شرح القسطلاني إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

بسم الله الرحن الرحيم

18 - أبواب التقصير
(بسم الله الرحمن الرحيم).
(أبواب التقصير) كذا للمستملي، وسقطت البسملة لأبي ذر، ولأبي الوقت: أبواب تقصير الصلاة.

1 - باب مَا جَاءَ فِي التَّقْصِيرِ، وَكَمْ يُقِيمُ حَتَّى يَقْصُرَ
(باب ما جاء في التقصير) مصدر قصر بالتشديد أي: تقصير الفرض الرباعي إلى ركعتين في كل سفر طويل مباح، طاعة كان كسفر الحج أو غيرها، ولو مكروهًا. كسفر تجارة تخفيفًا على المسافر لما يلحقه من تعب السفر.
والأصل فيه، مع ما سيأتي إن شاء الله تعالى، قوله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ} [النساء: 101].
قال يعلى بن أمية: قلت لعمر: إنما قال الله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] وقد أمن الناس، فقال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال: "صدقة تصدّق الله بها عليكم فأقبلوا صدقته" رواه مسلم؛ فلا قصر في الصبح والمغرب، ولا في سفر معصية، خلافًا لأبي حنيفة حيث أجازه في كل سفر.
وفي شرح المسند لابن الأثير: كان قصر الصلاة في السنة الرابعة من الهجرة، وفي تفسير الثعلبي، قال ابن عباس: أوّل صلاة قصرت، صلاة العصر، قصرها رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بعسفان في غزوة أنمار.
(وكم يقيم حتى يقصر؟) وفي نسخة اليونينية: يقصر بالتشديد، أي: وكم يومًا يمكث المسافر

لأجل القصر، فكم، هنا استفهامية بمعنى: أي عدد، ولا يكون تمييزه، إلا مفردًا خلافًا للكوفيين. ويكون منصوبًا.
ولفظة: حتى، هنا للتعليل لأنها تأتي في كلام العرب لأحد ثلاثة معان: انتهاء الغاية، وهو الغالب. والتعليل، وبمعنى إلا الاستثنائية. وهذا أقلها.
ولفظه: يقيم، معناها: يمكث؛ وجواب: كم، محذوف تقديره: تسعة عشر يومًا، كما في حديث الباب، قاله العيني.
1080 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ عَاصِمٍ وَحُصَيْنٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "أَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِسْعَةَ عَشَرَ يَقْصُرُ، فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا". [الحديث 1080 - طرفاه 4298، 4299].
وبالسند قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي (قال: حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن عاصم) هو: ابن سليمان الأحول (وحصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرحمن السلمي، كلاهما (عن عكرمة، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال):
(أقام النبي) ولأبي ذر: رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) في فتح مكة (تسعة عشر) بتقديم الفوقية على السين، أي: يومًا بليلته حال كونه (يقصر) الصلاة الرباعية، لأنه كان مترددًا متى تهيأ له فراغ حاجته، وهو انجلاء حرب هوازن، ارتحل.
ويقصر بضم الصاد، وضبطها المنذري بضم الياء وتشديد الصاد، من: التقصير.
وقد أخرج الحديث: أبو داود من هذا الوجه، بلفظ: سبعة عشر، بتقديم السين على الموحدة، وله أيضًا، من حديث عمران بن حصين: غزوت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الفتح، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة، لا يصلّي إلاّ ركعتين.
قال في المجموع: في سنده من لا يحتج به، لكن رجحه الشافعي على حديث ابن عباس: تسعة عشر.
ولأبي داود، أيضًا عن ابن عباس: "أقام -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بمكة عام الفتح، خمسة عشر يقصر الصلاة".
وضعفها النووي في الخلاصة.
قال ابن حجر: وليس بجيد، لأن رواتها ثقات، ولم ينفرد بها ابن إسحاق، فقد أخرجها النسائي من رواية عراك بن مالك، عن عبيد الله كذلك وإذا ثبت أنها صحيحة، فليحمل على أن الراوي ظن أن الأصل رواية سبعة عشر، فحذف منها يومي الدخول والخروج، فذكر أنها خمسة عشر. اهـ.

وقال البيهقي: أصح الروايات فيه رواية ابن عباس، وهي التي ذكرها البخاري، ومن ثم اختارها ابن الصلاح، والسبكي. ويمكن الجمع، كما قاله البيهقي، بأن راوي: تسعة عشر، عدّ يومي

(2/288)


الدخول والخروج، وراوي: سبعة عشر لم يعدهما، وراوي: ثماني عشرة عد أحدهما، وهذا الجمع يشكل على قولهم: يقصر ثمانية عشر غير يومي الدخول والخروج. اهـ.
قال ابن عباس: (فنحن إذا سافرنا) فأقمنا (تسعة عشر) يومًا (قصرنا) الصلاة الرباعية، وذلك عند توقع الحاجة يومًا فيومًا (وإن زدنا) في الإقامة على تسعة عشر يومًا (أتممنا) الصلاة أربعًا.
ورواة هذا الحديث ما بين: بصري وواسطي وكوفي ومدني، وفيه ثلاثة من التابعين: عاصم، وحصين، وعكرمة، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في المغازي، وأبو داود والترمذي وابن ماجة: في الصلاة.
1081 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا يَقُولُ: "خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ، فَكَانَ يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ، حَتَّى رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ. قُلْتُ: أَقَمْتُمْ بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا بِهَا عَشْرًا". [الحديث 1081 - طرفه في: 4297].
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن عمرو المنقري المقعد (قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري (قال: حدّثنا يحيى بن أبي إسحاق) الحضرمي (قال سمعت أنسًا) رضي الله عنه (يقول):
(خرجنا مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من المدينة) يوم السبت، بين الظهر والعصر، لخمس ليال بقين من ذي القعدة (إلى مكة) أي: إلى الحج، كما في رواية شعبة عن يحيى بن أبي إسحاق، عند مسلم (فكان) عليه الصلاة والسلام (يصلّي) الفرائض (ركعتين ركعتين) أي إلا المغرب، رواه البيهقي. (حتى رجعنا إلى المدينة).
قال يحيى؛ (قلت) لأنس: (أقمتم) بحذف همزة الاستفهام (بمكة شيئًا؟ قال: أقمنا بها) أي: وبضواحيها (عشرًا) أي: عشرة أيام، وإنما حذف التاء من العشرة، مع أن اليوم مذكر، لأن المميز إذا لم يذكر جاز في العدد التذكير والتأنيث.
واستشكل إقامته، عليه الصلاة والسلام، المدة المذكورة، يقصر الصلاة، مع ما تقرر أنه لو نوى المسافر إقامة أربعة أيام بموضع عينه، انقطع سفره بوصوله ذلك الموضع، بخلاف ما لو نوى دونها، وإن زاد عليه لحديث: "يقيم المهاجر بعد قضاء نسكه ثلاثًا" وكان يحرم على المهاجرين الإقامة بمكة ومساكنة الكفار.
رواهما الشيخان.

فالترخيص في الثلاث يدل على بقاء حكم السفر بخلاف الأربعة، ولا ريب أنه عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع كان جازمًا بالإقامة بمكة المدة المذكورة.
وأجيب: بأنه عليه الصلاة والسلام، قدم مكة لأربع خلون من ذي الحجة، فأقام بها غير يومي الدخول والخروج إلى منى، ثم بات بمنى، ثم سار إلى عرفات، ورجع فبات بمزدلفة، ثم سار إلى منى، فقضى نسكه، ثم إلى مكة، فطاف، ثم رجع إلى منى، فأقام بها ثلاثًا يقصر، ثم نفر منها بعد الزوال في ثالث أيام التشريق، فنزل بالمحصب، وطاف في ليلته للوداع، ثم رحل من مكة قبل صلاة الصبح، فلم يقم بها أربعًا في مكان واحد.
وقال أبو حنيفة: يجوز القصر ما لم ينو الإقامة خمسة عشر يومًا.
ورواة هذا الحديث الأربعة كلهم بصريون، وفيه: التحديث والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الصلاة، وكذا أبو داود، والترمذي، وابن ماجة، وأخرجه النسائي فيها والحج.

2 - باب الصَّلاَةِ بِمِنًى
(باب) حكم (الصلاة بمنى) بكسر الميم يذكر ويؤنث. فإن قصد الموضع: فمذكر، ويكتب بالألف وينصرف، وإن قصد البقعة: فمؤنث، ولا ينصرف، ويكتب بالياء. والمختار: تذكيره.
وسمي منًى، لما يمنى فيه، أي: يراق من الدماء. والمراد: الصلاة بها في أيام الرمي.
واختلف في المقيم بها: هل يقصر أو يتم؟.
ومذهب المالكية: القصر حتى أهل مكة وعرفة ومزدلفة للسنة، إلا فليس ثم مسافة قصر، فيتم أهل منى بها، ويقصرون بعرفة ومزدلفة؛ وضابطه عندهم: أن أهل كل مكان يتمون به ويقصرون فيما سواه.
وأجيب بحديث: أنه عليه الصلاة والسلام. كان يصلّي بمكة ركعتين، ويقول: يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر، رواه الترمذي.
فكأنه ترك إعلامهم بذلك بمنى: استغناء بما تقدم بمكة.
وأجيب: بأن الحديث ضعيف لأنه من رواية علي بن جدعان، سلمنا صحته، لكن القصة كانت في الفتح، ومنى: كانت فى حجة الوداع، فكان لا بد من بيان ذلك لبعد العهد.
1082 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَمَعَ عُثْمَانَ صَدْرًا مِنْ إِمَارَتِهِ، ثُمَّ أَتَمَّهَا". [الحديث 1082 - طرفه في: 1655].

وبه قال: (حدّثنا مسدد قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين، ابن عمر بن حفص (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع عن عبد الله، رضي الله عنه) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما (قال):
(صليت مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بمنى) أي: وغيره، كما عند مسلم من رواية سالم عن أبيه: الرباعية

(2/289)


(ركعتين) للسفر (و) كذا مع (أبي بكر) الصديق (وعمر) الفاروق (ومع عثمان) ذي النورين رضي الله عنهم (صدرًا من إمارته) بكسر الهمزة، أي: من أول خلافته، وكانت مدتها ثمان سنين، أو ست سنين (ثم أتمها) بعد ذلك لأن الإتمام والقصر جائزان، ورأى ترجيح طرف الإتمام لما فيه من المشقّة.
1083 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَنْبَأَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ حَارِثَةَ بْنَ وَهْبٍ قَالَ: "صَلَّى بِنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آمَنَ مَا كَانَ بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ". [الحديث 1083 - طرفه في: 1656].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي (قال: حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا (شعبة) بن الحجاج (قال: أنبأنا) من الإنباء، وهو في عرف المتقدمين بمعنى الأخبار والتحديث، ولم يذكر هذا اللفظ فيما سبق (أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت حارثة بن وهب) بالحاء المهملة والمثلثة، الخزاعي، أخا عبيد الله بن عمر بن الخطاب لأمه (قال):
(صلّى بنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أمن) بمد الهمزة وفتحات، أفعل تفضيل من الأمن، ضد الخوف (ما كان) وللحموي والكشميهني: ما كانت، بزيادة تاء التأنيث (بمنى) الرباعية (ركعتين).
وكلمة: ما، مصدرية ومعناه الجمع، لأن ما أضيف إليه التفضيل يكون جمعًا، والمعنى: صلّى بنا، والحال إنّا أكثر أكواننا في سائر الأوقات أمنًا من غير خوف. وإسناد الأمن إلى الأوقات مجاز، والباء في "بمنى" ظرفية تتعلق بقوله: صلّى، وفيه دليل على جواز القصر في السفر من غير خوف.
وإن دل ظاهر قوله تعالى: {إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] على الاختصاص، لأن ما في الحديث رخصة، وما في الآية عزيمة، يدل عليه قوله عليه الصلاة والسلام، المروي في مسلم: "صدقة تصدق الله بها عليكم".
ورواة هذا الحديث ما بين: بصري وواسطي وكوفي، وفيه: التحديث والإنباء والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في الحج، ومسلم في: الصلاة وأبو داود في: الحج، وكذا الترمذي والنسائي.
1084 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ يَقُولُ: "صَلَّى بِنَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ -رضي الله عنه- بِمِنًى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ، فَقِيلَ ذَلِكَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه-، فَاسْتَرْجَعَ ثُمَّ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنه- بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، وَصَلَّيْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه-

بِمِنًى رَكْعَتَيْنِ، فَلَيْتَ حَظِّي مِنْ أَرْبَعِ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ مُتَقَبَّلَتَانِ". [الحديث 1084 - طرفه 1657].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة)، ولأبي ذر، والأصيلي: قتيبة بن سعيد (قال: حدّثنا عبد الواحد) العبدي، ولأبي ذر: ابن زياد (عن الأعمش) سليمان بن مهران. (قال: حدّثنا) بالجمع، ولابن عساكر: حدّثني (إبراهيم) النخعي لا التيمي (قال: سمعت عبد الرحمن بن يزيد) من الزيادة النخعي (يقول):
(صلّى بنا عثمان بن عفان رضي الله عنه) المكتوبة الرباعية (بمنى) في حال إقامته بها أيام الرمي (أربع ركعات).
(فقيل ذلك) وللأصيلي، وأبي ذر: فقيل في ذلك أي: فما ذكر من صلاة عثمان أربع ركعات (لعبد الله بن مسعود، رضي الله عنه، فاسترجع) قال: إنّا لله وإنا إليه راجعون، لما رأى من تفويت عثمان لفضيلة القصر، لا لكون الإتمام لا يجزي (ثم قال):
(صليت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المكتوبة (بمنى ركعتين، وصليت مع أبي بكر) ولأبوي ذر، والوقت والأصيلي زيادة: الصديق (رضي الله عنه بمنى، وصليت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بمنى ركعتين) وسقط قوله: بمنى، عند أبي ذر في أصل، وثبت في غيره (فليت حظي) بالحاء المهملة والظاء المعجمة، أي: فليت نصيبي (من أربع ركعات ركعتان) وللأصيلي: من أربع ركعتان (متقبلتان).
من، في قوله: من أربع للبدلية كهي في {أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآَخِرَةِ} [التوبة: 38].
وفيه تعريض بعثمان، أي: ليته صلّى ركعتين بدل الأربع، كما صلّى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصاحباه وهو إظهار لكراهة مخالفتهم.
لا يقال: إن ابن مسعود كان يرى القصر واجبًا كما قال الحنفية، وإلاّ لما استرجع، ولا أنكر بقوله: "صليت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... " إلى آخره. لأنا نقول: قوله: ليت حظي من أربع ركعات يرد ذلك، لأن ما لا يجزئ لا حظ له فيه، لأنه فاسد، ولولا جواز الإتمام لم يتابع هو والملأ من الصحابة عثمان عليه.
ويؤيده ما روى أبو داود: أن ابن مسعود صلّى أربعًا فقيل له: عبت على عثمان، ثم صليت أربعًا فقال: الخلاف شر إذ لو كان بدعة لكان مخالفته خيرًا وصلاحًا.
ورواة هذا الحديث ما بين: بلخي وبصري وكوفي وفيه: التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في الحج، ومسلم في: الصلاة، وأبو داود في الحج وكذا النسائي.

