شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
36 - كتاب الشفعة
(بسم الله الرحمن الرحيم).
(كتاب الشفعة) كذا لأبي ذر عن المستملي، ولأبي ذر أيضًا
بعد البسملة السلم في الشفعة كذا في اليونينية. وقال
الحافظ ابن حجر كتاب الشفعة بسم الله الرحمن الرحيم السلم
في الشفعة كذا للمستملي وسقط ما سوى البسملة للباقين وثبت
للجميع.
1 - باب الشُّفْعَةُ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا وَقَعَتِ
الْحُدُودُ فَلاَ شُفْعَةَ
(باب الشفعة فيما لم يقسم) أي في المكان الذي لم يقسم
والشفعة بضم المعجمة وسكون الفاء وحكي ضمها. وقال بعضهم لا
يجوز غير السكون وهي في اللغة الضم على الأشهر من شفعت
الشيء ضممته فهي ضم نصيب إلى نصيب ومنه شفع الأذان، وفي
الشرع حق تملك قهري يثبت للشريك القديم على الحادث فيما
ملك بعوض واتفق على مشروعيتها خلافًا لما نقل عن أبي بكر
الأصم من إنكارها (فإذا وقعت الحدود) أي عينت (فلا شفعة)
والمعنى في الشفعة دفع ضرر مؤونة القسمة واستحداث المرافق
في الحصة الصائرة إليه كمصعد ومنور وبالوعة.
2257 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "قَضَى رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِالشُّفْعَةِ فِي كُلِّ مَا لَمْ يُقْسَمْ، فَإِذَا
وَقَعَتِ الْحُدُودُ وَصُرِّفَتِ الطُّرُقُ فَلاَ
شُفْعَةَ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد
(4/122)
قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال:
(حدّثنا معمر) بميمين مفتوحتين بينهما مهملة ساكنة ابن
راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن
عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) وقد
اختلف على الزهري في هذا الإسناد فقال مالك عنه عن أبي
سلمة وابن المسيب مرسلاً كذا رواه الشافعي وغيره والمحفوظ
روايته عن أبي سلمة عن جابر أنه (قال: قضى رسول الله)
ولأبوي ذر والوقت قضى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بالشفعة في كل ما) أي في كل مشترك مشاع قابل
للقسمة (لم يقسم فإذا وقعت الحدود) جمع حدّ وهو هنا ما
تتميز به الأملاك بعد القسمة وأصل الحد المنع ففي تحديد
الشيء منع خروج شيء منه ومنع دخول غيره فيه (وصرفت الطرق)
بضم الصاد المهملة وكسر الراء المخففة وتُشدّد أي بينت
مصارفها وشوارعها (فلا شفعة) لأنه لا مجال لها بعد أن
تميزت الحقوق بالقسمة.
وهذا الحديث أصل في ثبوت الشفعة، وقد أخرجه مسلم من طريق
أبي الزبير عن جابر بلفظ: قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالشفعة في كل شرك لم يقسم ربعه أو
حائط ولا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه، فإن شاء أخذ وإن
شاء ترك، فإذا باع ولم يؤذنه فهو أحق به، والربعة بفتح
الراء تأنيث الربع وهو المنزل والحائط البستان، وقد تضمن
هذا الحديث ثبوت الشفعة في المشاع وصدره يشعر بثبوتها في
المنقولات وسياقه يُشعِر باختصاصها بالعقار وبما فيه
العقار، ومشهور مذهب المالكية والشافعية والحنابلة تخصيصها
بالعقار لأنه أكثر الأنواع ضررًا والمراد بالعقار الأرض
وتوابعها المثبتة فيها للدوام كالبناء وتوابعه الداخلة في
مطلق البيع من الأبواب والرفوف والمسامير وحجري الطاحون
والأشجار فلا تثبت في منقول غير تابع، ويشترط أن يكون
العقار قابلاً للقسمة واحترز به عما إذا كان لا يقبلها أو
يقبلها بضرر كالحمام ونحوها لما سبق أن علة ثبوت الشفعة
دفع ضرر مؤنة القسمة واستحداث المرافق في الحصة الصائرة
إلى الشفيع.
