شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
62 - كتاب فضائل أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-
1 - باب فَضَائِلِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَنْ صَحِبَ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْ رَآهُ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ فَهْوَ مِنْ أَصْحَابِهِ
(بسم الله الرحمن الرحيم).
(باب فضائل أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وسقط الباب لأبي ذر فما بعده رفع (ومن صحب
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في زمن نبوته
ولو ساعة (أو رآه) في حال حياته ولو لحظة مع زوال المانع
من الرؤية كالعمى حال كونه في وقت الصحبة أو الرؤية (من
المسلمين) العقلاء ولو أنثى أو عبدًا أو غير بالغ أو جنيًا
أو ملكًا على القول ببعثته إلى الملائكة (فهو من أصحابه).
خبر المبتدأ الذي هو مَنْ الموصول وصحب صلته ودخول الفاء
في فهو لتضمن الابتداء معنى الشرط، وأو في قوله: أو رآه
للتقسيم والضمير المنصوب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أو للصاحب والاكتفاء بمجرد الرؤية من غير
مجالسة ولا مماشاة ولا مكالمة مذهب الجمهور من المحدثين
والأصوليين لشرف منزلته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فإنه كما صرح به غير واحد إذا رآه مسلم أو رأى
مسلمًا لحظة طبع قلبه على الاستقامة إذ انه بإسلامه متهيئ
للقبول، فإذا قابل ذلك النور المحمدي أشرق عليه فظهر أثره
في قلبه وعلى جوارحه. والصحبة لغة تتناول ساعة فأكثر وأهل
الحديث كما قال النووي: قد نقلوا الاستعمال في الشرع
والعرف على وفق اللغة، وإليه ذهب الآمدي، واختاره ابن
الحاجب فلو حلف لا يصحبه حنث بلحظة، وعدّ في الإصابة من
حضر معه عليه الصلاة والسلام حجة الوداع من أهل مكة
والمدينة والطائف وما بينهما من الأعراب وكانوا أربعين
ألفًا لحصول رؤيتهم له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وإن لم يرهم هو بل ومن كان مؤمنًا به زمن
الإسراء إن ثبت عليه الصلاة والسلام كشف له في ليلته عن
جميع من في الأرض فرآه وإن لم يلقه لحصول الرؤية من جانبه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا كغيره يرد على
ما قاله صاحب المصابيح ليس الضمير المستتر في قول البخاري
أو رآه يعود على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لأنه يلزم عليه أن يكون من وقع عليه
بصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صحابيًّا
وإن لم يكن هو قد وقع بصره على النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا قائل به انتهى.
وأما ابن أم مكتوم وغيره ممن كان من الصحابة أعمى فيدخل في
قوله: ومن صحب وكذا في قولهم أو رآه النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ما لا يخفى، وقول الحافظ الزين
العراقي في شرح ألفيته أن في دخول الأعمى الذي جاء إليه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يصحبه ولم يجالسه
في قول البخاري في صحيحه من صحب النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورآه نظر ظاهره أن في نسخته التي وقف
عليها ورآه بواو العطف من غير ألف فيكون التعريف مركبًا من
الصحبة والرؤية معًا فلا يدخل الأعمى كما قال.
لكن في جميع ما وقفت عليه من الأصول المعتمدة أو التي
للتقسيم وهو الظاهر لا سيما وقد صرح غير واحد بأن البخاري
تبع في هذا التعريف شيخه ابن المديني والمنقول عنه أو
بالألف، وأما الصغير الذي لا يميز كعبد الله بن الحرث بن
نوفل، وعبد الله بن أبي طلحة الأنصاري ممن حنكه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو دعا له، ومحمد بن أبي بكر
الصديق المولود قبل وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بثلاثة أشهر وأيام فهو وإن لم تصح نسبة الرؤية
إليه صحابي من حيث إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رآه كما مشى عليه غير واحد ممن صنف في الصحابة.
وأحاديث هؤلاء من قبيل مراسيل كبار التابعين ثم إن التقييد
بالإسلام يخرج من رآه في حال الكفر فليس بصاحب على المشهور
ولو أسلم كرسول قيصر وإن أخرج له الإمام أحمد في مسنده،
وقد زاد الحافظ ابن حجر كشيخه الزين العراقي في التعريف
ومات على الإسلام ليخرج من أرتدّ بعد أن رآه مؤمنًا ومات
على الردّة كابن خطل فلا يسمى صحابيًّا بخلاف من مات بعد
ردّته مسلمًا في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أو بعده سواء لقيه ثانيًا أم لا.
وتعقب بأنه يسمى قبل الردّة صحابيًّا ويكفي ذلك في صحة
التعريف إذ لا يشترط فيه الاحتراز عن المنافي العارض ولذا
لم يحترزوا في تعريف المؤمن عن الردة العارضة لبعض أفراده،
فمن زاد في التعريف أراد تعريف من يسمى صحابيًّا بعد
انقراض
(6/79)
الصحابة لا مطلقًا وإلا لزمه أن لا يسمى
الشخص صحابيًّا في حال حياته ولا يقول بهذا أحد كذا قرره
الجلال المحلي، لكن انتزع بعضهم من قول الأشعري أن من مات
مرتدًّا تبين أنه لم يزل كافرًا لأن الاعتبار بالخاتمة صحة
إخراجه فإنه يصح أن يقال: لم يره مؤمنًا لكن في هذا
الانتزاع نظر لأنه حين رؤيته كان مؤمنًا في الظاهر، وعليه
مدار الحكم الشرعي فيسمى صحابيًّا قاله شيخنا في فتح
المغيث.
3649 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ حَدَّثَنَا أَبُو
سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَأْتِي عَلَى
النَّاسِ زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ،
فَيَقُولُونَ: فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُونَ لَهُمْ
نَعَمْ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ. ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ
زَمَانٌ فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ
فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ،
فَيُفْتَحُ لَهُمْ. ثُمَّ يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ
فَيَغْزُو فِئَامٌ مِنَ
النَّاسِ فَيُقَالُ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَاحَبَ مَنْ
صَاحَبَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ، فَيُفْتَحُ
لَهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (قال:
سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري الصحابي ابن الصحابي -رضي
الله عنهما- (يقول: حدّثنا أبو سعيد) سعد بن مالك الأنصاري
(الخدري) -رضي الله عنه- (قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يأتي على الناس زمان فيغزو فئام) بكسر الفاء بعدها همزة
مفتوحة فألف فميم أي جماعة (من الناس) لا واحد له من لفظه.
قال الجوهري في صحاحه والعامة تقول: قيام بلا همز. قال
المحقق البدر الدماميني في مصابيحه: لا حرج عليهم في ذلك
ولا يعدون به لا حنين فإن تخفيف الهمزة فى مثله بقلب
حركتها حرفًا مجانسًا لحركة ما قبلها عربي فصيح وهو قياس،
وغاية الأمر أنهم التزموا التخفيف فيه وهو غير ممتنع
(فيقولون) أي الذين يغزونهم لهم (فيكم) بحذف أداة
الاستفهام (من صاحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بفتح ميم من (فيقولون) لهم (نعم) فينا من
صاحبه (فيفتح لهم) بضم التحتية وفتح الفوقية (ثم يأتي على
الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال) لهم (هل فيكم من
صاحب أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-؟) وهو التابعي (فيقولون) لهم (نعم فيفتح لهم،
ثم يأتي على الناس زمان فيغزو فئام من الناس فيقال): لهم
(هل فيكم من صاحب من صاحب أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) بفتح الحاء من صاحب في الموضعين
كميم من، والمراد أتباع التابعين.
(فيقولون): لهم (نعم فيفتح لهم).
وهذا الحديث قد مرّ قريبًا في علامات النبوة وقبله في
الجهاد.
3650 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا النَّضْرُ
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ سَمِعْتُ
زَهْدَمَ بْنَ مُضَرِّبٍ قال سَمِعْتُ عِمْرَانَ بْنَ
حُصَيْنٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «خَيْرُ أُمَّتِي
قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ
يَلُونَهُمْ. قَالَ عِمْرَانُ: فَلاَ أَدْرِي أَذَكَرَ
بَعْدَ قَرْنِهِ قَرْنَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. ثُمَّ إِنَّ
بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ
وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلاَ
يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق) بن
راهويه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (النضر) بفتح النون
وسكون الضاد المعجمة ابن شميل قال: (أخبرنا شعبة) بن
الحجاج (عن أبي جمرة) بجيم مفتوحة وميم ساكنة فراء نصر بن
عمران الضبعي أنه قال: (سمعت زهدم بن مضرب) بفتح الزاي
وسكون الهاء بعدها دال مهملة مفتوحة ثم ميم ومضرب بضم
الميم وفتح الضاد وكسر الراء المشددة وبعدها موحدة الجرمي
بفتح الجيم (قال: سمعت عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح
الصاد المهملتين (-رضي الله عنهما- يقول قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(خير أمتي) أهل (قرني) بفتح القاف والقرن أهل زمان واحد
متقارب اشتركوا في أمر من الأمور المقصودة ويطلق على مدة
من الزمان واختلف في تحديدها من عشرة أعوام إلى مائة
وعشرين، والمراد بهم هنا الصحابة (ثم الذين يلونهم) أي
يقربون منهم وهم التابعون (ثم الذين يلونهم) وهم أتباع
التابعين، وهذا صريح في أن الصحابة أفضل من التابعين وأن
التابعين أفضل من تابعي التابعين، وهذا مذهب الجمهور. وذهب
ابن عبد البر إلى أنه قد يكون فيمن يأتي بعد الصحابة أفضل
ممن كان في جملة الصحابة وأن قوله عليه الصلاة والسلام:
خير الناس قرني، ليس على عمومه بدليل ما يجمع القرن بين
الفاضل والمفضول. وقد جمع قرنه عليه الصلاة والسلام جماعة
من المنافقين المظهرين للإيمان وأهل الكبائر الذين أقام
عليهم أو على بعضهم الحدود.
وقد روى أبو أمامة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال: "طوبى لمن رآني وآمن بي وطوبى سبع مرات
لمن لم يرني وآمن بي". وفي مسند أبي داود الطيالسي عن محمد
بن أبي حميد عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر -رضي الله عنه-
قال: كنت جالسًا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال: "أتدرون أي الخلق أفضل إيمانًا؟ " قلنا:
الملائكة قال: "وحق لهم بل غيرهم" قلنا: الأنبياء. قال:
"وحق لهم بل غيرهم" ثم قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(6/80)
وَسَلَّمَ-: "أفضل الخلق إيمانًا قوم في
أصلاب الرجال يؤمنون بي ولم يروني فهم أفضل الخلق إيمانًا"
لكن روى أحمد والدارمي بإسناد حسن وصححه الحاكم قال أبو
عبيدة: يا رسول الله هل أحد خير منا أسلمنا معك وجاهدنا
معك؟ قال: "قوم يكونون من بعدكم يؤمنون بي ولم يروني".
والحق ما عليه الجمهور لأن الصحبة لا يعدلها شيء وحديث
للعامل منهم أجر خمسين منكم لا دلالة فيه على أفضلية غير
الصحابة على الصحابة لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت
الأفضلية المطلقة، وإسناد حديث أبي داود السابق ضعيف فلا
حجة فيه، وكلام ابن عبد البر ليس على إطلاقه في حق جميع
الصحابة فإنه صرح في كلامه باستثناء أهل بدر والحديبية،
والذي يظهر أن محل النزاع يتمحض فيمن لم يحصل له إلا مجرد
المشاهدة أما من قاتل معه أو في زمانه بأمره أو أنفق شيبًا
من ماله بسببه أو سبق إليه بالهجرة والنصرة، وضبط الشرع
المتلقى عنه وبلغه لمن بعده فلا يعده في الفضل أحد بعده
كائنًا من كان.
(وقال عمران) بن الحصين بالسند السابق (فلا أدري أذكر)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بعد قرنه قرنين)
ولأبي ذر: مرتين بالميم (أو ثلاثًا) وفي نسخة أو ثلاثة،
وفي مسلم عن عائشة -رضي الله عنها- قال رجل: يا رسول الله
أي الناس خير؟ قال: "القرن الذي أنا فيه ثم الثاني ثم
الثالث" فلم يشك كأكثر طرق الحديث.
(ثم إن بعدكم) بالكاف (قومًا) بالنصب اسم إن وزاد ابن حجر
هنا مما لم أره في الفرع ولا أصله ولبعضهم قوم بالرفع،
وقال: يحتمل أن يكون من الناسخ على طريقة من لا يكتب الألف
في المنصوب، وقال العيني: الوجه على تقدير صحة الرواية أن
يكون بفعل محذوف تقديره ثم إن بعدكم يجيء قوم (يشهدون ولا
يستشهدون) أي يتحملون الشهادة من غير تحميل أو يؤدونها من
غير طلب الأداء (ويخونون ولا يؤتمنون) لخيانتهم الظاهرة
بخلاف من خان مرة واحدة فإن ذلك قد لا يؤثر فيه (وينذرون)
بفتح أوّله وضم الذال المعجمة، ولأبي ذر: وينذرون بكسرها
(ولا يفون) بنذرهم، ولأبي ذر: ولا يوفون (ويظهر فيهم
السمن) بكسر السين وفتح الميم أي يعظم حرصهم على الدنيا
والتمتع بلذاتها حتى تسمن أجسادهم.
3651 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
عَبِيدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ،
ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَجِيءُ قَوْمٌ
تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ
شَهَادَتَهُ».قَالَ: قَالَ إِبْرَاهِيمُ: وَكَانُوا
يَضْرِبُوننَا عَلَى الشَّهَادَةِ وَالْعَهْدِ وَنَحْنُ
صِغَارٌ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال:
(أخبرنا سفيان) الثوري (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن
إبراهيم) هو النخعي (عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة
ابن قيس السلماني بفتح السين وسكون اللام المرادي (عن عبد
الله) بن مسعود (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(خير الناس قرني) أي أهله (ثم) أهل القرن (الذين يلونهم ثم
الذين يلونهم) الأول أصحابه ثم أتباعهم ثم أتباع أتباعهم
(ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه ويمينه شهادته) ليس
فيه دور لأن المراد من حرصهم على الشهادة وترويجها أنهم
يحلفون على ما يشهدون تارة قبل وتارة بعد حتى لا يدري
بأيهما البداءة فكأنهما يتسابقان لقلة المبالاة بالدين.
(قال): منصور بن المعتمر (قال إبراهيم): النخعي بالسند
السابق (وكانوا يضربونا) ضرب تأديب، ولأبي ذر: يضربوننا
(على الشهادة والعهد) أي على قول: أشهد بالله وعلى عهد
الله (ونحن صغار) لم نبلغ حدّ التفقه، وإن كانوا بلغوا
الحلم حتى لا يصير لهم ذلك عادة فيحلفون في كل ما يصلح وما
لا يصلح.
ومرّ هذا الحديث في باب لا يشهد على شهادة جور من كتاب
الشهادات كسابقه.
2 - باب مَنَاقِبِ الْمُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ مِنْهُمْ
أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ
التَّيْمِيُّ -رضي الله عنه-
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ
الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ
وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ
وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ
هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر: 8].
وَقَالَ: {إِلاَّ تَنْصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ}
-إِلَى قَوْلِهِ- {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40].
قَالَتْ عَائِشَةُ وَأَبُو سَعِيدٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رضي
الله عنهم-: "وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْغَارِ".
(باب مناقب المهاجرين) الذين هاجروا من مكة إلى المدينة.
والمناقب: جمع منقبة ضد المثلبة (وفضلهم) بالجر عطفًا على
السابق، وسقط لأبي ذر لفظ باب فمناقب رفع وكذا فضلهم على
ما لا يخفى (منهم) من المهاجرين بل هو أفضلهم وسيدهم (أبو
بكر) واسمه على المشهور (عبد الله بن أبي قحافة) بضم القاف
وتخفيف الحاء وبالفاء واسمه عثمان (التيمي) بفتح الفوقية
وسكون التحتية ونسبه إلى جده الأعلى تيم، فهو عبد الله بن
عثمان بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي
بن غالب يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في مرة بن كعب، وكان اسمه
(6/81)
عتيقًا لأنه ليس في نسبه ما يعاب به أو
لقدمه في الخير أو لسبقه إلى الإسلام أو لحسنه أو لأن أمه
استقبلت به البيت وقالت: اللهم هذا عتيقك من الموت قالته
لأنه كان لا يعيش لها ولد أو لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشّره بأن الله أعتقه من النار كما في
حديث عائشة عند الترمذي وصححه ابن حبان، ولقّب بالصدّيق
لتصديقه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وعند
الطبراني بإسناد رجاله ثقات من حديث علي أنه كان يحلف أن
الله أنزل اسم أبي بكر من السماء الصديق واسم أمه سلمى
وتكنى أم الخير بنت صخر بن مالك بن عامر بن عمرو المذكور
أسلمت وهاجرت (-رضي الله عنه-) وعن والديه وأولاده، ولأبي
ذر: رضوان الله عليه.
(وقول الله تعالى) جر عطفًا على سابقه أو رفع، ولأبي ذر:
عز وجل: ({للفقراء المهاجرين} [الحشر: 8]) قال في الأنوار:
بدل من لذي القربى وما عطف عليه لأن الرسول -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يسمى فقيرًا انتهى. وذلك
لأن الله تعالى رفع منزلته عن أن يسميه فقيرًا وقوله:
{الشيطان يعدكم الفقر} [البقرة: 268] دليل على أن الفقر
مذموم والفقر أربعة أشياء فقر الحسنات في الآخرة وفقر
القناعة في الدنيا، وفقر المقتنى وفقرهما والغنى بحسبه،
فمن فقد القناعة والمقتنى فهو الفقير المطلق على سبيل الذم
ومن فقد القناعة دون القنية فهو الغني بالمجاز الفقير
بالحقيقة، ومن فقد القنية دون القناعة فإنه يقال له فقير
وغني ({الذين أُخرجوا من ديارهم وأموالهم} [الحشر: 8]) فإن
كفار مكة أخرجوهم وأخذوا أموالهم ({يبتغون} [الحشر: 8])
يطلبون بهجرتهم ({فضلاً من الله ورضوانًا وينصرون الله
ورسوله} [الحشر: 8]) دين الله وشرع رسوله بأنفسهم وأموالهم
({أولئك هم الصادقون}) [الحشر: 8]. الذين ظهر صدقهم في
إيمانهم، وسقط قوله: {الذين أخرجوا} إلى آخره لأبي ذر وقال
بعد قوله: {المهاجرين} الآية.
(وقال: {إلاَّ}) ولأبي ذر: وقال الله إلا ({تنصروه فقد
نصره الله}) [التوبة: 40] أي وإن لم تنصروه فسينصره الله
إذ أخرجه من الغار (إلى قوله: {إن الله معنا}) [التوبة:
40]. أي بالعصمة والمعونة وسقط قوله إلى قوله: {إن الله
معنا} لأبي ذر وقال بعد قوله نصره الله الآية.
(قالت عائشة): مما ذكره في باب الهجرة إلى المدينة الآتي
إن شاء الله تعالى (وأبو سعيد) الخدري مما وصله ابن حبان
في صحيحه (وابن عباس) مما أخرجه أحمد والحاكم (-رضي الله
عنهم-: وكان أبو بكر مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في الغار) لما خرجا من مكة إلى المدينة.
3652 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:
«اشْتَرَى أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- مِنْ عَازِبٍ
رَحْلاً بِثَلاَثَةَ عَشَرَ دِرْهَمًا، فَقَالَ أَبُو
بَكْرٍ لِعَازِبٍ: مُرِ الْبَرَاءَ فَلْيَحْمِلْ إِلَىَّ
رَحْلِي، فَقَالَ عَازِبٌ: لاَ، حَتَّى تُحَدِّثَنَا
كَيْفَ صَنَعْتَ أَنْتَ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ خَرَجْتُمَا مِنْ مَكَّةَ
وَالْمُشْرِكُونَ يَطْلُبُونَكُمْ. قَالَ: ارْتَحَلْنَا
مِنْ مَكَّةَ فَأَحْيَيْنَا -أَوْ سَرَيْنَا- لَيْلَتَنَا
وَيَوْمَنَا حَتَّى أَظْهَرْنَا وَقَامَ قَائِمُ
الظَّهِيرَةِ، فَرَمَيْتُ بِبَصَرِي هَلْ أَرَى مِنْ ظِلٍّ
فَآوِيَ إِلَيْهِ، فَإِذَا صَخْرَةٌ أَتَيْتُهَا،
فَنَظَرْتُ بَقِيَّةَ ظِلٍّ لَهَا فَسَوَّيْتُهُ، ثُمَّ
فَرَشْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِيهِ، ثُمَّ قُلْتُ لَهُ: اضْطَجِعْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ،
فَاضْطَجَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، ثُمَّ انْطَلَقْتُ أَنْظُرُ مَا حَوْلِي: هَلْ
أَرَى مِنَ الطَّلَبِ أَحَدًا؟ فَإِذَا أَنَا بِرَاعِي
غَنَمٍ يَسُوقُ غَنَمَهُ إِلَى الصَّخْرَةِ، يُرِيدُ
مِنْهَا الَّذِي أَرَدْنَا، فَسَأَلْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ،
لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ؟ فَقَالَ لِرَجُلٍ مِنْ
قُرَيْشٍ سَمَّاهُ فَعَرَفْتُهُ، فَقُلْتُ: هَلْ فِي
غَنَمِكَ مِنْ لَبَنٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: فَهَلْ
أَنْتَ حَالِبٌ لَبَنًا؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرْتُهُ
فَاعْتَقَلَ شَاةً مِنْ غَنَمِهِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ أَنْ
يَنْفُضَ ضَرْعَهَا مِنَ الْغُبَارِ، ثُمَّ أَمَرْتُهُ
أَنْ يَنْفُضَ كَفَّيْهِ فَقَالَ هَكَذَا، ضَرَبَ إِحْدَى
كَفَّيْهِ بِالأُخْرَى فَحَلَبَ لِي كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ،
وَقَدْ جَعَلْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِدَاوَةً عَلَى فَمِهَا خِرْقَةٌ،
فَصَبَبْتُ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ،
فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَافَقْتُهُ قَدِ اسْتَيْقَظَ،
فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ حَتَّى
رَضِيتُ. ثُمَّ قُلْتُ: قَدْ آنَ الرَّحِيلُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ، قَالَ: بَلَى. فَارْتَحَلْنَا وَالْقَوْمُ
يَطْلُبُونَا، فَلَمْ يُدْرِكْنَا أَحَدٌ مِنْهُمْ غَيْرُ
سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جُعْشُمٍ عَلَى فَرَسٍ لَهُ،
فَقُلْتُ: هَذَا الطَّلَبُ قَدْ لَحِقَنَا يَا رَسُولَ
اللَّهِ، فَقَالَ: لاَ تَحْزَنْ، إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا»
{تُرِيحُونَ} [النحل: 6] بالعشيّ، {تَسْرَحُون} [النحل: 6]
بالغداة.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني بضم الغين
المعجمة وتخفيف الدال المهملة وبعد الألف نون مخففة البصري
قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جدّه (أبي إسحاق) عمرو
بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب الأنصاري -رضي
الله عنه- أنه (قال: اشترى أبو بكر) الصديق (-رضي الله
عنه- من) أبيه (عازب رحلاً) بفتح الراء وسكون الحاء
المهملة للناقة (بثلاثة عشر درهمًا فقال أبو بكر لعازب:
مُر البراء) ابنك (فليحمل إليّ) بتشديد الياء التحتية
(رحلي، فقال) له (عازب: لا حتى تحدّثنا كيف صنعت أنت ورسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين خرجتما من
مكة) في الهجرة إلى المدينة (والمشركون) من أهل مكة
(يطلبونكم) أي هما ومن معهما (قال): أبو بكر (ارتحلنا من
مكة فأحيينا أو سرينا) بفتح السين (ليلتنا ويومنا) والشك
من الراوي (حتى أظهرنا) ولأبي ذر عن الكشميهني ظهرنا بغير
ألف والأول هو الصواب أي صرنا في وقت الظهيرة (وقام قائم
الظهيرة) شدّة حرها عند الزوال (فرميت ببصري هل أرى من ظل
فآوي إليه) بمد الهمزة وفتح التحتية في اليونينية وفرعها
مصححًا عليه (فإذا صخرة) فلما رأيتها (أتيتها فنظرت بقية
ظل لها فسويته) أي موضعًا. وفي علامات النبوة: فنزلنا عنده
أي عند الظل وسوّيت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مكانًا بيدي ينام عليه (ثم فرشت للنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه) في الظل (ثم قلت له:
اضطجع يا نبي الله فاضطجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، ثم
انطلقت أنظر ما حولي هل أرى من الطلب أحدًا فإذا أنا براعي
غنم) لم يسم الراعي ولا مالك الغنم (يسوق غنمه إلى الصخرة
يريد منها الذي أردنا) من
(6/82)
الظل (فسألته فقلت له: لمن أنت يا غلام؟
فقال: لرجل من قريش سماه فعرفته فقلت): له (هل في غنمك من
لبن؟ قال: نعم. قلت): له (فهل أنت حالب لبنًا؟) ولأبي ذر
عن الكشميهني: لنا (قال: نعم فأمرته فاعتقل شاة من غنمه ثم
أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار ثم أمرته أن ينفض كفيه)
بالتثنية (فقال: هكذا ضرب إحدى كفيه بالأخرى) فيها إطلاق
القول على الفعل واستحباب التنظيف لما يؤكل ويشرب (فحلب لي
كثبة) بضم الكاف وسكون المثلثة بعدها موحدة مفتوحة قليلاً
(من لبن، و) كنت (قد جعلت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إداوة) بكسر الهمزة من جلد فيها ماء
(على فمها خرقة) كذا في الفرع خرقة بالنصب وفي اليونينية
وغيرها بالرفع (فصببت) منها (على اللبن حتى برد أسفله)
بفتح الراء (فانطلقت به) باللبن المشوب بالماء (إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوافقته قد استيقظ)
من نومه (فقلت له: اشرب يا رسول الله فشرب حتى رضيت) أي
طابت نفسي لكثرة ما شرب وفيه: أنه أمعن في الشرب وقد كانت
عادته المألوفة عدم الإمعان (ثم قلت: قد آن الرحيل يا رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي دخل وقته
(قال): عليه الصلاة والسلام:
(بلى) قد آن، وسقط لفظ: بلى لأبي ذر (فارتحلنا والقوم)
كفار قريش (يطلبونا) ولأبي ذر: يطلبوننا (فلم يدركنا أحد
منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم) بجيم مضمومة فعين مهملة
ساكنة فشين معجمة مضمومة فميم (على فرس له فقلت هذا الطلب
قد لحقنا يا رسول الله. فقال: لا تحزن إن الله معنا).
وهذا الحديث قد مرّ في علامات النبوة.
({تريحون}) في قوله تعالى: {ولكم فيها جمال حين تريحون}
أي: (بالعشي {وحين تسرحون}) أي (بالغداة}) [النحل: 6]. قال
في الفتح: والصواب أن يثبت هذا في حديث عائشة في الهجرة
فإن فيه: ويرعى عليهما عامر بن فهيرة ويريحها عليهما، وثبت
هذا في رواية أبي ذر عن الكشميهني وسقط لغيره.
3653 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ أَبِي بَكْرٍ -رضي
الله عنه- قَالَ: «قُلْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَنَا فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ
أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لأَبْصَرَنَا.
فَقَالَ: مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ
اللَّهُ ثَالِثُهُمَا». [الحديث 3653 - طرفاه في: 3922،
4663].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سنان) العوقي بفتح العين المهملة
والواو وكسر القاف قال:
(حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن
دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر المعجمة
(عن ثابت) البناني (عن أنس) بن مالك الأنصاري (عن أن بكر)
الصديق (-رضي الله عنه-) أنه (قال: قلت للنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا في الغار) زاد في رواية
موسى بن إسماعيل عن
همام في الهجرة فرفعت رأسي فرأيت أقدام القوم فقلت (لو أن
أحدهم نظر تحت قدميه) بالتثنية (لأبصرنا. فقال): عليه
الصلاة والسلام.
(ما ظنك يا أبا بكر باثنين الله ثالثهما) أي جاعلهما ثلاثة
بضم نفسه تعالى إليهما في المعية المعنوية التي أشار إليها
بقوله: {إن الله معنا} [التوبة: 40] وهو من قوله: {ثاني
اثنين إذ هما في الغار} [التوبة: 40] الآية.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الهجرة والتفسير ومسلم في
الفضائل والترمذي في التفسير.
3 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «سُدُّوا الأَبْوَابَ إِلاَّ بَابَ أَبِي
بَكْرٍ» قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(سدوا الأبواب) كلها (إلا باب أبي بكر) الصديق بنصب باب
على الاستثناء (قاله ابن عباس) -رضي الله عنهما- (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله المؤلّف
في باب الخوخة والممرّ من كتاب الصلاة بمعناه.
3654 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ قَالَ:
حَدَّثَنِي سَالِمٌ أَبُو النَّضْرِ عَنْ بُسْرِ بْنِ
سَعِيدٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-
قَالَ: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- النَّاسَ وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ خَيَّرَ
عَبْدًا بَيْنَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ،
فَاخْتَارَ ذَلِكَ الْعَبْدُ مَا عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ
فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ، فَعَجِبْنَا لِبُكَائِهِ أَنْ
يُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَنْ عَبْدٍ خُيِّرَ. فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هُوَ الْمُخَيَّرُ،
وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ أَعْلَمَنَا. فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ
أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبو
بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً غَيْرَ رَبِّي
لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ
الإِسْلاَمِ وَمَوَدَّتُهُ، لاَ يَبْقَيَنَّ فِي
الْمَسْجِدِ بَابٌ إِلاَّ سُدَّ، إِلاَّ بَابَ أَبِي
بَكْرٍ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله
بن محمد) المسندي قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر:
حدّثنا. وفي اليونينية بالجمع فقط (أبو عامر) عبد الملك بن
عمرو العقدي قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام
وسكون التحتية بعدها حاء مهملة ابن سليمان الخزاعي (قال:
حدّثني) بالإفراد (سالم أبو النضر) بالنون المفتوحة والضاد
المعجمة الساكنة القرشي المدني (عن بسر بن سعيد) بضم
الموحدة وسكون المهملة وسعيد بكسر العين مولى ابن الحضرمي
(عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: خطب رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس) في مرضه
قبل موته بثلاث ليال (وقال): بالواو.
(إن الله) عز وجل (خيّر عبدًا) من التخيير (بين الدنيا
وبين ما عنده) عز وجل في الآخرة (فاختار ذلك العبد ما عند
الله) عز وجل.
(قال): أبو سعيد (فبكى أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-
(فعجبنا لبكائه أن يخبر)
(6/83)
بالموحدة من الخبر (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-عن عبد خيّر فكان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو المخير) بفتح
التحتية المشددة (وكان أبو بكر) -رضي الله عنه- (أعلمنا)
بالمراد من الكلام المذكور فبكى جزعًا على فراقه عليه
الصلاة والسلام (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-): (إن من أمن الناس عليّ في صحبته وماله) بفتح
الهمزة والميم وتشديد النون فعل تفضيل من المنّ بمعنى
العطاء والبذل أي أن من أبذل الناس لنفسه وماله (أبا بكر)
بالنصب اسم إن والجار والمجرور خبرها وهذا واضح، ولبعضهم
فيما قاله في الفتح وغيره أبو بكر بالرفع، ووجه بتقدير
ضمير الشأن أي أنه والجار والمجرور بعده خبر مقدم وأبو بكر
مبتدأ مؤخر، أو على أن مجموع الكنية اسم فلا يعرب ما وقع
فيها من الأداة.
وقال صاحب المصابيح، قال ابن بري: هو خبر إن واسمها محذوف،
ومن أمن الناس صفته، والمعنى أن رجلاً أو إنسانًا من أمنّ
الناس عليّ، ومن زائدة على رأي الكسائي وهو ضعيف، وحمله
على حذف ضمير الشأن حمل على الشذوذ، ولو قيل بأن إنّ بمعنى
نعم وأبو بكر مبتدأ وما قبله خبره لاستقام من غير شذوذ ولا
ضعف انتهى. أو هو على مذهب من جوّز أن يقال عليّ بن أبو
طالب. قاله الكرماني.
وفي حديث ابن عباس عند الطبراني رفعه: "ما أحد أعظم عندي
يدًا من أبي بكر واساني بنفسه وماله وأنكحني ابنته". وفي
حديث ملاك بن دينار عند ابن عساكر عن أنس رفعه: "إن أعظم
الناس علينا منًّا أبو بكر زوّجني ابنته وواساني بنفسه وأن
خير المسلمين مالاً أبو بكر أعتق منه بلالاً وحملني إلى
دار الهجرة". وعند ابن حبان عن عائشة قال: أنفق أبو بكر
على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعين ألف
درهم.
(ولو كنت متخذًا خليلاً) من الناس (غير ربي لاتخذت) منهم
(أبا بكر خليلاً) لأنه أهل لذلك لولا المانع فإن خلة
الرحمن تعالى لا تسع مخالة شيء غيره أصلاً، وسقطت لفظة
خليلاً الثانية من اليونينية وثبتت في فرعها التنكزي (ولكن
أخوّة الإسلام ومودته) أي مودة الإسلام أي حاصلة. وفي حديث
ابن عباس الآتي بعد باب إن شاء الله تعالى أفضل، وفيه
إشكال يذكر في موضعه إن شاء الله تعالى. (لا يبقين) بنون
التأكيد المشددة (في المسجد باب) رفع على الفاعلية والنهي
راجع للمكلفين لا إلى الباب فكني بعدم البقاء عن عدم
الإبقاء لأنه لازم له كأنه قال: لا يبقيه أحد حتى لا يبقى
(إلاًّ) بابًا (سدّ) فحذف المستثنى والفعل صفته (إلاّ باب
أبي بكر) بنصب باب على الاستثناء أو برفعه على البدل وهو
استثناء مفرغ، والمعنى لا تبقوا بابًا غير مسدود إلا باب
أبي بكر فاتركوه بغير سدّ. قيل: وفيه تعريض بالخلافة لأن
ذلك إن أريد به الحقيقة فذاك لأن أصحاب المنازل الملاصقة
للمسجد كان لهم الاستطراق منها إلى المسجد فأمر بسدها سوى
خوخة أبي بكر تنبيهًا للناس على الخلافة لأنه يخرج منها
إلى المسجد للصلاة وإن أريد به المجاز فهو كناية عن
الخلافة، وسدّ أبواب المقالة دون التطرق والتطلع إليها.
قال التوربشتي: وأرى المجاز أقوى إذ لم يصح عندنا أن أبا
بكر كان له منزل بجنب المسجد، وإنما كان منزله بالسنح من
عوالي المدينة انتهى. وتعقبه في الفتح بأنه استدلال ضعيف
لأنه لا يلزم من كون منزله كان بالسنح أن لا يكون له دار
مجاورة للمسجد، ومنزله الذي كان بالسنح هو منزل أصهاره من
الأنصار، وقد كان له إذ ذاك زوجة أخرى وهي أسماء بنت عميس
بالاتفاق، وقد ذكر عمر بن شبة في أخبار المدينة أن دار أبي
بكر التي أذن له في إبقاء الخوخة منها إلى المسجد كانت
ملاصقة للمسجد، ولم تزل بيد أبي بكر حتى احتاج إلى شيء
يعطيه لبعض من وفد عليه فباعها فاشترتها منه أم المؤمنين
حفصة بأربعة آلاف درهم، وقد وقع في حديث سعد بن أبي وقاص
عند أحمد والنسائي بإسناد قوي أمر رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسدّ الأبواب الشارعة في
المسجد وترك باب علي.
وفي رواية للطبراني في الأوسط برجال ثقات من الزيادة
فقالوا: يا رسول الله سددت أبوابها فقال: "ما أنا
(6/84)
سددتها ولكن الله سدها". ونحوه عند أحمد
والنسائي والحاكم ورجاله ثقات عن زيد بن أرقم وابن عباس
وزاد: فكان يدخل المسجد وهو جنب ليس له طريق غيره، رواه
أحمد والنسائي ورجاله ثقات، ونحوه من حديث جابر بن سمرة
عند الطبراني.
وبالجملة فهي كما قاله الحافظ ابن حجر أحاديث يقوّي بعضها
بعضًا وكل طريق منها صالح للاحتجاج فضلاً عن مجموعها، لكن
ظاهرها يعارض حديث الباب والجمع بينهما بما دل عليه حديث
أبي سعيد عند الترمذي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال لعلي: "لا يحل لأحد أن يطرق هذا المسجد
غيري وغيرك". والمعنى أن باب عليّ كان إلى جهة المسجد ولم
يكن لبيته باب غيره، فلذلك لم يأمر بسدّه، ومحصل الجمع أن
الأمر بسدّ الأبواب وقع مرتين، ففي الأولى استثنى عليا لما
ذكر، وفي الأخرى استثنى أبا بكر، ولكن لا يتم ذلك إلا بأن
يحمل ما في قصة عليّ على الباب الحقيقي، وما في قصة أبي
بكر على الباب المجازي، والمراد به الخوخة كما صرح به في
بعض طرقه، وكأنهم لما أُمروا بسدّ الأبواب سدّوها، وقد صرح
أبو بكر الكلاباذي في معاني الأخبار بأن باب بيت أبي بكر
كان له باب من خارج المسجد وخوخة إلى داخل المسجد وبيت علي
لم يكن له باب إلا من داخل المسجد انتهى ملخصًا من فتح
الباري.
4 - باب فَضْلِ أَبِي بَكْرٍ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب فضل أبي بكر بعد) فضل (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) والمراد بالبعدية هنا الزمانية أما
البعدية في الرتبة فيقال فيها الأفضل بعد الأنبياء أبو
بكر، وقد أطبق السلف على أنه أفضل الأمة. حكى الشافعي
وغيره إجماع الصحابة والتابعين على ذلك.
3655 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ:
"كُنَّا نُخَيِّرُ بَيْنَ النَّاسِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنُخَيِّرُ أَبَا
بَكْرٍ، ثُمَّ
عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، ثُمَّ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ
-رضي الله عنهم-". [الحديث: 3655 - طرفه في: 3697].
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال:
(حدّثنا سليمان) بن بلال (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن
نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه
(قال: كنا نخيّر بين الناس في زمن النبي) ولأبي ذر: في
زمان رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بأن
نقول فلان خير من فلان (فنخير) فنفضل (أبا بكر) على جميع
البشر بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام (ثم) نفضل بعده
(عمر بن الخطاب) بعد عمر (عثمان بن عفان -رضي الله عنهم-)
وسقط لفظ ابن الخطاب وابن عفان ولأبي ذر: زاد في رواية
عبيد الله بن عمر عن نافع في مناقب عثمان، ثم نترك أصحاب
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا نفاضل
بينهم، وزاد الطبراني في رواية فيسمع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك فلا ينكره ولا يلزم من
سكوتهم إذ ذاك عن تفضيل عليّ عدم تفضيله.
وفي بعض طرق الحديث عند ابن عساكر عن عبد الله بن يسار عن
سالم عن ابن عمر قال: إنكم لتعلمون أنا كنا نقول على عهد
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أبو بكر
وعمر وعثمان وعليّ يعني في الخلافة كذا في أصل الحديث،
ففيه تقييد الخيرية المذكورة والأفضلية بما يتعلق
بالخلافة، فقد أطبق السلف على خيريتهم عند الله على هذا
الترتيب كخلافتهم، وذهب بعض السلف إلى تقديم علّي على
عثمان، وممن قال به سفيان الثوري لكن قيل: إنه رجع، وقال
مالك في المدونة، وتبعه يحيى بن القطان وغيره لا يفضل
أحدهما على الآخر، وقالت الشيعة وكثير من المعتزلة الأفضل
بعد النبي عليّ.
وهذا الحديث من أفراده ورجال إسناده مدنيون.
5 - باب قَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً» قَالَهُ
أَبُو سَعِيدٍ
(باب قول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لو
كنت متخذًا خليلاً) (قاله أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه-
عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الباب
السابق.
3656 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَلَوْ كُنْتُ
مُتَّخِذًا خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ
أَخِي وَصَاحِبِي».
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي الأزدي
مولاهم قال: (حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد بن
عجلان البصري قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن عكرمة)
مولى ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال).
(لو كنت متخذًا من أمتي خليلاً) أرجع إليه في الحاجات
وأعتمد عليه في المهمات (لاتخذت أبا بكر) وإنما الذي ألجأ
إليه وأعتمد في جملة الأمور عليه هو الله تعالى، وسقط
قوله: من أمتي لأبي ذر (ولكن) بتخفيف النون أبو بكر (أخي)
في الإسلام (وصاحبي) في الغار والدار، وهو استدراك على
مضمون الجملة الشرطية كأنه
(6/85)
قال: ليس بيني وبينه خلة ولكن أخوّة في
الإسلام فنفى الخلة المنبئة عن الحاجة وأثبت الإخاء
المقتضي للمساواة قاله البيضاوي.
3657 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أسدٍ وَمُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ التَّبوذكيُّ قَالاَ حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ
عَنْ أَيُّوبَ قَالَ: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلاً
لاَتَّخَذْتُهُ خَلِيلاً، وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلاَمِ
أَفْضَلُ».
حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ عَنْ
أَيُّوبَ ... مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي البصري وسقط ابن أسد
لغير أبي ذر (وموسى) من غير نسبة ولأبي ذر موسى بن إسماعيل
التنوخي كذا في الفرع وأصله عن أبي ذر التنوخي بالخاء
المعجمة. قال الحافظ ابن حجر: وهو تصحيف والصواب التبوذكي
(قالا: حدّثنا وهيب) هو ابن خالد (عن أيوب) هو السختياني
أي عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقال):
(لو كنت متخذًا خليلاً لاتخذته) يعني أبا بكر (خليلاً ولكن
أخوّة الإسلام أفضل) فزاد لفظ أفضل، وكذا عند الطبراني من
طريق عبد الله بن تمام عن خالد الحذاء ولفظه: "ولكن أخوة
الإيمان والإسلام أفضل" قاله في الفتح.
واستشكل بأن الخلة أفضل من أخوّة الإسلام فإنها تستلزم ذلك
وزيادة. وأجيب: بأن المراد أن مودة الإسلام مع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أفضل من مودته مع
غيره. قال: ولا يعكر على هذا اشتراك جميع الصحابة في هذه
الفضيلة فإن رجحان أبي بكر عرف من غير ذلك وأخوّة الإسلام
ومودته متفاوتة بين المسلمين في نصر الدين وإعلاء كلمة
الحق وتحصيل كثرة الثواب، ولأبي بكر من ذلك أكثره وأعظمه.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الوهاب)
الثقفي (عن أيوب) السختياني (مئله) أي مثل الحديث السابق.
3658 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ أَخْبَرَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: كَتَبَ أَهْلُ الْكُوفَةِ
إِلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ فِي الْجَدِّ، فَقَالَ: أَمَّا
الَّذِي قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا مِنْ هَذِهِ
الأُمَّةِ خَلِيلاً لاَتَّخَذْتُهُ، أَنْزَلَهُ أَبًا،
يَعْنِي أَبَا بَكْرٍ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (أخبرنا)
ولأبي ذر: حدّثنا (حماد بن زيد) بن درهم الجهضمي (عن أيوب)
السختياني (عن عبد الله بن أبي مليكة) بضم الميم مصغرًا
أنه (قال: كتب أهل الكوفة) أي بعضهم وهو عبد الله بن عتبة
بن مسعود، وكان ابن الزبير
جعله على قضاء الكوفة كما أخرجه أحمد (إلى ابن الزبير) عبد
الله (في) مسألة (الجد) وميراثه (فقال): ابن الزبير مجيبًا
لابن عتبة (أما الذي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيه.
(لو كنت متخذًا من هذه الأمة خليلاً لاتخذته) فإنه (أنزله
أبًا) أي أنزل الجد منزلة الأب في استحقاقه الميراث، وفيه
أنه أفتاهم بمثل قول أبي بكر. وسيأتي إن شاء الله تعالى
مزيد لذلك في باب ميراث الجد مع الأخوة من كتاب الفرائض
(يعني) ابن الزبير بالذي أنزل الجد أبًا (أبا بكر) الصديق،
والغرض منه هنا قوله: لو كنت متخذًا خليلاً، وقد أشعر هذا
بأن درجة الخلة أرفع من درجة المحبة، وقد ثبتت محبته
لجماعة من أصحابه كأبي بكر وفاطمة، ولا يعكر عليه اتصاف
إبراهيم بالخلة ومحمد بالمحبة فتكون المحبة أرفع من رتبة
الخلة إذ محمد عليه الصلاة والسلام قد ثبتت له الخلة أيضًا
كما في حديث ابن مسعود عند مسلم: وقد اتخذ الله صاحبكم
خليلاً.
وأما ما ذكره القاضي عياض في الشفاء من الاستدلال لتفضيل
مقام المحبة على الخلة بأن الخليل قال: لا تخزين والحبيب
قيل له: يوم لا يخزي الله النبي إلى غير ذلك مما ذكره ففيه
نظر، لأن مقتضى الفرق بين الشيئين أن يكونا في حدّ ذاتهما
يعني باعتبار مدلول خليل وحبيب فما ذكره يقتضي تفضيل ذات
محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذات إبراهيم
عليه الصلاة والسلام من غير نظر إلى ما جعله علة معنوية في
ذلك من وصف المحبة والخلة، فالحق أن الخلة أعلى وأكمل
وأفضل من المحبة، ثمّ إن قوله عليه الصلاة والسلام: "لو
كنت متخذًا خليلاً غير ربي" يشعر بأنه لم يكن له خليل من
بني آدم.
وأما ما أخرجه أبو الحسن الحرب في فوائده من حديث أبيّ بن
كعب قال: إن أحدث عهدي بنبيكم قبل موته بخمس دخلت عليه وهو
يقول: "إنه لم يكن نبي إلاّ وقد اتخذ من أمته خليلاً وإن
خليلي أبو بكر فإن الله عز وجل اتخذني خليلاً كما اتخذ
إبراهيم خليلاً". فهو معارض بحديث جندب عند مسلم أنه سمع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول قبل موته
بخمس: "إني أبرأ إلى الله عز وجل أن يكون لي منكم خليل".
والذي في الصحيح لا يقاومه غيره، وعلى تقدير ثبوت حديث
أبيّ -رضي الله عنه- فيمكن الجمع بينهما بأنه إنما برئ من
ذلك تواضعًا لربه وإعظامًا
(6/86)
له ثم أذن الله له فيه في ذلك اليوم لما
رأى من تشوّقه إليه وإكرامًا لأن بكر -رضي الله عنه- بذلك
وحينئذ فلا تنافي بين الخبرين. قاله في الفتح.
وهذا الحديث من أفراده، وفي بعض النسخ هنا وهو ثابت في
اليونينية مرقوم عليه علامة السقوط لأبي ذر.
هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة فهو كالفصل من سابقه.
3659 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ قَالاَ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: "أَتَتِ امْرَأَةٌ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَمَرَهَا أَنْ تَرْجِعَ
إِلَيْهِ، قَالَتْ:
أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ وَلَمْ أَجِدْكَ -كَأَنَّهَا
تَقُولُ الْمَوْتَ- قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِنْ لَمْ تَجِدِينِي فَأْتِي أَبَا بَكْرٍ».
[الحديث 3659 - طرفاه في: 7220، 7360].
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي
(ومحمد بن عبد الله) بفتح العين غير مصغر في الفرع ابن
حوشب الطائفي وقال العيني: ابن عبيد الله أي بضم العين
مصغرًا وكذا هو في اليونينية والناصرية وفرع آقبغًا وهو
عبيد الله بن محمد بن زيد القرشي الأموي يعني مولى عثمان
بن عفان وهو سهو (قالا: حدّثنا إبراهيم بن سعد) ثبت ابن
سعد لأبي ذر (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن
عوف (عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه) جبير أنه (قال: أتت
امرأة) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمها (النبي)
ولأبي ذر: إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) زاد في باب الاستخلاف من كتاب الأحكام فكلمته
في شيء ولم يسم ذلك الشيء (فأمرها أن ترجع إليه قالت:
أرأيت) أي يخبرني وفي الاعتصام فكلمته في شيء فأمرها بأمر
فقالت: أرأيت يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (إن جئت ولم أجدك) قال: جبير بن مطعم أو من
بعده (كأنها تقول الموت) أي إن جئت فوجدتك قد مت ماذا
أفعل؟ (قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): ولغير
أبي ذر كما في اليونينية قال عليه الصلاة والسلام:
(إن لم تجديني فأتي أبا بكر) قال ابن بطال: استدلّ النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بظاهر قولها إن لم
أجدك أنها أرادت الموت فأمرها بإتيان أبي بكر. قال: وكأنه
اقترن بسؤالها حاله أفهمت ذلك وإن لم تنطق به.
قال في الفتح: وإلى ذلك وقعت الإشارة بقوله: كأنها تقول
الموت، وفي الأحكام كأنها تريد الموت، وفي الاعتصام كأنها
تعني الموت، لكن قولها: فإن لم أجدك أعم في النفي من حال
الحياة وحال الموت، ودلالته لها على أبي بكر مطابقة لذلك
العموم، وفيه الإشارة إلى أن أبا بكر هو الخليفة بعد النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا يعارض هذا جزم
عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم
يستخلف لأن مراده نفي النص على ذلك صريحًا.
وفي الطبراني حديث قلنا يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-إلى من ندفع صدقات أموالنا بعدك؟ قال:
"إلى أبي بكر الصديق" وهذا لو ثبت كان أصرح من حديث الباب
في الإشارة إلى أن الخليفة بعده أبو بكر لكن إسناده ضعيف.
3660 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الطَّيِّبِ
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُجَالِدٍ حَدَّثَنَا
بَيَانُ بْنُ بِشْرٍ عَنْ وَبَرَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ عَنْ هَمَّامٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَمَّارًا
يَقُولُ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا مَعَهُ إِلاَّ خَمْسَةُ
أَعْبُدٍ وَامْرَأَتَانِ وَأَبُو بَكْرٍ". [الحديث 3660 -
طرفه في: 3857].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (أحمد بن أبي الطيب) سليمان
المروزي البغدادي الأصل وصفه أبو زرعة بالحفظ وضعفه أبو
حاتم، لكن ليس له في البخاري إلا هذا الحديث، وقد أخرجه من
رواية غيره في إسلام أبي بكر قال: (حدّثنا إسماعيل بن
مجالد) بضم الميم وفتح الجيم الهمداني
الكوفي قوّاه يحيى بن معين وجماعة ولينه بعضهم وليس له في
البخاري غير هذا الحديث قال:
(حدّثنا بيان بن بشر) بالموحدة والتحتية المفتوحتين وبعد
الألف نون وبشر بكسر الموحدة وسكون المعجمة الأحمسي
بالمهملتين (عن وبرة بن عبد الرحمن) بفتح الواو والموحدة
والراء بوزن شجرة الحرثي (عن همام) بفتح الهاء وتشديد
الميم الأولى ابن الحرث النخعي الكوفي أنه (قال: سمعت
عمارًا) هو ابن ياسر -رضي الله عنه- (يقول: رأيت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما معه) ممن أسلم
معه (إلا خمسة أعبُد) بلال وزيد بن حارثة وعامر بن فهيرة
وأبو فكيهة مولى صفوان بن أمية بن خلف وعبيد بن زيد
الحبشي، وذكر بعضهم عمار بن ياسر بدل أبي فكيهة (وامرأتان)
خديجة أم المؤمنين وأم أيمن أو سمية (وأبو بكر) الصديق
وكان أول من أسلم من الأحرار البالغين -رضي الله عنه-.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في إسلام أبي بكر وفيه ثلاثة من
التابعين.
