِبَهُ النَّوْمُ عَنْ وَقْتِهَا. وَكَانَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا. قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ.
وبه قال (حدّثنا محمود) زاد الأصيلي يعي ابن غيلان بفتح الغين المعجمة المروزي (قال: أخبرنا) وللأربعة حدّثنا (عبد الرزاق) بن همام بن نافع الحميري اليماني الصنعاني مولاهم (قال: أخبرني) بالإفراد وللأربعة أخبرنا (ابن جريج) عبد الملك (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (قال: حدّثنا) وللأصيلي حدّثني (عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما:
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شغل عنها) بضم الشين مبنيًّا للمفعول أي شغل عن صلاة العشاء (ليلة) من الليالي (فأخّرها حتى رقدنا في المسجد) أي قعودًا ممكنين المقعدة أو مضطجعين غير مستغرقين في النوم أو مستغرقين ولكنهم توضؤوا ولم ينقل اكتفاء بأنهم لا يصلون إلا متوضئين (ثم استيقظنا ثم رقدنا ثم استيقظنا) من النوم الخفيف كالنعاس مع الإشعار يقال: استيقظ من سنته وغفلته أو هو على ظاهره من الاستغراق وعدم الشعور (ثم خرج علينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الحجرة (ثم قال: ليس أحد من أهل الأرض ينتظر الصلاة غيركم) (وكان ابن عمر) رضي الله عنه (لا يبالي أقدّمها) أي أقدّم صلاة العشاء (أم أخّرها، إذا كان لا يخشى أن يغلبه النوم عن وقتها، وكان) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وقد كان (يرقد قبلها.) أي صلاة العشاء وحملوه على ما إذا لم يخش غلبة النوم عن وقتها وفيه أن كراهة النوم قبلها للتنزيه لا للتحريم.
(قال ابن جريج) عبد الملك بالإسناد السابق (قلت لعطاء) أي ابن أبي رباح لا ابن يسار كما قاله الحافظ ابن حجر أي عما أخبرني به نافع (فقال) ولغير أبي ذر والأصيلي وابن عساكر وقال أي عطاء لابن جريج (سمعت ابن عباس) رضي الله عنهما (يقول):

571 - وَقَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: "أَعْتَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً بِالْعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ وَاسْتَيْقَظُوا، وَرَقَدُوا وَاسْتَيْقَظُوا، فَقَامَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقَالَ: الصَّلاَةَ. قَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَخَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ الآنَ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاءً وَاضِعًا يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوهَا هَكَذَا". فَاسْتَثْبَتُّ عَطَاءً: كَيْفَ وَضَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى رَأْسِهِ يَدَهُ كَمَا أَنْبَأَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ؟ فَبَدَّدَ عَطَاءٌ بَيْنَ أَصَابِعِهِ شَيْئًا مِنْ تَبْدِيدٍ، ثُمَّ وَضَعَ أَطْرَافَ أَصَابِعِهِ عَلَى قَرْنِ الرَّأْسِ ثُمَّ ضَمَّهَا يُمِرُّهَا كَذَلِكَ عَلَى الرَّأْسِ حَتَّى مَسَّتْ إِبْهَامُهُ طَرَفَ الأُذُنِ مِمَّا يَلِي الْوَجْهَ عَلَى الصُّدْغِ وَنَاحِيَةِ اللِّحْيَةِ لاَ يُقَصِّرُ وَلاَ يَبْطُشُ إِلاَّ كَذَلِكَ، وَقَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَنْ يُصَلُّوا هَكَذَا». [الحديث 571 - طرفه في: 7239].
(أعتم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة بالعشاء) أي بصلاتها (حتى رقد الناس) الحاضرون في المسجد (واستيقظوا، ورقدوا واستيقظوا، فقام عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (فقال: الصلاة) بالنصب على الإغراء (قال) ولابن عساكر فقال (عطاء قال ابن عباس) رضي الله عنهم (فخرج نبي الله) ولابن عساكر النبي وللهروي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كاني أنظر إليه الآن) حال كونه (يقطر رأسه ماء) بالنصب على التمييز المحول عن الفاعل أي ماء رأسه وحال كونه (واضعًا يده على رأسه) وكان عليه الصلاة والسلام قد اغتسل قبل أن يخرج وللكشميهني واضعًا يده على رأسي ووهم لما يأتي بعد (فقال:) عليه الصلاة والسلام (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوها هكذا) وفي نسخة كذا أي في هذا الوقت قال ابن جريج (فاستثبت عطاء) أي ابن أبي

(1/504)


رياح (كيف وضع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده على رأسه كما أنبأه) أي أخبره (ابن عباس) رضي الله عنهما (فبدد) بالموحدة والدال المكررة المشددة أولاهما أي فرق (لي عطاء بين أصابعه شيئًا من تبديد، ثم وضع أطراف أصابعه على قرن الرأس) أي جانبه (ثم ضمها) أي أصابعه ولمسلم ثم صبها بالصاد المهملة والموحدة قال القاضي عياض وهو الصواب فإنه يصف عصر الماء من الشعر باليد (يمرها كذلك على الرأس حتى مست إبهامه طرف الأُذن) بنصب طرف مفعول مست ولغير الكشميهني أبهاميه بالتثنية منصوب على المفعولية طرف رفع على الفاعلية وأنت الفعل المسند لطرف المذكر لأن المضاف اكتسب التأنيث من المضاف إليه لشدة الاتصال بينهما (مما يلي الوجه على الصدغ) بضم الصاد (وناحية اللحية لا يقصر) بالقاف وتشديد الصاد المهملة المكسورة من التقصير أي لا يبطئ وللكشميهني والأصيلي لا يعصر بالعين المهملة الساكنة مع فتح أوّله وكسر ثالثه قال ابن حجر: والأول هو الصواب. (ولا يبطش) بضم الطاء في اليونينية أيّ لا يستعجل (إلا كذلك؛ وقال:) عليه الصلاة والسلام:
(لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم أن يصلوا) وللهروي وأبي الوقت أن يصلوها أي العشاء (هكذا) أي في هذا الوقت.

ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين مروزي ويماني ومكّي ومدني وفيه التحديث والأخبار والقول أخرجه مسلم في الصلاة وأبو داود في الطهارة.

25 - باب وَقْتِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ
وَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتَحِبُّ تَأْخِيرَهَا.
(باب وقت) صلاة (العشاء إلى نصف الليل) اختيارًا (وقال أبو برزة:) مما سبق موصولاً في باب وقت العصر مطولاً (كان النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يستحب تأخيرها) أي العشاء وليس فيه تصريح بقيد نصف الليل.
572 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ الْمُحَارِبِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: "أَخَّرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ قَالَ: قَدْ صَلَّى النَّاسُ وَنَامُوا، أَمَا إِنَّكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا». وَزَادَ ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ: أَخْبَرَنَا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنِي حُمَيْدٌ سَمِعَ أَنَسًا: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ خَاتَمِهِ لَيْلَتَئِذٍ. [الحديث 572 - أطرافه في: 600، 661، 847، 5869].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الرحيم) بن عبد الرحمن بن محمد (المحاربي) الكوفي (قال حدّثنا زائدة) بالزاي ابن قدامة بضم القاف (عن حميد الطويل) ابن أبي حميد البصري، المتوفّى وهو قائم يصلي سنة اثنتين أو ثلاث وأربعين ومائة (عن أنس) رضي الله عنه وللأصيلي أنس بن مالك (قال) (أخر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة العشاء) ليلة (إلى نصف الليل ثم صلّى) العشاء (ثم قال قد صلّى، الناس) أي المعهودون (وناموا أما) بالتخفيف للتنبيه (إنكم في صلاة ما انتظرتموها) أي مدة انتظاركم وظاهر هذا السياق أن وقت العشاء يخرج بالنصف والجمهور أنه وقت الاختيار ورجح النووي في شرح مسلم تأخيرها إليه.
ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين كوفي وبصري وفيه التحديث والعنعنة والقول.
(وزاد ابن أبي مريم:) سعيد بن الحكم بن محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي بالولاء المصري فقال (أخبرنا يحيى بن أيوب) الغافقي بمعجمة ثم فاء فقاف (قال: حدّثني) بالإفراد (حميد) الطويل (أنه سمع أنسًا) وللأصيلي سمع أنس بن مالك (قال كأني أنظر إلى وبيص خاتمه) عليه الصلاة والسلام بفتح الواو وكسر الموحدة وبالصاد المهملة أي بريقه ولعانه (ليلتئذٍ) أي ليلة إذ أخر العشاء والتنوين عوض عن المضاف إليه.
وهذا التعليق وصله

(1/505)


المخلص في فوائده، ومراد المؤلّف رحمه الله به بيان سماع حميد للحديث من أنس رضي الله عنه.

26 - باب فَضْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ
(باب فضل صلاة الفجر) وفي رواية أبي ذر والحديث وتؤوّلت على وباب الحديث الوارد في فضله أي في فضل صلاة الفجر، واستبعده في الفتح ومال إلى أنها وهم وتصحيف فالله أعلم.
573 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ لِي جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ نَظَرَ إِلَى الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ فَقَالَ: أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لاَ تُضَامُّونَ -أَوْ لاَ تُضَاهُونَ- فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا فَافْعَلُوا». ثُمَّ قَالَ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}.
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد (قال: حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم (عن جرير بن عبد الله:) ولأبي الوقت وابن عساكر قال: قال جرير بن عبد الله وللأصيلي قال: قال لي جرير بن عبد الله:
(كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ نظر إلى القمر ليلة البدر فقال: أما إنكم) بتخفيف ميم أما إنكم والذي في اليونينية بالتشديد فقط (سترون ربكم كما ترون هذا) القمر (لا تضامون) بضم أوّله وتخفيف الميم وتشديدها أي لا ينالكم ضيم (أو لا) وفي رواية أو قال لا (تضاهون) بالهاء من المضاهاة أي لا يشتبه عليكم ولا ترتابون (في رؤيته) تعالى (فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا) ترك المغلوبية التي لازمها الإتيان بالصلاة كأنه قال: صلوا. وفيه دليل على أن الرؤية ترجى بالمحافظة على هاتين الصلاتين (ثم قال: ({فَسَبِّحْ}) بالفاء والتلاوة وسبح ({بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}) [طه: 130] وتقدم ما في هذا الحديث في باب فضل صلاة العصر.
574 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي مُوسَى عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ صَلَّى الْبَرْدَيْنِ دَخَلَ الْجَنَّةَ».
وَقَالَ ابْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ قَيْسٍ أَخْبَرَهُ بِهَذَا.
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ عَنْ حَبَّانَ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا أَبُو جَمْرَةَ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون الدال وفتح الموحدة القيسي البصري (قال حدّثنا همام) هو ابن يحيى (قال: حدّثني) بالإفراد وللأصيلي حدّثنا (أبو جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي البصري (عن أبي بكر بن أبي موسى) وسقط للأربعة ابن أبي موسى (عن أبيه) أبي موسى عبد الله بن قيس الأشعري رضي الله عنه.
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: من صلّى البردين) بفتح الموحدة وسكون الراء الفجر والعصر لأنهما في بردى النهار وهما طرقاه حين يطيب الهواء وتذهب سورة الحر (دخل الجنة). عبر بالماضي عن المضارع ليعلم أن الموعود به بمنزلة الآتي المحقق الوقوع وامتازت الفجر والعصر بذلك لزيادة شرفهما وترغيبًا في المحافظة عليهما لشهود الملائكة فيهما كما مر ومفهوم اللقب ليس بحجة فافهم.
(قال ابن رجاء) بفتح الراء والجيم عبد الله البصري الغداني مما وصله الذهلي (حدّثنا) وللأصيلي أخبرنا (همام) هو ابن يحيى (عن أبي جمرة) بالجيم (أن أبا بكر بن عبد الله بن قيس) الأشعري (أخبره بهذا) الحديث، ومراده بهذا التعليق أن أبا بكر السابق في السند هو ابن أبي موسى الأشعري، فإنه اختلف فيه فقيل: إن الحديث محفوظ عن أبي بكر بن عمارة بن رؤيبة الثقفي فاعلم.
وبه قال: (حدّثنا اسحاق) هو ابن منصور بن بهرام الكوسج التميمي المروزي وليس هو إسحاق بن راهويه (عن حبان) ولأبي ذر حبان وهو بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال الباهلي (قال: حدّثنا همام، قال: حدّثنا أبو جمرة) بالجيم (عن أبي بكر بن عبد الله عن أبيه) عبد الله بن أبي موسى الأشعري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله). وفي رواية بمثله بزيادة الموحدة فاجتمعت الروايات على همام بأن شيخ أبي جمرة هو أبو بكر بن عبد الله لا أبو بكر بن عمارة بن رؤيبة.