3 - باب كَمْ أَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّتِهِ؟
هذا (باب) بالتنوين (كم أقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجته؟).
1085 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ الْبَرَّاءِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ لِصُبْحِ رَابِعَةٍ يُلَبُّونَ بِالْحَجِّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْعَلُوهَا عُمْرَةً، إِلاَّ مَنْ مَعَهُ الْهَدْيُ". تَابَعَهُ عَطَاءٌ عَنْ جَابِرٍ. [الحديث 1085 - أطرافه في: 1564، 2505، 3832].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي البصري (قال: حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد (قال: حدّثنا أيوب) السختياني (عن أبي العالية البراء) بتشديد الراء، وكان يبري

(2/290)


النبل أو القصب، واسمه زياد بن فيروز على المشهور، وليس هو أبا العالية الرياحي (عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال):
(قدم النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأصحابه) مكة يوم الأحد (لصبح رابعة) من ذي الحجة، وخرج إلى منى: في الثامن، فصلّى بمكة إحدى وعشرين صلاة، من أول ظهر الرابع إلى آخر ظهر الثامن، فهي أربعة أيام ملفقة، وهذا موضع الترجمة، وإن لم يصرح في الحديث بغاية فإنها معروفة في الواقع.
أو المراد: إقامته إلى أن توجه إلى المدينة وهي عشرة أيام سواء، كما مر في حديث أنس.
وكنى بقوله (يلبون بالحج) عن الإحرام، والجملة حالية، أي: قدم، عليه السلام، وأصحابه، حال كونهم محرمين بالحج (فأمرهم) عليه الصلاة والسلام (أن يجعلوها) أي حجتهم (عمرة) وليس هذا من باب الإضمار قبل الذكر، لأن قوله: بالحج، يدل على الحجة (إلا من معه) وللكشميهني: إلا من كان معه (الهدي) بفتح الهاء وسكون الدال: ما يهدى من النعم تقربًا إلى الله تعالى.
ووجه استثناء المهدي أنه لا يجوز له التحلل {حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196].
وفسخ الحج خاص بالصحابة الذين حجوا معه عليه الصلاة والسلام، كما رواه أبو داود، وابن ماجة.
ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: هدي بالتنكير.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والنسائي في الحج.
(تابعه) أي: تابع أبا العالية (عطاء) أي: ابن أبي رباح في روايته (عن جابر) أي: ابن عبد الله، وهي موصولة عند المؤلّف في: باب التمتع والقران والإفراد، من كتاب الحج.

4 - باب فِي كَمْ يَقْصُرُ الصَّلاَةَ؟
وَسَمَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا وَلَيْلَةً سَفَرًا
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- يَقْصُرَانِ وَيُفْطِرَانِ فِي أَرْبَعَةِ بُرُدٍ، وَهْيَ سِتَّةَ عَشَرَ فَرْسَخًا.
هذا (باب) بالتنوين (في كم يقصر) المصلي (الصلاة؟) بفتح المثناة التحتية وسكون القاف وضم الصاد، ولأبوي ذر، والوقت: تقصر الصلاة، بضم المثناة الفوقية وفتح القاف والصاد المشددة، وللأصيلي: تقصر الصلاة، بضم الفوقية وسكون القاف وفتح الصاد مخففة، مبنيًّا للمفعول فيهما.
والصلاة رفع نائب عنه فيهما أيضًا.
(وسمى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث هذا الباب (يومًا وليلة سفرًا) وللأربعة، وعزاها في الفتح لأبي ذر فقط: السفر يومًا وليلة، أي: وسمى مدة اليوم والليلة سفرًا.
(وكان ابن عمر) بن الخطاب (وابن عباس رضي الله عنهم)، مما وصله البيهقي بسند صحيح، (يقصران) بضم الصاد (ويفطران) بضم أوله وكسر الطاء (في أربعة برد) بضم الموحدة والراء وقد تسكن ذهابًا غير الإياب، ومثله إنما يفعل عن توقيف.
فلو قصد مكانًا على مرحلة بنية أن لا يقيم فيه، فلا قصر له ذهابًا ولا إيابًا، وإن نالته مشقة مرحلتين متواليتين، لما روى الشافعي بسند صحيح عن ابن عباس، أنه سئل: أتقصر الصلاة إلى عرفة؟ فقال: لا ولكن إلى عسفان، وإلى جدة، وإلى الطائف. فقدرها بالذهاب وحده.
وقد روي عنه مرفوعًا بلفظ: "يا أهل مكة! لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد، من مكة إلى عسفان". رواه الدارقطني، وابن أبي شيبة. لكن في إسناده ضعف من أجل عبد الوهاب بن مجاهد.
قال البخاري: (وهي) أي الأربعة برد (ستة عشر فرسخًا) يقينًا أو ظنًا، ولو باجتهاد، إذ كل بريد أربعة فراسخ، وكل فرسخ ثلاثة أميال، فهي: ثمانية وأربعون ميلاً هاشمية، نسبة لبني هاشم، لتقديرهم لها وقت خلافتهم بعد تقدير بني أمية لا هاشم نفسه، كما وقع للرافعي.
والميل من الأرض منتهى مد البصر، لأن البصر يميل عنه على وجه الأرض حتى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهري.
وقيل: أن ينظر إلى شخص في أرض مصطحبة، فلا يدري أهو رجل أو امرأة، أو هو ذاهب أو آت، وهو أربعة آلاف خطوة، والخطوة: ثلاثة أقدام، فهو اثنا عشر ألف قدم، وبالذراع ستة آلاف، والذراع أربعة وعشرون إصبعًا معترضات، والإصبع: ست شعيرات معتدلات معترضات، والشعيرة: ست شعرات من شعر البرذون.

وقد حرر بعضهم الذراع المذكور بذراع الحديد المستعمل الآن بمصر والحجاز، في هذه الأعصار فوجده ينقص عن ذراع الحديد بقدر الثمن، فعلى هذا، فالميل، بذراع الحديد على القول المشهور: خمسة آلاف ذراع ومايتان وخمسون ذراعًا. انتهى.
فمسافة القصر بالبرد أربعة، وبالفراسخ ستة عشر، وبالأميال ثمانية وأربعون ميلاً، وبالأقدام خمسمائة ألف وستة وسبعون ألفًا، وبالأذرع مائتا ألف وثمانية

(2/291)


وثمانون ألفًا وبالأصابع ستة آلاف وتسعمائة ألف واثنا عشر ألفًا وبالشعيرات أْحد وأربعون ألف ألف حبة وأربعماية ألف واثنان وسبعون ألفًا، وبالشعرات مائتا ألف ألف وثمانية وأربعون ألف ألف وثمانمائة ألف واثنان وثلاثون ألفًا، وبالزمن من يوم وليلة مع المعتاد من النزول والاستراحة والأكل والصلاة ونحوها.
وعن ابن عباس قال تقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة، رواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح، وذلك: مرحلتان بسير الأثقال ودبيب الأقدام، وضبطها بذلك تحديد لثبوت تقديرها بالأميال عن الصحابة، كما مر.
ولأن القصر والجمع على خلاف الأصل، فيحتاط فيه بتحقيق تقدير المسافة، بخلاف تقدير القلتين ونحوهما، والبر كالبحر، فلو قطع المسافة فيه في ساعة قصر انتهى.
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي، وهو ستة عشر بالتذكير، بدل: وهي، وسقط ذلك كله إلى قوله فرسخًا لابن عساكر.
1086 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ قَالَ: قُلْتُ لأَبِي أُسَامَةَ: حَدَّثَكُمْ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ». [الحديث 1086 - طرفه في: 1087].
وبالسند قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) المعروف بابن راهويه (الحنظلي) بفتح الحاء المهملة والظاء المعجمة، أو: هو ابن نصر السعدي، أو: ابن منصور الكوسج، والأول هو الراجح.
وسقط: إبراهيم الحنظلي لأبي ذر، والأصيلي (قال: قلت لأبي أسامة) حماد بن أسامة الليثي (حدثكم عبيد الله) بن عمر بن عاصم العمري، واستدلّ به على أنه: إذا قيل للشيخ حدثكم فلان بكذا مع القرينة صح التحمل، لكن في مسند إسحاق، في آخره، فأقر به أبو أسامة وقال: نعم، (عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا تسافر المرأة) بكسر الراء لالتقاء الساكنين، سفرًا مباحًا أو لحج فرض (ثلاثة أيام) بلياليها، ولمسلم: ثلاث ليال، أي: بأيامها، وللكشميهني: فوق ثلاثة أيام، وللأصيلي: لا تسافر المرأة ثلاثًا (إلا مع ذي محرم) بفتح الميم وسكون الحاء، الذي لا يحل له نكاحها.
وتمسك به الحنفية في أن سفر القصر ثلاثة أيام، لأن المرأة يجوز لها الخروج في أقل منها لقصر

المسافة، وخفة الأمر. وإنما الرخصة في طويل فيه مشقة وتعب.
وأجيب: بأنه لو كانت العلة ذلك لجاز للمرأة السفر فيما دون ذلك بلا محرم، لكنه لم يجز والنهي للمرأة من السير وحدها متعلق بالزمان، فلو قطعت مسيرة ساعة واحدة مثلاً في يوم تام تعلق بها النهي، بخلاف المسافر، فإنه لو قطع مسيرة نصف يوم مثلاً في يومين لم يقصر، فافترقا.
ورواة هذا الحديث ما بين: مروزي وكوفي ومدني، وفيه: التحديث والنعنة، وأخرجه مسلم.
1087 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تُسَافِرِ الْمَرْأَةُ ثَلاَثًا إِلاَّ مَعَ ذِي مَحْرَمٍ».
تَابَعَهُ أَحْمَدُ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد بن مغربل الأسدي البصري (قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) العمري (عن نافع)، ولأبي ذر، والأصيلي: أخبرني، بالإفراد نافع (عن ابن عمر، رضي الله عنهما، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال):
(لا تسافر المرأة) مجزوم بلا الناهية والكسرة لالتقاء الساكنين (ثلاثًا إلا مع ذي محرم) جعلها كالأولى تابعة، وللأصيلي: إلا معها ذو محرم، فجعلها متبوعة. ولا فرق بينهما في المعنى، ولأبي ذر: إلا ومعها ذو محرم، بالواو قبل معها. وليس في اليونينية واو، ولمسلم، وأبي داود، من حديث أبي سعيد: "إلا ومعها أبوها أو أخوها أو زوجها أو ابنها أو ذو محرم منها".
(تابعه) أي تابع عبيد الله (1) (أحمد) بن محمد المروزي، أحد شيوخ المؤلّف، وليس أحمد بن حنبل حيث رواه (عن ابن المبارك) عبد الله (عن عبيد الله) العمري (عن نافع عن ابن عمر، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
1088 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سَعِيدٌ الْمَقْبُرِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُسَافِرَ مَسِيرَةَ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لَيْسَ مَعَهَا حُرْمَةٌ». تَابَعَهُ يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَسُهَيْلٌ وَمَالِكٌ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا ابن أبي ذئب) هو: محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحرث بن أبي ذئب، واسم أبي ذئب: هشام العامري المدني (قال: حدّثنا) وللأصيلي: أخبرنا (سعيد) هو: ابن أبي سعيد (المقبري) بضم الموحدة، نسبة إلى مقبرة بالمدينة كان مجاوزًا بها (عن أبيه) أبي سعيد كيسان (عن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال النبي) وللأصيلي: عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر) خرج مخرج الغالب.
وليس المراد إخراج سوى المؤمنة، لأن الحكم يعم كل امرأة مسلمة أو كافرة، كتابية كانت أو حربية، أو هو وصف لتأكيد التحريم لأنه تعريض أنها إذا سافرت بغير محرم فإنها مخالفة
_________
(1) بياض في الأصل.