وفي الفتح وقد أخذ بعمومها في كل شيء مالك في رواية وهو
قول عطاء، وعن أحمد تثبت في الحيوانات دون غيرها من
المنقولات، وروى البيهقي من حديث ابن عباس مرفوعًا: الشفعة
في كل شيء، ورجاله ثقات إلا أنه قد أعلّ بالإرسال، وقد
أخرج الطحاوي له شاهدًا من حديث جابر بإسناد لا بأس به
انتهى.
ومشهور مذهب مالك كما سبق تخصيصها بالعقار، وقال المرداوي
الحنبلي في تنقيحه: ولا شفعة في طريق مشترك لا ينفذ ولا
فيما تجب قسمته وما ليس بعقار كشجر وحيوان وجوهر وسيف
ونحوها انتهى.
وخرج بقوله في الحديث في كل شرك الجار ولو ملاصقًا خلافًا
للحنفية حيث أثبتوها للجار الملاصق أيضًا. وفي الجامع:
وللجار المقابل في السكة الغير النافذة أو المقابل في
السكة النافذة فلا شفعة له اتفاقًا، واستدلّ لهم بقوله
عليه الصلاة والسلام: "الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن
كان غائبًا إذا كان طريقهما واحدًا" أخرجه أبو داود
والترمذى، وقد زعم بعضهم أن قوله فإذا وقعت الحدود إلى
آخره مدرج من كلام جابر قال لأن قوله الأول كلام تام
والثاني كلام مستقل ولو كان الثاني مرفوعًا لقال وقال: إذا
وقعت الحدود انتهى. ولا يخفى ما فيه لأن الأصل أن كل ما
ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل والله
الموفق.
وحديث الباب قد سبق في باب بيع الشريك من شريكه.
2 - باب عَرْضِ الشُّفْعَةِ عَلَى صَاحِبِهَا قَبْلَ
الْبَيْعِ
وَقَالَ الْحَكَمُ: إِذَا أَذِنَ لَهُ قَبْلَ الْبَيْعِ
فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ.
وَقَالَ الشَّعْبِيُّ: مَنْ بِيعَتْ شُفْعَتُهُ وَهْوَ
شَاهِدٌ لاَ يُغَيِّرُهَا فَلاَ شُفْعَةَ لَهُ.
(باب عرض الشفعة) أي عرض الشريك الشفعة (على صاحبها) الذي
هي له (قبل) صدور (البيع).
(قال الحكم) بن عتيبة بضم العين المهملة وفتح الفوقية
والموحدة بينهما تحتية ساكنة مصغرًا الكوفي التابعي (إذا
أذن) مستحق الشفعة (له) أي للشريك الذي يريد البيع (قبل
البيع فلا شفعة له) وهذا وصله ابن أبي شيبة.
(وقال الشعبي) عامر بن شراحيل الكوفي التابعي الكبير فيما
وصله ابن أبي شيبة (من بيعت شفعته وهو شاهد لا يغيرها فلا
شفعة له) ومذهب الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأصحابهم لو أعلم
الشريك بالبيع فأذن فيه فباع ثم أراد الشريك أن يأخذ
بالشفعة فله ذلك، ومفهوم قوله في حديث مسلم السابق: ولا
(4/123)
يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه الخ وجوب
الإعلام، لكن حمله الشافعية على الندب وكراهة بيعه قبل
إعلامه كراهة تنزيه ويصدق على المكروه أنه ليس بحلال ويكون
الحلال بمعنى المباح وهو مستوي الطرفين بل هو راجح الترك
قاله النووي. وقال في المطلب: والخبر يقتضي استئذان الشريك
قبل البيع ولم أظفر به في كلام أحد من أصحابنا وهذا الخبر
لا محيد عنه، وقد صح، وقد قال الشافعي إذا صح الحديث
فاضربوا بمذهبي عرض الحائط انتهى.
