شرح القسطلاني إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

بسم الله الرحمن الرحيم

61 - كتاب المناقب
1 - باب قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: 13]. وَقَوْلُهُ: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [النساء: 1].
وَمَا يُنْهَى عَنْ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ. الشُّعُوبُ: النَّسَبُ الْبَعِيدُ، وَالْقَبَائِلُ دُونَ ذَلِكَ.
(باب المناقب) وفي بعض النسخ: كتاب، والأوّل أوجه لأن الظاهر من صنيع المؤلّف رحمه الله أنه أراد أحاديث الأنبياء على الإطلاق ليعم ويكون هذا الباب من جملة أحاديث الأنبياء. وفي القاموس المنقبة المفخرة، وقال التبريزي: المناقب المكارم وأحدها منقبة كأنها تنقب الصخرة من عظمها وتنقب قلب الحسود، وفي أساس البلاغة: وذو مناقب وهي المخابر والمآثر (قول الله تعالى): بالرفع والجرّ كذا في الفرع وأصله، وفي بعض الأصول: وقول الله بالجر عطفًا على سابقه وزيادة الواو ({يا أيها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى} [الحجرات: 13]) آدم وحواء أو خلقنا كل واحد منكم من أب وأم فلا وجه للتفاخر بالنسب ({وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا} [الحجرات: 13]) ليعرف بعضكم بعضًا للتفاخر بالآباء والقبائل ({إن أكرمكم عند الله أتقاكم}) [الحجرات: 13] فالمناقب: إنما هي بالعمل بطاعة الله أو الكف عن معصيته.
وفي حديث ابن عمر: طاف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة على ناقته القصواء يستلم الأركان بمحجن في يده فما وجد لها مناخًا في المسجد حتى نزل على أيدي الرجال فخرج بها إلى بطن المسيل فأنيخت ثم إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خطبهم على راحلته فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم قال: "يا أيها الناس قد أذهب الله عنكم عبية الجاهلية وتعظيمها بآياتها فالناس رجلان رجل تقيّ كريم على الله، والآخر فاجر شقي هين على الله إن الله تعالى يقول: {يا أيها الناس إنّا خلقناكم
من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} [الحجرات: 13] ثم أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم". رواه ابن أبي حاتم وسقط لأبي ذر: وجعلناكم إلى آخره وقال بعد وأنثى الآية.
(وقوله) عز وجل ({واتقوا الله الذي تساءلون به} [النساء: 1]) أي يسأل بعضكم بعضًا فيقول أسألك بالله ({والأرحام}) بالنصب عطفًا على لفظ الجلالة أي: واتقوا الأرحام لا تقطعوها، وقيل: إنه من عطف الخاص على العام لأن معنى اتقوا الله اتقوا مخالفته وقطع الأرحام مندرج في ذلك، وقرأ حمزة بالخفض عطفًا على الضمير المجرور في به من غير إعادة الجار،

(6/2)


وهذا لا يجيزه البصريون وفيه مباحث ذكرتها في مجموعي في القراءات الأربع عشرة، والأرحام جمع رحم وذو الرحم الأقارب يطلق على كل من جمع بينه وبين الآخر نسب ({إن الله كان عليكم رقيبًا}) [النساء: 1] جار مجرى التعليل (وما ينهى) بضم أوّله وسكون ثانيه وفتح ثالثه (عن دعوى الجاهلية) كالنياحة وانتساب الشخص إلى غير أبيه، وترجم المؤلّف له في باب يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى (الشعوب) بضم الشين المعجمة جمع شعب بفتحها قال مجاهد فيما أخرجه الطبري عنه (النسب: البعيد) مثل مضر وربيعة (والقبائل دون ذلك) مثل قريش وتميم، وفي نسخة، والقبائل البطون.
3489 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ الْكَاهِلِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ "عَنِ ابْنِ عَبَّاسِ رضي الله عنهما: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} [الحجرات: 13] قَالَ: الشُّعُوبُ الْقَبَائِلُ الْعِظَامُ. وَالْقَبَائِلُ: الْبُطُونُ".
وبه قال: (حدّثنا خالد بن يزيد) أبو الهيثم المقري (الكاهلي) الكوفي من أفراده قال: (حدّثنا أبو بكر) هو ابن عياش بن سالم الحناط بالحاء المهملة والنون الكوفي (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) في قوله تعالى: ({وجعلناكم شعوبًا وقبائل لتعارفوا} [الحجرات: 13]) ثبت قوله: {لتعارفوا} في رواية أبي ذر (قال: الشعوب القبائل العظام والقبائل البطون) فالشعب الجمع العظيم المنتسبون إلى أصل واحد وهو يجمع القبائل، والقبيلة تجمع العمائر، والعمارة تجمع البطون، والبطن تجمع الأفخاذ، والفخذ تجمع الفصائل، فخزيمة شعب، وكنانة قبيلة، وقريش عمارة، وقصي بطن، وهاشم فخذ، وعباس فصيلة. وقيل: الشعوب بطون العجم، والقبائل بطون العرب.
3490 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتْقَاهُمْ. قَالُوا: لَيْسَ عَنْ هَذَا نَسْأَلُكَ. قَالَ: فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المثقلة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري أنه (قال: حدّثني)
بالإفراد (سعيد بن أبي سعيد عن أبيه) أبي سعيد كيسان المقبري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه
(قال: قيل يا رسول الله من كرم الناس؟) عند الله عز وجل (قال):
أكرمهم (أتقاهم) لله تعالى (قالوا: ليس عن هذا نسألك؟ قال) (فيوسف نبي الله) كذا أورده هنا مختصرًا، وفي باب قول الله تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين} [يوسف: 7] قال: فأكرم الناس يوسف نبيّ الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله الحديث.
فأطلق عليه لفظ أكرم الناس لكونه رابع نبي على نسق واحد ولم يقع ذلك لغيره اجتمع له الشرف في نسبه من وجهين.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله أتقاهم.
3491 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا كُلَيْبُ بْنُ وَائِلٍ قَالَ: حَدَّثَتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْنَبُ ابْنَةُ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ: "قُلْتُ لَهَا: أَرَأَيْتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَكَانَ مِنْ مُضَرَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلاَّ مِنْ مُضَرَ؟ مِنْ بَنِي النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ". [الحديث: 3491 - طرفه في: 3492].
وبه قال: (حدّثنا قيس بن حفص) الدارمي مولاهم البصر قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا كليب بن وائل) بضم الكاف وفتح اللام ووائل بالهمز وفي اليونينية بتركه التابعي الكوفي المدني الأصل (قال: حدّثتني) بالإفراد وتاء التأنيث (ربيبة) (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي سلمة) وأمها أم سلمة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال) كليب: (قلت لها أرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أخبريني عنه (أكان من مضر؟) بهمزة الاستفهام (قالت: فممن كان) استفهام إنكاري أي لم يكن (إلا من مضر) هو ابن نزار بن معد بن عدنان (من بني النضر) بفتح النون وسكون المعجمة (ابن كنانة) بكسر الكاف ابن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر، وهذا بيان له لأن مضر قبائل وهذا بطن منه، واسم النضر قيس وسمي بالنضر لنضارته وجماله وإشراق وجهه.
3492 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا كُلَيْبٌ حَدَّثَتْنِي رَبِيبَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَأَظُنُّهَا زَيْنَبَ- قَالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ وَالْمُقَيَّرِ وَالْمُزَفَّتِ. وَقُلْتُ لَهَا: أَخْبِرِينِي، النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ كَانَ، مِنْ مُضَرَ كَانَ؟ قَالَتْ: فَمِمَّنْ كَانَ إِلاَّ مِنْ مُضَرَ؟ كَانَ مِنْ وَلَدِ النَّضْرِ بْنِ كِنَانَةَ.
وبه قال: (حدّثنا موسى) هو ابن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا عبد الواحد) قال: (حدّثنا كليب) قال: (حدّثتني ربيبة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعبد الواحد شيخ موسى وقيس بن حفص (وأظنها زينب قالت:) (نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن) الانتباذ في (الدباء) القرع (و) في (الحنتم) وهي جرار مدهونة خضر كان يجعل فيها الخمر (والمقير) المطلي بالقار وهو الزفت (والمزفت) وفيه تكرار على ما لا يخفى، ومن ثم قال الحافظ أبو ذر صوابه والنقير بالنون بدل الميم. قال كليب: (وقلت لها) أي
لزينب (أخبريني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن كان من مضر كان؟) أي من أي قبيلة (قالت: فممن) بزيادة فاء
الجواب، ولأبي ذر عن الحموي

(6/3)


والمستملي: ممن (كان إلا من مضر) استثناء منقطع أي: لكن كان من مضر أو من محذوف أي لم يكن إلاّ من مضر أو الهمزة محذوفة من كان، وممن كلمة مستقلة أو الاستفهام للإنكار (كان من ولد النضر بن كنانة). وروى أحمد وابن سعد من حديث الاشعث بن قيس الكندي قال: قلت يا رسول الله إنّا نزعم أنك منا يعني من اليمن فقال: "نحن من بني النضر بن كنانة".
3493 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ: خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا، وَتَجِدُونَ خَيْرَ النَّاسِ فِي هَذَا الشَّأْنِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً». [الحديث 3493 - طرفاه في: 3496، 3588].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد (عن عمارة) بن القعقاع (عن أبي زرعة) عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(تجدون الناس معادن) زاد الطيالسي في الخير والشر (خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) بضم القاف، ولأبي ذر بكسرها أي في الدين، ووجه الثشبيه اشتمال المعادن على جواهر مختلفة من نفيس وخسيس وكذلك الناس، فمن كان شريفًا في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شرفًا، وفي قوله إشارة إلى أن الشرف الإسلامي لا يتم إلا بالتفقه في الدين.
3494 - «وَتَجِدُونَ شَرَّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ: الَّذِي يَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ، وَيَأْتِي هَؤُلاَءِ بِوَجْهٍ». [الحديث 3494 - طرفاه في: 6058، 7179].
(وتجدون خير الناس) أي من خيرهم (في هذا الشأن) في الولاية خلافة أو إمارة (أشدهم له كراهية) لما فيه من صعوبة العمل بالعدل، وحمل الناس على رفع الظلم وما يترتب عليه من مطالبة الله تعالى للقائم بذلك من حقوقه وحقوق عباده وكلراهية نصب على التمييز وأشدهم مفعول ثان لتجدون (وتجدون شر الناس ذا الوجهن) بنصب مفعول ثانٍ لتجدون هو المنافق (الذي يأتي هؤلاء بوجه ويأتي هؤلاء بوجهٍ) قال الله تعالى: {مذبذبينَ بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء} [النساء: 143].
فإن قلت: هذا يقتضي الذم على ترك طريقة المؤمنين وطريقة الكفار والذم على ترك طريقة الكفار غير جائز. أجيب: بأن طريقة الكفار وإن كانت خبيثة إلا أن طريقة النفاق أخبث منها ولذا ذم المنانقين في تسع عشرة آية.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل بتمامه وفي الأدب بقصة ذي الوجهين.
3495 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا الْمُغِيرَةُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «النَّاسُ تَبَعٌ لِقُرَيْشٍ فِي هَذَا الشَّأْنِ: مُسْلِمُهُمْ تَبَعٌ لِمُسْلِمِهِمْ، وَكَافِرُهُمْ تَبَعٌ لِكَافِرِهِمْ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا المغيرة) هو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن خالد بن حزام بالحاء المهملة والزاي (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(الناس تبع لقريش في هذا الشأن) الخلافة والإمرة لفضلهم على غيرهم. قيل: وهو خبر بمعنى الأمر ويدل له قوله في حديث آخر "قدموا قريشًا ولا تقدموها" أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح ولكنه مرسل وله شواهد. (مسلمهم تبع لمسلمهم) فلا يجوز الخروج عليهم (وكافرهم تبع لكافرهم) قال الكرماني: هو إخبار عن حالهم في متقدم الزمان يعني أنهم لم يزالوا متبوعين في زمان الكفر وكانت العرب تقدم قريشًا وتعظمهم، وزاد في فتح الباري، ولسكناها الحرم فلما بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودعا إلى الله تعالى توقف غالب العرب عن اتباعه، فلما فتحت مكة وأسلمت قريش تبعتهم العرب ودخلوا في دين الله أفواجًا.
3496 - «وَالنَّاسُ مَعَادِنُ: خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ إِذَا فَقِهُوا، تَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّ النَّاسِ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الشَّأْنِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ».
(والناس معادن) بالواو في والناس في اليونينية وسقطت من فرعها (خيارهم في الجاهلية) أي من اتصف منهم بمحاسن الأخلاق كالكرم والعفة والحلم (خيارهم في الإسلام إذا فقهوا) ولأبي ذر: فقهوا بكسر القاف (تجدون من خير الناس) بكسر الميم حرف جر (أشدهم) كذا في الفرع والذي في اليونينية أشد الناس مصلحة وشطب على قوله هم (كراهية لهذا الشأن) الولاية (حتى يقع فيه) فتزول عنه الكراهية لما يرى من إعانة الله تعالى له على ذلك لكونه غير راغب ولا سائل، وحينئذٍ فيأمن على دينه مما كان يخاف عليه، أو المراد أنه إذا وقع لا يجوز له الكراهية.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي والفضائل والله أعلم.
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة وهو ساقط لأبي ذر.
3497 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ حَدَّثَنِي عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ طَاوُسٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- {إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [الشورى: 23] قَالَ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: قُرْبَى مُحَمَّدٍ، فَقَالَ: "إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ بَطْنٌ مِنْ قُرَيْشٍ إِلاَّ وَلَهُ فِيهِ قَرَابَةٌ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ فِيهِ، إِلاَّ أَنْ تَصِلُوا قَرَابَةً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ". [الحديث 3497 - طرفه في: 4818].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) القطان (عن شعبة) بن الحجاج
أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبد الملك) هو ابن ميسرة كما صرح به في تفسير

(6/4)


حم عسق (عن
طاوس) هو ابن كيسان اليماني (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه سئل عن قول الله تعالى:
({إلا المودة في القربى}) [الشورى: 23] (قال) طاوس (فقال سعيد بن جبير: قربى محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
حمل الآية على أمر المخاطبين بأن يوادّوا أقاربه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو عام لجميع المكلفين (فقال:) ابن عباس
لسعيد (إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن بطن من قريش إلا وله فيه قرابة فنزلت عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر فيه (إلا
أن تصلوا قرابة) بالتنوين (بيني وبينكم) وهذا لم ينزل إنما نزل معناه وهو قوله: {إلا المودة في القربى} والاستثناء منقطع، وليست المودة من جنس الأجر أو متصل أي لا أسألكم عليه أجرًا إلا هذا وهو أن تودوا أهل قرابتي، ولم يكن هذا أجرًا في الحقيقة لأن قرابته قرابتهم فكانت صلتهم لازمة لهم في المودة قاله الزمخشري. وقال في الفتح: ودخول الحديث في هذه الترجمة واضح من جهة تفسيره المودة المطلوبة في الآية بصلة الرحم التي بينه وبين قريش، وهم الذين خوطبوا بذلك وذلك يستدعي معرفة النسب التي تحقق بها صلة الرحم.
وهذا الحديث يأتي في التفسير إن شاء الله تعالى.
3498 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «مِنْ هَا هُنَا جَاءَتِ الْفِتَنُ نَحْوَ الْمَشْرِقِ، وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ وَالْبَقَرِ فِي رَبِيعَةَ وَمُضَرَ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن إسماعيل) هو ابن أبي خالد الأخمسي مولاهم البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن أبي مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري البدري ولأبي الوقت: عن ابن مسعود (يبلغ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) صريح في رفعه لا أنه سمعه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قال):
(من هاهنا) أي من المشرق (جاءت الفتن) أي تجيء الفتن وعبر بالماضي مبالغة في تحقق وقوعه كأتى أمر الله وأشار بيده (نحو المشرق) بيان أو بدل من قوله هاهنا (والجفاء) بالجيم والمد وفي بدء الخلق والقسوة بدل الجفاء (وغلظ القلوب) قال القرطبي: هما شيئان لمسمى واحد كقوله تعالى: {إنما أشكو بثي وحزني إلى الله} [يوسف: 86] أو المراد بالجفاء أن القلب لا يلين لموعظة وبالغلظ لا يفهم المراد ولا يعقل المعنى (في الفداوين) بتشديد الدال الأولى الصياحين (أهل الوبر) بفتح الواو والموحدة أي أهل البوادي وسموا بذلك لأنهم يتخذون بيوتهم من وبر الابل (عند أصول أذناب الإبل والبقر) أي عند سوقها (في ربيعة ومضر) القبيلتين. قال في الكواكب: وهو بدل من الفدّادين.
3499 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: الْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ
فِي الْفَدَّادِينَ أَهْلِ الْوَبَرِ، وَالسَّكِينَةُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ، وَالإِيمَانُ يَمَانٍ وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ». قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ: سُمِّيَتِ الْيَمَنَ لأَنَّهَا عَنْ يَمِينِ الْكَعْبَةِ، وَالشَّامَ عَنْ يَسَارِ الْكَعْبَةِ، وَالْمَشْأَمَةُ الْمَيْسَرَةُ، وَالْيَدُ الْيُسْرَى: الشُّؤْمَى، وَالْجَانِبُ الأَيْسَرُ الأَشْأَمُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(الفخر والخيلاء) بضم الخاء وفتح التحتية والمد أي الكبر والعجب (في الفدّادين) الذي تعلو صلواتهم في حروثهم ومواشيهم (أهل) البيوت المتخذة من (الوبر) قال الخطابي: إنما ذم هؤلاء لاشتغالهم بما هم فيه عن أمور دينهم وذلك يفضي إلى قساوة القلب (والسكينة) وهي السكون والوقار والتواضع (في أهل الغنم) لأنهم غالبًا دون أهل الإبل في التوسع والكثرة وهما من سبب الفخر والخيلاء، وقد قال عليه الصلاة والسلام لأم هانئ "اتخذي الغنم فإن فيها بركة" رواه ابن ماجه. (والإيمان يمان) ظاهره نسبة الإيمان إلى اليمن لأن أصل يمان يمني فحذفت ياء النسب وعوض عنها الألف فصار يمان وهي اللغة الفصحى، واختلف في المراد فقيل معناه نسبة الإيمان إلى مكة لأنه مبتدأ منها ومكة يمانية بالنسبة إلى المدينة، أو المراد مكة والمدينة إذ هما يمانيتان بالنسبة إلى الشام بناء على أن هذه المقالة صدرت منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بتبوك، أو المراد أهل اليمن على الحقيقة وحمله على الموجودين منهم إذ ذاك لا كل أهل اليمن في كل زمان. وفي الحديث: أتاكم أهل اليمن هم ألين قلوبًا وأرق أفئدة الإيمان يمان (والحكمة يمانية) بالتخفيف وحي التشديد والحكمة العلم المشتمل على معرفة الله المصحوب بنفاذ البصيرة وتهذيب النفس وتحقيق الحق والعمل به والصدّ عن اتباع الهوى والباطل والحكيم من له ذلك. وقال

(6/5)


ابن دريد: كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم.
(قال أبو عبد الله:) محمد بن إسماعيل البخاري كأبي عبيدة (سميت اليمن) يمنًا (لأنها عن يمين الكعبة والشام عن) ولأبي ذر لأنها عن (يسار الكعبة) وقال الهمداني في الأنساب: لما ظعنت العرب العاربة: أقبل بنو قطن بن عامر فتيامنوا فقالت العرب: تيامنت بنو قطن فسموا اليمن، وتشاءم الآخرون فسموا شأمًا. وعن قطرب إنما سمي اليمن ليمنه والشأم لشؤمه (والمشأمة) هي (الميسرة) قاله أبو عبيدة في تفسير: {وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة} [الواقعة: 9] وقيل أصحاب المشأمة أصحاب النار لأنهم يذهبون بهم إليها وهي في جهة الشمال (واليد اليسرى الشؤمى) بالهمزة الساكنة (والجانب الأيسر الأشأم) الهمزة المتحركة وثبت قوله قال أبو عبد الله لأبي ذر.

2 - باب مَنَاقِبِ قُرَيْشٍ
(باب مناقب قريش) بالصرف على الأصح على إرادة الحي ويجوز عدمه على إرادة القبيلة، وهم من ولد النضر بن كنانة وهو الصحيح، أو من ولد فهر بن مالك بن النضر وهو قول الأكثر، وأول من نسب إلى قريش قصي بن كلاب وقيل غير ذلك وقيل سموا باسم دابة في البحر من أقوى دوابه لقوّتهم والتصغير للتعظيم.
3500 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: «كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَ مُعَاوِيَةَ -وَهْوَ عِنْدَهُ فِي وَفْدٍ مِنْ قُرَيْشٍ- أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَيَكُونُ مَلِكٌ مِنْ قَحْطَانَ، فَغَضِبَ مُعَاوِيَةُ، فَقَامَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّهُ بَلَغَنِي أَنَّ رِجَالاً مِنْكُمْ يَتَحَدَّثُونَ أَحَادِيثَ لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَلاَ تُؤْثَرُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأُولَئِكَ جُهَّالُكُمْ، فَإِيَّاكُمْ وَالأَمَانِيَّ الَّتِي تُضِلُّ أَهْلَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: إِنَّ هَذَا الأَمْرَ فِي قُرَيْشٍ، لاَ يُعَادِيهِمْ أَحَدٌ إِلاَّ كَبَّهُ اللَّهُ عَلَى وَجْهِهِ، مَا أَقَامُوا الدِّينَ». [الحديث 3500 - طرفه في: 7139].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: كان محمد بن جبير بن مطعم) النوفلي الثقة العارف بالنسب (يحدث أنه بلغ معاوية) بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- (وهو) والحال أن محمد بن جبير (عنده) والحال أنه (في وفد من قريش أن عبد الله بن عمرو بن العاصي) بالياء بعد الصاد وفتح مرّة أن والعامل فيه قوله: بلغ (يحدث أنه سيكون ملك) قيل اسمه جهجاه بن قيس الغفاري (من قحطان) بفتح القاف وسكون الحاء وفتح الطاء المهملتين هم جماع اليمن (فغضب معاوية) من قوله ذلك (فقام) خطيبًا (فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإنه بلغني أن رجالاً منكم يتحدثون أحاديث ليست في كتاب الله ولا تؤثر) بالمثناة الفوقية والمثلثة لا تروى (عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأولئك جهالكم فإياكم والأماني التي تضل أهلها) بتشديد ياء الأماني جمع أمنية وهي المتمنيات، وما حكاه العيني من أن الأماني بمعنى التلاوة قال: وكان المعنى إياكم وقراءة ما في الصحف التي تؤثر عن أهل الكتاب وكان ابن عمرو قد قرأ التوراة ويحكي عن أهلها وإلاّ فلو حدّث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم ينكر عليه معاوية لأنه لم يكن متهمًا معارض بما في البخاري من حديث أبي هريرة مرفوعًا من خروج القحطاني لكن سكوت عبد الله بن عمرو يشعر بأنه لم يكن عنده في ذلك حديث معروف (فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إن هذا الأمر) أي الخلافة (في قريش) يستحقولها دون غيرهم (لا يعاديهم أحد) في ذلك (إلا كبَّه الله على وجهه) وفي نسخة: أكبه بالهمزة وهذا الفعل من النوادر فإن ثلاثيه متعدّ فإذا دخلت عليه الهمزة صار لازمًا على عكس المعهود في الأصل (ما أقاموا) أي مدة إقامتهم (الدين)
أو أنهم إذا لم يقيموا الدين لا يسمع لهم، وهذا الذي أنكره معاوية على ابن عمر، وقد صح من حديث أن هريرة عند المؤلّف كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه" ولا تناقض بين الحديثين لأن خروج هذا القحطاني إنما يكون هذا لم تقم قريش الدين فيدال عليهم في آخر الزمان واستحقاق قريش الخلافة لا يمنع وجودها في غيرهم، فحديث عبد الله في خروج القحطاني حكاية عن الواقع وحديث معاوية في الاستحقاق وهو مقيد بإقامة الدين ومن ثم لما استخف الخلفاء بأمر الدين ضعف أمرهم وتلاشت أحوالهم حتى لم يبق لهم من الخلافة سوى اسمها المجرد في بعض الأقطار دون أكثرها.
وقول الكرماني، فإن قلت: فما قولك في زماننا حيث ليس الحكومة لقريش؟ قلت: في بلاد المغرب

(6/6)


الخلافة فيهم وكذا في مصر خليفة اعترضه العيني بأنه لم يكن في المغرب خليفة وليس في مصر إلا الاسم وليس له حل ولا ربط ثم قال: ولئن سلمنا صحة ما قاله فيلزم منه تعداد الخلافة ولا يجوز إلا خليفة واحد لأن الشارع أمر ببيعة الإمام والوفاء ببيعته ثم من نازعه يضرب عنقه.
هذا الحديث أخرجه المؤلف أيضًا في الأحكام والنسائي في التفسير.
3501 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لا يَزَالُ هَذَا الأَمْرُ فِي قُرَيْشٍ مَا بَقِيَ مِنْهُمُ اثْنَانِ». [الحديث 3501 - طرفه في: 7140].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا عاصم بن محمد قال: سمعت أبي) محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي القرشي يحدث (عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا يزال هذا الأمر) أي الخلافة (في قريش) يستحقونها (ما بقي منهم اثنان) ولمسلم: ما بقي في الناس اثنان. قال النووي: فيه دليل ظاهر على أن الخلافة مختصة بقريش لا يجوز عقدها لغيرهم، وعلى هذا انعقد الإجماع في زمان الصحابة ومن بعدهم ومن خالف فيه من أهل البدع فهو محجوج بإجماع الصحابة، وقد بيّن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن الحكم مستمر إلى آخر الزمان ما بقي في الناس اثنان وقد ظهر ما قاله صلوات الله وسلامه عليه من زمنه وإلى الآن وإن كان المتغلبون من غير قريش ملكوا البلاد وقهروا العباد لكنهم معترفون بأن الخلافة في قريش فاسم الخلافة باق فيهم، فالمراد من الحديث مجرد التسمية بالخلافة لا الاستقلال بالحكم أو أن قوله لا يزال الخ ... خبر بمعنى الأمر.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأحكام ومسلم في المغازي.
3502 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ قَالَ: «مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْطَيْتَ بَنِي الْمُطَّلِبِ وَتَرَكْتَنَا، وَإِنَّمَا نَحْنُ وَهُمْ مِنْكَ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَىْءٌ وَاحِدٌ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري واسم أبيه عبد الله ونسب لجده لشهرته به قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي بهمزة مفتوحة فتحتية ساكنة فلام الأموي مولاهم (عن ابن شهاب عن ابن المسيب) سعيد (عن جبير بن مطعم) النوفلي أنه (قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان) وهو من بني عبد شمس وزاد في باب ومن الدليل على أن الخُمس للإمام من طريق عبد الله بن يوسف إلى رسول الله (فقال:) أي عثمان وفي طريق عبد الله بن يوسف فقلنا (يا رسول الله أعطيت بني المطلب وتركتنا) من العطاء (وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة) في الانتساب إلى عبد مناف لأن عبد شمس ونوفلاً وهاشمًا والمطلب بنوه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) ولأبي ذر عن الكشميهني: سيّ واحد بسين مهملة مكسورة وتشديد التحتية، وعزاها في الفتح للحموي يقال: هذا سيّ هذا أي مثله ونظيره، وفي رواية المروزي أحد بغير واو مع همزة الألف، واستشكله السفاقسي بأن لفظ أحد إنما يستعمل في النفي. تقول: ما جاءني أحد وأما في الإثبات فتقول جاءني واحد.
3503 - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ مُحَمَّدٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: "ذَهَبَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ مَعَ أُنَاسٍ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ إِلَى عَائِشَةَ، وَكَانَتْ أَرَقَّ شَىْءٍ عَلَيْهِمْ، لِقَرَابَتِهِمْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3503 - طرفاه في: 3505، 6073].
(وقال الليث:) بن سعد مما وصله بعد عن عبد الله بن يوسف عن الليث (حدّثني) بالإفراد (أبو الأسود محمد) أي ابن عبد الرحمن (عن عروة بن الزبير) بن العوّام أنه (قال: ذهب عبد الله بن الزبير مع أناس من بني زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء واسمه المغيرة بن كلاب بن مرة (إلى عائشة وكانت أرق شيء) زاد أبو ذر عليهم (لقرابتهم من رسول الله) من جهة أمه لأنها آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة ومن جهة قصي بن كلاب جد والد جد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنهم إخوة قصي.
3504 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدٍ ح. قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ أَبِيهِ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هُرْمُزَ الأَعْرَجُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَأَشْجَعُ وَغِفَارُ مَوَالِيَّ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ». [الحديث 3504 - طرفه في: 3512].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (ح) للتحويل مهملة وفي الفرع وأصله معجمة.
(قال يعقوب بن إبراهيم:) فيما وصله مسلم ولأبي ذر قال أبو عبد الله يعني البخاري، وقال يعقوب بن إبراهيم (حدّثنا أبي) إبراهيم (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن هرمز الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه قال (قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(قريش) بنو النضر أو فهر بن

(6/7)


مالك بن النضر (والأنصار) الأوس والخزرج ابنا حارثة بن ثعلبة (وجهينة) بضم الجيم وفتح الهاء وسكون التحتية وفتح النون ابن زفر بن ليث بن سويد "ومزينة" بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية وفتح النون قبيلة من مضر (وأسلم) بلفظ أفعل التفضيل قبيلة أيضًا (وأشجع) بالشين المعجمة الساكنة والجيم المفتوحة والعين المهملة قبيلة من غطفان (وغفار) بكسر الغين المعجمة وفتح الفاء المخففة وبالراء من كنانة (مواليّ) بفتح الميم وتشديد التحتية أي أنصاري المختصون بي وهو خبر المبتدأ الذي هو قريش وما بعده عطف عليه (ليس لهم مولى) متكفل بمصالحهم متول لأمورهم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ليس لهم موال بالجمع والتخفيف (دون الله) أي غير الله (ورسوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
3505 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: "كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ أَحَبَّ الْبَشَرِ إِلَى عَائِشَةَ بَعْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبِي بَكْرٍ، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِهَا، وَكَانَتْ لاَ تُمْسِكُ شَيْئًا مِمَّا جَاءَهَا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ إِلاَّ تَصَدَّقَتْ. فَقَالَ ابْنُ الزُّبَيْرِ: يَنْبَغِي أَنْ يُؤْخَذَ عَلَى يَدَيْهَا، فَقَالَتْ: أَيُؤْخَذُ عَلَى يَدَيَّ؟ عَلَىَّ نَذْرٌ إِنْ كَلَّمْتُهُ. فَاسْتَشْفَعَ إِلَيْهَا بِرِجَالٍ مِنْ قُرَيْشٍ، وَبِأَخْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَاصَّةً، فَامْتَنَعَتْ. فَقَالَ لَهُ الزُّهْرِيُّونَ أَخْوَالُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ وَالْمِسْوَرُ بْنُ مَخْرَمَةَ- إِذَا اسْتَأْذَنَّا فَاقْتَحِمِ الْحِجَابَ، فَفَعَلَ، فَأَرْسَلَ إِلَيْهَا بِعَشْرِ رِقَابٍ، فَأَعْتَقَتْهُمْ، ثُمَّ لَمْ تَزَلْ تُعْتِقُهُمْ حَتَّى بَلَغَتْ أَرْبَعِينَ، فَقَالَتْ: وَدِدْتُ أَنِّي جَعَلْتُ -حِينَ حَلَفْتُ- عَمَلاً أَعْمَلُهُ فَأَفْرُغَ مِنْهُ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال، حدّثنى) بالإفراد (أبو الأسود) محمد بن عبد الرحمن بن نوفل بن خويلد أسد المدني يتيم عروة (عن عروة بن الزبير) بن العوّام أنه (قال: كان عبد الله بن الزبير) ابن أخت عائشة لأبيها أسماء بنت أبي بكر (أحب البشر إلى) خالته (عائشة بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر) -رضي الله عنه- (وكان) عبد الله (أبرّ الناس بها، وكانت) عائشة كريمة (لا تمسك شيئًا مما جاءها من رزق الله) حال كونها (تصدقت) به أو تصدقت استئناف. وقال في الكواكب وفي بعضها: إلاّ تصدقت (فقال ابن
الزبير:) ابن أختها عبد الله (ينبغي أن يؤخذ على يديها) أي تمنع من الإعطاء ويحجر عليها (فقالت:) لما بلغها قوله (أيؤخذ) وفي اليونينية ترك الهمزة في يؤخذ مع سكون الواو فيهما (على يدي) بالتثنية وغضبت من ذلك فقالت (عليّ نذر وإن كلمته) فلما بلغ عبد الله غضبها من قوله ونذرها خاف على نفسه (فاستشفع إليها) لترضى عنه (برجال من قريش) لم أقف على أسمائهم (وبأخوال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الزهريين (خاصة فامتنعت) من ذلك (فقال له،) لعبد الله (الزهريون) المنسوبون إلى زهرة المذكور قريبًا (أخوال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منهم:) أي من الزهريين (عبد الرحمن بن الأسود بن عبد يغوث) بالغين المعجمة والمثلثة ابن وهب بن عبد مناف بن زهرة (والمسور بن مخرمة) بالخاء المعجمة الساكنة بعد فتح الميم ابن نوفل بن أهيب بن عبد مناف (إذا استأذنا) على عائشة في الدخول (فاقتحم الحجاب) الستر الذي بين عائشة وبين الناس أي ارم نفسك من غير استئذان ولا رؤية (ففعل) عبد الله ما قالوه له من الاقتحام (فأرسل إليها) عبد الله لما قبلت شفاعتهم (بعشر رقاب) لتعتق منهم ما شاءت كفارة ليمينها (فأعتقتهم،) بتاء التأنيث لأبي ذر وبإسقاطها لغيره (ثم لم تزل) عائشة (تعتقهم) بضم أوله من أعتق (حتى بلغت أربعين) رقبة احتياطًا، ومذهب الشافعية أن من قال: إن فعلت كذا فلله عليّ صح ويخيّر بين قربة من القرب والتعيين إليه وكفارة يمين. ونص البويطي يقتضي أنه لا يصح ولا يلزمه شيء (وقالت:) بالواو في الفرع وبالفاء في أصله (وددت) بكسر الدال المهملة الأولى وسكون الثانية تمنيت (أني جعلت حين حلفت عملاً أعمله فأفرغ منه) أي كأن كانت تقول بدل عليّ نذر عليّ إعتاق رقبة أو صوم شهر ونحوه من المعين حتى تكون كفارتها معلومة معينة تفرغ منها بالاتيان به بخلاف علي نذر فإنه مبهم يحتمل إطلاقه على أكثر مما فعلت فلم يطمئن قلبها بإعتاق رقبة أو رقبتين أو أكثر، وهذا منها -رضي الله عنها- مبالغة في كمال الاحتياط والاجتهاد في براءة الذمة على جهة اليقين، ولعلها لم يبلغها حديث مسلم: كفارة النذر كفارة يمين ونحوه ولو كان بلغها لم تفعل ذلك، وقوله: فأفرغ بالنصب في الفرع وأصله أي فإذا أفرغ ويجوز الرفع فأنا أفرغ.

3 - باب نَزَلَ الْقُرْآنُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ
هذا (باب) بالتنوين (نزل القرآن بلسان قريش) أي بلغتهم.
3506 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسٍ: "أَنَّ عُثْمَانَ دَعَا زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَسَخُوهَا فِي الْمَصَاحِفِ، وَقَالَ عُثْمَانُ لِلرَّهْطِ الْقُرَشِيِّينَ الثَّلاَثَةِ: إِذَا اخْتَلَفْتُمْ أَنْتُمْ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ فِي شَىْءٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَاكْتُبُوهُ بِلِسَانِ قُرَيْشٍ فَإِنَّمَا نَزَلَ بِلِسَانِهِمْ. فَفَعَلُوا ذَلِكَ". [الحديث 3506 - طرفاه في: 4984، 4987].
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون
العين

(6/8)


ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن ابن شهاب) الزهري (عن أنس) -رضي الله عنه- (أن عثمان) بن عفان في خلافته (دعا زيد بن ثابت،) بالمثلثة في أوله ابن الضحاك الأنصاري كاتب الوحي وكان من الراسخين في العلم (وعبد الله بن الزبير،) بن العوّام أول مولود ولد في الإسلام بالمدينة من المهاجرين (وسعيد بن العاص،) بغير ياء الأموي (وعبد الرحمن بن الحرث بن هشام) المخزومي وكان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- أرسل إلى حفصة بنت عمر بن الخطاب أن أرسلي إلينا بالصحف ننسخها في المصاحف ثم نردّها إليك فأرسلت بها حفصة إلى عثمان فأمر المذكورين بنسخها (فنسخوها في المصاحف) جمع مصحف (وقال عثمان للرهط القرشيين الثلاثة:) الذين هم غير زيد إذ هو أنصاري لا قرشي (إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من) هجاء (القرآن) كالتابوت هل يكتب بالتاء أو بالهاء أو في شيء من إعرابه أو فيهما كقوله: {ما هذا بشرًا} [يوسف: 31] بالنصب على لغة الحجازين في إعمال "ما" وهي الفصحى وبالرفع على لغة التميميين في إهمالها (فاكتبوه) أي الذي اختلفتم فيه ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فاكتبوها أي الكلمة المختلف فيها (بلسان قريش فإنما نزل) القرآن (بلسانهم) أي بلغة قريش (ففعلوا ذلك) الذي أمرهم به.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضائل القرآن والترمذي في التفسير والنسائي في فضائل القرآن العظيم.

4 - باب نِسْبَةِ الْيَمَنِ إِلَى إِسْمَاعِيلَ
مِنْهُمْ أَسْلَمُ بْنُ أَفْصَى بْنِ حَارِثَةَ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَامِرٍ مِنْ خُزَاعَةَ.
(باب نسبة) أهل (اليمن إلى إسماعيل) بن الخليل إبراهيم (منهم) أي من أهل اليمن (أسلم بن أفصى) بفتح اللام وأفصى بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح الصاد المهملة مقصورًا (ابن حارثة) بالحاء المهملة والمثلثة (ابن عمرو بن عامر) بفتح العين فيهما ابن حارثة بن امرئ القيس بن ثعلبة بن مازن بن الأزد. قال الرشاطي فيما نقله في الفتح: الأزد جرثومة من جراثيم قحطان وفيه قبائل فمنهم الأنصار وخزاعة وغسان وبارق وغامد والعتيك وغيرهم وهو الأزد بن الغوث بن نبت بن ملكان بن زيد بن كهلان بن سبأ بن يشجب بن يعرب بن قحطان (من خزاعة) بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي وبعد الألف مهملة فهاء تأنيث في موضع نصب على الحال من أسلم بن أفصى واحترز به عن أسلم الذي في مذحج وبجيلة، ومراد المؤلّف أن نسب حارثة بن عمرو متصل بأهل اليمن.
3507 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا سَلَمَةُ -رضي الله عنه- قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَسْلَمَ يَتَنَاضَلُونَ بِالسُّوقِ فَقَالَ: ارْمُوا بَنِي إِسْمَاعِيلَ، فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا، وَأَنَا مَعَ بَنِي فُلاَنٍ -لأَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ- فَأَمْسَكُوا بِأَيْدِيهِمْ. فَقَالَ: مَا لَهُمْ؟ قَالُوا:
وَكَيْفَ نَرْمِي وَأَنْتَ مَعَ بَنِي فُلاَنٍ؟ قَالَ: ارْمُوا وَأَنَا مَعَكُمْ كُلِّكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا مسدّد) بضم الميم وفتح السن وتشديد الدال الأولى المهملات أبو الحسن الأسدي البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن يزيد بن أبي عبيد) بضم العين مصغرًا من غير إضافة لشيء مولى سلمة بن الأكوع أنه قال: (حدّثنا سلمة) بن الأكوع (-رضي الله عنه- قال: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قوم من أسلم) القبيلة المشهورة كونهم (يتناضلون) بالضاد المعجمة بوزن يتفاعلون أي يترامون (بالسوق فقال) عليه الصلاة والسلام:
(ارموا بني إسماعيل) أي يا بني إسماعيل بن الخليل (فإن أباكم) إسماعيل عليه الصلاة والسلام (كان راميًا وأنا مع بني فلان) أي بني الأدرع كما في صحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة، واسم الأدرع محجن كما عند الطبراني (لأحد الفريقين فأمسكوا) أي الفريق الآخر (بأيديهم) عن الرمي (فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما لهم؟) أمسكوا عن الرمي (قالوا: وكيف نرمي وأنت مع بني فلان) وعند ابن إسحاق: بينا محجن بن الأدرع يناضل رجلاً من أسلم يقال له نضلة الخير وفيه فقال نضلة وألقى قوسه من يده والله لا أرمي معه وأنت معه (قال) عليه الصلاة والسلام:
(ارموا وأنا معكم كلكم) بالجر تأكيد للضمير المجرور.
قال في فتح الباري: وقد خاطب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بني أسلم بأنهم من بني إسماعيل فدلّ على أن اليمن من بني إسماعيل قال: وفي هذا الاستدلال نظر لأنه لا يلزم من كون بني أسلم من بني إسماعيل أن يكون جميع من ينسب إلى قحطان من بني إسماعيل لاحتمال أن يكون وقع في أسلم ما وقع في خزاعة من الخلاف هل هو من بني إسماعيل، وقد ذكر ابن عبد البر من طريق القعقاع بن

(6/9)


حدرد في حديث الباب أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مرّ بناس من أسلم وخزاعة وهم يتناضلون فقال "ارموا بني إسماعيل" فعلى هذا فلعل من كان ثم من خزاعة أكثر فقال ذلك على سبيل التغليب.
وأجاب الهمداني النسابة عن ذلك: بأن قوله لهم يا بني إسماعيل لا يدل على أنهم من ولد إسماعيل من جهة الآباء، بل يحتمل أن يكون ذلك من بني إسماعيل من جهة الأمهات لأن القحطانية والعدنانية قد اختلطوا بالصهورة بالقحطانية من بني إسماعيل من جهة الأمهات.
وهذا الحديث سبق في الجهاد وفي باب: {واذكر في الكتاب إسماعيل} [مريم: 54].

