شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
ثبتت البسملة هنا لغير أبي ذر عن المستملي كما قال في
الفتح، ولغير ابن عساكر في الفرع وأصله.
13 - كتاب العيدين
عيد الفطر وعيد الأضحى، والعيد مشتق من العود لتكرره كل
عام، وقيل: لعود السرور بعوده، وقيل: لكثرة عوائد الله على
عباده فيه. وجمعه، أعياد وإنما جمع بالياء، وإن كان أصله
الواو، وللزومها في الواحد، وقيل: للفرق بينه وبين أعواد
الخشب.
1 - باب فِي الْعِيدَيْنِ وَالتَّجَمُّلِ فِيهِ
هذا (باب) بالتنوين (في العيدين) كذا لأبي علي بن شبويه،
ولابن عساكر: باب ما جاء في العيدين. (والتجمل فيه) أي: في
جنس العيد. وللكشميهني: فيهما بالتثنية، أي: في العيدين،
ولأبي ذر عن المستملي: أبواب، بالجمع بدل: كتاب، واقتصر في
رواية الأصيلي، والباقين على قوله: باب إلخ ...
948 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
قَالَ: [أَخَذَ عُمَرُ جُبَّةً مِنْ إِسْتَبْرَقٍ تُبَاعُ
فِي السُّوقِ فَأَخَذَهَا، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ، ابْتَعْ هَذِهِ، تَجَمَّلْ بِهَا لِلْعِيدِ
وَالْوُفُودِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ
مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ». فَلَبِثَ عُمَرُ مَا شَاءَ
اللَّهُ أَنْ يَلْبَثَ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِجُبَّةِ
دِيبَاجٍ، فَأَقْبَلَ بِهَا عُمَرُ فَأَتَى بِهَا رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّكَ قُلْتَ إِنَّمَا هَذِهِ لِبَاسُ
مَنْ لاَ خَلاَقَ لَهُ، وَأَرْسَلْتَ إِلَىَّ بِهَذِهِ
الْجُبَّةِ فَقَالَ، لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «تَبِيعُهَا أَوْ تُصِيبُ بِهَا
حَاجَتَكَ»].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال:
أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري،
قال: أخبرني) بالإفراد، (سالم بن عبد الله، أن) أباه (عبد
الله بن عمر قال: أخذ عمر) بن الخطاب، رضي الله عنه، بهمزة
وخاء وذال معجمتين، قال الكرماني: أراد ملزوم الأخذ، وهو
الشراء، وتعقب بأنه لم يقع منه ذلك، فلعله أراد السوم.
وفي بعض النسخ: وجد، بواو وجيم، قال ابن حجر، رحمه الله
تعالى؛ وهو أوجه.
وكذا أخرجه الإسماعيلي والطبراني في مسند الشاميين، وغير
واحد، من طرق إلى أبي اليمان، شيخ البخاري فيه، (جبة من
إستبرق) بكسر الهمزة أي: غليظ الديباج، وهو المتخذ من
الإبريسم، فارسي معرب (تباع في السوق) جملة في موضع جر،
صفة لإستبرق، (فأخذها) عمر، (فأتى رسول الله)، وللأصيلي:
فأتى بها رسول الله، (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله، ابتع هذه) الجبة (تجمل،
بها). بجزم: ابتع وتجمل، على الأمر. كذا قاله الزركشي
وغيره، لكن، قال في المصابيح: الظاهر أن الثاني مضارع
مجزوم، واقع في جواب الأمر، أي: فإن تبتعها تتجمل، فحذفت
إحدى التاءين، وللحموي والمستملي: ابتاع هده تجمل؟ بهمزة
استفهام مقصورة كما في الفرع واصله، وقد تمدّ وتضم لام
تجمل على أن أصله: تتجمل، فحذفت إحدى التاءين أيضًا،
(للعيد والوفود) سبق في الجمعة، في رواية نافع: للجمعة
بدل: العيد، وكأن ابن عمر ذكرهما معًا، فأخذ كل راوٍ
واحدًا منهما. وهذا موضع الجزء الأخير من الترجمة، وفيه
التجمل بالثياب الحسنة أيام الأعياد وملاقاة الناس.
(فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إنما هذه لباس من لا خلاق له) أي: من لا نصيب له في
الجنة،
خرج مخرج التغليظ في النهي عن لبس الحرير، وإلاّ فالمؤمن
العاصي لا بدّ من دخوله الجنة، فله نصيب منها. ولذا خص من
عمومه النساء فإنهن خرجن بدليل آخر.
(فلبث عمر ما شاء الله أن يلبث، ثم أرسل إليه رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بجبة ديباج، فأقبل
بها عمر، فأتى بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فقال: يا رسول الله، إنك قلت: "إنما هذه لباس
من لا خلاق له" وأرسلت إليّ بهذه الجبة، فقال له رسول
الله):
(تبيعها وتصيب بها) أي بثمنها (حاجتك) وللكشميهني: أو
تصيب، وهي إما بمعنى الواو، أو للتقسيم أي: كإعطائها لبعض
نسائه
(2/203)
الجائز لهنّ لبس الحرير.
ويأتي الحديث ومباحثه، إن شاء الله تعالى، في: كتاب
اللباس، بعون الله وقوّته.
2 - باب الْحِرَابِ وَالدَّرَقِ يَوْمَ الْعِيدِ
(باب) إباحة (الحراب والدرق) يلعب بها السودان (يوم العيد)
للسرور به.
949 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَمْرٌو أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الأَسَدِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ: [دَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدِي
جَارِيَتَانِ تُغَنِّيَانِ بِغِنَاءِ بُعَاثَ، فَاضْطَجَعَ
عَلَى الْفِرَاشِ وَحَوَّلَ وَجْهَهُ. وَدَخَلَ أَبُو
بَكْرٍ فَانْتَهَرَنِي وَقَالَ: مِزْمَارَةُ الشَّيْطَانِ
عِنْدَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-!
فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ
السَّلاَمُ - فَقَالَ: «دَعْهُمَا». فَلَمَّا غَفَلَ
غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا"]. [الحديث 949 - أطرافه في:
952، 987، 2907، 3530، 3931].
وبالسند قال: (حدّثنا أحمد) غير منسوب، ولأبي ذر وابن
عساكر: حدّثنا أحمد بن عيسى، وبذلك جزم أبو نعيم في
المستخرج، واسم جده حسان التستري المصري الأصل، المتوفى
سنة ثلاث وأربعين ومائتين.
وفي رواية أبي علي بن شبويه، كما في الفتح: حدّثنا أحمد بن
صالح، وهو مقتضى إطلاق أبي علي بن السكن حيث قال: كل ما في
البخاري: حدّثنا أحمد، غير منسوب فهو ابن صالح.
(قال: حدّثنا ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرنا عمرو)
هو ابن الحرث (أن محمد بن عبد الرحمن) بن نوفل بن الأسود
(الأسدي) بفتح الهمزة والسين المهملة، القرشي، المتوفى سنة
سبع عشرة ومائة (حدّثه عن عروة) بن الزبير بن العوام (عن
عائشة) رضي الله تعالى عنها (قالت: دخل عليّ رسول الله)
وللأصيلي، وابن عساكر، وأبي ذر في نسخة: دخل عليّ النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أيام منى (وعندي
جاريتان)، أي: دون البلوغ، من جواري الأنصار (تغنيان)،
ترفعان أصواتهما بإنشاد العرب، وهو قريب من الحداء،
وتدففان، أي: تضربان بالدف بضم الدال. إحداهما لحسان بن
ثابت. كما في الطبراني، أو كلاهما لعبد الله بن سلام، كما
في أربعي السلمي.
وفي العيدين: لابن أبي الدنيا، من طريق فليح، عن هشام بن
عروة، عن أبيه، بإسناد صحيح، عن عائشة قالت: "دخل علّي أبو
بكر، والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متقنع،
وحمامة وصاحبتها تغنيان عندي". لكن لم يذكر أحد من مصنفى
أسماء الصحابة حمامة هذه. نعم، ذكر الذهبي في التجريد:
حمامة أم بلال، اشتراها أبو بكر وأعتقها.
(بغناء) بكسر المعجمة والمدّ يوم (بعاث) بضم الموحدة وفتح
العين المهملة آخره مثلثة، بالصرف وعدمه، وقال عياض:
أعجمها أبو عبيد وحده وقال ابن الأثير: أعجمها الخليل، لكن
جزم وموسى في ذيل الغريب، وتبعه صاحب النهاية، بأنه تصحيف.
اهـ.
وهو اسم حصن وقع الحرب عنده بين الأوس والخزرج، وكان به
مقتلة عظيمة، وانتصر الأوس على الخزرج، واستمرت المقتلة
مائة وعشرين سنة، حتى جاء الإسلام، فألّف الله بينهم ببركة
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. كذا ذكره ابن
إسحاق.
وتبعه البرماوي، وجماعة من الشرّاح، وتعقب بما رواه ابن
سعد بأسانيده: أن النفر السبعة: أو الثمانية، الذين لقوه
عليه الصلاة والسلام بمنى، أول من لقيه من الأنصار، كان من
جملة ما قالوه، لما دعاهم إلى الإسلام والنصرة: إنما كانت
وقعة بعاث عام الأول، فموعدك الموسم القابل، فقدموا في
السنة التي تليها فبايعوه البيعة الأولى، ثم قدموا الثانية
فبايعوه، وهاجر عليه الصلاة
والسلام في أوائل التي تليها. فدلّ ذلك على أن وقعة بعاث
كانت قبل الهجرة بثلاث سنين، وهو المعتمد، ويأتي مزيد
لذلك، إن شاء الله تعالى، في أوائل الهجرة.
(فاضطجع) عليه الصلاة والسلام (على الفراش، وحوّل وجهه)
للإعراض عن ذلك، لأن مقامه يقتضي أن يرتفع عن الإصغاء
إليه، لكن عدم إنكاره يدل على تسويغ مثله على الوجه الذى
أقره، إذ أنه عليه الصلاة والسلام لا يقرّ على باطل.
والأصل التنزّه عن اللعب واللهو، فيقتصر على ما ورد فيه
النص وقتًا وكيفيةً، (ودخل أبو بكر) الصديق (فانتهرني) أي
لتقريرها لهما على الغناء، وللزهري: فانتهرهما، أي:
الجاريتين لفعلهما ذلك. والظاهر على طريق الجمع أنه: شرك
بينهن في الزجر.
(وقال: مزمارة الشيطان عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر الميم آخره هاء تأنيث. يعني:
الغناء أو الدف، لأن المزمارة والمزمار مشتق من الزمير،
وهو الصوت الذي له صفير، ويطلق على الصوت الحسن وعلى
الغناء، وأضافها إلى الشيطان لأنها تلهي القلب عن ذكر الله
تعالى، وهذا من الشيطان.
وهذا من الصديق، رضي الله عنه، إنكار لما سمع معتمدًا على
ما تقرر عنده من تحريم اللهو والغناء مطلقًا، ولم يعلم
أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أقرّهنّ على
هذا القدر اليسير، لكونه دخل فوجده مضطجعًا، فظنه نائمًا،
فتوجه له الإنكار.
(فأقبل
(2/204)
عليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال):
يا أبا بكر (دعهما) أي الجاريتين، ولابن عساكر: دعها، أي
عائشة، وزاد في رواية هشام: "يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا،
وهذا عيدنا". فعرفه عليه الصلاة والسلام الحال مقرونًا
ببيان الحكمة بأنه يوم عيد، أي يوم سرور شرعي. فلا ينكر
فيه مثل هذا، كما لا ينكر في الأعراس.
قالت عائشة: (فلما غفل) أبو بكر، بفتح الفاء (غمزتهما
فخرجتا) بفاء العطف ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، عن
الحموي والمستملي: خرجتا بدون الفاء. بدل أو استئناف.
950 - وَكَانَ يَوْمَ عِيدٍ يَلْعَبُ السُّودَانُ
بِالدَّرَقِ وَالْحِرَابِ، فَإِمَّا سَأَلْتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَإِمَّا قَالَ:
«تَشْتَهِينَ تَنْظُرِينَ»؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ.
فَأَقَامَنِي وَرَاءَهُ خَدِّي عَلَى خَدِّهِ وَهُوَ
يَقُولُ: «دُونَكُمْ يَا بَنِي أَرْفِدَةَ». حَتَّى إِذَا
مَلِلْتُ قَالَ: «حَسْبُكِ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ
«فَاذْهَبِي».
(و) قالت عائشة: (كان) ذلك (يوم عيد)، وهذا حديث آخر، وقد
جمعه مع السابق بعض الرواة، وأفردهما آخرون. (يلعب
السودان)، ولأبي ذر: يلعب فيه السودان، وللزهري: والحبشة
يلعبون في المسجد (بالدرق والحراب، فإما سألت النبي) ولأبي
ذر عن المستملي: فإما سألت رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،وإما قال):
(أتشتهين تنظرين) أي: النظر إلى لعب السودان؟
(قلت: نعم) أشتهي، (فأقامني وراءه) حال كوني (خدي على خده)
متلاصقين (وهو) عليه الصلاة والسلام (يقول) للسودان، آذنًا
لهم ومنشطًا.
(دونكم) بالنصب على الظرف بمعنى الإغراء، أي: الزموا هذا
اللعب (يا بني أرفدة) بفتح الهمزة وإسكان الراء وكسر
الفاء، وقد تفتح وبالدال المهملة، وهو جدّ الحبشة الأكبر.
وزاد الزهري عن عروة: فزجرهم عمر، فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أمنا بني أرفدة".
(حتى إذا مللت) بكسر اللام الأولى (قال):
(حسبك)؟ أي: يكفيك هذا القدر؟ بحذف همزة الاستفهام
المقدرة. كذا قاله البرماوي وغيره كالزركشي، وتعقبه في
المصابيح: بأنه لا داعي إليه، مع أن في جوازه كلامًا، اهـ.
يشير إلى ما نقله في حاشيته، رحمه الله تعالى، على المغني،
من تصريح بعضهم بأن حذفها عند أمن اللبس من الضرورات.
وللنسائي، من رواية يزيد بن رومان: "أما شبعت؟ أما شبعت"؟
قالت: فجعلت أقول لا. لأنظر منزلتي عنده.
وله من رواية أبي سلمة عنها، قلت: "يا رسول الله لا تعجل.
فقام لي، ثم قال: حسبك؟ قلت: لا تعجل"، قالت: وما بي حب
النظر إليهم، ولكني أحببت أن يبلغ النساء مقامه لي، ومكاني
منه.
(قلت: نعم) حسبي (قال) (فاذهبي).
فإن قلت: قولها: نعم، يقتضي فهمها الاستفهام، أجاب في
المصابيح: بأنه ممنوع، لأن: نعم تأتي لتصديق المخبر، ولا
مانع من جعلها هنا كذلك.
واستدلّ به على جواز اللعب بالسلاح على طريق التدريب
للحرب، والتنشيط له، ولم يرد المؤلّف الاستدلال على أن حمل
الحراب والدرق من سنن العيد، كما فهمه ابن بطال، وإنما
مراده الاستدلال على أن العيد يغتفر فيه من اللهو واللعب
ما لا يغتفر في غيره، فهو استدلال على إباحة ذلك، لا على
ذنبه.
فإن قلت: قد اتفق على أن نظر المرأة إلى وجه الأجنبي حرام
بالاتفاق، إذا كان بشهوة وبغيرها على الأصح، فكيف أقرّ
النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عائشة على
رؤيتها للحبشة؟
أجيب: بأنها ما كانت تنظر إلى لعبهم بحِرابهم، لا إلى
وجوههم وأبدانهم.
(باب) سنيّة (الدعاء في العيد) كذا زاده هنا أبو ذر في
روايته عن الحموي، ومطابقته لحديث البراء الآتي إن شاء
الله تعالى في قوله: يخطب، فإن الخطبة تشتمل على الدعاء
كغيره.
وقد روى ابن عدي من حديث واثلة أنه: لقي النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم عيد، فقال: تقبل الله
منّا ومنك، فقال: نعم، تقبل الله منّا ومنك.
لكن في إسناده محمد بن إبراهيم الشامي، وهو ضعيف، وقد تفرد
به مرفوعًا وخولف فيه، فروى البيهقي من حديث عبادة بن
الصامت أنه: سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن ذلك، فقال: (ذاك فعل أهل الكتابين) وإسناده
ضعيف أيضًا.
لكن في المحامليات بإسناد حسن، عن جبير بن نفير، أن أصحاب
النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كانوا إذا
التقوا يوم العيد، يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منّا ومنك.
وقد ضرب في اليونينية على قوله: الدعاء في العيد، وهو ساقط
في رواية ابن عساكر. وقال ابن رشيد: أراه تصحيفًا، وكأنه
كان فيه: اللعب في العيد، أي فيناسب حديث عائشة الثاني من
حديثي الباب.
3 - باب سُنَّةِ الْعِيدَيْنِ لأَهْلِ الإِسْلاَمِ
وللأكثرين، وعزاه في الفرع لرواية أبي ذر، عن الكشميهني
والمستملي، (باب سُنّة العيدين لأهل الإسلام) وعليه اقتصر
الإسماعيلي في المستخرج وأبو نعيم.
وقيد
(2/205)
بأهل الإسلام إشارة إلى أن سُنّة أهل
الإسلام في العيد خلاف ما يفعله غير أهل الإسلام في
أعيادهم.
951 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
قَالَ: أَخْبَرَنِي زُبَيْدٌ قَالَ: سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ
عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ فَقَالَ: «إِنَّ
أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ مِنْ يَوْمِنَا هَذَا أَنْ
نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ فَعَلَ
فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا». [الحديث 951 - أطرافه في:
955، 965، 968، 976، 983، 5545، 5556، 5557، 5560، 5563،
6673].
وبالسند قال: (حدَّثنا حجاج) هو: ابن منهال السلمي البصري
(قال: حدَّثنا شعبة) ابن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد
(زبيد) بضم الزاي وفتح الموحدة، ابن الحرث اليامي الكوفي
(قال: سمعت الشعبي) بفتح الشين المعجمة وسكون العين
المهملة، عامر بن شراحيل (عن البراء) بن عازب، رضي الله
عنه، (قال: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) حال كونه (يخطب فقال):
(إن أول ما نبدأ به من) ولأبي ذر، عن الحموي والمستملي، في
(يومنا هذا) يوم عيد النحر (أن نصلي) صلاة العيد.
أي أوّل ما يكون الابتداء به في هذا اليوم الصلاة التي
بدأنا بها، فعبّر بالمستقبل عن الماضي.
وفي رواية محمد بن طلحة، عن زبيد، الآتية إن شاء الله
تعالى في هذا الحديث بعينه، خرج عليه الصلاة والسلام يوم
أضحى، إلى البقيع، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه
الشريف وقال: "إن أوّل نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ
بالصلاة، ثم نرجع فننحر".
وأوّل عيد صلاّه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، عيد الفطر في السنة الثانية من الهجرة.
وقد اختلف في حكم صلاة العيد بعد إجماع الأمة على
مشروعيتها.
فقال أبو حنيفة، رحمه الله: واجبة على الأعيان.
وقال المالكية والشافعية: سُنّة مؤكدة.
وقال أحمد وجماعة: فرض على الكفاية.
واستدل الأوّلون بمواظبته عليه الصلاة والسلام عليها من
غير ترك.
واستدلّ إلا المالكية والشافعية بحديث الأعرابي في
الصحيحين: هل عليّ غيرها؟ قال: "لا إلاّ أن تطوّع". وحديث:
"خمس صلوات كتبهنّ الله في اليوم والليلة". وحملوا ما نقله
المزني عن الشافعي: أن من وجب عليه الجمعة وجب عليه حضور
العيدين، على التأكيد، فلا إثم ولا قتال بتركها.
واستدلّ الحنابلة بقوله تعالى: {فصل لربك وانحر} وهو يدل
على الوجوب.
وحديث الأعرابي يدل على: أنها لا تجب على كل أحد، فتعين أن
تكون فرضًا على الكفاية.