2258 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ
مَيْسَرَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ الشَّرِيدِ قَالَ: "وَقَفْتُ
عَلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَجَاءَ الْمِسْوَرُ
بْنُ مَخْرَمَةَ فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى إِحْدَى
مَنْكِبَىَّ، إِذْ جَاءَ أَبُو رَافِعٍ مَوْلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا سَعْدُ
ابْتَعْ مِنِّي بَيْتَىَّ فِي دَارِكَ. فَقَالَ سَعْدٌ
وَاللَّهِ مَا أَبْتَاعُهُمَا. فَقَالَ الْمِسْوَرُ
وَاللَّهِ لَتَبْتَاعَنَّهُمَا. فَقَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ
لاَ أَزِيدُكَ عَلَى أَرْبَعَةِ آلاَفٍ مُنَجَّمَةٍ أَوْ
مُقَطَّعَةٍ. قَالَ أَبُو رَافِعٍ: لَقَدْ أُعْطِيتُ بِهَا
خَمْسَمِائَةِ دِينَارٍ، وَلَوْلاَ أَنِّي سَمِعْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
الْجَارُ أَحَقُّ بِسَقَبِهِ مَا أَعْطَيْتُكَهَا
بِأَرْبَعَةِ آلاَفٍ وَأَنَا أُعْطَى بِهَا خَمْسَمِائَةِ
دِينَارٍ، فَأَعْطَاهَا إِيَّاهُ". [الحديث 2258 - أطرافه
في: 6977، 6978، 6980، 6981].
وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد
الحنظلي قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز
قال: (أخبرني) بالإفراد (إبراهيم بن ميسرة) ضد الميمنة (عن
عمرو بن الشريد) بفتح العين وسكون الميم والشريد بفتح
الشين المعجمة وكسر الراء المخففة آخره دال مهملة ابن سويد
التابعي الثقة وأبوه صحابي أنه (قال: وقفت على سعد بن أبي
وقاص فجاء المسور بن مخرمة) بكسر ميم مسورة وسكون السين
وفتح ميمي مخرمة وسكون الخاء المعجمة بينهما (فوضع يده على
إحدى منكبي) بتأنيث إحدى، وأنكره بعضهم لأن المنكب مذكر،
وفي نسخة الميدومي أحد بالتذكير وهو بخط الحافظ الدمياطي
كذلك (إذ جاء أبو رافع) أسلم القبطي (مولى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكان للعباس فوهبه له عليه
الصلاة والسلام، فلما بشر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بإسلام العباس أعتقه وإذ للمفاجأة مضافة للجملة
وجوابها قوله (فقال) أبو رافع (يا سعد ابتع) أي اشتر (مني
بيتي) الكائنين (في دارك فقال سعد: والله ما أبتاعهما) أي
ما أشتريهما، (فقال المسور والله لتبتاعنهما) بفتح اللام
المؤكدة ونون التوكيد المثقلة، ووقع في رواية سفيان أن أبا
رافع سأل المسور أن يساعده على ذلك (فقال سعد) لأبي رافع:
(والله لا أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو) قال (مقطعة)
وهما بمعنى أي مؤجلة والشك من الراوي، وفي رواية سفيان
الآتية، إن شاء الله تعالى في ترك الحيل أربعمائة مثقال
(قال أبو رافع لقد أعطيت بها خمسمائة دينار) بضم همزة
أعطيت على صيغة المجهول (ولولا أني سمعت النبي) ولأبي ذر
رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(الجار أحق بسقبه) بفتح السين المهملة والقاف وبعدها
موحدة، ويجوز إبدال السين صادًا القرب والملاصقة أو الشريك
(ما أعطيتكها) أي البقعة الجامعة للبيتين (بأربعة آلاف
وأنا أعطى) بضم الهمزة وفتح الطاء مبنيًّا للمفعول، ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي: وإنما أعطى (بها خمسمائة دينار
فأعطاها إياه) قال في معالم السنن: وقد احتج بهذا من يرى
الشفعة بالجوار وأوّله غيره على أن المراد أن الجار أحق
بسقبه إذا كان شريكًا فيكون معنى الحديثين على الوفاق دون
الاختلاف، واسم الجار قد يقع على الشريك لأنه قد يجاور
شريكه ويساكنه في الدار المشتركة بينهما كالمرأة تسمى جارة
لهذا المعنى. قال: ويحتمل أنه أراد أحق بالبر والمعونة وما
في معناهما، وكذا قال ابن بطال وزاد أن قولهم المراد به
الشريك بناء على أن أبا رافع كان شريك سعد في البيتين،
وتعقبه ابن المنير بأن ظاهر الحديث أن أبا رافع كان يملك
بيتين من جملة دار سعد لا شقصًا شائعًا من منزل سعد انتهى.
