شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
19 - كتاب التهجد
(بسم الله الرحمن الرحيم) كذا بإثباتها في غير رواية أبي
ذر.
1 - باب التَّهَجُّدِ بِاللَّيْلِ، وَقَوْلِهِ عَزَّ
وَجَلَّ: {وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً
لَكَ}
(باب التهجد) أي: الصلاة (بالليل) وأصله ترك الهجود، وهو
النوم. قال ابن فارس: المتهجد: المصلي ليلاً. وللكشميهني:
من الليل، وهو أوفق للفظ القرآن، (وقوله عز وجل) بالجر،
عطفًا على سابقه المجرور بالإضافة، وبالرفع على الاستئناف:
({ومن الليل}) أي: بعضه ({فتهجد به}) أي: اترك الهجود
للصلاة: كالتأثم والتحرج، والضمير للقرآن ({نافلة لك})
[الإسراء: 79]. فريضة زائدة لك على الصلوات المفروضة، خصصت
بها من بين أمتك.
روى الطبراني بإسناد ضعيف، عن ابن عباس: أن النافلة للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خاصة لأنه أمر بقيام
الليل، وكتب عليه دون أمته.
لكن صحّح النووي أنه نسخ عنه التهجد، كما نسخ عن أمته قال:
ونقله الشيخ أبو حامد عن النص، وهو الأصح، والصحيح.
ففي مسلم عن عائشة ما يدل عليه. أو فضيلة لك، فإنه قد غفر
له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وحينئذ فلم يكن فعل ذلك يكفر
شيئًا. وترجع التكاليف كلها في حقه عليه الصلاة والسلام
قرة عين وإلهام طبع، وتكون صلاته في الدنيا مثل تسبيح أهل
الجنة في الجنة، ليس على وجه الكلفة، ولا التكليف وهذا كله
مفرع على طريقة إمام الحرمين.
وأما طريقة القاضي حيث يقول: لو أوجب الله شيئًا لوجب، وإن
لم يكن وعيد، فلا يمتنع
حينئذ بقاء التكاليف في حقه، عليه الصلاة والسلام، على ما
كانت عليه، مع طمأنينته، عليه الصلاة والسلام. من ناحية
الوعيد، وعلى كلا التقديرين فهو معصوم، ولا عتب ولا ذنب.
لا يقال: إنه لم يأمره أن يستغفر في قوله تعالى:
{فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ} [النصر: 3].
ونحوه إلا مما يغفره له، لأنا نقول استغفاره تعبد على
الفرض، والتقدير، أي: أستغفرك مما عساه أن يقع لولا عصمتك
إياي.
وزاد أبو ذر في رواية تفسير قوله تعالى: {فتهجد به} أي:
اسهر به.
1120 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ
أَبِي مُسْلِمٍ عَنْ طَاوُسٍ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي
الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ
يَتَهَجَّدُ قَالَ: اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ
قَيِّمُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ، وَلَكَ
الْحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ
فِيهِنَّ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضِ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ الْحَقُّ، وَوَعْدُكَ
الْحَقُّ، وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ، وَقَوْلُكَ حَقٌّ،
وَالْجَنَّةُ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقٌّ، وَالنَّبِيُّونَ
حَقٌّ، وَمُحَمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَقٌّ، وَالسَّاعَةُ حَقٌّ، اللَّهُمَّ لَكَ أَسْلَمْتُ،
وَبِكَ آمَنْتُ، وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ، وَإِلَيْكَ
أَنَبْتُ، وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ،
فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ وَمَا أَخَّرْتُ، وَمَا
أَسْرَرْتُ وَمَا أَعْلَنْتُ، أَنْتَ الْمُقَدِّمُ
وَأَنْتَ الْمُؤَخِّرُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ أَوْ لاَ
إِلَهَ غَيْرُكَ". قَالَ سُفْيَانُ: وَزَادَ عَبْدُ
الْكَرِيمِ أَبُو أُمَيَّةَ «وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ
إِلاَّ بِاللَّهِ». قَالَ سُفْيَانُ قَالَ سُلَيْمَانُ
بْنُ أَبِي مُسْلِمٍ سَمِعَهُ مِنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 1120 - أطرافه في:
6317، 7385، 7442، 7499].
وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال:
حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا سليمان بن أبي مسلم)
المكي الأحول (عن طاوس) هو ابن كيسان أنه (سمع ابن عباس،
رضي الله عنهما، قال):
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا قام
من الليل) حال كونه (يتهجد) أي: من جوف الليل، كما في
رواية مالك، عن أبي الزبير، عن عائشة (قال) في موضع نصب
خبر كان أي: كان عليه الصلاة والسلام، عند قيامه من الليل
متهجدًا يقول. وقال الطيبي: الظاهر أن قال، جواب إذا،
والجملة الشرطية خبر كان.
(اللهم لك الحمد، أنت قيم السنوات والأرض ومن فيهن) وفي
رواية أبي الزبير المذكورة، قيام بالألف، ومعناه: والسابق
والقيوم، معنى واحد.
وقيل: القيم: معناه القائم بأمور الخلق، ومدبرهم، ومدبر
العالم في جميع أحواله، ومنه قيم
الطفل. والقيوم: هو القائم بنفسه مطلقًا لا بغيره، ويقوم
به كل موجود، حتى لا يتصور وجود شيء ولا دوام وجوده إلا
به. قال التوربشتي: والمعنى: أنت الذي تقوم بحفظها، وحفظ
من أحاطت به، واشتملت عليه، تؤتي كلامًا به قوامه، وتقوم
على كل شيء من خلقك بما تراه من تدبيرك، وعبّر بقوله:
(2/307)
من، في قوله: ومن فيهن، دون: ما، تغليبًا
للعقلاء على غيرهم.
(ولك الحمد، لك ملك السماوات والأرض ومن فيهن، ولك الحمد،
نور السماوات والأرض) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي، وابن
عساكر: "ولك الحمد أنت نور السماوات والأرض" بزيادة: أنت،
المقدرة في الرواية الأولى، فيكون قوله فيها: نور: خبر
مبتدأ محذوف، وإضافة النور إلى السماوات والأرض للدلالة
على سعة إشراقه، وفشوّ إضاءته وعلى هذا فسر قوله تعالى:
{اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ} أي منوّرهما يعني:
أن كل شيء استنار منهما واستضاء. فبقدرتك وجودك، والأجرام
النيرة بدائع فطرتك، والعقل والحواس خلقك وعطيتك.
قيل: وسمي بالنور لما اختص به من إشراق الجلال، وسبحات
العظمة التي تضمحل الأنوار دونها، ولما هيأ للعالم من
النور ليهتدوا به في عالم الخلق. فهذا الاسم على هذا
المعنى لا استحقاق لغيره فيه، بل هو المستحق له المدعوّ به
{وللهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وزاد في
رواية أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: ومن فيهن.
({ولك الحمد، أنت ملك السماوات والأرض}) كذا للحموي،
والمستملي، وفي رواية الكشميهني: لك ملك السماوات والأرض،
والأوّل أشبه بالسياق، (ولك الحمد، أنت الحق) المتحقق
وجوده.
وكل شيء ثبت وجوده وتحقق فهو حق، وهذا الوصف للرب جل جلاله
بالحقيقة والخصوصية لا ينبغي لغيره، إذ وجوده بذاته لم
يسبقه عدم، ولا يلحقه عدم، ومن عداه ممن يقال فيه ذلك فهو
بخلافه.
(ووعدك الحق) الثابت المتحقق، فلا يدخله خلف ولا شك في
وقوعه، وتحققه، (ولقاؤك حق) أي: رؤيتك في الدار الآخرة حيث
لا مانع، أو لقاء جزائك لأهل السعادة والشقاوة.
وهو داخل فيما قبله. فهو من عطف الخاص على العام، وقيل:
ولقاؤك حق، أي: الموت، وأبطله النووي.
(وقولك حق) أي: مدلوله ثابت (والجنة حق، والنار حق) أي كل
منهما موجود (والنبيون حق، ومحمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حق، والساعة حق،) أي: يوم القيامة.
وأصل الساعة الجزء القليل من اليوم أو الليلة، ثم استعير
للوقت الذي تقام فيه القيامة، يريد فيه القيامة، يريد أنها
ساعة خفيفة، يحدث فيها أمر عظيم.
وتكرير الحمد للاهتمام بشأنه، وليناط به كل مرة معنى آخر،
وفي تقديم الجار والمجرور إفادة التخصيص، وكأنه عليه
الصلاة والسلام، لما خص الحمد بالله، قيل: لم خصصتني
بالحمد؟ قال: لأنك أنت الذي تقوم بحفظ المخلوقات إلى غير
ذلك.
فإن قلت: لم عرّف الحق في قوله: أنت الحق، ووعدك الحق،
ونكر في البواقي؟
قال الطيبي عرفها للحصر، لأن الله هو الحق الثابت الدائم
الباقي، وما سواه في معرض الزوال، قال لبيد:
ألاَ كل شيء ما خلا الله باطل
وكذا وعده مختص بالإنجاز دون وعد غيره.
وقال السهيلي: التعريف للدلالة على أنه المستحق لهذا الاسم
بالحقيقة، إذ هو مقتضى هذه الأداة.
وكذا: في وعدك الحق، لأن وعده كلامه، وتركت في البواقي
لأنها أمور محدثة، والمحدث لا يجب له البقاء من جهة ذاته،
وبقاء ما يدوم منه علم بالخبر الصادق لا من جهة استحالة
فنائه.
وتعقبه في المصابيح بأنه يرد عليه قوله في هذا الحديث:
وقولك حق، مع أن قوله كلامه القديم فينظر وجهه. اهـ.
قال الطيبي: وهاهنا سر دقيق، وهو: أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما نظر إلى المقام الإلهي، ومقربي
حضرة الربوبية، عظم شأنه، وفخم منزلته، حيث ذكر النبيين.
وعرفها باللام الاستغراقي، ثم خص محمدًا -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من بينهم، وعطفه عليهم، إيذانًا
بالتغاير، وأنه فائق عليهم بأوصاف مختصة به، فإن تغير
الوصف بمنزلة التغير في الذات.
ثم حكم عليه استقلالاً بأنه حق، وجرده عن ذاته كأنه غيره،
وأوجب عليه تصديقه.
ولما رجع إلى مقام العبودية ونظر إلى افتقار نفسه، نادى
بلسان الاضطرار في مطاوي الانكسار:
(اللهم لك أسلمت) أي انقدت لأمرك ونهيك (وبك آمنت) أي:
صدقت بك وبما أنزلت (وعليك توكلت) أي: فوّضت أمري إليك
(وإليك أنبت): رجعت إليك مقبلاً بقلبي عليك (وبك) أي: بما
آتيتني من البراهين والحجج (خاصمت) من خاصمني من الكفار،
أو بتأييدك ونصرتك قاتلت (وإليك حاكمت) كل من أبى قبول ما
أرسلتني به.
وقدم جميع صلاة هذه الأفعال عليها إشعارًا بالتخصيص،
وإفادة
(2/308)
للحصر.
(فاغفر لي ما قدمت) قبل هذا الوقت (وما أخرت) عنه (وما
أسررت) أخفيت (وما أعلنت). أظهرت، أي: ما حدثت به نفسي،
وما تحرك به لساني.
قاله تواضعًا وإجلالاً لله تعالى، أو تعليمًا لأمته وتعقب
في الفتح الأخير بأنه: لو كان للتعليم فقط لكفى في أمرهم
بأن يقولوا، فالأولى أنه للمجموع.
(أنت المقدم) لي في البعث في الآخرة (وأنت المؤخر) لي في
البعث في الدنيا. وزاد ابن جريج في الدعوات: أنت إلهي (لا
الله إلا أنت أو لا الله غيرك).
(قال سفيان) بن عيينة بالإسناد السابق، كما بينه أبو نعيم،
أو هو من تعاليقه.
ولذا علم عليه المزي علامة التعليق، لكن قال الحافظ ابن
حجر: إنه ليس بجيد.
(وزاد عبد الكريم أبو أمية) بن أبي المخارق البصري: (ولا
حول ولا قوّة إلا بالله).
(قال سفيان) بن عيينة، بالإسناد السابق أيضًا (قال سليمان
بن أبي مسلم) الأحول خال أبي نجيح: (سمعه) وللأصيلي سمعته
(من طاوس، عن ابن عباس، رضي الله عنهما، عن النبي، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
صرّح سفيان بسماع سليمان له من طاوس، لأنه أورده قبل
بالعنعنة، ولم يقل سليمان في روايته: ولا حول ولا قوّة إلا
بالله.
ولأبي ذر وحده؛ قال عليّ بن خشرم بفتح الخاء وسكون الشين
المعجمتين وفتح الراء آخره ميم، قال سفيان: وليس ابن خشرم
من شيوخ المؤلّف؟ نعم، هو من شيوخ الفربري، فالظاهر أنه من
روايته عنه.
2 - باب فَضْلِ قِيَامِ اللَّيْلِ
(باب فضل قيام الليل) في مسلم من حديث أبي هريرة، أفضل
الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل، وهو يدل على أنه أفضل من
ركعتي الفجر، وقوّاه النووي في الروضة.
لكن الحديث اختلف في وصله وإرساله، وفي رفعه ووقفه، ومن ثم
لم يخرجه المؤلّف.
والمعتمد تفضيل الوتر على الرواتب وغيرها: كالضحى إذ قيل
بوجوبه، ثم: ركعتي الفجر، لحديث عائشة المروي في الصحيحين:
"لم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على
شيء من النوافل أشدّ تعاهدًا منه على ركعتي الفجر".
وحديث مسلم: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها، وهما
أفضل من ركعتين في جوف الليل".
وحملوا حديث أبي هريرة السابق على أن النفل المطلق المفعول
في الليل، أفضل من المطلق المفعول في النهار.
وقد مدح الله المتهجدين في آيات كثيرة، كقوله تعالى:
{كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ}
[الذاريات: 17]. {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ
سُجَّدًا وَقِيَامًا} [الفرقان: 64] {تَتَجَافَى
جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [السجدة: 16] ويكفي:
{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ
أَعْيُنٍ} وهي الغاية.
فمن عرف فضيلة قيام الليل بسماع الآيات، والأخبار، والآثار
الواردة فيه، واستحكم رجاؤه وشوقه إلى ثوابه، ولذة مناجاته
به، هاجه الشوق وباعث التوق، وطردا عنه النوم.
قال بعض الكبراء من القدماء: أوحى الله تعالى إلى بعض
الصدّيقين: إن لي عبادًا يحبوني وأحبهم، ويشتاقون إليّ
وأشتاق إليهم، ويذكروني وأذكرهم. فإن حذوت طريقهم أحببتك.
قال: يا رب! وما علاماتهم؟ قال: يحنون إلى غروب الشمس كما
تحن الطير إلى أوكارها، فإذا جَنَّهم الليل نصبوا إليّ
أقدامهم، وافترشوا إليّ وجوههم، وناجوني بكلامي، وتملقوا
بإنعامي، فبين صارخ وباك، ومتأوهٍ وشاكٍ بعيني ما يتحملون
من أجلي، وبسمعي ما يشتكون من حبي، أوّل ما أعطيهم أن أقذف
من نوري في قلوبهم، فيخبرون عني كما أخبر عنهم.
1121 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا هِشَامٌ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ. ح.
وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ: عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه-
قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَى رُؤْيَا قَصَّهَا
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا
فَأَقُصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكُنْتُ غُلاَمًا شَابًّا، وَكُنْتُ
أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَأَيْتُ فِي
النَّوْمِ كَأَنَّ مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي
إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَىِّ
الْبِئْرِ، وَإِذَا لَهَا قَرْنَانِ، وَإِذَا فِيهَا
أُنَاسٌ قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ
بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ. قَالَ: فَلَقِيَنَا مَلَكٌ آخَرُ
فَقَالَ لِي: لَمْ تُرَعْ".
وبالسند إلى المؤلّف قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد)
المسنديّ (قال: حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (قال:
أخبرنا معمر) هو: ابن راشد.
(ح) لتحويل السند، وليست في اليونينية.
(وحدّثني) بالإفراد (محمود) هو: ابن غيلان المروزي (قال:
حدثنا عبد الرزاق) بن همام (قال أخبرنا معمر) المذكور (عن)
ابن شهاب (الزهري، عن سالم، عن أبيه) عبد الله بن عمر رضي
الله عنهما (قال):
(كان الرجل في حياة النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، إذا رأى رؤيا) كفعلى، بالضم من غير تنوين، أي:
في النوم
(قصها على رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فتمنيت أن أرى) وللكشميهني: أني أرى (رؤيا)
زاد في التعبير، من وجه آخر: فقلت في نفسي: لو كان فيك خير
لرأيت مثل ما يرى هؤلاء (فأقصها) بالنصب، وفاء قبل الهمزة،
أي: أخبره بها، ولأبي الوقت في نسخة، والأصيلي، وابن
عساكر: أقصها (على رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وكنت غلامًا شابًا، وكنت أنام
(2/309)
في المسجد على عهد رسول الله) ولأبي ذر:
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرأيت في
النوم كأن ملكين أخذاني، فذهبا بي إلى النار، فإذا هي
مطوية) أي: مبنية الجوانب (كطي البئر، وإذا لها قرنان)
بفتح القاف، أي: جانبان (وإذا فيها أناس) بضم الهمزة (قد
عرفتهم، فجعلت أقول: أعوذ بالله من النار. قال فلقينا ملك
آخر، فقال لي: لم ترع) بضم المثناة الفوقية وفتح الراء
وجزم المهملة، أي: لِم تخف، والمعنى: لا خوف عليك بعد هذا،
وللكشميهني في التعبير: لن تراع، بإثبات الألف، وللقابسي:
لن ترع، بحذف الألف.
واستشكل من جهة أن لن، حرف نصب، ولم تنصب هنا.
وأجيب: بأنه مجزوم بلن، على اللغة القليلة المحكية عن
الكسائي، أو سكنت العين للوقف، ثم شبه بسكون المجزوم، فحذف
الألف قبله، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، قاله ابن مالك.
وتعقبه في المصابيح، فقال: لا نسلم أن فيه إجراء الوصل
مجرى الوقف، إذ لم يصله الملك بشيء بعده.
ثم قال: فإن قلت: إنما وجه ابن مالك بهذا في الرواية التي
فيها: لم ترع، وهذا يتحقق فيه ما قاله من إجراء الوصل مجرى
الوقف.
وأجاب عنه، فقال: لا نسلم، إذ يحتمل أن الملك نطق بكل جملة
منها منفردة عن الأخرى، ووقف على آخرها فحكاه كما وقع.
اهـ.
1122 - "فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ، فَقَصَّتْهَا
حَفْصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ
كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ. فَكَانَ بَعْدُ لاَ
يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً". [الحديث 1122 -
أطرافه في: 1157، 3739، 3741، 7016، 7029، 7031].
(فقصصتها على حفصة، فقصتها حفصة على رسول الله، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال):
(نعم الرجل عبد الله) وفي التعبير من رواية نافع عن ابن
عمر: إن عبد الله رجل صالح (لو كان يصلّي من الليل) لو
للتمني لا للشرط، ولذا لم يذكر الجواب.
قال سالم: (فكان) بالفاء، أي: عبد الله، ولأبوي ذر،
والوقت، والأصيلي: وكان (بعد لا ينام من الليل إلا
قليلاً).
فإن قلت: من أين أخذ عليه الصلاة والسلام التفسير بقيام
الليل من هذه الرؤيا؟.
أجاب المهلب: بأنه إنما فسر عليه الصلاة والسلام هذه
الرؤيا بقيام الليل، لأنه لم ير شيئًا يغفل عنه من
الفرائض، فيذكر بالنار. وعلم مبيته بالمسجد، فعبر عن ذلك
بأنه منبه على قيام الليل فيه.
وفي الحديث: (إن قيام الليل ينجي من النار). وفيه، كراهة
كثرة النوم بالليل.
وقد روى سنيد، عن يوسف بن محمد بن المنكدر، عن أبيه، عن
جابر مرفوعًا: قالت أم سليمان لسليمان: يا بني لا تكثر
النوم بالليل، فإن كثرة النوم بالليل تدع الرجل فقيرًا يوم
القيامة.
وكان بعض الكبراء يقف على المائدة كل ليلة ويقول: معاشر
المريدين لا تأكلوا كثيرًا فتشربوا كثيرًا فترقدوا كثيرًا
فتتحسروا عند الموت كثيرًا. وهذا هو الأصل الكبير، وهو
تخفيف المعدة عن ثقل الطعام.
وفي هذا الحديث: التحديث، والعنعنة، والقول، وأخرجه أيضًا
في: باب نوم الرجل في المسجد، كما سبق وفي: باب فضل من
تعارّ من الليل، ومناقب ابن عمر، ومسلم في: فضائل ابن عمر.
3 - باب طُولِ السُّجُودِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ
(باب طول السجود في قيام الليل) للدعاء والتضرع إلى الله
تعالى، إذ هو أبلغ أحوال التواضع والتذلل، ومن ثم كان:
أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد.
1123 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ
أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانَ يُصَلِّي إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً، كَانَتْ تِلْكَ
صَلاَتَهُ، يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرَ مَا
يَقْرَأُ أَحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أَنْ يَرْفَعَ
رَأْسَهُ، وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ
الْفَجْرِ. ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ
حَتَّى يَأْتِيَهُ الْمُنَادِي لِلصَّلاَةِ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال:
أخبرنا) وللأصيلي: حدّثنا (شعيب) هو: ابن أبي حمزة (عن)
ابن شهاب (الزهري، قال: أخبرني) ولأبي ذر، والأصيلي؛
حدّثني، بالإفراد فيهما (عروة) بن الزبير (أن عائشة، رضي
الله عنها، أخبرته):
(أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان
يصلّي) من الليل (إحدى عشرة ركعة، كانت تلك) أي: الإحدى
عشرة ركعة (صلاته) بالليل.
قال البيضاوي: بنى الشافعي عليه مذهبه في الوتر، وقال: إن
أكثر الوتر إحدى عشرة ركعة، ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله
تعالى.
(يسجد السجدة من ذلك) الألف واللام لتعريف الجنس، فيشمل
سجود الإحدى عشرة، والتاء فيه لا تنافي ذلك، والتقدير:
يسجد سجدات تلك الركعات طويلة (قدر) أي: بقدر، ويصح جعله
وصفًا لمصدر محذوف، أي: سجودًا قدر، أو يمكث مكثًا قدر (ما
يقرأ أحدكم خمسين آية قبل أن يرفع رأسه) من السجدة.
وكان يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده سبحانك اللهم وبحمدك،
اللهم اغفر لي. رواه المؤلّف فيما سبق في صفة الصلاة من
حديث عائشة.
وعنها: كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في
صلاة الليل في سجوده: "سبحانك لا إله إلا أنت".
(2/310)
رواه أحمد في مسنده بإسناد رجاله ثقات.
وكان السلف يطوّلون السجود أسوة حسنة به عليه الصلاة
والسلام، وقد كان ابن الزبير يسجد حتى تنزل العصافير على
ظهره كأنه حائط.
(ويركع ركعتين قبل صلاة الفجر، ثم يضطجع على شقه الأيمن)
للاستراحة من مكابدة الليل، ومجاهدة التهجد (حتى يأتيه
المنادي للصلاة) أي صلاة الصبح.
وموضع الترجمة منه قوله: يسجد السجدة. الخ ... لأن ذلك
يستدعي طول زمان السجود.
4 - باب تَرْكِ الْقِيَامِ لِلْمَرِيضِ
(باب ترك القيام) أي: قيام الليل (للمريض).
1124 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدَبًا
يَقُولُ: "اشْتَكَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً أَوْ لَيْلَتَيْنِ".
[الحديث 1124 - أطرافه في: 1125، 4950، 4951، 4983].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
سفيان) الثوري (عن الأسود) بن قيس (قال: سمعت جندبًا) بضم
الجيم وسكون النون وفتح الدال وضمها آخره موحدة، ابن عبد
الله البجلي (يقول):
(اشتكى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي:
مرض، (فلم يقم) لصلاة الليل (ليلة أو ليلتين) نصب على
الظرفية.
وزاد في فضائل القرآن: فأتته امرأة فقالت: يا محمد! ما أرى
شيطانك إلا قد تركك، فأنزل الله تعالى {وَالضُّحَى
وَاللَّيْلِ} إلى قوله: {وَمَا قَلَى} ورواته الأربعة
كوفيون، وفيه: التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه في
قيام الليل أيضًا، وفضائل القرآن، والتفسير. ومسلم في
المغازي، والترمذي، والنسائي في التعبير.
1125 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ قَالَ
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ قَيْسٍ عَنْ
جُنْدَبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ:
"احْتَبَسَ جِبْرِيلُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَبْطَأَ عَلَيْهِ
شَيْطَانُهُ"، فَنَزَلَتْ: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ
إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى}.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة (قال: أخبرنا
سفيان) الثوري (عن الأسود بن قيس، عن جندب بن عبد الله)
البجلي (رضي الله عنه، قال احتبس جبريل -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، على) ولأبي ذر، والأصيلي: عن
(النبي،-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقالت امرأة
من قريش) هي: أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان، امرأة أبي
لهب {حمالة الحطب} [المسد: 4] كما رواه الحاكم: (أبطأ عليه
شيطانه) برفع النون فاعل، أبطأ (فنزلت) سورة ({والضحى})
صدر النهار، أو: النهار كله ({والليل إذا سجى}) أقبل
بظلامه ({ما ودعك}) جواب القسم، أي ما قطعك ({ربك وما
قلى}) [الضحى: 1 - 2] أي: ما قلاك، أي: ما أبغضك.
وهذا الحديث قد رواه شعبة عن الأسود بلفظ آخر أخرجه المصنف
في التفسير، قال: قالت امرأة: يا رسول الله ما أرى صاحبك
إلا أبطأ عنك، قال في الفتح: وهذه المرأة فيما يظهر لي غير
المرأة المذكورة في حديث سفيان، لأن هذه عبرت بقولها:
صاحبك، وتلك، عبرت بقولها: شيطانك. وهذه عبرت بقولها: يا
رسول الله وتلك عبرت بقولها: يا محمد، وسياق هذه يشعر
بأنها قالته توجعًا وتأسفًا، وتلك قالته شماتة وتهكمًا.
وفي تفسير بقيّ بن مخلد، قال: قالت خديجة للنبي، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، حين أبطأ عليه الوحي: إن ربك
قد قلاك، فنزلت: {والضحى}.
وأخرجه إسماعيل القاضي في أحكامه، والطبري في تفسيره، وأبو
داود في أعلام النبوة وإسناد قويّ وتعقب بالإنكار، لأن
خديجة قوية الإيمان لا يليق نسبة هذا القول إليها.
وأجيب: بأنه ليس فيه ما ينكر، لأن المستنكر قول المرأة:
شيطانك، وليست عند أحد منهم.
وفي رواية إسماعيل القاضي، وغيره: ما أرى صاحبك، بدل: ربك،
والظاهر أنها عنت بذلك: جبريل عليه السلام.
فإن قلت: ما موضع الترجمة من الحديث؟
أجيب: بأنه من حيث كونه تتمة الحديث السابق، وذلك أنه أراد
أن ينبه على أن الحديث واحد لاتحاد مخرجه، وإن كان السبب
مختلفًا.
وعند ابن أبي حاتم عن جندب: رمى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحجر في أصبعه، فقال:
هل أنت إلا أصبع دميتِ ... وفي سبيل الله ما لقيتِ
قال: فمكث ليلتين أو ثلاثًا لم يقم، فقالت له امرأة: ما
أرى شيطانك إلا قد تركك، فنزلت {وَالضُّحَى (1)
وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى (2) مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا
قَلَى} [الضحى: 1 - 3].
5 - باب تَحْرِيضِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى صَلاَةِ اللَّيْلِ وَالنَّوَافِلِ مِنْ
غَيْرِ إِيجَابٍ وَطَرَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ وَعَلِيًّا - عليهما السلام
- لَيْلَةً لِلصَّلاَةِ
(باب تحريض النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أمته، أو: المؤمنين (على صلاة الليل) وفي رواية أبي ذر،
وابن عساكر: على قيام الليل (والنوافل من غير إيجاب).
يحتمل أن يكون قوله: على قيام الليل، أعم: من الصلاة
والقراءة والذكر والشكر. وغير ذلك، وحينئذٍ يكون قوله:
والنوافل من عطف الخاص على العام.