وأجيب: بأنا لا نسلّم أن المراد بقوله: فصلّ صلاة العيد،
سلّمنا ذلك، لكن ظاهره يقتضي وجوب النحر، وأنتم لا تقولون
به، سلّمنا أن المراد من النحر ما هو أعمّ، لكن وجوبه خاصّ
به، فيختص وجوب صلاة العيد به، سلّمنا الكل، وهو أن الأمر
الأوّل غير خاصّ به، والأمر الثاني خاصّ. لكن لا نسلّم أن
الأمر للوجوب. فنحمله على الندب جمعًا بينه وبين الأحاديث
الأُخَر، سلّمنا جميع ذلك، لكن صيغة: صلِّ، خاصة به، فإن
حملت عليه وأمتّه وجب إدخال الجميع، فلما دلّ الدليل على
إخراج بعضهم؛ كما زعمتم، كان ذلك قادحًا في القياس، قاله
البساطي.
(ثم نرجع) بالنصب عطفًا على نصلي، وبالرفع خبر مبتدأ
محذوف، أي: نحن نرجع (فننحر) بالنصب (فمن فعل) بأن ابتداء
بالصلاة، ثم رجع فنحر (فقد أصاب سُنّتنا).
قال الزين بن المنير، فيه إشعار بأن صلاة ذلك اليوم هي
الأمر المهم، وإن ما سواها من الخطبة والنحر وغير ذلك من
أعمال البرّ يوم العيد، فبطريق التبع، وهذا القدر مشترك
بين العيدين، وبذلك تحصل المناسبة بين الحديث والترجمة من
حيث أنه قال فيها: العيدين، بالتثنية، مع أنه لا يتعلق إلا
بعيد النحر.
ورواة الحديث، الأوّل: بصري، والثاني: واسطي، والثالث
والرابع: كوفيان، وأخرجه المؤلّف في العيدين أيضًا، وفي
الأضاحي، والإيمان والنذور، ومسلم في الذبائح، وأبو داود
في الأضاحي، وكذا الترمذي. وأخرجه النسائي في الصلاة،
والأضاحي.
952 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: [دَخَلَ أَبُو
بَكْرٍ وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ مِنْ جَوَارِي الأَنْصَارِ
تُغَنِّيَانِ بِمَا تَقَاوَلَتِ الأَنْصَارُ يَوْمَ
بُعَاثَ، قَالَتْ: وَلَيْسَتَا بِمُغَنِّيَتَيْنِ. فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: أَمَزَامِيرُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
وَذَلِكَ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَبَا بَكْرٍ،
إِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا، وَهَذَا عِيدُنَا»].
وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) الهباري القرشي الكوفي
(قال: حدّثنا أبو أسامة) بضم الهمزة، حماد بن أسامة (عن
هشام) هو: ابن عروة (عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة
رضي الله عنها قالت: دخل) عليّ (أبو بكر) رضي الله عنه
(وعندي جاريتان من جواري الأنصار) إحداهما: لحسان بن ثابت،
أو كلاهما لعبد الله بن سلام، واسم إحداهما: حمامة كما مر،
ويحتمل أن تكون الثانية اسمها: زينب، كما سيأتي إن شاء
الله تعالى في النكاح، (تغنيان) ولمسلم في رواية هشام
أيضًا: بدف، وللنسائي: بدفين، ويقال له أيضًا: الكربال،
بكسر الكاف، وهو الذي لا جلاجل فيه، فإن كانت فيه فهو
المزهر، (بما) ولأبوي ذر والوقت، عن الكشميهني: مما بميمين
(2/206)
(تقاولت الأنصار) أي: بما قال بعضهم لبعض
من فخر أو هجاء وللمصنف في الهجرة: بما تعازفت، بعين مهملة
وزاي، وفي رواية: تقاذفت، بقاف بدل العين وذال معجمة بدل
الزاي من القذف وهو هجاء بعضهم لبعض (يوم بعاث) بضم
الموحدة، حصن للأوس، أو موضع في ديار بني قريظة فيه
أموالهم.
(قالت) عائشة: (وليستا) أي: الجاريتان (بمغنيتين) نفت
عنهما من طريق المعنى ما أثبتته لهما باللفظ، لأن الغناء
يطلق على: رفع الصوت، وعلى الترنم، وعلى الحداء، ولا يسمى
فاعله مغنيًا، وإنما يسمى بذلك من ينشد بتمطيط وتكسر،
وتهييج وتشويق، بما فيه تعريض بالفواحش، أو تصريح بما يحرك
الساكن، ويبعث الكامن، وهذا لا يختلف في تحريمه.
ومباحث هذه المادة تأتي إن شاء الله تعالى في: كتاب
الأشربة، عند الكلام على: حديث المعازف.
(فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان) بالرفع على الابتداء،
ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي وابن عساكر: أبمزامير، أي:
أتشتغلون بمزامير الشيطان (في بيت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ وذلك في يوم عيد. فقال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يا أبا بكر! إن لكل قوم عيدًا، وهذا) اليوم (عيدنا)،
وإظهار السرور فيه من شعائر الدين.
واستدلّ به على جواز سماع صوت الجارية بالغناء، ولو لم تكن
مملوكة، لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينكر
على
أبي بكر سماعه، بل أنكر إنكاره. ولا يخفى أن محل الجواز ما
إذا أمنت الفتنة بذلك.
4 - باب الأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ قَبْلَ الْخُرُوجِ
(باب الأكل يوم) عيد (الفطر قبل الخروج) إلى الصلّى لصلاة
العيد.
953 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي
بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: ["كَانَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ يَغْدُو
يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ". وَقَالَ
مُرَجَّأُ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ
قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا"].
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحمن) المشهور:
بصاعقة، قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي:
أخبرنا (سعيد بن سليمان) الملقب: سعدويه (قال: حدّثنا
هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة، ابن بشير، بضم الموحدة،
وفتح المعجمة، ابن القاسم السلمي الواسطي (قال: أخبرنا
عبيد الله بن أبي بكر بن أنس، عن) جدّه (أنس) رضي الله
عنه، ولأبي ذر: عن أنس بن مالك (قال: كان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يغدو يوم) عيد
(الفطر حتى يأكل تمرات) ليعلم نسخ تحريم الفطر قبل صلاته،
فإنه كان محرمًا قبلها أوّل الإسلام.
وخصّ التمر، لما في الحلو من تقوية النظر الذي يضعفه الصوم
ويرق القلب، ومن ثم استحبّ بعض التابعين أن يفطر على الحلو
مطلقًا: كالعسل. رواه ابن أبي شيبة، عن معاوية بن قرة،
وابن سيرين وغيرهما.
والشرب كالأكل، فإن لم يفعل ذلك قبل خروجه استحب له فعله
في طريقه، أو في المصلّى إن أمكنه، ويكره له تركه، كما
نقله في شرح المهذّب من نصر الأم.
(وقال مرجأ بن رجاء) بضم الميم وفتح الراء وتشديد الجيم
آخره همزة في الأول، كذا في الفرع وأصله، وضبطه في الفتح
بغير همزة، على وزن: معلى، وبفتح الراء والجيم المخففة
ممدودًا في الثاني، السمرقندي البصري، المختلف في الاحتجاج
به، وليس له في البخاري غير هذا الموضع، مما وصله الإمام
أحمد، عن حرمي بن عمارة، والمؤلّف في تاريخه عنه. قال:
(حدثني) بالإفراد (عبيد الله) بن أبي بكر المذكور (قال:
حدّثني) بالإفراد أيضًا (أنس، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وزاد (ويأكلهن وترًا). إشارة إلى
الوحدانية، كما كان عليه الصلاة والسلام يفعله في جميع
أموره، تبرّكًا بذلك.
وزاد ابن حبان: ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا.
وفائدة ذكر المؤلّف، رحمه الله تعالى، لهذا التعليق، تصريح
عبيد الله فيه بالإخبار عن أنس، لأن السابقة فيها: عنعنة،
ولمتابعته فيها هشيمًا.
5 - باب الأَكْلِ يَوْمَ النَّحْرِ.
(باب الأكل يوم) عيد (النحر) بعد صلاته لحديث بريدة،
المروي عند أحمد والترمذي وابن ماجة بأسناد حسنة وصححه
الحاكم، وابن حبان.
قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم ويوم النحر حتى يرجع فيأكل من
نسيكته.
وإنما فرّق بينهما لأن السُّنّة أن يتصدّق في عيد الفطر
قبل الصلاة، فاستحب له الأكل ليشارك المساكين في ذلك،
والصدقة في يوم النحر إنما هي بعد الصلاة من الأضحية،
فاستحب موافقتهم. وليتميز اليومان عما قبلهما، إذا ما قبل
يوم الفطر يحرم فيه الأكل، بخلاف ما قبل يوم النحر.
954 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسٍ
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- «مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَلْيُعِدْ».
فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَذَا يَوْمٌ يُشْتَهَى فِيهِ
اللَّحْمُ، وَذَكَرَ مِنْ جِيرَانِهِ، فَكَأَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
صَدَّقَهُ، قَالَ: وَعِنْدِي جَذَعَةٌ أَحَبُّ إِلَىَّ
مِنْ شَاتَىْ لَحْمٍ. فَرَخَّصَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلاَ أَدْرِي أَبَلَغَتِ
الرُّخْصَةُ مَنْ سِوَاهُ أَمْ لاَ". [الحديث 954 - أطرافه
في: 984، 5546، 5549، 5561].
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا
إسماعيل) بن علية (عن أيوب) السختياني (عن محمد) ولأبوي
(2/207)
ذر، والوقت، والأصيلي: عن محمد بن سيرين
(عن أنس) هو: ابن مالك رضي الله عنه (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من ذبح) أضحيته (قبل الصلاة) أي: صلاة العيد (فليعد)
أضحيته، لأن الذبح للضحية لا يصح قبلها.
واستدلّ بأمره عليه الصلاة والسلام بإعادة التضحية لأبي
حنيفة، رحمه الله، على وجوبها، لأنها لو لم تكن واجبة لما
أمر بإعادتها عند وقوعها في غير محلها.
(فقام رجل) هو: أبو بردة بن نيار (فقال: هذا يوم يشتهى فيه
اللحم) أطلق اليوم في الترجمة كما هنا، وبذلك يحتمل أن تقع
المطابقة بينهما (وذكر من جيرانه) بكسر الجيم، جمع جار،
فقرأ وحاجة (فكأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- صدّقه) فيما قال عن جيرانه، (قال: وعندي جذعة)
أي من المعز، بفتح الجيم والذال المعجمة والعين المهملة،
التي طعنت في الثانية، هي (أحب إليّ من شاتي لحم) لطيب
لحمها وسمنها، وكثرة ثمنها، (فرخص له النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال أنس: (فلا أدري أبلغت
الرخصة) في
تضحية الجذعة (من سواه) أي: الرجل، فيكون الحكم عامًّا
لجميع المكلفين (أم لا) فيكون خاصًّا به.
وهذه المسألة وقع للأصوليين فيها خلاف، وهو أن خطاب الشرع
للواحد هل يختص به أو يعمّ.
والثاني: قول الحنابلة، والظاهر أن أنسًا لم يبلغه قوله
عليه الصلاة والسلام، المروي في مسلم، لا تذبحوا إلا
مسنّة.
وحديث أنس هذا رواه المؤلّف أيضًا في الأضاحي والعيد،
ومسلم في الذبائح، والنسائي في الصلاة والأضاحي، وأخرجه
ابن ماجة في الأضاحي أيضًا.
955 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ
عَنْ مَنْصُورٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ
عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "خَطَبَنَا النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الأَضْحَى
بَعْدَ الصَّلاَةِ فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا
وَنَسَكَ نُسُكَنَا فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ، وَمَنْ
نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّهُ قَبْلَ الصَّلاَةِ
وَلاَ نُسُكَ لَهُ». فَقَالَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ
خَالُ الْبَرَاءِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنِّي نَسَكْتُ
شَاتِي قَبْلَ الصَّلاَةِ وَعَرَفْتُ أَنَّ الْيَوْمَ
يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَأَحْبَبْتُ أَنْ تَكُونَ شَاتِي
أَوَّلَ مَا يُذْبَحُ فِي بَيْتِي، فَذَبَحْتُ شَاتِي
وَتَغَدَّيْتُ قَبْلَ أَنْ آتِيَ الصَّلاَةَ. قَالَ:
«شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ». قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَإِنَّ عِنْدَنَا عَنَاقًا لَنَا جَذَعَةً هِيَ أَحَبُّ
إِلَىَّ مِنْ شَاتَيْنِ أَفَتَجْزِي عَنِّي؟ قَالَ:
«نَعَمْ، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ» ".
وبه قال: (حدّثنا عثمان) بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان
العبسي الكوفي أخو أبي بكر بن أبي شيبة (قال: حدّثنا جرير)
بفتح الجيم، ابن عبد الحميد الضبي الرازي (عن منصور) هو:
ابن المعتمر الكوفي (عن الشعبي) بفتح المعجمة، عامر بن
شراحيل، (عن البراء بن عازب) رضي الله عنهما (قال: خطبنا
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) عيد
(الأضحى بعد الصلاة) أي: صلاة العيد (فقال):
(من صلى صلاتنا، ونسك) بفتح النون والسين (نسكًا) بضم
النون والسين ونصب الكاف، أي: ضحى مثل ضحيتنا (فقد أصاب
النسك، ومن نسك قبل الصلاة فإنه) أي: النسك (قبل الصلاة).
استشكل اتحاد الشرط والجزاء.
وأجيب: بأن المراد لازمه، فهو كقوله: فهجرته إلى ما هاجر
إليه. أي: غير صحيحة، أو غير مقبولة، فالمراد به هنا
التحقير، والمراد به هنا عدم الاعتداد بما قبل الصلاة، إذ
هو المقرر في النفوس، وحينئذ فيكون قوله:
(ولا نسك له) كالتوضيح والبيان له.
وقال في الفتح: فإنه قبل الصلاة لا يجزئ ولا نسك له. قال:
وفي رواية النسفيّ: فإنه قبل الصلاة لا نسك له، بحذف
الواو، وهو أوجه.
(فقال أبو بردة) بضم الموحدة وإسكان الراء، هانئ، بالنون
والهمزة (بن نيار) بكسر النون وتخفيف المثناة التحتية وبعد
الألف راء، البلوي المدني (خال البراء) بن عازب (يا رسول
الله، فإني نسكت شاتي قبل الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل)
بفتح الهمزة (وشرب) بضم المعجمة.
وجوز الزركشي، في تعليق العمدة، فتحها كما قيل له في أيام
منى: أيام أكل وشرب.
وتعقبه في المصابيح: بأنه ليس محل قياس، وإنما المعتمد فيه
الرواية.
(وأحببت أن تكون شاتي أول شاة تذبح في بيتي) بنصب: أول،
خبر تكون. وبالرفع: اسمها، فتكون شاتي خبرها مقدّمًا، وفي
رواية: أول ما يذبح، ولأبوي ذر، والوقت: أول تذبح، بدون
الإضافة، بفتح أول لأنه مضاف إلى الجملة، فيكون مبنيًّا
على الفتح، أو منصوبًا خبرًا لتكون، كذا قال الكرماني وفيه
نظر ظاهر.
ويجوز الضم: كقبل وغيره من الظروف المقطوعة عن الإضافة.
(فذبحت شاتي وتغديت) بالغين المعجمة من الغداء (قبل أن آتي
الصلاة، قال) عليه الصلاة والسلام له: (شاتك شاة لحم) أي:
فليست أضحية ولا ثواب فيها، بل هي على عادة الذبح للأكل
المجرد من القربة، فاستفيد من إضافتها إلى اللحم نفي
الإجزاء.
(قال) أي: أبو بردة، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: فقال:
(يا رسول الله، فإن عندنا عناقًا) بفتح العين (لنا جذعة)
صفتان لعناقًا المنصوب بأن الذي هو: أنثى ولد المعز (هي
أحب إليّ) لسمنها، وطيب لحمها، وكثرة قيمتها (من
(2/208)
شاتين) وسقط: هي، للأربعة (أفتجزئ) بفتح
الهمزة للاستفهام، والمثناة الفوقية وسكون الجيم من غير
همز كقوله: {لا يجزي والد عن ولده} [لقمان: 33] أي: أتكفي،
لم و: تقضي (عني؟).
وقول البرماوي وغيره: وجوّز بعضهم: تجزئ، بالضم من الرباعي
المهموز، وبه قال الزركشي في تعليق العمدة معتمدًا على نقل
الجوهري: إن بني تميم تقول: أجزأت عنك شاةً، بالهمزة،
متعقب بأن الاعتماد إنما يكون على الرواية لا على مجرد نقل
الجوهري عن التميميين جوازه.
(قال) عليه الصلاة والسلام:
(نعم) أي: تجزي عنك، (ولن تجزي) جذعة (عن أحد بعدك) أي:
غيرك، لأنه لا بدّ في تضحية المعز من الثنيّ، فهو مما اختص
به أبو بردة، كما اختصّ خزيمة بقيام شهادته مقام شاهدين.
ورواة هذا الحديث كلهم كوفيون، وجرير أصله من الكوفة، وفيه
التحديث والعنعنة والقول.
6 - باب الْخُرُوجِ إِلَى الْمُصَلَّى بِغَيْرِ مِنْبَرٍ
(باب الخروج إلى المصلّى) بالصحراء لصلاة العيدين (بغير
منبر).
956 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي
زَيْدٌ عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
سَرْحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: "كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَالأَضْحَى إِلَى الْمُصَلَّى،
فَأَوَّلُ شَىْءٍ يَبْدَأُ بِهِ الصَّلاَةُ، ثُمَّ
يَنْصَرِفُ فَيَقُومُ مُقَابِلَ النَّاسِ -وَالنَّاسُ
جُلُوسٌ عَلَى صُفُوفِهِمْ- فَيَعِظُهُمْ، وَيُوصِيهِمْ،
وَيَأْمُرُهُمْ. فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَقْطَعَ
بَعْثًا قَطَعَهُ أَوْ يَأْمُرَ بِشَىْءٍ أَمَرَ بِهِ،
ثُمَّ يَنْصَرِفُ". قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَلَمْ يَزَلِ
النَّاسُ عَلَى ذَلِكَ حَتَّى خَرَجْتُ مَعَ مَرْوَانَ
-وَهْوَ أَمِيرُ الْمَدِينَةِ- فِي أَضْحًى أَوْ فِطْرٍ،
فَلَمَّا أَتَيْنَا الْمُصَلَّى إِذَا مِنْبَرٌ بَنَاهُ
كَثِيرُ بْنُ الصَّلْتِ، فَإِذَا مَرْوَانُ يُرِيدُ أَنْ
يَرْتَقِيَهُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ، فَجَبَذْتُ
بِثَوْبِهِ، فَجَبَذَنِي، فَارْتَفَعَ فَخَطَبَ قَبْلَ
الصَّلاَةِ، فَقُلْتُ لَهُ: غَيَّرْتُمْ وَاللَّهِ،
فَقَالَ: أَبَا سَعِيدٍ قَدْ ذَهَبَ مَا تَعْلَمُ،
فَقُلْتُ مَا أَعْلَمُ وَاللَّهِ خَيْرٌ مِمَّا لاَ
أَعْلَمُ. فَقَالَ: إِنَّ النَّاسَ لَمْ يَكُونُوا
يَجْلِسُونَ لَنَا بَعْدَ الصَّلاَةِ فَجَعَلْتُهَا قَبْلَ
الصَّلاَةِ".
وبالسند قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم قال: حدّثنا محمد
بن جعفر) هو: ابن أبي كثير المدني (قال: أخبرني) بالإفراد
(زيد)، ولأبي ذر: زيد بن أسلم (عن عياض بن عبد الله بن أبي
سرح) بفتح المهملة وسكون الراء ثم بالحاء المهملة، واسم
جده سعد القرشي المدني (عن أبي سعيد الخدري) رضي الله
تعالى عنه (قال: كان رسول الله) ولأبوي ذر، والوقت،
والأصيلي، وابن عساكر: كان النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يخرج يوم) عيد (الفطر و) يوم عيد
(الأضحى) إلى المصلّى موضع خارج باب المدينة، بينه وبين
باب المسجد ألف ذراع.
قاله ابن شبة في أخبار المدينة عن أبي غسان صاحب مالك،
واستدلّ به على استحباب الخروج إلى الصحراء لأجل صلاة
العيد، وأن ذلك أفضل من صلاتها في المسجد لمواظبته عليه
الصلاة والسلام على ذلك، مع فضل مسجده، وهذا مذهب الحنفية.
وقال المالكية والحنابلة: تسنّ في الصحراء إلا بمكة،
فبالمسجد الحرام لسعته.