3661 - حَدَّثَنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا
صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ وَاقِدٍ
عَنْ بُسْرِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ عَائِذِ اللَّهِ
أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ -رضي الله عنه-
قَالَ: «كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ أَقْبَلَ أَبُو بَكْرٍ
آخِذًا بِطَرَفِ ثَوْبِهِ حَتَّى أَبْدَى عَنْ رُكْبَتِهِ،
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أَمَّا صَاحِبُكُمْ فَقَدْ غَامَرَ، فَسَلَّمَ وَقَالَ:
يَا رَسُولَ الله، إِنِّي كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ ابْنِ
الْخَطَّابِ شَىْءٌ، فَأَسْرَعْتُ إِلَيْهِ ثُمَّ
نَدِمْتُ، فَسَأَلْتُهُ أَنْ يَغْفِرَ لِي فَأَبَى
عَلَيَّ، فَأَقْبَلْتُ إِلَيْكَ. فَقَالَ: يَغْفِرُ
اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ (ثَلاَثًا). ثُمَّ إِنَّ
عُمَرَ نَدِمَ، فَأَتَى مَنْزِلَ أَبِي بَكْرٍ فَسَأَلَ:
أَثَمَّ أَبُو بَكْرٍ؟ فَقَالُوا: لاَ. فَأَتَى إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَعَلَ
وَجْهُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَتَمَعَّرُ، حَتَّى أَشْفَقَ أَبُو بَكْرٍ فَجَثَا عَلَى
رُكْبَتَيْهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ
أَنَا كُنْتُ أَظْلَمَ (مَرَّتَيْنِ). فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ اللَّهَ
بَعَثَنِي إِلَيْكُمْ، فَقُلْتُمْ: كَذَبْتَ، وَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: صَدَقَ، وَوَاسَانِي بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ،
فَهَلْ أَنْتُمْ تَارِكُو لِي صَاحِبِي؟ (مَرَّتَيْنِ).
فَمَا أُوذِيَ بَعْدَهَا». [الحديث 3661 - طرفه في: 4640].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (هشام بن
عمار) أبو الوليد السلمي الدمشقي قال: (حدّثنا صدقة بن
خالد) الأموي مولاهم أبو العباس الدمشقي قال: (حدّثنا زيد
بن واقد) بكسر القاف الدمشقي الثقة وليس له في البخاري إلا
هذا الحديث (عن بسر بن عبيد الله) بضم
(6/87)
الموحدة وسكون السين وعبيد الله بضم العين
مصغرًا الحضرمي الشامي (عن عايذ الله) بالذال المعجمة (أبى
إدريس) بن عبد الله الخولاني بالخاء المعجمة المفتوحة (عن
أبي الدرداء) عويمر بضم العين مصغرًا آخره راء ابن زيد بن
قيس الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت جالسًا عند
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ أقبل أبو
بكر) حال كونه (آخذًا بطرف ثوبه حتى أبدى) بألف بعد الدال
من غير همز أي أظهر (عن ركبته) بالإفراد وفيه أن الركبة
ليست عورة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) لما رآه:
(أما) بالتشديد (صاحبكم) يعني أبا بكر، ولأبي ذر عن
الكشميهني: صاحبك بالإفراد يخاطب أبا الدرداء (فقد غامر)
بغين معجمة مفتوحة وبعد الألف ميم مفتوحة أيضًا فراء أي
خاصم
ولابس الخصومة وقسيم أما صاحبكم محذوف تقديره نحو قوله:
وأما غيره فلا أعلمه (فسلم) -رضي الله عنه- على النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وقال: يا رسول الله
انه كان بيني وبين ابن الخطاب) عمر -رضي الله عنه- (شيء)
في التفسير محاورة بالحاء المهملة أي مراجعة، وعند أبي
يعلى من حديث أبي أمامة معاتبة (فأسرعت إليه ثم ندمت) على
ذلك (فسألته أن يغفر لي) ما وقع مني (فأبى عليّ). وعند أبي
نعيم في الحلية من طريق محمد بن المبارك فتبعته إلى البقيع
حتى خرج من داره (فأقبلت إليك فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (يغفر الله لك يا أبا بكر ثلاثًا) أي
أعاد هذه الكلمات يغفر الله لك ثلاث مرات.
(ثم إن عمر) -رضي الله عنه- (ندم) على ذلك (فأتى منزل أبي
بكر) ليزيل ما وقع بينه وبين الصديق (فسأل) أهله (أثمّ أبو
بكر) بفتح الهمزة والمثلثة أي هنا أبو بكر (فقالوا):
مجيبين له (لا، فأتى إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فسلّم عليه فجعل وجه النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتمعر) بالعين المهملة المشددة أي
تذهب نضارته من الغضب، ولأبي ذر: يتمغر بالغين المعجمة
(حتى أشفق) أي خاف (أبو بكر) أن ينال عمر من رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما يكرهه (فجثا)
بالجيم والمثلثة أي برك أبو بكر (على ركبتيه) بالتثنية
(فقال: يا رسول الله والله أنا كنت أظلم) منه في ذلك
(مرتين). قال الكرماني: ظرف لقال أو لكنت وإنما قال ذلك
لأنه الذي بدأ.
(فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن الله
بعثني إليكم، فقلتم كذبت وقال أبو بكر: صدق) بغير تاء في
الفرع كأصله وفي نسخة صدقت (وواساني) ولأبي ذر عن
الكشميهني واساني، وفي نسخة آساني بهمزة بدل الواو والأول
أوجه لأنه من المواساة (بنفسه وماله فهل أنتم تاركو لي
صاحبي) بإضافة تاركو إلى صاحبي، وفصل بين المضاف والمضاف
إليه بالجار والمجرور عناية بتقديم لفظ الإضافة، وفي ذلك
جمع بين إضافتين إلى نفسه تعظيمًا للصديق، ونظيره قراءة
ابن عامر: {وكذلك زين لكثير من المشركين قتل أولادهم
شركائهم} [الأنعام: 137]. بنصب أولادهم وخفض شركائهم وفصل
بين المضافين بالمفعول.
ومباحث ذلك ذكرتها في كتاب القراءات الأربع عشرة، وفي
التفسير هل أنتم تاركون؟ بالنون. قال أبو البقاء: وهي
الوجه لأن الكلمة ليست مضافة لأن حرف الجر منع الإضافة
وربما يجوز حذف النون في موضع الإضافة ولا إضافة هنا. قال
والأشبه أن حذفها من غلط الرواة انتهى.
ولا ينبغي نسبة الرواة إلى الخطأ مع ما ذكر وورود أمثلة
لذلك (مرتين) أي قال: هل أنتم تاركو لي صاحبي مرتين. (فما
أوذي) أبو بكر (بعدها) أي بعد هذه القصة لما أظهره النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من تعظيمه.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير وهو من أفراده.
3662 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ الْمُخْتَارِ قَالَ خَالِدٌ الْحَذَّاءُ
حَدَّثَنَا عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: «حَدَّثَنِي
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَهُ عَلَى
جَيْشِ ذَاتِ السَّلاَسِلِ، فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ
النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ. فَقُلْتُ
مِنَ الرِّجَالِ؟ فَقَالَ: أَبُوهَا. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟
قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَعَدَّ رِجَالاً».
[الحديث 3662 - طرفه في: 4358].
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) العمي قال: (حدّثنا عبد
العزيز بن المختار) الأنصاري الدباغ (قال خالد الحذاء)
بالحاء المهملة والذال المعجمة ممدودًا (حدّثنا) هو من
تقديم الاسم على الصفة (عن أبي عثمان) النهدي أنه (قال:
حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عمرو بن العاص -رضي
الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بعثه على جيش ذات السلاسل) بفتح السين المهملة الأولى وكسر
الثانية سنة سبع قال عمرو: (فأتيته
(6/88)
فقلت) وقع عند ابن سعد أنه وقع في نفس عمرو
لما أمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
على الجيش في هذه الغزوة، وفيهم أبو بكر وعمر أنه مقدم
عنده في المنزلة عليهم فسأله فقال: يا رسول الله (أي الناس
أحب إليك؟ قال): عليه الصلاة والسلام:
(عائشة). قال عمرو: (فقلت من الرجال؟ فقال): عليه الصلاة
والسلام (أبوها) أبو بكر (فقلت: ثم من؟) أحب إليك بعده
(قال): عليه الصلاة والسلام (ثم عمر بن الخطاب فعدّ
رجالاً) زاد في المغازي من وجه آخر فسكتّ مخافة أن يجعلني
في آخرهم.
وفي حديث عبد الله بن شقيق عند الترمذي وصححه من حديث
عائشة قلت لعائشة: أيّ أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أحبّ إليه؟ قالت: أبو بكر، وفي
آخره قالت: أبو عبيدة عامر بن الجراح. قال في الفتح: فيمكن
أن يفسر بعض الرجال الذين أبهموا في حديث الباب بأبي
عبيدة.
وحديث الباب أخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الفضائل،
والترمذي والنسائي في المناقب.
3663 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ عَوف أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي
الله عنه- قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بَيْنَمَا رَاعٍ
فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيْهِ الذِّئْبُ فَأَخَذَ شَاةً،
فَطَلَبَهُ الرَّاعِي، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ
فَقَالَ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ، يَوْمَ لَيْسَ
لَهَا رَاعٍ غَيْرِي؟ وَبَيْنَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً
قَدْ حَمَلَ عَلَيْهَا، فَالْتَفَتَتْ إِلَيْهِ
فَكَلَّمَتْهُ فَقَالَتْ: إِنِّي لَمْ أُخْلَقْ لِهَذَا،
وَلَكِنِّي خُلِقْتُ لِلْحَرْثِ. فَقَالَ النَّاسُ:
سُبْحَانَ اللَّهِ، قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ وَأَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. -رضي الله عنهما-».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن بن
عوف) ثبت اسم الجد لأبي ذر (أن أبا هريرة -رضي الله عنه-
قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول):
(بينما) بالميم (راع) لم يسم (في غنمه عدا عليه الذئب)
بالعين والدال المهملتين خبر المبتدأ الذي هو راع الموصوف
بقوله في غنمه (فأخذ منها شاة فطلبه الراعي) ليأخذها منه
(فالتفت إليه الذئب فقال): له (من لها) أي للغنم (يوم
السبع) بضم الموحدة وقيل بسكونها (يوم ليس لها) عند الفتن
حين يتركها الناس هملاً (راع) يرعاها (غيري) وقيل غير ذلك
مما سبق في حديث بني إسرائيل (وبينا) بغير ميم ولأبي ذر:
وبينما بالميم (رجل) لم يسم (يسوق بقرة قد حمل عليها)
بتخفيف الميم وفي بني إسرائيل يسوق بقرة إذ ركبها فضربها
(فالتفتت إليه فكلمته فقالت إني لم أخلق لهذا) التحميل
(ولكني) سقطت الواو لأبوي ذر والوقت (خلقت للحرث) وفي بني
إسرائيل فقالت: إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث والحصر
في ذلك غير مراد اتفاقًا (قال): ولأبي ذر: فقال (الناس):
متعجبين (سبحان الله) زاد في بني إسرائيل بقرة تتكلم
(فقال): كذا في الفرع وفي اليونينية قال (النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فإني أؤمن بذلك) النطق
الصادر من البقرة والفاء فيه جوابًا لشرط محذوف تقديره
فإذا كان الناس يتعجبون منه ويستغربونه فإني لا أتعجب منه
ولا أستغربه وأؤمن به أنا (وأبو بكر وعمر بن الخطاب -رضي
الله عنهما-) وسقط ابن الخطاب لأبي ذر، وزاد في بني
إسرائيل وما هما ثم وعند ابن حبان من طريق محمد بن عمر عن
أبي سلمة عن أبي هريرة في آخره في القصتين فقال الناس:
آمنا بما آمن به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وسبق حديث الباب في المزارعة وبني إسرائيل.
3664 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ
الْمُسَيَّبِ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُنِي
عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ، فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا
شَاءَ اللَّهُ. ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ
فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ
ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفَهُ. ثُمَّ
اسْتَحَالَتْ غَرْبًا فَأَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ،
فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ
عُمَرَ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ». [الحديث 3664 -
أطرافه في: 7021، 7022، 7475].
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة
العابد قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي (عن
يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن المسيب) سعيد أنه (سمع
أبا هريرة -رضي الله عنه- قال): ولأبي ذر: يقول (سمعت رسول
الله) كذا في الفرع وفي اليونينية النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيتني على قليب) بئر مقلوب
ترابها قبل الطي (عليها دلو فنزعت منها) من البئر (ما شاء
الله ثم أخذها) أي الدلو (ابن أبي قحافة) أبو بكر الصديق
-رضي الله عنهما- (فنزع منها) أي أخرج الماء من القليب
(ذنوبًا أو ذنوبين) بفتح المعجمة فيهما الدلو الممتلئ
والشك
من الراوي (وفي نزعه ضعف والله يغفر له ضعفه) وليس فيه حط
من مرتبته، وإنما هو إخبار عن حاله في قصر مدة خلافته
والاضطراب الذي وجد في زمانه من أهل الردة فزارة وغطفان
وبني سلمة وبني يربوع وبعض بني تميم وكندة وبكر بن وائل
وأتباع مسيلمة الكذاب وإنكار بعض الزكاة فدعا له عليه
الصلاة والسلام
(6/89)
بالمغفرة ليتحقق السامعون أن الضعف الذي
وجد في نزعه من مقتض تغيير الزمان وقلة الأعوان لا أن ذلك
منه -رضي الله عنه- لكن نسبه إليه إطلاقًا لاسم المحل على
الحال وهو مجاز شائع في كلام العرب (ثم استحالت) أي تحولت
الدلو (غربًا) بفتح الغين المعجمة وبعد الراء الساكنة
موحدة دلوا عظيمة (فأخدها ابن الخطاب) عمر -رضي الله عنه-
(فلم أر عبقريًا) أي سيدًا عظيمًا قويًا يقال هذا عبقري
القوم كما يقال سيدهم وكبيرهم وقويهم، وقيل الأصل أن عبقر
قرية يسكنها الجن فيما يزعمون فكلما رأوا شيئًا فائقًا
غريبًا مما يصعب عمله ويدق أو شيئًا عظيمًا في نفسه نسبوه
إليها ثم اتسع فيه فسمي به السيد الكبير والقوي وهو المراد
هنا (من الناس ينزع نزع عمر) وفي رواية أبي يونس فلم أر
نزع رجل قط أقوى منه (حتى ضرب الناس بعطن) بفتح المهملتين
آخره نون ما يعد للشرب حول البئر من مبارك الإبل، وعند ابن
أبي شيبة في مناقب عمر: حتى روي الناس وضربوا بعطن، وفي
رواية همام فلم يزل ينزع حتى تولى الناس والحوض يتفجر وفيه
إشارة إلى طول مدة خلافة عمر وكثرة انتفاع الناس بها.
وهذا الحديث قد سبق ويأتي إن شاء الله تعالى في كتاب
التعبير.
3665 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ
سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ جَرَّ
ثَوْبَهُ خُيَلاَءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ أَحَدَ شِقَّيْ
ثَوْبِي يَسْتَرْخِي، إِلاَّ أَنْ أَتَعَاهَدَ ذَلِكَ
مِنْهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «إِنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذَلِكَ خُيَلاَءَ»
قَالَ مُوسَى: فَقُلْتُ لِسَالِمٍ أَذَكَرَ عَبْدُ
اللَّهِ: «مَنْ جَرَّ إِزَارَهُ»؟ قَالَ: لَمْ أَسْمَعْهُ
ذَكَرَ إِلاَّ «ثَوْبَهُ». [الحديث 3665 - أطرافه في:
5783، 5791، 6062].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة
قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا موسى بن
عقبة) الإمام في المغازي (عن سالم بن عبد الله عن) أبيه
(عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من جرّ ثوبه خيلاء) أي لأجل الخيلاء أي كبرًا (لم ينظر
الله إليه) نظر رحمة (يوم القيامة. فقال أبو بكر: إن أحد
شقي) بكسر المعجمة أي جانبي (ثوبي يسترخي) بالخاء المعجمة
وكان سبب استرخائه نحافة جسم أبي بكر -رضي الله عنه- (إلا
أن أتعاهد ذلك منه) أي إذا غفلت عنه استرخى (فقال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنك لست تصنع
ذلك خيلاء) فيه أنه لا حرج على من انجرّ إزاره بغير قصد
مطلقًا وهل كراهة ذلك للتحريم أو للتنزيه فيه خلاف.
(قال موسى) بن عقبة بالسند السابق (فقلت لسالم) هو ابن عبد
الله بن عمر (أذكر) فعل ماض والهمزة للاستفهام (عبد الله)
أي أبوه (من جرّ إزاره؟ قال): سالم (لم أسمعه ذكر إلاّ
ثوبه).
ومباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى في اللباس بعون الله
وقوته.
3666 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حُمَيْدُ بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ
مِنْ شَىْءٍ مِنَ الأَشْيَاءِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ دُعِيَ
مِنْ أَبْوَابِ -يَعْنِي الْجَنَّةَ- يَا عَبْدَ اللَّهِ
هَذَا خَيْرٌ. فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ
مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ
الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ، وَمَنْ كَانَ
مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ،
وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ
الصِّيَامِ وَبَابِ الرَّيَّانِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
مَا عَلَى هَذَا الَّذِي يُدْعَى مِنْ تِلْكَ الأَبْوَابِ
مِنْ ضَرُورَةٍ. وَقَالَ: هَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا
أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَأَرْجُو
أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ يَا أَبَا بَكْرٍ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا)
ولأبي ذر: أخبرنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد
بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (حميد بن عبد
الرحمن بن عوف أن أبا هريرة) -رضي الله عنه- (قال: سمعت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(من أنفق زوجين) أي شيئين (من شيء من الأشياء) وفسر في بعض
الأحاديث ببعيرين شاتين درهمين. قال التوربشتي: ويحتمل أن
يراد به تكرار الإنفاق مرة بعد أخرى. قال الطيبي: وهذا هو
الوجه إذا حملت التثنية على التكرير لأن القصد من الإنفاق
التثبيت من الأنفس بإنفاق كرائم الأموال والمواظبة على ذلك
كما قال تعالى: {ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة
الله وتثبيتًا من أنفسهم} [البقرة: 265]. أي ليثبتوا ببذل
المال الذي هو شقيق الروح وبذله أشق شيء على النفس من سائر
العبادات الشاقة (في سبيل الله) في طلب ثوابه وهو أعم من
الجهاد وغيره من العبادات أو خاص بالجهاد (دعي من أبواب)
بغير تنوين (يعني الجنة) والظاهر أن لفظ الجنة سقط عند بعض
الرواة فلمراعاة المحافظة زاد يعني (يا عبد الله هذا خير)
أي من الخيرات وليس المراد به أفعل التفضيل (فمن كان من
أهل الصلاة) المؤدين لفرائضها المكثرين من نوافلها (دعي من
باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن
كان من أهل الصدقة) المكثرين منها (دعي من باب الصدقة، ومن
كان من أهل الصيام) المكثرين منه (دعي من باب الصيام وباب
الريان) وسقطت الواو من بعض النسخ فيكون باب بدلاً أو
بيانًا (فقال أبو بكر: ما على هذا الذي يدعى من تلك
الأبواب من ضرورة؟) قال المظهري: ما نفي
(6/90)
ومن في من ضرورة زائدة أي ليس ضرورة على من
دعي من تلك الأبواب إذ لو دعي من باب واحد لحصل مراده وهو
دخول الجنة مع أنه لا ضرورة عليه أن يدعى من جميع الأبواب.
(وقال): أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- (هل يدعي منها كلها
أحد يا رسول الله؟
قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولأبي ذر:
فقال (نعم) يدعى منها كلها على سبيل التخيير في الدخول من
أيها شاء لاستحالة الدخول من الكل معًا (وأرجو أن تكون
منهم يا أبا بكر).
والحاصل أن كل من أكثر نوعًا من العبادة خصّ بباب يناسبه
ينادى منه فمن اجتمع له العمل بجميعها دعي من جميع الأبواب
على سبيل التكريم ودخوله إنما يكون من باب واحد وهو باب
العمل الذي يكون أغلب عليه، وأن الصديق من أهل الأعمال
كلها إذ الرجاء منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
واجب وفيه أقوى دليل على فضيلة أبي بكر الصديق رضي الله
تعالى عنه. والحديث سبق في الصوم.
3667 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ
عُرْوَةَ قَالَ أَخْبَرَنِي عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَاتَ وَأَبُو بَكْرٍ
بِالسُّنْحِ -قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يَعْنِي بِالْعَالِيَةِ-
فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا مَاتَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ
وَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ مَا كَانَ يَقَعُ فِي نَفْسِي
إِلاَّ ذَاكَ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللَّهُ فَلَيَقْطَعَنَّ
أَيْدِيَ رِجَالٍ وَأَرْجُلَهُمْ. فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ
فَكَشَفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَبَّلَهُ فَقَالَ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي،
طِبْتَ حَيًّا وَمَيِّتًا، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ
يُذِيقُكَ اللَّهُ الْمَوْتَتَيْنِ أَبَدًا. ثُمَّ خَرَجَ
فَقَالَ: أَيُّهَا الْحَالِفُ، عَلَى رِسْلِكَ. فَلَمَّا
تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ جَلَسَ عُمَرُ".
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال:
حدّثنا سليمان بن بلال) أبو أيوب القرشي التيمي (عن هشام
بن عروة عن) أبيه (عروة بن الزبير) ولأبي ذر: قال (أخبرني)
بالإفراد عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- زوج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مات وأبو بكر) غائب
عند زوجته بنت خارجة الأنصاري (بالسنح) بالسين المهملة
المضمومة والنون الساكنة بعدها حاء مهملة (قال إسماعيل) بن
عبد الله الأويسي المذكور (يعني) ولأبي ذر تعني بالفوقية
بدل التحتية أي عائشة بالسنح (بالعالية) وهي منازل بني
الحرث (فقام عمر) بن الخطاب حال كونه (يقول: والله ما مات
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند أحمد
أن عائشة قالت: جاء عمر والمغيرة بن شعبة فاستأذنا فأذنت
لهما وجذبت الحجاب فنظر عمر إليه فقال: واغشياه ثم قاما
فلما دنوا من الباب قال المغيرة: يا عمر مات. قال: كذبت إن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يموت
حتى يفني الله المنافقين.
الحديث، وهذا قاله عمر بناء على غلبة ظنه حيث أداه اجتهاده
إليه، وفي سيرة ابن إسحاق من طريق ابن عباس أن عمر -رضي
الله عنه- قال له: إن الحامل على هذه المقالة قوله تعالى:
{وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس ويكون
الرسول عليكم شهيدًا} [البقرة: 143].
فظن أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبقى في أمته
حتى يشهد عليها.
(قالت): عائشة (وقال عمر: والله ما كان يقع في نفسي إلا
ذاك) أي عدم موته (وليبعثنه الله) عز وجل في الدنيا
(فليقطعن) بفتح اللام والتحتية وسكون القاف وفتح الطاء،
ولأبي ذر:
فليقطعن بضم التحتية وفتح القاف وكسر الطاء مشددة (أيدي
رجال وأرجلهم) قائلين بموته عليه الصلاة والسلام (فجاء أبو
بكر) -رضي الله عنه- من السنح (فكشف عن) وجه (رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقبّله) بين عينيه
(فقال): وفي اليونيية والفرع قال: وكشط ما قبلها (بأبي أنت
وأمي) أي مفدى بهما فالباء متعلقة بمحذوف (طبت حيًّا
وميّتًا و) الله (الذي نفسي بيده لا يذيقك الله) برفع يذيق
(الموتتين) في الدنيا (أبدًا) ومراده الرد على عمر حيث
قال: إن الله بعثه حتى يقطع أيدي رجال وأرجلهم لأنه لو صح
ما قاله لزم أن يموت موتة أخرى فأشار إلى أنه أكرم على
الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعهما على غيره الذي مرّ
على قرية أو أنه يحيا في قبره ثم لا يموت (ثم خرج) أبو بكر
من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعمر
يكلم الناس (فقال): له (أيها الحالف) أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما مات (على رسلك) بكسر الراء
اتئد في الحلف ولا تستعجل (فلما تكلم أبو بكر جلس عمر) وفي
الجنائز خرج أبو بكر وعمر يكلم الناس فقال: اجلس فأبى.
3668 - "فَحَمِدَ اللَّهَ أَبُو بَكْرٍ وَأَثْنَى عَلَيْهِ
وَقَالَ: أَلاَ مَنْ كَانَ يَعْبُدُ مُحَمَّدًا -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ
مَاتَ، وَمَنْ كَانَ يَعْبُدُ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ
حَىٌّ لاَ يَمُوتُ وَقَالَ: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ
مَيِّتُونَ} [الزمر: 30]. وَقَالَ: {وَمَا مُحَمَّدٌ
إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ
أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى
أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ
يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ
الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]. قَالَ: فَنَشَجَ النَّاسُ
يَبْكُونَ. قَالَ: وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ
بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ فَقَالُوا:
مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، فَذَهَبَ إِلَيْهِمْ
أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَأَبُو
عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ، فَذَهَبَ عُمَرُ
يَتَكَلَّمُ، فَأَسْكَتَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَكَانَ عُمَرُ
يَقُولُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ بِذَلِكَ إِلاَّ أَنِّي
قَدْ هَيَّأْتُ كَلاَمًا قَدْ أَعْجَبَنِي خَشِيتُ أَنْ
لاَ يَبْلُغَهُ أَبُو بَكْرٍ. ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو
بَكْرٍ فَتَكَلَّمَ أَبْلَغَ النَّاسِ، فَقَالَ فِي
كَلاَمِهِ: نَحْنُ الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ الْوُزَرَاءُ.
فَقَالَ حُبَابُ بْنُ الْمُنْذِرِ: لاَ وَاللَّهِ لاَ
نَفْعَلُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ. فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: لاَ، وَلَكِنَّا الأُمَرَاءُ وَأَنْتُمُ
الْوُزَرَاءُ. هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ دَارًا
وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا، فَبَايِعُوا عُمَرَ أَوْ أَبَا
عُبَيْدَةَ. فَقَالَ عُمَرُ: بَلْ نُبَايِعُكَ أَنْتَ،
فَأَنْتَ سَيِّدُنَا وَخَيْرُنَا وَأَحَبُّنَا إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَأَخَذَ عُمَرُ بِيَدِهِ فَبَايَعَهُ وَبَايَعَهُ
النَّاسُ. فَقَالَ قَائِلٌ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ
عُبَادَةَ، فَقَالَ عُمَرُ قَتَلَهُ اللَّهُ".
(فحمد الله أبو بكر وأثنى عليه وقال: ألا) بالتخفيف
للتنبيه على ما يأتي بعد (من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا
قد مات) وسقطت التصلية لأبي ذر (ومن كان يعبد الله فإن
الله حي لا يموت، وقال: {إنك ميت وإنهم لميتون}) [الزمر:
30]. فإن الكل بصدد الموت في عداد الموتى (وقال: {وما محمد
إلاّ رسول قد خلت
(6/91)
من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على
أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئًا})
بارتداده ({وسيجزي الله الشاكرين}) [آل عمران: 144]. (قال:
فنشج الناس) بنون فشين معجمة فجيم مفتوحات (يبكون) قال
الجوهري: نشج الباكي إذا غصّ بالبكاء في حلقه من غير
انتحاب أو هو بكاء معه صوت.
(قال: واجتمع الأنصار إلى سعد بن عبادة) الأنصاري الساعدي
وكان نقيب بني ساعدة لأجل الخلافة (في سقيفة بني ساعده)
موضع مسقف كالساباط يجتمع إليه الأنصار (فقالوا): أي
الأنصار للمهاجرين (منّا أمير ومنكم أمير) قالوا ذلك على
عادة العرب الجارية بينهم أن لا يسود القبيلة إلا رجل منهم
(فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة) عامر (بن
الجراح) -رضي الله عنهم- (فذهب عمر يتكلم فأسكته) بالفوقية
(أبو بكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد
هيأت كلامًا قد أعجبني خشيت) أي خفت (أن لا يبلغه أبو بكر
ثم تكلم أبو بكر فتكلم) حال كونه (أبلغ الناس). ويجوز رفع
أبلغ خبر مبتدأ محذوف أي فتكلم أبو بكر وهو أبلغ الناس.
وفي باب رجم الحبلى من الزنا من حديث ابن عباس عن عمر أنه
قال: قد كان من خبرنا حين توفى الله نبيه أن الأنصار
خالفونا واجتمعوا بأسرهم في سقيفة بني ساعدة وخالف عنا علي
والزبير ومن معهما واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر -رضي الله
عنه-، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من
الأنصار فانطلقنا نريدهم. الحديث إلى أن قال: فلما جلسنا
خطب خطيبهم فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد؛
فنحن أنصار الله وكتيبة الإسلام، وأنتم معشر المهاجرين رهط
وقد دفت دافة من قومكم فإذا هم يريدون أن يختزلونا من
أصلنا وأن يحضنونا من الأمر فلما سكت قال عمر: أردت أن
أتكلم وكنت زوّرت مقالة أعجبتني أريد أن أقدمها بين يدي
أبي بكر وكنت أداري منه بعض الحديث، فلما أردت أن أتكلم
قال أبو بكر: على رسلك فكرهت أن أغضبه، فتكلم أبو بكر فكان
هو أحلم مني وأوقر والله ما ترك من كلمة أعجبتني في تزويري
إلاّ قال في بديهته مثلها أو أفضل منها.
(فقال في) جملة (كلامه: نحن) أي قريش (الأمراء وأنتم
الوزراء) المستشارون في الأمور والخلافة لا تكون إلا في
قريش (فقال حباب بن المنذر): بضم الحاء المهملة وفتح
الموحدة الأولى مخففة والمنذر بلفظ الفاعل من الإنذار
الأنصاري (لا والله لا نفعل) ذلك (منا أمير ومنكم أمير)
وزاد ابن سعد من رواية يحيى بن سعيد عن القاسم بن محمد:
فإنا والله ما ننفس عليكم هذا الأمر ولكنا نخاف أن يليه
أقوام قتلنا آباءهم وإخوانهم (فقال أبو بكر: لا ولكنا
الأمراء وأنتم الوزراء. هم) أي قريش (أوسط العرب دارًا)
مكة أي هم أشرف قبيلة (وأعربهم أحسابًا) بالموحدة في
أعربهم وأحسابًا بفتح الهمزة بالموحدة جمع حسب أي شبه
شمائل وأفعالاً بالعرب والحسب الفعال الحسان مأخوذ من
الحساب إذا عدّوا مناقبهم فمن كان أكثر كان أعظم حسنًا،
ويقال النسب للآباء والحسب للأفعال (فبايعوا) بكسر التحتية
بلفظ الأمر (عمر بن الخطاب أو أبا عبيدة بن الجراح) ثبت
ابن الجراح لأبي ذر (فقال عمر): -رضي الله عنه- (بل نبايعك
أنت فأنت سيدنا وخبرنا وأحبنا إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فأخذ عمر بيده) أي بيد أبي
بكر (فبايعه وبايعه الناس)
المهاجرون وكذا الأنصار حين قامت عليهم الحجة بثبوت قوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الخلافة في قريش
عندهم"
(فقال قائل): من الأنصار (قتلتم سعد بن عبادة) أي كدتم
تقتلونه أو هو كناية عن الإعراض والخذلان (فقال عمر: قتله
الله) دعاء عليه لعدم نصرته للحق وتخلفه فيما قيل عن بيعة
أبي بكر وامتناعه منها، وتوجه إلى الشام فمات بها في ولاية
عمر بحوران سنة أربع عشرة أو خمس عشرة، وقيل إنه وجد ميتًا
في مغتسله وقد اخضرّ جسده ولم يشعروا بموته حتى سمعوا
قائلاً يقول ولا يرون شخصه:
قد قتلنا سيد الخز ... رج سعد بن عباده
فرميناه بسهميـ ... ـن فلم يخط فؤاده
(6/92)
والعذر له في تخلفه عن بيعة الصديق أنه
تأول أن للأنصار استحقاقًا في الخلافة فهو معذور وإن كان
ما أعتقده من ذلك خطأ.
وهذا الحديث من أفراد المؤلّف.
3669 - وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ عَنِ
الزُّبَيْدِيِّ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْقَاسِمِ
أَخْبَرَنِي الْقَاسِمُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
قَالَتْ: «شَخَصَ بَصَرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ قَالَ: فِي الرَّفِيقِ
الأَعْلَى (ثَلاَثًا) وَقَصَّ الْحَدِيثَ. قَالَتْ: فَمَا
كَانَ مِنْ خُطْبَتِهِمَا مِنْ خُطْبَةٍ إِلاَّ نَفَعَ
اللَّهُ بِهَا، لَقَدْ خَوَّفَ عُمَرُ النَّاسَ وَإِنَّ
فِيهِمْ لَنِفَاقًا فَرَدَّهُمُ اللَّهُ بِذَلِكَ».
3670 - «ثُمَّ لَقَدْ بَصَّرَ أَبُو بَكْرٍ النَّاسَ
الْهُدَى، وَعَرَّفَهُمُ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِمْ،
وَخَرَجُوا بِهِ يَتْلُونَ {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ
رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} -إِلَى-
{الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144]».
(وقال عبد الله بن سالم): أبو يوسف الأشعري الحمصي مما
وصله الطبراني في مسند الشاميين (عن الزبيدي) بضم الزاي
وفتح الموحدة وإسكان التحتية محمد بن الوليد أنه قال: (قال
عبد الرحمن بن القاسم: أخبرني) بالإفراد أبي (القاسم) بن
محمد بن أبي بكر الصديق (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت:
شخص) بفتح الشين والخاء المعجمتين والصاد المهملة أي ارتفع
(بصر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عند
وفاته حين خير (ثم قال):
(في الرفيق) أيّ أدخلني في الرفيق أي في الملأ (الأعلى)
قالها (ثلاثًا. وقص) القاسم بن محمد (الحديث) فيما يتعلق
بالوفاة وقول عمر أنه لم يمت وقول الصديق أنه مات وتلاوة
الآيتين.
(قالت عائشة: فما كانت من خطبتهما) أي العمرين (من خطبة
إلا نفع الله بها) قال في الكواكب: وكلمة من الأولى
تبعيضية أو بيانية والثانية زادة، ثم بينت عائشة وجه نفع
الخطبتين فقالت: (لقد خوف عمر الناس) بقوله: ليقطعن أيدي
رجال (وأن فيهم لنفاقًا) أي: وأن بعضهم منافق وهم الذين
عرض بهم عمر -رضي الله عنه- (فردهم الله بذلك) إلى الحق
(ثم لقد بصر أبو بكر الناس
الهدى وعرفهم الحق الذي عليهم) ثبت الذي لأبي ذر عن
الكشميهني (وخرجوا به) أي بسبب قوله وتلاوته ما ذكر (يتلون
{وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل}) إلى
({الشاكرين}) [آل عمران: 144].
3671 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ حَدَّثَنَا جَامِعُ بْنُ أَبِي رَاشِدٍ
حَدَّثَنَا أَبُو يَعْلَى عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ
الْحَنَفِيَّةِ قَالَ: "قُلْتُ لأَبِي: أَيُّ النَّاسِ
خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: أَبُو بَكْرٍ. قُلْتُ: ثُمَّ مَنْ؟
قَالَ: ثُمَّ عُمَرُ. وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ،
قُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟ قَالَ: مَا أَنَا إِلاَّ رَجُلٌ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي قال: (أخبرنا
سفيان) الثوري قال: (حدّثنا جامع بن أبي راشد) الصيرفي
الكوفي قال: (حدّثنا أبو يعلى) منذر بن يعلى الكوفي الثوري
(عن محمد ابن الحنفية) واسمها خولة بنت جعفر أنه (قال: قلت
لأبي) علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- (أي الناس خير بعد
رسول الله) ولأبي ذر بعد النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) زاد في رواية محمد بن منده عن منذر عن محمد
ابن الحنفية عند الدارقطني قال: أو ما تعلم يا بني؟ قلت:
لا (قال: أبو بكر. قلت: ثم من؟ قال: ثم عمر) سقط لأبي ذر
لفظ "ثم" (وخشيت أن يقول عثمان) خير بعد عمر تواضعًا منه
وهضمًا لنفسه فيضطرب عليه الحال لأنه كان يعتقد أن أباه
عليًّا أفضل (قلت: ثم أنت) أفضل بعد عمر (قال: ما أنا إلا
رجل من المسلمين). وعند ابن عساكر في ترجمة عثمان من طريق
ضعيفة في هذا الحديث أن عليًّا قال: إن الثالث عثمان، وقد
سبق بيان الاختلاف في أيهما أفضل بعد العمرين وقد وقع
الإجماع بآخره بين أهل السُّنّة أن ترتيبهم في الفضل
كترتيبهم في الخلافة -رضي الله عنهم-.
3672 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ:
"خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى إِذَا كُنَّا
بِالْبَيْدَاءِ -أَوْ بِذَاتِ الْجَيْشِ- انْقَطَعَ عِقْدٌ
لِي، فَأَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى الْتِمَاسِهِ، وَأَقَامَ النَّاسُ
مَعَهُ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ, وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ.
فَأَتَى النَّاسُ أَبَا بَكْرٍ فَقَالُوا: أَلاَ تَرَى مَا
صَنَعَتْ عَائِشَةُ؟ أَقَامَتْ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِالنَّاسِ مَعَهُ،
وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ، وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. فَجَاءَ
أَبُو بَكْرٍ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَاضِعٌ رَأْسَهُ عَلَى فَخِذِي قَدْ نَامَ،
فَقَالَ: حَبَسْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالنَّاسَ، وَلَيْسُوا عَلَى مَاءٍ
وَلَيْسَ مَعَهُمْ مَاءٌ. قَالَتْ: فَعَاتَبَنِي وَقَالَ
مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ، وَجَعَلَ يَطْعُنُنِي
بِيَدِهِ فِي خَاصِرَتِي فَلاَ يَمْنَعُنِي مِنَ
التَّحَرُّكِ إِلاَّ مَكَانُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى فَخِذِي، فَنَامَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَتَّى أَصْبَحَ عَلَى غَيْرِ مَاءٍ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ
آيَةَ التَّيَمُّمِ {فَتَيَمَّمُوا} [النساء: 43]، فَقَالَ
أُسَيْدُ بْنُ الْحُضَيْرِ: مَا هِيَ بِأَوَّلِ
بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ فَقَالَتْ عَائِشَةُ:
فَبَعَثْنَا الْبَعِيرَ الَّذِي كُنْتُ عَلَيْهِ
فَوَجَدْنَا الْعِقْدَ تَحْتَهُ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي البغلاني (عن
مالك) الإمام (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن
محمد بن أبي بكر (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت:
خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في بعض أسفاره) سنة ست في غزوة بني المصطلق (حتى إذا كنا
بالبيداء) بفتح الموحدة ممدودًا موضع قريب من المدينة (أو
بذات الجيش) بفتح الجيم وسكون التحتية بعدها معجمة موضع
آخر قريب منها والشك من عائشة (انقطع عقد لي) بكسر العين
وسكون القاف (فأقام الرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على التماسه) أي طلبه (وأقام الناس معه وليسوا
على ماء وليس معهم ماء فأتى الناس أبا بكر فقالوا) له:
(ألا ترى ما صنعت عائشة أقامت) ولأبي ذر عن الكشميهني قامت
(برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبالناس
معه) بإثبات حرف الجر في بالناس في فرع اليونينية كأصله
مصححًا عليه (وليسوا على ماء وليس معهم ماء فجاء أبو بكر
ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واضع رأسه
على فخدي) بالذال المعجمة (قد نام فقال) لي: (حبست رسول
الله والناس) نصب عطفًا على سابقه (وليسوا على ماء وليس
معهم ماء. قالت فعاتبني) أبو بكر (وقال ما شاء الله أن
يقول) فقال: حبست الناس في قلادة وفي كل مرة تكونين عناء
(وجعل يطعنني) بضم العين (بيده في خاصرتي) ثبت قوله بيده
في اليونينية وغيرها وسقط
(6/93)
في الفرع (فلا يمنعني من التحرك إلا مكان
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على فخدي
فنام) بالنون من النوم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى أصبح) دخل في الصباح، وفي التيمم
فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بالقاف من القيام حين أصبح (على غير ماء فأنزل الله) عز
وجل (آية التيمم) التي في المائدة (فتيمموا) أي الناس لآية
التيمم المقتضية للأمر بذلك (فقال أسيد بن الحضير): بالحاء
المهملة والضاد المعجمة مصغرين الأوسي (ما هي) أي البركة
التي حصلت للناس برخصة التيمم (بأول بركتكم يا آل أبي بكر)
بل هي مسبوقة ببركات (فقالت عائشة: فبعثنا) أي أثرنا
(البعير الذي كنت) راكبة (عليه) حالة السير (فوجدنا العقد
تحته) أي تحت البعير.
وهذا الحديث قد مرّ في التيمم.
3673 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ قَالَ: سَمِعْتُ ذَكْوَانَ
يُحَدِّثُ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه-
قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي، فَلَوْ أَنَّ
أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ
مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلاَ نَصِيفَهُ». تَابَعَهُ جَرِيرٌ
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُدَ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ
وَمُحَاضِرٌ عَنِ الأَعْمَشِ.
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) أبو الحسن العسقلاني
الخراساني الأصل قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش)
سليمان بن مهران الكوفي أنه قال: (سمعت ذكوان) أبا صالح
الزيات (يحدث عن أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) -رضي الله
عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(لا تسبوا أصحابي) شامل لمن لابس الفتن منهم وغيره لأنهم
مجتهدون في تلك الحروب متأوّلون فسبهم حرام من عرمات
الفواحش، ومذهب الجمهور أن من سبهم يعزر ولا يقتل، وقال
بعض المالكية: يقتل. ونقل عياض في الشفاء عن مالك بن أنس
وغيره أن من أبغض
الصحابة وسبهم فليس له في فيء المسلمين حق، ونوزع بآية
الحشر {والذين جاؤوا من بعدهم} [الحشر: 10] الآية. وقال من
غاظ أصحاب محمد فهو كافر. قال الله تعالى: {ليغيظ بهم
الكفار} [الفتح: 27]. وروي حديث: "من يسب أصحابي فعليه
لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه صرفًا
ولا عدلاً". وقال المولى سعد الدين التفتازاني: إن سبهم
والطعن فيهم إن كان مما يخالف الأدلة القطعية فكفر كقذف
عائشة -رضي الله عنها- وإلاّ فبدعة وفسق، وقد قال -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "الله الله في أصحابي لا
تتخذوهم غرضًا من بعدي فمن أحبهم فبحبي أحبهم ومن أبغضهم
فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى
الله ومن آذى الله فيوشك أن يأخذه".
(فلو أن أحدكم أنفق مثل أُحُد ذهبًا) زاد البرقاني في
المصافحة عن طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش كل يوم (ما
بلغ) من الفضيلة والثواب (مدّ أحدهم) من الطعام الذي أنفقه
(ولا نصيفه) بفتح النون وكسر الصاد المهملة بوزن رغيف
النصف وفيه أربع لغات نصف بكسر النون وضمها وفتحها ونصيف
بزيادة تحتية أي نصف المدّ وذلك لما يقارنه من مزيد
الإخلاص وصدق النية وكمال النفس.
وقال الطيبي: ويمكن أن يقال فضيلتهم بحسب فضيلة إنفاقهم
وعظم موقعها كما قال تعالى: {لا يستوي منكم من أنفق من قبل
الفتح} [الحديد: 10] أي قبل فتح مكة وهذا في الإنفاق فكيف
بمجاهدتهم وبذلهم أرواحهم ومهجهم وقد أورد في الكواكب
سؤالاً فقال: فإن قلت: لمن الخطاب في قوله: "لا تسبوا
أصحابي" والصحابة هم الحاضرون؟ وأجاب: بأنه لغيرهم من
المسلمين المفروضين في العقل جعل من سيوجد كالموجود
ووجودهم المترقب كالحاضر، وتعقبه في الفتح بوقوع التصريح
في نفس الحديث كما يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى بأن
المخاطب بذلك خالد بن الوليد حيث كان بينه وبين عبد الرحمن
بن عوف شيء فسبّه خالد وهو من الصحابة الموجودين إذ ذاك
باتفاق، وقرر أن قوله: فلو أنفق أحدكم الخ فيه إشعار بأن
المراد بقوله أولاً أصحابي أصحاب مخصوصون، وإلاّ فالخطاب
كان أولاً للصحابة وقال: لو أن أحدكم أنفق فنهى بعض من
أدرك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وخاطبه
بذلك عن سب من سبقه يقتضي زجر من لم يدرك النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يخاطبه عن سب من سبقه من
باب أولى، وتعقبه في العمدة بأن الحديث الذي فيه قصة خالد
لا يدل على أنه المخاطب بذلك فإن الخطاب لجماعة، ولئن
سلمنا أنه المخاطب فلا نسلم إنه كان إذ ذاك صحابيًّا
بالاتفاق إذ يحتاج إلى دليل ولا يظهر ذلك إلاّ بالتاريخ
اهـ.
(6/94)
وليس في النسخة التي عندي من الانتقاض جواب
عن ذلك.
(تابعه) أي تابع شعبة بن الحجاج المذكور (جرير) هو ابن عبد
الحميد فيما وصله مسلم عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي سعيد
بلفظ: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء
فسبّه خالد فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "لا تسبوا أحدًا من أصحابي" وهذا ظاهر في أن
المخاطب خالد كما قال الحافظ. أما كونه إذ ذاك مسلمًا
فينظر. (و) تابع شعبة أيضًا (عبد الله بن داود) بن
عامر بن الربيع الخريبي بضم المعجمة وفتح الراء وسكون
التحتية بعدها موحدة مكسورة فيما وصله أحمد في مسنده عنه
بغير ذكر القصة. (و) تابعه أيضًا (أبو معاوية) محمد بن
خازم بمعجمتين الضرير مما وصله أحمد في مسنده (و) تابعه
أيضًا (محاضر) بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعد الألف
ضاد معجمة فراء ابن المورع بضم الميم وفتح الواو وتشديد
الراء المكسورة بعدها عين مهملة الكوفي مما وصله أبو الفتح
الحداد في فوائده فذكر ثمل رواية جرير السابقة، لكن قال:
بين خالد بن الوليد وبين أبي بكر الصديق بدل عبد الرحمن بن
عوف. قال الحافظ ابن حجر: وقول جرير أصح، وكل من الأربعة
روى ذلك (عن الأعمش) سليمان بن مهران.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الفضائل، وأبو داود في السنة،
والترمذي والنسائي في المناقب، وابن ماجه في السنة.
3674 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِسْكِينٍ أَبُو
الْحَسَنِ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ عَنْ شَرِيكِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ: "أَخْبَرَنِي أَبُو مُوسَى
الأَشْعَرِيُّ أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ
خَرَجَ فَقُلْتُ: لأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي
هَذَا. قَالَ: فَجَاءَ الْمَسْجِدَ فَسَأَلَ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالُوا: خَرَجَ وَوَجَّهَ هَا هُنَا، فَخَرَجْتُ عَلَى
إِثْرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ،
فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ -وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ-
حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حَاجَتَهُ فَتَوَضَّأَ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ،
فَإِذَا هُوَ جَالِسٌ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ وَتَوَسَّطَ
قُفَّهَا وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ وَدَلاَّهُمَا فِي
الْبِئْرِ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ثُمَّ انْصَرَفْتُ
فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ فَقُلْتُ: لأَكُونَنَّ
بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الْيَوْمَ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ
الْبَابَ، فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو بَكْرٍ.
فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ،
فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ.
فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: ادْخُلْ
وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ. فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَجَلَسَ
عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَعَهُ فِي الْقُفِّ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي
الْبِئْرِ كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ. ثُمَّ
رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ
وَيَلْحَقُنِي، فَقُلْتُ إِنْ يُرِدِ اللَّهُ بِفُلاَنٍ
خَيْرًا -يُرِيدُ أَخَاهُ- يَأْتِ بِهِ. فَإِذَا إِنْسَانٌ
يُحَرِّكُ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ:
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، فَقُلْتُ عَلَى رِسْلِكَ ثُمَّ
جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ يَسْتَأْذِنُ. فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ
وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ. فَجِئْتُ فَقُلْتُ: ادْخُلْ
وَبَشَّرَكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِالْجَنَّةِ. فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْقُفِّ
عَنْ يَسَارِهِ وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ. ثُمَّ
رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللَّهُ
بِفُلاَنٍ خَيْرًا يَأْتِ بِهِ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ
يُحَرِّكُ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ:
عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ.
فَجِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ
وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ،
فَجِئْتُهُ فَقُلْتُ لَهُ: ادْخُلْ، وَبَشَّرَكَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْجَنَّةِ
عَلَى بَلْوَى تُصِيبُكَ. فَدَخَلَ فَوَجَدَ الْقُفَّ قَدْ
مُلِئَ، فَجَلَسَ
وُجَاهَهُ مِنَ الشِّقِّ الآخَرِ. قَالَ: شَرِيكٌ بْنُ
عَبْدِ اللهِ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ:
فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ". [الحديث 3674 - أطرافه في:
3693، 3695، 6216، 7097، 7262].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مسكين) أي ابن نميلة بالنون
مصغرًا اليماني نزيل بغداد (أبو الحسن) قال: (حدّثنا يحيى
بن حسان) التنيسي قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال القرشي
التيمي مولى القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق وكان
بربريًا (عن شريك بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم نسبه
لجده واسم أبيه عبد الله (عن سعيد بن المسيب) أنه (قال:
أخبرني) بالإفراد (أبو موسى) عبد الله بن قيس (الأشعري)
-رضي الله عنه- (أنه توضأ في بيته ثم خرج) منه قال أبو
موسى (فقلت: لألزمن) بفتح اللام الأولى آخره نون توكيد
ثقيلة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ولأكونن) بفتح اللام والنون الثقيلة أيضًا (معه يومي هذا.
