شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
44 - كتاب في الخصومات
(في الخصومات) جمع خصومة (بسم الله الرحمن الرحيم) وسقط
لغير أبي ذر قوله في الخصومات.
1 - باب مَا يُذْكَرُ فِي الإِشْخَاصِ، وَالْخُصُومَةِ
بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالْيَهُودِ
(باب ما يذكر) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول (في
الأشخاص) بكسر الهمزة وسكون الشين وبالخاء المعجمتين أي
إحضار الغريم من موضع إلى موضع، ولأبي ذر زيادة: والملازمة
وهي مفاعلة
(4/230)
من اللزوم والمراد أن يمنع الغريم غريمه من
التصرف حتى يعطيه حقه (و) ما يذكر في (الخصومة بين المسلم
واليهود) ولأبي ذر والأصيلي: واليهودي بالإفراد.
2410 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَيْسَرَةَ أَخْبَرَنِي
قَالَ: سَمِعْتُ النَّزَّالَ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ
يَقُولُ: "سَمِعْتُ رَجُلاً قَرَأَ آيَةً سَمِعْتُ مِنَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
خِلاَفَهَا، فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَأَتَيْتُ بِهِ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
كِلاَكُمَا مُحْسِنٌ. قَالَ شُعْبَةُ أَظُنُّهُ قَالَ: لاَ
تَخْتَلِفُوا، فَإِنَّ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ اخْتَلَفُوا
فَهَلَكُوا". [الحديث 2410 - طرفاه في: 3408، 3414، 3476،
4813، 5063، 6517، 7428، 7477].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال عبد الملك بن ميسرة)
الهلالي الكوفي التابعي الزرّاد بزاي فراء مشددة (أخبرني)
هو من تقديم الراوي على الصيغة وهو جائز عندهم (قال: سمعت
النزال) بتشديد النون والزاي زاد أبو ذر عن الكشميهني ابن
سبرة بفتح السين المهملة وسكون الموحدة الهلالي التابعي
الكبير وذكره بعضهم في الصحابة لإدراكه، وليس له في
البخاري سوى هذا الحديث عن ابن مسعود وآخر في الأشربة عن
عليّ قال: (سمعت عبد الله) يعني ابن مسعود -رضي الله عنه-
(يقول: سمعت رجلاً) قال الحافظ ابن حجر في
المقدمة: لم أعرف اسمه، وقال في الفتح: يحتمل أن يفسر بعمر
-رضي الله عنه- (قرأ آية) في صحيح ابن حبان أنها من سورة
الرحمن (سمعت من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خلافها فأخذت بيده فأتيت به رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في روايته عن آدم بن أبي
إياس في بني إسرائيل فأخبرته فعرفت في وجهه الكراهية
(فقال) عليه الصلاة والسلام:
(كلاكما محسن) فإن قلت: كيف يستقيم هذا القول مع إظهار
الكراهية؟ أجيب: بأن معنى الإحسان راجع إلى ذلك الرجل
لقراءته وإلى ابن مسعود لسماعه من رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم تحرّيه في الاحتياط
والكراهة راجعة إلى جداله مع ذلك الرجل كما فعل عمر بهشام
كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى لأن ذلك مسبوق
بالاختلاف، وكان الواجب عليه أن يقرّه على قراءته ثم يسأل
عن وجهها.
وقال المظهري: الاختلاف في القرآن غير جائز لأن كل لفظ منه
إذا جاز قراءته على وجهين أو أكثر فلو أنكر أحد واحدًا من
ذينك الوجهين أو الوجوه فقد أنكر القرآن، ولا يجوز في
القرآن القول بالرأي لأن القرآن سُنّة متّبعة بل عليهما أن
يسألا عن ذلك ممن هو أعلم منهما.
(قال شعبة) بن الحجاج بالسند السابق (أظنه قال): (لا
تختلفوا) أي في القرآن وفي معجم البغوي عن أبي جهيم بن
الحرث بن الصمة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال: إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فلا تماروا في
القرآن فإن المراء فيه كفر (فإن من كان قبلكم اختلفوا
فهلكوا) وسقط لأبي الوقت عن الكشميهني لفظ كان.
ومطابقة الحديث للترجمة قال العيني في قوله: لا تختلفوا
لأن الاختلاف الذي يورث الهلاك هو أشد الخصومة. وقال
الحافظ ابن حجر في قوله فأخذت بيده فأتيت به رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: فإنه المناسب
للترجمة انتهى. فهو شامل للخصومة وللأشخاص الذي هو إحضار
الغريم من موضع إلى آخر والله أعلم".
2411 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "اسْتَبَّ رَجُلاَنِ:
رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَرَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ،
قَالَ الْمُسْلِمُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُحَمَّدًا عَلَى
الْعَالَمِينَ، فَقَالَ الْيَهُودِيُّ: وَالَّذِي اصْطَفَى
مُوسَى عَلَى الْعَالَمِينَ، فَرَفَعَ الْمُسْلِمُ يَدَهُ
عِنْدَ ذَلِكَ فَلَطَمَ وَجْهَ الْيَهُودِيِّ، فَذَهَبَ
الْيَهُودِيُّ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِهِ
وَأَمْرِ الْمُسْلِمِ، فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُسْلِمَ فَسَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ،
فَأَخْبَرَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تُخَيِّرُونِي عَلَى مُوسَى،
فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَأَصْعَقُ مَعَهُمْ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يُفِيقُ،
فَإِذَا مُوسَى بَاطِشٌ جَانِبَ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي
أَكَانَ فِيمَنْ صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبْلِي، أَوْ كَانَ
مِمَّنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بالقاف والزاي والعين
المهملة المفتوحات قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني نزيل بغداد
ثقة حجة تكلم فيه بلا قادح وأحاديثه عن الزهري مستقيمة روى
له الجماعة (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن أبي
سلمة) بن عبد الرحمن (وعبد الرحمن) بن هرمز (الأعرج)
كلاهما (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: استب
رجلان رجل من المسلمين) هو أبو بكر الصديق -رضي الله عنه-
كما أخرجه سفيان بن عيينة في جامعه وابن أبي الدنيا في
كتاب البعث لكن في تفسير سورة الأعراف من حديث أبي سعيد
الخدري التصريح بأنه من الأنصار فيحمل على تعدد القصة
(ورجل من اليهود) زعم ابن بشكوال أنه فنحاص بكسر الفاء
وسكون النون وبمهملتين وعزاه لابن إسحاق قال في الفتح:
والذي ذكره ابن إسحاق لفنحاص مع أبي بكر قصة أخرى عند نزول
قوله تعالى: {لقد سمع الله قول الذين قالوا إن الله فقير
ونحن أغنياء} [آل عمران: 181] (قال المسلم) أبو بكر -رضي
الله عنه- أو غيره ولأبي ذر فقال المسلم: (والذي اصطفى
محمدًا على العالمين فقال اليهودي والذي اصطفى موسى على
العالمين) وفي
(4/231)
رواية عبد الله بن الفضل بينما يهودي يعرض
سلعته أعطي بها شيئًا كرهه فقال: لا والذي اصطفى موسى على
البشر (فرفع المسلم يده عند ذلك) أي عند سماع قول اليهودي
والذي اصطفى موسى على العالمين لما فهمه من عموم لفظ
العالمين فيدخل فيه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وقد تقرر عند المسلم أن محمدًا أفضل (فلطم وجه
اليهودي) عقوبة له على كذبه عنده (فذهب اليهودي إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره بما كان من
أمره وأمر المسلم فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- المسلم فسأله عن ذلك فأخبره) وفي رواية عبد
الله بن الفضل فقال اليهودي: يا أبا القاسم إن لي ذمةً
وعهدًا فما بال فلان لطم وجهي؟ فقال: لِمَ لطمت وجهه فذكره
فغضب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى ريء
في وجهه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(لا تخيروني على موسى) تخييرًا يؤدي إلى تنقيصه أو تخييرًا
يفضي بكم إلى الخصومة أو قاله تواضعًا أو قبل أن يعلم أنه
سيد ولد آدم (فإن الناس يصعقون) بفتح العين من صعق بكسرها
إذا أغمي عليه من الفزع (يوم القيامة فأصعق معهم فأكون أول
من يفيق) لم يبين في رواية الزهري محل الإفاقة من أيّ
الصعقتين، ووقع في رواية عبد الله بن الفضل فإنه ينفخ في
الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من يشاء الله
ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث (فإذا موسى باطش جانب
العرش) آخذ بناحية منه بقوّة (فلا أدري كان) بهمزة
الاستفهام ولأبي الوقت كان (فيمن صعق فأفاق قبلي) فيكون
ذلك له فضيلة ظاهرة (أو كان ممن استثنى الله) في قوله
تعالى: {فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء
الله} [الزمر: 68] فلم يصعق فهي فضيلة أيضًا.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التوحيد وفي الرقاق ومسلم في
الفضائل وأبو داود في السنة والنسائي في النعوت.