5 - باب
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة.
3508 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ عَنِ الْحُسَيْنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ أَنَّ أَبَا الأَسْوَدِ الدِّيلِيَّ حَدَّثَهُ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَيْسَ مِنْ رَجُلٍ ادَّعَى لِغَيْرِ أَبِيهِ -وَهْوَ يَعْلَمُهُ- إِلاَّ كَفَرَ بِاللهِ، وَمَنِ ادَّعَى قَوْمًا لَيْسَ لَهُ فِيهِمْ نَسَبٌ
فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ». [الحديث 3508 - طرفه في: 6045].
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحتين بينهما عين مهملة ساكنة آخره راء عبد الله بن عمرو المنقري المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد التنوري (عن الحسين) بن واقد بالقاف المعلم (عن عبد الله بن بريدة) بضم الموحدة مصغرًا ابن الحصيب بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين مصغرًا الأسلمي أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (يحيى بن يعمر) بفتح التحتية والميم بينهما عين مهملة ساكنة آخره راء البصري (أن أبا الأسود) ظالم بن عمرو بن سفيان (الديلي) بكسر الدال المهملة وسكون التحتية (حدّثه عن أبي ذر) هو جندب بن جنادة على الأصح الغفاري (-رضي الله عنه- أنه سمع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(ليس من رجل ادّعى) بتشديد الدال انتسب (لغير أبيه) واتخذه أبًا (وهو) أي والحال أنه (يعلمه) غير أبيه (إلاّ كفر) أي النعمة، ولأبي ذر: إلا كفر بالله، وليست هذه الزيادة في غير روايته ولا في رواية مسلم ولا الإسماعيلي فحذفها أوجه لما لا يخفى وعلى ثبوتها فهي مؤوّلة بالمستحل لذلك مع علمه بالتحريم أو ورد على سبيل التغليظ لزجر فاعله ومن في قوله من رجل زائدة والتعبير بالرجل جرى مجرى الغالب وإلاّ فالمرأة كذلك.
(ومن ادعى قومًا) أي انتسب إلى قوم (ليس له فيهم نسب) وسقط لأبي ذر لفظ له وللكشميهني ليس منهم نسب قرابة أو نحوها (فليتبوّأ مقعده من النار) خبر بلفظ الأمر أي هذا جزاؤه وقد يعفى عنه أو يتوب فيسقط عنه وقيد بالعلم لأن الإثم إنما يترتب على العالم بالشيء المتعمد له فلا بدّ منه في الحالتين إثباتًا ونفيًا.
وهذا الحديث أيضًا في الأدب، ومسلم في الإيمان.
3509 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ حَدَّثَنَا حَرِيزٌ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ عبيدِ اللَّهِ النَّصْرِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْفِرَى أَنْ يَدَّعِيَ الرَّجُلُ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ، أَوْ يُرِيَ عَيْنَهُ مَا لَمْ تَرَ، أَوْ يَقُولُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا لَمْ يَقُلْ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عياش) بالتحتية والمعجمة الإلهاني الحمصي قال: (حدّثنا حريز) بالحاء المهملة المفتوحة والراء المكسورة والزاي آخره ابن عثمان الحمصي الرحبي بفتح الراء والحاء المهملة بعدها موحدة من صغار التابعين ثقة ثبت لكنه رمي بالرفض. وقال الفلاس: كان ينتقص عليًّا. وقال ابن حبان: كان داعية إلى مذهبه يجتنب حديثه. وقال البخاري قال أبو اليمان: كان ينال من رجل ثم ترك. قال ابن حجر: هذا أعدل الأقوال لعله تاب، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث وآخره في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وروى له أصحاب السنن (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الواحد بن عبد الله) بضم العين في الثاني مصغرًا كذا في فرع اليونينية وفي أصله وغيره بفتح العين مكبرًا ابن كعب بن عمير (النصري) بالنون المفتوحة والصاد المهملة الساكنة من بني
نصر بن معاوية بن بكر بن هوازن الدمشقي التابعي الصغير وثقه العجلي والدارقطني وغيرهما. وقال أبو حاتم: لا يحتج به وليس له في البخاري سوى هذا الحديث الواحد وخرج له الأربعة (قال: سمعت واثلة بن الأسقع) بالقاف ابن كعب الليثي -رضي الله عنه- (يقول قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن من أعظم الفرى) بكسر الفاء وفتح الراء مقصورًا ويمدّ جمع فرية أي من أعظم الكذب والبهت (أن يدعي الرجل) بتشديد الدال ينتسب (إلى غير أبيه أو يري عينه ما لم تر) بالإفراد في عينه، ويري بضم أوّله وكسر ثانيه من أرى أي ينسب الرؤية إلى عينه كان يقول: رأيت في منامي كذا وكذا ولا يكون قد رآه يتعمد الكذب، وإنما زيد التشديد في هذا على الكذب في اليقظة.
قال في المصابيح كالطيبي لأنه في الحقيقة كذب عليه تعالى فإنه الذي يرسل ملك الرؤيا بالرؤية ليريه المنام، وقال في الكواكب:

(6/10)


لأن الرؤيا جزء من النبوّة والنبوّة لا تكون إلا وحيًا والكاذب في الرؤيا يدعي أن الله أراه ما لم يره وأعطاه جزءًا من النبوّة لم يعطه والكاذب على الله أعظم فرية ممن يكذب على غيره (أو يقول) نصب عطفًا على السابق ولأبوي ذر والوقت وعزاها في الفتح للمستملي أو تقوّل بالفوقية والقاف وتشديد الواو المفتوحات أي افترى (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما لم يقل) وقد يكون في كذبه نسبة شرع إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والشرع غالبًا إنما هو على لسان الملك فيكون الكاذب في ذلك كاذبًا على الله وعلى الملك.
وهذا الحديث من عوالي المصنف وأفراده، وفيه رواية القرين عن القرين.
3510 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: «قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا مِنْ هَذَا الْحَىِّ مِنْ رَبِيعَةَ، قَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ، فَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي كُلِّ شَهْرٍ حَرَامٍ، فَلَوْ أَمَرْتَنَا بِأَمْرٍ نَأْخُذُهُ عَنْكَ، وَنُبَلِّغُهُ مَنْ وَرَاءَنَا. قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: آمُرُكُمْ بِأَرْبَعَةٍ وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعَةٍ: الإِيمَانِ بِاللَّهِ شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا إِلَى اللَّهِ خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ. وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْحَنْتَمِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْمُزَفَّتِ».
وبه قال (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد بن درهم (عن أبي جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي (قال: سمعت ابن عباس -رضي الله عنهما- يقول: قدم وفد عبد قيس) كانوا أربعة عشر رجلاً بالأشج (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قبل أن يخرج من مكة في الفتح (فقالوا:) لما قال لهم عليه الصلاة والسلام من الوفد (يا رسول الله إنّا هذا الحي) ولغير أبي ذر: إنّا من هذا الحي (من ربيعة) بن نزار بن معد بن عدنان (قد حالت بيننا وبينك كفار مضر) لأنهم كانوا بينهم وبين المدينة وكانت مساكنهم بالبحرين وما والاها من أطراف العراق (فلسنا نخلص إليك) بضم اللام (إلا في كل شهر حرام) من الأربعة المحرم لحرمة القتال فيها عندهم (فلو
أمرتنا بأمر نأخذه عنك ونبلغه) بضم النون وفتح الموحده وتشديد اللام المكسورة (من وراءنا) خلفنا من قومنا (قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(آمركم بأربع) من الخصال (وأنهاكم عن أربع) ولأبي ذر عن الحموي والمستملى: بأربعة وعن أربعة بالتأنيث فيهما والعدد إذا لم يذكر مميزه يجوز تذكيره وتأنيثه (الإيمان بالله) بالجر بدل من أربع المأمور بها (شهادة أن لا إله إلا الله) بجر شهادة أيضًا بيان لسابقه (إقام الصلاة) المكتوبة (وإيتاء الزكاة) المفروضة (وأن تؤدوا إلى الله) عز وجل (خمس ما غنمتم، وأنهاكم عن) الانتباذ في (الدباء) بالدال المهملة المضمومة والموحدة المشددة ممدود اليقطين (و) عن الانتباذ في (الحنتم) بالحاء المهملة المفتوحة وسكون النون الجرار الخضر (و) عن الانتباذ في (النقير) بفتح النون وكسر القاف ما ينقر في أصل النخلة (و) عن الانتباذ في (المزفت) بالزاي والفاء المشدّدة المفتوحتين ما طلي بالزفت لأنه يسرع إليها الإسكار فربما شرب منها وهو لا يشعر ثم ثبتت الرخصة في كل وعاء مع النهي عن شرب كل مسكر.
وسبق هذا الحديث في كتاب الإيمان.
3511 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ: أَلاَ إِنَّ الْفِتْنَةَ هَا هُنَا -يُشِيرُ إِلَى الْمَشْرِقِ- مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن سالم) بن عبد الله ولأبوي الوقت وذر قال: حدّثني بالإفراد سالم بن عبد الله (أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول وهو على المنبر):
(ألا) بتخفيف اللام (إن الفتنة هاهنا) حال كونه (يشير إلى المشرق من حيث يطلع قرن الشيطان) يريد أن منشأ الفتن من المشرق وقد وقع مصداق ذلك.
وسبق هذا الحديث في صفة إبليس لعنه الله.

6 - باب ذِكْرِ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ وَجُهَيْنَةَ وَأَشْجَعَ
(باب ذكر أسلم) بن أفصى (وغفار)، بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وهم بنو غفار بن مليل بميم ولامين مصغرًا ابن ضمرة بن بكر بن عبد مناف بن كنانة منهم أبو ذر الغفاري (ومزينة) بضم الميم وفتح الزاي وسكون التحتية بعدها نون اسم امرأة عمرو بن أدّ بن طابخة بالموحدة ثم المعجمة ابن إلياس بن مضر وهي مزينة بنت كلب بن وبرة منهم عبد الله بن مغفل المزني (وجهينة) بضم الجيم وفتح الهاء ابن زيد بن ليث بن سود بن أسلم بضم اللام ابن الحاف
بالمهملة والفاء بوزن الياس ابن قضاعة منهم عقبة بن عامر الجهني (وأشجع) بالشين المعجمة والجيم بوزن أحمر ابن ريث براء مفتوحة فتحتية ساكنة فمثلثة ابن غطفان بن سعد بن قيس فهذه قبائل خمس من مضر.
3512 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ سَعْدٍ بنِ إبراهيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هُرْمُزَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قُرَيْشٌ وَالأَنْصَارُ وَجُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ وَأَشْجَعُ مَوَالِيَّ، لَيْسَ لَهُمْ مَوْلًى دُونَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ».
وبه قال: (حدّثنا

(6/11)


أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن سعد) بسكون العين (ابن إبراهيم) بن عبد الرحمن بن عوف، وثبت ابن إبراهيم لأبوي ذر والوقت (عن عبد الرحمن بن هرمز) الأعرج (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(قريش) بن النضر أو فهر بن مالك بن النضر (والأنصار) الأوس والخزرج (وجهينة ومزينة وأسلم وغفار وأشجع) من آمن من هؤلاء السبعة (مواليّ) بتشديد التحتية أي أنصاري. قال في الفتح: ويروى موالي بالتخفيف والمضاف محذوف أي موالي الله ورسوله ويدل عليه قوله: (ليس لهم مولى دون الله) أي غير الله (ورسوله) وهذه الجملة مقررة للجملة الأولى على الطرد والعكس، وفي ذلك فضيلة ظاهرة لهؤلاء لأنهم كانوا أسرع دخولاً في الإسلام.
3513 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ غُرَيْرٍ الزُّهْرِيُّ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ صَالِحٍ حَدَّثَنَا نَافِعٌ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخْبَرَهُ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ عَلَى الْمِنْبَرِ: غِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَعُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن غرير) بالغين المعجمة المضمومة وفتح الراء الأولى مصغرًا ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف القرشي (الزهري) المدني قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم عن أبيه) إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان أنه قال: (حدّثنا نافع) مولى ابن عمر (أن عبد الله) بن عمر -رضي الله عنه- (أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال على المنبر: غفار) غير مصروف باعتبار القبيلة (غفر الله لها) ذنب سرقة الحاج في الجاهلية، وفيه إشعار بأن ما سلف منها مغفور (وأسلم سالمها الله) عز وجل بفتح اللام من المسالمة وترك الحرب، ويحتمل أن يكون قوله غفر الله لها وسالمها خبرين يراد بهما الدعاء أو هما خبران على بابهما ويؤيده قوله (وعصية) بضم العين وفتح الصاد المهملتين وتشديد التحتية وهي بطن من بني سليم ينسبون إلى عصية (عصت الله ورسوله). بقتلها القرّاء ببئر معونة، وهذا إخبار ولا يجوز حمله على الدعاء. نعم فيه إشعار بإظهار الشكاية منهم وهي تستلزم الدعاء عليهم بالخذلان لا بالعصيان، وانظر ما أحسن هذا الجناس في قوله: غفار غفر الله لها الخ. وألذه على السمع وأعلقه بالقلب وأبعده عن التكلف وهو من الاتفاقات اللطيفة، وكليف لا يكون كذلك
ومصدره عمن لا ينطق عن الهوى ففصاحة لسانه عليه الصلاة والسلام غاية لا يدرك مداها ولا يدانى مننهاها.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل.
3514 - حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَغِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدثنا (محمد) هو ابن سلام أو هو محمد بن عبد الله بن حوشب كما في سورة {اقتربت} والإكراه أو محمد بن المثنى كما عند الإسماعيلي لا ابن يحيى الذهلي لأنه لم يدرك الثقفي قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد (الثقفي عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(أسلم سالمها الله وغفار غفر الله لها) لم بفل في هذا وعصية الخ. وأخرجه مسلم في الفضائل عن محمد بن المثنى.
3515 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ جُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارُ خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي أَسَدٍ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ؟ فَقَالَ رَجُلٌ: خَابُوا وَخَسِرُوا. فَقَالَ: هُمْ خَيْرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَمِنْ بَنِي أَسَدٍ وَمِنْ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ غَطَفَانَ وَمِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ صَعْصَعَةَ». [الحديث 3515 - طرفاه في: 3516، 6635].
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة ابن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) الثوري. قال المؤلّف: (وحدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: وحدّثنا بالجمع وسقطت الواو لغيره (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المثقلة بندار قال: (حدّثنا ابن مهدي) الثوري (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين مصغرًا الفرسي بالفاء والسين المهملة نسبة إلى فرس له سابق (عن عبد الرحمن بن أبي بكرة) بسكون الكاف (عن أبيه) أما بكرة نفيع بن الحرث بن كلدة بفتحتين -رضي الله عنه- أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أرأيتم) أي أخبروني والخطاب للأقرع بن حابس كما في الرواية التي بعد (إن كان جهينة ومزينة وأسلم وغفار) الأربعة (خيرًا من بنى تميم) هو ابن مر بضم الميم وتشديد الراء ابن أدّ بضم الهمزة وتشديد الدال المهملة ابن طابخة بالموحدة والخاء المعجمة ابن إلياس بن مضر (وبني أسد) أي ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر (ومن بني عبد الله بن غطفان) بفتح الغين المعجمة
والطاء المهملة والفاء مخففة ابن سعد بن قيس بن عيلان

(6/12)


بن مضر (ومن بني عامر بن صعصعة) بمهملات مفتوحات سوى الثانية فساكنة ابن معاوية بن بكير بن هوازن (فقال رجل): هو الأقرع (خابوا وخسروا، فقال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هم) أي جهينة ومزينة وأسلم وغفار (خير من بني تميم ومن بني أسد ومن بني عبد الله بن غطفان ومن بني عامر بن صعصعة) لسبقهم إلى الإسلام مع ما اشتملوا عليه من رقة القلوب ومكارم الأخلاق.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفضائل والترمذي في المناقب.
3516 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرَةَ عَنْ أَبِيهِ: «أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّمَا بَايَعَكَ سُرَّاقُ الْحَجِيجِ مِنْ أَسْلَمَ وَغِفَارَ وَمُزَيْنَةَ -وَأَحْسِبُهُ وَجُهَيْنَةَ، ابْنُ أَبِي يَعْقُوبَ شَكَّ- قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ أَسْلَمُ وَغِفَارُ وَمُزَيْنَةُ -وَأَحْسِبُهُ وَجُهَيْنَةُ- خَيْرًا مِنْ بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي عَامِرٍ وَأَسَدٍ وَغَطَفَانَ خَابُوا وَخَسِرُوا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهُمْ لَأخَيْرٌ مِنْهُمْ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بندار العبدي قال (حدّثنا غندر) هو محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن محمد بن أبي يعقوب) البصري ونسبه إلى جدّه واسم أبيه عبد الله من بني تميم أنه (قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه) أبي بكرة نفيع -رضي الله عنه- (أن الأقرع بن حابس) بحاء مهملة بعدها ألف فموحدة مكسورة فسين مهملة والأقرع بالقاف التميمي (قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنما تابعك) بالمثناة الفوقية وبعد الألف موحدة كذا لأبي الوقت ولغيره بايعك بالموحدة والتحتية (سراق الحجيج) بضم السين وتشديد الراء المفتوحة (من أسلم وغفار ومزينة وأحسبه) قال (و) من (جهينة) قال شعبة بن الحجاج (ابن أبي يعقوب) محمد الراوي هو الذي (شك) في قوله وجهينة والجزم في الأولى ينفي الشك (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) للأقرع:
(أرأيت) أخبرني (إن كان أسلم وغفار ومزينة وأحسبه) قال (وجهينة خيرًا من بني تميم ومن بني عامر وأسد وغطفان) وخبر إن قوله: (خابوا) بالموحدة (وخسروا) أي أخابوا كرواية مسلم فحذف همزة الاستفهام (قال): الأقرع (نعم) خابوا وخسروا (قال): رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (والذي نفسي بيده إنهم) أي أسلم وغفار ومزينة وجهينة (لخير منهم) بلام التأكيد، ولأبي ذر: لأخير بزيادة همزة بوزن أفعل وهي لغة قليلة في خير وشر، والكثير خير وشر دون نقله إلى أفعل التفضيل. وفي رواية الترمذي لخير كالرواية الأولى، وفي الحديث السابق كرواية مسلم خير بدون لام ولا همزة.
3517 - حَدَّثَنَا سُليمانُ بن حربِ عن حَمّادٍ عن أيوبَ عن محمدٍ عَن أبِي هُريرةَ -رضيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: "قال: أسلم وغِفار وشيءٌ من مُزَينةَ وجهَينةَ، أو قَالَ: شَيءٌ مِن جُهينةَ أو مزَينة
-خيرٌ عِندَ الله- أو قال: يوم القِيامةِ -من أسدِ وتميمٍ وهَوَازِنَ وَغَطفانَ".
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي الأزدي البصري قاضي مكة (عن حماد) هو ابن زيد ولأبوي ذر والوقت: حدّثنا حماد (عن أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين (عن أبي هريرة رضي الله عنه) أنه (قال: قال):
(أسلم وغفار) بحذف فاعل قال الثاني وهو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو اصطلاح لمحمد بن سيرين إذا قال قال أبو هريرة ولم يسم قائلاً كما نبه عليه الخطيب البغدادي، وتبعه ابن الصلاح فالحديث مرفوع، وقد أخرجه مسلم من طريق زهير بن حرب عن ابن علية عن أيوب والإمام أحمد من طريق معمر عن أيوب كلاهما قال فيه قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وشيء) أي بعض (من مرينة وجهينة أو قال شيء من جهينة أو مزينة) شك من الراوي جمع بينهما أو اقتصر على أحدهما وفي قوله شيء تقييد لما أطلق في حديث أبي بكرة السابق (خير عند الله أو قال يوم القيامة) بالشك أيضًا تقييد لما أطلق في الحديث السابق لأن ظهور الخيرية إنما يكون في ذلك الوقت (من أسد وتميم وهوازن وغطفان) وقد ذكر في هذا الحديث هوازن بدل بني عامر بن صعصعة وبنو عامر بن صعصعة من بني هوازن من غير عكس، فذكر هوازن أشمل من ذكر بني عامر.
وسياق هذا الحديث هنا ثابت في رواية أبي ذر لأنه من تمام باب: ذكر أسلم وغفار في آخر الباب، ويليه ذكر قحطان وما ينهى من دعوى الجاهلية وقصة خزاعة وقصة إسلام أبي ذر، وباب قصة زمزم، ويليه باب من انتسب إلى غير أبيه، ويليه باب ابن أخت القوم ومولى القوم منهم ولغير أبي ذر بعد ذكر حديث أبي بكرة باب ابن أخت القوم منهم، ويليه قصة إسلام أبي ذر وباب قصة زمزم وفي آخره حديث أبي هريرة هذا، ويليه باب ذر قحطان، ويليه باب ما ينهى من دعوى الجاهلية، ويليه باب قصة خزاعة، ويليه باب قصة زمزم وجهل العرب، ويليه باب من انتسب

(6/13)


إلى آبائه في الإسلام والجاهلية. وهذا الترتيب الأخير هو الذي في الفرع وأصله ونبه في هامش الفرع على ما ذكرته، وإذا تقرر هذا فلنذكره على ترتيب الفرع وأصله ولا يضرنا تقديم حديث أبي هريرة بل هو أوجه من تأخيره كما لا يخفى.

7 - باب ذِكْرِ قَحْطَانَ
(باب ذكر قحطان) بفتح القاف وسكون الحاء وفتح الطاء المهملتين وإليه تنتهي أنساب اليمن من حمير وكندة وهمدان وغيرهم.
3518 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَبِي الْغَيْثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ رَجُلٌ مِنْ قَحْطَانَ يَسُوقُ النَّاسَ بِعَصَاهُ». [الحديث 3518 - طرفه في: 7117].
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي (قال: حدّثني) بالإفراد (سليمان بن بلال) المدني (عن ثور بن زيد) بالمثلثة الديلي المدني وقول العيني ابن يزيد من الزيادة الديلي سهو فإن الذي من الزيادة حمصي رمي بالقدر (عن أبي الغيث) بالمعجمة والمثلثة بينهما تحتية ساكنة واسمه سالم مولى عبد الله بن مطيع بن الأسود (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال): (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه، وجوّز القرطبي أنه جهجاه المذكور في مسلم. (يسوق الناس بعصاه) كالراعي الذي يسوق غنمه كناية عن الملك، وخروجه يكون بعد المهدي ويسير على سيرته. رواه أبو نعيم بن حماد في الفتن. وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن.

8 - باب مَا يُنْهَى مِنْ دَعْوَةِ الْجَاهِلِيَّةِ
(باب ما ينهى من دعوى الجاهلية) وفي نسخة: من دعوة الجاهلية.
3519 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: «غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَدْ ثَابَ مَعَهُ نَاسٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ حَتَّى كَثُرُوا، وَكَانَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ رَجُلٌ لَعَّابٌ فَكَسَعَ أَنْصَارِيًّا، فَغَضِبَ الأَنْصَارِيُّ غَضَبًا شَدِيدًا حَتَّى تَدَاعَوْا، وَقَالَ الأَنْصَارِيُّ: يَا لَلأَنْصَارِ، وَقَالَ الْمُهَاجِرِيُّ: يَا لَلْمُهَاجِرِينَ. فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: مَا بَالُ دَعْوَى أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ؟ ثُمَّ قَالَ: مَا شَأْنُهُمْ؟ فَأُخْبِرَ بِكَسْعَةِ الْمُهَاجِرِيِّ الأَنْصَارِيَّ. قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دَعُوهَا فَإِنَّهَا خَبِيثَةٌ. وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَىٍّ ابْنُ سَلُولَ: أَقَدْ تَدَاعَوْا عَلَيْنَا؟ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ. فَقَالَ عُمَرُ: أَلاَ نَقْتُلُ يَا نبي اللَّهِ هَذَا الْخَبِيثَ؟، لِعَبْدِ اللَّهِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لاَ يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّهُ كَانَ يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ». [الحديث 3518 - طرفاه في: 4905، 4907].
وبه قال: (حدّثنا محمد) غير منسوب وهو ابن سلام كما جزم به أبو نعيم في مستخرجه والدمياطي وغيرهما قال: (أخبرنا مخلد بن يزيد) بفتح الميم وسكون المعجمة ويزيد من الزيادة الحراني الجزري قال: (أخبرنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي (قال: أخبرني) بالإفراد (عمرو بن دينار) القرشي المكي (أنه سمع جابرًا) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه- يقول: غزونا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) غزوة المريسيع سنة ست (وقد ثاب) بالمثلثة والموحدة بينهما ألف اجتمع أو رجع (معه ناس من المهاجرين حتى كثروا وكان من المهاجرين رجل) هو جهجاه بن قيس الغفاري (لعاب) بلام مفتوحة فعين مهملة مشددة وبعد الألف موحدة أي مزاح بصيغة المبالغة من اللعب، وقيل: كان يلعب بالحراب كالحبشة (فكسع) بفتح الكاف والمهملتين ضرب (أنصاريًّا) هو سنان بن وبرة حليف بني سالم الخزرجي على دبره (فغضب الأنصاري غضبًا شديدًا حتى تداعوا) بسكون الواو بعد فتح العين كذا في الفرع بصيغة الجمع أي أتوا بالقبائل يستنصرون
بهم على عادة الجاهلية وقال في الفتح وفي بعض النسخ عن أبي ذر تداعوا بفتح العين والواو بالتثنية والمشهور في هذا تداعيا بالياء عوض الواو (وقال الأنصاري: يا للأنصار) ولأبي ذر: يال الأنصار بفصل اللام (وقال المهاجري: يا للمهاجرين) ولأبي ذر: يال المهاجرين بالفصل أيضًا (فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عليهم (فقال):
(ما بال دعوى أهل الجاهلية، ثم نال ما شأنهم؟) (فأخبر بكسعة المهاجري الأنصاري قال) جابر (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعوها) يعني دعوة الجاهلية (فإنها خبيثة) قبيحة منكرة مؤذية لأنها تؤدي إلى الغضب والتقاتل في غير الحق وتؤول إلى النار (وقال عبد الله بن أبي) بالتنوين (ابن سلول) بالرفع صفة لعبد الله وفتح اللام وسلول أمه رأس المنافقين (أقد) بهمزة الاستفهام (تداعوا علينا) بفتح العين وسكون الواو أي استغاث المهاجرون علينا (لأن) بألف مهموزة بعد اللام المفتوحة ولأبي ذر لئن بياء تحتية بدل الألف (رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز) يريد نفسه (منها الأذل) يريد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه (فقال عمر): -رضي الله عنه- (ألا) بالتخفيف (تقتل) بالمثناة الفوقية في الفرع، وزاد في الفتح فقال وبالنون وهو الذي في اليونينية (يا رسول الله) ولأبوي الوقت وذر يا نبي الله (هذا الخبيث لعبد الله) بن أبي واللام متعلق بقوله قال عمر أي قال لأجل عبد الله أو للبيان نحو: {هيت لك} [يوسف: 23] وقال الكرماني وفي بعضها يعني عبد الله (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (لا) تقتل (يتحدث الناس) استئناف لا تعلق له بقوله لا (أنه) يريد نفسه الشريفة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (كان يقتل أصحابه) إذ في ذلك كما قال أبو سليمان تنفير الناس عن الدخول في الدين

(6/14)


بأن يقولوا لإخوانهم: ما يؤمنكم إذا دخلتم في دينه أن يدعي عليكم كفر الباطن فيستبيح بذلك دماءكم وأموالكم.
وهذا الحديث من أفراد البخاري.
3520 - : حَدَّثَنا ثَابِتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَعَنْ سُفْيَانَ عَنْ زُبَيْدٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الْخُدُودَ وَشَقَّ الْجُيُوبَ وَدَعَا بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (ثابت بن محمد) بالمثلثة والموحدة والفوقية ابن إسماعيل الكناني الكوفي العابد قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن عبد الله بن مرّة) بضم الميم وتشديد الراء الخارفي بخاء معجمة وراء وفاء الهمداني الكوفي (عن مسروق) هو ابن الأجدع الهمداني الكوفي الوادعي (عن عبد الله) هو ابن مسعود (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
(وعن سفيان) الثوري بالسند السابق (عن زبيد) بزاي مضمومة فموحدة مفتوحة فتحتية ساكنة فدال ابن الحرث بن عبد الكريم اليامي (عن إبراهيم) النخعي (عن مسروق عن
عبد الله) بن مسعود (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(ليس منا) أي ليس مقتديًا بنا ولا مستنًا بسنتنا (من ضرب الخدود) هو كقوله تعالى:
{وأطراف النهار} [طه: 130] وقوله: شابت مفارقه وليس له إلا مفرق واحد (وشق الجيوب) جمع جيب ما يفتح من الثوب ليدخل فيه الرأس للبسه (ودعا بدعوى) أهل (الجاهلية) وهي زمان الفترة قبل الإسلام بأن قال ما لا يجوز شرعًا، ولا ريب أنه يكفر باعتقاد حل ذلك فيكون قوله: ليس منا على ظاهره وحينئذٍ فلا تأويل.
وهذا الحديث سبق في باب: ليس منا من شق الجيوب من الجنائز.

9 - باب قِصَّةُ خُزَاعَةَ
(باب قصة خزاعة) بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي وبعد الألف عين مهملة.
3521 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي حَصِينٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «عَمْرُو بْنُ لُحَيِّ بْنِ قَمَعَةَ بْنِ خِنْدِفَ أَبُو خُزَاعَةَ».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولغير أبي ذر: حدّثني (إسحق بن إبراهيم) بن راهويه قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان القرشي الكوفي صاحب الثوري قال: (أخبرنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي (عن أبي صالح) ذكوان الزيات (عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(عمرو بن لحي بن قمعة) عمرو بفتح العين وسكون الميم مبتدأ ولحي بضم اللام وفتح الحاء المهملة مصغرًا اسمه ربيعة وقمعة بفتح القاف وسكون الميم كذا لأبي ذر وبفتحها للأكثر مع تخفيف الميم، وللباجي عن ابن ماهان بكسر القاف وتشديد الميم وكسرها (ابن خندف) بكسر الخاء المعجمة والدال المهملة بينهما نون ساكنة وآخره فاء غير مصروف لأنها أم القبيلة، وهي ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة، ولقبت بخندف لأن زوجها إلياس بن مضر والد قمعة لما مات حزنت عليه حزنًا شديدًا بحيث هجرت أهلها ودارها وساحت في الأرض حتى ماتت، فكان من رأى أولادها الصغار يقول: من هؤلاء؟ فيقال بنو خندف إشارة إلى أنها ضيعتهم واشتهر بنوها بالنسب إليها دون أبيهم قال قائلهم:
أمهتي خندف وإلياس أبي
وخبر المبتدأ هو قوله: (أبو خزاعة) بضم الخاء وفتح الزاي المخففة وبالمهملة، وهذا يؤيد قول من قال: إن خزاعة من مضر، وقال الرشاطي: خزاعة هو عمرو بن ربيعة وربيعة هذا هو لحي بن حارثة بن عمرو مزيقيا بن عامر بن ماء السماء بن الغطريف بن امرئ القيس بن
ثعلبة بن مازن بن الأزد. وهذا مذهب من يرى أن خزاعة من اليمن، وجمع بعضهم بين القولين فزعم أن حارثة بن عمرو لما مات قمعة بن خندف كانت امرأته حاملاً بلحي فولدته وهي عند حارثة فتبناه فنسب إليه، فعلى هذا هو من مضر بالولادة ومن اليمن بالتبتي. وقال ابن الكلبي في سبب تسميته خزاعة: أن أهل سبأ لما تفرقوا بسبب سيل العرم نزل بنو مازن على ماء يقال له غسان فمن أقام به فهو غساني، وانخزعت منهم بنو عمرر بن لحي عن قومهم فنزلوا مكة وما حولها فسموا خزاعة، وتفرق سائر الأزد وفي ذلك يقول حسان:
ولما نزلت بطن مرّ تخزعت ... خزاعة منا في جموع كراكر
وهذا الحديث من أفراد البخاري.
3522 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: «الْبَحِيرَةُ الَّتِي يُمْنَعُ دَرُّهَا لِلطَّوَاغِيتِ وَلاَ يَحْلُبُهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ. وَالسَّائِبَةُ الَّتِي كَانُوا يُسَيِّبُونَهَا لآلِهَتِهِمْ فَلاَ يُحْمَلُ عَلَيْهَا شَىْءٌ».
قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لُحَىٍّ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ". [الحديث 3522 - طرفه في: 4623].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب)

(6/15)


هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: سمعت سعيد بن المسيب قال: البحيرة) بفتح الموحدة وكسر المهملة فعيلة بمعنى مفعولة هي (التي يمنع درّها) أي لبنها (للطواغيت) بالمثناة الفوقية أي لأجل الطواغيت جمع طاغوت وهو الشيطان وكل رأس في الضلال والمراد هنا الأصنام (ولا يحلبها أحد من الناس) تعظيمًا للطواغيت (والسائبة) هي (التي كانوا يسيبونها) يتركونها (لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء) ولا تركب، وكان الرجل يجيء بها إلى السدنة فيتركها عندهم (قال) سعيد بن المسيب بالاسناد السابق (وقال أبو هريرة) -رضي الله عنه- (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(رأيت عمرو بن عامر بن لحي الخزاعي) وسقط لأبي ذر ابن لحي، وهذا مغاير لما سبق من نسب عمرو بن لحي إلى مضر، فإن عامرًا هو ابن ماء السماء بن سبأ وهو جدّ جدّ عمرو بن لحي عند من ينسبه إلى اليمن، ويحتمل أن يكون نسب إليه بطريق التبني كما سبق (يجر قصبه) بضم القاف وسكون المهملة وبالموحدة أمعاءه (في النار وكان) أي عمرو (أول من سيب السوائب) أي أول من ابتاع هذا الرأي الخبيث وجعله دينًا.
وهذا الحديث يأتي إن شاء الله تعالى في تفسير سورة المائدة، وفي رواية أبي ذر هنا ذكر قصة إسلام أبي ذر، وباب قصة زمزم السابق قبل بابين، وهذا في الفرع ونصه هنا قصة إسلام أبي ذر، وباب قصة زمزم عنده يعني أبا ذر.

10 - باب قِصَّةِ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ -رضي الله عنه-
11 - باب قِصَّةِ زَمْزَمَ
(باب قصة زمزم) ولأبي ذر: قصة إسلام أبي ذر -رضي الله عنه-، وعند العيني باب قصة زمزم وفيه إسلام أبي ذر.
3523 - حَدَّثَنَا زَيْدٌ هُوَ ابْنُ أَخْزَمَ قَالَ أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ حَدَّثَنِي مُثَنَّى بْنُ سَعِيدٍ الْقَصِيرُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو جَمْرَةَ قَالَ: «قَالَ لَنَا ابْنُ عَبَّاسِ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِإِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ؟ قَالَ: قُلْنَا: بَلَى. قَالَ: قَالَ أَبُو ذَرٍّ: كُنْتُ رَجُلاً مِنْ غِفَارٍ، فَبَلَغَنَا أَنَّ رَجُلاً قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَقُلْتُ لأَخِي: انْطَلِقْ إِلَى هَذَا الرَّجُلِ، كَلِّمْهُ وَأْتِنِي بِخَبَرِهِ. فَانْطَلَقَ فَلَقِيَهُ ثُمَّ رَجَعَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدَكَ؟ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلاً يَأْمُرُ بِالْخَيْرِ، وَيَنْهَى عَنِ الشَّرِّ. فَقُلْتُ لَهُ: لَمْ تَشْفِنِي مِنَ الْخَبَرِ، فَأَخَذْتُ جِرَابًا وَعَصًا. ثُمَّ أَقْبَلْتُ إِلَى مَكَّةَ فَجَعَلْتُ لاَ أَعْرِفُهُ، وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْأَلَ عَنْهُ، وَأَشْرَبُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ وَأَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ. قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ: كَأَنَّ الرَّجُلَ غَرِيبٌ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَانْطَلِقْ إِلَى الْمَنْزِلِ. قَالَ: فَانْطَلَقْتُ مَعَهُ لاَ يَسْأَلُنِي عَنْ شَىْءٍ وَلاَ أُخْبِرُهُ. فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ إِلَى الْمَسْجِدِ لأَسْأَلَ عَنْهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ يُخْبِرُنِي عَنْهُ بِشَىْءٍ. قَالَ: فَمَرَّ بِي عَلِيٌّ فَقَالَ: أَمَا نَالَ لِلرَّجُلِ يَعْرِفُ مَنْزِلَهُ بَعْدُ؟ قَالَ: قُلْتُ: لاَ. قَالَ: انْطَلِقْ مَعِي، قَالَ: فَقَالَ: مَا أَمْرُكَ، وَمَا أَقْدَمَكَ هَذِهِ الْبَلْدَةَ؟ قَالَ: قُلْتُ لَهُ: إِنْ كَتَمْتَ عَلَىَّ أَخْبَرْتُكَ. قَالَ: فَإِنِّي أَفْعَلُ. قَالَ: قُلْتُ لَهُ: بَلَغَنَا أَنَّهُ قَدْ خَرَجَ هَا هُنَا رَجُلٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ نَبِيٌّ، فَأَرْسَلْتُ أَخِي لِيُكَلِّمَهُ، فَرَجَعَ وَلَمْ يَشْفِنِي مِنَ الْخَبَرِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَلْقَاهُ. فَقَالَ لَهُ: أَمَا إِنَّكَ قَدْ رَشَدْتَ، هَذَا وَجْهِي إِلَيْهِ، فَاتَّبِعْنِي، ادْخُلْ حَيْثُ أَدْخُلُ، فَإِنِّي إِنْ رَأَيْتُ أَحَدًا أَخَافُهُ عَلَيْكَ قُمْتُ إِلَى الْحَائِطِ كَأَنِّي أُصْلِحُ نَعْلِي، وَامْضِ أَنْتَ. فَمَضَى وَمَضَيْتُ مَعَهُ، حَتَّى دَخَلَ وَدَخَلْتُ مَعَهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لَهُ: اعْرِضْ عَلَىَّ الإِسْلاَمَ، فَعَرَضَهُ، فَأَسْلَمْتُ مَكَانِي، فَقَالَ لِي: يَا أَبَا ذَرٍّ. اكْتُمْ هَذَا الأَمْرَ، وَارْجِعْ إِلَى بَلَدِكَ، فَإِذَا بَلَغَكَ ظُهُورُنَا فَأَقْبِلْ. فَقُلْتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ أَظْهُرِهِمْ. فَجَاءَ إِلَى الْمَسْجِدِ وَقُرَيْشٌ فِيهِ فَقَالَ: يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، إِنِّي أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ، فَقَامُوا: فَضُرِبْتُ لأَمُوتَ، فَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ: وَيْلَكُمْ, تَقْتُلُونَ رَجُلاً مِنْ غِفَارَ، وَمَتْجَرُكُمْ وَمَمَرُّكُمْ عَلَى غِفَارَ؟ فَأَقْلَعُوا عَنِّي. فَلَمَّا أَنْ أَصْبَحْتُ الْغَدَ رَجَعْتُ فَقُلْتُ مِثْلَ مَا قُلْتُ بِالأَمْسِ. فَقَالُوا: قُومُوا إِلَى هَذَا الصَّابِئِ، فَصُنِعَ بِي مِثْلَ مَا صُنِعَ بِالأَمْسِ، وَأَدْرَكَنِي الْعَبَّاسُ فَأَكَبَّ عَلَيَّ وَقَالَ مِثْلَ مَقَالَتِهِ بِالأَمْسِ. قَالَ: فَكَانَ هَذَا أَوَّلَ إِسْلاَمِ أَبِي ذَرٍّ رَحِمَهُ اللَّهُ». [الحديث 3523 - طرفه في: 3861].
وبه قال: (حدّثنا زيد هو ابن أخزم) بفتح الهمزة وسكون الخاء وفتح الزاي المعجمتين آخره ميم الطائي الحافظ البصري وهو من أفراد البخاري وسقط هو ابن أخزم لأبي ذر (قال أبو قتيبة): بضم القاف مصغرًا، ولأبي ذر قال: حدّثنا أبو قتيبة (سالم بن قتيبة) كذا في الفرع سالم بألف بعد السين والذي في اليونينية وفرعها وقف آقبغا آص وغيرهما من الأصول المعتمدة وذكر مصنفو أسماء الرجال سلم بغير ألف وسكون اللام بعد الفتح الشعيري بفتح الشين المعجمة وكسر العين المهملة الخراساني سكن البصرة قال: (حدّثني) بالإفراد (مثنى بن سعيد) ضد المفرد وسعيد بكسر العين (القصير) بفتح القاف ضد الطويل القسام الضبعي (قال: حدّثني) بالإفراد (أبو جمرة) بالجيم والراء نصر بن عمران الضبعي (قال، قال لنا ابن عباس) -رضي الله عنهما- (ألا) بالتخفيف حرف تنبيه (أخبركم بإسلام أبي ذر؟) الغفاري (قال: قلنا بلى) أخبرنا (قال قال أبو ذر كنت رجلاً من) حي (غفار فبلغنا أن رجلاً) يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قد خرج) أي ظهر (بمكة) حال كونه (يزعم أنه نبي) يأتيه الخبر من السماء (فقلت لأخي) أنيس: (انطلق إلى هذا الرجل) الذي يزعم أنه نبي فإذا اجتمعت به (كلمه) ولمسلم واسمع قوله (وائتني بخبره فانطلق) أنيس حتى أتى مكة (فلقيه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسمع قوله (ثم رجع) إلى أخيه أبي ذر قال (فقلت): أي لأنيس (ما عندك؟) من خبره عليه الصلاة والسلام (فقال):
(والله لقد رأيت رجلاً بأمر بالخبر وينهى عن الشر) ولمسلم رأيته يأمر بمكارم الأخلاق وكلامًا ما هو بالشعر قال أبو ذر (فقلت له: لم تشفني من الخبر) أي لم تجيء بجواب يشفيني من مرض الجهل (فأخذت) بقصر الهمزة وتاء المتكلم ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فآخذ بمد الهمزة وضم الخاء من غير تاء (جرابًا) بكسر الجيم (وعصا) ولمسلم أنه تزوّد وحمل شنة له فيها ماء قال (ثم أقبلت إلى مكة فجعلت لا أعرفه) بفتح الهمزة وسكون العين وكسر الراء (وأكره أن أسأل عنه) قريبًا فيؤذوني (أشرب من ماء زمزم). وعند مسلم من حديث عبد الله بن الصامت: وما كان لي طعام إلا ماء زمزم فسمنت حتى تكسرت عكن بطني وما وجدت على كبدي سخفة جوع أي رقة الجوع وضعفه وهزاله فإنه لكثرة سمنه انثنت عكن بطنه (وأكون في المسجد) الحرام (قال: فمرّ بي عليّ) هو ابن أبي طالب -رضي الله عنه- (فقال) لي: (كأن الرجل غريب

(6/16)


قال) أبو ذر (قلت) له: (نعم) غريب (قال: فانطلق) معي (إلى المنزل. قال: فانطلقت معه لا يسألني عن شيء ولا أخبره) عن شيء (فلما أصبحت غدوت إلى المسجد لأسأل عنه) عليه الصلاة والسلام (وليس أحد يخبرني عنه بشيء. قال: فمرّ بي عليّ) -رضي الله عنه- (فقال: أما نال) بنون فألف أي أما آن (للرجل يعرف منزله بعد؟) أي أما جاء الوقت الذي يعرف الرجل فيه منزله بأن يكون له منزل معين يسكنه أو أراد دعوته إلى بيته للضيافة وتكون إضافة المنزل إليه بملابسة إضافته له فيه، أو أراد إرشاده إلى ما قدم إليه وقصده أي أما جاء وقت إظهار المقصود من الاجتماع بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والدخول في منزله (قال): أبو ذر (قلت) له (لا). أي لا أقصد التوطن ثم أو لا أرب لي في الضيافة والمبيت بمنزلك بل أهم من ذلك وهو التفتيش على المقصود، أو لا أسأل قريبًا عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ظاهرًا خوف الأذية (قال): علي (انطلق) ولأبي ذر: فانطلق (معي. قال) فانطلقت معه (فقال) لي: (ما أمرك؟) بسكون الميم (وما أقدمك هذه البلدة؟ قال): أبو ذر (قلت له إن كتمت عليّ أخبرتك) بذلك. ولمسلم كالمؤلّف في باب إسلام أبي ذر إن أعطيتني عهدًا وميثاقًا لترشدني فعلت (قال: فإني أفعل) ما ذكرته (قال، قلت له بلغنا أنه قد خرج هاهنا رجل يزعم أنه نبي فأرسلت أخي ليكلمه) ويأتيني بخبره (فرجع) بعد أن أتاه وسمع قوله (ولم يشفني من الخبر فأردت أن ألقاه فقال له): علي وسقط له لأبي ذر (أما) بالتخفيف (إنك قد رشدت) بضم الراء وكسر المعجمة والذي في اليونينية فتح الراء ولأبي ذر رشدت بفتحهما (هذا وجهي) أي توجهي (إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فاتبعني) بتشديد الفوقية وكسر الموحدة (ادخل) بضم الهمزة مجزوم بالأمر (حيث أدخل) بفتح الهمزة مضارع (فإني إن رأيت أحدًا أخافه عليك قمت) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فقمت (إلى الحائط كأني أصلح نعلي) بسكون الياء (وامض أنت) بهمزة وصل قال أبو ذر (فمضى عليّ ومضيت معه حتى دخل ودخلت معه على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت له): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اعرض عليّ الإسلام فعرضه) علي (فأسلمت مكاني، فقال لي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(يا أبا ذر اكتم هذا وارجع إلى بلدك فإذا بلغك ظهورنا فأقبل) بهمزة قطع وكسر الموحدة مجزوم على الأمر (فقلت): له (والذي بعثك بالحق لأصرخن) لأرفعن (بها) بكلمة التوحيد صوتي (بين أظهرهم) وإنما لم يمتثل الأمر لأنه علم بالقرائن أنه ليس للإيجاب (فجاء) أبو ذر (إلى المسجد وقريش) أي والحال أن قريشًا (فيه فقال: بل معشر قريش) بسكون العين ولأبي الوقت يا معاشر قريش (إني) ولأبي ذر أنا (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. فقالوا): يعني قريشًا (قوموا إلى هذا الصابئ) بالهمزة أي الذي انتقل من دين إلى دين أو ارتكب الجهل (فقاموا) إليه قال أبو ذر (فضربت) بضم الضاد المعجمة مبنيًا للمفعول (لأموت) لأن أموت يعني ضربوه ضرب الموت (فأدركني العباس) بن عبد المطلب (فأكبّ) بتشديد الموحدة رمى نفسه (علي) ليمنعهم أن يضربوني (ثم أقبل عليهم فقال: ويلكم تقتلون) ولأبي ذر: أتقتلون بهمزة الاستفهام (رجلاً من غفار ومتجركم وممرّكم على غفار) بالصرف وعدمه (فأقلعوا) بالقاف الساكنة أي فكفوا (عني، فلما أن أصبحت الغد رجعت فقلت مثل ما قلت بالأمس) من كلمة الإسلام (فقالوا: قوموا إلى هذا الصابئ فصنع) بضم الصاد مبنيًا للمفعول وزاد أبو ذر والوقت بي (مثل) بالرفع (ما صنع) بي (بالأمس) من الضرب (وأدركني) بالواو ولأبي ذر: فأدركني (العباس فأكبّ علي وقال مثل مقالته بالأمس. قال) ابن عباس (فكان هذا) الذي ذكر (أول إسلام أبي ذر رحمه الله).
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في إسلام أبي ذر، ومسلم في الفضائل. وفي رواية أبي ذر هنا باب قصة زمزم وجهل العرب، وساق في رواية غيره هنا حديث أبي هريرة حديث أسلم وغفار السابق كما ذكر، وهذا ثابت هنا بتمامه

(6/17)


في اليونينية وفي هامشها مكتوب مقابله هذا الحديث عند أبي ذر تمام باب، ذكر أسلم إلى آخر ما ذكرته هنا فليعلم.