(وطرق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من
الطروق، أي: أتى بالليل (فاطمة وعليًّا عليهما السلام ليلة
للصلاة) أي للتحريض على القيام للصلاة.
1126 - حَدَّثَنَا ابْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
هِنْدٍ بِنْتِ الْحَارِثِ عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ -رضي الله
عنها- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- اسْتَيْقَظَ لَيْلَةً فَقَالَ: سُبْحَانَ
اللَّهِ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتْنَةِ،
مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ، مَنْ يُوقِظُ
صَوَاحِبَ الْحُجُرَاتِ؟ يَا رُبَّ كَاسِيَةٍ فِي
الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ".
وبه قال: (حدّثنا ابن مقاتل) ولأبي ذر: محمد بن مقاتل
(قال: حدّثنا) ولغير الأصيلي: أخبرنا (عبد الله)
(2/311)
بن المبارك (قال: أخبرنا معمر) هو: ابن
راشد (عن) ابن شهاب (الزهري، عن هند بنت الحرث) لم ينوّن
في اليونينية: هند (عن أم سلمة، رضي الله عنها أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، استيقظ ليلة فقال:)
متعجبًا: (سبحان الله) نصب على المصدر (ماذا أنزل الليلة)
كالتقرير والبيان لسابقه، لأن: ما استفهامية متضمنة لمعنى
التعجب والتعظيم، والليلة، ظرف للإنزال. أي: ماذا أنزل في
الليلة (من الفتنة) بالإفراد، وللحموي والكشميهني: من
الفتن.
قال في المصابيح: أي الجزئية القريبة المأخذ أو المراد:
ماذا أنزل من مقدّمات الفتن. وإنما التجأنا إلى هذا
التأويل لقوله عليه الصلاة والسلام: "أنا أمنة لأصحابي،
فإذا ذهبت جاء أصحابي ما يوعدون" فزمانه عليه الصلاة
والسلام جدير بأن يكون حمى من الفتن.
وأيضًا، فقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:
3] وإتمام النعمة أمان من الفتن.
وأيضًا فقول حذيفة لعمران: بينك وبينها بابًا مغلقًا، يعني
بينه وبين الفتن التي تموج كموج البحر، وتلك إنما استحقت
بقتل عمر رضي الله عنه.
وأما الفتن الجزئية فهي كقوله: "فتنة الرجل في أهله وماله
يكفرها الصلاة والصيام والصدقة".
(ماذا أنزل) بالهمزة المضمومة، وللأصيلي: (من الخزائن) أي:
خزائن الأعطية، أو الأقضية مطلقًا.
وقال في شرح المشكاة: عبر عن الرحمة بالخزائن كثرتها
وعزتها، قال تعالى: {قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ
خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي} [الإسراء: 100] وعن العذاب
بالفتن. لأنها أسباب مؤدّية إليه وجمعهما لكثرتهما
وسعتهما.
(من يوقظ) ينبه (صواحب الحجرات). زاد في رواية شعيب عن
الزهري عند المصنف في الأدب وغيره: في هذا الحديث يريد
أزواجه حتى يصلّين، وبذلك تظهر المطابقة بين الحديث
والترجمة، فإن فيه التحريض على صلاة الليل، وعدم الإيجاب
يؤخذ من ترك إلزامهن بذلك، وفيه جرى على قاعدته في الحوالة
على ما وقع في بعض طرق الحديث الذي يورده (يا) قوم (رب)
نفس (كاسية) من ألوان الثياب عرفتها (في الدنيا عارية) من
أنواع الثياب (في الآخرة) وقيل: عارية من شكر المنعم،
وقيل: نهى عن لبس ما يشف من الثياب، وقيل: نهى عن التبرج.
وقال في شرح المشكاة: هو كالبيان لموجب استنشاط الأزواج
للصلاة، أي: لا ينبغي لهن أن يتغافلن عن العبادة، ويعتمدن
على كونهن أهالي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وقوله: عارية، بالجرّ صفة لكاسية، أو: بالرفع،
خبر مبتدأ مضمر، أي: هي عارية، و: رب، للتكثير، وإن كان
أصلها التقليل متعلقة وجوبًا بفعل ماض متأخر، أي: عرفتها
ونحوه كما مر.
وهذا الحديث، وإن خص بأزواجه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، لكن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب،
فالتقدير: رب نفس، كما مر، أو: نسمة.
1127 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي عَلِيُّ
بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ
أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ أَخْبَرَهُ "أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
طَرَقَهُ وَفَاطِمَةَ بِنْتَ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ
السَّلاَمُ - لَيْلَةً فَقَالَ: أَلاَ تُصَلِّيَانِ؟
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْفُسُنَا بِيَدِ
اللَّهِ، فَإِذَا شَاءَ أَنْ يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا.
فَانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذَلِكَ وَلَمْ يَرْجِعْ إِلَىَّ
شَيْئًا، ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهْوَ مُوَلٍّ يَضْرِبُ
فَخِذَهُ وَهْوَ يَقُولُ: {وَكَانَ الإِنْسَانُ أَكْثَرَ
شَىْءٍ جَدَلاً} ". [الحديث 1127 - أطرافه في: 4724، 7347،
7465].
وبه قال (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا
شعيب) هو: ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال:
أخبرني) بالإفراد (على بن حسين) بضم الحاء، المشهور: بزين
العابدين (أن) أباه (حسين بن علي أخبره أن علي بن أبي طالب
أخبره):
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طرقه
وفاطمة بنت النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
وفي اليونينية: عليه السلام، بدل التصلية، وفاطمة؛ نصب
عطفًا على الضمير المنصوب في سابقه (ليلة) من الليالي،
ذكرها تأكيدًا وإلاّ فالطروق هو الإتيان ليلاً (فقال) عليه
الصلاة والسلام لهما، حثًا وتحريضًا:
(ألا تصليان)؟
(فقلت: يا رسول الله أنفسنا بيد الله) هو من المتشابه،
وفيه طريقان: التأويل والتفويض.
وفي رواية حكيم بن حكيم عن الزهري، عن علي بن الحسين، عن
أبيه، عند النسائي، قال علي: فجلست وأنا أحرك عيني، وأنا
أقول: والله ما نصلي إلا ما كتب الله لنا، إنما أنفسنا بيد
الله (فإذا شاء أن يبعثنا بعثنا) بفتح المثناة فيهما، أي:
إذا شاء الله أن يوقظنا.
(فانصرف) عليه الصلاة والسلام عنا معرضًا مدبرًا (حين
قلنا) وللأربعة: حين قلت له (ذلك. ولم يرجع إليّ شيئًا)
بفتح أول يرجع أي: لم يجبني بشيء (ثم سمعته، وهو) أي:
والحال أنه (مول) معرض مدبر حال كونه (يضرب فخذه) متعجبًا
من سرعة جوابه، وعدم موافقته له على الاعتذار بما اعتذر
به، قاله النووي: (وهو يقول:
(2/312)
{وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ
جَدَلاً} [الكهف: 54].
قيل: قاله تسليمًا لعذره، وإنه لا عتب عليه، قال ابن بطال:
ليس للإمام أن يشدد في النوافل، فإنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ قنع بقوله: أنفسنا بيد الله، فهو عذر
في النافلة لا في الفريضة.
ورواة هذا الحديث الستة ما بين حمصي ومدني وإسناد زين
العابدين من أصح الأسانيد وأشرفها الواردة فيمن روى عن
أبيه عن جده، وفيه التحديث والإخبار والعنعنة والقول،
وأخرجه المؤلّف أيضًا في: الاعتصام والتوحيد، ومسلم في:
الصلاة، وكذا النسائي.
1128 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "إِنْ كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لَيَدَعُ الْعَمَلَ وَهْوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ
خَشْيَةَ أَنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ فَيُفْرَضَ
عَلَيْهِمْ، وَمَا سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سُبْحَةَ الضُّحَى قَطُّ،
وَإِنِّي لأُسَبِّحُهَا". [الحديث 1128 - طرفه في: 1177].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) إمام الأئمة (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة) بن
الزبير (عن عائشة، رضي الله عنها قالت):
(إن كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
بكسر همزة إن مخففة من الثقيلة، وأصله: إنه كان فحذف ضمير
الشأن وخفف النون، (ليدع العمل) بفتح لام: ليدع، التي
للتأكيد، أي: ليترك العمل (وهو يحب أن يعمل به خشية) أي:
لأجل خشية (أن يعمل به الناس، فيفرض عليهم) بنصب فيفرض
عطفًا على أن يعمل.
وليس مراد عائشة أنه كان يترك العمل أصلاً، وقد فرضه الله
عليه أو ندبه، بل المراد ترك أمرهم أن يعملوه معه، بدليل
ما في الحديث الآتي: أنهم لما اجتمعوا إليه في الليلة
الثالثة، أو الرابعة، ليصلوا معه التهجد لم يخرج إليهم،
ولا ريب أنه صلّى حزبه تلك الليلة.
(وما سبح) وما تنفل (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها) أي: لأصليها.
وللكشميهني والأصيلي: وإني لأستحبها من الاستحباب.
وذكر هذه الرواية العيني، ولم يعزها، والبرماوي والدماميني
عن الموطأ، وهذا من عائشة إخبار بما رأت.
وقد ثبت: أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاها
يوم الفتح، وأوصى بها أبوي ذر، وهريرة، بل عدها العلماء من
الواجبات الخاصة به.
ووجه مطابقة هذا الحديث للترجمة من قول عائشة: "إن كان
ليدع العمل وهو يحب أن يعمل به". لأن كل شيء أحبه استلزم
التحريض عليه لولا ما عارضه من خشية الافتراض.
1129 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ -
رضي الله عنها "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى ذَاتَ لَيْلَةٍ فِي
الْمَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ نَاسٌ، ثُمَّ صَلَّى
مِنَ الْقَابِلَةِ فَكَثُرَ النَّاسُ، ثُمَّ اجْتَمَعُوا
مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ
يَخْرُجْ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ: قَدْ
رَأَيْتُ الَّذِي صَنَعْتُمْ، وَلَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ
الْخُرُوجِ إِلَيْكُمْ إِلاَّ أَنِّي خَشِيتُ أَنْ
تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ، وَذَلِكَ فِي رَمَضَانَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير) بن
العوام (عن عائشة أم المؤمنين، رضي الله عنها):
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، صلّى)
صلاة الليل (ذات ليلة) أي: في ليلة من ليالي رمضان (في
المسجد، فصلّى بصلاته ناس، ثم صلّى من) الليلة (القابلة)
أي: الثانية. وللمستملي: ثم صلّى من القابل، أي: من الوقت
القابل (فكثر الناس. ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو
الرابعة، فلم يخرج إليهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
زاد أحمد في رواية ابن جريج: حتى سمعت ناسًا منهم يقولون
الصلاة. والشك ثابت في رواية مالك.
ولمسلم من رواية يونس، عن ابن شهاب، فخرج رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في الليلة الثانية
فصلوا معه، فأصبح الناس يذكرون ذلك، فكثر أهل المسجد من
الليلة الثالثة، فخرج فصلوا بصلاته، فلما كانت الليلة
الرابعة عجز المسجد عن أهله.
ولأحمد من رواية سفيان بن حسين عنه: فلما كانت الليلة
الرابعة غص المسجد بأهله، (فلما أصبح) عليه الصلاة والسلام
(قال):
(قد رأيت الذي صنعتم) أي: من حرصكم على صلاة التراويح.
وفي رواية عقيل: فلما قضى صلاة الفجر أقبل على الناس،
فتشهد ثم قال: "أما بعد؛ فإنه لم يخف عليّ مكانكم".
(ولم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم).
زاد في رواية يونس: صلاة الليل فتعجزوا عنها، أي: يشق
عليكم فتتركوها مع القدرة. وليس المراد العجز الكلي، فإنه
يسقط التكليف من أصله.
قالت عائشة: (وذلك) أي: ما ذكر كان (في رمضان).
واستشكل قوله: إني خشيت أن تفرض عليكم، مع قوله في حديث
الإسراء هن خمس، وهن خمسون لا يبدل القول لديّ. فإذا أمن
التبديل فكيف يقع الخوف من الزيادة.
وأجاب في فتح الباري باحتمال: أن يكون المخوف افتراض قيام
الليل، بمعنى جعل التهجد في المسجد جماعة شرطًا في صحة
التنفل بالليل، ويومئ إليه قوله في حديث زيد بن ثابت: "حتى
(2/313)
خشيت أن يكتب عليكم، ولو كتب عليكم ما قمتم
به، فصلوا أيها الناس في بيوتكم". فمنعهم من التجميع في
المسجد إشفاقًا عليهم من اشتراطه، وأمن مع إذنه في
المواظبة على ذلك في بيوتهم من افتراضه عليهم، أو يكون
المخوف افتراض قيام الليل على الكفاية لا على الأعيان. فلا
يكون ذلك زائدًا على الخمس.
أو يكون الخوف افتراض قيام رمضان خاصة، كما سبق: أن ذلك
كان في رمضان.
وعلى هذا يرتفع الإشكال، لأن قيام رمضان لا يتكرر كل يوم
في السنة، فلا يكون ذلك قدرًا زائدًا على الخمس. اهـ.
6 - باب قِيَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حَتَّى تَرِمَ قَدَمَاهُ
وَقَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: حَتَّى تَفَطَّرَ
قَدَمَاهُ. وَالْفُطُورُ: الشُّقُوقُ. انْفَطَرَتْ:
انْشَقَّتْ.
(باب قيام النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
زاد الحموي في نسخة، والمستملي، والكشميهني، والأصيلي:
الليل.
وسقط عند أبي الوقت وابن عساكر (حتى ترم قدماه) بفتح
المثناة الفوقية، وكسر الراء من الورم.
وسقط ذلك أي: حتى ترم قدماه من رواية أبوي ذر، والوقت،
والأصيلي.
وللكشميهني في نسخة، والحموي والمستملي: باب قيام الليل
للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(وقالت عائشة رضي الله عنها) مما وصله في سورة الفتح من
التفسير (حتى) وللكشميهني كان يقوم، ولأبي ذر، عن الحموي
والمستملي: قام حتى (تفطر قدماه) بحذف إحدى التاءين وتشديد
الطاء وفتح الراء، بصيغة المضارع.
وللأصيلي: قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حتى تتفطر قدماه، بمثناتين فوقيتين على الأصل
وفتح الراء.
(والفطور: الشقوق) كما فسره به أبو عبيدة في المجاز:
(انفطرت: انشقت). كذا فسره الضحاك، فيما رواه ابن أبي حاتم
عنه موصولاً.
1130 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ: حَدَّثَنَا
مِسْعَرٌ عَنْ زِيَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ -رضي
الله عنه- يَقُولُ: "إِنْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيَقُومُ -لِيُصَلِّيَ-
حَتَّى تَرِمُ قَدَمَاهُ -أَوْ سَاقَاهُ- فَيُقَالُ لَهُ،
فَيَقُولُ: أَفَلاَ أَكُونُ عَبْدًا شَكُورًا"؟ [الحديث
1130 - طرفاه في: 4836، 6471].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
مسعر) بكسر الميم وسكون السين المهملة، ابن كدام العامري
الهلالي (عن زياد) بكسر الزاي وتخفيف الياء ابن علاقة
الثعلبي (قال: سمعت المغيرة) بن شعبة (رضي الله عنه،
يقول):
(إن كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليقوم
ليصلّي) بكسر همزة إن وتخفيف النون، وحذف ضمير الشأن
تقديره: إنه كان، وبفتح لام ليقوم للتأكيد، وكسر لام
ليصلّي.
ولكريمة: ليقوم يصلّي، بحذف لام، يصلّي، وللأربعة: أو
ليصلّي، مع فتح اللام على الشك ..
(حتى ترم قدماه) بكسر الراء وتخفيف الميم منصوبة بلفظ
المضارع، ويجوز رفعها (-أو ساقاه-) شك من الراوي، وفي
رواية خلاد بن يحيى: حتى ترم، أو تنتفخ قدماه (فيقال له:)
{لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ
وَمَا تَأَخَّرَ} [الفتح: 2]. وفي حديث عائشة: لِم تصنع
هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك؟ (فيقول):
(أفلا) الفاء مسبب عن محذوف، أي: أأترك قيامي وتهجدي لما
غفر لي فلا (أكون عبدًا شكورًا) يعني: غفران الله لي سبب
لأن أقوم وأتهجد شكرًا له. فكيف أتركه؟ كأن المعنى: ألا
أشكره، وقد أنعم عليّ وخصني بخير الدارين.
فإن الشكور من أبنية المبالغة يستدعي نعمة خطيرة، وتخصيص
العبد بالذكر مشعر بغاية الإكرام والقرب من الله تعالى،
ومن ثم وصفه به في مقام الإسراء، ولأن العبودية تقتضي صحة
النسبة، وليست إلاّ بالعبادة، والعبادة عين الشكر، وفيه
أخذ الإنسان على نفسه بالشّدة في العبادة، وإن أضر ذلك
ببدنه.
لكن، ينبغي تقييد ذلك بماذا لم يفض إلى الملال، لأن حالة
النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كانت أكمل
الأحوال، فكان لا يمل من العبادة، وإن أضر ذلك ببدنه، بل
صح أنه قال: "وجعلت قرة عيني في الصلاة" رواه النسائي.
فأما غيره، عليه الصلاة والسلام، فإذا خشي الملل ينبغي له
أن لا يكدّ نفسه حتى يمل. نعم الأخذ بالشدة أفضل لأنه إذا
كان هذا فعل المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فكيف من
جهل حاله وأثقلت ظهره الأوزار، ولا يأمن عذاب النار؟
ورواة هذا الحديث كوفيون، وهو من الرباعيات، وفيه التحديث
والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في: الرقاق
والتفسير، ومسلم في: أواخر الكتاب، والترمذي: في الصلاة،
وكذا النسائي وابن ماجة.
7 - باب مَنْ نَامَ عِنْدَ السَّحَرِ
(باب من نام عند السحر) بفتحتين قبيل الصبح، وللكشميهني
والأصيلي: عند السحور: بفتح السين وضم الحاء. ما يتسحر به،
ولا يكون إلا قبيل الصبح أيضًا.
1131 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ
دِينَارٍ أَنَّ عَمْرَو بْنَ أَوْسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله
عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لَهُ «أَحَبُّ الصَّلاَةِ إِلَى
اللَّهِ صَلاَةُ دَاوُدَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -
وَأَحَبُّ الصِّيَامِ إِلَى اللَّهِ صِيَامُ دَاوُدَ،
وَكَانَ يَنَامُ نِصْفَ اللَّيْلِ وَيَقُومُ ثُلُثَهُ
وَيَنَامُ سُدُسَهُ، وَيَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ
يَوْمًا». [الحديث 1131 - أطرافه في: 1152، 1153، 1974،
1975، 1976، 1977، 1978، 1979، 1980، 3418، 3419، 3420،
5052، 5053، 5054، 5199، 6134، 6277].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا
سفيان) بن عيينة (قال: حدّثنا عمرو بن دينار أن عمرو بن
أوس) بفتح الهمزة وسكون الواو، الثقفي الطائفي التابعي
الكبير، وليس بصحابي، نعم، أبوه صحابي وعمرو في الموضعين
بالواو (أخبره أن عبد الله
(2/314)
بن عمرو بن العاص، رضي الله عنهما، أخبره
أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال
له) أي: لابن عمرو:
(أحب الصلاة) أي: أكثر ما يكون محبوبًا (إلى الله صلاة
داود عليه السلام، وأحب الصيام) أي: أحب، بمعنى محبوبًا
(إلى الله، صيام) وفي رواية: وأحب الصوم إلى الله صوم
(داود).
واستعمال: أحب، بمعنى: محبوب قليل، لأن الأكثر في أفعل
التفضيل أن يكون بمعنى الفاعل، ونسبة المحبة فيهما إلى
الله تعالى على معنى إرادة الخير لفاعلهما.
(وكان) داود، عليه الصلاة والسلام، (ينام نصف الليل ويقوم
ثلثه) في الوقت الذي ينادي فيه الرب تعالى: هل من سائل؟ هل
من مستغفر؟ (وينام سدسه) ليستريح من نصب القيام في بقية
الليل.
وإنما كان هذا أحب إلى الله تعالى، لأنه أخذ بالرفق على
النفوس التي يخشى منها السآمة التي هي سبب إلى ترك
العبادة، والله تعالى يحب أن يوالي فضله، ويديم إحسانه،
قاله الكرماني.
وإنما كان ذلك أرفق، لأن النوم بعد القيام يريح البدن،
ويذهب ضرر السهر، وذبول الجسم، بخلاف السهر إلى الصباح،
وفيه من المصلحة أيضًا استقبال صلاة الصبح وأذكار النهار
بنشاط وإقبال، ولأنه أقرب إلى عدم الرياء، لأن من نام
السدس الأخير أصبح ظاهر اللون، سليم القوى، فهو أقرب إلى
أن يخفى عمله الماضي على من يراه، أشار إليه ابن دقيق
العيد.
(ويصوم يومًا ويفطر يومًا) وقال ابن المنير: كان داود عليه
الصلاة والسلام يقسم ليله ونهاره لحق ربه وحق نفسه، فأما
الليل فاستقام له ذلك في كل ليلة، وأما النهار فلما تعذر
عليه أن يجزئه بالصيام لأنه لا يتبعض، جعل عوضًا من ذلك أن
يصوم يومًا ويفطر يومًا، فيتنزل ذلك منزلة التجزئة في شخص
اليوم.
ورواة هذا الحديث مكيُّون إلاّ شيخ المؤلّف فمدني، وفيه:
رواية تابعي عن تابعي عن صحابي، والتحديث والإخبار، وأخرجه
أيضًا في: أحاديث الأنبياء. ومسلم في: الصوم، وكذا أبو
داود وابن ماجة والنسائي فيه، وفي الصلاة أيضًا.
1132 - حَدَّثَنِي عَبْدَانُ قَالَ أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ أَشْعَثَ سَمِعْتُ أَبِي قَالَ سَمِعْتُ
مَسْرُوقًا قَالَ "سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-:
أَيُّ الْعَمَلِ كَانَ أَحَبَّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتِ: الدَّائِمُ قُلْتُ:
مَتَى كَانَ يَقُومُ؟ قَالَتْ: يَقُومُ إِذَا سَمِعَ
الصَّارِخَ".
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلاَمٍ قَالَ أَخْبَرَنَا
أَبُو الأَحْوَصِ عَنِ الأَشْعَثِ قَالَ: "إِذَا سَمِعَ
الصَّارِخَ قَامَ فَصَلَّى". [الحديث 1132 - طرفاه في:
6461، 6462].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر، والوقت، والأصيلي:
حدّثنا (عبدان) هو: لقب عبد الله (قال: أخبرني) بالإفراد
(أبي) عثمان بن جبلة، بفتح الجيم والموحدة الأزدي العتكي
(عن شعبة) بن الحجاج (عن أشعث) بفتح الهمزة وسكون الشين
المعجمة آخره مثلثة (قال: سمعت أبي) أبا الشعثاء، سليم بن
أسود المحاربي (قال: سمعت مسروقًا) هو: ابن الأجدع (قال):
(سألت عائشة رضي الله عنها: أي العمل كان أحب إلى النبي)
ولأبي ذر، والأصيلي: إلى رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قالت) هو (الدائم) الذي يستمر عليه
عامله، والمراد بالدوام العرفي لا شمول الأزمنة، لأنه
متعذر.
قال مسروق: (قلت) لعائشة (متى كان يقوم) عليه الصلاة
والسلام؟.
(قالت: يقوم) فيصلّي، ولأبي ذر، قالت: كان يقوم (إذا سمع
الصارخ) وهو الديك لأنه يكثر الصياح في الليل.
قال ابن ناصر: وأول ما يصيح نصف الليل غالبًا، وهذا موافق
لقول ابن عباس: نصف الليل، أو قبله بقليل أو بعده بقليل.
وقال ابن بطال: يصرخ عند ثلث الليل.
وروى الإمام أحمد، وأبو داود، وابن ماجة عن زيد بن خالد
الجهني: أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
قال: "لا تسبوا الديك فإنه يوقظ للصلاة". وإسناده جيد. وفي
لفظ: فإنه يدعو إلى الصلاة.
وليس المراد أن يقول بصراخه حقيقة الصلاة، بل العادة جرت
أنه يصرخ صرخات متتابعة عند طلوع الفجر وعند الزوال، فطرة
فطره الله عليها، فيذكر الناس بصراخه الصلاة.
وفي معجم الطبراني، عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، قال: "إن لله ديكًا أبيض، جناحاه مُوشيان
بالزبرجد والياقوت واللؤلؤ، جناح بالمشرق وجناح بالمغرب،
رأسه تحت العرش، وقوائمه في الهواء، يؤذن في كل سحر، فيسمع
تلك الصيحة أهل السماوات والأرضين إلا الثقلين: الجن
والإنس، فعند ذلك تجيبه ديوك الأرض، فإذا دنا يوم القيامة
قال الله تعالى: ضم جناحيك وغض صوتك، فيعلم أهل السماوات
والأرض إلاّ الثقلين أن الساعة قد اقتربت".
وعند الطبراني، والبيهقي في الشعب، عن محمد بن المنكدر، عن
جابر: أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
قال: "إن لله ديكًا، رجلاه في التخوم، وعنقه تحت العرش
مطوية، فإذا كان هنية من الليل صاح:
(2/315)
سبوح قدوس، فصاحت الديكة. وهو في كامل ابن
عدي، في ترجمة علي بن علي اللهبي، قال: وهو يروي أحاديث
منكرة عن جابر.
وفي حديث الباب الاقتصاد في العبادة، وترك التعمق فيها.
ورواته ما بين: مروزي وواسطي وكوفي، وفيه رواية الابن عن
الأب، والتابعي عن الصحابية، والتحديث والإخبار والعنعنة،
والسماع والقول. وأخرجه أيضًا في هذا الباب، وفي الرقاق،
ومسلم في: الصلاة، وكذا أبو داود والنسائي.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سلام) بتخفيف اللام، ولأبي ذر،
عن السرخسي، وهو في اليونينية لابن عساكر: محمد بن سالم،
بتقديم الألف على اللام، وهو سهو من السرخسي لأنه ليس من
شيوخ المؤلّف أحد يقال له محمد بن سالم، وضبب عليها في
اليونينية. ولأبي الوقت، والأصيلي: حدّثنا محمد (قال:
أخبرنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الكوفي (عن الأشعث) بن
أبي الشعثاء بإسناد المذكور (قال):
(إذا سمع الصارخ) الديك في نصف الليل، أو ثلثه الأخير،
لأنه إنما يكثر الصياح فيه (قام فصلّى). لأنه وقت نزول
الرحمة، والسكون، وهدوّ الأصوات.
وأفادت هذه الرواية ما كان يصنع إذا قام، وهو قوله: قام
فصلّى، بخلاف رواية شعبة فإنها مجملة، وللمستملي والحموي:
ثم قام إلى الصلاة.
1133 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ ذَكَرَ أَبِي
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
قَالَتْ: "مَا أَلْفَاهُ السَّحَرُ عِنْدِي إِلاَّ
نَائِمًا" تَعْنِي النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (قال: حدّثنا
إبراهيم بن سعد) هو: ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
الزهري (قال: ذكر أبي) سعد بن إبراهيم، ولأبي داود: حدّثنا
إبراهيم بن سعد عن أبيه (عن) عمه (أبي سلمة) بن عبد الرحمن
بن عوف (عن عائشة، رضي الله عنها، قالت:)
(ما ألفاه) بالفاء أي: وجده عليه الصلاة والسلام (السحر)
بالرفع فاعل ألفى (عندي إلاّ نائمًا) بعد القيام الذي
مبدؤه عند سماع الصارخ. جمعًا بينه وبين رواية مسروق
السابقة.
وهل المراد حقيقة النوم أو اضطجاعه على جنبه لقولها في
الحديث الآخر: فإن كنت يقظى حدثني، وإلاّ اضطجع. أو كان
نومه خاصًّا بالليالي الطوال، وفي غير رمضان دون القصار،
لكن يحتاج إخراجها إلى دليل.
(تعني) عائشة (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-). فسر الضمير المنصوب في ألفاه: بالنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وليس بإضمار قبل الذكر، لأن
أم سلمة كانت سألت عائشة عن نوم النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقت السحر بعد ركعتي الفجر، كانتا في
ذكره عليه الصلاة والسلام.