قال: فجاء) أبو موسى (المسجد فسأل عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا) له: (خرج، ووجه) بفتح
الواو والجيم المشددة بصيغة الماضي أي توجه أي وجه نفسه
(ههنا) وسقط لأبي ذر الواو الأولى مع تشديد الجيم، ولأبي
ذر عن الكشميهني: وجه بسكون الجيم مضافًا إلى الظرف وهو
هاهنا أي جهة كذا. قال أبو موسى: (فخرجت) من المسجد (على
أثره) بكسر الهمزة وسكون المثلثة ولأبي ذر أثره بفتح
الهمزة والمثلثة (أسأل عنه) عليه الصلاة والسلام (حتى)
وجدته (دخل بئر أريس) بفتح الهمزة وكسر الراء وسكون
التحتية بعدها سين مهملة مصروف في الفرع وأصله ونص عليه
ابن مالك بستان بالقرب من قباء قال أبو موسى: (فجلست عند
الباب وبابها من جريد حتى قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاجته فتوضأ فقمت إليه فإذا هو جالس
على بئر أريس وتوسط قفها) بضم القاف وتشديد الفاء حافة
البئر (فسلمت عليه) سلام الله وصلاته عليه (ثم انصرفت
فجلست عند الباب. فقلت: لأكونن بوّاب رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر: بوابًا للنبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اليوم) وسقط لفظ
اليوم في الفرع وثبت في اليونينية، وزاد المؤلّف في الأدب
من رواية محمد بن جعفر عن شريك ولم يأمرني، وفي صحيح أبي
عوانة من طريق عبد الرحمن بن حرملة عن سعيد بن المسيب فقال
لي: "يا أبا موسى أملك على الباب" فانطلق فقضى حاجته وتوضأ
ثم جاء فقعد على قف البئر، وعند الترمذي من طريق عثمان عن
أبي موسى فقال لي: "يا أبا موسى أملك على الباب فلا يدخل
عليّ أحد" وهذا مع حديث الباب ظاهره التعارض، وجمع بينهما
النووي باحتمال أنه عليه الصلاة والسلام أمره بحفظ الباب
أوّلاً إلى أن يقضي حاجته ويتوضأ لأنها حالة يستتر فيها،
ثم حفظ الباب أبو موسى بعد ذلك من تلقاء نفسه انتهى.
وأما قوله
(6/95)
فقلت ولأكونن فقال في الفتح: فيحتمل أنه
لما حدث نفسه بذلك صادف أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأن يحفظ عليه الباب.
(فجاء أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (فدفع الباب)
مستأذنًا في الدخول (فقلت من هذا؟ فقال: أبو بكر. فقلت على
رسلك) بكسر الراء أي تمهل وتأن (ثم ذهبت فقلت: يا رسول
الله هذا أبو بكر يستأذن) في الدخول عليك (فقال):
(ائذن له وبشره بالجنة) (فأقبلت حتى قلت لأبي بكر ادخل
ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبشرك
بالجنة فدخل أبو بكر) -رضي الله عنه- (فجلس عن يمين رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معه في القف
ودلى رجليه في البئر كما صنع النبي -رضي الله عنه- وكشف عن
ساقيه) موافقة له عليه الصلاة والسلام، وليكون أبلغ في
بقائه عليه الصلاة والسلام على حالته وراحته بخلاف ما إذا
لم يفعل ذلك فربما استحيا منه فيرفع رجليه الشريفتين قال
أبو موسى: (ثم رجعت فجلست) على الباب (وقد) كنت قبل (تركت
أخي) أبا بردة عامرًا أو أخي أبا رهم (يتوضأ ويلحقني فقلت:
إن يرد الله بفلان خيرًا يريد أخاه) أبا بردة أو أبا رهم
(يأت به فإذا إنسان يحرك الباب) مستأذنًا (فقلت: من هذا؟
فقال: عمر بن الخطاب، فقلت) له: (على رسلك، ثم جئت رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلمت عليه فقلت
هذا عمر بن الخطاب يستأذن. فقال): (ائذن له وبشره بالجنة)
(فجئت فقلت) له (أدخل وبشرك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجنة) زاد أبو عثمان في روايته
الآتية إن شاء الله تعالى في مناقب عثمان فحمد الله وكذا
قال في عثمان (فدخل فجلس مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في القف عن يساره ودلى رجليه في
البئر) وسقط قوله: فدخل لأبي ذر (ثم رجعت فجلست فقلت: إن
يرد الله بفلان خيرًا يأت به) يريد به أخاه (فجاء إنسان
يحرك الباب) مستأذنًا (فقلت) له: (من هذا؟ فقال: عثمان بن
عفان فقلت) له: (على رسلك فجئت إلى رسول الله) ولأبي ذر
إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته)
زاد أبو عثمان فسكت هنيهة (فقال): (ائذن له وبشره بالجنة
على بلوى تصيبه) هي البلية التي صار بها شهيد الدار من أذى
المحاصرة والقتل وغيره (فجئته فقلت له: ادخل وبشرك رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجنة على بلوى
تصيبك) زاد في رواية أما عثمان فحمد الله ثم قال: الله
المستعان وفيه تصديق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فيما أخبره به (فدخل فوجد القف قد ملئ) بالنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والعمرين (فجلس
وجاهه) عليه الصلاة والسلام بضم الواو وكسرها أي مقابله
عليه الصلاة والسلام (من الشق الآخر).
(قال شريك) بالسند السابق وفي نسخة اليونينية وفرعها قال
شريك بن عبد الله (قال سعيد بن المسيب: فأوّلتها) أي جمعية
الصاحبين معه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومقابلة
عثمان له (قبورهم) من جهة كون العمرين مصاحبين له عند
الحضرة المقدسة لا من جهة أن أحدهما في اليمين والآخر في
اليسار، وأن عثمان في البقيع مقابلاً لهم. قال: النووي:
وهذا من باب الفراسة الصادقة.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن، ومسلم في الفضائل.
3675 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
يَحْيَى عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ -رضي الله عنه- حَدَّثَهُمْ: «أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَعِدَ أُحُدًا
وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ،
فَقَالَ: اثْبُتْ أُحُدُ, فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ
وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ». [الحديث 3675 - طرفاه في: 3686،
3699].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن
بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار العبدي قال:
(حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن سعيد) هو ابن أبي عروبة
(عن قتادة) بن دعامة (أن أنس بن مالك -رضي الله عنه- حدثهم
أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صعد) بكسر
العين علا (أُحدًا) الجبل
المعروف بالمدينة (وأبو بكر) مرفوع عطفًا على الضمير
المستتر في صعد لوجود الفاصل أو بالابتداء وما بعده وهو
قوله: (وعمر وعثمان) عطف عليه أي وأبو بكر وعمر وعثمان
صعدوا معه قال في المصابيح: والأوّل أولى (فرجف) أي اضطرب
(بهم) أحد (فقال) له عليه الصلاة والسلام:
(أثبت أُحد) منادى حذفت أداته أي يا أحد ونداؤه وخطابه وهو
يحتمل المجاز والحقيقة لكن الظاهر الحقيقة كقوله: "أُحد
جبل يحبنا ونحبه" (فإنما عليك نبي وصديق) أبو بكر
(6/96)
(وشهيدان) عمر وعثمان. قال ابن المنير: قيل
الحكمة في ذلك أنه لما أرجف أراد النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يبين أن هذه الرجفة ليست من جنس
رجفة الجبل بقوم موسى عليه السلام لما حرفوا الكلم، وأن
تلك رجفة الغضب وهذه هزة الطرب، ولهذا نص على مقام النبوّة
والصديقية والشهادة التي توجب سرور ما اتصلت به لا رجفانه
فأقر الجبل بذلك فاستقر وما أحسن قول بعضهم:
ومال حراء تحته فرحًا به ... فلولا مقال اسكن تضعضع وانقضا
وهذا الحديث يخرجه أيضًا في فضل عمر، وأبو داود في السنة،
والترمذي والنسائي في المناقب.
3676 - حَدَّثَنا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا صَخْرٌ
عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَمَا أَنَا عَلَى بِئْرٍ
أَنْزِعُ مِنْهَا جَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ،
فَأَخَذَ أَبُو بَكْرٍ الدَّلْوَ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ
ذَنُوبَيْنِ، وَفِي نَزْعِهِ ضَعْفٌ، وَاللَّهُ يَغْفِرُ
لَهُ. ثُمَّ أَخَذَهَا ابْنُ الْخَطَّابِ مِنْ يَدِ أَبِي
بَكْرٍ فَاسْتَحَالَتْ فِي يَدِهِ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ
عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، فَنَزَعَ
حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ».
قَالَ وَهْبٌ: الْعَطَنُ مَبْرَكُ الإِبِلِ، يَقُولُ:
حَتَّى رَوِيَتِ الإِبِلُ فَأَنَاخَتْ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن
سعيد) بكسر العين الرباطي المروزي (أبو عبد الله) الأشقر
قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم ابن حازم أبو عبد
الله الأزدي البصري قال: (حدّثنا صخر) هو ابن جويرية مولى
بني تميم أو بني هلال (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله
بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(بينما) بالميم ولأبي ذر: بينا (أنا على بئر أنزع) أي
أستقي (منها) في المنام (جاءني أبو بكر وعمر فأخذ أبو بكر
الدلو فنزع) منها (ذنوبًا أو ذنوبين) بفتح الذال المعجمة
دلوا أو دلوين ممتلئين ماء والشك من الراوي (وفي نزعه ضعف)
إشارة إلى ما كان في زمنه من الارتداد واختلاف الكلمة ولين
جانبه ومداراته مع الناس (والله يغفر له) هي كلمة كانوا
يقولونها افعل كذا والله يغفر لك (ثم أخذها ابن الخطاب)
عمر (من يد أبي بكر) بالإفراد، ولأبي ذر: من يدي أبي بكر
(فاستحالت) أي تحوّلت (في يده غربًا) بفتح الغين المعجمة
وسكون الراء دلوا عظيمة (فلم أر
عبقريًّا) سيدًا قويًا (من الناس يفري فريه) بفتح التحتية
وسكون الفاء في الأولى وفتح الفاء وكسر الراء وتشديد
التحتية المفتوحة في الثانية أي يعمل عمله البالغ (فنزع)
من البئر (حتى ضرب الناس بعطن) بفتح المهملتين آخره نون.
(قال وهب): هو ابن جرير المذكور بالإسناد السابق المذكور
(العطن مبرك الإبل يقول حتى رويت الإبل فأناخت) قال في
المصابيح، قيل حق الكلام فأنيخت أي بركت وهذا كله فيه
إشارة إلى ما أكرم الله عز وجل به عمر من امتداد مدّة
خلافته، ثم القيام فيها بإعزاز الإسلام وحفظ حدوده وتقوية
أهله حتى ضرب الناس بعطن أي حتى رووا وأرووا إبلهم
وأبركوها وضربوا لها عطنًا وهو مبرك الإبل حول الماء.
يقال: أعطنت الإبل فهي عاطنة، وعواطن أي سقيت وتركت عند
الحياض لتعاد مرة أخرى.
3677 - حَدَّثَنا الْوَلِيدُ بْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا
عِيسَى بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي الْحُسَيْنِ الْمَكِّيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي
مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ:
"إِنِّي لَوَاقِفٌ فِي قَوْمٍ فَدَعَوُا اللَّهَ لِعُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ -وَقَدْ وُضِعَ عَلَى سَرِيرِهِ- إِذَا
رَجُلٌ مِنْ خَلْفِي قَدْ وَضَعَ مِرْفَقَهُ عَلَى
مَنْكِبِي يَقُولُ: رَحِمَكَ اللَّهُ، إِنْ كُنْتُ
لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيْكَ،
لأَنِّي كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: كُنْتُ
وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَفَعَلْتُ وَأَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ، وَانْطَلَقْتُ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. فَإِنْ
كُنْتُ لأَرْجُو أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا.
فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ".
[لحديث 3677 - طرفه في: 3685].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (الوليد بن
صالح) النخاس بالخاء المعجمة الفلسطيني وثقه أبو حاتم
وغيره ولم يكتب عنه أحمد لأنه كان من أصحاب الرأي، وليس له
في البخاري إلا هذا الحديث وسيأتي إن شاء الله تعالى من
وجه آخر في مناقب عمر قال: (حدّثنا عيسى بن يونس) بن أبي
إسحاق السبيعي بفتح المهملة وكسر الموحدة أخو إسرائيل قال:
(حدّثنا عمر بن سعيد بن أبي الحسين) بضم العين في الأول
وكسرها في الثاني وضم الحاء في الثالث ولأبي ذرّ أبي حسين
(المكي) النوفليّ (عن ابن أبي مليكة) عبد الله بن عبيد
الله بضم عين الثاني (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه
(قال: إني لواقف) بلام التأكيد المفتوحة (في قوم فدعوا
الله) ولأبي الوقت يدعوا الله بتحتية بدل الفاء وسكون
الدال وضم العين (لعمر بن الخطاب وقد وضع على سريره) لما
مات والجملة حالية من عمر (إذا رجل من خلفي قد وضع مرفقه
على منكبي يقول): لعمر بن الخطاب (رحمك الله) بصيغة
الماضي، ولأبوي ذر والوقت والأصيلي: يرحمك الله (إن كنت
لأرجو أن يجعلك الله مع صاحبيك) النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر -رضي الله عنه- تدفن معهما
(لأني كثيرًا) اللام للتعليل أو مؤكدة وكثيرًا ظرف زمان
وعامله كان تقدم عليه (مما) بزيادة من أو التقدير أجد
كثيرًا مما وللأصيلي: ما (كنت أسمع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(كنت وأبو بكر وعمر) عطف على المرفوع المتصل بدون تأكيد
ولا فاصل وفيه
(6/97)
خلاف بين البصريين والكوفيين قيل والحديث
يرد على المانع ولكن في رواية الأصيلي: كنت أنا وأبو بكر
وعمر بالفصل فالعطف حينئذٍ على الضمير بعد تأكيده واستغنى
بهذه الرواية عن الإحالة على الرواية الآتية إن شاء الله
تعالى في مناقب عمر إذ فيها العطف مع التأكيد، (وفعلت وأبو
بكر وعمر، وانطلقت وأبو بكر وعمر، فإن كنت) كذا في
اليونينية وغيرها مما وقفت عليه من النسخ المعتمدة فإن كنت
بالفاء وسكون النون، وأما الفرع فالذي فيه وإني كنت بواو
وبعد النون المكسورة المشدّدة تحتية (لأرجو أن يجعلك الله
معهما) في الحجرة (فالتفت فإذا هو) أي القائل (علي بن أبي
طالب) -رضي الله عنه-.
ومطابقة الحديث للترجمة من حيث إنه يدل على فضيلة الصديق
كما لا يخفى.
3678 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْكُوفِيُّ
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى
بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عَمْرٍو عَنْ أَشَدِّ مَا صَنَعَ الْمُشْرِكُونَ
بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
قَالَ: رَأَيْتُ عُقْبَةَ بْنَ أَبِي مُعَيْطٍ جَاءَ إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ
يُصَلِّي، فَوَضَعَ رِدَاءَهُ فِي عُنُقِهِ فَخَنَقَهُ
بِهِ خَنْقًا شَدِيدًا، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ حَتَّى
دَفَعَهُ عَنْهُ فَقَالَ: {أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَنْ
يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ
مِنْ رَبِّكُمْ} [غافر: 28]. [الحديث 3678 - طرفاه في:
3856، 4815].
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع لأبي ذر ولغيره حدّثني (محمد بن
يزيد) من الزيادة البزاز بتشديد الزاي الأولى (الكوفي) قال
ابن خلفون: وليس باب هشام محمد بن يزيد بن رفاعة الرفاعي
قاله الكلاباذي والحاكم. وقال ابن حجر: وفي رواية ابن
السكن عن الفريري محمد بن كثير وهو وهم نبه عليه أبو علي
الجياني لأنه لا يعرف له رواية عن الوليد انتهى. قال:
(حدّثنا الوليد) بن مسلم (عن الأوزاعي) عبد الرحمن (عن
يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة صالح اليمامي الطائي (عن محمد
بن إبراهيم) بن الحرث التيمي القرشي (عن عروة بن الزبير)
بن العوّام أنه (قال: سألت عبد الله بن عمرو) بفتح العين
ابن العاص (عن أشد ما صنع المشركون برسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(رأيت عقبة بن أبي معيط) المقتول كافرًا بعد وقعة بدر (جاء
إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يصلّي)
زاد في باب ما لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأصحابه من المشركين بمكة في حجر الكعبة (فوضع
رداءه) أي رداء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ولأبي ذر رداء (في عنقه) الشريف (فخنقه به) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي بها (خنقًا) بكسر النون وسكونها في
المصدر وفتحها في الماضي وهو فخنقه (شديدًا فجاء أبو بكر)
ولأبي ذر فجاءه أبو بكر (حتى دفعه) أي دفع بيده عقبة (عنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وزاد ابن إسحاق وهو
يبكي (فقال) لهم: ({أتقتلون رجلاً أن يقول ربي الله وقد
جاءكم بالبينات من ربكم}) [غافر: 28] قال بعضهم: أبو بكر
أفضل من مؤمن آل فرعون لأن ذاك اقتصر حيث انتصر على
اللسان، وأما أبو بكر
-رضي الله عنه- فاتبع اللسان يدًا ونصر بالقول والفعل
محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذا الحديث أخرجه في باب ما لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه من المشركين بمكة.
6 - باب مَنَاقِبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَبِي حَفْصٍ
الْقُرَشِيِّ الْعَدَوِيِّ -رضي الله عنه-
(باب مناقب عمر بن الخطاب) بن نفيل بضم النون وفتح الفاء
آخره لام مصغرًا ابن عبد العزى بن رياح بكسر الراء وفتح
التحتية وبعد الألف حاء مهملة ابن عبد الله بن قرط بضم
القاف بن رزاح بفتح الراء والزاي وبعد الألف مهملة ابن عدي
بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر واسمه قريش بن مالك بن النضر
(أبي حفص) كناه بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كما عند ابن إسحاق في السيرة، ولقبه الفاروق
لقبه به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما
رواه ابن أبي شيبة في تاريخه، وقيل لقبه به أهل الكتاب
قاله الزهري فيما رواه ابن سعد وقيل جبريل رواه البغوي
(القرشي) نسبه إلى جده الأعلى فهر (العدوي) نسبه إلى عدي
المذكور (-رضي الله عنه-) استخلفه أبو بكر فأقام عشر سنين
وستة أشهر وأربع ليال، وقتله أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة
بن شعبة، وسقط لفظ باب لأبي ذر فمناقب رفع.
3679 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ الْمَاجِشُونُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي
الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «رَأَيْتُنِي دَخَلْتُ الْجَنَّةَ،
فَإِذَا أَنَا بِالرُّمَيْصَاءِ امْرَأَةِ أَبِي طَلْحَةَ،
وَسَمِعْتُ خَشَفَةٌ فَقُلْتُ مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: هَذَا
بِلاَلٌ. وَرَأَيْتُ قَصْرًا بِفِنَائِهِ جَارِيَةٌ
فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: لِعُمَرَ. فَأَرَدْتُ
أَنْ أَدْخُلَهُ فَأَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَذَكَرْتُ
غَيْرَتَكَ. فَقَالَ عُمَرُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ
اللَّهِ. أَعَلَيْكَ أَغَارُ»؟. [الحديث 3679 - طرفاه في:
5226، 7024].
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون
السلمي الأنماطي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن الماجشون)
بكسر الجيم وضم الشين المعجمة المدني نزيل بغداد ونسبه
لجده أبي سلمة الماجشون وإلاّ فاسم أبيه عبد الله وسقط
لأبي ذر لفظ ابن فالماجشون حينئذٍ مرفوع لقب لعبيد العزيز
قال: (حدّثنا محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله)
الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(رأيتني) بضمير المتكلم وهو من خصائص أفعال القلوب أي رأيت
نفسي في
(6/98)
المنام (دخلت الجنة فإذا أنا بالرميصاء)
بضم الراء وبالصاد المهملة ممدودًا مصغرًا سهلة بنت ملحان
الأنصارية (امرأة أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري،
والرميصاء صفة لها لرمص كان بعينها (وسمعت خشفة) بخاء
مفتوحة وشين ساكنة معجمتين وفاء مفتوحة، وفي اليونينية
بفتح الشين أي صوتًا ليس شديدًا وهو حركة وقع القدم (فقلت:
من هذا؟ فقال) جبريل أو غيره من الملائكة (هذا
بلال) ويحتمل أن يكون القائل هذا بلال بلالاً نفسه (ورأيت)
فيها (قصرًا) زاد الترمذي من حديث أنس من ذهب (بفنائه)
بكسر الفاء والمدّ ما امتدّ خارجه من جوانبه (جارية فقلت:
لمن هذا؟) القصر (فقال) أي الملك ولأبي ذر عن الكشميهني
فقالوا أي الملائكة وفي نسخة بالفرع وأصله وصحح عليه فقالت
أي الجارية (لعمر) بن الخطاب (فأردت أن أدخله فأنظر إليه)
بنصب أنظر (فذكرت غيرتك) بفتح الغين المعجمة وفي الرواية
التي في النكاح فأردت أن أدخله فلم يمنعني إلا علمي بغيرتك
(فقال عمر): أفديك (بأبي وأمي يا رسول الله أعليك أغار)
الأصل أعليها أغار منك فهو من باب القلب.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في المناقب.
3680 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ
أَخْبَرَنَا اللَّيْثُ قَالَ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
قَالَ: «بَيْنَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ قَالَ: بَيْنَا أَنَا
نَائِمٌ رَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَإِذَا امْرَأَةٌ
تَتَوَضَّأُ إِلَى جَانِبِ قَصْرٍ، فَقُلْتُ: لِمَنْ هَذَا
الْقَصْرُ؟ قَالُوا: لِعُمَرَ، فَذَكَرْتُ غَيْرَتَهُ
فَوَلَّيْتُ مُدْبِرًا. فَبَكَى عمر وَقَالَ: أَعَلَيْكَ
أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ»؟.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن
محمد بن سالم بن أبي مريم الجمحي مولاهم المصري قال:
(أخبرنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدّثني) بالإفراد
(عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا
هريرة -رضي الله عنه- قال: بينا) بغير ميم (نحن عند رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ قال: بينا)
بغير ميم أيضًا (أنا نائم رأيتني) أي رأيت نفسي (في الجنة
فإذا امرأة تنوضأ إلى جانب قصر) وضوءًا شرعيًا ولا يلزم أن
يكون على جهة التكليف أو يؤول بأنها كانت محافظة في الدنيا
على العبادة أو لغويًا لتزداد وضاءة وحسنًا، وهذه المرأة
هي أم سليم وكانت حينئذٍ في قيد الحياة (فقلت: لمن هذا
القصر؟ فقالوا): أي الملائكة (لعمر فذكرت غيرته) بفتح
الغين المعجمة مصدر قولك غار الرجل على أهله (فوليت مدبرًا
فبكى عمر) لما سمع ذلك سرورًا به وتشوقًا إليه وثبت قوله
عمر لأبوي ذر والوقت (وقال: أعليك أغار يا رسول الله).
وهذا الحديث سبق في باب ما جاء في صفة الجنة.
3681 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ أَبُو جَعْفَرٍ
الْكُوفِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يُونُسَ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَمْزَةُ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ شَرِبْتُ
-يَعْنِي اللَّبَنَ- حَتَّى أَنْظُرُ إِلَى الرِّيِّ
يَجْرِي فِي ظُفُرِي -أَوْ فِي أَظْفَارِي- ثُمَّ
نَاوَلْتُ عُمَرَ. قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رسول
الله، قَالَ: الْعِلْمَ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن
الصلت) بفتح الصاد المهملة وبعد
اللام الساكنة فوقية (أبو جعفر الكوني) الأسدي قال:
(حدّثنا ابن المبارك) عبد الله (عن الزهري) محمد بن مسلم
أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (حمزة) بالحاء المهملة والزاي
(عن أبيه) عبد الله بن عمر بن الخطاب (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم شربت) وفي باب فضل العلم من
كتاب العلم بينا أنا نائم أتيت بقدح لبن فشربت (يعني اللبن
حتى أنظر) بالرفع مصححًا عليه في الفرع وأصله لأبي ذر أنظر
بالنصب "إلى الري" بكسر الراء وتشديد الياء التحتية حال
كونه (يجري في ظفري) بالإفراد (أو) قال: (في أظفاري) ورؤية
الري على طريق الاستعارة كأنه لما جعل الري جسمًا أضاف
إليه ما هو من خواص الجسم وهو كونه مرئيًّا، قاله في الفتح
(ثم ناولت عمر) وفي العلم ثم أعطيت فضلي عمر بن الخطاب
(قالوا: فما أولته) أي عبرته ولأبوي ذر والوقت فما أولت
بإسقاط الضمير (يا رسول الله؟ قال): أولته (العلم) وذلك من
جهة اشتراك العلم واللبن في كثرة النفع فاللبن للغذاء
البدني والعلم للغذاء المعنوي، ويأتي مزيد فوائد في باب
التعبير إن شاء الله تعالى بعون الله تعالى وفضله وكرمه.
3682 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ
سَالِمٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أُرِيتُ فِي الْمَنَامِ
أَنِّي أَنْزِعُ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ عَلَى قَلِيبٍ، فَجَاءَ
أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ نَزْعًا
ضَعِيفًا وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ. ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ فَاسْتَحَالَتْ غَرْبًا، فَلَمْ أَرَ
عَبْقَرِيًّا يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى رَوِيَ النَّاسُ
وَضَرَبُوا بِعَطَنٍ». قَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ:
الْعَبْقَرِيُّ عِتَاقُ الزَّرَابِيِّ. وَقَالَ يَحْيَى:
الزَّرَابِيُّ الطَّنَافِسُ لَهَا خَمْلٌ رَقِيقٌ.
{مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية: 16] كَثِيرَةٌ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن نمير) بضم النون
آخره راء مصغرًا الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا محمد بن
بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة العبدي أبو عبد الله
الكوفي قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر
العمري (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو بكر بن سالم) وثقه
العجلي وليس له في البخاري إلا هذا الموضع (عن) أبيه (سالم
عن) أبيه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي
-صَلَّى
(6/99)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(رأيت) بضم الهمزة وكسر الراء (في المنام أني أنزع بدلو
بكرة) بإسكان الكاف مصححًا عليه في الفرع وحكى الفتح ودلو
مضاف إلى بكرة. وقال في الفتح: بكرة بفتح الموحدة والكاف
على المشهور، وحكى بعضهم تثليث الموحدة ويجوز إسكان الكاف
على أن المراد نسبة الدلو الى الأنثى من الإبل وهي الشابة
أي الدلو التي يستقى بها، وأما بالتحريك فالخشبة المستديرة
التي يعلق فيها الدول (على قليب) بقاف مفتوحة فلام مكسورة
وبعد التحتية الساكنة موحدة بئر لم تطو (فجاء أبو بكر)
الصديق (فنزع) أي أخرج من ماء القليب (ذنوبًا أو ذنوبين)
دلوا أو دلوين والشك من
الراوي (نزعًا ضعيفًا) أوّل بقصر مدة خلافته (والله يغفر
له) ضعفه (ثم جاء عمر بن الخطاب فاستحالت) أي تحولت الدلو
في يده (غربًا) دلوًا عظيمًا (فلم أر عبقريًّا) بفتح العين
المهملة وسكون الموحدة وفتح القاف وبعد الراء المكسورة
تحتية مشددة (يفري فريه) بالفاء الساكنة بعد فتح في الأولى
وبالمفتوحة في الثانية (حتى روي الناس وضريوا بعطن) فيه
إشارة إلى طول مدة خلافة عمر وكثرة انتفاع الناس بها.
(قال ابن جبير): بالجيم سعيد فيما وصله عبد بن حميد ولأبي
ذر ونسبها في الفتح للأصيلي وكريمة وبعض النسخ عن أبي ذر
قال ابن نمير: بنون وميم مصغرًا قيل هو محمد بن عبد الله
بن نمير شيخ المولف. قال البرماوي كالكرماني: وهو أولى
لأنه راوي الحديث (للعبقري عتاق الزرابي). بكسر العين
حسانها (وقال يحيى): قال في الفتح: هو ابن زياد الفراء كما
في معاني القرآن له وقال: الكرماني هو يحيى بن سعيد القطان
لأنه أيضًا راوي الحديث كما سبق في مناقب أبي بكر
(الزرابي) هي (الطنافس) جمع طنفسة بكسر الطاء وفتح الفاء
وهي البساط (لها خمل) بفتح الخاء المعجمة والميم وفي الفرع
كأصله بسكون الميم أي أهداب (رقيق مبثوثة) أي (كثيرة) وهذا
الذي قاله في العبقري هو معناه في اللغة، وأما المراد هنا
فسيد القوم وغير ذلك مما سبق.
3683 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ
صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ
أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ سَعْدٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ
قَالَ: ح. حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَعْدِ بْنِ
أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «اسْتَأْذَنَ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ
يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ، عَالِيَةً
أَصْوَاتُهُنَّ عَلَى صَوْتِهِ فَلَمَّا اسْتَأْذَنَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ قُمْنَ فَبَادَرْنَ الْحِجَابَ،
فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَدَخَلَ عُمَرُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَضْحَكُ؛ فَقَالَ عُمَرُ:
أَضْحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: عَجِبْتُ
مِنْ هَؤُلاَءِ اللاَّتِي كُنَّ عِنْدِي، فَلَمَّا
سَمِعْنَ صَوْتَكَ ابْتَدَرْنَ الْحِجَابِ، قَالَ عُمَرُ:
فَأَنْتَ أَحَقُّ أَنْ يَهَبْنَ يَا رَسُولَ اللَّهِ.
ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ،
أَتَهَبْنَنِي وَلاَ تَهَبْنَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقُلْنَ: نَعَمْ، أَنْتَ
أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِيهًا يَا ابْنَ
الْخَطَّابِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا لَقِيَكَ
الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا قَطُّ إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا
غَيْرَ فَجِّكَ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
يعقوب بن إبراهيم قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) إبراهيم بن
سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن
كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه قال:
(أخبرني) بالإفراد (عبد الحميد) بن عبد الرحمن بن زيد بن
الخطاب (أن محمد بن سعد) بسكون العين (أخبره أن أباه) سعد
بن أبي وقاص (قال): وسقط لأبي ذر من قوله حدّثنا علي بن
عبد الله إلى قوله أن أباه قال: (حدّثني)
بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد العزيز بن عبد الله)
الأويسي المدني قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم
بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن ابن
شهاب) الزهري (عن عبد الحميد بن عبد الرحمن بن زيد) أي ابن
الخطاب (عن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه) -رضي الله
عنه- (قال: استأذن عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- وسقط
لأبي ذر ابن الخطاب (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده نسوة من قريش يكلمنه) هن من
أزواجه لقوله (ويستكثرنه) أي يطلبن منه أكثر مما يعطيهن
وفي مسلم أنهن يطلبن النفقة حال كونهن (عالية أصواتهن على
صوته) قبل النهي عن رفع الصوت على صوته أو كان ذلك من
طبعهن قاله ابن المنير ومن قبله القاضي عياض، وفي الفرع
وأصله عالية بالرفع أيضًا على الصفة (فلما استأذن عمر بن
الخطاب) سقط ابن الخطاب لأبي ذر (قمن فبادرن الحجاب) أسرعن
إليه (فأذن له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فدخل عمر ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يضحك) من فعلهن (فقال عمر: أضحك الله سنّك يا
رسول الله) مراده لازم الضحك وهو السرور لا الدعاء بالضحك
(فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(عجبت من هؤلاء) النسوة (اللاتي كن عندي) يرفعن أصواتهن
(فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب فقال ولأبي ذر: قال (عمر:
فأنت أحق أن يهبن) بفتح الأول والثاني من الهيبة يوقرن (يا
رسول الله
(6/100)
ثم قال عمر): لهن (يا عدوات أنفسهن أتهبنني
ولا تهبن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
فقلن: نعم أنت أفظ وأغلظ من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بمعجمة فيهما من الفظاظة والغلظة
بصيغة أفعل التفضيل المقتضية للشركة في أصل الفعل، لكن
يعارضه قوله تعالى: {ولو كنت فظًّا غليظ القلب لانفضوا من
حولك} [آل عمران: 159] وأجيب: بأن الذي في الآية يقتضي نفي
وجود ذلك له صفة لازمة له فلا يستلزم ما في الحديث بل مجرد
وجود الصفة له في بعض الأحوال كإنكار المنكر مثلاً، وقد
كان عليه الصلاة والسلام لا يواجه أحدًا بما يكره إلا في
حق من حقوق الله عز وجل، وكان عمر مبالغًا في الزجر عن
المكروهات مطلقًا وفي طلب المندوبات كلها فمن ثم قال
النسوة له ذلك. (فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِيهًا يا ابن الخطاب) بكسر الهمزة
وسكون التحتية منونًا منصوبًا قال في الفتح: وهي روايتنا
أي لا تبتدئنا بحديث، ولأبوي الوقت وذر: إيه بالكسر
والتنوين أي حدّثنا ما شئت فكأنه يقول: أقبل على حديث
نعهده منك أو على أي حديث كان، وأعرض عن الإنكار عليهن.
وحكى السفاقسي إيه بكسرة واحدة في الهاء وقال: معناه كلف
عن لومهن. وقال في القاموس: إيه بكسر الهمزة والهاء وفتحها
وتنون المكسورة كلمة استزادة واستنطاق، وإيه بإسكان الهاء
جر بمعنى حسبك وإيه مبنية على الكسر فإذا وصلت نونت،
وايهًا بالنصب وبالفتح أمر بالسكوت اهـ.
وقال في المصابيح: فإن قلت: قد صرحوا بأن ما نون من أسماء
الأفعال نكرة وما لم ينون منها معرفة، فعلى كونها معرفة
فمن أي أقسام المعارف هي؟ وأجاب: بأن ابن الحاجب في إيضاحه
على المفصل قال: إنه ينبغي إذا حكم بالتعريف أن تكون
أعلامًا مسمياتها الفعل الذي هي بمعناه فتكون علمًا
لمفعوليته وإذا حكم بالتنكير أن تكون لواحد من آحاد الفعل
الذي يتعدد اللفظ به، واختلف حينئذٍ المعنى بالاعتبارين
فصه بدون تنوين كأسامة وبالتنوين كأسد. وقال في شرح
المشكاة: لا شك أن الأمر بتوقيره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مطلوب لذاته تجب الاستزادة منه فكان قول رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إيه استزادة منه
في طلب توقيره، وتعظيم جانبه، ولذلك عقبه بما يدل على
استرضاء ليس بعده استرضاء إحمادًا منه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لفعاله كلها لا سيما هذه الفعلة حيث
قال:
(والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان سالكًا فجًّا) بفتح
الفاء والجيم المشددة أي طريقًا واسعًا (قط إلا سلك فجًّا
غير فجك) أي لشدة بأسه خوفًا من أن يفعل به شيئًا فهو على
ظاهره أو هو على طريق ضرب المثل، وأن عمر فارق سبيل
الشيطان وسلك سبيل السداد فخالف كل ما يحبه الشيطان قاله
عياض. والأول أولى، وهذا لا يقتضي عصمته لأنه ليس فيه إلا
فرار الشيطان منه أن يشاركه في طريق يسلكها ولا يمنع ذلك
من وسوسته له بحسب ما تصل قدرته إليه.
وهذا الحديث سبق في باب صفة إبليس وجنوده.
3684 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ قَالَ: قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ: "مَا زِلْنَا أَعِزَّةً مُنْذُ أَسْلَمَ
عُمَرُ". [الحديث 3684 - طرفه في: 3863].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري قال
(حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد
أنه قال: (حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم (قال: قال عبد
الله) هو ابن مسعود -رضي الله عنه- (ما زلنا أعزة) في
الدين (منذ) بالنون (أسلم عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه-،
وكان إسلامه بعد حمزة بثلاثة أيام بدعوته -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "اللهم أعز الإسلام بأبي جهل أو بعمر
بن الخطاب". وعند الترمذي من حديث ابن عمر بإسناد صحيح
وصححه ابن حبان "اللهم أعز الإسلام بأحب الرجلين إليك بأبي
جهل أو بعمر" قال: فكان أحبهما إليه عمر، وعند ابن أبي
شيبة من حديث ابن مسعود كان إسلام عمر عزًا وهجرته نصرًا
وإمارته رحمة، والله ما استطعنا أن نصلي حول البيت ظاهرين
حتى أسلم عمر، وعند ابن سعد من حديث صهيب قال: لما أسلم
عمر قال المشركون: انتصب القوم منا.
وحديث الباب أخرجه أيضًا في إسلام عمر.
3685 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ سَعِيدٍ عَنِ ابْنِ أَبِي
مُلَيْكَةَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ:
"وُضِعَ عُمَرُ عَلَى سَرِيرِهِ، فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ
يَدْعُونَ وَيُصَلُّونَ قَبْلَ أَنْ يُرْفَعَ -وَأَنَا
فِيهِمْ- فَلَمْ يَرُعْنِي إِلاَّ رَجُلٌ آخِذٌ مَنْكِبِي،
فَإِذَا عَلِيٌّ بْن أَبِي طَالِب، فَتَرَحَّمَ عَلَى
عُمَرَ، وَقَالَ: مَا خَلَّفْتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَىَّ
أَنْ أَلْقَى اللَّهَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ مِنْكَ. وَايْمُ
اللَّهِ إِنْ كُنْتُ لأَظُنُّ أَنْ يَجْعَلَكَ اللَّهُ
مَعَ صَاحِبَيْكَ، وَحَسِبْتُ أَنِّي كُنْتُ كَثِيرًا
أَسْمَعُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ: ذَهَبْتُ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ،
وَدَخَلْتُ
أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجْتُ أَنَا وَأَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ".
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة
قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك
(6/101)
قال: (حدّثنا عمر بن سعيد) بكسر العين ابن
أبي حسين النوفليّ القرشي المكيّ (عن ابن أبي مليكة) هو
عبد الله بن أبي مليكة بضم الميم مصغرًا (أنه سمع ابن عباس
يقول: وضع عمر على سريره) بعد أن مات (فتكنفه الناس) بنون
مشددة ثم فاء أي أحاطوا به من جميع جوانبه حال كونهم
(يدعون) له (ويصلون) عليه (قبل أن يرفع) من الأرض (وأنا
فيهم فلم يرعني) أي لم يفزعني ويفجأني (إلا رجل آخذ) بمد
الهمزة بوزن فاعل، ولأبي ذر عن الكشميهني: أخذ بصيغة
الماضي (منكبي) بالإفراد (فإذا) هو (عليّ) ولأبي ذر: عليّ
بن أبي طالب (فترحم على عمر) - رضي الله تعالى عنهما -
(وقال): مخاطبًا لعمر (ما خلفت أحدًا أحب إليّ) بنصب أحب
في الفزع صفة لأحد ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف (أن ألقى
الله بمثل عمله منك) فيه أنه كان لا يعتقد أن لأحد عملاً
في ذلك الوقت أفضل من عمل عمر (وايم الله إن كنت لأظن أن
يجعلك الله) مدفونًا (مع صاحبيك) يريد رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا بكر -رضي الله عنه- في
الحجرة الشريفة أو في الجنة (وحسبت أني كنت كثيرًا أسمع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): بفتح
همزة أني مفعول حسبت وبالكسر استئناف تعليلي أي كان على
حساب أن يجعلك الله مع صاحبيك سماعي قول رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(ذهبت أنا وأبو بكر وعمر، ودخلت أنا وأبو بكر وعمر، وخرجت
أنا وأبو بكر وعمر).
وهذا الحديث سبق قريبًا في مناقب أبي بكر.
3686 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ بْنِ أَبِي رَوْيَةَ. وَقَالَ
لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَوَاءٍ
وَكَهْمَسُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالاَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ
عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-
قَالَ: «صَعِدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلَى أُحُدٍ وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ
وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بِهِمْ، فَضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ
وَقَالَ: اثْبُتْ أُحُدُ، فَمَا عَلَيْكَ إِلاَّ نَبِيٌّ
أَوْ صِدِّيقٌ أَوْ شَهِيد».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يزيد بن
زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا قال: (حدّثنا سعيد)
بكسر العين ولأبي ذر سعيد بن أبي عروبة (قال): أي البخاري
(وقال لي خليفة): هو ابن خياط أحد مشايخه مذاكرة (حدّثنا
محمد بن سواء) بفتح السين وتخفيف الواو ممدود الضرير
السدوسي المتوفى سنة سبع وثمانين ومائة (وكهمس بن المنهال)
بفتح الكاف وسكون الهاء وفتح الميم بعدها سين مهملة،
والمنهال بكسر الميم وسكون النون السدوسي أيضًا (قالا:
حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة المذكور وسقط قوله وقال لي
خليفة الخ في رواية أبي ذر في بعض النسخ واقتصر على طريق
يزيد بن زريع كما نبه عليه في الفتح (عن قتاة) بن دعامة
(عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: صعد النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أُحد) ولأبي ذر
أُحدًا بإسقاط إلى (ومعه أبو بكر وعمر وعثمان فرجف) أي
اضطرب (بهم) أحد (فضربه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (برجله) وفي اليونينية
وفرعها علامة السقوط من غير عزو على فضربه برجله (قال)
ولأبي ذر: وقال:
(أثبث أحد) أي يا أحد وسقط لفظ أحد لأبي ذر (فما عليك إلا
نبي أو صديق أو شهيد) بالألف والواو فيهما فقيل أو بمعنى
الواو لقوله في مناقب الصديق: فإنما عليك نبي وصديق
وشهيدان، فيكون لفظ أو شهيد بالألف هنا بالإفراد للجنس،
ولأبي ذر: وصديق بالواو أو شهيد بالألف قبل الواو فقيل أو
بمعنى الواو أيضًا، وقيل تغيير الأسلوب للإشعار بمغايرة
الحال لأن النبوّة والصديقية حاصلتان بخلاف الشهادة فإنها
لم تكن وقعت حينئذٍ فالأوّلان حقيقة والثالث مجاز وفي نسخة
عليها علامة السقوط لأبي ذر بالفرع وأصله شهيدان بالتثنية.
وهذا الحديث قد سبق في مناقب الصديق.
3687 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ:
حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ هُوَ
ابْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ أَسْلَمَ حَدَّثَهُ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "سَأَلَنِي ابْنُ عُمَرَ عَنْ بَعْضِ
شَأْنِهِ -يَعْنِي عُمَرَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: مَا
رَأَيْتُ أَحَدًا قَطُّ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ حِينَ قُبِضَ كَانَ
أَجَدَّ وَأَجْوَدَ حَتَّى انْتَهَى مِنْ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي سكن مصر
(قال: حدّثني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله المصري (قال:
حدّثني) بالإفراد أيضًا (عمر هو ابن محمد) أي ابن زيد بن
عبد الله بن عمر بن الخطاب (أن زيد بن أسلم حدثه عن أبيه)
أسلم مولى عمر بن الخطاب (قال: سألني ابن عمر) بن الخطاب
(عن بعض شأنه يعني) عن بعض شأن أبيه (عمر) -رضي الله عنه-
(فأخبرته فقال): أي ابن عمر (ما رأيت أحدًا قط بعد رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في هذه الخصال
(من حين قبض) عليه الصلاة والسلام بفتح نون حين في الفرع
مصححًا عليها على البناء لإضافته إلى مبني وليس البناء هنا
متحتمًا وإنما هو أولى من الإعراب قاله في المصابيح (كان
أجدّ) بفتح الجيم
(6/102)
وتشديد الدال المهملة أفعل تفضيل من جدّ
إذا اجتهد في الأمور (وأجود) أفعل من الجود بالأموال (حتى
انتهى) إلى آخر عمره (من عمر بن الخطاب) أي في مدة خلافته
لا قبلها.
3688 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله
عنه-: «أَنَّ رَجُلاً سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ السَّاعَةِ فَقَالَ: مَتَى
السَّاعَةُ؟ قَالَ: وَمَاذَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ قَالَ: لاَ
شَىْءَ، إِلاَّ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ: أَنْتَ
مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ أَنَسٌ: فَمَا فَرِحْنَا
بِشَىْءٍ فَرَحَنَا بِقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ. قَالَ
أَنَسٌ: فَأَنَا أُحِبُّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ، وَأَرْجُو
أَنْ أَكُونَ مَعَهُمْ بِحُبِّي إِيَّاهُمْ، وَإِنْ لَمْ
أَعْمَلْ بِمِثْلِ أَعْمَالِهِمْ». [الحديث 3688 - أطرافه
في: 6167، 6171، 7153].
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواضحي قال: (حدّثنا
حماد بن زيد) أي ابن درهم
الجهضمي (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله عنه- أن
رجلاً) هو ذو الخويصرة وقيل أبو موسى الأشعري (سأل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الساعة فقال: متى
الساعة؟) تقوم (قال) عليه الصلاة والسلام له:
(وماذا أعددت لها) قال: الطيبي: سلك مع السائل أسلوب
الحكيم لأنه سأل عن وقت الساعة (قال) الرجل (لا شيء إلا
أني أحب الله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
سقطت التصلية لأبي ذر (فقال) ولأبي ذر قال عليه الصلاة
والسلام له: (أنت مع من أحببت). يحسن نيتك من غير زيادة
عمل في الجنة أي بحيث يتمكن كل واحد منهما من رؤية الآخر
وإن بعد المكان لأن الحجاب إذا زال شاهد بعضهم بعضًا وإذا
أرادوا الرؤية والتلاقي قدروا على ذلك هذا هو المراد من
هذه المعية لا كونهما في درجة واحدة.
(قال أنس: فما فرحنا بشيء) بكسر الراء بصيغة الماضي
(فرحنا) بفتح الراء والحاء مصدر أي كفرحنا وانتصابه بنزع
الخافض (بقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أنت مع من أحببت. قال أنس: فأنا أحب النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا بكر وعمر وأرجو أن أكون معهم
بحبي إياهم وإن لم أعمل بمثل أعمالهم).
3689 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لَقَدْ كَانَ فِيمَا قَبْلَكُمْ مِنَ
الأُمَمِ ناسٌ مُحَدَّثُونَ، فَإِنْ يَكُ فِي أُمَّتِي
أَحَدٌ فَإِنَّهُ عُمَرُ» زَادَ زَكَرِيَّاءُ بْنُ أَبِي
زَائِدَةَ عَنْ سَعْدٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَقَدْ كَانَ فِيمَنْ كَانَ
قَبْلَكُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ رِجَالٌ يُكَلَّمُونَ
مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونُوا أَنْبِيَاءَ، فَإِنْ يَكُنْ
مِنْ أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَعُمَرُ».
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- "مِن نبيٍّ وَلاَ
مُحَدِّثٍ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين
المهملة الحجازي المدني قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد عن
أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن أبي سلمة)
بن عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال:
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لقد
كان فيما قبلكم من الأمم محدّثون) بتشديد الدال المهملة
المفتوحة أي ملهمون أو يلقى في روعهم الشيء قبل الإعلام به
فيكون كالذي حدثه غيره به أو يجري الصواب على لسانهم من
غير قصد، ولأبي ذر: ناس محدّثون (فإن يكن في أمتي أحد)
منهم (فإنه عمر) بن الخطاب (زاد زكريا بن أبي سلمة عن أبي
هريرة) أنه (قال: قال النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (لقد كان فيمن كان قبلكم)
ولأبي ذر: لقد كان قبلكم (من بني إسرائيل رجال يكلمون)
بفتح اللام المشددة تكلمهم الملائكة (من غير أن يكونوا
أنبياء) أو المعنى يكلمون في أنفسهم وإن لم يروا متكلفًا
في الحقيقة وحينئذٍ فيرجع إلى الإلهام (فإن يكن من) ولأبوي
ذر والوقت والأصيلي في (أمتي منهم أحد فعمر) وثبت لأبي ذر
عن الكشميهني لفظ منهم وليس قوله فإن يكن للترديد بل
للتأكيد كقولك: إن يكن لي صديق ففلان إذ المراد اختصاصه
بكمال الصداقة لا نفي الأصدقاء، وإذا
ثبت أن هذا وجد في غير هذه الأمة المفضولة فوجوده في هذه
الأمة الفاضلة أحرى.
(قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: من نبي ولا محدث) بفتح
الدال المشدّدة، وقد ثبت قول ابن عباس هذا لأبي ذر وسقط
لغيره، ووصله سفيان بن عيينة في أواخر جامعه وعبد بن حميد
بلفظ كان ابن عباس يقرأ: {وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا
نبي ولا محدث} [الحج: 52].
3690 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ حَدَّثَنَا عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ قَالاَ: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله
عنه- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَيْنَمَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا
الذِّئْبُ فَأَخَذَ مِنْهَا شَاةً، فَطَلَبَهَا حَتَّى
اسْتَنْقَذَهَا، فَالْتَفَتَ إِلَيْهِ الذِّئْبُ فَقَالَ
لَهُ: مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ لَيْسَ لَهَا رَاعٍ
غَيْرِي؟ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَإِنِّي
أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ. وَمَا ثَمَّ أَبُو
بَكْرٍ وَعُمَرُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام قال: (حدّثنا عقيل) بضم العين مصغرًا
ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن سعيد بن المسيب)
المخزومي القرشي أحد العلماء الإثبات (وأبي سلمة بن عبد
الرحمن) بن عوف أنهما (قالا: سمعنا أبا هريرة -رضي الله
عنه- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(بينما) بالميم (راع) لم يسم (في غنمه عدا الذئب) بالعين
المهملة في عدا (فأخد منها شاة فطلبها) أي الراعي (حتى
استنقذها) منه (فالتفت إليه الذئب فقال له من لها) أي
للغنم (يوم السبع) بضم الموحدة أو بسكونها الحيوان المعروف
(ليس لها) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي لهذا بدل لها، وفي
الرواية السابقة في فضل أبي بكر وغيرها
(6/103)
يوم ليس لها (راع) يرعاها (غيري) أي عند
الفتن حين يتركها الناس هملا (فقال الناس) متعجبين من نطقه
(سبحان الله فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: فإني أومن به) بالنطق الصادر من الذئب والفاء
جواب شرط محذوف أي فإذا كان الناس يستغربونه ويتعجبون منه
فإني لا أستغربه وأومن به (و) كذا (أبو بكر وعمر وما ثم)
بفتح المثلثة (أبو بكر وعمر) ولم يذكر هنا قصة البقرة
المذكورة في رواية بني إسرائيل كفضل أبي بكر.