12 - باب قِصَّةِ زَمْزَمَ وَجَهْلِ الْعَرَبِ
(باب قصة زمزم وجهل العرب).
قال في الفتح: كذا لأبي ذر ولغيره باب جهل العرب وهو أولى إذ لم يجر في حديث الباب لزمزم ذكر.
3524 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "إِذَا سَرَّكَ أَنْ تَعْلَمَ جَهْلَ الْعَرَبِ فَاقْرَأْ مَا فَوْقَ الثَّلاَثِينَ وَمِائَةٍ من سُورَةِ الأَنْعَامِ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلاَدَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 140]-إِلَى قَوْلِهِ- {قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [الأنعام: 140].
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال: (حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس اليشكري (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: إذا سرّك) بسين مهملة وتشديد الراء (أن تعلم جهل العرب فاقرأ ما فوق الثلاثين ومائة) من الآيات (في سورة الأنعام: {قد خسر الذين قتلوا أولادهم} [الأنعام: 140]) بناتهم مخافة الفقر ({سفهًا}) نصب على الحال أي ذوي سفه ({بغير علم}) لأن الفقر وإن كان ضررًا إلا أن القتل أعظم منه، وأيضًا فالقتل ناجز وذلك الفقر موهوم فالتزام أعظم المضار على سبيل القطع حذرًا من ضرر موهوم لا ريب أنه سفاهة وهذه السفاهة إنما تولدت من عدم العلم بأن الله رازق أولادهم، ولا شك أن الجهل من أعظم المنكرات والقبائح (إلى قوله: {قد ضلوا}) عن الحق ({وما كانوا مهتدين}) [الأنعام: 140]. والفائدة في قوله: {وما كانوا مهتدين} بعد قوله: ({قد ضلوا} الإشارة إلى أن الإنسان قد يضل عن الحق ويعود إلى الاهتداء، فبين أنهم قد ضلوا ولم يحصل لهم الاهتداء قط، وهذا نهاية المبالغة في الذم. الآية نزلت في ربيعة ومضر وبعض العرب وهم غير كنانة.
والحديث من أفراد البخاري.

13 - باب مَنِ انْتَسَبَ إِلَى آبَائِهِ فِي الإِسْلاَمِ وَالْجَاهِلِيَّةِ
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ وَأَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ الْكَرِيمَ ابْنَ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ ابْنِ الْكَرِيمِ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلِ اللَّهِ». وَقَالَ الْبَرَاءُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَنَا ابْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ».
(باب) جواز (من انتسب إلى آبائه في الإسلام والجاهلية) إذا كان على غير طريقة المفاخرة والمشاجرة خلافًا لمن كره ذلك مطلقًا وهو محجوج بما يأتي.
(وقال ابن عمر وأبو هريرة) مما سبق حديث كل منهما موصولاً في أحاديث الأنبياء (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله) فذكر نسب يوسف إلى آبائه من الشارع عليه الصلاة والسلام فيه دلالة على جوازه لغيره عليه الصلاة والسلام لغير يوسف، وفيه مطابقة للجزء الأول من الترجمة.
(وقال البراء) بن عازب مما وصله في الجهاد (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال: (أنا ابن عبد المطلب) فانتسب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى جده، وهو مطابق للجزء الثاني من الترجمة، وسقط هذان التعليقان في بعض النسخ وكذا في اليونينية وفرعها رقم علامة السقوط من غير عزو.
3525 - حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ سُلَيْمَان قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] جَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُنَادِي: «يَا بَنِي فِهْرٍ، يَا بَنِي عَدِيٍّ، لِبُطُونِ قُرَيْشٍ».
وبه قال: (حدّثنا عمر بن حفص) بضم العين قال: (حدّثنا أبي) حفص بن غياث النخعي قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان (قال: حدّثنا عمرو بن مرة) الخارفي بالخاء المعجمة والراء والفاء (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس

(6/18)


-رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين}) [الشعراء: 214] (جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينادي):
(يا بني فهر) بكسر الفاء ابن مالك بن النضر (يا بني عدي) بفتح العين المهملة وكسر الدال ابن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر (بطون قريش) بالموحدة، ولأبي ذر عن الكشميهني: لبطون قريش باللام بدل الموحدة، وقال البخاري:
3526 - وَقَالَ لَنَا قَبِيصَةُ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "لَمَّا نَزَلَتْ: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} [الشعراء: 214] جَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوهُمْ قَبَائِلَ قَبَائِلَ".
(وقال لنا قبيصة): بفتح القاف ابن عقبة في المذاكرة. (أخبرنا) ولأبي الوقت: حدّثنا (سفيان) هو الثوري (عن حبيب بن أبي ثابت) قيس بن دينار الكوفي (عن سعيد بن جبير عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: لما نزلت: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214] جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعوهم) أي عشيرته (قبائل قبائل) يا بني فلان يا بني فلان كل قبيلة بما تعرف به.
3527 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ أَخْبَرَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ. يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللَّهِ. يَا أُمَّ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ، يَا فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ، اشْتَرِيَا أَنْفُسَكُمَا مِنَ اللَّهِ، لاَ أَمْلِكُ لَكُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا سَلاَنِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمَا».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة قال:
(أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال): حين أنزل الله تعالى: {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214]:
(يا بني عبد مناف) بفتح الميم والنون المخففة (اشتروا أنفسكم من الله) عز وجل أي باعتبار تخليصها من العذاب كأنه قال: أسلموا تسلموا من العذاب فيكون ذلك كالشراء كأنهم جعلوا الطاعة ثمن النجاة، وأما قوله تعالى: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم} [التوبة: 111] فمعناه أن المؤمن بائع باعتبار تحصيل الثواب والثمن الجنة (يا بني عبد المطلب اشتروا أنفسكم من الله) تعالى (يا أم الزبير بن العوّام) صفية بنت عبد المطلب (عمة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عطف بيان (يا فاطمة) الزهراء (بنت محمد اشتريا أنفسكما من الله لا أملك لكما من الله شيئًا) لا أدفع أو لا أنفعكم قال تعالى: {فهل أنتم مغنون عنا من عذاب الله من شيء} [إبراهيم: 21]. (سلاني من مالي ما شئتما) أعطكما.
وعند مسلم وأحمد من رواية موسى بن طلحة عن أبي هريرة دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قريشًا فعمّ وخصّ فقال: "يا معشر قريش أنقذوا أنفسكم من النار. يا معشر بني كعب كذلك، يا معشر بني هاشم كذلك، يا معشر بني عبد المطلب كذلك" الحديث.
وعند الواقدي أنه قصر الدعوى على بني هاشم وبني المطلب وهم يومئذ خمسة وأربعون رجلاً.
وفي حديث علي عند ابن إسحاق من الزيادة أنه صنع لهم شاة على ثريد وقعب لبن وأن الجميع أكلوا من ذلك وشربوا وفضلت فضلة، وقد كان الواحد منهم يأتي على جميع ذلك.
تنبيه:
حديث ابن عباس وأبي هريرة من مراسيل الصحابة وبذلك جزم الإسماعيلي لأن أبا هريرة إنما أسلم بالمدينة، وهذه القصة كانت بمكة، وابن عباس كان حينئذ إما لم يولد وإما طفلاً، ويحتمل أن تكون القصة وقعت مرتين لكن الأصل خلاف ذلك.
وفي حديث أبي أمامة عند الطبراني قال: لما نزلت {وأنذر عشيرتك الأقربين} [الشعراء: 214] جمع رسول الله بني هاشم ونساءه وأهله فقال: "يا بني هاشم اشتروا أنفسكم من النار واسعوا في فكاك رقابكم. يا عائشة بنت أبي بكر، يا حفصة بنت عمر، يا أم سلمة" الحديث. فهذا إن ثبت دلّ على تعدّد القصة لأن القصة الأولى وقعت بمكة لتصريحه في الحديث المسوق بسورة الشعراء أنه صعد الصفا ولم تكن عائشة وحفصة وأم سلمة عنده من أزواجه إلا بالمدينة، وحينئذ فيحتمل حضور أبي هريرة أو ابن عباس ويحمل قوله: لما نزلت جمع أي بعد ذلك لا أن الجمع وقع على الفور. قاله في الفتح.
ووقع هنا في رواية أبي ذر باب ابن أخت القوم ومولى القوم منهم وقد سبق.

14 - باب ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ، وَمَوْلَى الْقَوْمِ مِنْهُمْ
هذا (باب) بالتنوين (ابن أخت القوم ومولى القوم) أي معتقهم بفتح التاء أو حليفهم (منهم).
3528 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَنْصَارَ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ مِنْ غَيْرِكُمْ؟ قَالُوا: لاَ. إِلاَّ ابْنُ أُخْتٍ لَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ابْنُ أُخْتِ الْقَوْمِ مِنْهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأنصار) زاد أبو ذر خاصة (فقال) لهم لما أتوه:
(هل فيكم أحد من غيركم؟) (قالوا: لا إلا ابن أخت لنا) هو النعمان بن مقرن المزني كما عند أحمد في حديث أنس هذا (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ابن أخت القوم منهم) لأنه ينسب إلى بعضهم وهو أمه، واستدلّ به الحنفية على توريث الخال وذوي الأرحام إذا لم يكن عصبة ولا صاحب فرض، وحمله بعضهم على ما سبق.
وبقية مباحثه تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الفرائض، ولم يذكر المصنف حديث: مولى القوم منهم. نعم ذكره في الفرائض من حديث أنس بلفظ: مولى القوم من أنفسهم، وعند البزار من حديث أبي هريرة: مولى القوم منهم وحليف القوم منهم وابن أخت القوم منهم.
وحديث الباب أخرجه أيضًا في المغازي، ومسلم في الزكاة وكذا النسائي، وأخرجه الترمذي في المناقب.

15 - باب قِصَّةِ الْحَبَشِ، وَقَوْلِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا بَنِي أَرْفَدَةَ»
(باب قصة الحبش)
قال في القاموس: الحبش والحبشة محركتين والأحبُش بضم الباء جنس من السودان والجمع حبشان وأحابش، وقيل: إنهم من ولد حبش بن كوش بن حام بن نوح وكانوا سبع إخوة: السند والهند والزنج والقفط والحبشة والنوية وكنعان.
(وقول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله في العيدين (يا بني أرفدة) بفتم الفاء لأبي ذر ولغيره بكسرها كذا في اليونينية رقم علامة أبي ذر على الفتح وصحح عليه ولم يرقم للكسر شيئًا، ثم قال في الحاشية عن عياض: وبنو أرفدة بكسر الفاء لأبي ذر ولغيره بفتحها وكذلك ضبطه علينا أبو بحر.

(6/19)


قال ليس ابن سراج: هو بالكسر لا غير وهو اسم جدّ لهم أو هو اسم أمه.
3529 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- دَخَلَ عَلَيْهَا وَعِنْدَهَا جَارِيَتَانِ فِي أَيَّامِ مِنًى تُدَفِّفَانِ وَتَضْرِبَانِ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتَغَشٍّ بِثَوْبِهِ، فَانْتَهَرَهُمَا أَبُو بَكْرٍ، فَكَشَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ وَجْهِهِ فَقَالَ: «دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ، فَإِنَّهَا أَيَّامُ عِيدٍ. وَتِلْكَ الأَيَّامُ أَيَّامُ مِنًى».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري ونسب لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة أن أبا بكر رضي الله عنه دخل عليها وعندها جاريتان) زاد في العيدين من جواري الأنصار (في أيام منى تدففان) بتثسديد الفاء الأولى مكسورة، ولأبي ذر: تغنيان وتدففان (وتضربان) بالدف وهو الكربال الذي لا جلاجل فيه (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متغش) بشين معجمة مشددة مكسورة منونة، وللكشميهني: متغشيًّا بزيادة مثناة منصوبة منوّنة، وللحموي والمستملي: متغشى بنصب الشين منونة من غير ياء متغط (بثوبه) مضطجعًا على الفراش قد حوّل وجهه (فانتهرهما) أي الجاريتين (أبو بكر) على فعلهما ذلك. وفي العيدين: فانتهرني وقال: مزمارة الشيطان عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فكشف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن وجهه فقال):
(دعهما) اتركهما تغنيان وتدففان (يا أبا بكر فإنها أيام عيد) أي يوم سرور شرعي فلا ينكر فيه مثل هذا قالت (وتلك الأيام أيام منى).
3530 - وَقَالَتْ عَائِشَةُ: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَسْتُرُنِي وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَى الْحَبَشَةِ وَهُمْ يَلْعَبُونَ فِي الْمَسْجِدِ، فَزَجَرَهُمْ عُمَرُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دَعْهُمْ، أَمْنًا بَنِي أَرْفَدَةَ، يَعْنِي مِنَ الأَمْنِ».
(وقالت عائشة): بالسند المذكور (رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسترني) بثوب (وأنا أنظر إلى الحبشة وهم يلعبون في المسجد) أي بالدرق والحراب (فزجرهم عمر) وضبب في اليونينية وفرعها على لفظ هم فصار اللفظ فزجر (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: دعهم) اتركهم (أمنًا) نصب على المصدر أي أنتم أمنًا يا (يا بني أرفدة يعني) أنه مشتق (من الأمن) ضد الخوف.

16 - باب مَنْ أَحَبَّ أَنْ لاَ يُسَبَّ نَسَبُهُ
(باب من أحب أن لا يسب نسبه) أي أهل نسبه بضم التحتية وفتح المهملة وتاليه رفع وبفتح التحتية وضم المهملة وتاليه نصب وبهما ضبط في اليونينية وكذا في فرعها.
3531 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتِ: "اسْتَأْذَنَ حَسَّانُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ، قَالَ: كَيْفَ بِنَسَبِي؟ فَقَالَ حَسَّانُ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعَرَةُ مِنَ الْعَجِينِ".
وَعَنْ أَبِيهِ قَالَ: "ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ: لاَ تَسُبُّهُ، فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3531 - طرفاه في: 4145، 6150].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم بن عثمان العنسي الكوفي قال: (حدّثنا عبدة) بن سليمان (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: استأذن حسان) بن ثابت الشاعر (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هجاء المشركين قال): عليه الصلاة والسلام:
(كيف بنسبي؟) أي كيف تهجوهم ونسبي مجتمع معهم (فقال حسان: لأسلنك) لأخلصن نسبك (منهم) من نسبهم بحيث يختص الهجو بهم دونك (كما تسل الشعرة) بضم التاء الفوقية وفتح السين مبنيًا للمفعول، ولأبي ذر كما يسل الشعر بالتحتية والشعر بالتذكير (من العجين) لأن الشعرة إذا سلت منه لا يعلق بها منه شيء لنعومتها.
(وعن أبيه) أي أبي هشام وهو عروة بالإسناد السابق إليه أنه (قال: ذهبت أسبّ حسان عند عائشة، فقالت): لي (لا تسبه) بضم الموحدة ولأبي ذر بفتحها (فإنه كان ينافح) بكسر الفاء بعدها حاء مهملة أي يدافع (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال أبو الهيثم): الكشميهني في رواية أبي ذر (نفحت الدابة) بالحاء المهملة إذا رمحت بحوافرها ونفحه بالسيف إذا تناوله من بعيد) وهذا ساقط لغير أبي ذر.

17 - باب مَا جَاءَ فِي أَسْمَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ} [الفتح: 29] وَقَوْلِهِ: {مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ} [الصف: 6]
(باب ما جاء في أسماء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) جمع اسم وهو اللفظ الموضوع على الذات لتعريفها أو تخصيصها من غيرها كلفظ زيد والمسمى بفتح الميم هو الذات المقصود تمييزها بالاسم كشخص زيد والمسمى هو الواضع لذلك اللفظ والتسمية هي اختصاص ذلك اللفظ بتلك الذات.
(وقول الله عز وجل): ولغير أبي الوقت وقوله تعالى بالجر عطفًا على سابقه: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم} [الأحزاب: 40]. هذه الآية ثبتت هنا في رواية أبي الوقت. (وقوله عز وجل: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار}) [الفتح: 29]. (وقوله) جل وعلا ({من بعدي اسمه أحمد}) [الصف: 6] في آي أُخر في التنزيل تكرر ذكره فيها باسمه محمد، وأما أحمد فذكر فيه حكاية عن قول عيسى عليه الصلاة والسلام إذ هما أشهر أسمائه الشريفة صلوات الله وسلامه عليه.
3532 - حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ قَالَ: حَدَّثَنِي مَعْنٌ عَنْ مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ عَنْ أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لِي خَمْسَةُ أَسْمَاءٍ:
أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللَّهُ بِي الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمِي، وَأَنَا الْعَاقِبُ». [الحديث 3532 - طرفه في: 4896].
وبه قال: (حدّثنا)

(6/20)


بالجمع، ولأبي ذر: حدّثني (إبراهيم بن المنذر) الخزامي المدني (قال: حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (معن) بالميم المفتوحة فعين مهملة ساكنة فنون ابن عيسى القزاز (عن مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن محمد بن جبير بن مطعم) بضم الميم وكسر العين (عن أبيه) جبير (-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لي خمسة أسماء) فإن قيل: إن المقرر في علم المعاني أن تقديم الجار والمجرور يفيد الحصر، وقد وردت الروايات بأكثر من ذلك حتى قال ابن العربي: إن له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألف اسم، أجيب: بأنه لم يرد الحصر فيها فالظاهر أنه أراد أن لي خمسة أسماء أختص بها أو خمسة أسماء مشهورة عند الأمم السابقة. (أنا محمد) اسم مفعول منقول من الصفة على سبيل التفاؤل أنه سيكثر حمده إذ المحمد في اللغة هو الذي يحمد حمدًا بعد حمد ولا يأكلون مفعل مثل ممدح إلا لمن تكرر منه الفعل مرة بعد أخرى (وأحمد) منقول من الصفة التي معناها التفضيل؛ ومعناه أنه أحمد الحامدين لربه وهي صيغة تنبئ عن الانتهاء إلى غاية ليس وراءها منتهى. والاسمان اشتقا من أخلاقه المحمودة التي لأجلها استحق أن يسمى بهما. قال الأعشى يمدح بعضهم:
إلى الماجد الفرع الجواد المحمد
أي الذي تكاملت فيه الخصال المحمودة أو هو من اسمه تعالى المحمود كما قال حسان:
وشق له من اسمه ليجله ... فذو العرش محمود وهذا محمد
وهل سمي بأحمد قبل محمد أو بمحمد قبل؟ قال عياض: بالأولى لأن أحمد وقع في الكتب السابقة، ومحمد في القرآن، وذلك أنه حمد ربه قبل أن يحمده الناس، إليه ذهب السهيلي وغيره، وقال بالثاني ابن القيم، ولأبي ذر عن الكشميهني: وأنا أحمد (وأنا الماحي) بالحاء المهملة أي (الذي يمحو الله بي الكفر) أي يزيله لأنه بعث والدنيا مظلمة بغياهب الكفر فأتى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالنور الساطع حتى محاه.
وقيل: ولما كانت البحار هي الماحية للأدران كان اسمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيها الماحي.
(وأنا الحاشر الذي يحشر الناس) يوم القيامة (على قدمي) بكسر الميم أي على أثري لأنه أول من تنشق عنه الأرض، وفي رواية نافع بن جبير: وأنا حاشر بعثت مع الساعة (وأنا العاقب) لأنه جاء عقب الأنبياء فليس بعده نبي.
وفي الباب عن نافع بن جبير، وأبي موسى الأشعري، وحذيفة، وابن عباس، وأبي الطفيل وفيها زيادات على حديث الباب، ففي رواية نافع بن جير أنها ستة فذكر الخمسة التي في حديث
الباب، وزاد الخاتم. رواه ابن سعد، وفي حديث حذيفة: أحمد ومحمد والحاشر والمقفى ونبي الرحمة. رواه الترمذي وابن سعد، وقد جمعت فإن أسمائه في كتابي المواهب اللدنية بالمنح المحمدية أكثر من أربعمانة مرتبة على حروف المعجم.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير، ومسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
3533 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ تَعْجَبُونَ كَيْفَ يَصْرِفُ اللَّهُ عَنِّي شَتْمَ قُرَيْشٍ وَلَعْنَهُمْ؟ يَشْتِمُونَ مُذَمَّمًا، وَيَلْعَنُونَ مُذَمَّمًا، وَأَنَا مُحَمَّدٌ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أبي الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ألا) بالتخفيف للتنبيه (تعجبون كيف يصرف الله عني شتم) كفار (قريش ولعنهم) بسكون العين (يشتمون) بكسر المثناة الفوقية (مذمّما) بفتح الميم الأولى المشددة كالآتية (ويلعنون مذمّما) يريد بذلك تعريضهم إياه بمذمم مكان محمد وكانت العوراء زوجة أبي لهب تقول:
مذمم قلينا ... ودينه أبينا ... وأمره عصينا
(وأنا محمد) كثير الخصال الحميدة التي لا غاية لها، فمذمم ليس باسمه ولا يعرف به، فكان الذي يقع منهم مصروفًا إلى غيره.

18 - باب خَاتِمِ النَّبِيِّينَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب خاتم النبيين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي آخرهم الذي ختمهم أو خُتموا به على قراءة عاصم بالفتح، وقيل: من لا نبي بعده يكون أشفق على أمته وأهدى لهم إذ هو كالوالد لولد ليس له غيره، ولا يقدح فيه نزول عيسى بعده لأنه إذا نزل يكون على دينه مع أن المراد أنه آخر من نبئ.
3534 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ حَدَّثَنَا سَلِيمٌ بن حَيّانَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَثَلِي وَمَثَلُ الأَنْبِيَاءِ كَرَجُلٍ بَنَى دَارًا فَأَكْمَلَهَا وَأَحْسَنَهَا، إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَدْخُلُونَهَا وَيَتَعَجَّبُونَ وَيَقُولُونَ: لَوْلاَ مَوْضِعُ اللَّبِنَةِ».
وبه قال:

(6/21)


(حدّثنا محمد بن سنان) بكسر السين المهملة وتخفيف النون أبو بكر العوقي بفتح العين المهملة والواو وبالقاف قال: (حدّثنا سليم) بفتح السين وكسر اللام الباهلي البصري ولأبي ذر: سليم بن حيان بفتح الحاء المهملة وتشديد التحتية قال: (حدّثنا سعيد بن ميناء) بكسر الميم وسكون التحتية وبالمد ويقصر (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) كذا في
اليونينية بإثبات الرضا وسقط في الفرع أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(مثلي) مبتدأ (ومثل الأنبياء) قبلي عطف عليه (كرجل) خبره (بنى دارًا فأكملهما وأحسنها إلا موضع لبنة) بفتح اللام وكسر الموحدة بعدها نون ويجوز كسر اللام وسكون الموحدة قطعة طين تعجن وتيبس ويبنى بها من غير إحراق (فجعل الناس يدخلونها) أي الدار (ويتعجبون) بالفوقية بعد التحتية من حسنها (ويقولون لولا موضع اللبنة) برفع موضع مبتدأ خبره محذوف أي: لولا موضع اللبنة لكان بناء الدار كاملاً، وزاد الإسماعيلي: "وأنا موضع اللبنة جئت فختمت الأنبياء".
وقد أورد صاحب الكواكب سؤالاً فقال، فإن قلت: المشبه به هنا رجل والمشبه متعدد فكيف صح التشبيه؟ وأجاب: بأنه جعل الأنبياء كلهم كواحد فيما قصد في التشبيه وهو أن المقصود من بعثتهم ما تم إلا باعتبار الكل، فكذلك الدار لا تتم إلا بجميع اللبنات، أو أن التشبيه ليس من باب تشبيه المفرد بالمفرد بل هو تشبيه تمثيل فيؤخذ وصف من جميع أحوال المشبه ويشبه بمثله من أحوال المشبه به فيقال شبه الأنبياء وما بعثوا به من الهدى والعلم وإرشاد الناس إلى مكارم الأخلاق بقصر أسس قواعده ورفع بنياته وبقي منه موضع لبنة فنبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث لتتميم مكارم الأخلاق كأنه هو تلك اللبنة التي بها إصلاح ما بقي من الدار. انتهى.
وهذا الحديث يخرجه مسلم في الفضائل.
3535 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ الأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِي كَمَثَلِ رَجُلٍ بَنَى بَيْتًا فَأَحْسَنَهُ وَأَجْمَلَهُ، إِلاَّ مَوْضِعَ لَبِنَةٍ مِنْ زَاوِيَةٍ، فَجَعَلَ النَّاسُ يَطُوفُونَ بِهِ وَيَعْجَبُونَ لَهُ وَيَقُولُونَ: هَلاَّ وُضِعَتْ هَذِهِ اللَّبِنَةُ؟ قَالَ: فَأَنَا اللَّبِنَةُ؛ وَأَنَا خَاتِمُ النَّبِيِّينَ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي قال: (حدّثنا إسماعيل بن جعفر) الأنصاري الزرقي (عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم أبي عبد الرحمن المدني مولى ابن عمر (عن أبي صالح) ذكوان السمان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(مثلي ومثل الأنبياء من قبلي كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله إلا موضع لبنة من زاوية) زاد مسلم من طريق همام "من زواياه" وهذا يرد قول من قال: إن اللبنة المشار إليها كانت في أس الدار المذكورة، وأنه لولا وضعها لانقضت تلك الدار، فإن الظاهر كما في فتح الباري أن المراد بها مكملة محسنة وإلاّ لاستلزم أن يكون الأمر بدونها كان ناقصًا وليس كذلك فإن شريعة كل نبي بالنسبة إليه كاملة، فالمراد هنا بالنظر إلى الأكمل بالنسبة إلى الشريعة المحمدية مع ما مضى من الشرائع (فجعل الناس يطوفون به) بالبيت (ويعجبون له) أي لأجله (ويقولون: هلا وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنه وأنا خاتم النببين) ومكمل شرائع الدين.
وهذا الحديث أخرجه النسائي في التفسير.

19 - باب وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا ثبت لأبي ذر والوجه حذف ذلك إذ محله آخر المغازي ما سيأتي إن شاء الله تعالى.
3536 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ - رضي الله عنها-: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُوُفِّيَ وَهْوَ ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ".
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ مِثْلَهُ. [الحديث 3536 - طرفه في: 4466].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توفي وهو ابن ثلاث وستين) سنة.
(وقال ابن شهاب) محمد بالسند السابق (وأخبرني) أيضًا بالإفراد (سعيد بن المسيب مثله).
أي مثل ما أخبرني عروة عن عائشة، وهذا من مراسيل سعيد بن المسيب، ويحتمل أن يكون سمعه من عائشة -رضي الله عنها-، ويأتي نقل الخلاف في سنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما في ذلك من المباحث في محله إن شاء الله تعالى بعون الله.

20 - باب كُنْيَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب كنية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الكنية بضم الكاف ما صدر باب أو أم، وأما اللقب فهو ما أشعر بمدح أو ذم وما عداهما الاسم والعلم بفتحتين يجمع الثلاثة.
3537 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السُّوقِ فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَبَا الْقَاسِمِ، فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي».
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث الحوضي قال:

(6/22)


(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السوق فقال رجل): لم يسم، وقيل إنه كان يهوديًا (يا أبا القاسم فالتفت) إليه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد المؤلّف في رواية آدم عن شعبة في البيع فقال: إنما دعوت هذا (فقال) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(سموا) بضم الميم (باسمي) محمد وأحمد (ولا تكتنوا) بسكون الكاف وبعدها فوقية وتخفيف النون مضمومة من اكتنى على صيغة افتعل، وقد تشدّد مفتوحة، ولأبي ذر: ولا تكنوا بحذف الفوقية وضم النون مخففة من كنى يكني بالتخفيف كذا في الفرع، وفي اليونينية بالتشديد مع فتح
الكاف على حذف أحد المثلين (بكنيتي) أبي القاسم والأمر والنهي ليسا للوجوب فقد جوزه مالك مطلقًا لأنه إنما كان في زمنه للالتباس أو مختص بمن اسمه محمد أو أحمد لحديث النهي أن يجمع بين اسمه وكنيته.
ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في محلها، والحديث سبق في البيع.
3538 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «تَسَمَّوْا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن سالم) هو ابن أبي الجعد (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(تسموا باسمي) بفتحات والميم مشددة (ولا تكتنوا) بالتاء بعد الكاف وضم النون مخففة وفتحها مشددة، ولأبي ذر: تكنوا بفتح التاء والكاف والنون المشدّدة بحذف التاءين (بكنيتي) وزاد في الخُمس من طريق أبي الوليد: "فإني جعلت قاسمًا أقسم بينكم" أي ليس ذلك لأحد غيري فلا يطلق هذا الاسم بالحقيقة إلا عليه.
وفيه مباحث تذكر إن شاء الله تعالى.
3539 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: «قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَمُّوا بِاسْمِي، وَلاَ تَكْتَنُوا بِكُنْيَتِي».
وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن أيوب) السختياني (عن ابن سيرين) محمد أنه (قال: سمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- حال كونه (يقول: قال أبو القاسم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(سموا) بضم الميم مشددة (باسمي) محمد وأحمد (ولا تكتنوا بكنيتي) بسكون الكاف والتخفيف، وكان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكنى أبا القاسم بأكبر أولاده القاسم، ويكنى أيضًا بأبي إبراهيم كما في حديث أنس في مجيء جبريل له وقوله: السلام عليك يا أبا إبراهيم، وبأبي الأرامل كما ذكره ابن دحية، وبأبي المؤمنين فيما ذكروه.

21 - باب
هذا (باب) بالتوين بغير ترجمة.
3540 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى عَنِ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: "رَأَيْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ ابْنَ أَرْبَعٍ وَتِسْعِينَ جَلْدًا مُعْتَدِلاً فَقَالَ: قَدْ عَلِمْتُ مَا مُتِّعْتُ بِهِ -سَمْعِي
وَبَصَرِي- إِلاَّ بِدُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. إِنَّ خَالَتِي ذَهَبَتْ بِي إِلَيْهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي شَاكٍ، فَادْعُ اللَّهَ لَهُ. قَالَ فَدَعَا لِي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحق بن إبراهيم) بن راهويه وثبت ابن إبراهيم لأبوي الوقت وذر قال: (أخبرنا الفضل بن موسى) السناني بسين مهملة مكسورة ونونين قرية من قرى مرو (عن الجعيد) بضم الجيم وفتح العين المهملة آخره دال مهملة مصغرًا وقد يكبر (ابن عبد الرحمن) بن أوس الكندي أنه قال: (رأيت السائب بن زيد) بن سعد الكندي (ابن أربع وتسعين) سنة (جلدًا) بفتح الجيم وسكون اللام أي قويًا (معتدلاً) غير منحن مع كبر سنه (فقال: قد علمت) بتاء المتكلم (ما منعت به) بضم الميم وتاء المتكلم أيضًا مبنيًا للمفعول (سمعي) بدل من ضمير به (وبصري) عطف عليه (إلا بدعاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وذلك (إن خالتي) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمها (ذهبت بي إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالت): له (يا رسول الله إن ابن أختي شاك) بمعجمة وتخفيف الكاف فاعل من الشكوى. وهو المرض (فادع الله) وزاد أبو ذر عن الكشميهني لفظة له (قال) السائب (فدعا لي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
وظاهر أن الحديث يطابق الباب السابق، وهو باب كنية النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من حيث أن الأحاديث المسوقة فيه تتضمن أنه كان ينادي يا أبا القاسم، والأدب أن يقال: يا رسول الله يا نبي الله كما خاطبته خالة السائب.

22 - باب خَاتِمِ النُّبُوَّةِ
(باب) بيان صفة (خاتم النبوّة) الذي كان بين كتفيه صلوات الله وسلامه عليه.
3541 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنِ الْجُعَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ: "ذَهَبَتْ بِي خَالَتِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَ أُخْتِي وَقَعَ، فَمَسَحَ رَأْسِي، وَدَعَا لِي بِالْبَرَكَةِ، وَتَوَضَّأَ فَشَرِبْتُ مِنْ وَضُوئِهِ، ثُمَّ قُمْتُ خَلْفَ ظَهْرِهِ فَنَظَرْتُ إِلَى خَاتَمٍ النُّبُوَّةِ بَيْنَ كَتِفَيْهِ".
قَالَ ابْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ: الْحُجْلَةُ مِنْ حُجَلِ الْفَرَسِ الَّذِي بَيْنَ عَيْنَيْهِ. قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ: "مِثْلَ زِرِّ الْحَجَلَةِ".
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبيد الله) بضم العين مصغرًا أبو ثابت القرشي المدني الفقيه مولى عثمان بن عفان قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة ابن إسماعيل المدني الحارث مولاهم

(6/23)


(عن الجعيد بن عبد الرحمن) الكندي ويقال الأسدي ويقال الليثي ويقال الهلالي أنه (قال: سمعت السائب بن بزيد قال: ذهبت بي خالتي) لم تسم (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله إن) السائب (ابن أختي) علبة بضم العين المهملة وسكون اللام وفتح الموحدة بنت شريح (وقع) بفتح
القاف بلفظ الماضي أي وقع في المرض وبكسر القاف أيضًا في الفرع كأصله، ولأبي ذر: وقع بكسر القاف والتنوين أي أصابه وجع في قدميه أو يشتكي لحم رجليه من الحفاء لغلظ الأرض والحجارة، وفي نسخة هنا معزوّة في الوضوء لأبوي الوقت وذر وكريمة: وجع بكسر الجيم والتنوين أي مريض. قال السائب: (فمسح) عليه الصلاة والسلام (رأسي) بيده الشريفة. قال عطاء مولى السائب: كان مقدم رأس السائب أسود وهو الموضع الذي مسحه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من رأسه وشاب ما سوى ذلك، ورواه البيهقي والبغوي ولا يحضرني الآن لفظهما (ودعا لي بالبركة وتوضأ فشربت من وضوئه) بقح الواو أي من الماء المتقاطر من أعضائه المقدسة (ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم بين كتفيه) وزاد في نسخة هنا مثل زرّ الحجلة، وفي أخرى إلى خاتم النبوة بين كتفيه وهو الذي يعرف به عند أهل الكتاب. وفي مسلم في حديث عبد الله بن سرجس أنه كان إلى جهة كتفه اليسرى.
(قال ابن عبد الله): بضم العين مصغرًا محمد شيخ المؤلّف المذكور (الحجلة) بضم الحاء وسكون الجيم (من حجل الفرس) بضم الحاء وفتح الجيم، ولأبي ذر بفتحهما (الذي بين عينيه) واستبعد هذا القول بأن التحجيل إنما يكون في القوائم، وأما الذي في الوجه فهو الغرة.
وأجيب: بأن منهم من يطلقه على ذلك مجازًا لكن تعقب بأنه على تقدير تسليمه إن أريد البياض فليس له معنى لأنه لا يبقى فائدة لذكر الزر.
واستشكل تفسير الحجلة من غير أن يقع لها ذكر سابق في كلامه. وأجاب في الفتح باحتمال أنه سقط منه شيء وكأنه كان فيه مثل زر الحجلة، ثم فسرها وأجاب في العمدة بأنه لما روى الحديث عن شيخه ابن عبيد الله وقع السؤال في المجلس عن كيفية الخاتم فقال أبو عبيد الله أو غيره: مثل زر الحجلة فسئل عن معنى الحجلة فأجاب بما سبق اهـ.
ووقع عند المؤلّف في الوضوء: ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم النبوة مثل زر الحجلة، وكذا في باب الدعاء للصبيان بالبركة من كتاب الدعاء بلفظ فنظرت إلى خاتمه بين كتفيه مثل زر الحجلة.
(قال): ولأبي ذر وقال: (إبراهيم بن حمزة) بالحاء المهملة والزاي الزبيري الأنصاري شيخ المؤلّف فيما وصله في الطب (مثل زر الحجلة) بفتح الحاء والجيم بيت للعروش كالبشخانة يزين بالثياب والستور له أزرار وعرا، فالزر على هذا حقيقة. وجزم الترمذي بأن المراد بالحجلة الطير المعروف وبزرها بيضها، وعند مسلم في صفته من حديث جابر بن سمرة كأنه بيضة حمامة. وفي حديث ابن عمر عند ابن حبان مثل البندقة من اللحم. وعند الترمذي كبضعة ناشزة من اللحم، وعند قاسم بن ثابت مثل السلعة، وأما ما ورد من أنها كانت كأثر محجم أو كالشامة السوداء أو كالخضراء أو مكتوب في باطنها أنا الله وحده لا شريك له في ظاهرها توجه حيث كنت فإنك منصور ونحو ذلك مما حكيته في المواهب اللدنية فقال الحافظ ابن حجر: لم يثبت منه شيء، وقد
أخرج الحاكم في المستدرك عن وهب بن منبه قال: لم يبعث الله نبيًّا إلا وقد كان عليه شامات النبوة في يده اليمنى إلا نبينا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإن شامة النبوّة كانت بين كتفيه، وعلى هذا فيكون وضع الخاتم بين كتفيه بإزاء قلبه المكرم مما اختص به عن سائر الأنبياء.