27 - باب وَقْتِ الْفَجْرِ
(باب وقت الفجر).
575 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ أَنَّهُمْ تَسَحَّرُوا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ. قُلْتُ: ما بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: قَدْرُ خَمْسِينَ أَوْ سِتِّينَ. يَعْنِي آيَةً. [الحديث 575 - طرفه في: 1921].
وبالسند قال (حدّثنا عمرو بن عاصم) بفتح العين وسكون الميم البصري (قال: حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) رضي الله عنه وللأصيلي أنس بن مالك (أن زيد بن ثابت) الأنصاري رضي الله عنه (حدّثه) وللأصيلي حدّثهم أي حدث أنسًا وأصحابه.
(أنهم) أي زيدًا وأصحابه (تسحروا) أي أكلوا السحور وهو ما يؤكل في السحر أما بالضم فهو اسم لنفس الفعل (مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاموا إلى الصلاة) أي صلاة الصبح قال: أنس (قلت) لزيد (كم بينهما) ولأبي ذر والأصيلي كم كان بينهما أي بين السحور والقيام إلى الصلاة (قال: قدر) قراءة (خمسين أو ستين يعني آية).
ورواة هذا

(1/506)


الحديث الخمسة بصريون وفيه التحديث والعنعنة والقول ورواية صحابي عن صحابي، وأخرجه المؤلّف في الصوم وكذا مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة.

576 - حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ سَمِعَ رَوْحًا حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: "أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ تَسَحَّرَا، فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّيا قُلْنَا لأَنَسٍ: كَمْ كَانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلاَةِ؟ قَالَ: قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً". [الحديث 576 - طرفه في: 1134].
وبه قال (حدّثنا) وفي الفرع وأصله ح للتحويل وحدّثنا (حسن بن صباح) بتشديد الموحدة البزار بالزاي ثم الراء وللأربعة الحسن بن الصباح حال كونه قد (سمع روحًا) بفتح الراء ولأبي الوقت والهروي روح بن عبادة بضم العين وتخفيف الموحدة (قال حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه وسقط عند ابن عساكر ابن مالك:
(أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزيد بن ثابت تسحرا،) بالتثنية وللمستملي والسرخسي تسحروا بالجمع أي
النبي وأصحابه (فلما فرغا من سحورهما) بفتح السين (قام نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الصلاة فصلّى) وللكشميهني فصليا أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وزيد وللأكثرين فصلينا بالجمع أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه قال قتادة (قلت) ولغير أبي ذر قلنا (لأنس كم كان بين فراغهما من سحورهما) بفتح السين (ودخولهما في الصلاة) أي الصبح (قال: قدر ما يقرأ الرجل خمسين آية) من القرآن.
ورواة هذا الحديث خمسة وفيه التحديث والعنعنة وهو من مسانيد أنس والسابق من مسانيد زيد بن ثابت.
577 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ أَخِيهِ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ سَعْدٍ يَقُولُ: "كُنْتُ أَتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثُمَّ يَكُونُ سُرْعَةٌ بِي أَنْ أُدْرِكَ صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 577 - طرفه في: 1920].
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس) عبد الله الأصبحي المدني ابن أُخت الإمام مالك بن أنس (عن أخيه) عبد الحميد أبي بكر بن أبي أويس (عن سليمان) بن بلال (عن أبي حازم) سلمة بن دينار الأعرج المدني العابد (أنه سمع سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين ابن مالك الأنصاري الساعدي الصحابي ابن الصحابي (يقول):
(كنت أتسحر في أهلي ثم يكون) بالمثناة التحتية وفي رواية تكون بالفوقية (سرعة بي أن أدرك صلاة الفجر مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.) أي لإدراكي وسرعة بضم السين وإسكان الراء والرفع اسم كان وبي صفتها، وأن مصدرية وأدرك خبر كان أو كان تامة أي ثم توجد سرعة بي لإدراك صلاة الفجر، ويجوز سرعة بالنصب خبر كان والاسم ضمير يعود لما يدل عليه لفظ السرعة أي تكون السرعة سرعة حاصلة بي لإدراك الصلاة.
ورواة هذا الحديث الخمسة مدنيون وفيه رواية الأخ عن أخيه والتحديث والعنعنة والسماع.

578 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قَالَتْ: "كُنَّ نِسَاءُ الْمُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الْفَجْرِ مُتَلَفِّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ، ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إِلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلاَةَ لاَ يَعْرِفُهُنَّ أَحَدٌ مِنَ الْغَلَسِ".
وبه قال (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبة لجدّه واسم أبيه عن عبد الله المخزومي المصري (قال: أخبرنا) وللأربعة حدّثنا (الليث) بن سعد المصري الإمام (عن عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوام (أن عائشة) رضي الله عنها (أخبرته قالت):
(كن) وللأصيلي كنا (نساء) الأنفس أو الجماعة (المؤمنات) أوّل بهذا لئلا يلزم منه إضافة الشيء إلى نفسه. وقول ابن مالك فيه شاهد على إضافة الموصوف للصفة عن أمن اللبس وكان الأصل وكنّ النساء المؤمنات وهو نظير مسجد الجامع. تعقبه الدر الدماميني بأنه مؤوّل بناء على أن الأصل نساء الطوائف المؤمنات والطوائف أعمّ من النساء فهو كنساء الحي فلا يكون فيه شاهد اهـ.
ونساء رفع في اليونينية. وقال الزركشي: يجوز فيه الرفع على أنه بدل من الضمير في (كن) والنصب على أنه خبر كان ويشهدن خبر ثانٍ، وتعقبه فقال: لا يظهر هذا الوجه إذ ليس القصد إلى الإخبار عن النسوة المصليات بأنهن نساء مؤمنات ولا المعنى عليه، والذي يظهر أنه مفعول لمحذوف، وذلك أنها لما قالت: كن فأضمرت ولا معاد في الظاهر قصدت رفع اللبس لما قالته. أي أعني نساء المؤمنات والخبر يشهدن، وكان الأصل أن تقول: كانت بالإفراد ولكنه على لغة أكلوني البراغيث، وحينئذٍ فنساء رفع بدل من الضمير في كن أو اسم كان وخبرها (يشهدن) أي يحضرون (مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة الفجر) حال كونهن (متلفعات) بالعين بعد الفاء أي متلفحات بالحاء (بمروطهنّ) جمع مرط بكسر الميم كساء من صوف أو خز يؤتزر به (ثم ينقلبن) أي يرجعن (إلى بيوتهنّ حين يقضين الصلاة لا يعرفهنّ أحد) أنساء أم رجال (من

(1/507)


الغلس) لأنه لا يظهر للرائي إلاّ أشخاصهنّ فقط فإنّ قلت هذا يعارضه حديث أبي برزة السابق أنه كان ينصرف من الصلاة حين يعرف الرجل جليسه أجيب بأن هذا إخبار عن رؤية المتلفعة من بعد وذلك إخبار عن الجليس القريب فافترقا والله تعالى أعلم بالصواب.

28 - باب مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الْفَجْرِ رَكْعَةً
(باب من أدرك من الفجر) أي من صلاته (ركعة) فليتم صلاته.
579 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ وَعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ وَعَنِ الأَعْرَجِ يُحَدِّثُونَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ

رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ، وَمَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الْعَصْرَ».
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي (عن عطاء بن يسار) بالسين المهملة المخففة الهلالي المدني مولى ميمونة، (وعن بسر بن سعيد) بضم الموحدة وسكون السين المهملة آخره راء المدني العابد (وعن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (يحدثونه) أي الثلاثة يحدثون زيد بن أسلم (عن أبي هريرة) رضي الله عنه:
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس) أي وركعة بعدما تطلع الشمس (فقد أدرك الصبح) أداء وهذا مذهب الشافعي وأحمد والجمهور، خلافًا لأبي حنيفة حيث قال بالبطلان لدخول وقت النهي كما مرّ، أو المراد من أدرك من وقت الصبح قدر ركعة فلو أسلم الكافر وبلغ الصبي وطهرت الحائض وأفاق المجنون والمغمى عليه وبقي من الوقت قدر ركعة وجبت الصلاة، وكذا دونها كقدر تكبيرة لإدراك جزء من الوقت ويكون الوقت على هذا خرج مخرج الغالب، فإن الغالب الإدراك بركعة ونحوها. ولو بلغ الصبي بالسن في الصلاة أتمها وجوبًا وأجزأته. (ومن أدرك ركعة من العصر) أي من صلاتها (قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) أداء عند الجمهور كما مرّ في باب من أدرك ركعة من العصر قبل الغروب.

