شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحن الرحيم
49 - كتاب العتق
1 - باب في العتقِ وفضلهِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَكُّ رَقَبَةٍ * أَوْ إِطْعَامٌ فِى
يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ * يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ} [البلد:
13 - 15].
(بسم الله الرحمن الرحيم).
(باب في العتق وفضله) ولأبي ذر: ما جاء في العتق بسم الله
الرحمن الرحيم، وله عن المستملي كتاب العتق بسم الله
الرحمن الرحيم ولم يقل باب، وللنسفي كتاب في العتق باب ما
جاء في العتق وفضله والعتق بمعنى الإعتاق وهو إزالة الرقّ
عن الآدمي، (وقوله تعالى) بالرفع في اليونينية على
الاستئناف وبالجر عطفًا على المجرور السابق ({فك رقبة)
برفع الكاف وخفض رقبة ({أو إطعام}) بوزن إكرام وهذه قراءة
نافع وابن عامر وعاصم وحمزة على جعل فك خبر مبتدأ مضافًا
إلى رقبة وإطعام مصدرًا ولأبي ذر {فك رقبة} فعلاً ماضيًا
ورقبة مفعوله أو أطعم فعلاً ماضيًا، والمراد بفك الرقبة
تخليصها من الرق من باب تسمية الشيء باسم بعضه وإنما خصّت
بالذكر إشارة إلى أن حكم السيد عليه كالغل في رقبته فإذا
عتق فك من عنقه ({في يوم) المراد مطلق الزمان ليلاً كان أو
نهارًا ({ذي مسغبة}) مجاعة ({يتيمًا}) نصب بأطعم أو
بالمصدر لأنه يعمل عمل فعله ({ذا مقربة}) [البلد: 13] صفة
ليتيمًا أي قرابة.
2517 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا
عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِى وَاقِدُ بْنُ
مُحَمَّدٍ قَالَ: حَدَّثَنِى سَعِيدٌ ابْنُ مَرْجَانَةَ
صَاحِبُ عَلِىِّ بْنِ حُسَيْنٍ قَالَ: لِى أَبُو
هُرَيْرَةَ - رضى الله عنه - قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَيُّمَا رَجُلٍ أَعْتَقَ
امْرَأً مُسْلِمًا اسْتَنْقَذَ اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ
مِنْهُ عُضْوًا مِنْهُ مِنَ النَّارِ. قَالَ: سَعِيدٌ
ابْنُ مَرْجَانَةَ: فَانْطَلَقْتُ إِلَى عَلِىِّ بْنِ
حُسَيْنٍ، فَعَمَدَ عَلِىُّ بْنُ حُسَيْنٍ - رضى الله
عنهما - إِلَى عَبْدٍ لَهُ
قَدْ أَعْطَاهُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ
عَشَرَةَ آلاَفِ دِرْهَمٍ - أَوْ أَلْفَ دِينَارٍ -
فَأَعْتَقَهُ". [الحديث 2517 - طرفه في: 6715].
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن
يونس التميمي اليربوعي قال: (حدّثنا عاصم بن محمد) أي ابن
زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العمري المدني -رضي الله
عنهم- (قال: حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (واقد بن
محمد) بالقاف ابن زيد أخو عاصم الراوي عنه (قال: حدّثني)
بالإفراد (سعيد ابن مرجانة) بفتح الميم وسكون الراء بعدها
جيم وهو سعيد بن عبد الله ومرجانة أمه وليس له في البخاري
سوى هذا الحديث (صاحب علي بن حسين) ولأبي ذر: صاحب علي بن
الحسين بالتعريف عليهما السلام هو زين العابدين بن حسين بن
علي بن أبي طالب (قال: قال لي أبو هريرة -رضي الله عنه-،
قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أيما رجل) بالجر في اليونينية
(4/300)
وغيرها وقال الكرماني وبالرفع على البدلية
وكلمة أي للشرط دخلت عليها ما، وللإسماعيلي من طريق عاصم
بن علي عن عاصم بن محمد كمسلم والنسائي من طريق إسماعيل بن
أبي حكيم عن سعيد بن مرجانة: أيما مسلم (أعتق امرأً مسلمًا
استنقذ الله) أي خلص الله (بكل عضو منه عضوًا منه من
النار) زاد في كفّارات الإيمان: حتى فرجه بفرجه وخصّ الفرج
بالذكر لأنه محل أكبر الكبائر بعد الشرك، قال الخطابي:
ويستحب عند بعض العلماء أن لا يكون العبد المعتق ناقص
العضو بالعور أو الشلل ونحوهما، بل يكون سليمًا ليكون
معتقه قد نال الموعود في عتق أعضائه كلها من النار بإعتاقه
إياه من الرقّ في الدنيا قال: وربما كان نقصان الأعضاء
زيادة في الثمن كالخصي إذا صلح لما لا يصلح له غيره من حفظ
الحريم وغيره انتهى ففيه إشارة إلى أنه يغتفر النقص
المجبور بالمنفعة ولا شك أن في عتق الخصي فضيلة لكن الكامل
أولى.
(قال سعيد بن مرجانة) بالسند السابق: (فانطلقت إلى) ولأبي
ذر: به أي بالحديث إلى (علي بن حسين) ولأبي ذر ابن الحسين
ولمسلم فانطلقت حتى سمعت الحديث من أبي هريرة فذكرته لعلي
زاد أحمد وأبو عوانة من طريق إسماعيل بن أبي حكيم عن سعيد
بن مرجانة فقال علي بن الحسين أنت سمعت هذا من أبي هريرة
فقال: نعم (فعمد) بفتح الميم أي قصد (علي بن حسين -رضي
الله عنهما-) ولأبي ذر ابن الحسين (إلى عبد له) اسمه مطرف
كما عند أحمد وأبي عوانة وأبي نعيم في مستخرجيهما على مسلم
(قد أعطاه به) أي في مقابلة العبد (عبد الله بن جعفر) أي
ابن أبي طالب وهو ابن عمّ والد علي بن الحسين (عشرة ألاف
درهم أو ألف دينار فأعتقه) وفي رواية إسماعيل عند مسلم
فقال: اذهب فأنت حرّ لوجه الله تعالى، والشك من الراوي
وفيه إشارة إلى أن الدينار إذ ذاك بعشر دراهم.
وأخرجه المؤلّف أيضًا في كفارات الإيمان ومسلم في العتق
وكذا النسائي والترمذي.
2 - باب أَىُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ
هذا (باب) بالتنوين (أي الرقاب أفضل) أي للعتق.
2518 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ
هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِى مُرَاوِحٍ
عَنْ أَبِى ذَرٍّ - رضى الله عنه - قَالَ: "سَأَلْتُ
النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَىُّ
الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: إِيمَانٌ بِاللَّهِ وَجِهَادٌ
فِى سَبِيلِهِ. قُلْتُ فَأَىُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ؟
قَالَ: أَغْلاَهَا ثَمَنًا. وَأَنْفَسُهَا عِنْدَ
أَهْلِهَا. قُلْتُ فَإِنْ لَمْ أَفْعَلْ؟ قَالَ: تُعِينُ
ضَائِعًا، أَوْ تَصْنَعُ لأَخْرَقَ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ
أَفْعَلْ؟ قَالَ: تَدَعُ النَّاسَ مِنَ الشَّرِّ،
فَإِنَّهَا صَدَقَةٌ تَصَدَّقُ بِهَا عَلَى نَفْسِكَ".
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين مصغرًا ابن
باذام العبسي الكوفي (عن هشام بن عروة) بن الزبير بن
العوّام (عن أبيه عن أبي مراوح) بضم الميم وتخفيف الراء
وكسر الواو آخره حاء مهملة الغفاري ويقال الليثي المدني من
كبار التابعين وقيل له صحبة، وقال الحاكم أبو أحمد: أدرك
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يره ولا
يعرف اسمه وقيل اسمه سعد ولا يصح (عن أبي ذر) جندب بن
جنادة الغفاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال سألت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي العمل أفضل؟ قال):
(أيمان بالله وجهاد في سبيله) قرنهما لأن الجهاد كان إذ
ذاك أفضل الأعمال (قلت: فأيّ الرقاب أفضل)؟ أي للعتق (قال:
أغلاها) بالغين المعجمة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
أعلاها (ثمنًا) بالعين المهملة ومعناهما متقارب، ولمسلم من
طريق حماد بن زيد عن هشام أكثرها ثمنًا وهو يبين المراد.
قال النووي: محله والله أعلم فيمن أراد أن يعتق رقبة
واحدة، أما لو كان مع شخص ألف درهم مثلاً فأراد أن يشتري
بها رقبة يعتقها فوجد رقبة نفيسة ورقبتين مفضولتين قال:
فالاثنتان أفضل. قال: وهذا بخلاف الأضحية فإذ الواحدة
السمينة أفضل لأن المطلوب هنا (فك الرقبة)
وهناك طيب اللحم انتهى.
قال في فتح الباري: والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف
الأشخاص فربّ شخص واحد إذا عتق انتفع بالعتق وانتفع به
أضعاف ما يحصل من النفع بعتق أكثر عددًا منه وربّ محتاج
إلى كثرة اللحم ليفرقه على المحاويج الذين ينتفعون به أكثر
مما ينتفع هو بطيب اللحم والضابط أن أيّهما كان أكثر نفعًا
كان أفضل سواء قلّ أو كثر.
(وأنفسها عند أهلها) بفتح الفاء أي أكثرها رغبة عند أهلها
لمحبتهم فيها لأن عتق مثل ذلك لا يقع إلا خالصًا. (قلت:
فإن لم أفعل)؟ أي إن لم أقدر على العتق، وللدارقطني في
الغرائب: فإن لم أستطع (قال: تعين صانعًا) بالصاد المهملة
والنون من الصنعة كذا في اليونينية المقابلة بالأصول كأصل
أبي ذر وأبي الوقت والأصيلي وغيرهم
(4/301)
وكذا في جميع ما وقفت عليه من الأصول
المعتمدة كالأصل المقروء على الشرف الميدومي وغيره، وضبطه
الحافظ ابن حجر وغيره ضائعًا بالضاد المعجمة والهمزة تكتب
ياء أي تعين ذا ضياع من فقر أو عيال أو حال قصر عن القيام
بها، وكذا هو بالمعجمة في رواية مسلم من طريق حماد بن زيد
عن هشام بن عروة عن أبيه عن أبي مراوح.
قال القاضي عياض مما نقله عنه النووي في شرح مسلم: روايتنا
في هذا من طريق هشام فتعين ضائعًا بمعجمة قال: وكذا في
الرواية الأخرى أي من صحيح مسلم وهي رواية الزهري عن حبيب
مولى عروة بن الزبير عن عروة عن أبي مراوح فتعين الضائع
بالمعجمة من جميع طرقنا عن مسلم في حديث هشام والزهري إلا
من رواية أبي الفتح السمرقندي عن عبد الغافر الفارسي، فإن
شيخنا أبا بحر حدّثنا عنه فيهما بالمهملة وهو صواب الكلام
لمقابلته بالأخرق وإن كان المعنى من جهة الضائع صحيحًا،
لكن صحّت الرواية عن هشام هنا بالصاد المهملة، وكذا رويناه
في صحيح البخاري انتهى.
وجزم الحافظ ابن حجر بأنه بالمعجمة في جميع روايات البخاري
قال: وقد خبط من قال من شراح البخاري إنه روي بالصاد
المهملة والنون فإن هذه الرواية لم تقع في شيء من طرقه
انتهى.
ويؤيده قول ابن الصلاح هو في رواية هشام بالمهملة والنون
في أصل الحافظين أبي عامر العبدري وابن عساكر، ولكنه ليس
من رواية هشام وإن كان صحيحًا في نفس الأمر ولكن روايته
إنما هي بالمعجمة، وأما رواية الزهري فالمحفوظ عنه أنه
بالمهملة وكان ينسب هشامًا إلى التصحيف قال: وذكر القاضي
عياض أنه في رواية الزهري بالمعجمة إلا رواية السمرقندي
وليس الأمر على ما حكاه في روايات أصولنا بكتاب مسلم فكلها
مقيدة في رواية الزهري بالمهملة انتهى.
لكن قول الحافظ ابن حجر رحمه الله: إن القاضي عياضًا جزم
بأنه في البخاري بالمعجمة يردّه ما سبق عن القاضي من قوله
صحّت الرواية عن هشام بالصاد المهملة، وكذا رويناه في صحيح
البخاري فليتأمل. وقال النووي يروى بهما فيهما والصحيح عند
العلماء المهملة والأكثر في الرواية المعجمة انتهى.
وممن نسب هشامًا إلى التصحيف في هذه الدارقطني وحكاه ابن
المديني وقد تقرر مما ذكرناه أن رواية هشام بالمعجمة لا
بالمهملة وإن نسب إلى التصحيف ويبقى النظر في تطابق الأصول
التي وقفت عليها مع توافق أهل هذا الشأن على الاعتماد على
الأصول المعتمدة على ما لا يخفى.
(أو تصنع لأخرق) بفتح الهمزة والراء بينهما ساكنة وآخره
قاف لا يحسن صنعة ولا يهتدي إليها (قال: فإن لم أفعل؟ قال:
تدع الناس من الشر) أي تكفّ عنهم شرك (فإنها صدقة تصدّق
بها على نفسك) بحذف إحدى التاءين والأصل تتصدق والضمير في
قوله فإنها للمصدر الذي دل عليه الفعل وأنثه لتأنيث الخبر.
وهذا الحديث من أعلى حديث وقع عند المؤلّف وهو في حكم
الثلاثيات، لأن هشام بن عروة شيخ من شيخه من التابعين وإن
كان روى هنا عن تابعي آخر وهو أبوه عروة، وفيه ثلاثة من
التابعين في نسق واحد هشام وأبوه وأبو مراوح، وأخرجه مسلم
في الإيمان، والنسائي في العتق والجهاد، وابن ماجة في
الأحكام.
3 - باب مَا يُسْتَحَبُّ مِنَ الْعَتَاقَةِ فِى الْكُسُوفِ
وَالآيَاتِ
(باب ما يستحب من العتاقة) بفتح العين أي الإعتاق (في
الكسوف والآيات) كخسوف القمر والظلمة الشديدة وهو من عطف
العامّ على الخاص ولأبوي الوقت وذر: أو الآيات بألف قبل
الواو.
2519 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ مَسْعُودٍ حَدَّثَنَا
زَائِدَةُ بْنُ قُدَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
فَاطِمَةَ بِنْتِ الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى
بَكْرٍ - رضى الله عنهما - قَالَتْ: "أَمَرَ النَّبِىُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْعَتَاقَةِ فِى
كُسُوفِ الشَّمْسِ".
تَابَعَهُ عَلِىٌّ عَنِ الدَّرَاوَرْدِىِّ عَنْ هِشَامٍ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن مسعود) هو أبو حذيفة النهدي بفتح
النون البصري مشهور بكنيته أكثر من اسمه قال: (حدّثنا
زائدة بن قدامة) أبو الصلت الثقفي الكوفي (عن هشام بن
عروة) ابن الزبير (عن فاطمة بنت المنذر) بن الزبير بن
العوّام زوج هشام (عن أسماء بنت أبي بكر) الصدّيق (-رضي
الله عنهما-) أنها (قالت أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-بالعتاقة) أي فك الرقبة من العبودية
بالإعتاق (في كسوف الشمس) لأن الخيرات تدفع العذاب.
(تابعه) أي تابع موسى بن مسعود (علي) قال الحافظ ابن حجر:
يعني ابن المديني وهو شيخ البخاري ووهم من قال: المراد به
ابن حجر انتهى. أي: بضم الحاء المهملة وسكون
(4/302)
الجيم وبالراء والقائل بأنه المراد هو
الكرماني قال العيني: كل من ابن المديني وابن حجر شيخ
المؤلّف وروي عن اللاحق فما الدليل على تخصيص ابن المديني
ونسبة الوهم إلى غيره (عن الدراوردي) بفتح الدال المهملة
والراء المخففة والواو وسكون الراء وكسر الدال المهملة
وتشديد التحتية نسبة إلى دراورد قرية من قرى خراسان واسمه
عبد العزيز بن محمد (عن هشام) أي ابن عروة عن فاطمة بنت
المنذر إلى آخره، وقد مضى الحديث في أبواب الكسوف.
2520 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِى بَكْرٍ حَدَّثَنَا
عَثَّامٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ
الْمُنْذِرِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِى بَكْرٍ - رضى
الله عنهما - قَالَتْ: "كُنَّا نُؤْمَرُ عِنْدَ الْخُسُوفِ
بِالْعَتَاقَةِ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن أبي بكر) المقدمي قال: (حدّثنا
عثام) بفتح العين المهملة وتشديد المثلثة وبعد الألف ميم
ابن علي بن الوليد العامري الكوفي قال: (حدّثنا هشام) هو
ابن عروة (عن)
زوجته (فاطمة بنت المنذر) بن الزبير (عن أسماء بنت أبي
بكر) الصديق (-رضي الله عنهما-) أنها (قالت: كنا نؤمر عند
الخسوف) بالخاء المعجمة أي خسوف القمر (بالعتاقة) بفتح
العين أي الإعتاق للرقبة وقد وضح برواية زائدة السابقة أن
الآمر في رواية عثام هو الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وفيه تقوية للقائل إن قول الصحابي كنّا نؤمر
بكذا له حكم الرفع وهو الأصح.
4 - باب إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ
أَمَةً بَيْنَ الشُّرَكَاءِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا أعتق) الشخص (عبدًا) مشتركًا (بين
اثنين) أو أكثر (أو) أعتق (أمة بين الشركاء) وإنما قال: في
العبد بين اثنين وفي الأمة بين الشركاء محافظة على لفظ
الحديث وإلا فالحكم واحد.
2521 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ - رضى
الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ
اثْنَيْنِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ
يُعْتَقُ".
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن سالم عن أبيه)
عبد الله بن عمر (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من أعتق عبدًا) أي أو أمة (بين اثنين) فأكثر (فإن كان)
الذي أعتق (موسرًا) صاحب يسار (قوّم عليه) بضم القاف
مبنيًّا للمفعول أي قيمة عدل كما في الرواية الأخرى أي
سواء من غير زيادة ولا نقص (ثم يعتق) أي العبد أو الأمة
وأول يعتق مضموم وثالثه مفتوح، وقول ابن المنير قوله: من
أعتق عبدًا بين اثنين فيه دليل لطيف على صحة إطلاق الجمع
على الواحد لأنه قال عبدًا بين اثنين، ثم قال: فأعطى
شركاءه حصصهم والمراد شريكه قطعًا.
قال العلاّمة البدر الدماميني: هذا سهو منه فإن الحديث
الذي فيه من أعتق عبدًا بين اثنين ليس فيه فأعطى شركاءه
حصصهم والذي فيه فأعطى شركاءه حصصهم ليس فيه من أعتق عبدًا
بين اثنين إنما فيه من أعتق شركًا له في عبد انتهى. وليس
في قوله ثم يعتق دليل للمالكية على أنه لا يعتق إلا بعد
أداء القيمة كما سيأتي بيانه قريبًا في هذا الباب إن شاء
الله تعالى.
وهذا الحديث قد سبق في باب تقويم الأشياء بين الشركاء
بقيمة عدل.