23 - باب صِفَةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في خلقه بفتح الخاء وخلقه بضمها.
3542 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنْ عُمَرَ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: "صَلَّى أَبُو بَكْرٍ -رضي الله عنه- الْعَصْرَ ثُمَّ خَرَجَ يَمْشِي، فَرَأَى الْحَسَنَ يَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ، فَحَمَلَهُ عَلَى عَاتِقِهِ وَقَالَ: بِأَبِي شَبِيهٌ بِالنَّبِيِّ، لاَ شَبِيهٌ بِعَلِيٍّ. وَعَلِيٌّ يَضْحَكُ".
[الحديث 3542 - طرفه في: 3750].
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك النبيل (عن عمر بن سعيد بن أول حسين) بضم العين في الأول وكسرها في الثاني وضم الحاء مصغرًا في الثالث التوفلي القرشي (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن عقبة بن الحرث) بن عامر القرشي أنه (قال: صلّى أبو بكر) الصديق (-رضي الله عنه- العصر ثم خرج يمشي) زاد

(6/24)


الإسماعيلي بعد وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بليال وعلي -رضي الله عنه- يمشي إلى جانبه (فرأى) أي أبو بكر (الحسن) بفتح الحاء ابن علي (يلعب مع الصبيان) وكان عمره إذ ذاك سبع سنين ولعبه محمول على اللائق به إذ ذاك (فحمله على عاتقه وقال: بأبي) وفي حاشية اليونيية وفرعها بأبي بأبي كذا مرقوم عليها علامة أبي ذر، والتصحيح ورقم اثنين بالعدد الهندي وظاهره التكرار مرتين أي أفديه أفديه هو (شبيه بالنبي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسكون التحتية من النبي في الفرع مخففة وفي اليونينية بتشديدها (لا شبيه بعلي) كذا بالسكون أيضًا في الفرع، وفي الأصل بالتشديد يعني أباه (وعلي) أي والحال أن عليًّا (يضحك) فيه إشعار بتصديقه له.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضل الحسن والنسائي في المناقب.
3543 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَكَانَ الْحَسَنُ يُشْبِهُهُ". [الحديث 3543 - طرفه في: 3544].
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) اليربوعي الكوفي اسم أبيه عبد الله ونسبه لجدّه (قال: حدّثنا زهير) بضم الزاي مصغرًا ابن معاوية الجعفي الكوفي قال: (حدّثنا إسماعيل) ابن أبي خالد الأحمسي البجلي الكوفي (عن أبي جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وهب بن عبد الله السوائي بضم السين المهملة وبعد الواو ألف فهمزة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان الحسن) بن عليّ (يشبهه) فوافق أبو جحيفة الصديق، ووقع في حديث أنس في المناقب أن الحسين بضم الحاء كان أشبههم بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجمع بينهما بأن الحسن كان شبهه
بما بين الصدر إلى الرأس والحسين أسفل من ذلك.
وحديث الباب أخرجه مسلم في صفة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفي فضائله، والترمذي في الاستئذان، والنسائي في المناقب.
3544 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ - عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ - يُشْبِهُهُ. قُلْتُ لأَبِي جُحَيْفَةَ: صِفْهُ لِي. قَالَ: كَانَ أَبْيَضَ قَدْ شَمِطَ. وَأَمَرَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِثَلاَثَ عَشْرَةَ قَلُوصًا. قَالَ فَقُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ أَنْ نَقْبِضَهَا".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد. ولأبي ذر: حدّثنا كما في اليونينية (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون الميم الباهلي البصري الصيرفي قال: (حدّثنا ابن فضيل) بضم الفاء مصغرًا هو محمد بن فضيل بن غزوان بفتح الغين المعجمة وسكون الزاي الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي قال: (حدّثنا إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم البجلي (قال: سمعت أبا جحيفة) وهو وهب بن عبد الله (-رضي الله عنه- قال: رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وكان الحسن بن علي عليهما السلام) لو قال -رضي الله عنهما- لكان أوجه لما لا يخفى (يشبهه). قال إسماعيل: (قلت لأبي جحيفة: صفه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لي. قال: كان أبيض) اللون (قد شمط) بفتح الشين المعجمة وكسر الميم صار سواد شعره مخالطًا للبياض. ولمسلم من طريق زهير عن أبي إسحاق عن أبي جحيفة رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذه منه بيضاء وأشار إلى عنفقته (وأمر لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لأبي جحيفة وقومه من بني سواء على سبيل جائزة الوفد (بثلاث عشرة) بسكون الشين وثلاث بغير تاء (قلوصًا) بفتح القاف الأنثى من الإبل، وفي الأصول كلها من رواية أبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر: بثلاثة عشر بإثبات التاء بعد المثلثة وإسقاط التاء. قال ابن مالك فيما نقله عنه اليونيني: صوابه بثلاث عشرة بحذف التاء من الثلاث وإثباتها في عشرة. قال اليونيني: وأصلحت ما في الأصل على الصواب اهـ.
وقال في المصابيح: ولا يبعد التذكير على إرادة التأويل.
(قال): أبو جحيفة (فقُبض) بضم القاف توفي (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل أن نقبضها) بنون قبل القاف.
وزاد الإسماعيلي من طريق محمد بن فضيل بالإسناد المذكور فذهبنا نقبضها فأتانا موته فلم يعطونا شيئًا، فلما قام أبو بكر قال: من كانت له عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عدّة فليجئ فقمت إليه فأخبرته فأمر لنا بها.
3545 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ وَهْبٍ أَبِي جُحَيْفَةَ السُّوَائِيِّ قَالَ: "رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَرَأَيْتُ بَيَاضًا مِنْ تَحْتِ شَفَتِهِ السُّفْلَى الْعَنْفَقَةَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني بغين معجمة مضمومة ودال مهملة مخففة
البصري قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي الكوفي (عن وهب) بالتنوين (أبي جحيفة) بن عبد الله (السوائي) بضم السين وبالهمزة أنه (قال: رأيت النبي) ولأبي الوقت: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورأيت بياضًا) في شعره (من تحت شفته السفلى

(6/25)


العنفقة) نصب بدل من بياضًاً، ويجوز الجرّ بدلاً من الشفة وهي ما بين الذقن والشفة السفلى سواء كان عليها شعر أم لا وتطلق على الشعر أيضًا.
3546 - حَدَّثَنَا عِصَامُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ أَنَّهُ: "سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ بُسْرٍ صَاحِبَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: أَرَأَيْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَانَ شَيْخًا؟ قَالَ: كَانَ فِي عَنْفَقَتِهِ شَعَرَاتٌ بِيضٌ".
وبه قال: (حدّثنا عصام بن خالد) بكسر العين المهملة بعدها صاد مهملة أبو إسحاق الحمصي الحضرمي قال: (حدّثنا حريز بن عثمان) بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون التحتية بعدها زاي معجمة من صغار التابعين (أنه سأل عبد الله بن بسر) بضم الموحدة وسكون السين المهملة المازني (صاحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: أرأيت) بهمزة الاستفهام (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نصب على المفعولية (كان شيخًا) نصب خبر كان كذا في الفرع، وجوّزوا كون أرأيت بمعنى أخبرني والنبي رفع على الابتداء. وقوله: كان شيخًا خبره وهو استفهام محذوف الأداة. وعند الإسماعيلي قلت: شيخ كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم شاب؟ وهو يؤيد القول الأخير (قال: كان في عنفقته شعرات بيض) أي لا تزيد على عشرة لإيراده بصيغة جمع القلة وقيل إنها كانت سبع عشرة شعرة.
وهذا الحديث هو الثالث عشر من ثلاثياته وهو من أفراده.
3547 - حَدَّثَنا ابْنُ بُكَيْرٍ قَالَ: حَدَّثَنا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ: "سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَصِفُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كَانَ رَبْعَةً مِنَ الْقَوْمِ، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ، أَزْهَرَ اللَّوْنِ، لَيْسَ بِأَبْيَضَ أَمْهَقَ وَلاَ آدَمَ، لَيْسَ بِجَعْدٍ قَطَطٍ وَلاَ سَبْطٍ رَجِلٍ. أُنْزِلَ عَلَيْهِ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعِينَ، فَلَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ، وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، وَقُبِضَ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعَرَةً بَيْضَاءَ. قَالَ رَبِيعَةُ: فَرَأَيْتُ شَعَرًا مِنْ شَعَرِهِ فَإِذَا هُوَ أَحْمَرُ، فَسَأَلْتُ، فَقِيلَ: احْمَرَّ مِنَ الطِّيبِ". [الحديث 3547 - طرفاه في: 3548، 5900].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (ابن بكير) بضم الموحدة مصغرًا وهو يحيى بن عبد الله بن بكير (قال: حدّثني) بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام (عن خالد) هو ابن يزيد الجمحي الإسكندراني (عن سعيد بن أبي هلال) الليثي المدني (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) الفقيه المدني المشهور بربيعة الرأي أنه (قال: سمعت أنس بن مالك) -رضي الله عنه- حال كونه (يصف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(كان ربعة القوم) بفتح الراء وسكون الموحدة أي مربوعًا والتأنيث باعتبار النفس وفسره بقوله: {ليس بالطويل ولا بالقصير) وزاد البيهقي عن عليّ وهو إلى الطول أقرب. وعن عائشة: لم يكن بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد وكان ينسب إلى الربعة إذا مشى وحده ولم يكن على حال يماشيه أحد من الناس ينسب إلى الطول إلاّ طاله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولربما اكتنفه الرجلان الطويلان فيطولهما فإذا فارقاه نسب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الربعة. رواه ابن عساكر والبيهقي. (أزهر اللون) أبيض مشربًا بحمرة كان صرح به في حديث أنس من وجه آخر عند مسلم، والإشراب خلط لون بلون كأن أحد اللونين سقى الآخر. يقال بياض مشرب بحمرة بالتخفيف فإذا شدد كان للتكثير والمبالغة وهو أحسن الألوان. (ليس بأبيض أمهق) بهمزة مفتوحة وميم ساكنة وهاء مفتوحة ثم قاف أي ليس بأبيض شديد البياض كلون الجص (ولا آدم) بالمد أي ولا شديد السمرة وإنما يخالط بياضه الحمرة، والعرب تطلق على كل من كان كذلك أسمر كما في حديث أنس المروي عند أحمد والبزار وابن منده بإسناد صحيح أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان أسمر، والمراد بالسمرة الحمرة التي تخالط البياض (ليس) شعره (بجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة ولا (قطط) بالقاف وكسر الطاء الأولى وفتحها ولا شديد الجعودة كشعر السودان (ولا سبط) بفتح السين المهملة وكسر الموحدة، ولغير أبي ذر بسكونها من السبوطة ضد الجعودة أي ولا مسترسل فهو متوسط بين الجعودة والسبوطة (رجل) بفتح الراء وكسر الجيم والجر كذا في الفرع وأصله، وعزاها في فتح الباري للأصيلي. قيل: وهو وهم إذ لا يصح أن يكون وصفًا للسبط المنفي عن صفة شعره عليه الصلاة والسلام، وفي غير الفرع وأصله رجل بالرفع مبتدأ أو خبر أي هو رجل يعني مسترسل (أنزل عليه) الوحي (وهو ابن أربعين) سنة سواء وذلك إنما يستقيم على القول بأنه ولد في شهر ربيع وهو المشهور وبعث فيه (فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه) الوحي (وبالمدينة عشر سنين) قيل مقتضاه أنه عاش ستين سنة.
قال الزركشي: هذا قول أنس. والصحيح أنه أقام بمكة ثلاث عشرة لأنه توفي وعمره ثلاث وستون سنة. وأجاب في المصابيح: بأن أنسًا لم يقتصر على قوله فلبث بمكة عشر سنين بل قال: فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه الوحي، وهذا لا ينافي أن

(6/26)


يكون أقام بها أكثر من هذه المدة ولكنه لم ينزل عليه إلا في العشر، ولا يخفى أن الوحي فَنَر في ابتدائه سنتين ونصفًا وأنه أقام ستة أشهر في ابتدائه يرى الرؤيا الصالحة فهذه ثلاث سنين لم يوح إليه في بعضها أصلاً، وأوحي إليه في بعضها منامًا، فيحمل قول أنس على أنه لبث بمكة ينزل عليه الوحي في اليقظة عشر سنين واستقام الكلام، لكن يقدح في هذا الجمع قوله في حديث أنس من طريق إسماعيل عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن في باب الجعد وتوفاه على رأس ستين سنة، ويأتي إن شاء الله تعالى في الوفاة آخر المغازي بعون الله تعالى وقوته ما في ذلك.
(وليس) ولأبي ذر عن الكشميهني فقبض وليس (في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء) أي بل دون ذلك.
وفي حديث عبد الله بن بسر السابق قريبًا كان في عنفقته شعرات بيض بصيغة جمع القلة وجمع القلة لا يزيد على عشرة لكنه خصه بعنفقته الكريمة. فيحتمل أن يكون الزائد على ذلك في صدغيه كما في حديث البراء لكن في حديث أنس من طريق حميد قال: لم يبلغ ما في لحيته من الشيب عشرين شعرة. قال حميد: وأومأ إلى عنفقته سبع عشرة. رواه ابن سعد بإسناد صحيح، وعنده أيضًا بإسناد صحيح عن أنس من طريق ثابت: ما كان في رأس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولحيته إلا سبع عشرة شعرة أو ثماني عشرة.
(قال ربيعة) بن أبي عبد الرحمن بالسند المذكور (فرأيت شعرًا من شعره) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فإذا هو أحمر فسألت) هل خضب عليه الصلاة والسلام (فقيل) لي إنما (احمرّ من الطيب) قيل: المسؤول المجيب بذلك أنس بن مالك -رضي الله عنه-، واستدلّ له بأن عمر بن عبد العزيز قال لأنس: هل خضب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فإني رأيت شعرًا من شعره قد لوّن؟ فقال: إنما هذا الذي لوّن من الطيب الذي كان يطيب به شعره فهو الذي غيّر لونه، فيحتمل أن يكون ربيعة سأل أنسًا عن ذلك فأجابه قاله الحافظ ابن حجر وتبعه العيني فليتأمل.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس، ومسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والترمذي في المناقب، والنسائي في الزينة.
3548 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ، وَلاَ بِالأَبْيَضِ الأَمْهَقِ وَلَيْسَ بِالآدَمِ، وَلَيْسَ بِالْجَعْدِ الْقَطَطِ وَلاَ بِالسَّبْطِ. بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأْسِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرَ سِنِينَ، فَتَوَفَّاهُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ عِشْرُونَ شَعْرَةً بَيْضَاءَ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك بن أنس) إمام دار الهجرة الأصبحي (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) الرأي (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) سقط ابن مالك لأبي ذر (أنه سمعه يقول):
(كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليس بالطويل البائن) قال البيضاوي: أي الظاهر البيّن طوله من بان إذا ظهر، وقال ابن الأثير: أي المفرط طولاً (ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق) الكريه البياض بل كان أزهر اللون أي أبيض مشربًا بحمرة (وليس بالآدم) بالمد أي الشديد السمرة (وليس) شعره (بالجعد القطط) الشديد الجعودة (ولا بالسبط) بسكون الموحدة ولأبي ذر: السبط بكسرها ولا بالمسترسل بل كان وسطًا بينهما (بعثه الله على رأس أربعين سنة) وهذا يتجه على القول بأنه ولد في ربيع الأول وبعث في رمضان فيكون له تسع وثلاثون سنة ونصف ويكون قد ألغى الكسر (فأقام بمكة عشر سنين) أي يوحى إليه (وبالمدينة عشر سنين فتوفاه الله) عز وجل (وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء).
3549 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يَقُولُ: "كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا، وَأَحْسَنَهُ خَلْقًا، لَيْسَ بِالطَّوِيلِ الْبَائِنِ وَلاَ بِالْقَصِيرِ".
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن سعيد أبو عبد الله) المروزي الرباطي الأشقر قال: (حدّثنا إسحاق بن منصور) السلولي بفتح المهملة بولاهم أبو عبد الرحمن قال: (حدّثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف بن إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب -رضي الله عنه- (يقول):
(كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحسن الناس وجهًا وأحسنه) قال البرماوي الكرماني وفي بعضها وأحسنهم (خلقًا) بضم الخاء المعجمة وسكون اللام كذا في الفرع وفي اليونينية بفتح الخاء المعجمة وسكون اللام وفي غيرها بضم الخاء واللام أيضًا، وفي فتح الباري بفتح المعجمة للأكثر. وقال الكرماني: انه الأصح، وضبطه ابن التين بضم أوله، وعند الإسماعيلي خَلقًا أو خُلقًا بالشك، والخلق بالضم الطبع والسجية

(6/27)


(ليس بالطويل البائن) المفرط في الطول فهو اسم فاعل من بان أي ظهر أو من بان أي فارق سواه بإفراط طوله (ولا بالقصير) بل كان ربعة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
3550 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: "سَأَلْتُ أَنَسًا: هَلْ خَضَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: لاَ، إِنَّمَا كَانَ شَىْءٌ فِي صُدْغَيْهِ". [الحديث 3550 - طرفاه في: 5894، 5895].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى ابن يحيى بن دينار العوذي بفتح العين المهملة وسكون الواو وكسر الذال المعجمة (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: سألت أنسًا) -رضي الله عنه- (هل خضب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟) شعره (قال: لا) لم يخضب (إنما كان شيء) قليل من الشيب (في صدغيه) بضم الصاد وإسكان الدال المهملتين بعدهما معجمة وبالتثنية ما بين الأذن والعين ويطلق على الشعر المتدلي من الرأس في ذلك الموضع أي فلم يحتج إلى أن يخضب، وهذا كما نبه عليه في الفتح مغاير للحديث السابق أن الشيب كان في عنفقته، وجمع بينهما بحديث مسلم عن أنس لم يخضب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإنما كان البياض في عنفقته وفي الصدغين وفي الرأس نبذ أي متفرق. قال: وعرف من مجموع ذلك أن الذي شاب من عنفقته أكثر مما شاب من غيره.
وهذا الحديث أخرجه النسائي في الزينة.
3551 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرْبُوعًا بَعِيدَ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبَيْنِ، لَهُ شَعَرٌ يَبْلُغُ شَحْمَةَ أُذُنَيهِ، رَأَيْتُهُ.
فِي حُلَّةٍ حَمْرَاءَ لَمْ أَرَ شَيْئًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ". وَقَالَ يُوسُفُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ أَبِيهِ "إِلَى مَنْكِبَيْهِ". [الحديث 3551 - طرفاه في: 5848، 5901].
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحرث بن سخبرة الحوضي النمري البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو السبيعي (عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) سقط ابن عازب لأبي ذر أنه (قال):
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مربوعًا) يقال رجل ربعة ومربوع إذا كان بين الطويل والقصير (بعيد ما بين المنكبين) أي عريض أعلى الظهر (له شعر) في رأسه (يبلغ شحمة أذنيه) بالتثنية لأبي ذر عن الكشميهني ولغيره أذنه (رأيته في حلة) قال في القاموس: الحلة بالضم إزار ورداء ولا يكون حلة إلا من ثوبين أو ثوب له بطانة (حمراء) أي منسوجة بخطوط حمر مع سواد كسائر البرود اليمنية وليست كلها حمراء لأن الأحمر البحت منهي عنه أشدّ النهي، ومبحث ذلك يأتي إن شاء الله تعالى في موضعه من اللباس بعون الله وقوّته. (لم أر شيئًا قط أحسن منه) إذ حقيقة الحسن الكامل فيه لأنه الذي تم معناه دون غيره.
(قال) ولأبي ذر: وقال (يوسف بن أبي إسحاق) نسبة لجده واسم أبيه إسحاق بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبيه) الضمير يرجع إلى إسحاق لا إلى يوسف لأن يوسف لا يروي إلا عن جده أبي إسحاق عمرو بن عبد الله السبيعي أو ذكر الأب مجازًا في روايته عن البراء (إلى منكبيه) بالتثنية أي تبلغ الجمة إلى منكبيه.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في اللباس، ومسلم في الفضائل، وأبو داود في اللباس، والترمذي في الاستئذان والأدب، والنسائي في الزينة.
3552 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: "سُئِلَ الْبَرَاءُ: أَكَانَ وَجْهُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِثْلَ السَّيْفِ؟ قَالَ: لاَ، بَلْ مِثْلَ الْقَمَرِ".
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية (عن أبي إسحاق) السبيعي أنه (قال: سئل البراء) بن عازب -رضي الله عنه-، وعند الإسماعيلي قال له رجل (أكان وجه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثل السيف؟) في الطول واللمعان ولما لم يكن السيف شاملاً للطرفين قاصرًا في تمام المرأى عن الاستدارة والإشراق الكامل والملاحة رده ردًّا بليغًا حيث (قال: لا، بل مثل القمر) في الحسن والملاحة والتدوير وعدل إلى القمر لجمعه الصفتين التدوّر واللمعان. وعند مسلم من حديث جابر بن سمرة قال: لا بل مثل الشمس أي في نهاية الإشراق والقمر أي في الحسن، وزاد: وكان مستديرًا تنبيهًا على أنه أراد التشبيه بالصفتين معًا الحسن والاستدارة لأن التشبيه بالقمر إنما يراد به الملاحة فقط.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي في المناقب.
3553 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ مَنْصُورٍ أَبُو عَلِيٍّ حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الأَعْوَرُ بِالْمَصِّيصَةِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ الْحَكَمِ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ: "خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْهَاجِرَةِ إِلَى الْبَطْحَاءِ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ". قَالَ شُعْبَةُ: وَزَادَ فِيهِ عَوْنٌ عَنْ أَبِيهِ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ: "كَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْمَارَّةُ. وَقَامَ النَّاسُ فَجَعَلُوا يَأْخُذُونَ يَدَيْهِ فَيَمْسَحُونَ بِهمَا وُجُوهَهُمْ، قَالَ: فَأَخَذْتُ بِيَدِهِ فَوَضَعْتُهَا عَلَى وَجْهِي، فَإِذَا هِيَ أَبْرَدُ مِنَ الثَّلْجِ وَأَطْيَبُ رَائِحَةً مِنَ الْمِسْكِ".
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن منصور أبو علي) البغدادي الشطوي بفتح الشين المعجمة والطاء المهملة قال: (حدّثنا حجاج بن محمد الأعور بالمصيصة) بفتح الميم والصاد المهملة المشددة الأولى وتخفيف الثانية مفتوحة كذا في الفرع وفي أصله بالتخفيف مع فتح الميم، وفي نسخة الناصرية بفتح الميم مخففة الصاد مدينة بناها أبو جعفر المنصور على نهر جيحان قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم

(6/28)


العين المهملة وفتح الفوقية وسكون التحتية بعدها موحدة أنه (قال: سمعت أبا جحيفة) بضم الجيم وفتح الحاء المهملة وبعد التحتية الساكنة فاء وهب بن عبد الله السوائي (قال: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من قبة حمراء من أدم بالأبطح من مكة (بالهاجرة) في وسط النهار عند شدة الحر (إلى البطحاء) المسيل الواسع الذي فيه دقاق الحصى (فتوضأ ثم صلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين) قصرًا للسفر (وبين يديه عنزة) بفتحات أقصر من الرمح وأطول من العصا فيها زج.
(وزاد فيه) ولأبي ذر قال شعبة بن الحجاج بالسند السابق وزاد فيه (عون) بفتح العين المهملة وبعد الواو الساكنة نون (عن أبيه أبي جحيفة) وهب بن عبد الله. قال الكرماني: وما وقع في بعض النسخ عون عن أبيه عن جحيفة سهو لأن عونًا هو ابن أبي جحيفة (قال: كان يمر من ورائها) أي من وراء العنزة (المارّة وقام الناس) إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فجعلوا يأخذون يديه) بالحنية (فيمسحون بها) بالإفراد، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بهما (وجوههم) تبركًا (قال): أبو جحيفة (فأخذت بيده فوضعتها على وجهي فإذا هي أبرد من الثلج) لصحة مزاجه الشريف وسلامته من العلل (وأطيب رائحة من المسك) وكانت هذه صفته عليه الصلاة والسلام وإن لم يمس طيبًا حتى كان ما رواه أبو نعيم والبزار بإسناد صحيح إذا مرّ في طريق من طرق المدينة وجدوا منه رائحة الطيب. وقالوا: مرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من هذا الطريق ولله درّ القائل:
فمن طيبه طابت له طرقاته
وقالت عائشة: كان عرقه في وجهه مثل الجمان أطيب من المسك الأذفر. رواه أبو نعيم.
وحديث الباب سبق في الوضوء في باب: استعمال فضل وضوء الناس.
3554 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدَ النَّاسِ، وَأَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ".
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: حدّثني) بالإفراد (عبد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء السبعة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال): (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجود الناس وأجود ما يكون في رمضان) بنصب أجود الثاني في الفرع، وفي اليونينية بضمها وفي الناصرية بالوجهين.
قال التوربشتي: كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يسمح بالموجود لكونه مطبوعًا على الجود مستغنيًّا عن الفانيات بالباقيات الصالحات إذا بدا له عرض من أعراض الدنيا لم يعره مؤخر عينيه وإن عز وكثر يبذل المعروف قبل أن يسأل، وكان إذا أحسن عاد، وإذا وجد جاد، فإذا لم يجد وعد ولم يخلف الميعاد، وكان يظهر منه آثار ذلك في رمضان أكثر مما يظهر منه في غيره.
(حين يلقاه جبريل) أمين الوحي ويتابع إمداد الكرامة عليه فيجد في مقام البسط حلاوة الوجد فينعم على عباد الله مما أنعم الله عليه ويحسن إليهم كما أحسن الله إليه بتعليم جاهلهم وإطعام جائعهم إلى غير ذلك مما لا يعد ولا يحدّ شكرًا لله على ما آتاه الله أفضل ما جازى نبيًّا عن أمته (وكان جبريل عليه السلام يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن) ليتقرر عنده ويرسخ فلا ينساه ويتخلق به في الجود وغيره (فلرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي فبسبب ما ذكر هو عليه الصلاة والسلام (أجود بالخير من الريح المرسلة) بفتح السين التي أرسلت بالبشرى بين يدي رحمته وذلك لعموم نفعها فلذا أشبه جوده عليه الصلاة والسلام بالخير في العباد بنشر الريح القطر في البلاد وشتان ما بين الأثرين فإن أحدهما يحيي القلب بعد موته والآخر يحيي الأرض بعد موتها.
وهذا الحديث قد سبق في أول الكتاب وفي الصيام.
3555 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بن موسى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا مَسْرُورًا تَبْرُقُ أَسَارِيرُ وَجْهِهِ فَقَالَ: أَلَمْ تَسْمَعِي مَا قَالَ الْمُدْلِجِيُّ لِزَيْدٍ وَأُسَامَةَ -وَرَأَى أَقْدَامَهُمَا-: إِنَّ بَعْضَ هَذِهِ الأَقْدَامِ مِنْ بَعْضٍ». [الحديث 3555 - أطرافه في: 3731، 6770، 6771].
وبه قال: (حدّثنا يحيى) غير منسوب. قال العيني كالكرماني والبرماوي: هو إما ابن موسى الختي بفتح الخاء المعجمة وتشديد المثناة الفوقية المكسورة، وإما ابن جعفر بني أعين. انتهى.
والصواب: أنه الختي وصرح به في رواية أبي ذر قال: يحيى بن موسي

(6/29)


كما فى الفرع وأصله وهو رواية ابن السكن واسم جده عبد الله بن سالم قال: (حدّثنا عبد الرزاق بن همام) قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها) حال كونه (مسرورًا) فرحًا (تبرق) بضم الراء تضيء وتستنير من الفرح (أسارير وجهه) يعني خطوط وجهه التي في جبينه تبرق عند الفرح واحدها سرّ بكسر السين وجمعه أسرار فأسارير جمع الجمع (فقال):
(ألم تسمعي ما قال المدلجي) بضم الميم وسكون الدال المهملة وبعد اللام المكسورة جيم فتحتية مشددة واسمه مجزز بميم مضمومة فجيم مفتوحة فزاي مكسورة مشددة فزاي أخرى (لزيد وأسامة) ابنه وكانوا يقدحون في نسب أسامة لكونه أسود وزيد أبيض، فقال مجزز المدلجي حين رآهما نائمين تحت قطيفة (ورأى أقدامهما) قد بدت من تحت القطيفة (إن بعض هذه الأقدام من بعض) فقضى بلحاق نسبه وكانوا يعتمدون قول القائف ففرح -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأن في ذلك زجرًا لهم عن القدح في الأنساب.
واستدلّ بذلك على العمل بالقيافة حيث يشتبه إلحاق الولد بأحد الواطئين في طهر واحد لأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرّ بذلك. قال إمامنا الشافعي رحمه الله: ولا يسر بباطل، وخالف أبو حنيفة وأصحابه، والمشهور عن مالك إثباته في الإماء ونفيه في الحرائر، واحتج أبو حنيفة بقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم} [الإسراء: 36]. وليس في حديث المدلجي دليل على الحكم بقول القافة لأن أسامة كان نسبه ثابتًا قبل ذلك، وإنما تعجب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من إصابة المدلجي.
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا والغرض منه هنا قوله: تبرق أسارير وجهه.
3556 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: "سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ تَبُوكَ قَالَ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ".
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا واسم أبي يحيى عبد الله قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري التابعي (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب) أي الخطاب السلمي المدني التابعي (أن) أباه (عبد الله بن كعب) التابعي (قال: سمعت) أبي (كعب بن مالك) الأنصاري الخزرجي (يحدث حين تخلف عن) غزوة (تبوك قال: فلما سلمت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يبرق وجهه من السرور) فرحًا بتوبة الله على كعب (وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سرّ استنار وجهه) أي أضاء (حتى كأنه) أي الموضع الذي يتبين فيه السرور وهو جبينه (قطعة قمر).
فإن قلت: لِمَ عدل عن تشبيه وجهه الشريف بالقمر إلى تشبيهه بقطعة قمر؟ أجاب الشيخ سراج الدين البلقيني بأن وجه العدول أن القمر فيه قطعة يظهر فيها سواد وهو المسمى بالكلف، فلو شبه بالمجموع لدخلت هذه القطعة في المشبه به، وغرضه إنما هو التشبيه على أكمل الوجوه فلذلك قال: كأنه قطعة قمر يريد القطعة الساطعة الإشراق الخالية من شوائب الكدر انتهى.
وقيل: إن الاشارة إلى موضع الاستنارة وهو الجبين وفيه يظهر السرور كما قالت عائشة: مسرورًا تبرق أسارير وجهه فكأن التشبيه وقع على بعض الوجه، فناسب أن يشبه ببعض القمر، لكن قد أخرج الطبراني حديث كعب بن مالك من طرق في بعضها كأنه دارة قمر. وأما حديث جبير بن مطعم عند الطبراني أيضًا التفت إلينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بوجه مثل شقة القمر فهو محمول على صفته عند الالتفات.
(وكنا نعرف ذلك منه) أي استنارة وجهه إذا سر وجزاء قوله فلما سلمت محذوف أي قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أبشرًا" كما سيأتي إن شاء الله تعالى في غزوة تبوك.
وقد ساقه هنا مختصرًا جدًّا، وأخرجه في مواضع من الوصايا والجهاد ووفود الأنصار ومواضع من التفسير والأحكام والمغازي مطولاً ومختصرًا، ومسلم في التوبة والطلاق والنسائي.
3557 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بُعِثْتُ مِنْ خَيْرِ قُرُونِ بَنِي آدَمَ قَرْنًا فَقَرْنًا حَتَّى كُنْتُ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي كُنْتُ فِيهِ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي مولاهم قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد الله بن عبد القارئ بتشديد التحتية المدني نزيل الاسكندرية حليف بني زهرة (عن عمرو) بفتح

(6/30)


العين ابن أبي عمرو بفتح العين أيضًا واسمه ميسرة مولى المطلب (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(بُعثت من خير قرون بني آدم قرنًا فقرنًا) بفتح القاف الطبقة من الناس مجتمعين في عصر واحد، وقيل سمي قرنًا لأنه يقرن أمة بأمة وعالمًا بعالم وهو مصدر قرنت وجعل اسمًا للوقت أو لأهله، وقيل القرن ثمانون سنة، وقيل أربعون، وقيل مائة. (حتى كنت من القرن الذي كنت فيه) ولأبي ذر: منه. وحتى غاية لقوله بعثت، والمراد بالبعث تقلبه في أصلاب الآباء أبًا فأبًا قرنًا فقرنًا حتى ظهر في القرن الذي وجد فيه، أي: انتقلت أوّلاً من صلب ولد إسماعيل، ثم من كنانة، ثم من قريش، ثم من بني هاشم، فالفاء في قوله: فقرنًا للترتيب في الفضل على سبيل الترقي من الآباء من الأبعد إلى الاقرب فالأقرب كما في قولهم: خذ الأفضل فالأكمل وأعمل الأحسن فالأجمل.
وهذا الحديث من أفراده.
3558 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بن عتبة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما-: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَسْدِلُ شَعَرَهُ، وَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يَفْرُقُونَ رُءُوسَهُمْ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ يَسْدِلُونَ رُءُوسَهُمْ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحِبُّ مُوَافَقَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِيمَا لَمْ يُؤْمَرْ فِيهِ بِشَىْءٍ، ثُمَّ فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأْسَهُ". [الحديث 3588 - طرفاه في: 3944، 5917].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله بن عبد الله) بتصغير عبد الله الأول ابن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسدل شعره) بفتح التحتية وسكون السين وكسر الدال المهملتين ويجوز ضم الدال أي يرسل شعر ناصيته على جبهته (وكان المشركون يفرقون) بكسر الراء؛ ولأبي ذر: يفرقون بضمها (رؤوسهم) أي يلقون شعر رؤوسهم إلى جانبيه ولا يتركون منه شيئًا على جبهتهم (فكان) بالفاء، ولأبي ذر: وكان (أهل الكتاب يسدلون رؤوسهم) يرسلون شعر نواصيهم على جباههم (وكان) بالواو، ولأبي ذر: فكان (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب موافقة أهل الكتاب) لأنهم كانوا على بقية من دين الرسل فكانت موافقتهم أحب إليه من موافقة عباد الأوثان (فيما لم يؤمر فيه بشيء) أي فيما لم يخالف شرعه (ثم فرق) بالتخفيف (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأسه) أي شعر رأسه أي ألقاه إلى جانبي رأسه فلم يترك منه شيئًا على جبهته بعدما سدل لأمر أمر به.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الهجرة واللباس، ومسلم في الفضائل، وأبو داود في الترجل، والترمذي في الشمائل، والنسائي في الزينة، وابن ماجه في اللباس.
3559 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو -رضي الله عنهما- قَالَ: «لَمْ يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاحِشًا وَلاَ مُتَفَحِّشًا، وَكَانَ يَقُولُ: إِنَّ مِنْ خِيَارِكُمْ أَحْسَنَكُمْ أَخْلاَقًا». [الحديث 3559 - أطرافه في: 3759، 6029، 6035].
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان المروزي (عن أبي حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن ميمون اليشكري المروزي (عن الأعمش) سليمان (عن أبي وائل) بالهمزة شقيق بن سلمة (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عبد الله بن عمرو) بفتح العين ابن العاصي (رضي الله عنهما) أنه (قال: لم يكن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاحشًا) ناطقًا بالفحش وهو الزيادة على الحدّ في الكلام السيئ (ولا متفحشًا) ولا متكلفًا للفحش نفى عنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قول الفحش والتفوّه به طبعًا وتكلفًا (وكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول):
(إن من خياركم أحسنكم أخلاقًا) حسن الخلق احتياز الفضائل واجتناب الرذائل وهل هو غريزة أو مكتسب، واستدلّ القائل بأنه غريزة بحديث ابن مسعود عند البخاري أن الله قسم بينكم أخلاقكم كما قسم بينكم أرزاقكم.
وحديث الباب أخرجه أيضًا في الأدب ومسلم في الفضائل والترمذي في البر.
3560 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّهَا قَالَتْ: "مَا خُيِّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلاَّ أَخَذَ أَيْسَرَهُمَا مَا لَمْ يَكُنْ إِثْمًا، فَإِنْ كَانَ إِثْمًا كَانَ أَبْعَدَ النَّاسِ مِنْهُ، وَمَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِنَفْسِهِ، إِلاَّ أَنْ تُنْتَهَكَ حُرْمَةُ اللَّهِ فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ بِهَا". [الحديث 3560 - أطرافه في: 6126، 6786، 6853].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت):
(ما خيّر) بضم الخاء المعجمة وكسر التحتية المشددة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أمرين) من أمور الدنيا (إلا أخذ أيسرهما) أسهلهما وأبهم فاعل خير ليكون أعم من قبل الله أو من قبل المخلوقين (ما لم يكن) أيسرهما (إثمًا) أي يفضي إلى الإثم (فإن كان) الأيسر (إثمًا كان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أبعد الناس عنه) كالتخيير بين المجاهدة والعبادة والاقتصاد فيها فإن المجاهدة إن كانت تجرّ إلى الهلاك لا تجوز أو التخيير بين أن يفتح عليه

(6/31)


من كنوز الأرض ما يخشى من الاشتغال به أن لا يتفرع للعبادة وبين أن لا يؤتيه من الدنيا إلا الكفاف وإن كانت السعة أسهل منه. قال في الفتح: والإثم على هذا أمر نسبي لا يراد منه معنى الخطيئة لثبوت العصمة.
(وما انتقم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنفسه) خاصة كعفوه عن الرجل الذي جفا في رفع صوته عليه وقال: إنكم يا بني عبد المطلب مطل. رواه الطبراني وعن الآخر الذي جبذه بردائه حتى أثر في كتفه رواه البخاري. (إلا أن تنتهك) بضم الفوقية وسكون النون وفتح الفوقية والهاء أي لكن إذا انتهكت (حرمة الله) عز وجل (فينتقم لله) لا لنفسه ممن ارتكب تلك الحرمة (بها) أي بسببها لا يقال إنه انتقم لنفسه حيث أمر بقتل عبد الله بن خطل وعقبة بن أبي معيط وغيرهما ممن كان يؤذيه لأنهم كانوا مع ذلك ينتهكون حرمات الله.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب، ومسلم في الفضائل، وأبو داود في الأدب.
3561 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلاَ دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلاَ شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ -أَوْ عَرْفًا قَطُّ- أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ -أَوْ عَرْفِ- النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-".
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن ثابت) البناني (عن أنس رضي الله عنه) أنه (قال):
(ما مسست) بكسر السين المهملة الأولى وتفتح وتسكين الثانية (حريرًا ولا ديباجًا) بكسر الدال المهملة وتفتح وهذا من عطف الخاص على العام لأن الديباج نوع من الحرير (ألين من كف
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي حديث ابن أبي هالة عند الترمذي في صفته عليه الصلاة والسلام أنه كان شئن الكفّين أي غليظهما في خشونة وجمع بينهما بأن المراد اللين في الجلد والغلظ في العظام فيكون قويّ البدن ناعمه. (ولا شممت) بفتح الشين المعجمة وكسر الميم الأولى وتفتح وتسكين الثانية (ريحًا قط) أو قال (عرفًا قط) بفتح العين المهملة وبعد الراء الساكنة فاء بالشك من الراوي (أطيب من ريح) رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أو) قال (عرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالفاء أيضًا، ووقع في بعض الروايات أو عرق بفتح الراء وبعدها قاف فأو على هذا للتنويع، لكن المعروف الأول وهو الريح الطيب.
وهذا الحديث من أفراده نعم أخرجه مسلم بمعناه.
3562 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ شُعْبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي عُتْبَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشَدَّ حَيَاءً مِنَ الْعَذْرَاءِ فِي خِدْرِهَا". [الحديث 3562 - طرفاه في: 6102، 6119].
حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى وَابْنُ مَهْدِيٍّ قَالاَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ مِثْلَهُ، "وَإِذَا كَرِهَ شَيْئًا عُرِفَ فِي وَجْهِهِ".
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد الأسدي البصري قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة السلمي (عن عبد الله بن أبي عتبة) بضم العين المهملة وسكون الفوقية وفتح الموحدة مولى أنس بن مالك (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال):
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشد حياء) نصب على التمييز وهو تغير وانكسار عند خوف ما يعاب أو يذم (من العذراء) بالذال المعجمة البكر لأن عذرتها وهي جلدة البكارة باقية إذا دخل عليها (في خدرها) بكسر الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة أي في سترها الذي يكون في جنب البيت وهو من باب التتميم لأن العذراء في الخلوة يشتد حياؤها أكثر مما تكون خارجة عنها لكون الخلوة مظنة وقوع الفعل بها، ومحل وجود الحياء منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غير حدود الله.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأدب، ومسلم في فضانل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة بندار قال: (حدّثنا يحيى) القطان (وابن مهدي) عبد الرحمن (قالا: حدّثنا شعبة) بن الحجاج (مثله) مثل الحديث السابق متنًا وإسنادًا، وزاد محمد بن بشار على رواية مسدد في رواية عبد الرحمن بن مهدي وحده (وإذا كره) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (شيئًا عرف في وجهه) لتغيره بسبب ذلك.
3563 - حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "مَا عَابَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَعَامًا قَطُّ، إِنِ اشْتَهَاهُ أَكَلَهُ، وَإِلاَّ تَرَكَهُ".
[الحديث 3563 - طرفه في: 5409].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدثنا (عليّ بن الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة الجوهري البغدادي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن الأعمش) سليمان (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمان الأشجعي وليس هو أبا حازم سلمة بن دينار صاحب سهل بن سعد (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال):
(ما عاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طعامًا) مباحًا (قط) كأن يقول مالح قليل الملح ونحوهما (إن اشتهاه أكله وإلاّ)