29 - باب مَنْ أَدْرَكَ مِنَ الصَّلاَةِ رَكْعَةً
(باب من أدرك من الصلاة ركعة) فقد أدرك الصلاة والفرق بين هذه الترجمة والسابقة أن الأولى على التفسير السابق فيها لخصوص الصلاتين لا يقع من فواتهما غالبًا وهذه للأعم وأما على التفسير اللاحق فذاك لمن أدرك بعض الوقت وهذه لمن أدرك بعض الصلاة.
580 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ».
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) هو ابن أنس الإمام الأعظم (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من أدرك ركعة من الصلاة) المكتوبة (فقد أدرك الصلاة) أي حكمها أو تكون أداء وإدراك الجماعة يحصل بدون الركعة ما لم يسلم والله أعلم.

30 - باب الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ
(باب) حكم (الصلاة بعد) صلاة (الفجر حتى ترتفع الشمس).
581 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "شَهِدَ عِنْدِي رِجَالٌ مَرْضِيُّونَ، وَأَرْضَاهُمْ عِنْدِي عُمَرُ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَشْرُقَ الشَّمْسُ وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ".
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَبَا الْعَالِيَةِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي نَاسٌ بِهَذَا.
وبالسند قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة (عن أبي العالية) الرياحي واسمه رفيع (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: شهد عندي) ليس بمعنى الشهادة عند الحاكم وإنما معناه أخبرني وأعلمني (رجال) عدول (مرضيون) لا شك في صدقهم ودينهم (وأرضاهم عندي عمر) بن الخطاب رضي الله عنه.
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) نهي تحريم (عن الصلاة) التي لا سبب لها (بعد) صلاة (الصبح حتى تشرق الشمس) بضم المثناة الفوقية وكسر الراء كذا لأبي ذر أي تضيء وترتفع كرمح ولغيره تشرق بفتح أوله وضم ثالثه بوزن تغرب أي حتى تطلع (و) تكره الصلاة أيضًا (بعد) صلاة (العصر حتى تغرب) الشمس، فلو أحرم بما لا سبب له كالنافلة المطلقة لم تنعقد كصوم يوم العيد بخلاف ما له سبب كفرض أو نفل فائتين فلا كراهة فيهما، لأنه عليه الصلاة والسلام صلّى بعد العصر سُنَّة الظهر التي فاتته رواه الشيخان، فالسُّنّة الحاضرة والفريضة الفائتة أولى، وكذا صلاة جنازة وكسوف وتحية مسجد وسجدة شكر وتلاوة. ومنع أبو حنيفة مطلقًا إلاّ عصر يومه والنهي في الحديث متعلق بأداء الصلاة لا بالوقت فتعين التقدير بالصلاة في الموضعين. نعم يتعلق أيضًا بمن لم يصل من الطلوع إلى الارتفاع كرمح ومن الاستواء إلى الزوال ومن الإصفرار حتى تغرب للنهي عن الصلاة فيها في

(1/508)


صحيح مسلم، لكن ليس فيه ذكر الرمح وأشار الرافعي إلى ذلك بقوله ربما انقسم الوقت الواحد إلى متعلق بالفعل وإلى متعلق بالزمان.
ورواة هذا الحديث خمسة، وفيه روار تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.
582 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ أَخْبَرَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَحَرَّوْا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا». [الحديث 582 - أطرافه في: 585، 589، 1192، 1629، 3273].

وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال سمعت أبا العالية) الرياحي (عن ابن عباس) رضي الله عنهما (قال: حدّثني) بالإفراد (ناس بهذا) أي بهذا الحديث بمعناه وفي هذه الطريق التصريح بسماع قتادة لهذا الحديث من أبي العالية ومتابعة شعبة لهشام.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) المذكور (قال: حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن هشام) أي ابن عروة (قال: أخبرني أبي) عروة بن الزبير (قال: أخبرني) وللأصيلي حدّثني بالإفراد فيهما (ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال):
(قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تحرّوا) بحذف إحدى التاءين تخفيفًا أي لا تقصدوا (بصلاتكم) بالموحدة وللأصيلي لصلاتكم (طلوع الشمس ولا غروبها). خرج بالقصد عدمه فلو استيقظ من نومه أو ذكر ما نسيه فليس بقاصد وفي الروضة كأصلها لو دخل المسجد في أوقات الكراهة ليصلّي التحية فوجهان. أقيسهما الكراهة كما لو أخر الفائتة ليقضيها فيها انتهى.
قال في الغرر البهية: وينبغي أن يكون المكروه الدخول لغرض التحية وتأخير الفائتة إلى ذلك الوقت أما فعلها فيه فكيف يكون مكروهًا وقد يكون واجبًا بأن فاتته عمدًا بل العصر المؤداة تأخيرها لتفعل وقت الاصفرار مكروه، ولا نقول بعد التأخير أن إيقاعها فيه مكروه بل واجب، وأقول: بل فعل كلٌّ من ذلك فيما ذكر مكروه أيضًا لقوله: "لا تحرّوا بصلاتكم طلوع الشمس ولا غروبها" لكن المؤداة منعقدة لوقوعها في وقتها بخلاف التحية والفائتة المذكورتين وكونها قد تجب لا يقتضي صحتها فيما ذكر لأنه بالتأخير إلى ذلك مراغم للشرع بالكلية، ولأن المانع مقدّم على المقتضي عند اجتماعهما. وقد قيل هذا الحديث مفسّر للسابق أي لا تكره الصلاة بعد الصلاتين إلا لمن قصد بها
طلوع الشمس وغروبها، وجزم الأكثرون بأن المراد أنه نهي مستقل وجعلوا الكراهة مع القصد وعدمه، وقيل: إن قومًا كانوا يتحرّون طلوع الشمس وغروبها فيسجدون لها عبادة من دون الله، فنهى عليه الصلاة والسلام أن يتشبّه بهم.
وفي هذا الحديث رواية الابن عن الأب والتحديث والعنعنة والإخبار والقول، وأخرجه المؤلّف في صفة إبليس لعنه الله تعالى، ومسلم والنسائي كلاهما مقطعًا في الصلاة.
583 - وَقَالَ حَدَّثَنِي ابْنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ، وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَأَخِّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَغِيبَ». تَابَعَهُ عَبْدَةُ. [الحديث 583 - طرفه في: 3272].
(وقال) عروة بن الزبير: (حدّثني) بالإفراد ولأبي الوقت والهروي قال وحدّثني (ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال):

(قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا طلع حاجب الشمس) أي طرفها الأعلى من قرصها سمي به لأنه أوّل
ما يبدو منها فيصير كحاجب الإنسان وللأصيلي حاجب الشمس (فأخّروا الصلاة) أي التي لا سبب لها (حتى) أي إلى أن (ترتفع) الشمس (وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة) أي التي لا سبب لها (حتى تغيب). زاد المؤلّف في بدء الخلق من طريق عبدة "فإنها تطلع بين قرني شيطان". وعند مسلم من حديث عمرو بن عبسة: وحينئذٍ يسجد لها الكفّار، ومراد المؤلّف بسياق هذا الحديث المحافظة على لفظتي حدّثنا وأخبرنا بناء على الفرق أو المبالغة في التحفظ. (تابعه) ولابن عساكر قال محمد: يعني البخاري تابعه أي تابع يحيى القطان على رواية هذا الحديث عن هشام (عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان مما أخرجه المؤلّف في بدء الخلق.
584 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ بَيْعَتَيْنِ، وَعَنْ لِبْسَتَيْنِ، وَعَنْ صَلاَتَيْنِ: نَهَى عَنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ. وَعَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ، وَعَنْ الاِحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إِلَى السَّمَاءِ. وَعَنِ الْمُنَابَذَة، ِ وَالْمُلاَمَسَةِ".
وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين وفتح الموحدة القرشي الهباري بفتح الهاء والموحدة المشددة (عن أبي أسامة) بضم الهمزة حماد بن أسامة (عن عبد الله) بضم العين ابن عمر بن حفص العمري (عن خبيب بن عبد الرحمن) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة الأنصاري الخزرجي (عن حفص

(1/509)


بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه:
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن بيعتين وعن لبستين) بكسر الموحدة واللام لأن المراد الهيئة لا المرة
وفي الفرع كأصله فتح الموحدة واللام وبالوجهين ضبطهما العيني، (و) نهى (عن صلاتين نهى عن الصلاة بعد) صلاة (الفجر حتى تطلع الشمس، وبعد) صلاة (العصر حتى تغرب الشمس) أي إلا لسبب كما مر، (وعن اشتمال الصماء،) بالصاد المهملة والمد، (وعن الاحتباء) بالحاء المهملة (في ثوب واحد) ورجلاه متجافيتان عن بطنه (يفضي بفرجه) وللهروي والأصيليّ وابن عساكر يفضي فرجه (إلى السماء. وعن المنابذة،) بالذال المعجمة بأن يطرح الرجل ثوبه بالبيع إلى رجل قبل أن يقلبه أو ينظر إليه، (وعن الملامسة) بأن يلمس الثوب قبل أن ينظر إليه، وللأصيلي وعن الملامسة والمنابذة.
ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في محالها بعون الله وقوته.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين كوفي ومدنيّ، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه المؤلف أيضًا في البيوع واللباس، ومسلم في البيوع وكذا النسائي، وأخرجه ابن ماجة مقطعًا في الصلاة والتجارات.

31 - باب لاَ يَتَحَرَّى الصَّلاَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ
هذا (باب) بالتنوين (لا يتحرى) المصلي (الصلاة قبل غروب الشمس) وللأصيلي والهروي لا تتحرى بمثناتين فوقيتين أولاهما مضمومة والصلاة بالرفع نائبًا عن الفاعل ولابن عساكر لا تتحرّوا بمثناتين وصيغة الجمع.
585 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَتَحَرَّى أَحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، وَلاَ عِنْدَ غُرُوبِهَا».
وبالسند السابق قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب:
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لا يتحرى) بثبوت حرف العلة المقتضي لخبرية الفعل وكون سابقه حرف نفي لكنه بمعنى النهي. وقال في شرح التقريب: لا يتحرى بإثبات الألف في الصحيحين والموطأ، والوجه حذفها لتكون علامة للجزم لكن الإثبات إشباع فهو كقوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ} [يوسف: 90] فيمن قرأ بإثبات الياء والتحرّي القصد أي لا يقصد (أحدكم فيصلّي عند طلوع الشمس، ولا عند غروبها). بنصب فيصلّي جوابًا للنهي المتضمن للا يتحرى كالمضارع المقرون بالفاء في قوله: ما تأتينا فتحدّثنا، فالمراد النهي عن التحري والصلاة معًا. وجوّز ابن خروف الجزم على العطف أي: لا يتحرّ ولا يصلّ والرفع على القطع أي لا يتحرى فهو يصلّي والنصب على جواب النهي كما مرّ. وفي الحديث النهي عن الصلاة عند طلوع الشمس وغروبها وهو مجمع عليه في الجملة، واقتصر فيه على حالتي الطلوع والغروب، وفي غيره أن النهي مستمر بعد الطلوع حتى ترتفع وأن النهي يتوجه قبل الغروب من حين اصفرار الشمس وتغيرها.
586 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ الْجُنْدَعِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ، وَلاَ صَلاَةَ بَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ». [الحديث 586 - أطرافه في: 1188، 1197، 1864، 1992، 1995].
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى القرشي الأويسي المدني (قال: حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي (عن صالح) هو ابن كيسان مؤدّب ولد عمر بن عبد العزيز (عن ابن شهاب) الزهري (قال أخبرني) ولأبي ذر حدّثني بالإفراد فيهما وللأصيلي حدّثنا (عطاء بن يزيد) الليثي (الجندعي) بضم الجيم وسكون النون وفتح الدال وقد تضم بعدها عين مهملة نسبة إلى جندع بن ليث (أنه سمع أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري) رضي الله عنه حال كونه (يقول سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) حال كونه (يقول):

