شرح القسطلاني إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم

37 - كتاب الإجارة
بكسر الهمزة على المشهور، وحكى الرافعي ضمها وصاحب المستعذب فتحها وهي لغة اسم للأجرة وشرعًا عقد على منفعة مقصودة معلومة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم فخرج بمنفعة العين وبمقصوده التافه كتفاحة للشم وبمعلومة القراض والجعالة على عمل مجهول، وبقابلة للبذل والإباحة البضع وبعوض هبة المنافع والوصية بها والشركة والإعارة وبمعلوم المساقاة والجعالة على عمل معلوم بعوض مجهول كالحج بالرزق. نعم يرد عليه بيع حق الممر ونحوه والجعالة على عمل معلوم بعوض معلوم.
(بسم الله الرحمن الرحيم في الإجارات) بالجمع كذا في رواية المستملي. قال في الفتح: وسقط للنسفي في الإجارات وسقط للباقين كتاب الإجارة.

1 - باب في الإجارة اسْتِئْجَارِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ} وَالْخَازِنِ الأَمِينِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ مَنْ أَرَادَهُ.
هذا (باب) بالتنوين (في الإجارة استئجار الرجل الصالح) فيه إشارة إلى قطع وهم من لعله يتوهم أنه لا ينبغي استئجار الصالحين في الأعمال والخدم لأنه امتهان لهم قاله ابن المنير، ولأبي ذر: باب استئجار الرجل الصالح، وفي بعض النسخ: كتاب الإجارة في الإجارة استئجار الرجل الصالح. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على السابق وبالرفع على الاستئناف ولأبي ذر: وقال الله تعالى: ({إن خير من استأجرت القوي الأمين}) [القصص: 26] تعليل شائع يجري مجرى الدليل على أنه حقيق بالاستئجار وللمبالغة فيه جعل خير اسمًا وذكر الفعل بلفظ الماضي للدلالة على أنه أمر مجرّب معروف، وأشار بذلك إلى قصة موسى عليه الصلاة والسلام مع ابنة شعيب في سقيه المواشي. قال

شريح القاضي وأبو مالك وقتادة ومحمد بن إسحاق وغير واحد فيما قاله ابن كثير في تفسيره لما قالت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال لها أبوها: وما علمك بذلك؟ قالت: إنه رفع الصخرة التي لا يطيق حملها إلا عشرة رجال، ولما جئت معه تقدّمت أمامه فقال: كوني من ورائي فإذا اختلفت الطريق فاحذفي لي بحصاة أعلم بها كيف الطريق لأهتدي إليه (والخازن الأمين ومن لم يستعمل) من الأئمة (من أراده) أي لا يفوّض الأمر إلى الحريص على العمل لأنه لحرصه لا يؤمن، وهذان الجزءان من جملة الترجمة وقد ساق لكل منهما حديثًا.
2260 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي جَدِّي أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْخَازِنُ الأَمِينُ الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ أَحَدُ الْمُتَصَدِّقَيْنِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء بريد بن عبد الله أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (جدي أبو بردة) عامر على الأشهر (عن أبيه أبي موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(الخازن الأمين الذي يؤدي) يعطي (ما أمر به) بضم الهمزة على صيغة المجهول من الصدقة حال كونه (طيبة) بما يؤدّيه (نفسه) رفع بطيبة، ولأبي ذر: طيب نفسه برفعهما على أن طيب خبر مبتدأ محذوف ونفسه فاعله أو توكيد. وقال الكرماني: وفي بعضها طيب نفسه مضافًا إلى النفس وإنما انتصب حالاً والحال لا يكون معرفة لأن الإضافة لفظية فلا تقبل التعريف، وقوله الخازن مبتدأ خبره (أحد المتصدقين) بفتح القاف على التثنية ويجوز كسرها على الجمع وهما في الفرع وأصله.
واستشكل سياق هذا الحديث هنا من حيث أنه لا تعلق له بالإجارة المترجم بها. وأجاب السفاقسي: بأن الخازن لا شيء له في المال وإنما هو أجير، وقال الكرماني: أشار إلى أن خازن مال الغير كالأجير لصاحب المال، وقول ابن بطال: إنما أدخله لأن من استؤجر على شيء فهو أمين فيه ولا ضمان عليه فيه إن لم يفرط، وتبعه الزركشي في التنقيح، وتعقبه صاحب المصابيح بأن سقوط الضمان ليس منوطًا بالأمانة وإنما هو منوط بالائتمان حتى لو ائتمنه فوجده خائنًا لم يكن عليه ضمان والمسوق في الحديث هو من اتصف في الواقع بالأمانة فأنّى يؤخذ منه ما قاله فتأمله انتهى.
وهذا الحديث سبق في باب أجر الخادم إذا تصدق من كتاب الزكاة.
2261 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي حُمَيْدُ بْنُ هِلاَلٍ حَدَّثَنَا أَبُو بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: "أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعِي رَجُلاَنِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ، فَقُلْتُ مَا عَلِمْتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ الْعَمَلَ. فَقَالَ: لَنْ -أَوْ لاَ- نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ». [الحديث

2261 - أطرافه في: 3038، 4341، 4343، 4344، 6124، 6923، 7149، 7156، 7157، 7172].
وبه قال: (حدّثنا مسدد)

(4/126)


هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن قرة بن خالد) بضم القاف وتشديد الراء السدوسي البصري (قال: حدّثني) بالإفراد (حميد بن هلال) بضم الحاء مصغرًا العدوي البصري قال: (حدّثنا أبو بردة) عامر (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (قال: أقبلت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومعي رجلان من الأشعريين) لم يسميا وقد سمي من الأشعريين الذين قدموا مع أبي موسى في السفينة: كعب بن عاصم، وأبو مالك، وأبو عامر وغيرهم. (فقلت ما علمت أنهما يطلبان العمل) كذا ساقه هنا مختصرًا ولفظه في استتابة المرتدّين في باب حكم المرتد والمرتدة ومعي رجلان من الأشعريين أحدهما عن يميني والآخر عن يساري ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستاك فكلاهما سأل أي العمل فقال: يا أبا موسى أو يا عبد الله بن قيس: قال قلت والذي بعثك بالحق ما أطلعاني على ما في أنفسهما وما شعرت أنهما يطلبان العمل فكأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت أي انزوت (فقال) ولأبي ذر: قال:
(لن) بالنون (أو) قال (لا) بالألف شك من الراوي (نستعمل على عملنا من أراده) لما فيه من التهمة بسبب حرصه ولأن من سأل الولاية وكّل إليها ولا يعان عليها، وفي نسخة الميدومي: إنّا لا نستعمل، وذكر السفاقسي أن في بعض النسخ لن أولي نستعمل بضم الهمزة وفتح الواو وتشديد اللام مع كسرها فعل مستقبل من الولاية. قال القطب الحلبي: فعلى هذه الرواية يكون لفظ نستعمل زائدًا أو يكون تقدير الكلام لن أولي على عملنا، وقد وقع هذا الحديث في الأحكام من طريق يزيد بن عبد الله عن أبي بردة بلفظ: إنّا لا نولي على عملنا وهو يعضد هذا التقدير قاله ابن حجر، ولما كان في الغالب أن الذي يطلب العمل إنما يطلبه لأجرة طابق ذلك ما ترجم له.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الإجارة والأحكام وفي استتابة المرتدين ومسلم في المغازي وأبو داود والنسائي في القضاء.

2 - باب رَعْيِ الْغَنَمِ عَلَى قَرَارِيطَ
(باب رعي الغنم على قراريط) جمع قيراط وهو نصف الدانق أو نصف عشر الدينار أو جزء من أربعة وعشرين جزءًا.
2262 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ جَدِّهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَا بَعَثَ اللَّهُ نَبِيًّا إِلاَّ رَعَى الْغَنَمَ. فَقَالَ أَصْحَابُهُ: وَأَنْتَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، كُنْتُ أَرْعَاهَا عَلَى قَرَارِيطَ لأَهْلِ مَكَّةَ».

وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) الأزرقي القوّاس (المكي) صاحب أخبار مكة قال: (حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين وسكون الميم (عن جده) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(ما بعث الله نبيًّا إلا رعى الغنم) وللكشميهني: إلا راعي الغنم بألف بعد الراء وكسر العين (فقال أصحابه وأنت)؟ بحذف همزة الاستفهام أي: أو أنت أيضًا رعيتها؟ (فقال) عليه الصلاة والسلام: (نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة) وفي رواية ابن ماجة عن سويد بن سعيد عن عمرو بن يحيى: كنت أرعاها لأهل مكة بالقراريط. وقال سويد شيخ ابن ماجة: يعني كل شاة بقيراط يعني القيراط الذي هو جزء من الدينار أو الدرهم، وقال أبو إسحاق الحربي: قراريط اسم موضع بمكة، وصححه ابن الجوزي كابن ناصر وأيّده مغلطاي بأن العرب لم تكن تعرف القيراط. قال ابن حجر: لكن الأرجح الأول لأن أهل مكة لا تعرف بها مكانًا يقال له قراريط انتهى.
وقال بعضهم: لم تكن العرب تعرف القيراط الذي هو من النقد، ولذا قال عليه الصلاة والسلام كما في الصحيح "تفتحون أرضًا يذكر فيها القيراط" لكن لا يلزم من عدم معرفتهم لها أن يكون النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يعرف ذلك، والحكمة في إلهامهم صلوات الله وسلامه عليهم رعي الغنم قبل النبوّة ليحصل لهم التمرّن برعيها على ما يكلفونه من القيام بأمر أمتهم ولأن في مخالطتها زيادة الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على مشقة الرعي ودفعوا عنها السباع الضارية والأيدي الخاطفة وعلموا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها وعرفوا ضعفها واحتياجها إلى النقل من مرعى إلى مرعى ومن مسرح إلى مراح، فرفقوا بضعيفها وأحسنوا تعاهدها فهو توطئة لتعريفهم سياسة أممهم وخصّ الغنم لأنها أضعف من غيرها، وفي ذكره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لذلك بعد أن علم أنه أشرف خلق الله ما فيه من التواضع والتصريح بمنته عليه.
وهذا

(4/127)


الحديث أخرجه ابن ماجة في التجارات.

3 - باب اسْتِئْجَارِ الْمُشْرِكِينَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ، أَوْ إِذَا لَمْ يُوجَدْ أَهْلُ الإِسْلاَمِ وَعَامَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَهُودَ خَيْبَرَ
(باب استئجار) المسلمين (المشركين عند الضرورة) أي عند عدم وجود مسلم (أو إذا لم يوجد أهل الإسلام) وفي نسخة عند الضرورة إذا لم يجد أهل الإسلام (وعامل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يهود خيبر) على العمل في أرضها إذا لم يجد أحدًا من المسلمين ينوب منابهم في ذلك. قال ابن بطال: عامة الفقهاء يجيزون استئجارهم عند الضرورة وغيرها لما في ذلك من المذلة لهم وإنما الممتنع أن يؤاجر المسلم نفسه من المشرك لما فيه من الإذلال.