2412 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ:
"بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- جَالِسٌ جَاءَ يَهُودِيٌّ فَقَالَ: يَا أَبَا
الْقَاسِمِ ضَرَبَ وَجْهِي رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِكَ.
فَقَالَ: مَنْ؟ قَالَ: رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ. قَالَ:
ادْعُوهُ. فَقَالَ: أَضَرَبْتَهُ؟ قَالَ: سَمِعْتُهُ
بِالسُّوقِ يَحْلِفُ: وَالَّذِي اصْطَفَى مُوسَى عَلَى
الْبَشَرِ، قُلْتُ: أَىْ خَبِيثُ، عَلَى مُحَمَّدٍ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَأَخَذَتْنِي غَضْبَةٌ
ضَرَبْتُ وَجْهَهُ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ تُخَيِّرُوا بَيْنَ
الأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَصْعَقُونَ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ
الأَرْضُ، فَإِذَا أَنَا بِمُوسَى آخِذٌ بِقَائِمَةٍ مِنْ
قَوَائِمِ الْعَرْشِ، فَلاَ أَدْرِي أَكَانَ فِيمَنْ
صَعِقَ، أَمْ حُوسِبَ بِصَعْقَةِ الأُولَى". [الحديث 2412
- أطرافه في: 3398، 4638، 6916، 6917، 7427].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي قال:
(حدّثنا وهيب) بالتصغير ابن خالد قال: (حدّثنا عمرو بن
يحيى) بفتح العين وسكون الميم (عن أبيه) يحيى بن عمارة
الأنصاري (عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله
عنه-) أنه (قال: بينما) بالميم ولأبوي ذر والوقت: بينا
(رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس جاء
يهودي) قيل اسمه فنحاص كما مرّ (فقال: يا أبا القاسم ضرب
وجهي رجل من أصحابك فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(من؟ قال) اليهودي: ضربني (رجل من الأنصار) سبق أنه أبو
بكر الصديق -رضي الله عنه- وهو معارض بقوله هنا من الأنصار
فيحمل الأنصار على المعنى الأعم أو على التعدد (قال) عليه
الصلاة والسلام (ادعوه) فدعوه فحضر (فقال) له عليه الصلاة
والسلام: (أضربته؟ قال): نعم (سمعته بالسوق يحلف والذي
اصطفى موسى على البشر) ولأبي ذر عن الكشميهني: على النبيين
(قلت: أي) حرف نداء أي يا (خبيث) أأصطفي موسى (على محمد
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)؟ استفهام إنكاري
(فأخذتني غضبة ضربت وجهه، فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تخيروا بين الأنبياء) تخيير تنقيص
وإلا فالتفضيل بينهم ثابت قال تعالى: {ولقد فضّلنا بعض
النبيين على بعض} [الإسراء: 55] و {تلك الرسل فضّلنا بعضهم
على بعض} [البقرة: 253] (فإن الناس يصعقون يوم القيامة
فأكون أوّل من تنشق عنه الأرض) أي أوّل من يخرج من قبره
قبل الناس أجمعين من الأنبياء وغيرهم (فإذا أنا بموسى) هو
(آخذ بقائمة من قوائم العرش) أي بعمود من عمده (فلا أدري
أكان فيمن صعق) أي فيمن غشي عليه من نفخة البعث فأفاق قبلي
(أم حوسب بصعقة) الدار (الأولى) وهي صعقة الطور المذكور في
قوله تعالى: {وخرّ موسى صعقًا} [الأعراف: 143] ولا منافاة
بين قوله في الحديث السابق أو كان ممن استثنى الله وبين
قوله هنا: أم حوسب بصعقه الأولى لأن المعنى لا أدري أي هذه
الثلاثة كانت من الإفاقة أو الاستثناء أو المحاسبة.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله عليه الصلاة والسلام
(ادعوه) فإن المراد به إشخاصه بين يديه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
والحديث أخرجه المؤلّف في التفسير
(4/232)
والدّيات وأحاديث الأنبياء عليهم الصلاة
والسلام والتوحيد، ومسلم في أحاديث الأنبياء، وأبو داود في
السُّنّة مختصرًا لا تخيروا بين الأنبياء.
2413 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ يَهُودِيًّا
رَضَّ رَأْسَ جَارِيَةٍ بَيْنَ حَجَرَيْنِ. قِيلَ: مَنْ
فَعَلَ هَذَا بِكِ، أَفُلاَنٌ أَفُلاَنٌ؟ حَتَّى سُمِّيَ
الْيَهُودِيُّ فَأَوْمَتْ بِرَأْسِهَا، فَأُخِذَ
الْيَهُودِيُّ فَاعْتَرَفَ، فَأَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُضَّ رَأْسُهُ
بَيْنَ حَجَرَيْنِ". [الحديث 2413 - أطرافه في: 2746،
5295، 6876، 6877، 6879، 6884، 6885].
وبه قال: (حدّثنا موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي قال:
(حدّثنا همّام) هو ابن يحيى بن دينار البصري (عن قتادة) بن
دعامة (عن أنس -رضي الله عنه- أن يهوديًّا رضَّ) بتشديد
الضاد المعجمة أي دق (رأس جارية) لم تسم هي ولا اليهودي.