(لا صلاة) أي صحيحة أو حاصلة (بعد) صلاة (الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة) صحيحة أو حاصلة (بعد) صلاة (العصر حتى تغيب الشمس.) إلاّ لسبب أو المراد لا تصلوا بعد صلاة الصبح فيكون نفيًا بمعنى النهي وإذا كانت غير حاصلة فتحري الوقت لها كلفة لا فائدة فيها.
ورواة هذا الحديث الستة كلهم مدنيون، وفيه رواية تابعي عن تابعي عن صحابي والتحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم في الصلاة وكذا النسائي.
587 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ: "إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلاَةً لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا. وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا" يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ. [الحديث 587 - طرفه في: 3766].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة حمدويه البلخي أو هو الواسطيّ قولان (قال: حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر

(1/510)


(قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) بالمثناة الفوقية وتشديد التحتية آخره مهملة يزيد بن حميد الضبعي البصري (قال: سمعت حمران بن أبان) بضم الحاء وبفتح الهمزة وتخفيف الموحدة في الثاني حال كونه (يحدث عن معاوية) بن أبي سفيان (قال: إنكم لتصلون صلاة) بفتح اللام للتأكيد (لقد صحبنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما رأيناه يصلّيها.) أي الصلاة ولغير الحموي يصلّيهما أي الركعتين (ولقد نهى عنها.) أي عن الصلاة ولغير أبي ذر عنهما (يعني الركعتين بعد) صلاة (العصر) نفي معاوية معارض بإثبات غيره أنه عليه الصلاة والسلام كان يصلّيهما بعد صلاة العصر والمثبت مقدّم على النافي. نعم ليس في رواية الإثبات معارضة لأحاديث النهي، لأن رواية الإثبات لها سبب فألحق بها ما له سبب وبقي ما عدا ذلك على عمومه.
588 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَلاَتَيْنِ: بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، وَبَعْدَ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام على الراجح كما في التقريب السلمي البيكندي بكسر الموحدة وفتح الكاف وسكون النون (قال: حدّثنا عبدة) بن سليمان (عن عبيد الله) بن عمر بن حفص (عن خبيب) بضم الخاء المعجمة وموحدتين بينهما مثناة تحتية مصغرًا ابن عبد الرحمن (عن حفص بن عاصم) أي ابن عمر بن الخطاب (عن أبي هريرة) رضي الله عنه (قال):
(نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صلاتين بعد) صلاة (الفجر حتى تطلع الشمس) جعل الطلوع غاية النهي والمراد بالطلوع هنا الارتفاع للأحاديث الأُخر الدالّة على اعتباره في الغاية (وبعد) صلاة

(العصر حتى تغرب الشمس) وسقط ذكر الشمس عند الأصيلي، وبهذا قال مالك والشافعي وأحمد وهو مذهب الحنفية أيضًا، إلاّ أنهم رأوا النهي في هاتين الحالتين أخف منه في غيرهما وذهب آخرون إلى أنه لا كراهة في هاتين الصورتين، ومال إليه ابن المنذر وعلى القول بالنهي، فاتفق على أن النهي فيما بعد العصر متعلق بفعل الصلاة، فإن قدمها اتسع النهي، وإن أخّرها ضاق وأما الصبح فاختلفوا فيه، فقال الشافعي: هو كالذي قبله إنما تحصل الكراهة بعد فعله كما هو مقتضى الأحاديث، وذهب المالكية والحنفية إلى ثبوت الكراهة من طلوع الفجر سوى ركعتي الفجر وهو مشهور مذهب أحمد، ووجه عند الشافعية قال ابن الصباغ أنه ظاهر المذهب، وقطع به المتوليّ في التتمة.
وفي سنن أبي داود عن يسار مولى ابن عمر رضي الله عنهما قال: رآني ابن عمر وأنا أصلي بعد طلوع الفجر فقال: يا يسار إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج علينا ونحن نصلي هذه الصلاة فقال "ليبلغ شاهدكم غائبكم لا تصلوا بعد الفجر إلاّ سجدتين". وفي لفظ للدارقطني "لا صلاة بعد طلوع الفجر إلاّ سجدتان" وهل النهي عن الصلاة في الأوقات المذكورة للتحريم أو للتنزيه؟ صحّح في الروضة وشرح المهذب أنه للتحريم وهو ظاهر النهي في قوله: "لا تصلوا" والنفي في قوله لا صلاة لأنه خبر معناه النهي. وقد نص الشافعي رحمه الله على هذا في الرسالة، وصحح النووي في تحقيقه أنه للتنزيه وهل تنعقد الصلاة لو فعلها أو باطلة صحح في الروضة كالرافعي بطلانها وظاهره أنها باطلة، ولو قلنا بأنه للتنزيه كما صرّح به النووي في شرح الوسيط كابن الصلاح، واستشكله الأسنوي في المهمات بأنه كيف يباح الإقدام على ما لا ينعقد وهو تلاعب ولا إشكال فيه لأن نهي التنزيه إذا رجع إلى نفس الصلاة كنهي التحريم كما هو مقرر في الأصول. وحاصله أن المكروه لا يدخل تحت مطلق الأمر وإلاّ يلزم أن يكون الشيء مطلوبًا منهيًّا. ولا يصح إلا ما كان مطلوبًا، واستثنى الشافعية من كراهة الصلاة في هذه الأوقات مكة فلا تكره الصلاة فيها في شيء منها لا ركعتا الطواف ولا غيرهما لحديث جبير مرفوعًا: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحدًا طاف بهذا البيت وصلى أية ساعة شاء من الليل والنهار" رواه أبو داود وغيره، قال ابن حزم: وإسلام جبير متأخر جدًّا، وإنما أسلم يوم الفتح وهذا بلا شك بعد نهيه عليه الصلاة والسلام عن الصلاة في الأوقات، فوجب استثناء ذلك من النهي، والله تعالى أعلم.

32 - باب مَنْ لَمْ يَكْرَهِ الصَّلاَةَ إِلاَّ بَعْدَ الْعَصْرِ وَالْفَجْرِ
رَوَاهُ عُمَرُ، وَابْنُ عُمَرَ، وَأَبُو سَعِيدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ.
(باب من لم يكره الصلاة إلا بعد) صلاة (العصر و) صلاة (الفجر)، وسقط ذكر والفجر عند

(1/511)


الأصيلي ومفهومه جوازها عندهم وقت استواء الشمس وهو قول مالك (رواه) أي عدم الكراهة (عمر،) بن الخطاب (وابن عمر) ولده (وأبو سعيد) الخدري (وأبو هريرة) مما وصله كله المؤلّف في البابين السابقين وليس في ذلك تعرض للاستواء.

589 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: أُصَلِّي كَمَا رَأَيْتُ أَصْحَابِي يُصَلُّونَ، لاَ أَنْهَى أَحَدًا يُصَلِّي بِلَيْلٍ وَلاَ نَهَارٍ مَا شَاءَ، غَيْرَ أَنْ لاَ تَحَرَّوْا طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا.
وبالسند قال (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا حمّاد بن زيد) هو ابن درهم الأزديّ الجهضميّ البصري (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنه (قال):
(أصلي كما رأيت أصحابي يصلون) أي وأقرّهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو أراد إجماعهم بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن الإجماع لا ينعقد في حياته لأن قوله هو الحجة القاطعة: (لا أنهى أحدًا) بفتح الهمزة والهاء (يصلّي بليل ولا نهار) وللكشميهني أو نهار وللأصيلي وأبي ذر وابن عساكر وأبي الوقت بليل ونهار (ما شاء) أن يصلّي (غير أن لا تحروا) بإسقاط إحدى التاءين أي غير أن لا تقصدوا (طلوع الشمس ولا غروبها). استدلّ به على أنه لا بأس بالصلاة عند الاستواء وهو قول مالك، وروى ابن أبي شيبة أن مسروقًا كان يصلّي نصف النهار فقيل له: إن أبواب جهنم تفتح نصف النهار. فقال: الصلاة أحق ما أستعيذ به من جهنم حين تفتح أبوابها، ومنعه الشافعي وأبو حنيفة وأحمد لحديث عقبة بن عامر عند مسلم وحين يقوم قائم الظهيرة، ولفظ رواية البيهقي حين تستوي الشمس على رأسك كرمح، فإذا زالت فصلِّ، وقد استثنى الشافعي ومن وافقه من ذلك يوم الجمعة لأنه عليه الصلاة والسلام ندب الناس إلى التبكير يوم الجمعة، ورغب الناس في الصلاة إلى خروج الإمام وهو لا يخرج إلاّ بعد الزوال، وحديث أبي قتادة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كره الصلاة نصف النهار إلاّ يوم الجمعة لكن في سنده انقطاع، وذكر له البيهقي شواهد ضعيفة إذا ضمت قوي.

33 - باب مَا يُصَلَّى بَعْدَ الْعَصْرِ مِنَ الْفَوَائِتِ وَنَحْوِهَا
وَقَالَ كُرَيْبٌ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ وَقَالَ: شَغَلَنِي نَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ».
(باب) (ما يصلّى) بفتح اللام (بعد) صلاة (العصر من الفوائت ونحوها) كصلاة الجنازة ورواتب الفرائض. (وقال كريب) بضم الكاف مولى ابن عباس مما وصله المؤلّف مطوّلاً في باب إذا كلم وهو في الصلاة فأشار بيده وللأصيلي، قال أبو عبد الله يعني البخاري وقال كريب: عن أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صلّى النبي) وللأصيلي قال ولابن عساكر قالت: (صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد) صلاة (العصر ركعتين وقال: شغلني ناس من عبد القيس عن الركعتين) المندوبتين (بعد) صلاة (الظهر). أي فهما هاتان واستدل به الشافعية على عدم كراهة ما له سبب وأجاب المانعون بأنها من الخصائص.