وفي هذا الحديث رواية التابعي عن التابعي، والتحديث
والرواية بطريق الذكر. والعنعنة والقول، ورواية الابن عن
الأب. وأخرجه مسلم في: الصلاة، وكذا أبو داود وابن ماجة.
8 - باب مَنْ تَسَحَّرَ فَلَمْ يَنَمْ حَتَّى صَلَّى
الصُّبْحَ
(باب من تسحر فلم) بالفاء، وللكشميهني: ولم (ينم حتى صلّى
الصبح) وللحموي والمستملي: من تسحر ثم قام إلى الصلاة.
1134 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ
حَدَّثَنَا رَوْحٌ قَالَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ
نَبِيَّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَزَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- تَسَحَّرَا.
فَلَمَّا فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قَامَ نَبِيُّ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الصَّلاَةِ
فَصَلَّى. قُلْنَا لأَنَسٍ -كَمْ كَانَ بَيْنَ
فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا وَدُخُولِهِمَا فِي
الصَّلاَةِ؟ قَالَ: كَقَدْرِ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ
خَمْسِينَ آيَةً".
وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي (قال: حدّثنا
روح) بفتح الراء، ابن عبادة بضم العين وتخفيف الموحدة
(قال: حدّثنا سعيد) ولأبي ذرة سعيد بن أبي عروبة، بفتح
العين وضم الراء مخففًا (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن
مالك، رضي الله عنه):
(أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وزيد
بن ثابت، رضي الله عنه، تسحرا) أكلا السحور (فلما فرغا من
سحورهما) بفتح السين، اسم لما يتسحر به، وقد تضم كالوُضوء
والوَضوء (قام نبي الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، إلى الصلاة) أي: صلاة الصبح (فصلّى. قلنا)
ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: فقلنا (لأنس: كم كان بين
فراغهما من سحورهما ودخولهما في الصلاة؟ قال: كقدر ما يقرأ
الرجل خمسين آية).
قال التوربشتي: هذا تقدير لا يجوز لعموم المسلمين الأخذ
به، وإنما أخذ به عليه الصلاة والسلام لاطلاع الله إياه،
وقد كان عليه الصلاة والسلام معصومًا من الخطأ في أمر
الدين، وسبق هذا الحديث في باب: وقت الفجر.
9 - باب طُولِ الْقِيَامِ فِي صَلاَةِ اللَّيْلِ
(باب طول القيام في صلاة الليل) وللحموي، والمستملي: طول
الصلاة في قيام الليل، وهي توافق حديث الباب لأنه يدل
بظاهره على طول الصلاة لا على طول القيام بخصوصه، لكنه
يلزم من طولها طوله على ما لا يخفى.
وللكشميهني: باب القيام في صلاة الليل.
1135 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ "صَلَّيْتُ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةً،
فَلَمْ يَزَلْ قَائِمًا حَتَّى هَمَمْتُ بِأَمْرِ سَوْءٍ.
قُلْنَا: وَمَا هَمَمْتَ؟ قَالَ: هَمَمْتَ أَنْ أَقْعُدَ
وَأَذَرَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي، الأزدي
(2/316)
البصري (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن
الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة
الأزدي (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله عنه، قال):
(صليت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة)
من الليالي (فلم يزل قائمًا حتى هممت) قصدت (بأمر سوء)
بفتح السين إضافة أمر إليه. (قلنا: وما) ولأبي الوقت: ما
(هممت؟ قال: هممت أن أقعد) من طول قيامه (وأذر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالمعجمة أي. أتركه،
وإنما جعله سوءًا وإن كان القعود في النفل جائزًا لأن فيه
ترك الأدب معه، عليه الصلاة والسلام، وصورة مخالفته.
وقد كان ابن مسعود قويًا محافظًا على الاقتداء به، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلولا أنه طوّل كثيرًا لم
يهم بالقعود.
وقد اختلف: هل الأفضل في صلاة النفل كثرة الركوع والسجود؟
أو طول القيام؟ فقال بكل قومٌ.
فأما القائلون بالأول، فتمسكوا بنحو حديث ثوبان، عند مسلم:
"أفضل الأعمال كثرة الركوع والسجود".
وتمسك القائلون بالثاني بحديث مسلم أيضًا: "أفضل الصلاة
طول القنوت".
والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال.
ورواة هذا الحديث ما بين: بصري وواسطي وكوفي، وفيه:
التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم وابن ماجة في:
الصلاة، والترمذي في: الشمائل.
1136 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ قَالَ حَدَّثَنَا
خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي
وَائِلٍ عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا قَامَ
لِلتَّهَجُّدِ مِنَ اللَّيْلِ يَشُوصُ فَاهُ
بِالسِّوَاكِ".
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بضم العين الحوضي (قال:
حدّثنا خالد بن عبد الله) بن عبد الرحمن الطحان (عن حصين)
بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين، ابن عبد الرحمن السلمي
(عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن حذيفة) بن اليمان (رضي
الله عنه):
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا
قام للتهجد) أي: قام لعادته (من الليل، يشوص) بشين معجمة
وصاد مهملة، أي: يدلك (فاه بالسواك).
استشكل ابن بطال هذا الحديث، حتى عدّ ذكره هنا غلطًا من
ناسخ، أو: أن المؤلّف اخترمته المنية قبل تنقيحه.
وأجيب: باحتمال أنه أراد حديث حذيفة في مسلم: أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قرأ البقرة والنساء وآل عمران
في ركعة، لكن لم يذكره لأنه ليس على شرطه، وأن رواية شوصه
بالسواك هي ليلة صلّى فيها، فحكى البخاري بعضه تنبيهًا على
بقيته، أو تنبيهًا بأحد حديثي حذيفة على الآخر.
وقال ابن المنير: يحتمل عندي أن يكون أشار إلى معنى
الترجمة من جهة أن استعمال السواك حينئذ يدل على ما يناسبه
من كمال الهيئة والتأهب للعبادة، وأخذ النفس حينئذ بما
تؤخذ به في النهار، وكان ليله عليه الصلاة والسلام نهار،
وهو دليل طول القيام فيه.
ويدفع أيضًا وهم من لعله يتوهم أن القيام كان خفيفًا بما
ورد من حديث ابن عباس: فتوضأ وضوءًا خفيفًا. وابن عباس
إنما أراد وضوءًا رشيقًا مع كمال وإسباغ يدل على كماله.
اهـ.
وتعقبه في المصابيح فقال: أطال الخطابة ولم يكشف الخطب،
والحق أحق أن يتبع. اهـ.
وقال ابن رشيد: إنما أدخله لقوله: إذا قام للتهجد، أي: إذا
قام لعادته.
وقد بينت عادته في الحديث الآخر، ولفظ التهجد مع ذلك مشعر
بالسهر، ولا شك أن في السواك عونًا على دفع النوم، فهو
مشعر بالاستعداد للإطالة.
قال في الفتح: وهذا أقرب هذه التوجيهات.
ورواة هذا الحديث ما بين: بصري وواسطي وكوفي، وفيه:
التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في السواك كما سبق
في الوضوء.
10 - باب كَيْفَ كَانَ صَلاَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَمْ كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ؟
هذا (باب) بالتنوين (كيف كان صلاة النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكم كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي من الليل؟) ولأبي الوقت في
نسخة، وأبي ذر، وابن عساكر: بالليل.
وسقط كان الأولى عند أبوي ذر والوقت والأصيلي، والتبويب
كله عند الأصيلي، وللمستملي: باب كيف صلاة الليل؟ وكيف ...
، ولأبي ذر، عن الكشميهني: وكم كان النبي يصلّي بالليل؟.
1137 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبَرَنِي سَالِمُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- قَالَ: "إِنَّ رَجُلاً قَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ صَلاَةُ اللَّيْلِ؟ قَالَ: مَثْنَى
مَثْنَى، فَإِذَا خِفْتَ الصُّبْحَ فَأَوْتِرْ
بِوَاحِدَةٍ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال:
أخبرنا شعيب) هو: ابن أبي حمزة (عن) ابن شهاب (الزهري قال:
أخبرني) بالإفراد، وللأصيلي: أخبرنا (سالم بن عبد الله أن)
أباه (عبد الله بن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما، قال):
(إن رجلاً) في المعجم الصغير للطبراني: أن ابن عمر هو
السائل، لكن يعكر عليه ما في مسلم: عن ابن عمر أن رجلاً
سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأنا بينه
وبين السائل، وفي أبي داود: أن رجلاً من أهل البادية (قال:
(2/317)
يا رسول الله! كيف صلاة الليل)؟ أي عددها؟
(قال):
(مثنى مثتى) يسلم من كل ركعتين. ومثنى في محل رفع خبر
مبتدأ وهو قوله: صلاة الليل. والتكرير للتأكيد، لأن الأول
مكرر معنى: لأن معناه: اثنان اثنان ولذلك امتنع من الصرف.
وقال الزمخشري: وإنما لم ينصرف لتكرار العدل فيه، وزعم
سيبويه أن عدم صرفه للعدل والصفة.
وتعقبه في الكشاف: بأن الوصفية لا يعرج عليها لأنها لو
كانت مؤثرة في المنع من الصرف لقلت: مررت بنسوة أربع،
مفتوحًا فلما صرف علم أنها ليست بمؤثرة، والوصفية ليست
بأصل لأن
الواضع لم يضعها لتقع وصفًا، بل عرض لها ذلك نحو: مررت
بحية ذراع، ورجل أسد. فالذراع والأسد ليسا بصفتين، للحية
والرجل، حقيقة.
(فإذا خفت الصبح) أي: دخول وقته (فأوتر بواحدة). ركعة
مفردة، وهو حجة للشافعية على جواز الإيتار بركعة واحدة.
قال النووي: وهو مذهب الجمهور، وقال أبو حنيفة: لا يصح
بواحدة، ولا تكون الركعة الواحدة صلاة قط.
والأحاديث الصحيحة ترد عليه، ومباحث ذلك سبقت في باب
الوتر.
وهذا الحديث يطابق الجزء الأول من الترجمة، وبه احتج أبو
يوسف، ومحمد، ومالك، والشافعي، وأحمد: أن صلاة الليل مثنى
مثنى. وهو أن يسلم في آخر كل ركعتين.
وأما صلاة النهار، فقال أبو يوسف، ومحمد: أربع. وعند أبي
حنيفة: أربع في الليل والنهار، وعند الشافعي: مثنى مثنى
فيهما. واحتج بما رواه الأربعة من حديث ابن عمر مرفوعًا:
صلاة الليل والنهار مثنى مثنى.
نعم: له أن يحرم بركعة، وبمائة مثلاً، وفي كراهة الاقتصار
على ركعة فيما لو أحرم مطلقًا وجهان:
أحدهما: نعم يكره بناء على القول بأنه إذا نذر صلاة لا
تكفيه ركعة.
والثاني: لا بل قال في المطلب: الذي يظهر استحبابه خروجًا
من خلاف بعض أصحابنا، وإن لم يخرج من خلاف أبي حنيفة من
أنه يلزمه بالشروع ركعتان.
فإن لم ينو عددًا أو جهل كم صلّى؟ جاز، لما في مسند
الدارمي أن أبا ذر صلّى عددًا كثيرًا، فلما سلم قال له
الأحنف بن قيس: هل تدري انصرفت على شفع أو على وتر؟ فقال:
إن لا أكن أدري فإن الله يدري، فإن نوى عددًا فله أن ينوي
الزيادة عليه والنقصان منه.
والعدد عند النحاة ما وضع لكمية الشيء، فالواحد عدد، فتدخل
فيه الركعة.
وعند جمهور الحساب: ما ساوى نصف مجموع حاشيتيه القريبتين
أو البعيدتين على السواء، فالواحد ليس بعدد، فلا تدخل فيه
الركعة، لكنه يدخل في حكمه هنا بالأولى، لأنه إذا جاز
التغيير بالزيادة في الركعتين، ففي الركعة التي قيل يكره
الاقتصار عليها في الجملة أولى.
ومعلوم أن تغييرها بالنقص ممتنع، فإن نوى أربعًا وسلم من
ركعتين، أو من ركعة، أو قام إلى خامسة عامدًا قبل تغيير
النية، بطلت صلاته لمخالفته ما نواه بغير نيّة، لأن الزائد
صلاة، فتحتاج إلى نية.
ولو قام إليها ناسيًا، فتذكر وأراد الزيادة، ولم يردها،
لزمه العود إلى القعود، لأن المأتي به سهوًا لغوي، وسجد
للسهو آخر صلاته لزيادة القيام.
ومن نوى عددًا فله الاقتصار على تشهد آخر صلاته، وله أن
يتشهد بلا سلام في كل ركعتين، كما في الرباعية. وفي كل
ثلاث أو أكثر كما في التحقيق، والمجموع، لأن ذلك معهود في
الفرائض في الجملة، لا في ركعة. لأنه اختراع صورة في
الصلاة لم تعهد، قاله في أسنى المطالب.
1138 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ شُعْبَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ "كَانَ صَلاَةُ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَ
عَشْرَةَ رَكْعَةً يَعْنِي بِاللَّيْلِ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد قال: حدَّثني يحيى) القطان (عن
شعبة) بن الحجاج (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو جمرة) بالجيم
والراء المهملة، نصر بن عمران الضبعي (عن ابن عباس رضي
الله عنهما، قال):
(كان) ولأبي ذر: كانت (صلاة النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثلاث عشرة ركعة) أي يسلم من كل
ركعتين، كما صرح به في رواية طلحة بن نافع (يعني بالليل).
وسبق الحديث في أول أبواب الوتر.
1139 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ
اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي
حَصِينٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ وَثَّابٍ عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ
"سَأَلْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنْ صَلاَةِ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِاللَّيْلِ
فَقَالَتْ: سَبْعٌ وَتِسْعٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ، سِوَى
رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ".
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (إسحاق) هو:
ابن راهويه، كما جزم به أبو نعيم لا ابن سيار النصيبي، ولا
رواية له في الكتب الستة (قال: حدّثنا) ولأبي الوقت،
والأصيلي: أخبرنا (عبيد الله) بضم العين، ولأبوي ذر،
والوقت، والأصيلي: عبيد الله بن موسى أي: ابن باذام (قال:
أخبرني إسرائيل) بن يونس بن إسحاق السبيعي (عن أبي حصين)
بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين، عثمان بن عاصم الأسدي
(عن يحيى بن وثاب) بفتح الواو وتشديد المثلثة وبعد الألف
موحدة (عن
(2/318)
مسروق) هو ابن الأجدع (قال):
(سألت عائشة، رضي الله عنها، عن) عدد (صلاة رسول الله،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بالليل؟ فقالت):
تارة (سبع و) تارة (تسع و) أخرى (إحدى عشرة) وقع ذلك منه
في أوقات مختلفة بحسب اتساع الوقت وضيقه، أو عذر من مرض أو
غيره، أو كبر سنه.
وفي النسائي عنها: أنه كان يصلّي من الليل تسعًا، فلما أسن
صلّى سبعًا. قيل: وحكمة اقتصاره على إحدى عشرة ركعة أن
التهجد والوتر يختص بالليل، وفرائض النهار الظهر أربع،
والعصر أربع، والمغرب ثلاث، وتر النهار، فناسب أن تكون
صلاة الليل كصلاة النهار في العدد جملة وتفصيلاً. قاله في
فتح الباري.
ويعكر عليه صلاة الصبح فإنها نهاية لآية: {وَكُلُوا
وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ
الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187]
والمغرب ليلية لحديث: "إذا أقبل الليل من هاهنا، فقد أفطر
الصائم". فليتأمل.
(سوى ركعتي الفجر) فالمجموع: ثلاث عشرة ركعة.
وأما ما رواه الزهري، عن عروة. عنها: كما سيأتي إن شاء
الله تعالى، في باب: ما يقرأ في ركعتي الفجر؟ بلفظ: كان
يصلّي بالليل ثلاث عشرة ركعة، ثم يصلّي إذا سمع النداء
للصبح ركعتين خفيفتين، وظاهره يخالف ما ذكر؟
فأجيب: باحتمال أن تكون أضافت إلى صلاة الليل سنة العشاء،
لكونه كان يصلّيها في بيته، أو ما كان يفتتح به صلاة
الليل. فقد ثبت في مسلم عنها: أنه كان يفتتحها بركعتين
خفيفتين.
ويؤيد هذا الاحتمال رواية أبي سلمة، عند المصنف، وغيره:
يصلّي أربعًا ثم أربعًا ثم ثلاثًا.
فدل على أنها لم تتعرض للركعتين الخفيفتين، وتعرضت لهما في
رواية الزهري. والزيادة من الحافظ مقبولة.
1140 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى قَالَ
أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي
مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، مِنْهَا
الْوِتْرُ وَرَكْعَتَا الْفَجْرِ".
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين، مصغرًا
العبسي الكوفي (قال: أخبرنا حنظلة) بن أبي سفيان الأسود بن
عبد الرحمن (عن القاسم بن محمد) ابن أبي بكر الصديق (عن
عائشة، رضي الله عنها، قالت):
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي من
الليل ثلاث عشرة ركعة) بالبناء على الفتح وسكون شين عشرة،
كما أجازه الفراء (منها) أي: من ثلاث عشرة: (الوتر، وركعتا
الفجر).
وفي بعض النسخ: وركعتي الفجر، نصب على المفعول معه، وفي
رواية مسلم: من هذا الوجه كانت صلاته عشر ركعات، ويوتر
بسجدة، ويركع ركعتي الفجر، فتلك ثلاث عشرة. وهذا كان غالب
عادته عليه السلام.
11 - باب قِيَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِاللَّيْلِ وَنَوْمِهِ، وَمَا نُسِخَ مِنْ
قِيَامِ اللَّيْلِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ
اللَّيْلَ إِلاَّ قَلِيلاً * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ
قَلِيلاً * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ
وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلاً * إِنَّا سَنُلْقِي
عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً * إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ
هِيَ أَشَدُّ وِطَاءً وَأَقْوَمُ قِيلاً * إِنَّ لَكَ فِي
النَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلاً}. وَقَوْلِهِ: {عَلِمَ أَنْ
لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا
تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ
مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ
مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا
الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ
قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ
خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ
أَجْرًا} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: نَشَأَ
قَامَ بِالْحَبَشِيَّةِ. وِطَاءً قَالَ: مُوَاطَأَةَ
الْقُرْآنِ، أَشَدُّ مُوَافَقَةً لِسَمْعِهِ وَبَصَرِهِ
وَقَلْبِهِ. {لِيُوَاطِئُوا} لِيُوَافِقُوا.
(باب قيام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي:
صلاته (بالليل ونومه) بواو العطف ولأبي ذر من نومه (و) باب
(ما نسخ من قيام الليل).
(وقوله تعالى) بالجر عطفًا على قوله وما نسخ (يا أيها
المزمل) أصله: المتزمل، وهو الذي يتزمل في الثياب، أي يلتف
فيها، قلبت التاء زايًا وأدغمت في الأخرى أي: يا أيها
الملتف في ثيابه.
وروى ابن أبي حاتم، عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: {يَا
أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ} [المزمل: 1] أي: يا محمد قد زملت
القرآن.
({قم الليل إلا قليلاً}) منه ({نصفه أو أنقص منه قليلاً أو
زد عليه}) [المزمل: 1 - 3]. قم أقل من نصف الليل، والضمير
في: منه للنصف.
أي: على النصف:، وهو بدل من الليل، وإلا قليلاً: استثناء
من النصف، كأنه قال: قم أقل من نصف الليل، والضمير في منه،
للنصف.
والمعنى التخيير بين أمرين: أن يقوم أقل من النصف على
البت، وبين أن يختار أحد الأمرين النقصان من النصف
والزيادة عليه، قاله في الكشاف.
وتعقبه في البحر: بأنه يلزم منه التكرار، لأنه على تقديره:
قم أقل من نصف الليل يكون قوله: {أو أنقص} من نصف الليل
تكرارًا. أو: بدلاً من قليلاً. وكأن في الآية تخييرًا بين
ثلاث: بين قيام النصف بتمامه، أو قيام أنقص منه، أو أزيد.
ووصف النصف بالقلة بالنسبة إلى الكل:
قال في الفتح: وبهذا، أي: الأخير جزم الطبري، وأسند ابن
أبي حاتم معناه عن عطاء الخراساني.
وفي حديث مسلم، من طريق سعد بن هشام عن عائشة، رضي الله
تعالى عنها، قالت: افترض الله تعالى قيام الليل في أول هذه
السورة، يعني: {يا أيها المزمل} فقام نبي الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأصحابه حولاًَ حتى أنزل
الله في آخر هذه السورة التخفيف، فصار قيام الليل تطوّعًا
بعد فريضة.
وقال البرهان النسفي في الشفاء: أمره أن يختار على الهجود
التهجد، وعلى التزمل التشمر
للعبادة، والمجاهدة في الله تعالى، فلا جرم أنه عليه
السلام قد تشمر لذلك وأصحابه حق التشمر، وأقبلوا على إحياء
لياليهم، ورفضوا الرقاد والدعة، وجاهدوا في الله حتى
انتفخت أقدامهم،
(2/319)
واصفرت ألوانهم، وظهرت السيما على وجوههم،
حتى رحمهم ربهم، فخفف عنهم.
وحكى الشافعي، عن بعض أهل العلم: أن آخر السورة نسخ افتراض
قيام الليل إلا ما تيسر منه، بقوله: {فَاقْرَءُوا مَا
تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآَنِ} [المزمل: 20] ثم نسخ فرض ذلك
بالصلوات الخمس.
({وَرَتِّلِ القُرْآنَ تَرْتِيلاً}) أي اقرأه مرتلاً
بتبيين الحروف وإشباع الحركات من غير إفراط، وقال أبو بكر
بن طاهر: تدبر لطائف خطابه، وطالب نفسك بالقيام بأحكامه،
وقلبك بفهم معانيه، وسرك بالإقبال عليه ({إِنَّا سَنُلْقِي
عَلَيكَ قَوْلاً ثَقِيلاً}) أي: القرآن لثقل العمل به،
أخرجه ابن أبي حاتم عن الحسن، أو ثقيلاً في الميزان يوم
القيامة، أخرجه عنه أيضًا من طريق أخرى ({إن ناشئة الليل})
مصدر: من نشأ إذا قام ونهض ({هي أشد وطأ}) بكسر الواو وفتح
الطاء ممدودًا كما في قراءة أبي عمرو، وابن عامر، والباقون
بفتح الواو وسكون الطاء من غير مد، أي: قيامًا ({وأقوم
قيلاً}) أشد مقالاً وأثبت قراءة لهدو الأصوات، وقيل: أعجل
إجابة للدعاء ({إن لك في النهار سبحًا طويلاً}) [المزمل:
73] تصرفًا وتقلبًا في مهماتك وشواغلك. وعن السدي: تطوّعًا
كثيرًا. وقال السمرقندي: فراغًا طويلاً تقضي حوائجك فيه،
ففرغ نفسك لصلاة الليل.
(وقوله تعالى: {علم أن لن تحصوه}) أي: علم الله أن لن
تطيقوا قيام الليل، أو: الضمير المنصوب فيه يرجع إلى مصدر
مقدر، أي: علم أن لا يصح منكم ضبط للأوقات، ولا يتأتى
حسابها بالتسوية إلا بالاحتياط، وهو شاق عليكم ({فتاب
عليكم}) رخص لكم في ترك القيام المقدر ({فاقرؤوا ما تيسر
من القرآن}) فصلوا ما تيسر عليكم من قيام الليل، وهو ناسخ
للأول، ثم نسخا جميعًا بالصلوات الخمس، أو المراد: قراءة
القرآن بعينها، ثم بيَّن حكمة النسخ بقوله: ({علم أن سيكون
منكم مرضى}) لا يقدرون على قيام الليل ({وآخرون يضربون})
يسافرون ({في الأرض يبتغون من فضل الله}) في طلب الرزق منه
تعالى ({وآخرون يقاتلون في سبيل الله}) يجاهدون في طاعة
الله ({فاقرؤوا ما تيسر منه}) أي: من القرآن، قيل: في صلاة
المغرب والعشاء ({وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة}) الواجبتين
أو المراد: صدقة الفطر، لأنه لم يكن بمكة زكاة، ومن فسرها
بها جعل آخر السورة من المدني.
({وأقرضوا الله قرضًا حسنًا}) بسائر الصدقات المستحبة،
وسماه: قرضًا، تأكيدًا للجزاء ({وما تقدموا لأنفسكم من
خير}) عمل صالح وصدقة بنية خالصة ({تجدوه}) أي: ثوابه
({عند الله}) في الآخرة ({هو خيرًا}) نصب ثاني مفعولي: وجد
({وأعظم أجرًا}) زاد في نسخة: {واستغفروا الله} لذنوبكم
{إن الله غفور} لمن تاب {رحيم} [المزمل: 20] لمن استغفر.
(قال ابن عباس رضي الله عنهما) مما وصله عبد بن حميد
بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير،
عنه، ولأبي ذر، والأصيلي: قال أبو عبد الله أي: المؤلّف:
قال ابن عباس: (نشأ) بفتحات، مهموزًا معناه (قام) بتهجد
(بالحبشية) أي: بلسان الحبشة.
وليس في القرآن شيء بغير العربية، وإن ورد من ذلك شيء فهو
من توافق اللغتين، وعلى هذا، فناشئة، كما مر، مصدر بوزن
فاعلة، من: نشأ إذا قام، أو اسم فاعل: أي: النفس الناشئة
بالليل، أي التي تنشأ من مضجعها إلى العبادة أي: تنهض، وفي
الغريبين لأبي عبيد: كل ما حدث بالليل وبدا فهو ناشئ.
وفي المجاز لأبي عبيدة: ناشية الليل: آناء الليل، ناشئة
بعد ناشئة.
(وطأ) بكسر الواو (قال) المؤلّف، مما وصله عبد بن حميد، من
طريق مجاهد، معناه: (مواطأة القرآن). ولأبي ذر، والوقت،
مواطأة للقرآن، بالتنوين واللام (أشد موافقة لسمعه وبصره
وقلبه) ثم ذكر ما يؤيد هذا التفسير، فقال في قوله تعالى في
سورة براءة {يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا}
[التوبة: 37] (ليواطؤوا) معناه: (ليوافقوا) وقد وصله
الطبري عن ابن عباس، لكن بلفظ: ليشابهوا.
1141 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ حُمَيْدٍ
أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ "كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يَصُومَ
مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى نَظُنَّ أَنْ لاَ يُفْطِرَ
مِنْهُ شَيْئًا. وَكَانَ لاَ تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ
اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلاَّ رَأَيْتَهُ، وَلاَ نَائِمًا
إِلاَّ رَأَيْتَهُ".
تَابَعَهُ سُلَيْمَانُ وَأَبُو خَالِدٍ الأَحْمَرُ عَنْ
حُمَيْدٍ. [الحديث 1141 - أطرافه في: 1972، 1973، 3561].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) بن يحيى
القرشي العامري (قال: حدّثني) بالإفراد (محمد بن جعفر) هو:
ابن أبي كثير المدني (عن حميد) الطويل (أنه سمع أنسًا)
ولأبي ذر، والأصيلي: أنس بن مالك (رضي الله عنه، يقول):
(كان رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
يفطر من الشهر حتى نظن أن لا يصوم منه) أي: من الشهر، زاد
الأصيلي، وأبو ذر: شيئًا (و) كان، عليه الصلاة والسلام
(2/320)
(يصوم) منه (حتى نظن أن لا يفطر) بالنصب،
وللأصيلي: أنه لا يفطر، بالرفع، (منه شيئًا وكان) عليه
الصلاة والسلام (لا تشاء أن تراه من الليل مصليًا إلا
رأيته) مصليًا (ولا) تشاء أن تراه من الليل (نائمًا إلا
رأيته) نائمًا.
أي: ما أردنا منه، عليه الصلاة والسلام، أمرًا إلا وجدناه
عليه، إن أردنا أن يكون مصليًا، وجدناه مصليًا، وإن أردنا
أن نراه نائمًا، وهو يدل على أنه ربما نام كل الليل، وهذا
سبيل التطوع، فلو استمر الوجوب في قوله: {قُمِ اللَّيْلَ}
[المزمل: 2] لما أخل بالقيام.
وفيه أيضًا أن صلاته ونومه كانا يختلفان بالليل، وأنه لا
يرتب وقتًا معينًا، بل بحسب ما تيسر له من قيام الليل.