نعم في رواية أبي داود أنها كانت من الأنصار (بين حجرين)
وعند الطحاوي عدا يهودي في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على جارية فأخذ أوضاحًا كانت عليها
ورضخ رأسها والأرضاح نوع من الحلي يعمل من الفضة، ولمسلم
فرضح رأسها بين حجرين، وللترمذي خرجت جارية عليها أوضاح
فأخذها يهودي فرضح رأسها وأخذ ما عليها من الحلي قال:
فأدركت وبها رمق فأتي بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (قيل):
(من فعل هذا) الرض (بك أفلان) فعله؟ استفهام استخباري
(أفلان) فعله قاله مرتين وفائدته أن يعرف المتهم ليطالب
(حتى سمى) القائل (اليهودي) ولغير أبي ذر: حتى سمي بضم
السين وكسر الميم مبنيًّا للمفعول اليهودي بالرفع نائب عن
الفاعل (فأومت) ولأبي ذر: فأومأت بهمزة بعد الميم أي أشارت
(برأسها) أي نعم (فأخذ اليهودي) بضم الهمزة وكسر الخاء
المعجمة واليهودي رفع (فاعترف) أنه فعل بها ذلك (فأمر به
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرضّ رأسه بين
حجرين) احتجّ به المالكية والشافعية والحنابلة والجمهور
على أن من قتل بشيء يقتل بمثله وعلى أن القصاص لا يختص
بالمحدّد بل يثبت بالمثقل خلافًا لأبي حنيفة حيث قال: لا
قصاص إلا في القتل بمحدد، وتمسك المالكية بهذا الحديث
لمذهبهم في ثبوت القتل على المتهم بمجرد قول المجروح وهو
تمسك باطل لأن اليهودي اعترف كما ترى وإنما قتل باعترافه
قال النووي.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الوصايا والدّيات،
ومسلم في الحدود، وابن ماجة في الدّيات.
2 - باب مَنْ رَدَّ أَمْرَ السَّفِيهِ وَالضَّعِيفِ
الْعَقْلِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حَجَرَ عَلَيْهِ الإِمَامُ
وَيُذْكَرُ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَدَّ عَلَى
الْمُتَصَدِّقِ قَبْلَ النَّهْيِ، ثُمَّ نَهَاهُ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إِذَا كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ
وَلَهُ عَبْدٌ لاَ شَىْءَ لَهُ غَيْرُهُ فَأَعْتَقَهُ لَمْ
يَجُزْ عِتْقُهُ.
(باب من ردّ أمر السفيه) السفه ضد الرشد الذي هو صلاح
الدين والمال (و) أمر (الضعيف العقل) وهو أعمّ من السفيه
(وإن لم يكن حجر عليه الإمام) وهذا مذهب ابن القاسم وقصره
أصبغ على من ظهر سفهه، وقال الشافعية: لا يرد مطلقًا إلا
ما تصرف بعد الحجر.
(ويذكر) بضم أوّله وفتح ثالثه (عن جابر) هو ابن عبد الله
الأنصاري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ردّ على المتصدق) المحتاج لما تصدق به
(قبل النهي ثم نهاه) أي عن مثل هذه الصدقة بعد ذلك، ومراده
ما رواه عبد ابن حميد موصولاً في مسنده من طريق محمود بن
لبيد عن جابر في قصة الذي أتى بمثل البيضة من ذهب أصابها
في معدن فقال: يا رسول الله خذها مني صدقة فوالله ما لي
مال غيرها فأعرض عنه فأعاد فحذفه بها ثم قال: "يأتي أحدكم
بماله لا يملك غيره فيتصدّق به ثم يقعد بعد ذلك يتكفف
الناس إنما الصدقة عن ظهر غنى" ورواه أبو داود وصححه ابن
خزيمة كذا قاله ابن حجر في المقدمة، وزاد في الشرح: ثم ظهر
لي أن البخاري إنما أراد قصة الذي دبر عبده فباعه النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما قاله عبد الحق
وإنما لم يجزم بل عبر بصيغة التمريض لأن القدر الذي يحتاج
إليه في الترجمة ليس على شرطه وهو من طريق أبي الزبير عن
جابر أنه قال: أعتق رجل من بني عذرة عبدًا له عن دبر فبلغ
ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال:
"ألك مال غيره" فقال: لا. الحديث وفيه ثم قال ابدأ بنفسك
فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك" الحديث. وهذه الزيادة
تفرّد بها أبو الزبير وليس هو من شرط البخاري والبخاري لا
يجزم غالبًا إلا بما كان على شرطه.
(وقال مالك) الإمام الأعظم مما أخرجه ابن وهب في الموطأ
عنه (إذا كان لرجل على رجل مال وله عبد لا شيء له غيره
فأعتقه لم يجز عتقه) وهذا استنبطه من قصة المدبر السابقة.
3 - باب مَنْ بَاعَ عَلَى الضَّعِيفِ وَنَحْوِهِ فَدَفَعَ
ثَمَنَهُ إِلَيْهِ وَأَمَرَهُ بِالإِصْلاَحِ وَالْقِيَامِ
بِشَأْنِهِ فَإِنْ أَفْسَدَ بَعْدُ مَنَعَهُ، لأَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى
عَنْ إِضَاعَةِ الْمَالِ، وَقَالَ لِلَّذِي يُخْدَعُ فِي
الْبَيْعِ: إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ: لاَ خِلاَبَةَ، وَلَمْ
يَأْخُذِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَالَهُ
(ومن باع) بواو العطف على سابقه ولأبوي ذر والوقت: باب من
باع (على الضعيف) العقل (ونحوه)
(4/233)
وهو السفيه (فدفع) وللأبوين: ودفع (ثمنه
إليه وأمره بالإصلاح والقيام بشأنه) وهذا حاصل ما فعله
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيع المدبر
(فإن أفسد بعد) بالضم أي فإن أفسد الضعيف العقل بعد ذلك
(منعه) من التصرف (لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نهى عن إضاعة المال) كما مر قريبًا (وقال) عليه
السلام (للذي يخدع في البيع) أي يغبن فيه (إذا بايعت فقل
لا خلابة) كما مرّ أيضًا (ولم يأخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ماله) أي مال الرجل الذي باع غلامه
لأنه لم يظهر عنده سفهه حقيقة إذ لو ظهر لمنعه من أخذه.
2414 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي
الله عنهما- قَالَ: "كَانَ رَجُلٌ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ،
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِذَا بَايَعْتَ فَقُلْ لاَ خِلاَبَةَ، فَكَانَ
يَقُولُهُ".
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا)
ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (عبد العزيز بن مسلم) القسملي
المروزي ثم البصري قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار قال:
سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان رجل) اسمه حبان بن
منقذ الأنصاري الصحابي ابن الصحابي المازني (يخدع في
البيع) وكان قد شج في بعض مغازيه مع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحجر من بعض الحصون فأصابته في رأسه
مأمومة فتغير بها لسانه وعقله ولكنه لم يخرج عن التمييز
(فقال له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بعد
أن شكا إليه ما يلقى من الغبن.
(إذا بايعت فقل لا خلابة) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف اللام
أي لا خديعة (فكان يقوله) وعند الدارقطني فجعل رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له الخيار فيما
يشتريه ثلاثًا فلو كان الغبن مثبتًا للخيار إلى اشتراط
الخيار ثلاثًا ولا احتاج أيضًا إلى قوله "لا خلابة" فهي
واقعة عين وحكاية حال مخصوصة بصاحبها لا تتعداه إلى غيره.