590 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ عَائِشَةَ قَالَتْ: "وَالَّذِي ذَهَبَ بِهِ مَا تَرَكَهُمَا حَتَّى لَقِيَ اللَّهَ، وَمَا لَقِيَ اللَّهَ تَعَالَى حَتَّى ثَقُلَ عَنِ الصَّلاَةِ، وَكَانَ يُصَلِّي كَثِيرًا مِنْ صَلاَتِهِ قَاعِدًا -تَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ- وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّيهِمَا، وَلاَ يُصَلِّيهِمَا فِي الْمَسْجِدِ مَخَافَةَ أَنْ يُثَقِّلَ عَلَى أُمَّتِهِ، وَكَانَ يُحِبُّ مَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ". [الحديث 590 - أطرافه في: 591، 592، 593، 1631].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) بفتح الهمزة المخزومي المكي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) أيمن (أنّه سمع عائشة) أُم المؤمنين رضي الله عنها (قالت):
(و) الله (الذي ذهب به) أي توفاه تعني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ما تركهما) من الوقت الذي شغل فيه
عنهما بعد الظهر (حتى لقي الله،) عز وجل (وما لقي الله تعالى حتى ثقل عن الصلاة) بضم قاف ثقل (وكان) عليه الصلاة والسلام (يصلّي كثيرًا من صلاته) حال كونه (قاعدًا تعني) عائشة بقولها ما تركهما (الركعتين بعد) صلاة (العصر) قالت: (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّيهما، ولا يصلّيهما في المسجد مخافة أن يثقل) بضم المثناة التحتية وفتح المثلثة وكسر القاف المشدّدة وفي رواية يثقل بفتح المثناة وسكون المثلثة وضم القاف أي لأجل مخافة التثقيل (على أمته، وكان) عليه الصلاة والسلام (يحب ما يخفف عنهم)، بضم المثناة التحتية وتشديد الفاء المكسورة وضم آخره مبنيًّا للفاعل، ويجوز يخفف بفتح المشدّدة وضم آخره مبنيًا للمفعول، وللأصيلي وابن عساكر وأبي الوقت وأبي ذر عن الحموي والكشميهني: ما خفف عنهم بصيغة الماضي، وأما ما عند الترمذي وقال حسن من طريق جرير عن عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إنما صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الركعتين بعد العصر لأنه أتاه

(1/512)


مال فشغله عن الركعتين بعد الظهر فصلاّهما بعد العصر ثم لم يعد، فيحمل النفي على علم الراوي فإنه لم يطلع على ذلك والمثبت مقدم على النافي.
ورواة هذا الحديث الأربعة ما بين كوفي ومكّي وفيه التحديث والسماع والقول.
591 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قال: قَالَتْ عَائِشَةُ: "ابْنَ أُخْتِي مَا تَرَكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السَّجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ عِنْدِي قَطُّ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (قال: حدّثنا هشام قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوام (قال: قالت عائشة) رضي الله عنها:
(يا بن أختي) لأن أم عروة هي أسماء بنت أبي بكر ولغير الأصيلي ابن أختي (ما ترك النبي) وللأصيلي رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السجدتين) من باب إطلاق البعض على الكل أي الركعتين بأربع سجداتها (بعد) صلاة (العصر عندي قطّ) تمسك بهذا ونحوه من أجاز قضاء النفل بعد العصر وأجاب المانعون

بأنها من الخصائص. وأجيب بأن الذي اختصّ به عليه الصلاة والسلام المداومة على ذلك لا أصل القضاء.
592 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ قَالَ: حَدَّثَنَا الشَّيْبَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: "رَكْعَتَانِ لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَعُهُمَا سِرًّا وَلاَ عَلاَنِيَةً: رَكْعَتَانِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ، وَرَكْعَتَانِ بَعْدَ الْعَصْرِ".
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري (قال: حدّثنا عبد الواحد) بن زياد (قال: حدّثنا الشيباني) أبو إسحاق سليمان (قال: حدثنا عبد الرحمن بن الأسود عن أبيه) الأسود بن يزيد بن قيس النخعي الكوفي المخضرم (عن عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(ركعتان) أي صلاتان لأنه فسّرهما فيما يأتي بأربع ركعات (لم يكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعهما سرًّا
ولا علانية) سقط في رواية ابن عساكر سرًّا ولا علانية (ركعتان قبل) صلاة (الصبح، وركعتان بعد) صلاة (العصر). لم ترد أنه كان يصلّي بعد العصر ركعتين من أوّل فرضها بل من الوقت الذي شغل فيه عنهما.
593 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: رَأَيْتُ الأَسْوَدَ وَمَسْرُوقًا شَهِدَا عَلَى عَائِشَةَ قَالَتْ: "مَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْتِينِي فِي يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ إِلاَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ".
وبه قال (حدّثنا محمد بن عرعرة) بالمهملتين وسكون الراء الأولى (قال حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بالواو السبيعي (قال: رأيت الأسود) بن يزيد النخعي (ومسروقًا) هو ابن الأجدع أبو عائشة الوادعي الكوفي (شهدا على عائشة) رضي الله عنها (قالت):
(ما) وللأصيلي وما (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأتيني في يوم بعد) صلاة (العصر إلاّ صلّى ركعتين) أي ما كان يأتيني بوجه أو بحالة إلا بهذا الوجه أو الحالة فالاستثناء مفرغ والجمع بين هذا وحديث النهي عن الصلاة بعد العصر أن ذلك فيما لا سبب له وهذا سببه قضاء فائتة الظهر كما مر.

34 - باب التَّبْكِيرِ بِالصَّلاَةِ فِي يَوْمِ غَيْمٍ
(باب التبكير) أي المبادرة (بالصلاة في يوم غيم) خوفًا من فوات وقتها وللأصيلي في يوم الغيم.
594 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى -هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ- عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّ أَبَا الْمَلِيحِ حَدَّثَهُ قَالَ: "كُنَّا مَعَ بُرَيْدَةَ فِي يَوْمٍ ذِي غَيْمٍ فَقَالَ: بَكِّرُوا بِالصَّلاَةِ فَإِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ تَرَكَ صَلاَةَ الْعَصْرِ حَبِطَ عَمَلُهُ".

وبالسند قال (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء الزهراني البصري (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى -هو ابن أبي كثير-) بالمثلثة الطائي اليمامي (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن زيد الجرمي (أن أبا المليح) عامر بن أسامة الهذلي ولأبي ذر أن أبا مليح (حدّثه قال: كنا مع بريدة) بضم الموحدة ابن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين الأسلمي (في يوم ذي غيم) في أول وقت العصر (فقال: بكروا بالصلاة) أي بادروا إليها أوّل وقتها (فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من ترك صلاة العصر حبط عمله). وفي رواية فقد حبط عمله بكسر الموحدة أي بطل ثواب عمله، أو المراد بتركها مستحلاً للترك أو على قول الإمام أحمد: أن تارك الصلاة يكفر فيحبط عمله بسبب كفره، أو هو على سبيل التغليظ أي فكأنما حبط عمله. وبقية الصلوات في التبكير كالعصر بجامع خوف خروج الوقت بالتقصير في ترك التبكير فالمطابقة بين الحديث والترجمة بالإشارة المفهومة من قوله: بكروا بالصلاة مع علة التبكير في العصر لا بالتصريح، وهذا الحديث سبق في باب من ترك العصر.

35 - باب الأَذَانِ بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ
(باب) حكم (الأذان بعد ذهاب الوقت) وسقط في رواية المستملي في غير اليونينية لفظ ذهاب.
595 - حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سِرْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ: لَوْ عَرَّسْتَ بِنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: أَخَافُ أَنْ تَنَامُوا عَنِ الصَّلاَةِ. قَالَ بِلاَلٌ: أَنَا أُوقِظُكُمْ. فَاضْطَجَعُوا، وَأَسْنَدَ بِلاَلٌ ظَهْرَهُ إِلَى رَاحِلَتِهِ فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاهُ فَنَامَ. فَاسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ، فَقَالَ: يَا بِلاَلُ أَيْنَ مَا قُلْتَ؟ قَالَ: مَا أُلْقِيَتْ عَلَىَّ نَوْمَةٌ مِثْلُهَا قَطُّ. قَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَبَضَ أَرْوَاحَكُمْ حِينَ شَاءَ، وَرَدَّهَا عَلَيْكُمْ حِينَ شَاءَ. يَا بِلاَلُ قُمْ فَأَذِّنْ بِالنَّاسِ بِالصَّلاَةِ. فَتَوَضَّأَ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ وَابْيَاضَّتْ قَامَ فَصَلَّى". [الحديث 595 - طرفه في: 7471].
وبالسند قال: (حدّثنا عمران بن ميسرة) ضد الميمنة أبو الحسن البصري الأدميّ (قال: حدّثنا محمد بن فضيل) بضم الفاء وفتح الضاد المعجمة ابن غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي الكوفي: (قال: حدّثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين آخره نون ابن عبد الرحمن الواسطيّ (عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه) أبي قتادة الحرث

(1/513)


بن ربعي (قال: سرنا مع النبي) وللأصيلي مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة،) مرجعه من خيبر كما جزم به بعضهم لما عند مسلم من حديث أبي هريرة ونوزع فيه (فقال بعض القوم:) قيل هو عمر وقال الحافظ ابن حجر لم أقف على تسمية هذا القائل. (لو عرست بنا يا رسول الله) أي لو نزلت بنا آخر الليل فاسترحنا.

(قال) عليه الصلاة والسلام (أخاف أن تناموا عن الصلاة) حتى يخرج وقتها فمن يوقظنا (قال) وللهروي والأصيلي وابن عساكر فقال (بلال) المؤذن ظنًّا منه أنه يأتي على عادته في الاستيقاظ في مثل ذلك الوقت لأجل الأذان: (أنا أوقظكم فاضطجعوا،) بفتح الجيم بصيغة الماضي (وأسند بلال ظهره إلى راحلته) التي يركبها (فغلبته عيناه) أي بلال وللسرخسي فغلبت بغير ضمير (فنام) بلال (فاستيقظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقد طلع حاجب الشمس) أي حرفها. (فقال) عليه الصلاة والسلام (يا بلال أين ما قلت؟) أي أين الوفاء بقولك أنا أوقظكم. قال له عليه الصلاة والسلام ذلك لينبهه على اجتناب الدعوى والثقة بالنفس وحسن الظن بها لا سيما في مظان الغلبة وسلب الاختيار. (قال) بلال (ما ألقيت) بضم الهمز مبنيًّا للمفعول (عليّ نومة) بالرفع نائبًا عن الفعل (مثلها) أي مثل هذه النومة في مثل هذا الوقت (قط. قال:) عليه الصلاة والسلام: (إن الله قبض أرواحكم) أي عن أبدانكم بأن قطع تعلقها عنها وتصرفها فيها ظاهرًا لا باطنًا (حين شاء، وردّها عليكم) عند اليقظة (حين شاء. يا بلال قم فأذّن بالناس بالصلاة). بتشديد الذال من التأذين وبالموحدتين في بالناس وبالصلاة، وللمستملي وعزاها في الفتح للكشميهني فآذن الناس بمدّ الهمزة وحذف الموحدة في الناس أي أعلمهم، وللأصيلي فآذن بالمد للناس بلام بدل الموحدة، وللكشميهني فأذّن بتشديد الذال الناس بإسقاط الموحدة وفيه ما ترجم له وهو الأذان للفائتة، وبه قال أحمد والشافعي في القديم، وقال في الجديد: لا يؤذن لها وهو قول مالك واختار النووي صحة التأذين لثبوت الأحاديث فيه. (فتوضأ) عليه الصلاة والسلام ولأبي نعيم في مستخرجه فتوضأ الناس (فلما ارتفعت الشمس وابياضت) بتشديد الضاد المعجمة بعد الألف كاحمارّت أي صفت (قام) عليه الصلاة والسلام (فصلّى.) بالناس الصبح.
ورواة هذا الحديث الخمسة ما بين كوفي ومدني، وفيه رواية الابن عن أبيه والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في التوحيد وأبو داود والنسائي.