لا يقال: يعارضه قول عائشة: كان إذا سمع الصارخ قام. فإن
كلاً من عائشة وأنس أخبر بما اطلع عليه.
ورواته ما بين: مدني وبصري، وفيه: التحديث والعنعنة
والسماع والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصوم.
(تابعه) أي تابع محمد بن جعفر، عن حميد (سليمان) هو: ابن
بلال كما جزم به خلف (وأبو خالد) سليمان بن حيان (الأحمر)
أو: الواو زائدة في: وأبو، من الناسخ، فإن أبا خالدًا اسمه
سليمان، (عن حميد) الطويل.
ومتابعة أبي خالد وصلها المؤلّف في: الصوم.
12 - باب عَقْدِ الشَّيْطَانِ عَلَى قَافِيَةِ الرَّأْسِ
إِذَا لَمْ يُصَلِّ بِاللَّيْلِ
(باب عقد الشيطان على قافية الرأس) أي: قفاه، أو مؤخر
العنق، أو مؤخر الرأس، أو وسطه، (إذا) نام و (لم يصل) صلاة
العشاء (بالليل).
1142 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ
الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ
أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ
كُلَّ عُقْدَةٍ: عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ.
فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ،
فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى
انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ
النَّفْسِ، وَإِلاَّ أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ
كَسْلاَنَ». [الحديث 1142 - طرفه في: 3269].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) الإمام (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن
الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة، رضي الله عنه،
أن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال):
(يعقد الشيطان) إبليس، أو أحد أعوانه (على قافية رأس
أحدكم).
ظاهره التعميم في المخاطبين، ومن في معناهم، ويمكن أن يخص
منه من صلّى العشاء في جماعة، كما مر، ومن ورد في حقه أنه
يحفظ من الشيطان: كالأنبياء، ومن يتناوله قوله: {إِنَّ
عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [الإسراء: 65]
وكمن قرأ آية الكرسي عند نومه، وقد ثبت أنه يحفظ من
الشيطان حتى يصبح.
(إذا هو نام) وللحموي والمستملي: إذا هو نائم، بوزن فاعل،
قال الحافظ ابن حجر: والأول أصوب، وهو الذي في الموطأ.
وتعقبه العيني: بأن رواية الموطأ لا تدل على أن ذلك أصوب،
بل
الظاهر أن رواية المستملي أصوب لأنها جملة اسمية والخبر
فيها اسم (ثلاث عقد) نصب مفعول يعقد، وعقد بضم العين وفتح
القاف، جمع عقدة (يضرب) بيده (كل عقدة) منها ولأبي ذر: على
مكان كل عقدة، وللأصيلي وأبي ذر، عن الكشميهني: عند مكان
كل عقدة، تأكيدًا وأحكامًا لما يفعله قائلاً: باق (عليك
ليل طويل) أو: عليك ليل مبتدأ، أو خبر مقدم. فليل رفع على
الابتداء أي: باق عليك، أو إضمار فعل أي: بقي عليك
(فارقد).
كأن الفاء رابطة شرط مقدر، أي: وإذا كان كذلك، فارقد ولا
تعجل بالقيام، ففي الوقت متسع.
وهل هذا العقد حقيقة فيكون من باب عقد السواحر
{النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} [الفلق: 4] وذلك بأن يأخذن
خيطًا، فيعقدن عليه منه عقدة، ويتكلمن عليه بالسحر، فيتأثر
المسحور حينئذ بمرض أو تحريك قلب أو نحوه، وعلى هذا
فالمعقود شيء عند قافية الرأس لا قافية الرأس نفسها.
وهل العقد في شعر الرأس أو غيره؟ الأقرب أنه في غيره، لأنه
ليس لكل أحد شعر، وفي رواية ابن ماجة على قافية رأس أحدكم
حبل فيه ثلاث عقد، ولأحمد: إذا نام أحدكم عقد على رأسه
بجرير، وهو بفتح الجيم: الحبل.
وقيل العقد مجاز كأنه شبه فعل الشيطان بالنائم بفعل الساحر
بالسحور، فلما كان الساحر يمنع بعقده ذلك تصرف من يحاول
عقده، كان هذا مثله من الشيطان للنائم، وقيل: معنى يضرب،
يحجب الحس عن النائم حتى لا يستيقظ، ومنه قوله تعالى:
{فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ} [الكهف: 11] أي: حجبنا
الحس أن يلج في آذانهم، فينتبهوا. فالمراد تثقيله في النوم
وإطالته، فكأنه قد شد عليه شداد، أو عقد عليه ثلاث عقد.
والتقييد بالثلاث: إما للتأكيد، وأن الذي ينحل به عقده
ثلاثة: الذكر، والوضوء، والصلاة.
كما أشار إليه بقوله:
(فإن استيقظ) من نومه (فذكر الله) بكل ما صدق عليه الذكر،
كتلاوة القرآن، وقراءة الحديث، والاشتغال بالعلم الشرعي
(انحلت عقدة) واحدة من الثلاث (فإن توضأ انحلت عقدة) أخرى
ثانية (فإن صلّى) الفريضة أو النافلة (انحلت عقدة)
(2/321)
الثلاث كلها.
وظاهره: أن العقد كلها تنحل بالصلاة، وهو خاصة، كذلك، في
حق من لم يحتج إلى الطهارة، كمن نام متمكنًا مثلاً ثم
انتبه فصلّى من قبل أن يذكر أو يتطهر، لأن الصلاة تستلزم
الطهارة، وتتضمن الذكر.
وقوله: عقده، ضبطها في اليونينية بلفظ الجمع والإفراد، كما
ترى قال ابن قرقول في مطالعه، كعياض رحمه الله في مشارقه:
اختلف في الآخرة منها فقط، فوقع في الموطأ لابن وضاح
على الجمع، وكذا ضبطناها في البخاري، وكلاهما، يعني: الجمع
والإفراد، صحيح. والجمع أوجه، لا سيما وقد جاء في رواية
مسلم: في الأولى عقدة وفي الثانية عقدتان، وفي الثالثة
العقد. اهـ.
فقد تبين أن قول من قال: إنه في اليونينية بلفظ الجمع مع
نصب الدال ناشئ عن عدم تأمله لما في اليونينية، ولعله لم
يقف على اليونينية نفسها، بل على ما هو مقابل عليها، أو
مكتوب منها، وخفي على الكاتب أو القابل ذلك لدقة ذلك،
كمواضع فيها محيت لا تدرك إلا بالتأمل التام.
ويؤيد ما قلته، قول القاضي السابق، فتأمله.
وأما تخريج النصب على الاختصاص أو غيره، فلا يصار إليه إلا
عند ثبوت الرواية: ولا أعرفه. ومن ادعى أن النصب مع الجمع
رواية، فعليه البيان.
وقوله: (فأصبح نشيطًا) أي لسروره بما وفقه الله له من
الطاعة، وما وعد به من الثواب، وما زال عنه من عقد
الشيطان، (طيب النفس) لما بارك الله له في نفسه من هذا
التصرف الحسن، كذا قيل: قال في الفتح والظاهر أن في صلاة
الليل سرًّا في طيب النفس، وإن لم يستحضر المصلي شيئًا مما
ذكر (وإلا) بأن ترك الذكر والوضوء والصلاة (أصبح خبيث
النفس) بتركه ما كان اعتاده أو قصده، من فعل الخير.
ووصف النفس بالخبث. وإن كان وقع النهي عنه في قوله عليه
الصلاة والسلام: "لا يقولن أحدكم خبثت نفسي"، للتنفير،
والتحذير أو النهي لمن يقول ذلك. وهنا إنما أخبر عنه بأنه
كذلك فلا تضادّ.
(كسلان) لبقاء أثر تثبيط الشيطان، ولشؤم تفريطه، وظفر
الشيطان به بتفويته الحظ الأوفر من قيام الليل، فلا يكاد
يخف عليه صلاة ولا غيرها من القربات.
وكسلان: غير منصرف للوصف، وزيادة الألف والنون مذكر: كسلى،
ومقتضى قوله: وإلا أصبح أنه إن لم يجمع الأمور الثلاثة دخل
تحت من يصبح خبيثًا كسلان. وإن أتى ببعضها، لن يختلف ذلك
بالقوة والخفة، فمن ذكر الله مثلاً كان في ذلك أخف ممن لم
يذكر أصلاً. وهذا الذم مختص بمن لم يقم إلى الصلاة وضيعها.
أما من كانت له عادة، فغلبته عينه، فقد ثبت أن الله يكتب
له أجر صلاته ونومه عليه صدقة، ولا يبعد أن يجيء مثل ما
ذكر في نوم النهار كالنوم حالة الابراد مثلاً، ولا سيما
على تفسير البخاري من أن المراد بالحديث الصلاة المفروضة.
قاله في الفتح.
فإن قلت: الحديث مطلق يدل على عقده رأس جميع المكلفين: من
صلّى ومن لم يصل، وإنما تنحل عمن أتى بالثلاث، والترجمة
مقيدة برأس من لم يصل. فما وجه المطابقة؟
أجيب: بأن مراده أن استدامة العقد إنما تكون على من ترك
الصلاة، وجعل من صلّى وانحلت عقده كمن لم يعقد عليه لزوال
أثره. قاله المازري.
وقوله في الترجمة: إذا لم يصل، أعم من أن لا يصلّي العشاء
أو غيرها من صلاة الليل، ولا قرينة للتقييد بالعشاء.
وظاهر الحديث يدل على أن العقد يكون عند النوم، سواء صلّى
قبله أو لم يصل. قاله في عمدة القارئ، رادًا على صاحب
الفتح حيث قال: ويحتمل أن تكون الصلاة المنفية في الترجمة
صلاة العشاء، فيكون التقدير: إذا لم يصل العشاء، فكأنه يرى
أن الشيطان إنما يفعل ذلك بمن نام قبل صلاة العشاء، بخلاف
من صلاها لا سيما في الجماعة، فإنه كمن قام الليل في حل
عقد الشيطان.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود.
1143 - حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ هِشَامٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنَا عَوْفٌ قَالَ
حَدَّثَنَا أَبُو رَجَاءٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَمُرَةُ بْنُ
جُنْدَبٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الرُّؤْيَا قَالَ: "أَمَّا
الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَأْخُذُ
الْقُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ
الْمَكْتُوبَةِ".
وبه قال: (حدّثنا مؤمل بن هشام) بفتح الميم الثانية
المشددة البصري (قال: حدّثنا إسماعيل) ولأبي ذر والأصيلي:
إسماعيل ابن علية بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد
التحتية، اسم أمه، واسم أبيه: إبراهيم بن سهم الأسدي
البصري (قال: حدّثنا عوف) الأعرابي (قال: حدّثنا أبو رجاء)
عمران بن ملحان العطاردي (قال: حدّثنا سمرة بن جندب) بفتح
الدال وضمها (رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، في الرؤيا قال):
(أما الذي يثلغ رأسه بالحجر) بمثلثة ساكنة ولام مفتوحة
بعدها غين
(2/322)
معجمة، مبنيًا للمفعول أي يشق أو يخدش
(فإنه) الرجل (يأخذ القرآن فيرفضه) بكسر الفاء وضمها
والضاد المعجمة، أي: يترك حفظه والعمل به (وينام) ذاهلاً
(عن الصلاة المكتوبة) العشاء حتى يخرج وقتها، أو الصبح.
لأنها التي تفوت بالنوم غالبًا.
13 - باب إِذَا نَامَ وَلَمْ يُصَلِّ بَالَ الشَّيْطَانُ
فِي أُذُنِهِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا نام ولم يصل بال الشيطان في أذنه)
قال في الفتح: كذا للمستملي وحده، ولغيره باب، فقط، وهو
بمنزلة الفصل من سابقه، وفي اليونينية: باب إذا نام ولم
يصل بال الشيطان في أذنه، فليتأمل مع ما قبله.
1144 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
الأَحْوَصِ قَالَ: حَدَّثَنَا مَنْصُورٌ عَنْ أَبِي
وَائِلٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "ذُكِرَ عِنْدَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ
فَقِيلَ: مَا زَالَ نَائِمًا حَتَّى أَصْبَحَ، مَا قَامَ
إِلَى الصَّلاَةِ فَقَالَ: بَالَ الشَّيْطَانُ فِي
أُذُنِهِ". [الحديث 1144 - طرفه في: 3270].
وبالسند قال: (حدّثنا مسدد قال: حدّثنا أبو الأحوص) سلام
بن سليم (قال: حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (منصور) هو: ابن
المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن
مسعود (رضي الله عنه قال):
(ذكر عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل).
قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه، لكن أخرج سعيد بن
منصور عن عبد الرحمن بن يزيد النخعي، عن ابن مسعود ما يؤخذ
منه. أنه هو، ولفظه بعد سياق الحديث بنحوه: وايم الله لقد
بال في أذن صاحبكم ليلة يعني نفسه.
(فقيل) أي؛ قال رجل من الحاضرين (ما زال) الرجل المذكور
(نائمًا حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة) اللام للجنس، أو
المراد: المكتوبة، فتكون للعهد. ويدل له قول سفيان، فيما
أخرجه ابن حبان في صحيحه: هذا عبد نام عن الفريضة. (فقال)
عليه الصلاة والسلام:
(بال الشيطان في أذنه) بضم الهمزة والذال وسكونها، ولا
استحالة أن يكون بوله حقيقة، لأنه ثبت أنه يأكل ويشرب
وينكح، فلا مانع من بوله، أو: وهو كناية عن صرفه عن الصارخ
بما يقره في أذنه حتى لا ينتبه، فكأنه ألقى في أذنه بوله
فاعتل سمعه بسبب ذلك.
وقال التوربشتي: يحتمل أن يقال إن الشيطان ملأ سمعه
بالأباطيل، فأحدث فى أذنه، وقرأ عن استماع دعوة الحق.
وقال في شرح المشكاة، خص الأذن بالذكر. والعين أنسب بالنوم
إشارة إلى ثقل النوم، فإن المسامع هي موارد الانتباه
بالأصوات، ونداء: حي على الصلاة.
قال الله تعالى: {فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي
الْكَهْفِ} [الكهف: 11] أي: أنمناهم إنامة ثقيلة لا تنبههم
فيها الأصوات.
وخص البول من بين الأخبثين لأنه مع خباثته أسهل مدخلاً في
تجاويف الخروق والمعروف، ونفوذه فيها، فيورث الكسل في جميع
الأعضاء.
ورواة هذا الحديث كوفيون إلا شيخ المؤلّف فبصري، وفيه:
التحديث والإخبار والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف في صفة
إبليس، ومسلم والنسائي وابن ماجة في: الصلاة.
14 - باب الدُّعَاءِ وَالصَّلاَةِ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ
وَقَالَ عز وجل: {كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا
يَهْجَعُونَ} أَىْ مَا يَنَامُونَ {وَبِالأَسْحَارِ هُمْ
يَسْتَغْفِرُونَ}.
(باب الدعاء والصلاة) بواو العطف، ولأبي ذر في الصلاة (من
آخر الليل) وهو الثلث الأخير منه.
(وقال) ولأبوي ذر. والوقت: وقال الله (عز وجل) وللأصيلي:
وقول الله عز وجل ({كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون}) رفع
بقليلاً على الفاعلية (أي: ما ينامون) وللحموي: ما يهجعون:
ينامون، وما زائدة.
ويهجعون: خبر كان، وقليلاً إما ظرف أي: زمانًا قليلاً، ومن
الليل إما صفة أو: متعلق بيهجعون، وإما مفعول مطلق أي:
هجوعًا قليلاً. ولو جعلت: ما، مصدرية، فما يهجعون فاعل
قليلاً، ومن الليل: بيان أو حال من المصدر. ومن، للابتداء.
ولا يجوز أن تكون نافية، لأن ما بعدها لا يعمل فيما قبلها.
ولابن عساكر: ما ينامون، وعند الأصيلي يهجعون الآية.
({وبالأسحار هم يستغفرون}) أي: أنهم مع قلة هجوعهم وكثرة
تهجدهم إذا أسحروا أخذوا في الاستغفار كأنهم أسلفوا في
ليلهم الجرائم.
وسقط في رواية الأصيلي: ما بعد يهجعون إلى يستغفرون، وسقط
عند أبي ذر، والأصيلي، وأبي الوقت: {وبالأسحار هم
يستغفرون}.
1145 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ وَأَبِي
عَبْدِ اللَّهِ الأَغَرِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله
عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ
وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا
حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ: مَنْ
يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ، مَنْ يَسْأَلُنِي
فَأُعْطِيَهُ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ».
[الحديث 1145 - : طرفاه في: 6321، 7494].
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن)
إمام الأئمة (مالك، عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي سلمة) بن
عبد الرحمن (وأبي عبد الله) سلمان (الأغر) بغين معجمة وراء
مشددة، الثقفي، كلاهما (عن أبي هريرة، رضي الله عنه، أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال):
(ينزل ربنا، تبارك وتعالى) نزول رحمة، ومزيد لطف، وإجابة
دعوة، وقبول معذرة، كما هو ديدن الملوك الكرماء، والسادة
الرحماء، إذا نزلوا بقرب قوم محتاجين ملهوفين، فقراء
مستضعفين، لا نزول حركة وانتقال لاستحالة ذلك على الله
تعالى، فهو نزول معنويّ.
نعم، يجوز حمله على الحسي، ويكون راجعًا إلى أفعاله لا إلى
ذاته، بل هو عبارة عن ملكه
(2/323)
الذي ينزل بأمره ونهيه.
وقد حكى ابن فورك: أن بعض المشايخ ضبطه بضم الياء من:
ينزل. قال القرطبي: وكذا قيده بعضهم، فيكون معدّى إلى
مفعول محذوف، أي: ينزل الله ملكًا.
قال: ويدل له رواية النسائي: إن الله عز وجل يمهل حتى شطر
الليل الأول، ثم يأمر مناديًا يقول: هل من داع فيستجاب له
الحديث. وبهذا يرتفع الإشكال.
قال الزركشي: لكن روى ابن حبان في صحيحه "ينزل الله إلى
السماء فيقول لا أسأل عن عبادي غيري".
وأجاب عنه في المصابيح بأنه لا يلزم من إنزاله الملك أن
يسأله عما صنع العباد، ويجوز أن يكون الملك مأمورًا
بالمناداة، ولا يسأل البتة عما كان بعدها، فهو سبحانه
وتعالى أعلم بما كان وبما يكون، لا تخفى عليه خافية،
وقوله: تبارك وتعالى، جملتان معترضتان بين الفعل وظرفه،
وهو قوله:
(كل ليلة إلى السماء الدنيا) لأنه لما أسند ما لا يليق
إسناده بالحقيقة، أتى بما يدل على التنزيه (حين يبقى ثلث
الليل الآخر) منه، بالرفع صفة وتخصيصه بالليل، وبالثلث
الأخير منه لأنه وقت التهجد، وغفلة الناس عمن يتعرض لنفحات
رحمة الله، وعند ذلك تكون النية خالصة والرغبة إلى الله
تعالى وافرة، وذلك مظنة القبول والإجابة.
ولكن اختلفت الروايات في تعيين الوقت على ستة أقوال يأتي
ذكرها إن شاء الله تعالى في كتاب: الدعاء نصف الليل بعون
الله.
(يقول من يدعوني فأستجيب له) بالنصب على جواب الاستفهام،
وبالرفع على تقدير مبتدأ أي: فأنا أستجيب له. وكذلك حكم:
فأعطيه فأغفر له. وليست السين للطلب بل أستجيب بمعنى: أجيب
(من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له).
وزاد حجاج بن أبي منيع، عن جده، عن الزهري عند الدارقطني
في آخر الحديث: حتى الفجر. والثلاثة: الدعاء، والسؤال،
والاستغفار، أما بمعنى واحد، فذكرها للتوكيد، وإما لأن
المطلوب لدفع المضار أو جلب المسار، وهذا إما دنيوي أو
ديني ففي الاستغفار إشارة إلى الأول، وفي السؤال إشارة إلى
الثاني، وفي الدعاء إشارة إلى الثالث.
وإنما خص الله تعالى هذا الوقت بالتنزل الإلهي، والتفضل
على عباده باستجابة دعائهم، وإعطائهم سؤلهم، لأنه وقت غفلة
واستغراق في النوم. واستلذاذ به، ومفارقة اللذة والدعة صعب
لا سيما أهل الرفاهية، وفي زمن البرد، وكذا أهل التعب، ولا
سيما في قصر الليل. فمن آثر القيام لمناجاة ربه والتضرع
إليه مع ذلك دل على خلوص نيته وصحة رغبته فيما عند ربه
تعالى.
ورواة الحديث مدنيون إلا ابن مسلمة سكن البصرة، وفيه،
التحديث والعنعنة، وأخرجه أيضًا في: التوحيد والدعوات،
ومسلم في: الصلاة، وكذا أبو داود والترمذي والنسائي وابن
ماجة.
15 - باب مَنْ نَامَ أَوَّلَ اللَّيْلِ وَأَحْيَا آخِرَهُ
وَقَالَ سَلْمَانُ لأَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنهما-:
نَمْ. فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ قَالَ: قُمْ.
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«صَدَقَ سَلْمَانُ».
(باب من نام أوّل الليل وأحيا آخره) بالصلاة أو القراءة أو
الذكر ونحوها.
(وقال سلمان) الفارسي (لأبي الدرداء، رضي الله عنهما) وفي
نسخة: وقاله سلمان، وضبب في اليونينية على الهاء، مما وصله
المؤلّف في حديث طويل، في كتاب الأدب، عن جحيفة لما زاده،
وأراد أن يقوم للتهجد.
(نم) فنام (فلما كان من آخر الليل قال) سلمان له: (نَمْ)
قال: فصلينا، فقال له سلمان: إن لربك عليك حقًّا، ولنفسك
عليك حقًّا، ولأهلك عليك حقًّا، فأعط كل ذي حق حقه. فأتى
النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فذكر له ذلك
(قال النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(صدق سلمان) أي في جميع ما ذكر.
1146 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
-وَحَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ قَالَ- حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ قَالَ: "سَأَلْتُ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: كَيْفَ صَلاَةُ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِاللَّيْلِ؟
قَالَتْ: كَانَ يَنَامُ أَوَّلَهُ وَيَقُومُ آخِرَهُ
فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى فِرَاشِهِ، فَإِذَا
أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَثَبَ، فَإِنْ كَانَ بِهِ حَاجَةٌ
اغْتَسَلَ، وَإِلاَّ تَوَضَّأَ وَخَرَجَ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك
الطيالسي، ولأبي ذر: قال أبو الوليد: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج، قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد (سليمان) بن حرب
الواشحي (قال: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو
بن عبد الله السبيعي (عن الأسود) بن يزيد (قال):
(سألت عائشة، رضي الله عنها: كيف صلاة النبي) وللأصيلي:
كيف كانت، ولأبي الوقت: كيف كان صلاة النبي؟ ولأبي ذر:
رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالليل)؟.
(قالت: كان ينام أوّله ويقوم آخره، فيصلّي، ثم يرجع إلى
فراشه) فإن كان به حاجة إلى الجماع جامع، ثم ينام (فإذا
أذن المؤذن وثب) بواو ومثلثة وموحدة مفتوحات، أي: نهض (فإن
كان) ولأبي ذر: فإن كانت (به حاجة) للجماع قضى حاجته و
(اغتسل) فجواب الشرط محذوف، وهو قضى حاجته كما مر، ولفظ
اغتسل يدل عليه، وليس بجواب (وإلا) بأن لم يكن جامع
(2/324)
(توضأ وخرج) إلى المسجد للصلاة.
ولمسلم: قالت: كان ينام أوّل الليل ويحيي آخره، ثم إن كانت
له حاجة إلى أهله قضى حاجته، ثم ينام، فإذا كان عند النداء
الأوّل، وثب ولا والله ما قالت: قام فأفاض عليه الماء ولا
والله ما قالت: اغتسل: وأنا أعلم ما تريد. وإن لم يكن
جنبًا توضأ وضوء الرجل للصلاة، ثم صلّى ركعتين. فصرّح
بجواب إن الشرطية، وفي التعبير: بثم، في حديث الباب فائدة،
وهي: أنه عليه السلام كان يقضي حاجته من نسائه بعد إحياء
الليل بالتهجد، فإن الجدير به عليه السلام أداء العبادة
قبل قضاء الشهوة.
قال في شرح المشكاة: ويمكن أن يقال: إن ثم، هنا لتراخي
الإخبار، أخبرت أوّلاً أن عادته عليه السلام كانت مستمرة
بنوم أوّل الليل. وقيام آخره، ثم إن اتفق أحيانًا أن يقضي
حاجته من نسائه فيقضي حاجته ثم ينام في كلتا الحالتين،
فإذا انتبه عند النداء الأوّل، إن كان جنبًا اغتسل وإلا
توضأ.
ورواة الحديث ما بين: بصري وواسطي وكوفي، وفيه: حدّثنا أبو
الوليد، وفي الرواية الأخرى؛ قال لنا، بصورة التعليق. وقد
وصله الإسماعيلي. وفيه: التحديث والسؤال والقول والعنعنة.
وأخرجه مسلم والنسائي.
16 - باب قِيَامِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِاللَّيْلِ فِي رَمَضَانَ وَغَيْرِهِ
(باب قيام النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي
صلاته (بالليل في) ليالي (رمضان وغيره) وسقط قوله: بالليل،
عند المستملي والحموي.
1147 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ "سَأَلَ عَائِشَةَ
-رضي الله عنها- كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ؟
فَقَالَتْ: مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ فِي
غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً: يُصَلِّي
أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ.
ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا، فَلاَ تَسَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ
وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا. قَالَتْ
عَائِشَةُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَنَامُ قَبْلَ
أَنْ تُوتِرَ؟ فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ إِنَّ عَيْنَىَّ
تَنَامَانِ وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي". [الحديث 1147 - طرفاه
في: 2013، 3569].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) الإمام (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبي سلمة
بن عبد الرحمن أنه أخبره):
(أنه سأل عائشة، رضي الله عنها، كيف كانت صلاة رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) ليالي (رمضان؟).
(فقالت: ما كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يزيد في رمضان، ولا في غيره على إحدى عشرة
ركعة) أي: غير ركعتي الفجر.
وأما ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس: كان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلّي في رمضان عشرين
ركعة،
والوتر، فإسناده ضعيف. وقد عارضه حديث عائشة هذا، وهو في
الصحيحين مع كونها أعلم بحاله، عليه الصلاة والسلام، ليلاً
من غيرها.
(يصلّي أربعًا) أي أربع ركعات، وأما ما سبق من أنه كان
يصلّي: مثنى مثنى، ثم واحدة فمحمول، على وقت آخر، فالأمران
جائزان (فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) لأنهن في نهاية من كمال
الحسن والطول، مستغنيات لظهور حسنهن وطولهن عن السؤال عنه
والوصف، (ثم يصلّي أربعًا، فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم
يصلّي ثلاثًا).
(قالت عائشة) رضي الله عنها: (فقلت) بفاء العطف على
السابق، وفي بعضها: قلت (يا رسول الله أتنام) بهمزة
الاستفهام الاستخباري (قبل أن توتر؟ فقال: يا عائشة إن
عيني تنامان ولا ينام قلبي) ولا يعارض بنومه عليه الصلاة
والسلام بالوادي، لأن طلوع الفجر متعلق بالعين لا بالقلب،
وفيه دلالة على كراهة النوم قبل الوتر، لاستفهام عائشة عن
ذلك، كأنه تقرر عندها منع ذلك، فأجابها بأنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ليس هو في ذلك كغيره.
وهذا الحديث أخرجه في: أواخر الصوم، وفي: صفة النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومسلم في: الصلاة،
وكذا أبو داود، والترمذي، والنسائي.
1148 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ هِشَامٍ قَالَ أَخْبَرَنِي
أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "مَا
رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقْرَأُ فِي شَىْءٍ مِنْ صَلاَةِ اللَّيْلِ جَالِسًا،
حَتَّى إِذَا كَبِرَ قَرَأَ جَالِسًا، فَإِذَا بَقِيَ
عَلَيْهِ مِنَ السُّورَةِ ثَلاَثُونَ أَوْ أَرْبَعُونَ
آيَةً قَامَ فَقَرَأَهُنَّ، ثُمَّ رَكَعَ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) بن عبد الله الزمن (قال:
حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن هشام قال: أخبرني)
بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوام (عن عائشة، رضي
الله عنها، قالت):
(ما رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ
في شيء من صلاة الليل) حال كونه (جالسًا، حتى إذا كبر)
بكسر الموحدة أي: أسن، وكان ذلك قبل موته بعام (قرأ) حال
كونه (جالسًا، فإذا بقي عليه من السورة ثلاثون) زاد
الأصيلي: آية (أو أربعون آية) شك من الراوي (قام فقرأهن،
ثم ركع).