وفي الترمذي من حديث أنس أن رجلاً كان في عقدته ضعف وكان
يبايع وأن أهله أتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقالوا: يا رسول الله احجر عليه فدعاه النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنهاه، فقال: يا رسول
الله إني لا أصبر عن البيع فقال: "إذا بايعت فقل هاء ولا
خلابة". واستدلّ به الشافعي وأحمد على حجر السفيه الذي لا
يحسن التصرف، ووجه ذلك أنه لا طلب أهله إلى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحجر عليه دعاه فنهاه عن
البيع وهذا هو الحجر.
وقال الترمذي: وفي الباب عن ابن عمر حديث أنس حسن صحيح
غريب والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم وقالوا:
يحجر على الرجل الحر في البيع والشراء إذا كان ضعيف العقل،
وهو قول أحمد وإسحاق ولم ير بعضهم أن يحجر على الحر البالغ
انتهى. وهو قول الحنفية.
وسبق هذا الحديث في باب ما يكره من الخداع في البيع في
كتاب البيوع.
2415 - حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ
أَبِي ذِئْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ
جَابِرٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَجُلاً أَعْتَقَ عَبْدًا
لَهُ لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ، فَرَدَّهُ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَابْتَاعَهُ مِنْهُ
نُعَيْمُ بْنُ النَّحَّامِ".
وبه قال: (حدّثنا عاصم بن علي) الواسطي قال: (حدّثنا ابن
أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن محمد بن المنكدر) بن عبد
الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني (عن جابر) هو ابن
عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه- أن رجلاً) من الصحابة
يسمى بأبي مذكور (أعتق عبدًا له) يقال له يعقوب (ليس له
مال غيره) وأطلق العتق هنا وقيده في الرواية السابقة بقوله
عن دبر فيحمل المطلق على المقيد جميعًا بين
الحديثين (فردّه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) تدبيره (فابتاعه منه) أي ابتاع العبد من النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثمانمائة درهم (نعيم
بن النحام) بنون مفتوحة وحاء مهملة مشددة، وقوله ابن
النحام وقع كذلك في مسند أحمد وفي الصحيحين وغيرهما، لكن
قال النووي قالوا وهو غلط وصوابه فاشتراه النحام فإن
المشتري هو نعيم وهو النحام سمي بذلك لقول النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دخلت الجنة فسمعت فيها نحمة
لنعيم" والنحمة الصوت، وقيل هو السعلة، وقيل النحنحة.
ونعيم هذا قرشي من بني عدي أسلم قديمًا قبل إسلام عمر،
وكان يكتم إسلامه. قال مصعب الزبيري: كان إسلامه قبل عمر،
ولكنه لم يهاجر إلا قبيل فتح مكة وذلك لأنه كان ينفق على
أرامل بني عدي وأيتامهم فلما أراد أن يهاجر قال له قومه
أقم ودن بأي دين شئت.
وقال الزبير ذكروا أنه لما قدم المدينة قال له النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "يا نعيم إن قومك
كانوا خيرًا لك من قومي" قال: بل قومك خير يا رسول الله
قال: "إن قومي أخرجوني وإن قومك أقرّوك" فقال نعيم: يا
رسول الله إن قومك أخرجوك إلى الهجرة وإن قومي حبسوني عنها
انتهى.
فإن قلت: ما وجه
(4/234)
المناسبة بين الترجمة وما ساقه معها؟
فالجواب ما قاله ابن المنير وهو أن العلماء اختلفوا في
سفيه الحال قبل الحكم هل تردّ عقوده، واختلف قول مالك في
ذلك واختار البخاري ردّها، واستدلّ بحديث المدبر وذكر قول
مالك في ردّ عتق المديان قبل الحجر إذا أحاط الدين بماله
ويلزم مالكًا ردّ أفعال سفيه الحال لأن الحجر في المديان
والسفيه مطّرد، ثم فهم البخاري أنه يردّ عليه حديث الذي
يخدع فإن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اطّلع
على أنه يخدع وأمضى أفعاله الماضية والمستقبلة فنبّه على
أن الذي ترد أفعاله هو الظاهر السفه البيّن الإضاعة كإضاعة
صاحب المدبر وأن المخدوع في البيوع يمكنه الاحتراز، وقد
نبّهه الرسول على ذلك ثم فهم أنه يرد عليه كون النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطى صاحب المدبر
ثمنه ولو كان بيعه لأجل السفه لما سلم إليه الثمن فنبّه
على أنه إنما أعطاه بعد أن أعلمه طريق الرشد وأمره
بالإصلاح والقيام بشأنه وما كان السفه حينئذٍ فسقًا وإنما
كان لشيء من الغفلة وعدم البصيرة بمواقع المصالح فلما
بيّنها كفاه ذلك ولو ظهر للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بعد ذلك أنه لم يهتد ولم يرشد لمنعه التصرف
مطلقًا وحجر عليه.
4 - باب كَلاَمِ الْخُصُومِ بَعْضِهِمْ فِي بَعْضٍ
(باب كلام الخصوم بعضهم في بعض) أي فيما لا يوجب حدًّا ولا
تعزيرًا.
2416، 2417 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا أَبُو
مُعَاوِيَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ حَلَفَ عَلَى
يَمِينٍ وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ
امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَقِيَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ
غَضْبَانُ. قَالَ فَقَالَ الأَشْعَثُ: فِيَّ وَاللَّهِ
كَانَ ذَلِكَ. كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنَ
الْيَهُودِ أَرْضٌ، فَجَحَدَنِي، فَقَدَّمْتُهُ إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ
لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أَلَكَ بَيِّنَةٌ؟ قُلْتُ: لاَ. قَالَ:
فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِفْ. قَالَ: قُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِذًا يَحْلِفَ وَيَذْهَبَ بِمَالِي.
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ
يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا
قَلِيلاً} إِلَى آخِرِ الآيَةِ".