36 - باب مَنْ صَلَّى بِالنَّاسِ جَمَاعَةً بَعْدَ ذَهَابِ الْوَقْتِ
(باب من صلّى بالناس) الفائتة حال كونهم (جماعة) أي مجتمعين (بعد ذهاب الوقت).
596 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَجَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ قُرَيْشٍ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا. فَقُمْنَا إِلَى بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا، فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ". [الحديث 596 - أطرافه في: 598، 641، 945، 4112].
وبالسند قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بقتح الفاء البصري (قال: حدّثنا هشام) الدستوائي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (أن عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (جاء يوم) حفر (الخندق) في السنة الرابعة من الهجرة (بعدما غربت الشمس فجعل يسب كفار قريش قال: يا رسول الله ما كدت) بكسر الكاف وقد تضم (أصلي العصر حتى كادت الشمس تغرب) أي ما صليت حتى غربت الشمس لأن كاد إذا تجرّدت عن النفي كان معناها إثباتًا، وإن دخل عليها نفي كان معناها نفيًا لأن قولك: كاد زيد يقوم معناه إثبات قرب القيام، وقولك ما كاد زيد يقوم معناه نفي قرب الفعل، وهاهنا نفي قرب الصلاة فانتفت الصلاة بالطريق الأولى (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: والله ما صليتها فقمنا إلى بطحان) بضم الموحدة وسكون الطاء أو بالفتح والكسر وادٍ بالمدينة (فتوضأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (للصلاة وتوضأنا لها فصلّى العصر) بنا جماعة (بعدما غربت الشمس، ثم صلّى بعدها المغرب). هذا لا ينهض دليلاً للقول بوجوب ترتيب الفوائت إلا إذا قلنا أن أفعاله عليه الصلاة والسلام المجردة للوجوب. نعم لهم أن يستدلّوا بعموم قوله عليه الصلاة والسلام "صلوا كما رأيتموني أصلي" وفي الموطأ من طريق أخرى: أن الذي فاتهم الظهر والعصر.
وأجيب بأن الذي في الصحيحين العصر وهو أرجح ويؤيده

(1/514)


حديث عليّ رضي الله عنه: شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، وقد يجمع بأن وقعة الخندق كانت أيامًا فكانت في يوم الظهر وفي الآخر العصر، وحملوا تأخيره عليه الصلاة والسلام على النسيان أو لم ينس، لكنه لم يتمكن من الصلاة وكان ذلك قبل نزول صلاة الخوف، وظاهر الحديث أنه صلاّها جماعة وذلك من قوله فقام وقمنا وتوضأنا بل وقع في رواية الإسماعيلي التصريح به إذ فيها فصلّى بنا العصر.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري ومدني، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في صلاة الخوف والمغازي ومسلم في الصلاة وكذا الترمذي والنسائي.

37 - باب مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، وَلاَ يُعِيدُ إِلاَّ تِلْكَ الصَّلاَةَ
وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: مَنْ تَرَكَ صَلاَةً وَاحِدَةً عِشْرِينَ سَنَةً لَمْ يُعِدْ إِلاَّ تِلْكَ الصَّلاَةَ الْوَاحِدَةَ.
هذا (باب) بالتنوين (من نسي صلاة) حتى خرج وقتها (فليصل إذا ذكرها،) ولأبوي الوقت وذر والأصيلي إذا ذكر (ولا يعيد) بصيغة النفي وللأصيلي ولا يعد بغير ياء بعد العين على النهي أي لا يقضي (إلا تلك الصلاة) وذهب مالك إلى أن من ذكر بعد أن صلّى صلاة أنه لم يصل التي قبلها أنه يصلّي التي ذكر ثم يصلّي التي كان صلاها مراعاة للترتيب استحبابًا (وقال إبراهيم:) النخعي مما وصله الثوري في جامعه عن منصور وغيره عنه (من ترك صلاة واحدة) نسيانًا (عشرين سنة) مثلاً (لم يعد إلا تلك الصلاة الواحدة) التي نسيها فقط.

597 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ وَمُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالاَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ نَسِيَ صَلاَةً فَلْيُصَلِّ إِذَا ذَكَرَهَا، لاَ كَفَّارَةَ لَهَا إِلاَّ ذَلِكَ: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}.
قَالَ مُوسَى قَالَ هَمَّامٌ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ بَعْدُ: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي}. وَقَالَ حَبَّانُ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَحْوَهُ.
وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (وموسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قالا: حدّثنا همام) هو ابن يحيى (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي زيادة ابن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال)
(من نسي صلاة) مكتوبة أو نافلة مؤقتة زاد مسلم في رواية أو نام عنها (فليصل) وجوبًا في المكتوبة وندبًا في النافلة المؤقتة وللأصيلي وابن عساكر فليصلّي بالياء المفتوحة ولمسلم فليصلها (إذا ذكرها) مبادرًا بالمكتوبة وجوبًا إن فاتت بلا عذر وندبًا إن فاتت بعذر كنوم ونسيان تعجيلاً لبراءة الذمة ولأبي ذر إذا ذكر بإسقاط ضمير المفعول (لا كفّارة لها) أي لتلك الصلاة المتروكة (إلا ذلك) ({وَأَقِمِ الصَّلَاةَ}) وللأربعة أقم الصلاة ({لِذِكْرِي}) [طه: 14] بكسر الراء ولام واحدة كالتلاوة أي لتذكرني فيها وللأصيلي للذكرى بلامين وفتح الراء بعدها ألف مقصورة.
(قال موسى) بن إسماعيل مما انفرد به عن أبي نعيم (قال همام:) المذكور (سمعته) أي قتادة (يقول بعد) أي بعد زمان رواية الحديث (وأقم) وللأربعة أقم (الصلاة لذكري) وللأصيلي رحمه الله للذكرى بلامين كما مرّ، والأمر في الآية لموسى عليه الصلاة والسلام، فنبّه نبينا عليه الصلاة والسلام بتلاوة هذه الآية على أن هذا شرع لنا أيضًا، وإذا شرع القضاء للناسي مع سقوط الإثم فالعامد أولى وإطلاق الصلاة في الحديث يشمل النوافل المؤقتة، نعم ذات السبب كالكسوف لا يتصوّر فيها فوات فلا تدخل.
ورواة هذا الحديث الخمسة بصريون إلاّ شيخ المؤلّف أبا نعيم فكوفي، وفيه التحديث والعنعنة، وأخرجه مسلم في الصلاة وكذا أبو داود.
(وقال حبّان) بفتح المهملة وتشديد الموحدة ابن هلال وللأصيلي قال أبو عبد الله أي المؤلّف رحمه الله وقال حبّان (حدّثنا همام قال حدّثنا) ولابن عساكر أخبرنا (قتادة قال: حدّثنا أنى عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه.) وهذا التعليق وصله أبو عوانة في صحيحه عن عمار بن رجاء عن حبّان وفيه بيان سماع قتادة له من أنس لتزول شبهة تدليس قتادة.

38 - باب قَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الأُولَى فَالأُولَى
(باب قضاء الصلوات) الفائتة حال كونها (الأولى فالأولى) بضم الهمزة فيهما ولأبي الوقت وأبي ذر عن الحموي والمستملي الصلاة بالإفراد.

598 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ هِشَامٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى -هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ- عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "جَعَلَ عُمَرُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ يَسُبُّ كُفَّارَهُمْ وَقَالَ: مَا كِدْتُ أُصَلِّي الْعَصْرَ حَتَّى غَرَبَتْ. قَالَ: فَنَزَلْنَا بُطْحَانَ فَصَلَّى بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ، ثُمَّ صَلَّى الْمَغْرِبَ".
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) ولابن عساكر يحيى القطان (عن هشام) هو ابن أبي عبد الله سنبر بفتح السين المهملة وسكون النون وفتح الموحدة بوزن جعفر البصري الدستوائي بفتح الدال ولأبي ذر حدّثنا هشام (قال: حدّثنا) وللأصيلي حدثني (يحيى -هو ابن أبي كثير-) بالمثلثة الطائي ووقع للعيني إسقاط يحيى الأوّل من سند الحديث ثم غلط الحافظ ابن حجر والكرماني في تفسيرهما له بالقطان ظانًّا أنه الثاني الذي فسره المؤلّف بقوله -هو ابن أبي كثير- (عن أبي سلمة) بفتح اللام ابن عبد الرحمن بن عوف

(1/515)


(عن جابر) وللأصيلي عن جابر بن عبد الله: (قال: جعل عمر) ابن الخطاب زاد أبو ذر رضي الله عنه ولابن عساكر رضوان الله عليه (يوم الخندق يسب كفّارهم) أي كفّار قريش (وقال: يا رسول الله) وللأربعة فقال: (ما كدت أصلي العصر حتى غربت) ولأبي ذر حتى غربت الشمس (قال فنزلنا بطحان فصلّى) عليه الصلاة والسلام (بعدما غربت الشمس ثم صلّى المغرب) بأصحابه.
وهذا الحديث تقدم قريبًا. وأورده هنا مختصرًا.