3691 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ
أَخْبَرَنِي أَبُو أُمَامَةَ بْنُ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ:
«سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ
النَّاسَ عُرِضُوا عَلَىَّ وَعَلَيْهِمْ قُمُصٌ، فَمِنْهَا
مَا يَبْلُغُ الثَّدْيَ، وَمِنْهَا مَا يَبْلُغُ دُونَ
ذَلِكَ، وَعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ
اجْتَرَّهُ. قَالُوا: فَمَا أَوَّلْتَهُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ؟ قَالَ: الدِّينَ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري
واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن
عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم
الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو أمامة) أسعد (بن
سهل بن حنيف) بضم الحاء مصغرًا (عن
أبي سعيد) سعد بن مالك (الخدري) بالدال المهملة (-رضي الله
عنه-) أنه (قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم رأيت الناس) من الرؤيا الحلمية
على الأظهر أو البصرية حال كونهم (عرضوا علي وعليهم قمص)
بضم القاف والميم جمع قميص والواو للحال (فمنها) أي القمص
(ما) أي الذي (يبلغ الثدي) بضم المثلثة وكسر الدال المهملة
وتشديد التحتية جمع ثدي ولغير أبي ذر الثدي بفتح فسكون على
الإفراد (ومنها ما يبلغ دون ذلك) فلم يصل إلى الثدي (وعرض
علي عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (وعليه قميص اجتره)
بهمزة وصل وسكون الجيم أي لطوله (قالوا) أي من حضر من
الصحابة أو الصديق كما يأتي إن شاء الله تعالى في التعبير
(فما أوّلته) أي عبرته (يا رسول الله؟ قال): أوّلته
(الدين) لأن الدين يشمل الإنسان ويحفظه ويقيه المخالفات
كوقاية الثوب وشموله ولا يلزم منه أفضلية عمر على أبي بكر،
فلعل الذين عرضوا لم يكن فيهم أبو بكر، وكون عمر عليه قميص
يجره لا يستلزم أن لا يكون على أبي بكر أطول منه.
وهذا الحديث سبق في الإيمان في باب تفاضل أهل الإيمان في
الأعمال.
3692 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنِ
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ
قَالَ: "لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ جَعَلَ يَأْلَمُ، فَقَالَ
لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ -وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ-: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ، لَقَدْ
صَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ
وَهْوَ عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ
فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ وَهْوَ عَنْكَ
رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ فَأَحْسَنْتَ
صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ
وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ. قَالَ: أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ
صُحْبَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَرِضَاهُ فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ مِنَ اللَّهِ
تَعَالَى مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ
صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ فَإِنَّمَا ذَاكَ مَنٌّ
مِنَ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا
مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي فَهْوَ مِنْ أَجْلِكَ وَأَجْلِ
أَصْحَابِكَ. وَاللَّهِ لَوْ أَنَّ لِي طِلاَعَ الأَرْضِ
ذَهَبًا لاَفْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ عَزَّ
وَجَلَّ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ".
قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنِ
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ "دَخَلْتُ
عَلَى عُمَرَ" بِهَذَا.
وبه قال: (حدّثنا الصلت بن محمد) بفتح الصاد المهملة وسكون
اللام بعدها فوقية الخاركي بالخاء المعجمة والراء المكسورة
البصري قال: (حدّثنا إسماعيل بن إبراهيم) هو ابن علية قال:
(حدّثنا أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن
المسور بن مخرمة) بكسر الميم وسكون السين المهملة في
الأوّل وبفتح الميم وسكون الخاء المعجمة في الثاني أنه
(قال: لما طعن عمر) -رضي الله عنه-، وكان الذي طعنه أبا
لؤلؤة عبد المغيرة بن شعبة في خاصرته وهو في صلاة الصبح
يوم الأربعاء لأربع بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين (جعل
يألم) بتحتية بعدها همزة ساكنة (فقال له ابن عباس وكأنه
يجزعه) بضم التحتية وفتح الجيم وتشديد الزاي المكسورة أي
يزيل جزعه (يا
أمير المؤمنين ولئن كان ذاك) بغير لام ولأبي ذر عن
الكشميهني كما في الفرع وأصله ولا كل ذلك بلا النافية
وإسقاط كان وزيادة كل وذلك باللام وللكشميهني ذاك بإسقاط
اللام أي لا تبالغ فيما أنت فيه من الجزع، ونسب هذه
الكرماني إلى بعض روايات غير البخاري، وتبعه البرماوي فلم
يقفا عليها معزوّة للكشميهني ولبعضهم كما في الفتح
كالكواكب ولما كان ذلك، وكأنه دعا أن لا يكون الموت بتلك
الطعنة أو لا يكون ما تخافه. (لقد صحبت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأحسنت صحبته ثم فارقته)
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ثم فارقت بحذف الضمير (وهو)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عنك راض، ثم صحبت
أبا بكر فأحسنت صحبته ثم فارقته) ولأبي ذر فارقت (وهو)
-رضي الله عنه- (عنك راض، ثم صحبت صحبتهم) بفتح الصاد
والحاء والموحدة جمع صاحب ومراده أصحاب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر.
قال في الفتح: وفيه نظر لأنه أتى بصيغة الجمع موضع
التثنية، واعترضه العيني فقال: لا يتوجه النظر فيه أصلاً
بل الموضع موضع جمع لأن المراد أصحاب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر. وأجاب في الانتقاض
بأنه مسلم أن أصحاب صيغة جمع لكن لم يضف إلى هذا الجمع إلا
اثنان وهو النبي -صَلَّى
(6/104)
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو بكر
فالنظر موجه انتهى.
وقال عياض: أو تكون صحبت زائدة، وللمروزي والجرجاني كما في
هامش الفرع واليونينية ثم صحبتهم أي المسلمين وهي التي بدأ
بها في الفتح وعزا الرواية الأولى لرواية بعضهم ورجح هذه
الأخيرة عياض (فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم)
بالنون المشدّدة (وهم عنك راضون. قال): عمر لابن عباس
ولأبي ذر فقال: (أما ما ذكرت من صحبة رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لي (ورضاه) عني (فإنما ذاك)
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فإن ذلك بإسقاط ما وزيادة
لام قبل الكاف (من) بفتح الميم وتشديد النون عطاء (من الله
تعالى). وفي نسخة جل ذكره وسقط هذا ولفظ تعالى لأبي ذر
(منّ به علي، وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما
ذلك منّ من الله جل ذكره منّ به علي) وسقط لفظ جل ذكره
لأبي ذر (وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل) ولأبي
الوقت ومن أجل (أصحابك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي:
أصيحابك بضم الهمزة مصغرًا خاف الفتنة عليهم بعده (والله
لو أن لي طلاع الأرض) بكسر الطاء وتخفيف اللام أي ملأها
(ذهبًا لافتديت به من عذاب الله عز وجل قبل أن أراه) أي
العذاب والهمزة مفتوحة.
وعند أبي حاتم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه دخل
على عمر حين طعن فقال: أبشر يا أمير المؤمنين أسلمت مع
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين كفر
الناس، وقاتلت معه حين خذله الناس ولم يختلف في خلافتك
رجلان، وقتلت شهيدًا. فقال: أعد فأعاد. فقال: المغرور من
غررتموه لو أن لي ما على ظهرها من بيضاء وصفراء لافتديت به
من هول المطلع، وإنما قال ذلك لغلبة الخوف الذي وقع له
حينئذٍ من التقصير فيما يجب عليه من حقوق الرعية ومن
الفتنة بمدحهم.
(قال حماد بن زيد): مما وصله الإسماعيلي (حدّثنا أيوب)
السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن ابن عباس -رضي
الله عنهما-) أنه قال: (دخلت على عمر بهدا) الحديث السابق
ولم
يذكر المسور بن مخرمة فيحتمل كما قال في الفتح أن يكون
محفوظًا عن الاثنين، ويأتي مزيد لفوائد هذا الحديث إن شاء
الله تعالى في آخر مناقب عثمان.
3693 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ غِيَاثٍ
حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ النَّهْدِيُّ عَنْ أَبِي
مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: «كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَائِطٍ مِنْ
حِيطَانِ الْمَدِينَةِ، فَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ،
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
افْتَحْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ فَفَتَحْتُ لَهُ،
فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ فَبَشَّرْتُهُ بِمَا قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَحَمِدَ
اللَّهَ. ثُمَّ جَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَفْتَحَ، فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: افْتَحْ
لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَفَتَحْتُ لَهُ فَإِذَا
هُوَ عُمَرُ فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَمِدَ اللَّهَ.
ثُمَّ اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ، فَقَالَ لِي: افْتَحْ لَهُ
وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى بَلْوَى تُصِيبُهُ فَإِذَا
عُثْمَانُ، فَأَخْبَرْتُهُ بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَحَمِدَ اللَّهَ،
ثُمَّ قَالَ اللَّهُ الْمُسْتَعَانُ».
وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان قال:
(حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (قال: حدّثني) بالإفراد
(عثمان بن غياث) بكسر الغين المعجمة وتخفيف التحتية وبعد
الألف مثلثة الباهلي فيما قيل البصري قال: (حدّثنا) ولأبي
ذر حدّثني بالإفراد (أبو عثمان) عبد الرحمن (النهدي) بفتح
النون (عن أبي موسى) الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال:
كنت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
حائط) بستان (من حيطان المدينة) من بساتينها (فجاء رجل
فاستفتح فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
أي بعد أن استأذنته.
(افتح له وبشره بالجنة) (ففتحت له فإذا أبو بكر) الصديق
-رضي الله عنه- (فبشرته بما قال النبي) ولأبوي ذر والوقت
رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهو
بشره بالجنة (فحمد الله) عز وجل على ذلك (ثم جاء رجل
فاستفتح فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(افتح له وبشره بالجنة) (ففتحت له فإذا هو عمر) بن الخطاب
-رضي الله عنه- وسقط لفظ هو لأبي ذر (فأخبرته بما قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بشره بالجنة
(فحمد الله) على ذلك (ثم استفتح رجل فقال لي) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (افتح له وبشره بالجنة على
بلوى تصيبه) هي قتله في الدار (فإذا عثمان فأخبرته بما قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحمد الله)
تعالى عليه (ثم قال: الله المستعان) اسم مفعول أي على ما
أنذر به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن ما أخبر
به من البلاء يصيبني لا محالة فبالله أستعين على مرارة
الصبر عليه وشدة مقاساته.
وهذا الحديث قد مر في مناقب أبي بكر -رضي الله عنه-.
3694 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ
حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَيْوَةُ
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَقِيلٍ زُهْرَةُ بْنُ مَعْبَدٍ
أَنَّهُ سَمِعَ جَدَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ هِشَامٍ
قَالَ: "كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ".
[الحديث 3694 - طرفاه في: 6264، 6632].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي سكن مصر
(قال: حدّثني) بالإفراد
(ابن وهب) عبد الله المصري (قال: أخبرني) بالإفراد (حيوة)
بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية
(6/105)
وفتح الواو ابن شريح بالمعجمة المضمومة
آخره حاء مهملة الحضرمي المصري (قال: حدّثني) بالإفراد
(أبو عقيل) بفتح العين المهملة وكسر القاف (زهرة بن معبد)
بضم الزاي وسكون الهاء ومعبد بفتح الميم وسكون العين
المهملة وفتح الموحدة البصري (أنه سمع جده عبد الله بن
هشام) أي ابن زهرة بن عثمان التيمي ابن عم طلحة بن عبيد
الله (قال: كنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهو آخد بيد عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه-
والأخذ باليد دليل على غاية المحبة وكمال المودة قاله
الكرماني.
واقتصر المؤلّف على هذا القدر من هذا الحديث هنا، وساقه
تامًّا بهذا الإسناد في الأيمان والنذور وبقيته فقال له
عمر: يا رسول الله لأنت أحب إلي من كل شيء إلا من نفسي،
فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا
والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك" فقال له عمر:
فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي. فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الآن يا عمر".
ويأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليه في محله من الأيمان
والنذور بعون الله وقوّته.
7 - باب مَنَاقِبُ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ أَبِي عَمْرٍو
والْقُرَشِيِّ -رضي الله عنه- وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ
رُومَةَ فَلَهُ الْجَنَّةُ. فَحَفَرَهَا عُثْمَانُ»
وَقَالَ: «مَنْ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَلَهُ
الْجَنَّةُ. فَجَهَّزَهُ عُثْمَانُ»
(باب مناقب عثمان بن عفان) بن أبي العاصي بن أمية بن عبد
شمس بن عبد مناف، وأمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن
عبد شمس بن عبد مناف أسلمت بعد ابنها (أبي عمرو) بفتح
العين أي وأبي عبد الله كنيتان مشهورتان والأولى أشهر،
ولقبه ذو النورين، فروى خيثمة في الفضائل والدارقطني في
الإفراد من حديث علي أنه ذكر عثمان فقال: ذاك امرؤ يدعى في
السماء ذا النورين، وعند ابن السماك من حديثه أيضًا نحوه.
وعن ابن المهلب بن أبي صفرة قيل له ذلك لأنه لم يعلم أحد
تزوج ابنتي نبي غيره، وقيل لأنه كان يختم القرآن في الوتر
فالقرآن نور وقيام الليل نور، وقيل لأنه إذا دخل الجنة
برقت له برقتين فلذا قيل له ذو النورين (القرشي) يجتمع مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في عبد مناف
(-رضي الله عنه-) وسقط لفظ باب لأبي ذر.
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما سبق
موصولاً في باب إذا وقف أرضًا أو بئرًا من كتاب الوقف: (من
يحفر) بكسر الفاء وبالجزم بمن ولأبي ذر يحفر بالرفع (بئر
رومة فله الجنة فحفرها عثمان) -رضي الله عنه- (وقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من جهز جيش العسرة)
غزوة تبوك (فله الجنة فجهزه عثمان) -رضي الله عنه- بألف
دينار رواه أحمد والترمذي من حديث عبد الرحمن بن سمرة
وبثلثمائة بعير كما روياه من حديث عبد الرحمن بن خباب
السلمي.
3695 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ أَبِي
مُوسَى -رضي الله عنه-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ حَائِطًا وَأَمَرَنِي بِحِفْظِ
بَابِ الْحَائِطِ، فَجَاءَ رَجُلٌ يَسْتَأْذِنُ
فَقَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَإِذَا
أَبُو بَكْرٍ. ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ:
ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، فَإِذَا عُمَرُ.
ثُمَّ جَاءَ آخَرُ يَسْتَأْذِنُ، فَسَكَتَ هُنَيْهَةً
ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى
بَلْوَى سَتُصِيبُهُ، فَإِذَا عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ".
قال حماد وحدّثنا عاصم الأحولُ وعليُّ بن الحَكَم سمعا أبا
عثمانَ يُحدِّثُ عن أبي موسى بنحوهِ، وزاد فيه عاصم "أن
النبى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان قاعدًا في
مكان فيه ماءٌ قد كشفَ عن رُكبتَيهِ -أو ركبتِهِ- فلما دخل
عثمان غطّاها".
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
حماد بن زيد) أي ابن درهم (عن أيوب) السختياني (عن أبي
عثمان) عبد الرحمن بن مل (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس
الأشعري (-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل حائطًا) بستاتًا زاد في السابقة
قريبًا في الباب قبله من حيطان المدينة (وأمرني بحفظ باب
الحائط فجاء رجل يستأذن) في الدخول عليه فذهبت فاستأذنته
عليه الصلاة والسلام (فقال):
(ائذن له وبشره بالجنة، فإذا أبو بكر ثم جاء آخر يستأذن)
في الدخول فاستأذنت له (فقال):
عليه السلام (ائذن له وبشره بالجنة فإذا عمر ثم جاء آخر
يستأذن) في الدخول فاستأذنت له (فسكت) عليه الصلاة والسلام
(هنيهة) بضم الهاء وفتح النون وسكون التحتية وفتح الهاء
مصغرًا شيئًا قليلاً (ثم قال): (ائذن له وبشره بالجنة على
بلوى ستصببه) بسين قبل الفوقية (فإذا عثمان بن عفان) وزاد
رزين في تجريده فقال: اللهم صبرًا.
(قال حماد): هو ابن زيد المذكور بالسند السابق ولأبي ذر
حماد بن سلمة والأول أصوب قاله الحافظ ابن حجر وأيّده
برواية الطبراني له عن يوسف القاضي عن سليمان بن حرب
حدّثنا حماد بن زيد عن أيوب (وحدّثنا عاصم) هو ابن سليمان
(الأحول) أبو عبد الرحمن البصري (وعلي بن الحكم) بفتح
الحاء المهملة والكاف البناني البصري أنهما (سمعا أبا
عثمان) عبد الرحمن بن مل (يحدث عن أبي موسى) الأشعري -رضي
الله عنه- (بنحوه) أي الحديث السابق.
(وزاد فيه عاصم) الأحول دون علي بن الحكم (أن النبي
(6/106)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان
قاعدًا في مكان فيه ماء قد انكشف) وللكشميهني قد كشف (عن
ركبتيه) بالتثنية (أو ركبته) بالإفراد شك الراوي واستدلّ
به على أنها ليست بعورة (فلما دخل عثمان) عليه (غطاها)
استحياء منه لأن عثمان كان مشهورًا بكثرة الحياء فاستعمل
معه عليه الصلاة والسلام ما يقتضي الحياء.
وفي حديث أنس مرفوعًا مما أخرجه في المصابيح من الحسان
"أصدق أمتي حياء عثمان".
وفي حديث ابن عمر عند الملا في سيرته مرفوعًا "عثمان أحيى
أمتي وأكرمها" وفي حديث عائشة -رضي الله عنها- عند مسلم
وأحمد أنه قال في عثمان: "ألا أستحيي من رجل تستحيي منه
الملائكة".
3696 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ شَبِيبِ بْنِ سَعِيدٍ
قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ يُونُسَ ابْنُ شِهَابٍ
أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ
بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ «أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ
مَخْرَمَةَ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ
عَبْدِ يَغُوثَ قَالاَ: مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُكَلِّمَ
عُثْمَانَ لأَخِيهِ الْوَلِيدِ فَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ
فِيهِ؟ فَقَصَدْتُ لِعُثْمَانَ حَتَّى خَرَجَ إِلَى
الصَّلاَةِ، قُلْتُ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، وَهِيَ
نَصِيحَةٌ لَكَ. قَالَ: يَا أَيُّهَا الْمَرْءُ منك -قَالَ
مَعْمَرٌ: أُرَاهُ قَالَ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ-
فَانْصَرَفْتُ فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمَا، إِذْ جَاءَ رَسُولُ
عُثْمَانَ؛ فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ: مَا نَصِيحَتُكَ؟
فَقُلْتُ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ بَعَثَ مُحَمَّدًا
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَقِّ،
وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ، وَكُنْتَ مِمَّنِ
اسْتَجَابَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَهَاجَرْتَ الْهِجْرَتَيْنِ،
وَصَحِبْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَرَأَيْتَ هَدْيَهُ. وَقَدْ أَكْثَرَ النَّاسُ
فِي شَأْنِ الْوَلِيدِ. قَالَ: أَدْرَكْتَ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قُلْتُ: لاَ،
وَلَكِنْ خَلَصَ إِلَىَّ مِنْ عِلْمِهِ مَا يَخْلُصُ إِلَى
الْعَذْرَاءِ فِي سِتْرِهَا. قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ
اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِالْحَقِّ، فَكُنْتُ مِمَّنِ اسْتَجَابَ
لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ، وَآمَنْتُ بِمَا بُعِثَ بِهِ
وَهَاجَرْتُ الْهِجْرَتَيْنِ -كَمَا قُلْتَ- وَصَحِبْتُ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَبَايَعْتُهُ، فَوَاللَّهِ مَا عَصَيْتُهُ وَلاَ
غَشَشْتُهُ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ. ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ
مِثْلُهُ. ثُمَّ عُمَرُ مِثْلُهُ. ثُمَّ اسْتُخْلِفْتُ،
أَفَلَيْسَ لِي مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ الَّذِي لَهُمْ؟
قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَمَا هَذِهِ الأَحَادِيثُ الَّتِي
تَبْلُغُنِي عَنْكُمْ؟ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ شَأْنِ
الْوَلِيدِ فَسَنَأْخُذُ فِيهِ بِالْحَقِّ إِنْ شَاءَ
اللَّهُ. ثُمَّ دَعَا عَلِيًّا فَأَمَرَهُ أَنْ يَجْلِدَهُ
فَجَلَدَهُ ثَمَانِينَ». [الحديث 3696 - طرفاه في: 3872،
3927].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن
شبيب بن سعيد) بفتح الشين المعجمة وكسر الموحدة الأولى
الحبطي بفتح الحاء. المهملة والموحدة البصري المدني الأصل
قال: (حدّثني) بالإفراد (أبي) شبيب (عن يونس) بن يزيد (قال
ابن شهاب): محمد بن مسلم الزهري (أخبرني) بالإفراد (عروة)
بن الزبير (أن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن عدي بن
الخيار) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف التحتية النوفلي (أخبره
أن المسور بن مخرمة وعبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث)
بالغين المعجمة والمثلثة القرشي المدني الزهري (قالا):
لعبيد الله بن عدي بن الخيار (ما يمنعك أن تكلم عثمان
لأخيه) أي لأجل أخي عثمان لأمه، ولأبي ذر عن الكشميهني: في
أخيه (الوليد) بن عقبة بن أبي معيط وكان عثمان ولاه الكوفة
بعد أن عزل سعد بن أبي وقاص، وكان عثمان ولاه الكوفة لما
ولي الخلافة بوصية من عمر ثم عزله بالوليد سنة خمس وعشرين،
وكان سبب ذلك أن سعدًا كان أميرها، وكان عبد الله بن مسعود
على بيت المال فاقترض سعد منه مالاً فجاءه يتقاضاه فاختصما
فبلغ عثمان فغضب عليهما فعزل سعدًا واستحضر الوليد وكان
عاملاً بالجزيرة على عربها فولاه الكوفة نقله في الفتح عن
تاريخ الطبري.
(فقد أكثر الناس فيه) أي في الوليد القول لأنه صلّى الصبح
أربع ركعات ثم التفت إليهم وقال: أزيدكم وكان سكران أو
الضمير يرجع إلى عثمان أي أنكروا على عثمان كونه لم يحد
الوليد بن عقبة، وعزل سعد بن أبي وقاص به مع كون سعد أحد
العشرة، واجتمع له من الفضل والسن والعلم والدين والسبق
إلى الإسلام ما لم يتفق منه شيء للوليد بن عقبة قال عبيد
الله بن عدي (فقصدت لعثمان حتى) ولأبي ذر عن الكشميهني حين
(خرج إلى الصلاة قلت) له: (إن لي إليك حاجة وهي) أي الحاجة
(نصيحة لك) والواو للحال (قال): أي عثمان (يا أيها المرء
منك) أي أعوذ بالله منك وثبت منك لأبي ذر (قال معمر): هو
ابن راشد البصري فيما وصله في هجرة الحبشة (أراه) بضم
الهمزة أي أظنه (قال: أعوذ بالله منك) فيه تصريح ما أبهم
في قوله يا أيها المرء منك، وإنما استعاذ منه خشية أن
يكلمه بما يقتضي الإنكار عليه فيضيق صدره بذلك قاله
السفاقسي. قوله وسقط قوله أراه قال لأبي ذر: قال عبيد الله
بن عدي: (فانصرفت) من عند عثمان (فرجعت إليهما) إلى المسور
وعبد الرحمن بن الأسود، وزاد في رواية معمر فحدثتهما بالذي
قلت لعثمان وقال لي فقالا قد قضيت الذي كان عليك فبينا أنا
جالس معهما (إذ جاء رسول عثمان) ولم يسم (فهييته فقال: ما
نصيحتك؟ فقلت) له (إن الله سبحانه بعث محمدًا -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق) سقطت التصلية لأبي ذر
(وأنزل عليه الكتاب وكنت) بتاء الخطاب (ممن استجاب لله
ولرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت
التصلية لأبي ذر هنا أيضًا (فهاجرت الهجرتين) هجرة الحبشة
وهجرة المدينة (وصحبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وسقط لأبي ذر لفظ رسول الله الخ (ورأيت هديه)
بفتح الهاء وسكون الدال أي طريقه (وقد أكثر الناس) الكلام
(في شأن الوليد) بسبب شربه الخمر وسوء سيرته وزاد معمر فحق
عليك أن تقيم عليه الحد (قال): عثمان لعبيد الله (أدركت)
أي سمعت (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟)
وأخذت عنه قال: عبيد الله (قلت:
(6/107)
لا). لم أسمعه ولم يرد نفي الإدراك بالسن
فإنه ولد في حياة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كما سيأتي إن شاء الله تعالى في قصة مقتل حمزة
(ولكن خلص) بفتح الخاء واللام بعدهما صاد مهملة أي وصل
(إلى من علمه ما يخلص) بضم اللام ما يصل (إلى العذراء)
بالذال المعجمة البكر (في سترها) ووجه التشبيه بيان حال
وصول علمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليه كما
وصل علم الشريعة إلى العذراء من وراء الحجاب لكونه كان
شائعًا ذائعًا فوصوله إليه بطريق الأولى لحرصه على ذلك
(قال): أي عثمان (أما بعد فإن الله بعث محمدًا -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحق) سقط التصلية لأبي ذر
(فكنت ممن استجاب لله ولرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وآمنت بما بعث به، وهاجرت الهجرتين كما قلت)
بفتح التاء خطايا لعبيد الله (وصحبت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبايعته) من المبايعة
بالموحدة (فوالله ما عصيته ولا غششته) بغين وشينين معجمات
مع فتح الأولين وسكون الثالث (حتى توفاه الله) زاد أبو ذر
عز وجل (ثم أبو بكر مثله) بالرفع ولأبي ذر مثله بالنصب أي
مثل ما فعلت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فما عصيته ولا غششته (ثم عمر مثله) ولأبي ذر مثله بالنصب
أي ما عصيته ولا غششته (ثم استخلفت) بضم الفوقية الأولى
والأخيرة مبنيًّا للمفعول (أفليس) بهمزة الاستفهام (لي)
عليكم (من الحق مثل الذي) كان (لهم؟) علي قال: عبيد الله
(قلت): له (بلى. قال: فما هذه الأحاديث التي تبلغني عنكم؟)
بسبب تأخير إقامة الحدّ على الوليد وعزل سعد (أما ما ذكرت
من شأن الوليد فسنأخذ فيه بالحق إن شاء الله تعالى ثم دعا
عليًّا) - رضي الله تعالى عنه - (فأمره أن يجلده) بعد أن
شهد عليه رجلان أحدهما
حمران مولى عثمان أنه قد شرب الخمر كما في مسلم، والرجل
الآخر الصعب بن جثامة الصحابي رواه يعقوب بن سفيان في
تاريخه، وإنما أخّر عثمان إقامة الحد عليه ليكشف عن حال من
شهد عليه بذلك، فلما وضح له ذلك الأمر عزله وأمر عليًّا
بإقامة الحد عليه، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أن يجلد
بإسقاط ضمير النصب (فجلده) علي (ثمانين) جلدة.
وفي رواية معمر في هجرة الحبشة فجلد الوليد أربعين جلدة.
قال في الفتح: وهذه الرواية أصح من رواية يونس والوهم فيه
من الراوي عنه وهو شبيب بن سعيد ويرجح رواية معمر ما في
مسلم أن عبد الله بن جعفر جلده وعليّ يعدّ حتى بلغ أربعين
فقال: امسك ثم قال: جلد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أربعين، وأبو بكر أربعين، وعمر ثمانين وكلّ
سنّة، وهذا أحب إليّ. ومذهب الشافعي أن حدّ الخمر أربعون
لما سبق في رواية معمر، وحديث مسلم عن أنس كان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يضرب في الخمر
بالجريد والنعال أربعين. نعم للإمام أن يزيد على الأربعين
قدرها إن رآه لما سبق عن عمر ورآه عليّ حيث قال: وهذا أحب
إليّ وقال: كما في مسلم لأنه إذا شرب سكر، وإذا سكر هذى،
وإذا هذى افترى وحدّ الافتراء ثمانون، وهذه الزيادة على
الحد تعازير لا حدٍّ وإلاَّ لما جاز تركه، واعترض بأن وضع
التعزير النقص عن الحد فكيف يساويه؟ وأجيب: بأن تلك
الجنايات تولدت من الشارب، لكن قال الرافعي: ليس هذا
شافيًا فإن الجناية غير متحققة حتى يعزر والجنايات التي
تتولد من الخمر لا تنحصر فلتجز الزيادة على الثمانين وقد
منعوها. قال: وفي تبليغ الصحابة الضرب ثمانين ألفاظ مشعرة
بأن الكل حد وعليه فحد الشارب مخصوص من بين سائر الحدود
بأن يتحتم بعضه ويتعلق بعضه باجتهاد الإمام ويأتي مزيد
لذلك إن شاء الله تعالى بعون الله في الحدود.
3697 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ
حَدَّثَنَا شَاذَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ
أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ:
"كُنَّا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لاَ نَعْدِلُ بِأَبِي بَكْرٍ أَحَدًا، ثُمَّ
عُمَرَ ثُمَّ عُثْمَانَ، ثُمَّ نَتْرُكُ أَصْحَابَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لاَ
نُفَاضِلُ بَيْنَهُمْ". تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بن صالح
عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (محمد بن حاتم بن بزيع) بالحاء
المهملة وكسر المثناة الفوقية وبزيع بالموحدة المفتوحة
والزاي المكسورة والتحتية الساكنة بعدها عين مهملة قال:
(حدّثنا شاذان) بالشين والذال المعجمتين لقب الأسود بن
عامر الشامي الأصل ثم البغدادي قال: (حدّثنا عبد العزيز بن
أبي سلمة الماجشون) بضم النون في الفرع صفة لعبد العزيز
وبكسرها صفة لأبي سلمة لأن كلا منهما تلقب به
(6/108)
(عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر
العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: كنا في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا نعدل بأبي بكر) في الفضل (أحدًا)
من الصحابة بعد الأنبياء (ثم عمر ثم عثمان) ولأبي ذر ثم
عمر ثم عثمان برفع الراء والنون (ثم نترك أصحاب النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا نفاضل بينهم) وفي
لفظ للترمذي وقال: إنه صحيح
غريب كنا نقول: ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حي أبو بكر وعمر وعثمان، وفي آخر عند الطبراني
وغيره ما هو أصرح كنا نقول ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حي أفضل هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر
وعمر وعثمان فيسمع ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فلا ينكره، ووجه الخطابي ذلك بأنه أراد به
الشيوخ وذوي الأسنان منهم الذين كان -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا حز به أمر شاورهم فيه، وكان علي
-رضي الله عنه- إذ ذاك حديث السن ولم يرد ابن عمر الازدراء
بعلي ولا تأخره ورفعه عن الفضيلة بعد عثمان ففضله مشهور لا
ينكره ابن عمر ولا غيره من الصحابة وإنما اختلفوا في تقديم
عثمان عليه اهـ.
قال في الفتح: وما اعتذر به من جهة السن بعيد لا أثر له في
التفضيل المذكور، والظاهر أن ابن عمر أراد بذلك أنهم كانوا
يجتهدون في التفضيل فيظهر لهم فضل الثلاثة ظهورًا بينًا
فيجزمون بذلك ولم يكونوا اطلعوا على التنصيص. وقال
الكرماني: يحتمل أن يكون ابن عمر أراد أن ذلك وقع لهم في
بعض أزمنته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يمنع
ذلك أن يظهر لهم بعد ذلك، وإلى القول بتفضيل عثمان ذهب
الشافعي وأحمد كما رواه البيهقي عنهما وحكاه الشافعي عن
إجماع الصحابة والتابعين وهو المشهور عن مالك وكافة أئمة
الحديث والفقه وكثير من المتكلمين، وإليه ذهب أبو الحسن
الأشعري والقاضي أبو بكر الباقلاني ولكنهما اختلفا في
التفضيل أهو قطعي أم ظني، فالذي مال إليه الأشعري الأول،
والذي مال إليه الباقلاني واختاره إمام الحرمين في الإرشاد
الثاني، وعبارته لم يقم عندنا دليل قاطع على تفضيل بعض
الأئمة على بعض إذ العقل لا يدل على ذلك والأخبار الواردة
في فضائلهم متعارضة ولا يمكن تلقي التفضيل ممن منع إمامة
المفضول ولكن الغالب على الظن أن أبا بكر -رضي الله عنه-
أفضل الخلائق بعد الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثم عمر أفضلهم بعده وتتعارض الظنون في عثمان
وعلي.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود في السنة.
(تابعه) أي تابع شاذان (عبد الله بن صالح) الجهني كاتب
الليث وثبت ابن صالح لأبي ذر (عن عبد العزيز) بن أبي سلمة
الماجشون بإسناده المذكور.
3698 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
أَبُو عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عُثْمَانُ هُوَ ابْنُ مَوْهَبٍ
قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ مَنْ أَهْلِ مِصْرَ حَجَّ الْبَيْتَ،
فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ: مَنْ هَؤُلاَءِ
الْقَوْمُ؟ فَقَالُوا: هَؤُلاَءِ قُرَيْشٌ. قَالَ: فَمَنِ
الشَّيْخُ فِيهِمْ؟ قَالُوا: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ.
قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَىْءٍ
فَحَدِّثْنِي عَنْهُ: هَلْ تَعْلَمُ أَنَّ عُثْمَانَ فَرَّ
يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَقَالَ: تَعْلَمُ أَنَّهُ
تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ وَلَمْ يَشْهَدْ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ الرَّجُلُ: هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ تَغَيَّبَ عَنْ
بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ ابْنُ عُمَرَ: تَعَالَ
أُبَيِّنْ لَكَ. أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ
فَأَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ عَفَا عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ.
وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ فَإِنَّهُ كَانَتْ
تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ لَكَ
أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا وَسَهْمَهُ.
وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَوْ
كَانَ
أَحَدٌ أَعَزَّ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ
لَبَعَثَهُ مَكَانَهُ، فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُثْمَانَ، وَكَانَتْ
بَيْعَةُ الرُّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى
مَكَّةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِيَدِهِ الْيُمْنَى: هَذِهِ يَدُ
عُثْمَانَ. فَضَرَبَ بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ: هَذِهِ
لِعُثْمَانَ. فَقَالَ لَهُ ابْنُ عُمَرَ: اذْهَبْ بِهَا
الآنَ مَعَكَ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذي وسقط ابن
إسماعيل لأبي ذر قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح بن عبد
الله اليشكري قال: (حدّثنا عثمان هو ابن موهب) بفتح الميم
والهاء بينهما واو ساكنة آخره موحدة كذا في الفرع
والناصرية، وفي الفتح بكسر الهاء مولى بني تميم البصري
التابعيّ الوسط من طبقة الحسن البصري (قال: جاء رجل من أهل
مصر) لم يعرفه الحافظ ابن حجر، نعم قال في المقدمة قيل إنه
يزيد بن بشر السكسكي (حج) ولأبي ذر وحج (البيت) الحرام
(فرأى قومًا جلوسًا) أي جالسين لم يسموا (فقال: من هؤلاء
القوم؟ قال): ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فقال؛ وله عن
الكشميهني فقالوا: (هؤلاء قريش) لم يسم المجيب أيضًا (قال:
فمن الشيخ فيهم؟) الذي يرجعون إليه (قالوا): هو (عبد الله
بن عمر) بن الخطاب (قال: يا ابن عمر إني سائلك عن شيء
فحدثني عنه هل تعلم أن عثمان فرّ يوم) غزوة (أُحد؟ قال):
ابن عمر (نعم فقال): أي الرجل ولأبي ذر قال: هل (تعلم أنه
تغيّب) بالغين المعجمة (عن) غزوة (بدر ولم يشهد؟) وقعتها
(قال): ابن عمر (نعم. قال) الرجل: (هل تعلم أنه تغيب عن
بيعة الرضوان) تحت الشجرة في الحديبية (فلم يشهدها؟ قال):
ابن عمر (نعم. قال): الرجل (الله كبر) مستحسنًا لجواب ابن
عمر لكونه مطابقًا لمعتقده (قال ابن عمر): مجيبًا له ليزيل
اعتقاده (تعال أبين لك) بالجزم (أما فراره يوم
(6/109)
أُحد فأشهد أن الله) عز وجل (عفا عنه وغفر
له) في قوله: {ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم} [آل
عمران: 155] (وأما تغيبه عن بدر فإنه كان) كذا في الفرع
كان بغير تاء تأنيث وفي اليونينية والناصرية وغيرهما كانت
(تحته بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
رقية براء مضمومة وقاف مفتوحة وتحتية مشددة (وكانت مريضة)
فأمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتخلف
هو وأسامة بن زيد كما في مستدرك الحاكم وأنها ماتت حين وصل
زيد بن حارثة بالبشارة وكان عمرها عشرين سنة (فقال له رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه) فقد حصل له المقصود
الأخروي والدنيوي (وأما تنيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد
أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه) عليه الصلاة والسلام (مكانه)
أي مكان عثمان (فبعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عثمان) إلى أهل مكة ليعلم قريشًا أنه إنما جاء
معتمرًا لا محاربًا (وكانت بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان
إلى مكة) فشاع في غيبة عثمان أن المشركين تعرضوا لحرب
المسلمين فاستعد المسلمون للقتال وبايعهم النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حينئذٍ تحت الشجرة أن لا
يفروا (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بيده اليمنى) أي مشيرًا بها (هذه يد عثمان) أي
بدلها (فضرب بها على يده) اليسرى (فقال) أي للرجل (ابن
عمر: اذهب بها) أي بالأجوبة التي أجبتك بها (الأن معك) حتى
يزول عنك ما كنت تعتقده من عيب عثمان.
3699 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه-
حَدَّثَهُمْ قَالَ: «صَعِدَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُحُدًا وَمَعَهُ أَبُو بَكْرٍ
وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ، فَرَجَفَ، فَقَالَ: اسْكُنْ أُحُدُ
-أَظُنُّهُ ضَرَبَهُ بِرِجْلِهِ- فَلَيْسَ عَلَيْكَ إِلاَّ
نَبِيٌّ وَصِدِّيقٌ وَشَهِيدَانِ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
بن سعيد (عن سعيد عن قتادة) بن دعامة (أن أنسًا -رضي الله
عنه- حدثهم قال: صعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بكسر العين (أُحدًا) الجبل المشهور (ومعه أبو
بكر وعمر وعثمان فرجف) أي اضطرب الجبل بهم ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي فرجفت أي الصخرة كما في حديث أبي هريرة
عند مسلم بلفظ: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على حراء هو وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة
والزبير فتحركت الصخرة (وقال) عليه الصلاة والسلام للجبل
ولأبي ذر فقال:
(أسكن أُحد) بالبناء على الضم منادى مفرد حذف منه الأداة
قال أنس: (أظنه ضربه برجله) الشريفة (فليس عليك إلا نبي
وصديق) أبو بكر (وشهيدان) عمر وعثمان ورواية حراء تدل على
التعدد، وقع في حديث أبي ذر تقديم حديث أنس هذا على سابقه.
8 - باب قِصَّةُ الْبَيْعَةِ، وَالاِتِّفَاقُ عَلَى
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ -رضي الله عنه- وَفِيهِ مَقْتَلُ
عُمَرَ بْنِ الخَطَابِ -رضي الله عنهما-
(باب) ذكر (قصة البيعة) بعد عمر بن الخطاب (و) ذكر
(الاتفاق على) تقديم (عثمان بن عفان) -رضي الله عنه- في
الخلافة على غيره ولفظ باب ثابت لأبي ذر ساقط لغيره فالقصة
والاتفاق رفع، وسقط الباب والترجمة للكشميهني والمستملي
(وفيه) أي في الباب (مقتل عمر -رضي الله عنهما-) وسقط قوله
وفيه الخ للكشميهني والمستملي.
3700 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
مَيْمُونٍ قَالَ: "رَأَيْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي
الله عنه- قَبْلَ أَنْ يُصَابَ بِأَيَّامٍ بِالْمَدِينَةِ
وَقَفَ عَلَى حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَعُثْمَانَ بْنِ
حُنَيْفٍ قَالَ: كَيْفَ فَعَلْتُمَا؟ أَتَخَافَانِ أَنْ
تَكُونَا قَدْ حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لاَ تُطِيقُ؟
قَالاَ: حَمَّلْنَاهَا أَمْرًا هِيَ لَهُ مُطِيقَةٌ، مَا
فِيهَا كَبِيرُ فَضْلٍ. قَالَ: انْظُرَا أَنْ تَكُونَا
حَمَّلْتُمَا الأَرْضَ مَا لاَ تُطِيقُ. قَالاَ: لاَ.
فَقَالَ عُمَرُ: لَئِنْ سَلَّمَنِي اللَّهُ لأَدَعَنَّ
أَرَامِلَ أَهْلِ الْعِرَاقِ لاَ يَحْتَجْنَ إِلَى رَجُلٍ
بَعْدِي أَبَدًا. قَالَ: فَمَا أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ
رَابِعَةٌ حَتَّى أُصِيبَ. قَالَ: إِنِّي لَقَائِمٌ مَا
بَيْنِي وَبَيْنَهُ إِلاَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ
غَدَاةَ أُصِيبَ -وَكَانَ إِذَا مَرَّ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ
قَالَ: اسْتَوُوا، حَتَّى إِذَا لَمْ يَرَ فِيهِنَّ
خَلَلاً تَقَدَّمَ فَكَبَّرَ، وَرُبَّمَا قَرَأَ سُورَةَ
يُوسُفَ أَوِ النَّحْلَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ فِي
الرَّكْعَةِ الأُولَى حَتَّى يَجْتَمِعَ النَّاسُ فَمَا
هُوَ إِلاَّ أَنْ كَبَّرَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: قَتَلَنِي
-أَوْ أَكَلَنِي- الْكَلْبُ، حِينَ طَعَنَهُ، فَطَارَ
الْعِلْجُ بِسِكِّينٍ ذَاتِ طَرَفَيْنِ، لاَ يَمُرُّ عَلَى
أَحَدٍ يَمِينًا وَلاَ شِمَالاً إِلاَّ طَعَنَهُ، حَتَّى
طَعَنَ ثَلاَثَةَ عَشَرَ رَجُلاً
مَاتَ مِنْهُمْ سَبْعَةٌ. فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ رَجُلٌ
مِنَ الْمُسْلِمِينَ طَرَحَ عَلَيْهِ بُرْنُسًا، فَلَمَّا
ظَنَّ الْعِلْجُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ نَحَرَ نَفْسَهُ.
وَتَنَاوَلَ عُمَرُ يَدَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
فَقَدَّمَهُ، فَمَنْ يَلِي عُمَرَ فَقَدْ رَأَى الَّذِي
أَرَى، وَأَمَّا نَوَاحِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُمْ لاَ
يَدْرُونَ غَيْرَ أَنَّهُمْ قَدْ فَقَدُوا صَوْتَ عُمَرَ
وَهُمْ يَقُولُونَ: سُبْحَانَ اللَّهِ سُبْحَانَ اللَّهِ.
فَصَلَّى بِهِمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَلاَةً خَفِيفَةً،
فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَالَ: يَا ابْنَ عَبَّاسٍ، انْظُرْ
مَنْ قَتَلَنِي. فَجَالَ سَاعَةً، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ:
غُلاَمُ الْمُغِيرَةِ. قَالَ: الصَّنَعُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ، لَقَدْ أَمَرْتُ بِهِ
مَعْرُوفًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَجْعَلْ
مَنِيَّتِي بِيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ، قَدْ
كُنْتَ أَنْتَ وَأَبُوكَ تُحِبَّانِ أَنْ تَكْثُرَ
الْعُلُوجُ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَ الْعَبَّاسُ
أَكْثَرَهُمْ رَقِيقًا. فَقَالَ: إِنْ شِئْتَ فَعَلْتُ
-أَىْ إِنْ شِئْتَ قَتَلْنَا. قَالَ: كَذَبْتَ، بَعْدَ مَا
تَكَلَّمُوا بِلِسَانِكُمْ، وَصَلَّوْا قِبْلَتَكُمْ،
وَحَجُّوا حَجَّكُمْ؟ فَاحْتُمِلَ إِلَى بَيْتِهِ،
فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، وَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ
تُصِبْهُمْ مُصِيبَةٌ قَبْلَ يَوْمَئِذٍ: فَقَائِلٌ
يَقُولُ: لاَ بَأْسَ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: أَخَافُ
عَلَيْهِ. فَأُتِيَ بِنَبِيذٍ فَشَرِبَهُ فَخَرَجَ مِنْ
جَوْفِهِ. ثُمَّ أُتِيَ بِلَبَنٍ فَشَرِبَهُ, فَخَرَجَ
مِنْ جُرْحِهِ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ مَيِّتٌ، فَدَخَلْنَا
عَلَيْهِ، وَجَاءَ النَّاسُ يُثْنُونَ عَلَيْهِ. وَجَاءَ
رَجُلٌ شَابٌّ فَقَالَ: أَبْشِرْ يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ بِبُشْرَى اللَّهِ لَكَ، مِنْ صُحْبَةِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
وَقَدَمٍ فِي الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، ثُمَّ
وَلِيتَ فَعَدَلْتَ، ثُمَّ شَهَادَةٌ. قَالَ: وَدِدْتُ
أَنَّ ذَلِكَ كَفَافٌ لاَ عَلَيَّ وَلاَ لِي. فَلَمَّا
أَدْبَرَ إِذَا إِزَارُهُ يَمَسُّ الأَرْضَ، قَالَ:
رُدُّوا عَلَيَّ الْغُلاَمَ. قَالَ: يا ابْنَ أَخِي،
ارْفَعْ ثَوْبَكَ، فَإِنَّهُ أَبْقَى لِثَوْبِكَ وَأَنْقَى
لِرَبِّكَ. يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، انْظُرْ مَا
عَلَيَّ مِنَ الدَّيْنِ. فَحَسَبُوهُ فَوَجَدُوهُ سِتَّةً
وَثَمَانِينَ أَلْفًا أَوْ نَحْوَهُ. قَالَ: إِنْ وَفَى
لَهُ مَالُ آلِ عُمَرَ فَأَدِّهِ مِنْ أَمْوَالِهِمْ،
وَإِلاَّ فَسَلْ فِي بَنِي عَدِيِّ بْنِ كَعْبٍ، فَإِنْ
لَمْ تَفِ أَمْوَالُهُمْ فَسَلْ فِي قُرَيْشٍ، وَلاَ
تَعْدُهُمْ إِلَى غَيْرِهِمْ، فَأَدِّ عَنِّي هَذَا
الْمَالَ. انْطَلِقْ إِلَى عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
فَقُلْ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ عُمَرُ السَّلاَمَ -وَلاَ
تَقُلْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنِّي لَسْتُ الْيَوْمَ
لِلْمُؤْمِنِينَ أَمِيرًا- وَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ أَنْ يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ.
فَسَلَّمَ وَاسْتَأْذَنَ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَيْهَا
فَوَجَدَهَا قَاعِدَةً تَبْكِي فَقَالَ: يَقْرَأُ عَلَيْكِ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ السَّلاَمَ وَيَسْتَأْذِنُ أَنْ
يُدْفَنَ مَعَ صَاحِبَيْهِ. فَقَالَتْ: كُنْتُ أُرِيدُهُ
لِنَفْسِي، وَلأُوثِرَنَّ بِهِ الْيَوْمَ عَلَى نَفْسِي.
فَلَمَّا أَقْبَلَ قِيلَ: هَذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عُمَرَ قَدْ جَاءَ. قَالَ: ارْفَعُونِي. فَأَسْنَدَهُ
رَجُلٌ إِلَيْهِ فَقَالَ: مَا لَدَيْكَ؟ قَالَ: الَّذِي
تُحِبُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، أَذِنَتْ. قَالَ:
الْحَمْدُ لِلَّهِ، مَا كَانَ مِنْ شَىْءٍ أَهَمُّ إِلَىَّ
مِنْ ذَلِكَ، فَإِذَا أَنَا قَضَيْتُ احْمِلُونِي، ثُمَّ
سَلِّمْ فَقُلْ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ،
فَإِنْ أَذِنَتْ لِي فَأَدْخِلُونِي، وَإِنْ رَدَّتْنِي
رُدُّونِي إِلَى مَقَابِرِ الْمُسْلِمِينَ. وَجَاءَتْ
أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةُ وَالنِّسَاءُ تَسِيرُ
مَعَهَا، فَلَمَّا رَأَيْنَاهَا قُمْنَا، فَوَلَجَتْ
عَلَيْهِ فَبَكَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً، وَاسْتَأْذَنَ
الرِّجَالُ، فَوَلَجَتْ دَاخِلاً لَهُمْ، فَسَمِعْنَا
بُكَاءَهَا مِنَ الدَّاخِلِ. فَقَالُوا: أَوْصِ يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ. قَالَ: مَا أَجِدُ
أَحَقَّ بِهَذَا الأَمْرِ مِنْ هَؤُلاَءِ النَّفَرِ -أَوِ
الرَّهْطِ- الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ عَنْهُمْ رَاضٍ:
فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ
وَسَعْدًا
وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ، وَقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَلَيْسَ لَهُ مِنَ الأَمْرِ
-كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ- فَإِنْ أَصَابَتِ
الإِمْرَةُ سَعْدًا فَهْوَ ذَاكَ، وَإِلاَّ فَلْيَسْتَعِنْ
بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ، فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ
عَنْ عَجْزٍ وَلاَ خِيَانَةٍ وَقَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ
مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الأَوَّلِينَ، أَنْ
يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ، وَيَحْفَظَ لَهُمْ
حُرْمَتَهُمْ. وَأُوصِيهِ بِالأَنْصَارِ خَيْرًا،
الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ
قَبْلِهِمْ، أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ، وَأَنْ
يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ. وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ
الأَمْصَارِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الإِسْلاَمِ،
وَجُبَاةُ الْمَالِ وَغَيْظُ الْعَدُوِّ، وَأَنْ لاَ
يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلاَّ فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ.
وَأُوصِيهِ بِالأَعْرَابِ خَيْرًا، فَإِنَّهُمْ أَصْلُ
الْعَرَبِ، وَمَادَّةُ الإِسْلاَمِ، أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ
حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ وَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ.
وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَنْ يُوفَى لَهُمْ
بِعَهْدِهِمْ، وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ، وَلاَ
يُكَلَّفُوا إِلاَّ طَاقَتَهُمْ. فَلَمَّا قُبِضَ
خَرَجْنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي فَسَلَّمَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ. قَالَتْ: أَدْخِلُوهُ. فَأُدْخِلَ، فَوُضِعَ
هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ. فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ
دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلاَءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلاَثَةٍ
مِنْكُمْ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي
إِلَى عَلِيٍّ. فَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي
إِلَى عُثْمَانَ، وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي
إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. فَقَالَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الأَمْرِ
فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ، وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالإِسْلاَمُ
لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ؟ فَأُسْكِتَ
الشَّيْخَانِ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ:
أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَىَّ وَاللَّهُ عَلَىَّ أَنْ لاَ
آلُوَ عَنْ أَفْضَلِكُمْ؟ قَالاَ: نَعَمْ. فَأَخَذَ بِيَدِ
أَحَدِهِمَا فَقَالَ: لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْقَدَمُ فِي
الإِسْلاَمِ مَا قَدْ عَلِمْتَ، فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ
أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ، وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ
لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ. ثُمَّ خَلاَ بِالآخَرِ
فَقَالَ: لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ
قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ، فَبَايَعَهُ،
فَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ، وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ
فَبَايَعُوهُ".
