شرح القسطلاني إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم

48 - باب فِى الرَّهْنِ فِى الْحَضَرِ وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة: 283].
(بسم الله الرحمن الرحيم كتاب) بالتنوين (في الرهن في الحضر)، وللكشميهني: كتاب الرهن، ولغير أبي ذر باب بالتنوين بدل كتاب في الرهن، وفي النسخة المقروءة على الميدومي: كتاب الرهن باب الرهن في الحضر، ولابن شبويه: باب ما جاء إلى آخره والرهن لغة الثبوت ومنه الحالة الراهنة أي الثابتة، وقال الإمام الاحتباس ومنه {كل نفس بما كسبت رهينة} وشرعًا جعل عين متموّلة وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه ويطلق أيضًا على العين المرهونة تسمية للمفعول باسم المصدر، (وقوله تعالى: {وإن كنتم على سفر ولم تجدوا كاتبًا فرهان مقبوضة} [البقرة: 283] بكسر الراء وفتح الهاء وألف بعدها جمع رهن وفعل وفعال يطرد كثيرًا نحو: كعب وكعاب وكلب وكلاب، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: فرهن بضم الراء والهاء من غير ألف جمع رهن وفعل يجمع على فعل نحو سقف وسقف وهي قراءة أبي عمرو وابن كثير وابن محيصن واليزيدي. قال أبو عمرو بن العلاء: إنما قرأت فرهن للفصل بين الرهان في الخيل وبين جمع رهن في غيرها، ومعنى الآية كما قال القاضي -رحمه الله- فارهنوا واقبضوا لأنه مصدر جعل جزاء للشرط بالفاء فجرى مجرى الأمر كقوله: {فتحرير رقبة} [النساء: 92] {فضرب الرقاب} [محمد: 4] وقيده في الترجمة بالحضر إشارة إلى أن التقييد بالسفر في الآية خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له لدلالة الحديث على مشروعيته في الحضر وهو قول الجمهور، واحتجوا له من حيث المعنى بأن الرهن شرع على الذين لقوله تعالى: {فإن أمن بعضكم بعضًا} [البقرة: 283] فإنه يشير إلى أن المراد بالرهن الاستيثاق وإنما قيده بالسفر
لأنه مظنة فقد الكاتب فأخرجه مخرج الغالب وخالف في ذلك مجاهد والضحاك فيما نقله الطبري عنهما فقالا: لا يشرع إلا في السفر حيث لا يوجد الكاتب، وبه قال داود وأهل الظاهر وفي رواية

أبي ذر وقول الله تعالى: {فرهان مقبوضة} كذا في الفرع وهو ينافي قول الحافظ ابن حجر وكلهم ذكر الآية من أولها.
2508 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ: "وَلَقَدْ رَهَنَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِرْعَهُ بِشَعِيرٍ، وَمَشَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخُبْزِ شَعِيرٍ وَإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ. وَلَقَدْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: مَا أَصْبَحَ لآلِ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ صَاعٌ وَلاَ أَمْسَى، وَإِنَّهُمْ لَتِسْعَةُ أَبْيَاتٍ".
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا

(4/295)


هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-): أنه (قال ولقد رهن رسول الله) هو عطفًا على شيء محذوف بينه أحمد من طريق أبان العطار عن قتادة عن أنس أن يهوديًا دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأجابه ولقد رهن رسول الله ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- درعه) بكسر الدال وسكون الراء (بشعير) أي في مقابلة شعير فالباء للمقابلة عند أبي الشحم اليهودي وكان قدر الشعير ثلاثين صاعًا كما عند المؤلّف في الجهاد وغيره.
قال أنس: (ومشيت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخبز شعير) بالإضافة (وإهالة سنخة) بكسر الهمزة وتخفيف الهاء ما أذيب من الشحم والألية وسنخة بفتح السين المهملة وكسر النون وفتح الخاء المعجمة صفة لإهالة أي متغيرة الريح.
وقال أنس أيضًا: (ولقد سمعته) عليه الصلاة والسلام (يقول: ما أصبح لآل محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلاّ
صاع ولا أمسى) أي ليس لهم إلا صاع، وعند الترمذي والنسائي من طريق ابن أبي عدي ومعاذ بن هشام عن هشام بلفظ: ما أمسى لآل محمد صاع تمر ولا صاع حب، وسبق في أوائل البيوع من وجه آخر بلفظ: بن بدل تمر، والمراد بالآل أهل بيته عليه الصلاة والسلام، وقد بينه بقوله: (وإنهم) أي آله (لتسعةُ أبياتٍ) أي تسع نسوة وأراد بقوله ذلك بيانًا للواقع لا تضجرًا وشكاية حاشاه الله من ذلك بل قاله معتذرًا عن إجابته لدعوة اليهودي ولرهنه درعه عنده وفيه ما كان عليه الصلاة والسلام من التواضع والزهد في الدنيا والتقلل منها مع قدرته عليها والكرم الذي أفضى به إلى عدم الادخار حتى احتاج إلى رهن درعه والصبر على ضيق العيش والقناعة باليسير.
وهذا الحديث قد سبق في أوائل البيع.

1 - باب مَنْ رَهَنَ دِرْعَهُ
(باب من رهن درعه).
2509 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ قَالَ: "تَذَاكَرْنَا عِنْدَ إِبْرَاهِيمَ الرَّهْنَ
وَالْقَبِيلَ فِى السَّلَفِ، فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: حَدَّثَنَا الأَسْوَدُ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشْتَرَى مِنْ يَهُودِىٍّ طَعَامًا إِلَى أَجَلٍ وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد العبدي مولاهم البصري قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران (قال: تذاكرنا عند إبراهيم) النخعي (الرهن والقبيل) بفتح القاف وكسر الموحدة هو الكفيل وزنًا ومعنى (من السلف فقال: إبراهيم): بن يزيد النخعي (حدّثنا الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها-):
(أن النبي-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اشترى من يهودي) اسمه أبو الشحم كما في رواية الشافعي والبيهقي (طعامًا) ثلاثين صاعًا من شعير وعند البيهقي والنسائي بعشرين ولعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة وألغاه أخرى وعند ابن حبّان من طريق شيبان عن قتادة عن أنس أن قيمة الطعام كانت دينارًا (إلى أجل) في صحيح ابن حبان من طريق عبد الواحد بن زياد عن الأعمش أنه سنة (ورهنه درعه). أي ذات الفضول كما بيّنه أبو عبد الله التلمساني في كتاب الجوهرة، وقد قيل إنه عليه الصلاة والسلام افتكّه قبل موته لحديث أبي هريرة، وصححه ابن حبان: نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه وهو-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منزّه عن ذلك، وهذا معارض بما وقع في أواخر المغازي من طريق الثوري عن الأعمش بلفظ: توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودرعه مرهونة. وفي حديث أنس عند أحمد: فما وجد ما يفتكها به.
وأجيب عن حديث نفس المؤمن معلق بدينه بالحمل على من لم يترك عند صاحب الدين ما يحصل له به الوفاء، وإليه جنح الماوردي، وذكر ابن الطلاع في الأقضية النبوية أن أبا بكر افتكّ الدرع بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وفي الحديث جواز البيع إلى أجل واختلف هل هو رخصة أو عزيمة قال ابن العربي: جعلوا الشراء إلى أجل رخصة وهو في الظاهر عزيمة لأن الله تعالى يقول في محكم كتابه: {يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه} [البقرة: 282] فأنزله أصلاً في الدين ورتب عليه كثيرًا من الأحكام.
وهذا الحديث قد سبق في باب شراء النبي--صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنسيئة.

2 - باب رَهْنِ السِّلاَحِ
(باب رهن السلاح).
2510 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ - رضى الله عنهما - يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ؟ فَإِنَّهُ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: أَنَا. فَأَتَاهُ فَقَالَ: أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ. فَقَالَ: ارْهَنُونِى نِسَاءَكُمْ.

قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ؟ قَالَ: فَارْهَنُونِى أَبْنَاءَكُمْ. قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَالُ: رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ؟ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللأْمَةَ - قَالَ سُفْيَانُ: يَعْنِى السِّلاَحَ - فَوَعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ، فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَتَوُا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ". [الحديث 2510 - أطرافه في: 3031، 2032، 4037].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) بن المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال عمرو) بفتح العين ابن دينار (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- يقول: قال رسول الله

(4/296)


وصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من لكعب بن الأشرف) اليهودي أي من يتصدى لقتله (فإنه آذى الله) ولأبي ذر: فإنه قد آذى الله (ورسوله) وكان كعب قد خرج من المدينة إلى مكة لما جرى ببدر ما جرى فجعل ينوح ويبكي على قتلى بدر ويحرّض الناس على رسول الله وصَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وينشد الأشعار (فقال محمد بن مسلمة): بفتح الميمين واللام ابن خالد (أنا) لقتله يا رسول الله: زاد في المغازي: فأذن لي أن أقول شيئًا؟ قال قل (فأتاه) محمد بن مسلمة (فقال: أردنا أن تسلفنا) وزاد في المغازي فقال إن هذا الرجل قد سألنا صدقة وإنه قد عنانا وإني قد أتيتك أستسلفك (وسقًا) بفتح الواو وكسرها وهو ستون صاعًا (أو وسقين) شك من الراوي (فقال) كعب (ارهنوني) وللحموي والمستملي أترهنوني (نساءكم قالوا) يعني محمد بن مسلمة ومن معه (كيف نرهنك نساءنا وأنت أجمل العرب؟ قال: فارهنوني أبناءكم. قالوا: كيف نرهن) ولأبي ذر في نسخة كيف نرهنك (أبناءنا فيسب أحدهم) بضم المثناة التحتية وفتح المهملة وأحدهم رفع نائب عن الفاعل (فيقال: رهن بوسق أو وسقين) بضم الراء وكسر الهاء مبنيًّا للمفعول (هذا عار علينا ولكنا نرهنك اللأمة) بالهمزة وقد تترك تخفيفًا. (قال سفيان): بن عيينة في تفسير اللأمة (يعني السلاح فوعده) محمد بن مسلمة (أن يأتيه) زاد في المغازي فجاءه ليلاً ومعه أبو نائلة وهو أخو كعب من الرضاعة فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم فقالت امرأته أين تخرج هذه الساعة فقال: إنما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو نائلة وقال غير عمرو: قالت: أسمع صوتًا كأنه يقطر منه الدم قال إنما هو أخي محمد بن مسلمة ورضيعي أبو نائلة إن الكريم لو دعي إلى طعنة بالليل لأجاب قال: ويدخل محمد بن مسلمة معه برجلين قيل لسفيان سماهم عمرو، قال سمى بعضهم قال عمرو جاء معه برجلين، وقال غير عمرو أبو عبس بن جبر والحرث بن أوس وعباد بن بشر فقال: إذا ما جاء فإني نائل بشعره فأشمه فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم فاضربوه وقال مرة ثم أشمكم فنزل إليهم متوشحًا وهو ينفح منه ريح الطيب فقال: ما رأيت كاليوم ريحًا أي أطيب وقال غير عمرو: قال: عندي أعطر نساء العرب وأكمل العرب قال عمرو فقال: أتأذن ليس أن أشم؟ قال: نعم فشمه ثم أشم أصحابه ثم قال أتاذن لي؟ قال: نعم فلما استمكن منه قال: دونكم (فقتلوه ثم أتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه) ففرح ودعا لهم؛ قال ابن بطال: وليس في قولهم نرهنك اللأمة دليل على جواز رهن السلاح عند الحرب وإنما كان ذلك من معاريض الكلام المباحة في الحرب وغيره.