(2/292)


شرط الإيمان بالله واليوم الآخر، لأن التعريض إلى وصفها بذلك إشارة إلى التزام الوقوف عند ما نهيت عنه، وأن الإيمان بالله واليوم الآخر يقضي لها بذلك.
(أن تسافر) أي: لا يحل لامرأة مسافرتها (مسيرة يوم وليلة) حال كونها (ليس معها حرمة) بضم الحاء وسكون الراء، أي: رجل ذو حرمة منها. بنسب أو غير نسب.
ومسيرة: مصدر ميمي بمعنى: السير، كالمعيشة، بمعنى: العيش، وليست التاء فيه للمرة.
واستشكل قوله في رواية الكشميهني في الحديث الأول: فوق ثلاثة أيام، حيث دل على عدم جواز سفرها وحدها فوق ثلاثة. والحديث الثاني: على عدم جواز ثلاثة، والثالث: على عدم جواز يومين، فمفهوم الأول ينافي الثاني، والثاني ينافي الثالث.
وأجيب: بأن مفهوم العدد لا اعتبار به، قاله الكرماني. لكن قوله: والثالث، على عدم جواز يومين، فيه نظر، إلا أن يقدر في الحديث يوم بليلته، وليلة بيومها.
قال: واختلاف الأحاديث لاختلاف جواب السائلين.
(تابعه) أي: ابن أبي ذئب في لفظ متن روايته السابقة (يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة، مما وصله أحمد (وسهيل) هو: ابن أبي صالح، مما وصله أبو داود، وابن حبان (ومالك) الإمام، مما وصله مسلم وغيره، (عن المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه).
قال ابن حجر: واختلف على سهيل، وعلى مالك، وكأن الرواية التي جزم بها المصنف أرجح عنده عنهم.
ورجح الدارقطني أنه: عن سعيد عن أبي هريرة ليس فيه عن أبيه، كما رواه معظم رواة الموطأ، لكن الزيادة من الثقة مقبولة، ولا سيما إذا كان حافظًا.
وقد وافق ابن أبي ذئب على قوله: عن أبيه الليث بن سعد، عند أبي داود، والليث وابن أبي ذئب من أثبت الناس في سعيد.
وأما رواية سهيل، فذكر ابن عبد البر: أنه اضطرب في إسنادها ومتنها.

5 - باب يَقْصُرُ إِذَا خَرَجَ مِنْ مَوْضِعِهِ
وَخَرَجَ عَلِيٌّ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَقَصَرَ وَهْوَ يَرَى الْبُيُوتَ، فَلَمَّا رَجَعَ قِيلَ لَهُ: هَذِهِ الْكُوفَةُ، قَالَ: لاَ، حَتَّى نَدْخُلَهَا.

هذا (باب) بالتنوين (يقصر) الرباعية (إذا خرج من موضعه) قاصدًا سفرًا طويلاً.
(وخرج عليّ) من الكوفة، ولأبي ذر، والأصيلي: علي بن أبي طالب (رضي الله عنه، فقصر) الصلاة الرباعية (وهو يرى البيوت) أي: والحال أنه يرى بيوت الكوفة (فلما رجع) من سفره هذا (قيل له: هذه الكوفة) فهل تتم الصلاة أو تقصر، وسقط لفظ: له، في رواية أبي ذر (قال: لا) نتمها (حتى ندخلها) لأنا في حكم المسافرين حتى ندخلها.
وهذا التعليق وصله الحاكم من رواية الثوري عن ورقاء بن أياس بكسر الواو وبعد الراء قاف ثم مدة، عن علي بن ربيعة قال: خرجنا مع عليّ، فذكره، فموضع الترجمة من هذا الأثر ظاهر.
واختلف متى يحصل ابتداء السفر حتى يباح القصر.
فعند الشافعية يحصل ابتداؤه من بلد له سور بمفارقة سور البلد المختص به، وإن كان داخله مواضع خربة ومزارع، لأن جميع ما هو داخله معدود من البلدة، فإن كان وراءه دور متلاصقة صحح النووي عدم اشتراط مجاوزتها لأنها لا تعد من البلد، فإن لم يكن له سور فمبدؤه مجاوزة العمران حتى لا يبقى بيت متصل ولا منفصل، لا الخراب الذي لا عمارة وراءه، ولا البساتين والمزارع المتصلة بالبلد، والقرية كبلد فيشترط مجاوزة العمران فيها لا الخراب والبساتين والمزارع، وإن كانت محوطة. وأول سفر ساكن الخيام، كالأعراب، مجاوزة الحلة.
وقال الحنفية: إذا فارق بيوت المصر، وفي المبسوط: إذا خلف عمران المصر.
وقال المالكية: يشترط في ابتداء القصر أن يجاوز البلدي البلد، والبساتين المسكونة التي في حكمها على المشهور، وهو ظاهر المدونة. وعن مالك: إن كانت قرية جمعة فحتى يجاوز ثلاثة أميال، وأن يجاوز ساكن البادية حلته، وهي البيوت التي ينصبها من شعر أو غيره، وأما الساكن بقرية لا بناء بها ولا بساتين فبمجرد الانفصال عنها.
1089 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ وَإِبْرَاهِيمَ بْنِ مَيْسَرَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّيْتُ الظُّهْرَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَدِينَةِ أَرْبَعًا وَبِذِي الْحُلَيْفَةِ رَكْعَتَيْنِ". [الحديث 1089 - أطرافه في: 1546، 1547، 1548، 1551، 1712، 1714، 1715، 2951، 2986].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا سفيان) الثوري كما نص عليه المزي في الأطراف (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله القرشي التيمي (وإبراهيم بن ميسرة) بفتح الميم وسكون التحتية، الطائفي المكي (عن أنس) ولأبي ذر، والأصيلي: عن أنس بن مالك (رضي الله عنه، قال):

(صليت الظهر مع النبي) ولأبي الوقت: مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بالمدينة أربعًا) أي: أربع ركعات (وبذي الحليفة) بضم المهملة وفتح اللام

(2/293)


وللكشميهني: والعصر بذي الحليفة. أي: وصليت صلاة العصر بذي الحليفة (ركعتين) قصرًا لا يقال: إنه يدل على استباحة قصر الصلاة في السفر القصير، لأن بين المدينة وذي الحليفة ستة أميال، لأن ذا الحليفة لم تكن غاية سفره، وإنما خرج قاصدًا مكة، فنزل بها، فحضرت العصر فصلاها بها.
1090 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: "الصَّلاَةُ أَوَّلُ مَا فُرِضَتْ رَكْعَتَان، فَأُقِرَّتْ صَلاَةُ السَّفَرِ، وَأُتِمَّتْ صَلاَةُ الْحَضَرِ" قَالَ الزُّهْرِيُّ: فَقُلْتُ لِعُرْوَةَ: مَا بَالُ عَائِشَةَ تُتِمُّ؟ قَالَ: تَأَوَّلَتْ مَا تَأَوَّلَ عُثْمَانُ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن) ابن شهاب (الزهري، عن عروة) بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها قالت):
(الصلاة) بالإفراد (أول ما فرضت ركعتان) أي: لمن أراد الاقتصار عليهما.
والصلاة مبتدأ، وأول، بدل منه أو مبتدأ ثان خبره ركعتان، والجملة خبر المبتدأ الأول، ويجوز نصب لفظ أول على الظرفية. والصلاة: مبتدأ والخبر محذوف.
أي: فرضت ركعتين في أول فرضها، وأصل الكلام: الصلاة فرضت ركعتين في أول أزمنة فرضها، فهو ظرف للخبر المقدر، وما: مصدرية، والمضاف محذوف كما تقرر. ولغير أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: ركعتين بالياء نصب على الحال السادّ مسدّ الخبر، وللكشميهني، كما في الفرع، ولم يعرفها صاحب المصابيح: الصلوات بالجمع، واستشكلها من حيث اقتصار عائشة رضي الله عنها معها على قولها: ركعتين لوجوب التكرير في مثله، وقد وجدت في رواية كريمة وهي من رواية الكشميهني: ركعتين ركعتين بالتكرير، وحينئذ فزال الإشكال ولله الحمد.
(فأقرت صلاة السفر) قال النووي: أي على جواز الإتمام (وأتمت صلاة الحضر) على سبيل التحتم.
وقد استدلّ بظاهره الحنفية على عدم جواز الإتمام في السفر، على أن القصر عزيمة لا رخصة، ورد بقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101]. لأنه يدل على أن الأصل الإتمام، لأن القصر إنما يكون عن تمام سابق، ونفي الجناح يدل على جوازه دون وجوبه.
فإن قلت: فما الجواب عن تقييد الآية بالخوف؟
أجيب: بأنها، وإن دلت بمفهوم المخالفة على أنه لا يجوز القصر في غير حالة الخوف، لكن من شرط مفهوم المخالفة إن لم يخرج مخرج الأغلب، فلا اعتبار بذلك الشرط كما في الآية؛ فإن الغالب من أحوال المسافرين الخوف. اهـ.

وقال البيضاوي: شريطة باعتبار الغالب في ذلك الوقت، ولذلك لم يعتبر مفهومها، وقد تظاهرت السنن على جوازه أيضًا في حالة الأمن، أي: في السفر، ولا حاجة في القصر إلى تأويل الآية، كما أوله الحنفية نصرة لمذهبهم بأنهم ألفوا الأربع، فكان مظنة لأن يخطر ببالهم أن عليهم نقصانًا في القصر، فسمي الإتيان بها قصرًا على ظنهم، ونفي الجناح فيه لتطيب أنفسهم بالقصر، قاله البيضاوي. ورأيته في بعض شروح الهداية.
ويؤيد القول بالرخصة حديث: "صدقة تصدق الله بها عليكم"، لأن الواجب لا يسمى رخصة، وقول عائشة المروي عند البيهقي بإسناد صحيح: يا رسول الله قصرت وأتممت وأفطرت وصممت، قال: "أحسنت يا عائشة". وحديث الباب من قولها غير مرفوع، فلا يستدل به، كما أنها لم تشهد زمان فرض الصلاة.
وتعقب بأنه مما لا مجال للرأي فيه، فله حكم الرفع، ولئن سلمنا أنها لم تشهد فرض الصلاة لكنه مرسل صحابي، وهو حجة لاحتمال أخذها له عنه عليه الصلاة والسلام، أو عن أحد من أصحابه ممن أدرك ذلك.
وأجاب في الفتح: بأن الصلوات فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب، ثم زيدت بعد الهجرة، عقب الهجرة إلاّ الصبح، كما روي من طريق الشعبي، عن مسروق، عن عائشة. قالت: فرضت صلاة الحضر والسفر ركعتين ركعتين، فلما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة واطمأن زيد في صلاة الحضر ركعتان ركعتان، وتركت صلاة الفجر لطول القراءة فيها، وصلاة المغرب لأنها وتر النهار، ورواه ابنا خزيمة وحبان وغيرهما. ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول قوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101]. وبهذا تجتمع الأدلة، ويؤيده أن في شرح المسند أن قصر الصلاة كان في السنة الرابعة من الهجرة.
(قال) ابن شهاب (الزهري فقلت لعروة) بن الزبير (ما) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: فما (بال عائشة) رضي الله عنها (تتم) بضم أوله الصلاة (قال:

(2/294)


تأولت ما تأول عثمان) بن عفان، رضي الله عنه، من جواز القصر والإتمام، فأخذ بأحد الجائزين وهو الإتمام أو أنه كان يرى القصر مختصًّا بمن كان سائرًا.
وأما من أقام في مكان في أثناء سفره، فله حكم المقيم، فيتم فيه، والحجة فيه ما رواه أحمد بإسناد حسن، عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: لما قدم علينا معاوية حاجًّا، صلّى بنا الظهر ركعتين بمكة، ثم انصرف إلى دار الندوة، فدخل عليه مروان وعمرو بن عثمان فقالا: لقد عبت أمر ابن عمك لأنه كان قد أتم الصلاة. قال: وكان عثمان حيث أتم الصلاة إذا قدم مكة يصلّي بها الظهر والعصر والعشاء أربعًا أربعًا، ثم إذا خرج إلى منًى وعرفة قصر الصلاة، فإذا فرغ من الحج وأقام بمنى أتم الصلاة، وهذا القول رجحه في الفتح لتصريح الراوي بالسبب، وقيل غير ذلك مما يطول ذكره.

ورواة حديث الباب ما بين بخاري ومكّي ومدني، وفيه: تابعي عن تابعي عن صحابية، وفيه التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم والنسائي في الصلاة، وتقدم شيء من مباحثه فيها.