(6/32)


أي وإن لم يشتهه (تركه) فإن كان حرامًا عابه وذمه ونهى عنه، وأما قوله للضب لا ولم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه فبيان لكراهته لا إظهار عيبه.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الأطعمة، وكذا مسلم وأبو داود وابن ماجه وأخرجه الترمذي في السير.
3564 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ ابْنِ بُحَيْنَةَ الأَسْدِيِّ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا سَجَدَ فَرَّجَ بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى نَرَى إِبْطَيْهِ".
قَالَ: وَقَالَ ابْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا بَكْرٌ: "بَيَاضَ إِبْطَيْهِ".
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) أبو رجاء الثقفي مولاهم قال: (حدّثنا بكر بن مضر) بسكون الكاف بعد الموحدة ومضر بالضاد المعجمة المفتوحة بعد ضم ابن محمد بن حكيم المصري (عن جعفر بن ربيعة) بن شراحيل المصري (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن عبد الله بن مالك) بالتنوين (ابن بحينة) بإثبات ألف ابن وبحينة بضم الباء الموحدة وفتح المهملة وبعد التحتية الساكنة نون أم عبد الله فهي صفة له لا لمالك (الأسدي) بفتح الهمزة وسكون السين المهملة وأصله الأزدي لأنه من أزد شنوءة فأبدلت الزاي سينًا وغلط الداودي وتبعه الزركشي فقالا بفتح السين وغلطا البخاري فيه فلم يصيبا في ذلك أنه (قال):
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا سجد فرج بين يديه) بتشديد الراء في اليونينية وفرعها وفي الناصرية بتخفيفها (حتى نرى إبطيه) بالنون (قال: وقال ابن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن بكير وسقط قال الأولى لأبي ذر (حدّثنا بكر) هو ابن مضر بالحديث السابق وقال (بياض إبطيه) فزاد فيه لفظ بياض.
وهذا الحديث سبق في باب يبدي ضبعيه من كتاب الصلاة.
3565 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُمْ "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ لاَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَىْءٍ مِنْ دُعَائِهِ إِلاَّ فِي الاِسْتِسْقَاءِ
فَإِنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ إِبْطَيْهِ". وَقَالَ أَبُو مُوسَى: "دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَرَفَعَ يَدَيهِ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الأعلى بن حماد) أبو يحيى النرسي بالنون المفتوحة والراء الساكنة والسين المهملة قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا أبو معاوية البصري قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (أن أنسًا -رضي الله عنه- حدثهم):
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان لا يرفع يديه) رفعًا بليغًا (في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء فإنه كان يرفع يديه) رفعًا بليغًا (حتى يرى) بضم التحتية مبنيًّا للمجهول (بياض إبطيه) مفعول ناب عن الفاعل، ولأبي ذر مما ليس في الفرع ولا أصله بالنون المفتوحة بياض نصب على المفعولية، واستدل به على أن إبطه أبيض غير متغير اللون، وعدّه الطبري والأسنوي في المهمات من الخصائص، وتعقبه ابن العراقي بأنه لم يثبت بوجه من الوجوه والخصائص لا تثبيت بالاحتمال، ولا يلزم من ذكر أنس وغيره بياض إبطيه أن لا يكون له شعر فإن الشعر إذا نتف بقي المكان أبيض وإن بقي فيه آثار الشعر.
وفي حديث عبد الله بن أقرم الخزاعي عند الترمذي وحسنه أنه صلّى مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: كنت أنظر إلى عفرة إبطيه إذا سجد، والعفرة بياض ليس بالناصع وهذا يدل على أن آثار الشعر هو الذي يجعل المكان أعفر، وإلاّ فلو كان خاليًا عن نبات الشعر جملة لم يكن أعفر. نعم الذي يعتقد أنه لم يكن لإبطه رائحة كريهة.
وهذا الحديث قد سبق في الاستسقاء وزاد أبو ذر هنا قال أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورفع يديه ورأيت بياض إبطيه بالتثنية أيضًا.
3566 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الصَّبَّاحِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَوْنَ بْنَ أَبِي جُحَيْفَةَ ذَكَرَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: "دُفِعْتُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ بِالأَبْطَحِ فِي قُبَّةٍ كَانَ بِالْهَاجِرَةِ، خَرَجَ بِلاَلٌ فَنَادَى بِالصَّلاَةِ، ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ فَضْلَ وَضُوءِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَعَ النَّاسُ عَلَيْهِ يَأْخُذُونَ مِنْهُ، ثُمَّ دَخَلَ فَأَخْرَجَ الْعَنَزَةَ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى وَبِيصِ سَاقَيْهِ، فَرَكَزَ الْعَنَزَةَ ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، وَالْعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ, يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ".
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن الصباح) بفتح الحاء والسين ابن الصباح بالصاد المهملة والموحدة المشدّدة البزار بتقديم الزاء على الراء الواسطي البغدادي قال: (حدّثنا محمد بن سابق) هو من شيوخ المصنف روي عنه هنا بالواسطة قال: (حدّثنا مالك بن مغول) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وبعد الواو المفتوحة لام ابن عاصم البجلي الكوني (قال: سمعت عون بن أبي جحيفة ذكر عن أبيه) أبي جحيفة وهب بن عبد الله أنه (قال: دفعت) بضم الدال المهملة مبنيًّا للمفعول أي وصلت من غير قصد (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بالأبطح) خارج مكة منزل الحاج إذا رجع من منى والجملة حالية (في قبة كان بالهاجرة) عند اشتداد الحرّ والجملة استئناف أو حال (خرج) ولأبي ذر:
فخرج (بلال فنادى بالصلاة ثم دخل) أي بلال (فأخرج فضل وضوء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الواو الماء الذي توضأ به (فوقع الناس عليه) أي على فضل

(6/33)


وضوئه عليه الصلاة والسلام (يأخذون منه) للتبرك لكونه مسّ جسده الشريف (ثم دخل) بلال (فأخرج العنزة) بفتح العين المهملة والنون والزاي عصا طويلة فيها زج (وخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من القبة (كأني أنظر إلى وبيص ساقيه) بفتح الواو وكسر الموحدة وبعد التحتية الساكنة صاد مهملة أي بريقهما وهذا هو المراد من هذا الحديث هنا (فركز العنزة) قدامه بالأرض (ثم صلّى الظهر ركعتين والعصر ركعتين) قصرًا للسفر (يمر بين يديه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الحمار والمرأة).
وسبق الحديث في باب استعمال فضل وضوء الناس من كتاب الوضوء.
3567 - حَدَّثَنا الْحَسَنُ بْنُ صَبَّاحٍ الْبَزَّارُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يُحَدِّثُ حَدِيثًا لَوْ عَدَّهُ الْعَادُّ لأَحْصَاهُ". [الحديث 3567 - طرفه في: 3568].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر كما في اليونينية لا في فرعها حدّثنا (الحسن بن الصباح) بالتعريف في الفرع وبالتنكير في أصله وهو بالصاد المهملة والموحدة المشدّدة. قال العيني: وهو السابق أو السابق الحسن بن محمد بن الصباح الزعفراني ونسبه إلى جده (البزار) بتقديم الزاي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يحدث حديثًا لو عدّه العادّ لأحصاه) لمبالغته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الترتيل والتفخيم بحيث لو أراد المستمع عدّ كلماته أو حروفه لأمكنه ذلك لوضوحه وبيانه لا يقال فيه اتحاد الشرط والجزاء لأنه كقوله تعالى: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} [النحل: 18]. وقد فسر بلا تطيقوا عدها وبلوغ آخرها.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود.
3568 - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: "أَلاَ يُعْجِبُكَ أَبُو فُلاَنٍ جَاءَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِ حُجْرَتِي يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُسْمِعُنِي ذَلِكَ، وَكُنْتُ أُسَبِّحُ، فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي، وَلَوْ أَدْرَكْتُهُ لَرَدَدْتُ عَلَيْهِ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ".
(وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الذهلي في الزهريات عن أبي صالح عن الليث (حدّثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري (أنه قال: أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير عن عائشة) -رضي الله عنه- (أنها قالت) لعروة (ألا) بالتخفيف وفتح الهمزة (يعجبك) بضم التحتية وإسكان العين المهملة من الإعجاب (أبو فلان) بالرفع فاعل وهو أبو هريرة كما في مسلم وغيره ولأبي ذر: أبا فلان. قال القاضي عياض: هو منادى بكنيته، ورواه الحافظ
ابن حجر بأن عائشة إنما خاطبت عروة بقولها: ألا يعجبك ثم ذكرت له المتعجب منه وقالت أبا فلان، ولكنه جاء أبا بالألف على اللغة القليلة نحو: ولو ضربه بأبا قيس ثم حكت وجه التعجب فقالت: (جاء) أي أبو هريرة (فجلس إلى جانب حجرتي) حال كونه (يحدث عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يسرد حديثه حال كونه (يسمعني ذلك وكنت أسبح) أصلي نافلة أو على ظاهره أي أذكر الله والأول أوجه كما لا يخفى (فقام قبل أن أقضي سبحتي ولو أدركته لرددت عليه) أي لأنكرت عليه سرده وبينت له أن الترتيل في الحديث أولى من السرد (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يكن يسرد الحديث كسردكم) أي لم يكن يتابع الحديث بحديث استعجالاً بل كان يتكلم بكلام واضح مفهوم على سبيل التأني خوف التباسه على المستمع كان يعيد الكلمة ثلاثًا لتفهم عنه.

24 - باب كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَنَامُ عَيْنُهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ عَنْ جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
هذا (باب) بالتنوين (كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تنام عينه) بالإفراد، ولأبي ذر عن الكشميهني: عيناه بالتثنية (ولا ينام قلبه) ليعي الوحي إذا أوحي إليه في منامه. قال عبيد بن عمير رؤيا الأنبياء وحي ثم قرأ: {إني أرى في المنام أني أذبحك} [الصافات: 102]. (رواه) أي حديث تنام عينه ولا ينام قلبه (سعيد بن ميناء) بكسر الميم وسكون التحتية ممدودًا (عن جابر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيما وصله في كتاب الاعتصام مطولاً.
3569 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ «أَنَّهُ سَأَلَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-: كَيْفَ كَانَتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ؟ قَالَتْ: مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلاَ غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً: يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ أَرْبَعًا فَلاَ تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ، ثُمَّ يُصَلِّي ثَلاَثًا. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ تَنَامُ قَبْلَ أَنْ تُوتِرَ؟ قَالَ: تَنَامُ عَيْنِي وَلاَ يَنَامُ قَلْبِي».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن سعيد المقبري) بضم الموحدة (عن أبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أنه سأل عائشة -رضي الله عنها- كيف كانت صلاة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في) ليالي (رمضان؟ قالت: ما كان يزيد في) ليالي (رمضان ولا في) ليالي (غيره على إحدى عشرة ركعة) أي غير ركعتي الفجر، وثبت في من قوله ولا في غيره لأبي ذر وسقطت لغيره (يصلّي أربع ركعات فلا تسأل عن حسنهن وطولهن) أي هن مستغنيات لظهور حسنهن وطولهن عن السؤال عنه

(6/34)


والوصف (ثم يصلّي أربعًا) أخرى (فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلّي ثلاثًا) قالت (فقلت يا رسول الله تنام قبل أن توتر؟) استفهام محذوف الأداة (قال): عليه الصلاة والسلام:
(تنام عيني) بالإفراد (ولا ينام قلبي) وهذا من خصائصه فيقظة قلبه تمنعه من الحدث. وهذا الحديث قد سبق في التهجد.
3570 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ شَرِيكِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي نَمِرٍ: "سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يُحَدِّثُنَا عَنْ لَيْلَةِ أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَسْجِدِ الْكَعْبَةِ: جَاءَ ثَلاَثَةُ نَفَرٍ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ -وَهُوَ نَائِمٌ فِي مَسْجِدِ الْحَرَامِ- فَقَالَ أَوَّلُهُمْ: أَيُّهُمْ هُوَ؟ فَقَالَ أَوْسَطُهُمْ: هُوَ خَيْرُهُمْ. وَقَالَ آخِرُهُمْ: خُذُوا خَيْرَهُمْ فَكَانَتْ تِلْكَ. فَلَمْ يَرَهُمْ حَتَّى جَاءُوا لَيْلَةً أُخْرَى فِيمَا يَرَى قَلْبُهُ، وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَائِمَةٌ عَيْنَاهُ وَلاَ يَنَامُ قَلْبُهُ، وَكَذَلِكَ الأَنْبِيَاءُ تَنَامُ أَعْيُنُهُمْ وَلاَ تَنَامُ قُلُوبُهُمْ. فَتَوَلاَّهُ جِبْرِيلُ، ثُمَّ عَرَجَ بِهِ إِلَى السَّمَاءِ". [الحديث 3570 - أطرافه في: 4964، 5610، 6581، 7517].
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (أخي) عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن شريك بن عبد الله بن أبي نمر) بفتح النون وكسر الميم أنه قال: (سمعت أنس بن مالك يحدّثنا عن ليلة أسري بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مسجد الكعبة) إلى بيت المقدس أنه (جاء) بإسقاط الضمير ولأبوي الوقت وذر: جاءه (ثلاثة نفر) من الملائكة. قال ابن حجر: لم أتحقق أسماءهم، وقال غيره هم: جبريل وميكائيل وإسرافيل ولم يذكر مستندًا يعول عليه (قبل أن يوحى إليه).
استشكل بأن الإسراء كان بعد المبعث بلا ريب فكيف يقول قبل أن يوحى إليه فهو غلط من شريك لم يوافق عليه وليس هو بالحافظ لا سيما وقد انفرد بذلك عن أنس ولم يرو ذلك غيره من الحفاظ؟ وأجيب على تقدير الصحة: بأنه لم يؤت عقب تلك الليلة بل بعد بسنتين لأنه إنما أسري به قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل غير ذلك مما يأتي إن شاء الله تعالى.
(وهو) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نائم في مسجد الحرام) بتنكير الأول وتعريف الثاني بين اثنين حمزة وجعفر (فقال أولهم): أول النفر (أيهم هو؟) أي الثلاثة محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال أوسطهم هو خيرهم) يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كان نائمًا بين الاثنين (وقال آخرهم): أي آخر النفر الثلاثة (خذوا خيرهم) للعروج به إلى السماء (فكانت تلك) أي القصة أي لم يقع في تلك الليلة غير ما ذكر من الكلام (فلم يرهم) عليه الصلاة والسلام (حتى جاؤوا) إليه (ليلة أخرى فيما يرى قلبه والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نائمة عيناه ولا ينام قلبه) تمسك بهذا من قال إنه رؤيا منام ولا حجة فيه إذ قد يكون ذلك حاله أول وصول الملك إليه، وليس في الحديث ما يدل على كونه نائمًا في القصة كلها، وقد قال عبد الحق رواية شريك أنه قال كان نائمًا زيادة مجهولة (وكذلك الأنبياء تنام أعينهم ولا تنام قلوبهم فتولاه) عليه الصلاة والسلام (جبريل ثم عرج به إلى السماء). كذا ساقه هنا مختصرًا ويأتي إن شاء الله تعالى مع مباحثه في موضعه، وقد أخرجه مسلم في الإيمان.

25 - باب عَلاَمَاتِ النُّبُوَّةِ فِي الإِسْلاَمِ
(باب علامات النبوّة) الواقعة (في) زمن (الإسلام) من حين البعث دون ما وقع منها قبل، وعبّر بالعلامات لتشمل المعجزات التي هي خوارق عادات مع التحدي والكرامات.
3571 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا سَلْمُ بْنُ زَرِيرٍ سَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ قَالَ: «حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَسِيرٍ فَأَدْلَجُوا لَيْلَتَهُمْ، حَتَّى إِذَا كَانَ وَجْهُ الصُّبْحِ عَرَّسُوا، فَغَلَبَتْهُمْ أَعْيُنُهُمْ حَتَّى ارْتَفَعَتِ الشَّمْسُ، فَكَانَ أَوَّلَ مَنِ اسْتَيْقَظَ مِنْ مَنَامِهِ أَبُو بَكْرٍ -وَكَانَ لاَ يُوقَظُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مَنَامِهِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ- فَاسْتَيْقَظَ عُمَرُ، فَقَعَدَ أَبُو بَكْرٍ عِنْدَ رَأْسِهِ فَجَعَلَ يُكَبِّرُ وَيَرْفَعُ صَوْتَهُ حَتَّى اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَنَزَلَ وَصَلَّى بِنَا الْغَدَاةَ، فَاعْتَزَلَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لَمْ يُصَلِّ مَعَنَا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: يَا فُلاَنُ مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تُصَلِّيَ مَعَنَا؟ قَالَ: أَصَابَتْنِي جَنَابَةٌ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ بِالصَّعِيدِ ثُمَّ صَلَّى، وَجَعَلَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَكُوبٍ بَيْنَ يَدَيْهِ وَقَدْ عَطِشْنَا عَطَشًا شَدِيدًا، فَبَيْنَمَا نَحْنُ نَسِيرُ إِذَا نَحْنُ بِامْرَأَةٍ سَادِلَةٍ رِجْلَيْهَا بَيْنَ مَزَادَتَيْنِ، فَقُلْنَا لَهَا: أَيْنَ الْمَاءُ؟ فَقَالَتْ: إِنَّهُ لاَ مَاءَ. فَقُلْنَا: كَمْ بَيْنَ أَهْلِكِ وَبَيْنَ الْمَاءِ؟ قَالَتْ: يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ. فَقُلْنَا: انْطَلِقِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قَالَتْ: وَمَا رَسُولُ اللَّهِ؟ فَلَمْ نُمَلِّكْهَا مِنْ أَمْرِهَا حَتَّى اسْتَقْبَلْنَا بِهَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَحَدَّثَتْهُ بِمِثْلِ الَّذِي حَدَّثَتْنَا، غَيْرَ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ أَنَّهَا مُؤْتِمَةٌ، فَأَمَرَ بِمَزَادَتَيْهَا فَمَسَحَ فِي الْعَزْلاَوَيْنِ، فَشَرِبْنَا عِطَاشًا أَرْبَعِينَ رَجُلاً حَتَّى رَوِينَا، فَمَلأْنَا كُلَّ قِرْبَةٍ مَعَنَا وَإِدَاوَةٍ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ نَسْقِ بَعِيرًا، وَهْيَ تَكَادُ تَنِضُّ مِنَ الْمِلْءِ. ثُمَّ قَالَ: هَاتُوا مَا عِنْدَكُمْ، فَجُمِعَ لَهَا مِنَ الْكِسَرِ وَالتَّمْرِ حَتَّى أَتَتْ أَهْلَهَا قَالَتْ: لَقِيتُ أَسْحَرَ النَّاسِ، أَوْ هُوَ نَبِيٌّ كَمَا زَعَمُوا. فَهَدَى اللَّهُ ذَاكَ الصِّرْمَ بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ، فَأَسْلَمَتْ وَأَسْلَمُوا».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي قال: (حدّثنا سلم بن زرير) بسكون اللام بعد فتح وزرير بفتح الزاي وراءين مهملتين أولاهما مكسورة بينهما تحتية ساكنة العطاردي البصري قال: (سمعت أبا رجاء) عمران بن ملحان العطاردي المخضرم المعمر (قال: حدّثنا عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتن -رضي الله عنه- (أنهم كانوا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مسير) راجعين من خيبر كما في مسلم أو في الحديبية كما عند أبي داود (فأدلجوا) بهمزة قطع مفتوحة وسكون الدال المهملة وبالجيم (ليلتهم) أي ساروا أوّلها (حتى إذا كان وجه الصبح) ولأبي ذر: في وجه الصبح (عرسوا) بفتح العين وضم السين المهملتين بينهما راء مشددة أي نزلوا آخر الليل للاستراحة (فغلبتهم أعينهم) فناموا (حتى ارتفعت الشمس فكان أول من استيقظ من منامه أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (وكان لا يوقظ) بفتح القاف مبنيًّا للمجهول (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من منامه حتى يستيقظ) في التيمم، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا نام لم يوقظ حتى يكون هو يستيقظ لأنا لا ندري ما يحدث له في نومه من الوحي، (فاستيقظ عمر) بعد أبي بكر -رضي الله عنهما- (فقعد أبو
بكر عند رأسه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فجعل يكبر ويرفع صوته) بالتكبير (حتى استيقظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي التيمم: فلما استيقظ عمر رأى ما أصاب الناس أي من نومهم عن صلاة

(6/35)


الصبح حتى خرج وقتها وهم على غير ماء وكان رجلاً جليدًا فكبّر ورفع صوته بالتكبير فما زال يكبر ويرفع صوته بالتكبير حتى استيقظ بصوته النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا منافاة بينهما إذ لا يمتنع أن كلاًّ من أبي بكر وعمر فعل ذلك (فنزل) فيه حذف ذكر في التيمم بلفظ: فلما استيقظ شكوا إليه الذي أصابهم فقال: لا ضير أو لا يضير، ارتحلوا فارتحلوا فسار غير بعيد ثم نزل (وصلى بنا الغداة) أي الصبح (فاعتزل رجل) لم يسم (من القوم لم يصل معنا، فلما انصرف) عليه الصلاة والسلام من الصلاة (قال):
(يا فلان) للذي لم يصل (ما يمنعك أن تصلّي معنا؟ قال): يا رسول الله (أصابتني جنابة) زاد في التيمم ولا ماء (فأمر. أن يتيمم بالصعيد) فتيمم (ثم صلى). قال عمران (وجعلني) من الجعل قيل وصوابه فأعجلني أي أمرني بالعجلة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ركوب بين يديه) بفتح الراء على كشط في الفرع وهو ما يركب من الدواب فعول بمعنى مفعول وفي غيره بضمها جمع راكب كشاهد وشهود وصوّب الأخير لكن قال في المصابيح: لا وجه للتخطئة في الموضعين أي جعلني من الجعل وفتح راء ركوب.
(وقد عطشنا عطشًا شديدًا) في التيمم بعد قوله: عليك بالصعيد فإنه يكفيك، ثم سار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاشتكى إليه الناس العطش فنزل فدعا فلانًا كان يسميه أبو رجاء نسبه عوف ودعا عليًا فقال لهما: اذهبا فابتغيا الماء فانطلقا وفلان المبهم هو عمران القائل هنا وجعلني (فبينما) بالميم (نحن نسير) نبتغي الماء (إذا نحن بامرأة سادلة) بالسين والدال المهملتين أي مرسلة (رجليها بين مزادتين) تنبيه مزادة راوية أو قربة زاد في التيمم من ماء (فقلنا لها: أين الماء؟ فقالت: إنه لا ماء) أي هنا (قلنا كم بين أهلك وبين الماء؟ قالت: يوم وليلة. فقلنا): لها (انطلقي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالت): ولأبي ذر: فقالت (وما رسول الله؟) قال عمران (فلم نملكها) بضم النون وفتح الميم وتشديد اللام المكسورة (من أمرها) شيئًا (حتى استقبلنا بها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقط لفظ وسلم من الفرع كأصله (فحدثته) أي المرأة (بمثل الذي حدثتنا) به (غير أنها حدثته أنه مؤتمة) بضم الميم فهمزة ساكنة ففوقية مكسورة فميم مفتوحة أي ذات أيتام (فأمر) عليه الصلاة والسلام (بمزادتيها فمسح) بالسين والحاء المهملتين (في العزلاوين) تثنية عزلاء بالعين المهملة وسكون الزاي والمد فم القربة وللحموي والمستملي بالعزلاوين بالباء الموحدة بدل في (فشربنا) منها حال كوننا (عطاشًا أربعين) بالنصب بيانًا لعطاشًا، وللحموي والمستملي: أربعون بالرفع أي ونحن أربعون (رجلاً حتى روينا) بكسر الواو من الري (فملأنا كل قربة معنا وإداوة) بكسر الهمزة وتخفيف الدال المهملة إناء صغير من جلد يتخذ للماء (غير أنه) أي الشأن أنا (لم نسقِ بعيرًا) بالنون في لم نسق لأن الإبل تصبر على الماء (وهي) أي المزادة (تكاد تنض) بفوقية مفتوحة فنون مكسورة فضاد معجمة مشدّدة، كذا في اليونينية لكن في الفرع خفضة النون على كشط لعله كشط نقطة الباء وجعلها نونًا أي تنشق (من الملء) بكسر الميم وسكون اللام آخره همزة يقال: نض الماء من العين إذا نبع.
وقال ابن سيده: نضّ الماء ينض نضًّا من باب ضرب إذا سال، ونض الماء نضًّا ونضيضًا خرج رشحًا والنضض الحسي وهو ماء على رمل دونه إلى أسفل أرض صلبة فكلما نض منه شيء أي رشح واجتمع أخذ، ولأبي ذر عن الكشميهني: تنصب بفوقية مفتوحة فنون ساكنة فصاد مهملة مفتوحة فموحدة مشددة.
وفي حاشية نسخة الشميساطية تبض بفوقية مفتوحة فموحدة مكسورة فمعجمة مشددة، وصدر بها الحافظ ابن حجر أي تقطر وتسيل قليلاً والثلاثة بمعنى.
وفي نسخة ذكرها القاضي عياض في مشارقه تبص بالموحدة المكسورة والصاد المهملة المشددة من البصيص وهو البريق ولمعان خروج الماء القليل، لكن قال الحافظ ابن حجر: معناه مستبعد هنا فإن في نفس الحديث تكاد تنض من الملء فكونها تسيل من الملء ظاهر، وأما كونها تلمع من

(6/36)


الملء فبعيد انتهى. فليتأمل مع القول أنها من البصيص وهو البريق ولمعان خروج الماء القليل.
وفي نسخة الشميساطية في أصل الكتاب تنضر بفوقية فنون فضاد معجمة مشدّدة فراء مفتوحات، وفي أصل ابن عساكر بفوقية مفتوحة فنون ساكنة فضاد معجمة مفتوحة فراء مشدّدة مرفوعة من الضرر.
قال الكرماني: مشتق من باب الانفعال أي تنقطع يقال ضررته فانضر، وقال البرماوي: والصواب تنضرج أي تنشق من الانضراج، وكذا رواه مسلم وكأنه سقط حرف الجيم وفي أصل مسموع على الأصيلي تقطر بفوقية مفتوحة فقاف ساكنة فطاء فراء مضمومتين مهملتين وهي بمعنى التي تسيل.
(ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه الذين معه: (هاتوا ما عندكم) تطييبًا لخاطرها في مقابلة حبسها في ذلك الوقت عن المسير إلى قومها لا أنه عوض عن الماء (فجمع لها) بضم الجيم وكسر الميم (من الكسر) بكسر الكاف وفتح المهملة (والتمر) وجعل في ثوب ووضع بين يديها وسارت (حتى أتت أهلها قالت) ولأبي ذر: فقالت (لقيت أسحر الناس أو هو نبي كما زعموا فهدى الله ذاك) ولأبي ذر ذلك باللام بدل الألف (الصرم) بكسر الصاد المهملة وسكون الراء بعدها ميم النفر ينزلون بأهليهم على الماء (بتلك المرأة) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: بتيك بتحتية ساكنة بدل اللام (فأسلمت وأسلموا).
وهذا الحديث سبق في باب الصعيد الطيب وضوء المسلم من كتاب التيمم.
3572 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "أُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِإِنَاءٍ وَهْوَ بِالزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ. قَالَ قَتَادَةُ قُلْتُ لأَنَسٍ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: ثَلاَثَمِائَةٍ، أَوْ زُهَاءَ ثَلاَثِمِائَةٍ".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشدّدة قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) هو محمد بن أبي عدي واسمه إبراهيم البصري (عن سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم الهمزة وكسر الفوقية مبنيًا للمفعول والنبي نائب فاعل (بإناء) فيه ماء (وهو) أي والحال أنه (بالزوراء) بفتح الزاي وسكون الواو وبعدها راء فألف ممدودة موضع بسوق المدينة (فوضع يده في) ذلك (الإناء فجعل الماء ينبع) بضم الموحدة وتفتح وتكسر (من بين أصابعه) من نفس لحمه الكائن بين أصابعه أو من بينها بالنسبة إلى رؤية الرائي وهو في نفس الأمر للبركة الحاصلة فيه يفور ويكثر والأول أوجه (فتوضأ القوم. قال قتادة: قلت لأنس كم كنتم؟ قال): كنا (ثلاثمائة) بالنصب خبر لكان المقدرة، وفي اليونينية كانت رفعة وأصلحها نصبة، وفي الفرع رفع على كشط (أو زهاء) بضم الزاي ممدودًا أي قدر (ثلاثمائة).
وهذا الحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
3573 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ قَالَ: "رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَحَانَتْ صَلاَةُ الْعَصْرِ، فَالْتُمِسَ الْوَضُوءُ فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَضُوءٍ فَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ فَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّئُوا مِنْهُ، فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ النَّاسُ حَتَّى تَوَضَّؤُوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري (عن أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أنه قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و) الحال أنه قد (حانت) أي قربت (صلاة العصر فالتمس الوضوء) بضم التاء وكسر الميم مبنيًّا للمفعول والوضوء بفتح الواو أي طلب الماء للوضوء، ولأبي ذر كما في اليونينية فالتمس الناس الوضوء ولم يعزها في فرع التنكزي وفرع أقبغا لأبي ذر وهي حاشية اليونينية بالحمرة مرقوم عليها بالأسود علامته مصحح عليها (فلم يجدوه فأتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بضم همزة أتي ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نائب فاعل (بوضوء) بفتح الواو وبماء في إناء (فوضع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده في ذلك الإناء فأمر الناس) بالفاء في فأمر (أن يتوضؤوا منه فرأيت) أي أبصرت (الماء ينبع) بتثليث الموحدة أي يخرج (من تحت) وفي نسخة اليونينية وفرعها مصحح عليها من بين (أصابعه فتوضأ الناس حتى توضؤوا من عند آخرهم). قال الكرماني: كلمة "من" هنا بمعنى إلى وهي لغة، والكوفيون يجوّزون مطلقًا وضع حروف الجر بعضها مقام بعض اهـ.
وقال غيره والمعنى توضأ الناس ابتداء من أولهم حتى انتهوا إلى آخرهم ولم يبق منهم أحد والشخص الذي هو آخرهم داخل في هذا الحكم لأن السياق يقتضي العموم وكذا أنس إن قلنا
يدخل المخاطب بكسر

(6/37)


الطاء في عموم خطابه وإنما أتي بفضلة من الماء لئلا يظن أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موجد للماء والإيجاد إنما هو لله تعالى لا لغيره.
وهذا الحديث قد سبق في باب التماس الناس الوضوء من كتاب الطهارة.
3574 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُبَارَكٍ حَدَّثَنَا حَزْمٌ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَسَنَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ مَخَارِجِهِ وَمَعَهُ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَانْطَلَقُوا يَسِيرُونَ، فَحَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلَمْ يَجِدُوا مَاءً يَتَوَضَّئُونَ. فَانْطَلَقَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِقَدَحٍ مِنْ مَاءٍ يَسِيرٍ، فَأَخَذَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَوَضَّأَ، ثُمَّ مَدَّ أَصَابِعَهُ الأَرْبَعَ عَلَى الْقَدَحِ، ثُمَّ قَالَ: قُومُوا فَتَوَضَّئُوا، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ حَتَّى بَلَغُوا فِيمَا يُرِيدُونَ مِنَ الْوَضُوءِ، وَكَانُوا سَبْعِينَ أَوْ نَحْوَهُ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن مبارك) العيشي بعين مهملة فتحتية ساكنة وشين معجمة نسبة إلى بني عائش بن مالك البصري قال: (حدّثنا حزم) بفتح الحاء المهملة وسكون الزاي المعجمة ابن مهران القطعي بضم القاف وفتح الطاء البصري (قال: سمعت الحسن) البصري (قال: حدّثنا أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض مخارجه) أي بعض أسفاره (ومعه ناس من أصحابه) الواو للحال (فانطلقوا يسيرون فحضرت الصلاة ولم يجدوا ماء يتوضؤون) به وماء بالهمزة ولم يضبطه اليونيني لوضوحه (فانطلق رجل من القوم فجاء بقدح من ماء يسير) الرجل هو أنس كما في مسند الحرث بن أبي أسامة من طريق شريك بن أبي نمر عن أنس بلفظ قال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "انطلق إلى بيت أم سلمة" قال فأتيته بقدح ماء إما ثلثه وإما نصفه (فأخذه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتوضأ) منه زاد في مسند الحرث وفضلت فضلة وكثر الناس فقالوا: لم نقدر على الماء (ثم مدّ) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أصابعه الأربع) ولأبي الوقت الأربعة (على القدح ثم قال) لهم:
(قوموا فتوضؤوا) ولأبي ذر: توضؤوا بغير فاء (فتوضأ القوم حتى بلغوا فيما يريدون من الوضوء) بضم الياء وكسر الراء (وكانوا سبعين أو نحوه).
وهذا الحديث من أفراده.
3575 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُنِيرٍ سَمِعَ يَزِيدَ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، فَقَامَ مَنْ كَانَ قَرِيبَ الدَّارِ مِنَ الْمَسْجِدِ يَتَوَضَّأُ، وَبَقِيَ قَوْمٌ. فَأُتِيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمِخْضَبٍ مِنْ حِجَارَةٍ فِيهِ مَاءٌ، فَوَضَعَ كَفَّهُ فَصَغُرَ الْمِخْضَبُ أَنْ يَبْسُطَ فِيهِ كَفَّهُ، فَضَمَّ أَصَابِعَهُ فَوَضَعَهَا فِي الْمِخْضَبِ، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ جَمِيعًا. قُلْتُ: كَمْ كَانُوا؟ قَالَ: ثَمَانُونَ رَجُلاً".
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن منير) بضم الميم وكسر النون وسكون التحتية بعدها راء أنه (سمع يزيد) بن هارون بن زاذان الواسطي يقول: (أخبرنا حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: حضرت الصلاة فقام من كان قريب الدار من المسجد) النبوي (يتوضأ) ولأبي ذر:
فتوضأ (وبقي قوم) لم يتوضؤوا (فأتي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمخضب) بميم مكسورة فخاء ساكنة فضاد مفتوحة معجمتين فموحدة إناء (من حجارة) تغسل فيه الثياب ويسمى الإجانة والمركن (فيه ماء فوضع) عليه الصلاة والسلام (كفه) بالإفراد (فصغر المخضب أن يبسط فيه كفه فضم أصابعه فوضعها في المخضب فتوضأ القوم كلهم جميعًا) قال حميد (قلت): لأنس (كم كانوا؟ قال: ثمانون رجلاً) ولأبي ذر عن الكشميهني: ثمانين بالنصب خبر كان المقدرة.
ولم يذكر في هذا الحديث نبع الماء اختصارًا للعلم به، وهذه أربع طرق لحديث أنس.
الأول طريق قتادة، والثاني طريق إسحاق بن عبد الله، والثالث طريق الحسن، والرابع طريق حميد. وفي الأولى أنهم كانوا بالزوراء بالمدينة الشريفة وكذا الرابعة، وفي الثالثة في السفر، وفي الأولى أن الذين توضؤوا كانوا ثلاثمائة، وفي الثالثة كانوا سبعين، وفي الرابعة ثمانين فظهر أنهما قصتان في موطنين للتغاير في عدد من توضأ وتعيين المكان الواقع فيه ذلك وهي مغايرة واضحة يتعذر الجمع فيها. ووقع عند أبي نعيم من رواية عبد الله بن عمر عن ثابت عن أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج إلى قباء فأتي من بعض بيوضهم بقدح صغير.
3576 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: «عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ، فَتَوَضَّأَ فَجَهَشَ النَّاسُ نَحْوَهُ فَقَالَ: مَا لَكُمْ؟ قَالُوا: لَيْسَ عِنْدَنَا مَاءٌ نَتَوَضَّأُ وَلاَ نَشْرَبُ إِلاَّ مَا بَيْنَ يَدَيْكَ. فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَثُورُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ. فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا. قُلْتُ: كَمْ كُنْتُمْ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ أَلْفٍ لَكَفَانَا، كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً». [الحديث 3576 - أطرافه في: 4152، 4153، 4154، 4840، 5639].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي البصري قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مسلم) القسملي بالقاف والسين المهملة قال: (حدّثنا حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن السلمي الكوفي (عن سالم بن أبي الجعد) بفتح الجيم وسكون العين المهملة رافع الأشجعي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: عطش الناس) بكسر الطاء المهملة (يوم الحديبية) بتخفيف الياء (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين يديه ركوة) بتثليث الراء إناء صغير من جلد يشرب فيه (فتوضأ) منها (فجهش الناس نحوه) عليه الصلاة والسلام بفتح الجيم والهاء والشين المعجمة من باب قطع أي أسرعوا إلى الماء متهيئين لأخذه، ولأبي ذر بكسر الهاء من باب سمع، وللحموي والمستملي جهش بإسقاط الفاء وفتح الهاء (فقال): عليه الصلاة

(6/38)


والسلام ولأبوي ذر والوقت قال:
(ما لكم؟ قالوا) يا رسول الله (ليس عندنا ماء نتوضأ) به (ولا نشرب إلا ما بين يديك) وماء مهموز في اليونينية وفرع آقبغا ولم يضبطه في فرع تنكز (فوضع) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يده في الركوة فجعل
الماء يثور) بالمثلثة، ولأبي ذر عن الكشميهني يفور بالفاء (بين أصابعه) بغير من (كأمثال العيون فشربنا وتوضأنا) قال سالم: (قلت) لجابر (كم كنتم؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة مائة).
قال في شرح المشكاة: عدل عن الظاهر لاحتمال التجوّز في الكثرة والقلة، وهذا يدل على أنه اجتهد فيه وغلب ظنه على هذا المقدار، وقول البراء في الحديث الذي يتلو هذا الحديث كنا أربع عشرة مائة كان عن تحقيق لأن أهل الحديبية كانوا ألفًا وأربعمائة تحقيقًا.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي وكذا مسلم والنسائي في الطهارة والتفسير.
3577 - حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ كُنَّا يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً، وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ، فَنَزَحْنَاهَا حَتَّى لَمْ نَتْرُكْ فِيهَا قَطْرَةً، فَجَلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى شَفِيرِ الْبِئْرِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَمَضْمَضَ وَمَجَّ فِي الْبِئْرِ، فَمَكَثْنَا غَيْرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ اسْتَقَيْنَا حَتَّى رَوِينَا وَرَوَتْ -أَوْ صَدَرَتْ- رَكَائِبُنَا". [الحديث 3577 - طرفاه في: 4150، 4151].
وبه قال: (حدّثنا مالك بن إسماعيل) بن زياد بن درهم النهدي الكوفي قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا يوم الحديبية) بتخفيف الياء ولأبي ذر: بالحديبية (أريع عشرة مائة) رجح البيهقي هذه الرواية على رواية خمس عشرة مائة، بل قال ابن المسيب فيما حكي عنه أنها وهم، وهي رواية مالك والأكثرين فيما نقله غير واحد، لكن ما وقع في رواية زهير أنهم كانوا ألفًا وأربعمائة أو أكثر يدل على عدم التحديد، وقد جمع بأنهم كانوا أكثر من ألف وأربعمائة فمن قال ألفًا وخمسمائة جبر الكسر، ومن قال ألفًا وأربعمائة ألغاه، وأما رواية عبد الله بن أبي أوفى كانوا ألفًا وثلاثمائة فتحمل على ما اطلع هو عليه واطلع غيره على زيادة لم يطلع هو عليها والزيادة من الثقة مقبولة.
وقال في العمدة: يحمل قول من يزيد على أربع عشرة مائة أو ينقص منها مائة على عدة من انضم من المهاجرين والأنصار من العرب، فمنهم من جعل المنضافين لهم مائة، ومنهم من جعل المهاجرين والأنصار ثلاث عشرة مائة ولم يعد من انضاف إليهم لكونهم أتباعًا. وأما قول ابن إسحاق كانوا سبعمائة فقاله تفقهًا من قِبل نفسه من حيث إنهم نحروا البدنة على عشرة وكانوا نحروا سبعين وليس فيه دليل على أنهم لم ينحروا غير البدن، وأيضًا كان فيهم من لم يحرم أصلاً.
(والحديبية بئر) على مرحلة من مكة مما يلي المدينة، وقيل سميت بشجرة حدباء كانت هناك (فنزحناها) أي استقينا ماءها (حتى لم ترك فيها قطرة) من ماء (فجلس النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على شفير البئر) بالشين المعجمة المفتوحة والفاء المكسورة أي على شفتها (فدعا بماء فمضمض) أي جعله في فيه
الشريف وحرّكه (ومجّ) أي رمى بالماء الذي في فيه (في البئر فمكثنا) بفتح الكاف وضمها (غير بعيد ثم استقينا) من البئر (حتى روينا) بكسر الواو (وروت) بفتحها، ولأبي ذر: ورويت بكسرها مع زيادة تحتية بعدها (أو) قال (صدرت) بفتح الراء أي رجعت (ركائبنا) بفتح الراء وبعد الألف تحتية، ولأبوي الوقت وذر: ركابنا بكسر الراء وإسقاط التحتية إبلنا التي تحملنا. وهذا الحديث من أفراده.
3578 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ: «قَالَ أَبُو طَلْحَةَ لأُمِّ سُلَيْمٍ: لَقَدْ سَمِعْتُ صَوْتَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضَعِيفًا أَعْرِفُ فِيهِ الْجُوعَ، فَهَلْ عِنْدَكِ مِنْ شَىْءٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ. فَأَخْرَجَتْ أَقْرَاصًا مِنْ شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخْرَجَتْ خِمَارًا لَهَا فَلَفَّتِ الْخُبْزَ بِبَعْضِهِ، ثُمَّ دَسَّتْهُ تَحْتَ يَدِي وَلاَثَتْنِي بِبَعْضِهِ ثُمَّ أَرْسَلَتْنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: فَذَهَبْتُ بِهِ فَوَجَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْمَسْجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمْتُ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ لِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أأرْسَلَكَ أَبُو طَلْحَةَ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: بِطَعَامٍ؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمَنْ مَعَهُ: قُومُوا. فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مَا نُطْعِمُهُمْ. فَقَالَتِ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلُمِّي يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ، فَأَتَتْ بِذَلِكَ الْخُبْزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَفُتَّ، وَعَصَرَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ عُكَّةً فَأَدَمَتْهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَقُولَ. ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا ثُمَّ خَرَجُوا. ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لِعَشَرَةٍ، فَأَكَلَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ حتى شَبِعُوا، وَالْقَوْمُ سَبْعُونَ أَوْ ثَمَانُونَ رَجُلاً».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا مالك) الإمام الأعظم (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) الأنصاري المدني (أنه سمع أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (يقول: قال أبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري المدني (لأم سليم) واسمها رميلة أو سهلة أو رمسة وهي أخت أم حرام بنت ملحان وكلتاهما خالة لرسول الله-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الرضاع زوجته والدة أنس (لقد سمعت صوت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ضعيفًا أعرف فيه الجوع) وكأنه لم يسمع في صوته لما تكلم إذ ذاك الفخامة المألوفة منه، فحمل ذلك على الجوع بالقرينة التي كانوا فيها وفيه ردّ على دعوى ابن حبان أنه لم يكن يجوع محتجًا بحديث أبيت يطعمني ربي ويسقيني وهو محمول على تعدّد الحال فكان أحيانًا يجوع ليتأسى به أصحابه، ولا سيما من لا يجد مددًا فيصبر فيضاعف أجره، وفي رواية