2263 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "وَاسْتَأْجَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ بْنِ عَدِيٍّ هَادِيًا خِرِّيتًا -الْخِرِّيتُ: الْمَاهِرُ بِالْهِدَايَةِ- قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ؛ فَأَمِنَاهُ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ لَيَالٍ ثَلاَثٍ فَارْتَحَلاَ، وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ وَالدَّلِيلُ الدِّيلِيُّ فَأَخَذَ بِهِمْ أَسْفَلَ مَكَّةَ وَهْوَ طَرِيقُ السَّاحِلِ".
وبه قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: حدّثني بالإفراد (إبراهيم بن موسى) بن يزيد بن زاذان أبو إسحاق التميمي الفراء الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت: (واستأجر) بواو العطف على قصة في هذا الحديث وهي ثابتة في أصله الطويل المسوق عند المؤلّف في باب هجرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه إلى المدينة عن يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: لم أعقل أبوي إلا وهما يدينان الدين، الحديث. وفيه خروج أبي بكر مهاجرًا نحو أرض الحبشة حتى بلغ برك الغماد لقيه ابن الدغنة وخروجه مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى غار ثور فمكثا فيه ثلاث ليالٍ يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش بمكة كبائت معهم فلا يسمع أمرًا يكادان به إلاّ وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي منحة من غنم فيريحها عليهما حين يذهب ساعة من العشاء فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس يفعل ذلك كل ليلة من الليالي، وسقط واو العطف المذكور لأبي ذر واستأجر (النبي) ولأبي الوقت: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر رجلاً) مشركًا (من بني الديل) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية هو عبد الله بن أريقط. وقال ابن هشام: رجلاً من بني سهم بن عمرو وكان مشركًا.
وهذا موضع الترجمة. (ثم من بني عبد بن عدي) بفتح العين وكسر الدال المهملة وتشديد التحتية بطن من بني بكر (هاديًا) للطريق (خريتًا) بكسر الخاء المعجمة وتشديد الراء وسكون التحتية بعدها مثناة فوقية صفتان لرجل، ونسب الحافظ ابن حجر الأخيرة لزيادة الكشميهني.
قال الزهري (الخرّيت: الماهر بالهداية قد غمس) أي عبد الله بن أريقط (يمين حلف) بكسر الحاء المهملة وبعد اللام الساكنة فاء وغمس بفتح الغين المعجمة والميم والسين المهملة أي دخل (في) جملة (آل العاصي بن وائل) بالهمز من بني سهم رهط من قريش وغمس نفسه فيهم وكانوا إذا تحالفوا غمسوا أيديهم في دم أو خلوق أو شيء يكون فيه تلويث فيكون ذلك تأكيدًا للحلف، (وهو) أي عبد الله بن أريقط (على دين كفار قريش فأمناه) بكسر الميم المخففة بعد الهمزة المفتوحة من أمنت

فلانًا فهو آمن وذلك مأمون والضمير للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والصديق (فدفعا إليه راحلتيهما) تثنية راحلة من الإبل البعير القوي على الأسفار والأحمال يستوي فيه المذكر والمؤنث والتاء للمبالغة (ووعداه) ولأبي ذر: وواعداه بألف قبل العين فالأولى من الوعد والثانية من المواعدة (غار ثور) بالمثلثة كهفًا بجبل أسفل مكة (بعد ثلاث ليالٍ فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليالٍ ثلاث فارتحلا وانطلق معهما عامر بن فهيرة) بضم الفاء وفتح الهاء وبعد الياء الساكنة راء مفتوحة، (والدليل الديلي) بكسر الدال المهملة وسكون الياء من غير همز هو عبد الله بن أريقط (فأخذ بهم) أي أخذ بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر وعامر عبد اللهّ بن أريقط الدليل وفي نسخة: أسفل مكة (وهو طريق الساحل) وفي الهجرة فأخذ بهم طريق الساحل بدون لفظ وهو.
وهذا الحديث أخرجه

(4/128)


في باب الإجارة والهجرة.

4 - باب إِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا لِيَعْمَلَ لَهُ بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ -أَوْ بَعْدَ شَهْرٍ أَوْ بَعْدَ سَنَةٍ- جَازَ وَهُمَا عَلَى شَرْطِهِمَا الَّذِي اشْتَرَطَاهُ إِذَا جَاءَ الأَجَلُ
هذا (باب) بالتنوين (إذا استأجر) الرجل (أجيرًا ليعمل له) عملاً (بعد ثلاثة أيام أو بعد شهر أو بعد سنة) وجواب إذا قوله (جاز) التواجر (وهما) أي المؤجر والمستأجر (على شرطهما الذي اشترطاه إذا جاء الأجل) قال العيني وهو جائز عند مالك وأصحابه بعد اليوم أو اليومين أو ما قرب إذا أنقده الأجرة، واختلفوا فيما إذا لم ينقده فأجازه مالك وابن القاسم. وقال أشهب: لا يجوز لأنه لا يدري أيعيش أم لا. وقياسه أن يستأجر منه منزلاً مدة معلومة قبل مجيء السنة بأيام يقول آجرتك الدار سنة بعد عشرة أيام فمذهب الشافعية عدم الصحة لأن منفعتها إذ ذاك غير مقدورة التسليم في الحال فأشبه بيع العين على أن يسلمها غدًا وهو بخلاف إجارة الذمة فإنه يجوز فيها تأجيل العمل كما في السلم فلو آجر السنة الثانية لمستأجر الأولى قبل انقضائها جاز لاتصال المدتين مع اتحاد المستأجر فهو كما لو آجرهما دفعة واحدة بخلاف ما لو آجرها من غيره لعدم اتحاد المستاجر. وقال الحنفية: إذا قال في شعبان مثلاً آجرتك داري في أول يوم من رمضان جاز مطلقًا لأن العقد يتحدد بحدوث المنافع وهو مذهب المالكية.
2264 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: "وَاسْتَأْجَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلاً مِنْ بَنِي الدِّيلِ هَادِيًا خِرِّيتًا وَهْوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، بِرَاحِلَتَيْهِمَا صُبْحَ ثَلاَثٍ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح الكاف قال: (حدّثنا الليث) بن سعد

الإمام (عن عقيل) بضم العين بن خالد بن عقيل بفتح العين (قال ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (فأخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوام (أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنها (قالت: واستأجر) بواو العطف على قصة مذكورة في الحديث كما نبّه عليه في الباب السابق (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر رجلاً) اسمه عبد الله بن أريقط (من بني الديل) بكسر الدال (هاديًا) يرشد إلى الطريق (خريتًا) بكسر المعجمة وتشديد الراء ماهرًا يهتدي لأخرات المفازة وهي طرقها الخفية ومضايقها وقال الزهري فيما أدرجه في السابقة الماهر بالهداية (وهو على دين كفّار قريش) على أن يدلهما على طريق المدة بعد ثلاث ليالٍ، (فدفعا) أي النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر -رضي الله عنه- (إليه) أي إلى عبد الله بن أريقط (راحلتيهما وواعداه) بألف قبل العين وبعد الدال (غار ثور) بأسفل مكة (بعد ثلاث ليال) زاد في نسخة الميدومي فأتاهما (براحلتيهما صبح ثلاث) نصب على الظرفية والعامل فيه واعداه وكذا العامل في غار ثور، واعترض الإسماعيلي على المصنف بأنه لا مطابقة بين الترجمة والحديث فإنه ليس فيه أنهما استأجراه على أن لا يعمل إلا بعد ثلاث بل الذي فيه أنهما استأجراه وابتدأ في العمل من وقته بتسلمه راحلتيهما منهما يرعاهما ويحفظهما إلى أن يتهيأ لهما الخروج.
وأجيب: بأن الإجارة إنما كانت على الدلالة على الطريق من غير زيادة وأن يحضر لهما راحلتيهما بعد ثلاث ليالٍ عند الغار ثم يخدمهما بما أراداه من الدلالة على الطريق بعد الليالي الثلاث، وقاس المؤلّف على ذلك إذا كان ابتداء العمل بعد شهر أو بعد سنة فقاس الأجل البعيد على الأجل القريب ولم تكن إجارتهما له لخدمة الراحلتين، ويؤيده أن الذي كان يرعاهما عامر بن فهيرة لا الدليل كما في الحديث، وأما من قال ببطلان الإجارة إذا لم يشرع في العمل من وقت الإجارة فيحتاح إلى دليل.

5 - باب الأَجِيرِ فِي الْغَزْوِ
(باب الأجير في الغزو).
2265 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءٌ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَعْلَى عَنْ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَيْشَ الْعُسْرَةِ، فَكَانَ مِنْ أَوْثَقِ أَعْمَالِي فِي نَفْسِي، فَكَانَ لِي أَجِيرٌ، فَقَاتَلَ إِنْسَانًا، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا إِصْبَعَ صَاحِبِهِ، فَانْتَزَعَ إِصْبَعَهُ فَأَنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ فَسَقَطَتْ، فَانْطَلَقَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ وَقَالَ: أَفَيَدَعُ إِصْبَعَهُ فِي فِيكَ تَقْضَمُهَا؟ قَالَ: أَحْسِبُهُ قَالَ: كَمَا يَقْضَمُ الْفَحْلُ".
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر: حدّثني (يعقوب بن إبراهيم) بن كثير الدورقي قال: (حدّثنا إسماعيل ابن علية) بضم العين المهملة وفتح اللام وتشديد التحتية اسم أمه واسم أبيه إبراهيم بن سهم الأسدي قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: أخبرني) بالإفراد

(عطاء) هو ابن أبي رباح (عن صفوان بن يعلى) بفتح الياء وسكون العين وفتح اللام مقصورًا (عن) أبيه (يعلى بن أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية واسم أمه منية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية (-رضي الله عنه-) أنه (قال: غزوت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جيش العسرة) بضم العين وسكون السين المهملتين

(4/129)


هو غزوة تبوك وسمي بالعسرة لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ندب الناس إلى الغزو في شدة القيظ وكان وقت طيب الثمرة فعسر ذلك وشق عليهم وكانت في سنة تسع من الهجرة، (فكان) الغزو (من أوثق أعمالي في نفسي فكان لي أجير) أي يخدمني بأجرة (فقاتل) الأجير (إنسانًا فعضَّ أحدهما إصبع صاحبه) وفي مسلم: العاض هو يعلى بن أمية (فانتزع إصبعه فأندر) بهمزة مفتوحة فنون ساكنة فدال مهملة مفتوحة فراء أي أسقط (ثنيته) بجذبه والثنية مقدم الأسنان والثنايا أربع ثنتان عليا وثنتان سفلى (فسقطت) من فيه (فانطلق) الذي ندرت ثنيته (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأهدر) عليه الصلاة والسلام (ثنيته) فلم يوجب له دية ولا قصاصًا (وقال) عليه الصلاة والسلام له:
(أفيدع) يترك (إصبعه في فيك تقضمها) بفتح الضاد المعجمة على اللغة الفصيحة وماضيه على ما قاله ثعلب بكسرها أي تأكلها بأطراف أسنانك والهمزة في أفيدع للاستفهام الإنكاري (قال) يعلى: (أحسبه) عليه الصلاة والسلام (قال كما يقضم الفحل) الذكر من الإبل ويقضم بفتح الضاد كما مرّ.
2266 - قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ جَدِّهِ بِمِثْلِ هَذِهِ الصِّفَةِ: "أَنَّ رَجُلاً عَضَّ يَدَ رَجُلٍ فَأَنْدَرَ ثَنِيَّتَهُ، فَأَهْدَرَهَا أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه".
(قال ابن جريج) عبد الملك بالإسناد السابق: (وحدّثني) بالإفراد (عبد الله) هو مؤذن ابن الزبير وقاضيه (ابن أبي مليكة) بضم الميم وفتح اللام مصغرًا زهير بن عبد الله بن جدعان القرشي التيمي ونسبه لجده لشهرته به واسم أبيه عبيد الله بالتصغير فهو عبد الله بن عبيد الله بن زهير المكنى بأبي مليكة، وهذا هو الذي اعتمده المزي في التهذيب، وقيل هو عبد الله بن عبد الله بن عبد الله أبي مليكة بن زهير فالمكنى هو عبد الله وأبوه زهير فيكون نسبه إلى جد أبيه، وهذا كما قال في الإصابة المعتمد وعزاه لابن سعد وابن الكلبي وغيرهما (عن جده) الضمير على القول الأول يعود إلى أبي مليكة زهير، وعلى الثاني يعود إلى عبد الله بن زهير.
وقد أخرج الحديث الحاكم أبو أحمد في الكنى عن أبي عاصم عن ابن جريج عن ابن أبي مليكة عن أبيه عن جده عن أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- (بمثل هذه الصفة) بكسر الصاد المهملة وتخفيف الفاء وللأربعة القصة بالقاف المكسورة وتشديد الصاد المهملة (أن رجلاً عض يد رجل فأندر ثنيته) أي أسقطها (فأهدرها أبو بكر) الصديق (-رضي الله عنه-) وفي هذا دليل للشافعية والحنفية حيث قالوا: إذا عض رجل يد غيره فنزع المعضوض يده فسقطت أسنان العاضّ أو فك لحييه لا ضمان عليه، وقال المالكية: يضمن ديتها.

وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الجهاد والمغازي والدّيات، ومسلم في الحدود، وأبو داود في الدّيات، والنسائي في القصاص.