6 - باب يُصَلِّي الْمَغْرِبَ ثَلاَثًا فِي السَّفَرِ
هذا (باب) بالتنوين (يصلّي) المسافر (المغرب) ولأبي ذر: يصلّى المغرب (ثلاثًا في السفر) كالحضر لأنها وتر النهار. ويجوز في تصلّى فتح اللام مع المثناة الفوقية، والغرب بالرفع نائبًا عن الفاعل.
فإن قلت: ما وجه تسمية صلاة المغرب بوتر النهار مع كونها ليلية؟
أجيب: بأنها لما كانت عقب آخر النهار، وندب إلى تعجيلها عقب الغروب، أطلق عليها وتر النهار لقربها منه.
1091 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ". قَ الَ سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ. [الحديث 1091 - أطرافه في: 1092، 1106، 1109، 1668، 1673، 1805، 3000].
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو: ابن حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم عن) أبيه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما قال):
(رأيت رسول الله) وللأصيلي: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا أعجله السير في السفر) قيد يخرج به ما إذا أعجله السير في الحضر، كأن كان خارج البلد في بستان مثلاً (يؤخر المغرب) أي: صلاة المغرب (حتى يجمع بينها وبين العشاء) جمع تأخير، وهو الأفضل للسائر، أي: فيصلّيها ثلاثًا، كما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا.
(قال سالم: وكان) أبي (عبد الله يفعله) أي: التأخير المذكور، ولأبي ذر: وكان عبد الله بن عمر يفعله (إذا أعجله السير).
1092 - وَزَادَ اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ سَالِمٌ: "كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ بِالْمُزْدَلِفَةِ". قَالَ سَالِمٌ: "وَأَخَّرَ ابْنُ عُمَرَ الْمَغْرِبَ، وَكَانَ اسْتُصْرِخَ عَلَى امْرَأَتِهِ صَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ، فَقُلْتُ لَهُ: الصَّلاَةُ. فَقَالَ: سِرْ. فَقُلْتُ: الصَّلاَةُ. فَقَالَ: سِرْ. حَتَّى سَارَ مِيلَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةً، ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي إِذَا أَعْجَلَهُ

السَّيْرُ". وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ يُؤَخِّرُ الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلاَثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيَهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَلاَ يُسَبِّحُ بَعْدَ الْعِشَاءِ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ".
(وزاد الليث) بن سعد على رواية شعيب في قصة صفية: وفعل ابن عمر خاصة.
وفي التصريح بقوله: قال عبد الله: "رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقط ... ". مما وصله الإسماعيلي، كما في الفتح، والذهلي في الزهريات، كما في مقدمته ..
(قال: حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (قال سالم):
(كان ابن عمر رضي الله عنهما يجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة) ورواه أسامة عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بلفظ: جمع بين المغرب والعشاء بمزدلفة في وقت العشاء. (قال سالم):
(وأخر ابن عمر المغرب) حتى دخل وقت العشاء (وكان استُصرخ) بضم التاء آخره معجمة مبنيًا للمفعول من الصراخ، وهو: الاستغاثة بصوت مرتفع (على امرأته: صفية بنت أبي عبيد) أخت المختار بن أبي عبيد الثقفي أي: أخبر بموتها بطريق مكة.
قال سالم: (فقلت له الصلاة) بالنصب على الإغراء أو بالرفع على الابتداء أي: الصلاة حضرت. أو: الخبرية، أي: هذه الصلاة، أي: وقتها. (فقال) عبد الله لسالم: (سر) أمر من سار يسير.
قال سالم: (فقلت: الصلاة) بالرفع والنصب، كما مر. ولأبي ذر: فقلت له: الصلاة (فقال) عبد الله له (سر، حتى سار ميلين أو ثلاثة) والميل أربعة آلاف خطوة، وهو ثلث فرسخ كما مر، والشك من الراوي (ثم نزل) أي: بعد غروب الشفق (فصلّى) أي: المغرب، والعتمة، جمع بينهما.
رواه المؤلّف في: كتاب الجهاد.
(ثم قال) عبد الله بن عمر: (هكذا رأيت النبي) ولأبي ذر، والأصيلي: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي إذا أعجله السير).
(وقال عبد الله) بن عمر (رأيت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا أعجله السير يؤخر المغرب) من: التأخير، وللمستملي والكشميهني: يعتم بعين مهملة ساكنة ثم فوقية مكسورة، بدل يؤخر، أي: يدخل في العتمة، وللأربعة: يقيم، بالقاف بدل العين من الإقامة (فيصلّيها) أي: المغرب (ثلاثًا) أي: ثلاث ركعات، إذ لا يدخل القصر فيها، وقد نقل ابن المنذر، وغيره في ذلك الإجماع.

(2/295)


وأما جواب أبي الخطاب بن دحية للملك الكامل حين سأله عن حكمها بجواز قصرها إلى ركعتين فباطل، كالحديث الذي رواه له فيه، بل قيل: إنه واضعه، والمختلق له وقد رمي مع غزارة علمه وكثرة حفظه بالمجازفة في النقل، وذكر أشياء لا حقيقية لها.

(ثم يسلم) عليه الصلاة والسلام منها (ثم قلما يلبث) بفتح أوله والموحدة وآخره مثلثة، وما مصدرية. أي: قل لبثه (حتى يقيم العشاء فيصلّيها ركعتين، ثم يسلم) منها (ولا يسبح) أي: لا يتطوع بالصلاة (بعد العشاء حتى يقوم من جوف الليل) وإنما خص ابن عمر صلاة المغرب والعشاء بالذكر لوقوع الجمع له بينهما.

7 - باب صَلاَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الدَّوَابِّ، وَحَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ
(باب صلاة التطوع على الدواب) بالجمع ولأبي ذر، والأصيلي: الدابة (وحيثما توجهت) زاد غير أبي ذر: به.
1093 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى قَالَ: حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ". [الحديث 1093 - طرفاه في: 1097، 1104].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى (قال: حدّثنا معمر) بفتح الميمين ابن راشد (عن) ابن شهاب (الزهري، عن عبد الله بن عامر) ولأبي ذر: عامر بن ربيعة العنزي، بفتح المهملة والنون والزاي (عن أبيه) عامر بن ربيعة (قال):
(رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي) النافلة (على راحلته) ناقته التي تصلح لأن ترحل (حيث توجهت)، ولغير أبي ذر: حيثما توجهت (به) أي: في جهة مقصده إلى قبل القبلة أو غيره، فصوب الطريق بدل من القبلة، فلا يجوز له الانحراف عنه، كما لا يجوز الانحراف في الفرض عن القبلة.
ورواته ما بين: مدني وبصري ومديني، وفيه: رواية صحابي عن صحابي، قال الذهبي: لعبد الله ولأبيه صحبة، وفيه: التحديث والقول والرؤية، وأخرجه أيضًا في تقصير الصلاة ومسلم في الصلاة.
1094 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ وَهْوَ رَاكِبٌ فِي غَيْرِ الْقِبْلَةِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى) بن أبي كثير (عن محمد بن عبد الرحمن) بن ثوبان، بفتح المثلثة، العامري المدني (أن جابر بن عبد الله) الأنصاري (أخبره):
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يصلّي التطوع وهو راكب، في غير القبلة) يتناول الدابة والراحلة والدابة أعم، فاختار المؤلّف في الترجمة لفظًا أعم ليتناول اللفظين المذكورين.

وفي المغازي: من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة، عن جابر: أن ذلك كان في غزوة أنمار، وكانت أرضهم قبل الشرق لمن يخرج من المدينة، فتكون القبلة على يسار القاصد إليهم.
1095 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: "كَانَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ وَيُوتِرُ عَلَيْهَا. وَيُخْبِرُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَفْعَلُهُ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) النرسي الباهلي البصري (قال: حدّثنا وهيب) بضم الواو وفتح الهاء، ابن خالد البصري (قال: حدّثنا موسى بن عقبة) بن أبي عياش الأسدي (عن نافع قال):
(كان ابن عمر، رضي الله عنهما، يصلّي على راحلته) في السفر (ويوتر) أي: يصلّي (عليها) الوتر (ويخبر) ابن عمر (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يفعله) أي ما ذكر.
لكن يشكل صلاته عليه الصلاة والسلام الوتر على الراحلة مع كونه واجبًا عليه.
وأجيب: بأن من خصائصه فعله عليها كما في شرح المهذّب.
فإن قلت: ما الجمع بين ما رواه أحمد بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير: أن ابن عمر كان يصلّي على الراحلة تطوعًا، فإذا أراد أن يوتر نزل فأوتر على الأرض، وبين قوله في حديث الباب: ويوتر على الراحلة.
أجيب: بأنه محمول على أنه فعل كلاًّ من الأمرين.
ويؤيد رواية الباب ما سبق في أبواب الوتر، أنه أنكر على سعيد بن يسار نزوله على الأرض ليوتر، وإنما أنكره عليه مع كونه كان يفعله لأنه أراد أن يبين له أن النزول ليس بحتم، ويحتمل أن ينزل فعل ابن عمر على حالين: فحيث أوتر على الراحلة كان مجدًا في السير، وحيث نزل فأوتر على الأرض كان بخلاف ذلك، قاله في فتح الباري.
وفي الحديث: جواز الوتر كغيره من النوافل على الراحلة، وبه قال الشافعي ومالك وأحمد، ولو صلّى منذورة أو جنازة على الراحلة لم يجز لسلوكهم بالأولى مسلك واجب الشرع، ولأن الركن الأعظم في الثانية القيام، وفعلها على الدابة السائرة يمحو صورته، ولو فرض إتمامه عليها، فكذلك كما اقتضاه كلامهم لأن الرخصة في النفل إنما كانت لكثرته وتكراره، وهذه زيادة.
وصرح الإمام بالجواز، وصوّبه الأسنوي، قال: وكلام الرافعي يقتضيه، وقيس بالراكب الماشي، ولا يشترط طول السفر، فيجوز في القصير.
قال الشيخ أبو حامد وغيره: مثل أن يخرج إلى ضيعة مسيرتها ميل أو نحوه، لكن

(2/296)


خصه مالك بالسفر الذي تقصر فيه الصلاة، وحجته أن هذه الأحاديث إنما وردت في أسفاره عليه الصلاة

والسلام، ولم ينقل أنه سافر سفرًا قصيرًا فصنع ذلك، وحجة الجمهور مطلق الأخبار في ذلك.
وقال الحنفية: لا يجوز إلاّ على الأرض.

8 - باب الإِيمَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ
(باب الإيماء) في صلاة النفل (على الدابة) للركوع والسجود لمن لم يتمكن منهما.
1096 - حَدَّثَنَا مُوسَى قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: "كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ أَيْنَمَا تَوَجَّهَتْ يُومِئُ. وَذَكَرَ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَفْعَلُهُ".
وبه قال: (حدّثنا موسى) التبوذكي، ولأبي موسى بن إسماعيل (قال: حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي (قال: حدّثنا عبد الله بن دينار) العدوي المدني (قال):
(كان عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، يصلّي) النفل (في السفر) حال كونه (على راحلته أينما توجهت) حال كونه (يومئ) بالهمزة، أي: يشير برأسه إلى الركوع والسجود من غير أن يضع جبهته على ظهر الراحلة. وكان يومئ للسجود أخفض من الركوع تمييزًا بينهما، وليكون البدل على وفق الأصل.
لكن ليس في هذا الحديث أنه، عليه السلام، فعل ذلك، ولا أنه لم يفعله.
نعم، في حديث جابر المروي في أبي داود والترمذي: بعثني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في حاجة، فجئت وهو يصلّي على راحلته نحو المشرق، والسجود أخفض من الركوع. قال الترمذي: حسن صحيح.
وإنما جاز ذلك في النافلة تيسيرًا لتكثيرها، فإن ما اتسع طريقه سهل فعله.
وللكشميهني وأبي الوقت: توجهت به يومئ.
(وذكر عبد الله) بن عمر (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يفعله) أي: الإيماء الذي يدل عليه قوله: يومئ، وهذا الحديث تقدم في أبواب الوتر في باب: الوتر في السفر.

9 - باب يَنْزِلُ لِلْمَكْتُوبَةِ
هذا (باب) بالتنوين (ينزل) الراكب (للمكتوبة) أي: لأجل صلاتها.
1097 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ

عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ أَنَّ عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ أَخْبَرَهُ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ عَلَى الرَّاحِلَةِ يُسَبِّحُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ قِبَلَ أَىِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ الْمَكْتُوبَةِ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف (قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين، ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أن) أباه (عامر بن ربيعة أخبره، قال):
(رأيت رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهو) أي: حال كونه (على الراحلة) حال كونه (يسبح) يصلّي النفل، حال كونه (يومئ برأسه) إلى الركوع والسجود، والسجود أخفض (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة، أي: مقابل (أي وجه توجه، ولم يكن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصنع ذلك في الصلاة) وللأصيلي: في صلاة (المكتوبة) أي: المفروضة.
قال الشيخ في الدين: قد يتمسك به على أن صلاة الفرض لا تصلّى على الراحلة، وليس بقوي في الاستدلال لأنه ليس فيه إلا ترك الفعل المخصوص، وليس الترك بدليل على الامتنّاع.
وقد يقال: إن دخول وقت الفريضة مما يكثر على المسافر، فترك الصلاة على الراحلة دائمًا مع فعل النوافل على الراحلة يشعر بالفرق بينهما في الجواز وعدمه. اهـ.
وقد حكى ابن بطال إجماع العلماء على: أنه لا يجوز لأحد أن يصلّي الفريضة على الدابة من غير عذر إلا ما ذكر من صلاة شدة الخوف.
1098 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: قَالَ سَالِمٌ: "كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ مِنَ اللَّيْلِ وَهْوَ مُسَافِرٌ، مَا يُبَالِي حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَىِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ".
(وقال الليث) بن سعد، مما وصله الإسماعيلي (حدّثني يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب) الزهري (قال: قال سالم) (كان عبد الله يصلّي) ولأبي ذر، والأصيلي: كان عبد الله بن عمر يصلّي (على دابته من الليل وهو مسافر) جملة حالية (ما يبالي حيث كان) كذا في رواية أبي ذر، والأصيلي والكشميهني ولغيرهم: حيثما كان (وجهه).
(قال ابن عمر) بن الخطاب:
(وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسبح) يصلّي النافلة (على الراحلة قبل) بفتح الموحدة بعد القاف المكسورة (أي وجه توجه؛ ويوتر عليها، غير أنه لا يصلّي عليها المكتوبة) أي: وهي سائرة.
فلو صليت على هودج عليها وهي واقفة صحت، وكذا لو كان في سرير يحمله رجال، وإن مشوا به بخلاف الدابة السائرة، لأن سيرها منسوب إليه، بدليل جواز الطواف عليها.