وقال العيني: المطابقة بين الحديث والترجمة في قوله: ولكنّا نرهنك اللأمة أي السلاح بحسب ظاهر الكلام وإن لم يكن في نفس الأمر حقيقة الرهن وهذا المقدار كافٍ في وجه المطابقة انتهى.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي والجهاد ومسلم في المغازي وأبو داود في الجهاد والنسائي في السير.

4 - باب الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ
وَقَالَ مُغِيرَةُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ: تُرْكَبُ الضَّالَّةُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا، وَتُحْلَبُ بِقَدْرِ عَلَفِهَا. وَالرَّهْنُ مِثْلُهُ.
هذا (باب) بالتنوين (الرهن مركوب ومحلوب) أي يجوز إذا كان ظهرًا يركب أو من ذوات الدر يحلب، وهذا لفظ حديث أخرجه الحاكم وصححه على شرط الشيخين. (وقال: منيرة) هو ابن مقسم بكسر الميم وسكون القاف مما وصله سعيد بن منصور (عن إبراهيم) النخعي (تركب الضالة) ما ضل من البهائم ذكر كان أو أنثى (بقدر علفها وتحلب بقدر علفها) وفي نسخة لأبي ذر عن الكشميهني: عملها. قال في الفتح: والأول أصوب (والرهن) أي المرهون (مثله) في الحكم المذكور يعني يركب ويحلب بقدر العلف وهذا وصله سعيد بن منصور أيضًا.
2511 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: «الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ، وَيُشْرَبُ لَبَنُ الدَّرِّ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا». [الحديث 2511 - طرفه في: 2512].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة (عن عامر) هو الشعبي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أنه كان يقول):
(الرهن) أي الظهر المرهون (يركب) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول (بنفقته) أي يركب وينفق عليه (ويشرب لبن الدر إذا كان مرهونًا). بفتح الدال المهملة وتشديد الراء. قال الكرماني وتبعه

(4/297)


العيني وغيره مصدر بمعنى الدارّة أي ذات الضرع، وقال الحافظ ابن حجر: هو من إضافة الشيء إلى نفسه، وتعقبه العيني بأن إضافة الشيء إلى نفسه لا تصح إلا إذا وقع في الظاهر فيؤوّل، وإذا كان المراد بالدر الدارّة فلا يكون من إضافة الشيء إلى نفسه لأن اللبن غير الدارة، واحتج به الإمام حيث قال: يجوز للمرتهن الانتفاع بالرهن إذا قام بمصلحته ولو لم يأذن له المالك وأجمع الجمهور على أن المرتهن لا ينتفع من الرهن بشيء.
قال ابن عبد البر: هذا الحديث عند جمهور الفقهاء يردّه أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها ويدل على نسخه، حديث ابن عمر أي القاضي في أبواب المظالم لا تحلب ماشية امرئ بغير إذنه انتهى.
وقال إمامنا الشافعي: يشبه أن يكون المراد من رهن ذات در وظهر لم يمنع الراهن من درّها وظهرها فهي محلوبة ومركوبة له كما كانت قبل الرهن انتهى.
فيجوز للراهن انتفاع لا ينقص المرهون كركوب وسكنى واستخدام ولبس وإنزاء فحل لا ينقصانه وقال الحنفية ومالك وأحمد في رواية عنه: ليس للراهن ذلك لأنه ينافي حكم الرهن وهو الحبس الدائم، واحتج الطحاوي في شرح الآثار: بأن هذا الحديث مجمل لم يبين فيه من الذي يركب ويشرب اللبن فمن أين جاز لهم أن يجعلوه للراهن دون أنس يجعلوه للمرتهن إلا أن يعاونه دليل من كتاب أو سُنّة أو إجماع قال: ومع ذلك فقد روى هشيم هذا الحديث بلفظ: إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها وثمن الذي يشرب وعلى الذي يشرب نفقتها ويركب، فدلّ هذا الحديث أن المعنيّ بالركوب وشرب اللبن في الحديث الأوّل هو المرتهن لا الراهن فجعل ذلك له وجعلت النفقة عليه بدلاً مما يتعوض منه مما ذكرنا وكان هذا عندنا في الوقت الذي كان الربا مباحًا فلما حرم الربا حرمت أشكاله، وردت الأشياء المأخوذة إلى أبدالها المساوية لها وحرم بيع اللبن في الضرع فدخل في ذلك النهي عن النفقة التي يملك بها المنفق لبنًا في الضرع وتلك النفقة غير موقوف على مقدارها واللبن أيضًا كذلك فارتفع بنسخ الربا أن تجب النفقة على المرتهن بالمنافع التي تجب له عوضًا منها، وباللبن الذي يحتلبه ويشربه. وتعقب بأن النسخ لا يثبت بالاحتمال والتاريخ في هذا متعذر والله أعلم.
2512 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنِ الشَّعْبِىِّ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا، وَعَلَى الَّذِى يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) أبو الحسن الكسائي المروزي نزيل بغداد ثم مكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا زكريا) بن أبي زائدة (عن الشعبي) بفتح الشين المعجمة وسكون العين المهملة وكسر الموحدة عامر (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(الرهن) ولأبوي الوقت وذر قال: رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الظهر (يركب بنفقته إذا كان مرهونًا ولبن الدر) أي ذات الضرع (يشرب بنفقته إذا كان مرهونًا) أي يركبه الراهن ويشرب اللبن لأن له رقبتها أو المراد المرتهن وهذا الأخير قول أحمد كما مرّ في السابق، واحتج له في المغني بأن نفقة الحيوان واجبة وللمرتهن فيه حق وقد أمكنه استيفاء حقه من نماء الرهن والنيابة عن المالك فيما وجب عليه واستيفاء ذلك من منافعه فجاز ذلك كما يجوز للمرأة أخذ مؤونتها من مال زوجها عند امتناعه بغير إذنه (وعلى الذي يركب) الظهر (ويشرب) لبن الدارّة (النفقة) عليها وكذا مؤونة المرهون غيرهما التي يبقى بها كنفقة العبد ويبقى الأشجار والكروم وتجفيف الثمار وأجرة الإصطبل والبيت الذي يحفظ فيه