6 - باب مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَبَيَّنَ لَهُ الأَجَلَ، وَلَمْ يُبَيِّنِ الْعَمَلَ
لِقَوْلِهِ: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَىَّ هَاتَيْنِ} -إِلَى قَوْلِهِ- {عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ} يَأْجُرُ فُلاَنًا: يُعْطِيهِ أَجْرًا. وَمِنْهُ فِي التَّعْزِيَةِ: أَجَرَكَ اللَّهُ.
(باب من استأجر) ولأبي ذر: باب بالتنوين إذا استأجر (أجيرًا فبين له الأجل) أي المدة (ولم يبيّن العمل) الذي يعمله له هل يصح ذلك أم لا والذي مال إليه المصنف الجواز (لقوله) تعالى: ({إني أريد أن أنكحك}) أُزوجك ({إحدى ابنتي هاتين} إلى قوله: ({على}) ولأبي ذر والله على ({ما نقول وكيل}) [القصص: 27، 28] شاهد على ما عقدنا واعترضه المهلب بأنه ليس في الآية دليل على جهالة العمل في الإجارة، لأن ذلك كان معلومًا بينهم وإنما حذف ذكره للعلم به. وأجاب ابن المنير: بأن البخاري لم يقصد جواز أن يكون العمل مجهولاً، وإنما أراد أن التنصيص على العمل باللفظ ليس مشروطًا وأن المتبع المقاصد لا الألفاظ، وقد ذهب أكثر العلماء إلى أن ما وقع في النكاح على هذا الصداق خصوصية لموسى عليه الصلاة والسلام لا يجوز لغيره لظهور الغرر في طول المدة، ولأنه قال "إحدى ابنتي هاتين" ولم يعينها. وهذا لا يجوز إلا بالتعيين. وأجاب في الكشاف: بأن ذلك لم يكن عقدًا للنكاح ولكن مواعدة، ولو كان عقدًا لقال قد أنكحتك ولم يقل إني أريد أن أنكحك، وقد اختلف فيما إذا تزوجها على أن يؤجرها نفسه سنة، فقال الشافعي: النكاح جائز على خدمته إذا كان وقتًا معلومًا ويجب عليه عين الخدمة سنة، وقال مالك: يفسخ النكاح إن لم يكن دخل بها فإن دخل ثبت النكاح بمهر

(4/130)


المثل، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: إن كان حرًّا فلها مهر مثلها، وإن كان عبدًا فلها خدمة سنة. وقال محمد: تجب عليه قيمة الخدمة سنة لأنها متقوّمة.
ثم أخذ البخاري يفسر قوله في بقية الآية: {على أن تأجرني} فقال: (يأجر فلانًا) بضم الجيم (يعطيه أجرًا ومنه) أي ومن هذا المعنى قولهم (في التعزية) بالميت: (آجرك الله) بمد الهمزة أي يعطيك أجرك، وهكذا فسره أبو عبيدة في المجاز وزاد يأجرك يثيبك ولم يذكر حديثًا لأنه إنما يقصد بتراجمه بيان المسائل الفقهية واكتفى بالآية على ما أراده هنا فالله تعالى يثيبه، وثبت قوله يأجر فلانًا الخ لأبي ذر عن الكشميهني.

7 - باب إِذَا اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا عَلَى أَنْ يُقِيمَ حَائِطًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ جَازَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا استأجر) أحد (أجيرًا على أن يقيم حائطًا يريد أن ينقض) أي يسقط (جاز).
2267 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنِي يَعْلَى بْنُ مُسْلِمٍ وَعَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ -يَزِيدُ أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ- وَغَيْرُهُمَا قَالَ: قَدْ سَمِعْتُهُ يُحَدِّثُهُ عَنْ سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- حَدَّثَنِي أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فَانْطَلَقَا فَوَجَدَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ» قَالَ سَعِيدٌ بِيَدِهِ هَكَذَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ فَاسْتَقَامَ. قَالَ يَعْلَى حَسِبْتُ أَنَّ سَعِيدًا قَالَ: فَمَسَحَهُ بِيَدِهِ فَاسْتَقَامَ {لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا} قَالَ سَعِيدٌ: أَجْرًا نَأْكُلُهُ".
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني ({براهيم بن موسى) بن يزيد الفرّاء الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) أبو عبد الرحمن قاضي اليمن (أن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (يعلى بن مسلم) أي ابن هرمز (وعمرو بن دينار) المكي أبو محمد الأثرم الجمحي كلاهما (عن سعيد بن جبير) الأسدي الكوفي (يزيد أحدهما) أي يعلى أو عمرو (على صاحبه) واستشكل قوله: يزيد أحدهما على صاحبه فإنه يلزم من زيادة أحدهما على صاحبه نوع محال، وهو أن يكون الشيء مزيدًا ومزيدًا عليه. وأجاب الكرماني: بأنه أراد بأحدهما واحدًا معينًا منهما وحينئذٍ فلا إشكال، وإن أراد كل واحد منهما فمعناه أنه يزيد شيئًا لم يزده الآخر فهو مزيد باعتبار شيء ومزيد عليه باعتبار شيء آخر (وغيرهما) أي قال ابن جريج وأخبرني أيضًا غير يعلى وعمرو:
(قال) ابن جريج (قد سمعته) أي الغير (يحدّثه) أي الحديث (عن سعيد) هو ابن جبير (قال لي ابن عباس -رضي الله عنهما-: حدّثني) بالإفراد (أُبيّ بن كعب) الأنصاري الخزرجي سيد القراء -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حديث قصة موسى مع الخضر المسوق بتمامه في التفسير وسبق في كتاب العلم في ذهاب موسى في البحر إلى الخضر.
(فانطلقا) موسى والخضر (فوجدا جدارًا يريد أن ينقض) تدانى أن يسقط فاستعيرت الإرادة للمشارفة. (قال سعيد) هو ابن جبير أشار الخضر (بيده) إلى الجدار (هكذا ورفع) أي الخضر (يديه) بالتثنية إلى الجدار ومسحه (فاستقام) ولأبوي ذر والوقت: يده بالإفراد. (قال يعلى) بن مسلم (حسبت أن سعيدًا قال فمسحه) أي مسح الخضر الجدار (بيده فاستقام) وهذا ما زاده يعلى على عمرو في ذلك قال موسى للخضر (لو شئت لاتخذت عليه) بتشديد الفوقية وفتح الخاء المعجمة (أجرًا) تحريضًا على أخذ الجعل ليتعشيا به أو تعريضًا بأنه فضول لما في لو من النفي كأنه لما رأى الحرمان ومساس الحاجة واشتغاله بما لا يعنيه لم يتمالك نفسه. (قال سعيد) أي ابن جبير (أجرًا نأكله) ولأبي ذر أجر بالرفع بتقدير هو، وإنما يتم الاستدلال بهذه القصة لما ترجم له إذ قلنا إن شرع من قبلنا شرع لنا لقول موسى "لو شئت لاتخذت عليه أجرًا" لو شارطت على عمله بأجرة معينة لنفعنا ذلك.

8 - باب الإِجَارَةِ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ
(باب) حكم (الإجارة) من أول النهار (إلى نصف النهار).
2268 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُكُمْ وَمَثَلُ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ أُجَرَاءَ فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ غُدْوَةَ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ: ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ عَلَى قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ النَّصَارَى. ثُمَّ قَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي مِنَ الْعَصْرِ إِلَى أَنْ تَغِيبَ الشَّمْسُ عَلَى قِيرَاطَيْنِ؟ فَأَنْتُمْ هُمْ. فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالُوا: مَا لَنَا أَكْثَرَ عَمَلاً وَأَقَلَّ عَطَاءً؟ قَالَ: هَلْ نَقَصْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ؟ قَالُوا: لاَ. قَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الأزدي الواشحي بمعجمة فمهملة البصري قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد بن درهم (عن أيوب) السختياني (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(مثلكم) مع نبيكم (ومثل أهل الكتابين) التوراة والإنجيل مع أنبيائهم (كمثل رجل استأجر أُجراء) بضم الهمزة وفتح الراء على الجمع فالمثل مضروب للأمة مع نبيهم والممثل به الأُجراء مع من استأجرهم (فقال من يعمل لي من غدوة) بضم الغين المعجمة (إلى نصف النهار على قيراط) زاد في رواية عبد الله بن دينار قيراط قيراط وهو المراد (فعملت اليهود) زاد ابن دينار على قيراط قيراط (ثم قال من يعمل لي من نصف النهار إلى صلاة العصر) أول وقت دخولها أو أول الشروع فيها (على قيراط) قيراط (فعملت النصارى) على قيراط قيراط

(4/131)


(ثم قال من يعمل لي من العصر إلى أن تغيب الشمس على قيراطين) قيراطين (فأنتم هم فغضبت اليهود والنصارى) أي الكفار منهم (فقالوا) وفي التوحيد فقال أهل التوراة: (ما لنا أكثر عملاً) ممن عمل من العصر إلى الغروب (وأقل عطاء) منهم لأن الوقت من الصبح إلى الظهر أكبر وأكثر وأقل بالنصب على الحال كقوله تعالى: {فما لهم عن التذكرة معرضين} [المدثر: 49] أو خبر كان أي ما لنا كنّا أكثر وما لنا كنا أقل، وفي الفرع بالرفع فيهما خبر مبتدأ محذوف أي ما لنا نحن أكثر وما لنا نحن أقل وعملاً نصب على التمييز (قال) الله تعالى: (هل نقصتكم من حقكم) زاد في الرواية الآتية شيئًا (قالوا لا) لم تنقصنا (قال فذلك فضلي أُوتيه من أشاء) من عبادي وأراد المصنف -رحمه الله- بهذا إثبات صحة الإجارة بأجر معلوم إلى أجل معلوم من جهة ضرب الشارع المثل بذلك.

9 - باب الإِجَارَةِ إِلَى صَلاَةِ الْعَصْرِ
(باب الإجارة إلى صلاة العصر).

2269 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّمَا مَثَلُكُمْ وَالْيَهُودُ وَالنَّصَارَى كَرَجُلٍ اسْتَعْمَلَ عُمَّالاً فَقَالَ: مَنْ يَعْمَلُ لِي إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ؟ فَعَمِلَتِ الْيَهُودُ عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ ثُمَّ عَمِلَتِ النَّصَارَى عَلَى قِيرَاطٍ قِيرَاطٍ، ثُمَّ أَنْتُمُ الَّذِينَ تَعْمَلُونَ مِنْ صَلاَةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغَارِبِ الشَّمْسِ عَلَى قِيرَاطَيْنِ قِيرَاطَيْنِ. فَغَضِبَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى وَقَالُوا: نَحْنُ أَكْثَرُ عَمَلاً وَأَقَلُّ عَطَاءً، قَالَ: هَلْ ظَلَمْتُكُمْ مِنْ حَقِّكُمْ شَيْئًا؟ قَالُوا: لاَ. فَقَالَ: فَذَلِكَ فَضْلِي أُوتِيهِ مَنْ أَشَاءُ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي أُويس) واسمه عبد الله بن عبد الله بن أويس بن أبي عامر الأصبحي أبو عبد الله ابن أُخت الإمام مالك (قال: حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار مولى عبد الله بن عمر عن) مولاه (عبد الله به عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(إنما مثلكم) مع نبيكم (واليهود والنصارى) مع أنبيائهم بالخفض عطفًا على الضمير المخفوض في مثلكم بدون إعادة الجار وهو ممنوع عند البصريين إلا يونس وقطربا والأخفش وجوّزه الكوفيون قاطبة، والحديث مما يشهد لهم ويجوز الرفع وكلاهما في اليونينية والتقدير ومثل اليهود على حذف المضاف وإعطاء المضاف إليه إعرابه، ونقل الحافظ ابن حجر وجدانه مضبوطًا بالنصب في أصل أبي ذر ووجهه على إرادة المعية (كرجل استعمل عمالاً فقال من يعمل لي) أي من أول النهار (إلى نصف النهار على قيراط قيراط) مرتين. (فعملت اليهود) أي إلى نصف النهار (على قيراط قيراط) مرتين أيضًا. قال الطيبي: هذه حالة من حالات المشبه أدخلها في حالات المشبه به وجعلت من حالاته اختصارًا إذ الأصل قال الرجل من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط قيراط فعمل قوم إلى نصف النهار إلى آخره كذلك قال الله تعالى للأمم: من يعمل لي إلى نصف النهار على قيراط فعملت اليهود إلى آخره ونظيره قوله تعالى: {كمثل الذي استوقد نارًا} إلى قوله: {ذهب الله بنورهم} [البقرة: 17] فقوله ذهب الله بنورهم وصف للمنافقين وضع موضع وصف المستوقد اختصارًا.
(ثم عملت النصارى) أي ثم قال من يعمل لي إلى صلاة العصر على قيراط فعملت النصارى (على قيراط قيراط ثم أنتم الذين تعملون من صلاة العصر إلى مغارب الشمس) بلفظ الجمع كما في رواية مالك ولعله باعتبار الأزمنة المتعددة باعتبار الطوائف المختلفة الأزمنة (على قيراطين قيراطين فغضبت اليهود والنصارى وقالوا: نحن أكثر عملاً) أي باعتبار مجموع عمل الطائفتين (وأقل عطاء قال) الله تعالى: (هل ظلمتكم) أي نقصتكم كما في رواية نافع في الباب السابق وإنما لم يكن ظلمًا لأنه تعالى شرط معهم شرطًا وقبلوا أن يعملوا به (من حقكم شيئًا؟ قالوا: لا. فقال) تعالى ولأبي ذر

قال: (فذلك فضلي أُوتيه من أشاء). قال الطيبي: وما ذكر من المقاولة والمكالمة لعله تخييل وتصوير ولم يكن حقيقة لأنه لم يكن ثمة اللهم إلا أن يحمل ذلك على حصوله عند إخراج الذر فيكون حقيقة.