فيه رد على من اشترط على من افتتح النافلة قاعدًا، أن يركع
قاعدًا، أو قائمًا أن يركع قائمًا.
وهو محكي عن أشهب وبعض الحنفية.
وحديث مسلم الذي احتجوا به لا يلزم منه ما رواه عروة عنها،
فإنه كان يفعل كلاًّ من ذلك بحسب النشاط.
ورواته ما بين: بصري ومدني، وفيه التحديث والإخبار
والعنعنة والقول، وأخرجه مسلم.
17 - باب فَضْلِ الطُّهُورِ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ
(باب فضل الطهور بالليل والنهار) بضم الطاء، وزاد أبو ذرّ
عن الكشميهني:
(2/325)
وفضل الصلاة عند الطهور بالليل والنهار،
وهي المناسبة لحديث الباب، وفي بعض النسخ، وهي رواية أبي
الوقت: بعد الوضوء بدل قوله عند الطهور.
1149 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ عَنْ أَبِي حَيَّانَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِبِلاَلٍ
عِنْدَ صَلاَةِ الْفَجْرِ: يَا بِلاَلُ حَدِّثْنِي
بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الإِسْلاَمِ، فَإِنِّي
سَمِعْتُ دَفَّ نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَىَّ فِي الْجَنَّةِ.
قَالَ: مَا عَمِلْتُ عَمَلاً أَرْجَى عِنْدِي أَنِّي لَمْ
أَتَطَهَّرْ طُهُورًا فِي سَاعَةِ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ
إِلاَّ صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كُتِبَ لِي أَنْ
أُصَلِّيَ". قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: دَفَّ
نَعْلَيْكَ، يَعْنِي تَحْرِيكَ.
وبالسند قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبة إلى جده. وإلا
فهو: إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي المروزي. قال:
(حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن أبي حيان) بالمهملة
المفتوحة والمثناة التحتية المشدّدة، يحيى بن سعيد (عن أبي
زرعة) هرم بن جرير البجلي (عن أبي هريرة، رضي الله عنه):
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لبلال)
مؤذنه (عند صلاة الفجر) في الوقت الذي كان عليه الصلاة
والسلام يقص فيه رؤياه. ويعبر ما رآه غيره من أصحابه:
(يا بلال، حدّثني بأرجى عمل عملته في الإسلام) أرجى: على
وزن: أفعل التفضيل المبني من المفعول وهو سماعي. مثل: أشغل
وأعذر، أي: أكثر مشغولية ومعذورية، فالعمل ليس براجٍ
للثواب، وإنما هو مرجوّ الثواب، وأضيف إلى العمل لأنه
السبب الداعي إليه، والمعنى: حدّثني بما أنت أرجى من نفسك
به من أعمالك (فإني سمعت) أي الليلة، كما في مسلم في:
النوم، لأنه لا يدخل أحد الجنة، وإن كان -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدخلها يقظة كما وقع له في المعراج
إلا أن بلالاً لم يدخل.
وقال التوربشتي: هذا شيء كوشف به، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، من عالم الغيب في نومه أو يقظته،
ونرى ذلك، والله أعلم عبارة عن مسارعة بلال إلى العمل
الموجب لتلك الفضيلة قبل ورود الأمر عليه، وبلوغ الندب
إليه، وذلك من قبيل قول القائل لعبده: تسبقني إلى العمل؟
أي تعمل قبل ورود أمري إليك؟ انتهى.
لكنه لما كان ما استنبطه موافقًا لمرضاة الله ورسوله أقره
واستحمده عليه.
(دف نعليك) بفتح الدال المهملة والفاء المشدّدة أي: صوت
مشيك فيهما (بين يدي في الجنة) ظرف للسماع.
(قال: ما عملت عملاً أرجى عندي) من (أني) بفتح الهمزة، ومن
المقدرة قبلها، صلة لأفعل التفضيل، وثبتت في رواية مسلم،
وللكشميهني: أن، بنون خفيفة بدل أني (لم أتطهر طهورًا) زاد
مسلم: تامًا، والظاهر أنه لا مفهوم له، أي: أتوضأ وضوءًا
(في ساعة ليل أو نهار) بغير تنوين ساعة على الإضافة، كما
في بعض الأصول المقابل على اليونينية، ورأيته بها كذلك،
وفي بعضها: ساعة، بالتنوين وجر: ليل، على البدل. وهو الذي
ضبطه به الحافظ ابن حجر، والعيني، ولم يتعرض لضبطه
البرماوي كالكرماني.
ونكر ساعة لإفادة العموم فتجوز هذه الصلاة في الأوقات
المكروهة.
وعورض: بأن الأخذ بعموم هذا ليس بأولى من الأخذ بعموم
النهي عن الصلاة في الأوقات المكروهة.
وأجيب: بأنه ليس فيه ما يقتضي الفورية، فيحمل على تأخير
الصلاة قليلاً ليخرج وقت الكراهة، ورُدّ بأنه في حديث
بريدة، عند الترمذي وابن خزيمة، في نحو هذه القصة: ما
أصابني حدث قط إلا توضأت عندها. ولأحمد من حديثه: إلا
توضأت وصليت ركعتين. فدلّ على أنه كان يعقب الحدث بالوضوء
الوضوء بالصلاة في أي وقت كان.
(إلا صليت) زاد الإسماعيلي: لربي (بذلك الطهور) بضم الطاء
(ما كتب لي أن أصلي) أي: ما قدّر عليّ أعم من النوافل
والفرائض، ولأبي ذر: ما كتب إلي بتشديد الياء. وكتب على
صيغة المجهول، والجملة في موضع نصب، و: أن أصلي، في موضع
رفع.
قال ابن التين: إنما أعتقد بلال ذلك لأنه علم من النبي،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أن الصلاة أفضل
الأعمال. وأن عمل السر أفضل من عمل الجهر.
قال في الفتح: والذي يظهر أن المراد بالأعمال التي سأله عن
أرجاها، الأعمال المتطوّع بها، وإلا فالمفروض أفضل قطعًا.
اهـ.
والحكمة في فضل الصلاة على هذا الوجه من وجهين:
أحدهما: إن الصلاة عقب الطهور أقرب، إلى اليقين منها إذا
تباعدت لكثرة عوارض الحدث من حيث لا يشعر المكلف.
ثانيهما: ظهور أثر الطهور باستعماله في استباحة الصلاة
وإظهار آثار الأسباب مؤكد لها ومحقق. وتقدم بلال بين يدي
الرسول عليه الصلاة والسلام في الجنة على عادته في اليقظة،
لا يستدعي أفضليته على العشرة المبشرة بالجنة، بل هو سبق
خدمة، كما يسبق العبد سيده. وفيه إشارة بقائه على ما هو
عليه في حال حياته واستمراره على قرب منزلته: وذلك منقبة
(2/326)
عظيمة لبلال.
والظاهر أن هذا الثواب وقع بذلك العمل، ولا معارضة بينه
وبين ما في حديث: لن يدخل أحد الجنة بعمله، لأن أصل الدخول
إنما يقع برحمة الله تعالى، واقتسام المنازل بحسب الأعمال.
(قال أبو عبد الله) البخاري مفسرًا: (دف نعليك؟ يعني:
تحريك) نعليك، يقال: دف الطائر إذا حرك جناحيه. وسقط قول
أبي عبد الله هذا: إلى تحريك، عند أبوي ذر، والوقت
والأصيلي. كذا في حاشية الفرع، وفي أصله علامة السقوط،
أيضًا لابن عساكر.
ورواة الحديث كوفيون إلا شيخه. وفيه: التحديث والعنعنة،
وأخرجه مسلم في: الفضائل، والنسائي في: المناقب.
18 - باب مَا يُكْرَهُ مِنَ التَّشْدِيدِ فِي الْعِبَادَةِ
(باب ما يكره من التشديد في العبادة) خشية الملال المفضي
إلى تركها، فيكون كأنه رجع فيما بذله من نفسه وتطوّع به.
1150 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَخَلَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا
حَبْلٌ مَمْدُودٌ بَيْنَ السَّارِيَتَيْنِ، فَقَالَ: مَا
هَذَا الْحَبْلُ؟ قَالُوا: هَذَا حَبْلٌ لِزَيْنَبَ،
فَإِذَا فَتَرَتْ تَعَلَّقَتْ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ، حُلُّوهُ، لِيُصَلِّ
أَحَدُكُمْ نَشَاطَهُ، فَإِذَا فَتَرَ فَلْيَقْعُدْ".
وبالسند قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري
(قال: حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري (عن عبد العزيز
بن صهيب) البناني، ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي: حدّثنا
عبد العزيز بن صهيب (عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال):
(دخل النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المسجد
(فإذا حبل ممدود بين الساريتين) الأسطوانتين المعهودتين
(فقال):
(ما هذا الحبل؟ قالوا) أي: الحاضرون من الصحابة، وللأصيلي:
فقالوا (هذا حبل لزينب) بنت جحش أم المؤمنين، رضي الله
عنها، (فإذا فترت) بالفاء والفوقية والراء المفتوحات، أي:
كسلت عن القيام (تعلقت) به (فقال النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لا) يكون هذا الحبل، أو: لا يمد أو:
لا تفعلوه، وسقطت هذه الكلمة عند مسلم (حلوه ليصل أحدكم
نشاطه) بكسر لام: ليصل، وفتح نون: نشاطه، أي: ليصل أحدكم
وقت نشاطه، أو الصلاة التي نشط لها.
وقال بعضهم: يعني، ليصل الرجل عن كمال الإرادة والذوق،
فإنه في مناجاة ربه، فلا تجوز له المناجاة عند الملال.
انتهى. وللأصيلي: بنشاطه، بزيادة الموحدة، أوّله أي:
متلبسًا به.
(فإذا فتر) في أثناء القيام (فليقعد) ويتم صلاته قاعدًا،
أو: إذا فتر بعد فراغ بعض التسليمات فليقعد لإيقاع ما بقي
من نوافله قاعدًا، أو: إذا فتر بعد انقضاء البعض فليترك
بقية النوافل جملة، إلى
أن يحدث له نشاط، أو: إذا فتر بعد الدخول فيها فليقطعها،
خلافًا للمالكية حيث منعوا من قطع النافلة بعد التلبس بها.
1151 - قَالَ: وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ مَسْلَمَةَ
عَنْ مَالِكٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَتْ عِنْدِي
امْرَأَةٌ مِنْ بَنِي أَسَدٍ، فَدَخَلَ عَلَىَّ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
مَنْ هَذِهِ؟ قُلْتُ: فُلاَنَةُ، لاَ تَنَامُ بِاللَّيْلِ
-فَذُكِرَ مِنْ صَلاَتِهَا- فَقَالَ: مَهْ، عَلَيْكُمْ مَا
تُطِيقُونَ مِنَ الأَعْمَالِ، فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَمَلُّ
حَتَّى تَمَلُّوا".
(قال: وقال عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) قال
الحافظ ابن حجر: كذا للأكثر، وفي رواية الحموي والمستملي:
حدّثنا عبد الله، وكذا رويناه في الموطأ من رواية القعنبي.
قال ابن عبد البر تفرد القعنبي بروايته عن مالك في الموطأ
دون بقية رواته، فإنهم اقتصروا على طرف منه مختصر.
(عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة، رضي
الله عنها، (قالت):
(كانت عندي امرأة من بني أسد، فدخل عليّ رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقال):
(من هذه؟ قلت) وللأصيلي: فقلت: (فلانة) غير منصرف، وهي:
الحولاء بنت تويت (لا تنام من الليل) ولأبي ذر، والأصيلي:
لا تنام الليل، بالنصب على الظرفية.
قال عروة (فذكر من صلاتها). بفاء العطف وضم الذال مبنيًا
للمفعول، وللمستملي: تذكر، بفتح أوّله وضم ثالثه بلفظ
المضارع، وللحموي: يذكر بضم أوّله وفتح ثالثه مبنيًا
للمفعول، ويحتمل أن يكون على هاتين الروايتين من قول
عائشة، وعلى كل من الثلاثة تفسير لقولها: لا تنام الليل
(فقال) عليه الصلاة والسلام:
(مه) بفتح الميم وسكون الهاء بمعنى: اكفف (عليكم) أي:
الزموا (ما) ولأبي الوقت: بما (تطيقون من الأعمال) صلاة
وغيرها، (فإن الله لا يمل حتى تملوا) بفتح الميم فيهما.
قال البيضاوي، الملال فتور يعرض للنفس من كثرة مزاولة شيء،
فيورث الكلال في الفعل والإعراض عنه، وأمثال ذلك على
الحقيقة إنما تصدق في حق من يعتريه التغير والانكسار. فأما
من تنزه عن ذلك فيستحيل تصوّر هذا المعنى في حقه. فإذا
أسند إليه أوّل بما هو منتهاه وغاية معناه، كإسناد الرحمة
والغضب والحياء والضحك، إلى الله تعالى.
والمعنى، والله أعلم؛ اعملوا حسب وسعكم وطاقتكم، فإن الله
تعالى لا يعرض عنكم إعراض الملول، ولا ينقص ثواب أعمالكم
ما بقي لكم نشاط، فإذا فترتم
(2/327)
فاقعدوا فإنكم إذا مللتم من العبادة وأتيتم
بها على كلال وفتور، كانت معاملة الله معكم حينئذٍ معاملة
الملول.
وقال التوربشتي: إسناد الملال إلى الله على طريقة الازدواج
والمشاكلة: والعرب تذكر إحدى اللفظتين موافقة للأخرى، وإن
خالفتها معنى، قال الله تعالى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ
سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40].
19 - باب مَا يُكْرَهُ مِنْ تَرْكِ قِيَامِ اللَّيْلِ
لِمَنْ كَانَ يَقُومُهُ
(باب ما يكره من ترك قيام الليل لمن كان يقومه) لإشعاره
بالإعراض عن العبادة.
1152 - حَدَّثَنَا عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ حَدَّثَنَا
مُبَشِّرٌ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ -ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ مُقَاتِلٍ أَبُو الْحَسَنِ قَالَ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ أَخْبَرَنَا الأَوْزَاعِيُّ- قَالَ حَدَّثَنِي
يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ قَالَ ح حَدَّثَنِي أَبُو
سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ -رضي الله عنهما-
قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا عَبْدَ اللَّهِ، لاَ تَكُنْ
مِثْلَ فُلاَنٍ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ
اللَّيْلِ». وَقَالَ هِشَامٌ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
الْعِشْرِينَ حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ حَدَّثَنِي
يَحْيَى عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ بْنِ ثَوْبَانَ قَالَ
حَدَّثَنِي أَبُو سَلَمَةَ مِثْلَهُ. وَتَابَعَهُ عَمْرُو
بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ.
وبالسند قال: (حدّثنا عباس بن الحسين) بالموحدة والمهملة،
والحسين مصغر، البغدادي القنطري، وليس له في البخاري سوى
هذا الحديث، وآخر في الجهاد (قال: حدّثنا مبشر) بضم الميم
وفتح الموحدة وتشديد المعجمة، ضدّ المنذر، الحلبي، ولأبي
ذر، والأصيلي: مبشر بن إسماعيل (عن الأوزاعي) عبد الرحمن
بن عمرو:
قال المؤلّف (ح).
(حدّثني) بالإفراد (محمد بن مقاتل أبو الحسن) المروزي
(قال: أخبرنا عبد الله) بن المبارك (قال: أخبرنا الأوزاعي،
قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر، حدّثنا، وللأصيلي:
أخبرنا (يحيى بن أبي كثير، قال: ح حدّثني) بالإفراد (أبو
سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد
الله بن
عمرو بن العاصي، رضي الله عنهما، قال: قال لي رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يا عبد الله! لا تكن مثل فلان) لم يسم (كان يقوم الليل)
أي: بعضه، ولأبي الوقت في نسخة، ولأبي ذر: من الليل أي:
فيه كـ {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ
الْجُمُعَةِ} [الجمعة: 9] أي: فيها (فترك قيام الليل).
(وقال هشام) هو: ابن عمار الدمشقي، مما وصله الإسماعيلي،
وغيره (حدّثنا ابن أبي العشرين) بكسر العين والراء بينهما
معجمة ساكنة، عند الحميد بن حبيب الدمشقي البيروتي، كاتب
الأوزاعي تكلم فيه، (قال حدّثنا الأوزاعي قال: حدّثني)
بالإفراد، وللأصيلي، وأبي ذر: حدّثنا
(يحيى) بن أبي كثير (عن عمر) بضم العين وفتح الميم (ابن
الحكم) بفتح الكاف (ابن ثوبان) بفتح المثلثة، (قال:
حدّثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن (مثله) ولأبوي
ذر والوقت بهذا مثله.
وفائدة ذكر المؤلّف لذلك، التنبيه على أن زيادة عمر بن
الحكم بن ثوبان بين: يحيى وأبي سلمة، من المزيد في متصل
الأسانيد، لأن يحيى قد صرح بسماعه من أبي سلمة. ولو كان
بينهما واسطة لم يصرح بالتحديث.
(وتابعه) بواو العطف، ولأبي ذر: تابعه، بإسقاطها، أي: تابع
ابن أبي العشرين على زيادة عمر بن الحكم (عمرو بن أبي
سلمة) بفتح اللام، أبو حفص الشامي (عن الأوزاعي) وقد وصل
هذه المتابعة مسلم.
20 - باب
(باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو كالفصل من سابقه.
1153 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ
قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو -رضي الله
عنهما- قَالَ: "قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَقُومُ
اللَّيْلَ وَتَصُومُ النَّهَارَ؟ قُلْتُ إِنِّي أَفْعَلُ
ذَلِكَ. قَالَ: فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ هَجَمَتْ
عَيْنُكَ، وَنَفِهَتْ نَفْسُكَ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ حَقٌّ
وَلأَهْلِكَ حَقًّا فَصُمْ وَأَفْطِرْ، وَقُمْ وَنَمْ".
وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال:
حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين وسكون الميم،
ابن دينار (عن أبي العباس) بالموحدة المشددة آخره مهملة،
السائب بن فروخ، بفتح الفاء وضم الراء المشدّدة وبالخاء
المعجمة، الشاعر الأعمش التابعي المشهور (قال: سمعت عبد
الله بن عمرو) هو: ابن العاصي (رضي الله عنهما، قال):
(قال لي النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ألم أخبر) بضم الهمزة وسكون المعجمة وفتح الموحدة مبنيًّا
للمفعول، والهمزة فيه للاستفهام. ولكنه خرج عن الاستفهام
الحقيقي. ومعناه هنا حمل المخاطب على الإقرار بأمر قد
استقر عنده ثبوته (أنك) بفتح الهمزة، لأنه مفعول ثان
للإخبار (تقوم الليل وتصوم النهار؟) نصب على الظرفية
كالليل.
قال عبد الله (قلت: إني أفعل ذلك) القيام والصيام (قال)
عليه الصلاة والسلام:
(فإنك إذا فعلت ذلك هجمت) بفتح الهاء والجيم والميم أي:
غارت، أي: دخلت (عينك) في موضعها، وضعف بصرها لكثرة السهر،
ولأبي ذر: إذا فعلت هجمت عينك. وزاد الداودي: ونحل جسمك
(ونفهت) بفتح النون وكسر الفاء، وعن القطب الحلبي، فتحها
أي: كلت، وأعيت
(نفسك) من مشقة التعب (وإن لنفسك) عليك (حق) رفع على
الابتداء، ولنفسك خبره مقدمًا، والجملة خبر إن واسمها ضمير
الشأن محذوفًا، أي: إن الشأن لنفسك حق، وهذه رواية كريمة،
وابن عساكر. وفي رواية أبوي ذر، والوقت، والأصيلي: حقًا،
نصب على أنه اسم إن: أي: تعطيها ما تحتاج إليه ضرورة
(2/328)
البشرية مما أباحه الله لها من الأكل
والشرب والراحة التي يقوم بها البدن، ليكون أعون على
الطاعة.
نعم، من حقوق النفس قطعها عما سوى الله تعالى بالكلية، لكن
ذلك يختص بالتعلقات القلبية.
(ولأهلك) زوجك، أو أعم، ممن يلزمك نفقته عليك (حق) رفع
أيضًا، ولأبوي ذر والوقت فقط: حقًا بالنصب، ومرّ توجيهها،
أي: تنظر لهما فيما لا بدّ لهما منه من أمور الدنيا
والآخرة.
وسقط لفظ: عليك هنا في الموضعين، وزاد في الصيام من وجه
آخر: "وإن لعينك عليك حقًا". وفي رواية: وإن لزورك عليك
حقًا، أي: لزائرك.
(فصم) في بعض الأيام (وأفطر) بقطع الهمزة في بعضها، لتجمع
بين المصلحتين، وفيه إشارة إلى ما سبق من صوم داود (وقم)
صل في بعض الليل (ونم) في بعضه. والأمر فيها للندب.
واستنبط منه: أن من تكلف الزيادة، وتحمل المشقّة على ما
طبع عليه، يقع له الخلل في الغالب، وربما يغلب ويعجز.
ورواته: سفيان وعمرو وأبو العباس مكيون، وشيخه من أفراده،
وفيه، التحديث والعنعنة والسماع والقول، وأخرجه أيضًا في:
الصوم، و: أحاديث الأنبياء، ومسلم في: الصوم، وكذا الترمذي
والنسائي وابن ماجة.
21 - باب فَضْلِ مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى
(باب فضل من تعار) بفتح المثناة الفوقية والعين المهملة
وبعد الألف راء مشددة، أي: انتبه (من الليل فصلّى) مع صوت،
من استغفار أو تسبيح أو نحوه.
وإنما استعمله هنا: دون الانتباه والاستيقاظ لزيادة معنى،
وهو الأخبار: بأن من هب من نومه ذاكرًا الله تعالى مع
الهبوب، فسأل الله تعالى خيرًا أعطاه. فقال: تعار، ليدل
على المعنيين.
1154 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ قال
أَخْبَرَنَا الْوَلِيدُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ قَالَ
حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ قَالَ: حَدَّثَنِي
جُنَادَةُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ حَدَّثَنِي عُبَادَةُ بْنُ
الصَّامِتِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ فَقَالَ:
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ،
لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ
شَىْءٍ قَدِيرٌ. الْحَمْدُ لِلَّهِ
وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَلاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ
بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي -أَوْ
دَعَا- اسْتُجِيبَ. فَإِنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى قُبِلَتْ
صَلاَتُهُ».
وبالسند قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي، وسقط لأبي
ذر: ابن الفضل (قال: أخبرنا الوليد) زاد أبو ذر: هو ابن
مسلم (عن الأوزاعي) عبد الرحمن بن عمرو، وللأصيلي: أخبرنا،
ولأبي ذر: حدّثنا اللأوزاعي (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي
ذر، والأصيلي: حدّثنا (عمير بن هانئ) بضم العين مصغرًا،
الدمشقي (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (جنادة بن أبي أمية)
بضم الجيم، وتخفيف النون والدال المهملة وهاء التأنيث،
مختلف فى صحبته (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (عبادة بن
الصامت) رضي الله عنه (عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، قال):
(من تعار من الليل فقال) لما كان التعار اليقظة مع صوت
احتمل أن تكون الفاء تفسيرية لا يصوّت به المستيقظ، لأنه
قد يصوت بغير ذكر، فخصه بمن صوّت بقوله: (لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد) زاد أبو نعيم، في
الحلية من وجهين، عن علي بن المديني: يحيي ويميت (وهو على
كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان اله، ولا إله إلا الله،
والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله) زاد النسائي، وابن
ماجة، وابن السني: العلي العظيم، وسقط قوله: لا إله إلا
الله، عند الأصيلي، وأبوي ذر والوقت، (ثم قال: اللهم اغفر
لي -أو دعا- استجيب) زاد الأصيلي، له، وأو، للشك، وعند
الإسماعيلي: ثم قال: رب اغفر لي، غفر له أو قال: فدعا،
استجيب له. شك الوليد، واقتصر النسائي على الشق الأول (فإن
توضأ، قبلت) ولأبوي ذر، والوقت: وصلّى، قبلت (صلاته) إن
صلّى. والفاء في: فإن توضأ، للعطف على دعا، أو: على قوله:
لا إله إلا الله. والأول أظهر، قاله الطيبي.
وترك ذكر الثواب ليدل على ما لا يدخل تحت الوصف، كما في
قوله تعالى: {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ}
إلى قوله: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ
مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 16 - 17] وهذا إنما يتفق
لمن تعوّد الذكر واستأنس به، وغلب عليه، حتى صار الذكر له
حديث نفسه، في نومه ويقظته، فأكرم من اتصف بذلك بإجابة
دعوته، وقبول صلاته.
وقد صرح، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، باللفظ،
وعرض بالمعنى بجوامع كلمه التي أوتيها حيث قال: "من تعارّ
من الليل ... " إلى آخره.
ورواته: كلهم شاميون إلا شيخه فمروزي، وفيه: رواية صحابي
عن صحابي على قول من يقول بصحبة جنادة، والتحديث والأخبار
والعنعنة والقول، وأخرجه أبو داود في: الأدب، والنسائي في:
اليوم والليلة، والترمذي في: الدعوات، وابن ماجة في
الدعاء.
1155 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قال
أَخْبَرَنِي الْهَيْثَمُ بْنُ
أَبِي سِنَانٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله
عنه-وَهُوَ يَقْصُصُ فِي قَصَصِهِ- وَهُوَ يَذْكُرُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
إِنَّ أَخًا لَكُمْ لاَ يَقُولُ الرَّفَثَ، يَعْنِي
بِذَلِكَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ
وَفِينَا رَسُولُ اللَّهِ يَتْلُو كِتَابَهُ ... إِذَا
انْشَقَّ مَعْرُوفٌ مِنَ الْفَجْرِ سَاطِعُ
أَرَانَا الْهُدَى بَعْدَ الْعَمَى فَقُلُوبُنَا ... بِهِ
مُوقِنَاتٌ أَنَّ مَا قَالَ وَاقِعُ
يَبِيتُ يُجَافِي جَنْبَهُ عَنْ فِرَاشِهِ ... إِذَا
اسْتَثْقَلَتْ بِالْمُشْرِكِينَ الْمَضَاجِعُ
تَابَعَهُ عُقَيْلٌ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ أَخْبَرَنِي
الزُّهْرِيُّ عَنْ سَعِيدٍ، وَالأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ - رضي الله عنه. [الحديث 1155 - طرفه في:
6151].
وبه قال (حدّثنا يحيى بن بكير) هو: يحيى بن عبد الله بن
بكير (قال: حدّثنا الليث)
(2/329)
بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي
(عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (الهيثم)
بفتح الهاء وسكون المثناة التحتية بعدها مثلثة مفتوحة (ابن
أبي سنان) بكسر المهملة ونونين، الأولى خفيفة (أنه سمع أبا
هريرة رضي الله عنه -وهو يقصص) بسكون القاف جملة حالية
ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي: وهو يقص (في) جملة (قصصه)
بكسر القاف، جمع قصة. والذي في اليونينية وفرعها، فتح قاف،
قصصه أي: مواعظه (وهو) أي، والحال أنه (يذكر رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
(إن أخًا لكم) هو قول أبي هريرة، أو: من قول النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمعنى: إن الهيثم سمع أبا
هريرة يقول وهو يعظ، وانجر كلامه إلى ذكره عليه الصلاة
والسلام، وذكر ما قال من قوله عليه السلام: إن أخًا لكم
(لا يقول الرفث) يعني الباطل من القول، والفحش، قال
الهيثم، أو قال الزهري: (يعني بذلك عبد الله بن رواحة)
بفتح الراء وتخفيف الواو وفتح الحاء، الأنصاري الخزرجي،
حيث قال يمدح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(وفينا رسول الله يتلو كتابه). القرآن، والجملة حالية
(إذا) ولأبي الوقت في نسخة كما (انشق معروف) فاعل: انشق
(من الفجر) بيان لمعروف (ساطع) مرتفع صفة لمعروف أي أنه
يتلو كتاب الله وقت انشقاق الوقت الساطع من الفجر (أرانا)
ولأبي الوقت: أنار (الهدى) مفعول ثان لأرانا (بعد العمى)
بعد الضلالة (فقلوبنا به) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (موقنات: أنّ ما قال) من المغيبات (واقع يبيت)
حال كونه (يجافي) يرفع (جنبه عن فراشه) كناية عن صلاته
بالليل (إذا استثقلت بالمشركين المضاجع).