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن حصين) بضم الحاء مصغرًا ابن
عبد الرحمن الكوفي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأودي
أنه (قال: رأيت عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قبل أن يصاب)
بالقتل (بأيام) أربعة (بالمدينة) الشريفة (وقف) ولأبى ذر
عن الكشميهني: ووقف (على حذيفة بن اليمان) صاحب سر رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وعثمان بن
حنيف) بضم الحاء المهملة وفتح النون آخره فاء مصغرًا ابن
وهب الأنصاري الصحابي - رضي الله تعالى عنهما -، وكان عمر
قد بعثهما يضربان على أرض السواد الخراج وعلى أهلها الجزية
(قال) عمر لهما: (كيف فعلتما) في أرض سواد العراق حين
توليتما مسحها (أتخافان أن تكونا قد حملتما الأرض)
المذكورة من الخراج (ما لا تطيق؟) حمله (قالا): مجيبين له
قد (حملناها) أي الأرض (أمرًا هي له مطبقة ما فيها كبير
فضل) بالموحدة لا بالمثلثة (قال) عمر -رضي الله عنهما-
لهما: (انظرا) أي احذرا (أن تكونا حملتما الأرض ما لا
تطيق. قل) عمر بن ميمون (قالا): أي حذيفة
(6/110)
وابن حنيف (لا) ما حملناها فوق طاقتها
(فقال عمر: لئن سلمني الله تعالى
لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلى رجل بعدي أبدًا. قال:
فما أتت عليه إلا رابعة) أي صبيحة رابعة (حتى أصيب) بالطعن
بالسكين (قال) عمرو بن ميمون: (إني لقائم) في الصف انتظر
صلاة الصبح (ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة
أصيب) بنصب غداة على الظرف مضافًا إلى الجملة أي صبيحة
الطعن (وكان) -رضي الله عنه- (إذا مر بين الصفين قال)
للناس: (استووا حتى إذا لم ير فيهن) أي الصفوف ولأبي ذر عن
الكشميهني فيهم بالميم بدل النون أي أهل الصفوف (خللاً
تقدم فكبر) تكبيرة الإحرام (وربما قرأ سورة يوسف أو النحل
أو نحو ذلك) ولأبي ذر بسورة يوسف أو النحل بموحدة قبل
السين أو نحو ذلك (في الركعة الأولى) والشك من الراوي (حتى
يجتمع الناس) للصلاة (فما هو إلا أن كبّر) للإحرام (فسمعته
يقول: قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه) أبو لؤلؤة فيروز
العلج غلام المغيرة بن شعبة والشك من الراوي، وقيل ظن أنه
كلب عضه، وكان عمر فيما رواه الزهري مما رواه ابن سعد
بإسناد صحيح لا يأذن للسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى
كتب المغيرة بن شعبة وهو على الكوفة فذكر له غلامًا عنده
صنعًا ويستأذنه أن يدخله المدينة ويقول: إن عنده أعمالاً
تنفع الناس إنه حداد نقاش نجار فأذن له فضرب عليه كل شهر
مائة فشكا إلى عمر شدة الخراج فقال له: خراجك ليس بكثير في
جنب ما تعمل، فانصرف ساخطًا، فلبث عمر ليالي فمرّ به العبد
فقال: ألم أحدث أنك تقول لو أشاء لصنعت رحا تطحن بالريح
فالتفت إليه عابسًا فقال: لأصنعن لك رحا يتحدث الناس بها،
فأقبل عمر على من معه فقال: توعدني العبد فلبث ليالي ثم
اشتمل على خنجر ذي رأسين نصابه وسطه فكمن في زاوية من
زوايا المسجد في الغلس حتى خرج عمر -رضي الله عنه- يوقظ
الناس الصلاة الصلاة وكان عمر يفعل ذلك، فلما دنا عمر وثب
عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق
وهي التي قتلته.
(فطار العلج) بكسر العين المهملة وبعد اللام الساكنة جيم
وهو الرجل من كفار العجم الشديد والمراد أبو لؤلؤة أي أسرع
في مشيه (بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يميتًا ولا
شمالاً) وسقط لفظ لا من قوله ولا شمالاً من رواية أبي ذر
(إلا طعنه) بها (حتى طعن ثلاثة عشر رجلاً مات منهم سبعة)
بالموحدة بعد المهملة وفي نسخة باليونينية تسعة بالفوقية
قبل المهملة منهم كليب بن البكير الليثي الصحابي وعاش
الباقون (فلما رأى ذلك رجل من المسلمين) وفي ذيل الاستيعاب
لابن فتحون أنه من المهاجرين يقال له خطان التميمي
اليربوعي (طرح عليه برنسًا) بضم الموحدة والنون بينهما راء
ساكنة قلنسوة طويلة، وقيل كساء يجعله الرجل في رأسه (فلما
ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه، وتناول عمر) -رضي الله عنه-
(يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه) إلى الصلاة بالناس. قال عمرو
بن ميمون (فمن يلي عمر؟) أي من الناس (فقد رأى الذي أرى)
من طعن العلج لعمر (وأما) الذين في (نواحي المسجد فإنهم لا
يدرون غير أنهم قد فقدوا) بفتح القاف (صوت عمر) في الصلاة
(وهم يقولون): متعجبين (سبحان الله سبحان الله) مرتين
(فصلى بهم عبد الرحمن) بن عوف -رضي الله عنه- (صلاة خفيفة)
وفي رواية أبي إسحاق السبيعيّ عند ابن أبي
شيبة بأقصر سورتين في القرآن: {إنّا أعطيناك الكوثر}
[الكوثر: 1]، و {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1]
(فلما انصرفوا قال: يا ابن عباس انظر من قتلني فجال) ابن
عباس (ساعة) بالجيم (ثم جاء فقال): قتلك (غلام المغيرة.
قال): عمر (الصنع؟) بفتح الصاد المهملة والنون الصانع
الحاذق في صناعته (قال): ابن عباس (نعم. قال): عمر (قاتله
الله) والله (لقد أمرت به معروفًا) بفتح همزة أمرت (الحمد
لله الذي لم يجعل ميتتي) بميم مكسورة فتحتية ساكنة
ففوقيتين أولاهما مفتوحة أي قتلتي، ولأبي ذر عن الكشميهني
منيتي بفتح الميم وكسر النون والتحتية المشددة واحد
المنايا (بيد رجل يدعي
(6/111)
الإسلام) بل على يد رجل مجوسي وهو أبو
لؤلؤة ثم قال عمر يخاطب ابن عباس: (قد كنت أنت وأبوك)
العباس (تحبان أن تكثرا العلوج بالمدينة) وعند عمر بن شبة
من طريق ابن سيرين قال: بلغني أن العباس قال لعمر لما قال:
لا تدخلوا علينا من السبي إلا الوصفاء إن عمل المدينة شديد
لا يستقيم إلا بالعلوج (وكان العباس أكثرهم رقيقًا) وثبت
لفظ العباس لأبي ذر (فقال) ابن عباس -رضي الله عنهما-
يخاطب عمر (إن شئت فعلت) بضم تاء فعلت وفسره بقوله (أي إن
شئت قتلنا) من بالمدينة من العلوج (قال) عمر لابن عباس
ولأبي ذر فقال: (كذبت) تقتلهم (بعد ما تكلموا بلسانكم
وصلّوا قبلتكم) أي إلى قبلتكم (وحجوا حجّكم) أي فهم مسلمون
والمسلم لا يجوز قتله وتكذيبه له هو على ما ألف من شدته في
الدين.
(فاحتمل) عمر -رضي الله عنه- (إلى بيته فانطلقنا معه وكأن
الناس) بتشديد النون بعد الهمزة (لم تصبهم مصيبة قبل
يومئذٍ فقائل يقول: لا بأس) عليه (وقائل يقول أخاف عليه
فأتي بنبيذ) بالمعجمة متخذ من تمر نقع في ماء غير مسكر
(فشربه) لينظر ما قدر جرحه (فخرج من جوفه) أي جرحه وهي
رواية الكشميهني قال في الفتح: وهو أصوب، وفي رواية أبي
رافع عند أبي يعلى وابن حبان فخرج النبيذ فلم يدر أهو نبيذ
أم دم (ثم أتي بلبن فشربه) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
فشرب بإسقاط ضمير المفعول (فخرج من جرحه) أبيض ولأبي ذر من
جوفه (فعلموا) ولأبي ذر عن الكشميهني فعرفوا (أنه ميت) من
جراحته (فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون) بضم أوله ولأبي ذر
عن الكشميهني وجاء الناس فجعلوا يثنون (عليه) خيرًا.
(وجاء رجل شاب) زاد في رواية جرير عن حصين السابقة في
الجنائز من الأنصار (فقال أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى
الله) عز وجل (لك من صحبة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقدم) بفتح القاف والتنوين أي فضل
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وقدم بكسر القاف أي سبق (في
الإسلام ما قد علمت) في موضع رفع على الابتداء خبره لك
مقدما (ثم وليت) بفتح الواو وتخفيف اللام الخلافة (فعدلت)
في الرعية (ثم شهادة) بالرفع والتنوين عطفًا على ما قد
علمت (قال) عمر - رضي الله تعالى عنه - (وددت) بكسر الدال
الأولى وبسكون الأخرى أي أحببت (أن ذلك كفاف) بفتح الكاف
وللأصيلي وابن عساكر كفافا بالنصب اسم إن (لا عليّ ولا لي)
أي سواء بسواء لا عقاب ولا ثواب. وعند ابن سعد أن ابن عباس
أثنى على عمر نحوًا من هذا وهو محمول على التعدد، وعنده من
حديث جابر -رضي الله عنه- أن ممن أثنى عليه عبد الرحمن بن
عوف -رضي الله عنه-،
وعند ابن أبي شيبة أن المغيرة بن شعبة أثنى عليه وقال له:
هنيئًا لك الجنة (فلما أدبر) الرجل الشاب (إذا إزاره يمس
الأرض) لطوله (قال): عمر -رضي الله عنه- (ردّوا عليّ
الغلام) فلما جاءه (قال: ابن أخي) ولأبي ذر يا ابن أخي
(ارفع ثوبك) عن الأرض (فإنه أبقى) بالموحدة، وللحموي
والمستملي أنقى بالنون لثوبك (وأتقى لربك) عز وجل، ثم قال
لابنه (يا عبد الله بن عمر انظر ما عليّ من الدين فحسبوه
فوجدوه ستة وثمانين ألفًا أو نحوه قال: إن وفى) بتخفيف
الفاء (له) للدين (مال آل عمر فأده من أموالهم) أي مال عمر
ألفًا مقحمة أو المراد رهط عمر (وإلا) بإن لم يف (فسل في
بني عدي بن كعب) وهم البطن الذي هو منهم (فإن لم تف
أموالهم) بذلك (فسل في قريش) قبيلتهم (ولا تعدهم) بسكون
العين أي لا تتجاوزهم (إلى غيرهم فأدّ عني هذا المال) وفي
حديث جابر عند ابن أبي عمر أن عمر -رضي الله عنه- قال
لابنه: ضعها في بيت مال المسلمين، وأن عبد الرحمن بن عوف
سأله فقال: أنفقتها في حجج حججتها ونوائب كانت تنوبني ثم
قال: (انطلق إلى عائشة أم المؤمنين) -رضي الله عنها- (فقل)
لها (يقرأ عليك عمر السلام، ولا تقل أمير المؤمنين فإني
لست اليوم للمؤمنين أميرًا) قال: ذلك لتيقنه بالموت حينئذ
وإشارة إلى عائشة حتى لا تحابيه لكونه أمير المؤمنين قاله
السفاقسي (وقل) لها
(6/112)
(يستأذن) أي يستأذنك (عمر بن الخطاب أن
يدفن مع صاحبيه) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأبي بكر -رضي الله عنه- في الحجرة فأتى إليها
ابن عمر (فسلم) عليها (واستأذن) ـها في الدخول (ثم دخل
عليها فوجدها قاعدة تبكي) من أجله (فقال): لها (يقرأ عليك
عمر بن الخطاب السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت:
كنت أريده ولأوثرن) ـه (به) لأخصنه بالدفن عند صاحبيه
(اليوم على نفسي فلما أقبل) ابن عمر على منزل أبيه بعد أن
فارق عائشة -رضي الله عنها- (قيل) لعمر (هذا عبد الله بن
عمر قد جاء قال) عمر: (ارفعوني) من الأرض كأنه كان مضطجعًا
فأمرهم أن يقعدوه (فأسنده رجل) لم يسم أو هو ابن عباس
(إليه فقال): لابنه (ما لديك؟ قال: الذي تحب) بحذف ضمير
النصب (يا أمير المؤمنين أذنت. قال: الحمد لله ما كان من
شيء أهم) بالنصب خبر كان وسقط لأبي ذر لفظ من (إلي) بتشديد
الياء (من ذلك) الذي أذنت فيه (فإذا أنا قضيت) وفي نسخة
قبضت (فاحملوني) إلى الحجرة بعد تجهيزي (ثم سلّم) عليها
فإذا أفرغت (فقل): لها (يستأذنـ) ك (عمر بن الخطاب) أن
يدفن مع صاحبيه (فإن أذنت لي فادخلوني وإن ردتني ردّوني
إلى مقابر المسلمين) خاف -رضي الله عنه- أن يكون الإذن
الأول حياء منه لصدوره في حياته وأن ترجع بعد موته.
(وجاءت أم المؤمنين بن حفصة) بنت عمر إليه (والنساء تسير
معها فلما رأيناها قمنا) بألف بعد النون فيهما (فولجت
عليه) أي دخلت على عمر (فبكت) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: فمكثت (عنده ساعة واستأذن الرجال) في الدخول
على عمر (فولجت) دخلت حفصة (داخلاً لهم) مدخلاً لأهلها
وسقط قوله من الفرع وثبت في اليونينية وغيرها (فسمعنا
بكاءها من) المكان (الداخل فقالوا): أي الرجال لعمر (أوص)
بفتح الهمزة (يا أمير المؤمنين استخلف) وقيل القائل عبد
الله بن عمر (قال): عمر (ما أجد) بجيم مكسورة (أحق) وفي
نسخة ما أحد أحق،
وللكشميهني ما أجد بالجيم أحدًا أحق (بهذا الأمر) أي يمر
المؤمنين (من هؤلاء النفر أو الرهط) بالشك من الراوي
(الذين توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهو عنهم راض فسمى عليًّا وعثمان والزبير) بن
العوّام (وطلحة) بن عبيد الله (وسعدًا) هو ابن أبي وقاص
(وعبد الرحمن) بن عوف (وقال): أي عمر (يشهدكم) بسكون الدال
في الفرع وفي اليونينية بالضم أي يحضركم (عبد الله بن عمر
وليس له من الأمر) أي أمر الخلافة (شيء كهيئة التعزية له
فإن أصابت الإمرة) بكسر الهمزة وسكون الميم ولأبي ذر عن
الكشميهني الإمارة بكسر الهمزة (سعدًا فهو ذاك) أهل لها
(وإلا) بإن لم تصبه (فليستعن به) بسعد (أيكم) فاعل يستعن
(ما أمر) بضم الهمزة وتشديد الميم المكسورة مبنيًّا
للمفعول أي ما دام أميرًا (فإني لم أعزله) عن الكوفة (عن)
ولأبي ذر من (عجز) في التصرف (ولا خيانة) في المال (وقال):
أي عمر (أوصي) بضم الهمزة (الخليفة من بعدي بالمهاجرين
الأولين) الذين صلوا إلى القبلتين أو الذين أدركوا بيعة
الرضوان (أن) بأن (يعرف لهم حقهم ويحفظ) نصب عطفًا على
يعرف (لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار) الأوس والخزرج خيرًا
({الذين تبوأوا الدار والإيمان من قبلهم}) [الحشر: 9]
لزموا المدينة والإيمان وتمكنوا فيهما قبل مجيء الرسول
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه إليهم، أو
تبوأوا دار الهجرة ودار الإيمان فحذف المضاف من الثاني
والمضاف إليه وعوض عنه اللام أو تبوأوا الدار وأخلصوا
الإيمان كقوله:
علفتها تبنًا وماء باردًا
وقيل سمى المدينة بالإيمان لأنها مظهره ومصيره (أن) أي بأن
(يقبل من محسنهم) بضم التحتية (وأن يعفى عن مسيئهم وأوصيه
بأهل الأمصار خيرًا) بالميم (فإنهم ردء الإسلام) بكسر
الراء وسكون الدال المهملة وبالهمزة أي عونه (وجباة المال)
بضم الجيم وفتح الموحدة المخففة جمع جاب أي يجمعون المال
(وغيظ العدوّ) أي يغيظون العدو بكثرتهم وقوتهم (وأن لا
يؤخذ) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني: ولا يؤخذ (منهم
إلا فضلهم عن
(6/113)
رضاهم) أي إلا ما فصل عنهم. وقال، الحافظ
ابن حجر وتبعه العيني وفي رواية الكشميهني: ويؤخذ منهم
بحذف حرف النفي قالا: والأول يعني وأن لا هو الصواب اهـ
والذي في اليونينية للكشميهني والمستملي: ولا يؤخذ بإثبات
حرف النفي كما مرّ.
(وأوصيه بالأعراب خيرًا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام)
بتشديد الدال (أن) أي بأن (يؤخذ من حواشي أموالهم) أي التي
ليست بخيار (وترد) بالفوقية المضمومة أي الحواشي أو
بالتحتية أي المأخوذ (على فقرائهم وأوصيه بذمة الله وذمة
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت
التصلية لأبي ذر والمراد بالذمة أهلها (أن يوفى لهم
بعهدهم) بسكون الواو وفتح الفاء مخففة (وأن يقاتل) بفتح
الفوقية (من ورائهم) جار ومجرور أي إذا قصدهم عدوّ لهم
(ولا يكلفوا) بفتح اللام المشددة في الجزية (إلا طاقتهم،
فلما قبض) - رضي الله تعالى عنه - بعد ثلاث من جراحته
(خرجنا به) من منزله وصلّى عليه صهيب، وروي مما ذكره في
الرياض أنه لما قتل أظلمت الأرض فجعل الصبي يقول
لأمه: يا أماه أقامت القيامة؟ فتقول: لا يا بني ولكن قتل
عمر - رضي الله تعالى عنه -. وفي حديث عائشة - رضي الله
تعالى عنها - مما خرجه أبو عمر: ناحت الجن على عمر - رضي
الله تعالى عنه - قبل أن يموت بثلاث فقالت:
أبعد قتيل بالمدينة أظلمت ... له الأرض تهتز العضاه بأسوق
جزى الله خيرًا من إمام وباركت ... يد الله في ذاك الأديم
الممزق
فمن يسع أو يركب جناحي نعامة ... ليدرك ما قدمت بالأمس
يسبق
قضيت أمورًا ثم غادرت بعدها ... بوائق من أكمامها لم تفتق
(فانطلقنا نمشي) حتى أتينا حجرة عائشة - رضي الله تعالى
عنها - (فسلّم عبد الله بن عمر) فلما قضى سلامه (قال)
لعائشة -رضي الله عنها-: (يستأذن عمر بن الخطاب قالت:
أدخلوه) بهمزة مفتوحة وكسر الخاء المعجمة (فأدخل فوضع) بضم
الهمزة من الأول والواو من الثاني مبنيين للمفعول (هنالك)
في بيت عائشة - رضي الله تعالى عنها - (مع صاحبيه) وراء
قبر أبي بكر أو حذاء منكبي أبي بكر عند رأس النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو عند رجلي أبي بكر (فلما
فرغ) بضم الفاء وكسر الراء في اليونينية والناصرية وغيرهما
وفي الفرع فرغوا (من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط) المذكورون
لأجل من يلي الخلافة منهم (فقال عبد الرحمن) بن عوف
(اجعلوا أمركم) في الاختيار (إلى ثلاثة منكم) ليقل
الاختلاف (فقال الزبير: قد جعلت أمري إلى علي، فقال طلحة)
بن عبيد الله: (قد جعلت أمري إلى عثمان. وقال سعد): أي ابن
أبي وقاص (وقد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف) سقط ابن
عوف من الفرع وثبت في أصله وفي الناصرية وغيرهما (فقال عبد
الرحمن): يخاطب عليًّا وعثمان (أيكما تبرأ من هذا الأمر
فنجعله إليه والله) رقيب (عليه و) كذا (الإسلام لينظرن)
بفتح اللام في اليونينية وغيرها جوابًا لقسم مقدر وفي
بعضها بكسرها أمرًا للغائب (أفضلهم في نفسه) أي في معتقده
(فأسكت الشيخان) عثمان وعلي بضم همزة أسكت وكسر كافها
مبنيًّا للمفعول كان مسكتًا أسكتهما، وفي اليونينية قال
أبو ذر فأسكت بفتح الهمزة والكاف أصوب يقال: أسكت الرجل أي
صار ساكتًا (فقال: عبد الرحمن: أفتجعلونه) أي أمر الولاية
(إليّ) بتشديد التحتية (والله علي) رقيب (أن) بأن (لا آلو)
بمد الهمزة أي لا أقصر (عن أفضلكم. قالا): عثمان وعلي
(نعم) نجعله إليك (فأخذ بيد أحدهما) وهو علي (فقال): له
(لك قرابة من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- والقدم) بفتح القاف ولأبي ذر بكسرها (في
الإسلام ما قد علمت) صفة أو بدل من القدم (فالله) رقيب
(عليك لئن أمرتك) بتشديد الميم (لتعدلن) في الرعية (ولئن
أمرت عثمان لتسمعن) قوله: (ولتطيعن) أمره (ثم خلا بالآخر)
وهو عثمان (فقال: له مثل ذلك) الذي قاله لعلي، وزاد
(6/114)
الطبري من طريق المدائني بأسانيد أن سعدًا
أشار إليه بعثمان، وأنه دار تلك الليالي كلها على أصحابه
ومن وافى المدينة من أشراف الناس لا يخلو برجل منهم إلا
أمره بعثمان (فلما أخذ الميثاق) من الشيخين (قال: ارفع يدك
يا عثمان فبايعه وبايع) بفتح الياء فيهما (له علي وولج) أي
دخل (أهل الدار) أي أهل المدينة
(فبايعوه): ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله تعالى في كتاب
الأحكام حيث ساق المؤلّف -رحمه الله تعالى- حديث الشورى.
9 - باب مَنَاقِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
الْقُرَشِيِّ الْهَاشِمِيِّ أَبِي الْحَسَنِ -رضي الله
عنه-
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي وَأَنَا مِنْكَ» وَقَالَ عُمَرُ
«تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهْوَ عَنْهُ رَاضٍ»
(باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن -رضي
الله عنه-) وكناه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بأبي تراب، وهو ابن عم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لأبويه، وأمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد
مناف وهي أول هاشمية ولدت هاشميًّا أسلمت وتوفيت بالمدينة،
وسقط لفظ باب لأبي ذر فالتالي رفع.
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما
وصله المؤلّف في الصلح وعمرة القضاء (لعلي): (أنت) مبتدأ
خبره (مني وأنا منك) أي أنت متصل بي قربًا وعلمًا أو نسبًا
(وقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- في علي مما وصله
قريبًا في الباب السابق: (توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عنه راض).
3701 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لأُعْطِيَنَّ
الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى
يَدَيْهِ. قَالَ فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ
أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا. فَلَمَّا أَصْبَحَ النَّاسُ غَدَوْا
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا، فَقَالَ:
أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ؟ فَقَالُوا: يَشْتَكِي
عَيْنَيْهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَأَرْسِلُوا
إِلَيْهِ فَأْتُونِي بِهِ. فَلَمَّا جَاءَ بَصَقَ فِي
عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ، فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ
يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ، فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ، فَقَالَ
عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى
يَكُونُوا مِثْلَنَا. فَقَالَ: انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ
حَتَّى تَنْزِلَ بِسَاحَتِهِمْ، ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى
الإِسْلاَمِ، وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ
حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ
بِكَ رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ
حُمْرُ النَّعَمِ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي مولاهم قال:
(حدّثنا عبد العزيز) بن أبي حازم (عن) أبيه (أبي حازم)
سلمة بن دينار (عن سهل بن سعد) بسكون العين الساعدي (-رضي
الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال) في غزوة خيبر:
(لأعطين الراية غدًا رجلاً يفتح الله على يديه) بالتثنية
(قال: فبات الناس يدوكون) بالدال المهملة والكاف أي يخوضون
(ليلتهم أيهم يعطاها) أي الراية (فلما أصبح الناس غدوا على
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلهم يرجو
أن يعطاها) ولأبي ذر عن الكشميهني يرجون (فقال أين علي بن
أبي طالب فقالوا): هو (يشتكي عينيه) بالتثنية (يا رسول
الله قال): (فأرسلوا إليه) بهمزة قطع وكسر
السين (فأتوني به) بصيغة الأمر فأرسلوا (فلما جاء) علي
(بصق) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في عينيه
ودعا) بالواو ولأبي ذر فدعا (له فبرأ) بوزن ضرب أي شفي
(حتى كأن لم يكن به وجع) فيهما بل لم يرمد ولم يصدع بعد
(فأعطاه) عليه السلام (الراية) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي فأعطي بضم الهمزة الراية (فقال علي: يا رسول
الله أقاتلهم) بحذف همزة الاستفهام (حتى يكونوا مثلنا)
مسلمين (فقال) عليه الصلاة والسلام له: (انفذ) بضم الفاء
وبالذال المعجمة أي امض (على رسلك) بكسر الراء هينتك (حتى
تنزل بساحتهم) بفنائهم (ثم ادعهم) بهمزة وصل (إلى الإسلام
وأخبرهم) بهمزة قطع (بما يجب عليهم من حق الله فيه) في
الإسلام (فوالله لأن) بفتح اللام والهمزة وفي اليونينية
بكسر اللام وفتح الهمزة (يهدي الله بك رجلاً واحدًا) وأن
المصدرية رفع على الابتداء وخبره (خير لك من أن يكون لك
حمر النعم) تتصدّق بها وتشبيه أمور الآخرة بأعراض الدنيا
للتقريب إلى الإفهام، وإلاّ فذرة من الآخرة خير من الدنيا
وما فيها بأسرها ومثلها معها قاله في الكواكب كالنووي.
وقد سبق هذا الحديث في الجهاد.
3702 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ: «كَانَ
عَلِيٌّ قَدْ تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي خَيْبَرَ وَكَانَ بِهِ رَمَدٌ
فَقَالَ: أَنَا أَتَخَلَّفُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَخَرَجَ عَلِيٌّ فَلَحِقَ
بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فَلَمَّا كَانَ مَسَاءُ اللَّيْلَةِ الَّتِي فَتَحَهَا
اللَّهُ فِي صَبَاحِهَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ
-أَوْ لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ- غَدًا رَجُلاً يُحِبُّهُ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ -أَوْ قَالَ يُحِبُّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ- يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِذَا نَحْنُ
بِعَلِيٍّ وَمَا نَرْجُوهُ، فَقَالُوا: هَذَا عَلِيٌّ،
فَأَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا حاتم)
بالحاء المهملة وبالمثناة الفوقية ابن إسماعيل الكوفي (عن
يزيد) من الزيادة (ابن أبي عبيد) مصغرًا بغير إضافة إلى
شيء مولى سلمة (عن سلمة) بن الأكوع أنه (قال: كان عليّ)
-رضي الله عنه- (قد تخلف عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) غزوة (خيبر وكان به رمد فقال: أنا
أتخلف عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
بسبب الرمد (فخرج علي فلحق بالنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بخيبر أو في أثناء الطريق (فلما كان
مساء الليلة التي فتحها الله) أي خيبر (في صباحها قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لأعطين الراية أو ليأخذن الراية) بالشك من الراوي (غدًا
رجلاً) بالنصب مفعول لأعطين ولأبي ذر عن الكشميهني رجل
بالرفع على الفاعلية (يحبه الله ورسوله أو قال: يحب الله
ورسوله) محبة حقيقية مستوفية لشرائطها (يفتح الله عليه)
خيبر، ولأبي ذر عن الحموي، والمستملي: على يديه. وفي
الإكليل للحاكم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بعث
(6/115)
أبا بكر -رضي الله عنه- إلى بعض حصون خيبر
فقاتل ولم يكن فتح، فبعث عمر -رضي الله عنه- فلم يكن فتح
(فإذا نحن بعلي) -رضي الله عنه- قد حضر (وما نرجوه) أي ما
نرجو قدومه للرمد الذي به (فقالوا): يا رسول الله (هذا
علي) قد حضر
(فأعطاه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
زاد أبو ذر عن الكشميهني الراية (ففتح الله) تعالى (عليه)
خيبر.
وهذا الحديث قد مرّ في الجهاد في باب ما قيل في لواء النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
3703 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ
أَبِيهِ «أَنَّ رَجُلاً جَاءَ إِلَى سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
فَقَالَ: هَذَا فُلاَنٌ -لأَمِيرِ الْمَدِينَةِ- يَدْعُو
عَلِيًّا عِنْدَ الْمِنْبَرِ. قَالَ فَيَقُولُ مَاذَا؟
قَالَ: "يَقُولُ لَهُ أَبُو تُرَابٍ، فَضَحِكَ. قَالَ:
وَاللَّهِ مَا سَمَّاهُ إِلاَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَمَا كَانَ لَهُ اسْمٌ أَحَبَّ
إِلَيْهِ مِنْهُ، فَاسْتَطْعَمْتُ الْحَدِيثَ سَهْلاً
وَقُلْتُ: يَا أَبَا عَبَّاسٍ كَيْفَ ذَلِكَ؟ قَالَ:
دَخَلَ عَلِيٌّ عَلَى فَاطِمَةَ، ثُمَّ خَرَجَ فَاضْطَجَعَ
فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيْنَ ابْنُ عَمِّكِ؟ قَالَتْ: فِي
الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ فَوَجَدَ رِدَاءَهُ قَدْ
سَقَطَ عَنْ ظَهْرِهِ وَخَلَصَ التُّرَابُ إِلَى ظَهْرِهِ،
فَجَعَلَ يَمْسَحُ التُّرَابَ عَنْ ظَهْرِهِ فَيَقُولُ:
اجْلِسْ يَا أَبَا تُرَابٍ. مَرَّتَيْنِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب القعنبي
المدني قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أي حازم عن أبيه) أبي
حازم سلمة بن دينار (أن رجلاً) لم يقف الحافظ ابن حجر
-رحمه الله- على اسمه (جاء إلى سهل بن سعد) بسكون الهاء
والعين الساعدي (فقال: هذا فلان لأمير المدينة) أي عن أمير
المدينة قال في المقدمة: هو مروان بن الحكم (يدعو عليًّا
عند المنبر) أي يذكره بشيء غير مرضي، وفي رواية الطبراني
من وجه آخر عن عبد العزيز بن أبي حازم يدعوك لتسبّ عليًّا
(قال) أبو حازم: (فيقول) سهل بن سعد: (ماذا؟) قال: فلان
المكنى به عن أمير المؤمنين (قال): أبو حازم (يقول): فلان
الأمير (له) لعلي (أبو تراب فضحك) سهل (قال): ولأبي ذر
وقال: (والله ما سماه) أبا تراب (إلاّ النبيّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما كان له) ولغير أبي ذر وما
كان والله له (اسم أحب إليه منه) ولأبي ذر: أحب بالرفع
وفيه إطلاق الاسم على الكنية. قال أبو حازم: (فاستطعمت
الحديث سهلاً) أي سألت سهلاً عن الحديث، وإتمام القصة وفيه
استعارة الاستطعام للتحديث بجامع ما بينهما من الذوق
فللطعام الذوق الحسي وللكلام الذوق المعنوي (وقلت): ولأبي
الوقت فقلت بالفاء بدل الواو (يا أبا عباس) بالموحدة
المشدّدة وآخره مهملة كنية سهل بن سعد (كيف؟) زاد أبو ذر
ذلك وللإسماعيلي فقلت يا أبا عباس كيف كان أمره (قال: دخل
عليّ على فاطمة) -رضي الله عنهما- وفي اليونينية عليهما
السلام (ثم خرج فاضطجع في المسجد فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أين ابن عمك) عليّ (قالت: في المسجد) وفي الطبراني كان
بيني وبينه شيء (فخرج إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فوجد رداءه قد سقط عن ظهره وخلص) أي وصل
(التراب إلى ظهره فجعل) عليه الصلاة والسلام (يمسح التراب
عن ظهره) وسقط لأبي ذر لفظة التراب الأخيرة (فيقول) له:
(اجلس يا أبا تراب مرتين) قال في الكواكب: مرتين ظرف لقوله
فيقول: اجلس.
وهذا الحديث قد مرّ في باب نوم الرجل في المسجد من كتاب
الصلاة.
3704 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا
حُسَيْنٌ عَنْ زَائِدَةَ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ سَعْدِ
بْنِ عُبَيْدَةَ قَالَ: "جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ عُمَرَ
فَسَأَلَهُ عَنْ عُثْمَانَ، فَذَكَرَ عَنْ مَحَاسِنِ
عَمَلِهِ، قَالَ: لَعَلَّ ذَاكَ يَسُوؤُكَ؟ قَالَ: نَعَمْ.
قَالَ: فَأَرْغَمَ اللَّهُ بِأَنْفِكَ. ثُمَّ سَأَلَهُ
عَنْ عَلِيٍّ، فَذَكَرَ مَحَاسِنَ عَمَلِهِ قَالَ: هُوَ
ذَاكَ، بَيْتُهُ أَوْسَطُ بُيُوتِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. ثُمَّ قَالَ: لَعَلَّ ذَاكَ
يَسُوؤُكَ؟ قَالَ: أَجَلْ. قَالَ: فَأَرْغَمَ اللَّهُ
بِأَنْفِكَ، انْطَلِقْ فَاجْهَدْ عَلَيَّ جَهْدَكَ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن رافع) القشيري النيسابوري قال:
(حدّثنا حسين) هو ابن علي الجعفي الكوفي (عن زائدة) بن
قدامة (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين
عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي (عن سعد بن عبيدة) بضم العين
مصغرًا أبي حمزة الكوفي أنه (قال: جاء رجل) هو نافع بن
الأزرق كما قال في المقدمة قال: وليس هو السكسكي (إلى ابن
عمر) بن الخطاب -رضي الله عنهما- (فسأله عن عثمان فذكر)
ابن عمر (عن محاسن عمله) كإنفاقه في جيش العسرة وتسبيله
بئر رومة وشبه ذلك وضمن ذكر معنى أخبر فعداها بعن (قال)
ابن عمر له: (لعلّ ذاك) الذي ذكرته من محاسن عمله (يسوءك.
قال): الرجل (نعم قال): ابن عمر له (فأرغم الله بأنفك) أي
ألصقه بالرغام وهو التراب والباء زائدة (ثم سأله عن علي)
-رضي الله عنه- (فذكر) ابن عمر (محاسن عمله) كشهود بدر
وفتح خيبر (قال: هو) أي علي -رضي الله عنه- (ذاك بيته أوسط
بيوت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي
أحسنها بناء أوانه في وسطها وعند النسائي فقال: انظر إلى
منزله من نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ليس في المسجد غير بيته (ثم قال): له ابن عمر (لعل ذاك)
الذي ذكرته (يسوءك. قال) الرجل: (أجل) بالجيم وتخفيف اللام
أي نعم (قال) له: (فارغم الله بأنفك انطلق) اذهب (فاجهد
عليّ) بتشديد الياء (جهدك) بفتح الجيم أي الفعل في حقي ما
تقدر عليه، فإن الذي قلته لك الحق وقائل الحق لا يبالي
(6/116)
ما قيل فيه من الباطل.
وهذا الحديث من أفراد المؤلّف.
3705 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ سَمِعْتُ
ابْنَ أَبِي لَيْلَى قَالَ: «حَدَّثَنَا عَلِيٌّ أَنَّ
فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ شَكَتْ مَا تَلْقَى مِنْ
أَثَرِ الرَّحَى، فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسَبْيٌ، فَانْطَلَقَتْ، فَلَمْ
تَجِدْهُ، فَوَجَدَتْ عَائِشَةَ فَأَخْبَرَتْهَا. فَلَمَّا
جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَخْبَرَتْهُ عَائِشَةُ بِمَجِيءِ فَاطِمَةَ، فَجَاءَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْنَا
- وَقَدْ أَخَذْنَا مَضَاجِعَنَا، فَذَهَبْتُ لأَقُومَ
فَقَالَ: عَلَى مَكَانِكُمَا. فَقَعَدَ بَيْنَنَا حَتَّى
وَجَدْتُ بَرْدَ قَدَمَيْهِ عَلَى صَدْرِي، وَقَالَ: أَلاَ
أُعَلِّمُكُمَا خَيْرًا مِمَّا سَأَلْتُمَانِي؟ إِذَا
أَخَذْتُمَا مَضَاجِعَكُمَا تُكَبِّرَانِ أَرْبَعًا
وَثَلاَثِينَ، وَتُسَبِّحَانِ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ،
وَتَحْمَدَانِ ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ، فَهْوَ خَيْرٌ
لَكُمَا مِنْ خَادِمٍ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن
بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة ابن عثمان العبدي بندار
البصري قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا
شعبة) بن
الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين وفتح
الفوقية مصغرًا أنه (قال: سمعت ابن أبي ليلى) عبد الرحمن
(قال: حدّثنا علي) - رضي الله تعالى عنه - (أن فاطمة عليها
السلام شكت ما تلقى) في يدها (من أثر الرحا) بغير همز
مقصور وزاد بدل بن المحبر عن شعبة في النفقات مما تطحن
(فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبي)
ولأبي ذر عن الكشميهني: فأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول بسبي جار
ومجرور (فانطلقت) إليه فاطمة -رضي الله عنها- تسأله خادمًا
(فلم تجده) عليه الصلاة والسلام (فوجدت عائشة) -رضي الله
عنها- (فأخبرتها) بذلك (فلما جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرته عائشة بمجيء فاطمة) إليه
لتسأله خادمًا قال: علي (فجاء النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبت لأقوم
فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(على مكانكما) أي الزما مكانكما (فقعد بيننا حتى وجدت برد
قدميه) بالتثنية (على صدري وقال: ألا) بفتح الهمزة وتخفيف
اللام (أعلمكما خيرًا مما سألتماني) زاد في رواية السائب
عن علي عند أحمد قالا: بلى. قال: كلمات علمنيهنّ جبريل
(إذا أخذتما مضاجعكما) وزاد مسلم من الليل (تكبّرَا) بلفظ
المضارع وحذف النون للتخفيف أو أنّ إذا تعمل عمل الشرط
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي تكبران بإثباتها، ولابن
عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: فكبّرَا بصيغة الأمر (أربعًا)
ولأبي ذر ثلاثًا (وثلاثين وتسبحا) بصيغة المضارع وحذف
النون ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وتسبحان بإثباتها وله
عن الكشميهني وسبحا بلفظ الأمر (ثلاثًا وثلاثين وتحمدا)
بصيغة المضارع وحذف النون ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
وتحمدان بإثباتها وله عن الكشميهني واحمدا بلفظ الأمر
(ثلاثة) ولأبي ذر ثلاثًا (وثلاثين فهو خير لكما من خادم)
قال: ابن تيمية فيه أن من واظب على هذا الذكر عند النوم لم
يصبه اعياء لأن فاطمة -رضي الله عنها- شكت التعب من العمل
فأحالها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ذلك
وقال: عياض معنى الخيرية أن عمل الآخرة أفضل من أمور
الدنيا وقيل غير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى في باب
التسبيح والتكبير عند المنام من كتاب الدعوات، وفي الحديث
منقبة ظاهرة لعلي وفاطمة -رضي الله عنهما-.
3706 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ
إِبْرَاهِيمَ بْنَ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لِعَلِيٍّ: أَمَا تَرْضَى أَنْ تَكُونَ مِنِّي
بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى»؟. [الحديث 3706 - طرفه
في: 4416].
وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر: حدّثني بالإفراد (محمد بن
بشار) بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف أنه (قال: سمعت إبراهيم بن سعد) بسكون العين
(عن أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعلي) - رضي
الله تعالى عنه - حين خرج إلى تبوك ولم يستصحبه فقال:
أتخلفني مع الذرية.
(أما) بتخفيف الميم (ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من
موسى) المشار إليه بقوله تعالى:
{وقال موسى لأخيه هارون اخلفني في قومي} [الأعراف: 142] أي
بني إسرائيل حين خرج إلى الطور، وزاد مسلم إلا أنه لا نبي
بعدي، وزاد في رواية سعيد بن المسيب عن سعد فقال علي: رضيت
رضيت أخرجه أحمد، واستدلّ به الشيعة على أن الخلافة لعلي
-رضي الله عنه- بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ورد بأن الخلافة في الأهل في الحياة لا تقتضي الخلافة في
الأمة بعد الوفاة مع أن القياس ينتقض بموت هارون المقيس
عليه قبل موت موسى وإنما كان خليفته في حياته في أمر خاص
فكذلك هاهنا وإنما خصه بهذه الخلافة الجزئية دون غيره
لمكان القرابة فكان استخلافه في الأهل أولى من غيره وقال
في شرح المشكاة قولها "مني" خبر المبتدأ ومن اتصالية
ومتعلق الخبر خاص والباء زائدة كما في قوله تعالى: {فإن
آمنوا بمثل ما آمنتم به} [البقرة: 137] أي فإن آمنوا
إيمانًا مثل إيمانكم يعني أنت متصل بي ونازل مني منزلة
(6/117)
هارون من موسى قال: وفيه تشبيه ووجه
التشبيه مبهم بينه بقوله: إلاّ أنه لا نبي بعدي، فعرف أن
الاتصال المذكور بينهما ليس من جهة النبوّة بل من جهة ما
دونها وهو الخلافة، ولما كان هارون المشبه به إنما كان
خليفة في حياة موسى دلّ ذلك على تخصيص خلافة عليّ للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحياته.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل، والنسائي في المناقب،
وابن ماجه في السنن.
3707 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا
شُعْبَةُ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ عَنْ
عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: "اقْضُوا
كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ، فَإِنِّي أَكْرَهُ
الاِخْتِلاَفَ، حَتَّى يَكُونَ النَّاسِ جَمَاعَةٌ؛ أَوْ
أَمُوتَ كَمَا مَاتَ أَصْحَابِي. فَكَانَ ابْنُ سِيرِينَ
يَرَى أَنَّ عَامَّةَ مَا يُرْوَى عَن عَلِيٍّ الْكَذِبُ".
وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين
المهملة أبو الحسن الجوهري الهاشمي مولاهم (قال: أخبرنا
شعبة) بن الحجاج (عن أيوب) السختياني (عن ابن سيرين) محمد
(عن عبيدة) بفتح العين وكسر الموحدة السلماني (عن علي -رضي
الله عنه-) أنه (قال) لأهل العراق لما قدمها وأخبرهم أن
رأيه كرأي عمر في عدم بيع أمهات الأولاد، وأنه رجع عنه
فرأى أن يبعن وقال له عبيدة السلماني: رأيك ورأي عمر في
الجماعة أحب إليّ من رأيك وحدك في الفرقة (اقضوا كما)
ولأبي ذر عن الكشميهني: على ما (كنتم تقضون) قبل (فإني
أكره الاختلاف) على الشيخين أو الاختلاف الذي يؤدي إلى
التنازع والفتن وإلا فاختلاف الأمة رحمة ولا أزال على ذلك
(حتى يكون للناس جماعة) للناس جار ومجرور وجماعة اسم كان،
ولأبي ذر: حتى يكون الناس جماعة الناس بالرفع اسمها
وتاليها خبرها (أو أموت) بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي: أو
أنا أموت والنصب عطفًا على حتى يكون (كما مات أصحابي) وقد
اختلف الصدر الأول في بيع أمهات الأولاد، فعن علي وابن
عباس وابن الزبير الجواز. قال في الروضة: وعن الشافعي ميل
للقول ببيعها. وقال الجمهور: ليس للشافعي فيه اختلاف قول،
وإنما ميل القول إشارة إلى مذهب من جوّزه، ومنهم من قال:
جوّزه في القديم فعلى هذا هل تعتق بموت السيد؟ وجهان:
أحدهما لا، وبه أجاب صاحب التقريب والشيخ أبو علي، والثاني
نعم قاله الشيخ أبو محمد والصيدلاني كالمدبر
قاله الإمام، وعلى هذا يحتمل أن يقال تعتق من رأس المال
ويحتمل من الثلث، فإذا قلنا بالمذهب أنه لا يجوز بيعها
فقضى قاض بجوازه، فحكى الروياني عن الأصحاب أنه ينقض قضاؤه
وما كان فيه من خلاف بين القرن الأوّل فقد انقطع وصار
مجمعًا على منعه ونقل الإمام فيه وجهين.
(فكان ابن سيرين) محمد بالسند السابق (يرى) أي يعتقد (أن
عامة ما يروى) مما يرويه الرافضة (على عليّ) ولأبوي ذر
والوقت وابن عساكر: عن عليّ من الأقوال المشتملة على
مخالفة الشيخين (الكذب) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو عامة
ما يروى.
ووقع في رواية أبي ذر حديث سعد بعد حديث علي.
10 - باب مَنَاقِبُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ
الهَاشِمِيِّ -رضي الله عنه- وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي
وَخُلُقِي»
هذا (باب مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي) أبي عبد الله
أسلم قديمًا وهاجر الهجرتين وهو شقيق علي وأسنّ منه بعشر
سنين (-رضي الله عنه-) وسقط لأبي ذر لفظ باب وثبت له
الهاشمي. (وقال النبي) ولأبي ذر: وقال له النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله في عمرة القضاء
(أشبهت خلقي) بفتح الخاء وسكون اللام (وخُلُقي) بضمهما.
3708 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ الْجُهَنِيُّ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ
سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله
عنه-: "أَنَّ النَّاسَ كَانُوا يَقُولُونَ: أَكْثَرَ أَبُو
هُرَيْرَةَ، وَإِنِّي كُنْتُ أَلْزَمُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشِبَعِ بَطْنِي
حَتَّى لاَ آكُلُ الْخَمِيرَ وَلاَ أَلْبَسُ الْحَبِيرَ
وَلاَ يَخْدُمُنِي فُلاَنٌ وَلاَ فُلاَنَةُ، وَكُنْتُ
أُلْصِقُ بَطْنِي بِالْحَصْبَاءِ مِنَ الْجُوعِ، وَإِنْ
كُنْتُ لأَسْتَقْرِئُ الرَّجُلَ الآيَةَ هِيَ مَعِي كَىْ
يَنْقَلِبَ بِي فَيُطْعِمَنِي. وَكَانَ أَخْيَرَ النَّاسِ
لِلْمساكِينِ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: كَانَ
يَنْقَلِبُ بِنَا فَيُطْعِمُنَا مَا كَانَ فِي بَيْتِهِ،
حَتَّى إِنْ كَانَ لَيُخْرِجُ إِلَيْنَا الْعُكَّةَ
الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَىْءٌ، فَيَشُقّهَا فَنَلْعَقُ مَا
فِيهَا". [الحديث 3708 - طرفه في: 5432].
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن أبي بكر) واسم أبي بكر القاسم بن
الحرث بن زرارة بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف أبو مصعب
الزهري المدني قال: (حدّثنا محمد بن إبراهيم بن دينار أبو
عبد الله الجهني عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن
سعيد المقبري) بضم الموحدة عن أبي هريرة -رضي الله عنه-
(أن الناس كانوا يقولون أكثر أبو هريرة) من رواية الحديث
(وإني كنت ألزم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بشبع بطني) بموحدة فشين معجمة مكسورتين فموحدة
مفتوحة، ولأبي ذر عن الكشميهني: ليشبع بلام مكسورة فتحتية
مفتوحة وسكون المعجمة بلفظ المضارع (حتى) وللأربعة عن
الحموي والمستملي حين (لا آكل الخمير) بالميم أي الخبز
الذي جعل في عجينه الخمير، وفي نسخة الخبير بالموحدة
والزاي أي الخبز المأدوم قاله في المصابيح والعمدة، وزاد
والخبز
بضم المعجمة وبالزاي الادم وتبع في ذلك الكرماني (ولا لبس
الحبير) بالحاء المهملة المفتوحة وبعد
(6/118)
الموحدة المكسورة تحتية ساكنة فراء من
البرود ما كان موشّى مخططًا، ولابن عساكر وأبي ذر عن
الكشميهني: الحرير (ولا يخدمني فلان ولا فلانة، وكنت ألصق
بالحصباء من الجوع) لتنكسر حرارة شدة الجوع ببرودة الحصباء
(وإن كنت لأستقرئ الرجل) بالهمز أي أطلب منه أن يقرئني
(الآية) من القرآن العزيز (هي) أي والحال أن تلك الآية
(معي) أي أحفظها.
وقال الحافظ ابن حجر والزركشي: أي أطلب منه القري أي
الضيافة كما وقع مبينًا في رواية أبي نعيم في الحلية عن
أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه وجد عمر -رضي الله عنه-
فقال: أقرئني فظن أنه من القراءة وأخذ يقرئه القرآن ولم
يطعمه قال: وإنما أردت منه الطعام، وهذا الذي قالاه يرده
قوله الآية كما قاله العيني وصاحب المصابيح. فالحمل على
أنهما قضيتان أوجه. وأجاب في انتقاض الاعتراض بأنه إذا حمل
على التعدد فحيث يكون في القصة استقرئ بالهمز أو مع
التصريح بالآية فهو من القراءة جزمًا وحيث لا بل يكون
بتسهيل الهمزة أمكنت إرادة التورية كما في رواية أبي نعيم
انتهى.
قلت: وهذا الحديث رواه المؤلّف في الأطعمة من طريق عبد
الرحمن بن أبي شيبة، عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن
أبي سعيد كما هنا استقرئ بالهمز وذكر الآية. ورواه أيضًا
الترمذي في المناقب عن أبي سعيد الأشج عن إسماعيل بن
إبراهيم التيمي عن إبراهيم بن إسحاق المخزومي عن سعيد
المقبري عن أبي هريرة بلفظ: إن كنت لاستقرئ الرجل من أصحاب
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الآية من
القرآن وأنا أعلم بها منه ما أسأله إلا ليطعمني شيئًا؟
فكنت إذا سألت جعفر بن أبي طالب لم يجبني حتى يذهب بي إلى
منزله فيقول لامرأته: يا أسماء أطعمينا فإذا أطعمتنا
أجابني، وكان جعفر يحب المساكين ويجلس إليهم ويحدثهم
ويحدثونه، وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يكنيه بأبي المساكين ثم قال: هذا حديث غريب
وأبو إسحاق المخزومي هو إبراهيم بن الفضل المديني، وقد
تكلم فيه بعض أهل الحديث من قبل حفظه فقد ثبت أن قوله:
استقرئ بالهمز من القراءة مع التصريح بالآية، فتعين الحمل
على التعدد جميعًا بين ما ذكر ورواية أبي نعيم المذكورة.