2522 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ قال:
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ - رضى الله عنهما - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ
أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِى عَبْدٍ فَكَانَ لَهُ مَالٌ
يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ الْعَبْدُ قِيمَةَ
عَدْلٍ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعَتَقَ
عَلَيْهِ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي (قال: أخبرنا
مالك) الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر
-رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(من أعتق شركًا) بكسر الشين أي نصيبًا (له في عبد) سواء
كان قليلاً أو كثيرًا والشرك في الأصل مصدر أطلق على
متعلقه وهو المشترك ولا بدّ من إضمار أي جزء مشترك لأن
المشترك في الحقيقة الجملة (فكان له) أي للذي أعتق (مال
يبلغ) وللحموي والمستملي ما يبلغ أي شيء (ثمن العبد) أي
قيمة بقيته (قوّم العبد) بضم القاف مبنيًّا للمفعول زاد
أبو ذر والأصيلي عليه (قيمة عدل) بأن لا يزاد من قيمته ولا
ينقص (فأعطى شركاءه حصصهم) أي قيمة حصصهم وروي فأعطي بضم
الهمزة مبنيًّا للمفعول شركاؤه بالرفع نائبًا عن الفاعل
(وعتق عليه) بفتح العين والتاء ولا يبنى للمفعول إلا إذا
كان بهمزة التعدية فيقال أعتق ولأبي ذر وعتق عليه العبد
(وإلا) بأن لم يكن موسرًا (فقد عتق منه ما عتق) أي حصته.
وهذا الحديث أخرجه مسلم وأبو داود والنسائي في العتق.
2523 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِى
أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ - رضى الله عنهما - قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ
فِى مَمْلُوكٍ فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلِّهِ إِنْ كَانَ
لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ
يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ على المعتق، فَأُعْتِقَ
مِنْهُ مَا أَعْتَقَ».
حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا بِشْرٌ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ ... اخْتَصَرَهُ.
وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين أبو محمد
القرشي الهباري الكوفي من ولد هبار بن الأسود واسمه في
الأصل عبد الله وعبيد لقب غلب عليه (عن أبي أسامة) حماد بن
أسامة (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري (عن نافع)
مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-)
(4/303)
أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من أعتق شركًا له في مملوك فعليه عتقه كله) قال الزركشي
وتبعه ابن حجر بالجر أنه تأكيد للضمير المضاف أي أعتق
العبد كله، وتعقبه العيني بأنه ليس هنا ضمير مضاف حتى يكون
تأكيدًا
وفيه مساهلة جدًّا، وإنما هو تأكيد لقوله في مملوك انتهى.
أي: فعليه عتق المملوك كله والأحسن أن يقال: إنه تأكيد
للضمير المضاف إليه (إن كان له) أي للذي أعتق (مال يبلغ
ثمنه) أي قيمة بقية العبد (فإن لم يكن له مال يقوم عليه
قيمة عدل على المعتق) بكسر التاء ويقوم بفتح الواو المشددة
صفة لقوله مال أي من لا مال له بحيث يقع عليه التقويم فإن
العتق يقع في نصيبه خاصة، وليس المراد أن التقويم يشرع
فيمن لم يكن له مال فليس يقوّم جوابًا للشرط بل هو قوله:
(فأعتق منة) بضم الهمزة وكسر الفوقية مبنيًّا للمفعول أي
فأعتق من العبد (ما أعتق) بفتح الهمزة والتاء أي ما أعتق
المعسر.
وقال الإمام البلقيني: يحتمل أن يكون المراد فإن لم يكن له
مال يبلغ قيمة حصة الشريك بل البعض فيقوم لأجل ذلك، ويكون
حجة لأصح الوجهين في مذهب الشافعي أنه يعتق من حصة
الشريك بقدر ما يوسر به أو يحكم على هذه اللفظة بالشذوذ
والمخالفة لما رواه الناس فإنها لا تعرف إلا من هذا الطريق
أوردها به البخاري انتهى.
وفي نسخة: ما أعتق بضم الهمزة وكسر التاء وللحموي
والمستملي قيمة عدل على العتق بكسر العين وسكون المثناة
الفوقية، وعند النسائي من رواية خالد بن الحرث عن عبيد
الله فإن كان له مال قوّم عليه قيمة عدل في ماله فإن لم
يكن له مال عتق منه ما عتق.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين المهملة ابن مسرهد أبو
الحسن الأسدي البصري قال: (حدّثنا بشر) بكسر الموحدة وسكون
الشين المعجمة ابن المفضل (عن عبيد الله) بن عمر العمري
(اختصره) مسدد بالإسناد المذكور فذكر المقصود منه فقط. قال
في فتح الباري: وقد أخرجه مسدد في مسنده من رواية معاذ بن
المثنى عنه بهذا الإسناد، وأخرجه البيهقي من طريقه ولفظه:
"من أعتق شركًا له في مملوك فقد عتق كله" وقد رواه غير
مسدد عن بشر مطوّلاً، وقد أخرجه النسائي عن عمرو بن علي عن
بشر لكن ليس فيه أيضًا قوله عتق منه ما عتق فيحتمل أن يكون
مراده أنه اختصر هذا القدر.
2524 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ
عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رضى الله
عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِى
مَمْلُوكٍ أَوْ شِرْكًا لَهُ فِى عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مِنَ
الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ بِقِيمَةِ الْعَدْلِ
فَهْوَ عَتِيقٌ. قَالَ: نَافِعٌ: وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ
مِنْهُ مَا عَتَقَ. قَالَ أَيُّوبُ: لاَ أَدْرِى أَشَىْءٌ
قَالَهُ نَافِعٌ، أَوْ شَىْءٌ فِى الْحَدِيثِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل قال: (حدّثنا
حماد) ولأبي ذر حماد بن زيد (عن أيوب) السختياني (عن نافع
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(من أعتق نصيبًا له في مملوك أو) قال (شركًا له في عبد) شك
أيوب (وكان) بالواو، ولأبوي ذر والوقت: فكان (له من المال
ما يبلغ قيمته) أي قيمة بقية العبد (بقيمة العدل) من غير
زيادة ولا نقص (فهو) أي العبد (عتيق) أي معتق بضم الميم
وفتح المثناة كله بعضه بالإعتاق وبعضه بالسراية فلو كان له
مال لا يفي بحصصهم سرى إلى القدر الذي هو موسر به تنفيذًا
للعتق بحسب الإمكان وخرج بقوله أعتق ما إذا أعتق عليه
قهرًا بأن ورث بعض من يعتق عليه بالقرابة فإنه يعتق ذلك
القدر خاصة ولا سراية، وبهذا صرّح الفقهاء من أصحابنا
الشافعية وغيرهم، وعن أحمد رواية بخلافه، وخرج أيضًا ما
إذا أوصى بإعتاق نصيبه من عبد فإنه يعتق ذلك القدر ولا
سراية لأن المال ينتقل إلى لوارث ويصير الميت معسرًا بل لو
كان كل العبد له فأوصى بإعتاق بعضه عتق ذلك البعض ولم يسر
كما قاله الجمهور، ولا تتوقف السراية فيما إذا أعتق البعض
على أداء القيمة لأنه لو لم يعتق قبل الأداء لما وجبت
القيمة، وإنما تجب على تقدير انتقال أو قرض أو إتلاف ولم
يوجد الأخيران فتعيّن الأول وهو الانتقال إليه وهذا مذهب
الجمهور، والأصح عند الشافعية وبعد المالكية وفي رواية
النسائي وابن حبّان من طريق سليمان بن موسى عن نافع عن ابن
عمر: من أعتق عبدًا وله فيه شركاء وله وفاء فهو حرّ ويضمن
نصيب شركائه بقيمته، وللطحاوي نحوه، ومشهور مذهب المالكية
أنه لا يعتق إلا بدفع القيمة فلو أعتق الشريك قبل أخذ
(4/304)
القيمة نفذ عتقه واستدلّ لهم بقوله في
رواية سالم المذكور أول الباب: فإن كان موسرًا قوّم عليه
ثم عتق.
وأجيب: بأنه لا يلزم من ترتيب العتق على التقويم ترتيبه
على أداء القيمة فإن التقويم يفيد معرفة القيمة وأما الدفع
فقدر زائد على ذلك، وأما رواية مالك فأعطى شركاءه حصصهم
وعتق عليه العبد فلا يقتضي ترتيبًا لسياقها بالواو، ولا
فرق بين أن يكون العبد والمعتق والشريك مسلمين أو كفارًا
أو بعضهم مسلمين وبعضهم كفارًا ولا خيار للشريك في ذلك ولا
للعبد ولا للمعتق بل ينفذ الحكم، وإن كرهوا كلهم مراعاة
لحق الله تعالى في الحرية، وهذا مذهب الشافعية. وعند
الحنابلة وجهان فيما لو أعتق الكافر شركًا له في عبد مسلم
هل يسري عليه أم لا؟ وقال المالكية إن كانوا كفارًا فلا
سراية وإن كان المعتق كافرًا دون شريكه فهل يسري عليه أم
لا؟ أم يسري فيما إذا كان العبد مسلمًا دون ما إذا كان
كافرًا؟ ثلاثة أقوال وإن كانا كافرين والعبد مسلمًا
فروايتان وإن كان المعتق مسلمًا سرى عليه بكل حال.
(قال نافع) مولى ابن عمر (وإلا) أي وإن لم يكن له مال (فقد
عتق منه ما عتق) بفتح العين والتاء فيهما وهو نصيبه ونصيب
الشريك رقيق لا يكلف إعتاقه ولا يستسعي العبد في فكّه
ولأبي ذر أعتق بضم الهمزة في الأول وكسر التاء مبنيًّا
للمفعول وفتحها في الثاني وإسقاط منه.
(قال أيوب) السختياني (لا أدري أشيء) أي حكم المعسر (قاله
نافع) من قبله فيكون منقطعًا موقوفًا (أو شيء في الحديث)
فيكون موصولاً مرفوعًا، وقد وافق أيوب على الشك فى رفع هذه
الزيادة يحيى بن سعيد عن نافع فيما رواه مسلم والنسائي ولم
يختلف عن مالك في وصلها ولا عن عبيد الله بن عمر، لكن
اختلف عليه في إثباتها وحذفها والذين أثبتوها حفاظ
فإثباتها عند عبيد الله مقدّم وقد رجح الأئمة رواية من
أثبت هذه الزيادة مرفوعة. قال إمامنا الشافعي -رضي الله
عنه-: لا أحسب عالمًا بالحديث يشك في أن مالكًا أحفظ لحديث
نافع من أيوب لأنه كان ألزم له منه حتى لو استويا فشك
أحدهما في شيء لم يشك فيه صاحبه كانت الحجة مع من لم يشك،
ويقوي ذلك قول عثمان الدارمي قلت لابن معين مالك في نافع
أحب إليك أو أيوب؟ قال مالك ومن جزم حجة على من تردد وزاد
فيه بعضهم كما قاله الشافعي -رضي الله عنه- فيما نقله عنه
البيهقي في المعرفة ورقّ منه
ما رقّ، ووقعت هذه الزيادة عند الدارقطني وغيره من طريق
إسماعيل بن أمية وغيره عن نافع عن ابن عمر بلفظ ورقّ منه
ما بقي واستدلّ بذلك على ترك الاستسعاء، لكن في إسناده
إسماعيل بن مرزوق الكعبي وليس بالمشهور عن يحيى بن أيوب
وفي حفظه شيء.
2525 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مِقْدَامٍ حَدَّثَنَا
الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ أَخْبَرَنِي نَافِعٌ "عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي
الله عنهما- أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي فِي الْعَبْدِ أَوِ
الأَمَةِ يَكُونُ بَيْنَ شُرَكَاءَ فَيُعْتِقُ أَحَدُهُمْ
نَصِيبَهُ مِنْهُ يَقُولُ: قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ
كُلِّهِ إِذَا كَانَ لِلَّذِي أَعْتَقَ مِنَ الْمَالِ مَا
يَبْلُغُ يُقَوَّمُ مِنْ مَالِهِ قِيمَةَ الْعَدْلِ،
وَيُدْفَعُ إِلَى الشُّرَكَاءِ أَنْصِبَاؤُهُمْ وَيُخَلَّى
سَبِيلُ الْمُعْتَقِ، يُخْبِرُ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وَرَوَاهُ اللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَابْنُ
إِسْحَاقَ وَجُوَيْرِيَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ
وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ... مُخْتَصَرًا.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن مقدام) بكسر الميم وسكون القاف
أبو الأشعث العجلي البصري قال (حدّثنا الفضيل بن سليمان)
بضم الفاء وفتح المعجمة في الأول وضم السين وفتح اللام في
الثاني النميري قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) بضم العين
وسكون القاف قال: (أخبرني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر -رضي
الله عنهما- أنه كان يفتي في العبد أو الأمة يكون بين
الشركاء فيعتق) بضم التحتية وكسر الفوقية (أحدهم نصيبه منه
من العبد أو الأمة (يقول) أي ابن عمر (وقد وجب علبه عتقه
كله) بالجر تأكيدًا للضمير إليه كما مرّ أي وجب عليه عتق
العبد كله أو الأمة كلها (إذا كان الذي أعتق من المال ما
يبلغ) أي قيمة نصيب شركائه فحذف المفعول (يقوّم من ماله)
أي من مال الذي أعتق (قيمة العدل) بفتح العين أي قيمة
استواء من غير زيادة ولا نقص وقيمة نصب مفعول مطلق (ويدفع)
بضم أوله مبنيًّا للمفعول (إلى الشركاء أنصباؤهم) بالرفع
نائبًا عن الفاعل (ويخلى) بفتح اللام مبنيًا للمفعول (سبيل
المعتق) بالرفع نائبًا عن الفاعل والمعتق بفتح التاء أي
العتيق، ولأبي ذر: ويدفع بفتح أوّله إلى الشركاء أنصباءهم
بالنصب على المفعولية ويخلي بكسر اللام مبنيًّا للفاعل أي
المعتق بكسر التاء "سبيل" على المفعولية وفتح الفوقية من
المعتق (يخبر ذلك
(4/305)
ابن عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-).
(ورواه) أي الحديث المذكور (الليث) بن سعد الإمام فيما
وصله مسلم والنسائي (وابن أبي ذئب) محمد فيما وصله أبو
نعيم في مستخرجه (وابن إسحاق) محمد صاحب المغازي فيما وصله
أبو عوانة (وجويرية) بن أسماء فيما وصله المؤلّف في الشركة
(ويحيى بن سعيد) الأنصاري فيما وصله مسلم (وإسماعيل بن
أمية) بضم الهمزة وفتح الميم وتشديد التحتية فيما وصله عبد
الرزاق كلهم (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مختصرًا) بفتح
الصاد يعني لم يذكر والجملة الأخيرة في حق المعسر وهي قول
فقد عتق منه ما عتق.
وقد أخرج المؤلّف حديث ابن عمر في هذا الباب من ستة طرق
تشتمل على فصول من أحكام عتق العبد المشترك كما ترى.
5 - باب إِذَا أَعْتَقَ نَصِيبًا فِي عَبْدٍ وَلَيْسَ لَهُ
مَالٌ اسْتُسْعِيَ الْعَبْدُ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ،
عَلَى نَحْوِ الْكِتَابَةِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا أعتق) شخص (نصيبًا) له (في عبد
وليس له مال) وجواب إذا قوله (استسعي) بضم تاء الاستفعال
مبنيًّا للمفعول أي ألزم (للعبد) السعي في تحصيل القدر
الذي يخلص به باقيه من الرقّ حال كونه (غير مشقوق عليه على
نحو) عقد (الكتابة).
2526 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي رَجَاءٍ حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ
قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي النَّضْرُ
بْنُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَعْتَقَ
شَقِيصًا مِنْ عَبْدٍ ... ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (أحمد بن أبي
رجاء) واسمه عبد الله بن أيوب أبو الوليد الحنفي الهروي
قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان القرشي الكوفي قال:
(حدثنا جرير بن حازم) البصري (قال: سمعت قتادة) بن دعامة
أبا الخطاب السدوسي (قال: حدّثني) بالإفراد (النضر بن أنس
بن مالك) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة الأنصاري البصري
(عن بشبر بن نهيك) بفتح الموحدة وكسر المعجمة وفتح النون
وكسر الهاء في الثاني وآخره كاف السدوسي ويقال السلوليّ
البصري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من أعتق شقيصًا) بفتح الشين المعجمة وكسر القاف أي نصيبًا
(من عبد) كذا ساقه مختصرًا وعطف عليه طريق سعيد عن قتادة
فقال بالسند إليه.
2527 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ
النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ بَشِيرِ بْنِ نَهِيكٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مَنْ أَعْتَقَ
نَصِيبًا -أَوْ شَقِيصًا- فِي مَمْلُوكٍ فَخَلاَصُهُ
عَلَيْهِ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ، وَإِلاَّ
قُوِّمَ عَلَيْهِ فَاسْتُسْعِيَ بِهِ غَيْرَ مَشْقُوقٍ
عَلَيْهِ».
تَابَعَهُ حَجَّاجُ بْنُ حَجَّاجٍ وَأَبَانُ وَمُوسَى بْنُ
خَلَفٍ عَنْ قَتَادَةَ ... اخْتَصَرَهُ شُعْبَةُ.
(وحدّثنا) وفي الفرع حدّثنا بحذف واو العطف (مسدد) هو ابن
مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بتقديم الزاي على الراء
مصغرًا أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي
عروبة مهران اليشكري مولاهم أبو النضر البصري الثقة الحافظ
ذو التصانيف كثير التدليس واختلط لكنه من أثبت الناس في
قتادة وقد سمع منه يزيد بن زريع قبل اختلاطه (عن قتادة) بن
دعامة (عن النضر بن أنس) الأنصاري (عن بشير بن نهيك) بفتح
أوّلهما وكسر ثانيهما وزنًا واحدًا (عن أبي هريرة -رضي
الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال):
(من أعتق نصيبًا أو) قال (شقيصًا) بفتح أوله وكسر ثانيه
والشك من الراوي (في مملوك) مشترك بينه وبين غيره (فخلاصه)
كله من الرقّ (عليه في ماله) بأن يؤدي قيمة باقيه من ماله
(إن كان له مال وإلاّ) بأن لم يكن للذي أعتق مال (قوم) بضم
القاف مبنيًّا للمفعول (عليه فاستسعي) بضم التاء أي ألزم
العبد (به) أي باكتساب ما قوّم من قيمة نصيب الشريك ليفك
بقية رقبته من الرقّ أو يخدم سيده الذي لم يعتقه بقدر ما
له فيه من الرقّ، والتفسير الأول هو الأصح عند القائل
بالاستسعاء لاسيما وفي رواية عبدة عند النسائي ومحمد بن
بشر عند أبي داود كلاهما عن سعيد ما يوضح أن المراد الأول
ولفظه واستسعى في قيمته لصاحبه (غير مشقوق عليه) في
الاكتساب إذا عجز، وقال ابن التين: معناه لا يستغلى عليه
في الثمن وهو قول أبي حنيفة مستدلاً بهذا الحديث، وما رواه
مسلم وأصحاب السنن وخالفه أصحابه وهو مذهب الشافعية
والمالكية والحنابلة.