وهذه الأبيات من الطويل وأجزاؤه ثمانية: فعولن مفاعيلن ...
إلى آخره؛ والبيت الأخير منها بمعنى الترجمة، لأن التعار
هو: السهر والتقلب على الفراش، وكان ذلك إما للصلاة، أو
للذكر، أو للقراءة.
وفي البيت الأول الإشارة إلى علمه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي الثالث إلى عمله، وفي الثاني إلى
تكميله الغير، فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
كامل مكمل.
(تابعه) أي تابع يونس بن يزيد (عقيل) بضم العين وفتح
القاف، ابن خالد عن ابن شهاب فيما أخرجه الطبراني في
الكبير.
(وقال الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة، محمد بن الوليد
الحمصي، مما وصله البخاري في التاريخ الصغير، والطبراني في
الكبير قال: (أخبرني) بالإفراد، محمد بن مسلم (الزهري عن
سعيد) هو: ابن المسيب (والأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن
أبي هريرة رضي الله عنه).
وأشار به إلى أنه اختلف على الزهري في هذا الإسناد، فاتفق
يونس وعقيل على أن شيخه فيه: الهيثم، وخالفهما الزبيدي،
فأبدله: بسعيد بن المسيب والأعرج.
قال الحافظ ابن حجر: ولا يبعد أن يكون الطريقان صحيحين،
فإنهم حفاظ ثقات، والزهري صاحب حديث مكثر، ولكن ظاهر صنيع
البخاري ترجيح رواية يونس لمتابعة عقيل له بخلاف الزبيدي.
1156 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ قَالَ: حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ "رَأَيْتُ عَلَى عَهْدِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَأَنَّ
بِيَدِي قِطْعَةَ إِسْتَبْرَقٍ فَكَأَنِّي لاَ أُرِيدُ
مَكَانًا مِنَ الْجَنَّةِ إِلاَّ طَارَتْ إِلَيْهِ.
وَرَأَيْتُ كَأَنَّ اثْنَيْنِ أَتَيَانِي أَرَادَا أَنْ
يَذْهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَتَلَقَّاهُمَا مَلَكٌ
فَقَالَ: لَمْ تُرَعْ، خَلِّيَا عَنْهُ".
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي
(قال: حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن نافع عن
ابن عمر) بن الخطاب (رضي الله عنهما. قال):
(رأيت على عهد النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، كأن بيدي قطعة إستبرق) بهمزة قطع: ديباج غليظ،
فارسي معرب (فكأني لا أريد مكانًا من الجنة إلا طارت إليه)
في التعبير: إلا طارت بي إليه (ورأيت كأن اثنين) بسكون
المثلثة وفتح النون، ولأبي الوقت: آتيين على صيغة اسم
الفاعل، من الإتيان (أتياني، أرادا أن يذهبا بي إلى النار،
فتلقاهما ملك فقال:) لي (لم ترع) بضم الفوقية وفتح الراء،
أي: لا يكون بك خوف (خليا عنه)، فقصصتها على حفصة.
1157 - فَقَصَّتْ حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِحْدَى رُؤْيَاىَ، فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نِعْمَ
الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ
اللَّيْلِ. فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ -رضي الله عنه-
يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ».
(فقصت حفصة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إحدى رؤياي) اسم جنس مضاف إلى ياء المتكلم (فقال النبي،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(نعم الرجل عبد الله لو كان يصلّي من الليل).
قال نافع: (فكان عبد الله) بن عمر (رضي الله عنه يصلّي من
الليل).
1158 - "وَكَانُوا لاَ يَزَالُونَ يَقُصُّونَ عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الرُّؤْيَا أَنَّهَا فِي اللَّيْلَةِ السَّابِعَةِ مِنَ
الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ
تَوَاطَتْ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ، فَمَنْ كَانَ
مُتَحَرِّيْهَا فَلْيَتَحَرَّهَا مِنَ الْعَشْرِ
الأَوَاخِرِ". [الحديث 1158 - طرفاه في: 2015، 6991].
(وكانوا) أي: الصحابة (لا يزالون يقصون على النبي، -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، الرؤيا أنها) أي ليلة القدر
(في الليلة السابعة من العشر الأواخر) من رمضان (فقال
النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(2/330)
(أرى رؤيكم قد تواطت) بغير همز، ولأبي ذر:
تواطأت بالهمز بوزن تفاعلت، وكذا هو في أصل الدمياطي، أي:
توافقت (في العشر الأواخر) من رمضان (فمن كان متحريها)
بسكون التحتية في اليونينية (فليتحرها) أي: طالبًا
ومجتهدًا لها، فليطلبها (من العشر الأواخر) وللكشميهني: في
العشر الأواخر.
22 - باب الْمُدَاوَمَةِ عَلَى رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ
(باب المداومة على) صلاة (ركعتي الفجر) التي قبل فرض الصبح
سفرًا وحضرًا.
1159 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ:
حَدَّثَنَا سَعِيدٌ هُوَ ابْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ
حَدَّثَنِي جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ
مَالِكٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله
عنها- قَالَتْ "صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعِشَاءَ، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانَ
رَكَعَاتٍ وَرَكْعَتَيْنِ جَالِسًا، وَرَكْعَتَيْنِ بَيْنَ
النِّدَاءَيْنِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدَعُهُمَا أَبَدًا".
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) من الزيادة (قال:
حدثنا سعيد هو ابن أبي أيوب) مقلاص، بكسر الميم وسكون
القاف وبالصاد المهملة (قال: حدّثني) بالإفراد (جعفر بن
ربيعة) نسبة لجده، وأبوه: شرحبيل القرشي (عن عراك بن مالك)
بكسر العين المهملة وتخفيف الراء آخره كاف، القرشي (عن أبي
سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن عائشة، رضي الله عنها،
قالت):
(صلّى النبي) وللأصيلي: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، العشاء، ثم صلّى) ولأبي ذر، وأبي
الوقت عن الحموي، والمستملي: وصلّى، بواو العطف (ثمان
ركعات) بفتح النون، وهو شاذ، ولأبي ذر: ثماني، بكسرها ثم
ياء مفتوحة على الأصل، (وركعتين) حال كونه (جالسًا،
وركعتين بين النداءين): أذان الصبح وأقامته، ولمسلم:
ركعتين خفيفتين بين النداء والإقامة (ولم يكن) عليه الصلاة
والسلام (يدعهما) يتركهما، وفي اليونينية بسكون عين يدعهما
بدل: فعل من فعل، أي: لم يدعهما على حدّ قوله تعالى:
{وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ
لَهُ} [الفرقان: 68 - 69] (أبدًا) نصب على الظرفية.
واستعمله للماضي، وإن كان المقرر استعماله للمستقبل، و: قط
للماضي للمبالغة إجراء للماضي مجرى الستقبل، كأن ذلك دأبه،
لا يتركه. واستدلّ به القائل بالوجوب، وهو مروي عن
الحسن البصري، كما أخرجه عن ابن أبي شيبة، واستدلّ به بعض
الشافعية للقديم في أنها أفضل التطوعات، والجديد أن أفضلها
الوتر.
ورواته: ما بين بصري ومصري ومدني، وفيه: التحديث والعنعنة
والقول، وأخرجه أبو داود والنسائي في: الصلاة.
23 - باب الضِّجْعَةِ عَلَى الشِّقِّ الأَيْمَنِ بَعْدَ
رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ
(باب الضجعة على الشق الأيمن بعد ركعتي الفجر) بكسر الضاد
من الضجعة، لأن المراد الهيئة، ويجوز الفتح على إرادة
المرة.
1160 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا
سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو
الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ
-رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا صَلَّى رَكْعَتَىِ
الْفَجْرِ اضْطَجَعَ عَلَى شِقِّهِ الأَيْمَنِ".
وبالسند قال: (حدّثنا) بالجمع، وللأصيلي وأبي ذر: حدّثني
(عبد الله بن يزيد) من الزيادة (قال: حدّثنا سعيد بن أبي
أيوب) مقلاص (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو الأسود) محمد بن
عبد الرحمن النوفلي، يتيم عروة (عن عروة بن الزبير) بن
العوّام (عن عائشة، رضي الله عنها، قالت):
(كان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إذا
صلّى ركعتي الفجر، اضطجع على شقه الأيمن) لأنه كان يحب
التيامن في شأنه كله، أو تشريع لنا لأن القلب في جهة
اليسار. فلو اضطجع عليه لاستغرق نومًا لكونه أبلغ في
الراحة بخلاف اليمين، فيكون معلقًا، فلا يستغرق. وهذا
بخلافه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لأن عينه
تنام ولا ينام قلبه.
وروى أبو داود بإسناد على شرط الشيخين: إذا صلّى أحدكم
الركعتين قبل الصبح فليضطجع على يمينه، فقال مروان بن
الحكم: أما يجزي أحدنا ممشاه في المسجد حتى يضطجع على
يمينه؟ قال: لا واستدلّ به ابن حزم على وجوبها.
وأجيب: بحمل الأمر فيه على الاستحباب، فإن لم يفصل
بالاضطجاع فبحديث: أو تحول عن مكانه، أو نحوهما.
واستحب البغوي في شرح السنة، الاضطجاع بخصوصه، واختاره في
شرح المهذّب للحديث السابق، وقال: فإن تعذر عليه فصل
بكلام.
وأما إنكار ابن مسعود الاضطجاع، وقول إبراهيم النخعي: هي
ضجعة الشيطان، كما أخرجه ابن أبي شيبة، فهو محمول على أنه
لم يبلغهما الأمر بفعله، وكلام ابن مسعود يدل على: أنه
إنما أنكر تحتمه، فإنه قال في آخر كلامه: إذا سلم فقد فصل.
24 - باب مَنْ تَحَدَّثَ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ وَلَمْ
يَضْطَجِعْ
(باب من تحدث بعد الركعتين) سنة الفجر (ولم يضطجع).
1161 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ الْحَكَمِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ
إِذَا صَلَّى سُنَّةَ الْفَجْرِ فَإِنْ كُنْتُ
مُسْتَيْقِظَةً حَدَّثَنِي وَإِلاَّ اضْطَجَعَ حَتَّى
يُؤْذَنَ بِالصَّلاَةِ".
وبالسند قال: (حدّثنا بشر بن الحكم) بكسر الموحدة وسكون
المعجمة وفتح الحاء والكاف، من الحكم، العبدي النيسابوري
(قال: حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: حدّثني) بالإفراد
(سالم أبو النضر) بن أبي أمية (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن
بن عوف، (عن عائشة، رضي الله عنها).
(أن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان إذا
صلّى سنة
(2/331)
الفجر فإن كنت مستيقظة حدّثني) ولا تضادّ
بين هذا وبين ما في سنن أبي داود، من طريق مالك أن كلامه
عليه الصلاة والسلام لعائشة كان بعد فراغه من صلاة الليل،
وقبل أن يصلّي ركعتي الفجر، لاحتمال أن يكون كلامه لها كان
قبل ركعتي الفجر وبعدهما. (وإلا) أي: وإن لم أكن مستيقظة
(اضطجع) للراحة من تعب القيام، أو: ليفصل بين الفرض والنفل
بالحديث أو الاضطجاع. (حتى يؤذن بالصلاة) بضم الياء وإسكان
الهمزة وفتح المعجمة، مبنيًا للمفعول. كذا في الفرع. وضبطه
في الفتح بضم أوله وفتح المعجمة الثقيلة.
وللكشميهني: حتى نودي، من النداء.
واستدلّ به على عدم استحباب الضجعة.
وأجيب: بأنه لا يلزم من كونه ربما تركها عدم الاستحباب، بل
يدل تركه لها أحيانًا على عدم الوجوب، والأمر بها في رواية
الترمذي محمول على الإرشاد إلى الراحة والنشاط لصلاة
الصبح، وفيه أنه لا بأس بالكلام المباح بعد ركعتي الفجر.
قال ابن العربي: ليس في السكوت في ذلك الوقت فضل مأثور،
إنما ذلك بعد صلاة الصبح إلى طلوع الشمس.
ورواته: ما بين نيسابوري ومكّي ومدني، وفيه: التحديث
والعنعنة، وأخرجه أيضًا مسلم والترمذي.
25 - باب مَا جَاءَ فِي التَّطَوُّعِ مَثْنَى مَثْنَى
وَيُذْكَرُ ذَلِكَ عَنْ عَمَّارٍ وَأَبِي ذَرٍّ وَأَنَسٍ
وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالزُّهْرِيِّ -رضي
الله عنهم-.
وقال يحيى بنُ سعيد الأنصاريُّ: ما أدرَكتُ فُقهاءَ أرضِنا
إلا يُسلِّمونَ في كل اثنتينِ منَ النهارِ.
(باب ما جاء في التطوّع مثنى مثنى) ركعتين ركعتين يسلم من
كل ثنتين.
وهذا الباب ثابت هنا في الفرع وأصله، وفي أكثر النسخ بعد
باب: ما يقرأ في ركعتي الفجر، وعليه مثى في فتح الباري
وغيره.
(ويذكر ذلك) أي: ما ذكر من التطوع مثنى مثنى (عن عمار) أي
ابن ياسر، ولأبي ذر، والأصيلي: قال محمد، يعني: البخاري
ويذكر، ولأبي الوقت: قال ويذكر، عن عمار (وأبي ذر وأنس)
الصحابيين (وجابر بن زيد) أبي الشعثاء البصري (وعكرمة
والزهري) التابعيين (رضي الله عنهم).
(وقال يحيى بن سعيد الأنصاري: ما أدركت فقهاء أرضنا) أي
أرض المدينة، وقد أدرك كبار التابعين: كسعيد بن المسيب،
ولحق قليلاً من صغار الصحابة: كأنس بن مالك (إلا يسلمون في
كل اثنتين) بتاء التأنيث. أي: ركعتين، ولأبي ذر: اثنين (من
النهار) ولم يقف الحافظ ابن حجر عليه موصولاً كالذي قبله.
1162 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ قَالَ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الْمَوَالِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله
عنهما- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعَلِّمُنَا الاِسْتِخَارَةَ فِي
الأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ
يَقُولُ: إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ
رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ. ثُمَّ لِيَقُلِ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ،
وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ
فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ،
وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ وَأَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ.
اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ
خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي
-أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي،
وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ. وَإِنْ كُنْتَ
تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي
وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ
أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي
عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ
أَرْضِنِي بِهِ قَالَ: وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ". [الحديث
1162 - طرفاه في: 6382، 7390].
وبالسند قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (قال: حدّثنا عبد
الرحمن بن أبي الموالي) بفتح الميم والواو، واسمه، كما في
تهذيب الكمال: زيد (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله (عن
جابر بن عبد الله) الأنصاري، (رضي الله عنهما قال):
(كان رسول الله) وللأصيلي: النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعلمنا الاستخارة) أي: صلاتها
ودعاءها، وهو طلب الخيرة بوزن العنبة (في الأمور) ولأبي
ذر، والأصيلي زيادة: كلها، جليلها وحقيرها، كثيرها وقليلها
ليسأل أحدكم حتى شسع نعله (كما يعلمنا السورة من القرآن)
اهتمامًا بشان ذلك (يقول):
(إذا هم أحدكم بالأمر) أي قصد أمرًا مما لا يعلم وجه
الصواب فيه، أما ما هو معروف خيره: كالعبادات وصنائع
المعروف، فلا. نعم، قد يفعل ذلك لأجل وقتها لمخصوص، كالحج
في هذه السنة لاحتمال عدو أو فتنة أو نحوهما (فليركع)
فليصل ندبًا في غير وقت كراهة (ركعتين) من باب: ذكر الجزء
وإرادة الكل.
واحترز بالركعتين عن الواحدة فإنها لا تجزئ. وهل إذا صلّى
أربعًا بتسليمة يجزئ؟ وذلك لحديث أبي أيوب الأنصاري،
المروي في صحيح ابن حبان وغيره: "ثم صلِّ ما كتب الله لك"،
فهو دال على أن الزيادة على الركعتين لا تضر، وهذا موضع
الترجمة لأمره، عليه الصلاة والسلام، بصلاة ركعتين.
(من غير الفريضة) بالتعريف، فلا تحصل سنتها بوقوع دعائها
بعد فرض، وللأصيلي: من غير فريضة (ثم ليقل) ندبًا بكسر لام
الأمر المعلق بالشرط: وهو إذا هم أحدكم بالأمر.
(اللهم إني أستخيرك) أي: أطلب منك بيان ما هو خير لي
(بعلمك، وأستقدرك بقدرتك) أي: أطلب منك أن تجعل لي قدرة
عليه، والباء فيهما للتعليل، أي: بأنك أعلم وأقدر، أو
للاستعانة أو الاستعطاف، كما في {رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ
عَلَيَّ} [القصص: 17] أي: بحق قدرتك وعلمك الشاملين
(وأسألك من فضلك العظيم) إذ كل عطائك فضل ليس لأحد عليك حق
في نعمة (فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام
الغيوب) استأثرت بها، لا يعلمها
(2/332)
غيرك إلا من ارتضيته.
وفيه إذعان بالافتقار إلى الله تعالى في كل الأمور،
والتزام لذلة العبودية.
(اللهم وإن كنت تعلم أن هذا الأمر) وهو: كذا وكذا، ويسميه
(خير لي في ديني ومعاشي) حياتي (وعاقبة أمري -أو قال: عاجل
أمري وآجله-) الشك من الراوي (فاقدره لي) بضم الدال في
اليونينية، وحكى عياض: فاقدره، بكسرها عن الأصيلي.
قال القرافي، في آخر كتاب أنوار البروق: من الدعاء المحرم،
الدعاء المرتب على استئناف المشيئة، كمن يقول: أقدر لي
الخير، لأن الدعاء بوضعه اللغوي إنما يتناول المستقبل دون
الماضي، لأنه طلب. وطلب الماضي محال، فيكون مقتضى هذا
الدعاء أن يقع تقدير الله في المستقبل من الزمان، والله
تعالى يستحيل عليه استئناف المشيئة. والتقدير: بل وقع
جميعه في الأزل، فيكون هذا الدعاء مقتضى مذهب من يرى أن لا
قضاء، وأن الأمر أُنُفٌ، كما أخرجه مسلم عن الخوارج، وهو
فسق بالإجماع، وحينئذ فيجاب عن قوله هنا: فاقدره لي بأن
يتعين أن يعتقد: أن المراد بالتقدير هنا التيسير على سبيل
المجاز، والداعي، إنما أراد هذا المجاز، وإنما يحرم
الإطلاق عند عدم النية.
(ويسره لي، ثم بارك لي فيه) أدمه وضاعفه (وإن كنت تعلم أن
هذا الأمر) وهو: كذا وكذا، ويسميه (شر لي في ديني ومعاشي)
حياتي (وعاقبة أمري -أو قال-) شك من الراوي (في عاجل أمري
وآجله -فاصرفه عني، واصرفني عنه) فلا تعلق بالي بطلبه.
وفي دعاء بعض العارفين: اللهم لا تتعب بدني في طلب ما لم
تقدره لي.
ولم يكتف بقوله: فاصرفه عني، لأنه قد يصرف الله تعالى عن
المستخير ذلك الأمر ولا يصرف قلبه عنه، بل يبقى متعلقًا
متشوقًا إلى حصوله، فلا يطيب له خاطر، فإذا صرفه الله
وصرفه عنه كان ذلك أكمل، ولذا قال:
(واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به) بهمزة قطع، أي:
اجعلني راضيًا به لأنه إذا قدر له الخير ولم يرض به كان
منكد العيش آثمًا بعدم رضاه، بما قدره الله له، مع كونه
خيرًا له. (قال: ويسمي حاجته) أي: في أثناء دعائه عند
ذكرها بالكناية عنها، في قوله: إن هذا الأمر كما سبق.
وشيخ المؤلّف بلخي، وعبد الرحمن، ومحمد مدنيان؛ وتفرد ابن
أبي الموالي بروايته.
وفيه: التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه أيضًا في: التوحيد،
وأبو داود في: الصلاة، وكذا الترمذي وابن ماجة فيها.
والنسائي في: النكاح والبعوث واليوم والليلة.
1163 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَمْرِو بْنِ سُلَيْمٍ
الزُّرَقِيِّ سَمِعَ أَبَا قَتَادَةَ بْنَ رِبْعِيٍّ
الأَنْصَارِيَّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِذَا دَخَلَ
أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ
رَكْعَتَيْنِ».
وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشر بن فرقد
البرجمي التميمي الحنظلي (عن عبد الله بن سعيد) بكسر
العين، ابن أبي هند المديني (عن عامر بن عبد الله بن
الزبير، عن عمرو بن سليم) بفتح العين وضم السين وفتح اللام
(الزرقي) أنه (سمع أبا قتادة) الحرث (بن ربعي) بكسر الراء،
وإسكان الموحدة (الأنصاري، رضي الله عنه قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا دخل أحدكم المسجد) وللكشميهني: المجلس (فلا يجلس حتى
يصلّي ركعتين) تحية السجد ندبًا. والحديث سبق في باب: إذا
دخل المسجد فليركع ركعتين.
1164 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله
عنه- قَالَ: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ
انْصَرَفَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن
سهل الأنصاري (عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، قال):
(صلى لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
لما دعته مليكة، جدة أنس، لطعام صنعته له، فأكل منه ثم
قال: "قوموا فلأصل لكم". قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد
اسودّ من طول ما لبس، فنضحته بماء، فقام رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصففت أنا واليتيم والعجوز
من ورائنا، فصلّى لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (ركعتين، ثم انصرف).
1165 - حَدَّثَنَا ابْنُ بُكَيْرٍ قال حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ
أَخْبَرَنِي سَالِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي
الله عنهما- قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ
الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ وَرَكْعَتَيْنِ
بَعْدَ الْجُمُعَةِ وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ".
وبه قال: (حدّثنا ابن بكير) وللأصيلي، وأبي ذر، يحيى بن
بكير (قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم
العين (عن ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم
عن) أبيه (عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما قال):
(صليت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
ركعتين قبل الظهر، وركعتين بعد الظهر، وركعتين بعد الجمعة،
وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء).
1166 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ
أَخْبَرَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ جَابِرَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَهُوَ يَخْطُبُ: إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ وَالإِمَامُ
يَخْطُبُ -أَوْ قَدْ خَرَجَ- فَلْيُصَلِّ رَكْعَتَيْنِ".
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي أياس (قال: أخبرنا) ولأبي
ذر، والأصيلي: حدّثنا (شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرنا)
ولأبوي ذر، والوقت،
(2/333)
والأصيلي: حدّثنا (عمرو بن دينار) بفتح
العين وسكون الميم (قال: سمعت جابر بن عبد الله، رضي الله
عنهما، قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وهو) أي والحال أنه (يخطب) يوم الجمعة: (إذا
جاء أحدكم والإمام يخطب -أو قد خرج- فليصل ركعتين) ندبًا.
1167 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ حَدَّثَنَا سَيْفُ
قال سَمِعْتُ مُجَاهِدًا يَقُولُ: "أُتِيَ ابْنُ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- فِي مَنْزِلِهِ فَقِيلَ لَهُ: هَذَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ
دَخَلَ الْكَعْبَةَ. قَالَ فَأَقْبَلْتُ فَأَجِدُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ خَرَجَ
وَأَجِدُ بِلاَلاً عِنْدَ الْبَابِ قَائِمًا، فَقُلْتُ:
يَا بِلاَلُ، صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْكَعْبَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قُلْتُ فَأَيْنَ؟ قَالَ: بَيْنَ هَاتَيْنِ
الأُسْطُوَانَتَيْنِ، ثُمَّ خَرَجَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ
فِي وَجْهِ الْكَعْبَةِ".
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي
الله عنه- "أَوْصَانِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرَكْعَتَىِ الضُّحَى". وَقَالَ
عِتْبَانُ "غَدَا عَلَىَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- بَعْدَ
مَا امْتَدَّ النَّهَارُ وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ، فَرَكَعَ
رَكْعَتَيْنِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين (قال: حدّثنا
سيف) المخزومي، وفي هامش الفرع وأصله من غير رقم ابن
سليمان المكي (قال: سمعت مجاهدًا) الإمام المفسر (يقول أتي
ابن عمر) بن الخطاب، بضم همزة: أتي، مبنيًّا للمفعول (رضي
الله عنهما في منزله) بمكة (فقيل له: هذا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قد دخل
الكعبة. قال: فأقبلت فأجد) بصيغة المتكلم وحده من المضارع،
وكان القياس أن يقول: فوجدت، بعد: فأقبلت، لكن عدل عنه
لاستحضار صورة الوجدان وحكايته عنها، (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد خرج) من الكعبة (وأجد
بلالاً) مؤذنه (عند الباب). وللكشميهني، وابن عساكر: على
الباب، حال كونه (قائمًا. فقلت: يا بلال! صلّى) بإسقاط
همزة الاستفهام المنوية، وللكشميهني، أصلّى (رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الكعبة. قال: نعم)
صلّى فيها. (قلت فأين) صلّى فيها؟ (قال: بين هاتين
الأسطوانتين) بضم الهمزة والطاء (ثم خرج) من الكعبة (فصلّى
ركعتين في وجه الكعبة) أي مواجهة بابها، أو في جهتها.
فيكون أعم من جهة الباب.
وسبق الحديث في باب: قول الله: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ
إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: 125] في أوائل الصلاة.
(قال أبو عبد الله) البخاري، وفي الفرع وأصله علامة سقوط
ذلك عن ابن عساكر، وفي هامشهما التصريح بسقوطه أيضًا، عن
أبوي ذر، والوقت، والأصيلي (قال أبو هريرة) مما وصله في
باب: صلاة الضحى في الحضر، ولأبي ذر، والأصيلى: وقال أبو
هريرة (رضي الله عنه: أوصاني النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، بركعتي الضحى).
(وقال عتبان) بكسر العين وسكون الفوقية، مما سبق موصولاً
في باب: المساجد في البيوت، ولأبي ذر، والأصيلي: عتبان بن
مالك (غدًا عليّ رسول الله) ولأبوي ذر، والوقت، والأصيلي:
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبو بكر)
الصديق (رضي الله عنه، بعدما امتد النهار، وصففنا وراءه،
فركع ركعتين).
قال في المصابيح: قال ابن المنير: رأى البخاري الاستدلال
بالاستخارة والتحية والأفعال المستمرة أولى من الاستدلال
بقوله: صلاة الليل مثنى مثنى، لأنه لا يقوم الاستدلال به
على النهار إلاّ بالقياس، ويكون القياس حينئذ كالمعارض
لمفهوم قوله: صلاة الليل ... فإن ظاهره أن صلاة النهار
ليست كذلك، وإلاّ سقطت فائدة تخصيص الليل.
والجواب أنه عليه الصلاة والسلام، إنما خص الليل لأجل أن
فيه الوتر، خشية أن يقاس على الوتر، فيتنفل المصلي بالليل
أوتارًا، فبين أن الوتر لا يعاد، وأن بقية صلاة الليل:
مثنى مثنى، وإذا ظهرت فائدة التخصيص سوى المفهوم، صار حاصل
الكلام: صلاة النافلة مثنى مثنى، فيعم الليل والنهار،
فتأمله، فإنه لطيف جدًّا. اهـ.
26 - باب الْحَدِيثِ يَعْنِي بَعْدَ رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ
(باب الحديث بعد ركعتي الفجر) ولغير أبوي ذر، والوقت،
والأصيلي: يعني بعد ركعتي الفجر.
1168 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قال
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ أَبُو النَّضْرِ حدثني أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ
يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ، فَإِنْ كُنْتُ مُسْتَيْقِظَةً
حَدَّثَنِي، وَإِلاَّ اضْطَجَعَ" قُلْتُ لِسُفْيَانَ:
فَإِنَّ بَعْضَهُمْ يَرْوِيهِ رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ، قَالَ
سُفْيَانُ: هُوَ ذَاكَ.