(6/39)


يعقوب بن عبد الله بن أبي طلحة عند مسلم عن أنس قال: جئت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فوجدته جالسًا مع أصحابه يحدثهم وقد عصب بطنه بعصابة فسألت بعض أصحابه فقالوا: من الجوع فذهبت إلى أبي طلحة فأخبرته فدخل على أم سليم قال: (فهل عندك من شيء؟ قالت: نعم فأخرجت أقراصًا من شعير ثم أخرجت خمارًا) بكسر الخاء المعجمة أي نصيفًا (لها فلفت الخبز ببعضه ثم دسته) أي أخفته (تحت يدي) بكسر الدال أي إبطي (ولاثتني) بالمثلثة ثم الفوقية الساكنة ثم النون المكسورة لفتني (ببعضه) ببعض الخمار على رأسي، ومنه لاث العمامة على رأسه أي عصبها. (ثم أرسلتني إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال: فدهبت به) بالخبز (فوجدت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسجد) الذي هيأه للصلاة في غزوة الأحزاب (ومعه الناس فقمت عليهم فقال لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أأرسلك أبو طلحة؟) استفهام استخباري (فقلت: نعم) أرسلني (قال: بطعام؟ فقلت: نعم) بطعام (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمن معه): من الصحابة (قوموا). قال في الفتح: ظاهره أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهم أن أبا طلحة استدعاه إلى منزله فلذا قال لهم: قوموا، وأول الكلام يقتضي أن أم سليم وأبا طلحة أرسلا الخبز مع أنس فيجمع بأنهما أرادا بإرسال الخبز مع أنس أن يأخذه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيأكله، فلما وصل أنس ورأى كثرة الناس حوله استحيا وظهر له أن يدعو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليقوم معه وحده إلى المنزل ليحصل المقصود من إطعامه. قال: وقد وجدت في أكثر الروايات ما يقتضي أن أبا طلحة استدعى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذه الواقعة. ففي رواية سعد بن سعيد عن أنس عند مسلم بعثني أبو طلحة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأدعوه وقد جعل له طعامًا، وفي رواية محمد بن كعب فقال: يا بني اذهب إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فادعه ولا تدع معه غيره ولا تفضحني.
(فانطلق) وأصحابه. وفي رواية محمد بن كعب فقال للقوم: "انطلقوا" فانطلقوا وهم ثمانون رجلاً (وانطلقت بين أيديهم حتى جئت أبا طلحة فأخبرته) بمجيئهم (فقال أبو طلحة: يا أم سليم قد جاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالناس وليس عندنا ما نطعمهم) أي قدر ما يكفيهم (فقالت): أم سليم (الله ورسوله أعلم) بقدر الطعام فهو أعلم بالمصلحة ولو لم يكن يعلم بالمصلحة لم يفعل ذلك (فانطلق أبو طلحة حتى لقي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأقبل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو طلحة معه) حتى دخل على أم سليم (فقال رسول الله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هلم يا أم سليم) بفتح ميم هلم مشددة مع الخطاب للمؤنثة وهي لغة أهل الحجاز يستوي فيها المذكر والمؤنث والمفرد وغيره تقول: هلم يا زيد ويا هند ويا زيدان ويا هندان، ولأبي ذر عن الكشميهني: هلمي بالياء التحتية أي هات (ما عندك. فأتت بذلك الخبز) الذي كانت أرسلته مع أنس (فأمر به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففتّ) بتشديد الفوقية بعد ضم (وعصرت أم سليم عكة) من جلد فيها سمن (فأدمته) جعلته أدامًا للمفتوت.
(ثم قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيه ما شاء الله أن يقول) وفي رواية مبارك بن فضالة عند أحمد فقال: "بسم الله". وفي رواية سعد بن سعيد عند مسلم فمسحها ودعا فيها بالبركة، وفى رواية النضر بن أنس عند أحمد عن أنس فجئت بها ففتح رباطها ثم قال: "بسم الله اللهم أعظم فيها
البركة" (ثم قال): (ائذن) بالدخول (لعشرة) من أصحابه ليكون أرفق بهم فإن الإناء الذي فيه الطعام لا يتحلق عليه أكثر من عشرة إلا بضرر يلحقهم لبعده عنهم (فأذن لهم) أبو طلحة فدخلوا (فأكلوا) من ذلك الخبز المأدوم بالسمن (حتى شبعوا ثم خرجوا. ثم قال): عليه الصلاة والسلام لأبي طلحة (ائذن لعشرة) ثانية (فأذن لهم) فدخلوا (فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا ثم قال): (ائذن لعشرة) ثالثة (فأذن لهم) فدخلوا (فأكلوا حتى شبعوا ثم خرجوا، ثم قال): (ائدن لعشرة) رابعة (فأكل القوم كلهم حتى شبعوا) كذا في الفرع حتى شبعوا، كتب

(6/40)


حتى على كشط وفي اليونينية وفرع آقبغا والناصرية وغيرها مما رأيته كلهم وشبعوا (والقوم سبعون) زاد أبو ذر هنا رجلاً (أو) قال: (ثمانون رجلاً) بالشك من الراوي.
وفي رواية عبد الرحمن بن أبي ليلى عند أحمد حتى فعل ذلك بثمانين رجلاً ثم أكل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك وأهل البيت وتركوا سؤرًا أي فضلاً. وفي رواية سعد بن سعيد عند مسلم: ثم أخذ ما بقي فجمعه ثم دعا فيه بالبركة فعاد كما كان. وفي رواية عمرو بن عبد الله عند أبي يعلى عن أنس: وفضلت فضلة فأهديناها لجيراننا.
وحديث الباب هذا أخرجه المصنف أيضًا في الأطعمة وكذا مسلم وأخرجه الترمذي في المناقب والنسائي في الوليمة.
3579 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: «كُنَّا نَعُدُّ الآيَاتِ بَرَكَةً، وَأَنْتُمْ تَعُدُّونَهَا تَخْوِيفًا، كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَفَرٍ فَقَلَّ الْمَاءُ، فَقَالَ: اطْلُبُوا فَضْلَةً مِنْ مَاءٍ، فَجَاءُوا بِإِنَاءٍ فِيهِ مَاءٌ قَلِيلٌ، فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِي الإِنَاءِ ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الطَّهُورِ الْمُبَارَكِ، وَالْبَرَكَةُ مِنَ اللَّهِ، فَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَلَقَدْ كُنَّا نَسْمَعُ تَسْبِيحَ الطَّعَامِ وَهْوَ يُؤْكَلُ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن المثنى) العنزي البصري قال: (حدّثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله (الزبيري) بضم الزاي وفتح الموحدة مصغرًا الكوفي قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن إبراهيم) هو النخعي (عن علقمة) بن قيس بن عبد الله النخعي الكوفي (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: كنا نعدّ الآيات) التي هي خوارق العادات (بركة) من الله تعالى (وأنتم تعدونها) كلها (تخويفًا) مطلقًا. والتحقيق أن بعضها بركة كشبع الجيش الكثير من الطعام القليل وبعضها تخويف ككسوف الشمس وكأنهم تمسكوا بظاهر قوله: {وما نرسل الآيات إلاّ تخويفًا} [لاسراء: 59] أي من نزول العذاب العاجل كالطليعة والمقدمة له (كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) في الحديبية كما جزم به البيهقي أو خيبر كما عند أبي نعيم في الدلائل (فقلّ الماء فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
(اطلبوا فضلة من ماء) لئلا يظن أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- موجد للماء (فجاؤوا بإناء فيه ماء قليل فأدخل يده)
المباركة (في الإناء ثم قال: حي) بفتح الياء (على الطهور) بفتح الطاء أي هلموا إلى الماء مثل حي على الصلاة ويجوز ضم الطاء والمراد الفعل أي تطهروا (المبارك) الذي أمده الله ببركة نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والبركة) مبتدأ خبره (من الله) عز وجل.
قال ابن مسعود (فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي من نفس اللحم الذي بينها (ولقد كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل) أي في حالة الأكل في عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غالبًا.
وعند الإسماعيلي كنا نأكل مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونحن نسمع تسبيح الطعام.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي في المناقب.
3580 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَامِرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ -رضي الله عنه-: «أَنَّ أَبَاهُ تُوُفِّيَ وَعَلَيْهِ دَيْنٌ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: إِنَّ أَبِي تَرَكَ عَلَيْهِ دَيْنًا، وَلَيْسَ عِنْدِي إِلاَّ مَا يُخْرِجُ نَخْلُهُ، وَلاَ يَبْلُغُ مَا يُخْرِجُ سِنِينَ مَا عَلَيْهِ، فَانْطَلِقْ مَعِي لِكَيْ لاَ يُفْحِشَ عَلَىَّ الْغُرَمَاءُ. فَمَشَى حَوْلَ بَيْدَرٍ مِنْ بَيَادِرِ التَّمْرِ فَدَعَا، ثَمَّ آخَرَ، ثُمَّ جَلَسَ عَلَيْهِ فَقَالَ: انْزِعُوهُ، فَأَوْفَاهُمُ الَّذِي لَهُمْ، وَبَقِيَ مِثْلُ مَا أَعْطَاهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة (قال:
حدّثني) بالإفراد (عامر) هو الشعبي (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه- أن أباه توفي) شهيدًا يوم أُحُد (وعليه دين) وفي رواية وهب بن كيسان ثلاثون وسقًا ليهودي فاستنظره جابر فأبى أن ينظره قال: (فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) له (إن أبي ترك عليه دينًا وليس عندي إلا ما يخرج نخله) من التمر (ولا يبلغ ما يخرج) نخله في مدة (سنين) بالجمع (ما عليه) من الدين (فانطلق معي لكيلا) ولأبي ذر: لكي لا (يفحش) بضم أوّله وكسر ثالثه أو فتح أوّله وضم ثالثه والوجهان في الناصرية (علي الغرماء) بتشديد ياء علي، فقال عليه الصلاة والسلام: "نعم" فانطلق فأتى على الحائط (فمشى حول بيدر من بيادر التمر) قال في المغرب: البيدر الموضع الذي يداس فيه الطعام (فدعا) في تمره بالبركة (ثم) مشى حول بيدر (آخر) فدعا (ثم جلس عليه) على البيدر (فقال):
(انزعوه) بكسر الزاي أي من البيدر وفي رواية مغيرة عن الشعبي في البيوع كل للقوم (فأوفاهم الذي لهم) وفي رواية فراس في الوصايا ثم قال لجابر: جدّ فأوف له الذي له فجدّه (وبقي مثل ما أعطاهم). وفي رواية مغيرة وبقي تمري كأنه لم ينقص منه شيء، وفي رواية وهب بن كيسان فأوفاه ثلاثين وسقًا وفضلت له سبعة عشر وسقًا ويجمع بالحمل على تعدّد الغرماء، فكأن أصل الدين كان منه ليهودي ثلاثون وسقًا من صنف واحد فأوفاه وفضل

(6/41)


من ذلك البيدر سبعة عشر وسقًا وكان منه لغير ذلك اليهودي أشياء أخر من أصناف أخرى فأوفاهم وفضل من المجموع قدر الذي أوفاه. قاله في فتح الباري.
وهذا الحديث سبق مطوّلاً ومختصرًا في الاستقراض والجهاد والشروط والبيع والوصايا.
3581 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ أَنَّهُ حَدَّثَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ -رضي الله عنهما-: «أَنَّ أَصْحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا أُنَاسًا فُقَرَاءَ، وَأَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ مَرَّةً: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ اثْنَيْنِ فَلْيَذْهَبْ بِثَالِثٍ، وَمَنْ كَانَ عِنْدَهُ طَعَامُ أَرْبَعَةٍ فَلْيَذْهَبْ بِخَامِسٍ أَوْ سَادِسٍ. أَوْ كَمَا قَالَ. وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ جَاءَ بِثَلاَثَةٍ، وَانْطَلَقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَشَرَةٍ، وَأَبُو بَكْرٍ ثَلاَثَةً، قَالَ: فَهْوَ أَنَا وَأَبِي وَأُمِّي، وَلاَ أَدْرِي هَلْ قَالَ امْرَأَتِي وَخَادِمِي بَيْنَ بَيْتِنَا وَبَيْنَ بَيْتِ أَبِي بَكْرٍ، وَأَنَّ أَبَا بَكْرٍ تَعَشَّى عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صَلَّى الْعِشَاءَ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى تَعَشَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ اللَّيْلِ مَا شَاءَ اللَّهُ. قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ مَا حَبَسَكَ عَنْ أَضْيَافِكَ -أَوْ ضَيْفِكَ-؟ قَالَ: أَوَ عَشَّيْتِهِمْ؟ قَالَتْ: أَبَوْا حَتَّى تَجِيءَ، قَدْ عَرَضُوا عَلَيْهِمْ فَغَلَبُوهُمْ. قَالَ: فَذَهَبْتُ فَاخْتَبَأْتُ. فَقَالَ: يَا غُنْثَرُ -فَجَدَّعَ وَسَبَّ- وَقَالَ: كُلُوا. وَقَالَ: لاَ أَطْعَمُهُ أَبَدًا. قَالَ: وَايْمُ اللَّهِ مَا كُنَّا نَأْخُذُ مِنَ اللُّقْمَةِ إِلاَّ رَبَا مِنْ أَسْفَلِهَا أَكْثَرُ مِنْهَا، حَتَّى شَبِعُوا وَصَارَتْ أَكْثَرَ مِمَّا كَانَتْ قَبْلُ. فَنَظَرَ أَبُو بَكْرٍ فَإِذَا شَىْءٌ أَوْ أَكْثَرُ. فقَالَ لاِمْرَأَتِهِ: يَا أُخْتَ بَنِي فِرَاسٍ. قَالَتْ: لاَ وَقُرَّةِ عَيْنِي، لَهْيَ الآنَ أَكْثَرُ مِمَّا قَبْلُ بِثَلاَثِ مرارٍ. فَأَكَلَ مِنْهَا أَبُو بَكْرٍ وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ الشَّيْطَانُ -يَعْنِي يَمِينَهُ- ثُمَّ أَكَلَ مِنْهَا لُقْمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَصْبَحَتْ عِنْدَهُ. وَكَانَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمٍ عَهْدٌ، فَمَضَى الأَجَلُ فَفَرَّقْنَا اثْنَا عَشَرَ رَجُلاً مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ أُنَاسٌ اللَّهُ أَعْلَمُ كَمْ مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، غَيْرَ أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُمْ، قَالَ: أَكَلُوا مِنْهَا أَجْمَعُونَ، أَوْ كَمَا قَالَ.
وَغَيرُهُ يَقُولُ: "فَعَرَفنا" مِنَ العِرافة.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا معتمر عن أبيه) سليمان بن طرخان قال: (حدّثنا أبو عثمان) عبد الرحمن النهدي (أنه حدثه عبد الرحمن بن أبي بكر) الصديق (-رضي الله عنهما- أن أصحاب الصفة) وهو مكان في مؤخر المسجد النبوي مظلل أعدّ لنزول الغرباء فيه ممن لا مأوى له ولا أهل (كانوا أناسًا فقراء وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال مرة):
(من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثالث) من أهل الصفة (ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس) منهم إن لم يكن عنده ما يقتضي أكثر من ذلك (أو سادس) مع الخامس إن كان عنده أكثر من ذلك، ولأبوي ذر والوقت: بسادس بموحدة قبل السين الأولى، وسقط لأبي ذر لفظ "أو من" قوله أو سادس (أو كما قال) عليه الصلاة والسلام (وإن أبا بكر جاء بثلاثة). من أهل الصفة إلى بيته لأنه كان عنده طعام أربعة ولعله أخذ سابعًا زائدًا على ما ذكره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قوله: ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس أو سادس لإرادة أن يؤثر بنصيبه إذ ظهر أنه لم يأكل أوّلاً معهم (وانطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعشرة) منهم، وعبر عن أبي بكر بلفظ المجيء لبعد بيته من المسجد،
وعن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالانطلاق لقربه (وأبو بكر) أخذ (ثلاثة) كذا بالنصب على رواية أبي ذر عن الكشميهني والمستملي كما في هامش اليونينية وفرعها على إضمار أخذ كما مرّ لا يقال هذا تكرار مع السابق لأن السابق لبيان من أحضرهم إلى منزله مع الإشارة إلى أن أبا بكر كان من المكثرين ممن عنده طعام أربعة فأكثر، وهذا الأخير بيان لابتداء ما في نصيبه، ولأبي ذر عن الكشميهني أيضًا بثلاثة بزيادة الموحدة فيكون عطفًا على قوله: وانطلق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي وانطلق أبو بكر بثلاثة وهي رواية مسلم وللباقين وثلاثة بالواو والنصب.
(قال) عبد الرحمن بن أبي بكر (فهو) أي الشأن (أنا) مبتدأ (وأبي) أبو بكر الصديق (وأمي) أم رومان زينب أو وعلة وخبر المبتدأ محذوف أي في الدار. قال أبو عثمان عبد الرحمن النهدي (ولا أدري هل قال) عبد الرحمن (امرأتي) أميمة بنت عدي بن قيس السهمية أم أكبر أولاده أبي عتيق محمد (وخادمي) بالإضافة ولم يسم، ولأبي ذر عن الكشميهني: وخادم خدمتها مشتركة (بين بيتنا وبين بيت أبي بكر وأن أبا بكر تعشى) أكل العشاء وهو طعام آخر النهار (عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وحده (ثم لبث) بكسر الموحدة بعدها مثلثة مكث (حتى صلّى العشاء) معه عليه الصلاة والسلام (ثم رجع) إلى منزله بالثلاثة وأمر أهله أن يضيفوهم (فلبث) فيه (حتى تعشى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ثم رجع إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلبث عنده ثم رجع إلى منزله (فجاء) إليه (بعدما مضى من الليل ما شاء الله) فتعشى الأول إخبار عن تعشي الصديق وحده والثاني تعشيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أو الأول من العشاء بكسر العين المهملة أي الصلاة والثاني بفتحها قاله الكرماني.
وقال في فتح الباري قوله: فلبث حتى تعشى مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع قوله وأن أبا بكر تعشى عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تكرارًا وفائدته الإشارة إلى أن تأخره عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان بمقدار أن تعشى معه وصلّى معه العشاء وما رجع إلى منزله إلاّ بعد أن مضى من الليل قطعة وذلك أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يحب أن يؤخر صلاة العشاء. وعند الإسماعيلي ثم ركع بالكاف بدل قوله رجع بالجيم أي صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النافلة التي بعد صلاة العشاء، ولمسلم والإسماعيلي أيضًا بدل حتى تعشى بالمعجمة نعس بالسين المهملة من النعاس وهو أوجه. وقال القاضي عياض: إنه الصواب وبهذا ينتفي التكرار

(6/42)


كله إلا في قوله لبث وسببه تعلق أسباب اللبث وحينئذ فيكون المعنى وأن أبا بكر تعشى عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم لبث عنده حتى صلّى العشاء ثم ركع النافلة التي بعدها فلبث حتى أخذ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النعاس وقام لينام فرجع أبو بكر حينئذ إلى بيته فجاء بعدما مضى من الليل ما شاء الله.
(قالت له امرأته): أم رومان (ما حبسك عن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي من (أضيافك) الثلاثة (أو) قالت (ضيفك) بالإفراد اسم جنس يطلق -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القليل والكثير والشك من الرواي (قال): أبو بكر لزوجته (أو عشيتهم؟) بهمزة الاستفهام وحذف الياء المتولدة من المثناة الفوقية ولأبي ذر عن الكشميهني أو ما عشيتهم بزيادة ما (قالت: أبوا) بفتح الهمزة والموحدة وسكون الواو امتنعوا من الأكل (حتى تجيء. قد عرضوا) أي الخدم (عليهم) أي العشاء فأبوا
فعالجوهم (فغلبوهم) ولم يأكلوا حتى تحضر وتأكل معهم. قال عبد الرحمن (فذهبت فاختبأت) أي فاختفيت خوفًا منه (فقال) لي (يا غنثر) بضم الغين المعجمة وفتح المثلثة بينهما نون ساكنة آخره راء أي يا جاهل أو يا ثقيل أو يا لئيم (فجدع) بالجيم والدال والعين المهملتين المفتوحتين دعا عليّ بالجدع وهو قطع الأنف أو الأذن أو الشفة (وسب) شتم أي ظنًّا منه أنه فرط في حق الأضياف (وقال) للأضياف (كلوا) زاد في الصلاة لا هنيئًا قاله تأديبًا لهم لما ظهر له أن التأخير منهم أو هو خبر، والمعنى أنكم لم تتهنؤوا بالطعام في وقته (وقال) أبو بكر (لا أطعمه أبدًا) وفي رواية الحريري فقال: إنما انتظرتموني والله لا أطعمه أبدًا، فقال الآخرون: لا نطعمه أبدًا حتى تطعمه، ولأبي داود من هذا الوجه هات طعامك فوضع فقال: بسم الله.
(قال) عبد الرحمن (وايم الله) بهمزة وصل ويجوز قطعها مبتدأ خبره محذوف أي قسمي (ما كنا نأخذ من اللقمة) في الصلاة لقمة بحذف ال (إلاّ ربا) زاد في الطعام (من أسفلها) من أسفل اللقمة (أكثر منها حتى شبعوا) بكسر الموحدة (وصارت) أي الأطعمة أو الجفنة (أكثر مما كانت قبل، فنظر أبو بكر) أي إليها كما في الصلاة (فإذا شيء) قدر الذي كان (أو أكثر. قال) أي أبو بكر ولأبي ذر: فقال (لامرأته) أم رومان (يا أخت بني فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة وهو ابن غنم بن مالك بن كنانة وأم رومان من ذرية الحرث بن غنم وهو أخو فراس بن غنم، فالظاهر أن أبا بكر نسبها إلى بني فراس لكونهم أشهر من بني الحرث، والمعنى يا أخت القوم المنتسبين إلى بني فراس، وفي الصلاة: ما هذا وهو استفهام عن الزيادة الحاصلة في ذلك الطعام (قالت: لا وقرة عيني) تعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا زائدة أو نافية على حذف تقديره لا شيء غير ما أقول. وقال الكرماني: ما هذه الحالة؟ فقالت: لا أعلم. (لهي) الأطعمة أو الجفنة (الآن أكثر مما قبل بثلاث مرات) ولأبي ذر: مرار وهذا النموّ آية من آياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ظهرت على يد الصديق كرامة له، وإنما حلفت أم رومان لما وقع عندها من السرور بذلك (فأكل منها أبو بكر وقال: وإنما كان الشيطان) الحامل لي على ذلك (يعني يمينه) التي حلفها حيث قال: والله لا أطعمه. ولمسلم: إنما كان ذلك من الشيطان يعني يمينه. والحاصل كما في الفتح أن الله أكرم أبا بكر فأزال ما حصل له من الحرج فعاد مسرورًا وانقلب الشيطان مدحورًا.
(ثم أكل منها لقمة) ليرغم الشيطان بالحنث الذي هو خير وإكرامًا لضيفانه وليحصل مقصوده من أكلهم ولكونه أكثر قدرة منهم على الكفارة (ثم حملها إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأصبحت عنده) عليه الصلاة والسلام (وكان بيننا وبين قوم عهد) أي عهد مهادنة (فمضى الأجل) فجاؤوا إلى المدينة (فعرفنا) بالعين المهملة وتشديد الراء وبالفاء (اثنا عشر رجلاً) بألف على لغة من يجعل المثنى كالمقصور في أحواله الثلاث أي جعلناهم عرفاء على بقية أصحابهم، وللحموي: فتفرقنا بالفوقية بعد الفاء وتشديد الراء وسكون القاف وفي نسخة ففرقنا بفتح القاف

(6/43)


فالضمير المرفوع فيه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ونا مفعوله (مع كل رجل منهم أناس الله أعلم كم) رجل (مع كل رجل) جملة اعتراضية (غير أنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بعث معهم) نصيب أصحابهم من تلك الجفنة والأطعمة إليهم.
(قال) عبد الرحمن (أكلوا منها) أي أكل الجيش من الأطعمة أو الجفنة (أجمعون -أو كما قال-) الشك من أبي عثمان فيما قاله عبد الرحمن، وهذا هو المناسب للترجمة على ما لا يخفى إذ ظهور أوائل البركة عند الصديق وتمامها في الحضرة المحمدية (وغيرهم يقول: فتفرقنا) بالفوقية بعد الفاء وتشديد الراء، وفي نسخة قال البخاري وغيره بالإفراد مع زيادة قال البخاري يقول فعرفنا من العرافة بالعين المهملة والعريف هو الذي يعرف الإمام أحوال العسكر، وثبت في الفرع قوله وغيرهم يقول فتعرفنا وسقط من أصله، وقال في الهامش وغيره يقول فعرفنا من العرافة وعزاها لأبي ذر.
وهذا الحديث قد مرّ في باب السمر مع الأهل آخر المواقيت.
3582 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ. وَعَنْ يُونُسَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «أَصَابَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ قَحْطٌ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبَيْنَا هُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ جُمُعَةٍ إِذْ قَامَ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ, هَلَكَتِ الْكُرَاعُ، هَلَكَتِ الشَّاءُ، فَادْعُ اللَّهَ يَسْقِينَا. فَمَدَّ يَدَهُ وَدَعَا. قَالَ أَنَسٌ: وَإِنَّ السَّمَاءَ كَمِثْلُ الزُّجَاجَةِ. فَهَاجَتْ رِيحٌ أَنْشَأَتْ سَحَابًا، ثُمَّ اجْتَمَعَ، ثُمَّ أَرْسَلَتِ السَّمَاءُ عَزَالِيَهَا، فَخَرَجْنَا نَخُوضُ الْمَاءَ حَتَّى أَتَيْنَا مَنَازِلَنَا، فَلَمْ نَزَلْ نُمْطَرُ إِلَى الْجُمُعَةِ الأُخْرَى. فَقَامَ إِلَيْهِ ذَلِكَ الرَّجُلُ -أَوْ غَيْرُهُ- فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، تَهَدَّمَتِ الْبُيُوتُ، فَادْعُ اللَّهَ يَحْبِسْهُ. فَتَبَسَّمَ ثُمَّ قَالَ: حَوَالَيْنَا وَلاَ عَلَيْنَا. فَنَظَرْتُ إِلَى السَّحَابِ تَصَدَّعَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ كَأَنَّهُ إِكْلِيلٌ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد بن مسربل الأسدي البصري قال: (حدّثنا حماد) هو ابن زيد (عن عبد العزيز) بن صهيب (عن أنس) هو ابن مالك -رضي الله عنه- (و) رواه حماد (عن يونس) بن عبيد البصري (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: أصاب أهل المدينة قحط) بفتح القاف وسكون الحاء المهملة أي جدب من حبس المطر (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي زمنه (فبينا) بغير ميم (هو يخطب يوم جمعة) وجواب بينا قوله (إذ قام رجل) لم يسم هذا الرجل نعم في الدلائل للبيهقي ما يدل على أنه خارجة بن حصن الفزاري (فقال: يا رسول الله هلكت الكراع) بضم الكاف الخيل (هلكت الشاء) جمع شاة (فادع الله يسقينا فمدّ) عليه الصلاة والسلام (يديه) بالتثنية (ودعا اللهم اسقنا قال أنس: وإن السماء كمثل الزجاجة) من شدّة الصفاء إذ ليس فيها سحابة ولا كدر (فهاجت ريح أنشأت سحابًا ثم اجتمع) ذلك السحاب (ثم أرسلت السماء عزاليها) بالعين المهملة والزاي المعجمة المفتوحتين وكسر اللام وتفتح بعدها تحتية مفتوحة جمع عزلاء وهي فم المزادة الأسفل كما مرّ يعني فأمطرت (فخرجنا) من المسجد (نخوض الماء حتى أتينا منازلنا فلم نزل نمطر) بضم النون وسكون الميم وفتح الطاء من الجمعة (إلى الجمعة الأخرى فقام إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ذلك الرجل) القائل هلكت الكراع (أو غيره) شك الراوي (فقال: يا رسول الله تهدمت
البيوت) أي من كثرة المطر زاد في طريق ابن أبي نمر عن أنس في باب الدعاء إذ انقطعت السبل وهلكت المواشي (فادع الله يحبسه) بالجزم جواب الطلب والضمير للمطر (فتبسم) عليه الصلاة والسلام (ثم قال):
(حوالينا) وفي باب الدعاء إذا كثر المطر: اللهم حوالينا أي اللهم أمطر حوالينا (ولا) تمطر (علينا) قال: (فنظرت إلى السحاب تصدع) بصيغة الماضي أي انكشف وأصله الانشقاق، ولأبي ذر عن الكشميهني كما في اليونينية وبعض الأصول المعتمدة وفرع آقبغًا آص وذلك من الفرع التنكزي يتصدع بالتحتية قبل الفوقية بصيغة المضارع، وقول العيني وللأصيلي تتصدع وهو الأصل، ولكن حذفت منه إحدى التاءين لعله سهو. (حول المدينة كأنه إكليل) بكسر الهمزة وهو ما أحاط بالشيء. وسبق هذا الحديث في الاستسقاء من طرق.
3583 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ كَثِيرٍ أَبُو غَسَّانَ حَدَّثَنَا أَبُو حَفْصٍ - وَاسْمُهُ عُمَرُ بْنُ الْعَلاَءِ أَخُو أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلاَءِ - قَالَ: سَمِعْتُ نَافِعًا عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: "كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَخْطُبُ إِلَى جِذْعٍ، فَلَمَّا اتَّخَذَ الْمِنْبَرَ تَحَوَّلَ إِلَيْهِ، فَحَنَّ الْجِذْعُ، فَأَتَاهُ فَمَسَحَ يَدَهُ عَلَيْهِ". وَقَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ أَخْبَرَنَا عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا مُعَاذُ بْنُ الْعَلاَءِ عَنْ نَافِعٍ بِهَذَا. وَرَوَاهُ أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ أَبِي رَوَّادٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري قال: (حدّثنا يحيى بن كثير) بالمثلثة ابن درهم (أبو غسان) بفتح الغين المعجمة وتشديد السين المهملة العنبري بالنون الساكنة قال: (حدّثنا أبو حفص واسمه عمر) بضم العين (ابن العلاء) بفتح العين المهملة ممدودًا وسقطت الواو من قوله واسمه لأبي ذر. (أخو أبي عمرو) بفتح العين وسكون الميم (ابن العلاء) أحد القرّاء السبعة (قال: سمعت نافعًا) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله تعالى عنهما-) أنه قال:
(كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخطب إلى جذع) بكسر الجيم وسكون الذال المعجمة

(6/44)


أي كان يخطب مستندًا إلى جذع نخلة (فلما اتخذ) عليه الصلاة والسلام (المنبر تحول إليه) للخطبة (فحنّ الجذع) لمفارقته حنين المتألم المشتاق عند الفراق وإنما يشتاق إلى بركة الرسول عليه الصلاة والسلام ويتأسف على مفارقته أعقل العقلاء والعقل والحنين بهذا الاعتبار يستدعي الحياة. وهذا يدل على أن الله تعالى خلق فيه الحياة والعقل والشوق ولهذا حنّ (فأتاه) عليه الصلاة والسلام (فمسح يده عليه) فسكن.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي في الصلاة.
(وقال عبد الحميد) جزم المزي بأنه عبد بن حميد الحافظ المشهور قال: وكان اسمه عبد الحميد وقيل له عبد بغير إضافة تخفيفًا (أخبرنا عثمان بن عمر) بضم العين وفتح الميم ابن فارس البصري قال: (أخبرنا معاذ بن العلاء) المازني أخو أبي عمرو بن العلاء (عن نافع) مولى ابن عمر (بهذا) الحديث السابق، وهذا التعليق وصله الدارمي في مسنده عن عثمان بن عمر بهذا الإسناد.
(ورواه) أي الحديث (أبو عاصم) النبيل فيما وصله البيهقي وأبو داود (عن ابن أبي رواد) بفتح الراء والواو المشددة ميمون المروزي (عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فذكره.
3584 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ يَقُومُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ إِلَى شَجَرَةٍ أَوْ نَخْلَةٍ، فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ -أَوْ رَجُلٌ-: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ نَجْعَلُ لَكَ مِنْبَرًا؟ قَالَ: إِنْ شِئْتُمْ. فَجَعَلُوا لَهُ مِنْبَرًا. فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ دُفِعَ إِلَى الْمِنْبَرِ، فَصَاحَتِ النَّخْلَةُ صِيَاحَ الصَّبِيِّ، ثُمَّ نَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَضَمَّهُ إِلَيْهِ، يَئِنُّ أَنِينَ الصَّبِيِّ الَّذِي يُسَكَّنُ. قَالَ: كَانَتْ تَبْكِي عَلَى مَا كَانَتْ تَسْمَعُ مِنَ الذِّكْرِ عِنْدَهَا».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) المخزومي (قال: سمعت أبي) أيمن الحبشي (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقوم يوم الجمعة) يخطب (إلى شجرة أو) قال إلى (نخلة) بالشك من الراوي (فقالت امرأة من الأنصار) لم تسم (أو رجل): في رواية ابن أبي رواد عند البيهقي في الدلائل أنه تميم الداري (يا رسول الله ألا) بالتخفيف (نجعل لك منبرًا؟ قال):
(إن شئتم) (فجعلوا له منبرًا) عمله باقوم بالموحدة والقاف المضمومة آخره ميم أو لام أو هو مينا أو إبراهيم أو كلاب مولى العباس، وجزم البلاذري بأن الذي عمله أبو رافع مولى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلما كان يوم الجمعة) برفع يوم اسم كان وبالنصب على الظرفية وقت الخطبة (دفع) بضم الدال المهملة وكسر الفاء، ولأبي ذر عن الكشميهني رفع بالراء بدل الدال أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى المنبر) ليخطب عليه (فصاحت النخلة) التي كان يخطب عندها (صياح الصبي) زاد في البيع حتى كادت أن تنشق (ثم نزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فضمه) أي الجذع وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني فضمها أي النخلة (إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تئن) أي فجعلت تئن (أنين الصبي الذي يسكن) بضم التحتية آخره نون مبنيًّا للمفعول من التسكين (قال): عليه الصلاة والسلام (كانت) أي النخلة (تبكي على ما كانت تسمع من الذكر عندها).
وهذا الحديث سبق فى باب النجار من البيوع.
3585 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي حَفْصُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: "كَانَ الْمَسْجِدُ مَسْقُوفًا عَلَى جُذُوعٍ مِنْ نَخْلٍ، فَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا خَطَبَ يَقُومُ إِلَى جِذْعٍ مِنْهَا، فَلَمَّا صُنِعَ لَهُ الْمِنْبَرُ فَكَانَ عَلَيْهِ فَسَمِعْنَا لِذَلِكَ الْجِذْعِ صَوْتًا كَصَوْتِ الْعِشَارِ، حَتَّى جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهَا فَسَكَنَتْ".
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدّثني) بالإفراد (أخي) أبو بكر عبد الحميد (عن سليمان بن بلال) القرشي التيمي (عن يحيي بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (حفص بن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن أنس بن مالك أنه سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- (يقول: كان المسجد) النبوي (مسقوفًا على جذوع من نخل) كانت له كالأعمدة (فكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا خطب يقوم) مستندًا (إلى جذع منها فلما صنع له المنبر) بضم الصاد مبنيًّا للمفعول (وكان) بالواو ولأبوي الوقت وذر فكان (عليه) أي على المنبر (فسمعنا لذلك الجذع صوتًا كصوت العشار) بكسر العين المهملة وبالشين المعجمة المخففة الناقة التي أتت عليها من يوم إرسال الفحل عليها عشرة أشهر (حتى جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوضع يده عليها فسكنت) بالنون.
وهذا الحديث سبق في باب الخطبة على المنبر من كتاب الجمعة، وقد قال الشافعي-رضي الله عنه- فيما نقله ابن أبي حاتم عنه في مناقبه: ما أعطى الله نبيًّا ما أعطى نبينا محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقيل: أعطى عيسى إحياء الموتى. قال: أعطى محمد حنين

(6/45)


الجذع حتى سمع صوته فهي أكبر من ذلك، وقد قال ابن السبكي: والصحيح عندي أن حنين الجذع متواتر، وعن ابن حجر نحوه ولفظه حنين الجذع وانشقاق القمر نقل كل منهما نقلاً مستفيضًا يفيد القطع عند من يطلع على طرق الحديث دون غيرهم ممن لا ممارسة له في ذلك انتهى. وقد ذكرت في المواهب من مباحث ذلك ما يكفي وبالله التوفيق.
3586 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ. وحَدَّثَنا بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ سَمِعْتُ أَبَا وَائِلٍ يُحَدِّثُ عَنْ حُذَيْفَةَ: «أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَالَ: أَيُّكُمْ يَحْفَظُ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْفِتْنَةِ؟ فَقَالَ حُذَيْفَةُ: أَنَا أَحْفَظُ كَمَا قَالَ. قَالَ: هَاتِ، إِنَّكَ لَجَرِيءٌ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فِتْنَةُ الرَّجُلِ فِي أَهْلِهِ وَمَالِهِ وَجَارِهِ تُكَفِّرُهَا الصَّلاَةُ وَالصَّدَقَةُ وَالأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ قَالَ: لَيْسَتْ هَذِهِ، وَلَكِنِ الَّتِي تَمُوجُ كَمَوْجِ الْبَحْرِ، قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ لاَ بَأْسَ عَلَيْكَ مِنْهَا، إِنَّ بَيْنَكَ وَبَيْنَهَا بَابًا مُغْلَقًا. قَالَ: يُفْتَحُ الْبَابُ أَوْ يُكْسَرُ؟ قَالَ: لاَ، بَلْ يُكْسَرُ، قَالَ: ذَاكَ أَحْرَى أَنْ لاَ يُغْلَقَ. قُلْنَا: عَلِمَ الْبَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا أَنَّ دُونَ غَدٍ اللَّيْلَةَ. إِنِّي حَدَّثْتُهُ حَدِيثًا لَيْسَ بِالأَغَالِيطِ. فَهِبْنَا أَنْ نَسْأَلَهُ، وَأَمَرْنَا مَسْرُوقًا فَسَأَلَهُ فَقَالَ: مَنِ الْبَابُ؟ قَالَ: عُمَرُ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة المشددة قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) هو محمد بن إبراهيم بن أبي عدي (عن شعبة) بن الحجاج.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: وحدّثنا بواو وبالجمع (بشر بن خالد) بموحدة مكسورة فشين معجمة ساكنة العسكري الفرائضي نزيل البصرة قال: (حدّثنا محمد) هو ابن جعفر
غندر (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن مهران الأعمش أنه قال: (سمعت أبا وائل) شقيق بن سلمة (يحدث عن حذيفة) بن اليمان (أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال) الصحابة (أيكم يحفظ قول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الفتنة؟) المخصوصة (فقال حذيفة: أنا أحفظ كما قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والكاف زائدة للتأكيد (قال): عمر (هات) بالبناء على الكسر (إنك لجريء) بوزن فعيل. وفي الصلاة: إنك عليه لجريء أي على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي جسور (قال رسول الله):
(فتنة الرجل في أهله) قال الزين بن المنير أي بالميل إليهن أو عليهن في القسمة والإيثار حتى في أولادهن (و) فتنته في (ماله) بالاشتغال به عن العبادة أو بحبسه عن إخراج حق الله (و) فتنته في (جاره) بالحسد والمفاخرة، وزاد في الصلاة وولده وهذه كلها (تكفرها الصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وليس التكفير كما أشار إليه في بهجة النفوس بمختص بما ذكر بل نبه به على ما عداه فكل ما شغل صاحبه عن الله عز وجل فهو فتنة له، وكذلك المكفرات لا تختص بما ذكر بل نبه به على ما عداه فذكر من عبادة الأفعال الصلاة ومن عبادة المال الصدقة ومن عبادة الأقوال الأمر بالمعروف والمكفر إنما هو الصغائر فقط كما قررته غير مرة.
(قال): أي عمر (ليست هذه) الفتنة أريد (ولكن) الذي أريده الفتنة (التي تموج كموج البحر) تضطرب كاضطرابه عند هيجانه وكنى بذلك عن شدة المخاصمة وكثرة المنازعة وما ينشأ عن ذلك (قال): حذيفة لعمر (يا أمير المؤمنين لا بأس عليك منها إن بينك وبينها بابًا مغلقًا) بفتح اللام أي لا يخرج شيء من الفتن في حياتك (قال): عمر لحذيفة مستفهمًا منه (يفتح الباب) بإسقاط أداة الاستفهام وضم أوّله مبنيًا للمفعول (أو يكسر؟ قال): حذيفة (لا) يفتح (بل يكسر. قال): عمر (ذاك) ولأبي ذر ذلك أي كسر الباب (أحرى) بفتح الهمزة وسكون المهملة وفتح الراء أي أجدر (أن لا يغلق) زاد في الصيام إلى يوم القيامة، وإنما قال ذلك لأن العادة أن الفلق إنما يفتح في الصحيح فأما ما انكسر فلا يتصور غلقه قاله ابن بطال.
وقال النووي: ويحتمل أن يكون حذيفة علم أن عمر يقتل ولكنه كره أن يخاطبه بالقتل لأن عمر كان يعلم أنه الباب فأتى بعبارة يحصل بها المقصود بغير تصريح بالقتل انتهى.
وكأنه مثّل الفتن بدار ومثّل حياة عمر بباب لها مغلق ومثّل موته بفتح ذلك الباب فما دامت حياة عمر موجودة وهي الباب المغلق لا يخرج مما هو داخل تلك الدار شيء فإذا مات فقد انفتح ذلك الباب وخرج ما في تلك الدار.
وأخرج الخطيب في الرواة عن مالك أن عمر -رضي الله عنه- دخل على أم كلثوم بنت علي فوجدها تبكي فقال: ما يبكيك؟ قالت: هذا اليهودي لكعب الأحبار يقول: إنك باب من أبواب جهنم. فقال عمر: ما شاء الله ثم خرج فأرسل إلى كعب فجاءه فقال: يا أمير المؤمنين والذي نفسي بيده لا ينسلخ ذو الحجة حتى تدخل الجنة. فقال: ما هذا؟ مرة في الجنة ومرة في النار.
فقال: إنّا لنجدك في كتاب الله على باب من أبواب جهنم تمنع الناس أن يقتحموا فيها فإذا مت اقتحموا انتهى.
قال أبو وائل (قلنا) لحذيفة (علم الباب؟) ولأبي ذر علم عمر الباب (قال: نعم) علمه (كما) يعلم (أن دون غد