(تابعه) أي تابع سعيد بن أبي عروبة في روايته عن قتادة على
ذكر السعاية (حجاج بن حجاج) بتشديد الجيم فيهما الأسلمي
الباهلي البصري الأحول مما هو في نسخته عن قتادة من رواية
أحمد بن حفص أحد شيوخ البخاري عن أبيه عن إبراهيم بن طهمان
عن حجاج وفيها ذكر السعاية (وأبان) بن يزيد العطار مما
أخرجه أبو داود والنسائي من طريقه قال: حدّثنا قتادة
أخبرنا النضر بن أنس ولفظه:
(4/306)
فإن عليه أن يعتق بقيته إن كان له مال وإلا
استسعي العبد الحديث. (وموسى بن خلف) العمي فيما وصله
الخطيب في كتاب الفصل للوصل من طريق أبي ظفر عبد السلام بن
مطهر عنه كلهم (عن قتادة) بن دعامة، وأراد المؤلّف بهذا
الرد على من زعم أن الاستسعاء في هذا الحديث غير محفوظ،
وأن سعيد بن أبي عروبة تفرّد به فاستظهر له برواية جرير بن
حازم لموافقته ثم ذكر ثلاثة تابعوهما على ذكرها فنفى عنه
التفرّد ثم قال: (اختصره) أي الحديث (شعبة) هو ابن الحجاج
وكأنه جواب عن سؤال مقدّر، وهو أن شعبة أحفظ الناس لحديث
قتادة فكيف لا يذكر الاستسعاء فأجاب بأن هذا لا يؤثر فيه
ضعفًا لأنه أورده مختصرًا وغيره بتمامه والعدد الكثير أولى
بالحفظ من الواحد.
ورواية شعبة أخرجها مسلم والنسائي من طريق غندر عنه عن
قتادة بإسناده ولفظه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في المملوك بين الرجلين فيعتق أحدهما نصيبه قال
"يضمن".
ومن طريق معاذ عن شعبة بلفظ: "من أعتق شقصًا من مملوك فهو
حر من ماله" وقد اختصر ذكر السعاية أيضًا هشام الدستوائي
عن قتادة إلا أنه اختلف عليه في إسناده فمنهم من ذكر فيه
النضر بن أنس، ومنهم من لم يذكره. وقد أجاب أصحابنا
الشافعية عن الأحاديث المذكور فيها السعاية بأجوبة.
أحدها: أن الاستسعاء مدرج في الحديث من كلام قتادة لا من
كلامه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما رواه همام
بن يحيى عن قتادة بلفظ: إن رجلاً أعتق شقصًا من مملوك
فأجاز النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عتقه
وغرمه بقية ثمنه قال قتادة: إن لم يكن له مال استسعي العبد
غير مشقوق عليه أخرجه الدارقطني والخطابي والبيهقي وفيه
فصل السعاية من الحديث وجعلها من قول قتادة. وقال ابن
المنذر والخطابي في معالم السنن: هذا الكلام لا يثبته أكثر
أهل النقل مسندًا عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، ويزعمون أنه من كلام قتادة، واستدلّ له ابن
المنذر برواية همام وقد ضعف الشافعي -رضي الله عنه- أمر
السعاية فيما ذكره عنه البيهقي بوجوه.
منها: أن شعبة وهشامًا الدستوائي رويا هذا الحديث ليس فيه
استسعاء وهما أحفظ.
ومنها: أن الشافعي -رضي الله عنه- سمع بعض أهل النظر
والقياس والعلم بالحديث يقول: لو كان حديث سعيد بن أبي
عروبة في الاستسعاء منفردًا لا يخالفه غيره ما كان ثابتًا
قال الشافعي -رضي الله عنه- في القديم: وقد أنكر الناس حفظ
سعيد. قال البيهقي: وهذا كما قال الشافعي فقد اختلط سعيد
بن أبي عروبة في آخر عمره حتى أنكروا حفظه، إلا أن حديث
الاستسعاء قد رواه أيضًا جرير بن حازم عن قتادة، ولذلك
أخرجه البخاري ومسلم في الصحيح، واستشهد البخاري برواية
الحجاج بن الحجاج وأبان وموسى عن قتادة فذكر الاستسعاء
فيه، وإنما يضعف الاستسعاء في هذا الحديث رواية همام بن
يحيى عن قتادة فإنه فصله من الحديث وجعله من قول قتادة،
ولعل الذي أخبر الشافعي بضعفه وقف على رواية همام أو عرف
علة أخرى لم يقف عليها اهـ.
فجزم هؤلاء الأثمة بأنه مدرج وأبى ذلك جماعة منهم الشيخان
فصحّحا كون الجميع مرفوعًا وهو الذي رجحه ابن دقيق العيد
وجماعة لأن سعيد بن أبي عروبة أعرف بحديث قتادة لكثرة
ملازمته له وكثرة أخذه عنه من همام وغيره، وهمام وشعبة وإن
كانا أحفظ من سعيد لكنهما لم ينفيا ما رواه، وإنما اقتصرا
من الحديث على بعضه وليس المجلس متحدًّا حتى يتوقف في
زيادة سعيد فإن ملازمة سعيد لقتادة كانت أكثر منهما فسمع
منه ما لم يسمعه غيره وهذا كله لو انفرد وسعيد لم ينفرد،
وقد قال النسائي في حديث قتادة عن أبي المليح في هذا الباب
بعد أن ساق الاختلاف فيه على قتادة هشام: وسعيد أثبت في
قتادة من همام وما أعلّ به حديث سعيد من كونه اختلط أو
تفرد به مردود لأنه في الصحيحين وغيرهما من رواية من سمع
منه قبل الاختلاط كيزيد بن زريع، ووافقه عليه أربعة تقدم
ذكرهم وآخرون معهم يطول ذكرهم وهمام هو الذي انفرد
بالتفصيل، وهو الذي خالف
(4/307)
الجميع في القدر المتفق على رفعه فإنه جعله
واقعة عين وهم جعلوه حكمًا عامًّا فدلّ على أنه لم يضبطه
كما ينبغي، وقد وقع ذكر الاستسعاء في غير حديث أبي هريرة
أخرجه الطبراني من حديث جابر.
واحتج من أبطل الاستسعاء بحديث عمران بن حصين عند مسلم أن
رجلاً أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم
فدعاهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فجزأهم أثلاثًا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرقّ أربعة.
ووجه الدلالة منه أن الاستسعاء لو كان مشروعًا لنجز من كل
واحد منهم عتق ثلثه وأمره بالاستسعاء في بقية قيمته لورثة
الميت.
وروى النسائي من طريق سليمان بن موسى عن نافع عن ابن عمر
أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
"من
أعتق عبدًا وله وفاء فهو حر ويضمن نصيب شركائه بقيمته لما
أساء من مشاركتهم وليس على العبد شيء". ورواه البيهقي
أيضًا من وجه آخر.
6 - باب الْخَطَإِ وَالنِّسْيَانِ فِي الْعَتَاقَةِ
وَالطَّلاَقِ وَنَحْوِهِ، وَلاَ عَتَاقَةَ إِلاَّ لِوَجْهِ
اللَّهِ تَعَالَى
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى». وَلاَ نِيَّةَ لِلنَّاسِي
وَالْمُخْطِئِ.
(باب) حكم (الخطأ والنسيان في العتاقة والطلاق ونحوه) أي
نحو كلٍّ منهما من الأشياء التي يريد الشخص أن يتلفظ بشيء
منها فيسبق لسانه إلى غيره كان يقول لعبده: أنت حر، أو
لامرأته أنت طالق من غير قصد، فقال الحنفية: يلزمه الطلاق،
وقال الشافعية: من سبق لسانه إلى لفظ الطلاق في محاورته
وكان يريد أن يتكلم بكلمة أخرى لم يقع طلاقه لكن لمن تقبل
دعواه سبق اللسان في الظاهر إلا إذا وجدت قرينة تدل عليه،
فإذا قال طلّقتك ثم قال سبق لساني وإنما أردت طلبتك فنصّ
الشافعي -رحمه الله- أنه لا يسع امرأته أن تقبل منه. وحكى
الروياني عن صاحب الحاوي وغيره: إن هذا فيما إذا كان الزوج
متّهمًا فأما إن ظنت صدقه بأمارة فلها أن تقبل قوله ولا
تخاصمه. قال الروياني: وهذا هو الاختيار نعم يقع الطلاق
والعتق من الهازل ظاهرًا وباطنًا ولا يدين فيهما.
(ولا عتاقة إلا لوجه الله تعالى) أي لذاته ولجهة رضاه
ومراده بذلك إثبات اعتبار النيّة لأنه لا يظهر كونه لوجه
الله تعالى إلا مع القصد وفي حديث ابن عباس مرفوعًا كما في
الطبراني: لا طلاق إلا لعدّة ولا عتاقة إلا لوجه الله.
(وقال: النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما
سبق موصولاً في حديث عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-.
(لكل امرئ ما نوى) الحديث (ولا نيّة للناسي والمخطئ) وهو
من أراد الصواب فصار إلى غيره قال الحافظ ابن حجر وللقابسي
والخاطئ وهو من تعمد لما لا ينبغي.
2528 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ
أَوْفَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي مَا
وَسْوَسَتْ بِهِ صُدُورُهَا مَا لَمْ تَعْمَلْ أَوْ
تَكَلَّمْ». [الحديث 2528 - طرفاه في: 5269، 6664].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثني (الحميدي) عبد الله
بن الزبير بن عيسى قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال:
(حدّثنا مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين
المهملتين ابن كدام بكسر الكاف ودال مهملة مخففة (عن
قتادة) بن دعامة (عن زرارة بن أوفى) هو من ثقات التابعين
(عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن الله) عز وجل (تجاوز لي) أي لأجلي (عن أمتي ما وسوست
به صدورها) جملة في محل نصب على المفعولية وما موصول
ووسوست صلته وبه عائد وصدورها بالرفع فاعل وسوست ولأبي ذر
صدورها بالنصب على أن وسوست بمعنى حدثت، ونسب هذه في الفتح
وغيره لرواية الأصيلي، ويأتي إن شاء الله تعالى في الطلاق
بلفظ ما حدّثت به أنفسها والمعنى ما حدّثت به نفسه وهو ما
يخطر بالبال والوسوسة الصوت الخفي ومنه وسواس الحلي
لأصواتها وقيل ما يظهر في القلب من الخواطر إن كانت تدعو
إلى الرذائل والمعاصي تسمى وسوسة، فإن كانت تدعو إلى
الخصال الرضية والطاعات تسمى إلهامًا ولا تكون الوسوسة إلا
مع التردّد والتزلزل من غير أن يطمئن إليه أو يستقر عنده
(ما لم تعمل) في العمليات بالجوارح (أو تكلم) في القوليات
باللسان على وفق ذلك وأصل تكلم تتكلم بمثناتين حذفت
إحداهما تخفيفًا.
ومطابقة الحديث للترجمة من قوله: ما وسوست لأن الوسوسة لا
اعتبار لها عند عدم التوطّن فكذلك المخطئ والناسي لا توطن
لهما، وأما قول ابن العربي: إن المراد بقوله ما لم تكلم
الكلام النفسي إذ هو الكلام الأصلي وإن القول الحقيقي هو
الموجود بالقلب الموافق للعلم
(4/308)
فمراده به الانتصار لما روي عن الإمام
الأعظم مالك أنه يقع الطلاق والعتاق بالنيّة وإن لم يتلفظ.
قال في المصابيح: وقد أشكل هذا على كثير من أصحابه لأن
النية عبارة عن القصد في الحال أو العزم في الاستقبال فكما
لا يكون قاصد الصلاة مصليًّا حتى يفعل المقصود وكذا قاصد
الزكاة والنكاح وغيرهما كذلك ينبغي أن يكون قاصد الطلاق،
ثم قول القائل: يقع الطلاق بالقصد متدافع، وحاصله يقع ما
لم يوقعه المكلف إذ القصد ضرورة يفتقر إلى مقصود النية
فكيف يكون القصد نفس المقصود هذا قلب للحقائق، فمن هنا
اشتد الإنكار حتى حمل على التأويل، والذي يرفع الإشكال أن
النية التي أُريدت هنا هي الكلام النفسي الذي يعبر عنه
بقول القائل أنت طالق فالمعنى الذي هذا لفظه هو المراد
بالنيّة وإيقاع الطلاق على من تكلم بالطلاق وأنشأه حقيقة
لا ريب فيه، وذلك أن الكلام يطلق على النفسي حقيقة وعلى
اللفظي قيل حقيقة وقيل مجازًا ولهذا نقول قاصد الإيمان
مؤمن لأن التكلم بالإيمان كلامًا نفسيًّا مصدقًا عن معتقده
مؤمن وكذلك معتقد الكفر بقلبه المصدق له كافر وأما المتكلم
في نفسه بإحرام الصلاة وبالقراءة فإنما لم يعد مصليًا ولا
قارئًا بمجرد الكلام النفسي لتعبّد الشرع في هذه المواضع
الخاصة بالنطق اللفظي. ألا ترى أن المتكلم بإحرام الحج في
نفسه محرم وإن لم يلب وكذلك المخيرة إذا تسترت ونقلت
قماشها ونحو ذلك كان ذلك اختيارًا وإن لم تتكلم بلفظ لأنها
قد تكلمت في نفسها ونصبت هذه الأفعال دلالات على الكلام
النفسي، فإن الدليل عليه لا يخص النطق بل تدخل فيه
الإشارات والرموز والخطوط، ولها كانت المعاطاة عنده بيعًا
لدلالتها على الكلام النفسي عرفًا فاندفع السؤال وصار ما
كان مشكلاً هو اللائح انتهى.
وهذا نقضه الخطابي بالظهار فإنهم أجمعوا على أنه لو عزم
على الظهار لم يلزم حتى يتلفظ به قال: وهو في معنى الطلاق
وكذلك لو حدّث نفسه بالقذف لم يكن قاذفًا ولو حدّث نفسه في
الصلاة لم يكن عليه إعادة، وقد حرّم الله تعالى الكلام في
الصلاة فلو كان حديث النفس في معنى الكلام لبطلت الصلاة،
وقد قال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: إني لأجهز جيشي
وأنا في الصلاة.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الطلاق والنذور، ومسلم في
الإيمان، وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة في
الطلاق.
2529 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ سُفْيَانَ
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ
اللَّيْثِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ
-رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «الأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلاِمْرِئٍ
مَا نَوَى: فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ
وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ،
وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوِ
امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ
إِلَيْهِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي
البصري الثقة ولم يصب من ضعفه وقد وثّقه أحمد (عن سفيان)
الثوري قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) الأنصاري التابعي (عن
محمد بن إبراهيم التيمي) القرشي المدني التابعي (عن علقمة
بن وقاص الليثي) بالمثلثة أنه (قال: سمعت عمر بن الخطاب
-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الأعمال) إنما تصح (بالنية) بالإفراد (ولامرئ) ثواب (ما
نوى) بحذف إنما في الموضعين ومعنى النية القصد إلى الفعل،
وقال الحافظ المقدسي في أربعينه: النية والقصد والإرادة
والعزم بمعنى، والعرب تقول نواك الله بحفظه أي قصدك وعبارة
بعضهم إنها تصميم القلب على فعل الشيء، وقال الماوردي في
كتاب الإيمان: قصد الشيء مقترنًا بفعله فإن تراخى عنه كان
عزمًا، وقال الخطابي: قصدك الشيء بقلبك وتحري الطلب منك
له، وقال البيضاوي: النيّة عبارة عن انبعاث القلب نحو ما
يراه موافقًا لغرض من جلب نفع أو دفع ضرِّ حالاً أو مآلاً
والشرع خصّها بالإرادة المتوجهة نحو الفعل ابتغاء لوجه
الله وامتثالاً لحكمه والنية في الحديث محمولة على المعنى
اللغوي ليحسن تطبيقه وتقسيمه بقوله:
(فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله
ومن كانت هجرته إلى دنيا) وللكشميهني: لدنيا (يصيبها أو
امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) فإنه تفصيل لما
أجمله واستنباط للمقصود عما أصله، والمعنى من قصد بهجرته
وجه الله وقع أجره على الله، ومن قصد بها دنيا أو امرأة
فهي حظه ولا نصيب له في الآخرة، فالأولى للتعظيم، والثانية
للتحقير. ولا يقال اتحد
(4/309)
الشرط والجزاء لأنّا نقول ليس الجزاء هنا
نفس الشرط وإنما الجزاء محذوف أقيم هذا المذكور مقامه
وتأوّله ابن دقيق العيد بأن التقدير فمن كانت هجرته إلى
الله ورسوله نيّةً وقصدًا فهجرته إلى الله ورسوله حكمًا
وشرعًا، وفيه بحث سبق أوّل هذا الكتاب وأواخر الإيمان
فليراجع.
وتنقسم النية إلى أقسام كثيرة: كالتعبد وهو إخلاص العمل
لله تعالى، والتمييز كمن أقبض رب الدين من جنس دينه شيئًا
فإنه يحتمل الهبة والقرض والوديعة والإباحة ونحوها، ويحتمل
أن يكون من وفاء الدين وكذا في مواضع من المعاملات ونحوها:
ككناية البيع والطلاق فإنه لو لم ينوِ الطلاق لم يقع وكمن
أكره على الكفر فتكلم به وهو ينوي خلافه فإنه لا يكفر ونحو
ذلك مما هو معروف في كتب الفقه.
وزعم قوم أن الاستدلال بالحديث في غير العبادات غير صحيح
لأنه إنما جاء في اختلاف مصارف وجوه العبادات، والجواب أن
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
واستنبط المؤلّف منه عدم وقوع العتاق والطلاق من الناسي
والمخطئ لأنه لا نيّة لهما ولا يحتاج صريح الطلاق إلى نيّة
لأن الصريح موضوع للطلاق شرعًا فكان حقيقة فيه فاستغنى عن
النية، وقال الحنفية: طلاق الخاطئ والناسي والهازل واللاعب
والذي تكلم به من غير قصد واقع لأنه كلام صحيح صادر من
عاقل بالغ.
7 - باب إِذَا قَالَ رَجُلٌ لِعَبْدِهِ هُوَ لِلَّهِ
وَنَوَى الْعِتْقَ، وَالإِشْهَادُ فِي الْعِتْقِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا قال لعبده) ولغير أبوي ذر والوقت:
إذا قال رجل لعبده (هو لله و) الحال أنه (نوى العتق) صح
(والإشهاد بالعتق) بجرّ الإشهاد في الفرع وأصله أي وباب
الإشهاد وهو مشكل لأنه إن قدر منوّنًا احتاج إلى خبر وإلا
لزم حذف التنوين من الأول ليصح العطف عليه وهو بعيد. ومن
ثم قال العيني: ومن جر الإشهاد فقد جر ما لا يطيق حمله،
وفي نسخة: والإشهاد بالرفع أي وباب بالتنوين يذكر فيه
الإشهاد وهذا هو الوجه.
2530 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ بِشْرٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ
عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّهُ
لَمَّا أَقْبَلَ يُرِيدُ الإِسْلاَمَ -وَمَعَهُ غُلاَمُهُ-
ضَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ صَاحِبِهِ، فَأَقْبَلَ
بَعْدَ ذَلِكَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ جَالِسٌ مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا أَبَا
هُرَيْرَةَ هَذَا غُلاَمُكَ قَدْ أَتَاكَ، فَقَالَ: أَمَا
إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ حُرٌّ. قَالَ فَهُوَ حِينَ
يَقُولُ:
يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى
أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ
[الحديث 2530 - أطرافه في: 2531، 2532، 4393].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن نمير) الهمداني
بسكون الميم الكوفي أبو عبد الرحمن (عن محمد بن بشر) بكسر
الموحدة وسكون المعجمة العبدي الكوفي (عن إسماعيل) بن أبي
خالد سعد الأحمسي البجلي (عن قيس) هو ابن أي حازم بالحاء
المهملة والزاي واسمه عوف (عن أبي هريرة رضي الله عنه لما
أقبل) حال كونه (يريد الإسلام) وكان مقدمه فيما قاله
الفلاس عام خيبر وكان في
المحرم سنة سبع وكان إسلامه بين الحديبية وخيبر (ومعه
غلامه) قال ابن حجر: لم أقف على اسمه (ضلّ) أي تاه (كل
واحد منهما من صاحبه) فذهب إلى ناحية (فأقبل) أي الغلام
(بعد ذلك) ولأبي ذر: بعد ذاك (وأبو هريرة جالس مع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يا أبا هريرة هذا غلامك قد أتاك فقال: أما) بفتح الهمزة
وتخفيف الميم أي حقًّا (إني أشهدك أنه حر. قال فهو حين
يقول) أي الوقت الذي وصل فيه إلى المدينة: (يا ليلة من
طولها وعنائها) بفتح العين المهملة وتخفيف النون ممدودًا
تعبها ومشقتها (على أنها من دارة الكفر) أي الحرب (نجت)
وهذا من بحر الطويل وفيه الخرم بالمعجمة والراء الساكنة
وهو أن يحذف من أول الجزء حرف لأن أصله: فيا ليلة. وهذا
الشعر لأبي هريرة أو لغلامه، أو لأبي مرثد الغنوي تمثل به
أبو هريرة وفيه التألم من النصب والسفر.