10 - باب إِثْمِ مَنْ مَنَعَ أَجْرَ الأَجِيرِ
(باب إثم من منع أجر الأجير).
2270 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُحَمَّدٍ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِهِ أَجْرَهُ».
وبه قال: (حدّثنا يوسف بن محمد) العصفري الخراساني نزيل البصرة قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن سليم) بضم السين وفتح اللام الطائفي نزيل مكة صدوق سيئ الحفظ ولم يخرّج له المؤلّف سوى هذا الحديث وله أصل عنده من غير هذا الوجه واحتج به الباقون (عن إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاصي الأموي (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(قال الله تعالى ثلاثة) من الناس (أنا خصمهم يوم

(4/132)


القيامة رجل أعطى بي) أي أعطى العهد باسمي (ثم غدر) أي نقض العهد (ورجل باع حرًّا) عالمًا متعمدًا (فأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه) العمل (ولم يعطه أجره).
وهذا الحديث سبق في كتاب البيع في باب إثم من باع حرًّا.

11 - باب الإِجَارَةِ مِنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ
(باب الإجارة من العصر) من أول وقته (إلى) أول دخول (الليل).
2271 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَثَلُ الْمُسْلِمِينَ وَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى كَمَثَلِ رَجُلٍ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَعْمَلُونَ لَهُ عَمَلاً يَوْمًا إِلَى اللَّيْلِ عَلَى أَجْرٍ مَعْلُومٍ، فَعَمِلُوا لَهُ إِلَى نِصْفِ النَّهَارِ، فَقَالُوا: لاَ حَاجَةَ لَنَا إِلَى أَجْرِكَ الَّذِي شَرَطْتَ لَنَا وَمَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ. فَقَالَ لَهُمْ: لاَ تَفْعَلُوا، أَكْمِلُوا بَقِيَّةَ عَمَلِكُمْ وَخُذُوا أَجْرَكُمْ كَامِلاً، فَأَبَوْا وَتَرَكُوا، وَاسْتَأْجَرَ أَجِيرَيْنِ بَعْدَهُمْ فَقَالَ: أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ يَوْمِكُمَ هَذَا وَلَكُمَا الَّذِي شَرَطْتُ لَهُمْ مِنَ الأَجْرِ فَعَمِلُوا، حَتَّى إِذَا كَانَ حِينُ صَلاَةِ الْعَصْرِ قَالوا: لَكَ مَا عَمِلْنَا بَاطِلٌ، وَلَكَ الأَجْرُ

الَّذِي جَعَلْتَ لَنَا فِيهِ. فَقَالَ لَهُم: أَكْمِلاَ بَقِيَّةَ عَمَلِكُمَا فَإِنَّ مَا بَقِيَ مِنَ النَّهَارِ شَىْءٌ يَسِيرٌ، فَأَبَوا، وَاسْتَأْجَرَ قَوْمًا أَنْ يَعْمَلُوا لَهُ بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ، فَعَمِلُوا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمْ حَتَّى غَابَتِ الشَّمْسُ، وَاسْتَكْمَلُوا أَجْرَ الْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا، فَذَلِكَ مَثَلُهُمْ وَمَثَلُ مَا قَبِلُوا مِنْ هَذَا النُّورِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بفتح العين والمد أبو كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم الموحدة وفتح الراء وسكون التحتية (عن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(مثل المسلمين واليهود والنصارى كمثل رجل استأجر قومًا) هم اليهود وهو من باب القلب أي كمثل قوم استأجرهم رجل أو هو من باب تشبيه المركب بالمركب لا تشبيه المفرد بالمفرد فلا اعتبار إلا بالمجموعين إذ التقدير مثل الشارع معكم كمثل رجل مع آخر (يعملون له عملاً يومًا إلى الليل على أجر معلوم) أي على قيراطين (فعملوا له إلى نصف النهار فقالوا: لا حاجة لنا إلى أجرك الذي شرطت لنا) إشارة إلى أنهم كفروا وتولوا واستغنى الله عنهم وهذا من إطلاق القول وإرادة لازمه ترك العمل المعبر به عن ترك الإيمان (وما عملنا باطل) إشارة إلى إحباط عملهم بكفرهم بعيسى إذ لا ينفعهم الإيمان بموسى وحده بعد بعثة عيسى (فقال لهم: لا تفعلوا) إبطال وترك الأجر المشروط (أكملوا) وللأبوين فقال أكملوا (بقية عملكم وخذوا أجركم كاملاً فأبوا وتركوا واستأجروا آخرين) بخاء معجمة فراء مكسورة وهم النصارى (بعدهم فقال) لهم (أكملوا بقية يومكم هذا ولكم الذي شرطت لهم) أي لليهود (من الأجر) وهو القيراطان (فعملوا حتى إذا كان حين صلاة العصر) بنصب حين على أنه خبر كان الناقصة واسمها ضمير مستتر فيها يعود على انتهاء عملهم المفهوم من السياق وبالرفع على أنه فاعل كان التامة (قالوا: لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه) فكفروا وتولوا وحبط عملهم كاليهود (فقال لهم: أكملوا بقية عملكم فإن ما بقي من النهار شيء يسير) بالنسبة لما مضى منه، والمراد ما بقي من الدنيا (فأبوا) أن يعملوا وتركوا أجرهم، وفي رواية غير أبوي ذر والوقت: واستأجر أجيرين بجيم مكسورة فمثناة تحتية ساكنة فراء مفتوحة على التثنية فقال لهما أكملا بقية يومكما هذا ولكما الذي شرطت لهم من الأجر فعملا حتى إذا كان حين صلاة العصر قالا لك ما عملنا باطل ولك الأجر الذي جعلت لنا فيه فقال لهما أكملا بقية عملكما فإن ما بقي من النهار شيء يسير فأبيا.
وفي حديث ابن عمر السابق أنه استأجر اليهود من أول النهار إلى نصفه والنصارى منه إلى العصر فبين الحديثين مغايرة.

وأجيب: بأن ذلك بالنسبة إلى من عجز عن الإيمان بالموت قبل ظهور دين آخر، وهذا بالنسبة إلى من أدرك دين الإسلام ولم يؤمن به والظاهر أنهما قضيتان، وقد قال ابن رشيد ما حاصله: إن حديث ابن عمر سيق مثالاً لأهل الأعذار لقوله فعجزوا فأشار إلى أن من عجز عن استيفاء العمل من غير أن يكون له صنيع في ذلك أن الأجر يحصل له تامًّا بفضل الله قال: وذكر حديث أبي موسى مثالاً لمن أخّر لغير عذر وإلى ذلك الإشارة بقوله عنهم لا حاجة لنا إلى أجرك فأشار بذلك إلى أن من أخّر عامدًا لا يحصل له ما حصل لأهل الأعذار انتهى.
ووقع في رواية سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه الماضية في باب من أدرك ركعة من العصر الآتية إن شاء الله تعالى في التوحيد ما يوافق رواية أبي موسى ولفظها: فعملوا حتى إذا انتصف النهار عجزوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا، وقال في أهل الإنجيل؛ فعملوا إلى صلاة العصر ثم عجزوا فأعطوا قيراطًا قيراطًا فهو يدل على أن مبلغ الأجرة لليهود لعمل النهار كله قيراطان، وأجر النصارى للنصف الباقي قيراطان فلما عجزوا عن العمل قبل تمامه لم يصيبوا إلا قدر عملهم وهو قيراط.
(واستأجر) بالواو ولأبي ذر: فاستأجر بالفاء (قومًا) هم المسلمون (أن يعملوا له بقية يومهم

(4/133)


فعملوا بقية يومهم حتى غابت الشمس واستكملوا أجر الفريقين) اليهود والنصارى (كليهما) بإيمانهم بالأنبياء الثلاثة محمد وموسى وعيسى صلوات الله وسلامه عليهم وحكى السفاقسي أن في روايته كلاهما بالألف وهو على لغة من يجعل المثنى في الأحوال الثلاثة بالألف (فذلك مثلهم) أي المسلمين (ومثل ما قبلوا من هذا النور) المحمدي وللإسماعيلي فذلك مثل المسلمين الذين قبلوا هدى الله وما جاء به رسوله ومثل اليهود والنصارى تركوا ما أمرهم الله به، واستدلّ به على أن بقاء هذه الأمة يزيد على الألف لأنه يقتضي أن مدة اليهود نظير مدتي النصارى والمسلمين، وقد اتفق أهل النقل على أن مدة اليهود إلى البعثة المحمدية كانت أكثر من ألفي سنة ومدة النصارى من ذلك ستمائة سنة وقيل أقل فتكون مدة المسلمين أكثر من ألف سنة قطعًا قاله في الفتح.

12 - باب مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَتَرَكَ أَجْرَهُ، فَعَمِلَ فِيهِ الْمُسْتَأْجِرُ فَزَادَ أَوْ مَنْ عَمِلَ فِي مَالِ غَيْرِهِ فَاسْتَفْضَلَ
(باب من استأجر أجيرًا فترك أجره) وللكشميهني فترك الأجير أجره (فعمل فيه المستأجر) بالتجارة والزراعة (فزاد) فيه أي ربح (أو من) وفي بعض النسخ ومن (عمل في مال غيره فاستفضل) بالضاد المعجمة أي أفضل وليست السين للطلب وهو من باب عطف العام على الخاص.
2272 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «انْطَلَقَ ثَلاَثَةُ رَهْطٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَتَّى أَوَوُا الْمَبِيتَ إِلَى غَارٍ فَدَخَلُوهُ، فَانْحَدَرَتْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَسَدَّتْ عَلَيْهِمُ الْغَارَ،
فَقَالُوا: إِنَّهُ لاَ يُنْجِيكُمْ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ إِلاَّ أَنْ تَدْعُوا اللَّهَ بِصَالِحِ أَعْمَالِكُمْ. فَقَالَ رَجُلٌ مِنْهُمُ: اللَّهُمَّ كَانَ لِي أَبَوَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ، وَكُنْتُ لاَ أَغْبِقُ قَبْلَهُمَا أَهْلاً وَلاَ مَالاً، فَنَأَى بِي فِي طَلَبِ شَىْءٍ يَوْمًا فَلَمْ أُرِحْ عَلَيْهِمَا حَتَّى نَامَا، فَحَلَبْتُ لَهُمَا غَبُوقَهُمَا فَوَجَدْتُهُمَا نَائِمَيْنِ، وَكَرِهْتُ أَنْ أَغْبِقَ قَبْلَهُمَا أَهْلاً أَوْ مَالاً، فَلَبِثْتُ وَالْقَدَحُ عَلَى يَدَىَّ أَنْتَظِرُ اسْتِيقَاظَهُمَا حَتَّى بَرَقَ الْفَجْرُ، فَاسْتَيْقَظَا، فَشَرِبَا غَبُوقَهُمَا. اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَفَرِّجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ هَذِهِ الصَّخْرَةِ، فَانْفَرَجَتْ شَيْئًا لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَقَالَ الآخَرُ: اللَّهُمَّ كَانَتْ لِي بِنْتُ عَمٍّ كَانَتْ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَىَّ، فَأَرَدْتُهَا عَنْ نَفْسِهَا فَامْتَنَعَتْ مِنِّي، حَتَّى أَلَمَّتْ بِهَا سَنَةٌ مِنَ السِّنِينَ فَجَاءَتْنِي فَأَعْطَيْتُهَا عِشْرِينَ وَمِائَةَ دِينَارٍ عَلَى أَنْ تُخَلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهَا، فَفَعَلَتْ، حَتَّى إِذَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا قَالَتْ: لاَ أُحِلُّ لَكَ أَنْ تَفُضَّ الْخَاتَمَ إِلاَّ بِحَقِّهِ، فَتَحَرَّجْتُ مِنَ الْوُقُوعِ عَلَيْهَا، فَانْصَرَفْتُ عَنْهَا وَهْيَ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ، وَتَرَكْتُ الذَّهَبَ الَّذِي أَعْطَيْتُهَا، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ، فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، غَيْرَ أَنَّهُمْ لاَ يَسْتَطِيعُونَ الْخُرُوجَ مِنْهَا. قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وَقَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ، غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَىَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ مِنَ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالرَّقِيقِ. فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَسْتَهْزِئْ بِي. فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ فَاسْتَاقَهُ فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا. اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ".
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(انطلق ثلاثة رهط) قال الجوهري والرهط ما دون العشرة من الرجال لا يكون فيهم امرأة قال تعالى: {وكان في المدينة تسعة رهط} [النمل: 48] فجمع وليس له واحد من لفظه مثل ذود (ممن كان قبلكم حتى أووا المبيت) بقصر الهمزة كرموا والمبيت موضع البيتوتة (إلى غار) كهف في جبل (فدخلوه فانحدرت) هبطت (صخرة من الجبل فسدّت عليهم الغار فقالوا إنه لا ينجيكم) بضم الياء من الإنجاء أي لا يخلصكم (من هذه الصخرة إلا أن تدعوا الله بصالح أعمالكم) بسكون واو تدعوا وأصله تدعون فسقطت النون لدخول أن. (فقال) بالفاء ولأبي الوقت قال (رجل منهم: اللهم كان لي أبوان شيخان كبيران) هو من باب التغليب إذ المراد الأب والأم (وكنت لا أغبق قبلهما) بفتح الهمزة وإسكان الغين المعجمة وكسر الموحدة آخره قاف من الثلاثي كذا في الفرع فى نسخة أغبق بضم الموحدة وللأصيلي كما في الفتح أغبق بضم الهمزة من الرباعي وخطؤوه والغبوق شرب العشي