39 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ السَّمَرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ
(باب ما يكره من السمر) أي حديث الليل المباح (بعد) صلاة (العشاء) زاد في رواية أبي ذر هنا السامر أي المذكور في قوله تعالى سامرًا تهجرون مشتق من السمر بفتح الميم والجمع السمّار بضم السين وتشديد الميم ككاتب وكتّاب والسامر هاهنا يعني في هذا الوضع في موضع الجمع، وأصل السمر ضوء لون القمر وكانوا يتحدثون فيه.
599 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْمِنْهَالِ قَالَ: "انْطَلَقْتُ مَعَ أَبِي إِلَى أَبِي بَرْزَةَ الأَسْلَمِيِّ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: حَدِّثْنَا كَيْفَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الْمَكْتُوبَةَ؟ قَالَ: كَانَ يُصَلِّي الْهَجِيرَ -وَهْيَ الَّتِي تَدْعُونَهَا الأُولَى- حِينَ تَدْحَضُ الشَّمْسُ، وَيُصَلِّي الْعَصْرَ ثُمَّ يَرْجِعُ أَحَدُنَا إِلَى أَهْلِهِ فِي أَقْصَى الْمَدِينَةِ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ. وَنَسِيتُ مَا قَالَ فِي الْمَغْرِبِ. قَالَ: وَكَانَ يَسْتَحِبُّ أَنْ يُؤَخِّرَ الْعِشَاءَ. قَالَ: وَكَانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَهَا وَالْحَدِيثَ بَعْدَهَا. وَكَانَ يَنْفَتِلُ مِنْ صَلاَةِ الْغَدَاةِ حِينَ يَعْرِفُ أَحَدُنَا جَلِيسَهُ، وَيَقْرَأُ مِنَ السِّتِّينَ إِلَى الْمِائَةِ".
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) أي ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى) القطان (قال: حدّثنا عوف) الأعرابي (قال: حدّثنا أبو المنهال) سيار بن سلامة (قال: انطلقت مع أبي) سلامة (إلى أبي برزة)

نضلة بن عبيد (الأسلمي)، فقال له أبي: حدّثنا كيف كان (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي) الصلاة (المكتوبة؟ قال:) وللأصيلي فقال:
(كان) عليه الصلاة والسلام (يصلّي الهجير) أي الظهر (-وهي التي تدعونها الأولى- حين تدحض الشمس) أي تزول عن وسط السماء إلى جهة المغرب كأنها دحضت أي زلقت (و) كان (يصلّي العصر ثم يرجع أحدنا إلى أهله في أقصى المدينة والشمس حية) أي لم تتغير قال أبو المنهال (ونسيت ما قال) أبو برزة (في المغرب). ولابن عساكر ما قال لي في المغرب (قال: وكان) عليه الصلاة والسلام (يستحب أن يؤخر العشاء) أي صلاتها (قال: وكان) عليه الصلاة والسلام (يكره النوم قبلها) خوفًا من إخراجها عن وقتها (و) يكره (الحديث بعدها). وهذه الأخيرة موضع الشاهد للترجمة لأن السمر قد يؤدي إلى النوم عن صلاة الصبح أو عن وقتها المختار أو عن قيام الليل لكن قد يفرق بين الليالي الطوال والقصار وأجيب بأن عمل الكراهة على الإطلاق أحرى حسمًا للمادة واستثنوا من الكراهة السمر في الخير كالفقه ونحوه كما سيأتي إن شاء الله تعالى (وكان) عليه الصلاة والسلام (ينفتل من صلاة الغداة حين يعرف أحدنا جليسه،) أي مجالسه (ويقرأ من الستين) آية (إلى المائة).

40 - باب السَّمَرِ فِي الْفِقْهِ وَالْخَيْرِ بَعْدَ الْعِشَاءِ
(باب السمر في) مباحثه (الفقه والخير) من عطف العامّ على الخاص (بعد) صلاة العشاء.
600 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الصَّبَّاحِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَلِيٍّ الْحَنَفِيُّ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ: انْتَظَرْنَا الْحَسَنَ، وَرَاثَ عَلَيْنَا حَتَّى قَرُبْنَا مِنْ وَقْتِ قِيَامِهِ، فَجَاءَ فَقَالَ: دَعَانَا جِيرَانُنَا هَؤُلاَءِ. ثُمَّ قَالَ: قَالَ أَنَسٌ: "نَظَرْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ لَيْلَةٍ حَتَّى كَانَ شَطْرُ اللَّيْلِ يَبْلُغُهُ، فَجَاءَ فَصَلَّى لَنَا، ثُمَّ خَطَبَنَا فَقَالَ: أَلاَ إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا ثُمَّ رَقَدُوا، وَإِنَّكُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاَةَ». قَالَ الْحَسَنُ: وَإِنَّ الْقَوْمَ لاَ يَزَالُونَ بِخَيْرٍ مَا انْتَظَرُوا الْخَيْرَ. قَالَ قُرَّةُ: هُوَ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن الصباح) بالصاد المهملة وتشديد الموحدة آخره حاء مهملة ولأبي ذر ابن صباح أي العطار البصري (قال: حدّثنا أبو علي) عبيد الله بن عبد المجيد بتصغير عبد الأوّل (الحنفي) البصري (قال: حدّثنا قرّة بن خالد) بضم القاف وتشديد الراء السدوسي (قال: انتظرنا الحسن) البصري (وراث) بالمثلثة غير مهموز والواو للحال أي أبطأ (علينا حتى قربنا) وللهروي والأصيلي علينا حتى قريبًا أي كان الزمان أو ريثه قريبًا (من وقت قيامه،) أي قيام الحسن من النوم لأجل التهجد أو من المسجد لأجل النوم (فجاء فقال:) معتذرًّا عن تخلفه عن القعود معهم

على عادته في المسجد لأخذ العلم عنه ولأبوي ذر والوقت وقال (دعانا جيراننا هؤلاء.) بكسر الجيم جمع جار (ثم قال:) أي الحسن (قال أنس) وللأصيلي أنس بن مالك:
(نظرنا) وللكشميهني انتظرنا (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات ليلة) أي في ليلة (حتى كان شطر الليل) بالرفع على أن كان تامة أو ناقصة وخبرها قوله (يبلغه،) أي وصل إليه أو شارفه وفي بعض النسخ شطر بالنصب أي كان الوقت الشطر ويبلغه استئناف أو جملة مؤكدة (فجاء) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فصلّى لنا) أي بنا (ثم خطبنا فقال) في خطبته (ألا) بتخفيف اللام (إن الناس قد صلوا ثم رقدوا، وإنكم لم) بالميم وللأربعة لن (تزالوا في) ثواب (صلاة ما انتظرتم الصلاة) (وإن القوم) وفي الفرع كأصله قال الحسن: وإن القوم

(1/516)


(لا يزالون بخير) وللأربعة في خير (ما انتظروا الخير). عمم الحسن الحكم في كل الخيرات تأنيسًا لأصحابه ومعرفًا لهم أن منتظر الخير في خير فلم يفتهم أجر ما كانوا يتعلمون منه في تلك الليلة (قال قرة:) بن خالد (هو) أي مقول القول الحسن وهو أن القوم لا يزالون إلى آخره (من) جملة (حديث أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
ورواة هذا الحديث الخمسة كلهم بصريون وفيه التحديث والقول وأخرجه مسلم.
601 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي حَثْمَةَ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلاَةَ الْعِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ، فَإِنَّ رَأْسَ مِائَةٍ لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أَحَدٌ. فَوَهِلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - إِلَى مَا يَتَحَدَّثُونَ مِنْ هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَنْ مِائَةِ سَنَةٍ. وَإِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ». يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهَا تَخْرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنَ.
وبه قال (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي (عن) ابن شهاب (الزهري قال: حدّثني) بالإفراد (سالم بن عبد الله بن عمر) بن الخطاب (وأبو بكر بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة نسبه إلى جدّه لشهرته به وأبوه سليمان (أن عبد الله بن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (قال):
(صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة العشاء في آخر حياته فلما سلم) من الصلاة (قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال أرأيتكم) استفهام تعجب والكاف حرف خطاب أكد به الضمير لا محل له من الإعراب لأنك تقول أرأيتك زيدًا ما شأنه فلو رجعت الكاف مفعولاً كما قاله الكوفيون لعدّيت الفعل إلى ثلاثة مفاعيل وللزم أن يقال أرأيتموكم بل الفعل معلق أو المفعول محذوف تقديره أرأيتكم (ليلتكم هذه)، فاحفظوها واحفظوا تاريخها (فإن رأس مائة لا يبقى) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر مائة سنة لا يبقى (ممن هو اليوم على ظهر الأرض) كلها (أحد) ممن ترونه أو تعرفونه أو أل للعهد، والمراد أرضه التي نشأ بها
وبعث منها قال ابن عمر: (فوهل الناس) بفتح الواو والهاء ويجوز كسرها أي غلطوا وذهب وهمهم إلى خلاف الصواب (في) تأويل (مقالة رسول الله) وللمستملي والكشميهني من مقالة رسول الله بالميم أي من حديثه ولأبي ذر في مقالة النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ما يتحدثون في هذه) وللحموي والمستملي من هذه (الأحاديث عن مائة سنة) فكان بعضهم يقول تقوم الساعة عند انقضاء مائة سنة كما في حديث أبي مسعود البدري عند الطبراني وردّ عليه ذلك علي بن أبي طالب فبيّن ابن عمر في هذا الحديث مراد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك فقال: (وإنما قال النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:) (لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض) (يريد بذلك) أي بقوله مائة سنة (أنها تخرم ذلك القرن.) الذي هو فيه فلا يبقى أحد ممن كان موجودًا حال تلك المقالة وفي ذلك علم من أعلام النبوّة فإنه استقرئ ذلك فكان آخر من ضبط عمره ممّن كان موجودًا إذ ذاك أبو الطفيل عامر بن واثلة. وقد أجمع المحدثون على أنه كان آخر الصحابة موتًا، وغاية ما قيل فيه أنه بقي إلى سنة عشر ومائة وهي رأس مائة سنة من مقالته عليه الصلاة والسلام، وقد تقدّم مزيد لذلك في باب السمر في العلم، والله المستعان.