2531 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ
قَيْسٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ:
"لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ فِي الطَّرِيقِ:
يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى
أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ
قَالَ: وَأَبَقَ مِنِّي غُلاَمٌ لِي فِي الطَّرِيقِ،
قَالَ: فَلَمَّا قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَايَعْتُهُ، فَبَيْنَا أَنَا
عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ الْغُلاَمُ، فَقَالَ لِي رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَا أَبَا
هُرَيْرَةَ، هَذَا غُلاَمُكَ. فَقُلْتُ: هُوَ حُرٌّ
لِوَجْهِ اللَّهِ، فَأَعْتَقْتُهُ".
لَمْ يَقُلْ أَبُو كُرَيْبٍ عَنْ أَبِي أُسَامَةَ "حُرٌّ".
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن سعيد)
السرخسي اليشكري أبو قدامة قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد
بن أسامة قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي
البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن أبي هريرة -رضي الله
عنه-) أنه (قال: لما قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أريد الإسلام (قلت في الطريق):
(يا ليلة من طولها وعنائها ... على أنها من دارة الكفر
نجت)
(قال) أبو هريرة (وأبق) بفتحات وحكى ابن القطاع كسر
الموحدة أي هرب (مني غلام لي في الطريق قال) أبو هريرة:
(فلما قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بايعته) على الإسلام، ولأبي ذر: فبايعته (فبينا) بغير ميم
(أنا عنده) وجواب بينا قوله (إذ طلع الغلام فقال لي رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(4/310)
(يا أبا هريرة هذا غلامك) يحتمل أن يكون
وصفه أبو هريرة له عليه الصلاة والسلام فعرفه أو رآه
مقبلاً إليه أو أخبره الملك. قال أبو هريرة: (فقلت هو حرٌّ
لوجه الله فأعتقته) أي باللفظ المذكور
فالفاء تفسيرية وليس المراد أنه أعتقه بعد هذا بلفظ آخر
(لم يقل) ولأبي ذر قال أبو عبد الله البخاري لم يقل (أبو
كريب) هو محمد بن العلاء أحد مشايخه في روايته (عن أبي
أسامة حر) بل قال لوجه الله فأعتقه وهذا وصله في أواخر
المغازي.
2532 - حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ
قَالَ: "لَمَّا أَقْبَلَ أَبُو هُرَيْرَةَ -رضي الله
عنه-وَمَعَهُ غُلاَمُهُ- وَهْوَ يَطْلُبُ الإِسْلاَمَ
فَضَلَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ ... -بِهَذَا وَقَالَ-
أَمَا إِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّهُ لِلَّهِ".
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني (شهاب بن عباد) بفتح
العين وتشديد الموحدة أبو عمر العبدي الكوفي قال: (حدّثنا
إبراهيم بن حميد) الرؤاسي بضم الراء وبعدها همزة فسين
مهملة الكوفي (عن إسماعيل عن قيس) هو ابن أبي حازم البجلي
أنه (قال: لما أقبل أبو هريرة -رضي الله عنه- ومعه غلامه)
لم يسم (وهو يطلب الإسلام) جملة حالية (فضلّ أحدهما صاحبه)
بالنصب على نزع الخافض أي من صاحبه كما في الطريق الأولى
(بهذا) اللفظ السابق، وقوله فضلّ كذا هو في رواية أبي ذر
لكنه ضبب عليه في فرع اليونينية. وقال في الهامش: الصواب
فأضلّ أي معدّى بالهمزة وحينئذ لا يحتاج إلى تقدير (وقال:
أما) بالتخفيف (إني أشهدك أنه) أي الغلام (لله) وهذا من
الكناية كقوله لا ملك لي عليك ولا سبيل ولا سلطان أو أزلت
ملكي عنك، وأما قوله له هو حر أو محرر أو حررته فصريح لا
يحتاج إلى نيّة ولا أثر للخطأ في التذكير والتأنيث بأن
يقول للعبد: أنت حرّة وللأمة أنت حرّ وفك الرقبة صريح على
الأصح، ولو كانت أمته تسمى قبل جريان الرقّ عليها حرة فقال
لها يا حرة فإن لم يخطر له النداء باسمها القديم عتقت فإن
قصد نداءها لم تعتق على الأصح وقيل تعتق لأنه صريح، ولو
كان اسمها في الحال حرة أو اسم العبد حر أو عتيق فإن قصد
النداء لم يعتق، وكذا إن أطلق على الأصح.
وفي فتاوى الغزالي إنه لو اجتاز بالمكاس فخاف أن يطالبه
بالمكس عن عبده فقال هو حرّ وليس بعبد وقصد الإخبار لم
يعتق فيما بينه وبين الله تعالى وهو كاذب في خبره ومقتضى
هذا أن لا يقبل ظاهرًا، ولو قيل لرجل استخبارًا: أطلّقت
زوجتك؟ فقال: نعم فإقرار بالطلاق فإن كان كاذبًا فهي زوجته
في الباطن فإن قال أردت طلاقًا ماضيًا وراجعت صدق بيمينه
في ذلك وإن قيل له ذلك التماسًا لإنشاء فقال نعم فصريح،
لأن نعم قائم مقام طلّقتها المراد بذكره في السؤال، وأنه
لو قال لعبده: افرغ من هذا العمل قبل العشي وأنت حر، وقال
أردت حرًّا من العمل دون العتق دين فلا يقبل ظاهرًا ولو
قال لعبده يا مولاي فكناية ولو قال له يا سيدي قال القاضي
حسين والغزالي هو لغو، وقال الإمام الذي أراه أنه كناية
ولو قال لعبد غيره أنت حر فهو إقرار بحريته وهو باطل في
الحال فلو ملكه حكمنا بعتقه مؤاخذة له بإقراره.
8 - باب أُمِّ الْوَلَدِ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ
تَلِدَ الأَمَةُ رَبَّهَا».
(باب) حكم (أم الولد قال أبو هريرة) -رضي الله عنه- فيما
تقدم بمعناه موصولاً في الإيمان (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: من أشراط الساعة أن تلد الأمة ربها)
أي سيدها لأن ولدها من سيدها ينزل منزل سيدها لمصير مال
الإنسان إلى ولده، ولا دلالة فيه على جواز بيع أم الولد
ولا عدمه كما سبق تقريره في كتاب الإيمان فليراجع. وقال
ابن المنير: استدلّ البخاري بقوله تلد الأمة ربها على
إثبات حرية أم الولد وأنها لا تباع من جهة كونه من أشراط
الساعة أي يعتق الرجل والمرأة أمهما الأمة ويعاملانها
معاملة السيد تقبيحًا لذلك، وعدّه من الفتن ومن أشراط
الساعة فدلّ على أنها محترمة شرعًا.
2533 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ:
"إِنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى أَخِيهِ
سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنْ يَقْبِضَ إِلَيْهِ ابْنَ
وَلِيدَةِ زَمْعَةَ قَالَ عُتْبَةُ: إِنَّهُ ابْنِي.
فَلَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- زَمَنَ الْفَتْحِ أَخَذَ سَعْدٌ ابْنَ
وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَقْبَلَ مَعَهُ
بِعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ. فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ هَذَا ابْنُ أَخِي، عَهِدَ إِلَىَّ أَنَّهُ
ابْنُهُ. فَقَالَ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ هَذَا أَخِي، ابْنُ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، وُلِدَ
عَلَى فِرَاشِهِ. فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى ابْنِ وَلِيدَةِ
زَمْعَةَ فَإِذَا هُوَ أَشْبَهُ النَّاسِ بِهِ، فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ
وُلِدَ عَلَى فِرَاشِ أَبِيهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: احْتَجِبِي مِنْهُ
يَا سَوْدَةُ بِنْتَ زَمْعَةَ. مِمَّا رَأَى مِنْ شَبَهِهِ
بِعُتْبَةَ. وَكَانَتْ سَوْدَةُ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
(قال: حدّثني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أن
عائشة -رضي الله عنها- قالت: إن عتبة بن أبي وقاص) ولأبوي
ذر والوقت والأصيلي: كان عتبة بن أبي وقاص (عهد إلى أخيه
سعد بن أبي وقاص) أحد العشرة المبشرة بالجنة (أن يقبض إليه
ابن وليدة زمعة) بن قيس العامري ولم تسمِّ الوليدة نعم ذكر
مصعب الزبيري في نسب قريش أنها كانت أمة يمانية
(4/311)
واسم ولدها عبد الرحمن (قال عتبة) بن أبي
وقاص: (إنه) أي عبد الرحمن (ابني فلما قدم رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة (زمن الفتح أخذ
سعد) بالتنوين (ابن وليدة زمعة) عبد الرحمن بنصب ابن على
المفعولية ويكتب بالألف (فأقبل به إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأقبل معه بعبد بن زمعة) أخي
سودة أم المؤمنين (فقال سعد) بالتنوين وفي اليونينية برفعه
من غير تنوين (يا رسول الله هذا) أي عبد الرحمن (ابن أخي)
عتبة (عهد إليّ أنه ابنه، فقال عبد بن زمعة: يا رسول الله
هذا) أي عبد الرحمن (أخي ابن وليدة) أبي (زمعة) ولأبوي ذر
والوقت: هذا أخي ابن زمعة (ولد على فراشه) من جاريته (فنظر
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ابن
وليدة زمعة) عبد الرحمن (فإذا هو أشبه الناس به) أي بعتبة
(فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(هو) أي عبد الرحمن (لك) أخ إما بالاستلحاق وإما من القضاء
بعلمه لأن زمعة كان صهره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فألحق ولده به لما علمه من فراشه (يا عبد بن
زمعة) بضم الدال على الأصل ونصب ابن (من أجل أنه ولد على
فراش أبيه) زمعة. (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: احتجبي منه يا سودة بنت زمعة) بضم سودة ونصبها
على الوجهين المشهورين في مثل يا زيد بن عمرو ذلك أن توابع
المبني المفرد من التأكيد والصفة وعطف البيان ترفع على
لفظه وتنصب على محله بيانه أن لفظ سودة وعبد في يا عبد
منادى مبني على الضم، فإذا أكد أو اتّصف أو عطف عليه يجوز
فيه الوجهان، وأما بنت زمعة فالنصب لا غير لأنه مضاف إضافة
معنوية وما كان كذلك من توابع المنادى وجب نصبه، وأما قول
الزركشي يجوز رفع بنت فقال في المصابيح: هو خطأ منه أو من
الناسخ، والأمر هنا للندب والاحتياط عند الشافعية
والمالكية والحنابلة، وإلاّ فقد ثبت نسبه وأخوته لها في
ظاهر الشرع قيل: يحتمل أن يكون قوله هو لك أي ملكًا لأنه
ابن وليدة أبيك من غيره لأن زمعة لم يقرّ به فلم يبق إلا
أنه عبد تبعًا لأمه، ولذا أمرها بالاحتجاب منه، وهذا يردّه
قوله في رواية البخاري في المغازي هو لك فهو أخوك يا عبد،
وإذا ثبت أنه أخو عبد لأبيه فهو أخو سودة لأبيها وإنما
أمرها بالاحتجاب. (مما رأى من شبهه بعتبة وكانت سودة زوج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). قال إمامنا
الشافعي رحمه الله: رؤية ابن زمعة لسودة مباحة لكنه كرهه
للشبهة وأمرها بالتنزّه عنه اختيارًا انتهى.
وقد استشكل الحديث من جهة خروجه عن الأصول المجمع عليها
وذلك أن الاتفاق على أنه لا يدعى أحد عن أحد إلا بتوكيل من
المدعى له، فكيف ادّعى سعد وليس وكيلاً عن أخيه عتبة،
وادّعى عبد بن زمعة على أبيه ولدًا بقوله أخي ابن وليدة
أبي ولم يأتِ ببينة تشهد على إقرار أبيه زمعة بذلك ولا
تجوز دعواه على أمة.
وأجيب: باحتمال أن يكون حكمًا مستوفيًا الشروط ولم تستوعب
الرواة القصة، وقد سبق أن عتبة عهد إلى أخيه سعد أن ابن
وليدة زمعة مني فاقبضه إليك وإذا كان وصيّ أخيه فهو أحق
بكفالة ابن أخيه وحفظ نسبه فتصحّ دعواه بذلك وكذا دعوى عبد
بن زمعة المخاصمة في أخيه فإنه كافله وعاصبه إن كان حرًّا
ومالكه إن كان عبدًا فلا يحتاج إلى إثبات وكالة ولا وصية
لأن كلاًّ منهما يطلب الحضانة وهي حقه إذ أحدهما في دعواه
عمّ والآخر أخ، وغرض المؤلّف من الحديث قول عبد بن زمعة
أخي ابن وليدة زمعة ولد على فراشه وحكمه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لابن زمعة بأنه أخوه فإن فيه ثبوت
أمية الأمة لكن ليس فيه تعريض لحريتها ولا لإرقاقها، لكن
قال الكرماني: أنه رأى في بعض النسخ في آخر الباب ما نصه
فسمى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم وليدة
زمعة أمة ووليدة فدلّ على أنها لم تكن عتيقة اهـ.
وحينئذٍ فهو ميل من المؤلّف إلى أنها لا تعتق بموت السيد؟
وأجيب: بأن عتق أم الولد بموت السيد ثبت بأدلة أخرى وقيل
غرض البخاري بإيراده أن بعض الحنفية لما التزم أن أم الولد
المتنازع فيه كانت حرة ردّ ذلك وقال بل كانت عتقت، وكأنه
قال: قد ورد في بعض
(4/312)
طرقه أنها أمة فمن ادّعى
أنها عتقت فعليه البيان. وأجاب ابن المنير: بأن البخاري
استدلّ بقوله الولد للفراش على أن أم الولد فراش كالحرة
بخلاف الأمة ولهذا سوّى بينها وبين الزوجة في هذا اللفظ
العام.
وبقية مباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في
الفرائض، وقد اختلف السلف والخلف في عتق أم الولد وفي جواز
بيعها فالثابت عن عمر عدم جواز بيعها وهو مروي عن عثمان
وعمر بن عبد العزيز وقول أكثر التابعين وأبي حنيفة
والشافعي في أكثر كتبه وعليه جمهور أصحابه وهو قول أبي
يوسف ومحمد وزفر وأحمد وإسحاق، وعن أبي بكر الصديق جواز
بيعها وهو كذا عن عليّ وابن عباس وابن الزبير وجابر وفي
حديثه: كنا نبيع سرارينا أمهات أولادنا والنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيّ لا يرى بذلك بأسًا أخرجه
عبد الرزاق. وفي لفظ: بعنا أمهات الأولاد على عهد النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر فلما كان
عمر نهانا فانتهينا، ولم يسند الشافعي القول بالمنع إلا
إلى عمر فقال قلته تقليدًا لعمر قال بعض أصحابه لأن عمر
لما نهى عنه فانتهوا صار إجماعًا يعني فلا عبرة بندور
المخالف بعد ذلك، وإذا قلنا بالمذهب إنه لا يجوز بيع أم
الولد فقضى قاضٍ بجوازه، فحكى الروياني عن الأصحاب كما
قاله في الروضة: أنه ينقض قضاؤه وما كان فيه من خلاف فقد
انقطع وصار مجمعًا على منعه، ونقل الإمام فيه وجهين
والمستولدة فيما سوى نقل الملك فيها كالقنة فله إجارتها
واستخدامها ووطؤها وأرش الجناية عليها وعلى أولادها
التابعين لها وقيمتهم إذا قتلوها ومن غصبها فتلفت في يده
ضمنها كالقنة وفي تزويجها أقوال أظهرها للسيد الاستقلال به
لأنه يملك إجارتها ووطأها كالمدبرة، والثاني قاله في
القديم لا يزوّجها إلا برضاها، والثالث لا يجوز وإن رضيت
وعلى هذا هل يزوجها القاضي؟ وجهان: أحدهما: نعم بشرط رضاها
ورضا السيد، والثاني: لا.
9 - باب بَيْعِ الْمُدَبَّرِ
(باب) جواز (بيع المدبر) وهو الذي علق سيده عتقه على الموت
وسمي به لأن الموت دبر الحياة وقيل لأن السيد دبر أمر
دنياه باستخدامه استرقاقه وأمر آخرته بإعتاقه.
2534 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ سَمِعْتُ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ:
"أَعْتَقَ رَجُلٌ مِنَّا عَبْدًا لَهُ عَنْ دُبُرٍ،
فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِهِ فَبَاعَهُ. قَالَ جَابِرٌ: مَاتَ الْغُلاَمُ عَامَ
أَوَّلَ".
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف
الياء قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عمرو بن
دينار) قال: (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله
عنهما- قال: أعتق رجل منّا) أي من الأنصار يسمى بأبي مذكور
(عبدًا له) يسمى يعقوب (عن دبر) بضم الدال المهملة
والموحدة وسكونها أيضًا أي بعد موته يقال دبرت العبد إذا
علقت عتقه بموتك وهو التدبير كما مرّ
أي أنه يعتق بعدما يدبر سيده ويموت (فدعا النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- به) أي بالعبد (فباعه) من
نعيم النحام بثمانمائة درهم فدفعها إليه كما عند المؤلّف
وفي لفظ لأبي داود فبيع بسبعمائة أو بتسعمائة.
(قال جابر) -رضي الله عنه-: (مات الغلام) يعقوب (عام أول)
بالفتح على البناء وهو من باب إضافة الموصوف لصفته وله
نظائر: فالكوفيون يجيزونه، والبصريون يمنعونه ويؤوّلون ما
ورد من ذلك على حذف مضاف تقديره هنا عام الزمن الأول، أو
نحو ذلك، واختلف في بيع المدبر على مذاهب.
أحدها: الجواز مطلقًا وهو مذهب الشافعي والمشهور من مذهب
أحمد وحكاه الشافعي عن التابعين وأكثر الفقهاء كما نقله
عنه البيهقي في معرفة الآثار لهذا الحديث لأن الأصل عدم
الاختصاص بهذا الرجل.
الثاني: المنع مطلقًا وهو مذهب الحنفية وحكاه النووي عن
جمهور العلماء والسلف من الحجازيين والشاميين والكوفيين،
وتأوّلوا الحديث بأنه لم يبع رقبته وإنما باع خدمته وهذا
خلاف ظاهر اللفظ وتمسكوا بما روي عن أبي جعفر محمد بن علي
بن الحسين قال: إنما باع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خدمة المدبر وهذا مرسل لا حجة فيه،
وروي عنه موصولاً ولا يصح. وأما ما عند الدارقطني عن ابن
عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال:
"المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حرّ من الثلث" فهو حديث ضعيف
لا يحتج بمثله.
الثالث: المنع من بيعه إلا أن يكون على السيد دين مستغرق
فيباع في حياته
(4/313)
وبعد مماته، وهذا مذهب المالكية لزيادة في
الحديث عند النسائي وهي كان عليه دين وفيه فأعطاه وقال:
اقضِ دينك.