المتاع المرهون إذا لم يتبرع بذلك المرتهن، وحكى الإمام المتولي وجهين في أن هذه المؤن هل يجبر عليها الراهن حتى يقوم بها من خالص ماله وجهان أصحهما الإجبار حفظًا للوثيقة، وأما المؤن التي تتعلق بالمداواة كالفصد والحجامة والمعالجة بالأدوية والمراهم فلا تجب عليه.

4 - باب الرَّهْنِ عِنْدَ الْيَهُودِ وَغَيْرِهِمْ
(باب الرهن عند اليهود وغيرهم).
2513 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ - رضى الله عنها - قَالَتِ: "اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ يَهُودِىٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا جرير عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: اشترى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من يهودي)

(4/298)


هو ابن الشحم بفتح الشين المعجمة ولسكون الحاء المهملة اليهودي من بني ظفر بفتح الظاء والفاء بطن من الأوس وكان حليفًا لهم (طعامًا) وكان ثلاثين صاعًا من شعير كما مرّ (ورهنه درعه) ذات الفضول.
وهذا الحديث قد سبق ذكره كثيرًا ومراد المؤلّف من سياقه هنا جواز معاملة غير المسلمين وإن كانوا يأكلون أموال الربا كما أخبر الله تعالى عنهم ولكن مبايعتهم وكل طعامهم مأذون لنا فيه بإباحة الله وقد ساقاهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على خيبر كما مرّ.