وقال الشافعية: وفعلها في المسجد الحرام وبيت المقدس أفضل
من الصحراء، تبعًا للسلف والخلف، ولشرفهما ولسهولة الحضور
إليهما، ولوسعهما، وفعلها في سائر المساجد إن اتسعت، أو
حصل مطر ونحوه كثلج، أولى لشرفها ولسهولة الحضور إليها مع
وسعها في الأول، ومع العذر في الثاني فلو صلّى في الصحراء
كان تاركًا للأولى مع الكراهة في الثاني دون الأصل، وإن
ضاقت المساجد، ولا عذر، كره فعلها فيها للمشقة بالزحام،
وخرج إلى الصحراء، واستخلف في المسجد من يصلّي بالضعفاء
كالشيوخ والمرضى ومن معهم من الأقوياء، لأن عليًّا استخلف
أبا مسعود الأنصاري في ذلك، رواه الشافعي بإسناد صحيح.
(فأول شيء يبدأ به الصلاة) برفع: أول، مبتدأ نكرة مخصصة
بالإضافة، خبره: الصلاة. لكن الأولى جعل أول: خبرًا
مقدّمًا، والصلاة: مبتدأ لأنه معرفة. وإن تخصص أول، فلا
يخرج عن التنكير، وجملة: يبدأ به، في محل جر صفة لشيء.
(ثم ينصرف) عليه الصلاة والسلام من الصلاة (فيقوم مقابل
الناس) أي مواجهًا لهم.
ولابن حبان، من طريق داود بن قيس، فينصرف إلى الناس قائمًا
في مصلاه.
ولابن خزيمة: خطب يوم عيد على رجليه، وفيه إشعارًا بأنه لم
يكن إذ ذاك في المصلّى منبر.
(والناس جلوس على صفوفهم) جملة اسمية حالية (فيعظهم) أي:
يخوفهم عواقب الأمور (ويوصيهم) بسكون الواو، أي: بما تنبغي
الوصية به (ويأمرهم) بالحلال، وينهاهم عن الحرام.
(فإن) بالفاء، ولابن عساكر: وإن (كان) عليه الصلاة والسلام
(يريد) في ذلك الوقت (أن يقطع بعثًا) بفتح الموحدة وسكون
المهملة ثم مثلثة، أي مبعوثًا من الجيش إلى الغزو (قطعه،
أو) كان يريد أن (يأمر بشيء، أمر به، ثم ينصرف) إلى
المدينة.
(قال) ولأبي ذر، في نسخة، وأبي الوقت: فقال (أبو سعيد)
الخدري: (فلم يزل الناس على ذلك) الابتداء بالصلاة والخطبة
بعدها (حتى خرجت مع مروان) بن الحكم (-وهو أمير المدينة-)
من قبل معاوية، والواو في: وهو، للحال (في) عيد (أضحى أو)
في عيد (فطر فلما أتينا المصلّى) المذكور (إذا منبر) مبتدأ
خبره (بناه كثير بن الصلت) بفتح الصاد المهملة وسكون اللام
ثم مثناة فوقية، ابن معاوية الكندي التابعي الكبير،
المولود في الزمن
(2/209)
النبوي.
والعامل في إذا، معنى المفاجأة، أي فاجأنا مكان المنبر
زمان الإتيان، أو: الخبر مقدّر، أي: هناك. فيكون بناه
حالاً. وإنما اختص كثير ببناء المنبر بالمصلّى لأن داره
كانت في قبلتها.
(فإذا مروان يريد أن يرتقيه) أي: يريد صعود المنبر، فأن
مصدرية (قبل أن يصلّي) قال أبو سعيد: (فجبدت بثوبه) ليبدأ
بالصلاة قبل الخطبة على العادة ولأبي ذر عن المستملي:
فجبذته بثوبه (فجبذني فارتفع) على المنبر (فخطب قبل
الصلاة، فقلت له) ولأصحابه: (غيرتم والله) سُنّة رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخلفائه، لأنهم كانوا
يقدّمون الصلاة على الخطبة، فحمله أبو سعيد على التعيين.
(فقال) مروان: يا (أبا سعيد، قد ذهب ما تعلم) قال أبو
سعيد: (فقلت: ما أعلم) أي الذي أعلمه (والله خير) ولأبي ذر
في نسخة: خير والله (مما لا أعلم) أي لأن الذي أعلمه طريق
الرسول وخلفائه، والقسم معترض بين المبتدأ والخبر.
(فقال) مروان معتذرًا عن ترك الأولى: (إن الناس لم يكونوا
يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها) أي الخطبة (قبل الصلاة)
فرأى أن المحافظة على أصل السُّنَّة، وهو استماع الخطبة،
أولى من المحافظة على هيئة فيها ليست من شرطها.
ومذهب الشافعية: لو خطب قبلها لم يعتدّ بها، وأساء.
وأما ما فعل مروان بن الحكم من تقديم الخطبة، فقد أنكره
عليه أبو سعيد كما ترى.
ورواد هذا الحديث كلهم مدنيون.
7 - باب الْمَشْيِ وَالرُّكُوبِ إِلَى الْعِيدِ بِغَيْرِ
أَذَانٍ وَلاَ إِقَامَةٍ
(باب المشي والركوب إلى) صلاة (العيد، و) باب تقديم
(الصلاة قبل الخطبة، و) باب صلاته (بغير أذان) عند صعود
الإمام المنبر، ولا عند غيره (ولا إقامة) عند نزوله ولا
عند غيره.
وسقط في غير رواية أبي ذر، وابن عساكر: والصلاة قبل
الخطبة.
957 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَنَسٌ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمْرَانَ "أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ
يُصَلِّي فِي الأَضْحَى وَالْفِطْرِ، ثُمَّ يَخْطُبُ
بَعْدَ الصَّلاَةِ". [الحديث 957 - طرفه في: 963].
وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) الحزامي، بكسر
الحاء المهملة وبالزاي المخففة (قال: حدّثنا أنس) ولأبوي
ذر، والوقت، والأصيلي، وابن عساكر: أنس بن عياض (عن عبيد
الله) بالتصغير، ابن عمر بن حفص بن عاصم ابن عمر، العمري
المدني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر) بن
الخطاب رضي الله عنهما، وسقط: عبد الله، لابن عساكر: (أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يصلّي
في) عيد (الأضحى و) عيد (الفطر) ولأبي ذر: في الفطر
والأضحى (ثم يخطب بعد الصلاة) صرّح بتقديم الصلاة، فهو
مطابق للجزء الثاني من الترجمة.
وقد اختلف في أول من غير هذا، فقدم الخطبة على الصلاة.
وحديث مسلم، عن طارق بن شهاب، عن أبي سعيد صريح أنه مروان.
وقيل: معاوية، رواه عبد الرزاق. وقيل: زياد. والظاهر أن
مروان وزيادًا فعلا ذلك تبعًا لمعاوية، لأن كلاًّ منهما
كان عاملاً له.
وقيل: بل سبقه إليه عثمان لأنه رأى ناسًا لم يدركوا الصلاة
فصار يقدّم الخطبة. رواه ابن المنذر بإسناد صحيح إلى الحسن
البصري، وهذه العلة غير التي اعتلّ بها مروان لأنه راعى
مصلحتهم في استماع الخطبة.
لكن قيل: إنهم كانوا في زمنه يتعمدون ترك سماع خطبته لما
فيها من سبّ مَن لا يستحق السبّ، والإفراط في مدح بعض
الناس، فعلى هذا إنما راعى مصلحة نفسه. وأما عثمان فراعى
مصلحة الجماعة في إدراكهم الصلاة. على أنه يحتمل أن يكون
عثمان فعل ذلك أحيانًا، بخلاف مروان فواظب على ذلك، فنسب
إليه.
وقيل: عمر بن الخطاب، رواه عبد الرزاق وابن أبي شيبة
بإسناد صحيح، لكن يعارضه حديث ابن عباس المذكور في الباب
الذي بعده. وكذا حديث ابن عمر. فإن جمع بوقوع ذلك نادرًا،
وإلاّ فما في الصحيحين أصح. أشار إليه في الفتح.
وقد تقدم قريبًا في آخر الباب السابق، أنه. لا يعتدّ
بالخطبة إذا تقدمت على الصلاة. فهو كالسُّنّة الراتبة، بعد
الفريضة إذا قدّمها عليها. فلو لم يعد الخطبة لم تلزمه
إعادة ولا كفّارة.
وقال المالكية. إن كان قريبًا أمر بالإعادة وإن بَعُدَ فات
التدارك. وهذا بخلاف الجمعة، إذ لا تصح إلا بتقديم الخطبة،
لأن خطبتها شرط لصحتها، وشأن الشرط أن يقدّم.
ورواة هذا الحديث كلهم مدنيون، وشيخ المؤلّف من أفراده،
وفيه التحديث والعنعنة والقول.
958 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى قَالَ:
أَخْبَرَنَا هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ
قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمَ
الْفِطْرِ فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ".
[الحديث 958 - طرفاه في: 961، 978].
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي الرازي
الصغير (قال: أخبرنا) ولابن عساكر:
(2/210)
حدّثنا (هشام) هو: ابن يوسف الصنعاني
اليماني، قاضيها (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز
(أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو: ابن أبي رباح
(عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (قال: سمعته) أي: كلامه
حال كونه (يقول: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خرج يوم) عيد (الفطر) إلى المصلّى. (فبدأ
بالصلاة قبل الخطبة).
959 - قَالَ وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ
أَرْسَلَ إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي أَوَّلِ مَا بُويِعَ
لَهُ: "إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُؤَذَّنُ بِالصَّلاَةِ يَوْمَ
الْفِطْرِ، إِنَّمَا الْخُطْبَةُ بَعْدَ الصَّلاَةِ".
قال ابن جريج، بالإسناد السابق: (وأخبرني) بالإفراد (عطاء
أن ابن عباس) رضي الله عنهما، (أرسل إلى ابن الزبير) عبد
الله (في أول ما بويع له)، أي: لابن الزبير بالخلافة سنة
أربع وستين، عقب موت يزيد بن معاوية، (أنه لم يكن يؤذّن)
في زمنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بالصلاة
يوم) عيد (الفطر) وذال يؤذن بالفتح مبنيًّا للمجهول، خبر
كان واسمها ضمير الشأن، وكذا اسم إن المذكورة قبلها.
(وإنما الخطبة بعد الصلاة) لا قبلها. ولغير أبوي ذر
والوقت، والكشميهني: إنما، بغير واو، ولأبي ذر، عن الحموي
والمستملي: وأما، بغير نون. قيل هو تصحيف.
وأجيب: بأنه لا وجه لادعاء تصحيفه، ومعناه: وأما الخطبة
فتكون بعد الصلاة.
ورواة هذا الحديث ما بين رازي ويماني ومكّي، وهشام من
أفراده.
وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة، وأخرجه مسلم وأبو داود
في الصلاة.
960 - وَأَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالاَ: [لَمْ يَكُنْ
يُؤَذَّنُ يَوْمَ الْفِطْرِ وَلاَ يَوْمَ الأَضْحَى].
قال ابن جريج بالسند المذكور (وأخبرني عطاء) أيضًا (عن ابن
عباس، وعن جابر بن عبد الله) الأنصاري (قالا: لم يكن يؤذن)
بفتح الذال (يوم) عيد (الفطر، ولا يوم) عيد (الأضحى) في
زمنه عليه الصلاة والسلام.
وفي رواية يحيى القطان، عن ابن جريج، عن عطاء عن ابن عباس،
قال لابن الزبير: لا تؤذن لها، ولا تقم. أخرجه ابن أبي
شيبة.
ولمسلم، عن عطاء عن جابر: فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير
أذان ولا إقامة.
وعنده أيضًا من طريق عبد الرزاق، عن ابن جريج، عن عطاء، عن
جابر قال: لا أذان للصلاة يوم العيد ولا إقامة ولا شيء.
واستدلّ المالكية والجمهور بقوله: ولا إقامة ولا شيء، أنه
لا يقال قبلها: الصلاة جامعة، ولا: الصلاة.
واحتج الشافعية على استحباب قوله، بما روى الشافعي عن
الثقة عن الزهري، قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأمر المؤذن في العيدين فيقول: الصلاة
جامعة. وهذا مرسل يعضده القياس على صلاة الكسوف لثبوته
فيها، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
فلنتوق ألفاظ الأذان كلها، أو بعضها، فلو أذن أو أقام، كره
له كما نص عليه في الأم.
وأول من أحدث الأذان فيها: معاوية، رواه ابن أبي شيبة
بإسناد صحيح، زاد الشافعي في روايته عن الثقة، عن الزهري،
فأخذ به الحجاج حين أمّر على المدينة.
أو: زياد، بالبصرة، رواه البن المنذر، أو: مروان، قاله:
الداودي، أو: هشام، قاله ابن حبيب، أو: عبد الله بن
الزبير، ورواه ابن المنذر أيضًا.
961 - وَعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
سَمِعْتُهُ يَقُولُ: "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ فَبَدَأَ بِالصَّلاَةِ ثُمَّ
خَطَبَ النَّاسَ بَعْدُ، فَلَّمَا فَرَغَ نَبِيُّ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَزَلَ فَأَتَى
النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ
بِلاَلٍ، وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ
النِّسَاءُ صَدَقَةً". قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أَتَرَى حَقًّا
عَلَى الإِمَامِ الآنَ أَنْ يَأْتِيَ النِّسَاءَ
فَيُذَكِّرَهُنَّ حِينَ يَفْرُغُ؟ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ
لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ، وَمَا لَهُمْ أَنْ لاَ يَفْعَلُوا؟
(و) بالإسناد أيضًا (عن جابر بن عبد الله قال: سمعته يقول:
إن النبي) وللأصيلى، وأبي الوقت، وأبي ذر، في نسخة: عن
جابر بن عبد الله أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، قام، فبدأ بالصلاة) يوم العيد (ثم خطب للناس
بعد). أي: بعد الصلاة. (فلما فرغ نبي الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الخطبة (نزل).
فإن قلت: قد سبق أنه عليه الصلاة والسلام كان يخطب في
المصلّى على الأرض، وقوله هنا: نزل، يُشعِر بأنه كان يخطب
على مكان مرتفع.
أجيب: باحتمال أن الراوي ضمن النزول معنى الانتقال، أي:
انتقل.
(فأتى النساء، فذكرهن) بتشديد الكاف، أي: وعظهن (وهو
يتوكأ) أي: يعتمد (على يد بلال).
قيل: يحتمل أن يكون المؤلّف استنبط من قوله: وهو يتوكأ على
يد بلال، مشروعية الركوب لصلاة العيد لمن احتاج إليه،
بجامع الارتفاع بكلّ منهما، فكأنه يقول: الأولى المشي
للتواضع حتى يحتاج إلى الركوب، كما خطب عليه الصلاة
والسلام قائمًا على قدميه، فلما تعب توكأ على يد بلال.
وفي الترمذي، عن علي، قال: من السُّنّة أن يخرج إلى العيد
ماشيًا.
وفي ابن ماجة، عن سعد القرظ: أنه عليه الصلاة والسلام، كان
يخرج إلى العيد ماشيًا، وفيه عن أبي رافع نحوه، ولم يذكرها
المؤلّف لضعفها.
واستدلّ الشافعية بحديث: إذا أتيتم الصلاة فلا تأتوها
وأنتم تسعون، وائتوها وأنتم تمشون.
قالوا: ولا بأس بركوب العاجز للعذر، وكذا الراجع منها، ولو
كان قادرًا ما لم يتأذّ به أحد، لانقضاء العبادة.
وجملة: وهو يتوكأ، حالية.
وكذا
(2/211)
قوله: (وبلال باسط ثوبه يلقي) بضم المثناة
التحتية، أي يرمي (فيه النساء صدقة).
قال جريج: (قلت لعطاء: أترى) بفتح التاء (حقًّا على الإمام
الآن أن يأتي النساء) وسقط: أن، لابن عساكر (فيذكرهن حين
يفرغ) أي: من الخطبة. وحقًّا مفعول ثانٍ لقوله: أترى، قدّم
على الثاني، وهو: أن يأتي النساء للاهتمام به.
(قال) عطاء: (إن ذلك لحق عليهم، وما لهم أن لا يفعلوا)
ذلك. وما، نافية أو: استفهامية.
8 - باب الْخُطْبَةِ بَعْدَ الْعِيدِ
(باب الخطبة بعد) صلاة (العيد).
هذه الترجمة من جملة التراجم الثلاثة السابقة في الباب
المتقدم، ولعله أعادها لمزيد الاعتناء، وهو مما يرجح رواية
أبي ذر، وابن عساكر بسقوطها في الباب السابق، واقتصارهم
على ترجمتين فقط. كما مر.
962 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ
طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "شَهِدْتُ الْعِيدَ
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ -رضي الله عنهم-
فَكُلُّهُمْ كَانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الْخُطْبَةِ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل
البصري (قال: أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز
(قال: أخبرني) بالإفراد (الحسن بن مسلم) بضم الميم وسكون
السين وكسر اللام، ابن يناق، بفتح المثناة التحتية وتشديد
النون وبعد الألف قاف (عن طاوس) هو: ابن كيسان (عن ابن
عباس) رضي الله عنهما، (قال: شهدت العيد مع رسول الله،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبي بكر، وعمر،
وعثمان، رضي الله عنهم، فكلهم كانوا يصلون قبل الخطبة).
هذا صريح فيما ترجم له، وشيخ المؤلّف بصري، والثاني
والثالث مَكِّيّان، والرابع يماني، وفيه التحديث،
والإخبار، والعنعنة، والقول. وأخرجه المؤلّف في: التفسير،
ومسلم في الصلاة، وكذا أخرجه أبو داود.
963 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ:
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: "كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ -رضي الله عنهما- يُصَلُّونَ
الْعِيدَيْنِ قَبْلَ الْخُطْبَةِ".
وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي (قال: حدّثنا
أبو أسامة) حماد بن أسامة (قال: حدّثنا عبيد الله) بضم
العين مصغرًا، ابن عمر بن حفص العمري (عن نافع، عن ابن
عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما، (قال: كان رسول الله)
ولأبي ذر في رواية، وأبي الوقت، والأصيلي: كان النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبو بكر، وعمر رضي
الله عنهما، يصلون العيدين قبل الخطبة).
964 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى
يَوْمَ الْفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا
وَلاَ بَعْدَهَا. ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ
بِلاَلٌ، فَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ، فَجَعَلْنَ
يُلْقِينَ، تُلْقِي الْمَرْأَةُ خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا".
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بمعجمة، ثم
مهملة، البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن
ثابت) بالمثلثة، الأنصاري الكوفي (عن سعيد بن جبير)
الأسدي، مولاهم الكوفي، المقتول بين يدي الحجاج سنة خمس
وتسعين (عن ابن عباس) رضي الله عنهما، (أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى يوم) عيد (الفطر
ركعتين) لا أربعًا.
وما روي عن عليّ أنها تُصلّى في الجامع أربعًا، وفي
المصلّى ركعتين، مخالف لما انعقد عليه الإجماع.
(لم يصلّ قبلها ولا بعدها) تطوعًا. وحكم ذلك يأتي إن شاء
الله تعالى (ثم أتى النساء ومعه بلال، فأمرهن بالصدقة)
لكونه رآهن أكثر أهل النار. (فجعلن يلقين) الصدقة في ثوب
بلال، (تلقي المرأة خرصها) بضم الخاء المعجمة وقد تكسر،
أي؛ حلقتها الصغيرة التي تعلق بالأُذن (و) تلقي (سخابها)
بكسر السين المهملة والخاء المعجمة مخففة وبعد الألف
موحدة، خيط من خرز.
وقال البخاري: قلادة من طيب أو مسك أو قرنفل ليس فيه من
الجوهر شيء، وسمي به لصوت خرزه، عند الحركة من السخب، وهو
اختلاط الأصوات، ويجوز فيه الصاد.