وعورض بما عند مسلم ابدأ بنفسك فتصدق عليها إذ ظاهره أنه
أعطاه الثمن لإنفاقه لا لوفاء دين به.
الرابع: تخصيصه بالمدبر فلا يجوز في المدبرة وهو رواية عن
أحمد وجزم به ابن حزم عنه وقال هذا تفريق لا برهان على
صحته والقياس الجلي يقتضي عدم الفرق.
الخامس: بيعه إذا احتاج صاحبه إليه تمسكًا بقوله في
الرواية الأخرى ولم يكن له مال غيره.
السادس: لا يجوز بيعه إلا إذا أعتقه الذي ابتاعه وكأن
القائل بهذا رأى بيعه موقوفًا كبيع الفضولي عند القائل به
فإن أعتقه تبيّن أن البيع صحيح وإلاّ فلا. وقال الشيخ تقي
الدين بن دقيق العيد: من منع بيعه مطلقًا فالحديث حجة عليه
لأن المنع الكلي يناقضه الجواز الجزئي ومن أجاز بيعه في
بعض الصور يقول أنا أقول بالحديث في صورة كذا فالواقعة
واقعة حال لا عموم لها فلا تقوم عليّ الحجة في المنع من
بيعه في غيرها كما يقول مالك في بيع الدين. وقال النووي:
الصحيح أن الحديث على ظاهره وأنه يجوز بيع المدبر بكل حال
ما لم يمت السيد.
وهذا الحديث قد سبق في البيع.
10 - باب بَيْعِ الْوَلاَءِ وَهِبَتِهِ
(باب) منع (بيع الولاء) بفتح الواو والمد ميراث المعتق
بالفتح (و) منع (هبته).
2535 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ
بَيْعِ الْوَلاَءِ وَعَنْ هِبَتِهِ". [الحديث 2535 - طرفه
في: 6756].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد اللك الطيالسي
قال: (حدثنا شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد
الله بن دينار) العدوي مو اهم أبو عبد الرحمن المدني مولى
ابن عمر (قال: سمعت ابن عمر -رضي الله عنهما- يقول):
(نهى رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن بيع الولاء) أي ولاء المعتق (وعن هبته) وقد
اشتهر هذا الحديث عن عبد الله بن دينار حتى قال مسلم في
صحيحه الناس في هذا الحديث عيال عليه.
وقد اعتنى أبو نعيم الأصبهاني بجمع طرق هذا الحديث عن عبد
الله بن دينار فأورده عن خمسة وثلاثين نفسًا ممن حدّث به
عن عبد الله بن دينار، وأخرج الشافعي من رواية أبي يوسف
القاضي عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر (الولاء لحمة
كلحمة النسب) وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن أبي يعلى،
وأخرجه أبو نعيم من طريق عبد الله بن جعفر بن أعين عن بشر
فزاد في المتن لا يباع ولا يوهب، ومن طريق عبد الله بن
نافع عن عبد الله بن دينار إنما الولاء نسب لا يصلح بيعه
ولا هبته، والمحفوظ في هذا ما أخرجه عبد الرزاق عن الثوري
عن داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب موقوفًا عليه
"الولاء لحمة كلحمة النسب".
قال ابن بطال: أجمع العلماء على أنه لا يجوز تحويل النسب
إذا كان حكم الولاء حكم النسب فكما لا ينقل النسب لا ينقل
الولاء وكانوا في الجاهلية ينقلون الولاء بالبيع وغيره
فنهى الشرع عن ذلك، وقال ابن العربي: معنى الولاء لحمة
كلحمة النسب أن الله أخرجه بالحرية إلى النسب حكمًا كما أن
الأب أخرجه بالنطفة إلى الوجود حسًّا لأن العبد كان
كالمعدوم في حق الأحكام لا يقضي ولا يلي ولا يشهد فأخرجه
سيده بالحرية إلى وجود هذه الأحكام من عدمها، فلما شابه
حكم النسب نيط بالمعتق فلذلك جاء إنما الولاء لمن أعتق
وألحق برتبة النسب فنهي عن بيعه وعن هبته، وأجاز بعض السلف
نقله ولعلهم لم يبلغهم الحديث.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في العتق وأبو داود في الفرائض
والنسائي.
2536 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ
الأَسْوَدِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ:
"اشْتَرَيْتُ بَرِيرَةَ، فَاشْتَرَطَ أَهْلُهَا
وَلاَءَهَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَعْتِقِيهَا،
فَإِنَّ الْوَلاَءَ لِمَنْ أَعْطَى الْوَرِقَ.
فَأَعْتَقْتُهَا، فَدَعَاهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَيَّرَهَا مِنْ زَوْجِهَا
فَقَالَتْ: لَوْ أَعْطَانِي كَذَا وَكَذَا مَا ثَبَتُّ
عِنْدَهُ. فَاخْتَارَتْ نَفْسَهَا".
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد
الكوفي الثقة الحافظ الشهير إلا أنه كان له أوهام لكن وثقه
يحيى بن معين وابن عبد البر والعجلي وجماعة قال: (حدّثنا
جرير) هو ابن عبد الحميد بن قرط بضم القاف وسكون الراء
بعدها طاء مهملة الكوفي (عن منصور) هو ابن المعتمر بن عبد
الله السلمي (عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن
عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: اشتريت بريرة فاشترط
أهلها ولاءها) أن يكون لهم (فذكرت ذلك للنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(اعتقيها) بهمزة قطع (فإن الولاء لمن أعطى الورق) بفتح
الواو وكسر الراء الدراهم المضروبة، وللترمذي: وإنما
الولاء لمن أعطى
(4/314)
الثمن قالت عائشة: (فأعتقتها فدعاها النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي دعا بريرة
(فخبّرها من زوجها) مغيث لأنه كان عبدًا على الأصح (فقالت:
لو أعطاني كذا وكذا ما ثبت عنده فاختارت نفسها). ومراد
المؤلّف من هذا الحديث كما قاله في فتح الباري: أصله فإنما
الولاء لمن أعتق وهو وإن كان لم يسقه هنا بهذا اللفظ فكأنه
أشار إليه كعادته، ووجه الدلالة منه حصره في المعتق فلا
يكون لغيره معه منه شيء.
11 - باب إِذَا أُسِرَ أَخُو الرَّجُلِ أَوْ عَمُّهُ هَلْ
يُفَادَى إِذَا كَانَ مُشْرِكًا؟
وَقَالَ أَنَسٌ: "قَالَ الْعَبَّاسُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَادَيْتُ نَفْسِي
وَفَادَيْتُ عَقِيلاً".
وَكَانَ عَلِيٌّ لَهُ نَصِيبٌ فِي تِلْكَ الْغَنِيمَةِ
الَّتِي أَصَابَ مِنْ أَخِيهِ عَقِيلٍ وَعَمِّهِ عَبَّاسٍ.
هذا (باب) بالتنوين (إذا أسر أخو الرجل أو عمه هل يفادى)
بضم الياء وفتح الدال المهملة بأن يعطي مالاً ويستنقذه من
الأسر (إذا كان) أخوه أو عمه (مشركًا. وقال أنس) -رضي الله
عنه- في حديث سبق موصولاً في كتاب الصلاة. (قال العباس)
-رضي الله عنه- (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: فاديت نفسي وفاديت عقيلاً) بفتح العين وكسر
القاف ابن أبي طالب، وكان العباس قد أسر في وقعة بدر فأفدى
نفسه بمائة أوقية من ذهب قاله ابن إسحاق. وقال ابن كثير في
تفسيره: وهذه المائة عن نفسه وعن ابني أخيه عقيل ونوفل.
قال البخاري: (وكان عليّ) هو ابن أبي طالب (له نصيب في تلك
الغنيمة التي أصاب من أخيه عقيل وعمه عباس) فلو كان الأخ
ونحوه من ذوي الرحم يعتق بمجرد الملك لعتق العباس وعقيل في
حصته من الغنيمة وكذلك في نصيبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهو حجة على أبي حنيفة -رحمه الله- في أن من
ملك ذا رحم محرم عتق عليه.
وأجيب: بأن الكافر لا يملك بالغنيمة ابتداء بل يتخير
الإمام فيه بين القتل والاسترقاق والفداء والمنّ فالغنيمة
سبب في الملك بشرط اختيار الإرقاق فلا يلزم العتق بمجرد
الغنيمة.
2537 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عُقْبَةَ
عَنْ مُوسَى عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ
-رضي الله عنه-: "أَنَّ رِجَالاً مِنَ الأَنْصَارِ
اسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: ائْذَنْ فَلْنَتْرُكْ لاِبْنِ
أُخْتِنَا عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ، فَقَالَ: لاَ تَدَعُونَ
مِنْهُ دِرْهَمًا". [الحديث 2537 - طرفاه في: 3048، 4018].
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) بن أبي أويس ابن
أخت الإمام مالك بن أنس احتج به الشيخان ولم يخرج له
البخاري مما ينفرد به سوى حديثين وروى له الباقون إلا
النسائي فإنه أطلق القول بضعفه لأنه أخطأ في أحاديث رواها
من حفظه، لكن الذي أخرجه له البخاري من صحيح حديثه فلا
يحتج بشيء من حديثه غير ما في الصحيح من أجل ذلك وقدح فيه
النسائي وغيره إلا أن يشاركه غيره فيعتبر به قال: (حدّثنا
إسماعيل بن إبراهيم بن عقبة) بضم العين وسكون القاف وثقه
النسائي ويحيى بن معين وأبو حاتم وتكلم فيه الساجي بكلام
لا يستلزم قدحًا، وقد احتج به البخاري والنسائي لكن لم
يكثرا عنه (عن موسى) ولأبي ذر زيادة ابن عقبة الإمام في
المغازي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: حدّثني) بالإفراد
(أنس -رضي الله عنه- أن رجالاً من الأنصار) لم يعرف الحافظ
ابن حجر أسماءهم (استأذنوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا ائذن) زاد أبو ذر لنا (فلنترك
لابن أختنا) بالمثناة الفوقية (عباس) هو ابن عبد المطلب
وليسوا بأخواله إنما هم أخوال أبيه عبد المطلب لأن أمه
سلمى بنت عمرو بن أحيحة بمهملتين مصغرًا وهي من بني
النجار، وأما أم عباس فهي نتيلة بالنون والمثناة الفوقية
مصغرًا بنت جناب بالجيم والنون وبعد الألف موحدة وليست من
الأنصار اتفاقًا، وإنما قالوا ابن أختنا لتكون المنّة
عليهم في إطلاقه بخلاف ما لو قالوا ائذن لنا فلنترك لعمك
(فداءه) أي المال الذي يستقذ به نفسه من الأسر (فقال) عليه
الصلاة والسلام:
(لا تدعون منه) أي لا تتركون من فدائه (درهمًا) وإنما لم
يجبهم عليه الصلاة والسلام إلى ذلك لئلا يكون في الدين نوع
محاباة وكان العباس ذا مال فاستوفيت منه الفدية وصرفت إلى
الغانمين، وأراد المؤلّف بإيراده هنا الإشارة إلى أنّ العم
وابن العم لا يعتقان على من ملكهما من ذوي رحمهما لأن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد ملك من عمه
العباس ومن ابن عمه عقيل بالغنيمة التي له فيها نصيب،
وكذلك علي -رضي الله عنه- قد ملك من أخيه عقيل وعمه العباس
ولم يعتقا عليه وهو حجة على الحنفية كما سبق، والحديث الذي
تمسكوا به في ذلك المروي عند أصحاب السنن من طريق الحسن عن
سمرة استنكره ابن المديني ورجح إرساله. وقال البخاري: لا
يصح، وقال أبو داود: تفرّد به
(4/315)
حماد وكان
يشك في وصله، وذهب الشافعي إلى أنه لا يعتق على المرء إلا
أصوله ذكورًا وإناثًا وإن علوا وفروعه كذلك وإن سفلوا لا
لهذا الدليل بل لأدلة أخرى منها قوله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لن يجزي ولد والده إلا أن يجده
مملوكًا فيشتريه فيعتقه" رواه مسلم وقال تعالى: {وقالوا
اتخذ الرحمن ولدًا سبحانه بل عباد مكرمون} [الأنبياء: 26]
دل على نفي اجتماع الولدية والعبدية وهذا مذهب مالك أيضًا
لكنه زاد الأخوة حتى من الأم وإنما خالف الشافعية في
الأخوة لقصة عقيل وعليّ كما مرّ على ما لا يخفى.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الجهاد والمغازي.
12 - باب عِتْقِ الْمُشْرِكِ
(باب) حكم (عتق المشترك) المصدر مضاف إلى الفاعل.
2538 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ أَخْبَرَنِي أَبِي "أَنَّ
حَكِيمَ بْنَ حِزَامٍ -رضي الله عنه- أَعْتَقَ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ مِائَةَ رَقَبَةٍ، وَحَمَلَ عَلَى مِائَةِ
بَعِيرٍ. فَلَمَّا أَسْلَمَ حَمَلَ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ
وَأَعْتَقَ مِائَةَ رَقَبَةٍ. قَالَ: فَسَأَلْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ أَشْيَاءَ كُنْتُ
أَصْنَعُهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ كُنْتُ أَتَحَنَّثُ بِهَا
-يَعْنِي أَتَبَرَّرُ بِهَا- قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَسْلَمْتَ
عَلَى مَا سَلَفَ لَكَ مِنْ خَيْرٍ".
وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين مصغرًا غير
مضاف واسمه في الأصل عبد الله أبو محمد القرشي الكوفي قال:
(حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) قال: (أخبرني)
بالإفراد (أبي) عروة بن الزبير بن العوّام (أن حكيم بن
حزام) بكسر الحاء المهملة وبالزاي وحكيم بفتح المهملة وكسر
الكاف ابن خويلد بن أسد بن عبد العزى القرشي الأسدي ابن
أخي خديجة أم المؤمنين أسلم يوم الفتح وصحب وله أربع
وسبعون سنة (-رضي الله عنه- أعتق في الجاهلية) وهو مشرك
(مائة رقبة وحمل على مائة بعير فلما أسلم حمل على مائة
بعير وأعتق مائة رقبة) في الحج لما روي أنه حج في الإسلام
ومعه مائة بدنة قد جللها بالحبرة ووقف بمائة عبد وفي
أعناقهم أطواق الفضة فنحر وأعتق الجميع وظاهر قوله: أن
حكيم بن حزام الإرسال لأن عروة لم يدرك زمن ذلك، لكن بقية
الحديث أوضحت الوصل وهي قوله (قال) أي حكيم (فسألت رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت يا رسول
الله أرأيت)؟ أي أخبرني (أشياء كنت أصنعها في الجاهلية كنت
أتحنث بها) بالحاء المهملة المفتوحة والنون المشددة
والمثلثة قال هشام بن عروة (يعني أتبرر) بالموحدة والراءين
المهملتين أولاهما مشددة أي أطلب (بها) البرّ والإحسان إلى
الناس والتقرّب إلى الله تعالى (قال) حكيم (فقال) لي (رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أسلمت على ما سلف لك من خير) ليس المراد به صحة التقرب في
حال الكفر بل إذا أسلم ينتفع بذلك الخير الذي فعله أو أنك
بفعل ذلك اكتسبت طباعًا جميلة فانتفعت بتلك الطباع في
الإسلام وتكون تلك العادة قد مهدت لك معونة على فعل الخير
أو أنك ببركة فعل الخير هديت إلى الإسلام لأن المبادي
عنوان الغايات.
وهذا الحديث قد سبق في باب من تصدق في الشرك ثم أسلم من
كتاب الزكاة.
13 - باب مَنْ مَلَكَ مِنَ الْعَرَب رَقِيقًا فَوَهَبَ
وَبَاعَ وَجَامَعَ وَفَدَى وَسَبَى الذُّرِّيَّة
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا
مَمْلُوكًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى شَىْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ
مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا
وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ
أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} [النحل: 75].
(باب من ملك من العرب رقيقًا فوهب وباع وجامع وفدى) حذف
مفعولات الأربعة للعلم بها ثم عطف على قوله ملك قوله (وسبى
الذرية) قال في الصحاح الذرية نسل الثقلين يقال: ذرأ الله
الخلق أي خلقهم إلا أن العرب تركت همزها، والمراد الصبيان
والعرب هم الجيل المعروف من الناس وهم سكان الأمصار أو عام
والأعرابي منهم سكان البادية خاصة ولا واحد له من لفظه
ويجمع على أعاريب. قال في القاموس: والعربة محركة ناحية
قرب المدينة وأقامت قريش بعربة فنسب العرب إليها هي باحة
العرب وباحة دار أبي الفصاحة إسماعيل عليه الصلاة والسلام.
وقد ساق المؤلّف هنا أربعة أحاديث دالّة على ما ترجم به
إلا البيع لكن في بعض حديث أبي هريرة ذكره كما سيأتي إن
شاء الله تعالى (وقوله تعالى) بالجرّ عطفًا على قوله. من
ملك ({ضرب الله مثلاً عبدًا}) ولأبي ذر وقول الله تعالى
عبدًا ({مملوكًا لا يقدر على شيء ومن رزقناه منّا رزقًا
حسنًا فهو ينفق منه سرًّا وجهرًا هل يستوون}) قال العوفيّ
عن ابن عباس هذا مثل ضربه الله للكافر والمؤمن واختاره ابن
جرير، فالعبد المملوك الذي لا يقدر على شيء مثل الكافر
والمرزوق الرزق الحسن مثل المؤمن. وقال ابن أبي نجيح عن
مجاهد: هل مثل مضروب للوثن وللحق تعالى أي مثلكم في
إشراككم بالله الأوثان مثل من سوّى بين عبد مملوك عاجز عن
التصرف وبين حرّ مالك قد رزقه الله مالاً فهو
(4/316)
يتصرف فيه وينفق منه كيف يشاء وتقييد العبد
بالمملوك للتمييز من الحر لأن اسم العبد يقع عليهما جميعًا
فإنهما من عباد الله تعالى وسلب القدرة في قوله لا يقدر
على شيء للتمييز عن المكاتب والمأذون له فإنهما يقدران على
التصرف وجعله قسيمًا للمالك المتصرف يدل على أن المملوك لا
يملك ومن في قوله ومن رزقناه موصوفة على الأظهر ليطابق
عبدًا وجمع الضمير في يستوون لأنه للجنسين أي هل يستوي
الأحرار والعبيد ({الحمد لله}) شكر على بيان الأمر بهذا
المثال وعلى إذعان الخصم كأنه لما قال هل يستوون قال الخصم
لا فقال الحمد لله ظهرت الحجة ({بل أكثرهم لا يعلمون})
[النحل: 75] أبدًا ولا يداخلهم إيمان.
ووجه مطابقة هذه الآية للترجمة من جهة أن الله تعالى أطلق
القول في العبد المملوك ولم يقيده يكونه عجميًّا فدلّ على
أن العبد يكون عجميًّا وعربيًّا قاله ابن المنير.