وهذا الحديث قد رواه ابن ماجه في الزهد عن عبد الله بن
سعيد الكندي، عن إسماعيل بن إبراهيم التيمي، عن أبي إسحاق
المخزومي لكنه لم يقل فيه وكنت أستقرئ الرجل الآية هي معي
(كي ينقلب) أي يرجع (بي) إلى منزله (فيطعمني) شيئًا (وكان
أخير الناس) بإثبات الهمزة قبل الخاء بوزن أفضل ومعناه
لأبي ذر عن الكشميهني خير بحذفها لغتان فصيحتان (للمسكين)
بالإفراد جنس، ولأبي ذر: للمساكن (جعفر بن أبي طالب كان
ينقلب بنا) إلى منزله (فيطعمنا ما كان في بيته) فما في
موضع نصب مفعول ثان لقوله: فيطعمنا (حتى إن كان ليخرج) بضم
الياء من الإخراج (إلينا العكة) وعاء السمن (التي ليس فيها
شيء) يمكن إخراجه منها بغير شقها (فيشقها فنلعق ما فيها)
أي في جوانبها بعد الشق.
3709 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ
بْنُ هَارُونَ أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي
خَالِدٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- كَانَ إِذَا سَلَّمَ عَلَى ابْنِ جَعْفَرٍ قَالَ:
السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي الْجَنَاحَيْنِ".
قال أبو عبد الله: الجناحان كلٌ ناحيتين. [الحديث 3709 -
طرفه في: 4264].
وبه قال: (حدّثنى) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عمرو بن
علي) بفتح العين وسكون الميم ابن بحر الباهلي الصيرفي
الفلاس قال: (حدّثنا يزيد بن هارون) الواسطي قال: (أخبرنا
إسماعيل بن أبي خالد) واسمه سعد الكوفي (عن الشعبي) عامر
بن شراحيل (أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا سلم على
ابن جعفر) عبد الله (قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين)
لقوله عليه الصلاة والسلام له "هنيئًا لك أبوك يطير مع
الملائكة في السماء" أخرجه الطبراني، وكان قد أصيب بمؤتة
من أرض الشام وهو أمير بيده راية الإسلام بعد زيد بن حارثة
فقاتل في الله حتى قطعت يداه فأري النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما كشف به أن له جناحين مضرجين
بالدم يطير بهما في الجنة مع الملائكة. وفي حديث أبي هريرة
-رضي الله عنه- عند الترمذي والحاكم بإسناد علي شرط مسلم
أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: مرّ بي جعفر
الليلة في ملأ من الملائكة وهو مخضب الجناحين بالدم، وفي
حديث ابن عباس مرفوعًا
(6/119)
دخلت البارحة الجنة فرأيت فيها جعفرًا يطير
مع الملائكة رواه الطبراني، وفي أخرى عنه أن جعفرًا يطير
مع جبريل وميكائيل له جناحان عوضه الله عز وجل من يديه.
(قال أبو عبد الله) البخاري (الجناحان) في قول ابن عمر
هما: (كل ناحيتين) قال في الفتح: لعله أراد بهذا حمل
الجناحين على المعنوي دون الحسي، وهذا ثابت في رواية
النسفيّ وحده وسقط من اليونينية.
11 - باب ذِكْرُ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
-رضي الله عنه-
(ذكر العباس بن عبد المطلب) وكنيته أبو الفضل وكان أسن من
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسنتين أو
بثلاث وكان جميلاً وسيمًا أبيض له ضفيرتان معتدلاً، وقيل
طوالاً وكان فيما رواه ابن أبي حاتم مرفوعًا: أجود قريش
كفًا وأوصلها رحمًا، وزاد أبو عمر: وكان ذا رأي حسن ودعوة
مرجوّة، وقد قيل إنه أسلم قديمًا وكان يكتم إسلامه وأظهره
يوم الفتح وتوفي في خلافة عثمان قبل مقتله بسنتين بالمدينة
يوم الجمعة لاثنتي عشرة خلت من رجب أو من رمضان سنة اثنتين
وثلاثين، وهو ابن ثمان وثمانين سنة وصلّى عليه عثمان ودفن
بالبقيع (-رضي الله عنه-).
3710 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنِي
أَبِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى عَنْ ثُمَامَةَ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله
عنه- "أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ إِذَا قَحَطُوا
اسْتَسْقَى بِالْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ
فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّا كُنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ
بِنَبِيِّنَا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَتَسْقِينَا، وَإِنَّا نَتَوَسَّلُ إِلَيْكَ بِعَمِّ
نَبِيِّنَا فَاسْقِنَا، قَالَ: فَيُسْقَوْنَ".
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن محمد) أي ابن الصباح الزعفراني
قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري) قال: (حدّثني)
بالإفراد (أبي عبد الله بن المثنى) برفع عبد الله عطف بيان
على أبي المرفوع (عن) عمه (ثمامة بن عبد الله بن أنس)
بالمثلثة المضمومة وتخفيف الميم (عن أنس -رضي الله عنه- أن
عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (كان إذا قحطوا) بفتح القاف
وكسر المهملة أصابهم القحط (استسقى) متوسلاً (بالعباس بن
عبد المطلب) للرحم التي بينه وبين النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأراد عمر أن يصلها بمراعاة حقه إلى
من أمر بصلة الأرحام ليكون ذلك وسيلة إلى رحمة الله تعالى
(فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في حياته (فتسقينا وإنا) بعد (نتوسل
إليك بعم نبينا) العباس (فاسقنا. قال فيسقون) وقال أبو
عمر: كانت الأرض أجدبت على عهده إجدابًا شديدًا سنة سبع
عشرة فقال كعب: يا أمير المؤمنين إن بني إسرائيل كانوا إذا
أصابهم مثل هذا استسقوا بعصبة أنبيائهم. فقال عمر: هذا عم
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصنوا أبيه
وسيد بني هاشم فمشى إليه عمر وقال: انظر ما فيه الناس ثم
صعد المنبر ومعه العباس فاستسقى فسقوا، وما أحسن قول عقيل
بن أبي طالب -رضي الله عنه-:
بعمي سقى الله البلاد وأهلها ... عشية يستسقي بشيبته عمر
توجه بالعباس في الجدب داعيًا ... فما جاز حتى جاد بالديمة
المطر
وهذه الترجمة وحديثها سقطا من رواية أبي ذر والنسفيّ، وقد
سبق الحديث في الاستسقاء.
12 - باب مَنَاقِبُ قَرَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْقَبَةِ فَاطِمَةَ
عَلَيْهَا السَّلاَمُ بِنْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ
الْجَنَّةِ»
(باب مناقب قرابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) من ينسب لعبد المطلب مؤمنًا كعليّ وبنيه
(ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بجر منقبة عطفًا على مناقب (وقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): مما وصله في
آخر علامات النبوّة (فاطمة سيدة نساء أهل الجنة) وسقط
الباب لأبي ذر وكذا قول: ومنقبة فاطمة الخ.
3711 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ "أَنَّ فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا
السَّلاَمُ - أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ
مِيرَاثَهَا مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَطْلُبُ صَدَقَةَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي
بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكٍ، وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ
خَيْبَرَ".
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام
(عن عائشة -رضي الله عنها- أن فاطمة عليها السلام أرسلت
إلى أبي بكر) الصديق (تسأله ميراثها من
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما) ولأبي ذر
عن الكشميهني مما (أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو ما أخذ من الكفار على سبيل
الغلبة من غير قتال (تطلب صدقة النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لجميع المؤمنين وهي نخل لبني النضير
التي تعتقد فاطمة أنها ملكه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (التي بالمدينة و) ميراثها من (فدك) بفتح الفاء
والدال المهملة مصروفًا ولأبي ذر وفدك بغير صرف بلد بينها
وبين المدينة ثلاث مراحل (و) من (ما بقي من خُمس خيبر) وهو
سهمه عليه الصلاة والسلام.
(6/120)
3712 - «فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: "إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: لاَ نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا فَهْوَ صَدَقَةٌ،
إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ
-يَعْنِي مَالَ اللَّهِ- لَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَزِيدُوا
عَلَى الْمَأْكَلِ. وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أُغَيِّرُ
شَيْئًا مِنْ صَدَقَاتِ رَسُولُ اللَّه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ فِيهَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَتَشَهَّدَ
عَلِيٌّ ثُمَّ قَالَ: إِنَّا قَدْ عَرَفْنَا يَا أَبَا
بَكْرٍ فَضِيلَتَكَ -وَذَكَرَ قَرَابَتَهُمْ مِنْ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَقَّهُمْ-
فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي
بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ
قَرَابَتِي».
(فقال أبو بكر): -رضي الله عنه- لها (إن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا نورث) أي إنا معاشر الأنبياء لا نورث (ما تركنا فهو
صدقة) وسقط لأبي ذر لفظ فهو (إنما يأكل آل محمد) عليه
الصلاة والسلام فاطمة وعليّ وابناهما (من هذا المال يعني
مال الله ليس لهم أن يزيدوا على المأكل وإني والله لا أغير
شيئًا من صدقات النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي كانت عليها في عهد النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأعملن فيها بما عمل
فيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد
في الخُمس فإني أخشى إن تركت شيئًا من أمره أن أزيغ (فتشهد
عليّ) -رضي الله عنه- (ثم قال: إنا قد عرفنا يا أبا بكر
فضيلتك وذكر) أي عليّ - رضي الله تعالى عنه - (قرابتهم من
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وحقهم
فتكلم أبو بكر فقال): معتذرًا عن منعه (والذي نفسي بيده
لقرابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحب
إلي أن أصل من قرابتي) قال صاحب التوضيح فيما نقله عنه
صاحب العمدة قوله فتشهد عليّ إلى آخره ليس من هذا الحديث
وإنما كان ذلك بعد موت فاطمة -رضي الله عنها- وقد أتي به
في موضع آخر اهـ.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله لقرابة رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
3713 - أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
وَاقِدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبِي يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
"عَنْ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهم- قَالَ: "ارْقُبُوا
مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
أَهْلِ بَيْتِهِ". [الحديث 3713 - طرفه في: 3751].
وبه قال: (أخبرني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا بالجمع من
التحديث (عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي البصري قال:
(حدّثنا خالد) هو ابن الحرث بن سليم الهجيمي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن واقد) بقاف بعدها دال مهملة أنه (قال:
سمعت أبي) محمد بن زيد بن
عبد الله بن عمر (يحدث عن ابن عمر عن أبي بكر -رضي الله
عنهم-) أنه (قال): يخاطب الناس (ارقبوا) أي احفظوا (محمدًا
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أهل بيته) فلا
تؤذوهم.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل الحسن والحسين.
3714 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ أَبِي
مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ: «أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: فَاطِمَةُ بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا
أَغْضَبَنِي».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو بن دينار عن ابن
أبي مليكة) عبد الله (عن المسور بن مخرمة) -رضي الله عنه-
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
لما خطب عليّ بنت أبي جهل واسمها جويرية أسلمت وبايعت.
(فاطمة بضعة) بفتح الموحدة وسكون الضاد المعجمة أي قطعة
(مني فمن أغضبها أغضبني) زاد في رواية ويؤذيني ما آذاها
قالوا ففيه تحريم إيذائه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بكل حال، وعلى كل وجه وإن تولد الإيذاء مما
أصله مباح، وهذا من خصائصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح والطلاق، ومسلم في
الفضائل، وأبو داود في النكاح، والترمذي والنسائي في
المناقب.
3715 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ "دَعَا النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ
فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ فِيهَا، فَسَارَّهَا
بِشَىْءٍ فَبَكَتْ، ثُمَّ دَعَاهَا فَسَارَّهَا فَضَحِكَتْ
قَالَتْ: فَسَأَلْتُهَا عَنْ ذَلِكَ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بالقاف والزاي والعين
المهملة المفتوحات القرشي المكي المؤذن قال: (حدّثنا
إبراهيم بن سعد عن أبيه) سعد بسكون العين ابن إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي
الله عنها-) أنها (قالت): (دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاطمة ابنته في شكواه الذي) وفي نسخة
من الفرع التي (قبض فيها فسارّها بشيء) بتشديد الراء (فبكت
ثم دعاها فسارّها فضحكت) (قالت) أي عائشة -رضي الله عنها-:
(فسألتها عن ذلك) الذي قاله لها فبكت وضحكت زاد في رواية
مسروق عند المصنف فقالت: ما كنت لأفشي سر رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
3716 - "فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي
وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَبَكَيْتُ ثُمَّ
سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ
أَتْبَعُهُ فَضَحِكْتُ".
(فقالت): أي بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(سارني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد
الراء (فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت)
لذلك (ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه فضحكت)
لذلك وأتبعه بسكون الفوقية بعد فتح الهمزة وفتح الموحدة.
وهذا الحديث وسابقه سقطا لأبي ذر والنسفيّ لسبق ثانيهما
بإسناده ومتنه في علامات النبوّة ومجيء أولهما في مناقب
فاطمة -رضي الله عنها- مطولاً فهو أوجه من إثباتهما.
13 - باب مَنَاقِبُ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: (هُوَ حَوَارِيُّ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وَسُمِّيَ
الْحَوَارِيُّونَ لِبَيَاضِ ثِيَابِهِمْ.
(باب مناقب الزبير بن العوّام -رضي الله عنه-) ابن خويلد
بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي
يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
قصي وينسب إلى أسد فيقال:
القرشي الأسدي، وأمه صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسلمت وهاجرت، وأسلم
هو -رضي الله عنه-
(6/121)
وهو ابن خمس عشرة سنة. وعند الحاكم بسند
صحيح وهو ابن ثمان سنين وحضر يوم اليرموك وفتح مصر مع عمرو
بن العاص وشهد الجمل مع عائشة -رضي الله عنها-، وقتل بوادي
السباع راجعًا عن حرب أهل الجمل سنة ست وثلاثين -رضي الله
عنه-، وسقط لفظ باب لأبي ذر فمناقب مرفوع.
(وقال ابن عباس): -رضي الله عنهما- مما وصله في سورة براءة
(هو) أي الزبير (حواري النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بفتح الحاء المهملة والواو وبعد الألف راء
فتحتية مشددة قال المؤلّف: (وسمي الحواريون) أي حواريو
عيسى (لبياض ثيابهم) وهذا وصله ابن أبي حاتم وقيل لصفاء
قلوبهم، وعند الترمذي عن ابن عيينة الحواري الناصر.
3717 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ مُسْهِرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ
قَالَ: "أَصَابَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ -رضي الله عنه-
رُعَافٌ شَدِيدٌ سَنَةَ الرُّعَافِ حَتَّى حَبَسَهُ عَنِ
الْحَجِّ وَأَوْصَى، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ
قُرَيْشٍ قَالَ: اسْتَخْلِفْ. قَالَ: وَقَالُوهُ؟ قَالَ:
نَعَمْ. قَالَ: وَمَنْ؟ فَسَكَتَ. فَدَخَلَ عَلَيْهِ
رَجُلٌ آخَرُ -أَحْسِبُهُ الْحَارِثَ- فَقَالَ:
اسْتَخْلِفْ. فَقَالَ عُثْمَانُ: وَقَالُوا؟ فَقَالَ:
نَعَمْ. قَالَ: وَمَنْ هُوَ؟ فَسَكَتَ. قَالَ:
فَلَعَلَّهُمْ قَالُوا إِنَّهُ الزُّبَيْرَ؟ قَالَ:
نَعَمْ. قَالَ: أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُ
لَخَيْرُهُمْ مَا عَلِمْتُ، وَإِنْ كَانَ لأَحَبَّهُمْ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-". [الحديث 3717 - طرفه في: 3718].
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون الخاء
المعجمة القطواني قال: (حدّثنا علي بن مسهر) بضم الميم
وسكون المهملة وكسر الهاء القرشي الكوفي قاضي الموصل (عن
هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير أنه (قال: أخبرني)
بالإفراد (مروان بن الحكم) بن أبي العاص بن أمية الأموي
المدني (قال: أصاب عثمان بن عفان -رضي الله عنه- رعاف
شديد) بالرفع فاعل وعثمان مفعول (سنة الرعاف) سنة إحدى
وثلاثين كما عند ابن شبة في كتاب المدينة وكان للناس فيها
رعاف كثير (حتى حبسه) أي حبس عثمان الرعاف (عن الحج وأوصى
فدخل عليه
رجل من قريش) لم يقف الحافظ ابن حجر على تسميته (قال) له:
(استخلف) بالجزم خليفة بعد موتك (قال) عثمان (وقالوه) أي
قال الناس هذا القول: (قال): الرجل (نعم) قالوه (قال)
عثمان: (ومن؟) أستخلف (فسكت) الرجل (فدخل عليه) على عثمان
(رجل آخر) قال مروان: (أحسبه الحرث) بن الحكم أخا مروان
الراوي (فقال) لعثمان: (أستخلف) خليفة بعدك (فقال عثمان
وقالوا): أي الناس ذلك (فقال) الحرث: (نعم) قالوا: ذلك
(قال عثمان: (ومن هو؟) الذي قالوا أني أستخلفه (فسكت)
الحرث (قال) عثمان: (فلعلهم قالوا) استخلف (الزبير قال):
الحرث (نعم. قال): عثمان (أما) بالتخفيف (والذي نفسي بيده
إنه لخيرهم ما علمت) أي هو الذي علمته أو ما مصدرية أي في
علمي أي في شيء مخصوص كحسن الخلق (وإن كان) أي الزبير
(لأحبهم إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي الذين أشاروا باستخلافه.
وهذا الحديث قد ذكره النسائي في المناقب عن معاوية.
3718 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ أَخْبَرَنِي أَبِي سَمِعْتُ
مَرْوَانَ "كُنْتُ عِنْدَ عُثْمَانَ أَتَاهُ رَجُلٌ
فَقَالَ: اسْتَخْلِفْ. قَالَ: وَقِيلَ ذَاكَ؟ قَالَ:
نَعَمْ، الزُّبَيْرُ. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنَّكُمْ
لَتَعْلَمُونَ أَنَّهُ خَيْرُكُمْ. ثَلاَثًا".
وبه قال: (حدّثنى) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا بالجمع
(عبيد بن إسماعيل) الهباري القرشي قال: (حدّثنا أبو أسامة)
حماد بن أسامة (عن هشام) أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (أبي)
عروة بن الزبير قال: (سمعت مروان بن الحكم) يقول: (كنت عند
عثمان) بن عفان -رضي الله عنه- (أتاه رجل) لم يسم (فقال:
استخلف. قال) عثمان (وقيل ذاك): بحذف همزة الاستفهام ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي ذلك باللام (قال) الرجل: (نعم).
قيل ذلك (الزبير) أي الذي قيل باستخلافه هو الزبير (قال:
أما) بالتخفيف والألف ولأبي ذر عن الكشميهني أم بحذفها
(والله إنكم لتعلمون أنه) أي الزبير (خيركم) قال: ذلك
(ثلاثًا).
3719 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ - هُوَ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ - عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه-
قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا، وَإِنَّ
حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ».
وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم أبو
غسان النهدي الكوفي قال: (حدّثنا عبد العزيز هو ابن أبي
سلمة) هو عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة الماجشون
بكسر الجيم بعدها شين معجمة مضمومة المدني نزيل بغداد (عن
محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير مصغرًا التيمي
المدني (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله
عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إن لكل نبي حواري) كذا في فرع اليونينية بمثناة تحتية
منصوبة اسم أن بدون ألف مصححًا
عليها أي أنصارًا (وإن حواري) أي ناصري (الزبير بن
العوّام) -رضي الله عنه-.
3720 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنْبَأَنَا
عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ:
«كُنْتُ يَوْمَ الأَحْزَابِ جُعِلْتُ أَنَا وَعُمَرُ بْنُ
أَبِي سَلَمَةَ فِي النِّسَاءِ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا أَنَا
بِالزُّبَيْرِ عَلَى فَرَسِهِ يَخْتَلِفُ إِلَى بَنِي
قُرَيْظَةَ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. فَلَمَّا رَجَعْتُ
قُلْتُ: يَا أَبَتِ رَأَيْتُكَ تَخْتَلِفُ، قَالَ: أَوَ
هَلْ رَأَيْتَنِي يَا بُنَيَّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: مَنْ يَأْتِ بَنِي قُرَيْظَةَ
فَيَأْتِينِي بِخَبَرِهِمْ؟ فَانْطَلَقْتُ، فَلَمَّا
رَجَعْتُ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَوَيْهِ فَقَالَ: "فِدَاكَ أَبِي
وَأُمِّي"».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) هو ابن شبويه فيما قاله:
الدارقطني أو هو أبو العباس مردويه المروزي فيما قاله أبو
عبد الله الحاكم وزاد الكلاباذي السمسار وصوب قال: (أخبرنا
عبد الله) بن المبارك المروزى قال: (أخبرنا هشام بن عروة
عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عبد الله بن
(6/122)
الزبير) -رضي الله عنه- أنه (قال: كنت يوم
الأحزاب) لما حاصر قريش ومن معهم المسلمين بالمدينة وحفر
الخندق لذلك (جعلت) بضم الجيم وكسر العين وسكون اللام (أنا
وعمر بن أبي سلمة) بضم العين القرشي المخزومي المدني ربيب
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمه أم
سلمة (في النساء) يعني نسوة النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فنظرت فإذا أنا بالزبير) أبيه (على
فرسه يختلف) أي يجيء ويذهب (إلى بني قريظة) اليهود (مرتين
أو ثلاثًا) بالشك كذا بإثبات مرتين أو ثلاثًا في كل ما
وقفت عليه من الأصول، وعزاه الحافظ ابن حجر وتبعه العيني
لرواية الإسماعيلي من طريق أبي أسامة لا يقال: إن مراد
الحافظ زيادة ذلك عند الإسماعيلي على رواية البخاري بعد
قوله رأيتك تختلف لأنه ذكر ذلك عقب قوله السابق يختلف إلى
بني قريظة قبل لاحقه (فلما رجعت قلت: يا أبت رأيتك تختلف)
أي تجيء وتذهب إلى بني قريظة (قال): مستفهمًا بالهمزة
استفهام تقرير (أو هل رأيتني يا بني؟ قلت): ولأبي ذر قال:
(نعم) رأيتك (قال: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(من يأت بني قريظة فيأتيني بخبرهم) بتحتية ساكنة بعد
الفوقية ولأبي ذر عن الكشميهني فيأتني بحذفها (فانطلقت)
إليهم (فلما رجعت) بخبرهم (جمع لي رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أبويه) في الفداء تعظيمًا
وإعلاء لقدري لأن الإنسان لا يفدي إلا من يعظمه فيبذل نفسه
له (فقال): (فداك أبي وأمي) وفي الحديث صحة سماع الصغير،
وأنه لا يتوقف على أربع أو خمس لأن ابن الزبير كان يومئذٍ
ابن سنتين وأشهر أو ثلاث وأشهر بحسب الاختلاف في وقت مولده
وفي تاريخ الخندق.
تنبيه:
قوله: فلما رجعت قلت يا أبت إلى آخره. قال الحافظ ابن حجر
رحمه الله: إنه مدرج كما وقع مبينًا في رواية مسلم من طريق
علي بن مسهر عن هشام حيث ساقه إلى بني قريظة ثم قال:
قال هشام: وأخبرني عبد الله بن عروة عن عبد الله بن الزبير
قال: فذكرت ذلك لأبي الخ. ثم ساقه من طريق أبي أسامة عن
هشام قال: لما كان يوم الخندق فساق الحديث نحوه ولم يذكر
عبد الله بن عروة، ولكن أدرج القصة في حديث هشام عن أبيه
عن الزبير اهـ.
3721 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا ابْنُ
الْمُبَارَكِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ "أَنَّ أَصْحَابَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ
الْيَرْمُوكِ: أَلاَ تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ؟ فَحَمَلَ
عَلَيْهِمْ فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ
بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ
عُرْوَةُ: فَكُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ
الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ". [الحديث 3721 -
طرفاه في: 3973، 3975].
وبه قال: (حدّثنا علي بن حفص) الخراساني المروزي سكن
عسقلان قال: (حدّثنا ابن المبارك) عبد الله المروزي قال:
(أخبرنا هشام بن عروة عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام
(أن أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
الذين شهدوا وقعة اليرموك في أول خلافة عمر، ولم يقف
الحافظ ابن حجر على تسمية واحد منهم (قالوا: للزبير يوم
وقعة اليرموك): بتحتية مفتوحة وراء ساكنة وميم مضمومة آخره
كاف موضع بالشام كان فيه الوقعة بين المسلمين والروم (ألا)
بالتخفيف (تشد) بضم الشين المعجمة أي على المشركين (فنشد
معك) عليهم (فحمل) أي الزبير (عليهم فضربوه) أي الروم
(ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها) بضم الضاد وكسر
الراء مبنيًّا للمفعول (يوم) وقعة (بدر. قال عروة) بن
الزبير بالسند السابق (فكنت أدخل أصابعي في تلك الضربات)
الثلاث بسكون راء الضربات في اليونينية (ألعب وأنا صغير).
وقد كان المسلمون في وقعة اليرموك خمسة وأربعين ألفًا،
وقيل ستة وثلاثين ألفًا والروم سبعمائة ألف، وكان مع جبلة
بن الأيهم من عرب غسان ستون ألفًا، وكانت الدولة للمسلمين
فقتلوا من الروم مائة ألف وخمسة آلاف نفس وأسروا منهم
أربعين ألفًا واستشهد من المسلمين أربعة آلاف.
14 - باب ذِكْرِ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ. وَقَالَ
عُمَرُ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهْوَ عَنْهُ رَاضٍ
(باب ذكر طلحة) ولأبي ذر عن الكشميهني مناقب طلحة (بن عبيد
الله) وسقط باب لأبي ذر وعبيد الله بضم العين وفتح الموحدة
ابن عثمان بن عمير بن عمرو بن عامر بن عثمان بن كعب بن سعد
بن تيم بن مرة بن كعب، يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرة بن كعب، ومع أبي بكر الصديق
-رضي الله عنهما- في كعب بن سعد بن تيم، وكان يقال له طلحة
الخير وطلحة الجود، وأمه الصعبة بنت الحضرمي أخت العلاء
أسلمت وهاجرت وعاشت بعد ابنها قليلاً، وقتل طلحة يوم الجمل
سنة ست وثلاثين وذكر أن عليًّا -رضي الله عنه- لما وقف
(6/123)
على مصرع طلحة بكى حتى اخضلّت لحيته بدموعه
ثم قال: إني لأرجو أن أكون أنا وأنت ممن قال الله تعالى
فيهم: {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر
متقابلين} [الحجر: 47]. (وقال عمر) -رضي الله عنه- في
طلحة (توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو
عنه راض) وهذا وصله المؤلّف مطوّلاً في مقتل عمر السابق.
3722 و 3723 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ
الْمُقَدَّمِيُّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
أَبِي عُثْمَانَ قَالَ: "لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ تِلْكَ
الأَيَّامِ الَّتِي قَاتَلَ فِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَيْرُ طَلْحَةَ
وَسَعْدٍ، عَنْ حَدِيثِهِمَا". [الحديث 3722 - طرفه في:
4060]. [الحديث 3723 - طرفه في: 4061].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن
أبي بكر المقدمي) بضم الميم وفتح
القاف والدال المهملة المشدّدة والميم المكسورة قال:
(حدّثنا معتمر عن أبيه) سليمان التيمي (عن أبي
عثمان) عبد الرحمن النهدي أنه (قال: لم يبق مع النبي)
ولأبي ذر: نبي الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في بعض تلك
الأيام) أيام وقعة أُحُد (التي قاتل فيهن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المشركين (غير طلحة)
برفع غير على الفاعلية (وسعد عن حديثهما) أي عن حديث طلحة
وسعد. حدّث بذلك أبو عثمان.
3724 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي
حَازِمٍ قَالَ: "رَأَيْتُ يَدَ طَلْحَةَ الَّتِي وَقَى
بِهَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَدْ شَلَّتْ". [الحديث 3724 - طرفه في: 4063].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد)
هو ابن عبد الله الواسطي قال: (حدّثنا ابن أبي خالد)
إسماعيل واسم أبي خالد سعد (عن قيس بن أبي حازم) بالحاء
المهملة والزاي واسمه عوف الأحمسي البجلي قدم المدينة بعد
وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال: رأيت
يد طلحة التي وقى) بفتح الواو والقاف المخففة (بها النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما أراد بعض
المشركين أن يضربه يوم أُحُد (قد شلّت) بفتح المعجمة
واللام المشددة وضم الشين خطأ أو قليل أو لغة رديئة،
والشلل نقص في الكف وبطلان لعملهما وليس معناه القطع كما
زعم بعضهم.
وفي الترمذي عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنه- سمعت رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: "من سرّه
أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض فلينظر إلى طلحة بن
عبيد الله". وكان ممن أنزل الله عز وجل فيه: {فمنهم من قضى
نحبه} [الأحزاب: 23]. رواه الترمذي، وعنده أيضًا من حديث
علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قال: سمعت أذني من فيّ
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يقول:
"طلحة والزبير جاراي في الجنة".
15 - باب مَنَاقِبُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ
الزُّهْرِيِّ وَبَنُو زُهْرَةَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ سَعْدُ بْنُ
مَالِكٍ
(باب مناقب سعد بن أبي وقاص) -رضي الله عنه- بتشديد القاف
(الزهري. وبنو زهرة أخوال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) لأن أمه آمنة منهم وأقارب الأم أخوال (وهو سعد
بن مالك) يريد أن اسم أبي وقاص مالك بن أهيب بن عبد مناف
بن زهرة بن كلاب بن مرّة، يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كلاب بن
مرة، وأهيب جدّ سعد عمّ آمنة أم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخو أبيها وهب، وأم وهب حمنة بنت
سفيان بن أمية بن عبد شمس بنت عم أبي سفيان بن حرب وشهد
بدرًا والحديبية وسائر المشاهد، وهو أحد الستة الذين جعل
عمر فيهم الشورى، وكان مجاب الدعوة مشهورًا بذلك تجاب
دعوته وترجى، وتوفي سنة خمس وخمسين عن ثلاث وثمانين سنة،
وسقط باب لأبي ذر فقوله مناقب مرفوع.
3725 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ سَمِعْتُ يَحْيَى قَالَ:
سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: سَمِعْتُ
سَعْدًا يَقُولُ: "جَمَعَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ". [الحديث
3725 - أطرافه في: 4055، 4056، 4057].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن
المثنى) العنزي قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد
الثقفي (قال: سمعت يحيي) بن إسماعيل القطان (قال: سمعت
سعيد بن المسيب قال: سمعت سعدًا) هو ابن أبي وقاص -رضي
الله عنه- (يقول): (جمع لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) في التفدية (أبويه) فقال: "فداك أبي وأمي"
(يوم أُحُد) كما فعل ذلك للزبير.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الفضائل،
والترمذي في الاستئذان والمناقب، والنسائي في السُّنّة.
3726 - حَدَّثَنَا مَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا
هَاشِمُ بْنُ هَاشِمٍ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: "لَقَدْ رَأَيْتُنِي وَأَنَا ثُلُثُ
الإِسْلاَمِ". [الحديث 3726 - طرفاه في: 3727، 3858].
وبه قال: (حدّثنا مكي بن إبراهيم) الحنظلي، ولأبي ذر المكي
بن إبراهيم بزيادة أل قال:
(حدّثنا هشام بن هاشم) بكسر الهاء بعدها معجمة في الأول
كذا في فرع اليونينية وفي غيره بفتح الهاء فألف فشين
كالثاني المتفق عليه وهو الذي في اليونينية فالظاهر أن
الذي في الفرع سهو وهو ابن عتبة بن أبي وقاص الزهري (عن
عامر بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص أنه
(قال): والله (لقد رأيتني وأنا ثلث الإسلام) أي أنه كان
ثالث من أسلم أوّلاً أي من الرجال.
3727 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ بْنُ هَاشِمِ
بْنِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: سَمِعْتُ
سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ
أَبِي وَقَّاصٍ يَقُولُ: "مَا أَسْلَمَ أَحَدٌ إِلاَّ فِي
الْيَوْمِ الَّذِي أَسْلَمْتُ فِيهِ، وَلَقَدْ مَكَثْتُ
سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَإِنِّي لَثُلُثُ الإِسْلاَمِ".
تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمٌ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن
موسى) الفرّاء الصغير الرازي قال:
(6/124)
(أخبرنا ابن أبي زائدة) هو يحيى بن زكريا
بن أبي زائدة واسمه ميمون الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا
هاشم بن هاشم بن عتبة) بفتح الهاء بعدها ألف في الاثنين
وعتبة بضم العين المهملة
وسكون الفوقية بعدها موحدة (ابن أبي وقاص قال: سمعت سعيد
بن المسيب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاص) -رضي الله عنه-
(يقول: ما أسلم أحد إلا في اليوم الذي أسلمت فيه) قاله
بحسب ما علمه، وإلاّ فقد أسلم قبله غيره (ولقد مكثت سبعة
أيام وإني لثلث الإسلام) وهذا محمول على الأحرار البالغين
لتخرج خديجة وعليّ، أو قاله بحسب ما اطلع عليه لأن من أسلم
إذ ذاك كان يخفي إسلامه. وقال أبو عمر بن عبد البرّ: إنه
أسلم قديمًا بعد ستة هو سابعهم وهو ابن سبع عشرة سنة قبل
أن تفرض الصلاة على يد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-
(تابعه) أي تابع ابن أبي زائدة (أبو أسامة) حماد بن أسامة
قال: (حدّثنا هاشم) هو ابن هاشم بن عتبة السابق، وهذه
المتابعة وصلها المؤلّف في إسلام سعد.
3728 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ:
سَمِعْتُ سَعْدًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: "إِنِّي
لأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،
وَكُنَّا نَغْزُو مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَا لَنَا طَعَامٌ إِلاَّ وَرَقُ
الشَّجَرِ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ كَمَا يَضَعُ
الْبَعِيرُ أَوِ الشَّاةُ مَا لَهُ خِلْطٌ، ثُمَّ
أَصْبَحَتْ بَنُو أَسَدٍ تُعَزِّرُنِي عَلَى الإِسْلاَمِ
لَقَدْ خِبْتُ إِذًا وَضَلَّ عَمَلِي. وَكَانُوا وَشَوْا
بِهِ إِلَى عُمَرَ قَالُوا: لاَ يُحْسِنُ يُصَلِّي".
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن عون) بفتح العين فيهما وبالنون
في آخره ابن أوس الواسطي البزاز قال: (حدّثنا خالد بن عبد
الله) الواسطي (عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي (عن قيس)
هو ابن أبي حازم أنه (قال: سمعت سعدًا) هو ابن أبي وقاص
(-رضي الله عنه- يقول): (إني لأوّل العرب رمى بسهم في سبيل
الله) عز وجل، وذلك في سرية عبيدة بضم العين ابن الحرث بن
المطلب بن عبد مناف الذي بعثه فيها رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ستين راكبًا من المهاجرين
فيهم سعد بن أبي وقاص إلى رابع ليلقوا عيرًا لقريش في
السنة الأولى من الهجرة فتراموا بالسهام فكان سعد أول من
رمى في سبيل الله، قال: (وكنا نغزو مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما لنا طعام إلاّ ورق الشجر
حتى أن أحدنا ليضع) عند قضاء الحاجة (كما يضع البعير أو
الشاة) أي نحوهم يخرج منهم مثل البعر ليبسه وعدم الغذاء
المألوف (ما له خلط) بكسر الخاء المعجمة وسكون اللام أي لا
يختلط بعضه ببعض لجفافه (ثم أصبحت بنو أسد تعزرني) بعين
مهملة فزاي فراء تؤذيني من التأديب (على الإسلام) أو
تعلمني الصلاة أو تعيرني بأني لا أحسنها فعبّر عن الصلاة
بالإسلام كما عبّر عنها بالإيمان في قوله تعالى: {وما كان
الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143]. إيذانًا بأنها عماد
الدين ورأس الإسلام (لقد خبت إذًا) بالتنوين (وضلّ عملي)
مع سابقتي في الإسلام إن كنت لم أحسن الصلاة وأفتقر إلى
تعليم بني أسد (وكانوا وشوا) بفتح الواو والشين المعجمة
وسكون الواو (به) بسعد (إلى عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه-
(قالوا: لا يحسن يصلّي) وقصته مع الذين زعموا أنه لا يحسن
الصلاة مرت في صفة الصلاة.
وهذا الحديث أخرجه في الأطعمة والرقاق، ومسلم في آخر
الكتاب، والترمذي في الزهد،
والنسائي في المناقب والرقاق، وابن ماجه في السنن.
16 - باب ذِكْرُ أَصْهَارِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. مِنْهُمْ أَبُو الْعَاصِ بْنُ
الرَّبِيعِ
(باب ذكر أصهار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) جمع الصهر بالكسر. قال في القاموس: وزوج بنت
الرجل وزوج أخته والأختان أصهار أيضًا وقد صاهرهم وفيهم
وأصهر بهم وإليهم صار فيهم صهرًا اهـ.
والأختان جمع ختن وهو كل من كان من قبل المرأة كالأب والأخ
والمراد هنا الأول وسقط الباب لأبي ذر (منهم: أبو العاص)
لقيط، وقيل مقسم بكسر الميم، وقيل هشيم (ابن الربيع) بن
ربيعة بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف وأمه هالة بنت
خويلد أخت خديجة.
3729 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ
حُسَيْنٍ أَنَّ الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ قَالَ: «إِنَّ
عَلِيًّا خَطَبَ بِنْتَ أَبِي جَهْلٍ، فَسَمِعَتْ بِذَلِكَ
فَاطِمَةُ، فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَزْعُمُ قَوْمُكَ أَنَّكَ
لاَ تَغْضَبُ لِبَنَاتِكَ، وهَذَا عَلِيٌّ نَاكِحٌ بِنْتَ
أَبِي جَهْلٍ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَسَمِعْتُهُ حِينَ تَشَهَّدَ
يَقُولُ: أَمَّا بَعْدُ أَنْكَحْتُ أَبَا الْعَاصِ بْنَ
الرَّبِيعِ فَحَدَّثَنِي وَصَدَقَنِي، وَإِنَّ فَاطِمَةَ
بَضْعَةٌ مِنِّي، وَإِنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَهَا،
وَاللَّهِ لاَ تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ
عِنْدَ رَجُلٍ وَاحِدٍ. فَتَرَكَ عَلِيٌّ الْخِطْبَةَ».
وَزَادَ مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ مِسْوَرٍ «سَمِعْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَذَكَرَ
صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ فَأَثْنَى عَلَيْهِ
فِي مُصَاهَرَتِهِ إِيَّاهُ فَأَحْسَنَ، قَالَ: حَدَّثَنِي
فَصَدَقَنِي، وَوَعَدَنِي فَوَفَى لِي».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عليّ بن حسين) هو ابن علي بن
أبي طالب -رضي الله عنه- (أن المسور بن مخرمة) -رضي الله
عنه- (قال: إن عليًّا خطب بنت أبي جهل) حويرية بضم الجيم
وقيل العوراء (فسمعت بذلك فاطمة) -رضي الله عنها- (قالت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت): له
(يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك) إذا أُوذين (وهذا عليّ
ناكح) أي يريد أن ينكح (بنت أبي جهل) وأطلق عليه اسم ناكح
مجازًا باعتبار قصده له
(6/125)
(فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) خطيبًا ليشيع الحكم الذي سيقرره ويأخذوا به
على سبيل الوجوب أو الأولوية. قال المسور (فسمعته حين تشهد
يقول):
(أما بعد فإني أنكحت أبا العاص) لقيط (ابن الربيع) أي
ابنته عليه الصلاة والسلام زينب أكبر بناته وكان ذلك قبل
النبوة (فحدّثني وصدقني) بتخفيف الدال بعد الصاد أي في
حديثه ولعله كان شرط عليه أن لا يتزوج على زينب فلم يتزوج
عليها، وكذلك عليّ فإن يكن كذلك فيحتمل أن يكون نسي ذلك
الشرط (وإن فاطمة بضعة) بفتح الموحدة فقط وسكون المعجمة،
ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: مضغة بميم مضمومة بدل الموحدة وغين
معجمة بدل المهملة (مني وإني أكره أن يسوءها) أحد عليّ أو
غيره (والله لا تجتمع بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبنت عدوّ الله) أبي جهل أو غيره (عند
رجل واحد فترك عليّ الخطبة) بكسر الخاء المعجمة. قال ابن
داود فيما ذكره المحب الطبري: حرم الله عز وجل على عليّ أن
ينكح على فاطمة حياتها لقوله تعالى: {وما آتاكم الرسول
فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7]. وقال أبو علي
السنجي في شرح التلخيص: يحرم التزوج على بنات النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(وزاد محمد بن عمرو بن حلحلة) بفتح العين وسكون الميم
وحلحلة بفتح الحاءين المهملتين بينهما لام ساكنة وأخرى
مفتوحة بعد الحاء الثانية مما وصله في أوائل الخمس (عن ابن
شهاب) الزهري (عن عليّ) ولأبي ذر عن الكشميهني زيادة ابن
الحسين (عن مسور سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) الحديث بطوله. (وذكر) فيه (صهرًا له من بني
عبد شمس) هو أبو العاص بن الربيع (فأثنى عليه) خيرًا (في
مصاهرته إياه فأحسن) الثناء (قال): (حدّثني فصدقني) بتخفيف
الدال (ووعدني) أن يرسل إليّ زينب أي لما أسر ببدر مع
المشركين وفدي وشرط عليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن يرسلها له (فوفى لي) بتخفيف الفاء بذلك،
وأسر أبو العاص مرة أخرى وأجارته زينب فأسلم وردها إليه
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى نكاحه
وولدت له أمامة التي كان يحملها النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يصلّي.
17 - باب مَنَاقِبُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ مَوْلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ
الْبَرَاءُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلاَنَا»
(باب مناقب زيد بن حارثة مولى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكان من بني كلب أسر في الجاهلية
فاشتراه
حكيم بن حزام لعمته خديجة -رضي الله عنها- فأوهبه النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يأكل منها وخيّره
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما طلب أبوه
وعمه أن يفدياه بين المقام عنده أو يذهب معهما فقال: يا
رسول الله لا أختار عليك أحدًا أبدًا وسقط لأبي ذر باب
وحينئذ فمناقب رفع (وقال البراء) بن عازب مما وصله في كتاب
الصلح (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
قال لزيد: (أنت أخونا ومولانا).
3730 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ قَالَ حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
دِينَارٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- قَالَ: «بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ
أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ، فَطَعَنَ بَعْضُ النَّاسِ فِي
إِمَارَتِهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ فَقَدْ
كُنْتُمْ تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ.
وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ،
وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ، وَإِنَّ
هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ بَعْدَهُ». [الحديث
3730 - أطرافه في: 4250، 4468، 4469، 6627، 7187].
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون المعجمة
وفتح اللام أبو الهيثم البجلي القطواني بفتح القاف
والمهملة قال: (حدّثنا سليمان) بن بلال (قال: حدّثني)
بالإفراد (عبد الله بن
دينار) العدوي مولاهم أبو عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر
(عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: بعث
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثًا) إلى
أطراف الروم حيث قتل زيد بن حارثة والد أسامة المذكور وهو
البعث الذي أمر بتجهيزه عند موته عليه الصلاة والسلام
وأنفذه أبو بكر -رضي الله عنه- بعده (وأمّر عليهم أسامة بن
زيد) بتشديد الميم من أمر (فطعن بعض الناس في إمارته) بكسر
الهمزة وكان ممن انتدب مع أسامة كبار المهاجرين والأنصار
فيهم أبو بكر، وعمر، وأبو عبيدة، وسعد، وسعيد، وقتادة بن
النعمان، وسلمة بن أسلم فتكلم قوم في ذلك وكان أشدهم في
ذلك كلامًا عياش بن أبي ربيعة المخزومي فقال: يستعمل هذا
الغلام على المهاجرين فكثرت المقالة في ذلك فسمع عمر بن
الخطاب -رضي الله عنه- بعض ذلك فردّه على من تكلم، وجاء
إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبره
بذلك فغضب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غضبًا
شديدًا فخطب (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(إن) بكسر الهمزة في الفرع وبفتحها في اليونينية (تطعنوا
في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه) زيد (من قبل) في
غزوة
(6/126)
مؤتة وعين تطعنوا في الموضعين بضمها في
الفرع. وقال الكرماني: يقال طعن بالرمح واليد يطعن بالضم،
وطعن في العرض والنسب يطعن بالفتح، وقيل ما لغتان فيهما.
وقال الطيبي: هذا الجزاء إنما يترتب على الشرط بتأويل
التنبيه والتوبيخ أي طعنكم الآن فيه سبب لأن أخبركم أن ذلك
من عادة الجاهلية وهجيراهم ومن ذلك طعنكم في أبيه من قبل.
نحو قوله تعالى: {إن يسرق فقد سرق أخ له من قبل} [يوسف:
77].
وقال التوربشتي: إنما طعن من طعن في إمارتهما لأنهما كانا
من الموالي وكانت العرب لا ترى تأمير الموالي وتستنكف عن
اتباعهم كل الاستنكاف، فلما جاء الله عز وجل بالإسلام ورفع
قدر من لم يكن له عندهم قدر بالسابقة والهجرة والعلم
والتقى عرف حقهم المحفوظون من أهل الدين، فأما المرتهنون
بالعادة والممتحنون بحب الرئاسة من الأعراب ورؤساء القبائل
فلم يزل يختلج في صدورهم شيء من ذلك لا سيما أهل النفاق
فإنهم كانوا يسارعون إلى الطعن وشدة النكير عليه، وكان
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد بعث زيدًا أميرًا
على عدة سرايا وأعظمها جيش مؤتة وسار تحت رايته فيها نجباء
الصحابة وكان خليقًا بذلك لسوابقه وفضله وقربه من رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم أمّر أسامة
في مرضه على جيش فيهم جماعة من مشيخة الصحابة وفضلائهم
وكأنه رأى فى ذلك سوى ما توسم فيه من النجابة أن يمهد
الأرض وتوطئه لمن يلي الأمر بعده لئلا ينزع أحد يدًا من
طاعة وليعلم كل منهم أن العادات الجاهلية قد عميت مسالكها
وخفيت معالمها.
(وايم الله إن كان) زيد (لخليقًا) بالخاء المعجمة المفتوحة
والقاف أي والله إن الشأن، وفي أصل ابن مالك: وايم الله
لقد كان خليقًا (للإمارة) أي حقيقًا بها (وإن كان لمن أحب
الناس إليّ) سقطت لام لمن من أصل ابن مالك، وقال: استعمل
أن المخففة المتروكة العمل عاريًا بعدها من اللام الفارقة
لعدم الحاجة إليها، وذلك لأنه إذا خففت أن صار لفظها كلفظ
إن النافية فيخاف التباس الإثبات بالنفي عند ترك العمل
فالتزموا اللام المؤكدة مميزة لها، ولا يثبت ذلك إلا في
موضع صالح للإثبات والنفي نحو: إن علمتك لفاضلاً فاللام
هنا لازمة إذ لو حذفت مع كون العمل متروكًا وصلاحية الموضع
للنفي لم يتيقن الإثبات، فلو لم يصلح الموضع للنفي جاز
وثبوت اللام وحذفها (وإن هذا) أسامة بن زيد (لمن أحب الناس
إليّ بعده). أي بعد أبيه زيد.
وفي الحديث جواز إمارة الموالي وتولية الصغير على الكبير
والمفضول على الفاضل، والحديث من أفراده.
3731 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَخَلَ عَلَىَّ
قَائِفٌ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
شَاهِدٌ. وَأُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ
مُضْطَجِعَانِ فَقَالَ: إِنَّ هَذِهِ الأَقْدَامَ
بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ، قَالَ فَسُرَّ بِذَلِكَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَعْجَبَهُ،
فَأَخْبَرَ بِهِ عَائِشَةَ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي القرشي
المكي المؤذن قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين
ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري (عن الزهري) محمد
بن مسلم (عن عروة) بن الزبير -رضي الله عنه- (عن عائشة
-رضي الله عنها-) أنه (قالت: دخل عليّ قائف) قبل نزول
الحجاب أو بعده وهي محتجبة والقائف هو الذي يلحق الفروع
بالأصول بالشبه والعلامات، والمراد به هاهنا مجزز بالجيم
والزاي المشددة بعدها زاي أخرى المدلجي (والنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن
حارثة مضطجعان) تحت كساء وأقدامهما ظاهرة (فقال): القائف
مجزز (إن هذه الأقدام) أقدام أسامة وأبيه (بعضها من بعض.
قال: فسرّ بذلك) الذي قاله القائف (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأعجبه فأخبر به) بالفاء في فأخبر
ولأبوي الوقت وذر: وأخبر به (عائشة) -رضي الله عنها-. قال
في العمدة: لعله عليه الصلاة والسلام لم يعلم أنها معه،
ولم يظهر وجه المطابقة بين الحديث والترجمة. قيل يستأنس له
بقوله: فسرّ بذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الخ ..
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح.
18 - باب ذِكْرُ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
(باب ذكر أسامة بن زيد) قال البرماوي كالكرماني: إنما لم
يقل مناقب كما قال فيما سبق لأن المذكور في الباب أعم من
المناقب كالحديث الثاني، وسقط باب لأبي ذر فاللاحق مرفوع.
3732 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
لَيْثٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
-رضي الله عنها- "أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ
الْمَخْزُومِيَّةِ فَقَالُوا: مَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ
إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي مولاهم
البغلاني وسقط ابن سعيد لأبي ذر قال: (حدّثنا ليث) هو ابن
سعد
(6/127)
الإمام (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
(عن
عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن قريشًا
أهمهم شأن المخزومية) فاطمة بنت الأسود التي سرقت حليًّا
في غزوة الفتح (فقالوا: من يجترئ) يتجاسر بطريق الادلال
(عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلا أسامة بن
زيد حِب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
بكسر حاء حب أي محبوبه، وقد مرّ في ذكر بني إسرائيل.