965 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا زُبَيْدٌ قَالَ:
سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ فِي يَوْمِنَا
هَذَا أَنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ. فَمَنْ
فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ نَحَرَ
قَبْلَ الصَّلاَةِ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ
لأَهْلِهِ، لَيْسَ مِنَ النُّسْكِ فِي شَىْءٍ. فَقَالَ
رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ
نِيَارٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ
خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. فَقَالَ: «اجْعَلْهُ مَكَانَهُ
وَلَنْ تُوفِيَ -أَوْ تَجْزِيَ- عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (قال: حدّثنا زبيد) بضم الزاي وفتح الموحدة مصغرًا،
ابن الحرث اليامي، بالمثناة التحتية (قال: سمعت الشعبي)
عامر بن شراحيل (عن البراء بن عازب) رضي الله عنه (قال،
قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في خطبته
بعد أن صلّى العيد:
(إن أول ما نبدأ) به (في يومنا هذا) يوم عيد الأضحى، وكذا
عيد الفطر (أن نصلي) الصلاة التي قدمنا فعلها، فعبر
بالمستقبل عن الماضي (ثم نرجع فننحر). نصب عطفًا على
السابق، والتعقيب بثم لا يستلزم عدم تخلّل أمر آخر بين
الأمرين (فمن فعل ذلك) أي البدء بالصلاة، ثم رجع فنحر (فقد
أصاب سنّتنا، ومن نحر قبل الصلاة) إبلاً أو ذبح غيرها،
المشهور أن النحر في الإبل، والذبح في غيرها، وقد يطلق
النحر على الذبح لأن كلاًّ منهما يحصل به إنهار الدم
(فإنما هو لحم قدّمه لأهله، ليس من النسك في شيء) بسكون
السين في اليونينية.
(فقال رجل من الأنصار يقال له: أبو بردة) بضم الموحدة
(2/212)
وسكون الراء (بن دينار) بكسر النون وتخفيف
المثناة التحتية: (يا رسول الله، ذبحت) شاتي قبل أن آتي
الصلاة (وعندي جذعة) من المعز ذات سنة هي (خير) لسمنها
وطيب لحمها وكثرة ثمنها (من مسنّة) أي: ثنية من المعز ذات
سنتين (فقال) عليه الصلاة والسلام، ولأبوي ذر، والوقت،
والأصيلي قال:
(اجعله مكانه) بتذكير الضميرين مع عودهما لمؤنث، اعتبارًا
بالمذبوح (ولن توفي) بضم المثناة الفوقية وسكون الواو وكسر
الفاء مخففة، كذا في اليونينية، وضبطه البرماوي وغيره؛
توفي، بفتح
الواو وتشديد الفاء (أو تجزي) بفتح أوله من غير همز، شك من
الراوي، أي: لن تكفي جذعة (عن أحد بعدك)، خوصية له، لا
تكون لغيره، إذ كان له، عليه الصلاة والسلام، أن يخص من
شاء بما شاء من الأحكام.
9 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ حَمْلِ السِّلاَحِ فِي الْعِيدِ
وَالْحَرَمِ
وَقَالَ الْحَسَنُ: نُهُوا أَنْ يَحْمِلُوا السِّلاَحَ
يَوْمَ عِيدٍ، إِلاَّ أَنْ يَخَافُوا عَدُوًّا.
(باب ما يكره من حمل السلاح في العيد و) أرض (الحرم) بطرًا
وأشرًا من غير أن يتحفظ، حال حمله وتجريده، من إصابة أحد
من الناس، لا سيما عند المزاحمة والمسالك الضيقة.
وهذا بخلاف ما ترجم له فيما سبق من: لعب الحبشة بالحراب
والدرق يوم العيد للتدريب والإدمان لأجل الجهاد مع الأمن
من الإيذاء.
(وقال الحسن) البصري: (نهوا) بضم النون والهاء.
أصله: نهيوا، استثقلوا الضمة على الياء، فنقلت إلى ما
قبلها بعد سلب حركة ما قبلها، ثم حذفت الياء لالتقاء
الساكنين.
(أن يحملوا السلاح يوم عيد) خوفًا أن يصل الإيذاء لأحد و:
عيد، بالتنكير، وللأصيلي، وأبي الوقت، وأبي ذر، في نسخة،
يوم العيد. (إلاّ أن يخافوا عدوًّا) فيباح حمله للضرورة.
وقد روى ابن ماجة، بإسناد ضعيف عن ابن عباس: أنه، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، نهى أن يلبس السلاح في بلاد
الإسلام إلا أن يكونوا بحضرة العدوّ.
وروى مسلم عن جابر: نهى أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن يحمل السلاح بمكة.
966 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى أَبُو
السُّكَيْنِ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُحَارِبِيُّ قَالَ:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ قَالَ: "كُنْتُ مَعَ ابْنِ عُمَرَ حِينَ
أَصَابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أَخْمَصِ قَدَمِهِ،
فَلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ، فَنَزَلْتُ
فَنَزَعْتُهَا. وَذَلِكَ بِمِنًى -فَبَلَغَ الْحَجَّاجَ
فَجَعَلَ يَعُودُهُ. فَقَالَ الْحَجَّاجُ: لَوْ نَعْلَمُ
مَنْ أَصَابَكَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَنْتَ
أَصَبْتَنِي. قَالَ: وَكَيْفَ؟ قَالَ: حَمَلْتَ السِّلاَحَ
فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ يُحْمَلُ فِيهِ، وَأَدْخَلْتَ
السِّلاَحَ الْحَرَمَ، وَلَمْ يَكُنِ السِّلاَحُ يُدْخَلُ
الْحَرَمَ". [الحديث 966 - طرفه في: 967].
وبالسند قال: (حدّثنا زكريا بن يحيى) الطائي الكوفي، كنيته
(أبو السكين) بضم المهملة وفتح الكاف، مصغرًا (قال: حدّثنا
المحاربي) بضم الميم وبالمهملة وبعد الألف والراء المكسورة
موحدة،
عبد الرحمن بن محمد، لا ابنه عبد الرحيم (قال: حدّثنا محمد
بن سوقة) بضم المهملة وسكون الواو وفتح القاف التابعي
الصغير الكوفي (عن سعيد بن جبير قال):
(كنت مع ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما (حين أصابه
سنان الرمح في أخمص قدمه) بإسكان الخاء المعجمة وفتح الميم
ثمّ صاد مهملة، ما دخل من القدم، فلم يصب الأرض عند المشي،
(فلزقت) بكسر الزاي (قدمه بالركاب، فنزلت فنزعتها).
أنّث الضمير مع عوده إلى السنان المذكر، إما باعتبار إرادة
الحديدة، أو السلاح لأنه مؤنث، أو: هو راجع إلى القدم،
فيكون من باب القلب، كما في: أدخلت الخفّ في الرِجل.
(وذلك) أي: وقوع الإصابة (بمنى) بعد قتل عبد الله بن
الزبير بسنة.
(فبلغ الحجاج) بن يوسف الثقفي، وكان إذ ذاك أميرًا على
الحجاز (فجعل يعوده).
جعلَ من أفعال المقاربة الموضوعة للشروع في العمل، ويعوده
خبره، ولأبي ذر، وابن عساكر: عن المستملي: فجاء يعوده.
والجملة حالية.
(فقال الحجاج) له: (لو نعلم من أصابك) عاقبناه، ولأبي
الوقت، عن الحموي والمستملي، كما في الفرع: وقال العيني،
كالحافظ ابن حجر، ولأبي ذر، بدل: أبي الوقت: ما أصابك.
(فقال ابن عمر) للحجاج: (أنت أصبتني) نسب الفعل إليه لأنه
أمر رجلاً معه حربة يقال: إنها كانت مسمومة، فلصق ذلك
الرجل به، فأمرّ الحربة على قدمه، فمرض منها أيامًا ثم
مات. وذلك في سنة أربع وسبعين.
وكان سبب ذلك أن عبد الملك كتب إلى الحجاج: أن لا تخالف
ابن عمر، فشقّ عليه ذلك، وأمر ذلك الرجل بما ذكر. حكاه
الزبيري في الأنساب.
وفي كتاب الصريفيني: لما أنكر عبد الله على الحجاج نصب
المنجنيق، يعني: على الكعبة، وقتل عبد الله بن الزبير، أمر
الحجاج بقتله، فضربه رجل من أهل الشام ضربة، فلما أتاه
الحجاج يعوده قال له عبد الله: تقتلني ثم تعودني؟ كفى الله
حكمًا بيني وبينك. فصرّح أنه أمر بقتله، وأنه قاتله، بخلاف
ما حكاه الزبيري فإنه غير صريح.
(قال) الحجاج: (وكيف) أصبتك؟ (قال) ابن عمر له:
(2/213)
(حملت السلاح) أي: أمرت بحمله (في يوم لم
يكن يحمل فيه) السلاح، وهو يوم العيد (وأدخلت السلاح
الحرم) المكي، ولأبوي ذر، والوقت: في الحرم (ولم يكن
السلاح يدخل الحرم) بضم المثناة التحتية مبنيًّا
للمفعول.
أي فخالفت السُّنّة في الزمان والمكان، وفيه: أن قول
الصحابي: كان يفعل كذا، مبنيًّا للمفعول له حكم الرفع.
ورواة هذا الحديث كوفيون، وفيه تابعي عن تابعي، وفيه
التحديث والعنعنة والقول، وشيخ المؤلّف من أفراده،
وأخرجه أيضًا: في العيدين.
967 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ:
حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "دَخَلَ
الْحَجَّاجُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ وَأَنَا عِنْدَهُ،
فَقَالَ: كَيْفَ هُوَ؟ فَقَالَ: صَالِحٌ. فَقَالَ:
مَنْ أَصَابَكَ؟ قَالَ: أَصَابَنِي مَنْ أَمَرَ
بِحَمْلِ السِّلاَحِ فِي يَوْمٍ لاَ يَحِلُّ فِيهِ
حَمْلُهُ" يَعْنِي الْحَجَّاجَ".
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يعقوب) المسعودي الكوفي
(قال: حدّثني) بالإفراد (إسحاق بن سعيد بن عمرو بن
سعيد بن العاصي) بفتح عين عمرو وسكون ميمه، وكسر عين
سعيد، كلاهما الأموي القرشي (عن أبيه) سعيد المذكور
(قال):
(دخل الحجاج) بن يوسف (على ابن عمر) بن الخطاب، رضي
الله عنهما (وأنا عنده فقال: كيف هو؟ فقال: صالح.
فقال) أي: الحجاج، ولأبي ذر: قال: (من أصابك؟ قال) ابن
عمر: (أصابني من أمر بحمل السلاح في يوم لا يحلّ فيه
حمله) وهو يوم العيد. (يعني) ابن عمر: (الحجاج). نصب
على المفعولية.
وزاد الإسماعيلي في هذه الطريق: قال: لو عرفناه
لعاقبناه.
قال: وذلك لأن الناس نفروا عشية، ورجل من أصحاب الحجاج
عارض حربته، فضرب ظهر قدم ابن عمر، فأصبح وهنًا منها،
ثم مات.
فإن قلت: هذه الرواية فيها تعريض بالحجاج حيث قال:
أصابني من أمر، ورواية سعيد بن جبير المتقدمة مصرّحة
بأنه الذي فعل ذلك، حيث قال: أنت أصبتني.
أجيب: باحتمال تعدّد الواقعة، أو السؤال، فلعله عرّض
به أولاً، فلما أعاد عليه صرّح.
10 - باب التَّبْكِيرِ إِلَى الْعِيدِ
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُسْرٍ: إِنْ كُنَّا
فَرَغْنَا فِي هَذِهِ السَّاعَةِ. وَذَلِكَ حِينَ
التَّسْبِيحِ.
(باب التبكير للعيد) أي: لصلاة العيد. والتبكير بتقديم
الموحدة على الكاف من بكر إذا بادر وأسرع، ولأبي ذر،
والأصيلي، عن الكشميهني: التكبير، بتأخير الموحدة بعد
الكاف. وعزاها العيني، كالحافظ ابن حجر، للمستملي قال:
وهو تحريف.
(وقال عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وإسكان المهملة،
المازني السلمي، الصحابي ابن الصحابي، آخر من مات من
الصحابة بالشام، فجأة، سنة ثمان وثمانين، مما وصله
أحمد، من طريق خمير، بضم الخاء المعجمة مصغرًا، قال:
خرج عبد الله بن بسر مع الناس يوم عيد فطر أو
أضحى، فأنكر بإبطاء الإمام، وقال (إن كنا فرغنا في هذه
الساعة) في رواية أحمد المذكورة إن كنا مع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد فرغنا. فصرح
برفعه، وأثبت قد، وهي ساقطة من البخاري كما في
اليونينية. وعند الحافظ ابن حجر في فتح الباري،
والعلاّمة العيني في شرحه.
نعم، في كلام البرماوي والزركشي ما يدل على ثبوتها،
ولا مانع من ثبوتها في بعض الأصول تبعًا لأصول التعليق
عند أحمد، لكنهما حكيا أن الصواب: لقد فرغنا، بإثبات
اللام الفارقة.
وتعقب ذلك العلامة البدر الدماميني؛ بأنها إنما تكون
لازمة عند خوف اللبس.
قال ابن مالك: فإن أمن اللبس لم يلزم، كقراءة أبي رجاء
{وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا} [الزخرف: 35].
بكسر اللام ومنه. إن كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب التيمّن، وإن كان من أحب
الناس إلى غير ذلك. اهـ.
وإن في قوله: إن كنا، هي المخففة من الثقيلة، واسمها
ضمير الشأن.
(وذلك) أي: وقت الفراغ (حين التسبيح) أي وقت صلاة
السبحة، وهي النافلة، إذ مضى وقت الكراهة.
وفي رواية صحيحة للطبراني: وذلك حين تسبيح الضحى،
واختلف في وقت الغدوّ إليها، ومذهب الشافعية
والحنابلة: أن المأموم يذهب مع صلاة الصبح، وأما
الإمام فعند إرادة الإحرام بها للاتباع، رواه الشيخان.
وقال المالكية، بعد طلوع الشمس، في حق الإمام
والمأموم، فلفعل ابن عمر.
ووقتها عند الشافعية: ما بين طلوع الشمس وزوالها، وإن
كان فعلها عقب الطلوع مكروهًا لأن مبنى المواقيت على
أنه إذا خرج وقت صلاة دخل وقت غيرها. وبالعكس، لكن
الأفضل إقامتها من ارتفاعها قيد رمح للاتباع، وليخرج
وقت الكراهة، وللخروج من الخلاف.
وقال المالكية، والحنفية، والحنابلة: من ارتفاع الشمس
قيد رمح إلى الزوال.
لنا ما سبق عن
(2/214)
عبد الله بن بسر حيث قال: إن كنا قد فرغنا
ساعتنا هذه: وذلك حين صلاة التسبيح.
واحتج الثلاثة بفعله عليه الصلاة والسلام، ونهيه عن
الصلاة وقت طلوع الشمس، وأجابوا عن حديث ابن بسر هذا
بأنه كان قد تأخر عن الوقت، بدليل ما تواتر عن غيره،
وبأن الأفضل ما عليه الجمهور، وهو فعلها بعد الارتفاع
قيد رمح. فيكون ذلك الوقت أفضل بالإجماع.
وهذا الحديث، لو بقي على ظاهره لدلّ على أن الأفضل
خلافه.
968 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ زُبَيْدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ
عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: خَطَبَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ قَالَ:
«إِنَّ أَوَّلَ مَا نَبْدَأُ بِهِ فِي يَوْمِنَا هَذَا
أَنْ نُصَلِّيَ، ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ، فَمَنْ
فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَنْ
ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنَّمَا هُوَ لَحْمٌ
عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي
شَىْءٍ». فَقَامَ خَالِي أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ
أَنْ أُصَلِّيَ، وَعِنْدِي جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ
مُسِنَّةٍ. قَالَ: «اجْعَلْهَا مَكَانَهَا -أَوْ قَالَ
اذْبَحْهَا- وَلَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عَنْ أَحَدٍ
بَعْدَكَ».
وبالسند قال: (حدّثنا سليمان بن حرب، قال: حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن زبيد) اليامي (عن الشعبي) عامر بن
شراحيل (عن البراء) بن عازب، رضي الله عنه، (قال):
(خطبنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم
النحر) أي بعد أن صلّى العيد (فقال):
(إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا) أي: وفي يوم عيد
الفطر (أن نصلي) صلاة العيد التي صليناها قبل، (ثم
نرجع فننحر) بالنصب عطفًا على ما سبق والنحر للإبل،
والذبح لغيرها، أو يطلق النحر على الذبح بجامع إنهار
الدم. (فمن فعل ذلك) بأن قدّم الصلاة على الخطبة ثم
نحر (فقد أصاب سنّتنا، ومن ذبح قبل أن يصلّي) العيد
(فإنما هو) أي: الذي ذبحه (لحم عجله لأهله، ليس من
النسك) المتقرب بها (في شيء)، ولأبي ذر، عن الكشميهني:
فإنها، أي: ذبيحته لحم.
قال البراء: (فقام خالي أبو بردة بن نيار) بكسر النون
وتخفيف المثناة (فقال: يا رسول الله! أنا) ولأبي ذر،
والأصيلي، وأبي الوقت، عن الحموي والمستملي: إني
(ذبحت) شاتي (قبل أن أصلي، وعندي جذعة) من المعز، هي
(خير من مسنة)، لها سنتان، لنفاستها لحمًا وثمنًا.
(قال) عليه الصلاة والسلام له، ولأبي الوقت، فقال:
(اجعلها مكانها -أو قال اذبحها-) شك من الراوي (ولن
تجزي جذعة عن أحد بعدك) وفي رواية: غيرك.
ووجه الدلالة للترجمة من قوله: "أول ما نبدأ به في
يومنا هذا أن نصلي ... " من جهة أن المؤخر لصلاة العيد
عن أول النهار بدأ بغير الصلاة، لأنه بدأ بتركها،
والاشتغال عنها بما لا يخلو الإنسان منه عند خلوه عن
الصلاة، وهو استنباط خفي يجنح إلى الجمود على اللفظ،
والإعراض عن النظر إلى السياق، وله وجه.
ويحقق ما قلناه، أنه قال في طريق أخرى، تأتي إن شاء
الله تعالى: "إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نبدأ
بالصلاة ... " فالأوّلية باعتبار المناسك، لا باعتبار
النهار: قاله في المصابيح.
11 - باب فَضْلِ الْعَمَلِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ
فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَات}: أَيَّامُ الْعَشْرِ.
وَالأَيَّامُ الْمَعْدُودَاتُ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ.
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ
إِلَى السُّوقِ فِي أَيَّامِ الْعَشْرِ يُكَبِّرَانِ
وَيُكَبِّرُ النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا وَكَبَّرَ
مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ.
(باب فضل العمل في أيام التشريق) الثلاثة بعد يوم
النحر، أو: هو منها عملاً بسبب التسمية به، لأن لحوم
الأضاحي كانت تشرك فيها بمنى، أيّ تقدد، ويبزر بها
للشمس.
أو: أنها كلها أيام تشريق لصلاة يوم النحر، لأنها إنما
تصلّي بعد أن تشرق الشمس، فصارت تبعًا ليوم النحر.
أو: من قول الجاهلية:
أشرق ثبير كيما نغير
أي ندفع فننحر.
وحينئذ فإخراجهم يوم النحر منها إنما هو لشهرته بلقب
خاص، وهو: يوم العيد، وإلاّ فهي في الحقيقة تبع له في
التسمية.
وقد روى أبو عبيد، من مرسل الشعبي، بسند رجاله ثقات:
"من ذبح قبل التشريق فليعد". أي: قبل صلاة العيد. لكن
مقتضى كلام الفقهاء واللغويين: أنها غيره، والله تعالى
أعلم.
(وقال ابن عباس) رضي الله عنهما، مما وصله عبد بن حميد
في تفسيره (واذكروا {الله في أيام معلومات}) [الحج:
28] باللام هي: (أيام العشر) الأول من ذي الحجة.
قال: (والأيام المعدودات) بالدال: هي (أيام التشريق)
الثلاثة: الحادي عشر من ذي الحجة: يوم القرّ بفتح
القاف، لأن الحجاج يقرّون فيه بمنى، والثاني عشر،
والثالث عشر: المسمّيان بالنفر الأول لجواز النفر فيه
لمن تعجل، والنفر الثاني.
ويقال لها: أيام منى، لأن الحجاج يقيمون فيها بمنى.
وهذا، أي قوله: واذكروا {الله في أيام معلومات}
باللام، رواية كريمة وابن شبويه، وهي خلاف التلاوة،
لأنها في سورة البقرة: معدودات بالدال، ولأبي ذر، عن
الحموي والمستملي {واذكروا الله في أيام معدودات)
بالدال، وهي مخالفة للتلاوة أيضًا، لأنها، وإن كانت
موافقة لآية البقرة في {معدودات} بالدال لكنها مخالفة
لها من حيث التعبير بفعل الأمر، موافقة لآية الحج في
التعبير بالمضارع، لكن تلك: أي: آية الحج، {معلومات}
باللام مع إثبات: اسم، في قوله: {ويذكروا اسم الله}
ولأبي ذر أيضًا، عن
الكشميهني، مما في الفتح
(2/215)
والعمدة {ويذكروا الله في أيام معلومات}
باللام بلفظ سورة الحج، لكنه حذف لفظ: اسم.