(6/46)


الليلة) أي الليلة أقرب من الغد قال حذيفة: (إني حدثته) أي عمر (حديثًا ليس بالأغاليط) بفتح الهمزة جمع أغلوطة بضمها أي حدثته حديثًا صادقًا محققًا من حديث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا عن اجتهاد ورأي. قال أبو وائل: (فهبنا أن نسأله) أي حذيفة من الباب (وأمرنا) بالواو وسكون الراء (مسروقًا) هو ابن الأجدع أن يسأله (فسأله فقال: من الباب قال) أي حذيفة الباب (عمر) -رضي الله عنه-، وقول الزركشي في تفسير حذيفة بعمر إشكال فإن الواقع في الوجود يشهد أن الأولى بذلك أن يكون عثمان لأن قتله هو السبب الذي فرق كلمة الناس وأوقع بينهم تلك الحرب العظيمة والفتن الهائلة.
تعقبه البدر الدماميني فقال: لا خفاء أن مبدأ الفتنة هو قتل عمر فلا معنى لمنازعة حذيفة صاحب سر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في أن الباب هو عمر، ولعل ذلك هو من جملة الأسرار التي ألقاها إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي قوله: إني حدثته حديثًا ليس بالأغاليط إيماء إلى ذلك فينبغي تلقي قوله بالقبول، وإنما يحمل على الاعتراض على مثل هؤلاء السادة الجلة إعجاب المعترض برأيه ورضاء عن نفسه وظنه أنه تأهل للاعتراض حتى على الصحابة وهو دون ذلك كله انتهى.
فالله تعالى يرحم البدر فلقد بالغ ولا يلزم من الاستشكال وعدم فهم المراد الاعتراض والعناد، ولقد وافق حذيفة على معنى روايته أبو ذر فروى الطبراني بإسناد رجاله ثقات أنه لقي عمر فأخذه بيده فغمزها فقال له أبو ذر: أرسل يدي يا قفل الفتة الحديث. وفيه أن أبا ذر قال: لا تصيبكم فتنة ما دام فيكم وأشار إلى عمر، وروى البزار في حديث قدامة بن مظعون عن أخيه عثمان أنه قال لعمر: يا غلق الفتنة فسأله عن ذلك فقال: مررت ونحن جلوس مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هذا غلق الفتنة لا يزال بينكم وبين الفتنة باب شديد الغلق ما عاش.
وحديث الباب سبق في الصلاة.
3587 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَحَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ صِغَارَ الأَعْيُنِ حُمْرَ الْوُجُوهِ ذُلْفَ الأُنُوفِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة الأموي مولاهم واسم أبيه دينار قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه-. وهذا الحديث قد اشتمل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربعة أحاديث أحدها قتال الترك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا قومًا نعالهم الشعر) بفتح العين وتسكينها يعني يجعلون نعالهم من حبال ضفرت من الشعر أو المراد طول شعورهم حتى تصير أطرافها في أرجلهم موضع النعال، ولمسلم يلبسون الشعر ويمشون في الشعر وقال ابن دحية: المراد القندس الذين يلبسونه في الشرابيش قال: وهو جلد كلب الماء (وحتى تقاتلوا الترك صغار الأعين حُمر الوجوه ذلف الأنوف) بضم الذال المعجمة وسكون اللام بعدها فاء جمع أذلف أي صغير الأنف مستوي الأرنبة وصغار وحمر وذلف نصب صفة للمنصوب قبلها (كأن وجوههم المجان) بفتح الميم والجيم المخففة وبعد الألف نون مشددة جمع مجن بكسر الميم أي الترس (المطرقة) بضم الميم وسكون الطاء وفتح الراء مخففة وهي التي ألبست الطراق وهي جلدة تقدر على قدر الدرقة وتلصق عليها فكأنها ترس على ترس فشبهها بالترس لبسطها وتدويرها وبالمطرقة لغلظها وكثرة لحمها.
والترك قيل إنهم من ولد سام بن نوح، وقيل من ولد يافث وبلادهم ما بين مشارق خراسان إلى مغارب الصين وبين ما يلي الهند إلى أقصى المعمور.
وهذا الحديث الأول سبق في باب قتال الترك من الجهاد.
3588 - «وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ أَشَدَّهُمْ كَرَاهِيَةً لِهَذَا الأَمْرِ حَتَّى يَقَعَ فِيهِ. وَالنَّاسُ مَعَادِنُ: خِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلاَمِ».
والثاني قوله عليه الصلاة والسلام: (وتجدون من خير الناس أشدهم كراهية) ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني وتجدون أشد الناس كراهية (لهذا الأمر) وهي الولاية خلافة أو إمارة لما فيه من صعوبة العمل بالعدل (حتى يقع فيه) فتزول عنه الكراهية لما يرى من إعانة الله على ذلك لكونه غير سائل.
وهذا قد سبق في المناقب.
والثالث قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (والناس معادن) جمع معدن وهو الشيء المستقرّ في الأرض فتارة يكون نفيسًا وتارة يكون خسيسًا وكذلك الناس (خيارهم في

(6/47)


الجاهلية خيارهم في الإسلام) فصفة الشرف لا تتغير في ذاتها بل من كان شريفًا في الجاهلية فهو بالنسبة إلى أهل الجاهلية رأس، فإن أسلم استمر شرفه وكان أشرف ممن أسلم من المشروفين في الجاهلية.
وهذا قد سبق في المناقب أيضًا.
3589 - «وَلَيَأْتِيَنَّ عَلَى أَحَدِكُمْ زَمَانٌ لأَنْ يَرَانِي أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ أَهْلِهِ وَمَالِهِ».
والرابع قوله عليه الصلاة والسلام: (وليأتين على أحدكم زمان) أي بعد موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لأن يراني) فيه (أحبّ إليه من أن يكون له مثل أهله وماله) فكل واحد من الصحابة فمن بعدهم
من المؤمنين يتمنى رؤيته عليه الصلاة والسلام ولو فقد أهله وماله.
3590 - حَدَّثَنا يَحْيَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا خُوزًا وَكَرْمَانَ مِنَ الأَعَاجِمِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ فُطْسَ الأُنُوفِ صِغَارَ الأَعْيُنِ كأن وُجُوهُهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ، نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ». تَابَعَهُ غَيْرُهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى) بن موسى الختن أو يحيى بن جعفر البيكندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام (عن معمر) هو ابن راشد (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا خوزًا) بضم الخاء وسكون الواو وبالزاي المعجمة (وكرمان من الأعاجم) بفتح الكاف في الفرع وفي غيره بكسرها والوجهان في اليونينية وسكون الراء. قال ابن دحية: قيدنا خوزًا بالزاي وقيده الجرجاني بالراء المهملة مضافًا إلى كرمان، وصوّبه الدارقطني وحكاه عن الإمام أحمد. وقال بعضهم: إنه تصحيف، وقيل إذا أضيف فبالمهملة وإذا عطفته فبالزاي لا غير.
واستشكل هذا مع ما سبق من قوله تقاتلون الترك لأن خوزًا وكرمان ليسا من بلاد الترك؛ أما خوز فمن بلاد الأهواز وهي من عراق العجم، وأما كرمان فبلدة من بلاد العجم أيضًا بين خراسان وبحر الهند، ويحتمل أن يكون هذا الحديث غير حديث قتال الترك ولا مانع من اشتراك المصنفين في الصفات المذكورة أعني قوله:
(حمر الوجوه فطس الأنوف) جمع أفطس والفطوسة تطامن قصبة الأنف وانتشارها (صغار الأعين كان وجوههم المجان المطرقة) وثبت في الفرع كأن وسقط من أصله فوجوههم بالرفع.
قال الكرماني فإن قلت: أهل هذين الإقليمين أي خوز وكرمان ليسوا على هذه الصفات.
وأجاب: بأنه إما أن بعضهم كانوا بهذه الأوصاف في ذلك الوقت أو سيصيرون كذلك فيما بعد، وإما أنهم بالنسبة إلى العرب كالتوابع للترك، وقيل: إن بلادهم فيها موضع اسمه كرمان وقيل ذلك لأنهم يتوجهون من هاتين الجهتين، وقال في شرح المشكاة: لعل المراد بهما صنفان من الترك كان أحد أصول أحدهما من خوز وأحد أصول الآخر من كرمان فسماهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- باسمه وإن لم يشتهر ذلك عندنا كما نسبهم إلى قنطوراء وهي أمة كانت لإبراهيم عليه الصلاة والسلام. (نعالهم الشعر).
(تابعه غيره) أي غير يحيى شيخ المؤلّف في روايته (عن عبد الرزاق) بن همام أخرجه أحمد وإسحاق في مسنديهما.
3591 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: قَالَ إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنِي قَيْسٌ قَالَ: «أَتَيْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- فَقَالَ: صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَ سِنِينَ لَمْ أَكُنْ فِي سِنِيَّ أَحْرَصَ عَلَى أَنْ أَعِيَ الْحَدِيثَ مِنِّي فِيهِنَّ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ -وَقَالَ هَكَذَا بِيَدِهِ-: بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نِعَالُهُمُ الشَّعَرُ، وَهُوَ هَذَا الْبَارِزُ. وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً: وَهُمْ أَهْلُ الْبَازَرِ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: قال إسماعيل) بن أبي خالد (أخبرني قيس) هو ابن أبي حازم (قال: أتينا أبا هريرة -رضي الله عنه- فقال: صحبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثلاث سنين) أي المدة التي لازمه فيها الملازمة الشديدة وإلاّ فمدة صحبته كانت أكثر من ثلاث سنين، فخرج أحمد وغيره عن حميد بن عبد الرحمن الحميري قال: صحبت رجلاً صحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربع سنين كما صحبه أبو هريرة: الحديث. وقد كان أبو هريرة قدم في خيبر سنة سبع وكانت خيبر في صفر وتوفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ربيع الأول سنة إحدى عشرة، فعلى هذا تكون المدة أربع سنين وزيادة (لم أكن في سنيّ) بكسر السين المهملة والنون وتشديد التحتية وهي مفتوحة في اليونينية وفرعها والناصرية وغيرها على الإضافة إلى ياء المتكلم أي في مدة عمري، وللكشميهني مما لم يذكره في اليونينية وفرعها في شيء بمعجمة مفتوحة بعدها همزة واحد الأشياء (أحرص على أن أعي الحديث) أحفظه (مني فيهن) في الثلاث السنين والمفضل عليه والمفضل كلاهما أبو هريرة فهو مفضل باعتبار ثلاث السنين ومفضل عليه باعتبار باقي سني عمره، و (سمعته يقول: وقال هكذا بيده).
(بين يدي الساعة) أي قبلها

(6/48)


(تقاتلون قومًا نعالهم الشعر وهو هذا البارز) بتقديم الراء المفتوحة وتكسر على الزاي المعجمة يعني البارزين لقتال أهل الإسلام أي الظاهرين في براز من الأرض، قيل: هم أهل فارس أو الأكراد الذين يسكون في البارز أي الصحراء أو الديالمة.
(وقال سفيان) بن عيينة (مرة وهم) أي الذين يقاتلون (أهل البازر) بتقديم الزاي المفتوحة وتكسر على الراء المهملة والمعروف الأول، وبه جزم الأصيلي وابن السكن.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الفتن.
3592 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ سَمِعْتُ الْحَسَنَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ تَغْلِبَ قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا يَنْتَعِلُونَ الشَّعَرَ، وَتُقَاتِلُونَ قَوْمًا كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بالشين المعجمة والحاء المهملة المكسورتين قال: (حدّثنا جرير بن حازم) بالحاء المهملة والزاي ابن زيد الأزدي البصري قال (سمعت الحسن) البصري (يقول: حدّثنا عمرو بن تغلب) بفتح العين المهملة وسكون الميم وتغلب بفتح الفوقية وسكون الغين المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة -رضي الله عنه- (قال: سمعت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(بين يدي الساعة) قبلها (تقاتلون قومًا ينتعلون الشعر وتقاتلون قومًا كان وجوههم المجان المطرقة) بفتح الراء اسم مفعول. قال الحافظ ابن حجر: وقد ظهر مصداق هذا الخبر وقد كان مشهورًا في زمن الصحابة حديث: اتركوا الترك ما تركوكم، فروى الطبراني من حديث معاوية قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول.
وروى أبو يعلى من وجه آخر عن معاوية بن خديج قال: كنت عند معاوية فأتاه كتاب عامله أنه وقع بالترك وهزمهم فغضب معاوية من ذلك ثم كتب إليه لا تقاتلهم حتى يأتيك أمري فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول: إن الترك تجلي العرب حتى تلحقهم بمنابت الشيخ. قال: فأنا أكره قتالهم لذلك، وقاتل المسلمون الترك في خلافة بني أمية وكان ما بينهم وبين المسلمين مسدودًا إلى أن فتح ذلك شيئًا بعد شيء وكثر السبي منهم وتنافس فيهم الملوك لما فيهم من الشدّة والبأس حتى كان أكثر عسكر المعتصم منهم، ثم غلب الأتراك على الملك فقتلوا ابنه المتوكل ثم أولاده واحدًا بعد واحد إلى أن خالط المملكة الديلم، ثم كان الملوك السامانية من الترك أيضًا فملكوا بلاد العجم، ثم غلب على تلك الممالك سبكتكين ثم آل سلجوق وامتدت مملكتهم إلى العراق والشام والروم، ثم كان بقايا أتباعهم بالشام وهم آل زنكي وأتباع هؤلاء وهم بيت أيوب، واستكثر هؤلاء أيضًا من الترك فغلبوهم على المملكة بالديار المصرية والشامية والحجازية، وخرج على آل سلجوق في المائة الخامسة الغز فخربوا البلاد وفتكوا في العباد، ثم جاءت الطامة الكبرى المعروفة بالتتر فكان خروج جنكز خان بعد الستمائة فاستعرت بهم الدنيا نارًا خصوصًا المشرق بأسره حتى لم يبق بلد منه حتى دخله شرهم، ثم كان خراب بغداد وقتل الخليفة المعتصم آخر خلفائهم على أيديهم في سنة ست وخمسين وستمائة، ثم لم تزل بقاياهم يخرجون إلى أن كان اللنك ومعناه الأعرج واسمه تمر بفتح المثناة الفوقية وضم الميم فطرق الديار الشامية وعاث فيها وخرب دمشق حتى صارت خاوية على عروشها ودخل الروم والهند وما بين ذلك وطالت مدته إلى أن أخذه الله وتفرق بنوه البلاد وظهر بذلك مصداق قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
3593 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ، فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ وَرَائِي فَاقْتُلْهُ».
وبه قال: (حدّثنا الحكم بن نافع) أبو اليمان قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أن) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(تقاتلكم اليهود) الخطاب للحاضرين والمراد من يأتي بعدهم بدهر طويل لأن هذا إنما يكون
إذا نزل عيسى عليه السلام فإن المسلمين يكونون معه واليهود مع الدجال (فتسلطون عليهم) بفتح اللام المشددة (حتى يقول الحجر): ولغير أبي ذر ثم يقول الحجر حقيقة (يا مسلم هذا يهودي ورائي فاقتله) ففيه ظهور الآيات قرب الساعة من كلام الجماد، ويحتمل المجاز بأن يكون المراد أنهم لا يفيدهم الاختباء والأول أولى.
وفي حديث أبي أمامة في قصة خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام

(6/49)


ووراءه الدجال ومعه سبعون ألف يهودي كلهم ذو سيف محلّى وساج فإذا نظر إليه الدجال ذاب كما يذوب الملح في الماء وينطلق هاربًا فيقول عيسى عليه السلام: إن لي فيك ضربة لن تسبقني بها فيدركه عيسى عليه السلام عند باب لدّ الشرقي فيقتله وتنهزم اليهود فلا يبقى شيء مما خلق الله يتوارى به يهودي إلا أنطق الله ذلك الشيء، لا حجر ولا شجر ولا حائط ولا دابة فقال: يا عبد الله المسلم هذا يهودي فتعال فاقتله إلا الغرقدة فإنها من شجرهم لا تنطق. رواه ابن ماجه مطولاً وأصله عند أبي داود ونحوه من حديث سمرة عند أحمد بإسناد حسن، وأخرجه ابن منده في كتاب الإيمان من حديث حذيفة بإسناد صحيح.
3594 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغْزُونَ، فَيُقَالُ: فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ عَلَيْهِمْ. ثُمَّ يَغْزُونَ. فَيُقَالُ لَهُمْ: هَلْ فِيكُمْ مَنْ صَحِبَ مَنْ صَحِبَ الرَّسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَيَقُولُونَ: نَعَمْ. فَيُفْتَحُ لَهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- (عن أبي سعيد) بكسر العين سعد بن مالك بن سنان الخدري (رضي الله عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(يأتي على الناس زمان يغزون) أي فئام أي جماعة (فيقال فيكم) بحذف همزة الاستفهام ولأبي ذر عن الكشميهني لهم فيكم (من صحب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فيقولون: نعم فيفتح عليهم ثم يغزون فيقال لهم): سقط (لهم) لأبي ذر (هل فيكم من صحب من صحب الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي تابعي (فيقولون: نعم، فيفتح لهم) أي عليهم وحذفت لدلالة الأولى.
وقال في الفتح: وفيه ردّ على من زعم وجود الصحبة في الأعصار المتأخرة لأنه يتضمن استمرار الجهاد والبعوث إلى بلاد الكفار وأنهم يسألون هل فيكم أحد من الصحابة؟ فيقولون: لا، وكذلك في التابعين وأتباعهم، وقد وقع ذلك فيما مضى وانقطعت البعوث عن بلاد الكفار في هذه الأعصار، وقد ضبط أهل الحديث آخر من مات من الصحابة وهو على الإطلاق أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي كما جزم به مسلم في صحيحه، وكان موته سنة مائة أو سبع ومائة أو ست عشرة ومائة وهو مطابق لقوله عليه الصلاة والسلام قبل وفاته بشهر على رأس
مائة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها اليوم أحد.
وهذا الحديث قد سبق في الجهاد في باب من استعان بالضعفاء والصالحين في الحرب.
3595 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْحَكَمِ أَخْبَرَنَا النَّضْرُ أَخْبَرَنَا إِسْرَائِيلُ أَخْبَرَنَا سَعْدٌ الطَّائِيُّ أَخْبَرَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ: «بَيْنَا أَنَا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ أَتَاهُ رَجُلٌ فَشَكَا إِلَيْهِ الْفَاقَةَ، ثُمَّ أَتَاهُ آخَرُ فَشَكَا قَطْعَ السَّبِيلِ، فَقَالَ: يَا عَدِيُّ، هَلْ رَأَيْتَ الْحِيرَةَ؟ قُلْتُ: لَمْ أَرَهَا، وَقَدْ أُنْبِئْتُ عَنْهَا. قَالَ: فَإِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ أَحَدًا إِلاَّ اللَّهَ -قُلْتُ: فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِي فَأَيْنَ دُعَّارُ طَيِّئٍ الَّذِينَ قَدْ سَعَّرُوا الْبِلاَدَ؟ - وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتُفْتَحَنَّ كُنُوزُ كِسْرَى. قُلْتُ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ؟ قَالَ: كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ. وَلَئِنْ طَالَتْ بِكَ حَيَاةٌ لَتَرَيَنَّ الرَّجُلَ يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ يَطْلُبُ مَنْ يَقْبَلُهُ مِنْهُ فَلاَ يَجِدُ أَحَدًا يَقْبَلُهُ مِنْهُ. وَلَيَلْقَيَنَّ اللَّهَ أَحَدُكُمْ يَوْمَ يَلْقَاهُ وَلَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ تُرْجُمَانٌ يُتَرْجِمُ لَهُ، فَيَقُولَنَّ: أَلَمْ أَبْعَثْ إِلَيْكَ رَسُولاً فَيُبَلِّغَكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَقُولُ: أَلَمْ أُعْطِكَ مَالاً وَأُفْضِلْ عَلَيْكَ؟ فَيَقُولُ: بَلَى. فَيَنْظُرُ عَنْ يَمِينِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ جَهَنَّمَ، وَيَنْظُرُ عَنْ يَسَارِهِ فَلاَ يَرَى إِلاَّ جَهَنَّمَ. قَالَ عَدِيٌّ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ شقٌّ تَمْرَةٍ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ. قَالَ عَدِيٌّ: فَرَأَيْتُ الظَّعِينَةَ تَرْتَحِلُ مِنَ الْحِيرَةِ حَتَّى تَطُوفَ بِالْكَعْبَةِ لاَ تَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ، وَكُنْتُ فِيمَنِ افْتَتَحَ كُنُوزَ كِسْرَى بْنِ هُرْمُزَ، وَلَئِنْ طَالَتْ بِكُمْ حَيَاةٌ لَتَرَوُنَّ مَا قَالَ النَّبِيُّ أَبُو الْقَاسِمِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يُخْرِجُ مِلْءَ كَفِّهِ».
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا سَعْدَانُ بْنُ بِشْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو مُجَاهِدٍ حَدَّثَنَا مُحِلُّ بْنُ خَلِيفَةَ سَمِعْتُ عَدِيًّا: «كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن الحكم) بفتحتين أبو عبد الله المروزي الأحول قال: (أخبرنا النضر) بفتح النون وسكون الضاد المعجمة ابن شميل المازني قال: (أخبرنا إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي قال: (أخبرنا سعد) بسكون العين أبو مجاهد (الطائي) قال: (أخبرنا محل بن خليفة) بضم الميم وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام الطائي (عن عدي بن حاتم) الطائي أنه (قال: بينا) بغير ميم (أنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ أتاه رجل) لم يسم (فشكا إليه الفاقة ثم أتاه آخر) أيضًا (فشكا إليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وثبت لفظ "إليه" لأبي ذر (قطع السبيل) أي الطريق من طائفة يترصدون في المكامن لأخذ المال أو لغير ذلك ولم يسم الرجل الآخر، لكن في دلائل النبوة لأبي نعيم ما يرشد إلى أن الرجلين صهيب وسلمان (فقال):
(يا عديّ هل رأيت الحيرة؟) بكسر الحاء المهملة وسكون التحتية وفتح الراء كانت بلد ملوك العرب الذين تحت حكم آل فارس، وكان ملكهم يومئذٍ إياس بن قبيصة الطائي وليها من تحت يد كسرى بعد قتل النعمان بن المنذر (قلت: لم أرها وقد أنبئت) بضم الهمزة مبنيًّا
للمفعول أي أخبرت (عنها) عن الحيرة (قال):
(فإن طالت بك حياة لترين الظعينة) بالظاء المعجمة المرأة في الهودج (ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحدًا إلا الله) قال عدي: (قلت فيما بيني وبين نفسي) متعجبًا (فأين دعار طيئ) بالدال والعين المهملتين لا بالذال المعجمة أي كيف تمرّ المرأة على قطاع الطريق من طيئ غير خائفة وهم يقطعون الطريق على من مرّ عليهم بغير جوار (الذين قد سعروا البلاد) بفتح السين والعين المشددة المهملتين أي ملؤوها شرًّا وفسادًا، وهو مستعار من استعار النار، وهو توقدها والتهابها والموصول صفة سابقه (ولئن طالت بك

(6/50)


حياة لتفتحن) بفتح اللام وضم الفوقية وسكون الفاء وفتح الفوقية والحاء المهملة وتشديد النون مبنيًّا للمفعول، ولأبي ذر: لتفتحن بفتح التاءين (كنوز كسرى) قال عدي مستفهمًا (قلت: كسرى) أي كنوز كسرى (بن هرمز؟ قال) عليه الصلاة والسلام (كسرى بن هرمز) ملك الفرس وإنما قال عدي ذلك لعظمة كسرى إذ ذاك (ولئن طالت بك حياة لترين) بفتح اللام والفوقية والراء والتحتية وتشديد النون (الرجل يخرج) بضم أوله وكسر ثالثه (ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله منه فلا يجد أحدًا يقبله منه) لعدم الفقراء حينئذٍ قيل وذلك يكون في زمن عيسى عليه السلام.
وجزم البيهقي بأن ذلك في زمن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- لحديث عمر بن أسيد بن عبد الرحمن بن زيد بن الخطاب قال: لما ولي عمر بن عبد العزيز ثلاثين شهرًا لا والله ما مات حتى جعل الرجل يأتينا بالمال العظيم فيقول: اجعلوا هذا حيث ترون في الفقراء فما يبرح حتى يرجع بماله نتذاكر من نضعه فيه فلا نجده قد أغنى عمر الناس. رواه البيهقي وقال فيه تصديق ما روينا في حديث عدي بن حاتم.
(وليلقين الله أحدكم) بفتح اللام والتحتية وسكون اللام وفتح القاف والتحتية ورفع أحدكم على الفاعلية (يوم يلقاه) في القيامة (وليس بينه وبينه ترجمان) بفتح الفوقية وضمها وضم الجيم (يترجم له فيقولن: ألم) ولأبي ذر فليقولن له بزيادة لام بعد الفاء ولفظة له ألم (أبعث إليك رسولاً فيبلغك) بصيغة المضارع منصوبًا (فيقول: بلى) يا رب (فيقول) جل وعلا (ألم أعطك مالاً؟) زاد الكشميهني وولدًا (وأفضل) بضم الهمزة وسكون الفاء وكسر الضاد المعجمة من الإفضال أي وألم أفضل (عليك) منه (فيقول: بلى) يا رب (فينظر عن يمينه فلا يرى إلا جهنم وينظر عن يساره فلا يرى إلا جهنم) (قال عدي: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول اتقوا النار ولو بشقة تمرة) بكسر الشين المعجمة ولأبي ذر عن الكشميهني والحموي: بشق تمرة بحذف تاء التأنيث بعد القاف (فمن لم يجد شق تمرة) ولأبي ذر عنهما تمرة يتصدق بها (فبكلمة طيبة) يرده بها ويطيب قلبه. (قال عدي: فرأيت الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف الكعبة لا تخاف إلا الله، وكنت فيمن افتتح كنوز كسرى بن هرمز) قال عدي أيضًا (ولئن طالت بكم حياة لترون) بالواو (ما قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبو القاسم يخرج) أي الرجل (ملء كفه) أي من ذهب أو فضة فلا يجد من يقبله.
وهذا الحديث قد مرّ في كتاب الزكاة في باب الصدقة قبل الرد.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي وثبت ابن محمد لأبي ذر قال: (حدّثنا أبو عاصم) بن مخلد أحد مشايخ المؤلّف روي عنه هنا بواسطة. قال: (أخبرنا سعدان بن بشر) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة الجهني الكوفي قال: (حدّثنا أبو مجاهد) سعد بسكون العين الطائي قال: (حدّثنا محل بن خليفة) بضم الميم وكسر الحاء المهملة وتشديد اللام الطائي قال: (سمعت عديًّا) هو ابن حاتم الطائي يقول: (كنت عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولفظ متن هذا الإسناد سبق في الزكاة وهو: فجاءه رجلان أحدهما يشكو العيلة والآخر يشكو قطع السبيل فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
"أما قطع السبيل فإنه لا يأتي عليك إلاّ قليل حتى تخرج العير إلى مكة بغير خفير، وأما العيلة فإن الساعة لا تقوم حتى يطوف أحدكم بصدقته لا يجد من يقبلها منه، ثم ليقفن أحدكم بين يدي الله عز وجل ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان يترجم له ثم ليقولن له ألم أُوتك مالاً وولدًا فليقولن: بلى، ثم ليقولن ألم أرسل إليك رسولاً؟ فليقولن: بلى فينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار، فليتقين أحدكم النار ولو بشق تمرة فإن لم يجد فبكلمة طيبة، هذا لفظه وقد يوهم إطلاق المؤلّف أنه مثل الأول سواء.
3596 - حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ يَزِيدَ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: إِنِّي فَرَطُكُمْ، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ. إِنِّي وَاللَّهِ لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي الآنَ، وَإِنِّي قَدْ أُعْطِيتُ خَزَائِنَ مَفَاتِيحِ الأَرْضِ، وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ بَعْدِي أَنْ تُشْرِكُوا، وَلَكِنْ أَخَافُ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (سعيد بن شرحبيل) بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون الحاء المهملة بعدها موحدة مكسورة فتحتية ساكنة فلام

(6/51)


منصرف في اليونينية مصحح عليه وغير منصرف في الفرع مصحح عليه أيضًا الكندي قال: (حدّثنا ليث) هو ابن سعد الإمام (عن يزيد) بن أبي حبيب (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله (عن عقبة بن عامر أن النبي) ولأبي ذر عن عقبة عن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (خرج يومًا فصل على أهل أُحُد) الشهداء (صلاته على الميت) أي دعا لهم بدعاء صلاة الميت (ثم انصرف) حتى أتى (إلى المنبر فقال): لأصحابه.
(إني فرطكم) بفتح الراء أي أتقدمكم إلى الحوض كالمهيئ لكم (وأنا شهيد عليكم إني والله لأنظر إلى حوضي الآن) فيه أن الحوض على الحقيقة وأنه مخلوق موجود الآن (وإني قد أعطيت خزائن مفاتيح) وفي نسخة: مفاتيح خزائن (الأرض) فيه إشارة إلى ما ملكته أمته مما فتح عليهم من الخزائن (وإني والله ما أخاف) عليكم (بعدي أن تشركوا) أي بالله (ولكن) وفي نسخة: ولكني (أخاف) عليكم (أن تنافسوا) بحذف أحدى التاءين تخفيفًا (فيها) أي في الدنيا.
وقد وقع ما قاله عليه الصلاة والسلام ففتحت على أمته بعده الفتوح الكثيرة وصبت عليهم الدنيا صبًّا وتحاسدوا وتقاتلوا، وقد مرّ هذا الحديث في باب الصلاة على الشهيد من كتاب الجنائز.
3597 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ أُسَامَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «أَشْرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أُطُمٍ مِنَ الآطَامِ فَقَالَ: هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي أَرَى الْفِتَنَ تَقَعُ خِلاَلَ بُيُوتِكُمْ مَوَاقِعَ الْقَطْرِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا ابن عيينة) سفيان (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن أسامة) بن زيد (-رضي الله عنه-) أنه (أشرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي نظر من مكان عال (على أطم) بضم الهمزة والطاء المهملة (من الآطام) بفتح الهمزة الممدودة، وفي نسخة من آطام المدينة أي على حصن من حصون أهل المدينة (فقال) لأصحابه:
(هل ترون ما أرى إني أرى) ببصري (الفتن تقع خلال بيوتكم) أي نواحيها (مواقع القطر) وجه التشبيه الكثرة والعموم وهو إشارة إلى الحروب الواقعة فيها كوقعة الحرة وغيرها.
وهذا الحديث قد سبق في أواخر الحج.
3598 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ حَدَّثَتْهُ أَنَّ أُمَّ حَبِيبَةَ بِنْتَ أَبِي سُفْيَانَ حَدَّثَتْهَا عَنْ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعًا يَقُولُ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدِ اقْتَرَبَ: فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذَا. وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ وَبِالَّتِي تَلِيهَا، فَقَالَتْ زَيْنَبُ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: حدّثني) ولأبي ذر: أخبرني بالإفراد فيهما (عروة بن الزبير) بن العوام (أن زينب ابنة) ولأبي ذر: بنت (أبي سلمة) ربيبته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حدّثته أن أم حبيبة) رملة (بنت أبي سفيان) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (حدّثتها عن زينب بنت جحش) أم المؤمنين -رضي الله عنهن- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عليها) أي على زينب بنت جحش حال كونه (فزعًا) بكسر الزاي أي خائفًا مما أخبر به أنه يصيب أمته (يقول):
(لا إله إلا الله ويل) كلمة تقال لمن وقع في هلكة (للعرب) لأنهم كانوا أكثر المسلمين (من شر قد اقترب) قيل: خص العرب إشارة إلى قتل عثمان أو ما يقع من الترك أو يأجوج ومأجوج (فتح اليوم) بالنصب (من ردم يأجوج ومأجوج) بكسر راء ردم في اليونينية والفرع وبفتحها في الناصرية وغيرها ويأجوج ومأجوج من غير همز فيهما أي من سدهما (مثل هذا) بالتذكير (وحلق
بإصبعه) أي بالإبهام (وبالتي تليها) وسقطت الباء من بالتي بالفرع وثبتت بأصله (فقالت زينب): بنت جحش (فقلت يا رسول الله أنهلك) بكسر اللام (وفينا الصالحون؟) وهم لا يستحقون ذلك (قال) عليه الصلاة والسلام (نعم إذا كثر الخبث) أي المعاصي، وقيل: إذا عزّ الأشرار وذلّ الصالحون.
وسبق هذا الحديث في باب قصة يأجوج ومأجوج من أحاديث الأنبياء.
3599 - وَعَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الْحَارِثِ أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ قَالَتِ: «اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ مَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْخَزَائِنِ، وَمَاذَا أُنْزِلَ مِنَ الْفِتَنِ».
(وعن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب بإسناده السابق أنه قال: (حدّثتني هند بنت الحرث) الفراسية (أن أم سلمة) هند أم المؤمنين -رضي الله عنها- (قالت: استيقظ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من نومه (فقال):
(سبحان الله) نصبه على المصدر وفي نسخة: لا إله إلا الله بدل قوله سبحان الله (ماذا أنزل) الليلة وما استفهامية متضمنة لمعنى التعجب والتعظيم (من الخزائن) أي الكنوز (وماذا أنزل) زاد في باب تحريض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قيام الليل الليلة فالليلة ظرف الإنزال (من الفتن) من القتال الكائن بين المسلمين هكذا

(6/52)


أورده هنا مختصرًا، وتمامه في الفتن بهذا الإسناد، ولفظه: من يوقظ صواحب الحجرات يريد أزواجه لكي يصلّين رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة.
3600 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ لِي: إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الْغَنَمَ وَتَتَّخِذُهَا، فَأَصْلِحْهَا وَأَصْلِحْ رُعَامَهَا، فَإِنِّي سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: يَأْتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ تَكُونُ الْغَنَمُ فِيهِ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَالِ -أَوْ سَعَفَ الْجِبَالِ- فِي مَوَاقِعِ الْقَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد العزيز بن أبي سلمة بن الماجشون) بكسر الجيم وبالشين المعجمة المضمومة آخره نون وأبو عبد العزيز عبد الله واسم أبي سلمة دينار، وصوّب الكرماني إسقاط لفظ ابن بعد أبي سلمة، وكذا هو في التقريب ابن أبي سلمة الماجشون والنون في الفرع وأصله مكسورة فقط صفة لأبي سلمة وقد تضم صفة لعبد العزيز المدني نزيل بغداد وسمي بالماجشون لحمرة وجنتيه (عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة) هو عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي صعصعة (عن أبيه) أي عبد الله لا عن أبي صعصعة (عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال لي) أي قال أبو سعيد لعبد الله بن أبي صعصعة (إني أراك تحب الغنم وتتخذها فأصلحها وأصلح رعامها) بضم الراء وتخفيف العين المهملتين أي ما يسيل من أنوفها، وفي نسخة: رغامها بالغين المعجمة وهو التراب فكأنه قال في الأول: داوِ مرضها، وفي
الثاني أصلح مرابضها (فإني سمعت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(يأتي على الناس زمان تكون الغنم فيه خير مال المسلم يتبع بها) بإسكان المثناة الفوقية وفتح الموحدة بالغنم (شعف الجبال) بشين معجمة وعين مهملة وفاء مفتوحات منصوب على المفعولية أي رؤوس الجبال (أو) قال (سعف الجبال) بالسين المهملة جرائد النخل ولا معنى له هنا والشك من الراوي، وسقط قوله أو سعف الجبال الأخير من رواية أبي ذر في الفرع، وفي اليونينية علامة السقوط على الجبال فقط؛ وفي نسخة: أو شعف بالمعجمة وإسكان العين المهملة (في مواقع القطر) أي في مواضع نزول المطر وهي بطون الأودية والصحارى، وقال في شرح المشكاة: والقطر عبارة عن العشب والكلأ أي يتبع بها مواقع العشب والكلأ في شعاف الجبال، وفي نسخة: ومواقع القطر حال كونه (يفر بدينه) بالفاء المكسورة أي يهرب مع دينه أو بسببه (من الفتن) طلبًا لسلامته.
3601 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الأُوَيْسِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ عَنْ صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْقَائِمِ، وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْمَاشِي؛ وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، وَمَنْ تَشرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفْهُ، وَمَنْ وَجَدَ مَلْجَأً أَوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ». [الحديث 3601 - طرفاه في: 7081، 7082].
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن عبد الله بن يحيى (الأويسي) القرشي قال: (حدّثنا إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح بن كيسان) بفتح الكاف (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن ابن المسيب) سعيد (وأبي سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ستكون فتنة) بكسر الفاء وفتح الفوقية جمع فتنة والمراد الاختلاف الواقع بين أهل الإسلام بسبب افتراقهم على الإمام ولا يكون المحق فيها معلومًا بخلاف زمان علي ومعاوية (القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي) قال النووي: معناه بيان عظم خطرها والحث على تجنبها والهرب منها ومن التسبب في شيء منها لأن سببها وشرها وفتنتها تكون على حسب التعلق بها (ومن تشرف) بضم الفوقية أو التحتية وسكون المعجمة وكسر الراء وجزم الفاء مضارع من الإشراف، ولأبي ذر: تشرف بفتح الفوقية والمعجمة والراء المشددة وفتح الفاء فعل ماض من التشرف (لها) أي للفتنة (تستشرفه) بكسر الراء وجزم الفاء. قال التوربشتي: أي من تطلع لها دعته إلى الوقوع فيها. والتشرف التطلع واستعير هاهنا للإصابة لشرها، أو أريد أنها تدعوه إلى زيادة النظر إليها، وقيل: إنه من استشرفت الشيء إذا علوته يريد من انتصب لها انتصبت له وصرعته، وقيل هو من المخاطرة والأشياء على الهلاك أي من خاطر بنفسه فيها أهلكته. قال الطيبي: لعل الوجه الثالث أولى لما يظهر منه من معنى اللام في لها وعليه
كلام الفائق وهو قوله أي من غالبها غلبته. (ومن وجد ملجأ) أي عاصمًا أو موضعًا يلتجئ إليه ويعتزل فيه (أو) قال: (معاذًا) بفتح الميم وبالذال المعجمة شك من الراوي وهما بمعنى (فليعد به) أي فليعتزل فيه.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في باب تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم من كتاب الفتن وأخرجه مسلم أيضًا.
3602 - حَدّثَنَا وَعَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُطِيعِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ نَوْفَلِ بْنِ مُعَاوِيَةَ مِثْلَ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ هَذَا، إِلاَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ يَزِيدُ: «مِنَ الصَّلاَةِ صَلاَةٌ مَنْ فَاتَتْهُ فَكَأَنَّمَا وُتِرَ أَهْلَهُ وَمَالَهُ».
(وعن ابن

(6/53)