41 - باب السَّمَرِ مَعَ الضَّيْفِ وَالأَهْلِ
(باب السمر مع الأهل) الزوجة والأولاد والعيال (و) مع (الضيف) ولغير أبي ذر مع الضيف والأهل.
602 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ: "أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَإِنْ أَرْبَعٌ فَخَامِسٌ أَوْ سَادِسٌ. وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلاَثَةٍ فَانْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَشَرَةٍ. قَالَ: فَهْوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي -فَلاَ أَدْرِي قَالَ: وَامْرَأَتِي- وَخَادِمٌ بَيْنَنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ. وَإِنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ لَبِثَ حَيْثُ صُلِّيَتِ الْعِشَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَاءَ بَعْدَمَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ. قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: وَمَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ -أَوْ قَالَتْ ضَيْفِكَ- قَالَ: أَوَ مَا عَشَّيْتِيهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ، قَدْ عُرِضُوا فَأَبَوْا. قَالَ: فَذَهَبْتُ أَنَا فَاخْتَبَأْتُ. فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ -فَجَدَّعَ وَسَبَّ- وَقَالَ: كُلُوا لاَ هَنِيئًا. فَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَطْعَمُهُ أَبَدًا. وَأيْمُ اللَّهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنْ لُقْمَةٍ إِلاَّ رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا. قَالَ: يَعْنِي حَتَّى شَبِعُوا، وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلَ ذَلِكَ. فَنَظَرَ إِلَيْهَا أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهَا. فَقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ مَا هَذَا؟ قَالَتْ: لاَ وَقُرَّةِ عَيْنِي، لَهِيَ الآنَ أَكْثَرُ مِنْهَا قَبْلَ ذَلِكَ بِثَلاَثِ مَرَّاتٍ. فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِنَ الشَّيْطَانِ -يَعْنِي يَمِينَهُ- ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ. وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَقْدٌ، فَمَضَى الأَجَلُ فَفَرَّقَنَا اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً مَعَ كُلِّ رَجُلٍ

مِنْهُمْ أُنَاسٌ اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، فَأَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ. أَوْ كَمَا قَالَ. [الحديث 602 - أطرافه في: 3581، 6140، 6141].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي (قال: حدّثنا معتمر بن سليمان) التيمي (قال: حدّثنا أبي) سليمان بن طرخان (قال: حدّثنا أبو عثمان) عبد الرحمن بن ملّ النهدي (عن عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق رضي الله عنهما (أن أصحاب الصفة) التي كانت بآخر المسجد النبوي مظللاً عليها (كانوا أناسًا) بهمزة مضمومة وللكشميهني ناسًا (فقراء،) يأوون إليها (وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث) من أهل الصفة (وإن) كان عنده طعام (أربع فخامس) أي فليذهب معه بخامس منهم (أو سادس.) مع الخامس أي يذهب معه بواحد أو اثنين أو المراد إن كان عنده طعام خمسة فليذهب بسادس فهو من عطف جملة على جملة وفيه حذف حرف الجر وإبقاء عمله، ويجوز الرفع فيها على حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه ويضمر مبتدأ للفظ خامس أي فالمذهوب به خامس، وللأصيلي وأبي ذر وإن أربعة، وكلمة أو للتنويع والحكمة في كونه يزيد كل واحد واحدًا فقط أن عيشهم في ذلك

(1/517)


الوقت لم يكن متسعًا فمن كان عنده مثلاً ثلاثة أنفس لا يضيق عليه أن يطعم الرابع من قوتهم، وكذلك الأربعة فما فوقها أو للإباحة، واستنبط منه أن السلطان يفرق في المسغبة الفقراء على أهل السعة بقدر ما لا يجحف بهم (وأن أبا بكر) الصديق رضي الله عنه بفتح همزة أن ولأبي ذر وإن أبا بكر بكسرها (جاء بثلاثة) من أهل الصفة (فانطلق) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر، وانطلق (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعشرة) منهم (قال) عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه (فهو) أي الشأن (أنا) في الدار (وأبي وأمي) ولأبوي ذر والوقت عن الحموي أنا وأبي بالباء من غير ذكر الأم وللمستملي أنا وأمي بالميم من غير ذكر الأب قال أبو عثمان النهدي (فلا أدري قال:) وللأربعة ولا أدري هل قال أي عبد الرحمن، (وامرأتي) أميمة بنت عدي بن قيس السهمي (وخادم بيننا وبين بيت أبي بكر.) بين ظرف لخادم والمراد أنه شركة بينهما في الخدمة وللأربعة بين بيتنا وبيت أبي بكر ولأبي ذر بين بيتنا وبين بيت أبي بكر، (وأن أبا بكر) رضي الله عنه (تعشى) أي أكل العشاء وهو طعام آخر النهار (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم لبث) في داره (حيث) بالمثلثة وللكشميهني وأبي الوقت حتى ولابن عساكر في نسخة حين (صليت العشاء،) بضم الصاد وكسر اللام مشددة مبنيًّا للمفعول، (ثم رجع) أبو بكر إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلبث) عنده (حتى تعشى) ولمسلم حتى نعس (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفيه على رواية حتى تعشى مع، وأن أبا بكر تعشى تكرار يأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى في باب علامات النبوّة في الإسلام، (فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله قالت له امرأته:) أم رومان زينب بنت دهمان بضم المهملة وسكون الهاء أحد بني فراس بن غنم بن مالك بن كنانة (وما) وللأربعة ما (حبسك عن أضيافك -أو قالت ضيفك-) بالإفراد مع كونهم ثلاثة لإرادة الجنس (قال:) أبو بكر لزوجته (أو ما عشيتيهم؟) بهمزة الاستفهام والياء المتولدة من
إشباع كسرة التاء وفي نسخة عشيتهم بحذفها والعطف على مقدر بعد الهمزة (قالت: أبوا) أي امتنعوا من الأكل (حتى تجيء، قد عرضوا) بضم العين وكسر الراء المخففة أي عرض الطعام على الأضياف فحذف الجار وأوصل الفعل أو هو من باب القلب نحو: عرضت الناقة على الحوض، وفي رواية عرضوا بفتح العين والراء مخففة أي الأهل من الولد والمرأة والخادم على الأضياف، (فأبوا) أن يأكلوا (قال:) عبد الرحمن (فذهبت أنا فاختبأت) خوفًا من أبي وشتمه (فقال:) أبو بكر (يا غنثر) بضم الغين المعجمة وسكون النون وفتح المثلثة وضمها أي يا ثقيل أو يا جاهل أو يا دنيء أو يا لئيم (- فجدّع) بفتح الجيم والدال المهملة المشددة وفي آخره عين مهملة أي دعا على ولده بالجدع وهو قطع الأذن أو الأنف أو الشفة. (وسب-) ولده ظنًّا منه أنه فرّط في حق الأضياف (وقال) أبو بكر رضي الله عنه لما تبين له أن التأخير منهم (كلوا لا هنيئًا،) تأديبًا لهم لأنهم تحكموا على ربّ المنزل بالحضور معهم ولم يكتفوا بولده مع إذنه لهم في ذلك أو هو خبر أي أنكم لم تتهنوا بالطعام في وقته. قال البرماوي: وهذا ينبغي الحمل عليه ثم حلف أبو بكر أن لا يطعمه (فقال: والله لا أطعمه أبدًا. وأيم الله،) قسمي بهمزة الوصل وقد تقطع (ما كنا نأخذ من لقمة إلا ربا) أي زاد (من أسفلها) أي اللقمة (أكثر منها.) برفع الراء فقط كما في اليونينية (قال:) عبد الرحمن يعني (حتى شبعوا،) ولأبوي الوقت وذر والأصيلي قال وشبعوا وفي رواية فشبعوا (وصارت) أي الأطعمة (أكثر) بالمثلثة وفي بعض النسخ أكبر بالموحدة (مما كانت قبل ذلك فنظر إليها أبو بكر) رضي الله عنه (فإذا هي) أي الأطعمة أو الجفنة (كما هي) على حالها الأوّل لم تنقص شيئًا (أو) هي (أكثر منها.) ولأبي ذر وابن عساكر أو أكثر بالرفع في اليونينية لا غير (فقال،) أبو بكر (لامرأته) أم عبد الرحمن (يا أخت بني فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء آخره سين مهملة أي

(1/518)


يا من هي من بني فراس وقد اختلف في نسبها اختلافًا كثيرًا ذكره ابن الأثير (ما هذا؟) استفهام عن حال الأطعمة ولابن عساكر ما هذه (قالت:) أم رومان (لا) شيء غير ما أقوله (و) حق (قرة عيني،) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففيه الحلف بالمخلوق، أو المراد وخالق قرة عيني أو لفظة لا زائدة وقرّة العين يعبر بها عن المسرة ورؤية ما يحبه الإنسان لأن العين تقرّ ببلوغ الأمنية فالعين تقر ولا تتشوّف لشيء وحينئذٍ يكون مشتقًا من القرار، وقول الأصمعي: أقرّ الله عينه أي أبرد دمعه لأن دمع الفرح بارد ودمع الحزن حار، تعقبه بعضهم فقال: ليس كما ذكره بل كل دمع حار ومعنى قولهم هو قرّة عيني إنما يريدون هو رضا نفسي (لهي) أي الأطعمة أو الجفنة (الآن أكثر منها قبل ذلك بثلاث مرات)، وللأصيلي مرار وهذا النمو كرامة من كرامات الصديق آية من آيات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظهرت على يد أبي بكر (فأكل منها) أي من الأطعمة أو من الجفنة (أبو بكر) رضي الله عنه (وقال: إنما كان ذلك) بكسر الكاف وفتحها (من الشيطان -يعني يمينه-) وهي قوله والله لا أطعمه أبدًا فأخزاه بالحنث الذي هو خير أو المراد لا أطعمه معكم أو في هذه الساعة أو عند الغضب، لكن هذا مبني على جواز تخصيص العموم في اليمين بالنيّة أو الاعتبار بخصوص السبب لا بعموم اللفظ الوارد عليه قاله البرماوي والعيني كالكرماني، (ثم أكل) أبو بكر (منها) أي من الأطعمة أو من الجفنة (لقمة،) أخرى لتطييب قلوب أضيافه وتأكيدًا لدفع الوحشة (ثم

حملها إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأصبحت عنده) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وكان بيننا وبين قوم عقد،) أي عهد مهادنة (فمضى الأجل) فجاؤوا إلى المدينة (ففرّقنا) حال كون المفرّق (اثني عشر رجلاً) ولغير الأربعة اثنا عشر بالألف على لغة من يجعل المثنى كالمقصور في أحواله الثلاثة، والمعنى ميّزنا أو جعلنا كل رجل من اثني عشر رجلاً فرقة، ولأبي ذر فعرفنا بالعين المهملة وتشديد الراء أي جعلناهم عرفًا. وفي اليونينية بسكون الفاء وفيها أيضًا بالتخفيف للحموي والمستملي والتثقيل لأبي الهيثم (مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم مع كل رجل،) وجملة الله أعلم اعتراض أي أناس الله يعلم عددهم، وزاد في رواية منهم (فأكلوا منها) أي من الأطعمة (أجمعون- أو كما قال) عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما والشك من أبي عثمان.
فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟ أجيب: من اشتغال أبي بكر بمجيئه إلى بيته ومراجعته لخبر الأضياف واشتغاله بما دار بينهم من المخاطبة والملاطفة والمعاتبة.
ورواة هذا الحديث خمسة وفيه رواية صحابي عن صحابي ومخضرم وهو أبو عثمان والتحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في علامات النبوّة ومسلم في الأطعمة وأبو داود في الإيمان والنذور، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب.
وقد تمّ الجزء الأول من شرح صحيح البخاري للعلاّمة القسطلاني بعون الملك الوهّاب يليه الجزء الثاني وأوله بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الأذان والله المستعان على إكماله وصلّى الله على سيّدنا محمد وآله.

(1/519)