5 - باب إِذَا اخْتَلَفَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ وَنَحْوُهُ فَالْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِى، وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا اختلف الراهن والمرتهن) في أصل الرهن كأن قال: رهنتني كذا فأنكر أو في قدره كأنه قال: رهنتني الأرض باشجارها؟ فقال: بل وحدها أو تعيينه كذا العبد فقال: بل الثوب أو قدر المرهون به كبعشرة فقال بل بعشرين (ونحوه) كاختلاف المتبايعين (فالبينة على المدعي) وهو من إذا ترك ترك (واليمين على المدعى عليه) وهو من إذا ترك لا يترك بل يجبر.
2514 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ قَالَ: "كَتَبْتُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَتَبَ إِلَىَّ: إنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى أَنَّ الْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ". [الحديث 2514 - طرفاه في: 2668، 4552].
وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان السلمي الكوفي قال: (حدّثنا نافع بن عمر) بن عبد الله الجمحي (عن ابن أي مليكة) بضم الميم وفتح اللام وبعد التحتية الساكنة كاف هو عبد الله بن

عبيد الله بن أبي ميكة واسمه زهير المكي الأحول وكان قاضيًا لابن الزبير أنه (قال: كتبت إلى ابن عباس) -رضي الله عنهما- أي أسأله في قضية امرأتين ادّعت إحداهما على الأخرى كما سيأتي في سير سورة آل عمران ففيه حذف المفعول (فكتب إليّ):
(إن النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر إن على الحكاية وبفتحها على تقدير الجار أي بأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قضى أن اليمين على المدعى عليه) قال العلماء: والحكمة في كون البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه أن جانب المدعي ضعيف لأنه يقول خلاف الظاهر فكلف الحجة القوية وهي البيّنة وهي لا تجلب لنفسها نفعًا ولا تدفع عنها ضررًا فيقوى بها ضعف المدعي وجانب المدّعى عليه قويّ لأن الأصل فراغ ذمته فاكتفي فيه بحجة ضعيفة وهي اليمين لأن الحالف يجلب لنفسه النفع ويدفع الضرر فكان ذلك في غاية الحكمة. نعم قد يجعل اليمين في جانب المدعي في مواضع تستثنى لدليل كأيمان القسامة ودعوى القيمة في المتلفات ونحو ذلك كما هو مبسوط في محله من كتب الفقه، ويأتي إن شاء الله تعالى في محله من هذا الكتاب ومذهب الشافعية في مسألة الرهن تصديق الراهن بيمينه حيث لا بينة لأن الأصل عدم رهن ما ادّعاه المرتهن فإن قال الراهن: لم تكن الأشجار موجودة عند العقد بل أحدثتها فإن لم يتصور حدوثها بعده فهو كاذب وطولب بجواب الدعوى فإن أصرّ على إنكار وجودها عند العقد جعل ناكلاً وحلف المرتهن وإن لم يصر عليه واعترف بوجودها وأنكر رهنها قبلنا منه إنكاره لجواز صدقه في نفي الرهن، وإن كان قد بان كذبه في الدعوى الأولى وهي نفي الوجود أما إذا تصور حدوثها بعد العقد فإن لم يمكن وجودها عنده صدّق بلا يمين وإن أمكن وجودها وعدمه عنده فالقول قوله بيمينه لما مر، فإن حلف فهي كالأشجار الحادثة بعد الرهن في القلع وسائر الأحكام، وقد مرّ بيانها هذا إن كان رهن تبرع فإن اختلفا في رهن مشروط في بيع بأن اختلفا في اشتراطه فيه أو اتفقا عليه واختلفا في شيء مما سبق تحالفًا كسائر صور البيع إذا اختلف فيها. نعم إن اتفقا على اشتراطه فيه واختلفا في أصله فلا تحالف لأنهما لم يختلفا في كيفية البيع بل يصدّق الراهن وللمرتهن الفسخ إن لم يرهن.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الشهادت وتفسير آل عمران ومسلم والترمذي وابن ماجة في الأحكام وأبو داود والنسائي في القضايا.
2515، 2516 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِى وَائِلٍ قَالَ: "قَالَ عَبْدُ اللَّهِ - رضى الله عنه: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالاً وَهْوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِىَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} فَقَرَأَ إِلَى {عَذَابٌ أَلِيمٌ} [آل عمران: 77]. ثُمَّ إِنَّ الأَشْعَثَ بْنَ قَيْسٍ خَرَجَ إِلَيْنَا فَقَالَ: مَا يُحَدِّثُكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ قَالَ: فَحَدَّثْنَاهُ قَالَ: فَقَالَ صَدَقَ، لَفِىَّ وَاللَّهِ أُنْزِلَتْ، كَانَتْ بَيْنِى وَبَيْنَ رَجُلٍ خُصُومَةٌ فِى بِئْرٍ، فَاخْتَصَمْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: شَاهِدُكَ أَوْ يَمِينُهُ. قُلْتُ: إِنَّهُ إِذًا يَحْلِفُ وَلاَ