أي ما كنت أقدّم عليهما في شرب نصيبهما من اللبن (أهلاً) أقارب (ولا مالاً) رقيقًا (فنأى) كسعى أي بعد (بي) ولكريمة والأصيلي كما في الفتح فناء بمد بعد النون بوزن جاء وهو بمعنى الأول (في طلب شيء) بعد (يومًا فلم أرح) بضم الهمزة وكسر الراء من أراح رباعيًّا أي لم أرجع (عليهما) أي على أبويّ (حتى ناما فحلبت) وللحموي والمستملي فحملت بالميم (لهما غبوقهما فوجدتهما نائمين وكرهت) بالواو ولأبوي ذر والوقت: فكرهت (أن أغبق قبلهما أهلاً أو مالاً فلبثت والقدح) أي والحال أن القدح (على يدي) بتشديد آخره على التثنية (أنتظر استيقاظهما حتى برق الفجر) بفتح الراء أي ظهر ضياؤه (فاستيقظا فشربا غبوقهما اللهم وإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك ففرّج عنا ما نحن فيه من هذه الصخرة) بفاءين مفتوحتين فراء مكسورة مشدّدة (فانفرجت شيئًا لا يستطيعون الخروج) منه.
(قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال الآخر اللهم كانت لي بنت عم كانت أحب الناس إليّ فأردتها عن نفسها) أي بسبب نفسها أو من جهتها وللحموي والمستملي: على نفسها أي مستعلية عليها وهو كناية عن طلب الجماع (فامتنعت مني حتى ألمت) بتشديد الميم وللكشميهني ألممت أي نزلت (بها سنة من السنين) المقحطة فأحوجتها (فجاءتني فأعطيتها عشرين ومائة دينار) وفي البيوع مائة دينار والتخصيص بالعدد لا ينافي الزيادة أو المائة كانت بالتماسها والعشرين تبرّعًا منه كرامة لها (على أن تخلي بيني وبين نفسها ففعلت)

(4/134)


ذلك (حتى إذا قدرت عليها) وفي الرواية السابقة فلما قعدت بين رجليها (قالت لا أحلّ لك) بفتح الهمزة فى اليونينية وفي غيرها أحل بضمها من الإحلال (أن تفضّ الخاتم إلا بحقه) أي لا يحل لك إزاله البكارة إلا بالحلال وهو النكاح الشرعي المسوّغ للوطء (فتحرجت) أي تجنبت واحترزت من الإثم الناشئ (من الوقوع عليها) بغير حق (فانصرفت عنها وهي أحب الناس إليّ وتركت الذهب الذي أعطيتها) قال العيني وفي رواية أبي ذر: التي أعطيتها والذهب يذكّر ويؤنّث (اللهم وإن كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج) بهمزة وصل وضم الراء (عنّا ما نحن فيه) أي من هذه الصخرة وقول الزركشي إنه في البخاري بقطع الهمزة وكسر الراء أي اكشف وفي رواية غير البخاري بهمزة وصل وضم الراء لم أره فيما وقفت عليه من نسخ البخاري المعتمدة كما قال بل في كلها بهمزة الوصل فالله أعلم (فانفرجت الصخرة غير أنهم لا يستطيعون الخروج منها).
(قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: وقال الثالث اللهم إني استأجرت أُجراء) بضم الهمزة وفتح الجم والراء جمع أجير وسقط لفظ إني لأبي الوقت (فأعطيتهم أجرهم) بفتح الهمزة وسكون الجيم (غير رجل واحد) منهم (ترك) أجره (الذي له وذهب فثمرت) أي كثّرت (أجره حتى كثرت منه الأموال فجاءني بعد حين فقال يا عبد الله أدّي إليّ أجري) بياء ثابتة بعد الدال والصواب حذفها (فقلت له كل ما ترى) برفع كل والخبر قوله (من أجرك) وللكشميهني من أجلك باللام بدل الراء (من الإبل والبقر والغنم والرقيق) بيان لقوله ما ترى ولا منافاة بين قوله في السابقة بقرًا وراعيها (فقال يا عبد الله لا تستهزئ بي) بسكون الهمزة مجزومًا على الأمر (فقلت) له (إني لا أستهزئ بك فأخذه كله فاستاقه

فلم يترك منه شيئًا اللهم فإن) بالفاء قبل الهمزة (كنت فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنّا) بالوصل وضم الراء (ما نحن فيه) أي من هذه الصخرة (فانفرجت الصخرة فخرجوا) من الغار (يمشون) وقد تعقب المهلب المصنف بأنه ليس في الحديث دليل لما ترجم له فإن الرجل إنما اتّجر في أجر أجيره ثم أعطاه له على سبيل التبرع فإنه إنما كان يلزمه قدر العمل خاصة.
وهذا الحديث قد سبق في كتاب البيوع وتأتي بقية مباحثه في أواخر أحاديث الأنبياء إن شاء الله تعالى بعون الله ومنّته.

13 - باب مَنْ آجَرَ نَفْسَهُ لِيَحْمِلَ عَلَى ظَهْرِهِ، ثُمَّ تَصَدَّقَ بِهِ، وَأُجْرَةِ الْحَمَّالِ
(باب من آجر نفسه) لغيره (ليحمل) له متاعه (على ظهره ثم تصدق به) أي بأجره وللكشميهني: ثم تصدق منه (و) باب (أجرة الحمال) بالحاء المهملة، ولأبى ذر: وأجر بغير هاء.
2273 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ القُرَشيّ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَمَرَ بِالصَّدَقَةِ انْطَلَقَ أَحَدُنَا إِلَى السُّوقِ فَيُحَامِلُ، فَيُصِيبُ الْمُدَّ، وَإِنَّ لِبَعْضِهِمْ لَمِائَةَ أَلْفٍ. قَالَ: مَا نُرَاهُ إِلاَّ نَفْسَهُ".
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (سعيد بن يحيى بن سعيد) أي ابن أبان بن سعيد بن العاصي الأموي (القرشي) البغدادي وسقط لغير أبي ذر القرشي قال: (حدّثنا أبي) يحيى بن سعيد قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن شقيق) أبي وائل (عن أبي مسعود) عقبة بن عامر (الأنصاري) البدري (-رضي الله عنه-) أنه (قال):
(كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أمر بالصدقة) ولأبي ذر: إذا أمرنا بالصدقة (انطلق أحدنا) لما يسمعه من الأجر الجزيل فيها (إلى السوق فيحامل) بضم التحتية وكسر الميم من باب المفاعلة الكائنة من اثنين أي يعمل صنعة الحمالين فيحمل ويأخذ الأجرة من الآخر ليكتسب ما يتصدق به (فيصيب المد) من الطعام أجرة عما حمله وعند النسائي من طريق منصور عن أبي وائل ينطلق أحدنا إلى السوق فيحمل على ظهره (وإن لبعضهم) أي اليوم (لمائة ألف) من الدنانير أو الدراهم واللام للتأكيد وهي ابتدائية لدخولها على اسم أن وتقدم الخبر زاد النسائي وما كان له يومئذ درهم أي في اليوم الذي كان يحمل فيه بالأجرة لأنهم كانوا فقراء حينئذ واليوم هم أغنياء.
(قال) أبو وائل (ما نراه) بفتح النون وضمها أي ما أظن أبا مسعود عقبة بن عامر أراد بذلك البعض (إلا نفسه) وفي نسخة بالفرع وأصله ما نراه يعني إلا نفسه.
وهذا الحديث سبق في باب اتقوا النار ولو بشق تمرة من كتاب الزكاة.

14 - باب أَجْرِ السَّمْسَرَةِ
وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا.
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لاَ بَأْسَ أَنْ يَقُولَ بِعْ هَذَا الثَّوْبَ، فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ.
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ: إِذَا قَالَ بِعْهُ بِكَذَا، فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهْوَ لَكَ أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ، فَلاَ بَأْسَ بِهِ.
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ».
(باب) حكم (أجر السمسرة) بفتح السينين المهملتين

(4/135)


بينهما ميم ساكنة أي الدلالة (ولم ير ابن سيرين) محمد (وعطاء) هو ابن أبي رباح (وإبراهيم) النخعي فيما وصله ابن أبي شيبة عنهم (والحسن) البصري (بأجر السمسار بأسًا. وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله ابن أبي شيبة (لا بأس أن يقول) للسمسار (بع هذا الثوب فما زاد على كذا وكذا فهو لك) وهذه أجرة سمسرة أيضًا لكنها مجهولة ولذلك لم يجزها الجمهور بل قالوا: إن باع على ذلك فله أجر مثله. (وقال ابن سيرين) محمد مما وصله ابن أبي شيبة أيضًا: (إذا قال بعه بكذا فما كان من ربح فهو لك) ولأبوي ذر والوقت: فلك (أو بيني وبينك فلا بأس به) وهذا أشبه بصورة المقارض من السمسار. (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: المسلمون عند شروطهم) أي الجائزة شرعًا وهذا روي من حديث عمرو بن عوف المزني عند إسحاق في مسنده ومن حديث أبي هريرة عند أحمد وأبي داود والحاكم.
2274 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ ابْنِ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُتَلَقَّى الرُّكْبَانُ، وَلاَ يَبِيعَ حَاضِرٌ لِبَادٍ. قُلْتُ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ: مَا قَوْلُهُ لاَ يَبِيعُ حَاضِرٌ لِبَادٍ؟ قَالَ: لاَ يَكُونُ لَهُ سِمْسَارًا".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد (عن ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يتلقى) بضم التحتية وفي بعض النسخ فوقية مبنيًا للمفعول (الركبان) بالرفع نائب عن الفاعل (ولا يبيع) بالنصب على أن لا زائدة (حاضر لبادٍ). قال طاوس (قلت يا ابن عباس ما قوله) أي: ما معنى قوله إلا يبيع حاضر لبادٍ؟ قال: لا يكون له سمسارًا).
وهذا موضع الترجمة فإن مفهومه جواز أن يكون سمسارًا في بيع الحاضر لكن شرط الجمهور أن تكون الأجرة معلومة.
وهذا الحديث سبق في باب النهي عن تلقي الركبان في كتاب البيوع.