وبالجملة فليس في هذه الروايات الثلاثة ما يوافق
التلاوة، ومن ثم استشكلت.
وأجيب: بأنه لم يقصد بها التلاوة، وإنما حكي كلام ابن
عباس. وابن عباس إنما أراد تفسير المعدودات
والمعلومات.
نعم، في فرع اليونينية، مما رقم له بعلامة أبي ذر، عن
الكشميهني: {ويذكروا اسم الله في أيام معلومات}
باللام، وهذا موافق لما في الحج.
(وكان ابن عمر) بن الخطاب (وأبو هريرة) رضي الله عنهم،
مما ذكره البغوي والبيهقي معلقًا عنهما، (يخرجان إلى
السوق في أيام العشر) الأول من ذي الحجة (يكبران،
ويكبر الناس بتكبيرهما).
قال البرماوي كالكرماني: هذا لا يناسب الترجمة، إلا أن
المصنف، رحمه الله كثيرًا ما يضيف إلى الترجمة ما له
أدنى ملابسة استطرادًا.
وقال في الفتح: الظاهر أنه أراد تساوي أيام التشريق
بأيام العشر، لجامع ما بينهما مما يقع فيهما من أعمال
الحج.
(وكبر محمد بن علي) الباقر، فيما وصله الدارقطني في:
المؤتلف، عنه في: أيام التشريق بمنى، (خلف النافلة)
كالفريضة. وفي ذلك خلاف يأتي إن شاء الله تعالى في
الباب اللاحق مع غيره.
969 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ قَالَ:
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُسْلِمٍ
الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ: «مَا الْعَمَلُ فِي
أَيَّامِ الْعَشْرِ أَفْضَلَ مِنَ الْعَمَلِ فِي
هَذِهِ». قَالُوا: وَلاَ الْجِهَادُ؟ قَالَ: «وَلاَ
الْجِهَادُ، إِلاَّ رَجُلٌ خَرَجَ يُخَاطِرُ
بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ بِشَىْءٍ».
وبالسند قال: (حدثنا محمد بن عرعرة) بفتح العينين
المهملتين، وبالراءين (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج
(عن سليمان) بن مهران الأعمش، (عن مسلم البطين) بفتح
الموحدة وكسر المهملة وسكون التحتية آخره نون، لقب به
لعظم بطنه، وهو كوفي (عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس)
رضي الله عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أنه قال):
(ما العمل) مبتدأ، يشمل أنواع العبادات: كالصلاة
والتكبير، والذكر، والصوم، وغيرها (في أيام) من أيام
السنة، وهو متعلق المبتدأ، أو خبره قوله: (أفضل منها)
الجار والمجرور متعلق
بأفضل، والضمير عائد إلى العمل، بتقدير الإعمال كما في
قوله تعالى {أو الطفل الذين} [النور: 31] كذا قرره
البرماوي والزركشي.
وتعقبه المحقق ابن الدماميني فقال: هذا غلط، لأن الطفل
يطلق على الواحد والجماعة بلفظ واحد، بخلاف العمل،
وزاد فخرّجه على أن يكون الضمير عائدًا إلى العمل،
باعتبار إرادة القربة مع عدم تأويله بالجمع، أي:
ما القربة في أيام أفضل منها (في هذا العشر) الأول من
ذي الحجة. كذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني بالتصريح:
بالعشر، وكذا عند أحمد، عن غندر، عن شعبة بالإسناد
المذكور. بل في رواية أبي داود الطيالسي عن شعبة بلفظ:
عشر الحجة.
وممن صرّح بالعشر أيضًا ابن ماجة، وابن حبان، وأبو
عوانة.
ولكريمة عن الكشميهني: "ما العمل في أيام العشر أفضل
من العمل في هذه". بتأنيث الضمير مع إبهام الأيام.
وفسرها بعض الشارحين بأيام التشريق لكون المؤلّف ترجم
لها، وهو يقتضي نفي أفضلية العمل في أيام العشر على
أيام التشريق.
ووجهه صاحب بهجة النفوس: بأن أيام التشريق أيام غفلة،
والعبادة في أوقات الغفلة فاضلة على غيرها، كمن قام في
جوف الليل وأكثر الناس نيام، وبأنه وقع فيها محنة
الخليل بولده عليهما الصلاة والسلام، ثم منّ عليه
بالفداء.
وهو معارض بالنقول كما قاله في الفتح: فالعمل في أيام
العشر أفضل من العمل في غيرها من أيام الدنيا من غير
استثناء شيء. وعلى هذا فرواية كريمة شاذة لمخالفتها
رواية أبي ذر، وهو من الحفاظ عن شيخهما الكشميهني، لكن
يعكر عليه ترجمة المؤلّف: بأيام التشريق.
وأجيب: باشتراكهما في أصل الفضيلة لوقوع أعمال الحج
فيهما، ومن ثم اشتركا في مشروعية التكبير.
وفي رواية أبي الوقت، والأصيلي وابن عساكر: "ما العمل
في أيام أفضل منها في هذه". بتأنيث الضمير، وهي ظرف
مستقر، حال من الضمير المجرور "بمن" وإذا كان العمل في
أيام العشر أفضل من العمل في أيام غيره من السنة، لزم
منه أن تكون أيام العشر أفضل من غيرها من أيام السنة،
حتى يوم الجمعة منه أفضل منه في غيره، لجمعه
الفضيلتين.
وخرج البزار وغيره، عن جابر مرفوعًا: "أفضل أيام
الدنيا أيام العشر". وفي حديث عند ابن عمر المروي "ليس
يوم أعظم عند الله من يوم الجمعة، ليس العشر". وهو يدل
على أن أيام العشر أفضل من يوم الجمعة الذي هو أفضل
الأيام، وأيضًا فأيام العشر
(2/216)
تشتمل على يوم عرفة وقد روي: أنه أفضل أيام
الدنيا، والأيام إذا أطلقت دخلت فيها الليالي تبعًا،
وقد أقسم الله تعالى بها، فقال:
{وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1 - 2]
وقد زعم بعضهم: أن ليالي عشر رمضان: أفضل من لياليه
لاشتمالها على ليلة القدر.
قال الحافظ ابن رجب: وهذا بعيد جدًّا، ولو صح حديث أبي
هريرة، المروي في الترمذي: "قيام كل ليلة منها بقيام
ليلة القدر". لكان صريحًا في تفضيل لياليه على ليالي
عشر رمضان، فإن عشر رمضان فضل بليلة واحدة، وهذا جمع
لياليه متساوية.
والتحقيق ما قاله بعض أعيان المتأخرين من العلماء: إن
مجموع هذا العشر أفضل من مجموع عشر رمضان، وإن كان في
عشر رمضان ليلة لا يفضل عليها غيرها. انتهى.
واستدلّ به على فضل صيام عشر الحجة لاندراج الصوم في
العمل، وعورض بتحريم صوم يوم العيد.
وأجيب: بحمله على الغالب، ولا ريب أن صيام رمضان أفضل
من صوم العشر، لأن فعل الفرض أفضل من النفل من غير
تردّد، وعلى هذا فكل ما فعل من فرض في العشر فهو أفضل
من فرض فعل في غيره، وكذا النفل.
(قالوا): يا رسول الله (ولا الجهاد)؟ أفضل منه، وزاد
أبو ذر: في سبيل الله (قال) عليه الصلاة والسلام.
(ولا الجهاد) في سبيل الله، ثم استثنى جهادًا واحدًا
هو أفضل الجهاد فقال: (إلا رجل خرج) أي: إلا عمل رجل.
فهو مرفوع على البدل، والاستثناء متصل، وقيل: منقطع
أي: لكن رجل خرج يخاطر بنفسه فهو أفضل من غيره أو
مساوٍ له.
وتعقبه في المصابيح بأنه: إنما يستقيم على اللغة
التميمية، وإلا فالمنقطع عند غيرهم واجب النصب.
ولأبي ذر، عن المستملي: إلا من خرج حال كونه (يخاطر)
من المخاطرة، وهي ارتكاب ما فيه خطر (بنفسه وماله، فلم
يرجع بشيء) من ماله، وإن رجع هو أو لم يرجع هو ولا
ماله، بأن ذهب ماله واستشهد. كذا قرره ابن بطال.
وتعقبه الزين بن المنير بأن قوله فلم يرجع بشيء،
يستلزم أنه يرجع بنفسه ولا بد.
وأجيب: بأن قوله: "فلم يرجع بشيء" نكرة في سياق النفي
فتعمّ ما ذكره.
وعند أبي عوانة من طريق إبراهيم بن حميد عن شعبة: إلا
من عقر جواده، وأهريق دمه وعنده، من رواية القاسم بن
أيوب: إلا من لا يرجع بنفسه ولا ماله.
وفي هذا الحديث أن العمل المفضول في الوقت الفاضل
يلتحق بالعمل الفاضل في غيره، ويزيد عليه لمضاعفة
ثوابه وأجره.
ورواته كوفيون إلا شيخه فبصري، والثاني بسطامي، وفيه
التحديث، والعنعنة، وأخرجه أبو داود، والترمذي، وابن
ماجة: في الصيام، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب.
12 - باب التَّكْبِيرِ أَيَّامَ مِنًى، وَإِذَا غَدَا
إِلَى عَرَفَةَ
وَكَانَ عُمَرُ -رضي الله عنه- يُكَبِّرُ فِي
قُبَّتِهِ بِمِنًى فَيَسْمَعُهُ أَهْلُ الْمَسْجِدِ
فَيُكَبِّرُونَ وَيُكَبِّرُ أَهْلُ الأَسْوَاقِ حَتَّى
تَرْتَجَّ مِنًى تَكْبِيرًا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ
يُكَبِّرُ بِمِنًى تِلْكَ الأَيَّامَ وَخَلْفَ
الصَّلَوَاتِ وَعَلَى فِرَاشِهِ وَفِي فُسْطَاطِهِ
وَمَجْلِسِهِ وَمَمْشَاهُ تِلْكَ الأَيَّامَ جَمِيعًا.
وَكَانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ،
وَكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أَبَانَ بْنِ
عُثْمَانَ وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزَ لَيَالِيَ
التَّشْرِيقِ مَعَ الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ.
(باب التكبير أيام منى) يوم العيد، الثلاثة بعده. (و)
التكبير (إذا غدا) صبيحة التاسع (إلى عرفة) للوقوف
بها.
(وكان عمر) بن الخطاب (رضي الله عنه) مما وصله سعيد بن
منصور، من رواية عبيد بن عمير عنه، وأبو عبيدة من وجه
آخر، والبيهقي من طريقه، ولأبي ذر مما في فرع
اليونينية: وكان ابن عمر (يكبر في قبته) بضم القاف
وتشديد الموحدة، بيت صغير من الخيام مستدير من بيوت
العرب (بمنى) في أيامها (فيسمعه أهل المسجد فيكبرون،
ويكبر أهل الأسواق) بتكبيره (حتى ترتج منى) بتشديد
الجيم، أي: تضطرب وتتحرك مبالغة في اجتماع رفع الأصوات
(تكبيرًا) بالنصب، أي: لأجل التكبير.
وقد أبدى الخطابي للتكبير أيام منى حكمة وهي: أن
الجاهلية كانوا يذبحون لطواغيتهم فيها، فشرع التكبير
فيها إشارة إلى تخصيص الذبح له، وعلى اسمه عز وجل.
(وكان ابن عمر) بن الخطاب رضي الله عنهما، مما وصله
ابن المنذر، والفاكهي في أخبار مكة، من طريق ابن جريج
أخبرني نافع أن ابن عمر كان (يكبر بمنى تلك الأيام)
أي: أيام منى (وخلف الصلوات) المكتوبات وغيرها (وعلى
فراشه) بالإفراد، وللحموي والمستملي: وعلى فراشه، (وفي
فسطاطه) بضم الفاء وقد تكسر: بيت من شعر (ومجلسه
وممشاه) بفتح الميم الأولى، موضع مشيه (تلك الأيام)
ظرف للمذكورات. أي: في تلك الأيام وكررها للتأكيد
والمبالغة، ثم أكد ذلك أيضًا بقوله (جميعًا).
ويروي، وتلك بواو العطف (وكانت ميمونة) بنت الحرث
الهلالية المتوفاة بسرف، بين مكة
(2/217)
والمدينة، حيث بنى بها عليه الصلاة
والسلام، سنة إحدى وخمسين (تكبر يوم النحر) قال الحافظ
ابن
حجر، رحمه الله تعالى: لم أقف على أثرها هذا موصولاً،
وقال صاحب العمدة: روى البيهقي تكبيرها يوم النحر.
(وكن النساء) على لغة: أكلوني البراغيث، ولأبي ذر:
وكان النساء (يكبّرن خلف أبان) بفتح الهمزة وتخفيف
الموحدة وبعد الألف نون (بن عثمان) بن عفان، وكان
أميرًا على المدينة في زمن ابن عمّ أبيه، عبد الملك بن
مروان (و) خلف أمير المؤمنين (عمر بن عبد العزيز) أحد
الخلفاء الراشدين، مما وصله أبو بكر بن أبي الدنيا في
كتاب العيد (ليالي) أيام (التشريق مع الرجال في
المسجد).
فهذه الآثار قد اشتملت على وجود التّكبير في تلك
الأيام عقب الصلوات وغيرها من الأحوال، وللعلماء في
ذلك اختلاف: هل يختص بالمكتوبات أو يعمّ النوافل؟
وبالمؤداة أو يعمّ المقضية؟ وهل ابتداؤه من صبح عرفة
أو من ظهره؟ أو من صبح يوم النحر أو من ظهره؟ وهل
الانتهاء إلى ظهر يوم النحر أو إلى ظهر ثانيه؟ أو إلى
صبح آخر أيام التشريق أو إلى عصره؟
وقد اجتمع من هذه: ستة وسبعون. بيان ذلك: أن تضرب
أربعة الابتداء في خمسة الانتهاء تبلغ عشرين. يسقط
منها كون ظهر النحر مبتدأ ومنتهى كليهما معًا، تصير
تسعة عشر. تضربها في الأربعة الأولى الباقية تبلغ: ستة
وسبعين. كذا قرره البرماوي، مع ما نقله عن الكرماني
وغيره.
ويزاد على ذلك: هل يختص بالرجال أو يعمّ النساء؟
وبالجماعة أو يعمّ المنفرد؟ وبالمقيم أو يعمّ المسافر؟
وساكن مصر أو يعمّ أهل القرى؟ فهي ثمانية حكاها مع
سابقها النووي، وزاد غيره في الانتهاء، فقال: وقيل:
إلى عصر يوم النحر.
قال في الفتح، وقد رواه البيهقي عن أصحاب ابن مسعود:
ولم يثبت في شيء من ذلك عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حديث، وأصح ما ورد فيه عن
الصحابة قول علي وابن مسعود: إنه من صبح يوم عرفة إلى
آخر أيام منى، أخرجهما ابن المنذر وغيره.
والصحيح من مذهب الشافعية: أن استحبابه يعمّ الصلاة
فرضًا ونفلاً، ولو جنازة ومندورة ومقضية في زمن
استحبابه لكل مصلٍّ: حاجّ أو غيره؟ مقيم أو مسافر؟ ذكر
أو أُنثى؟ منفرد أو غيره؟ من صبح عرفة إلى عقيب عصر
آخر أيام التشريق للاتباع، رواه الحاكم، وصححه، لكن
ضعفه البيهقي.
قال في الجموع: والبيهقي أتقن من شيخه الحاكم وأشد
تحريًّا.
ِوهذا في غير الحج وعليه العمل كما قاله النووي وصححه
في الأذكار، وقال في الروضة: إنه الأظهر عند المحققين،
لكن صحح في المنهاج كأصله: أن غير الحاج كالحاج يكبّر
من ظهر يوم النحر إلى صبح آخر أيام التشريق.
وخصّ المالكية استحبابه بالفرائض الحاضرة، وهو عندهم:
من ظهر يوم النحر إلى آخر اليوم الرابع.
وقال أبو حنيفة: يجب من صلاة صبح يوم عرفة وينتهي بعصر
يوم النحر، وقال صاحباه: يختم بعصر ثالث أيام التشريق.
وهو: على المقيمين بالمصر خلف الفرائض في جماعة مستحبة
عند أبي حنيفة، فلا يجب على أهل القرى، ولا بعد
النوافل والوتر، ولا على منفرد ونساء إذا صلين في
جماعة.
وقال صاحباه: يجب على كل من يصلّي المكتوبة لأنه شرع
تبعًا لها.
وأما صفة التكبير، فقال المالكية: الله أكبر، ثلاثًا
وإن قال: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلاّ الله والله
أكبر الله أكبر ولله الحمد" كان حسنًا، لما روي أن
جابرًا صلّى في أيام التشريق، فلما فرغ قال: "الله
أكبر الله أكبر الله أكبر" قيل: واستمر عيه العمل فلذا
أخذ به مالك من غير تضييق.
وقال الحنفية: يقول مرة واحدة: "الله أكبر الله أكبر
لا إله إلاّ الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد".
قالوا: وهذا هو المأثور عن الخليل.
وقال الشافعية: يكبّر ثلاثًا نسقًا اتباعًا للسلف
والخلف، ويزيد: "لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر
ولله الحمد".
قال الشافعي: وما زاد من ذكر الله فحسن، واستحسن في
الأمُ أن تكون زيادته: "الله أكبر كبيرًا والحمد لله
كثيرًا وسبحان الله بكرةً وأصيلاً، لا إله إلاّ الله
ولا نعبد إلاّ إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون،
لا إله إلا الله وحده، صدق وعده. ونصر عبده، وأعزّ
جنده، وهزم الأحزاب وحده، لا إله إلا الله، والله
أكبر". وأن يرفع بذلك صوته.
وأصحّ ما ورد في صفته، ما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح
عن سلمان، قال: كبّروا الله: "الله أكبر الله أكبر
الله أكبر،
(2/218)
كبيرًا".
970 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
أَبِي بَكْرٍ الثَّقَفِيُّ قَالَ: [سَأَلْتُ أَنَسًا
-وَنَحْنُ غَادِيَانِ مِنْ مِنًى إِلَى عَرَفَاتٍ-
عَنِ التَّلْبِيَةِ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
قَالَ: كَانَ يُلَبِّي الْمُلَبِّي لاَ يُنْكَرُ
عَلَيْهِ، وَيُكَبِّرُ الْمُكَبِّرُ فَلاَ يُنْكَرُ
عَلَيْهِ]. [الحديث 970 - طرفه في: 1659].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال:
حدّثنا مالك بن أنس) إمام دار الهجرة، (قال: حدّثني)
بالإفراد (محمد بن أبي بكر) هو: ابن عوف (الثقفي)
بالمثلثة والقاف المفتوحتين (قال: سألت أنسًا) ولأبي
ذر: سألت أنس بن مالك (ونحن غاديان) أي: والحال أنّا
سائران (من منى إلى عرفات- عن التلبية):
(كيف كنتم تصنعون مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-؟ قال: كان) الشأن (يلبي الملبي لا ينكر
عليه، ويكبّر المكبّر فلا ينكر عليه) هذا موضع الجزء
الأخير من الترجمة، وهو قوله: وإذا غدا إلى عرفة.
وظاهره: أن أنسًا احتج به على جواز التكبير في موضع
التلبية، أو المراد أنه يدخل شيئًا من الذكر خلال
التلبية، لا أنه يترك التلبية بالكلية. لأن السُّنّة
أن لا يقطع التلبية إلا عند رمي جمرة العقبة. وهذا
مذهب أبي حنيفة والشافعي وقال مالك: إذا زالت الشمس.
وقوله: ينكر، مبني للمفعول في الموضعين، كما في الفرع
وفي غيره بالبناء للفاعل فيهما، والضمير المرفوع في كل
منهما يرجع إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وقوله: لا ينكر الأول بغير فاء. والثاني:
فلا ينكر بإثباتها.
وفي هذا الحديث: التحديث والسؤال والقول، وأخرجه
أيضًا: في الحج، ومسلم في المناسك، وكذا النسائي وابن
ماجة.