وفرق المتولي بينها وبين الرجال السائرين بالسرير بأن الدابة لا تكاد تثبت على حالة واحدة فلا تراعى الجهة، بخلاف الرجال. قال: حتى لو كان للدابة من يلزم لجامها ويسيرها بحيث لا تختلف الجهة جاز ذلك. اهـ.
1099 - حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ فَضَالَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ: "حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَكْتُوبَةَ نَزَلَ فَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ".
وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا معاذ بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة، الزهراني (قال: حدّثنا هشام) الدستواني (عن يحيى) بن

(2/297)


أبي كثير (عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان) بالمثلثة المفتوحة، العامري (قال: حدّثني) بالإفراد (جابر بن عبد الله) الأنصاري، رضي الله عنه:
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يصلّي) التطوّع (على راحلته) وهي سائرة (نحو المشرق، فإذا أراد أن يصلّي المكتوبة نزل) عن راحلته (فاستقبل القبلة).
قال ابن بطال: أجمع العلماء على اشتراط ذلك، وقال المهلب: هذه الأحاديث تخص قوله تعالى: {وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة: 144] وتبين أن قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] في النافلة.

10 - باب صَلاَةِ التَّطَوُّعِ عَلَى الْحِمَارِ
(باب) حكم (صلاة التطوع على الحمار).
1100 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا حَبَّانُ قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ سِيرِينَ قَالَ: "اسْتَقْبَلْنَا أَنَسًا حِينَ قَدِمَ مِنَ الشَّأْمِ، فَلَقِينَاهُ بِعَيْنِ التَّمْرِ، فَرَأَيْتُهُ يُصَلِّي عَلَى حِمَارٍ وَوَجْهُهُ مِنْ ذَا الْجَانِبِ -يَعْنِي عَنْ يَسَارِ الْقِبْلَةِ- فَقُلْتُ: رَأَيْتُكَ تُصَلِّي لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ، فَقَالَ: لَوْلاَ أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَعَلَهُ لَمْ أَفْعَلْهُ".
رَوَاهُ ابْنُ طَهْمَانَ عَنْ حَجَّاجٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن سعيد) بكسر العين ابن صخر الدارمي المروزي (قال: حدّثنا حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة، ابن هلال البصري (قال: حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم، ابن يحيى العوذي بفتح العين المهملة (حدّثنا أنس بن سيرين) أخو محمد بن سيرين (قال):
(استقبلنا) بسكون اللام (أنسًا) ولأبي ذر، والأصيلي: أنس بن مالك رضي الله عنه (حين قدم من الشام) أي: لما سافر إليها يشكو الحجاج الثقفي إلى عبد الملك بن مروان، وكان ابن سيرين خرج
إليه من البصرة قال: (فلقيناه بعين التمر) بالمثناة وسكون الميم، موضع بطرف العراق مما يلي الشام (فرأيته يصلّي) التطوّع (على حمار) وللأصيلي على الحمار (ووجهه من ذا الجانب يعني عن يسار القبلة).
وفي الموطأ عن يحيى بن سعيد، قال: رأيت أنسًا وهو يصلّي على حمار وهو متوجه إلى غير القبلة يركع ويسجد إيماء من غير أن يضع جبهته على شيء.
(فقلت) له: (رأيتك تصلي لغير القبلة) أنكر عليه عدم استقباله القبلة فقط لا الصلاة على الحمار (فقال) أنس مجيبًا له: (لولا أني رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعله) أي: ترك الاستقبال الذي أنكره عليه أو أعم حتى يشمل صلاته على الحمار، ولأبي ذر: يفعله مضارعًا (لم أفعله).
وروى السراج بإسناد حسن، من طريق يحيى بن سعيد عن أنس: أنه رأى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي على حمار، وهو ذاهب إلى خيبر.
ولمسلم من طريق عمرو بن يحيى المازني، عن سعيد بن يسار عن ابن عمر، قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي على حمار، وهو متوجه إلى خيبر.
ورواة هذا الحديث كلهم بصريون إلا شيخ المؤلّف فمروزي وفيه، التحديث بصيغة الجمع، والقول وأخرجه مسلم.
(ورواه ابن طهمان) بفتح المهملة وسكون الهاء الهروي، ولأبي ذر، والأصيلي: إبراهيم بن طهمان (عن حجاج) هو ابن حجاج الباهلي البصري الملقب بزق العسل (عن أن بن سيرين عن أنس) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: زيادة ابن مالك (رضي الله عنه، عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
قال في الفتح: لم يسق المصنف المتن، ولا وقفنا عليه موصولاً من طريق إبراهيم. نعم، وقع عند السراج من طريق عمرو بن عامر، عن حجاج بلفظ: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي على ناقته حيث توجهت به، قال فعلى هذا كأن أنسًا قاس الصلاة على الراحلة بالصلاة على الحمار. اهـ.

11 - باب مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ فِي السَّفَرِ دُبُرَ الصَّلاَةِ وَقَبْلَهَا
(باب من لم يتطوع في السفر دبر الصلاة) بالإفراد، ويجوز الجمع، وكلاهما في اليونينية، وزاد الحموي: وقبلها، وسقط لابن عساكر: دبر الصلاة، كما في متن فرع اليونيني.
وزاد في الهامش سقوطه أيضًا عند الأصيلي، وأبي الوقت، وثبوته عند أبي ذر: ودبر، بضم الدال والموحدة بإسكانها أيضًا.
1101 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ

حَفْصَ بْنَ عَاصِمٍ حَدَّثَهُ قَالَ: "سَافَرَ ابْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما- فَقَالَ: صَحِبْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ أَرَهُ يُسَبِّحُ فِي السَّفَرِ، وَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} ". [الحديث 1101 - طرفه في: 1102].
وبالسند قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي (قال: حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (ابن وهب) عبد الله (قال: حدّثني) بالإفراد (عمر بن محمد) بضم العين، ابن يزيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العسقلاني (أن حفص بن عاصم) هو: ابن عمر بن الخطاب حدّثه (قال):
(سافر ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما)، وللكشميهني والأصيلي وابن عساكر، وأبي الوقت: سألت ابن عمر (فقال):
(صحبت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلم أره) حال كونه (يسبح) يصلّي الرواتب التي قبل الفرائض وبعدها (في السفر وقال الله جل ذكره: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} أي قدوة ({حَسَنَةٌ}) [الأحزاب: 21] وسنة صالحة فاقتدوا به.
ورواة هذا الحديث ما بين: كوفي

(2/298)


ومصري بالميم ومدني، وأخرجه أيضًا في هذا الباب، وأخرجه مسلم في الصلاة، وكذا أبو داود وابن ماجة.
1102 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عِيسَى بْنِ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ يَقُولُ: "صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَكَانَ لاَ يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَذَلِكَ، - رضي الله عنهم".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) الأسدي البصري (قال: حدّثنا يحيى) القطان (عن عيسى بن حفص بن عاصم) هو ابن عمر بن الخطاب (قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) حفص بن عاصم (أنه سمع ابن عمر) بن الخطاب (يقول):
(صحبت رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فكان لا يزيد في السفر) في عدد ركعات الفرض (على ركعتين) أو مراده: لا يزيد نفلاً.
ويدل له ما رواه مسلم بلفظ: صحبت ابن عمر في طريق مكة، فصلّى لنا الظهر ركعتين، ثم أقبل وأقبلنا معه، حتى جاء رحله وجلسنا معه، فحانت منه التفاتة فرأى ناسًا قيامًا فقال: "ما يصنع هؤلاء؟ " قلت: يسبحون، قال: "لو كنت مسبحًا لأتممت يعني أنه لو كان مخيرًا بين الإتمام وصلاة الراتبة لكان الإتمام أحب إليه". لكنه فهم من القصر التخفيف، فلذلك كان لا يصلّي الراتبة ولا يتم.
(و) صحبت (أبا بكر) الصديق (وعمر) بن الخطاب (وعثمان) بن عفان (كذلك) أي: صحبتهم كما صحبته، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في السفر (رضي الله عنهم) وكانوا لا يزيدون في السفر على ركعتين.
واستشكل ذكر عثمان لأنه كان في آخر أمره يتم الصلاة كما مر:
وأجيب: بأنه جاء فيه في مسلم، وصدرًا من خلافته، قال في المصابيح، وهو الصواب أو أنه كان يتم إذا كان نازلاً، وأما إذا كان سائرًا فيقصر.
قال الزركشي: ولعل ابن عمر أراد في هذه الرواية أيام عثمان في سائر أسفاره في غير منى، لأن إتمامه كان بمنى. وقد روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلاً: أن عثمان إنما أتم الصلاة، لأنه نوى الإقامة بعد الحج.
وردّ بأن الإقامة بمكة للمهجرين أكثر من ثلاث لا تجوز. كما سيأتي إن شاء الله تعالى في المغازي في الكلام على حديث العلاء بن الحضرمي.
وقد سبق أنه إنما فعل ذلك متاولاً جوازهما، فأخذ بأحد الجائزين.

12 - باب مَنْ تَطَوَّعَ فِي السَّفَرِ فِي غَيْرِ دُبُرِ الصَّلَوَاتِ وَقَبْلَهَا وَرَكَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ فِي السَّفَرِ
(باب من تطوّع في السفر في غير دبر الصلاة وقبلها) وسقط عند أبي الوقت، وابن عساكر والأصيلي: في غير دبر الصلاة وقبلها، وثبت عند أبي ذر (وركع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ركعتي الفجر) السنة (في السفر) ولأبي ذر: في السفر ركعتي الفجر.
رواه مسلم من حديث أبي قتادة في قصة النوم عن صلاة الصبح، ففيه أنه صلّى ركعتين قبل الصبح ثم صلّى الصبح.
1103 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: "مَا أَنْبَأَنا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى الضُّحَى غَيْرُ أُمِّ هَانِئٍ: ذَكَرَتْ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بَيْتِهَا فَصَلَّى ثَمَانِ رَكَعَاتٍ، فَمَا رَأَيْتُهُ صَلَّى صَلاَةً أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ". [الحديث 1103 - طرفاه في: 1176، 4292].
وبالسند قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين، ولأبي ذر: عمرو بن مرة بضم الميم وتشديد الراء، ابن عبد الله الجملي، بفتح الجيم والميم، الكوفي الأعمى (عن ابن أبي ليلى) عبد الرحمن الأنصاري المدني الكوفي، اختلف في سماعه من عمر (قال):
(ما أنبأنا) ولأبي ذر: ما أخبرنا (أحد أنه رأى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى الضحى غير أم هانئ) بالهمز، ورفع: غير، بدلاً من أحد، وذلك أنها (ذكرت أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يوم فتح مكة، اغتسل في بيتها، فصلّى ثمان ركعات).

وليس فيه دلالة على نفي الوقوع، لأن ابن أبي ليلى إنما نفى ذلك عن نفسه، فلا ترد عليه الأحاديث الواردة في الإثبات، وقوله: ثمان بفتح المثلثة والنون وكسرها: من غير ياء استغناء بكسرة النون، ولأبي ذر، ثماني، بإثباتها.
قالت: (فما رأيته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (صلّى صلاة أخف منها) أي: من هذه الثمان (غير أنه) عليه الصلاة والسلام (يتم الركوع والسجود) قالته دفعًا لتوهم من يفهم أنه نقص منهما حيث عبر: بأخف.
وموضع الترجمة، من حيث إنه، عليه الصلاة والسلام، صلّى الضحى في السفر، ولم تكن في دبر صلاة من الصلوات.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الصلاة، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي.
1104 - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَامِرٍ أَنَّ أَبَاهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى السُّبْحَةَ بِاللَّيْلِ فِي السَّفَرِ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ".
(وقال الليث) بن سعد الإمام، فيما وصله الذهلي في الزهريات (حدَّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله بن عامر) العنزي، ولأبي الوقت في نسخة، وأبي ذر، والأصيلي، زيادة: ابن ربيعة (أن أباه) عامر بن ربيعة (أخبره):
(أنه رأى النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى) وفي نسخة يصلّي (السبحة) النافلة

(2/299)


(بالليل في السفر على ظهر راحلته حيث توجهت به) سقط قوله: به، عند الأصيلي.
1105 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُسَبِّحُ عَلَى ظَهْرِ رَاحِلَتِهِ حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ، يُومِئُ بِرَأْسِهِ. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَفْعَلُهُ".
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر، والأصيلي: أخبرنا (سالم بن عبد الله عن ابن عمر) بضم العين (رضي الله عنهما).
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسبح) أي: يتنفل (على ظهر راحلته حيث كان وجهه) حال كونه (يومئ برأسه) إلى الركوع والسجود، وهو أخفض.
وهذا لا ينافي ما مر من قوله: لم يسبح إذ معناه: لم أره يصلّي النافلة على الأرض في السفر، لأنه روي أنه عليه الصلاة والسلام كان يقوم جوف الليل في السفر، ويتهجد فيه، فغير ابن عمر رآه، فيقدم المثبت على النافي، ويحتمل أنه تركه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لبيان التخفيف في نفل السفر.

(وكان ابن عمر يفعله) عقب المرفوع بالموقوف إشارة إلى أن العمل به مستمر لم يلحقه معارض ولا ناسخ.