وبالسند قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال:
حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال أبو النضر) سالم (حدّثني)
بالإفراد (أبي) أبو أمية (عن أبي سلمة) بفتح اللام، ولأبوي
ذر، والوقت، والأصيلي: قال أبو النضر: حدّثني عن أبي سلمة
(عن عائشة، رضي الله عنها أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كان يصلّي ركعتين، فإن كنت مستيقظة
حدّثني، وإلاّ اضطجع).
قال علي بن عبد الله المديني: (قلت لسفيان) بن عيينة (فإن
بعضهم) هو: مالك بن أنس الإمام، كما أخرجه الدارقطني
(يرويه: ركعتي الفجر) اللتين قبل الفرض (قال سفيان: هو
ذاك) أي الأمر ذاك.
27 - باب تَعَاهُدِ رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ، وَمَنْ
سَمَّاهُمَا تَطَوُّعًا
(باب تعاهد ركعتي الفجر ومن سماهما) أي: الركعتين، وللحموي
والكشميهني: سماها، بالإفراد، أي: سنة الفجر (تطوعًا) نصب
مفعول ثان لسماها.
1169 - حَدَّثَنَا بَيَانُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ
عَطَاءٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها- قَالَتْ: "لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى شَىْءٍ مِنَ
النَّوَافِلِ أَشَدَّ مِنْهُ تَعَاهُدًا عَلَى رَكْعَتَىِ
الْفَجْرِ".
وبالسند قال: (حدّثنا بيان بن عمرو) بفتح الموحدة وتخفيف
التحتية وبعد الألف نون، وعمرو: بفتح العين وسكون الميم،
قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان، قال:
(2/334)
(حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز
(عن عطاء) هو: ابن أبي رباح (عن عبيد بن عمير) بضم العين
فيهما على التصغير، الليثي القاص (عن عائشة، رضي الله
عنها) أنها (قالت: لم يكن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، على شيء من النوافل أشد منه) عليه الصلاة
والسلام (تعاهدًا) أي: تفقدًا أو تحفظًا، ولأبوي ذر،
والوقت، والأصيلي: أشد تعهدًا منه (على ركعتي الفجر) وفي
هامش الفرع ما نصه: منه، الأولى ساقطة عند الأصيلي، وأبوي
ذر، والوقت: مكررة في أصل السماع.
28 - باب مَا يُقْرَأُ فِي رَكْعَتَىِ الْفَجْرِ
(باب ما يقرأ) بضم أوله، مبنيًا للمفعول، والذي في
اليونينية مبنيًا للفاعل (في) سنة (ركعتي الفجر).
1170 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قَالَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُصَلِّي بِاللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً، ثُمَّ
يُصَلِّي إِذَا سَمِعَ النِّدَاءَ بِالصُّبْحِ
رَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ".
وبالسند قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال:
أخبرنا مالك) الإمام (عن هشام بن عروة، عن أبيه) عروة بن
الزبير (عن عائشة رضي الله عنها، قالت):
(كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
يصلّي بالليل ثلاث عشرة ركعة) منها: الركعتان الخفيفتان
اللتان يفتتح بهما صلاته (ثم يصلّي إذا سمع النداء بالصبح)
سنته (ركعتين خفيفتين) يقرأ فيهما بـ {قُلْ يَا أَيُّهَا
الكَافِرُونَ} [الكافرون: 1]. و {قُلْ هُوَ اللَّهُ
أَحَدٌ} [الإخلاص: 1]. رواه مسلم.
ولأبي داود {قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ
عَلَيْنَا} [آل عمران: 84]. في الركعة الأولى، وفي
الثانية: {رَبَّنَا آَمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ
وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ} [آل عمران: 53].
وقد نوزع في مطابقة الحديث للترجمة لخلوه عن ذكر القراءة.
وأجيب: بأن كلمة: ما، في الأصل للاستفهام عن ماهية الشيء،
مثلاً، إذا قلت ما الإنسان؟ أي: ما ذاته؟ وما حقيقته؟
فجوابه: حيوان ناطق. وقد يستفهم بها عن صفة الشيء كقوله
تعالى: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17].
أي: ما لونها. هاهنا أيضًا قوله: ما يقرأ؟ استفهام عن صفة
القراءة هل هي طويلة أو قصيرة؟ فقوله: خفيفتين، يدل على
أنها كانت قصيرة.
ورواة هذا الحديث ما بين: بخاري ومصري ومكّي، وفيه:
التحديث والعنعنة والقول، ورواية تابعي عن تابعي، وأخرجه
مسلم في: الصلاة، وكذا أبو داود والنسائي.
1171 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمَّتِهِ
عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح.
وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ
قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "كَانَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخَفِّفُ
الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الصُّبْحِ
حَتَّى إِنِّي لأَقُولُ: هَلْ قَرَأَ بِأُمِّ الْكِتَابِ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد
المعجمة (قال: حدّثنا محمد بن جعفر) الملقب: غندر، قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن عبد الرحمن) بن سعد
بن زرارة الأنصاري (عن عمته عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعد
بن زرارة (عن عائشة رضي الله عنها، قالت):
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح) مهملة
لتحويل السند.
(وحدّثنا) ولأبي ذر، قال: حدّثنا (أحمد بن يونس) هو: أحمد
بن عبد الله بن يونس التميمي اليربوعي (قال: حدّثنا زهير)
هو: ابن معاوية الجعفي (قال: حدّثنا يحيى: هو ابن سعيد)
بكسر العين الأنصاري (عن محمد بن عبد الرحمن) بن زرارة
السابق (عن) عمته (عمرة عن عائشة رضي الله عنها. قالت):
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يخفف
الركعتين اللتين قبل صلاة الصبح) قراءة وأفعالاً (حتى إني
لأقول) بلام التأكيد (هل قرأ بأم الكتاب) أم لا؟ و: حتى،
للابتداء، و: إني بكسر الهمزة. وللحموي: بأم القرآن.
وليس المعنى أنها شكت في قراءته بأم القرآن، بل المراد أنه
كان في غيرها من النوافل يطول، وفي هذه يخفف أفعالها
وقراءتها، حتى إذا نسبت إلى قراءة غيرها كانت كأنها لم
يقرأ فيها.
ورواته ما بين: بصري وواسطي ومدني وكوفي، وفيه: التحديث
والعنعنة والقول.
أبواب التطوع
(أبواب) أحكام (التطوع) بالصلاة.
وهذه الترجمة ساقطة في غالب الأصول، كفرع اليونينية.
والتطوع عند الشافعية ما رجح الشرع فعله على تركه وجاز
تركه، فالتطوع، والسنة، والمستحب، والمندوب، والنافلة،
والمرغب فيه، ألفاظ مترادفة.
29 - باب التَّطَوُّعِ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ
(باب التطوع) بها (بعد) الصلاة (المكتوبة) المفروضة،
والحكمة في مشروعيته تكميل الفرائض به إن فرض فيها نقصان.
1172 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى
بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنَا
نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ:
"صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ
بَعْدَ الظُّهْرِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ
وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ وَسَجْدَتَيْنِ بَعْدَ
الْجُمُعَةِ. فَأَمَّا الْمَغْرِبُ وَالْعِشَاءُ فَفِي
بَيْتِهِ". قَالَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ "بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي أَهْلِهِ".
تَابَعَهُ كَثِيرُ بْنُ فَرْقَدٍ وَأَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى بن
سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين، مصغرًا، ابن عمر
بن حفص بن عمر بن الخطاب (قال: أخبرني) بالإفراد، ولغير
أبوي ذر، والوقت: أخبرنا (نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر)
بن الخطاب، (رضي الله عنهما، قال):
(صليت مع النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
سجدتين قبل) صلاة (الظهر) لا يعارضه
(2/335)
قوله في حديث عائشة الآتي في باب الركعتين
قبل الظهر: "كان لا يدع أربعًا قبل الظهر" لأنه كان تارة
يصلّي أربعًا وتارة ركعتين. أو كان يصلّي اثنتين في بيته،
واثنتين في المسجد. أو غير ذلك، مما يأتي إن شاء الله
تعالى، (وسجدتين بعد) صلاة (الظهر).
وقيل: من الرواتب أربع بعد الظهر، لحديث الترمذي، وصححه،
من حافظ على أربع ركعات قبل الظهر، وأربع بعدها حرمه الله
على النار.
(وسجدتين بعد) صلاة (المغرب، وسجدتين بعد) صلاة (العشاء،
وسجدتين بعد) صلاة (الجمعة) هذا الذي أخذ به في الروضة.
وبحديث مسلم: إذا صلّى أحدكم الجمعة فليصل بعدها أربعًا،
كما في المنهاج. المراد: بالسجدتين، في كلها: ركعتان، و:
بمع، التبعية في الاشتراك في فعلها لا أنه اقتدى به فيها.
(فأما المغرب والعشاء) أي: سنتاهما (ففي بيته) المقدس كان
يصلّيهما.
قيل: لأن فعل النوافل الليلية في البيوت أفضل من المسجد
بخلاف النهارية.
وأجيب: بأن الظاهر أنه، عليه الصلاة والسلام، إنما فعل تلك
لتشاغله بالناس في النهار غالبًا وبالليل يكون في بيته.
اهـ.
وحديث الصحيحين: "صلوا أيها الناس في بيوتكم. إن أفضل
الصلاة صلاة المرء في بيته إلاّ المكتوبة". يدل لأفضلية
النوافل في البيت مطلقًا. نعم، تفضل نوافل في المسجد منها:
راتبة الجمعة، ونوافل يومها. لفضل التبكير، والتأخير لطلب
الساعة. نص على نحوه في الأم وذكره غيره.
وقسيم: أما، التفصيلية في قوله: فأما المغرب والعشاء،
محذوف يدل عليه السياق، أي: وأما سنن المكتوبات الباقية
ففي المسجد.
لا يقال: إن بين قوله في حديث ابن عمر السابق في باب
الصلاة بعد الجمعة إنه عليه الصلاة والسلام كان لا يصلّي
بعد الجمعة حتى ينصرف، وبين ما هنا تناف؟ لأن الانصراف أعم
من الانصراف إلى البيت.
ولئن سلمنا، فالاختلاف إنما كان لبيان جواز الأمرين.
1173 - وَحَدَّثَتْنِي أُخْتِي حَفْصَةُ "أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُصَلِّي
سَجْدَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ بَعْدَ مَا يَطْلُعُ الْفَجْرُ
وَكَانَتْ سَاعَةً لاَ أَدْخُلُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا". وَقَالَ ابْنُ أَبِي
الزِّنَادِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ
"بَعْدَ الْعِشَاءِ فِي أَهْلِهِ". تَابَعَهُ كَثِيرُ بْنُ
فَرْقَدٍ وَأَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ.
قال عبد الله بن عمر بن الخطاب: (وحدّثتني أختي حفصة) زوج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّي سجدتين)
وللكشميهني: ركعتين (خفيفتين بعدما يطلع الفجر).
قال ابن عمر: (وكانت) أي الساعة التي بعد طلوع الفجر (ساعة
لا أدخل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فيها) لأنه لم يكن يشتغل فيها بالخلق، وهذا يدل على أنه
إنما أخذ عن حفصة وقت إيقاع الركعتين اللتين قبل الصبح، لا
أصل مشروعيتهما.
وقد تقدم في: أواخر الجمعة، من رواية مالك عن نافع، وليس
فيه ذكر الركعتين اللتين قبل الصبح أصلاً، قاله ابن حجر.
(وقال ابن أبي الزناد) بكسر الزاي، وتخفيف النون، عبد
الرحمن بن أبي الزناد اسمه عبد الله بن ذكوان (عن موسى بن
عقبة) بضم العين وسكون القاف (عن نافع) أي: عن ابن عمر أنه
قال: (بعد العشاء في أهله) بدل قوله في الحديث في بيته.
(تابعه) أي تابع عبيد الله المذكور (كثير بن فرقد) بفتح
الفاء والقاف بينهما راء ساكنة (و) تابعه أيضًا (أيوب)
السختياني (عن نافع). كذا عند أبي ذر، والأصيلي بتقديم:
قال ابن أبي الزناد، على قوله: تابعه. ولغيره تأخيره. ووقع
في بعض النسخ بعد قوله: أما المغرب والعشاء ففي بيته. قال
ابن أبي الزناد ... إلى آخره. وبعده قوله: تابعه كثير إلى
آخره.
30 - باب مَنْ لَمْ يَتَطَوَّعْ بَعْدَ الْمَكْتُوبَةِ
(باب من لم يتطوع بعد المكتوبة).
1174 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ سَمِعْتُ أَبَا
الشَّعْثَاءِ جَابِرًا قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ
-رضي الله عنه- قَالَ: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَمَانِيًا جَمِيعًا
وَسَبْعًا جَمِيعًا" قُلْتُ: يَا أَبَا الشَّعْثَاءِ،
أَظُنُّهُ أَخَّرَ الظُّهْرَ وَعَجَّلَ الْعَصْرَ،
وَعَجَّلَ الْعِشَاءَ وَأَخَّرَ الْمَغْرِبَ. قَالَ:
وَأَنَا أَظُنُّهُ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (قال:
سمعت أبا الشعثاء) بفتح الشين المعجمة وسكون المهملة
وبالمثلثة، ممدودًا (جابرًا) هو: ابن زيد (قال: سمعت ابن
عباس رضي الله عنهما، قال: صليت مع رسول الله) وفي بعض
الأصول: مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(ثمانيًا) أي: ثمان ركعات، الظهر والعصر (جميعًا) لم يفصل
بينهما بتطوع ولو فصل لزم عدم الجمع بينهما فصدق أنه صلّى
الظهر ولم يتطوع بعدها (وسبعًا) المغرب والعشاء (جميعًا)
لم يفصل بينهما بتطوع، فلم يتطوع بعد المغرب. وأما التطوع
بعد الثانية فمسكوت عنه، وكذا التطوع قبل الأولى محتمل.
قال عمرو بن دينار: (قلت: يا أبا الشعثاء! أظنه) عليه
الصلاة والسلام (أخر الظهر، وعجل العصر، وعجل العشاء، وأخر
المغرب)؟
(قال) أبو الشعثاء: (وأنا أظنه) عليه الصلاة
(2/336)
والسلام فعل ذلك.
وسبق الحديث في: المواقيت في باب: تأخير الظهر إلى العصر.
31 - باب صَلاَةِ الضُّحَى فِي السَّفَرِ
(باب) حكم (صلاة الضحى في السفر) أي: هل تصلّى فيه أم لا؟
ويدل للنفي: حديث ابن عمرو، وللإثبات: حديث أم هانئ. وهما
حديثا الباب.
1175 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ شُعْبَةَ عَنْ تَوْبَةَ عَنْ مُوَرِّقٍ قَالَ:
"قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: أَتُصَلِّي
الضُّحَى؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: فَعُمَرُ؟ قَالَ: لاَ.
قُلْتُ: فَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَ: لاَ. قُلْتُ: فَالنَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: لاَ
إِخَالُهُ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد (قال: حدّثنا يحيى)
بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن توبة) بفتح
المثناة الفوقية وسكون الواو وفتح الموحدة ابن كيسان بن
المورّع، بفتح الواو وكسر الراء المشددة، العنبري التابعي
الصغير، المتوفى سنة إحدى وثلاثين ومائة (عن مورق) بضم
الميم وفتح الواو وتشديد الراء المكسورة، ابن المشمرج بضم
الميم وفتح الشين المعجمة وسكون الميم وفتح الراء وبكسرها
وبالجيم، أبو المعتمر العجلي البصري (قال):
(قلت لابن عمر رضي الله عنهما أتصلي) صلاة (الضحى؟ قال:)
ابن عمر: (لا) أصليها، قال: (قلت) له: فعمر؟ قال: (لا) أي:
لم يصلها (قلت: فأبو بكر؟ قال: لا) أي: لم يصلها. (قلت:
فالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،؟ قال: لا
إخاله) برفع اللام وكسر الهمزة في الأشهر، وفتحها.
قال في القاموس في لغية أي: لا أظنه عليه الصلاة والسلام
صلاها. وكان سبب توقفه في ذلك أنه بلغه من غيره أنه صلاها،
ولم يثق بذلك عمن ذكره.
نعم، جاء عنه الجزم بكونها محدثة من حديث سعيد بن منصور
بإسناد صحيح عن مجاهد عنه، واستشكل إيراد المؤلّف هذا
الحديث هنا، إذ اللائق به باب: من لم يصل الضحى.
وجوابه ظاهر بما قدرته، كالعيني، بهل تصلّى فيه أم لا؟
واختلف رأي الشراح في ذلك؛ فحمله الخطابي على غلط الناسخ،
وابن المنير: على أنه لما تعارضت عنده أحاديثها نفيًا،
كحديث ابن عمر هذا، إثباتًا كحديث أبي هريرة في الوصية
بها، نزل حديث النفي على السفر، وحديث الإثبات على الحضر.
ويؤيد بذلك أنه ترجم لحديث أبي هريرة بصلاة الضحى في الحضر
مع ما يعضده من قول ابن عمر: لو كانت مسبحًا لأتممت في
السفر. قاله ابن حجر.
ورواة هذا الحديث بصريون إلاّ ابن الحجاج، فإنه واسطي،
وإلاّ مورقًا فقيل: كوفي، وفيه: التحديث والعنعنة والقول،
ورواية تابعي عن تابعي عن صحابي، وشيخ المؤلّف من أفراده
كالحديث.
1176 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ
بْنَ أَبِي لَيْلَى يَقُولُ: "مَا حَدَّثَنَا أَحَدٌ
أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الضُّحَى غَيْرَ أُمِّ هَانِئٍ
فَإِنَّهَا قَالَتْ إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ بَيْتَهَا يَوْمَ فَتْحِ
مَكَّةَ فَاغْتَسَلَ وَصَلَّى ثَمَانِيَ رَكَعَاتٍ، فَلَمْ
أَرَ صَلاَةً قَطُّ أَخَفَّ مِنْهَا، غَيْرَ أَنَّهُ
يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ".
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (قال: حدّثنا عمرو بن مرة) بفتح العين في الأول وضم
الميم وتشديد الراء في الثاني (قال: سمعت عبد الرحمن بن
أبي) ليلى، يقول):
(ما حدثنا أحد أنه رأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يصلّي) صلاة (الضحى غير أم هانئ) فاختة، شقيقة
عليّ بن أبي طالب، وهو يدل على إرادته صلاة الضحى
المشهورة، ولم يرد به الظرفية. وغيره بالرفع بدل من أحد.
واستفيد منه العمل بخبر الواحدة، (فإنها قالت):
(إن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، دخل
بيتها يوم فح مكة، فاغتسل) أي في بيتها، كما هو ظاهر
التعبير بالفاء المقتضية للترتيب والتعقيب.
لكن في مسلم، كالموطأ، من طريق أبي مرّة عنها، أنها قالت:
ذهبت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو
بأعلى مكة، فوجدته يغتسل. فلعله تكرر ذلك منه.
(وصلّى ثماني) بالياء التحتية، وللأصيلي، وأبي ذر، ثمان
(ركعات) زاد كريب عنها فيما رواه ابن خزيمة: يسلم من كل
ركعتين (فلم أر صلاة قط أخف منها، غير أنه يتم الركوع
والسجود).
نعم، قد ثبت في حديث حذيفة عند ابن أبي شيبة: أنه، صلّى
الضحى فطوّل فيها، فيحتمل أن يكون خففها ليتفرغ لمهمات
الفتح لكثرة شغله به.
واستنبط منه سنية صلاة الضحى، خلافًا لمن قال: ليس في حديث
أم هانئ دلالة لذلك، بل هو إخبار منها بوقت صلاته فقط.
وكانت صلاة الفتح، أو أنها كانت قضاء عما شغل عنه تلك
الليلة من حزبه فيها.
وأجيب: بأن الصواب صحة الاستدلال به لقولها في حديث أبي
داود، وغيره: صلّى سبحة
الضحى. ومسلم في الطهارة: ثم صلّى ثمان ركعات سبحة الضحى،
وفي التمهيد، لابن عبد البر، قالت: قدم عليه الصلاة
والسلام مكة، فصلّى ثمان ركعات، فقلت: ما هذه الصلاة؟ قال:
"هذه صلاة الضحى".
واستدلّ به، أي بحديث الباب، النووي على أن أفضلها ثمان
ركعات، وقد ورد فيها ركعتان، وأربع، وست، وثمان، وعشر،
وثنتا عشرة، وهي أكثرها كما قاله الروياني، وجزم به في
المحرر، والمنهاج.
وفي حديث أبي ذر، مرفوعًا قال: إن صليت
(2/337)
الضحى عشرًا لم يكتب لك ذلك اليوم ذنب، وإن
صليتها اثنتي عشرة ركعة، بنى الله لك بيتًا في الجنة، رواه
البيهقي، وقال: في إسناده نظر، وضعفه في شرح المهذّب، وقال
فيه: أكثرها عند الأكثرين ثمانية. وقال في الروضة: أفضلها
ثمان، وأكثرها ثنتا عشرة، ففرق بين الأكثر والأفضل.
واستشكل من جهة كونه إذا زاد أربعًا يكون مفضولاً. وينقص
من أجره.
والأفضل المداومة عليها لحديث أبي هريرة في الأوسط: إن في
الجنة بابًا يقال له: باب الضحى، فإذا كان يوم القيامة،
نادى منادٍ، أين الذين كانوا يديمون صلاة الضحى؟ هذا بابكم
فادخلوا برحمة الله.
وعن عقبة بن عامر قال: أمرنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن نصلي الضحى بسورتيها: {والشَّمْسِ
وَضُحَاهَا} و {الضُّحَى}.
ثم إن وقتها، فيما جزم به الرافعي، من ارتفاع الشمس إلى
الاستواء. وفي شرح المهذّب والتحقيق: إلى الزوال وفي
الروضة، قال: أصحابنا: وقت الضحى من طلوع الشمس. ويستحب
تأخيرها إلى ارتفاعها.
32 - باب مَنْ لَمْ يُصَلِّ الضُّحَى وَرَآهُ وَاسِعًا
(باب من لم يصل) صلاة (الضحى، ورآه) أي: الترك (واسعًا)
مباحًا، نصب مفعول ثانٍ: لرأى.
1177 - حَدَّثَنَا آدَمُ قَالَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي
ذِئْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
-رضي الله عنها- قَالَتْ: "مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبَّحَ سُبْحَةَ
الضُّحَى، وَإِنِّي لأُسَبِّحُهَا".
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس (قال: حدّثنا)
وللأصيلي: أخبرنا (ابن أبي ذئب) عبد الرحمن (عن الزهري)
محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة، رضي
الله عنها، قالت:
(ما رأيت رسول الله) ولأبي ذر، والأصيلي: النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، سبح سبحة الضحى) بفتح السين
في الأولى، وضمها في الثانية، أي: ما صلّى صلاتها.
وأصلها من التسبيح، وخصت النافلة بذلك لأن التسبيح الذي في
الفريضة نافلة. فقيل لصلاة النافلة: سبحة، لأنها كالتسبيح
في الفريضة.
(وإني لأسبحها) بضم الهمزة وكسر الموحدة المشددة، وعدم
رؤيتها لا يستلزم عدم الوقوع، لا سيما وقد روى إثبات
فعلها، وأمره بها جماعة من الصحابة أنس، وأبو هريرة، وأبو
ذر، وأبو أمامة، وعقبة بن عبد السلمي وابن أبي أوفى، وأبو
سعيد، وزيد بن أرقم، وابن عباس، وجابر بن عبد الله، وجبير
بن مطعم، وحذيفة بن اليمان، وابن عمر، وأبو موسى، وعتبان
بن مالك، وعقبة بن عامر، وعليّ بن أبي طالب، ومعاذ بن أنس،
والنواس بن سمعان، وأبو بكرة، وأبو مرة الطائفي، وغيرهم.
والإثبات مقدم على النفي أو: المنفي المداومة عليها،
وقولها: وإني لأسبحها، أي: أداوم عليها. وأما قولها في
حديث مسلم: كان عليه الصلاة والسلام يصلّيها أربعًا، ويزيد
ما شاء الله، فمحمول على أنه كان يفعل ذلك، بإخباره عليه
الصلاة والسلام لها أو إخبار غيره، فروته. وأما قولها عند
مسلم أيضًا، لما سألها عبد الله بن شقيق: هل كان عليه
الصلاة والسلام يصلّيها؟ لا. إلا أن يجيء من مغيبه، فالنفي
مقيد بغير المجيء من مغيبه.
قاله عتبانُ بنُ مالكٍ عنِ النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
33 - باب صَلاَةِ الضُّحَى فِي الْحَضَرِ
(باب صلاة الضحى في الحضر، قاله عتبان بن مالك) الأنصاري
(عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله
أحمد بلفظ: إنه عليه الصلاة والسلام صلّى في بيته سبحة
الضحى، فقاموا وراءه، وصلوا بصلاته.
1178 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا
شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَبَّاسٌ الْجُرَيْرِيُّ هُوَ ابْنُ
فَرُّوخَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: "أَوْصَانِي خَلِيلِي
بِثَلاَثٍ لاَ أَدَعُهُنَّ حَتَّى أَمُوتَ: صَوْمِ
ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَصَلاَةِ
الضُّحَى، وَنَوْمٍ عَلَى وِتْرٍ". [الحديث 1178 - طرفه
في: 1981].
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الأزدي القصاب (قال:
أخبرنا) وللأصيلي، وأبي ذر: حدّثنا (شعبة) بن الحجاج (قال:
حدّثنا عباس) بفتح العين المهملة وتشديد الموحدة (الجريري)
بضم الجيم وفتح الراء، نسبة إلى جرير بن عباد، بضم العين
وتخفيف الموحدة (هو ابن فرّوخ) بفتح الفاء وضم الراء
المشددة آخره خاء معجمة، وذلك ساقط عند أبوي ذر، والوقت،
والأصيلي (عن أبي عثمان النهدي) بفتح النون وسكون الهاء
(عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال):
(أوصاني خليلي)، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي
تخللت محبته قلبي فصار في خلاله، أي: في باطنه.
وقوله هذا لا يعارضه قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "لو كنت متخذًا خليلاً غير ربي لاتخذت أبا
بكر"، لأن الممتنع أن يتخذ هو، عليه الصلاة والسلام، غيره
تعالى خليلاً، لا أن غيره يتخذه هو.
(بثلاث لا أدعهن) بضم العين، أي: لا أتركهن (حتى) أي: إلى
أن (أموت: صوم ثلاثة أيام) البيض (من كل شهر) لتمرين النفس
على نجس الصيام، ليدخل في واجبه بانشراح، ويثاب ثواب صوم
الدهر بانضمام ذلك لصوم رمضان، إذ الحسنة بعشر أمثالها.
وصوم بالجر بدل من: ثلاث، وبالرفع خبر مبتدأ محذوف، أي: هي
صوم. وصلاة ونوم التاليان معطوفان عليه، فيجران، أو
يرفعان.
(2/338)
(وصلاة الضحى) في كل يوم، كما زاده أحمد:
ركعتين، كما يأتي في الصيام، وهما أقلها، ويجزئان عن
الصدقة التي تصبح على مفاصل الإنسان في كل يوم، وهي
ثلثمائة وستون مفصلاً، كما في حديث مسلم، عن أبي ذر، وقال
فيه: ويجزي عن ذلك ركعتا الضحى (ونوم على وتر) ليتمرن على
جنس الصلاة في الضحى، كالوتر قبل النوم في المواظبة؛ إذ
الليل وقت الغفلة والكسل، فتطلب النفس فيه الراحة.
وقد روي أن أبا هريرة كان يختار درس الحديث بالليل على
التهجد، فأمره بالضحى بدلاً عن قيام الليل، ولهذا أمره
عليه الصلاة والسلام أنه: لا ينام إلا على وتر، ولم يأمر
بذلك أبا بكر، ولا عمر، ولا غيرهما من الصحابة.
لكن، قد وردت وصيته عليه الصلاة والسلام بالثلاث أيضًا
لأبي الدرداء، كما عند مسلم، ولأبي ذر، كما عند النسائي،
فقيل خصهم بذلك لكونهم فقراء لا مال لهم، فوصاهم بما يليق
بهم، وهو الصوم والصلاة، وهما من أشرف العبادات البدنية.