971 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عُمَرُ
بْنُ حَفْصٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ عَاصِمٍ
عَنْ حَفْصَةَ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: "
[كُنَّا نُؤْمَرُ أَنْ نَخْرُجَ يَوْمَ الْعِيدِ،
حَتَّى نُخْرِجَ الْبِكْرَ مِنْ خِدْرِهَا، حَتَّى
نُخْرِجَ الْحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ
فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ وَيَدْعُونَ
بِدُعَائِهِمْ، يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذَلِكَ الْيَوْمِ
وَطُهْرَتَهُ] ".
وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب (قال: حدّثنا عمر بن
حفص) كذا لأبي ذر، وكريمة، وأبي الوقت. وفي اليونينية:
أن على حاشية نسخة أبي ذر ما لفظه: يشبه أن يكون محمد
بن يحيى الذهلي، قاله أبو ذر. اهـ.
ولابن السكن، وأبي زيد المروي، وأبي أحمد الجرجاني:
حدّثنا عمر بن حفص، بإسقاط لفظ: محمد.
وفي رواية الأصيلي، عن بعض مشايخه: حدّثنا محمد
البخاري، وله مما هو في نسخته كما ذكره في الفرع
وأصله: حدّثنا عمر في حفص. وعلى هذا فلا واسطة بين
البخاري وبين عمر بن حفص. وقد حدّث المؤلّف عنه
بالكثير من غير واسطة، وربما أدخلها أحيانًا والراجح
سقوطها هنا في هذا الإسناد، وبذلك جزم أبو نعيم في
المستخرج. قاله الحافظ ابن حجر.
وعمر بن حفص هو: ابن غياث النخعي الكوفي (حدّثنا أبي)
حفص (عن عاصم) هو: ابن سليمان الأحول (عن حفصة) بنت
سيرين الأنصارية، أخت محمد بن سيرين، (عن أم عطية)
نسيبة بنت كعب الأنصارية (قالت: كنا نؤمر) بالبناء
للمفعول، وهو من المرفوع، وقد وقع التصريح برفعه في
الرواية الآتية قريبًا عن أبي ذر، وعن الحموي
والمستملي (أن نخرج) بأن نخرج أي: بالإخراج (يوم العيد
حتى نخرج البكر) بضم النون وكسر الراء، والبكر: بالنصب
على المفعولية، وللأصيلي وأبي ذر: حتى تخرج، بالمثناة
الفوقية المفتوحة وضم الراء، البكر: بالرفع على
الفاعلية (من خدرها)
بكسر الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة، أي: من
سترها. وللحموي والمستملي، وعزاها في الفتح للكشميهني:
من خدرتها بالتأنيث (حتى نخرج الحيض) بضم النون وكسر
الراء في الأول: وضم الحاء المهملة وتشديد المثناة
التحتية ونصب المعجمة على المفعولية، ولأبي ذر،
والأصيلى: حتى تخرج الحيض، بفتح المثتاة الفوقية وضم
الراء، ورفع الحيض على الفاعلية، جمع: حائض. وحتى
الثانية غاية للغاية الأولى، أبي عطف عليها بحذف
الأداة (فيكن خلف الناس فيكبّرن) النساء (بتكبيرهم،
ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته) بضم
الطاء المهملة وسكون الهاء: أي التطهّر من الذنوب.
وتأتي مباحث الحديث بعد بابين، إن شاء الله تعالى.
ووجه مطابقته للترجمة من جهة: أن يوم العيد كأيام منى
بجامع أنها أيام مشهودات، والذهلي: نيسابوري، والراوي
الثاني والثالث. كوفيان، والرابع والخامس: بصريان،
وأخرج المؤلّف بعضه في حديث طويل من باب: شهود الحائض
للعيدين، وفي الحج، وكذا أخرجه بقية الستة، والله
أعلم.
13 - باب الصَّلاَةِ إِلَى الْحَرْبَةِ يَوْمَ
الْعِيدِ
(باب الصلاة إلى الحربة) زاد أبو ذر، عن الكشميهني:
يوم العيد.
972 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ:
[أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَت تُرْكَزُ الْحَرْبَةُ قُدَّامَهُ
يَوْمَ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ، ثُمَّ يُصَلِّي].
وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (محمد
بن بشار) بالموحدة المفتوحة والمعجمة المشددة (قال:
حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي (قال: حدّثنا
(2/219)
عبيد الله) بالتصغير، هو: العمري (عن نافع)
مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما،
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كانت
تركز) بضم أوّله وفتح الكاف. أي: تغرز، وزاد أبو ذر:
له (الحربة) في الأرض (قدامه) لتكون سترة له في صلاته
(يوم) عيد (الفطر و) يوم عيد (النحر، ثم يصلّي) إليها.
وأما صلاته في منى إلى غير جدار، فلبيان أنها ليست
فريضة، بل سُنّة. والحربة دون الرمح.
وسبق الحديث في باب: سترة الإمام سترة لمن خلفه.
14 - باب حَمْلِ الْعَنَزَةِ -أَوِ الْحَرْبَةِ بَيْنَ
يَدَىِ الإِمَامِ يَوْمَ الْعِيدِ
(باب حمل العنزة). بفتحات وهي أقصر من الرمح في طرفها
زج (-أو الحربة- بين يدي الإمام يوم العيد) عند خروجه
للصلاة.
واستشكل بما سبق من النهي عن حمل السلاح يوم العيد.
وأجيب: بأن النهي إنما هو عند خوف التأذّي به كما مرّ.
973 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ
قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عَمْرٍو قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
قَالَ: [كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَغْدُو إِلَى الْمُصَلَّى وَالْعَنَزَةُ
بَيْنَ يَدَيْهِ تُحْمَلُ وَتُنْصَبُ بِالْمُصَلَّى
بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا].
وبالسند قال: (حدّثنا إبراهيم بن المنذر) زاد أبو ذر:
الحزامي بالحاء المهملة المكسورة والزاي (قال: حدّثنا
الوليد) بن مسلم (قال: حدّثنا أبو عمرو) بفتح العين،
عبد الرحمن، ولأبي ذر: أبو عمرو الأوزاعي (قال:
أخبرني) وللأربعة: حدّثني بالإفراد فيهما، (نافع عن
ابن عمر) بن الخطاب، رضي الله عنهما، (قال):
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يغدو
إلى المصلّى، والعنزة بين يديه، تحمل وتنصب بالمصلّى،
بين يديه) سقط في رواية أبي ذر: بين يديه، الثانية
(فيصلّي إليها) ولأبي ذر، والأصيلي، عن الحموي
والكشميهني: نصلي بنون الجماعة، ولأبي ذر، أيضًا،
فصلّى، بالفاء وفتح اللام بصيغة الماضي، وسقط لابن
عساكر، فيصلّي إليها.
15 - باب خُرُوجِ النِّسَاءِ وَالْحُيَّضِ إِلَى
الْمُصَلَّى
(باب خروج النساء) الطاهرات (والحيض إلى المصلّى) يوم
العيد بواو العطف على: النساء، وهو من عطف الخاص على
العام، ولابن عساكر: خروج النساء الحيض، بإسقاطها،
وللأصيلي: خروج الحيض، فأسقط لفظ: النساء.
974 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ
عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ:
[أُمِرْنَا أَنْ نُخْرِجَ الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ
الْخُدُورِ]. وَعَنْ أَيُّوبَ عَنْ حَفْصَةَ
بِنَحْوِهِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ قَالَ:
-أَوْ قَالَتِ-[الْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ،
وَيَعْتَزِلْنَ الْحُيَّضُ الْمُصَلَّى].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب، قال:
حدّثنا حماد) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: حماد بن
زيد (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو: ابن سيرين (عن
أُم عطية) نسيبة بنت كعب أنها (قالت):
(أُمرنا) بضم الهمزة، ولأبي ذر، عن الحموي والمستملي،
قالت: أمرنا نبيّنا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (أن نخرج العواتق) جمع عاتق، وهي: التي
عتقت من الخدمة، أو: من قهر أبويها (ذوات الخدور) أي
الستور، وهو منصوب بالكسرة: كمسلمات، صفة للعواتق،
ولغير أبي ذر، وذوات، بالواو عطفًا على سابقه.
(وعن أيوب) السختياني بالسند المذكور (عن حفصة) بنت
سيرين (بنحوه) أي بنحو رواية أيوب عن محمد.
(وزاد) أيوب (في حديث حفصة) في روايته عنها (قال) أي:
أيوب: (أو قالت) حفصة: (العواتق وذوات الخدور) شك منه
في عطف، ذوات، بالواو.
وقد صرّح في حديث أُم عطية الآتي بعلّة الحكم، وهو:
شهودهنّ الخير، ودعوة المسلمين، ورجا بركة ذلك اليوم
وطهرته، وقد أفتت به أُم عطية بعد النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمدة، ولم يثبت عن أحد من
الصحابة مخالفتها في ذلك.
(ويعتزلن الحيض المصلّى) فلا يختلطن بالمصليات خوف
التنجيس والإخلال بتسوية الصفوف، وإثبات النون في:
يعتزلن، على لغة: أكلوني البراغيث، وللأصيلي: ويعتزل،
بإسقاطها.
والمنع من المصلّى منع تنزيه، إذ لو كان مسجدًا لحرّم،
واستحباب خروجهن مطلقًا إنما كان في ذلك الزمن حيث كان
الأمن من فسادهن.
نعم، يستحب حضور العجائز، وغير ذوات الهيئات بإذن
أزواجهن، وعليه حمل حديث الباب، وليلبسن ثياب الخدمة،
ويتنظفن بالماء من غير تطييب ولا زينة، إذ يكره لهن
ذلك. أما ذوات الهيئات والجمال فيكره لهن الحضور،
وليصلّين العيد في بيوتهن.
16 - باب خُرُوجِ الصِّبْيَانِ إِلَى الْمُصَلَّى
(باب خروج الصبيان إلى المصلّى) في الأعياد مع الناس
وإن لم يصلوا.
975 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ
عَبَّاسٍ قَالَ: [خَرَجْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فِطْرٍ أَوْ
أَضْحَى، فَصَلَّى، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ أَتَى
النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وَذَكَّرَهُنَّ،
وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ].
وبالسند قال: (حدّثنا عمرو بن عباس) بسكون الميم
وتشديد الموحدة وبعد الألف مهملة، ولابن عساكر: ابن
العباس، بالتعريف (قال: حدّثنا عبد الرحمن) بن مهدي بن
حسان الأزدي العنبري (قال: حدّثنا سفيان) الثوري. (عن
عبد الرحمن)، وللأربعة زيادة: ابن عباس، بالموحدة
المكسورة ثم المهملة (قال: سمعت ابن عباس) أي: كلامه
حال كونه (قال: خرجت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) عيد (فطر، أو)
(2/220)
عيد (أضحى) شك من الراوي، أو هو من عبد
الرحمن بن عباس، وفي حديث ابن عباس من وجه آخر بعد
بابين الجزم بأنه يوم الفطر (فصلّى العيد، ثم خطب، ثم
أتى النساء فوعظهنّ) أنذرهنّ العقاب (وذكرهنّ)
بالتشديد من التذكير، تفسير لقوله، وعظهنّ، أو تأكيد
له. ولأبي ذر في نسخة: فذكرهن بالفاء بدل الواو
(وأمرهنّ بالصدقة).
واستشكل وجه المطابقة بين الحديث والترجمة.
وأجيب: بأنه أشار على عادته إلى بعض طرق الحديث الآتي
بعد باب إن شاء الله تعالى؛ ولولا مكاني من الصغر ما
شهدته.
ورواة الحديث ما بين بصري وكوفي، وفيه التحديث
والعنعنة والسماع والقول، وشيخ المؤلّف من أفراده،
وأخرجه في الصلاة أيضًا، والعيدين، والاعتصام، وأبو
داود والنسائي في الصلاة.
17 - باب اسْتِقْبَالِ الإِمَامِ النَّاسَ فِي
خُطْبَةِ الْعِيدِ
قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُقَابِلَ النَّاسِ.
(باب استقبال الإمام الناس في خطبة العيد) بعد الصلاة.
(قال) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلى، وقال (أبو سعيد)
الخدري، مما وصله المؤلّف في حديث طويل في باب: الخروج
إلى المصلّى (قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مقابل الناس).
976 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنِ
الشَّعْبِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: [خَرَجَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَوْمَ أَضْحًى إِلَى الْبَقِيعِ فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ
وَقَالَ: «إِنَّ أَوَّلَ نُسُكِنَا فِي يَوْمِنَا
هَذَا أَنْ نَبْدَأَ بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ نَرْجِعَ
فَنَنْحَرَ. فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ وَافَقَ
سُنَّتَنَا، وَمَنْ ذَبَحَ قَبْلَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا
هُوَ شَىْءٌ عَجَّلَهُ لأَهْلِهِ لَيْسَ مِنَ
النُّسُكِ فِي شَىْءٍ». فَقَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي ذَبَحْتُ وَعِنْدِي جَذَعَةٌ
خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ. قَالَ: «اذْبَحْهَا، وَلاَ
تَفِي عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ»].
وبالسند قال (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال:
حدّثنا محمد بن طلحة) بن مصرف (عن زبيد) اليامي (عن
الشعبي) عامر بن شراحيل (عن البراء) بن عازب، رضي الله
عنه، (قال):
(خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم
أضحى) وللأصيلي: يوم الأضحى إلى البقيع، مقبرة المدينة
(فصلّى العيد
ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه) الكريم، هذا موضع
الترجمة (وقال) بعد أن صلّى: (إن أول نسكنا في يومنا
هذا) وفي اليونينية: نسكنا، بسكون السين (أن نبدأ
بالصلاة، ثم نرجع فننحر، فإن فعل ذلك فقد وافق سنّتنا،
ومن ذبح قبل ذلك) أي: الصلاة (فإنما هو شيء) وللأصيلي،
وأبي الوقت، وأبي ذر، عن الكشميهني والحموي: فإنه شيء
(عجله لأهله ليس من النسك في شيء).
(فقام رجل) هو ابن نيار (فقال: يا رسول الله! إني
ذبحت) قبل الصلاة (وعندي جذعة) من المعز هي (خير من
مسنّة) لنفاستها (قال) عليه الصلاة والسلام.
(اذبحها، ولا تفي عن أحد بعدك) بفتح المثناة الفوقية
وكسر الفاء، وللكشميهني: ولا تغني بضم المثناة وسكون
الغين المعجمة وبالنون، ومعناهما متقارب، والحديث قد
مرّ غير مرة.
18 - باب الْعَلَمِ الَّذِي بِالْمُصَلَّى
(باب العلم الذي) جعل (بالمصلّى) ليعرف به، ولأبي ذر،
والأصيلي: باب العلم بالمصلّى.
977 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ سُفْيَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ عَابِسٍ قَالَ: [سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ قِيلَ
لَهُ: أَشَهِدْتَ الْعِيدَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ،
وَلَوْلاَ مَكَانِي مِنَ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ
خَرَجَ، حَتَّى أَتَى الْعَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ
كَثِيرِ بْنِ الصَّلْتِ فَصَلَّى ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ
أَتَى النِّسَاءَ وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَوَعَظَهُنَّ
وَذَكَّرَهُنَّ وَأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ
فَرَأَيْتُهُنَّ يُهْوِينَ بِأَيْدِيهِنَّ
يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ، ثُمَّ انْطَلَقَ
هُوَ وَبِلاَلٌ إِلَى بَيْتِهِ].
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا
يحيى) أي القطان، وللأصيلي: يحيى بن سعيد (عن سفيان)
الثوري ولا ذر: حدّثنا سفيان (قال: حدّثني) بالإفراد
(عبد الرحمن بن عابس) بالمهملة بعد الموحدة (قال: سمعت
ابن عباس) رضي الله عنهما، (قيل) وللأصيلي): وقيل (له:
أشهدت) بهمزة الاستفهام، أي: أحضرت (العيد) أي صلاته
(مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال:
نعم) شهدته (ولولا مكاني من الصغر) أي: لولا مكاني منه
عليه الصلاة والسلام لأجل الصغر (ما شهدته، خرج) عليه
الصلاة والسلام (حتى أتى العلم الذى عند دار كثير بن
الصلت) والدار
المذكورة بعد العهد النبوي، وإنما عرف المصلّى بها
لشهرتها (فصلى) العيد (ثم خطب)، ثم أتى النساء ومعه
بلال، فوعظهن وذكرهن، وأمرهن بالصدقة، قال ابن عباس:
(فرأيتهنّ يهوين بأيديهن) بفتح المثناة التحتية، من
يَهوين. كذا في اليونينية، وفي غيرها، يهُوين، بضمها
من: أهوى، أي: يمددن أيديهن بالصدقة ليتناول بلال، حال
كونهن (يقذفنه) أي: يرمين المتصدق به (في ثوب بلال، ثم
انطلق) عليه الصلاة والسلام (هو وبلال إلى بيته).
ووقع في رواية أبي عليّ الكشاني، هنا عقب هذا الحديث:
قال محمد بن كثير: العلم. اهـ.
وهذا قد وصله المؤلّف في كتاب الاعتصام، وفي فرع
اليونينية علامة سقوطه في رواية ابن عساكر، وعليه ضرب
من قال إلى آخر قوله. اهـ. والله أعلم.
19 - باب مَوْعِظَةِ الإِمَامِ النِّسَاءَ يَوْمَ
الْعِيدِ
(باب موعظة الإمام النساء يوم العيد) إذا لم يسمعن
الخطبة مع الرجال.
978 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ
نَصْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: سَمِعْتُهُ
يَقُولُ: [قَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى، فَبَدَأَ
بِالصَّلاَةِ ثُمَّ خَطَبَ. فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ
فَأَتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ
عَلَى يَدِ بِلاَلٍ، وَبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ
يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ]. قُلْتُ
لِعَطَاءٍ: زَكَاةَ يَوْمِ الْفِطْرِ؟ قَالَ: لاَ،
وَلَكِنْ صَدَقَةً يَتَصَدَّقْنَ
حِينَئِذٍ: تُلْقِي فَتَخَهَا وَيُلْقِينَ. قُلْتُ:
أَتُرَى حَقًّا عَلَى الإِمَامِ ذَلِكَ
وَيُذَكِّرُهُنَّ؟ قَالَ إِنَّهُ لَحَقٌّ عَلَيْهِمْ،
وَمَا لَهُمْ لاَ يَفْعَلُونَهُ؟
وبالسند قال قال: (حدّثني) بالإفراد، للأصيلي وابن
عساكر: حدّثنا (إسحاق بن إبراهيم بن نصر) السعدي
البخاري، وسقط للأصيلي: ابن إبراهيم بن نصر (قال:
حدّثنا
(2/221)
عبد الرزاق) بن همام صاحب المسند والمصنف
(قال: حدّثنا) وللأربعة: أخبرنا (ابن جريج) عبد الملك
بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد (عطاء) هو: ابن
أبي رباح (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري، رضي الله
عنه (قال: سمعته يقول):
(قام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم)
عيد (الفطر، فصلّى، فبدأ بالصلاة، ثم خطب. فلما فرغ)
من الخطبة (نزل) أي انتقل، كما مرّ في باب: المشي
والركوب إلي صلاة العيد والصلاة قبل الخطبة، (فأتى
النساء فذكرهن) بتشديد الكاف (وهو يتوكأ على يد بلال،
وبلال باسط ثوبه) نصب على المفعولية وجوّز إضافة باسط
(يلقي فيه النساء الصدقة) وللأصيلي: صدقة.
قال ابن جريج بالإسناد السابق: (قلت لعطاء) أكانت
الصدقة (زكاة يوم الفطر)؟ ولأبي ذر: زكاة، بالرفع أي:
أهي زكاة الفطر؟ (قال) عطاء: (لا ولكن) كانت (صدقة)
ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: ولكن هي صدقة
(يتصدقن حينئذ) بها، (تلقي) النساء، بضم المثناة
الفوقية وسكون اللام وكسر القاف، من الإلقاء (فتخها)
بفتح الفاء والمثناة والمعجمة، منصوبًا على المفعولية،
لتلقي، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي، فتختها، بفتحات
وزيادة تاء التأنيث، والفتخة: حلقة من فضة لا فصّ لها،
(ويلقين) كل نوع من حليهن، وكرر الإلقاء لإفادة
العموم.