2539، 2540 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ:
أَخْبَرَنِي اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
قَالَ: ذَكَرَ عُرْوَةُ أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ
بْنَ مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ
هَوَازِنَ فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ إِلَيْهِمْ
أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ: إِنَّ مَعِي مَنْ
تَرَوْنَ، وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَىَّ أَصْدَقُهُ،
فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْمَالَ
وَإِمَّا السَّبْيَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ بِهِمْ
-وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
انْتَظَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً حِينَ قَفَلَ مِنَ
الطَّائِفِ- فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ رَادٍّ
إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا:
فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا. فَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّاسِ فَأَثْنَى عَلَى
اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ
فَإِنَّ إِخْوَانَكُمْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي
رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ
أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ،
وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ حَتَّى
نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ اللَّهُ
عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ. فَقَالَ النَّاسُ: طَيَّبْنَا
ذَلِكَ. قَالَ: إِنَّا لاَ نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ
مِمَّنْ لَمْ يَأْذَنْ. فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ
إِلَيْنَا عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ. فَرَجَعَ النَّاسُ:
فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ. ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. فَهَذَا
الَّذِي بَلَغَنَا عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ. وَقَالَ أَنَسٌ
قَالَ عَبَّاسٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: وَفَادَيْتُ عَقِيلاً".
وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن محمد
بن أبي مريم الجمحي مولاهم البصري (قال: أخبرني) بالإفراد
ولا ذر: أخبرنا (الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين
ابن خالد بن عقيل بالفتح وفي نسخة حدّثني بالإفراد عقيل
(عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: ذكر عروة) بن الزبير وفي
الشروط أخبرني عروة (أن مروان) بن الحكم (والمسور بن
مخرمة) بفتح الميمين وسكون الخاء المعجمة (أخبراه أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذه الرواية مرسلة
لأن مروان لا صحبة له، وأما المسور فلم يحضر القصة لأنه
إنما قدم مع أبيه وهو صغير بعد الفتح وكانت هذه القصة قبل
ذلك بسنتين، وحينئذ فلم يصب من أخرجه من أصحاب الأطراف في
مسند المسور أو مروان، ووقع في أوّل الشروط من طريق شيخ
المؤلّف يحيى بن بكير عن الليث عن عقيل عن ابن شهاب قال:
أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع مروان والمسور بن مخرمة
يخبران عن أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وذكر قصة الحديبية (قام حين جاءه وفد هوازن)
زاد في الوكالة مسلمين (فسألوه أن يرد إليهم أموالهم
وسبيهم فقال) لهم عليه الصلاة والسلام:
(إن معي من ترون وأحب الحديث إليّ أصدقه) بالرفع خبر
المبتدأ الذي هو أحب (فاختاروا) أن أرد إليكم (إحدى
الطائفتين إما المال وإما السبي وقد كنت استأنيت بهم) أي
أخرت قسم السبي ليحضروا.
(وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- انتظرهم)
ليحضروا (بضع عشرة ليلة) لم يقسم السبي وتركه بالجعرانة
(حين قفل) رجع (من الطائف) إلى الجعرانة وقسم بها الغنائم
(فلما تبين لهم) أي للوفد (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير رادّ إليهم إلا إحدى الطائفتين)
المال أو السبي (قالوا فإنّا) وللحموي والمستملي: إنّا
(نختار سبينا) زاد في مغازي ابن عقبة ولا نتكلم في شاة ولا
بعير (فقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
الناس فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال):
(أما بعد: فإن إخوانكم جاؤونا) ولأبي ذر: قد جاؤونا حال
كونهم (تائبين وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم
أن يطيب ذلك) بضم الياء وفتح الطاء وتشديد الياء أي من أحب
أن يطيب بدفع السبي إلى هوازن نفسه (فليفعل) جواب من
المتضمنة معنى الشرط فلذا دخلت عليه الفاء (ومن أحب) أي
منكم (أن يكون على حظه) نصيبه من السبي (حتى نعطيه إياه)
أي عوضه (من أول ما يفيء الله علينا فليفعل) أي يرجع إلينا
من أموال الكفار من غنيمة أو خراج أو غير ذلك ولم يرد
الفيء الاصطلاحي وحده ويفيء بضم أوله من أفاء (فقال الناس
طيبنا ذلك) ولأبي ذر: طيبنا لك ذلك (قال) عليه الصلاة
والسلام: (إنّا لا ندري من أذن منكم) زاد في الوكالة في
ذلك (ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم)
أراد عليه الصلاة والسلام بذلك التقصّي عن أمرهم استطابة
لنفوسهم (فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم) في ذلك فطابت نفوسهم
به (ثم رجعوا) أي العرفاء (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه أنهم) أي الناس (طيبوا) ذلك
(وأذنوا) له عليه الصلاة والسلام أن يرد السبي إليهم. قال
الزهري: (فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن) وزاد في الهبة
(4/317)
هذا آخر قول الزهري يعني فهذا الذي بلغنا
انتهى.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله من ملك رقيقًا من العرب
فوهب.
(وقال أنس) -رضي الله عنه- مما سبق موصولاً ونبّهت عليه
قريبًا في باب: إذا أسر أخو الرجل (قال عباس للنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فاديت نفسي وفاديت عقيلاً)
وأوله أُتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بمال من البحرين فقال انثروه في المسجد وفيه فجاء العباس
فقال: يا رسول الله أعطني فإني فاديت إلى آخره.
2541 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: "كَتَبْتُ
إِلَى نَافِعٍ فَكَتَبَ إِلَىَّ: أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَغَارَ عَلَى بَنِي
الْمُصْطَلِقِ وَهُمْ غَارُّونَ وَأَنْعَامُهُمْ تُسْقَى
عَلَى الْمَاءِ، فَقَتَلَ مُقَاتِلَتَهُمْ وَسَبَى
ذَرَارِيَّهُمْ وَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ جُوَيْرِيَةَ.
حَدَّثَنِي بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَكَانَ فِي
ذَلِكَ الْجَيْشِ".
وبه قال: (حدّثنا علي بن الحسن) بفتح الحاء ولأبي ذر زيادة
ابن شقيق أبو عبد الرحمن العبدي مولاهم المروزي قال:
(أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا ابن
عون) بالنون عبد الله بن أرطبان البصري (قال: كتبت) وفي
نسخة كتب (إلى نافع) مولى ابن عمر (فكتب إليّ) بتشديد
الياء أي نافع (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أغار) ولمسلم من طريق سليم بن أخضر عن ابن عون
قال: كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء إلى الإسلام قبل
القتال قال فكتب إليّ إنما كان ذلك في أوّل الإسلام قد
أغار
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (على بني
المصطلق) بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وبعد
اللام المكسورة قاف بطن من خزاعة وهو المصطلق بن سعد بن
عمرو بن ربيعة بن حارثة بن عمرو بن عامر (وهم غارون)
بالغين المعجمة وتشديد الراء جمع غار بالتشديد أي غافلون
أي أخذهم على غرّة (وأنعامهم تسقى) بضم الفوقية وفتح القاف
(على الماء فقتل مقاتلتهم) أي الطائفة الباغية (وسبى
ذراريهم) بتشديد الياء وقد تخفّف، وفي هذا جواز الإغارة
على الكفار الذي بلغتهم الدعوة من غير إنذار بالإغارة،
ولكن الصحيح استحباب الإنذار وبه قال الشافعي والليث وابن
المنذر والجمهور، وقال مالك: يجب الإنذار مطلقًا وفيه
جوازًا استرقاق العرب لأن بني المصطلق عرب من خزاعة كما
مرّ، وهذا قول إمامنا الشافعي في الجديد وبه قال مالك
وجمهور أصحابه وأبو حنيفة، وقال جماعة من العلماء: لا
يسترقون لشرفهم وهو قول الشافعي في القديم (وأصاب) عليه
الصلاة والسلام (يومئذ جويرية) بتخفيف المثناة التحتية
الثانية وسكون الأولى بنت الحرث بن أبي ضرار بكسر المعجمة
وتخفيف الراء ابن الحرث بن مالك بن المصطلق وكان أبوها سيد
قومه وقيل وقعت في سهم ثابت بن قيس وكاتبته نفسها فقضى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتابتها
وتزوّجها فأرسل الناس ما في أيديهم من السبايا المصطلقية
ببركة مصاهرة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فلا تعلم امرأة أكثر بركة على قومها منها.
قال نافع (حدّثني) بالإفراد (به) أي بالحديث (عبد الله بن
عمر) بن الخطاب (وكان في ذلك الجيش).
2542 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حَبَّانَ
عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ قَالَ: "رَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ
-رضي الله عنه- فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ: خَرَجْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
غَزْوَةِ بَنِي الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ
سَبْيِ الْعَرَبِ فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ فَاشْتَدَّتْ
عَلَيْنَا الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ،
فَسَأَلْنَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا؛
مَا مِنْ نَسَمَةٍ كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ
إِلاَّ وَهْيَ كَائِنَةٌ".
وبه قال (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) التميمي مولاهم
المدني المعروف بربيعة الرأي (عن محمد بن يحيى بن حبان)
بفتح الحاء المهملة وتشديد الموحدة وبعد الألف نون (عن ابن
محيريز) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وتسكين التحتيتين
بينهما راء وآخره زاي وهو عبد الله بن محيريز بن جنادة بن
وهب الجمحي بضم الجيم وفتح الميم بعدها مهملة المكي أنه
(قال: رأيت أبا سعيد) الخدري (-رضي الله عنه- فسألته) عن
العزل (فقال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيًا من سبي العرب
فاشتهينا النساء فاشتدت علينا العزبة وأحببنا العزل) أي
نزع الذكر من الفرج بعد الإيلاج لينزل خارج الفرج دفعًا
لحصول الولد المانع من البيع والمرأة تتأذى بذلك ولأبي ذر
وأحببنا الفداء (فسألنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(ما عليم أن لا تفعلوا) أي لا بأس عليكم أن تفعلوا فلا
زائدة واختار إمامنا الشافعي جوازه عن الأمة مطلقًا وعن
الحرة بإذنها نعم هو مكروه لأنه طريق إلى قطع النسل، ولذا
ورد العزل الوأد الخفي وفي حديث جابر عند مسلم التصريح
بالتجويز حيث قال اعزل عنها إن شئت، ويأتي مزيد لذلك إن
شاء الله تعالى في النكاح (ما من نسمة) أي ما من نفس
(كائنة) في علم الله (إلى
(4/318)
يوم القيامة إلا وهي كائنة) في الخارج لا
بدّ من مجيئها من العدم إلى الوجود سواء عزلتم أم لا فلا
فائدة في عزلكم فإنه إن كان الله تعالى قدّر خلقها سبقكم
الماء فلا ينفعكم الحرص، وعند أحمد في مسنده وابن حبان في
صحيحه من حديث أنس جاء رجل إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسأل عن العزل فقال: لو أن الماء الذي
يكون منه الولد أهرقته على صخرة لأخرج الله منها أو يخرج
الله منها ولدًا وليخلقن الله نفسًا هو خالقها.
2543 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي
زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ:
"لاَ أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ ... ". وَحَدَّثَنِي
ابْنُ سَلاَمٍ أَخْبَرَنَا جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ
عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنِ الْحَارِثِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ... وَعَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي
زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: "مَا زِلْتُ
أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ مُنْذُ ثَلاَثٍ سَمِعْتُ مِنْ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ فِيهِمْ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ: هُمْ أَشَدُّ
أُمَّتِي عَلَى الدَّجَّالِ. قَالَ: وَجَاءَتْ
صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَذِهِ صَدَقَاتُ قَوْمِنَا.
وَكَانَتْ سَبِيَّةٌ مِنْهُمْ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَ:
أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ".
[الحديث 2543 - طرفه في: 4366].
وبه قال: (حدّثنا زهير بن حرب) أبو خيثمة النسائي والد أبي
بكر بن أبي خيثمة ثقة روى عنه مسلم أكثر من ألف حديث قال:
(حدّثنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن عمارة بن القعقاع)
بضم العين وتخفيف الميم (عن أبي زرعة) بضم الزاي وسكون
الراء وفتح العين المهملة هرم بن جرير بن عبد الله البجلي
(عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: لا أزال أحب بني
تميم) هو ابن مرة بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر.
قال المؤلّف بالسند: (وحدّثني) بالإفراد (ابن سلام) محمد
قال: (أخبرنا جرير بن عبد الحميد) بن قرظ بضم القاف وسكون
الراء وهو السابق قريبًا (عن المغيرة) بن مقسم بكسر الميم
وسكون القاف الضبي مولاهم أبي هشام الكوفي (عن الحرث) بن
زيد العكلي التميمي الكوفي (عن أبي زرعة) هرم (عن أبي
هريرة وعن عمارة) بن القعقاع (عن أبي زرعة عن أبي هريرة)
-رضي الله عنه- أنه (قال ما زلت أحب بني تميم منذ) بالنون
ولأبي ذر: مذ (ثلاث) أي ثلاث ليالٍ (سمعت من رسول
الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول فيهم) أي في
بني تميم (سمعته يقول):
(هم أشد أمتي على الدجال قال وجاءت صدقاتهم) أي صدقات بني
تميم (فقال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذه صدقات
قومنا) لاجتماع نسبهم بنسبه الشريف عليه الصلاة والسلام في
إلياس بن مضر. (وكانت سبية منهم عند عائشة) بفتح السين
وكسر الموحدة وتشديد التحتية لكن عند الإسماعيلي وكانت على
عائشة نسمة من بني إسماعيل. قال ابن حجر: لم أقف على
اسمها، وعند أبي عوانة من رواية الشعبي وكان على عائشة
محرر وبين الطبراني في الأوسط من رواية الشعبي المراد
بالذي كان عليها وأنه كان نذرًا، وعنده في الكبير أنها
قالت: يا نبي الله إني نذرت عتيقًا من ولد إسماعيل فقال
لها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اصبري حتى
يجيء فيء بني العنبر غدًا فجاء فيء بني العنبر فقال لها:
خذي منهم أربعة فأخذت منهم رديحًا بمهملات مصغرًا وزبيبًا
بالزاي والموحدتين مصغرًا أيضًا وهو ابن ثعلبة وزخيًا
بالزاي والخاء المعجمتين مصغرًا أيضًا وسمرة أي ابن عمرو
فمسح النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على
رؤوسهم وبرك عليهم. قال الحافظ ابن حجر: والذي تعين لعتق
عائشة من هؤلاء الأربعة إما رديح وأما زخي ففي سنن أبي
داود من حديث الزبيب بن ثعلبة ما يرشد إلى ذلك انتهى.
(فقال) عليه الصلاة والسلام لعائشة (أعتقيها) أي النسمة
(فإنها من ولد إسماعيل) وفيه دليل على جواز استرقاق العرب
وتملكهم كسائر فرق العجم إلا أن عتقهم أفضل، لكن قال ابن
المنير تملك العرب لا بدّ عندي فيه من تفصيل وتخصيص
للشرفاء فلو كان العربي مثلاً من ولد فاطمة -رضي الله
عنها-، فلو فرضنا أن حسنيًا أو حسينيًّا تزوّج أمة بشرطه
لاستبعدنا استرقاق ولده. قال: وإذا أفاد كون المسبي من ولد
إسماعيل يقتضي استحباب إعتاقه فالذي بالمثابة التي فرضناها
يقتضي وجوب حريته حتمًا، وقد ساق المؤلّف حديث أبي هريرة
هذا هنا عن شيخين له كلٌّ منهما حدّثه به عن جرير لكنه
فرّقه لأن أحدهما زاد فيه عن جرير إسناد آخر، وساقه هنا
على لفظ محمد بن سلام، ويأتي إن شاء الله تعالى في المغازي
على لفظ زهير بن حرب، وقد أخرجه مسلم في الفضائل عن زهير
والله أعلم.
14 - باب فَضْلِ مَنْ أَدَّبَ جَارِيَتَهُ وَعَلَّمَهَا
(باب فضل من أدّب جاريته وعلّمها) زاد النسفيّ وأعتقها
وسقط له ولأبي ذر لفظ فضل.
2544 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ
مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ عَنْ مُطَرِّفٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ فَعَالَهَا
فَأَحْسَنَ إِلَيْهَا، ثُمَّ أَعْتَقَهَا وَتَزَوَّجَهَا
كَانَ لَهُ أَجْرَانِ».
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن إبراهيم) المشهور بابن راهويه
(سمع محمد بن فضيل) أي ابن غزوان (عن مطرف) هو ابن طريف
الحارثي (عن الشعبي) عامر (عن أبي بردة) بضم الموحدة الحرث
بن أبي
(4/319)
موسى (عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس
الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من كانت له جارية فعالها) أي أنفق عليها من عال الرجل
عياله يعولهم إذا قام بما يحتاجون إليه، ولأبي ذر عن
الكشميهني: فعلمها من التعليم وهو المناسب للترجمة (فأحسن)
ولأبي ذر عن الكشميهني أيضًا وأحسن (إليها ثم أعتقها
وتزوّجها كان له أجران): أجر بالنكاح والتعليم وأجر
بالعتق. قال المهلب: فيه أن من تواضع في منكحه وهو يقدر
على نكاح أهل الشرف رجي له جزيل الثواب.
وتأتي مباحث هذا الحديث في كتاب النكاح إن شاء الله تعالى،
وفيه رواية التابعي عن التابعي عن الصحابي، وقد سبق في باب
تعليم الرجل أمته وأهله من كتاب العلم، وأخرجه مسلم في
النكاح وكذا أبو داود والنسائي.
15 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «الْعَبِيدُ إِخْوَانُكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ
مِمَّا تَأْكُلُونَ»
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ
تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا
وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ
وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ
وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ
كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا} [النساء: 36].
(باب) ذكر (قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: العبيد إخوانكم فأطعموهم مما تأكلون) وهذا
وصله المؤلّف بالمعنى من حديث أبي ذر ومن حديث جابر
وصحابيّ لم يسمّ في الأدب المفرد. (وقوله تعالى) بالجر
عطفًا على سابقه ({واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئًا})
صنمًا أو غيره أو شيئًا من الإشراك جليًّا أو خفيًّا
({وبالوالدين إحسانًا}) وأحسنوا بهما إحسانًا ({وبذي
القربى}) وبصاحب القرابة ({واليتامى والمساكين والجار ذي
القربى}) الذي قرب جواره ({والجار الجنب}) البعيد
({والصاحب بالجنب}) الرفيق في أمر حسن كتعلم وتصرف وصناعة
وسفر فإنه صحبك وحصل بجنبك وقيل المرأة ({وابن السبيل})
المسافر أو الضيف ({وما ملكت أيمانكم}) العبيد والإماء
({إن الله لا يحب من كان مختالاً}) متكبّرًا يأنف عن
أقاربه وجيرانه وأصحابه وعبيده وإمائه ولا يلتفت إليهم
({فخورًا}) [النساء: 36] يتفاخر عليهم يرى أنه خير منهم
فهو في نفسه كبير وهو عند الله حقير، واقتصر في رواية أبي
ذر من أول الآية إلى قوله تعالى: {والمساكين} ثم قال إلى
قوله: {مختالاً فخورًا} وزاد في روايته: قال أبو عبد الله
أي البخاري (ذي القربى) أي القريب وهو مروي عن ابن عباس
فيما رواه عنه علي بن أبي طلحة ولفظه: يعني الذي بينك
وبينه قرابة والجنب الغريب الذي ليس بينك وبينه قرابة وقيل
القريب المسلم والجنب اليهودي والنصراني رواه ابن جرير
وابن أبي حاتم وفي غير رواية أبي ذر مما في اليونينية
وغيرها الجار الجنب يعني الصاحب في السفر وهذا قاله مجاهد
وقتادة.
2545 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ حَدَّثَنَا وَاصِلٌ الأَحْدَبُ قَالَ: سَمِعْتُ
الْمَعْرُورَ بْنَ سُوَيْدٍ قَالَ: "رَأَيْتُ أَبَا ذَرٍّ
الْغِفَارِيَّ -رضي الله عنه- وَعَلَيْهِ حُلَّةٌ وَعَلَى
غُلاَمِهِ حُلَّةٌ، فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ:
إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلاً فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ لِيَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أَعَيَّرْتَهُ بِأُمِّهِ؟ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ
إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ
أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ
فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا
يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ
كَلَّفْتُمُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَأَعِينُوهُمْ".
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) عبد الرحمن العسقلاني
الفقيه العابد قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا
واصل الأحدب) هو ابن حبان بفتح الحاء المهملة وتشديد
الموحدة الأسدي الكوفي (قال: سمعت المعرور) بفتح الميم
وسكون العين المهملة وبضم الراء الأولى ولأبي ذر سمعت
معرور (بن سويد) الأسدي أبا أمية الكوفي عاش مائة وعشرين
سنة (قال: رأيت أبا ذر) جندب بن جنادة (الغفاري -رضي الله
عنه-) زاد في الإيمان من وجه آخر عن شعبة بالربذة وهو موضع
بالبادية على ثلاث مراحل من المدينة (وعليه حلّة) من برود
اليمن ولا تسمى حلّة إلا إذا كانت ثوبين من جنس واحد (وعلى
غلامه حلّة) مثلها ولم يسمّ الغلام (فسألناه عن ذلك) بضمير
المفعول، وسقط لأبي ذر: والمعنى سألناه عن السبب في إلباسه
غلامه مثل لبسه لأنه على خلاف المعهود (فقال: إني ساببت)
بفتح الموحدة الأولى وسكون الثانية أي وقع بيني وبينه سباب
بالتخفيف وهو من السبّ بالتشديد
وعند الإسماعيلي شاتمت (رجلاً) قيل هو بلال المؤذن مولى
أبي بكر وزاد مسلم من إخواني وزاد المؤلّف في الإيمان
فعيّرته بأمه (فشكاني إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(أعيّرته بأمه)؟ زاد في الإيمان إنك امرؤ فيك جاهلية أي
خصلة من خصال الجاهلية وفيه دليل على جواز تعدية عيّرت
بالباء وقد أنكره ابن قتيبة وتبعه غيره وقالوا إنما يقال
عيّرته أمه وأثبت آخرون أنها لغة والحديث حجة لهم في ذلك
(ثم قال) عليه الصلاة والسلام (إن إخوانكم) أي مماليككم
إخوانكم خبر مبتدأ محذوف واعتبار الأخوة إما من جهة
(4/320)
آدم أي إنكم متفرعون من أصل واحد أو من جهة
الدين (خولكم) بفتح الخاء المعجمة والواو أي خدمكم سموا
بذلك لأنهم يتخولون الأمور أي يصلحونها ومنه الخولي لمن
يقوم بإصلاح البستان أو التخويل التمليك (جعلهم الله تحت
أيديكم) أي ملككم (فمن كان أخوه تحت يده) ملكه ولأبي ذر
يديه بالتثنية (فليطعمه) على سبيل الندب (مما يأكل
وليلبسه) على سبيل الندب أيضًا (مما يلبس) أي من جنس كلٍّ
منهما والمراد المواساة لا المساواة من كل وجه. نعم الأخذ
بالأكمل وهو المساواة كما فعل أبو ذر أفضل فلا يستأثر
المرء على عياله وإن كان جائزًا. قال النووي: يجب على
السيد نفقة المملوك وكسوته بالمعروف بحسب البلدان والأشخاص
سواء كان من جنس نفقة السيد ولباسه أو فوقه حتى لو قتر
السيد على نفسه تقتيرًا خارجًا عن عادة أمثاله إما زهدًا
أو شحًّا لا يحلّ له التقتير على المملوك وإلزامه بموافقته
إلا برضاه (ولا تكلفوهم) أي من العمل (ما يغلبهم) لصعوبته
أو عظمته وهذا على سبيل الوجوب. قال
الله تعالى: {لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها} [البقرة: 286]
أي إلا ما تسعه قدرتها فضلاً ورحمة وإرشادًا وتعليمًا لنا
كيف نفعل فيما ملكنا تعالى (فإن كلفتموهم ما يغلبهم) ولأبي
ذر عن الكشميهني: مما يغلبهم وسقط ما يغلبهم في كتاب
الإيمان كما مرّ، وأما قول الحافظ ابن حجر هنا قوله فإن
كلفتموهم أي ما يغلبهم وحذف للعلم به فسهو، نعم هو صحيح
بالنسبة لما في كتاب الإيمان كما مرّ يعني إن كلّفتم
العبيد جنس ما يطيقونه فإن استطاعوه فذاك وإلاّ (فأعينوهم)
عليه.
وهذا الحديث قد سبق في باب المعاصي من أمر الجاهلية في
كتاب الإيمان.
16 - باب الْعَبْدِ إِذَا أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ،
وَنَصَحَ سَيِّدَهُ
(باب) بيان ثواب (العبد إذا أحسن عبادة ربه) بأن أقامها
بشروطها (ونصح سيده).
2546 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ سَيِّدَهُ
وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ
مَرَّتَيْنِ». [الحديث 2546 - طرفه في: 2550].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي
الحارثي (عن مالك) الإمام الأعظم ابن أنس الأصبحي المدني
إمام دار الهجرة (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال):
(العبد إذا نصح سيده) قال الكرماني النصيحة كلمة جامعة
معناها حيازة الحظ للمنصوح له وهو إرادة صلاح حاله وتخليصه
من الخلل وتصفيته من الغش (وأحسن عبادة ربه) المتوجهة عليه
بأن أقامها بشروطها وواجباتها ومستحباتها (كان له أجره
مرتين) لقيامه بالحقين وانكساره بالرق.
واستشكل هذا من جهة أنه يفهم منه أنه يؤجر على العمل
الواحد مرتين مع أنه لا يؤجر على كل عمل إلا مرة واحدة
لأنه أتى بعملين وكذا كل آتٍ بطاعتين يؤجر على كل واحدة
أجرها فلا خصوصية للعبد بذلك.
وأجيب: بأن التضعيف مختص بالعمل الذي تتحد فيه طاعة الله
وطاعة السيد فيعمل عملاً واحدًا ويؤجر عليه أجرين
بالاعتبارين، وأما العمل المختلف الجهة فلا اختصاص له
بتضعيف الأجر فيه على غيره من الأحرار أو المراد ترجيح
العبد المؤدي للحقين على العبد المؤدي لأحدهما، وقال ابن
عبد البر: لأنه لما قام بالواجبين كان له ضعفًا أجر الحر
المطيع لأنه فضل الحر بطاعة من أمره الله بطاعته، وعورض
بأن مزيد الفضل للعبد إنما هو لانكساره بالرق فلو كان
التضعيف بسبب اختلاف جهة العمل لم يختص العبد بذلك.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأيمان والنذور.
2547 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ عَنْ صَالِحٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي
بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه-
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ
فَأَدَّبَهَا فَأَحْسَنَ تَأْدِيبَهَا وَأَعْتَقَهَا
وَتَزَوَّجَهَا فَلَهُ أَجْرَانِ، وَأَيُّمَا عَبْدٍ
أَدَّى حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ فَلَهُ
أَجْرَانِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي وثّقه
أبو حاتم وأحمد بن حنبل قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن
صالح) هو ابن صالح بن حيّ ويقال ابن حيان قال أحمد ثقة ثقة
(عن الشعبي) عامر (عن أبي بردة عن) أبيه (أبي موسى) عبد
الله بن قيس (الأشعري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أيما رجل كانت له جارية فأدّبها) ولأبوي ذر والوقت أدّبها
بإسقاط الفاء (فأحسن تأديبها) ولأبي ذر: تعليمها (وأعتقها
وتزوجها فله أجران) أجر بالعتق وأجر بالتعليم والتزويج
(وأيما عبد أدّى حق الله وحق مواليه فله أجران) أجر في
عبادة ربه وأجر في قيامه بحق مواليه، لكن الأجران غير
(4/321)
متساويين لأن طاعة الله أوجب من طاعة
الموالي قاله الكرماني، وعورض بأن طاعة المولى المأمور بها
هي من طاعة الله تعالى. قال ابن عبد البرّ: وفي الحديث أن
العبد المؤدي لحق الله وحق سيده أفضل من الحر ويعضده ما
روي عن المسيح عليه الصلاة والسلام أنه قال: مرّ الدنيا
حلو الآخرة وحلو الدنيا مرّ الآخرة وللعبودية مضاضة ومرارة
لا تضيع عند الله تعالى.
2548 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ
سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لِلْعَبْدِ الْمَمْلُوكِ
الصَّالِحِ أَجْرَانِ. وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ،
لَوْلاَ الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْحَجُّ
وَبِرُّ أُمِّي لأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا
مَمْلُوكٌ».
وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) السختياني المروزي قال:
(أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد
(عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب قال: (سمعت سعيد بن
المسيب يقول قال أبو هريرة -رضي الله عنه- قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(للعبد المملوك الصالح) في عبادة ربه الناصح لسيده
(أجران).
فإن قلت: يلزم أن يكون أجر المملوك أضعف من السيد. أجيب:
بأنه لا محذور في ذلك أو يكون أجره مضاعفًا من هذه الجهة،
وقد يكون لسيده جهات أخرى يستحق بها أضعاف أجر العبد.
قال أبو هريرة -رضي الله عنه-: (والذي نفسي بيده لولا
الجهاد في سبيل الله والحج وبرّ أمي) اسمها أميمة بالتصغير
بنت صبيح أو صفيح بالموحدة أو الفاء ابن الحرث وهي صحابية
ثبت ذكر إسلامها في صحيح مسلم وبيان اسمها في الذيل لأبي
موسى وجزء إسحاق بن إبراهيم بن شاذان، والمعنى لولا القيام
بمصلحة أمي في النفقة والمؤن والخدمة ونحو ذلك مما لا يمكن
فعله من الرقيق (لأحببت
أن أموت وأنا مملوك) وإنما استثنى أبو هريرة ذلك لأن
الجهاد والحج يشترط فيهما إذن السيد، وكذا برّ الأم قد
يحتاج فيه إلى إذن السيد في بعض وجوهه بخلاف بقية العبادات
البدنية، وهذه الجملة من قوله: والذي نفسي بيده الخ ...
ليست مرفوعة بل هي مدرجة من قول أبي هريرة -رضي الله عنه-
كما جزم به غير واحد من أئمة المحدثين، ويشهد له من حيث
المعنى قوله وبرّ أمي فإنه لم يكن للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذ أم يبرّها، وأما توجيه الكرماني
بأنه عليه الصلاة والسلام أراد به تعليم أمته أو أورده على
سبيل فرض حياتها أو المراد أمه حليمة السعدية التي أرضعته
فمردود بما ورد من التنصيص على الإدراج فعند الإسماعيلي من
طريق أخرى عن ابن المبارك والذي نفس أبي هريرة بيده الخ،
وكذا أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن وهب وأبي صفوان
الأموي والبخاري في الأدب المفرد من طريق سليمان بن بلال
وأبو عوانة من طريق عثمان بن عمر.
2549 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ عَنِ الأَعْمَشِ حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «نِعْمَ مَا
لأَحَدِهِمْ يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَيَنْصَحُ
لِسَيِّدِهِ».
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن نصر) نسبة إلى جده واسم أبيه
إبراهيم السعدي المروزي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن
أسامة (عن الأعمش) سليمان بن مهران قال: (حدّثنا أبو صالح)
ذكوان الزيات (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(نعم ما) بكسر النون وسكون العين وتخفيف الميم كذا في
الفرع وغيره. وقال في الفتح: بفتح النون وكسر العين وإدغام
الميم في الأخرى.
قلت: وبها قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف والأعمش في
قوله تعالى: {نعما يعظكم به} [النساء: 58] في سورة البقرة
في الأصل، لأن الأصل نعم كعلم ويجوز كسر النون إتباعًا
لكسرة العين مع تشديد الميم وهي لغة هذيل وكسر النون مع
إسكان العين وهي قراءة قالون وأبي عمور وأبي بكر وأبي جعفر
واليزيدي والحسن، واختاره أبو عبيد وحكاه لغة للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله "نعما المال
الصالح" وتصحيح الحاكم في المستدرك فتح النون وكسر العين
رواية أخرى فلا يمنع، لكن بعضهم يجعل الإسكان من وهم
الرواة عن أبي عمرو وممن أنكره المبرد والزجّاج والفارسي
لأن فيه جمعًا بين ساكنين على غير حدّهما قال المبرّد: لا
يقدر أحد أن ينطق به وإنما يروم الجمع بين ساكنين فيحرك
ولا يشعر، وقال الفارسي: لعل أبا عمرو أخفى عينه فظنه
الراوي سكونًا.
وأجيب: بأن الأصل في جامع شروط الرواية الضبط واغتفر
التقاء الساكنين وإن كان الأول غير مدّ لعروضه كالوقف
وتجويز هذه الأوجه حكاه النووي في شرح مسلم عند قوله "نعما
للملوك" المضبوط في الرواية فيه بكسر النون والعين وتشديد
الميم، أما في رواية البخاري فالذي
(4/322)
رأيته في كثير من الأصول المعتمدة ورويته
كسر النون وسكون العين وتخفيف الميم ومن حفظ غير ما ذكرته
في رواية البخاري فهو حجة، وفاعل نعم ضمير مستتر فيها مفسر
بقوله يحسن أي: نعما مملوك
(لأحدهم يحسن عبادة ربه وينصح لسيده) ولمسلم من طريق همام
بن منبه عن أبي هريرة نعما للمملوك أن يتوفى يحسن عبادة
الله وصحابة سيده نعما له وأما قول ابن مالك -رحمه الله
تعالى- أن "ما" مساوية للضمير في الإبهام فلا تمييز لأن
التمييز لبيان الجنس المميز عنه المراد شيء عفقال العلامة
البدر الدماميني -رحمه الله تعالى- في المصابيح: إنه مدفوع
بأن ما ليس مساويًا للضمير لأن ظيم قال: وموضع يحسن عبادة
ربه الخ تفسير لما في المعنى فلا محل لها من الإعراب.
17 - باب كَرَاهِيَةِ التَّطَاوُلِ عَلَى الرَّقِيقِ،
وَقَوْلِهِ عَبْدِي أَوْ أَمَتِي
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالصَّالِحِينَ مِنْ
عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ}، وَقَالَ: {عَبْدًا
مَمْلُوكًا}. {وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ}.
وَقَالَ: {مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ}. وَقَالَ
النَّبِيّ: «قُومُوا إِلَى سَيِّدِكُمْ». وَ {اذْكُرْنِي
عِنْدَ رَبِّكَ}: سَيِّدِكَ: وَ «وَمَنْ سَيِّدُكُمْ».
(باب كراهية التطاول) أي الترافع (على الرقيق و) كراهية
(قوله) أي الشخص لمن يملكه من الرقيق (عبدى أو أمتي)
كراهية تنزيه (و) يجوز أن يقول ذلك (قال الله تعالى) في
سورة النور ({والصالحين من عبادكم وإمائكم}) [النور: 32] و
(قال) عز وجل في سورة النحل: ({عبدًا مملوكًا}) [النحل:
75] وفي سورة يوسف عليه الصلاة والسلام ({وألفيا سيدها لدى
الباب}) [يوسف: 25] و (قال) تعالى في سورة النساء: ({من
فتياتكم المؤمنات}) [النساء: 25] جمع فتاة وهي الأمة.
(وقال النبي "صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ") في حديث
أبي سعيد عند المؤلّف في المغازي (قوموا إلى سيدكم) يشير
إلى سعد بن معاذ مخاطبًا للأنصار كما سيأتي إن شاء الله
تعالى في قصة قريظة وقد قال عليه الصلاة والسلام في الحسن
"إن ابني هذا سيد" (و) قال: يوسف عليه الصلاة والسلام للذي
ظن أنه ناجٍ ({اذكرني عند ربك}) [يوسف: 42] أي (سيدك)
ولأبي ذر واذكرني عند ربك عند سيدك أي اذكر حالي عند الملك
كي يخلصني (و) قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فيما أخرجه المؤلّف في الأدب الفرد من حديث جابر: (من
سيدكم) يا بني سلمة؟ قالوا: الجدّ بن قيس بضم الجيم وتشديد
الدال الحديث. وسقط قوله ومن سيدكم لأبوي ذر والوقت
والنسفيّ، وقد دل ذلك على الجواز وحمله عليه جميع العلماء
حتى الظاهرية.
2550 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
-رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا نَصَحَ الْعَبْدُ سَيِّدَهُ
وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ
مَرَّتَيْنِ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالمهملات وتشديد ما قبل الآخر ابن
مسرهد أبو الحسن الأسدي البصري قال: (حدّثنا يحيى) القطان
(عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر
بن الخطاب (قال: حدّثنى) بالإفراد (نافع) مولى ابن عمر (عن
عبد الله) بن عمر (رضي الله عنه) وعن أبيه (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا نصح العبد سيده) بما يجب له عليه من الخدمة ونحوها
(وأحسن عبادة ربه كان له أجره مرتين) سماه عبدًا ومالكه
سيده، ولا ريب أنه إذا قام بما عليه من طاعة ربه وخدمة
سيده كره أن بتطاول عليه.
وهذا الحديث قد سبق قريبًا.
2551 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ
أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْمَمْلُوكُ الَّذِي
يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ، وَيُؤَدِّي إِلَى سَيِّدِهِ
الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ وَالنَّصِيحَةِ
وَالطَّاعَةِ، لَهُ أَجْرَانِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي
قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد) بضم
الموحدة مصغرًا ابن عبد الله (عن) جدّه (أبي بردة) الحرث
(عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله
عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(المملوك) ولأبي ذر للمملوك (الذي يحسن عبادة ربه ويؤدي
إلى سيده الذي له عليه من الحق والنصيحة والطاعة) فيما
يسوغ شرعًا (له أجران) خبر المبتدأ الذي هو المملوك، وسقط
لفظ له من قوله له أجران من رواية أبي ذر وحينئذ فيكون
قوله أجران مبتدأ وللمملوك خبره مقدمًا، ومطابقة الحديث
للترجمة ظاهرة.
2552 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامِ بْنِ
مُنَبِّهٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
يُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ: أَطْعِمْ
رَبَّكَ، وَضِّئْ رَبَّكَ، اسْقِ رَبَّكَ. وَلْيَقُلْ:
سَيِّدِي مَوْلاَىَ. وَلاَ يَقُلْ أَحَدُكُمْ. عَبْدِي،
أَمَتِي. وَلْيَقُلْ: فَتَاىَ وَفَتَاتِي وَغُلاَمِي».
وبه قال: (حدّثنا محمد) زاد ابن شبويه في روايته فقال محمد
بن سلام وكذا حكاه الجياني عن رواية ابن السكن، وحكى عن
الحاكم أنه الذهلي، وقد أخرجه مسلم عن محمد بن رافع عن عبد
الرزاق فيحتمل أن يكون هو شيخ البخاري فيه فقد حدّث عنه في
الصحيح أيضًا قاله في الفتح قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن
همام قال: (أخبرنا معمر) بفتح اليمين وسكون العين المهملة
بينهما ابن راشد (عن همام بن منبه) بكسر الموحدة (أنه سمع
أبا هريرة -رضي الله عنه- يحدث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-}) أنه (قال):
(لا يقل أحدكم) لمملوك غيره
(4/323)
(أطعم ربك) بفتح الهمزة أمر من الإطعام
(وضئ ربك) أمر من وضأه يوضئه (اسق ربك) بهمزة وصل ويجوز
قطعها مكسورة وفي نسخة مفتوحة تثبت في الابتداء وتسقط في
الدرج ويستعمل ثلاثيًّا ورباعيًّا أمر من سقاه يسقيه، وسبب
النهي عن ذلك أن حقيقة الربوبية لله تعالى لأن الرب هو
المالك والقائم بالشيء ولا يوجد هذا حقيقة إلا له تعالى.