فإن قلت: ما وجه المطابقة بين الحديث والترجمة؟
أجيب: بأنه يتناول حالتي: الحضر والسفر، كما يدل عليه
قوله: لا أدعهن حتى أموت، فحصل التطابق من أحد الجانبين،
وهو الحضر، وذلك كاف في المطابقة.
وفي الحديث استحباب تقديم الوتر على النوم، لكنه في حق من
لم يثق بالاستيقاظ، أما من وثق به، فالتأخير أفضل لحديث
مسلم: "من خاف أن لا يقوم من آخر الليل فليوتر أوله، ومن
طمع أن يقوم آخره فليوتر آخر الليل" فإن أوتر ثم تهجد لم
يعده، لحديث أبي داود، وقال الترمذي: حسن، لا وتران في
ليلة.
ورواة حديث الباب بصريون إلا شعبة فإنه واسطي، وفيه
التحديث والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف أيضًا في الصوم،
ومسلم والنسائي في: الصلاة.
1179 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ قَالَ
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ:
سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ: "قَالَ رَجُلٌ مِنَ
الأَنْصَارِ -وَكَانَ ضَخْمًا- لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنِّي لاَ أَسْتَطِيعُ
الصَّلاَةَ مَعَكَ. فَصَنَعَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامًا فَدَعَاهُ إِلَى بَيْتِهِ،
وَنَضَحَ لَهُ طَرَفَ حَصِيرٍ بِمَاءٍ فَصَلَّى عَلَيْهِ
رَكْعَتَيْنِ. وَقَالَ فُلاَنُ بْنُ فُلاَنِ ابْنِ
الجَارُودٍ لأَنَسٍ -رضي الله عنه-: أَكَانَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الضُّحَى؟
فَقَالَ: مَا رَأَيْتُهُ صَلَّى غَيْرَ ذَلِكَ الْيَوْمِ".
وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين
(قال: أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أنس بن سيرين) أخي محمد
بن سيرين، مولى أنس بن مالك (قال: سمعت أنس بن مالك) رضي
الله عنه، زاد في غير رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي:
الأنصاري (قال):
(قال رجل من الأنصار) هو عتبان بن مالك فيما قيل (-وكان
ضخمًا-) سمينًا، (للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: إني لا أستطيع الصلاة معك) في المسجد (فصنع
للنبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، طعامًا،
فدعاه إلى بيته، ونضح له طرف حصير بماء) تطهيرًا له، أو
تليينًا (فصلّى عليه) أي: على الحصير، وصلينا معه
(ركعتين).
(وقال) بالواو، ولأبي ذر: فقال (فلان ابن فلان) عبد الحميد
بن المنذر (بن الجارود) ولغير أبي ذر، والأصيلي: ابن جارود
(لأنس).
(أكان النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يصلّي)
صلاة (الضحى؟ فقال) بالفاء، ولأبي ذر، والأصيلي، وأبي
الوقت: قال أنس (ما رأيته صلّى) الضحى (غير ذلك اليوم)
فنفي رؤية أنس لا يستلزم نفي فعلها قبل، فهو كنفي عائشة
رؤيتها، وإثباتها فعله لها بطريق إخبار غيرها لها، كما مر.
وفي قول ابن الجارود: أكان عليه الصلاة والسلام يصلّي
الضحى؟ إشارة إلى أن ذلك كان كالمتعارف عندهم، وقد سبق
حديث عتبان في باب: هل يصلّي الإمام بمن حضر، من أبواب
الامامة.
34 - باب الرَّكْعَتَيْنِ قَبْلَ الظُّهْرِ
(باب الركعتين) اللتين (قبل) صلاة (الظهر) ولغير أبوي ذر،
والوقت، والأصيلي وابن عساكر: باب بالتنوين: الركعتان،
بالرفع بتقدير: هذا باب يذكر فيه الركعتان.
1180 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ:
"حَفِظْتُ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَشْرَ رَكَعَاتٍ: رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ
الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ
بَعْدَ الْمَغْرِبِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ
الْعِشَاءِ فِي بَيْتِهِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ
الصُّبْحِ وَكَانَتْ سَاعَةً لاَ يُدْخَلُ عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا".
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) بفتح المهملة وسكون الراء
(قال: حدّثنا حماد بن زيد) ولأبي ذر: هو: ابن زيد (عن
أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن
الخطاب (رضي الله عنهما، قال):
(حفظت من النبي، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عشر
ركعات) رواتب الفرائض: (ركعتين قبل) صلاة (الظهر، وركعتين
بعدها، وركعتين بعد) صلاة (المغرب في بيته، وركعتين بعد)
صلاة (العشاه في بيته، وركعتين قبل صلاة الصبح، كانت)
بإسقاط الواو، ولأبوي ذر والوقت، والأصيلي: وكانت، أي: تلك
الساعة (ساعة لا يدخل على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فيها) لاشتغاله فيها بربه لا بغيره.
1181 - حَدَّثَتْنِي حَفْصَةُ "أَنَّهُ كَانَ إِذَا
أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ وَطَلَعَ الْفَجْرُ صَلَّى
رَكْعَتَيْنِ".
(حدثتني) بمثناة فوقية بعد المثلثة والإفراد (حفصة) زوجه،
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أنه) عليه الصلاة والسلام (كان إذا أذن المؤذن وطلع الفجر
صلّى ركعتين) وهذا الحديث ظاهر فيما ترجم له المؤلّف.
1182 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا يَحْيَى
عَنْ شُعْبَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْتَشِرِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله
عنها- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ لاَ يَدَعُ أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ،
وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ".
تَابَعَهُ ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ وَعَمْرٌو عَنْ شُعْبَةَ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو: ابن مسرهد
(2/339)
(قال: حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن
شعبة) بن الحجاج (عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر) بضم
الميم وسكون النون وفتح المثناة الفوقية وكسر الشين
المعجمة، ابن أخي مسروق الهمداني (عن أبيه) محمد بن
المنتشر بن الأجدع (عن عائشة، رضي الله عنها).
ومحمد بن المنتشر قد سمع من عائشة كما صرح به في رواية
وكيع عند الإسماعيلي، وكذا وافق وكيعًا على ذلك محمد بن
جعفر كما عند الإسماعيلي أيضًا، وحينئذ فرواية عثمان بن
عمر عن شعبة، بإدخال مسروق بين محمد بن المنتشر وعائشة
مردودة، فهو من المزيد في متصل الأسانيد، ونسب الإسماعيلي
الوهم في ذلك إلى عثمان نفسه، وبه جزم الدارقطني في العلل:
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا
يدع) أي: لا يترك (أربعًا قبل) صلاة (الظهر، وركعتين قبل)
صلاة (الغداة).
ولا تعارض بينه وبين حديث ابن عمر لأنه يحتمل أنه كان إذا
صلّى في بيته صلّى أربعًا، وإذا صلّى في المسجد فركعتين،
أو أنه كان يفعل هذا وهذا، فحكى كل من ابن عمر وعائشة ما
رأى، أو كان الأربع وردًّا مستقلاً بعد الزوال، لحديث
ثوبان عند البزار: أنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، كان يستحب أن يصلّي بعد نصف النهار، وقال فيه:
إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء، وينظر الله إلى خلقه
بالرحمة.
وأما سنة الظهر فالركعتان التي قال ابن عمر: نعم، قيل في
وجه عند الشافعي: إن الأربع قبلها راتبة عملاً بحديثها.
(تابعه) أي: تابع يحيى بن سعيد (ابن أبي عدي) محمد بن
إبراهيم البصري (وعمرو) بفتح العين ابن مرزوق (عن شعبة).
35 - باب الصَّلاَةِ قَبْلَ الْمَغْرِبِ
(باب الصلاة قبل) صلاة (المغرب).
1183 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ عَنِ الْحُسَيْنِ عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ قَالَ:
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "صَلُّوا
قَبْلَ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ -قَالَ فِي الثَّالِثَةِ-
لِمَنْ شَاءَ. كَرَاهِيَةَ أَنْ يَتَّخِذَهَا النَّاسُ
سُنَّةً". [الحديث 1183 - طرفه في: 7368].
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين، عبد الله بن
عمرو بن أبي الحجاج المنقري، قال: (حدثنا عبد الوارث) بن
سعيد أبو عبيدة (عن الحسين) بن ذكوان المعلم (عن ابن
بريدة) بضم الموحدة وفتح الراء، ولأبوي ذر، والوقت،
والأصيلي: عن عبد الله بن بريدة (قال: حدّثني) بالإفراد
(عبد الله) بن مغفل بضم الميم وفتح المعجمة والفاء
المشدّدة (المزني) بضم الميم (عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال):
(صلوا قبل صلاة المغرب) أي ركعتين، كما عند أبي داود، قال
ذلك ثلاثًا، كما يدل عليه قوله (قال) عليه الصلاة والسلام
(في) المرة (الثالثة لمن شاء) صلاتهما. (كراهية أن يتخذها
الناس سنة) لازمة يواظبون عليها، ولم يرد نفي استحبابها،
لأنه لا يأمر بما لا يستحب.
وكأن المراد انحطاط رتبتها عن رواتب الفرائض، ومن ثم لم
يذكرها أكثر الشافعية في الرواتب.
ويدل له أيضًا حديث ابن عمر عند أبي داود، بإسناد حسن،
قال: ما رأيت أحدًا يصلّي ركعتين قبل المغرب، على عهد رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
لكنه معارض بحديث عقبة بن عامر، التالي لهذا: أنهم كانوا
يصلونها في العهد النبوي. قال أنس: وكان يرانا نصليها فلم
ينهنا.
وقد عدها بعضهم من الرواتب، وتعقب بأنه لم يثبت أنه عليه
الصلاة والسلام واظب عليها، والذي صححه النووي: أنها سنة،
للأمر بها في حديث الباب.
وقال مالك بعدم السنية، وعن أحمد الجواز، وقال في المجموع:
واستحبابها قبل الشروع في الإقامة، فإن شرع فيها كره
الشروع في غير المكتوبة. لحديث مسلم: "إذا أقيمت الصلاة
فلا صلاة إلا المكتوبة". اهـ
وقال النخعي: إنها بدعة، لأنه يؤدي إلى تأخير المغرب عن
أول وقتها.
وأجيب: بأنه منابذ للسنة، وبأن زمنهما يسير لا تتأخر به
الصلاة عن أول وقتها، وحكمة استحبابهما رجاء إجابة الدعاء،
لأنه بين الأذانين لا يردّ. وكلما كان الوقت أشرف، كان
ثواب العبادة فيه أكثر.
ومجموع الأحاديث يدل على استحباب تخفيفهما كركعتي الفجر.
ورواة هذا الحديث بصريون إلا ابن بريدة، فإنه مروزي وفيه:
التحديث بالجمع والإفراد والعنعنة والقول، وأخرجه المؤلّف
أيضًا في: الاعتصام، وأبو داود في الصلاة.
1184 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ قَالَ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي أَيُّوبَ قَالَ حَدَّثَنِي
يَزِيدُ بْنُ أَبِي حَبِيبٍ قَالَ سَمِعْتُ مَرْثَدَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ الْيَزَنِيَّ قَالَ: "أَتَيْتُ عُقْبَةَ
بْنَ عَامِرٍ الْجُهَنِيَّ فَقُلْتُ: أَلاَ أُعْجِبُكَ
مِنْ أَبِي تَمِيمٍ، يَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ
الْمَغْرِبِ. فَقَالَ عُقْبَةُ: إِنَّا كُنَّا نَفْعَلُهُ
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، قُلْتُ: فَمَا يَمْنَعُكَ الآنَ؟ قَالَ:
الشُّغْلُ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يزيد) زاد الهروي: هو المقري
(قال: حدّثنا سعيد بن أبي أيوب) الخزاعي، وسعيد بكسر العين
(قال: حدّثني) بالإفراد (يزيد بن أبي حبيب) أبو رجاء، واسم
أبيه سويد (قال: سمعت مرثد بن عبد الله) بفتح الميم وسكون
الراء وفتح المثلثة (اليزني) بفتح المثناة التحتية
(2/340)
وبالزاي والنون، نسبة إلى يزن، بطن من حمير
(قال أتيت عقبة بن عامر الجهني) بضم الجيم والي مصر، رضي
الله عنه (فقلت: ألا أعجبك) بضم الهمزة وسكون المهملة،
ولأبوي ذر، والوقت والأصيلي: ألا أعجبك، بفتح العين وتشديد
الجيم (من أبي تميم) بفتح المثناة الفوقية: عبد الله بن
مالك (يركع ركعتين قبل صلاة المغرب) زاد الإسماعيلي: حين
يسمع أذان المغرب؟.
(فقال عقبة) رضي الله عنه: (إنّا كنا نفعله على عهد رسول
الله) ولأبي ذر، والأصيلي: النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قلت) ولأبي ذر: فقلت (فما يمنعك
الآن) من صلاتهما.
(قال: الشغل) بسكون الغين المعجمة وضمها.
ورواة هذا الحديث مصريون إلا شيخ المؤلّف، وقد دخلها.
36 - باب صَلاَةِ النَّوَافِلِ جَمَاعَةً، عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرَهُ أَنَسٌ
وَعَائِشَةُ -رضي الله عنهما-
(باب صلاة النوافل جماعة، ذكره) أي حكم صلاتها جماعة (أنس)
أي: ابن مالك، مما وصله المؤلّف في باب: الصلاة على الحصير
(وعائشة، رضي الله عنها)، مما وصله أيضًا في باب: الصدقة
في الكسوف، من بابه كلاهما (عن النبي، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
1185 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبِي عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ
أَخْبَرَنِي مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ
"أَنَّهُ عَقَلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَعَقَلَ مَجَّةً مَجَّهَا فِي وَجْهِهِ مِنْ
بِئْرٍ كَانَتْ فِي دَارِهِمْ".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبى ذر، والأصيلي: حدّثنا
(إسحاق) هو: ابن راهويه. أو: ابن منصور.
والأول روى الحديث في مسنده، بهذا الإسناد إلا أن في لفظه
اختلافًا يسيرًا، ويستأنس للقول بأنه الأول بقوله: (أخبرنا
يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
الزهري، لأن ابن راهويه لا يعبر عن شيوخه إلا بذلك. لكن في
رواية كريمة، وأبي الوقت، وغيرهما حدّثنا يعقوب، قال:
(حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد، بسكون العين (عن ابن شهاب)
الزهري (قال: أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع) بفتح
الراء وكسر الموحدة، ابن سراقة (الأنصاري).
(أنه عقل) بفتحات. أي عرف (رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعقل مجة مجها) أي: رمى بها حال كونها
(في وجهه) يداعبه بها، استئلافًا لأبويه، وإكرامًا للربيع،
(من بئر كانت) أي: البئر، وللحموي والمستملي: كان، أي
الدلو (في دارهم).
1186 - فَزَعَمَ مَحْمُودٌ أَنَّهُ سَمِعَ عِتْبَانَ بْنَ
مَالِكٍ الأَنْصَارِيَّ -رضي الله عنه-وَكَانَ مِمَّنْ
شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-يَقُولُ "كُنْتُ أُصَلِّي لِقَوْمِي
بِبَنِي سَالِمٍ، وَكَانَ يَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ
وَادٍ إِذَا جَاءَتِ الأَمْطَارُ، فَيَشُقُّ عَلَىَّ
اجْتِيَازُهُ قِبَلَ مَسْجِدِهِمْ. فَجِئْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ
لَهُ: إِنِّي أَنْكَرْتُ بَصَرِي، وَإِنَّ الْوَادِيَ
الَّذِي بَيْنِي وَبَيْنَ قَوْمِي يَسِيلُ إِذَا جَاءَتِ
الأَمْطَارُ، فَيَشُقُّ عَلَىَّ اجْتِيَازُهُ، فَوَدِدْتُ
أَنَّكَ تَأْتِي فَتُصَلِّي مِنْ بَيْتِي مَكَانًا
أَتَّخِذُهُ مُصَلًّى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَأَفْعَلُ. فَغَدَا عَلَىَّ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- بَعْدَ مَا اشْتَدَّ
النَّهَارُ، فَاسْتَأْذَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَذِنْتُ لَهُ، فَلَمْ
يَجْلِسْ حَتَّى قَالَ: أَيْنَ تُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ
مِنْ بَيْتِكَ؟ فَأَشَرْتُ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي
أُحِبُّ أَنْ أُصَلِّيَ فِيهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَبَّرَ،
وَصَفَفْنَا وَرَاءَهُ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ
سَلَّمَ، وَسَلَّمْنَا حِينَ سَلَّمَ. فَحَبَسْتُهُ عَلَى
خَزِيرٍ يُصْنَعُ لَهُ، فَسَمِعَ أَهْلُ الدَّارِ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي
فَثَابَ رِجَالٌ مِنْهُمْ حَتَّى كَثُرَ الرِّجَالُ فِي
الْبَيْتِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: مَا فَعَلَ مَالِكٌ؟
لاَ أَرَاهُ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمْ: ذَاكَ مُنَافِقٌ
لاَ يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تَقُلْ ذَاكَ،
أَلاَ تَرَاهُ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي
بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ؟ فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ، أَمَّا نَحْنُ فَوَاللَّهِ لاَ نَرَى وُدَّهُ
وَلاَ حَدِيثَهُ إِلاَّ إِلَى الْمُنَافِقِينَ. قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ مَنْ قَالَ
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ يَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ
اللَّهِ". قَالَ مَحْمُودٌ: فَحَدَّثْتُهَا قَوْمًا
فِيهِمْ أَبُو أَيُّوبَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَتِهِ الَّتِي
تُوُفِّيَ فِيهَا وَيَزِيدُ بْنُ
مُعَاوِيَةَ عَلَيْهِمْ بِأَرْضِ الرُّومِ- فَأَنْكَرَهَا
عَلَىَّ أَبُو أَيُّوبَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا أَظُنُّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ مَا قُلْتَ قَطُّ. فَكَبُرَ ذَلِكَ عَلَىَّ،
فَجَعَلْتُ لِلَّهِ عَلَىَّ إِنْ سَلَّمَنِي حَتَّى
أَقْفُلَ مِنْ غَزْوَتِي أَنْ أَسْأَلَ عَنْهَا عِتْبَانَ
بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- إِنْ وَجَدْتُهُ حَيًّا فِي
مَسْجِدِ قَوْمِهِ، فَقَفَلْتُ فَأَهْلَلْتُ بِحَجَّةٍ
-أَوْ بِعُمْرَةٍ- ثُمَّ سِرْتُ حَتَّى قَدِمْتُ
الْمَدِينَةَ، فَأَتَيْتُ بَنِي سَالِمٍ، فَإِذَا
عِتْبَانُ شَيْخٌ أَعْمَى يُصَلِّي لِقَوْمِهِ، فَلَمَّا
سَلَّمَ مِنَ الصَّلاَةِ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ
وَأَخْبَرْتُهُ مَنْ أَنَا، ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ
الْحَدِيثِ، فَحَدَّثَنِيهِ كَمَا حَدَّثَنِيهِ أَوَّلَ
مَرَّةٍ".
(فزعم) أي أخبر (محمود) المذكور فهو من إطلاق الزعم على
القول (أنه سمع عتبان بن مالك) بكسر العين (الأنصاري، رضي
الله عنه، وكان ممن شهد بدرًا) أي: وقعة بدر (مع رسول
الله) ولأبي ذر: والأصيلي: مع النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، يقول):
(كنت) وللكشميهني: يقول إني كنت (أصلي لقومي ببني سالم)
بموحدتين، وللهروي: بني سالم بإسقاط الأولى منهما (وكان
يحول بيني وبينهم وادٍ إذا جاءت الأمطار فيشق) بمثناة
تحتية بعد الفاء، وللكشميهني: فشق، بصيغة الماضي، وفي
رواية يشق بإثبات المثناة، وحذف الفاء (عليّ اجتيازه) بجيم
ساكنة ومثناة وزاي (قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة
(مسجدهم: فجئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فقلت له):
(إني) وللأصيلي: فقلت إني (أنكرت بصري) يريد به العمى، أو
ضعف الإبصار (وإن الوادي الذي بيني وبين قومي يسيل إذا
جاءت الأمطار، فيشق عليّ اجتيازه، فوددت أنك تأتي فتصلي من
بيتي مكانًا) بالنصب على الظرفية، وإن كان محدودًا لتوغله
في الإبهام، فأشبه خلف ونحوها، أو هو على نزع الخافض
(أتخذه مصلّى) برفع المعجمة، والجملة في محل نصب صفة
لمكانًا أو مستأنفة لا محل لها، أو: هي مجزومة جوابًا
للأمر، أي: إن تصل فيه أتخذه موضعًا للصلاة.
(فقال رسول الله) وللهروي، والأصيلي: فقال النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(سأفعل) زاد في الرواية الآتية، إن شاء الله تعالى.
قال عتبان: (فغدا عليّ رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وأبو بكر رضي الله عنه، بعدما اشتد
النهار) في الرواية السابقة: حين ارتفع النهار (فاستأذن
رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأذنت
له) فدخل (فلم يجلس حتى قال) لي:
(أين تحب أن أصلي) بضم الهمزة وللحموي، والمستملي، أن
نصلّى بنون الجمع (من بيتك).
قال عتبان:
(فأشرت له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى
المكان الذي أحب أن أصلي فيه) بهمزة مضمومة، ولأبوي ذر،
والوقت، والأصيلي: يصلّي، بمثناة تحتية مضمومة مع كسر
اللام، (فقام رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فكبر) وفي نسخة:
مكبرًا للصلاة (وصففنا) بفاءين (وراءه، فصلّى) بنا
(ركعتين، ثم سلم، وسلمنا)
(2/341)
بالواو، ولأبي الوقت: فسلمنا (حين سلم)
عليه الصلاة والسلام (فحبسته على خزير) بفتح الخاء وكسر
الزاي المعجمتين: طعام (يصنع) من لحم ودقيق (له) عليه
الصلاة والسلام (فسمع أهل الدار) أي: أهل المحلة (رسول
الله) بالرفع، ولأبوي ذر، والوقت والأصيلي: أن رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيتي، فثاب)
بالمثلثة بعد الفاء وموحدة بعد الألف، أي: جاء (رجال منهم
حتى كثر الرجال في البيت، فقال رجل منهم: ما فعل مالك) هو:
ابن الدخشن (لا أراه) بفتح الهمزة أي: لا أبصره (فقال رجل)
آخر (منهم: ذاك) أي: مالك (منافق لا يحب الله ورسوله، فقال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تقل ذلك، ألا تراه) بفتح التاء (قال: لا إله إلا الله،
يبتغي بذلك وجه الله) أي ذاته؟
(فقال) بالإفراد، وللكشميهني فقالوا: (الله ورسوله أعلم.
أما) بفتح الهمزة وتشديد الميم، وللحموي، والمستملي: إنما
(نحن، فوالله لا) وفي نسخة: ما (نرى وده، ولا حديثه إلا
إلى المنافق، قال) بغير: فاء، وللهروي والأصيلي: فقال
(رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(فإن الله قد حرم على النار من قال: لا إله إلا الله) مع
قول: محمد رسول الله، (يبتغي بذلك وجه الله) أي: ذاته.
وهذه شهادة منه عليه الصلاة والسلام له بإيمانه، وبأنه
تشهد مخلصًا نافيًا بها تهمة النفاق عنه.
(قال محمود) بالإسناد السابق، زاد الهروي، والأصيلي: ابن
الربيع (فحدّثتها قومًا) أي: رجالاً (فيهم أبو أيوب) خالد
بن زيد الأنصاري (صاحب رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوته) سنة خمسين أو بعدها في
خلافة معاوية، ودخلوا فيها إلى القسطنطينية وحاصرها، (التي
توفي فيها) وأوصي أن يدفن تحت أقدام الخيل، ويغيب قبره،
فدفن إلى جدار القسطنطينية. كما ذكره ابن سعد، وغيره
(ويزيد بن معاوية) بن أبي سفيان أمير (عليهم) من قبل أبيه
معاوية (بأرض الروم) وهي ما وراء البحر، وبها مدينة
القسطنطينية (فأنكرها) أي الحكاية، أو القصة (علي، أبو
أيوب) الأنصاري (قال) وللهروي، والأصيلي: وقال: (والله ما
أظن رسول الله، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قال
ما قلت قط).
قيل: والباعث له على الإنكار استشكاله قوله: إن الله قد
حرم على النار من قال لا إله إلا الله، لأن ظاهره لا يدخل
أحد من عصاة الموحدين النار، وهو مخالف لآيات كثيرة
وأحاديث شهيرة.
وأجيب: بحمل التحريم على الخلود.
قال محمود (فكبر) بضم الموحدة، أي عظم (ذلك) الإنكار من
أبي أيوب (عليّ، فجعلت لله عليّ إن سلمني) ولأبوي: ذر،
والوقت: فجعلت لله إن سلمني (حتى أقفل) بضم الفاء، أي:
أرجع، وسقط لفظ: حتى لأبي ذر (من غزوتي) وللمستملي: عن
غزوتي (أن أسال عنها عتبان بن مالك، رضي الله عنه، إن
وجدته حيًّا في مسجد قومه).
قال في الفتح: وكأن الحامل لمحمود على الرجوع إلى عتبان
ليسمع الحديث منه ثانيًا، أن أبا أيوب لما أنكر عليه، اتهم
نفسه بأن يكون ما ضبط القدر الذي أنكره عليه.
(فقفلت) أي: فرجعت (فأهللت) أي: أحرمت (بحجة -أو بعمرة)
بالموحدة، وفي نسخة بإسقاطها (ثم سرت حتى قدمت المدينة،
فأتيت بني سالم، فإذا عتبان) بن مالك (شيخ أعمى، يصلّي
لقومه، فلما سلم من الصلاة) وللأصيلي: من صلاته (سلمت
عليه، وأخبرته من أنا، ثم سألته عن ذلك الحديث) الذي حدثت
به، وأنكره أبو أيوب عليّ (فحدثنيه) عتبان (كما حدثنيه أول
مرة).
ومطابقة الحديث للترجمة من قوله: فقام رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وصففنا وراءه، ثم سلم وسلمنا
حين سلم.
37 - باب التَّطَوُّعِ فِي الْبَيْتِ
(باب) صلاة (التطوع في البيت).
1187 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ
حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ أَيُّوبَ وَعُبَيْدِ اللَّهِ
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- «اجْعَلُوا فى بُيُوتِكُمْ مِنْ صَلاَتِكُمْ،
وَلاَ تَتَّخِذُوهَا قُبُورًا».
تَابَعَهُ عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ أَيُّوبَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) أي: ابن نصر
المتوفى، فيما قاله المؤلّف: سنة سبع وثلاثين ومائتين،
قال: (حدّثنا وهيب) بالتصغير، هو ابن خالد (عن أيوب)
السختياني (وعبيد الله) بالتصغير والجر، عطفًا على سابقه.
ابن عمر كلاهما (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر) بن
الخطاب (رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اجعلوا في بيوتكم) شيئًا (من صلاتكم) النافلة.
قال النووي: ولا يجوز حمله على الفريضة، وفي الصحيحين:
صلوا أيها الناس في بيوتكم
(2/342)
فإن: فضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة. وإنما شرع ذلك
لكونه أبعد من الرياء، ولتنزل الرحمة وفيه الملائكة.
وفي حديث، ذكر ابن الصلاح أنه مرسل: فضل صلاة النفل فيه
على فعلها في المسجد، كفضل صلاة الفريضة في المسجد على
فعلها في البيت. لكن، قال صاحب قوت الإحياء: إن ابن الأثير
ذكره في: معرفة الصحابة، عن عبد العزيز بن ضمرة بن حبيب،
عن أبيه، عن جده، حبيب بن
ضمرة. ورواه الطبراني، وأسنده مرفوعًا بنحو ما تقدم عن
صهيب بن النعمان، عنه، -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، ويستثنى من ذلك نفل يوم الجمعة، وركعتا
الطواف، والإحرام، والتراويح للجماعة.
(ولا تتخذوها قبورًا) أي: مثل القبور التي ليست محلاًّ
للصلاة بأن لا تصلوا فيها، كالميت الذي انقطعت عنه
الأعمال. أو المراد: لا تجعلوا بيوتكم أوطانًا للنوم، لا
تصلون فيها، فإن النوم أخو الموت.
(تابعه) أي تابع وهيبًا (عبد الوهاب) الثقفي مما وصله
مسلم، عن محمد بن المثنى عنه، (عن أيوب) السختياني لكن
بلفظ: "صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبورًا". |