قال ابن جريح بالإسناد المذكور: (قلت) لعطاء: (أترى)
بضم التاء، كما في اليونينية، وضبطه البرماوي بفتحها
(حقًّا على الإمام ذلك؟) إشارة إلى ما ذكر من أمرهن
بالصدقة (ويذكرهن) ولأبي ذر: يذكرهن بغير واو
وللأصيلي: يأتيهن ويذكرهن؟
(قال) ابن جريج: (إنّه لحق عليهم، وما لهم لا
يفعلونه)؟
979 - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَأَخْبَرَنِي الْحَسَنُ
بْنُ مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي
الله عنهما- قَالَ: "شَهِدْتُ الْفِطْرَ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ -رضي الله عنهم-
يُصَلُّونَهَا قَبْلَ الْخُطْبَةِ، ثُمَّ يُخْطَبُ
بَعْدُ، خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ حِينَ يُجْلِسُ
بِيَدِهِ. ثُمَّ أَقْبَلَ يَشُقُّهُمْ حَتَّى جَاءَ
النِّسَاءَ مَعَهُ بِلاَلٌ فَقَالَ: " {يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ
يُبَايِعْنَكَ} " الآيَةَ. ثُمَّ قَالَ حِينَ فَرَغَ
مِنْهَا: «آنْتُنَّ عَلَى ذَلِكَ»؟ قَالَتِ امْرَأَةٌ
وَاحِدَةٌ -مِنْهُنَّ لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُهَا-
نَعَمْ. لاَ يَدْرِي حَسَنٌ مَنْ هِيَ. قَالَ:
«فَتَصَدَّقْنَ» فَبَسَطَ بِلاَلٌ ثَوْبَهُ ثُمَّ
قَالَ: "هَلُمَّ، لَكُنَّ فِدَاءٌ أَبِي وَأُمِّي.
فَيُلْقِينَ الْفَتَخَ وَالْخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ
بِلاَلٍ". قَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: الْفَتَخُ:
الْخَوَاتِيمُ الْعِظَامُ كَانَتْ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ.
(قال ابن جريج: وأخبرني الحسن بن مسلم) هو ابن يناق
المكي، أي: بالإسناد المذكور، وللأصيلي، وابن عساكر،
وأخبرني حسن، عن طاوس: هو: ابن كيسان (عن ابن عباس رضي
الله عنهما قال): (شهدت الفطر) أي صلاته (مع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبي بكر، وعمر،
وعثمان، رضي الله عنهم) فكلهم كانوا (يصلونها) أي:
صلاة الفطر (قبل الخطبة، ثم يخطب) بضم المثناة التحتية
وفتح الطاء، مبنيًّا للمفعول، أو: بالفتح والضم
للفاعل، أي: يخطب كل منهم (بعد) مبنيًّا على الضم
لقطعه عن الإضافة، أي: بعد الصلاة.
قال ابن عباس: (خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-)، وقيل: أصله: وخرج بالواو المقدّرة، وفي
تفسير سورة
الممتحنة، من وجه آخر عن ابن جريج، فنزل نبي الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولابن عساكر، ثم
يخطب، بعد خروج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، أي: بعد الوقت الذي كان يخرج فيه (كأني
أنظر إليه حين يجلس) بضم أوله وسكون الجيم، من
الإجلاس، ولأبي ذر: يجلس بفتح الجيم وتشديد اللام من
التجليس، أي: يجلس الرجال (بيده) أي: يشير بيده يأمرهم
بالجلوس، لينتظروه حتى يفرغ مما يقصده، ثم ينصرفوا
جميعًا (ثم أقبل) عليه الصلاة والسلام (يشقهم) أي:
صفوف الرجال الجالسين (حتى أتى النساء)، والذي في
اليونينية: حتى جاء النساء (معه بلال) جملة حالية بغير
واو (فقال) عليه الصلاة والسلام تاليًا هذه الآية:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ
الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ} [الممتحنة: 12] ليذكرهن
البيعة التي وقعت بينه وبين النساء لما فتح مكة على
الصفا، وذكر لهن وما ذكر في هذه الآية (ثم قال) عليه
الصلاة والسلام (حين فرغ منها) أي: من قراءة الآية.
(أنتنّ على ذلك) بكسر الكاف.
قال في المصابيح: وهذا مما وقع فيه ذلك بالكسر موقع،
ذلكن، والإشارة إلى ما ذكر في الآية.
(قالت امرأة) ولأبي ذر، فقالت امرأة واحدة (منهن، -لم
يجبه غيرها- نعم.) نحن على ذلك.
(لا يدري حسن) هو: ابن مسلم، الراوي عن طاوس، (من هي)
المجيبة. قيل:
يحتمل أنها: أسماء بنت يزيد، لرواية البيهقي: أنها
خرجت مع النساء، وأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، قال: "يا معشر النساء إنكن أكثر حطب
جهنم". قالت: فناديت، يا رسول الله، -وكنت عليه جريئة-
لِمَ يا رسول الله؟ قال: "لأنكن تكثرن اللعن، وتكفرن
العشير"، الحديث. لأن القصة واحدة، فلعل بعض
(2/222)
الرواة ذكر ما لم يذكره الآخر، فالله أعلم.
(قال) عليه الصلاة والسلام: (فتصدقن) الفاء، يجوز أن
تكون للسببية، وأن تكون في جواب شرط محذوف، أي: إن
كنتن على ذلك فتصدقن.
(فبسط بلال ثوبه، ثم قال): (هلم لكنّ فداء) بكسر الفاء
مع المد والقصر والرفع، خبر لقولهن: (أبي وأمي) عطف
عليه، والتقدير: أبي وأمي فداء لكن، ويجوز النصب.
(فيلقين) بضم الياء، من الإلقاء، أي: يرمين (الفتخ
والخواتيم في ثوب بلال).
(قال عبد الرزاق: الفتخ: الخواتيم العظام كانت في
الجاهلية) قال ثعلب: إنهن كن يلبسنها في أصابع الأرجل.
20 - باب إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ فِي
الْعِيدِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يكن لها) أي: للمرأة
(جلباب في) يوم (العيد) تعيرها صاحبتها جلبابًا من
جلابيبها فتخرج فيه إلى المصلّى.
والجلباب، بكسر الجيم وسكون اللام وموحدتين بينهما
ألف، ثوب أقصر وأعرض من الخمار، أو هو: المقنعة، أو
ثوب واسع يغطي صدرها وظهرها، أو هو: كالملحفة. أو: هو
الإزار أو الخمار.
980 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ
حَفْصَةَ بِنْتِ سِيرِينَ قَالَتْ: "كُنَّا نَمْنَعُ
جَوَارِيَنَا أَنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ الْعِيدِ،
فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ فَنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ،
فَأَتَيْتُهَا، فَحَدَّثَتْ أَنَّ زَوْجَ أُخْتِهَا
غَزَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثِنْتَىْ عَشْرَةَ غَزْوَةً، فَكَانَتْ
أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سِتِّ غَزَوَاتٍ، فَقَالَتْ:
فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى الْمَرْضَى، وَنُدَاوِي
الْكَلْمَى. فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَى
إِحْدَانَا بَأْسٌ -إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا
جِلْبَابٌ- أَنْ لاَ تَخْرُجَ؟ فَقَالَ:
«لِتُلْبِسْهَا صَاحِبَتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا،
فَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُؤْمِنِينَ».
قَالَتْ حَفْصَةُ: فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ
أَتَيْتُهَا فَسَأَلْتُهَا: أَسَمِعْتِ فِي كَذَا
وَكَذَا؟ قَالَتْ: نَعَمْ، بِأَبِي -وَقَلَّمَا
ذَكَرَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلاَّ قَالَتْ بِأَبِي- قَالَ:
«لِيَخْرُجِ الْعَوَاتِقُ ذَوَاتُ الْخُدُورِ -أَوْ
قَالَ الْعَوَاتِقُ وَذَوَاتُ الْخُدُورِ، شَكَّ
أَيُّوبُ- وَالْحُيَّضُ، وَيَعْتَزِلُ الْحُيَّضُ
الْمُصَلَّى، وَلْيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ
الْمُؤْمِنِينَ». قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهَا:
آلْحُيَّضُ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، أَلَيْسَ الْحَائِضُ
تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ وَتَشْهَدُ كَذَا وَتَشْهَدُ
كَذَا؟ ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما
مهملة ساكنة، عبد الله (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن
سعيد التميمي (قال: حدّثنا أيوب) السختياني (عن حفصة
بنت سيرين) الأنصارية (قالت: كنا نمنع جوارينا أن
يخرجن يوم العيد) إلى المصلّى، (فجاءت امرأة) لم تسم
(فنزلت قصر بني خلف) بفتح الخاء المعجمة واللام، جدّ
طلحة بن عبد الله بن خلف بالبصرة (فأتيتها فحدّثت، أن
زوج أُختها) قيل: هي أخت أم العطية، وقيل، غيرها. ونص
القرطبي أنها: أم عطية، ولم يعلم اسم زوج أختها (غزا
مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثنتي
عشرة غزوة) قالت المرأة المحدّثة: (فكانت أختها معه)
أي:
مع زوجها، أو: مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (في ست غزوات، فقالت) أي الأخت لا المرأة،
ولأبوي ذر، والوقت، وابن عساكر، والأصيلي: قالت:
(فكنا) بالجمع لقصد العموم (نقوم على المرضى، ونداوي
الكلمى) بفتح الكاف وسكون اللام، الجرحى، محارم
وغيرهم، أي: إذا كانت المعالجة بغير مباشرة كإحضار
الدواء مثلاً. نعم، إن احتيج إليها وأمنت الفتنة جاز.
(فقالت: يا رسول الله. عليّ) ولأبي ذر: أعلى (إحدانا
بأس) أي: حرج وإثم (-إذا لم يكن لها جلباب- أن لا
تخرج) إلى المصلّى للعيد؟ (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(لتلبسها) بضم المثناة الفوقية وسكون اللام وكسر
الموحدة وجزم المهملة (صاحبتها) أي: تعيرها (من
جلبابها) أي: من جنس جلبابها.
ويؤيده رواية ابن خزيمة: من جلابيبها، أي: ما لا تحتاج
إليه، أو هو على سبيل المبالغة، أي: يخرجن ولو كان
ثنتان في ثوب واحد.
قال ابن بطال: فيه تأكيد خروجهن للعيد، لأنه إذا أمر
من لا جلباب لها، فمن لها جلباب أولى.
وقال أبو حنيفة: ملازمات البيوت لا يخرجن.
(فليشهدن الخير) أي: مجالس الخير، كسماع الحديث،
وعيادة المرضى، رجاء البركة (ودعوة المؤمنين)
كالاجتماع لصلاة الاستسقاء.
(قالت حفصة: فلما قدمت أم عطية) نسبة (أتيتها فسألتها:
أسمعت) بهمزة الاستفهام أي: النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في كذا)؟ زاد أبو ذر في رواية
الكشميهني والحموي، وكذا.
(قالت) أم عطية: (نعم) سمعته، كذا لأبي ذر، وابن
عساكر: قالت بغير فاء، ولهما وللأصيلي: أسمعت في كذا؟
فقالت: نعم (بأبي) أفديه، عليه الصلاة والسلام، كذا
لكريمة، وأبي الوقت: بأبي، بكسر الموحدة الثانية
كالأولى، ولغيرهما: بأبا، بموحدتين بينهما همزة
مفتوحة، والثانية خفيقة (وقلما ذكرت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أم عطية (إلاّ قالت:
بأبي) أفديه عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر في رواية،
والأصيلي: بأبا.
(قال) ولابن عساكر، قالت:
(لتخرج العواتق ذوات الخدور) أي الستور، كذا للأكثر،
ذوات، بغير واو، صفة لسابقه، ولأبي ذر عن الكشميهني،
وذوات الخدور بواو العطف (أو قال) عليه الصلاة
والسلام: (العواتق وذوات الخدور) ولأبي ذر، وابن عساكر
عن الحموي والمستملي: ذات الخدور، بغير واو. بعد الذال
وقبلها (شك أيوب) السختياني، هل هو بواو العطف أم لا؟
(والحيض، ويعتزل الحيض المصلّى)
(2/223)
أي
مكان الصلاة، ولأبي ذر عن الكشميهني والأصيلي، وابن
عساكر: فيعتزل، ولأبي ذر في رواية أيضًا: فيعتزلن
(وليشهدن الخير ودعوة المؤمنين).
(قالت) أي المرأة: (فقلت لها): أي لأم عطية مستفهمة
(الحيض) بالمدّ، يشهدن العيد؟ (قالت: نعم) وللأصيلي:
فقالت: نعم (أليس الحائض) بهمزة الاستفهام واسمها ضمير
الشأن (تشهد عرفات) أي: يومها (وتشهد كذا، وتشهد كذا)؟
أي: نحو المزدلفة، ورمي الجمار؟
فيه مشروعية خروج النساء إلى شهود العيدين سواء كنّ
شواب أو ذوات هيئات أم لا. والأولى أن يخصّ ذلك بمن
يؤمن عليها وبها الفتنة، فلا يترتب على حضورها محذور،
ولا تزاحم الرجال في الطرق، ولا في المجامع.
وقد مر في باب: خروج النساء إلى العيدين نحو ذلك.
21 - باب اعْتِزَالِ الْحُيَّضِ الْمُصَلَّى
(باب اعتزال الحيض المصلّى).
981 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ:
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ
عَنْ مُحَمَّدٍ قَالَ: قَالَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ:
[أُمِرْنَا أَنْ نَخْرُجَ فَنُخْرِجَ الْحُيَّضَ
وَالْعَوَاتِقَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ -قَالَ ابْنُ
عَوْنٍ: أَوِ الْعَوَاتِقَ ذَوَاتِ الْخُدُورِ-
فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ
الْمُسْلِمِينَ وَدَعْوَتَهُمْ وَيَعْتَزِلْنَ
مُصَلاَّهُمْ].
وبالسند قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بضم الميم وفتح
المثلثة وتشديد النون المفتوحة (قال: حدّثنا ابن أبي
عدي) محمد بن إبراهيم (عن ابن عون) عبد الله (عن محمد)
هو ابن سيرين (قال: قالت أم عطية: أمرنا) بضم الهمزة
وكسر الميم (أن نخرج) بفتح النون وضم الراء، من:
الخروج (فنخرج الحيض) بضم النون وكسر الراء، من:
الإخراج (والعواتق، وذوات الخدور) بواو العطف، أي:
الستور، والعواتق جمع: عاتق، وهي البنت التي بلغت.
(-قال) ولأبي ذر: وقال (ابن عون) الراوي عن ابن سيرين
(أو العواتق ذوات الخدور-) شك فيه، هل هو بالواو، أو
بحذفها؟ كما شك أيوب.
(فأما الحيض فيشهدن جماعة المسلمين ودعوتهم) رجاء بركة
ذلك اليوم وطهرته (ويعتزلن مصلاّهم) خوف التنجيس
والإخلال بتسوية الصفوف.
والمنع من المصلّى منع تنزيه لأنه ليس مسجدًا. وقال
بعضهم: يحرم اللبث فيه كالمسجد لكونه موضع الصلاة،
والصواب الأوّل: فيأخذن ناحية في المصلّى عن المصلين،
ويقفن بباب المسجد لحرمة دخولهنّ له.
وإنما ترجم المؤلّف لهذا الحكم وإن كان هو بعض ما
تضمنه الحديث المسوق في الباب السابق للاهتمام به.
22 - باب النَّحْرِ وَالذَّبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ
بِالْمُصَلَّى
(باب النحر) للإبل (والذبح) لغيرها (بالمصلّى يوم
النحر). والذي في اليونينية: يوم النحر بالمصلّى، ليس
إلاّ.
982 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي كَثِيرُ بْنُ
فَرْقَدٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ
يَنْحَرُ -أَوْ يَذْبَحُ- بِالْمُصَلَّى". [الحديث 982
- أطرافه في: 1710، 1711، 5551، 5552].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
حدّثنا الليث) بن سعد (قال: حدّثني) بالإفراد (كثير بن
فرقد) بالمثلثة في الأولى. وفتح الفاء والقاف بينهما
راء ساكنة آخره دال مهملة، نزيل مصر (عن نافع، عن ابن
عمر) بن الخطاب (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كان ينحر -أو يذبح- بالمصلّى) يوم العيد
للإعلام ليترتب عليه ذبح الناس. ولأن الأضحية من القرب
العامة، فإظهارها أفضل لأن فيه إحياء لسُنّتها.
قال مالك: لا يذبح أحد حتى يذبح الإمام. نعم، أجمعوا
على أن الإمام لو لم يذبح حل الذبح للناس إذا دخل وقت
الذبح، فالمدار على الوقت لا الفعل.
وإنما عطف المؤلّف الذبح على النحر في الترجمة، وإن
كان حديث الباب بأو المقتضية للتردّد، ليفهم أنه لا
يمتنع الجمع بين النسكين: ما يذبح، وما ينحر في ذلك
اليوم، أو إشارة إلى أنه ورد في بعض طرق الحديث
بالواو.
ويأتي إن شاء الله تعالى الحديث بمباحثه في كتاب
الأضاحي، وقد أخرجه النسائي في الأضاحي والصلاة.
23 - باب كَلاَمِ الإِمَامِ وَالنَّاسِ فِي خُطْبَةِ
الْعِيدِ وَإِذَا سُئِلَ الإِمَامُ عَنْ شَىْءٍ وَهْوَ
يَخْطُبُ
(باب كلام الإمام والناس) بالجر عطفًا على سابقه (في
خطبة العيد).
و) باب (إذا سئل الإمام عن شيء) من أمر الدين (وهو
يخطب) خطبة العيد. يجيب السائل؟
983 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورُ بْنُ
الْمُعْتَمِرِ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ
عَازِبٍ قَالَ: خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ
الصَّلاَةِ فَقَالَ: «مَنْ صَلَّى صَلاَتَنَا،
وَنَسَكَ نُسْكَنَا، فَقَدْ أَصَابَ النُّسُكَ. وَمَنْ
نَسَكَ قَبْلَ الصَّلاَةِ فَتِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ.
فَقَامَ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ نِيَارٍ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ لَقَدْ نَسَكْتُ قَبْلَ
أَنْ أَخْرُجَ إِلَى الصَّلاَةِ، وَعَرَفْتُ أَنَّ
الْيَوْمَ يَوْمُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، فَتَعَجَّلْتُ،
وَأَكَلْتُ وَأَطْعَمْتُ أَهْلِي وَجِيرَانِي. فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
تِلْكَ شَاةُ لَحْمٍ. قَالَ فَإِنَّ عِنْدِي عَنَاقَ
جَذَعَةٍ هِيَ خَيْرٌ مِنْ شَاتَىْ لَحْمٍ، فَهَلْ
تَجْزِي عَنِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، وَلَنْ تَجْزِيَ عَنْ
أَحَدٍ بَعْدَكَ».
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد، (قال:
حدّثنا أبو الأحوص) بحاء وصاد ممهملتين، سلام بن سليم
الحنفي الكوفي (قال: حدّثنا منصور بن المعتمر عن
الشعبي) عامر بن شراحيل (عن البراء بن عازب) رضي الله
عنه (قال: خطبنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يوم النحر بعد الصلاة) أي: صلاة العيد
(فقال) بالفاء قبل القاف، ولابن عساكر، قال:
(من صلّى صلاتنا ونسك نسكنا) أي: قرّب قرباننا (فقد
أصاب النسك) المجزئ عن الأضحية، (ومن نسك قبل الصلاة
فتلك شاة لحم) تؤكل، ليست من النسك في شيء.
(فقام أبو بردة بن نيار) بكسر النون وتخفيف المثناة
(فقال: يا رسول الله! والله لقد نسكت) ذبحت (قبل أن
أخرج
(2/224)
إلى الصلاة، وعرفت أن اليوم يوم أكل وشرب،
فتعجلت وأكلت) بالواو، ولابن عساكر، فأكلت (وأطعمت
أهلي وجيراني) بكسر الجيم جمع جار. (فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(تلك) أي: المذبوحة قبل الصلاة (شاة لحم) غير مجزئة عن
الأضحية.