وبه قال: (حدّثنا محمد) هو ابن سلام كما ذكره أبو نعيم
وخلف قال: (أخبرنا أبو معاوية) محمد بن خازم بالخاء
المعجمة والزاي الضرير (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن
شقيق) أبي وائل هو ابن سلمة الأسدي الكوفي (عن عبد الله)
بن مسعود (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من حلف على يمين) أي محلوف يمين أو على شيء بيمين (وهو
فيها) أي والحال أنه فيها (فاجر) كاذب (ليقتطع بها) أي
باليمين الفاجرة (مال امرئ مسلم) أو ذمي والتقييد بالمسلم
جرى على الغالب كما جرى على الغالب في تقييده بمال وإلا
فلا فرق بين المسلم والذمي والمعاهد وغيرهم ولا بين المال
وغيره في ذلك لأن الحقوق كلها في ذلك سواء ومعنى اقتطاعه
المال أن يأخذه بغير حقه بل بمجرد يمينه المحكوم بها في
ظاهر الشرع (لقي الله) عز وجل يوم القيامة (وهو عليه
غضبان) جملة اسمية وقعت حالاً والغضب من المخلوقين شيء
يداخل قلوبهم ولا يليق أن يوصف الباري تعالى بذلك فيؤول
ذلك على ما يليق به تعالى فيحمل على آثاره ولوازمه، فيكون
المراد أن يعامله معاملة المغضوب عليه فيعذبه بما شاء من
أنواع العذاب (قال: فقال الأشعث) بن قيس الكندي (فيّ والله
كان ذلك كان بيني وبين رجل من اليهود) اسمه الجفشيش بالجيم
المفتوحة والشينين المعجمتين
بينهما تحتية ساكنة على الأشهر، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: كان بين رجل وبيني (أرض) ولمسلم أرض باليمين
وفي باب الخصومة في البئر كانت لي بئر في أرض (فجحدني
فقدّمته إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
ألك بينة) أي تشهد لك باستحقاقك ما ادّعيته قال الأشعث
(قلت لا) بيّنة لي (قال: فقال) عليه الصلاة والسلام
(لليهودي: احلف قال) الأشعث: (قلت يا رسول الله إذًا يحلف)
بالنصب بإذًا (ويذهب بمالي) بنصب يذهب عطفًا على سابقه
وهذا موضع الترجمة فإنه نسبه إلى الحلف الكاذب لأنه أخبر
بما كان يعلمه منه (فأنزل الله تعالى {إن الذين يشترون})
أي يستبدلون ({بعهد الله}) بما عاهدوا الله عليه الإيمان
بالرسول والوفاء بالأمانات ({وأيمانهم}) وبما حلفوا عليه
({ثمنًا قليلاً}) [آل عمران: 7] متاع الدنيا (إلى آخر
الآية) فى سورة آل عمران أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا
يكلمهم الله أي بما يسرهم ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا
يزكّيهم ولهم عذاب أليم، وقيل نزلت في أحبار حرّفوا
التوراة وبدّلوا نعت محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وحكم الأمانات وغيرهما وأخذوا على ذلك رشوة،
وقيل نزلت في رجل أقام سلعة في السوق فحلف لقد اشتراها بما
لم يشتر به.
وقد سبق هذا الحديث في المساقاة.
2418 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا يُونُسُ
عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ
مَالِكٍ عَنْ كَعْبٍ -رضي الله عنه-: "أَنَّهُ تَقَاضَى
ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ فِي
الْمَسْجِدِ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى
سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهْوَ فِي بَيْتِهِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا
حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ فَنَادَى: يَا كَعْبُ
قَالَ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ضَعْ مِنْ
دَيْنِكَ هَذَا -فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ أَىِ الشَّطْرَ-
قَالَ: لَقَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: قُمْ
فَاقْضِهِ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي بفتح النون
قال: (حدّثنا عثمان بن عمر) بن فارس العبدي
(4/235)
البصري وأصله من بخارى قال: (أخبرنا)
ولأبوي ذر والوقت: حدّثنا (يونس) بن يزيد الأيلي (عن
الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن عبد الله بن كعب بن مالك
عن) أبيه (كعب -رضي الله عنه- أنه تقاضى ابن أبي حدرد)
بفتح الحاء وسكون الدال المهملتين ثم راء مفتوحة ثم دال
مهملة قال الجوهري: ولم يأتِ من الأسماء على قعلع بتكرير
العين غير حدرد واسمه عبد الله الأسلمي (دينًا) وعند
الطبراني أنه كان أوقيتين (كان له عليه في المسجد) متعلق
بتقاضى (فارتفعت أصواتهما حتى سمعها) أي الأصوات (رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو في بيته
فخرج إليهما حتى كشف سجف حجرته) بكسر السين المهملة وسكون
الجيم وبالفاء أي سترها أو هو أحد طرفي الستر المفرج
(فنادى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يا كعب قال)
كعب (لبيك يا رسول الله قال) عليه الصلاة والسلام (ضع من
دينك هذا فأومأ) بالفاء أي أشار ولأبي ذر وأومأ (إليه أي)
ضع (الشطر) أي ضع النصف (قال) كعب (لقد فعلت يا رسول الله)
عبّر بالماضي مبالغة في امتثال الأمر (قال) عليه الصلاة
والسلام لابن أبي حدرد: (قم فاقضه) الشطر الآخر.
ومطابقة الترجمة في قوله فارتفعت أصواتهما مع قوله في بعض
طرق الحديث فتلاحيا فإن ذلك يدل على أنه وقع بينهما ما
يقتضي ذلك.
وهذا الحديث قد سبق في باب التقاضي والملازمة في المسجد من
كتاب الصلاة.
2419 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدٍ
الْقَارِيِّ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: "سَمِعْتُ هِشَامَ
بْنَ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ يَقْرَأُ سُورَةَ الْفُرْقَانِ
عَلَى غَيْرِ مَا أَقْرَؤُهَا، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقْرَأَنِيهَا،
وَكِدْتُ أَنْ أَعْجَلَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَمْهَلْتُهُ
حَتَّى انْصَرَفَ، ثُمَّ لَبَّبْتُهُ بِرِدَائِهِ فَجِئْتُ
بِهِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقُلْتُ: إِنِّي سَمِعْتُ هَذَا يَقْرَأُ عَلَى غَيْرِ
مَا أَقْرَأْتَنِيهَا، فَقَالَ لِي: أَرْسِلْهُ. ثُمَّ
قَالَ لَهُ: اقْرَأْ فَقَرَأَ. قَالَ: هَكَذَا أُنْزِلَتْ.
ثُمَّ قَالَ لِي: اقْرَأْ. فَقَرَأْتُ. فَقَالَ: هَكَذَا
أُنْزِلَتْ. إِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى سَبْعَةِ
أَحْرُفٍ، فَاقْرَءُوا مِنْهُ مَا تَيَسَّرَ". [الحديث
2419 - أطرافه في: 4992، 5041، 6936، 7550].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) إمام دار الهجرة ابن أنس الأصبحي (عن ابن شهاب) محمد
بن مسلم الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عبد
الرحمن بن عبد) بالتنوين غير مضاف لشيء (القاريّ) بتشديد
التحتية نسبة إلى القارة بطن من خزيمة بن مدركة وليس
منسوبًا إلى القراءة، وكان عبد الرحمن هذا من كبار
التابعين وذكر في الصحابة لكونه أُتي به النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو صغير كما أخرجه البغوي في
معجم الصحابة بإسناد لا بأس به (أنه قال: سمعت عمر بن
الخطاب -رضي الله عنه- يقول: سمعت هشام بن حكيم بن حزام)
بالحاء المهملة والزاي الأسدي وله ولأبيه صحبة وأسلما يوم
الفتح (يقرأ سورة الفرقان) وغلط من قال سورة الأحزاب (على
غير ما أقرؤها وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أقرأنيها وكدت أن أعجل عليه) بفتح الهمزة وسكون
العين وفتح الجيم، ولأبي ذر في نسخة: أن أعجل عليه بضم
الهمزة وفتح العين وتشديد الجيم المكسورة أي أن أخاصمه
وأظهر بوادر غضبي عليه (ثم أمهلته حتى انصرف). قال العيني
كالكرماني: أي من القراءة انتهى.