15 - باب هَلْ يُؤَاجِرُ الرَّجُلُ نَفْسَهُ مِنْ مُشْرِكٍ فِي أَرْضِ الْحَرْبِ؟
هذا (باب) بالتنوين (هل يؤاجر الرجل) المسلم (نفسه من مشرك في أرض الحرب) وهي دار الكفر.
2275 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ مُسْلِمٍ عَنْ مَسْرُوقٍ حَدَّثَنَا خَبَّابٌ قَالَ: "كُنْتُ رَجُلاً قَيْنًا، فَعَمِلْتُ لِلْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ، فَاجْتَمَعَ لِي عِنْدَهُ، فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: لاَ وَاللَّهِ لاَ أَقْضِيكَ حَتَّى تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ: أَمَا وَاللَّهِ حَتَّى تَمُوتَ ثُمَّ تُبْعَثَ فَلاَ. قَالَ: وَإِنِّي لَمَيِّتٌ ثُمَّ مَبْعُوثٌ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهُ سَيَكُونُ لِي ثَمَّ مَالٌ وَوَلَدٌ، فَأَقْضِيكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {أَفَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً وَوَلَدًا}.
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث بن طلق النخعي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (عن مسلم) هو ابن صبيح بضم الصاد مصغرًا أبي الضحى (عن مسروق) هو ابن الأجدع قال: (حدّثنا خباب) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى ابن الأرت التميمي من السابقين إلى الإسلام (-رضي الله عنه- قال: كنت رجلاً قينًا) بفتح القاف وسكون التحتية حدادًا (فعملت) أي سيفًا (للعاصي بن وائل) السهمي والد عمرو بن العاصي الصحابيّ المشهور وكان له قدر في الجاهلية ولكنه لم يوفق للإسلام وكان عمله ذلك له بمكة وهي إذ ذاك دار حرب وخباب مسلم، (فاجتمع لي عنده) زاد الإمام أحمد بن دراهم (فأتيته أتقاضاه) أي أطلب الدراهم أجرة عمل السيف (فقال) أي العاص: (لا والله لا أقضيك حتى تكفر بمحمد. فقلت: أما) بتخفيف الميم حرف تنبيه (والله) لا أكفر (حتى تموت ثم تبعث) مفهومه غير مراد لأن الكفر لا يتصوّر بعد
البعث فكأنه قال: لا أكفر أبدًا (فلا) أي فلا أكفر والفاء لا تدخل في جواب القسم فهو مفسّر للمقدّر الذي حذقه. قال الكرماني: ويروى أما بالتشديد وتقديره أما أنا فلا أكفر والله وأما غيري فلا أعلم حاله (قال) العاصي: (وإني) بحذف همزة الاستفهام والتقدير أو أني (لميت ثم مبعوث)؟ قال خباب: (قلت) له (نعم. قال: فإنه سيكون لي ثم) بفتح المثلثة أي هناك (مال وولد فأقضيك) حقك (فأنزل الله {أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالاً وولدًا} [مريم: 77].
وموضع الترجمة منه قوله: فعملت الخ ... ووجه الدلالة أن العاصي كان مشركًا وكان خباب إذ ذاك مسلمًا ومكة حينئذ دار حرب، واطّلع عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأقرّه، لكن يحتمل أن يكون الجواز مقيدًا بالضرورة وقبل الإذن بقتال المشركين والأمر بعدم إذلال المؤمن نفسه. قال ابن المنير: والذي استقرت عليه المذاهب أن الصناع في حوانيتهم كالقين والخياط ونحوهما يجوز أن تعمل لأهل الذمة ولا يعدّ ذلك ذلّة بخلاف خدمته في منزله وبطريق التبعية له كالمكاري والبلان في الحمام ونحو ذلك.

وهذا الحديث سبق في باب ذكر

(4/136)


القين والحدّاد من كتاب البيع ويأتي إن شاء الله تعالى في تفسير سورة مريم.

16 - باب مَا يُعْطَى فِي الرُّقْيَةِ عَلَى أَحْيَاءِ الْعَرَبِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَحَقُّ مَا أَخَذْتُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا كِتَابُ اللَّهِ».
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: لاَ يَشْتَرِطُ الْمُعَلِّمُ، إِلاَّ أَنْ يُعْطَى شَيْئًا فَلْيَقْبَلْهُ. وَقَالَ الْحَكَمُ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا كَرِهَ أَجْرَ الْمُعَلِّمِ وَأَعْطَى الْحَسَنُ دَرَاهِمَ عَشَرَةً. وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ بِأَجْرِ الْقَسَّامِ بَأْسًا.
وَقَالَ: كَانَ يُقَالُ السُّحْتُ الرِّشْوَةُ فِي الْحُكْمِ، وَكَانُوا يُعْطَوْنَ عَلَى الْخَرْصِ.
(باب) حكم (ما يُعطى) بضم أوله وفتح ثالثه (في الرقية) بضم الراء وسكون القاف أي العوذة (على أحياء العرب) بفتح الهمزة طائفة مخصوصة (بفاتحة الكتاب) وعورض المؤلّف في قوله على أحياء العرب لأن الحكم لا يختلف باختلاف الأمكنة والأجناس، وأجاب في فتح الباري: بأنه ترجم بالواقع ولم يتعرض لنفي غيره واعترضه في عمدة القاري بأن هذا الجواب غير مقنع لأن القيد شرط إذا انتفى ينتفي المشروط انتهى وقد شطب عليه في الفرع وأصله.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله في الطب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله)، وبهذا تمسك الجمهور في جواز الأجرة على تعليم القرآن ومنع ذلك الحنفية في التعليم لأنه عبادة والأجر فيها على الله تعالى وأجازوه في الرقى لهذا الخبر. وبقية مبحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في باب التزويج على تعليم القرآن.
(وقال الشعبي) عامر بن شراحيل فيما وصله ابن أبي شيبة: (لا يشترط المعلم) على من يعلمه أجرة (إلا أن يعطى شيئًا فليقبله) بالجزم على الأمر وفتح همزة أن والاستثناء منقطع أي لكن الإعطاء بدون الاشتراط جائز فيقبله. قال الكرماني: وفي بعضها إن بكسر الهمزة أي لكن إن يعط شيئًا بدون الشرط فليقبله.
(وقال الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بفتح المثناة والموحدة مصغر الكندي الكوفي مما وصله البغوي في الجعديات (لم أسمع أحدًا) من الفقهاء (كره أجر المعلم، وأعطى الحسن) البصري (دراهم عشرة) أجرة المعلم وصله ابن سعد في الطبقات، (ولم ير ابن سيرين) محمد (بأجر القسام) بفتح القاف وتشديد المهملة من القسم وهو القاسم (بأسًا) أي إذا كان بغير اشتراط أما مع الاشتراط فكان يكرهه كما أخرجه عنه موصولاً ابن سعد بل روى عنه الكراهة من غير تقييد عبد بن حميد من طريق يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين ولفظه: أنه كان يكره أجور القسام ويقول كان يقال السحت الرشوة على الحكم وأرى هذا حكمًا يؤخذ عليه الأجر.

(وقال) ابن سيرين (كان يقال السحت الرشوة في الحكم) بكسر الراء أخرجه ابن جرير بأسانيده عن عمر وعلي وابن مسعود وزيد بن ثابت من قولهم، وأخرجه من وجه آخر مرفوعًا برجال ثقات لكنه مرسل ولفظه: "كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به" قيل: يا رسول الله وما السحت؟ قال: "الرشوة في الحكم". (وكانوا يعطون) الأجرة بفتح الطاء (على الخرص) لخارص الثمرة ومناسبة ذكر القسام والخارص الاشتراك في أن كلاًّ منهما يفصل التنازع بين المتخاصمين.
2276 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "انْطَلَقَ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفْرَةٍ سَافَرُوهَا، حَتَّى نَزَلُوا عَلَى حَىٍّ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ فَاسْتَضَافُوهُمْ فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمْ، فَلُدِغَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْحَىِّ، فَسَعَوْا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ، لاَ يَنْفَعُهُ شَىْءٌ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَوْ أَتَيْتُمْ هَؤُلاَءِ الرَّهْطَ الَّذِينَ نَزَلُوا لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ شَىْءٌ. فَأَتَوْهُمْ فَقَالُوا: يَا أَيُّهَا الرَّهْطُ إِنَّ سَيِّدَنَا لُدِغَ، وَسَعَيْنَا لَهُ بِكُلِّ شَىْءٍ لاَ يَنْفَعُهُ، فَهَلْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْكُمْ مِنْ شَىْءٍ؟ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: نَعَمْ وَاللَّهِ، إِنِّي لأَرْقِي، وَلَكِنْ وَاللَّهِ لَقَدِ اسْتَضَفْنَاكُمْ فَلَمْ تُضِيِّفُونَا، فَمَا أَنَا بِرَاقٍ لَكُمْ حَتَّى تَجْعَلُوا لَنَا جُعْلاً. فَصَالَحُوهُمْ عَلَى قَطِيعٍ مِنَ الْغَنَمِ. فَانْطَلَقَ يَتْفِلُ عَلَيْهِ وَيَقْرَأُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فَكَأَنَّمَا نُشِطَ مِنْ عِقَالٍ، فَانْطَلَقَ يَمْشِي وَمَا بِهِ قَلَبَةٌ. قَالَ: فَأَوْفَوْهُمْ جُعْلَهُمُ الَّذِي صَالَحُوهُمْ عَلَيْهِ. فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اقْسِمُوا. فَقَالَ الَّذِي رَقَى: لاَ تَفْعَلُوا حَتَّى نَأْتِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَذْكُرَ لَهُ الَّذِي كَانَ فَنَنْظُرَ مَا يَأْمُرُنَا. فَقَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرُوا لَهُ، فَقَالَ: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ؟ ثُمَّ قَالَ: قَدْ أَصَبْتُمُ، اقْسِمُوا وَاضْرِبُوا لِي مَعَكُمْ سَهْمًا، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وَقَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ وَقَالَ شُعْبَةُ: حَدَّثَنَا أَبُو بِشْرٍ سَمِعْتُ أَبَا الْمُتَوَكِّلِ ... بِهَذَا. [الحديث 2276 - أطرافه في: 5007، 5736، 5749].
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون الشين المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس (عن أبي المتوكل) عليّ بن داود ويقال ابن دؤاد بضم الدال بعدها واو بهمزة الناجي بالنون والجيم البصري (عن أبي سعيد) سعد بن مالك الخدري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: انطلق نفر) هو ما بين الثلاثة إلى العشرة من الرجال، لكن عند ابن ماجة أنهم كانوا ثلاثين وكذا عند الترمذي ولم يسمّ أحد منهم، وفي رواية سليمان بن قية بفتح القاف وتشديد التحتية عند الإمام أحمد،: بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاثين رجلاً (من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفرة سافروها) أي في سرية عليها أبو سعيد الخدري كما عند الدارقطني ولم يعينها أحد من أهل المغازي فيما وقف عليه الحافظ ابن حجر (حتى نزلوا) أي ليلاً كما في الترمذي (على حيٍّ من أحياء العرب) قال في الفتح: ولم أقف على تعيين الحيّ الذي نزلوا بهم من أي القبائل هم (فاستضافوهم) أي طلبوا منهم الضيافة (فأبوا أن يضيفوهم) بفتح

الضاد المعجمة وتشديد التحتية ويروى يضيفوهم بكسر الضاد والتخفيف (فلدغ) بضم اللام وكسر الدال المهملة لا المعجمة وسها الزركشي وبالغين المعجمة مبنيًّا

(4/137)