وإنما عدل عن الحقيقة في تفسير السقب إلى المجاز لأن لفظ
أحق في الحديث يقتضي شركة في نفس الشفعة والذي له حق
الشفعة الشريك والجار على مذهب القائل به ولا ريب أن
الشريك أحق من غيره فكيف يرجح الجار عليه مع ورود تلك
النصوص الصحيحة فيحمل الجار على الشريك جمعًا بين حديث
جابر المصرح باختصاص الشفعة بالشريك وحديث أبي رافع إذ هو
مصروف الظاهر اتفاقًا لأن الذين قالوا بشفعة الجوار قدّموا
الشريك مطلقًا ثم المشارك في الطريق ثم على من ليس بمجاور
ومن ثم تعين التأويل.
وقال أبو سليمان أي الخطابي بعد أن ساق حديث أبي داود
حدّثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدّثنا سفيان عن
إبراهيم بن ميسرة سمع عمرو بن الشريد سمع أبا رافع سمع
النبي
(4/124)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول:
"الجار أحق بسقبه" تكلم بعضهم في إسناد هذا الحديث واضطرب
الرواة فيه فقال بعضهم:
عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال بعضهم عن أبيه عن أبي رافع
وأرسله بعضهم وقال فيه قتادة عن عمرو بن شعيب عن الشريد.
قال: والأحاديث التي جاءت في أن لا شفعة إلا للشريك
أسانيدها جياد وليس في شيء منها اضطراب انتهى.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في ترك الحيل عن علي بن
عبد الله عن سفيان بن عيينة وعن محمد بن يوسف وأبي نعيم
كلاهما عن سفيان الثوري وعن مسدد عن يحيى عن الثوري،
وأخرجه أبو داود في البيوع عن العقيلي عن سفيان بن عيينة
به وعن محمود بن غيلان عن أبي نعيم به، وأخرجه ابن ماجة في
الأحكام من طريق ابن عيينة.
3 - باب أَيُّ الْجِوَارِ أَقْرَبُ؟
هذا (باب) بالتنوين (أي الجوار أقرب) بكسر الجيم وتضم فيه
إشعار إلى أن المؤلّف يختار مذهب الكوفيين في استحقاق
الشفعة بالجوار لكنه لم يترجم له، وإنما ذكر الحديث في
الترجمة الأولى وهو دليل شفعة الجوار، وأعقبه بهذا الباب
ليدل بذلك على أن الأقرب جوارًا أحق من الأبعد لكنه لم
يصرح في الترجمة بأن غرضه الشفعة، واستدلّ التوربشتي
بإيراد البخاري حديث الجار أحق بسقبه على تقوية شفعة الجار
وإبطال ما تأوله أبو سليمان الخطابي مشنعًا عليه، وأجاب
شارح المشكاة بأن إيراد البخاري لذلك ليس بحجة على الإمام
الشافعي ولا على الخطابي، وقد وافق محيي السُّنّة البغوي
الخطابي في ذلك وإذا كان كذلك فلا وجه للتشنيع على الإمام
أبي سليمان الذي لانَ له الحديث كما لانَ لأبي سليمان
الحديد انتهى.