وفيه نظر فإن في الفضائل في باب أنزل القرآن على سبعة أحرف
من رواية عقيل عن ابن شهاب فكدت أساوره في الصلاة فتصبرت
حتى سلم فيكون المراد هنا حتى انصرف من الصلاة (ثم لببته)
بتشديد الموحدة الأولى وسكون الثانية (بردائه) جعلته في
عنقه وجررته به لئلا ينفلت وإنما فعل ذلك به اعتناء
بالقرآن وذبًّا عنه ومحافظة على لفظه كما سمعه من غير عدول
إلى ما تجوّزه العربية مع ما كان عليه من الشدة في الأمر
بالمعروف، (فجئت به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وفي رواية عقيل عن ابن شهاب فانطلقت به أقوله
إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقلت
إني سمعت هذا يقرأ) زاد عقيل سورة الفرقان (على غير ما
أقرأتنيها فقال) عليه الصلاة والسلام (لي):
(أرسله) أي أطلق هشامًا لأنه كان ممسوكًا معه (ثم قال)
عليه الصلاة والسلام (له) أي لهشام: (اقرأ فقرأ) زاد عقيل
القراءة التي سمعته يقرأ (قال) عليه الصلاة والسلام: (هكذا
أنزلت) قال عمر (ثم قال) عليه الصلاة والسلام (لي: اقرأ
فقرأت) كما أقرأني (فقال) عليه الصلاة والسلام: (هكذا
أنزلت) ثم قال عليه الصلاة والسلام تطييبًا لعمر لئلا ينكر
تصويب الشيئين المختلفين (إن القرآن أنزل على سبعة أحرف)
أي أوجه من الاختلاف وذلك إما في الحركات بلا تغيير في
المعنى والصورة نحو البخل ويحسب بوجهين أو بتغيير في
المعنى فقط نحو: {فتلقى آدم من ربه كلمات} [البقرة: 37]
(4/236)
واذكر بعد أمة وأمه.
وإما في الحروف بتغيير المعنى لا الصورة نحو: تبلو ونبلو
وننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك وننجيك أو عكس ذلك نحو: بسطة
وبصطة والسراط والصراط أو بتغييرهما نحو: أشد منكم ومنهم
ويأتل ويتأل، وفامضوا إلى ذكر الله، وإما في التقديم
والتأخير نحو: فيقتلون ويقتلون وجاءت سكرة الحق بالموت أو
في الزيادة والنقصان نحو: أوصى ووصى والذكر والأُنثى، فهذا
ما يرجع إليه صحيح القراءات وشاذها وضعيفها ومنكرها لا
يخرج عنه شيء، وأما نحو اختلاف الإظهار والإدغام والروم
والإشمام مما يعبر عنه بالأصول فليس من الاختلاف الذي
يتنوّع فيه اللفظ أو المعنى لأن هذه
الصفات المتنوّعة في أدائه لا تخرجه عن أن يكون لفظًا
واحدًا ولئن فرض فيكون من الأول ويأتي إن شاء الله تعالى
بعونه سبحانه مزيد لذلك في فضائل القرآن، وفي كتابي الذي
جمعته في فنون القراءات الأربعة عشر من ذلك ما يكفي ويشفي
(فاقرؤوا منه) أي من المنزل بالسبعة (ما تيسر) فيه إشارة
إلى الحكمة في التعدد وأنه للتيسير على القارئ ولم يقع في
شيء من الطرق فيما علمت تعيين الأحرف التي اختلف فيها عمر
وهشام من سورة الفرقان. نعم يأتي إن شاء الله تعالى ما
اختلف في ذلك من دون الصحابة فمن بعدهم في هذه السورة في
باب الفضائل، والغرض من الحديث هنا قوله ثم لببته بردائه
ففيه مع إنكاره عليه بالقول إنكاره عليه بالفعل.
وقد أخرج المؤلّف هذا الحديث في فضائل القرآن والتوحيد وفي
استتابة المرتدين ومسلم في الصلاة وكذا أبو داود وأخرجه
الترمذي في القراءة والنسائي في الصلاة وفي فضائل القرآن.
5 - باب إِخْرَاجِ أَهْلِ الْمَعَاصِي وَالْخُصُومِ مِنَ
الْبُيُوتِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ وَقَدْ أَخْرَجَ عُمَرُ
أُخْتَ أَبِي بَكْرٍ حِينَ نَاحَتْ
(باب إخراج أهل المعاصي والخصوم من البيوت بعد المعرفة) أي
بأحوالهم على سبيل التأديب لهم (وقد أخرج عمر) بن الخطاب
-رضي الله عنه- (أخت أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه- أم
فروة من بيتها (حين ناحت) لما توفي أبو بكر أخوها وعلاها
بالدرة ضربات فتفرق النوائح حين سمعن ذلك كما وصله ابن سعد
في الطبقات بإسناد صحيح من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب.
2420 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعْدِ
بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ
بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى مَنَازِلِ
قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ فَأُحَرِّقَ
عَلَيْهِمْ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بفتح الموحدة وتشديد
المعجمة ابن عثمان العبدي البصري أبو بكر بندار قال:
(حدّثنا محمد بن أبي عدي) نسبه لجده واسم أبيه إبراهيم
البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم) بسكون
العين ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري -رضي الله عنه- (عن)
عمه (حميد بن عبد الرحمن) بن عوف الزهري (عن أبي هريرة)
-رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لقد هممت) أي قصدت (أن آمر بالصلاة فتقام) بالنصب عطفًا
على المنصوب بأن وأل في الصلاة للعهد، ففي رواية أنها
العشاء، وفي أخرى الفجر، وفي أخرى الجمعة أو للجنس فهو
عام، وفي رواية يتخلفون عن الصلاة مطلقًا فيحمل على التعدد
(ثم أخالف) أي آتي (إلى منازل قوم لا يشهدون الصلاة) في
الجماعة (فأحرّق) بالتشديد (عليهم) أي بيوتهم كما في
الأخرى.
وهذا موضع الترجمة لأنه إذا أحرقها عليهم بادروا بالخروج
منها.
وسبق هذا الحديث في باب وجوب صلاة الجماعة من كتاب الصلاة.
6 - باب دَعْوَى الْوَصِيِّ لِلْمَيِّتِ
(باب دعوى الوصي للميت) أي عنه في الاستلحاق وغيره من
الحقوق.
2421 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: "أَنَّ عَبْدَ بْنَ
زَمْعَةَ وَسَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ اخْتَصَمَا إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ابْنِ
أَمَةِ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَوْصَانِي أَخِي إِذَا قَدِمْتُ أَنْ أَنْظُرَ ابْنَ
أَمَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبِضَهُ فَإِنَّهُ ابْنِي. وَقَالَ
عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: أَخِي وَابْنُ أَمَةِ أَبِي، وُلِدَ
عَلَى فِرَاشِ أَبِي. فَرَأَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَبَهًا بَيِّنًا، فَقَالَ: هُوَ لَكَ
يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ.
وَاحْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن
الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن عبد بن زمعة) بسكون
الميم، ولأبي ذر: زمعة بفتحها (وسعد بن أبي وقاص) أخا عتبة
بن أبي وقاص لأبيه واسم أبي وقاص مالك بن أهيب (اختصما)
عام الفتح (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في ابن أمة زمعة) أي جاريته واسم ابنها عبد الرحمن الصحابي
(فقال سعد: يا رسول الله أوصاني أخي) عتبة (إذا قدمت) بتاء
المتكلم أي مكة ولأبي ذر: إذا قدمت بتاء الخطاب (أن انظر
ابن أمة زمعة) بسكون النون وقطع همزة انظر أو بوصل الهمزة
فتكسر النون والراء (فأقبضه) بهمزة الوصل والجزم على
الأمر، ولأبي ذر: فأقبضه بهمزة
(4/237)
قطع وفتح الضاد (فإنه ابني) أي لكونه
وطئها. (وقال عبد بن زمعة): هو (أخي وابن أمة أبي ولد على
فراش أبي) زمعة (فرأى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) في عبد الرحمن الابن المتنازع فيه (شبهًا
بيّنًا) زاد أبو ذر والأصيلي: بعتبة (فقال) عليه الصلاة
والسلام:
(هو) أي الولد (لك) أي أخوك (يا عبد بن زمعة) برفع عبد
ونصبه ونصب ابن كذا في الفرع. وقال البرماوي ينبغي أن يقرأ
برفع عبد فقط لأنه علم ونصب ابن دائمًا على الأكثر، فقد
قال في التسهيل فربما ضم ابن اتباعًا (الولد للفراش) أي
لصاحبه زاد في الأخرى وللعاهر الحجر (واحتجبي منه) أي من
الولد (يا سودة) قطعًا للذريعة بعد حكمه بالظاهر فكأنه حكم
بحكمين حكم ظاهر وهو الولد للفراش وباطن وهو الاحتجاب لأجل
الشبه وللرجل أن يمنع امرأته من رؤية أخيها.
وهذا الحديث سبق في أوائل البيوع ويأتي إن شاء الله تعالى
في كتاب الفرائض.
7 - باب التَّوَثُّقِ مِمَّنْ تُخْشَى مَعَرَّتُهُ
وَقَيَّدَ ابْنُ عَبَّاسٍ عِكْرِمَةَ عَلَى تَعْلِيمِ
الْقُرْآنِ وَالسُّنَنِ وَالْفَرَائِضِ.
(باب) مشروعية (التوثق ممن تخشى معرّته) بفتح الميم والعين
المهملة وتشديد الراء أي فساده (وقيد ابن عباس) -رضي الله
عنهما- فيما وصله ابن سعد في الطبقات وأبو نعيم في الحلية
(عكرمة) مولاه (على تعلم القرآن والسُّنن والفرائض).
2422 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "بَعَثَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلاً
قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ
يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ سَيِّدُ أَهْلِ
الْيَمَامَةِ، فَرَبَطُوهُ بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي
الْمَسْجِدِ. فَخَرَجَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: مَا عِنْدَكَ يَا
ثُمَامَةُ؟ قَالَ: عِنْدِي يَا مُحَمَّدُ خَيْرٌ -فَذَكَرَ
الْحَدِيثَ. قَالَ: أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث) بن
سعد الإمام (عن سعيد بن أبي سعيد) المقبري (أنه سمع أبا
هريرة -رضي الله عنه- يقول بعث رسول الله خيلاً) أي
ركبانًا (قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة نجد
ومقابلها وكان أميرهم محمد بن مسلمة أرسله عليه الصلاة
والسلام في ثلاثين راكبًا إلى القرطاء سنة ست قاله ابن
إسحاق. وقال سيف في الفتوح له كان أميرها العباس بن عبد
المطلب وهو الذي أسر ثمامة (فجاءت برجل من بني حنيفة يقال
له ثمامة بن أثال) بضم المثلثة وتخفيف الميم وبعد الألف
ميم أخرى مفتوحة وأثال بضم الهمزة وتخفيف المثلثة وبعد
الألف لام (سيد أهل اليمامة) بتخفيف الميمين مدينة من
اليمن على مرحلتين من الطائف (فربطوه بسارية من سواري
المسجد) للتوثق خوفًا من معرّته. وهذا موضع الترجمة، وقد
كان شريح القاضي إذا قضى على رجل أمر بحبسه في المسجد إلى
أن يقوم فإن أعطى حقه وإلا أمر به إلى السجن، (فخرج إليه
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
ولأبوي ذر والوقت: فقال:
(ما عندك يا ثمامة؟ قال عندي يا محمد خير) وفي صحيح ابن
خزيمة أن ثمامة أسر فكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يغدو إليه فيقول: "ما عندك يا ثمامة"؟ فيقول:
إن تقتل تقتل ذا دم وإن تمنّ تمنّ على شاكر وإن ترد المال
نعطك منه ما شئت (فذكر الحديث) بتمامه كما سيأتي إن شاء
الله تعالى في المغازي.
(قال) عليه الصلاة والسلام ولأبوي الوقت وذر: فقال:
(أطلقوا ثمامة) أي بعد أن أسلم كما قد صرّح به في بقية
حديث ابن خزيمة السابق ولفظه فمرّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومًا فأسلم فحلّه وهو يرد على ظاهر
قول البرماوي كالكرماني أسره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم أطلقه فأسلم بفاء التعقيب المقتضية
لتأخّر إسلامه عن حله.
وقد سبق الحديث في باب الاغتسال إذا أسلم وربط الأسير
أيضًا في المسجد من كتاب الصلاة ويأتي إن شاء الله تعالى
في المغازي.
8 - باب الرَّبْطِ وَالْحَبْسِ فِي الْحَرَمِ
وَاشْتَرَى نَافِعُ بْنُ عَبْدِ الْحَارِثِ دَارًا
لِلسِّجْنِ بِمَكَّةَ مِنْ صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ،
عَلَى أَنَّ عُمَرَ إِنْ رَضِيَ فَالْبَيْعُ بَيْعُهُ.
وَإِنْ لَمْ يَرْضَ عُمَرُ فَلِصَفْوَانَ أَرْبَعُمِائَةٍ.
وَسَجَنَ ابْنُ الزُّبَيْرِ بِمَكَّةَ.
(باب الربط والحبس) للغريم (في المحرم واشترى نافع بن عبد
الحرث) الخزاعي وكان من فضلاء الصحابة وكان من جملة عمال
عمر واستعمله على مكة (دارًا للسجن بمكة) بفتح السين مصدر
سجن يسجن من باب نصر ينصر سجنًا بالفتح (من صفوان بن أمية)
الجمحيّ المكي الصحابي (على أن عمر) بن الخطاب -رضي الله
عنه- بفتح الهمزة وتشديد النون (إن رضي) بكسر الهمزة
وتسكين النون، ولأبي ذر: على أن عمر رضي الله بكسر الهمزة
وسكون النون أدخل على إن الشرطية نظرًا إلى المعنى كانه
قال هذا الشرط (فالبيع بيعه وإن لم يرض عمر) بالابتياع
المذكور (فلصفوان) في مقابلة الانتفاع إلى أن يعود الجواب
من عمر (أربعمائة) ولأبي ذر زيادة دينار.
واستشكل بأن البيع بمثل هذا الشرط فاسد.
(4/238)
وأجيب: بأنه لم يدخل الشرط في نفس العقد بل
هو وعد يقتضيه العقد أو بيع بشرط الخيار لعمر بعد أن أوقع
العقد له كما صرح به في رواية عبد الرزاق وابن أبي شيبة
والبيهقي حيث ذكروه موصولاً من طرق عن عمرو بن دينار عن
عبد الرحمن بن فروخ به. قال في الفتح: ووجهه ابن المنير
بأن العهدة في البيع على المشتري وإن ذكر أنه يشتري لغيره
لأنه المباشر للعقد قال وكأن ابن المنير وقف مع ظاهر اللفظ
ولم ير سياقه تامًّا فظن أن الأربعمائة هي الثمن الذي
اشترى به نافع وليس كذلك، وإنما كان الثمن أربعة آلاف اهـ.