13 - باب الْجَمْعِ فِي السَّفَرِ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ
(باب الجمع في السفر) الطويل لا القصير (بين المغرب والعشاء) والظهر والعصر، لا الصبح مع غيرها، والعصر مع المغرب، لعدم وروده، ولا في القصير لأن ذلك إخراج عبادة عن وقتها، فاختص بالطويل. ولو لمكي، لأن الجمع للسفر لا للنسك، ويكون تقديمًا وتأخيرًا، فيجوز في الجمعة والعصر تقديمًا، كما نقله الزركشي واعتمده، لا تأخيرًا، لأن الجمعة لا يتأتى تأخيرها عن وقتها، ولا تجمع المتحيرة تقديمًا.
والأفضل تأخير الأولى إلى الثانية للسائر وقت الأولى، ولمن بات بمزدلفة، وتقديم الثانية إلى الأولى للنازل في وقتها، والواقف بعرفة، كما سيأتي إن شاء الله تعالى.
وإلى جواز الجمع ذهب كثير من الصحابة والتابعين، ومن الفقهاء: الثوري، والشافعي وأحمد، إسحاق وأشهب.
ومنعه قوم مطلقًا إلا بعرفة: فيجمع بين الظهر والعصر، ومزدلفة: فيجمع بين المغرب والعشاء، وهو قول الحسن، والنخعي وأبي حنيفة وصاحبيه.
وقال المالكية: يختص بمن يجد في السير، وبه قال الليث.
وقيل: يختص بالسائر دون النازل، وهو قول ابن حبيب.
وقيل: يختص بمن له عذر وحكي عن الأوزاعي.
وقيل: يجوز جمع التأخير دون التقديم، وهو مروي عن مالك وأحمد، واختاره ابن حزم.
1106 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ إِذَا جَدَّ بِهِ السَّيْرُ".
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت) محمد بن مسلم بن شهاب (الزهري، عن سالم، عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (قال):
(كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يجمع بين المغرب والعشاء) جمع تأخير (إذا جد به السير) أي: اشتد أو عزم وترك الهوينا.
ونسبة السير إلى الفعل مجاز، وإنما اقتصر ابن عمر على ذكر المغرب والعشاء، دون جمع الظهر والعصر، لأن الواقع له جمع المغرب والعشاء، وهو ما سئل عنه، فأجاب به حين استصرخ

على امرأته صفية بنت عبيد، فاستعجل، فجمع بينهما جمع تأخير كما سبق في باب: يصلّي المغرب ثلاثًا.
والحديث أخرجه مسلم في الصلاة وكذا النسائي.
1107 - وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنِ الْحُسَيْنِ الْمُعَلِّمِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ، وَيَجْمَعُ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ".
(وقال إبراهيم بن طهمان) مما وصله البيهقي (عن الحسين) بالتعريف، ابن ذكوان العوذي ولأبوي ذر، والوقت والأصيلي: عن حسين (المعلم) بكسر اللام المشددة من التعليم (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال):
(كان رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يجمع بين صلاة الظهر والعصر) جمع تأخير (إذا كان على ظهر سير) بإضافة ظهر إلى سير، وللأصيلي: وابن عساكر، وأبي الوقت، وأبي ذر عن الكشميهني: ظهر، بالتنوين يسير، بلفظ المضارع، أي: حال كونه يسير.
وعزا في الفتح الأولى للأصيلي، والثانية للكشميهني، ولفظ: ظهر، مقحم كقوله: "الصدقة عن ظهر غنى".
وقد يزاد في مثل هذا الكلام اتساعًا كأن السير مستند إلى ظهر قوي من المطي مثلاً؛ وفيه جناس التحريف، بين الظهر والظهر.
(ويجمع بين المغرب والعشاء).
1108 - وَعَنْ حُسَيْنٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ حَفْصِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ فِي السَّفَرِ".
وَتَابَعَهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ وَحَرْبٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ حَفْصٍ عَنْ أَنَسٍ "جَمَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 1108 - طرفه في: 1110].
(و) قال، إبراهيم بن طهمان (عن حسين) المعلم كما جزم به أبو نعيم، أو هو تعليق عن الحسين، لا بقيد كونه من رواية ابن طهمان (عن يحيى بن أبي كثير، عن حفص بن عبيد الله بن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال):
(كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يجمع بين صلاة المغرب والعشاء في السفر) لم يقيده بجد في السير ولا بعدمه، لكن من يشترط الجد فيه يقول هو:

(2/300)


مطلق، فيحمل على المقيد.

وأجيب: بأن هذا عام، وذلك ذكر بعض أفراده، فلا يخصص به. وقال ابن بطال: كل راو يروي ما رآه وكل سنة.
(وتابعه) بالوا وأي: حسينًا المعلم، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: تابعه (علي بن المبارك) البصري، مما وصله أبو نعيم في المستخرج، من طريق عثمان بن عمر بن فارس عنه (وحرب) هو: ابن شداد اليشكري (عن يحيى) القطان البصري (عن حفص) هو: ابن عبيد (عن أنس) هو: ابن مالك:
(جمع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط قوله: وحرب في رواية أبي ذر، كما في فرع اليونينية. والله الموفق.

14 - باب هَلْ يُؤَذِّنُ أَوْ يُقِيمُ، إِذَا جَمَعَ بَيْنَ الْمَغْرِبِ وَالْعِشَاءِ؟
هذا (باب) بالتنوين (هل يؤذن) المصلي (أو يقيم) من غير أذان، أو معه (إذا جمع بين المغرب والعشاء) وبين الظهر والعصر، في السفر الطويل.
1109 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ فِي السَّفَرِ يُؤَخِّرُ صَلاَةَ الْمَغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ. قَالَ سَالِمٌ: وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَفْعَلُهُ إِذَا أَعْجَلَهُ السَّيْرُ، وَيُقِيمُ الْمَغْرِبَ فَيُصَلِّيهَا ثَلاَثًا ثُمَّ يُسَلِّمُ، ثُمَّ قَلَّمَا يَلْبَثُ حَتَّى يُقِيمَ الْعِشَاءَ فَيُصَلِّيهَا رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ يُسَلِّمُ، وَلاَ يُسَبِّحُ بَيْنَهَا بِرَكْعَةٍ وَلاَ بَعْدَ الْعِشَاءِ بِسَجْدَةٍ حَتَّى يَقُومَ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال: أخبرني) بالإفراد (سالم من) أبيه (عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، قال):
(رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا أعجله) استحثه (السير في السفر) الطويل (يؤخر صلاة المغرب) أي إلى أن يغيب الشفق، كما رواه مسلم، كالمؤلّف في: الجهاد، ولعبد الرزاق عن نافع، فأخر المغرب بعد ذهاب الشفق حتى ذهب هوي من الليل (حتى يجمع بينها وبين) صلاة (العشاء).
(قال سالم) بالسند المذكور: (وكان عبد الله يفعله) أي التأخير والجمع بين الصلاتين، ولأبوي ذر، والوقت: وكان عبد الله بن عمر رضي الله عنهما يفعله (إذا أعجله) استحثه (السير ويقيم) ولأبي ذر: يقيم بإسقاط الواو (المغرب).
يحتمل الإقامة وحدها، أو يريد ما تقام به الصلاة من أذان وإقامة، وليس المراد نفس الأذان.
وعن نافع عن ابن عمر: عند الدارقطني: فنزل فأقام الصلاة، وكان لا ينادي بشيء من الصلاة في السفر.

(فيصلّيها) أي: المغرب (ثلاثًا ثم يسلم) منها (ثم قلما يلبث) أي: ثم قل مدة لبثه، وذلك اللبث لقضاء بعض حوائجه مما هو ضروري، كما وقع في الجمع بمزدلفة في إناخة الرواحل (حتى يقيم العشاء فيصلّيها ركعتين ثم يسلم) منها (ولا يسبح) ولا ينتفل (بينها) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: بينهما، أي بين المغرب والعشاء (بركعة) من إطلاق الجزء على الكل (ولا) يسبح أيضًا (بعد) صلاة (العشاء بسجدة) أي: بركعتين، كما في قوله: بركعة (حتى) إلى أن (يقوم من جوف الليل) يتهجد.
وروى ابن أبي شيبة عن نافع عن ابن عمر: أنه كان لا يتطوع في السفر قبل الصلاة ولا بعدها، وكان يصلّي من الليل.
وفي حديث حفص بن عاصم السابق في باب: من لم يتطوع في السفر دبر الصلوات، قال: سافر ابن عمر، فقال: صحبت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلم أره يسبح في السفر ... وهو شامل لرواتب الفرائض وغيرها.
قال النووي: لعل النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يصلّي الرواتب في رحله ولا يراه ابن عمر، أو لعله تركها بعض الأوقات لبيان الجواز. انتهى.
وإذا قلنا بمشروعية الرواتب فيه، وهو مذهبنا، فإن جمع الظهر والعصر قدم سنة الظهر التي قبلها، وله تأخيرها، سواء جمع تقديمًا أو تأخيرًا، وتوسيطها إن جمع تأخيرًا سواء قدم الظهر أو العصر، وأخر سنتها التي بعدها، وله توسيطها إن جمع تأخيرًا وقدم الظهر، وأخر عنهما سنة العصر، وله توسيطها وتقديمها إن جمع تأخيرًا سواء قدم الظهر أو العصر، وإذا جمع المغرب والعشاء أخر سنتيهما مرتبة: سنة المغرب، ثم سنة العشاء، ثم الوتر. وله توسيط سنة المغرب إن جمع تأخيرًا وقدم المغرب، وتوسيط سنة العشاء إن جمع تأخيرًا وقدم العشاء، وما سوى ذلك ممنوع. قاله في شرح الروض.
1110 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ حَدَّثَنَا حَرْبٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى قَالَ: حَدَّثَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلاَتَيْنِ فِي السَّفَرِ، يَعْنِي الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ".
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولابن عساكر: حدّثني (إسحاق) هو: ابن راهويه، كما جزم به أبو نعيم، أو إسحاق بن منصور الكوسج، كما قاله أبو علي الجياني (قال: حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: أخبرنا (عبد الصمد) التنوري، ولأبي ذر: عبد الصمد بن عبد الوارث (قال: حدّثنا حرب) بالمهملة المفتوحة وإسكان الراء آخره موحدة، ابن شداد اليشكري (قال: حدّثنا يحيى) بن أبي كثير (قال: حدّثني) بالإفراد (حفص بن عبيد الله) بضم

(2/301)


العين (ابن أنس أن أنسًا رضي الله عنه حدثه):

(أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يجمع بين هاتين الصلاتين في السفر، يعني المغرب والعشاء) يحتمل جمع التقديم والتأخير.
وأورد المؤلّف هذا الحديث مفسرًا بحديث ابن عمر السابق، لأن في حديث أنس إجمالاً، والمفسر بالفتح تابع للمفسر بالكسر.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين بصري ويماني ومروزي.

15 - باب يُؤَخِّرُ الظُّهْرَ إِلَى الْعَصْرِ إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ فِيهِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
هذا (باب) بالتنوين (يؤخر) المسافر (الظهر إلى العصر إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس) بزاي وغين معجمة، أي: قبل أن تميل، وذلك إذا فاء الفيء.
(فيه ابن عباس) رضي الله عنهما (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) رواه أحمد بلفظ: "كان إذا زاغت في منزله جمع بين الظهر والعصر قبل أن يركب، وإذا لم تزغ له في منزله سار حتى إذا كانت العصر نزل فجمع بين الظهر والعصر".
1111 - حَدَّثَنَا حَسَّانُ الْوَاسِطِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا، وَإِذَا زَاغَتْ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ". [الحديث 1111 - طرفه في: 1112].
وبه قال: (حدّثنا حسان) بن عبد الله بن سهل الكندي (الواسطي) أبوه قدم مصر فولد له بها حسان المذكور، واستمر بها إلى أن توفي سنة ثنتين وعشرين ومائتين (قال: حدّثنا المفضل) بضم الميم وفتح الفاء والضاد المعجمة المشددة (ابن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة المخففة (عن عقيل) بضم العين، ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال):
(كان رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا ارتحل قبل أن تزيغ) أي: تميل (الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم يجمع بينهما) في وقت العصر، (إذا زاغت) أي: الشمس قبل أن يرتحل (صلّى الظهر) أي: والعصر، كما رواه إسحاق بن راهويه، في هذا الحديث عند الإسماعيلي، كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، (ثم ركب).
وقد حمل أبو حنيفة أحاديث الجمع على الجمع المعنوي الصوري، وهو: أنه أخر الظهر مثلاً إلى آخر وقتها، وعجل العصر في أول وقتها.

وأجيب: بأنه صرح بالجمع في وقت إحدى الصلاتين، حيث قال: أخر الظهر إلى وقت العصر.
ورجال هذا الحديث الخمسة ما بين مصري بالميم، وأيلي ومدني، وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وشيخه من أفراده، وأخرجه مسلم وأبو داود والنسائي: في الصلاة.