وهذه المراجعة الواقعة بينه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وبين أبي بردة تدل للحكم الأول من
الترجمة، وتاليها يدل على الثاني منها وهو قوله:
(قال) أي: أبو بردة: (فإن عندي عناق جذعة) بنصب عناق
اسم: إن، وجر جذعة على الإضافة، ولأبوي ذر، والوقت،
والأصيلي: عناقًا جذعةً، بنصبهما، قال في المصابيح،
ففي الإضافة حينئذ إشكال. (هي) وللأصيلي وأبي ذر: لهي
(خير من شاتي لحم) لنفاستها، (فهل تجزي عني)؟ بفتح
المثناة الفوقية من غير همز أي: هل تكفي عني؟ (قال)
عليه الصلاة والسلام: (نعم) تجزي عنك (ولن تجزي عن أحد
بعدك) فهي خصوصية له كما مر.
984 - حَدَّثَنَا حَامِدُ بْنُ عُمَرَ عَنْ حَمَّادِ
بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى يَوْمَ
النَّحْرِ، ثُمَّ خَطَبَ فَأَمَرَ مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ
الصَّلاَةِ أَنْ يُعِيدَ ذَبْحَهُ. فَقَامَ رَجُلٌ
مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ،
جِيرَانٌ لِي -إِمَّا قَالَ: بِهِمْ خَصَاصَةٌ،
وَإِمَّا قَالَ بِهِمْ فَقْرٌ- وَإِنِّي ذَبَحْتُ
قَبْلَ الصَّلاَةِ، وَعِنْدِي عَنَاقٌ لِي أَحَبُّ
إِلَىَّ مِنْ شَاتَىْ لَحْمٍ. فَرَخَّصَ لَهُ فِيهَا".
وبه قال: (حدّثنا حامد بن عمر) بضم العين البكراوي، من
ولد أبي بكرة، قاضي كرمان، المتوفى سنة ثلاث وثلاثين
ومائتين (عن حماد بن زيد) وللأصيلي: عن حماد، هو: ابن
زيد (عن
أيوب) السختياني (عن محمد) هو: ابن سيرين (أن أنس بن
مالك قال: إن) بكسر الهمزة، ولأبي ذر: عن أنس بن مالك
أن، بإسقاط قال: وفتح همزة أن (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى يوم النحر) صلاة
العيد (ثم خطب) أي: الناس (فأمر من ذبح قبل الصلاة أْن
يعيد ذبحه) بفتح الذال المعجمة في اليونينية، مصدر
ذبح، وفي نسخة غيرها: ذبحه، بكسرها، اسم للشيء المذبوح
(فقام رجل من الأنصار) هو أبو بردة بن نيار (فقال: يا
رسول الله، جيران) مبتدأ وقوله (لي) صفته، والجملة
اللاحقة خبره، وهي قوله (-إما قال) الرجل: (بهم خصاصة)
بالتخفيف: جوع (وإما قال: فقر-) ولأبوي ذر، والوقت،
والأصيلي، عن الكشميهني: وإما قال بهم فقر. (إني ذبحت
قبل الصلاة، وعندي عناق لي) هي (أحب إليّ من شاتي لحم)
لأنها أغلى ثمنًا وأعلى لحمًا. (فرخص له) عليه الصلاة
والسلام (فيها) ولم تعمّ الرخصة غيره.
985 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ جُنْدَبٍ قَالَ: "صَلَّى
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَوْمَ النَّحْرِ، ثُمَّ خَطَبَ، ثُمَّ ذَبَحَ
فَقَالَ: مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ
فَلْيَذْبَحْ أُخْرَى مَكَانَهَا، وَمَنْ لَمْ
يَذْبَحْ فَلْيَذْبَحْ بِاسْمِ اللَّهِ". [الحديث 985
- أطرافه في: 5500، 5562، 6674، 7400].
وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي
(قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأسود) هو ابن قيس
العبدي، بسكون الموحدة، الكوفي (عن جندب) بضم الجيم
وسكون النون وفتح الذال وضمها، ابن عبد الله البجلي،
رضي الله عنه (قال: صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم النحر) صلاة العيد (ثم خطب ثم
ذبح، فقال) أي في خطبته، ولأبوي ذر، والوقت. (وقال):
(من ذبح قبل أن يصلّي) العيد (فليذبح) ذبيحة (أخرى
مكانها، ومن لم يذبح فليذبح باسم الله) أي: لله.
فالباء بمعنى اللام، أو متعلقة بمحذوف. أي: بسُنّة
الله، أو تبرّكًا باسم الله تعالى.
ومذهب الحنفية وجوب الأضحية على المقيم بالمصر، المالك
للنصاب.
والجمهور: أنها سُنّة، لحديث مسلم مرفوعًا: من رأى
هلال ذي الحجة فأراد أن يضحي، فليمسك عن شعره وأظفاره.
والتعليق بالإرادة بنا في الوجوب.
ورواة حديث الباب الأخير ما بين: بصري وواسطي وكوفي،
وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في:
الأضاحي، والتوحيد، والذبائح. ومسلم والنسائي وابن
ماجة في الأضاحي.
24 - باب مَنْ خَالَفَ الطَّرِيقَ إِذَا رَجَعَ يَوْمَ
الْعِيدِ
(باب من خالف الطريق) التي توجه منها إلى المصلّى (إذا
رجع يوم العيد) بعد الصلاة.
986 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا أَبُو
تُمَيْلَةَ يَحْيَى بْنُ وَاضِحٍ عَنْ فُلَيْحِ بْنِ
سُلَيْمَانَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ
جَابِرٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ
الطَّرِيقَ".
تَابَعَهُ يُونُسُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ فُلَيْحٍ.
وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ.
وبالسند قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب، ولابن عساكر
هو: ابن سلام، كما في هامش فرع اليونينية.
وفي رواية أبي على بن السكن، فيما ذكره في الفتح:
حدّثنا محمد بن سلام، وكذا للحفصي، وجزم به الكلاباذي
وغيره، ولأبي علي بن شبويه: إنه محمد بن مقاتل. قال
الحافظ ابن حجر: والأول هو المعتمد.
(قال: أخبرنا) وللأصيلي، وابن عساكر: حدّثنا (أبو
تميلة) المثناة الفوقية وسكون التحتية بينهما ميم
مفتوحة، مصغرًا (يحيى بن واضح) الأنصاري المروزي.
قيل: إنه ضعيف، لذكر المؤلّف له في الضعفاء، وتفرد به
شيخه، وهو مضعف عند ابن معين، والنسائي وأبي داود.
وثّقه آخرون، فحديثه من قبيل الحسن، لكن له شواهد من
حديث
(2/225)
ابن عمر، وسعد القرظ، وأبي رافع، وعثمان بن
عبيد الله التميمي، فصار من القسم الثاني من قسمي
الصحيح. قاله شيخ الصنعة: ابن حجر.
(وعن فليح بن سليمان) بضم أولهما وفتح ثانيهما (عن
سعيد بن الحرث) بن المعلى الأنصاري المدني، قاضيها (عن
جابر) ولأبي ذر، وابن عساكر: عن جابر بن عبد الله، رضي
الله عنهما (قال):
كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا
كان يوم عيد بالرفع فاعل كان، وهي تامة تكتفي
بمرفوعها، أي: إذا وقع يوم عيد وجواب: إذا، قوله:
(خالف الطريق) رجع في غير طريق الذهاب إلى المصلّى.
قال في المجموع: وأصح الأقوال في حكمته: أنه كان يذهب
في أطولهما تكثيرًا للأجْر، ويرجع في أقصرهما. لأن
الذهاب أفضل من الرجوع.
وأما قول إمام الحرمين وغيره: إن الرجوع ليس بقربه،
فعورض بأن أجر الخطا يكتب في الرجوع أيضًا، كما ثبت في
حديث أُبيّ بن كعب عند الترمذي وغيره.
وقيل: خالف ليشهد له الطريقان، أو أهلهما من الجن
والإنس، أو ليتبرك به أهلهما، أو ليُستفتى فيهما، أو
ليتصدق على فقرائهما، أو ليزور قبور أقاربه فيهما، أو
ليصل رحمه، أو للتفاؤل بتغير الحال إلى المغفرة
والرضا، أو لإظهار شعار الإسلام فيهما، أو ليغيظ
المنافقين أو اليهود، أو ليرهبهم بكثرة من معه، أو
حذرّا من إصابة العين، فهو في معنى قول يعقوب لبنيه،
عليهم الصلاة والسلام: {لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ
وَاحِدٍ} [يوسف: 67]. ثم من شاركه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المعنى، ندب له
ذلك وكذا من لم يشاركه في الأظهر تأسيًا به عليه
الصلاة والسلام: كالرّمل والاضطباع سواء فيه الإمام
والقوم.
واستحب في الأم أن يقف الإمام في طريق رجوعه إلى
القبلة، ويدعو، وروي فيه حديثًا. اهـ.
ورواة الحديث: الثاني: مروزي، والثالث والرابع:
مدنيان، وفيه: التحديث والإخبار والعنعنة والقول.
(تابعه) أي: تابع أبا تميلة المذكور (يونس بن محمد)
البغدادي المؤدب، فيما وصله الإسماعيلي من طريق ابن لم
شيبة (عن فليح) ولأبي ذر، وعن سعيد (عن أبي هريرة).
(وحديث جابر أصح). كذا عند جمهور رواة البخاري من طريق
الفربري.
واستشكل: بأن المتابعة لا تقتضي المساواة، فكيف تقتضي
الأضحية؟
وأجيب: بأنه سقط في رواية إبراهيم بن معقل النسفيّ، عن
البخاري، فيما أخرجه الجياني، قوله: وحديث جابر أصح.
وبأن أبا نعيم في مستخرجه قال: أخرجه البخاري عن أبي
نميلة. وقال: تابعه يونس بن محمد عن فليح.
وقال محمد بن الصلت، عن فليح، عن سعيد، عن أبي هريرة.
وحديث جابر أصح، وبذلك جزم أبو مسعود في الأطراف،
فيكون حديث أبي هريرة صحيحًا، وحديث جابر أصح منه،
ولذلك قال الترمذي، بعد أن ساق حديث أبي هريرة: حديث
غريب.
وحينئذ فيكون سقط من رواية الفربري قوله: وقال محمد بن
الصلت عن فليح فقط. هذا على رواية ابن السكن، وأما على
رواية الباقين فسقط إسناد محمد بن الصلت كله.
والحاصل كما قاله الكرماني: أن الصواب إما طريقة
النسفيّ التي بالإسقاط، وإما طريقة أبي نعيم وأبي
مسعود بزيادة حديث ابن الصلت الموصولة عند الدارمي،
طريقة الفربري.
25 - باب إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ يُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ
وَكَذَلِكَ النِّسَاءُ وَمَنْ كَانَ فِي الْبُيُوتِ
وَالْقُرَى، لِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا عِيدُنَا أَهْلَ
الإِسْلاَمِ».
وَأَمَرَ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ مَوْلاَهُمُ ابْنَ أَبِي
عُتْبَةَ بِالزَّاوِيَةِ فَجَمَعَ أَهْلَهُ وَبَنِيهِ
وَصَلَّى كَصَلاَةِ أَهْلِ الْمِصْرِ وَتَكْبِيرِهِمْ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: أَهْلُ السَّوَادِ يَجْتَمِعُونَ
فِي الْعِيدِ يُصَلُّونَ رَكْعَتَيْنِ كَمَا يَصْنَعُ
الإِمَامُ.
وَقَالَ عَطَاءٌ: إِذَا فَاتَهُ الْعِيدُ صَلَّى
رَكْعَتَيْنِ.
هذا (باب) بالتنوين (إذا فاته العيد) أي: إذا فات
الرجل صلاة العيد مع الإمام، سواء كان لعارض أم لا،
(يصلّي ركعتين) كهيئتها مع الإمام، لا أربعًا.
خلافًا لأحمد فيما نقل عنه، وعبارة المرداوي في تنقيح
المقنع: وإن فاتته سنّ قضاؤها قبل الزوال وبعده على
صفاتها، وعنه: أربع بلا تكبير بسلام، قال بعضهم:
كالظهر. اهـ.
واستدلّ بما روى سعيد بن منصور، بإسناد صحيح عن ابن
مسعود من قوله: من فاته العيد مع الإمام فليصل أربعًا.
وقال المزني وغيره: إذا فاتته لا يقضيها. وقال
الحنفية: لا تقضى، لأن لها شرائط لا يقدر المنفرد على
تحصيلها.
(وكذلك النساء) اللاتي لم يحضرن المصلّى مع الإمام (و)
كذلك (من كان في البيوت) ممن لم يحضرها معه أيضًا (و)
كذلك من كان في (القرى) ولم يحضر (لقول النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هذا عيدنا أهل الإسلام).
بنصب أهل على الاختصاص، أو منادى مضاف حذف منه حرف
النداء، ويؤيده رواية أبي ذر في نسخة عن الكشميهني: يا
أهل الإسلام؛ وأشار إلى حديث عائشة
(2/226)
في الجاريتين اللتين كانتا تغنيان في
بيتها، إذ فيه قوله عليه الصلاة والسلام: "وهذا
عيدنا". وحديث عقبة بن عامر المروزي عند أبي داود
والنسائي وغيرهما أنه، عليه الصلاة والسلام، قال في
أيام التشريق: "عيدنا أهل الإسلام".
قيل: وجه الدلالة على الترجمة من ذلك أن قوله هذا
إشارة إلى الركعتين، وعمم: بأهل، من كان مع الإمام، أو
لم يكن، كالنساء وأهل القرى وغيرهم. اهـ. فليتأمل.
وأشار المؤلّف بقوله: ومن كان في البيوت والقرى، إلى
مخالفة ما روي عن علي: جمعة ولا تشريق إلا في مصر
جامع.
(وأمر أنس بن مالك) لما فاتته صلاة العيد مع الإمام،
فيما وصله ابن أبي شيبة، (مولاهم) أي: مولى أنس
وأصحابه، ولأبي ذر عن الكشميهني: مولاه (ابن أبي عتبة)
بنصب ابن بدل من مولى أو بيان؟ وبضم العين وسكون
المثناة الفوقية وفتح الموحدة على الأكثر الأشهر، وهو
الذي في الفرع وأصله، ولأبي ذر. كما في الفتح: غنية،
بالمعجمة المفتوحة والنون والمثناة التحتية المشددة
(بالزاوية) بالزاي، موضع على فرسخين من البصرة، كان
بها قصر وأرض لأنس، (فجمع) له (أهله وبنيه) بتخفيف
ميم: فجمع (وصلّى) بهم أنس صلاة العيد (كصلاة أهل
المصر) ركعتين (وتكبيرهم).
(وقال عكرمة)، فيما وصله ابن أبي شيبة أيضًا: (أهل
السواد يجتمعون في) يوم (العيد يصلون) صلاة العيد
(ركعتين كما يصنع الإمام).
(وقال عطاء) هو: ابن أبي رباح، مما وصله الفريابي في
مصنفه، وللكشميهني: وكان عطاء (إذا فاته العيد) أي
صلاته مع الإمام (صلّى ركعتين) زاد ابن أبي شيبة، من
وجه آخر عن أبي جريج: ويكبر، وهو يقتضي أن تصلي
كهيئتها لا أن الركعتين مطلق نفل.
987 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ: "أَنَّ أَبَا
بَكْرٍ -رضي الله عنه- دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا
جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُدَفِّفَانِ
وَتَضْرِبَانِ -وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ- فَانْتَهَرَهُمَا
أَبُو بَكْرٍ فَكَشَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: دَعْهُمَا
يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ.
وَتِلْكَ الأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى".
وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم
الموحدة وفتح الكاف (قال: حدّثنا الليث) بن سعد (عن
عقيل) بضم العين وفتح القاف، ابن خالد الأيلي (عن ابن
شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن
عائشة، أن أبا بكر) الصديق رضي الله عنه (دخل عليها
وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان والنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متغش) مستتر،
ولأبي ذر: متغشى (بثوبه- فانتهرهما) زجرهما (أبو بكر،
فكشف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن
وجهه) الثوب (وقال): (دعهما) أي: اتركهما (يا أبا بكر،
فإنها) أي: هذه الأيام (أيام عيد) (وتلك الأيام أيام
منى) أضاف الأيام إلى العيد ثم إلى منى: إشارة إلى
الزمان ثم المكان.
988 - حدّثنا وَقَالَتْ عَائِشَةُ: "رَأَيْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَسْتُرُنِي وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ
وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُمْ
عُمَرُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: دَعْهُمْ. أَمْنًا بَنِي أَرْفِدَةَ".
يَعْنِي مِنَ الأَمْنِ.
(وقالت عائشة) بالإسناد السابق (رأيت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسترني وأنا أنظر إلى
الحبشة وهم يلعبون في
المسجد فزجرهم، فقال النبي) بحذف فاعل الزجر، ولكريمة:
فزجرهم عمر، فقال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(دعهم) أي: اتركهم من جهة أنا أمناهم (أمنًا) بسكون
الميم والنصب على المصدر، أو بنزع الخافض، أي: للأمن،
أو على الحال أي: العبوا آمنين يا (بني أرفدة) بفتح
الهمزة وسكون الراء وكسر الفاء والدال مهملة، وحذف منه
حرف النداء.
قال المؤلّف في تفسير أمنًا: (يعني من الأمن) ضدّ
الخوف، لا الأمان الذي للكفار.
واستشكل مطابقة الحديث للترجمة لأنه ليس فيه للصلاة
ذكر.
وأجاب ابن المنير: بأنه يؤخذ من قوله: أيام عيد، وتلك
أيام منى فأضاف سنة العيد إلى اليوم على الإطلاق،
فيستوي في إقامتها: الفذ والجماعة، والنساء والرجال.
وقال ابن رشيد، لا سمى أيام منى: أيام عيد، كانت محلاً
لأداء هذه الصلاة، أي: فيؤديها فيها إذا فاتته مع
الإمام، لأنها شرعت ليوم العيد ومقتضاه أنها تقع أداء،
وأن وقت أدائها: آخر أو هو آخر أيام منى. حكاه في
الفتح، ولا يخفى ما فيه من التكلف.
26 - باب الصَّلاَةِ قَبْلَ الْعِيدِ وَبَعْدَهَا
وَقَالَ أَبُو الْمُعَلَّى: سَمِعْتُ سَعِيدًا عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ كَرِهَ الصَّلاَةَ قَبْلَ الْعِيدِ.
(باب الصلاة قبل) صلاة (العيد وبعدها) هل تجوز أم لا؟.
(وقال أبو المعلى) بضم الميم وفتح العين المهملة
وتشديد اللام المفتوحة، يحيى بن ميمون العطار الكوفي،
وليس له في البخاري سوى هذا، أو هو يحيى بن دينار:
(سمعت سعيدًا) هو: ابن جبير (عن ابن عباس) رضي الله
عنهما، أنه (كره الصلاة قبل) صلاة (العيد).
989 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ
قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمَ الْفِطْرِ فَصَلَّى
رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ قَبْلَهَا وَلاَ بَعْدَهَا،
وَمَعَهُ بِلاَلٌ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك
الطيالسي (قال: حدّثنا شعبة) ابن الحجاج (قال:
حدّثني)، ولأبي
(2/227)
ذر في نسخة، وابن عساكر والأصيلي: أخبرني؟ بالإفراد
فيهما (عدي بن ثابت) الأنصاري (قال: سمعت سعيد بن جبير
عن ابن عباس) رضي الله عنهما (أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، خرج يوم) عيد (الفطر
فصلّى) صلاة العيد (ركعتين لم يصلِّ قبلها ولا بعدها)
بإفراد الضمير فيهما، نظرًا إلى الصلاة. وللكشميهني:
قبلهما ولا بعدهما، بتثنيتهما، نظرًا إلى الركعتين
(ومعه بلال) جملة حالية.
قال الشافعية: يكره للإمام بعد الحضور التنفل قبلها
وبعدها لاشتغاله بغير الأهم ولمخالفته فعل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لأنه صلّى عقب
حضوره، وخطب عقب صلاته. وأما المأموم فلا يكره له ذلك
قبلها مطلقًا، ولا بعدها إن لم يسمع الخطبة، لأنه لم
يشتغل بغير الأهم بخلاف من يسمعها، لأنه بذلك معرض من
الخطيب بالكلية.
وقال الحنفية: يكره قبلها لقوله عليه الصلاة والسلام:
"لا صلاة في العيد قبل الإمام".
وقال المالكية والحنابلة: لا قبلها ولا بعدها. وعبارة
المرداوي في تنقيحه: ويكره التنفل في موضعها قبل
الصلاة وبعدها، وقضاء فائتة نصًّا قبل مفارقته. والله
أعلم.
|