2259 - حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح.
وَحَدَّثَنا عَلِيُّ حَدَّثَنَا شَبَابَةُ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ حَدَّثَنَا أَبُو عِمْرَانَ قَالَ: سَمِعْتُ
طَلْحَةَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله
عنها-: "قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ
فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي؟ قَالَ: إِلَى أَقْرَبِهِمَا
مِنْكِ بَابًا". [الحديث 2259 - طرفاه في: 2595، 6020].
وبه قال: (حدّثنا حجاج) هو ابن منهال السلمي الأنماطي وليس
هو حجاج بن محمد الأعور قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (ح)
لتحويل السند قال المؤلّف:
(وحدّثني) بالإفراد (عليّ) غير منسوب، ولابن السكن وكريمة
كما قال في فتح الباري، عليّ ابن عبد الله، ولابن شبويه
علي بن المديني، ورجح أبو علي الجياني أنه علي بن سلمة
اللبقي بفتح اللام والموحدة وبعدها قاف وبه جزم الكلاباذي
وابن طاهر وهو الذي في رواية المستملي.
قال الحافظ ابن حجر: وهذا يُشعِر بأن البخاري لم ينسبه
وإنما نسبه من نسبه من الرواة
بحسب ما طهر له، فإن كان كذلك فالأرجح أنه ابن المديني لأن
العادة أن الإطلاق إنما ينصرف لمن يكون أشهر، وابن المديني
أشهر من اللبقي ومن عادة البخاري إذا أطلق الرواية عن عليّ
إنما يقصد به عليّ بن المديني انتهى.
وفي اليونينية عليّ بن عبد الله ورقم على قوله ابن عبد
الله علامة السقوط لأبي ذر قال: (حدّثنا شبابة) بفتح الشين
المعجمة وتخفيف الموحدتين ابن سوّار المدايني أصله من
خراسان رمي بالإرجاء. وقيل وكان داعية لكن وثّقه ابن معين
وابن المديني وأبو زرعة وغيرهم، وحكى سعيد بن عمرو البرذعي
عن أبي زرعة أنه رجع عن الإرجاء وقد احتج به الجماعة قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا أبو عمران) عبد
الملك بن حبيب الجوني بفتح الجيم وسكون الواو وبالنون
(قال: سمعت طلحة بن عبد الله) بن عثمان بن عبيد الله بن
معمر التيمي فيما جزم به المزي وقيل هو طلحة ابن عبد الله
الخزاعي (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت (قلت: يا
رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي)؟ بضم الهمزة (قال)
عليه الصلاة والسلام وزاد أبو ذر: لي.
(إلى أقربهما منك بابًا) قال الزركشي: ويروى قال أقربهما
بإسقاط إلى وبالجر على حذف الجار وإبقاء عمله ويجوز الرفع
وهو الأكثر، وليس في الحديث ما يدل على ثبوت شفعة الجوار
لأن عائشة -رضي الله عنها- إنما سألت عمن تبدأ به من
جيرانها بالهدية، فأخبرها بأن من قرب أولى من غيره لأنه
ينظر إلى ما يدخل دار جاره وما يخرج منها، فإذا رأى ذلك
أحب أن يشاركه فيه وأنه أسرع إجابة لجاره عند النوائب
العارضة له في أوقات الغفلة، فلذلك بدئ به على من بعد.
وهذا الحديث من إفراد المؤلّف لم يخرجه مسلم، وأخرجه أبو
داود في الأدب والمؤلّف أيضًا فيه وفي الهبة.
(4/125)
|