16 - باب إِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ مَا زَاغَتِ الشَّمْسُ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا ارتحل) المسافر (بعد ما زاغت الشمس) أي: مالت (صلّى الظهر) أي: والعصر، جمع تقديم (ثم ركب).
1112 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُفَضَّلُ بْنُ فَضَالَةَ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا ارْتَحَلَ قَبْلَ أَنْ تَزِيغَ الشَّمْسُ أَخَّرَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، ثُمَّ نَزَلَ فَجَمَعَ بَيْنَهُمَا، فَإِنْ زَاغَتِ الشَّمْسُ قَبْلَ أَنْ يَرْتَحِلَ صَلَّى الظُّهْرَ ثُمَّ رَكِبَ".
وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) ولأبوي ذر، والوقت: قتيبة بن سعيد (قال: حدّثنا المفضل بن فضالة) بفتح الفاء والضاد المعجمة فيهما (عن عقيل) بضم العين، الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس بن مالك) رضي الله عنه (قال):
(كان رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر، ثم نزل) عن راحلته (فجمع بينهما، فإن) ولأبوي ذر، والوقت فإذا (زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلّى الظهر، ثم ركب).
كذا في الكتب المشهورة عن عقيل بغير ذكر العصر. وقد تمسك به من منع جمع التقديم.
وقد قال أبو داود: وليس في تقديم الوقت حديث قائم، انتهى.
وقد روى إسحاق بن راهويه حديث الباب، عن شبابة بن سوار، فقال: إذا كان فى سفر فزالت الشمس صلّى الظهر والعصر جميعًا ثم ارتحل. أخرجه الإسماعيلي.
ولا يقدح تفرد إسحاق به عن شبابة، ولا تفرد جعفر الفريابي به عن إسحاق، لأنهما إمامان حافظان.
والمشهر في جمع التقديم حديث أبي داود، والترمذي من طريق الليث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الطفيل، عن معاذ بن جبل: أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان في غزوة تبوك، إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى يجمعها إلى العصر، فيصلّيهما جميعًا، وإذا ارتحل بعد زيغ الشمس صلّى الظهر والعصر جميعًا ... الحديث.

لكنه أعل بتفرد قتيبة به عن الليث، بل أشار البخاري إلى أن بعض الضعفاء أدخله على قتيبة، كما حكاه الحكام في علوم الحديث.
وله طريق أخرى عن معاذ بن جبل، أخرجها أبو داود من رواية هشام بن سعد، عن أبي الزبير، عن أبي الطفيل.
لكن هشام مختلف فيه، فقد ضعفه ابن معين وقال: أبو حاتم يكتب حديثه ولا يحتج به.
وقد خالف الحفاظ من أصحاب أبي

(2/302)


الزبير: كمالك والثوري وقرة بن خالد، فلم يذكروا في روايتهم جمع التقديم.
وقد ورد فيه حديث عن ابن عباس أخرجه أحمد، وتقدم أول الباب السابق. وأورده أبو داود تعليقًا، والترمذي في بعض الروايات عنه، وفي إسناده: حسين بن عبد الله الهاشمي، وهو ضعيف.
لكن له شاهد من طريق حماد عن أيوب عن أبي قلابة، عن ابن عباس لا أعلمه إلاَّ مرفوعًا: أنه كان إذا نزل منزلاً في السفر فأعجبه أقام فيه حتى يجمع بين الظهر والعصر، ثم يرتحل، فإذا لم يتهيأ له المنزل مدّ في السير، فسار حتى ينزل فيجمع بين الظهر والعصر، أخرجه البيهقي، ورجاله ثقات، إلا أنه مشكوك في رفعه، والمحفوظ أنه موقوف.
وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر مجزومًا بوقفه على ابن عباس، ولفظه: إذا كنتم سائرين ... فذكر نحوه، قاله في فتح الباري.
وقد روى مسلم عن جابر: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع بين الظهر والعصر بعرفة في وقت الظهر.
فلو لم يرد من فعله إلاّ هذا لكان أدل دليل على جواز جمع التقديم في السفر.
قال الزهري: سألت سالمًا: هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ فقال: نعم، ألا ترى إلى صلاة الناس بعرفة؟.
ويشترط لجمع التقديم ثلاثة شروط:
تقديم الأولى على الثانية، لأن الوقت لها والثانية تبع، فلا تتقدم على متبوعها.
وأن ينوي الجمع في الأول.
وأن يوالي بينهما، لأن الجمع يجعلهما كصلاة واحدة، ولأنه عليه الصلاة والسلام لما جمع بينهما بنمرة والى بينهما، وترك الرواتب، وأقام الصلاة بينهما. رواه الشيخان.
نعم، لا يضر فصل يسير في العرف، وإن جمع تأخيرًا فلا يشترط إلا نيّة التأخير للجمع في وقت الأولى، ما بقي قدر ركعة فإن أخّرها حتى فات وقت الأداء بلا نيّة للجمع عصى وقضى.

17 - باب صَلاَةِ الْقَاعِدِ
(باب صلاة القاعد) متنفلاً لعذر أو غيره، ومفترضًا عند العجز، إمامًا كان المصلي أو مأمومًا أو منفردًا.
1113 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: "صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهِ وَهْوَ شَاكٍ، فَصَلَّى جَالِسًا وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا. فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) وسقط قوله: ابن سعيد، عند الأصيلي، وأبي الوقت (عن مالك) الإمام (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة، رضي الله عنها أنها قالت):
(صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيته وهو) أي: والحال أنه (شاك) بتخفيف الكاف والتنوين، أي: موجع يشكو من مزاجه انحرافًا عن الاعتدال، ولأبي الوقت، والأصيلي، وابن عساكر: شاكي، بإثبات الياء، وفيه شذوذ. (فصلّى جالسًا) لكونه خدش شقه (وصلّى وراءه قوم قيامًا فأشار إليهم) عليه الصلاة والسلام: (أن أجلسوا).
وهذا منسوخ بصلاته، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في مرض موته جالسًا والناس خلفه قيامًا، كما مر، في باب: إنما جعل الإمام ليؤتم به.
(فلما انصرف) عليه الصلاة والسلام من صلاته (قال إنما جعل الإمام ليؤتم به) أي: ليقتدى به (فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع) من الركوع (فارفعوا) منه.
1114 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "سَقَطَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ فَرَسٍ فَخُدِشَ -أَوْ فَجُحِشَ- شِقُّهُ الأَيْمَنُ، فَدَخَلْنَا عَلَيْهِ نَعُودُهُ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى قَاعِدًا فَصَلَّيْنَا قُعُودًا قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، فَإِذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا، وَإِذَا رَكَعَ فَارْكَعُوا، وَإِذَا رَفَعَ فَارْفَعُوا، وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا: رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ".
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن) ابن شهاب (الزهري، عن أنس) ولأبي ذر، والأصيلي: أنس بن مالك (رضي الله عنه، (قال):
(سقط رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من) ولابن عساكر: عن (فرس فخدش) بضم الخاء وكسر الدار، أي: انقشر جلده (-أو فجحش- شقه الأيمن) بكسر الشين المعجمة، وجحش بضم الجيم وكسر المهملة وبالمعجمة آخره، شك من الراوي، وهما بمعنى (فدخلنا عليه نعوده، فحضرت الصلاة فصلّى) الفرض (قاعدًا) لمشقة القيام (فصلينا قعودًا) اقتداء به، لكنه منسوخ كما مر قريبًا (وقال):

(إنما جعل الإمام ليؤتم به) أي: ليقتدى به (فإذا كبر فكبروا، وإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع) رأسه من الركوع (فارفعوا) منه (وإذا قال: سمع الله لمن حمده، فقولوا: ربنا) ولأبوي ذر والوقت: فقولوا: اللهم ربنا (ولك الحمد) بالواو، أي: بعد قولهم: سمع الله لمن حمده.
1115 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: أَخْبَرَنَا رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ أَخْبَرَنَا حُسَيْنٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَأَلَ نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح.
أَخْبَرَنَا إِسْحَاقُ قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ -وَكَانَ مَبْسُورًا- قَالَ: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ قَاعِدًا فَقَالَ: إِنْ صَلَّى قَائِمًا فَهْوَ أَفْضَلُ، وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ". [الحديث 1115 - طرفاه في: 1116، 1117].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) الكوسج (قال: أخبرنا روح بن عبادة) بفتح الراء في الأول وضم العين وتخفيف الموحدة (قال: أخبرنا حسين) المعلم (عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة (عن عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين (رضي الله عنه أنه سأل نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
وبه قال: (ح، وأخبرنا إسحاق) وللحموي والمستملي، والكشميهني. في نسخة: وحدّثنا، بالجمع. ولابن عساكر: وحدّثني، وللكشميهني، والمستملي في

(2/303)


نسخة وزاد: إسحاق هو شيخه ابن منصور السابق، كما قاله ابن حجر، أو: إسحاق بن إبراهيم، كما نص الكلاباذي، والمزي في الأطراف فيما نقله العيني (قال: أخبرنا عبد الصمد) التنوري (قال: سمعت أبي) عبد الوارث بن سعيد (قال: حدّثنا الحسين) بالألف واللام، للمح الصفة لأنهما لا يدخلان في الاعلام، وهو المعلم السابق (عن ابن بريدة) بضم الموحدة، عبد الله، وفي اليونينية: عن أبي بريدة، وقال في هامشها: إن صوابه بالنون بدل الياء، (قال: حدّثني) بالإفراد (عمران بن حصين) بضم الحاء مع التنكير، ولأبي ذر: الحصين.
وفيه التصريح بالتحديث عن عمران، واستغنى به عن تكلف ابن حبان في إقامة الدليل على أن ابن بريدة عاصر عمران.
(وكان) ابن حصين (مبسورًا) بفتح الميم وسكون الموحدة وبعدها سين مهملة، أي: كان به بواسير، وهي في عرف الأطباء نفاطات تحدث في نفس المقعدة ينزل منها مادّة (قال):
(سألت) ولأبي ذر، والأصيلي، وأبي الوقت في نسخة أنه: سأل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن صلاة الرجل) أي: النفل أو الفرض، حال كونه (قاعدًا فقال) عليه الصلاة والسلام:
(إن صلّى) حال كونه (قائمًا فهو أفضل، ومن صلّى) نفلاً حال كونه (قاعدًا فله نصف أجر

القائم، ومن صلّى) حال كونه (نائمًا) بالنون، يعني: مضطجعًا على هيئة النائم، كما يدل عليه قوله في رواية أبي داود: "فإن لم تستطع فعلى جنب".
وكذا في رواية الترمذي، وابن ماجة، وأحمد في سننه، وفيها: عن عمران بن حصين قال: "كنت رجلاً ذا أسقام كثيرة".
وبالاضطجاع فسره به المؤلّف كما يأتي في الباب التالي، إن شاء الله تعالى.
وهذا كله يرد على الخطابي حيث حمل النوم على الحقيقي الذي إذا وجده يقطع الصلاة، وادعى أن الرواية: ومن صلّى بإيماء، على أنه جار ومجرور، وأن المجرور مصدر، أومأ، وغلط فيه النسائي، وقال: إنه صحفه.
(فله نصف أجر القاعد) إلا النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن صلاته قاعدًا لا ينقص أجرها عن صلاته قائمًا لحديث عبد الله بن عمرو المروي في مسلم وأبي داود والنسائي. قال: بلغني أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "صلاة الرجل قاعدًا على نصف أجر الصلاة ... ". فأتيته فوجدته يصلّي جالسًا، فوضعت يدي على رأسي، فقال: ما لك يا عبد الله، فأخبرته فقال: أجل، ولكني لست كأحد منكم. وهذا ينبني على أن المتكلم داخل في عموم خطابه، وهو الصحيح، وقد عد الشافعية هذه المسألة في خصائصه.
وسؤال عمران بن حصين عن الرجل خرج مخرج الغالب، فلا مفهوم له، فالمرأة والرجل في ذلك سواء، والنساء شقائق الرجال، وهل ترتيب الأجر فيما ذكر في المتنفل أو المفترض؟ حمله بعضهم على المتنفل القادر، ونقله ابن التين وغيره: عن أبي عبيدة، وابن الماجشون، وإسماعيل القاضي، وابن شعبان، والإسماعيلي، والداودي، وغيرهم. ونقله الترمذي عن الثوري.
وحمله آخرون، منهم الخطابي، على المفترض الذي يمكنه أن يتحامل فيقوم مع مشقة وزيادة ألم، فجعل أجره على النصف من أجر القائم ترغيبًا له في القيام، لزيادة الأجر، وإن كان يجوز قاعدًا. وكذا في الاضطجاع.
وعند أحمد، بسند رجاله ثقات، من طريق ابن جريج، عن ابن شهاب، عن أنس، قال: قدم النبي المدينة وهي محمة، فحم الناس، فدخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المسجد والناس يصلون من قعود، فقال: "صلاة القاعد نصف صلاة القائم".
وصنيع المؤلّف يدل على ذلك، حيث أدخل في الباب حديثي عائشة وأنس، وهما في صلاة المفترض قطعًا.
ورواة هذا الحديث بطريقيه كلهم بصريون إلا شيخ المؤلّف، وابن بريدة فمروزيان، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في البابين التاليين لهذا، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة.