قال الخطابي: سبب المنع أن الإنسان مربوب متعبد بإخلاص
التوحيد لله تعالى وترك الإشراك معه فكره له المضاهاة
بالاسم لئلا يدخل في معنى الشرك ولا فرق في ذلك بين الحر
والعبد، وأما من لا تعبد
عليه من سائر الحيوانات والجمادات فلا يكره أن يطلق ذلك
عليه عند الإضافة كقول: ربّ الدار والثوب.
فإن قلت: قد قال تعالى: {اذكرني عند ربك} [يوسف: 42] و
{ارجع إلى ربك} أجيب: بأنه ورد لبيان الجواز والنهي للأدب
والتنزيه دون التحريم أو النهي عن الإكثار من ذلك واتخاذ
هذه اللفظة عادة ولم ينهَ عن إطلاقها في نادر من الأحوال،
وهذا اختاره القاضي عياض وتخصيص الإطعام وما بعده بالذكر
لغلبة استعمالها في المغالطات، ويدخل في النهي أن يقول
السيد ذلك عن نفسه فإنه قد يقول لعبده: اسقِ ربك فيضع
الظاهر موضع الضمير على سبيل التعظيم لنفسه بل هذا أولى
بالنهي من قول العبد ذلك أو الأجنبي ذلك عن السيد. قال في
مصابيح الجامع ساق المؤلّف في الباب قوله تعالى:
{والصالحين من عبادكم وإمائكم} [النور: 32] وقوله عليه
الصلاة والسلام: "قوموا إلى سيدكم" تنبيهًا على أن النهي
إنما جاء متوجهًا على جانب السيد إذ هو في مظنة الاستطالة
وأن قول الغير هذا عبد زيد وهذه أمة خالد جائز لأنه يقوله
إخبارًا وتعريفًا وليس في مظنة الاستطالة، والآية والحديث
مما يؤيد هذا الفرق، وفي الحكايات المأثورة أن سائلاً وقف
ببعض الأحياء فقال: من سيد هذا الحي؟ فقال رجل: أنا. فقال:
لو كنت سيدهم لم تقله. وقال النووي: المراد بالنهي من
استعمله على جهة التعاظم لا من أراد التعريف.
(وليقل سيدي مولاي) ولأبي الوقت: ومولاي بإثبات الواو،
وإنما فرّق بين السيد والرب لأن الرب من أسماء الله تعالى
اتفاقًا، واختلف في السيد هل هو من أسماء الله تعالى، ولم
يأتِ في القرآن أنه من أسماء الله تعالى. نعم روى المؤلّف
في الأدب المفرد وأبو داود والنسائي والإمام أحمد بن حديث
عبد الله بن الشخير عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال: "السيد الله" فإن قلنا إنه ليس من أسماء
الله تعالى فالفرق واضح إذ لا التباس، وإن قلنا إنه من
أسماء الله تعالى فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ الرب
فيحصل الفرق بذلك، وأما من حيث اللغة فالسيد من السؤدد وهو
التقديم يقال ساد قومه إذا تقدم عليهم، ولا شك في تقدم
السيد على غلامه فلما حصل الافتراق جاز الإطلاق وأما
المولى فقال النووي: يقع على ستة عشر معنى منها الناصر
والولي والمالك، وحينئذٍ فلا بأس أن يقول مولاي أيضًا لكن
يعارضه حديث مسلم والنسائي من طريق الأعمش عن أبي صالح عن
أبي هريرة في هذا
الحديث: لا يقل أحدكم مولاي فإن مولاكم الله.
وأجيب بأن مسلمًا قد بيّن الاختلاف في ذلك عن الأعمش وأن
منهم من ذكر هذه الزيادة ومنهم من حذفها. قال عياض: وحذفها
أصح، وقال القرطبي: روى من طريق متعددة مشهورة وليس ذلك
مذكورًا فيها فظهر أن اللفظ الأوّل أرجح، وإنما صرنا
للترجيح للتعارض بينهما والجمع متعذر والعلم بالتاريخ
مفقود فلم يبق إلا بالترجيح.
(ولا يقل أحدكم عبدي أمتي) لأن حقيقة العبودية إنما
يستحقها الله تعالى ولأن فيها تعظيمًا لا
يليق بالمخلوق، وقد بيّن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- العلّة في ذلك حيث قال في هذا الحديث عند مسلم
والنسائي في عمل اليوم والليلة من طريق العلاء بن عبد
الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة: لا يقولن أحدكم عبدي فإن
كلكم عبيد الله وعند أبي داود والنسائي في اليوم والليلة
أيضًا من طريق محمد بن سيرين عن أبي هريرة فإنكم المملوكون
والرب الله فنهى عن التطاول في اللفظ كما نهى عن التطاول
في الفعل.
(وليقل فتاي وفتاتي وغلامي) لأنها ليست دالة على الملك
(4/324)
كدلالة عبدي فأرشد عليه الصلاة والسلام إلى
ما يؤدي إلى المعنى مع السلامة من التعاظم مع أنها تطلق
على الحر والمملوك لكن إضافته تدل على الاختصاص قال الله
تعالى: {وإذ قال موسى لفتاه} [الكهف: 60] وهذا النهي
للتنزيه دون التحريم كما مرّ.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الأدب.
2553 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ
بْنُ حَازِمٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ مِنَ الْعَبْدِ،
فَكَانَ لَهُ مِنَ الْمَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ
يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ وَأُعْتِقَ مِنْ
مَالِهِ، وَإِلاَّ فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل عارم السدوسي
البصري قال: (حدّثنا جرير بن حازم) الأزدي البصري اختلط في
آخر عمره لكنه لم يحدّث في حال اختلاطه (عن نافع عن ابن
عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من أعتق نصيبًا له من العبد) بالتعريف (فكان له) وقت
العتق ولأبي ذر كان له (من المال ما يبلغ قيمته) نصب على
المفعولية أي قيمة بقيته (يقوّم) ولأبي ذرّ قوّم (عليه)
باقيه (قيمة عدل) نصب على المفعول المطلق والعدل بفتح
العين الاستواء أي قيمة استواء لا زيادة فيه ولا نقص أي
بقيمة يوم الإعتاق (وأعتق) بضم الهمزة وكسر التاء (من
ماله) بنفس الإعتاق ومشهور مذهب المالكية أنه لا يعتق إلا
بدفع القيمة (وإلا) بأن كان معسرًا حال الإعتاق (فقد عتق)
بفتحات من غير همز (منه) أي ما أعتق المعتق فقط ويبقى نصيب
الشرك رقيقًا ولأبي ذر أعتق بهمزة مضمومة وكسر التاء منه
(ما عتق) بفتحات من غير همز قالوا والمطابقة بين الحديث
والترجمة من جهة أنه لو لم يحكم عليه بعتقه كله عند اليسار
لكان بذلك متطاولاً عليه.
وقد سبق هذا الحديث في باب: إذا أعتق عبدًا بين اثنين.
2554 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ: حَدَّثَنِي نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ
فَهُوَ رَاعٍ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ
رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ،
وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ
بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهْيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ،
وَالْعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهْوَ مَسْئُولٌ
عَنْهُ. أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بمهملات ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى) القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر بن حفص
العمري أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (نافع عن عبد الله) بن
عمر بن الخطاب (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(كلكم راع) كقاضٍ أي حافظ لما قام عليه (فمسؤول) بالفاء
ولأبي ذر ومسؤول (عن رعيته) فإن وفى ما عليه من الرعاية
كان له الحظ الأوفر والجزاء الأكبر وإلا طالبه كل أحد من
رعيته بحقه (فالأمير الذي على الناس راعٍ) فيما استرعاه
الله ولأبي ذر فهو راعٍ عليهم (وهو مسؤول عنهم) وهذا تفصيل
لما أجمله (والرجل راعٍ على أهل بيته) زوجته وغيرها يقوم
عليهم بالحق في النفقة وحسن المعاشرة (وهو مسؤول عنهم
والمرأة راعية على بيت بعلها وولده) أي وغيرهم كخدمه
وأضيافه بحسن التدبير في أمرهم والقيام بمصالحهم (وهي
مسؤولة عنهم والعبد راعٍ على مال سيده وهو مسؤول عنه) وهذا
موضع الترجمة لأنه إذا كان ناصحًا لسيده في خدمته مؤدّيًا
له الأمانة ناسب أن يعينه ولا يتطاول عليه (ألا فكلكم راعٍ
وكلكم مسؤول عن رعيته).
وهذا الحديث سبق في الجمعة وفي الاستقراض.
2555، 2556 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي
عُبَيْدُ اللَّهِ سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ وَزَيْدَ بْنَ
خَالِدٍ رضي الله عنهما عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا زَنَتِ الأَمَةُ
فَاجْلِدُوهَا، ثُمَّ إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا ثُمَّ
إِذَا زَنَتْ فَاجْلِدُوهَا فِي الثَّالِثَةِ أَوِ
الرَّابِعَةِ بِيعُوهَا وَلَوْ بِضَفِيرٍ».
وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) النهدي أبو غسان الكوفي
قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن
شهاب قال: (حدّثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين ابن
عبد الله بن عتبة بن مسعود قال (سمعت أبا هريرة رضي الله
عنه وزيد بن خالد) الجهني المدني المشهور- رضي الله عنه-
(عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال):
(إذا زنت الأمة فاجلدوها) أي خمسين جلدة نصف جلد الحرة
سواء كانت محصنة أو غير محصنة لأن الإحصان وصف كمال ولا
يكون مع النقص من الرقّ وكذا الصبا والجنون والمبعضة
كالأمة (ثم إذا زنت فاجلدوها ثم إذا زنت فاجلدوها في
الثالثة أو الرابعة بيعوها) أي بعد جلدها ولأبوي ذر والوقت
والأصيلي فبيعوها بفاء في أوله (ولو بضفير) بالضاد المعجمة
أي حبل مفتول أو منسوج من الشعر.
ومطابقة الحديث للترجمة من جهة أن الأمة إذا زنت لا يكره
التطاول عليها بل تجلد فإن عادت بيعت وكل ذلك مباين
للتعاظم عليها.
وهذا الحديث سبق في باب بيع العبد الزاني من كتاب البيوع.
18 - باب إِذَا أَتَاهُ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ
هذا (باب) بالتنوين (إذا أتاه) ولأبوي ذر والوقت: إذا أتى
أي الشخص (خادمه) سواء كان حرًّا أو عبدًا ذكرًا أو أُنثى
(بطعامه) فليجلسه
(4/325)
معه ليأكل.
2557 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ زِيَادٍ
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«إِذَا أَتَى أَحَدَكُمْ خَادِمُهُ بِطَعَامِهِ فَإِنْ
لَمْ يُجْلِسْهُ مَعَهُ فَلْيُنَاوِلْهُ لُقْمَةً أَوْ
لُقْمَتَيْنِ، أَوْ أُكْلَةً أَوْ أُكْلَتَيْنِ، فَإِنَّهُ
وَلِيَ عِلاَجَهُ». [الحديث 2557 - طرفه في: 5460].
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) الأنماطي أبو محمد
الأسلمي مولاهم البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال:
أخبرني) بالإفراد (محمد بن زياد) بكسر الزاي وتخفيف
التحتية أبو الحرث القرشي الجمحي التابعي (قال: سمعت أبا
هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا أتى أحدكم خادمه) بالرفع وأحدكم منصوب به (بطعامه فإن
لم يجلسه معه) معطوف على مقدّر تقديره فليجلسه معه وفي
رواية مسلم: فليقعده معه فليأكل وعند أحمد والترمذي من
رواية معبد بن أبي خالد عن أبيه عن أبي هريرة فليجلسه معه
فإن لم يجلسه معه ولابن ماجة من طريق أبي ربيعة عن الأعرج
عن أبي هريرة فليدعه فليأكل معه فإن لم يفعل (فليناوله) من
الطعام (لقمة أو لقمتين) شك من الراوي، ورواه الترمذي
بلفظ: لقمة فقط، وفي رواية مسلم تقييد ذلك بما إذا كان
الطعام قليلاً (أو أكلة أو أكلتين) بضم الهمزة فيهما يعني
لقمة أو لقمتين قال في المصابيح فإن قلت ما هذا العطف قلت
لعل الراوي شك هل قال عليه الصلاة والسلام فليناوله لقمة
أو لقمتين أو قال فليناوله أكلة أو أكلتين فجمع بينهما
وأتى بحرف الشك ليؤدي المقالة كما سمعها ويحتمل أن يكون من
عطف أحد المترادفين على الآخر بكلمه أو وقد صرّح بعضهم
بجوازه (فإنه) أي الخادم (ولي علاجه) أي الطعام عند تحصيل
آلاته وتحمل مشقة حرّه ودخانه عند الطبح وشقّت به نفسه وشم
رائحته، واختلف في حكم الأمر بالإجلاس فقال الشافعي إنه
أفضل، فإن فعل فليس بواجب أو يكون بالخيار بين أن يجلسه أو
يناوله وقد يكون أمره اختيارًا غير حتم، ورجح الرافعي
الاحتمال الأخير وحمل الأوّل على الوجوب ومعناه أن الإجلاس
لا يتعين لكن إن فعله كان أفضل وإلا تعينت المناولة ويحتمل
أن الواجب أحدهما لا بعينه والثاني أن الأمر للندب مطلقًا.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأطعمة.
19 - باب الْعَبْدُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ. وَنَسَبَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَالَ
إِلَى السَّيِّدِ
هذا (باب) بالتنوين (العبد راعٍ في مال سيده ونسب النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المال إلى السيد) في
حديث ابن
عمر من باع عبدًا وله مال فماله للسيد، وهذا مذهب مالك
والشافعي وأبي حنيفة لأن الرقّ مُنافٍ للملك.
2558 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ: فَالإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهْوَ
مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ
زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهْيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ
رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ فِي مَالِ سَيِّدِهِ رَاعٍ
وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ. قَالَ: فَسَمِعْتُ
هَؤُلاَءِ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَحْسِبُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: وَالرَّجُلُ فِي مَالِ أَبِيهِ
رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ
وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع الحمصي قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله
عن) أبيه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه سمع رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(كلّكم راعٍ ومسؤول عن رعيته) وهذا على سبيل الإجمال ثم
فصله بقوله: (فالإمام) الأعظم أو نائبه (راعٍ ومسؤول عن
رعيته والرجل في أهله راعٍ وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في
بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها والخادم في مال سيده
راعٍ وهو مسؤول عن رعيته) فرعاية الإمام ولاية أمور الرعية
والإحاطة من ورائهم إقامة الحدود والأَحكام فيهم، ورعاية
الرجل أهله بالقيام عليهم بالحق في النفقة وحُسْن
المعاشرة، ورعاية المرأة في بيت زوجها بحُسْن التدبير في
أمر بيته وأَولاده وخدمه وأضيافه، ورعاية الخادم حفظ ما في
يده من مال سيده والقيام بشغله (قال) أي ابن عمر: (فسمعت
هؤلاء من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأحسب
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: والرجل في
مال أبيه راعٍ ومسؤول عن رعيته فكلكم راعٍ) أي مثل الراعي
(وكلكم) ولأبي الوقت فكلكم (مسؤول عن رعيته) حال عمل فيه
معنى التشبيه ووجه التشبيه حفظ الشيء وحُسْن التعهّد لما
استحفظه وهو القدر المشترك في التفصيل قاله الطيبي وسبق
بأتم من هذا.
20 - باب إِذَا ضَرَبَ الْعَبْدَ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ
هذا (باب) بالتنوين (إذا ضرب) الرجل (العبد فليجتنب
الوجه).
2559 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكُ بْنُ
أَنَسٍ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ فُلاَنٍ عَنْ سَعِيدٍ
الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي
الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ح.
وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِذَا
قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن
عبيد الله) مصغرًا أبو ثابت المدنى قال: (حدّثنا ابن وهب)
عبد الله (قال: حدّثني مالك بن أنس) الإمام قال الحافظ ابن
حجر: وكأن أبا ثابت تفرّد به عن ابن وهب فإني لم أره في
شيء من المصنفات إلا من طريقه قال: أبو ثابت بالسند (قال)
أي ابن
(4/326)
وهب (وأخبرني) بالإفراد (ابن فلان) وكان ابن وهب سمعه من
مالك وبالقراءة على الآخر وكان ابن وهب حريصًا على تمييز
ذلك زاد أبو ذر في روايته عن المستملي، قال أبو إسحاق قال
أبو حرب الذي قال ابن فلان هو قول ابن وهب وهو أي المبهم
ابن سمعان يعني عبد الله بن زياد بن سليمان بن سمعان
المدني، وقد أخرجه الدارقطني في غرائب مالك من طريق عبد
الرحمن بن خراش بكسر المعجمة عن البخاري قال: حدّثنا أبو
ثابت محمد بن عبد الله المدني فذكر الحديث، لكن قال بدل
قوله ابن فلان ابن سمعان فكأن البخاري كنّى به عنه في
الصحيح عمدًا لضعفه فإنه مشهور بالضعف متروك الحديث كذبه
مالك وأحمد وغيرهما ولا حدّث به البخاري خارج الصحيح،
نسبه، لكن ليس له في الصحيح إلا هذا الموضع على أنه لم يسق
المتن من طريقه مع كونه مقرونًا بل ساقه على لفظ رواية
همام عن أبي هريرة، وقد أخرجه أبو نعيم في المستخرج من
طريق العباس بن الفضل عن أبي ثابت فقال ابن فلان وفي موضع
آخر فقال ابن سمعان: (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن
أبيه) أبي سعيد كيسان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال المؤلّف
بالسند (ح).
(وحدّثنا) ولأبي ذر: وحدّثني بالإفراد (عبد الله بن محمد)
المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا
معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبّه (عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إذا قاتل أحدكم فليجتنب الوجه) ولمسلم من طريق أبي صالح
عن أبي هريرة فليتق بدل فليجتنب وقاتل بمعنى قتل فالمفاعلة
ليست على ظاهرها، ويؤيده حديث مسلم من طريق الأعرج عن أبي
هريرة بلفظ إذا ضرب ومثله للنسائي من طريق عجلان ولأبي
داود من طريق أبي سلمة كلاهما عن أبي هريرة وعند المؤلّف
في الأدب المفرد من طريق محمد بن غيلان أخبرني سعيد عن أبي
هريرة إذا ضرب أحدكم خادمه، ويحتمل أن تكون على ظاهرها
ليتناول ما يقع عند دفع الصائل مثلاً فينتهي دافعه عن
القصد بالضرب إلى وجهه ويدخل في النهي كل من ضرب في حد أو
تعزير أو تأديب، وفي حديث أبي بكرة وغيره عند أبي داود
وغيره في قصة التي زنت فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برجمها وقال: "ارموا واتقوا الوجه"
وقد وقع في مسلم تعليل اتّقاء الوجه ففي حديث أبي هريرة من
طريق أبي أيوب فإن الله خلق آدم على صورته والأكثر على أن
الضمير يعود على المضروب لما تقدم من الأمر بإكرام وجهه،
ولولا أن المراد التعليل بذلك لم يكن لهذه الجملة ارتباط
بما قبلها وقيل يعود على آدم
أي على صفته فأمر الاجتناب إكرامًا لآدم لمشابهته لصورة
المضروب ومراعاة لحق الأبوّة وظاهر النهي التحريم، ويؤيده
حديث سويد بن مقرن عند مسلم أنه رأى رجلاً لطم غلامه فقال
أما علمت أن الصورة محرّمة. |