يُبَالِى. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ يَسْتَحِقُّ بِهَا مَالاً هُوَ فِيهَا فَاجِرٌ لَقِىَ اللَّهَ وَهْوَ عَلَيْهِ غَضْبَانُ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَصْدِيقَ ذَلِكَ. ثُمَّ اقْتَرَأَ هَذِهِ الآيَةَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلاً} إِلَى {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي قال: (حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن أبي وائل) شقيق بن سلمة أنه (قال: قال عبد الله) يعني ابن مسعود (-رضي الله عنه- من حلف على يمين) أي على محلوف يمين فسماه يمينًا مجازًا للملابسة بينهما والمراد ما شأنه أن يكون محلوفًا عليه وإلا فهو قبل اليمين ليس محلوفًا عليه (يستحق بها) أي

(4/299)


باليمين (مالاً) لغيره (وهو فيها) أي في اليمين (فاجر) أي كاذب وهو من باب الكناية إذ الفجور لازم الكذب والواو في وهو للحال (لقي الله وهو عليه غضبان) من باب المجازاة أي يعامله معاملة المغضوب عليه فيعذبه (فأنزل الله) ولأبوي ذر والوقت: ثم أنزل الله (تصديق ذلك) في كتابه العزيز ({إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً} فقرأ إلى {عذاب أليم}) [آل عمران: 77] برفعهما على الحكاية (ثم إن الأشعث بن قيس) الكندي (خرج إلينا) من المكان الذي كان فيه (فقال: ما يحدّثكم أبو عبد الرحمن)؟ يعني ابن مسعود (قال: فحدّثناه) بسكون المثلثة (قال: فقال صدق لفيّ) بفتح اللام وكسر الفاء وتشديد التحتية (والله أنزلت) ولأبي ذر: لفيّ نزلت أي الآية (كانت بيني وبين رجل) اسمه معدان بن الأسود بن معد يكرب الكندي (خصومة في بئر فاختصمنا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(شاهدك) بالرفع والإفراد، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: شاهداك أي ليحضر شاهداك أو ليشهد شاهداك فالرفع على الفاعلية بفعل محذوف أو على خبر مبتدأ محذوف تقديره أي الواجب شرعًا شاهداك أي شهادة شاهديك أو مبتدأ حذف خبره أي شهادة شاهديك الواجب في الحكم (أو يمينه) عطف عليه. قال الأشعث (قلت) يا رسول الله (إنه) أي الرجل (إذًا يحلف ولا يبالي) بنصب يحلف بإذًا لوجود شرائط عملها التي هي التصدّر والاستقبال وعدم الفصل ولغير أبي الوقت بالرفع، وذكر ابن خروف في شرح سيبويه أن من العرب من لا ينصب بها مع استيفاء الشروط حكاه سيبويه قال ومنه الحديث إذًا يحلف ففيه جواز الرفع على ما لا يخفى. (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: من حلف على يمين يستحق بها مالاً فهو) ولأبي ذر: وهو (فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان) بغير تنوين للصفة وزيادة الألف والنون (فأنزل الله) ولأبي ذر: ثم أنزل الله (تصديق ذلك ثم اقترأ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هذه الآية: ({إن الدين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنًا قليلاً} إلى {ولهم عذاب أليم}).
وهذا الحديث قد سبق في باب الخصومة في البئر من كتاب الشرب.