وقال العيني: يحتمل أن تكون هذه الأربعة آلاف دراهم أو
دنانير، لكن الظاهر الدراهم وكانت من بيت المال وبعيد أن
عمر -رضي الله عنه- كان يشتري دارًا للسجن بأربعة آلاف
دينار لشدة احترازه على بيت المال اهـ. ولينظر قوله في
رواية أبي ذر: أربعمائة دينار.
(وسجن ابن الزبير) عبد الله أي المديون (بمكة) أيام ولايته
عليها. وهذا وصله ابن سعد من طريق ضعيف وكذا وصله خليفة بن
خياط في تاريخه وأبو الفرج الأصبهاني في الأغاني.
2423 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "بَعَثَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلاً
قِبَلَ نَجْدٍ، فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ بَنِي حَنِيفَةَ
يُقَالُ لَهُ ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ، فَرَبَطُوهُ
بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد (سعيد بن أبي
سعيد) المقبري أنه (سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: بعث
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيلاً) فرسانًا
(قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال
فربطوه بسارية من سواري المسجد).
وهذا الحديث قد سبق في الباب المتقدم بأتم منه، وقد أشار
المؤلّف بما ساقه هنا إلى ردّ ما رواه ابن أبي شيبة من
طريق قيس بن سعد عن طاوس أنه كان يكره السجن بمكة ويقول:
لا ينبغي لبيت عذاب أن يكون في بيت رحمة، فأراد المؤلّف
-رحمه الله- أن يعارضه بأثر عمر وابن الزبير وصفوان ونافع
وهم من الصحابة وقوي ذلك بقصة ثمامة وقد ربط في مسجد
المدينة وهو أيضًا حرم فلم يمنع ذلك من الربط فيه قاله في
فتح الباري.
9 - باب الْمُلاَزَمَةِ
(باب الملازمة) ولأبي ذر: باب بالتنوين في الملازمة كذا في
فرع اليونينية، ونسب في الفتح ثبوت البسملة قبل الترجمة
لرواية الأصيلي وكريمة وسقوطها للباقين.
2424 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ -وَقَالَ
غَيْرُهُ: حَدَّثَنِي اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي
جَعْفَرُ بْنُ رَبِيعَةَ- عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
هُرْمُزَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ
الأَنْصَارِيِّ: "عَنْ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-
أَنَّهُ كَانَ لَهُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
حَدْرَدٍ الأَسْلَمِيِّ دَيْنٌ، فَلَقِيَهُ فَلَزِمَهُ،
فَتَكَلَّمَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا، فَمَرَّ
بِهِمَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: يَا كَعْبُ -وَأَشَارَ بِيَدِهِ كَأَنَّهُ
يَقُولُ: النِّصْفَ- فَأَخَذَ نِصْفَ مَا عَلَيْهِ
وَتَرَكَ نِصْفًا.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثني) بالإفراد
(جعفر بن ربيعة) ولأبي ذر عن جعفر (وقال غيره) أي غير يحيى
بن بكير مما وصله الإسماعيلي من طريق شعيب بن الليث قال:
(حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد (قال: حدّثني) بالإفراد
(جعفر بن رييعة) قال العيني: والفرق بين الطريقين أن الأول
روي بعن والثاني بحدّثني اهـ.
وهذا الذي قاله إنما يتأتى على رواية أبي ذر أما على رواية
الآخرين فلا (عن عبد الرحمن) ولأبي ذر عن الكشميهني: عن
عبد الله (بن هرمز) الأعرج (عن عبد الله بن كعب بن مالك
الأنصاري عن) أبيه (كعب بن مالك -رضي الله عنه- أنه كان له
على عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي دين) وكان أوقيتين كما
عند الطبراني (فلقيه فلزمه) أي فلزم كعب بن مالك ابن أبي
حدرد (فتكلما حتى ارتفعت أصواتهما فمرّ بهما النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكعب ملازمه ولم ينكر عليه
ذلك (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(يا كعب وأشار بيده كأنه يقول) له ضع (النصف) من دينك
(فأخذ) كعب (نصف ما) له (عليه وترك) له (نصفًا) وقد سبق
هذا الحديث غير مرة.
10 - باب التَّقَاضِي
(باب التقاضي) للدين أي المطالبة بهِ.
2425 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ
جَرِيرِ بْنِ حَازِمٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ
خَبَّابٍ قَالَ: "كُنْتُ قَيْنًا فِي الْجَاهِلِيَّةِ
وَكَانَ لِي عَلَى الْعَاصِ بْنِ وَائِلٍ دَرَاهِمُ،
فَأَتَيْتُهُ أَتَقَاضَاهُ فَقَالَ: لاَ أَقْضِيكَ حَتَّى
تَكْفُرَ بِمُحَمَّدٍ. فَقُلْتُ: لاَ وَاللَّهِ لاَ
أَكْفُرُ بِمُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَتَّى يُمِيتَكَ اللَّهُ ثُمَّ يَبْعَثَكَ. قَالَ:
فَدَعْنِي حَتَّى أَمُوتَ ثُمَّ أُبْعَثَ فَأُوتَى مَالاً
وَوَلَدًا ثُمَّ أَقْضِيَكَ. فَنَزَلَتْ: {أَفَرَأَيْتَ
الَّذِي كَفَرَ بِآيَاتِنَا وَقَالَ لأُوتَيَنَّ مَالاً
وَوَلَدًا} الآيَةَ".
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (حدّثنا وهب بن
جرير) بفتح الجيم (ابن حازم) الأزدي البصري قال: (أخبرنا
شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان (عن أبي الضحى) مسلم
بن صبيح الكوفي (عن مسروق) بن الأجدع (عن خباب) بفتح الخاء
المعجمة وتشديد الموحدة وبعد الألف موحدة أخرى ابن الأرت
أنه (قال: كنت قينًا) أي حدادًا (في الجاهلية، وكان) وفي
رواية وكانت (لي على العاص بن وائل دراهم) أجرة (فأتيته
أتقاضاه) أي
(4/239)
أطلب منه دراهمي (فقال) أي العاص لي (لا أقضيك) دراهمك
(حتى تكفر بمحمد، فقلت: لا والله لا كفر بمحمد -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى يميتك الله ثم يبعثك)
خاطبه على اعتقاده أنه لا يبعث فكأنه قال: لا أكفر أبدًا.
زاد الترمذي قال: وإني لميت ثم مبعوث؟ فقلت: نعم (قال:
فدعني حتى أموت ثم أبعث) بالنصب عطفًا على المنصوب السابق
(فأوتى مالاً) بضم الهمزة وفتح التاء مبنيًا للمفعول
(وولدًا ثم أقضيك) بالنصب عطفًا على السابق (فنزلت {أفرأيت
الذي كفر بآياتنا}) بالقرآن ({وقال لأوتين مالاً وولدًا})
[مريم: 77] أي في الجنة بعد البعث (الآية) وسقط لأبي ذر
لفظ الآية. |