3733 - وحَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ:
ذَهَبْتُ أَسْأَلُ الزُّهْرِيَّ عَنْ حَدِيثِ
الْمَخْزُومِيَّةِ فَصَاحَ بِي، قُلْتُ لِسُفْيَانَ:
فَلَمْ تَحْتَمِلْهُ عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ: وَجَدْتُهُ فِي
كِتَابٍ كَانَ كَتَبَهُ أَيُّوبُ بْنُ مُوسَى عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله
عنها- «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ سَرَقَتْ،
فَقَالُوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَلَمْ يَجْتَرِئْ أَحَدٌ
أَنْ يُكَلِّمَهُ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ،
فَقَالَ: إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ كَانَ إِذَا سَرَقَ
فِيهِمُ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فيهمُ
الضَّعِيفُ قَطَعُوهُ. لَوْ كَانَتْ فَاطِمَةُ لَقَطَعْتُ
يَدَهَا».
وبه قال: (وحدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: ذهبت أسأل الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب (عن حديث المخزومية) فاطمة (فصاح بي) قال
عليّ (قلت: لسفيان) بن عيينة (فلم تحتمله) ولأبي ذر: فلم
تحمله أي فلم ترو حديث المخزومية (عن أحد. قال): سفيان
(وجدته) أي حديثها (في كتاب كان كتبه أيوب بن موسى) بن
عمرو بن سعيد بن العاصي الأموي (عن الزهري) محمد (عن عروة)
بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن امرأة) تسمى فاطمة
(من بني مخزوم سرقت) حليًّا (فقالوا: منَ يكلم فيها النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) حتى لا يقطع يدها
(فلم يجترئ) يجسر (أحد أن يكلمه) في ذلك (فكلمه أسامة بن
زيد فقال): عليه الصلاة والسلام له ولغيره.
(إن بني إسرائيل كان إذا سرق فيهم الشريف تركوه) فلم
يقطعوا يده (وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه) ثبت قوله فيهم
لأبي ذر عن الكشميهني (لو كانت) أي السارقة (فاطمة) بنته
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرقت (لقطعت يدها)
وخصّ المثل بفاطمة -رضي الله عنها- لأنها كانت أعز أهله
وفيه منقبة عظيمة ظاهرة لأسامة.
هذا (باب) بالتنوين وسقط لفظ باب لأبي ذر بغير ترجمة.
3734 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا
أَبُو عَبَّادٍ يَحْيَى بْنُ عَبَّادٍ حَدَّثَنَا
الْمَاجِشُونُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ
قَالَ: "نَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا -وَهْوَ فِي
الْمَسْجِدِ- إِلَى رَجُلٍ يَسْحَبُ ثِيَابَهُ فِي
نَاحِيَةٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَقَالَ: انْظُرْ مَنْ هَذَا؟
لَيْتَ هَذَا عِنْدِي. قَالَ لَهُ إِنْسَانٌ: أَمَا
تَعْرِفُ هَذَا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ؟ هَذَا
مُحَمَّدُ بْنُ أُسَامَةَ. قَالَ: فَطَأْطَأَ ابْنُ عُمَرَ
رَأْسَهُ وَنَقَرَ بِيَدَيْهِ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ قَالَ:
لَوْ رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لأَحَبَّهُ".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (الحسن بن
محمد) بفتح الحاء ابن الصباح
الزعفراني (قال: حدّثنا أبو عباد يحيي بن عباد) بفتح العين
وتشديد الموحدة فيهما الضبعي البصري قال: (حدّثنا
الماجشون) عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة قال:
(أخبرنا عبد الله بن دينار قال: نظر ابن عمر يومًا وهو في
المسجد) الواو للحال (إلى رجل يسحب ثيابه) بالمثناة
التحتية وثيابه نصب على المفعولية، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: تسحب بالمثناة الفوقية ثيابه رفع على الفاعلية
(في ناحية من المسجد فقال: انظر من هذا ليت هذا عندي)
بالنون أي قريبًا مني حتى أنصحه رأيي. وقال في الفتح: وقد
روي بالباء الموحدة من العبودية قال: وكأنه على ما قيل كان
أسود اللون (قال له): أي لابن عمر (إنسان): لم يقف الحافظ
ابن حجر على اسمه (أما) بتخفيف الميم (تعرف هذا يا أبا عبد
الرحمن؟) وهي كنية عبد الله بن عمر (هذا محمد بن أسامة) بن
زيد بن حارثة (قال): ابن دينار (فطأطأ ابن عمر) أي خفض
(رأسه ونقر بيديه في الأرض) بالقاف المخففة ويديه بالتثنية
فعل ذلك تعظيمًا له (ثم قال: لو رآه رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأحبه) كحبه لأسامة وأبيه
زيد.
وهذا الحديث من أفراده.
3735 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي حَدَّثَنَا أَبُو
عُثْمَانَ عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله عنهما-
حَدَّثَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ
فَيَقُولُ: اللَّهُمَّ أَحِبَّهُمَا فَإِنِّي
أُحِبُّهُمَا». [الحديث 3735 - طرفاه في: 3747، 6003].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
معتمر قال: سمعت أبي) سليمان قال: (حدّثنا أبو عثمان) عبد
الرحمن النهدي (عن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما-) أنه
(حدّث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان
يأخذه والحسن) بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنهما-
(فيقول):
(اللهم أحبهما) بفتح الهمزة وكسر الحاء المهملة وفتح
الموحدة المشددة (فإني أحبهما) بضم الهمزة والموحدة وهذه
منقبة عظيمة لأسامة والحسن.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في فضائل الحسن والأدب
والنسائي في المناقب.
3736 - وَقَالَ نُعَيْمٌ عَنِ ابْنِ الْمُبَارَكِ
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي
مَوْلًى لأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّ الْحَجَّاجَ بْنَ
أَيْمَنَ ابْنِ أُمِّ أَيْمَنَ -وَكَانَ أَيْمَنُ ابْنُ
أُمِّ أَيْمَنَ أَخَا أُسَامَةَ لأُمِّهِ- وَهْوَ رَجُلٌ
مِنَ الأَنْصَارِ، فَرَآهُ ابْنُ عُمَرَ لَمْ يُتِمَّ
رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ فَقَالَ أَعِدْ". [الحديث 3736
- طرفه في: 3737].
(وقال نعيم): بضم النون وفتح العين المهملة ابن حماد بن
معاوية شيخ المؤلّف (عن ابن المبارك) عبد الله قال:
(أخبرنا معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة ابن
رشاد (عن الزهري) محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني)
بالإفراد (مولى) بالتنوين (لأسامة بن زيد) هو
حرملة بفتح الحاء وسكون الراء وفتح الميم (أن الحجاج) بفتح
الحاء وتشديد الجيم الأولى (ابن أيمن) بن عبيد (ابن أم
أيمن) حاضنة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
واسمها بركة ونسب أيمن إلى أمه لأنها كانت أشهر من أبيه
(6/128)
عبيد بضم العين ابن عمر وبفتحها ابن هلال
الخزرجي الأنصاري ولشرفها بحضانته -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وكان أيمن ابن أم أيمن) والد الحجاج
(أخا أسامة بن زيد) لأمه أم أيمن لأن زيد بن حارثة كان
تزوجها بعد عبيدة فولدت له أسامة (وهو) أي أيمن (رجل من
الأنصار فرآه) بالفاء عطفًا على مقدر تقديره أن الحجاج بن
أيمن دخل المسجد فصلّى فرآه (ابن عمر لم يتم ركوعه ولا
سجوده) سقط لأبي ذر ولا سجوده (فقال): ابن عمر له (أعِد)
صلاتك.
3737 - قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَحَدَّثَنِي
سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنَا
الْوَلِيدُ بن مسلم حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
نَمِرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ مَوْلَى
أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ بَيْنَمَا هُوَ مَعَ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ إِذْ دَخَلَ الْحَجَّاجُ بْنُ
أَيْمَنَ، فَلَمْ يُتِمَّ رُكُوعَهُ وَلاَ سُجُودَهُ
فَقَالَ: أَعِدْ. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ:
مَنْ هَذَا؟ قُلْتُ: الْحَجَّاجُ بْنُ أَيْمَنَ ابْنِ
أُمِّ أَيْمَنَ. فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَوْ رَأَى هَذَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لأَحَبَّهُ. فَذَكَرَ حُبَّهُ وَمَا وَلَدَتْهُ أُمُّ
أَيْمَنَ".
قَالَ: وزادَني بَعْضُ أَصْحَابِي عَنْ سُلَيْمَانَ
"وَكَانَتْ حَاضِنَةَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-".
(قال أبو عبد الله) أي البخاري وهذا ساقط لأبي ذر
(وحدّثني) بالإفراد (سليمان بن عبد الرحمن) بالمعروف بابن
ابنة شرحبيل أبو أيوب الدمشقي قال: (حدّثنا الوليد بن
مسلم) القرشي الأموي الدمشقي، وثبت ابن مسلم لأبي ذر قال:
(حدّثنا عبد الرحمن بن نمر) بفتح النون وكسر الميم اليحصبي
الدمشقي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب قال: (حدّثني)
بالإفراد (حرملة) بفتح الحاء المهملة وسكون الراء وفتح
الميم (مولى أسامة بن زيد أنه بينما) بالميم (هو مع عبد
الله بن عمر) -رضي الله عنه- قيل فيه تجريد كان حق حرملة
أن يقول: بينما أنا فجرد من نفسه شخصًا فقال: بينما هو
وقيل التفات من الحاضر إلى الغائب (إذ دخل الحجاج بن أيمن)
المسجد فصلّى، ولأبي ذر عن الكشميهني الحجاج بن الأيمن ابن
أم أيمن (فلم يتم ركوعه ولا سجوده فقال): له ابن عمر:
(أعِد) صلاتك (فلما ولى) الحجاج (قال لي ابن عمر): يا
حرملة (من هذا؟) الذي صلّى (قلت) له هو (الحجاج بن أيمن
ابن أم أيمن) بركة بنت ثعلبة أسلمت قديمًا (فقال ابن عمر:
لو رأى هذا) يعني الحجاج (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأحبه) لمحبة أيمن وأمه (فذكر حبه وما
ولدته أم أيمن) من ذكر وأنثى، وقوله وما بواو العطف في
الفرع وعزاها في الفتح لرواية أبي ذر والضمير على هذا في
قوله فذكر حبه لأسامة أي ميله، وضبب في اليونينية على واو
وما ولغير أبي ذر فذكر حبه ما ولدته فحذف الواو فالضمير
على هذا للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما
ولدته هو المفعول.
(قال): أي البخاري (وحدّثني) ولأبي ذر زادني بغير واو وهي
بدل وحدّثني ولغيره وزادني (بعض أصحابي) هو يعقوب بن سفيان
أو الذهلي فإن كلاًّ منهما كما قاله في الفتح أخرجه (عن
سليمان) بن عبد الرحمن المذكور (وكانت) أي أم أيمن (حاضنة
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال ابن حجر:
وكأن هذا القدر لم يسمعه البخاري من سليمان فحمله عن بعض
أصحابه فبين ما سمعه مما لم يسمعه.
19 - باب مَنَاقِبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ -رضي الله عنهما-
(باب مناقب عبد الله بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-)
كان يكنى أبا عبد الرحمن أسلم مع إسلام أبيه بمكة صغيرًا
وهاجر مع أبيه وأمه زينب ويقال: رايطة بنت مظعون أخت عثمان
وقدامة ابني مظعون وهو ابن عشر وشهد المشاهد كلها بعد بدر
وأُحُد، واستصغر يوم أُحُد وشهد الخندق وهو ابن خمس عشرة
سنة، وكان عالمًا مجتهدًا لزومًا للسنّة فرورًا من البدعة
ناصحًا للأمة، وروى ابن وهب عن مالك قال: بلغ عبد الله بن
عمر ستًا وثمانين سنة، وأفتى في الإسلام ستين سنة ونشر
نافع عنه علمًا جمًا. وقال سفيان الثوري: كان من عادة ابن
عمر -رضي الله عنه- أنه إذا أعجبه شيء من ماله تصدق به،
وكان رقيقه عرفوا ذلك فربما شمّر أحدهم ولزم المسجد
والإقبال على الطاعة، فإذا رآه ابن عمر على تلك الحال
أعتقه فقيل له: إنهم يخدعونك. فقال: من خدعنا بالله
انخدعنا له. وقال نافع: ما مات ابن عمر حتى أعتق ألف إنسان
أو زاد عليه. وكان مولده في السنة الثانية أو الثالثة من
المبعث، وتوفي في أوائل سنة ثلاث وسبعين؛ وكان سبب موته أن
الحجاج دسّ له رجلاً قد سمّ زج رمحه فزحمه في الطريق وطعنه
في ظهر قدمه، وسقط لأبي ذر لفظ باب، فمناقب رفع.
3738 - حَدَّثَنَا محمدٌ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- قَالَ: "كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَأَى رُؤْيَا
قَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَتَمَنَّيْتُ أَنْ أَرَى رُؤْيَا أَقُصُّهَا
عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
وَكُنْتُ غُلاَمًا أَعْزَبَ، وَكُنْتُ أَنَامُ فِي
الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ كَأَنَّ
مَلَكَيْنِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ،
فَإِذَا هِيَ مَطْوِيَّةٌ كَطَيِّ الْبِئْرِ، وإِذَا لَهَا
قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ
قَدْ عَرَفْتُهُمْ، فَجَعَلْتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ
مِنَ النَّارِ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ النَّارِ.
فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ آخَرُ فَقَالَ لِي: لَنْ تُرَاعَ.
فَقَصَصْتُهَا عَلَى حَفْصَةَ".
وبه قال: (حدّثنا محمد) كذا لأبي ذر وقال: إنه محمد بن
إسماعيل البخاري المؤلّف وسقط ذلك لغيره قال: (حدّثنا
إسحاق بن نصر) نسبه لجده واسم أبيه إبراهيم السعدي المروزي
كان ينزل مدينة بخارى بباب بني سعد قال: (حدّثنا عبد
الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن
الزهري) محمد
(6/129)
بن مسلم بن شهاب (عن سالم) هو ابن عبد الله
بن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان
الرجل) من الصحابة (في حياة النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا رأى رؤيا) قال الكرماني بدون
تنوين تختص بالمنام كالرؤية باليقظة فرقوا بينهما بحرفي
التأنيث أي الألف المقصورة والتاء اهـ. ومن ثم لحنوا
المتنبي في قوله:
ورؤياك أحلى في العيون من الغمض
وأجيب: بأن الرؤيا والرؤية واحد كقربى وقربة، ويشهد له قول
ابن عباس في قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك
إلا فتنة للناس} [الأسراء: 60] أنها رؤية عين أريها
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة أسري به، وقوله
في الحديث: وليس رؤيا منام فهذا مما يدل على إطلاق لفظ
الرؤيا على ما يرى بالعين يقظة. وقال النووي: مقصورة
ومهموزة ويجوز ترك همزها تخفيفًا وفي الفرع إذا رأى رؤيا
بالتنوين (قصّها على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فتمنيت أن أرى رؤيا أقصها على النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكنت غلامًا) ولأبي ذر:
شابًّا (أعزب) ولأبي ذر عن الكشميهني: عزبًا بغير همز وفتح
العين وهي الفصحى أي لا زوجة لي (وكنت أنام في المسجد على
عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فرأيت في
المنام كأن ملكين) قال ابن حجر رحمه الله: لم أقف على
تسميتهما (أخذاني) بالنون (فذهبا بي) بالموحدة (إلى النار
فإذا هي مطوية كطي البئر وإذا لها قرنان كقرني البئر) وهما
ما يبنى في جانبيها من حجارة توضع عليها الخشبة التي تعلق
فيها البكرة (وإذا فيها ناس قد عرفتهم) قال ابن حجر: لم
أقف في شيء من الطرق على تسمية واحد منهم (فجعلت أقول:
أعوذ بالله من النار أعوذ بالله من النار) مرتين (فلقيهما)
أي الملكلين (ملك آخر فقال لي: لن تراع) بضم الفوقية وبعد
الألف عين منصوبة بلن كذا في فرع اليونينية وعند القابسي
مما ذكره في الفتح وغيره لن ترع بالجزم، ووجهه ابن مالك
بأنه سكن العين للوقف ثم شبهه بسكون الجزم فحذف الألف قبله
ثم أجرى الوصل مجرى الوقف ويجوز أن يكون جزمه بلن وهي لغة
قليلة. قال الفراء: ولا أحفظ لها شاهدًا أي لا روع عليك
بعد ذلك، وعند ابن أبي شيبة من رواية جرير بن حازم عن نافع
فلقيه ملك وهو يرعد فقال: لم ترع (فقصصتها) أي الرؤيا (على
حفصة) أم المؤمنين أخته -رضي الله عنها-.
3739 - «فَقَصَّتْهَا حَفْصَةُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ
عَبْدُ اللَّهِ، لَوْ كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ. قَالَ
سَالِمٌ: فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ لاَ يَنَامُ مِنَ
اللَّيْلِ إِلاَّ قَلِيلاً».
(فقصتها حفصة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) ولم يقصها بنفسه عليه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تأدبًا ومهابة (فقال) عليه الصلاة
والسلام لها:
(نعم الرجل) أخوك (عبد الله لو كان يصلي بالليل) ولأبي ذر
من الليل (قال سالم): بالسند السابق (فكان عبد الله) أي
بعد ذلك (لا ينام من الليل إلا قليلاً).
وهذا الحديث قد سبق في باب فضل من تعارّ من الليل من طريق
نافع مطولاً، ويأتي إن شاء الله تعالى في التعبير بعون
الله وقوّته.
3740 و 3741 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ
حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ سَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ أُخْتِهِ حَفْصَةَ
«أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ لَهَا: إِنَّ عَبْدَ اللَّهِ رَجُلٌ صَالِحٌ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي نزيل
مصر قال: (حدّثنا ابن وهب)
عبد الله المصري بالميم (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن
الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم عن ابن عمر عن أخته
حفصة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها) لما قصت رؤيا أخيها
عبد الله السابقة:
(إن عبد الله) أخاك (رجل صالح) وكان لعبد الله بن عمر من
الولد عبد الله وأمه صفية بنت أبي عبيد وسالم أمه أم ولد
وعبيد الله وعبد الرحمن وعاصم وحمزة وواقد وزيد وبلال.
20 - باب مَنَاقِبُ عَمَّارٍ وَحُذَيْفَةَ -رضي الله
عنهما-
(باب مناقب عمار) بفتح العين وتشديد الميم ابن ياسر أبي
اليقظان العنسي بالنون الساكنة والسين المهملة، أسلم هو
وأبوه قديمًا وأمه سمية وعذبوا في الله عز وجل، وقتل أبو
جهل أمه، وهاجر عمار الهجرتين وصلّى إلى القبلتين وقتل
بصفين سنة سبع وثلاثين (و) مناقب (حذيفة) بن اليمان بن
جابر العبسي بالموحدة حليف بني عبد الأشهل من الأنصار أسلم
هو وأبوه قيل: وجمع المؤلّف بين عمار وحذيفة في الترجمة
لوقوع الثناء عليهما معًا من أبي الدرداء في حديث واحد
(-رضي الله عنهما-) وسقط الباب لأبي ذر.
3742 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيلُ عَنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
عَلْقَمَةَ قَالَ: "قَدِمْتُ الشَّامَ، فَصَلَّيْتُ
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ قُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي
جَلِيسًا صَالِحًا. فَأَتَيْتُ قَوْمًا فَجَلَسْتُ
إِلَيْهِمْ، فَإِذَا شَيْخٌ قَدْ جَاءَ حَتَّى جَلَسَ
إِلَى جَنْبِي، قُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ قَالُوا: أَبُو
الدَّرْدَاءِ. فَقُلْتُ: إِنِّي دَعَوْتُ اللَّهَ أَنْ
يُيَسِّرَ لِي جَلِيسًا صَالِحًا فَيَسَّرَكَ لِي. قَالَ:
مِمَّنْ أَنْتَ؟ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ. قَالَ:
أَوَلَيْسَ عِنْدَكُمُ ابْنُ أُمِّ عَبْدٍ صَاحِبُ
النَّعْلَيْنِ وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ؟ أَفِيكُمُ
الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ مِنَ الشَّيْطَانِ، يعنِي عَلَى
لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
أَوَ لَيْسَ فِيكُمْ صَاحِبُ سِرِّ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي لاَ يَعْلَمُ أَحَدٌ
غَيْرُهُ؟ ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ يَقْرَأُ عَبْدُ اللَّهِ
{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل: 1] فَقَرَأْتُ
عَلَيْهِ {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا
تَجَلَّى * وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى} [الليل: 1 - 3]
قَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ أَقْرَأَنِيهَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ فِيهِ إِلَى
فِيَّ".
وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد أبو غسان
النهدى الكوفي قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن
(6/130)
أبي إسحاق السبيعي (عن المغيرة) بن مقسم
الضبي الكوفي (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس
النخعي أنه (قال: قدمت الشام) زاد في تفسير سورة الليل في
نفر من أصحاب عبد الله (فصليت ركعتين) في المسجد (ثم قلت:
اللهم يسر لي جليسًا صالحًا فأتيت قومًا) لم أقف على
أسمائهم (فجلست إليهم فإذا شيخ قد جاء حتى جلس) أي غاية
مجيئه جلوسه (إلى جنبي) وجلس بصيغة الماضي، وعند الحافظ
ابن حجر حتى يجلس بصيغة المضارع مبالغة، وزاد الإسماعيلي
في روايته فقلت: الحمد لله إني لأرجو أن يكون الله عز وجل
استجاب لي دعوتي (قلت): للقوم (من هذا) الشيخ؟ (قالوا): هو
(أبو الدرداء) عويمر بن عامر الأنصاري الخزرجي
قال علقمة (فقلت) له: (إني دعوت الله أن ييسر لي جليسًا
صالحًا فيسرك) الله (لي قال): أي أبو الدرداء ولأبي ذر
فقال: (ممن أنت؟ فقلت): له أنا (من أهل الكوفة. قال: أوليس
عندكم) في الكوفة أو المدينة (ابن أم عبد) يعني عبد الله
بن مسعود (صاحب النعلين) وكان يلي نعلي رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحملهما ويتعاهدهما (والوساد)
بالدال المهملة وبغير هاء المخدة (والمطهرة) بإثبات الهاء
وكسر الميم ولأبي ذر عن الحموي والمطهر بغير هاء ومراده
الثناء عليه بخدمة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأنه لشدة ملازمته له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لما ذكر يكون عنده من العلم ما يستغني به
الطالب عن غيره، وكأنه فهم أن قدومه الشام لأجل العلم
ويستفاد منه أن الطالب لا يرحل عن بلده للعلم إلا إذا
أخذنا عند علمائها (وفيكم) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
أفيكم بهمزة الاستفهام (الذي أجاره الله من الشيطان) أن
يغويه (على) ولأبي ذر يعني على (لسان نبيه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر زاد في رواية
شعبة الآتية إن شاء الله تعالى في الحديث التالي لهذا يعني
عمارًا (أوليس فيكم صاحب سر النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حذيفة (الذي) أعلمه به (لا يعلم)
بحذف ضمير المفعول ولأبي ذر الذي لا يعلمه (أحد غيره) من
معرفة المنافقين بأسمائهم وأنسابهم، وكان عمر -رضي الله
عنه- إذا مات أحد تبع حذيفة فإن صلّى عليه حذيفة صلّى عليه
وغيره نصب على الاستثناء ورفع بدلاً من أحد (ثم قال) أبو
الدرداء لعلقمة: (كيف يقرأ عبد الله) بن مسعود -رضي الله
عنه- ({والليل إذا يغشى}) [الليل: 1] قال علقمة: (فقرأت
عليه {والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلى * والذكر
والأنثى}) [الليل: 1 - 3] بحذف وما خلق وبالجر وسقط لأبي
ذر والنهار إذا تجلى (قال) أبو الدرداء (والله لقد
أقرأنيها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
من فيه إلى فيّ) بتشديد التحتية، وقد قيل إنها نزلت كذلك
ثم أنزل: {وما خلق الذكر والأنثى} [الليل: 3] فلم يسمعه
ابن مسعود ولا أبو الدرداء وسمعه سائر الناس وأثبت في
المصحف، والحديث ذكره في سورة الليل من التفسير.
3743 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: "ذَهَبَ
عَلْقَمَةُ إِلَى الشَّامِ، فَلَمَّا دَخَلَ الْمَسْجِدَ
قَالَ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا صَالِحًا.
فَجَلَسَ إِلَى أَبِي الدَّرْدَاءِ، فَقَالَ: أَبُو
الدَّرْدَاءِ: مِمَّنْ أَنْتَ؟ قَالَ؛ مِنْ أَهْلِ
الْكُوفَةِ. قَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمْ -أَوْ مِنْكُمْ-
صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لاَ يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؟
يَعْنِي حُذَيْفَةَ. قَالَ: قُلْتُ بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ
فِيكُمُ -أَوْ مِنْكُمُ- الَّذِي أَجَارَهُ اللَّهُ عَلَى
لِسَانِ نَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
يَعْنِي مِنَ الشَّيْطَانِ، يَعْنِي عَمَّارًا، قُلْتُ:
بَلَى. قَالَ: أَلَيْسَ فِيكُمْ -أَوْ مِنْكُمْ- صَاحِبُ
السِّوَاكِ، والوسَادِ أَوِ السِّرَارِ؟ قَالَ: بَلَى.
قَالَ: كَيْفَ كَانَ عَبْدُ اللَّهِ يَقْرَأُ {وَاللَّيْلِ
إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 1]؟
قُلْتُ: {وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى} [الليل: 3]، قَالَ: مَا
زَالَ بِي هَؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا يَسْتَنْزِلُونِي عَنْ
شَىْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ النبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن مغيرة) بن مقسم الضبي (عن إبراهيم)
النخعي أنه (قال: ذهب علقمة) بن قيس (إلى الشام فلما دخل
المسجد قال: اللهم يسر لي جليسًا صالحًا فجلس إلى أبي
الدرداء فقال أبو الدرداء) له: (ممن
أنت؟ قال) علقمة: (من أهل الكوفة. قال: أليس فيكم أو منكم)
بالشك من الراوي (صاحب السر الذي لا يعلمه غيره يعني
حذيفة) بن اليمان وسقط الضمير من قوله لا يعلمه لأبي ذر عن
الحموي والمستملي (قال) علقمة (قلت) له: (بلى. قال) أبو
الدرداء (أليس فيكم أو منكم) بالشك (الذي أجاره الله على
لسان نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت
التصلية لأبي ذر (يعني من الشيطان يعني عمارًا) قال علقمة
(قلت: بلى. قال: أليس فيكم أو منكم صاحب السواك) وللأصيلي
وابن عساكر وأبوي الوقت وذر عن الحموي والمستملي: والوساد
(أو السرار) بكسر السين بعدها راءان بينهما ألف من السر،
ولابن عساكر وأبوي الوقت وذر عن الحموي والمستملي: والسواد
بكسر السين وبالواو المفتوحة وبعد الألف دال مهملة وهو
السرار يقال: ساودته سوادًا أي ساررته سرارًا وأصله أدناء
(6/131)
سوادك من سواده وهو الشخص، وقد كان رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يحجبه
إذا جاء ولا يخفى عنه سره (قال) علقمة: (بلى، قال) أبو
الدرداء (كيف كان عبد الله) بن مسعود (يقرأ {والليل
إذا يغشى * والنهار إذا تجلى} (الليل: 1 - 2] قال
علقمة (قلت: ({والذكر والأنثى} قال) [الليل: 3] أبو
الدرداء (ما زال بي هؤلاء) أي أهل الشام (حتى كادوا
يستنزلوني) ولأبي ذر: يستنزلونني بنونين (عن شيء سمعته
من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
ولأبي من النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
وهو قوله: والذكر والأنثى بغير {وما خلق} [الليل: 3]
والقراءة المتواترة بإثباتها لكنها لم تبلغهما فاقتصرا
على ما سمعاه.
21 - باب مَنَاقِبُ أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ
-رضي الله عنه-
(باب مناقب أن عبيدة) بضم العين وفتح الموحدة عامر بن
عبد الله (بن الجراح) بفتح الجيم وتشديد الراء وبعد
الألف حاء مهملة ابن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحرث بن
فهر بن مالك يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في فهر، وأمه من بني الحرث بن فهر أسلمت،
وقتل أبوه كافرًا يوم بدر. ويقال: إنه هو قتله وتوفي
أبو عبيدة وهو أمير على الشام من قبل عمر بالطاعون سنة
ثمان عشرة وكان طويلاً نحيفًا أثرم الثنيتين خفيف
اللحية، والأثرم الساقط الثنية وسبب ثرمه أنه كان
انتزع سهمين من جبهة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أُحد بثنيتيه فسقطتا (-رضي
الله عنه-) وسقط باب لأبي ذر.
3744 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ أَبِي
قِلاَبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا،
وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الأُمَّةُ أَبُو
عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ». [الحديث 3744 - طرفاه
في: 4382، 7255].
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم
ابن بحر الباهلي البصري الفلاس الصيرفي قال: (حدّثنا
عبد الأعلى) بن عبد الأعلى البصري السامي بالسين
المهملة من بني سامة بن لؤي قال: (حدّثنا خالد) الحذاء
(عن أبي قلابة) بكسر القاف والتخفيف عبد الله الجرمي
بالجيم أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (أنس بن مالك) -رضي
الله عنه- وسقط لأبي ذر ابن
مالك (أن رسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال):
(لكل أمة أمين) أي ثقة رضا ولأبي ذر أن لكل أمة أمينا
(وإن أميننا أيتها الأمة) قال القاضي عياض هو بالرفع
على النداء والأفصح أن يكون منصوبًا على الاختصاص أي
أمتنا مخصوصين من بين سائر الأمم (أبو عبيدة بن
الجراح) فالمراد الاختصاص وإن كانت صورته صورة النداء
وهذه الصفة وإن كانت مشتركة بين أبي عبيدة وغيره من
الصحابة إذ كل أمين بلا ريب لكن السياق مشعر بأن له
مزيدًا في ذلك، فإذا خص -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أحدًا من أجلاء الصحابة بفضيلة وصفه بها
أشعر بقدر زائد في ذلك على غيره كوصفه عثمان - رضي
الله تعالى عنه - بالحياء.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في
المناقب.
3745 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ
عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لأَهْلِ نَجْرَانَ: لأَبْعَثَنَّ -يَعْنِي
عَلَيْكُمْ،- أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ. فَأَشْرَفَ
أَصْحَابُهُ، فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ -رضي الله
عنه-». [الحديث 3745 - أطرافه في: 4380، 4381، 7354].
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد
الله السبيعي (عن صلة) بكسر الصاد وتخفيف اللام ابن
زفر بضم الزاي وفتح الفاء العبسي بالموحدة الساكنة
الكوفي التابعي الكبير (عن حذيفة) بن اليمان (-رضي
الله عنه-) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأهل نجران) بفتح النون وسكون
الجيم بلد باليمن وهم العاقب والسيد ومن معهما لما
وفدوا عليه عليه الصلاة والسلام سنة تسع.
(لأبعثن يعني عليكم أمينًا حق أمين) فيه توكيد
والإضافة فيه نحو قوله إن زيدًا لعالم حق عالم وجد
عالم أي عالم حقًا وجدًّا يعني عالمًا يبالغ في العلم
جدًّا ولا يترك من الجد المستطاع منه شيئًا، وسقط لأبي
ذر قوله يعني عليكم أمينًا، ولمسلم: لأبعثن إليكم
رجلاً أمينًا حق أمين (فأشرف أصحابه) ولمسلم
والإسماعيلي فاستشرف لها أصحاب رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والضمير في لها للإمارة
أي تطلعوا لها ورغبوا فيها حرصًا على نيل الصفة
المذكورة وهي الأمانة لا على الولاية من حيث هي (فبعث)
عليه الصلاة والسلام (أبا عبيدة) بن الجراح (-رضي الله
عنه-) أي معهم.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في
الفضائل، والترمذي والنسائي في المناقب، وابن ماجه في
السنة. وسقط التبويب هنا لأبي ذر، ولم يذكر المؤلّف
ترجمة لمناقب عبد الرحمن ولا لسعيد بن زيد اللذين هما
من العشرة. نعم ذكر إسلام سعيد بن زيد في ترجمته في
أوائل السيرة النبوية ولعله كما قال في الفتح: من
(6/132)
تصرف الناقلين لكون المؤلّف لم يبيضه ومن
ثم لم تقع المراعاة في الترتيب لا بالأفضلية ولا
بالأسنية ولا بالسابقية.
- باب ذِكْرِ مُصْعَبِ بْنِ عُمَيْرٍ
(باب ذكر مصعب بن عمير) بضم الميم وسكون الصاد وفتح
العين في الأول وضم العين وفتح الميم مصغرًا في الثاني
ابن هاشم بن عبد الدار بن عبد مناف القرشي كان من أجلة
الصحابة وفضلائهم، أسلم بعد دخوله عليه الصلاة والسلام
دار الأرقم وبعثه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إلى المدينة قبل الهجرة بعد العقبة الثانية يقرئهم
القرآن، وقيل إنه أول من جمع الجمعة بالمدينة قبل
الهجرة، قتله ابن قمئة في وقعة أُحد، ولم يذكر المؤلّف
هنا حديثًا في مناقبه وكأنه بيض له. نعم سبق في
الجنائز أنه لما استشهد لم يوجد له ما يكفن فيه وسقط
هذا التبويب مع ترجمته لأبي ذر.
22 - باب مَنَاقِبُ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ -رضي الله
عنهما- قَالَ نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ: "عَانَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْحَسَنَ"
(باب مناقب الحسن) أبي محمد (والحسين) أبي عبد الله
ابني عليّ من فاطمة الزهراء (رضي الله عنهما) وعن
أبيهما وكان مولد أولهما في رمضان سنة ثلاث من الهجرة،
وتوفي بالمدينة مسمومًا سنة خمسين، وولد ثانيهما في
شعبان سنة أربع وقتل يوم عاشوراء سنة إحدى وستين
بكربلاء وسقط باب لأبي ذر (قال): ولأبي ذر وقال: (نافع
بن جبير) أي ابن مطعم مما وصله في البيوع مطوّلاً (عن
أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه قال: (عانق النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحسن).
3746 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا أَبُو مُوسَى عَنِ الْحَسَنِ
سَمِعَ أَبَا بَكْرَةَ «سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْمِنْبَرِ
وَالْحَسَنُ إِلَى جَنْبِهِ، يَنْظُرُ إِلَى النَّاسِ
مَرَّةً وَإِلَيْهِ مَرَّةً وَيَقُولُ: ابْنِي هَذَا
سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ
فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ».
وبه قال: (حدّثنا صدقة) بن الفضل المروزي قال:
(حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (ابن عيينة) سفيان قال:
(حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (أبو موسى) إسرائيل بن موسى
قال: أبو ذر من أهل البصرة نزل الهند (عن الحسن)
البصري لم يروه عن الحسن غير أبي موسى أنه (سمع أبا
بكرة) نقيع بن الحرث الثقفي -رضي الله عنه- أنه قال:
(سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على
المنبر والحسن) بفتح الحاء (إلى جنبه) حال كونه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ينظر إلى الناس
مرة وإليه) إلى الحسن (مرة ويقول) لهم:
(ابني هذا سيد) كفاه هذا فضلاً وشرفًا (ولعل الله أن
يصلح به بين فئتين) أي فرقتين (من المسلمين) فوقع ذلك
كما قاله عليه الصلاة والسلام لما وقع بينة وبين
معاوية بسبب الخلافة، وكان المسلمون يومئذٍ فرقتين
فرقة مع الحسن وفرقة مع معاوية، وكان الحسن يومئذٍ أحق
الناس بالخلافة فدعاه ورعه وشفقته على المسلمين إلى
ترك الملك والدنيا رغبة فيما عند الله عز وجل ولم يكن
ذلك لقلة ولا ذلة فقد بايعه على الموت أربعون ألفًا.
وهذا الحديث قد مرّ في الصلح.
3747 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ
قَالَ: «سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو
عُثْمَانَ: "عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ -رضي الله
عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَّهُ كَانَ يَأْخُذُهُ وَالْحَسَنَ
وَيَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُمَا
فَأَحِبَّهُمَا. أَوْ كَمَا قَالَ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
المعتمر) ولأبي ذر معتمر (قال: سمعت أبي) سليمان (قال:
حدّثنا أبو عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي (عن أسامة
بن زيد) أي ابن الحرث (-رضي الله عنهما- عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه كان يأخذه)
أي يأخذ أسامة (والحسن) بن علي وفيه التفات أو تجريد
وعند المصنف في الأدب إن كان رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليأخذني فيضعني على فخذه
ويضع على الفخذ الأخرى الحسن بن عليّ ثم يضمهما
(ويقول):
(اللهم إني أحبهما فأحبهما أو كما قال): بالشك، وفي
الأدب ثم يقول: "اللهم إني أرحمهما فارحمهما".
3748 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ بْنِ
إِبْرَاهِيمَ قَالَ: حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ
مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: "أُتِيَ عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ بِرَأْسِ الْحُسَيْنِ بْنُ
عَليٍّ فَجُعِلَ فِي طَسْتٍ فَجَعَلَ يَنْكُتُ وَقَالَ
فِي حُسْنِهِ شَيْئًا، فَقَالَ أَنَسٌ: كَانَ
أَشْبَهَهُمْ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ مَخْضُوبًا
بِالْوَسْمَةِ".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن
الحسين بن إبراهيم) بضم الحاء وفتح السين المهملتين
أبو جعفر العامري البغدادي أخو أبي الحسن عليّ بن
الحسين بن إشكاب (قال: حدّثني) بالإفراد (حسين بن
محمد) بضم الحاء مصغرًا التميمي المروزي قال: (حدثنا
جرير) هو ابن حازم (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أنس بن
مالك -رضي الله عنه-) أنه قال: (أتي) بضم الهمزة
مبنيًا للمفعول (عبيد الله) بضم العين وفتح الموحدة
(ابن زياد) الذي ادعاه معاوية أخًا لأبيه أبي سفيان
فألحقه بنسبه وكان يقال له زياد ابن أبيه (برأس الحسين
بن عليّ) بضم الحاء وكان ابن زياد إذ ذاك أميرًا على
الكوفة عن يزيد بن معاوية، وكان الحسين -رضي الله عنه-
لما مات معاوية وبويع يزيد ابنه أبى أن يبايعه وكتب
إلى الحسين رجال من شيعة أبيه من الكوفة هلم إلينا
نبايعك فأنت أحق من يزيد، فخرج الحسين من مكة إلى
العراق فأخرج إليه عبيد الله بن زياد من الكوفة جيشه
فالتقيا بكربلاء على الفرات
(6/133)
وقتل الحسين من عسكر ابن زياد قتلى كثيرة
حتى قتل، فقيل قتله شمر بن ذي الجوشن الضبابي، وقيل
سنان بن أبي سنان واحتز رأسه وأتى بها ابن زياد وابن
عليّ في اليونينية مكتوب على هامشها بالحمرة من غير
رقم ولا تصحيح (فجعل) بضم الجيم مبنيًّا للمفعول الرأس
الشريف (في طست) بفتح الطاء وسكون السين (فجعل) ابن
زياد (بنكت) بالمثناة الفوقية آخره يضرب بقضيب له في
أنفه وعينه فقال له زيد بن أرقم: ارفع قضيبك فقد رأيت
فم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
موضعه.
وعند الطبراني أنه كان يقرع ثنايا الحسين بقضيبه فقال
له زيد بن أرقم: ارفع قضيبك عن هاتين الثنيتين فوالله
الذي لا إله إلا هو لقد رأيت شفتي رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على هاتين الثنيتين
يقبلهما ثم بكى، فقال ابن زياد: أبكى الله عينك فوالله
لولا أنك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك فقام وصرخ
وقال: يا معاشر العرب أنتم بعد اليوم عبيد قتلتم ابن
فاطمة وأمرتم ابن مرجانة وهي أم زياد فهو يقتل خياركم
ويستعبد شراركم فبعدًا لمن رضي بالذل والعار.
(وقال) ابن زياد: (في حُسنه) أي في حُسن الحسين
(شيئًا) وفي رواية الترمذي أنه قال: ما رأيت مثل هذا
حسنًا (فقال أنس: كان) الحسين (أشبههم) أي أشبه أهل
البيت (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وكان) شعر رأسه ولحيته -رضي الله عنه-
(مخضوبًا بالوشمة) بفتح الواو وسكون المعجمة كذا في
فرع اليونينية وقف تنكز بغا وبالسين المهملة في فرعها
وقف آقبغا آص وهو الذي في اليونينية وبه قيده الشارحون
وغيرهم، وفي الناصرية بالمهملة أيضًا لكنه كتب فوقها
معًا وهو نبت يختضب به يميل إلى السواد، ولما قتل
الحسين بكى الناس فأكثروا، وقتل الله ابن زياد سنة
اثنتين وستين قتله إبراهيم بن الأشتر وكان المختار بن
أبي عبيد الثقفي أرسله لقتاله وجيء برأسه ورؤوس أصحابه
بين يدي المختار فجاءت حيّة دقيقة تخللت الرؤوس حتى
دخلت في فم ابن زياد وخرجت من منخره ودخلت من منخره
وخرجت من فمه، ثم أرسل المختار رأسه وبقية الرؤوس
لمحمد ابن الحنفية أو إلى عبد الله بن الزبير.
3749 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ قَالَ:
سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: «رَأَيْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَالْحَسَنُ بن عليٍّ عَلَى عَاتِقِهِ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ».
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن المنهال) ولأبي ذر ابن منهال
السلمي البرساني قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال:
أخبرني) بالإفراد (عدي) بفتح العين وكسر الدال
المهملتين وتشديد التحتية ابن ثابت الأنصاري (قال:
سمعت البراء) بن عازب (-رضي الله عنه- قال: رأيت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والحسن بن علي)
بفتح الحاء (على عاتقه) بين منكبه وعنقه والواو في
والحسن للحال وثبت ابن علي لأبي ذر (يقول): أي على
عاتقه حال كونه يقول:
(اللهم إني أحبه فأحبه) بفتح الهمزة في الأخير وضمها
في الأول وباء الثانية بالرفع والنصب معًا في
اليونينية وفرعها.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والترمذي في
المناقب وكذا النسائي.
3750 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ قَالَ أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ
أَبِي حُسَيْنٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ
عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "رَأَيْتُ أَبَا
بَكْرٍ -رضي الله عنه- وَحَمَلَ الْحَسَنَ وَهْوَ
يَقُولُ: بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ. لَيْسَ
شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ. وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ".
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة
العتكي مولاهم المروزي البصري الأصل قال: (أخبرنا عبد
الله) بن المبارك المروزي (قال: أخبرني) بالإفراد،
ولأبي ذر أخبرنا (عمر بن سعيد بن أبي حسين) بضم العين
في الأول وكسرها في الثاني وضم الحاء في الثالث القرشي
النوفلي (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عقبة بن
الحرث) القرشي المكي أنه (قال: رأيت أبا بكر) الصديق
(-رضي الله عنه- وحمل الحسن) بفتح الحاء (وهو يقول):
أفديه (بأبي) وهو (شيبه بالنبي) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويجوز أن يكون التقدير هو مفدي
بأبي شبيه فيكون خبرًا بعد خبر (ليس شبيه بعلي) أبيه
(وعلي) -رضي الله عنه- (يضحك) وشبيه بالرفع. قال ابن
مالك في شرح التسهيل: كذا ثبت في صحيح البخاري ورفعه
إما بناء على أن ليس حرف عطف كما يقول الكوفيون، فتكون
مثل لا ويجوز أن يكون شبيه اسم ليس وخبرها ضمير متصل
حذف استغناء بنيته عن لفظه والتقدير ليسه شبيه ونحوه
قوله عليه الصلاة والسلام في خطبة يوم النحر: أليس ذو
الحجة من حذف الضمير المتصل خبرًا لكان وأخواتها، وفي
رواية أن الوقت شبيهًا بالنصب خبر
(6/134)
ليس واسمها الضمير، وعند الإمام أحمد من
وجه آخر عن ابن أبي مليكة أن فاطمة -رضي الله عنها-
كانت ترقص الحسن وتقول: بأبي شبيه بالنبي لا شبيه
بعلي. قال في فتح الباري: وفيه إرسال فإن كان محفوظًا
فلعلها تواردت في ذلك مع أبي بكر أو تلقى ذلك أحدهما
عن الآخر.
فإن قلت: هذا معارض بقول عليّ في وصفه للنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لم أر قبله ولا بعده
مثله. أجيب: بحمل النفي على العموم والإثبات على
المعظم، فالمراد الشبه في بعض الأعضاء وإلا فتمام حسنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منزه عن الشريك
كما قال الأبوصيري شرف الدين في قصيدته الميمية:
منزه عن شريك في محاسنه ... فجوهر الحسن فيه غير منقسم
وهذا الحديث من أفراد البخاري.
3751 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَصَدَقَةُ
قَالاَ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ وَاقِدِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- قَالَ: "قَالَ أَبُو بَكْرٍ:
ارْقُبُوا مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي أَهْلِ بَيْتِهِ".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (يحيى بن
معين) بفتح الميم وكسر العين المهملة ابن عوف الغطفاني
مولاهم أبو زكريا البغدادي إمام الجرح والتعديل
المتوفى سنة ثلاث وثلاثين ومائتين بالمدينة النبوية
وله بضع وسبعون سنة (وصدقة) بن الفضل المروزي (قالا:
أخبرنا محمد بن جعفر) المشهور بغندر (عن شعبة) بن
الحجاج (عن واقد بن محمد) بالقاف المكسورة والدال
المهملة (عن أبيه) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر (عن
ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال أبو بكر)
الصديق -رضي الله عنه-: (ارقبوا) بضم الهمزة وفي
اليونينية بالوصل وسكون الراء وبعد القاف المضمومة
موحدة أي احفظوا (محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في أهل بيته) وسقطت التصلية لأبي ذر،
واختلف في أهل البيت فقيل نساؤه لأنهنّ في بيته قاله
سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- وهو
قول عكرمة ومقاتل، وقيل علي وفاطمة والحسن والحسين
قاله أبو سعيد الخدري وجماعة من التابعين منهم مجاهد
وقتادة، وقيل هم من تحرم عليه الصدقة بعده آل علي وآل
عقيل وآل جعفر وآل عباس قاله زيد بن أرقم، وقال ابن
الخطيب والفخر الرازي: والأولى أن يقال هم أولاده
وأزواجه والحسن والحسين وعليّ منهم، لأنه كان من أهل
بيته لمعاشرته فاطمة بيته وملازمته له.
وهذا الحديث قد مرّ في باب مناقب قرابة رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
3752 - حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى
أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ أَنَسٍ. وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَني
أَنَسٌ قَالَ: "لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَشْبَهَ
بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مِنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ".
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر حدّثني
(إبراهيم بن موسى) بن يزيد التميمي الفراء أبو إسحاق
الرازي قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) أبو عبد الرحمن
الصنعاني (عن معمر) أي ابن راشد (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب (عن أنس) -رضي الله عنه- (وقال عبد
الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري، أخبرني) بالإفراد (أنس
قال: لم يكن أحد أشبه بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من الحسن بن علي) بفتح الحاء.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي في المناقب وسقط قوله: وقال
عبد الرزاق إلى قوله أخبرني أنس من الفرع.
3753 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
أَبِي يَعْقُوبَ سَمِعْتُ ابْنَ أَبِي نُعْمٍ سَمِعْتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ وَسَأَلَهُ عَنِ
الْمُحْرِمِ -قَالَ شُعْبَةُ أَحْسِبُهُ يَقْتُلُ
الذُّبَابَ- فَقَالَ: أَهْلُ الْعِرَاقِ يَسْأَلُونَ
عَنِ الذُّبَابِ وَقَدْ قَتَلُوا ابْنَ ابْنَةِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «هُمَا رَيْحَانَتَايَ مِنَ الدُّنْيَا».
[الحديث 3753 - طرفه في: 5994].
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر حدّثني (محمد
بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار العبدي قال:
(حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن محمد بن أبي يعقوب) الضبي البصري ونسبه
لجدّه واسم أبيه عبد الله أنّه قال: (سمعت ابن أبي
نعم) بضم النون وسكون العين المهملة الزاهد البجلي
واسمه عبد الرحمن يقول: (سمعت عبد الله بن عمر) بن
الخطاب -رضي الله عنهما- (وسأله) أي رجل من أهل العراق
ما عند الترمذي (عن المحرم) بالحج أو العمرة (قال
شعبة) بن الحجاج (أحسبه يقتل الذباب) ما يلزمه إذا
قتلها وهو محرم (فقال) أي ابن عمر متعجبًا من كونهم
يسألون عن الشيء الحقير ويفرطون في الشيء الخطير (أهل
العراق يسألون عن الذباب) بضم المعجمة وبالموحدتين
بينهما ألف ما يلزم المحرم إذا قتله (وقد قتلوا ابن
ابنة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
الحسين بضم الحاء (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(هما) أي الحسنان (ريحانتاي) بتاء فوقية بعد النون
بلفظ التثنية ولأبي ذر: ريحاني (من الدنيا) بغير تاء
بلفظ الإفراد ووجه التشبيه أن الولد يشم
(6/135)
ويقبل. وعند الترمذي من حديث أنس -رضي الله
عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كان يدعو الحسن والحسين فيشمهما ويضمهما إليه، وعند
الطبراني "هما ريحانتاي من الدنيا أشمهما" وقوله "من
الدنيا" كقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
"حبب إليّ من دنياكم الطيب والنساء" أي نصيبي، ويحتمل
أن يكون ابن عمر أجاب السائل عن خصوص ما سأل عنه لأنه
لا يحل له كتمان العلم إلا إن حمل على أن السائل كان
متعنتًا.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب والترمذي في
المناقب.
23 - باب مَنَاقِبُ بِلاَلِ بْنِ رَبَاحٍ مَوْلَى
أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما-. وَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَمِعْتُ دَفَّ
نَعْلَيْكَ بَيْنَ يَدَيَّ فِي الْجَنَّةِ»
(باب مناقب بلال بن رباح) بفتح الراء والموحدة وبعد
الألف حاه مهملة، وأمه حمامة. وكان صادق الإسلام طاهر
القلب شحيحًا على دينه، وعذب في الله عذابًا شديدًا
فصبر وهان على قومه فأعطوه الولدان فجعلوا يطوفون به
في شعاب مكة وهو يقول: أحد أحد، وكان أمية بن خلف ممن
يوالي على بلال العذاب فكان قتله على يد بلال فقال أبو
بكر -رضي الله عنه- أبياتًا منها:
هنيا زادك الرحمن خيرًا ... فقد أدركت ثارك يا بلال
وكان شديد الأدمة نحيفًا طوالاً خفيف العارضين من
مولدي مكة مولى لبعض بني جمح، وأصله من الحبشة توفي
بدمشق سنة عشرين وهو ابن ثلاث وستين سنة. وكان (مولى
أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما-) وعند ابن أبي شيبة
بإسناد صحيح عن قيس بن أبي حازم أن أبا بكر -رضي الله
عنه- اشتراه بخمس أواق. وهو مدفون بالحجارة وسقط لفظ
باب لأبي ذر (وقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سمعت دف نعليك) بفتح الدال
وتشديد الفاء أي خفقهما (بين يدي) بتشديد التحتية (في
الجنة) وهذا وصله في صلاة الليل.