18 - باب صَلاَةِ الْقَاعِدِ بِالإِيمَاءِ
(باب صلاة القاعد بالإيماء) ظاهره أن المؤلّف يختار جواز الإيماء، وهو أحد الوجهين للشافعية، والموافق للمشهور عند المالكية من جوازه قاعدًا مع القدرة على الركوع والسجود.
والأصح عند المتأخرين عدم الجواز للقادر، وإن جاز التنفل مضطجعًا، بل لا بد من الإتيان بهما حقيقة.
1116 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْمُعَلِّمُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ أَنَّ عِمْرَانَ بْنَ حُصَيْنٍ وَكَانَ رَجُلاً مَبْسُورًا. وَقَالَ أَبُو مَعْمَرٍ مَرَّةً: عَنْ عِمْرَانَ قَالَ: "سَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ صَلاَةِ الرَّجُلِ وَهْوَ قَاعِدٌ فَقَالَ: مَنْ صَلَّى قَائِمًا فَهْوَ أَفْضَلُ؛ وَمَنْ صَلَّى قَاعِدًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَائِمِ، وَمَنْ صَلَّى نَائِمًا فَلَهُ نِصْفُ أَجْرِ الْقَاعِدِ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحتين، بينهما عين مهملة ساكنة (قال: حدّثنا

(2/304)


عبد الوارث، قال: حدّثنا حسين المعلم) بكسر اللام المشدّدة (عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة (أن عمران بن حصين، وكان رجلاً مبسورًا) بالموحدة الساكنة.
(وقال أبو معمر) شيخ المؤلّف (مرة عن عمران) بدل قوله: أن عمران، ولأبي ذر زيادة: ابن حصين (قال: سألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عن صلاة الرجل وهو) أي والحال أنه (قاعد، فقال):
(من صلى) حال كونه (قائمًا فهو أفضل) من القاعد (ومن صلى) حال كونه (قاعدًا فله نصف أجر القائم، ومن صلّى) حال كونه (نائمًا) بالنون (فله نصف أجر القاعد). ليس فيه ذكر ما ترجم له من الإيماء، إنما فيه ذكر النوم.
وقد اعترضه الإسماعيلي فنسبه إلى تصحيف: نائمًا الذي بالنون بمعنى اسم الفاعل، بإيماء، بالموحدة التي بعدها مصدر: أومأ، فلذا ترجم به، وليس كما قال الإسماعيلي.
فقد وقع في رواية غير أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: هنا. قال أبو عبد الله، أي البخاري: قوله عندي، أن معناه مضطجعًا.
وأطلق عليه النوم لكثرة ملازمته له، وهذا التفسير وقع مثله في رواية عفان عن عبد الوارث، في هذا الحديث، عند الإسماعيلي، قال عبد الوارث: النائم المضطجع، وهذا يرد على الإسماعيلي، كما ترى.
وكأن البخاري كوشف به، وحكاه ابن رشيد عن رواية الأصيلي: بإيماء بالموحدة على التصحيف، ولا يخفى ما فيه، والله الموفق.

19 - باب إِذَا لَمْ يُطِقْ قَاعِدًا صَلَّى عَلَى جَنْبٍ
وَقَالَ عَطَاءٌ: إِنْ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَتَحَوَّلَ إِلَى الْقِبْلَةِ صَلَّى حَيْثُ كَانَ وَجْهُهُ.
هذا (باب) بالتنوين (إذا لم يطق) أي: المصلي أن يصلّي (قاعدًا صلّى على جنب).
(وقال عطاء) هو: ابن أبي رباح؛ مما وصله عبد الرزاق عن ابن جريج عنه بمعناه (إن)، وللمستملي، والحموي إذا (لم يقدر) لمانع شرعي من مرض أو غيره (أن يتحول إلى القبلة، صلّى حيث كان وجهه).
مطابقته للترجمة من حيث العجز، لكن الأول من حيث العجز عن القعود، وهذا عن التحول إلى القبلة.
1117 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ طَهْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحُسَيْنُ الْمُكْتِبُ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ، فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الصَّلاَةِ فَقَالَ: صَلِّ قَائِمًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ".
وبالسند قال: (حدّثنا عبدان) هو: عبد الله (عن عبد الله) بن المبارك (عن إبراهيم بن طهمان، قال: حدّثني) بالإفراد (الحسين المكتب) بضم الميم وإسكان الكاف وكسر المثناة الفوقية مخففة، وقيل بتشديدها مع فتح الكاف، وهي رواية أبي ذر كما في الفرع وأصله، وهو: ابن ذكوان المعلم الذي يعلم الصبيان الكتابة، (عن ابن بريدة، عن عمران بن حصين رضي الله عنه، قال):
(كانت بي بواسير، فسألت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الصلاة) أي: صلاة المريض، كما رواه الترمذي، ودل عليه قوله في أوله: وكانت بي بواسير (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(صل) حال كونك (قائمًا، فإن لم تستطع) بأن وجدت مشقة شديدة بالقيام، أو خوف زيادة مرض، أو هلاك، أو غرق، ودوران رأس لراكب سفينة، (فقاعدًا) أي: فصل حال كونك قاعدًا كيف شئت.
نعم قعوده مفترشًا أفضل لأنه قعود لا يعقبه سلام كالقعود للتشهد الأول، والإقعاء، وهو: أن يجلس على وركيه وينصب فخذيه، وزاد أبو عبيدة: ويضع يديه على الأرض مكروه للنهي عنه في الصلاة، كما رواه الحاكم. وقال: صحيح على شرط البخاري.
(فإن لم تستطع) أي: القعود للمشقة المذكورة (فعلى) أي: فصل على (جنب) وجوبًا مستقبل القبلة بوجهك. رواه الدارقطني من حديث علي.
واضطجاعه على الأيمن أفضل، ويكره على الأيسر بلا عذر، كما جزم به في المجموع.

وزاد النسائي: فإن لم تستطع فمستلقيًا، أي: وأخمصاه للقبلة، ورأسه أرفع بأن ترفع وسادته ليتوجه بوجهه للقبلة، لكن هذا كما قاله في المهمات في غير الكعبة، أما فيها فالمتجه جواز الاستلقاء على ظهره وعلى وجهه لأنه، كيفما توجه متوجه لجزء منها، ويركع ويسجد بقدر إمكانه، فإن قدر المصلي على الركوع فقط كرره للسجود، ومن قدر على زيادة على أكمل الركوع، تعينت تلك الزيادة للسجود، لأن الفرق بينهما واجب على المتمكن، ولو عجز عن السجود إلاّ أن يسجد بمقدم رأسه أو صدغه وكان بذلك أقرب إلى أرض وجب، لأن المبسور لا يسقط بالمعسور، فإن عجز عن ذلك أيضًا أومأ برأسه، والسجود أخفض من الركوع، فإن عجز عن إيمائه فببصره، فإن عجز عن الإيماء ببصره إلى أفعال الصلاة أجراها على قلبه بسننها، ولا إعادة عليه. ولا تسقط عنه الصلاة وعقله ثابت

(2/305)


لوجود مناط التكليف.
وهذا الترتيب قال به معظم الشافعية، لقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم". هكذا استدلّ به الغزالي، وتعقبه الرافعي: بأن الخبر أمر بالإتيان بما يشتمل عليه المأمور، والقعود لا يشتمل على القيام، وكذا ما بعده إلى آخر ما ذكره.
وأجاب عنه ابن الصلاح بأنا لا نقول: إن الآتي بالقعود آت بما استطاعه من القيام مثلاً، ولكنا نقول: يكون آتيًا بما استطاعه من الصلاة، لأن المذكورات أنواع لجنس الصلاة بعضها أدنى من بعض، فإذا عجز عن الأعلى وأتى بالأدنى كان آتيًا بما استطاع من الصلاة.
وتعقب: بأن كون هذه المذكورات من الصلاة فرع لشرعية الصلاة بها، وهو محل النزاع. انتهى.
واستدلّ بقوله في حديث النسائي: "فإن لم تستطع فمستلقيًا ... " أنه لا ينتقل المريض بعد عجزه عن الاستلقاء إلى حالة أخرى، كالإشارة إلى آخر ما مر، وهو قول الحنفية والمالكية وبعض الشافعية.

20 - باب إِذَا صَلَّى قَاعِدًا ثُمَّ صَحَّ، أَوْ وَجَدَ خِفَّةً، تَمَّمَ مَا بَقِيَ
وَقَالَ الْحَسَنُ: إِنْ شَاءَ الْمَرِيضُ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ قَائِمًا، وَرَكْعَتَيْنِ قَاعِدًا.
هذا (باب) بالتنوين (إذا صلى) المريض العاجز عن القيام فرضًا أو نفلاً (قاعدًا، ثم صح) في أثناء صلاته بأن عوفي (أو وجد خفة) في مرضه بحيث وجد قدرة على القيام (تمم ما بقي) من صلاته.
ولا يستأنفها خلافًا لمحمد بن الحسن، وللكشميهني: يتم، بضم المثناة التحتية وكسر الفوقية، وللأصيلي: يتمم، بفتح الفوقية وكسر الميم الأولى.

(وقال الحسن) البصري، مما وصله ابن أبي شيبة بمعناه: (إن شاء المريض صلّى) الفرض (ركعتين) حال كونه (قائمًا وركعتين) حال كونه (قاعدًا) عند عجزه عن القيام.
ولفظ ابن أبي شيبة: يصلّي المريض على الحالة التي هو عليها. انتهى.
ونازع العيني في كونه بمعنى ما ذكره المؤلّف، ولأبي ذر: صلّى ركعتين قاعدًا وركعتين قائمًا، بالتقديم والتأخير.
1118 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّهَا أَخْبَرَتْهُ "أَنَّهَا لَمْ تَرَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي صَلاَةَ اللَّيْلِ قَاعِدًا قَطُّ حَتَّى أَسَنَّ، فَكَانَ يَقْرَأُ قَاعِدًا حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ نَحْوًا مِنْ ثَلاَثِينَ آيَةً أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً ثُمَّ رَكَعَ". [الحديث 1118 - أطرافه في: 1119، 1148، 1161، 1168، 4837].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) بن أنس، إمام دار الهجرة (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة رضي الله عنها، أم المؤمنين أنها أخبرته أنها (لم تر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي صلاة الليل) حال كونه (قاعدًا قط حتى أسنّ) أي: دخل في السن.
وسيأتي في أثناء صلاة الليل من هذا الوجه: حتى إذا كبر.
وعند مسلم من رواية عثمان بن أبي سلمة، عن عائشة: لم يمت حتى كان أكثر صلاته جالسًا.
وعنده أيضًا من حديث حفصة: ما رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى في سبحته قاعدًا حتى كان قبل وفاته بعام، فكان يصلّي في سبحته قاعدًا.
(فكان يقرأ) حال كونه (قاعدًا حتى إذا أراد أن يركع قام، فقرأ نحوًا من ثلاثين آية، أو أربعين آية) قائمًا (ثم ركع) ولأبي ذر: يركع بصيغة المضارع، وسقط عند أبوي: ذر، والوقت، والأصيلي: لفظ آية، الأولى، وقوله: أو أربعين آية، شك من الراوي أن عائشة قالت: أحدهما، أو هما معًا، بحسب وقوع ذلك منه مرة كذا ومرة كذا، أو بحسب طول الآيات وقصرها.
1119 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ وَأَبِي النَّضْرِ مَوْلَى عُمَرَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -رضي الله عنها- "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي جَالِسًا فَيَقْرَأُ وَهْوَ جَالِسٌ، فَإِذَا بَقِيَ مِنْ قِرَاءَتِهِ نَحْوٌ مِنْ ثَلاَثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ آيَةً قَامَ فَقَرَأَهَا وَهْوَ قَائِمٌ، ثُمَّ يَرْكَعُ، فَإِذَا قَضَى صَلاَتَهُ نَظَرَ فَإِنْ كُنْتُ يَقْظَى تَحَدَّثَ مَعِي، وَإِنْ كُنْتُ نَائِمَةً اضْطَجَعَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا مالك) إمام الأئمة (عن عبد الله بن يزيد) من الزيادة، المخزومي الأعور المدني (وأبي النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة، سالم بن

أبي أمية القرشي المدني (مولى عمر بن عبيد الله) بضم العين فيهما، ابن معمر التيمي (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها، أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي جالسًا فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي من قراءته نحو) بالرفع. وهو واضح مع التنوين.
وفي اليونينية بغير تنوين، وروي نحوًا بالنصب: مفعول به على أن من زائدة في قول الأخفش، مفعول به بالمصدر المضاف إلى الفاعل، وهو قراءته. و: من زائدة على قول الأخفش، أو على أن من قراءته صفة لفاعل بقي قامت مقامه لفظًا، ونوى ثبوته. وانتصب نحوًا على الحال أي: فإذا بقي باق من قراءته نحوًا (من ثلاثين) زاد أبو ذر، والأصيلي: آية (أو أربعين آية، قام فقرأها وهو قائم، ثم يركع) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: ثم ركع بصيغة الماضي (فإذا قضى صلاته) وفرغ من ركعتي الفجر (نظر،

(2/306)


فإن كنت يقظى تحدث معي، وإن كنت نائمة اضطجع) للراحة من تعب القيام.
والشرط مع الجزاء جواب الشرط الأول، ولا منافاة بين قول عائشة: كان يصلّي جالسًا، وبين نفي حفصة المروي في الترمذي: ما رأيته صلّى في سبحته قاعدًا حتى قبل وفاته بعام، فكان يصلّي في سبحته قاعدًا لأن قول عائشة: كان يصلّي جالسًا لا يلزم منه أن يكون صلّى جالسًا قبل وفاته بأكثر من عام، لأن كان لا تقتضي الدوام، بل ولا التكرار على أحد القولين عند أهل الأصول.
ولئن سلمنا أنه صلّى قبل وفاته بأكثر من عام جالسًا فلا تنافي، لأنها إنما نفت رؤيتها، لأن وقوع ذلك في الجملة.
قال في الفتح: ودل حديث عائشة على جواز القعود في أثناء صلاة النافلة لمن افتتحها قائمًا، كما يباح له أن يفتتحها قاعدًا ثم يقوم، إذ لا فرق بين الحالتين، ولا سيما مع وقوع ذلك منه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الركعة الثانية، خلافًا لمن أبى ذلك. واستدل به على أن من افتتح صلاته مضطجعًا ثم استطاع الجلوس أو القيام أتمها على ما أدت إليه حاله.