للمفعول أي لسع (سيد ذلك الحي) أي بعقرب كما في الترمذي ولم يسم سيد الحي (فسعوا له بكل شيء) مما جرت العادة أن يتداووا به من لدغة العقرب، وللكشميهني: فشفوا بفتح الشين المعجمة والفاء وسكون الواو أي طلبوا له الشفاء أي عالجوه بما يشفيه وقد زعم السفاقسي أنها تصحيف (لا ينفعه شيء فقال بعضهم) لبعض: (لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا) عندكم (لعله) وللكشميهني: لعل بإسقاط الهاء (أن يكون عند بعضهم شيء) يداويه (فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط إن سيدنا لدغ وسعينا) وللكشميهني: وشفينا (له بكل شيء لا ينفعه) في رواية معبد بن سيرين أن الذي جاءهم جارية منهم فيحمل على أنه كان معها غيرها (فهل عند أحد منكم من شيء) زاد أبو داود من هذا الوجه: ينفع صاحبنا، وزاد البزار فقالوا
لهم: قد بلغنا أن صاحبكم جاء بالنور والشفاء. قالوا: نعم (فقال بعضهم) هو أبو سعيد الراوي كما في بعض روايات مسلم (نعم والله أني لأرقى) بفتح الهمزة وكسر القاف (ولكن) بالتخفيف (والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جعلاً) بضم الجيم وسكون العين ما يعطى على العمل (فصالحوهم) أي وافقوهم (على قطيع من الغنم). وفي رواية النسائي ثلاثون شاة وهو مناسب لعدد السرية كما مرّ فكأنهم اعتبروا عددهم فجعلوا لكل واحد شاة، (فانطلق) الراقي إلى الملدوغ وجعل (يتفل عليه) بفتح المثناة التحتية وسكون الفوقية وكسر الفاء وتضم ينفخ نفخًا معه أدنى بزاق. قال العارف بالله عبد الله بن أبي جمرة في بهجة النفوس: محل التفل في الرقية بعد القراءة لتحصل بركة الريق في الجوارح التي يمرّ عليها فتحصل البركة في الريق الذي يتفله (ويقرأ الحمد لله رب العالمين) الفاتحة إلى
آخرها، وفي رواية الأعمش عند (1) سبع مرات، وفي حديث جابر ثلاث مرات والحكم للزائد (فكأنما نشط) بضم النون وكسر الشين المعجمة من الثلاثي المجرد أي حل (من عقال) بكسر العين المهملة وبعدها قاف حبل يشد به ذراع البهيمة، لكن قال الخطابي: إن المشهور أن يقال في الحلّ أنشط بالهمزة وفي العقد نشط، وقال ابن الأثير وكثيرًا ما يجيء في الرواية كأنما نشط من عقال وليس بصحيح يقال: نشطت العقدة إذا عقدتها وأنشطتها إذا حللتها. وفي القاموس كالصحاح والحبل كنصر عقده كنشطه وأنشطه حلّه، ونقل في المصابيح عن الهروي أنه رواه كأنما أنشط من عقال. وعن السفاقسي أنه كذلك في بعض الروايات هاهنا، (فانطلق) الملدوغ حال كونه (يمشي وما به قلبة) بحركات أي علة وسمي بذلك لأن الذي تصيبه يتقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء منه، ونقل عن خط الدمياطي أنه داء مأخوذ من القلاب يأخذ البعير فيشتكي منه قلبه فيموت من يومه. (قال: فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه) وهو الثلاثون شاة (فقال بعضهم: اقسموا فقال الذي رقى) بفتح الراء والقاف (لا تفعلوا) ما ذكرتم من القسمة (حتى نأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنذكر له) بنصب نذكر عطفًا على نأتي المنصوب بأن المضمرة بعد حتى (الذي كان) من أمرنا هذا (فننظر) نصب عطفًا على المنصوب (ما يأمرنا) به فنتبعه وفي رواية الأعمش فلما قبضنا
الغنم عرض في أنفسنا منها شيء (فقدموا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المدينة (فذكروا له) القصة (فقال) عليه الصلاة والسلام للراقي:
(وما يدريك أنها) أي الفاتحة (رقية) بضم الراء وإسكان القاف. قال الداودي: معناه وما أدراك؟ قال: ولعله المحفوظ لأن ابن عيينة قال: إذا قيل وما يدريك فلم يدره وما قيل فيه وما أدراك فقد علمه. وأجاب ابن التين: بأن ابن عيينة إنما قال ذلك فيما وقع في القرآن وإلاّ فلا فرق بينهما في اللغة وعند الدارقطني وما علمك أنها رقية قال حق ألقي إليّ في روعي. (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (قد أصبتم) في الرقية أو في توقفكم عن التصرف في الجعل حتى استأذنتموني أو أعمّ من ذلك (اقسموا) الجعل بينكم (واضربوا) اجعلوا (لي معكم) منه (سهمًا) أي نصيبًا
_________
(1) هكذا بياض بأصله.

(4/138)


والأمر بالقسمة من باب مكارم الأخلاق وإلاّ فالجميع للراقي وإنما قال اضربوا تطييبًا لقلوبهم ومبالغة في أنه حلال لا شبهة فيه (فضحك رسول الله) ولأبوي ذر والوقت: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
(قال أبو عبد الله) البخاري (وقال شعبة) بن الحجاج فيما وصله الترمذي والمؤلّف في الطب لكن بالعنعنة: (حدّثنا أبو بشر) جعفر بن أبي وحشية السابق قال: (سمعت أبا المتوكل) الناجي (بهذا) الحديث السابق، وفائدة ذكره هذا تصريح أبي بشر بالسماع ومتابعة شعبة لأبي عوانة على الإسناد، وقد تابع أبا عوانة أيضًا هشيم كما في مسلم والنسائي وخالفهم الأعمش فرواه عن جعفر بن أبي وحشية عن أبي نضرة عن أبي سعيد فجعل بدل أبي المتوكل أبا نضرة أخرجه الترمذي والنسائي وابن ماجة، وليس الحديث مضطربًا بل الطريقان محفوظان قاله في الفتح وقد سقط قوله قال أبو عبد الله الخ ... في رواية الحموي، وثبت للمستملي والكشميهني.
ومباحث هذا الحديث وما يستنبط منه تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الطب، ومطابقته للترجمة واضحة وفيه أن رجاله كلهم مذكورون. بالكنى وهو غريب جدًّا وكلهم بصريون غير أبي عوانة فواسطي، وأخرجه المؤلّف في الطب أيضًا وكذا مسلم، وأخرجه أبو داود فيه وفي البيوع والترمذي فيه وكذا النسائي وابن ماجة في التجارات.

17 - باب ضَرِيبَةِ الْعَبْدِ، وَتَعَاهُدِ ضَرَائِبِ الإِمَاءِ
(باب) حكم (ضريبة العبد) بفتح الضاد المعجمة فعيلة بمعنى مفعولة ما يقرره السيد على عبده في كل يوم (و) بيان (تعاهد ضرائب الأماء).
2277 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ فَخَفَّفَ عَنْ غَلَّتِهِ أَوْ ضَرِيبَتِهِ".

وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي بكسر الموحدة البخاري قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن حميد الطويل) أبي عبيدة البصري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: حجم أبو طيبة) اسمه نافع على الصحيح (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمر له بصاع أو صاعين من طعام) شك الراوي، وفي باب ذكر الحجام من كتاب البيوع فأمر له بصاع من تمر (وكلم مواليه) هم بنو حارثة على الصحيح ومولاه منهم محيصة بن مسعود، وإنما جمع الوالي مجازًا كما مر (فخفّف) بفتح الخاء المعجمة وفي نسخة فخفّف بضمها مبنيًّا للمفعول (عن غلته) بفتح الغين المعجمة وتشديد اللام (أو) قال (ضريبته) وهما بمعنى والشك من الراوي.
ومناسبته للترجمة واضحة وأما ضرائب الإماء فبالقياس واختصاصها بالتعاهد لكونها مظنة لتطرق الفساد في الأغلب، وإلاّ فكما يخشى من اكتساب الأمة بفرجها يخشى من اكتساب العبد بالسرقة مثلاً والحديث سبق في البيع.

18 - باب خَرَاجِ الْحَجَّامِ
(باب خراج الحجام).
2278 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا ابْنُ طَاوُسٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "احْتَجَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ".
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري البصري قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد الباهلي البصري قال: (حدّثنا ابن طاوس) عبد الله (عن أبيه) طاوس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: احتجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأعطى الحجّام) أبا طيبة نافعًا (أجره) بفتح الهمزة أي صاعًا من تمر وزاد في البيع ولو كان حرامًا لم يعطه ونحوه في الحديث اللاحق وهو نص في إباحتها، وإليه ذهب الجمهور وحملوا ما ورد في الزجر عنه على التنزيه وذهب الإمام أحمد وغيره إلى الفرق بين الحر والعبد فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة ومنعوه الإنفاق منها على نفسه وأباحوا إنفاقها على عبده ودابته وأباحوها للعبد مطلقًا لحديث محيصة عند مالك وأحمد وأصحاب السنن ورجاله ثقات أنه سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن كسب الحجام فنهاه فذكر له الحاجة فقال له اعلفه نواضحك.
2279 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "احْتَجَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ يُعْطِهِ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بفتح السين وتشديد الدال الأولى المهملات الأسدي البصري قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بتقديم الزاي على الراء مصغرًا البصري (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: احتجم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأعطى الحجام) أبا طيبة (أجره) صاعًا من تمر (ولو علم) عليه الصلاة والسلام (كراهية) في أجر الحجام (لم يعطه) أجره.

2280 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْتَجِمُ، وَلَمْ يَكُنْ يَظْلِمُ أَحَدًا أَجْرَهُ".
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين آخره

(4/139)


راء ابن كدام (عن عمرو بن عامر) بفتح العين وسكون الميم الأنصاري وليس له رواية في البخاري إلاّ عن أنس ولا له في البخاري إلا حديثان هذا وآخر سبق في الطهارة أنه (قال: سمعت أنسًا) هو ابن مالك (-رضي الله عنه- يقول: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحتجم) التعبير بكان يُشعِر بالمواظبة على القول بأن كان تقتضي التكرار (ولم يكن يظلم أحدًا أجره) أي لم يكن ينقص من أجر أحد ولا يردّه بغير أجر وهو أعم من أجر الحجام وغيره ممن يستعمله في عمل.

19 - باب مَنْ كَلَّمَ مَوَالِيَ الْعَبْدِ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ
(باب من كلم موالي العبد أن يخففوا عنه من خراجه).
2281 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غُلاَمًا حَجَّامًا فَحَجَمَهُ وَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ أَوْ صَاعَيْنِ، أَوْ مُدٍّ أَوْ مُدَّيْنِ، وَكَلَّمَ فِيهِ فَخُفِّفَ مِنْ ضَرِيبَتِهِ".
وبه قال: (حدّثنا آدم) ابن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غلامًا حجّامًا فحجمه) وسقط قوله حجامًا في رواية أبوي ذر والوقت، والظاهر أنه أبو طيبة وإن كان حجمه أبو هند مولى بني بياضة كما عند ابن منده وأبي داود لأنه ليس في حديثه عندهما ما في حديث أبي طيبة قوله: (وأمر له بصاع أو صاعين أو مدّ أو مدّين) أي من تمر والشك من شعبة (وكلم) عليه الصلاة والسلام بالواو وللحموي والمستملي: فكلم (فيه) مولاه محيصة بن مسعود، وإنما جمع في الترجمة كالحديث السابق على طريق المجاز أو كان مشتركًا بين جماعة من بني حارثة منهم محيصة (فخفف من ضريبته) بضم الخاء المعجمة مبنيًّا للمفعول.
وفي حديث عمر عند ابن أبي شيبة أن خراجه كان ثلاثة آصع والله أعلم.

20 - باب كَسْبِ الْبَغِيِّ وَالإِمَاءِ وَكَرِهَ إِبْرَاهِيمُ أَجْرَ النَّائِحَةِ وَالْمُغَنِّيَةِ
وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلاَ تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَمَنْ يُكْرِهْهُنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ}. وَقَالَ مُجَاهِدٌ {فَتَيَاتِكُمْ}: إِمَاؤُكُمْ.
(باب) حكم (كسب البغي) بفتح الموحدة وكسر الغين المعجمة وتشديد التحتية أي الزانية (و) حكم كسب (الإماء) البغايا والممنوع كسب الأمة بالفجور لا بالصنائع الجائزة. (وكره إبراهيم) النخعي فيما وصله ابن أبي شيبة (أجر النائحة والمغنية) من حيث أن كلاًّ منهما معصية وإجارته باطلة كمهر البغيّ. (وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على كسب أو بالرفع على الناسشاف ({ولا تكرهوا فتياتكم}) أي إماءكم ({على البغاء}) أي الزنا. وكان أهل الجاهلية إذا كان لأحدهم أمة أرسلها تزني وجعل عليها ضريبة يأخذها منها كل وقت، فلما جاء الإسلام نهى الله المؤمنين عن ذلك، وكان سبب نزول هذه الآية ما رواه الطبري أن عبد الله بن أُبيّ أمر أمة له بالزنا فجاءت ببرد فقال ارجعي فازني على آخر فقالت ما أنا براجعة فنزلت.
وهذا أخرجه مسلم من طريق أبي سفيان عن جابر مرفوعًا وروى أبو داود والنسائي من طريق أبي الزبير سمع جابرًا قال: جاءت مسيكة أمة لبعض الأنصار فقالت: إن سيدي يُكرِهني على البغاء فنزلت والظاهر أنها نزلت فيهما وسمّاها الزهري معاذة ({إن أردن تحصنًا}).
قال في الكشاف، فإن قلت: لِمَ أقحم قوله: "إن أردن تحصنًا" قلت: لأن الإكراه لا يتأتى إلا مع إرادة التحصّن وآمر المؤاتية للبغاء لا يسمى مكرهًا ولا أمره إكراهًا وكلمة إن وإيثارها على إذا إيذانًا بأن الباغيات كنّ يفعلن ذلك برغبة وطواعية منهنّ وأن ما وجد من معاذة ومسيكة من حيز الشاذ النادر ({لتبتغوا عرض الحياة الدنيا}) من خراجهنّ وأولادهن ({ومن يكرههن فإن الله من بعد إكراههن}) لهنّ ({غفور رحيم}) [النور: 33] وقال الترمذي: لهم أو لهنّ أو لهم ولهنّ إن تابوا وأصلحوا. وقال أبو حيان في البحر: فإن الله من بعد إكراههنّ غفور رحيم جواب الشرط، والصحيح أن التقدير غفور لهم ليكون جواب الشرط فيه ضمير يعود على من الذي هو اسم الشرط ويكون ذلك مشروطًا بالتوبة، ولما غفل الزمخشري وابن عطية وأبو البقاء عن هذا الحكم قدّروا فإن الله غفور رحيم لهن أي للمكرهات فعريت جملة جواب الشرط من ضمير يعود على اسم الشرط وقد ضعف ما قلناه أبو عبد الله الرازي فقال: فيه وجهان. أحدهما: فإن الله غفور رحيم لهن لأن الإكراه يزيل الإثم والعقوبة عن المكره فيما فعل، والثاني: فإن الله غفور رحيم للمكره بشرط التوبة وهذا ضعيف لأنه على التفسير الأول لا حاجة لهذا الإضمار وعلى الثاني يحتاج إليه انتهى. وكلامهم كلام من لم يمعن في لسان العرب.