3754 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
الْمُنْكَدِرِ أَخْبَرَنَا جَابِرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ عُمَرُ
يَقُولُ: أَبُو بَكْرٍ سَيِّدُنَا، وَأَعْتَقَ
سَيِّدَنَا. يَعْنِي بِلاَلاً".
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:
(حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة) هو عبد العزيز بن عبد
الله بن أبي سلمة الماجشون واسم أبي سلمة دينار (عن
محمد بن المنكدر) أنه قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا
(جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- قال:
كان عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (يقول: أبو بكر)
الصديق -رضي الله عنه- (سيدنا) لأنه أفضلهم (وأعتق
سيدنا) مجازًا (يعني بلالاً) قاله تواضعًا أو أنه من
سادات هذه الأمة، وليس هو أفضل من عمر بلا ريب.
3755 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ "أَنَّ
بِلاَلاً قَالَ لأَبِي بَكْرٍ: إِنْ كُنْتَ
اشْتَرَيْتَنِي لِنَفْسِكَ فَأَمْسِكْنِي، وَإِنْ
كُنْتَ إِنَّمَا اشْتَرَيْتَنِي لِلَّهِ فَدَعْنِي
وَعَمَلَ اللَّهِ".
وبه قال: (حدّثنا ابن نمير) بضم النون وفتح الميم
مصغرًا هو محمد بن عبد الله بن نمير (عن محمد بن عبيد)
بضم العين الطنافسي الكوفي أنه قال: (حدّثنا إسماعيل)
بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (أن بلالاً قال
لأبي بكر) -رضي الله عنه- لما توفي النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأراد بلال أن يخرج من
المدينة فمنعه أبو بكر -رضي الله عنه- إرادة أن يؤذن
في المسجد. فقال: لا أريد المدينة بعد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إن كنت إنما
اشتريتني لنفسك فامسكني وإن كنت إنما اشتريتني لله
فدعني وعمل الله) عز وجل، ولأبي ذر عن الكشميهني وعملي
لله عز وجل.
وفي طبقات ابن سعد في هذه القصة أني رأيت أفضل عمل
المؤمن الجهاد فأردت أن أرابط في سبيل الله عز وجل،
وأن أبا بكر -رضي الله عنه- قال له: أنشدك الله وحقي
فأقام معه حتى توفي فأذن له عمر -رضي الله عنه- فتوجه
إلى الشام مجاهدًا فمات بها في طاعون عمواس، وأذن مرة
واحدة بالشام فبكى وأبكى.
24 - باب ذِكْرُ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-
(باب ذكر ابن عباس) عبد الله (-رضي الله عنهما-) وسقط
لأبي ذر لفظ باب وولد ابن عباس قبل الهجرة بثلاث سنين
بالشعب قبل خروج بني هاشم منه، وحنكه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بريقه وسماه ترجمان القرآن وكان
طويلاً أبيض جسيمًا وسيمًا صبيح الوجه وكان من علماء
الصحابة. قال مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت أجمل
الناس، فإذا تكلم قلت أفصح الناس، وإذا تحدث قلت أعلم
الناس. وقال عطاء: كان ناس يأتون ابن عباس في الشعر
والأنساب وناس يأتون لأيام العرب ووقائعها وناس يأتون
للعلم والفقه فما منهم صنف إلا ويقبل عليهم بما شاؤوا.
وقال فيه عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: عبد الله فتى
الكهول له لسان سيول وقلب عقول. وقال طاوس: أدركت
(6/136)
نحو خمسمائة من الصحابة إذا ذكروا ابن عباس
فخالفوه لم يزل يقررهم حتى ينتهوا إلى قوله. وتوفي
-رضي الله عنه- بالطائف بعد أن عمي سنة ثمان وستين وهو
ابن سبعين سنة، وصلّى عليه محمد ابن الحنفية.
3756 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ عَنْ خَالِدٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ قَالَ: «ضَمَّنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى صَدْرِهِ وَقَالَ:
اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْحِكْمَةَ. حَدَّثَنَا أَبُو
مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ «وَقَالَ:
اللَّهُمَّ عَلِّمْهُ الْكِتَابَ». حَدَّثَنَا مُوسَى
حَدَّثَنَا وُهَيْبٌ عَنْ خَالِدٍ .. مِثْلَهُ.
وَالحِكْمَةَ الإِصَابَةَ فِي غَيْرِ النُّبُوَّةِ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد
الوارث) بن سعيد العنبري
مولاهم التنوري (عن خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن
عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: ضمني النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى صدره وقال: اللهم
علمه الحكمة) وسقط لأبي ذر واو وقال.
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحتين بينهما
عين ساكنة عبد الله بن عمير المنقري مولاهم المقعد
التميمي قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري أي
الحديث بسنده إلى آخره (وقال): فيه (اللهم علمه
الكتاب) بدل قوله الحكمة، وثبت لفظ اللهم لأبي ذر.
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال:
(حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد عجلان البصري
(عن خالد) الحذاء بسنده السابق (مثله) بالنصب بفعل
مقدر أي مثل رواية أبي معمر.
(والحكمة) هي (الإصابة في غير النبوة) وهذا التفسير
ثابت لأبي ذر عن المستملي. وقال ابن وهب: قلت لمالك ما
الحكمة؟ قال: معرفة الدين والتفقه فيه والإتباع له.
وقال الشافعي -رضي الله عنه-: الحكمة سنّة رسول الله،
واستدلّ -رحمه الله تعالى- لذلك بأنه تعالى ذكر تلاوة
الكتاب وتعليمه ثم عطف عليه الحكمة، فوجب أن يكون
المراد من الحكمة شيئًا خارجًا عن الكتاب وليس ذلك إلا
السنّة، وقيل هي الفصل بين الحق والباطل، والحكيم هو
الذي يحكم الأشياء ويتقنها.
وعند البغوي في معجمه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- دعا لابن عباس -رضي الله عنهما- فقال:
"اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل". وعد الضحاك علمه
تأويل القرآن، وعند ابن عمر -رضي الله عنهما- فيما
رواه أبو زرعة الدمشقي في تاريخه: ابن عباس أعلم الناس
بما أنزل الله على محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وقد بسط ابن عادل الكلام على تفسير الحكمة
فليراجع، وعند يعقوب بن سفيان في تاريخه بإسناد صحيح
عن أبي وائل قال: قرأ ابن عباس سورة النور ثم جعل
يفسرها فقال رجل: لو سمعت هذا الديلم أسلمت، وتقدم في
كتاب العلم حديث الباب من رواية أبي معمر.
25 - باب مَنَاقِبُ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ -رضي الله
عنه-
(باب مناقب خالد بن الوليد) بن عبد الله بن عمر بن
مخزوم بن يقظة بفتح التحتية والقاف والظاء المشالة ابن
مرة بن كعب، يجتمع مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ومع أبي بكر في مرة بن كعب، ويكنى أبا
سليمان أسلم في هدنة الحديبية وعزماته يوم مؤتة وفي
الردة وبدء فتوح العراق وجميع فتوح الشام أكثر من أن
تحصى إذ كان له فيها العناء العظيم الحفيل والبلاء
الحسن الجميل، وتوفي بحمص سنة إحدى وعشرين حتف أنفه
وعمره بضع وأربعون سنة (-رضي الله عنه-) وسقط باب لأبي
ذر.
3757 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ
بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه-: «أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَعَى
زَيْدًا وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ
قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ: أَخَذَ
الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ
فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ
وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ - حَتَّى أَخَذَها سَيْفٌ
مِنْ سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن واقد) بالقاف المكسورة
والدال المهملة أبو يحيى الأسدي مولاهم الحراني واسم
أبيه عبد الملك ونسبه لجده قال: (حدّثنا حماد بن زيد)
أي ابن درهم الجهضمي أبو إسماعيل البصري (عن أيوب)
السختياني (عن حميد بن هلال) العدوي أبي نصر البصري
الثقة العالم لكن توقف فيه ابن سيرين لدخوله في عمل
السلطان (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نعى زيدًا) أي ابن حارثة
(وجعفرًا) أي ابن أبي طالب (وابن رواحة) بفتح الراء
والواو المخففة عبد الله (للناس) أي أخبرهم بموتهم في
غزوة مؤتة (قبل أن يأتيهم خبرهم) وذلك أنه عليه الصلاة
والسلام أرسل سرية إليها واستعمل عليهم زيدًا وقال: إن
أصيب فجعفر فإن أصيب فابن رواحة فخرجوا وهم ثلاثة آلاف
فتلاقوا مع الكفار فاقتتلوا فكان كما قال عليه الصلاة
والسلام (فقال):
(أخد الراية زيد فأصيب) أي قتل (ثم أخذ جعفر) بإسقاط
ضمير المفعول ولأبي ذر عن الكشميهني ثم أخذها جعفر
(فأصيب) بإسقاط الضمير قال ذلك (وعيناه) عليه الصلاة
والسلام (تذرفان) بذال معجمة
(6/137)
وراء مكسورة وفاء تسيلان بالدموع (حتى أخذ
سيف) بإسقاط المفعول ولأبي ذر عن الكشميهني حتى أخذها
سيف (من سيوف الله) عز وجل. وفي الجنائز فأخذها خالد
بن الوليد من غير إمرة أي من غير تأمير منه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكنه رأى المصلحة في ذلك
فأخذ الراية (حتى فتح الله عليهم) على يد خالد، فانحاز
بالمسلمين حتى رجعوا سالمين. وفي حديث أبي قتادة ثم
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
"اللهم إنه سيف من سيوفك فأنت تنصره" فمن يومئذٍ سمي
سيف الله.
وفي حديث عبد الله بن أبي أوفى مما أخرجه الحاكم وابن
حبان قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "لا تؤذوا خالدًا فإنه سيف من سيوف الله
صبه على الكفار".
وهذا الحديث قد سبق في الجنائز والجهاد وعلامات النبوة
ويأتي إن شاء الله تعالى في المغازي بعون الله وقوته.
26 - باب مَنَاقِبُ سَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ
-رضي الله عنه-
(باب مناقب سالم) أي ابن معقل بفتح الميم وسكون العين
وكسر القاف، كان من أهل فارس من فضلاء الصحابة الموالي
وكبارهم معدود في المهاجرين لأنه هاجر إلى المدينة وفي
الأنصار لأنه (مولى) امرأة (أبي حذيفة) بن عتبة بن
ربيعة بن عبد شمس بن عبد مناف الأنصارية تبناه أبو
حذيفة لما تزوجها فنسب إليه واستشهد سالم باليمامة
(-رضي الله عنه-) وسقط لفظ باب لأبي ذر.
3758 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ
عَنْ مَسْرُوقٍ قَالَ: «ذُكِرَ عَبْدُ اللَّهِ عِنْدَ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ
لاَ أَزَالُ أُحِبُّهُ بَعْدَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ أَرْبَعَةٍ: مِنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَبَدَأَ بِهِ،
وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ، وَأُبَيِّ بْنِ
كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ. قَالَ: لاَ أَدْرِي،
بَدَأَ بِأُبَيٍّ أَوْ بِمُعَاذٍ». [الحديث 3758 -
أطرافه في: 3760، 3806، 3808، 4999].
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بفتح العين في الأول
وضم الميم وتشديد الراء ابن طارق الجملي بفتح الجيم
والميم الكوفي الأعمى (عن إبراهيم) النخعي (عن مسروق)
هو ابن الأجدع أنه (قال: ذكر) بضم المعجمة مبنيًّا
للمفعول (عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- (عن عبد
الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاص (فقال: ذاك رجل لا
أزال أحبه بعدما سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (استقرئوا القرآن) أي
اطلبوه (من أربعة من عبد الله بن مسعود فبدأ به و) من
(سالم مولى أبي حذيفة و) من (أبي بن كعب، و) من (معاذ
بن جبل) (قال) عمرو: (لا أدري بدأ بأبي) أي بأبي بن
كعب (أو بمعاذ) ولأبي ذر: أو بمعاذ بن جبل، وإنما خص
هؤلاء الأربعة لأنهم أكثر ضبطًا للفظ القرآن وأتقن
لأدائه، وإن كان غيرهم أفقه في معانيه منهم، أو لأنهم
تفرغوا لأخذه منه مشافهة وغيرهم اقتصروا على أخذ بعضهم
عن بعض، أو أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أراد الإعلام بما يكون بعده من تقدم هؤلاء الأربعة
وإنهم أقرأ من غيرهم، وليس المراد أنه لم يجمعه غيرهم.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في مناقب أبي بن كعب،
وفي فضائل القرآن، وفي مناقب معاذ، وفي مناقب عبد الله
بن مسعود، ومسلم في الفضائل، والترمذي في المناقب.
27 - باب مَنَاقِبُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ
-رضي الله عنه-
(باب مناقب عبد الله بن مسعود) أي ابن غافل بالغين
المعجمة والفاء ابن حبيب بن شمخ بفتح الشين المعجمة
وسكون الميم بعدها خاء معجمة ابن فار بالفاء وبعد
الألف راء ابن مخزوم بن صاهلة بن كاهل بن الحرث بن
تميم بن سعد بن هذيل بن مدركة أبي عبد الرحمن حليف بني
زهرة. وكان أبوه مسعود بن غافل قد حالف في الجاهلية
عبد الله بن الحرث بن زهرة وأمه أم عبد بنت عبد ود
هذلية من فخذ أبيه وأمها زهرية. قيل: إنها بنت الحرث
بن زهرة، وكان إسلامه قديمًا في أول الإسلام، وكان
سادس ستة في الإسلام، وهو من القراء المشهورين، وممن
جمع القرآن على عهد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وهاجر الهجرتين، وصلّى إلى القبلتين، وشهد
بدرًا والحديبية، وشهد له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجنة، وكان قصيرًا نحيفًا يكاد
طوال الرجال يوازونه جلوسًا وهو قائم، وتوفي سنة
اثنتين وثلاثين، وقد جاوز الستين ودفن بالبقيع وصلّى
عليه عثمان (-رضي الله عنه-). وكان له من الولد عبد
الرحمن وبه كان يكنى وعتبة وأبو عبيدة واسمه عامر وسقط
لفظ باب لأبي ذر.
3759 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
وَائِلٍ قَالَ سَمِعْتُ مَسْرُوقًا قَالَ: قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو: «إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ
فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا. وَقَالَ: إِنَّ مِنْ
أَحَبِّكُمْ إِلَىَّ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا».
3760 - «وَقَالَ: اسْتَقْرِئُوا الْقُرْآنَ مِنْ
أَرْبَعَةٍ: مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ،
وَسَالِمٍ مَوْلَى أَبِي
حُذَيْفَةَ، وَأُبيىِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُعَاذِ بْنِ
جَبَلٍ».
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) الحوضي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش أنه
(قال: سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة (قال: سمعت
مسروقًا) هو ابن الأجدع (قال: قال عبد الله بن عمرو):
أي ابن العاص
(6/138)
-رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن فاحشًا) أي لم يكن
متكلمًا بالقبيح (ولا متفحشًا) ولا متكلفًا للتكلم
بالقبيح نفى عنه الفحش والتفوه به طبعًا وتكلفًا
(وقال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إن من أحبكم إليّ أحسنكم أخلاقًا) (وقال) عليه الصلاة
والسلام: (استقرئوا القرآن من أربعة من عبد الله بن
مسعود و) من (سالم مولى أبي حذيفة و) من (أبي بن كعب
و) من (معاذ بن جبل) -رضي الله عنهم- كذا ساق المؤلّف
هذا الحديث بزيادة صفة من صفاته -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أوله، والظاهر أن بعض الرواة
تحمله كذلك فأورده المؤلّف كذلك، ومطابقة الحديث لا
تخفى.
3761 - حَدَّثَنَا مُوسَى عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ
مُغِيرَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ
"دَخَلْتُ الشَّامَ فَصَلَّيْتُ رَكْعَتَيْنِ
فَقُلْتُ: اللَّهُمَّ يَسِّرْ لِي جَلِيسًا.
فَرَأَيْتُ شَيْخًا مُقْبِلاً، فَلَمَّا دَنَا قُلْتُ:
أَرْجُو أَنْ يَكُونَ اسْتَجَابَ اللهُ. قَالَ: مِنْ
أَيْنَ أَنْتَ؟ قُلْتُ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَ:
أَفَلَمْ يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ النَّعْلَيْنِ
وَالْوِسَادِ وَالْمِطْهَرَةِ؟ أَوَ لَمْ يَكُنْ
فِيكُمُ الَّذِي أُجِيرَ مِنَ الشَّيْطَانِ؟ أَوَ لَمْ
يَكُنْ فِيكُمْ صَاحِبُ السِّرِّ الَّذِي لاَ
يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ؟ كَيْفَ قَرَأَ ابْنُ أُمِّ
عَبْدٍ {وَاللَّيْلِ} فَقَرَأْتُ {وَاللَّيْلِ إِذَا
يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَالذَّكَرِ
وَالأُنْثَى} [الليل: 1 - 3] قَالَ: أَقْرَأَنِيهَا
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاهُ
إِلَى فِيَّ، فَمَا زَالَ هَؤُلاَءِ حَتَّى كَادُوا
يَرُدُّوننِي".
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي (عن أبي
عوانة) الوضاح بن عبد الله اليشكري (عن مغيرة) بن مقسم
الكوفي (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس النخعي
أنه قال: (دخلت الشام فصليت ركعتين) في المسجد (فقلت:
اللهم يسّر لي جليسًا) زاد أبو ذر عن الكشميهني صالحًا
(فرأيت شيخًا) حال كونه (مقبلاً فلما دنا) قرب مني
(قلت): له (أرجو أن يكون استجاب الله) عز وجل دعائي
(قال): لي (من أين أنت؟) وسقطت لفظة أين لأبي ذر قال
علقمة (قلت) له: أنا (من أهل الكوفة. قال: أفلم) بهمزة
الاستفهام ولأبي ذر فلم (يكن فيكم صاحب النعلين
والوساد) أي المخدة (والمطهرة؟) أي عبد الله بن مسعود
-رضي الله عنه- (أولم) بهمزة الاستفهام ولأبي ذر ولم
(يكن فيكم الذي أجير من الشيطان؟) زاد في المناقب على
لسان نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي
عمار (أو لم يكن فيكم صاحب السر الذي لا يعلمه غيره؟)
أي حذيفة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عرفه أسماء المنافقين (كيف قرأ ابن أم عبد) عبد الله
بن مسعود -رضي الله عنه- ({والليل}) زاد أبو ذر إذا
يغشى قال: علقمة (فقرأت: {والليل إذا يغشى * والنهار
إذا تجلى * والذكر والأنثى}) بجر الذكر وحذف وما خلق
(قال): أي الشيخ وهو أبو الدرداء (أقرأنيها) أي والذكر
والأنثى (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فاه إلى فيّ)
تشديد الياء وعند الزمخشري فاي بالألف قال: وهذا من
إحدى اللغات وهي القصر كعصاي فإعرابه مقدر في آخره،
وأما نصب فاه فقال في المصابيح: المنقول في مثله ثلاثة
أقوال أن يكون فاه حالاً. وصرح ابن مالك في التسهيل
بأنه الأولى أو منصوبًا بمحذوف هو الحال أي جاعلاً فاه
إلى فيّ أو الأصل من فيه إلى فيّ فحذف الجار فانتصب ما
كان مجرورًا به (فما زال هؤلاء) أهل الشام (حتى كادوا
يردوني) من قراءة والذكر والأنثى إلى أن أقرأ {وما خلق
الذكر والأنثى} [الليل: 3] ولأبي ذر والأصيلي: يردونني
بإثبات النونين.
3762 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: "سَأَلْنَا
حُذَيْفَةَ عَنْ رَجُلٍ قَرِيبِ السَّمْتِ وَالْهَدْيِ
مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَتَّى نَأْخُذَ عَنْهُ، فَقَالَ: مَا أَعْرِفُ
أَحَدًا أَقْرَبَ سَمْتًا وَهَدْيًا وَدَلاًّ
بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مِنِ ابْنِ أُمِّ عَبْدٍ". [الحديث 3762 - طرفه في:
6097].
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله
السبيعي (عن عبد الرحمن بن يزيد) من الزيادة النخعي
أخي الأسود بن يزيد أنه (قال: سألنا حذيفة) بن اليمان
(عن رجل قريب السمت) الهيئة الحسنة (والهدي) بفتح
الهاء وسكون الدال المهملة الطريقة والمذهب (من النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى نأخذ عنه)
سلوك الطريقة المرضية والسكينة والوقار (فقال): وفي
الفرع قال: حذيفة (ما أعرف) ولأبي ذر ما أعلم (أحدًا
أقرب سمتًا وهديًا ودلاًّ) بفتح الدال المهملة وتشديد
اللام سيرة وحالة وهيئة (بالنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من ابن أم عبد) وهي كنية أم عبد
الله بن مسعود -رضي الله عنه-.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي والنسائي في المناقب.
3763 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ أَبِي
إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ قَالَ: حَدَّثَنِي الأَسْوَدُ بْنُ يَزِيدَ
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا مُوسَى الأَشْعَرِيَّ -رضي الله
عنه- يَقُولُ: "قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ
الْيَمَنِ، فَمَكُثْنَا حِينًا مَا نُرَى إِلاَّ أَنَّ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
بَيْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، لِمَا نَرَى مِنْ دُخُولِهِ وَدُخُولِ
أُمِّهِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-". [الحديث 3763 - طرفه في: 4384].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: بالجمع (محمد بن
العلاء) بالهمزة ممدودًا أبو كريب الهمداني الكوفي
قال: (حدّثنا إبراهيم بن يوسف بن أبي إسحاق) السبيعي
(قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) يوسف (عن أبي إسحاق) أنه
(قال: حدّثني) بالإفراد (الأسود بن يزيد) أخو عبد
الرحمن بن يزيد السابق قريبًا (قال: سمعت أبا موسى)
عبد الله بن قيس (الأشعري) -رضي الله عنه- (يقول: قدمت
أنا وأخي) أبو رهم أو أبو بردة (من اليمن فمكثنا) بضم
الكاف في اليونينية (حينًا)
(6/139)
حالة كوننا (ما نرى) بالضم (إلا أن عبد
الله بن مسعود رجل من أهل ييت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما نرى) أي
لأجل ما نراه (من دخوله ودخول أمه) أم عبد بنت عبد ود
(على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
وكان ابن مسعود -رضي الله عنه- يلج على النبى -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويلبسه نعليه ويمشي أمامه
ومعه ويستره إذا اغتسل، وقال: قال لي رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إذنك عليّ أن
ترفع الحجاب وأن تسمع سوادي حتى أنهاك" أخرجه مسلم
وقال عليه الصلاة والسلام: "من أحبّ أن يقرأ القرآن
غضًّا كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن عبد". وقال فيه
عمر: كنيف ملئ علمًا. وعند الحاكم عن حذيفة قال: لقد
علم من أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن ابن أم عبد من أكثرهم إلى الله وسيلة
يوم القيامة اهـ.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الفضائل والترمذي والنسائي
في المناقب.
28 - باب ذِكْرُ مُعَاوِيَةَ -رضي الله عنه-
(باب ذكر معاوية بن أبي سفيان) صخر بن حرب بن أمية بن
عبد شمس بن عبد مناف القرشي الأموي، وأمه هند بنت عتبة
بن ربيعة بن عبد شمس، يجتمع أبوه وأمه في عبد شمس،
أسلم هو وأبوه وأخوه يزيد بن أبي سفيان وأمه هند في
فتح مكة، وكان معاوية يقول: إنه أسلم يوم الحديبية
وكتم إسلامه من أبيه وأمه وهو وأبوه من المؤلّفة
قلوبهم ومن الطبقة الأولى في قسم غنائم حنين، ثم حسن
إسلامهما، وكتب معاوية لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وولي الشام لعمر وعثمان عشرين
سنة، وولي الخلافة سنة أربعين، ومكث خليفة عشرين سنة
إلا شهرًا، وكان أبيض جميلاً وهو من الموصوفين بالحلم،
وتوفي بدمشق سنة ستين وهو ابن اثنتين وثمانين سنة أو
ثمان وسبعين سنة (-رضي الله عنه-) وسقط باب لأبي ذر.
3764 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا
الْمُعَافَى عَنْ عُثْمَانَ بْنِ الأَسْوَدِ عَنِ
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ قَالَ: "أَوْتَرَ مُعَاوِيَةُ
بَعْدَ الْعِشَاءِ بِرَكْعَةٍ وَعِنْدَهُ مَوْلًى
لاِبْنِ عَبَّاسٍ، فَأَتَى ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ:
دَعْهُ فَإِنَّهُ قَدْ صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3764 - طرفه
في: 3765].
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن بشر) بفتح الحاء في الأول
وكسر الموحدة وسكون المعجمة في الثاني أبو علي البجلي
الكوفي قال: (حدّثنا المعافى) بضم الميم وفتح العين
والفاء بينهما ألف ابن عمران الأزدي الموصلي الملقب
بياقوتة العلماء (عن عثمان بن الأسود) بن موسى المكي
(عن ابن أبي مليكة) عبد الله أنه (قال: أوتر معاوية)
-رضي الله عنه- (بعد) صلاة (العشاء بركعة) واحدة
(وعنده مولى لابن عباس) اسمه كريب (فأتى) كريب (ابن
عباس) -رضي الله عنهما- وأخبره بذلك (فقال): ابن عباس
له (دعه) أي اترك القول في معاوية والإنكار عليه
(فإنه) عارف بالفقه لأنه (قد صحب رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وتعلم منه، ولغير أبي ذر
إسقاط لفظة "قد".
3765 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ حَدَّثَنَا
نَافِعُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي
مُلَيْكَةَ "قِيلَ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: هَلْ لَكَ فِي
أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ مُعَاوِيَةَ فَإِنَّهُ مَا
أَوْتَرَ إِلاَّ بِوَاحِدَةٍ، قَالَ: "إِنَّهُ
فَقِيهٌ".
وبه قال: (حدّثنا ابن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن
أبي مريم قال: (حدّثنا نافع بن عمر) بضم العين ابن عبد
الله الجمحي قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا
(ابن أبي مليكة) عبد الله أنه (قيل لابن عباس) والقائل
كريب كما سبق (هل لك في أمير المؤمنين معاوية فإنه ما
أوتر إلا بواحدة) وسقط لغير أبي ذر: فإنه (قال): أي
ابن عباس (إنه) ولأبي ذر قال: أصاب إنه (فقيه) فلا
تنكر عليه، وزاد لفظة أصاب.
3766 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ حُمْرَانَ بْنَ
أَبَانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ -رضي الله عنه- قَالَ:
"إِنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلاَةً لَقَدْ صَحِبْنَا
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمَا
رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا، وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا،
يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عمرو
بن عباس) بفتح العين، وسكون الميم، وعباس بالموحدة
والمهملة أبو عثمان البصري قال: (حدّثنا محمد بن جعفر)
غندر قال: (حدّثنا شعبة) هو ابن الحجاج (عن أبي
التياح) بالفوقية والتحتية المشددة وبعد الألف حاء
مهملة يزيد بن حميد الضبعي البصري أنه (قال: سمعت
حمران بن أبان) بضم الحاء المهملة وسكون الميم وأبان
بفتح الهمزة وتخفيف الباء الموحدة مولى عثمان بن عفان
يحدث (عن معاوية -رضي الله عنه-) أنه (قال: إنكم
لتصلون صلاة) بلام التأكيد (لقد صحبنا النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فما رأيناه يصلّيها) يعني
الصلاة. ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يصلّيهما يعني
الركعتين (ولقد نهى عنهما يعني الركعتين بعد) صلاة
(العصر) وهذا النفي معارض بإثبات غيره أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يصلّيهما لسبب سبق
ذكره في الصلاة.
ومناسبة هذه الأحاديث لما ترجم له ما فيها من ذكر
الصحبة المقتضية للشرف العالي على أنه قد ورد في فضل
السيد معاوية -رضي الله عنه- أحاديث لكنها
(6/140)
ليست على شرط المولف، فمن ثم لم يقل باب
مناقب معاوية أو فضائله إذ أنه لا تصريح بذلك فيما
ساقه في الباب على ما لا يخفى.
وهذا الحديث من أفراده، وسبق في باب: لا يتحرى الصلاة
قبل غروب الشمس من كتاب الصلاة.
29 - باب مَنَاقِبُ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلاَمُ
وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «فَاطِمَةُ سَيِّدَةُ نِسَاءِ أَهْلِ
الْجَنَّةِ»
(باب مناقب فاطمة) الزهراء البتول بنت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من خديجة (-رضي الله
عنها-) ولأبي ذر: عليها السلام. قال ابن عبد البر:
إنها وأختها أم كلثوم أفضل بناته -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال: وولدت فاطمة -رضي الله
عنها- سنة إحدى وأربعين من مولده عليه الصلاة والسلام
وتزوجها علي -رضي الله عنه- بعد بدر في السنة الثانية،
وولدت له حسنًا وحسينًا ومحسنًا وزينب وأم كلثوم ورقية
فماتت رقية
ولم تبلغ. كذا رواه الطبري عن الليث. وقال غيره: فمات
محسن صغيرًا ولم يتزوج عليها حتى ماتت، ولم يكن للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عقب إلا من ابنته
فاطمة -رضي الله عنها-، وتوفيت بعد موته -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بستة أشهر، وقيل بثمانية
أشهر، وقيل بمائة يوم، وقيل بسبعين، والأول أشهر،
وكانت وفاتها ليلة الثلاثاء لثلاث خلون من شهر رمضان
سنة إحدى عشرة وهي ابنة تسع وعشرين سنة. قاله
المدائني.
وقيل ابنة ثلاثين وصلّى عليها عليّ، وقيل العباس، وقيل
أبو بكر، وسقط لفظ باب لأبي ذر.
(وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
فيما وصله في علامات النبوة مطوّلاً (فاطمة سيدة نساء
أهل الجنة) وروى النسائي من حديث داود بن أبي الفرات
عن عليّ بن أحمد السكري عن عكرمة عن ابن عباس -رضي
الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال: "أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت خويلد
وفاطمة بنت محمد" وداود بن أبي الفرات وعليّ بن أحمد
ثقتان. فالحديث صحيح وهو صريح في أن فاطمة وأمها أفضل
نساء أهل الجنة، والحديث الأول المعلق يدل لتفضيلها
على أمها. قال الشيخ تقي الدين السبكي: فالذي نختاره
وندين الله به أن فاطمة أفضل ثم خديجة ثم عائشة، ولم
يخف عنا الخلاف في ذلك ولكن إذا جاء نهر الله بطل نهر
معقل.
3767 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا ابْنُ
عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ
أَبِي مُلَيْكَةَ عَنِ الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ
-رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَاطِمَةُ
بَضْعَةٌ مِنِّي، فَمَنْ أَغْضَبَهَا أَغْضَبَنِي».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك
الطيالسي قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن عمرو بن
دينار عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن المسور بن
مخرمة) -رضي الله عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(فاطمة بضعة) بفتح الموحدة قطعة (مني فمن أغضبها) فقد
(أغضبني) استدلّ به السهيلي على أن من سبّها فإنه
يكفر، وأنها أفضل بناته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وعورض بأن أخواتها زينب ورقية وأم كلثوم يشاركنها في
الصفة المذكورة لأن كلاًّ منهن بضعة منه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وإنما يعتبر التفضيل
بأمر يختص به المفضل على غيره. وأجيب: بأنها امتازت
عنهن بأنهن متن في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فكن في صحيفته، ومات -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حياة فاطمة فكان في صحيفتها
ولا يقدر قدر ذلك إلا الله فانفردت فاطمة دون سائر
بناته فامتازت بذلك، وبأن بشرها في مرض موته بأنها
سيدة نساء أهل الجنة أي من أهل هذه الأمة المحمدية،
وقد ثبت أفضلية هذه الأمة على غيرها فتكون فاطمة على
هذا أفضل من مريم وآسية، وفي ذلك خلاف وقد بسط الكلام
على ذلك في شرح النقاية.
وأجيب عن حديث عائشة -رضي الله عنها- عند الطحاوي أنه
قال: "زينب أفضل بناتي" على تقدير ثبوته بأن ذلك كان
متقدمًا، ثم وهب الله عز وجل لفاطمة من الأحوال السنية
والكمالات العلمية ما لم يشركها فيه أحد من نساء هذه
الأمة مطلقًا.
وهذا الحديث سبق في ذكر أصهار النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأتم من هذا وسقط لفظ باب لأبي
ذر.
30 - باب فَضْلِ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
(باب فضل عائشة) الصديقة بنت الصديق أبي بكر بن أبي
قحافة القرشية التيمية، وأمها أم رومان ابنة عامر بن
عويمر، وكنيتها أم عبد الله بعبد الله بن الزبير ابن
أختها، وقول أنها أسقطت من النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سقطًا لم يثبت، وولدت في الإسلام
قبل الهجرة بثمان سنين أو نحوهما، ومات النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولها نحو ثمانية عشر
عامًا، وقد حفظت عنه شيئًا كثيرًا حتى قيل إن ربع
الأحكام الشرعية منقول عنها. قال عطاء بن أبي رباح:
كانت
(6/141)
عائشة -رضي الله عنها- أفقه الناس وأعلم
الناس وأحسن الناس رأيًا في العامة. وقال عروة بن
الزبير: ما رأيت أحدًا أعلم بفقه ولا بطب ولا بشعر من
عائشة. وقال الزهري: لو جمع علم عائشة إلى علم جميع
أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعلم
جميع علم النساء لكان علم عائشة أفضل، ومن خصائصها
أنها كانت أحب أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إليه، وبرأها الله مما رماها به أهل الإفك،
وأنزل الله عز وجل في عذرها وبراءتها وحيًا يتلى في
محاريب المسلمين إلى يوم الدين والحمد لله رب
العالمين. وتوفيت سنة ثمان وخمسين من الهجرة في خلافة
معاوية، وقد قاربت السبعين وذلك ليلة الثلاثاء لسبع
عشرة خلت من رمضان وصلى عليها أبو هريرة (-رضي الله
عنها-).
3768 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ
أَبُو سَلَمَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمًا: يَا عَائِشَ هَذَا
جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ. فَقُلْتُ:
وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ
وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لاَ أَرَى. تُرِيدُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا
اسم جده وأبو عبد الله المخزومي المصري قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن
ابن شهاب) الزهري أنه قال: (قال أبو سلمة) بن عبد
الرحمن بن عوف (إن عائشة -رضي الله عنها- قالت قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يومًا):
(يا عائش) بفتح الشين في الفرع مصححًا عليه ويجوز ضمها
ككل مرخم (هذا جبريل يقرئك السلام) أي سلم عليك. قالت
(فقلت: عليه السلام) ولغير أبي ذر وعليه السلام (ورحمة
الله وبركاته ترى) بتاء الخطاب (ما لا أرى) بفتح
الهمزة (تريد) عائشة بذلك (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
قال في الفتح: وهذا من قول عائشة -رضي الله عنها- اهـ.
واستنبط منه استحباب بعث السلام وبعث الأجنبي السلام
إلى الأجنبية الصالحة إذا لم تخف مفسدة وأنه لو بلغه
سلام أحد في ورقة من غائب لزمه الرد عليه باللفظ إذا
قرأه.
3769 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ:
(ح) وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ
عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ عَنْ مُرَّةَ عَنْ أَبِي مُوسَى
الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَمَلَ
مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ
النِّسَاءِ إِلاَّ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ
وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ. وَفَضْلُ عَائِشَةَ
عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ
الطَّعَامِ».
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (أخبرنا شعبة)
بن الحجاج (قال): المؤلّف بالسند السابق (ح).
(وحدّثنا عمرو) بفتح العين بن مرزوق الباهلي المتوفى
سنة أربع وعشرين ومائتين قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج
(عن عمرو بن مرة) بالميم المضمومة والراء المشددة
وعمرو بفتح العين الهمداني الكوفي (عن مرة) وسقط عن
مرة في الفرع سهوًا وثبت في الأصل (عن أبي موسى) عبد
الله بن قيس (الأشعري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(كمل) بفتح الكاف والميم ويجوز كسر الميم وضمها (من
الرجال كثير ولم يكمل) بضم الميم (من النساء إلا مريم
بنت عمران) أم عيسى عليه السلام (وآسية) بوزن فاعلة من
الأسى وهي بنت مزاحم (امرأة فرعون) قيل: وكانت ابنة
عمه، وقيل غير ذلك. استدلّ به على نبوة مريم وآسية،
لأن أكمل النوع الإنساني الأنبياء ثم الصديقون ثم
الأولياء والشهداء، فلو كانتا غير نبيتين للزم أن لا
يكون في النساء ولية ولا صديقة ولا شهيدة. والواقع أن
هذه الصفات في كثير منهن موجودة فكأنه قال: لم ينبأ من
النساء إلاّ مريم وآسية ولو قال: لم تثبت صفة الصديقية
أو الولاية أو الشهادة إلا لفلانة وفلانة لم يصح لوجود
ذلك لغيرهن إلا أن يكون المراد من الحديث كمال غير
الأنبياء فلا يتم به الدليل على ذلك لأجل ذلك قاله في
الفتح. واستشهد بعضهم لنبوة مريم بذكرها في سورة مريم
مع الأنبياء وهو قرينة، وقد اختلف في نبوة نسوة غير
مريم وآسية كحواء وسارة. قال السبكي: ولم يصح عندنا في
ذلك شيء.
(وفضل عائشة) بنت أبي بكر (على النساء) أي نساء هذه
الأمة (كفضل الثريد) المتخذ من الخبز واللحم (على سائر
الطعام) وهذا لا يلزم منه ثبوت الأفضلية المطلقة بل
يخص بنحو نساء هذه الأمة كما مرّ. وأشار ابن حبان كما
أفاده في الفتح إلى أن أفضليتها التي يدل عليها هذا
الحديث وغيره مقيدة بنساء النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى لا يدخل فيها مثل فاطمة عليها
السلام جمعًا بينه وبين حديث الحاكم: أفضل نساء أهل
الجنة خديجة وفاطمة.
وفي الصحيح لما جاءت فاطمة -رضي الله عنها- إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها: "ألست
تحبين ما أحب"؟ قالت: بلى. قال: "فأحبي هذه يعني
عائشة". قال الشيخ تقي الدين السبكي:
(6/142)
وهذا الأمر لا صارف لحمله على الوجوب،
وحكمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الواحد
حكمه على الجماعة، فيلزم من هذا وجوب محبتها على كل
أحد. وقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها
ما لا يحصى من الفضل، ونطق القرآن العزيز
في شأنها بما لم ينطق به في غيرها.
وأما بقية أزواجه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
غير خديجة فلا يبلغن هذه المرتبة، لكنا نعلم لحفصة بنت
عمر من الفضائل كثيرًا فما أشبه أن تكون هي بعد عائشة
والكلام في التفضيل صعب، ولا ينبغي التكلم إلا بما ورد
والسكوت عما سواه. وحفظ الأدب. وقال المتولي من
أصحابنا: والأولى بالعاقل أن لا يشتغل بمثل ذلك.
3770 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُ
سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «فَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى
النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى الطَّعَامِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي
(قال: حدّثنا) بالإفراد (محمد بن جعفر) أي ابن أبي
كثير (عن عبد الله بن عبد الرحمن) أبي طوالة الأنصاري
(أنه سمع أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: سمعت رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على الطعام) ولأبي
ذر: على سائر الطعام.
3771 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ حَدَّثَنَا
ابْنُ عَوْنٍ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ "أَنَّ
عَائِشَةَ اشْتَكَتْ، فَجَاءَ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ:
يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ، تَقْدَمِينَ عَلَى فَرَطِ
صِدْقٍ، عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَى أَبِي بَكْرٍ". [الحديث
3771 - طرفاه في: 4753، 4754].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد
بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة أبو بكر بندار
العبدي قال: (حدّثنا عبد الوهاب بن عبد المجيد) بن
الصلت بن عبيد الله بن الحكم بن أبي العاصي بن بشر
الثقفي قال: (حدّثنا ابن عون) عبد الله البصري (عن
القاسم بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق التيمي أحد
الفقهاء بالمدينة (أن عائشة) -رضي الله عنها- (اشتكت)
أي مرضت (فجاء ابن عباس) إليها يعودها (فقال) لها: (يا
أم المؤمنين تقدمين) بفتح الدال (على فرط صدق) بفتح
الفاء والراء أي بإضافته لصدق من إضافة الموصوف لصفته
والفرط السابق إلى الماء والمنزل والصدق الصادق (على
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بدل
بتكرار العامل (وعلى أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه-،
والمعنى أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا
بكر قد سبقاك وأنت تلحقينهما وهم قد هيئا لك المنزل في
الجنة فلتقرّ عينك بذلك.
ومطابقته للترجمة بكونه قطع لعائشة بدخول الجنة إذ لا
يقول ابن عباس ذلك إلا بتوقيف.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التعبير.
3772 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ سَمِعْتُ
أَبَا وَائِلٍ قَالَ: "لَمَّا بَعَثَ عَلِيٌّ
عَمَّارًا وَالْحَسَنَ إِلَى الْكُوفَةِ
لِيَسْتَنْفِرَهُمْ، خَطَبَ عَمَّارٌ فَقَالَ: إِنِّي
لأَعْلَمُ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ
فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَلَكِنَّ اللَّهَ
ابْتَلاَكُمْ لِتَتَّبِعُوهُ أَوْ إِيَّاهَا". [الحديث
3772 - طرفاه في: 7100، 7101].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي قال:
(حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة أنه قال: (سمعت أبا وائل)
شقيق بن سلمة (قال: لما بعث عليّ عمارًا) هو ابن ياسر
(والحسن) بفتح الحاء ابن علي (إلى) أهل (الكوفة
ليستنفرهم) ليطاب خروجهم إلى علي وإلى نصرته في مقاتلة
كانت بينه وبين عائشة بالبصرة في وقعة الجمل وجواب لما
قوله (خطب عمار فقال) في خطبته: (إني لأعلم أنها) يعني
عائشة (زوجته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(في الدنيا والآخرة) وفي حديث ابن حبان أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها: "أما ترضين أن
تكوني زوجتي في الدنيا والآخرة" (ولكن الله ابتلاكم
لتتبعوه) سبحانه وتعالى في حكمه الشرعي في طاعة الإمام
وعدم الخروج عليه (أو) لتتبعوا (إياها) أي عائشة -رضي
الله عنها-.
3773 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ
"عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا
اسْتَعَارَتْ مِنْ أَسْمَاءَ قِلاَدَةً فَهَلَكَتْ،
فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَاسًا مِنْ أَصْحَابِهِ فِي طَلَبِهَا،
فَأَدْرَكَتْهُمُ الصَّلاَةُ، فَصَلَّوْا بِغَيْرِ
وُضُوءٍ. فَلَمَّا أَتَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَكَوْا ذَلِكَ إِلَيْهِ،
فَنَزَلَتْ آيَةُ التَّيَمُّمِ، فَقَالَ: أُسَيْدُ
بْنُ حُضَيْرٍ: جَزَاكِ اللَّهُ خَيْرًا، فَوَاللَّهِ
مَا نَزَلَ بِكِ أَمْرٌ قَطُّ إِلاَّ جَعَلَ اللَّهُ
لَكِ مِنْهُ مَخْرَجًا، وَجَعَلَ فِيهِ
لِلْمُسْلِمِينَ بَرَكَةً".
وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) أبو محمد القرشي
الهباري الكوفي من ولد هبار بن الأسود واسمه عبد الله
وعبيد لقب غلب عليه وعرف به قال: (حدّثنا أبو أسامة)
حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة التابعي ابن
الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها
استعارت من) أختها (أسماء) بنت أبي بكر الصديق (قلادة)
بكسر القاف قيل كان ثمنها اثني عشر درهمًا (فهلكت) أي
ضاعت (فأرسل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ناسًا من أصحابه في طلبها) وفي التيمم
رجلاً وفسر بأنه أسيد بن حضير (فأدركتهم الصلاة فصلّوا
بغير وضوء) لم أقف على تعيين هذه الصلاة (فلما أتوا
النبي) ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- شكوا ذلك) الذي وقع لهم من فقد الماء
وصلاتهم بغير وضوء (إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فنزلت آية التيمم) التي في سورة المائدة
(فقال أسيد بن حضير): بضم الهمزة والحاء المهملة
مصغرين الأنصاري الأوسي الأشهلي، وزاد في التيمم
(6/143)
لعائشة -رضي الله عنها- (جزاك الله خيرًا فوالله ما
نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجًا) من مضايقه
وكربه والكاف في الثلاثة مكسورة على ما لا يخفى (وجعل
للمسلمين) كلهم (فيه بركة) وسبق هذا الحديث في التيمم.
3774 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ
«أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لَمَّا كَانَ فِي مَرَضِهِ جَعَلَ يَدُورُ
فِي نِسَائِهِ وَيَقُولُ: أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ
أَنَا غَدًا حِرْصًا عَلَى بَيْتِ
عَائِشَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ: فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي
سَكَنَ".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبيد
بن إسماعيل) الهباري قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن
أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما كان في مرضه)
الذي توفي فيه (جعل يدور في نسائه ويقول):
(أين أنا غدًا أين أنا غدًا) مرتين حال كون قوله ذلك
(حرصًا على) أن يكون في (بيت عائشة) -رضي الله عنها-.
قال عروة (قالت عائشة: فلما كان يومي) يوم نوبتي
(سكن). قال الكرماني: أي مات أو سكت عن هذا القول،
وتعقبه في الفتح فقال الثاني: أي سكوته هو الصحيح
والأول خطأ صريح، وتعقبه في العمدة فقال: الخطأ الصريح
تخطئته لأن في رواية مسلم فلما كان يومي قبضه الله عز
وجل بين سحري ونحري اهـ.
وهذا لا حجة فيه لأن مرادها أنه قبض يوم نوبتها لا
اليوم الذي جاء إليها فيه لأن ذلك كان قبل موته بمدة،
وقوله عن هشام عن أبيه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صورته صورة المرسل لأن عروة
تابعي، لكن دل قوله قالت عائشة -رضي الله عنها- أنه
موصول عنها، ويأتي إن شاء الله تعالى موصولاً من وجه
آخر في باب الوفاة النبوية بعون الله تعالى وقوته.
3775 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «كَانَ النَّاسُ يَتَحَرَّوْنَ
بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ عَائِشَةَ. قَالَتْ عَائِشَةُ:
فَاجْتَمَعَ صَوَاحِبِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ
فَقُلْنَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ، وَاللَّهِ إِنَّ
النَّاسَ يَتَحَرَّوْنَ بِهَدَايَاهُمْ يَوْمَ
عَائِشَةَ، وَإِنَّا نُرِيدُ الْخَيْرَ كَمَا
تُرِيدُهُ عَائِشَةُ، فَمُرِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يَأْمُرَ النَّاسَ
أَنْ يُهْدُوا إِلَيْهِ حَيْثُ كَانَ، أَوْ حَيْثُ مَا
دَارَ. قَالَتْ: فَذَكَرَتْ ذَلِكَ أُمُّ سَلَمَةَ
لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
قَالَتْ: فَأَعْرَضَ عَنِّي. فَلَمَّا عَادَ إِلَىَّ
ذَكَرْتُ لَهُ ذَلِكَ، فَأَعْرَضَ عَنِّي، فَلَمَّا
كَانَ فِي الثَّالِثَةِ ذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: يَا
أُمَّ سَلَمَةَ، لاَ تُؤْذِينِي فِي عَائِشَةَ،
فَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَا نَزَلَ عَلَىَّ الْوَحْيُ
وَأَنَا فِي لِحَافِ امْرَأَةٍ مِنْكُنَّ غَيْرِهَا».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن عبد الوهاب) الحجبي
البصري قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد قال: (حدّثنا
هشام عن أبيه) عروة أنه (قال: كان الناس يتحرون)
بالحاء المهملة والراء المشددة المفتوحتين يقصدون
(بهداياهم) للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(يوم) نوبة (عائشة) -رضي الله عنها- حين يكون عليه
الصلاة والسلام عندها لعلمهم بحبه لها (قالت عائشة:
فاجتمع صواحبي) أمهات المؤمنين (إلى أم سلمة) هند زوج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقلن) لها
ولأبي ذر فقالوا (يا أم سلمة والله إن الناس يتحرون
بهداياهم يوم عائشة وإنا نريد الخير) بنون المتكلم
ومعه غيره (كما تريده عائشة فمري) بفتح الفاء وضم
الميم وكسر الراء (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن يأمر الناس أن يهدوا إليه حيثما كان) من
بيوت نسائه (أو حيثما دار) إليهن يوم نوبتهن (قالت):
عائشة (فذكرت ذلك) الذي قلن لها (أم سلمة للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما دار إليها
يوم نوبتها (قالت) أم سلمة: (فأعرض عني) عليه الصلاة
والسلام (فلما
عاد إليّ) يوم نوبتي (ذكرت له ذاك) الذي قلن، ولأبي ذر
ذلك باللام (فأعرض عني فلما كان في) المرة (الثالثة
ذكرت له) ذلك (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(يا أم سلمة لا تؤذيني في عائشة فإنه والله ما نزل
عليّ الوحي وأنا في لحاف امرأة منكنّ غيرها) وكفاها
بهذا شرفًا وفخرًا. ولحاف بكسر اللام هو ما يتغطى به.
وهذا الحديث قد سبق في باب قبول الهدية من كتاب الهبة.
هذا آخر النصف الأول كما نقله الكرماني عن المتقنين
المعتنين بالبخارى من الشيوخ، وانتهت كتابته على يد
جامعه أحمد بن محمد بن أبي بكر القسطلاني يوم الخميس
حادي عشري رجب الفرد الحرام سنة إحدى عشرة وتسعمائة،
والله أسأل بوجهه الكريم ونبيه العظيم عليه أفضل
الصلاة وأزكى التسليم أن يعينني على إتمامه وتحريره،
وينفعني به والمسلمين في الحال والمآل مع القبول
والإقبال، وأن يمن عليّ بالمقام في الحضرة المحمدية مع
الرضا في عافية بلا محنة استودعه ذلك فإنه لا تخيب
ودائعه، والحمد لله وحده وصلّى الله على سيدنا محمد
وعلى آله وصحبه وسلم وحسبنا الله ونعم الوكيل ولا حول
ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ولا ملجأ ولا منجا من
الله إلا إليه. يتلوه إن شاء الله تعالى أول النصف
الثاني.
|