(4/140)


فإن قلت: قوله بعد إكراههنّ مصدر أضيف إلى المفعول وفاعل المصدر محذوف والمحذوف كالملفوظ به والتقدير من بعد إكراههم إياهنّ والربط يحصل بهذا المحذوف المقدر فلتجز هذه المسألة. قلت: لم يعدّوا في الرابط الفاعل المحذوف تقول هند عجبت من ضربها زيدًا فتجوز المسألة. ولو قلت: هند عجبت من ضرب زيدًا لم تجز ولما قدّر الزمخشري في أحد تقديراته لهنّ أورد سؤالاً فقال: فإن قلت: لا حاجة إلى تعليق المغفرة بهنّ لأن المكرهة على الزنا بخلاف المكره عليه في أنها غير آثمة. قلت: لعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة من إكراه بقتل أو بما يخاف منه التلف أو

ذهاب العضو من ضرب عنيف وغيره حتى تسلم من الإثم وربما قصرت عن الحد الذي تعذّر فيه فتكون آثمة انتهى.
وهذا السؤال والجواب مبنيان على تقدير لهنّ انتهى.
وقد حكى ابن كثير في تفسيره عن ابن عباس أنه قال: فإن فعلتم فإن الله لهنّ غفور رحيم وإثمهنّ على مَن أكرههنّ قال: وكذا قال عطاء الخراساني ومجاهد والأعمش وقتادة وعن الزهري قال غفر لهنّ ما أكرههنّ عليه، وعن زيد بن أسلم قال غفور رحيم للمكرهات حكاهنّ ابن المنذر في تفسيره قال: وعند ابن أبي حاتم قال في قراءة عبد الله بن مسعود فإن الله من بعد إكراههنّ لهنّ غفور رحيم وإثمهنّ على من أكرههنّ انتهى. وهذا يرجح قول القائل إن الضمير يعود على المكرهات.
(وقال مجاهد) في تفسير (فتياتكم) أي (إماءكم) أخرجه عبد بن حميد والطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء قال إماءكم على الزنا، وهذا ساقط في رواية غير المستملي ثابت في روايته ولفظ رواية أبي ذر {ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنًا} إلى قوله: {غفور رحيم}.
2282 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ ثَمَنِ الْكَلْبِ، وَمَهْرِ الْبَغِيِّ، وَحُلْوَانِ الْكَاهِنِ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) بكسر العين (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام عن أبي مسعود الأنصاري) هو عقبة بن عامر (-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن) أكل (ثمن الكلب) مطلقًا (و) عن (مهر البغي) بكسر الغين المعجمة وتشديد الياء وفي الفرع بسكون الغين والذي في اليونينية كسرها وإطلاق المهر فيه مجاز، والمراد ما تأخذه على الزنا لأنه حرام بالإجماع فالمعاوضة عليه لا تحل لأنه ثمن عن محرم (و) عن (حلوان الكاهن) بضم الحاء وهو ما يعطاه على كهانته.
وهذا الحديث قد سبق في أواخر البيوع.
2283 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُحَادَةَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كَسْبِ الإِمَاءِ". [الحديث 2283 - طرفه في: 5348].
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن جحادة) بجيم مضمومة فحاء مهملة مفتوحة وبعد الألف دال مهملة الأيامي بفتح الهمزة وتخفيف التحتية

الكوفي (عن أبي حازم) بالخاء المهملة والزاي المعجمة المكسورة سلمان الأشجعي (عن أبي هريرة
-رضي الله عنه-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن كسب الإماء) بالفجور لا ما تكتسبه بالصنعة والعمل.

21 - باب عَسْبِ الْفَحْلِ
(باب) النهي عن (عسب الفحل) بفتح العين المهملة وسكون السين آخره موحدة والفحل الذكر من كل حيوان.
2284 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: "نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (وإسماعيل بن إبراهيم) أمه علية (عن عليّ بن الحكم) بفتحتين البناني بضم الموحدة وتخفيف النونين (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) كراء (عسب الفحل) حذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه والمشهور في كتب الفقه أن عسب الفحل ضرابه وقيل أجرة ضرابه وقيل ماؤه، فعلى الأول والثالث تقديره بدل عسب الفحلِ، وفي رواية الشافعي -رحمه الله- نهى عن ثمن عسب الفحل، والحاصل أن بذل المال عوضًا عن الضراب إن كان بيعًا فباطل قطعًا لأن ماء الفحل غير متقوّم ولا معلوم ولا مقدور على تسليمه، وكذا إن كان إجارة على الأصح، ويجوز أن يعطي صاحب الأنثى صاحب الفحل شيئًا على سبيل الهدية لما روى الترمذي وقال: حسن غريب من حديث

(4/141)


أنس أن رجلاً من كلاب سأل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن عسب الفحل. فقال: يا رسول الله إنّا نطرق الفحل فنكرم فرخص في الكرامة، وهذا مذهب الشافعي. قال المالكية: حمله أهل المذهب على الإجارة المجهولة وهو أن يستأجر منه فحله ليضرب الأنثى حتى تحمل، ولا شك في جهالة ذلك لأنها قد تحمل من أول مرة فيغبن صاحب الأنثى. وقد لا تحمل من عشرين مرة فيغبن صاحب الفحل فإن استأجره على نزوات معلومة ومدّة معلومة جاز.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في البيوع.

22 - باب إِذَا اسْتَأْجَرَ أَرْضًا فَمَاتَ أَحَدُهُمَا
وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ لَيْسَ لأَهْلِهِ أَنْ يُخْرِجُوهُ إِلَى تَمَامِ الأَجَلِ.
وَقَالَ الْحَكَمُ وَالْحَسَنُ وَإِيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ: تُمْضَى الإِجَارَةُ إِلَى أَجَلِهَا.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: أَعْطَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ بِالشَّطْرِ فَكَانَ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ وَصَدْرًا مِنْ خِلاَفَةِ عُمَرَ، وَلَمْ يُذْكَرْ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ جَدَّدَا الإِجَارَةَ بَعْدَ مَا قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

هذا (باب) بالتنوين (إذا استأجر) أحد (أرضًا) من آخر (فمات أحدهما) أي أحد المتآجرين هل تنفسخ الإجارة أم لا؟ (وقال) بالواو لأبي الوقت قال (ابن سيرين) محمد (ليس لأهله) أي أهل الميت (أن يخرجوه) أي المستأجر (إلى تمام الأجل) الذي وقع العقد عليه وقول البرماوي كالكرماني لأهله أي لورثته أن يخرجوه من عقد الإجارة ويتصرفوا في منافع المستأجر. قال العيني: هو بيان لعود المنصوب في أن يخرجوه إلى عقد الاستئجار قال وهذا لا معنى له بل الضمير يعود على المستأجر ولكن لم يتقدم ذكر للمستأجر فكيف يعود إليه، وكذلك الضمير في أهله ليس مرجعه مذكورًا ففيهما إضمار قبل الذكر، ولا يجوز أن يقال مرجع الضميرين يفهم من لفظ الترجمة وضعت بلا ريب قبل قول ابن سيرين، فالوجه أن يقال: إن مرجع الضميرين محذوف والقرينة تدل عليه فهو في حكم الملفوظ وأصل الكلام في أصل الوضع هكذا سئل محمد بن سيرين في رجل استأجر من رجل أرضًا فمات أحدهما هل لورثة الميت أن يخرجوا يد المستأجر من تلك الأرض أم لا؟ فأجاب بقوله ليس لأهله أي لأهل الميت أن يخرجوا المستأجر إلى تمام الأجل أي أجل الإجارة.
(وقال الحكم) بن عتيبة أحد فقهاء الكوفة (والحسن) البصري (وإياس بن معاوية) بن قرة المزني (تمضى الإجارة) بضم الفوقية وفتح الضاد ولأبي ذر بفتحها وكسر الضاد (إلى أجلها) وصله ابن أبي شيبة من طريق حميد عن الحسن وإياس بن معاوية ومن طريق أيوب عن ابن سيرين نحوه، والحاصل أن الإجارة لا تنفسخ عندهم بموت أحد المتآجرين وهو مذهب الجمهور وذهب الكوفيون والليث إلى الفسخ واحتجوا بأن الوارث ملك الرقبة والمنفعة تبع لها فارتفعت يد المستأجر عنها بموت الذي آجره.
(وقال ابن عمر) -رضي الله عنهما- مما أخرجه مسلم (أعطى النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر بالشطر) أي بأن يكون النصف للزراع والنصف له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فكان ذلك) مستمرًا (على عهد النبي) ولأبي ذر: على عهد رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) عهد (أبي بكر وصدرًا من خلافة عمر) -رضي الله عنهما- (ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جدّدا الإجارة) ولأبي ذر: ولم يذكر أن أبا بكر جدّد الإجارة (بعدما قبض النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فدلّ على أن عقد الإجارة لم ينفسخ بموت أحد المتآجرين.
2285 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: "أَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا. وَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أَنَّ الْمَزَارِعَ كَانَتْ تُكْرَى عَلَى شَىْءٍ سَمَّاهُ نَافِعٌ لاَ أَحْفَظُهُ". [الحديث 2285 - أطرافه في: 2328، 2329، 2331، 2338، 2499، 2720، 3152، 4248].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) قال: (حدّثنا جويرية بن أسماء عن نافع عن عبد الله) أي ابن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: أعطى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر) زاد أبوا ذر والوقت اليهود (أن يعملوها ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها).

(وأن ابن عمر) عطف على سابقه أي عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- (حدّثه) أيضًا (أن المزارع) بفتح الميم (كانت تكرى على شيء) من حاصلها قال جويرية (سمّاه) لم سمى (نافع) مقدار ذلك الشيء (لا أحفظه).
2286 - وَأَنَّ رَافِعَ بْنَ خَدِيجٍ حَدَّثَ "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ كِرَاءِ الْمَزَارِعِ". وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ "حَتَّى أَجْلاَهُمْ عُمَرُ". [الحديث 2285 - أطرافه في: 2327، 2332، 2344، 2722].
(وأن رافع بن خديج) بفتح الخاء المعجمة (حدّث) بإثبات الضمير في الأول وحذفه في هذا لأن ابن عمر -رضي الله عنهما- حدّث نافعًا بخلاف رافع فإنه لم يحدّث له خصوصًا (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن كراء المزارع) بفتح الميم.
(وقال عبيد الله) بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (حتى أجلاهم عمر)

(4/142)


-رضي الله عنه- وهذا وصله مسلم ولفظه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها من ثمر أو زرع ورواه أيضًا من وجوه أخرى وفي آخره قال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نقرّكم بها على ذلك ما شئنا فقروا بها حتى أجلاهم عمر -رضي الله عنه- إلى تيماء وأريحاء.