شهاب) محمد بن مسلم الزهري بالإسناد السابق أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (أبو بكر بن عبد الرحمن بن الحرث) بن هشام بن المغيرة المخزومي الضرير قيل له راهب قريش لكثرة صلاته (عن عبد الرحمن بن مطيع بن الأسود) التابعي على الصحيح (عن نوفل بن معاوية) الكناني الديلمي من مسلمة الفتح وتأخرت وفاته إلى خلافة يزيد بن معاوية (مثل حديث أبي هريرة هذا) السابق (إلا أن أبا بكر) الضرير شيخ الزهري (يزيد) زيادة مرسلة أو بالسند السابق عن عبد الرحمن بن مطيع إلى آخره وهي قوله (من الصلاة صلاة) هي صلاة العصر (من فاتته فكأنما وتر) بضم الواو وكسر الفوقية (أهله وماله) نصب فيهما مفعول ثان أي نقص هو أهله وماله وسلبهما فبقي بلا أهل ومال وبرفعهما على أنه فعل ما لم يسم فاعله أي انتزع منه الأهل والمال، والجمهور على النصب، وإنما ذكر المؤلّف هذه الزيادة استطرادًا لكونها وقعت في الحديث الذي ساقه في هذا الباب وإن لم يكن لها تعلق به.
وهذا الحديث أخرجه مسلم.
3603 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ زَيْدِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «سَتَكُونُ أَثَرَةٌ وَأُمُورٌ تُنْكِرُونَهَا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: تُؤَدُّونَ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْكُمْ، وَتَسْأَلُونَ اللَّهَ الَّذِي لَكُمْ». [الحديث 3603 - طرفه في: 7052].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي البصري قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان (عن زيد بن وهب) الجهني المخضرم (عن ابن مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(ستكون) أي بعدي (أثرة) بفتح الهمزة والمثلثة وبضمها وسكون المثلثة، قال الأزهري: هو الاستئثار أي يستأثر عليكم بأمور الدنيا ويفضل عليكم غيركم أي في إعطاء نصيبه من الفيء (وأمور) أي وستكون أمور أخرى من أمور الدين (تنكرونها) (قالوا: يا رسول الله فما تأمرنا؟) أن
نفعل إذا وقع ذلك (قال): (تؤدون الحق الذي عليكم) من بذل المال الواجب في الزكاة والنفس في الخروج إلى الجهاد (وتسألون الله) عز وجل من فضله أن يوفي الحق (الذي لكم) من الغنيمة والفيء ونحوهما ولا تقاتلوهم لاستيفاء حقكم بل وفوا إليهم حقهم من السمع والطاعة وحقوق الدين وكلوا أمركم إلى الله.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن، ومسلم في المغازي، والترمذي في الفتن.
3604 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَبِي زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يُهْلِكُ النَّاسَ هَذَا الْحَيُّ مِنْ قُرَيْشٍ. قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا؟ قَالَ: لَوْ أَنَّ النَّاسَ اعْتَزَلُوهُمْ».
قَالَ مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ سَمِعْتُ أَبَا زُرْعَةَ. [الحديث 3604 - طرفاه في: 3605، 7058].
وبه قال: (حدّثنا) وفي اليونينية: حدّثني (محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: (حدّثنا أبو معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة ساكنة (إسماعيل بن إبراهيم) المدني الهروي البغدادي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) بفتح المثناة الفوقية والتحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد الضبعي (عن أبي زرعة) بضم الزاي وسكون الراء هرم بن عمرو بن جرير البجلي (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يهلك الناس هذا الحي من) بعض (قريش) وهم الأحداث منهم لا كلهم بسبب طلبهم الملك والحرب لأجله ويهلك بضم الياء وكسر اللام من الإهلاك، والناس نصب مفعوله، والحي رفع على الفاعلية (قالوا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال: (فما تأمرنا؟) يا رسول الله (قال): (لو أن الناس اعتزلوهم) بأن لا يداخلوهم ولا يقاتلوا معهم ويفروا بدينهم من الفتن لكان خيرًا لهم.
وهذا الحديث أخرجه مسلم فى الفتن.
(قال) ولأبي ذر: وقال (محمود) هو ابن غيلان أحد مشايخ المؤلّف (حدّثنا أبو داود) سليمان الطيالسي ولم يخرج له المصنف إلا استشهادًا قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) يزيد الضبعي أنه قال: (سمعت أبا زرعة) هرم البجلي عن أبي هريرة الحديث وغرضه بسياق هذا تصريح أبي التياح بسماعه له من أبي زرعة بن عمرو.
3605 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمَكِّيُّ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ عَنْ جَدِّهِ
قَالَ: «كُنْتُ مَعَ مَرْوَانَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ فَسَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ يَقُولُ: هَلاَكُ أُمَّتِي عَلَى يَدَىْ غِلْمَةٍ مِنْ قُرَيْشٍ. فَقَالَ مَرْوَانُ، غِلْمَةٌ؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنْ شِئْتَ أَنْ أُسَمِّيَهُمْ، بَنِي فُلاَنٍ وَبَنِي فُلاَنٍ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) الأزرقي (المكي) قال: (حدّثنا عمرو بن يحيى) بفتح العين (ابن سعيد) بكسر العين (الأموي) بضم الهمزة (عن جده) سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية أنه (قال: كنت مع مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية (وأبي هريرة) وكان ذلك في زمن معاوية (فسمعت أبا هريرة) -رضي الله عنه- (يقول: سمعت الصادق المصدوق) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يقول):
(هلاك أمتي) الموجودين إذ ذاك ومن قاربهم لا كل الأمة إلى يوم القيامة (على

(6/54)


يدي) بسكون التحتية (غلمة) بكسر الغين المعجمة وسكون اللام جمع غلام وهو الطارّ الشارب (من قريش فقال مروان: غلمة) يكونون أمراء. وزاد في الفتن من طريق موسى بن إسماعيل عن عمرو بن يحيى فقال مروان: لعنة الله عليهم غلمة. (قال أبو هريرة): -رضي الله عنه- لمروان (إن شئت) وللكشميهني: إن شئتم (أن أسميهم بني فلان وبني فلان). وكان أبو هريرة -رضي الله عنه- يعرف أسماءهم، وكان ذلك من الجراب الذي لم يحدث به، وزاد في الفتن: فكنت أخرج مع جدي إلى بني مروان حين ملكوا الشام فإذا رآهم غلمانًا أحداثًا قال لنا: عسى هؤلاء أن يكونوا منهم؟ قلنا: أنت أعلم والقائل، فكنت أخرج مع جدي عمرو بن يحيى.
وعند ابن أبي شيبة أن أبا هريرة -رضي الله عنه- كان يمشي في السوق ويقول: اللهم لا تدركني سنة ستين ولا إمارة الصبيان. قال في الفتح: وفي هذا إشارة إلى أن أول الأغلمة كان في سنة ستين وهو كذلك فإن يزيد بن معاوية استخلف فيها وبقي إلى سنة أربع وستين فمات ثم ولي ولده معاوية ومات بعد أشهر. وقال الطيبي: رآهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في منامه يلعبون على منبره صلوات الله وسلامه عليه، وقد جاء في تفسير قوله تعالى: {وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس} [الاسراء: 60]. أنه رأى في المنام أن وُلْدَ الحكم يتداولون منبره كما يتداول الصبيان الكرة.
3606 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: «كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي. فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ، فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ. قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ؟ قَالَ: نَعَمْ وَفِيهِ دَخَنٌ، قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ؟ قَالَ: قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْيِي، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ. قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟ قَالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا. قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا. فَقَالَ: هُمْ مِنْ
جِلْدَتِنَا؛ وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا. قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ: تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ. قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ؟ قَالَ: فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ». [الحديث 3606 - طرفاه في: 3607، 7084].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن موسى) الختي بفتح الخاء المعجمة وتشديد الفوقية قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم القرشي الأموي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن جابر) هو عبد الرحمن بن يزيد بن جابر (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (بسر بن عبيد الله) بضم الموحدة وسكون السين المهملة وعبيد الله بضم العين مصغرًا (الحضرمي) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة (قال: حدّثني) بالإفراد أيضًا (أبو إدريس) عائذ الله بالعين المهملة والذال المعجمة ابن عبد الله (الخولاني) بفتح الخاء المعجمة وسكون الواو وبالنون (أنه سمع حذيفة بن اليمان) العبسي بالموحدة حليف الأنصار (يقول: كان الناس يسألون رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني) بنصب مخافة على التعليل وأن مصدرية والشر الفتنة ووهن عرى الإسلام واستيلاء الضلال وفشوّ البدعة والخير عكسه يدل عليه قوله: (فقلت يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير) أي ببعثك وتشييد مباني الإسلام وهدم قواعد الكفر والضلال (فهل بعد هذا الخير من شر؟) في رواية نصر بن عاصم عنه عن حذيفة عند ابن أبي شيبة فتنة (قال) عليه الصلاة والسلام:
(نعم) (قلت) يا رسول الله (وهل بعد هذا) ولأبي ذر ذلك (الشر من خير؟ قال: نعم وفيه) أي الخير (دخن) بفتح الدال المهملة والخاء المعجمة آخره نون كدر أي غير صاف ولا خالص. وقال النووي كالقاضي عياض قيل المراد بالخير بعد الشر أيام عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-. قال حذيفة (قلت) يا رسول الله (وما دخنه؟) أي كدره (قال): (قوم يهدون) الناس بفتح الياء (بغير هديي) بفتح الهاء وسكون الدال المهملة والإضافة إلى ياء المتكلم فيصير بياءين الأولى مكسورة والثانية ساكنة أي لا يستنون بسنتي، وللأصيلي بغير هُدى بضم الهاء وتنوين الدال، ولأبي ذر عن الكشميهني: هدى بفتح فسكون فتنوين بكسر (تعرف منهم وتنكر) أي تعرف منهم الخير فتشكره والشر فتنكره وهو من المقابلة المعنوية فهو راجع إلى قوله: وفيه دخن، والخطاب في تعرف وتنكر من الخطاب العام. (قلت: فهل بعد ذلك الخير) المشوب بالكدر (من شر؟ قال): عليه الصلاة والسلام (نعم دعاة) بضم الدال المهملة جمع داع (إلى) ولأبي ذر على (أبواب جهنم) أي باعتبار ما يؤول إليه شأنهم أي يدعون الناس إلى الضلالة ويصدونهم عن الهدى بأنواع من التلبيس، فلذا كان بمنزلة أبواب جهنم (من أجابهم إليها) أي النار أي إلى الخصال التي تؤول إليها (قذفوه فيها) أعاذنا الله من ذلك ومن جميع المهالك بمنّه وكرمه. وقيل: المراد بالشر بعد الخير الأمر بعد عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-. ويأتي مزيد لذلك إن شاء الله

(6/55)


تعالى في كتاب الفتن بعون الله وقوته.
قال حذيفة (قلت: يا رسول الله صفهم) أي الدعاة (لنا. فقال): عليه الصلاة والسلام (هم من جلدتنا) بجيم مكسورة فلام ساكنة فدال مهملة مفتوحة أي من أنفسنا وعشيرتنا من العرب أو من أهل ملتنا (ويتكلمون بألسنتنا) قال القابسي: أي من أهل لساننا من العرب، وقيل: يتكلمون بما قال الله ورسوله من المواعظ والحكم وليس في قلوبهم شيء من الخير يقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم. قال حذيفة: (قلت) يا رسول الله (فما تأمرني وإن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم) بكسر الهمزة أي أميرهم ولو جار. وفي رواية أبي الأسود عن حذيفة عند مسلم تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأُخذ مالك (قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام) يجتمعون على طاعته (قال): عليه الصلاة والسلام إن لم يكن لهم إمام يجتمعون عليه (فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض) بفتح العين المهملة وتشديد الضاد المعجمة أي ولو كان الاعتزال بالعض (بأصل شجرة) فلا تعدل عنه (حتى يدركك الموت وأنت على ذلك) العض.
قال التوربشتي: أي تتمسك بما تقوي به عزيمتك على اعتزالهم ولو بما لا يكاد يصح أن يكون متمسكًا. وقال الطيبي: هذا شرط تعقب به الكلام تتميمًا ومبالغة أي اعتزل الناس اعتزالاً لا غاية بعده ولو قنعت فيه بعض أصل الشجرة الفعل فإنه خير لك. وقال البيضاوي: المعنى إذا لم يكن في الأرض خليفة فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان وعضّ أصل الشجرة كناية عن مكابدة المشقّة كقولهم: فلان يعض الحجارة من شدة الألم أو المراد اللزوم كقوله في الحديث الآخر: "عضوا عليها بالنواجذ".
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الفتن، ومسلم في الإمارة والجماعة، وابن ماجه في الفتن.
3607 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنِي قَيْسٌ عَنْ حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: "تَعَلَّمَ أَصْحَابِي الْخَيْرَ وَتَعَلَّمْتُ الشَّرَّ".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا بالجمع (محمد بن المثنى) العنزي الزمن البصري قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن سعيد) القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي الكوفي أنه قال: (حدّثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم (عن حذيفة) بن اليمان (رضي الله عنه) أنه (قال: تعلم أصحابي الخير) نصب على المفعولية (وتعلمت الشر) أي خوفًا على نفسي من إدراكه.
وهذا الحديث كما قاله في الفتح أخرجه الإسماعيلي من هذا الوجه باللفظ الأول إلا أنه قال: كان أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بدل قوله كان الناس.
3608 - حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ نَافِعٍ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بن عبد الرحمن أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا الحكم بن نافع) أبو اليمان الحمصي قال: (حدّثنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم الزهري بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تقوم الساعة حتى يقتتل فتيان) بفاء مكسورة ساكنة وبعد التحتية المفتوحة ألف فنون كذا في الفرع وأصله وعلى الهامش منهما صوابه فئتان بهمزة مفتوحة بعد الفاء ففوقية فألف تثنية فئة وهي الجماعة، والمراد كما في الفتح علي ومن معه ومعاوية ومن معه لما تحاربا بصفين (دعواهما واحدة) لأن كلاًّ منهما يتسمى بالإسلام أو يدعي أنه محق وقد كان علي الإمام والأفضل يومئذ بالاتفاق، وقد بايعه أهل الحل والعقد بعد عثمان ومخالفه مخطئ معذور بالاجتهاد والمجتهد إذا أخطأ لا إثم عليه بل له أجر وللمصيب أجران.
3609 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ هَمَّامٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَقْتَتِلَ فِئَتَانِ فَيَكُونَ بَيْنَهُمَا مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ، دَعْوَاهُمَا وَاحِدَةٌ. وَلاَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُبْعَثَ دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ قَرِيبًا مِنْ ثَلاَثِينَ، كُلُّهُمْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن رشاد الأزدي مولاهم (عن همام) هو ابن منبه (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا تقوم الساعه حتى يقتتل فتيان) بفاء ففوقية ساكنة فتحتية وصوابه كما مرّ فئتان بهمزة ففوقية مفتوحة (فيكون بينهما مقتلة) بفتح الميم مصدر ميمي (عظيمة) أي قتل عظيم.
وعند ابن أبي خيثمة في تاريخه أنه قتل بصفين من الفئتين فئة علي وفئة معاوية نحو سبعين ألفًا، وقيل: أكثر من

(6/56)


ذلك وقيل: كان بينهم أكثر من سبعين زحفًا، وكان أول قتالهما في غرة صفر، فلما كاد أهل الشام أن يغلبوا رفعوا المصاحف بمشورة عمرو بن العاص ودعوا إلى ما فيها فآل الأمر إلى الحكمين فجرى ما جرى من اختلافهما واستبداد معاوية بملك الشام واشتغال علي بالخوارج.
(دعواهما واحدة) ويؤخذ منه الردّ على الخوارج ومن تبعهم في تكفيرهم كلاً من الطائفتين (ولا تقوم الساعة حتى يبعث) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًّا للمفعول يخرج ويظهر (دجالون) بفتح الدال المهملة والجيم المشددة يقال دجل فلان الحق بباطله أي غطاه ويطلق على الكذب أيضًا، وحينئذٍ فيكون قوله (كذابون) تأكيدًا (قريبًا) نصب حال من النكرة الموصوفة (من ثلاثين) نفسًا.
وفي مسلم من حديث جابر بن سمرة: إن بين يدي الساعة ثلاثين كذابًا فجزم بذلك (كلهم يزعم أنّه رسول الله) بتسويل الشيطان لهم ذلك مع قيام الشوكة لهم وظهور شبهة كمسيلمة باليمامة
والأسود العنسي باليمن وكان ظهورهما في آخر الزمن النبوي، فقتل الثاني قبل موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ومسيلمة في خلافة أبي بكر وفيها خروج طليحة بن خويلد في بني أسد بن خزيمة وسجاح التميمية في بني تميم، ثم تاب طليحة ومات على الإسلام على الصحيح في خلافة عمر، وقيل وتابت المرأة. وفي أول خلافة ابن الزبير خرج المختار بن أبي عبيد الثقفي وتغلب على الكوفة ثم ادّعى النبوة وزعم أن جبريل يأتيه وقُتل في سنة بضع وستين، وفي خلافة عبد الملك بن مروان خرج الحرث فقتل، ثم خرج في خلافة بني العباس جماعة ادعوا ذلك بسبب ما نشأ لهم عن جنون أو سوداء وقد أهلك الله من وقع له ذلك منهم وآخرهم الدجال الأكبر.
3610 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- قَالَ: «بَيْنَمَا نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَهْوَ يَقْسِمُ قَسْمًا- إِذْ أَتَاهُ ذُو الْخُوَيْصِرَةِ وَهْوَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْدِلْ. فَقَالَ: وَيْلَكَ، وَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ أَعْدِلْ، قَدْ خِبْتَ وَخَسِرْتَ إِنْ لَمْ أَكُنْ أَعْدِلُ. فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لِي فِيهِ فَأَضْرِبَ عُنُقَهُ. فَقَالَ: دَعْهُ فَإِنَّ لَهُ أَصْحَابًا يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلاَتَهُ مَعَ صَلاَتِهِمْ، وَصِيَامَهُ مَعَ صِيَامِهِمْ، يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ: يُنْظَرُ إِلَى نَصْلِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى رِصَافِهِ فَمَا يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى نَضِيِّهِ -وَهْوَ قِدْحُهُ- فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، ثُمَّ يُنْظَرُ إِلَى قُذَذِهِ فَلاَ يُوجَدُ فِيهِ شَىْءٌ، قَدْ سَبَقَ الْفَرْثَ وَالدَّمَ، آيَتُهُمْ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ الْمَرْأَةِ، أَوْ مِثْلُ الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ، وَيَخْرُجُونَ عَلَى حِينِ فُرْقَةٍ مِنَ النَّاسِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَشْهَدُ أَنِّي سَمِعْتُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَشْهَدُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَاتَلَهُمْ وَأَنَا مَعَهُ، فَأَمَرَ بِذَلِكَ الرَّجُلِ فَالْتُمِسَ فَأُتِيَ بِهِ، حَتَّى نَظَرْتُ إِلَيْهِ عَلَى نَعْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي نَعَتَهُ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف (أن أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: بينما) بالميم (نحن مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يقسم قسمًا) بفتح القاف مصدر قسمت الشيء فانقسم سمي الشيء المقسوم بالمصدر والواو في وهو للحال، وزاد أفلح بن عبد الله في روايته عنه يوم حنين، وفي رواية عبد الرحمن بن أبي نعيم عن أبي سعيد في المغازي أن المقسوم كان تبرًا بعثه علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- من اليمن فقسمه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أربعة (إذ أتاه ذو الخويصرة) وثبت في الفرع إذ وسقط من اليونينية وعدة أصول والخويصرة بضم الخاء المعجمة وفتح الواو وسكون التحتية وكسر الصاد المهملة بعدها راء واسمه نافع كما عند أبي داود ورجحه السهيلي، وقيل اسمه حرقوص بن زهير (وهو رجل من بني تميم) وفي باب من ترك قتال الخوارج من كتاب استتابة المرتدين جاء عبد الله بن ذي الخويصرة (فقال: يا رسول الله
اعدل) في القسمة (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل) وفي رواية ابن أبي نعيم فقال: يا رسول الله اتق الله. قال: "ويلك أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله؟ " (قد خبت وخسرت إن لم أكن أعدل) لم يضبط في اليونينية تاءي خبت وخسرت هنا وضبطها في غيرها بالضم والفتح على المتكلم والمخاطب والفتح أشهر وأوجه.
قال التوربشتي: هو على ضمير المخاطب لا على ضمير المتكلم وإنما رد الخيبة والخسران إلى المخاطب على تقدير عدم العدل منه لأن الله تعالى بعثه رحمة للعالمين وليقوم بالعدل فيهم فإذا قدر أنه لم يعدل فقد خاب المعترف بأنه مبعوث إليهم وخسر لأن الله لا يحب الخائنين فضلاً أن يرسلهم إلى عباده. وقال الكرماني: أي خبت وخسرت لكونك تابعًا ومقتديًا بمن لا يعدل، ولأبي ذر عن الحموي: إذا لم أكن أعدل.
(فقال عمر) بن الخطاب رضي الله تعالى عنه (يا رسول الله ائذن لي فيه فاضرب) نصب بفاء الجواب ولأبي ذر أضرب (عنقه) بإسقاط الفاء وبالجزم جواب الشرط (فقال: دعه) لا تضرب عنقه.
فإن قلت: كيف منع من قتله مع أنه قال: لئن أدركتهم لأقتلنهم؟ أجاب في شرح السنّة: بأنه إنما أباح قتلهم إذا كثروا وامتنعوا بالسلاح واستعرضوا للناس، ولم

(6/57)


تكن هذه المعاني موجودة حين منع من قتلهم، وأول ما نجم ذلك في زمان علي -رضي الله عنه- فقاتلهم حتى قتل كثيرًا منهم. انتهى.
ولمسلم من حديث جابر -رضي الله عنه- فقال عمر -رضي الله عنه-: دعني يا رسول الله فأقتل هذا المنافق. فقال: "معاذ الله أن يتحدث الناس أني أقتل أصحابي". وقال الإسماعيلي: إنما ترك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قتل المذكور لأنه لم يكن أظهر ما يستدل به على ما وراءه فلو قتل من ظاهره الصلاح عند الناس قبل استحكام أمر الإسلام ورسوخه في القلوب نفرهم عن الدخول في الإسلام، وأما بعده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يجوز ترك قتالهم إذا أظهروا رأيهم وخرجوا من الجماعة وخالفوا الأئمة مع القدرة على قتالهم.
وفي المغازي من رواية عبد الرحمن بن أبي نعيم عن أبي سعيد في هذا الحديث فسأله رجل أظنه خالد بن الوليد قتله، ولمسلم فقال خالد بن الوليد بالجزم وجمع بينهما بأن كلاًّ منهما سأل ذلك، ويؤيده ما في مسلم فقام عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقال: يا رسول الله أنا أضرب عنقه. قال: "لا". ثم أدبر، فقام إليه خالد بن الوليد سيف الله فقال: يا رسول الله ألا أضرب عنقه؟ قال: "لا". قال في فتح الباري: فهذا نص في أن كلاًّ منهما سأل.
وقد استشكل سؤال خالد في ذلك لأن بعث علي إلى اليمن كان عقب بعث خالد بن الوليد
إليها، والذهب المقسوم كان أرسله علي من اليمن كما في حديث أبي نعيم عن أبي سعيد.
ويجاب: بأن عليًّا لما وصل إلى اليمن رجع خالد منها إلى المدينة فأرسل علي بالذهب فحضر خالد قسمته، ولأبي الوقت فقال له: دعه أي فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعمر: اتركه.
(فإن له أصحابًا يحقر أحدكم) بكسر القاف يستقل (صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم). وعند الطبري من رواية عاصم بن شميخ عن أبي سعيد: تحقرون أعمالكم مع أعمالهم. ووصف عاصم أصحاب نجدة الحروري بأنهم يصومون النهار ويقومون الليل. وفي حديث ابن عباس عند الطبراني في قصة مناظرته للخوارج قال: فأتيتهم فدخلت على قوم لم أر أشد اجتهادًا منهم، والفاء في قوله فإن له أصحابًا ليست للتعليل بل لتعقيب الأخبار أي قال: دعه ثم عقب مقالته بقصتهم (يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم) بالمثناة الفوقية والقاف جمع ترقوة بفتح المثناة الفوقية وسكون الراء وضم القاف بوزن فعلوة. قال في القاموس: ولا تضم تاؤه العظم ما بين ثغرة النحر والعاتق يريد أن قراءتهم لا يرفعها الله ولا يقبلها لعلمه باعتقادهم أو أنهم لا يعملون بها فلا يثابون عليها أو ليس لهم فيه حظ إلاّ مروره على لسانهم فلا يصل إلى حلوقهم فضلاً عن أن يصل إلى قلوبهم لأن المطلوب تعقله وتدبره لوقوعه في القلب (يمرقون) يخرجون سريعًا (من الدين) أي دين الإسلام من غير حظ ينالهم منه وفيه حجة لمن يكفر الخوارج، وإن كان المراد بالدين الطاعة للإمام فلا حجة فيه وإليه ذهب الخطابي، وصرح القاضي أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي بكفرهم محتجًا بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمرقون من الإسلام (كما يمرق السهم من الرمية) بفتح الراء وكسر الميم وتشديد التحتية فعيلة بمعنى مفعولة وير الصيد المرمي، والمروق سرعة نفوذ السهم من الرمية حتى يخرج من الطرف الآخر، ومنه مرق البرق لخروجه بسرعة فشبه مروقهم من الدين بالسهم الذي يصيب الصيد فيدخل فيه ويخرج منه ولشدة سرعة خروجه لقوة ساعد الرامي لا يعلق بالسهم من جسد الصيد شيء. (ينظر) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول (إلى نصله) وهي حديدة السهم (فلا يوجد فيه) في النصل (شيء) من دم الصيد ولا غيره (ثم ينظر إلى رصافه) بكسر الراء وبالصاد المهملة وبعد الألف فاء.
قال في القاموس: الرصفة محركة واحدة الرصاف للعقب أي بفتح القاف وهو العضب يعمل منه الأوتار يلوي فوق الرعظ بضم الراء وسكون العين المهملة بعدها ظاء معجمة مدخل سنخ النصل بالنون والخاء المعجمة أي أصله كالرصافة والرصوفة بضمهما والمصدر الرصف مسكنة بالفتح رصف

(6/58)


السهم شدّ على رعظه عقبة.
(فما) ولأبي ذر عن المستملي: فلا (يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى نضيه) بنون مفتوحة فضاد معجمة مكسورة فتحتية مشددة (وهو قدحه) بكسر القاف وسكون الدال وبالحاء المهملة. قال البيضاوي: وهو تفسير من الراوي أي عود السهم قبل أن يراش وينصل أو هو ما بين الريش والنصل، وسمي بذلك لأنه بري حتى عاد نضوًا أي هزيلاً (فلا يوجد فيه شيء ثم ينظر إلى قذذه)
بضم القاف وفتح الذال المعجمة الأولى جمع قذة الريش الذي على السهم (فلا يوجد فيه شيء قد سبق) السهم (الفرث) بالمثلثة ما يجتمع في الكرش (والدم) فلم يظهر أثرهما فيه بل خرجا بعده وكذلك هؤلاء لم يتعلقوا بشيء من الإسلام (آيتهم) أي علامتهم (رجل أسود) اسمه نافع فيما أخرجه ابن أبي شيبة. وقال هشام: ذو الخويصرة (إحدى عضديه) وهو ما بين المرفق إلى الكتف (مثل ثدي المرأة) بفتح المثلثة وسكون الدال المهملة (أو) قال: (مثل البضعة) بفتح الموحدة وسكون المعجمة القطعة من اللحم (تدردر) بفتح الفوقية والدالين المهملتين بينهما راء ساكنة وآخره راء أخرى وأصله تتدردر حذفت إحدى التاءين تخفيفًا أي تتحرك وتذهب وتجيء وأصله حكاية صوت الماء في بطن الوادي إذا تدافع (ويخرجون على حين فرقة) بالحاء المهملة المكسورة آخره نون وفرقة بضم الفاء أي زمان افتراق، ولأبي ذر عن الكشميهني: على خير فرقة بخاء معجمة مفتوحة وآخره راء وكسر فاء فرقة أي على أفضل طائفة (من الناس) علي بن أبي طالب وأصحابه رضي الله عنهم. وفي رواية عبد الرزاق عند أحمد وغيره حين فترة من الناس بفتح الفاء وسكون الفوقية.
قال في الفتح: ورواية فرقة بكسر الفاء هي المعتمدة وهي التي عند مسلم وغيره ويؤيدها ما عند مسلم أيضًا من طريق أبي نضرة عن أبي سعيد تمرق مارقة عند فرقة من المسلمين تقتلهم أولى الطائفتين بالحق.
(قال أبو سعيد) الخدري -رضي الله عنه- بالسند السابق إليه (فأشهد أني سمعت هذا الحديث من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأشهد أن علي بن أبي طالب) -رضي الله عنه- (قاتلهم وأنا معه) بالنهروان. وفي باب قتل الخوارج: وأشهد أن عليًّا قتلهم ونسبة قتلهم لعلي لأنه كان القائم بذلك (فأمر بذلك الرجل) الذي قال فيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحدى عضديه مثل ثدي المرأة (فالتمس) بضم الفوقية وكسر ما بعدها مبنيًّا للمفعول أي طلب في القتلى (فأتي به). ولمسلم من رواية عبيد الله بن أبي رافع فلما قتلهم علي قال: انظروا فلم ينظروا شيئًا فقال: ارجعوا فوالله ما كذبت ولا كذبت مرتين أو ثلاثًا ثم وجدوه في خربة (حتى نظرت إليه على نعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي نعته).
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الأدب وفي استتابة المرتدين وفضائل القرآن، والنسائي في فضائل القرآن والتفسير، وابن ماجه في السنّة.
3611 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ خَيْثَمَةَ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ غَفَلَةَ قَالَ: «قَالَ عَلِيٌّ -رضي الله عنه- إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلأَنْ أَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَىَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خَدْعَةٌ. سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، يَمْرُقُونَ مِنَ الإِسْلاَمِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ لاَ يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ». [الحديث 3611 - طرفاه في: 5057، 6930].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة العبدي قال: (أخبرنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن خيثمة) بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية وبالمثلثة المفتوحة ابن عبد الرحمن الجعفي الكوفي (عن سويد بن غفلة) بضم السين وفتح الواو وسكون التحتية وغفلة بفتح الغين المعجمة والفاء واللام أنه (قال: قل علي -رضي الله عنه-: إذا حدثتكم عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلأن أخِرّ) بفتح الهمزة وكسر الخاء المعجمة أسقط (من السماء أحبّ إليّ من أن أكذب عليه، وإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة) بفتح الخاء المعجمة وسكون الدال المهملة ويجوز ضم فسكون وضم ففتح كهمزة وفتحهما جمع خادع وكسر فسكون فهي خمسة وتكون بالتورية وبخلف الوعد، وذلك من المستثنى الجائز المخصوص من المحرم المأذون فيه رفقًا بالعباد وليس للعقل في تحريمه ولا تحليله أثر إنما هو إلى الشاعر (سمعت رسول الله) ولأبوي ذر والوقت: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(يأتي في آخر الزمان قوم حدثاء الأسنان) بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وبالمثلثة ممدودًا والأسنان بفتح الهمزة

(6/59)


أي صغارها (سفهاء الأحلام) أي ضعفاء العقول (يقولون من خير قول البرية) وهو القرآن، كما في حديث أبي سعيد السابق يقرؤون القرآن، وكان أول كلمة خرجوا بها قولهم لا حكم إلا لله وانتزعوها من القرآن لكنهم حملوها على غير عملها (يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) إذا رماه رام قوي الساعد فأصابه فنفد منه بسرعة بحيث لا يعلق بالسهم ولا بشيء منه من المرمي شيء كما قال في السابق: "سبق الفرث والدم" أي جاوزهما ولم يتعلق فيه منهما شيء بل خرجا بعده، وفي رواية أبي المتوكل الناجي عن أبي سعيد عند الطبراني: مثلهم كمثل رجل رمى رمية فتوخى السهم حيث وقع فأخذه فنظر إلى فوقه فلم ير به دسمًا ولا دمًا لم يتعلق به شيء من الدسم والدم كذلك هؤلاء لم يتعلقوا بشيء من الإسلام (لا يجاوز إيمانهم حناجرهم) بالحاء المهملة ثم النون وبعد الألف جيم جمع حنجرة بوزن قسورة وهي رأس الغلصمة بالغين المعجمة المفتوحة واللام الساكنة والصاد المهملة منتهى الحلقوم حيث تراه بارزًا من خارج الحلق. والحلقوم مجرى الطعام والشراب، وقيل الحلقوم مجرى النفس والمريء مجرى الطعام والشراب وهو تحت الحلقوم، والمراد أنهم مؤمنون بالنطق لا بالقلب (فأينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن قتلهم أجر) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فإن في قتلهم أجر (لمن قتلهم يوم القيامة) لسعيهم في الأرض بالفساد، واحتج السبكي لتكفيرهم بأنهم كفروا أعلام الصحابة لتضمنه تكذيب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في شهادته لهم بالجنة، واحتج القرطبي في المفهم بقوله أنهم يخرجون من الإسلام ولم يتعلقوا منه بشيء كما خرج السهم من الرمية.
وبقية مباحث ذلك تأتي في محالها إن شاء الله تعالى.
3612 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ عَنْ خَبَّابِ بْنِ الأَرَتِّ قَالَ: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-وَهْوَ مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً لَهُ فِي ظِلِّ الْكَعْبَةِ- قُلْنَا لَهُ: أَلاَ
تَسْتَنْصِرُ لَنَا، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ لَنَا؟ قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ فِيمَنْ قَبْلَكُمْ يُحْفَرُ لَهُ فِي الأَرْضِ فَيُجْعَلُ فِيهِ، فَيُجَاءُ بِالْمِيشَارِ فَيُوضَعُ عَلَى رَأْسِهِ فَيُشَقُّ بِاثْنَتَيْنِ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ أَوْ عَصَبٍ، وَمَا يَصُدُّهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ. وَاللَّهِ لَيُتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لاَ يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ، أَوِ الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ». [الحديث 3612 - طرفاه في: 3852، 6943].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن المثنى) العنزي الزمن قال: (حدّثني يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد أنه قال: (حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم البجلي (عن خباب بن الأرتّ) بفتح الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى، والأرت بهمزة وراء مفتوحتين وتشديد المثناة الفوقية أنه (قال: شكونا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر والوقت: إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو) أي والحال أنه (متوسد بردة له في ظل الكعبة قلنا) ولأبي ذر فقلنا (له) يا رسول الله (ألا) بالتخفيف للتحريض (تستنصر) تطلب (لنا) من الله عز وجل النصر على الكفار (ألا) بالتخفيف أيضًا (تدعو الله لنا؟ قال): عليه الصلاة والسلام.
(كان الرجل فيمن قبلكم) من الأنبياء وأممهم (يحفر له في الأرض فيجعل فيه فيجاء) بضم التحتية وفتح الجيم ممدودًا (بالميشار) بكسر الميم وسكون التحتية وبالنون موضعها كلاهما في الفرع كأصله، وفي بعض النسخ بالهمزة يقال: نشرت الخشبة وأشرتها (فيوضع على رأسه فيشق) بضم التحتية وفتح المعجمة (باثنتين) بعلامة التأنيث (وما يصده ذلك) وضع المنشار على مفرق رأسه (عن دينه) وضبب في اليونينية على قوله ذلك وأسقطها في الفرع (ويمشط بأمشاط الحديد) جمع مشط بضم الميم وتكسر (ما دون لحمه) أي تحته أو عنده (من عظم أو عصب وما) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ما (يصده ذلك عن دينه والله ليتمن) بضم التحتية وكسر الفوقية من الإتمام والإكمال واللام للتوكيد (هذا الأمر) بالرفع في اليونينية وفي الناصرية ليتمن بفتح التحتية هذا الأمر بالرفع وفي الفرع بضم التحتية من ليتمن ونصب الأمر على المفعولية وحذف الفاعل أي ليكملن الله أمر الإسلام (حتى يسير الراكب من صنعاء) بفتح الصاد المهملة وسكون النون وبعد العين ألف ممدودة قاعدة اليمن ومدينته العظمى (إلى حضرموت) بفتح الحاء المهملة وسكون الضاد المعجمة وفتح الراء والميم وسكون الواو بعدها فوقية بلدة باليمن أيضًا بينها وبين صنعاء مسافة بعيدة قيل أكثر من أربعة أيام، أو المراد صنعاء الشام فيكون أبلغ في البعد والمراد نفي الخوف من الكفار على المسلمين كما قال (لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه)

(6/60)


عطف على الجلالة الشريفة (ولكنكم تستعجلون).
وهذا الحديث أخرجه في الإكراه، وفي باب: ما لقي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من المشركين بمكة. وأبو داود في الجهاد، والنسائي في العلم والزينة.
3613 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ قَالَ: أَنْبَأَنِي مُوسَى بْنُ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- افْتَقَدَ ثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا أَعْلَمُ لَكَ عِلْمَهُ. فَأَتَاهُ فَوَجَدَهُ جَالِسًا فِي بَيْتِهِ مُنَكِّسًا رَأْسَهُ، فَقَالَ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ: شَرٌّ، كَانَ يَرْفَعُ صَوْتَهُ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهْوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ. فَأَتَى الرَّجُلُ فَأَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ كَذَا وَكَذَا. فَقَالَ مُوسَى بْنُ أَنَسٍ: فَرَجَعَ الْمَرَّةَ الآخِرَةَ بِبِشَارَةٍ عَظِيمَةٍ، فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَيْهِ فَقُلْ لَهُ: إِنَّكَ لَسْتَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَلَكِنْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ». [الحديث 3613 - طرفه في: 4846].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا أزهر بن سعد) بفتح الهمزة وسكون الزاي بعدها راء وسعد بسكون العين الباهلي السماني قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: أخبرنا (ابن عون) هو عبد الله بن عون بن أرطبان المزني البصري (قال: أنبأني) بالإفراد (موسى بن أنس) بن مالك قاضي البصرة. وعند عبد الله بن أحمد بن حنبل عن يحيى بن معين عن أزهر عن ابن عون عن ثمامة بن عبد الله بن أنس بدل موسى بن أنس أخرجه أبو نعيم عن الطبراني عنه وقال: لا أدري ممن الوهم، وقد أخرجه الإسماعيلي من طريق ابن المبارك عن ابن عون عن موسى بن أنس قال: لما نزلت: {يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم} [الحجرات: 2] قعد ثابت في بيته. الحديث. قال في الفتح بعد أن ذكر ذلك وهذا صورته مرسل إلا أنه يقوي أن الحديث لابن عون عن موسى لا عن ثمامة (عن) أبيه (أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- افتقد ثابت بن قيس) أي ابن شماس خطيبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخطيب الأنصار (فقال رجل): قال الحافظ ابن حجر: هو سعد بن معاذ رواه مسلم وإسماعيل القاضي في أحكام القرآن، ورواه الطبراني لعاصم بن عدي العجلاني والواقدي لأبي مسعود البدري وابن المنذر لسعد بن عبادة وهو أقوى (يا رسول الله أنا أعلم لك) أي لأجلك (علمه) أي خبره (فأتاه) الرجل (فوجده) حال كونه (جالسًا في بيته) حال كونه (منكسًا رأسه) بكسر الكاف المشددة (فقال: ما شأنك؟) أي ما حالك (فقال): ثابت حالي (شرّ كان يرفع صوته) التفات من الحاضر إلى الغائب وكان الأصل أن يقول: كنت أرفع صوتي (فوق صوت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقد حبط عمله) أي بطل والأصل أن يقول عملي فهو التفات كما مرّ. (وهو من) وفي اليونينية مكتوب فوق من في بالأخضر (أهل النار فأتى الرجل) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأخبره أنه) أي ثابتًا (قال كذا وكذا) يعني أنه حبط عمله وهو من أهل النار (فقال موسى بن أنس) الراوي بالسند السابق (فرجع) الرجل إلى ثابت (المرة الآخرة) بعد الهمزة وكسر المعجمة من عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ببشارة عظيمة فقال): له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(اذهب إليه) أي إلى ثابت (فقل له إنك لست من أهل النار ولكن من أهل الجنة) وعند ابن سعد من مرسل عكرمة أنه لما كان يوم اليمامة انهزم المسلمون فقال ثابت: أف لهؤلاء ولما يعبدون ولهؤلاء ولما يصنعون قال ورجل قائم على ثلمة فقتله وقتل.
وعند ابن أبي حاتم في تفسيره عن ثابت عن أنس في آخر قصة ثابت بن قيس: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة فلما كان يوم اليمامة كان في بعضنا بعض الانكشاف فأقبل وقد تكفن وتحنط فقاتل حتى قتل وظهر بذلك مصداق قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنه من أهل الجنة لكونه استشهد، وبهذا تحصل المطابقة، وليس هذا مخالفًا لقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أبو بكر في الجنة وعمر في الجنة إلى آخر العشرة لأن التخصيص بالعدد لا ينافي في الزائد.
3614 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما-: «قَرَأَ رَجُلٌ الْكَهْفَ وَفِي الدَّارِ الدَّابَّةُ، فَجَعَلَتْ تَنْفِرُ، فَسَلَّمَ، فَإِذَا ضَبَابَةٌ غَشِيَتْهُ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: اقْرَأْ فُلاَنُ، فَإِنَّهَا السَّكِينَةُ نَزَلَتْ لِلْقُرْآنِ، أَوْ تَنَزَّلَتْ لِلْقُرْآنِ». [الحديث 3614 - طرفاه في: 4839، 5011].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن بشار) بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه قال: (سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- يقول: قرأ رجل) هو أسد بن حضير (الكهف وفي الدار الدابة) أي فرسه (فجعلت تنفر) بنون وفاء مكسورة (فسلم) الرجل. قال الكرماني: دعا بالسلامة كما يقال: اللهم سلم أو فوّض الأمر إلى الله تعالى ورضي بحكمه أو قال: سلام عليك (فإذا ضبابة) بضاد معجمة مفتوحة وموحدتين بينهما ألف سحابة تغشى الأرض كالدخان. وقال الداودي: الغمام الذي لا مطر فيه (أو) قال (سحابة غشيته) شك الراوي (فذكره) أي ما وقع له (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-

(6/61)


فقال: اقرأ فلان) قال النووي: معناه كان ينبغي أن تستمر على القرآن وتغتنم ما حصل لك من نزول السكينة والملائكة وتستكثر من القراءة التي هي سبب بقائهما اهـ.
فليس أمرًا له بالقراءة في حالة التحديث وكأنه استحضر صورة الحال فصار كأنه حاضر لما رأى ما رأى. وفي حديث أبي سعيد عند المؤلف في فضائل القرآن أن أسيد بن حضير كان يقرأ من الليل سورة البقرة فظاهره التعدد ويحتمل أن يكون قرأ البقرة والكهف جميعًا أو من كل منهما (فإنها) أي الضبابة المذكورة (السكينة) وهي ريح هفافة لها وجه كوجه الإنسان. رواه الطبري وغيره عن علي، وقيل: لها رأسان. وعن مجاهد رأس كرأس الهر، وعن الربيع بن أنس لعينها شعاع، وعن وهب هي روح من روح الله. وقيل غير ذلك مما سيأتي إن شاء الله تعالى في فضائل القرآن واللائق هنا الأول (نزلت للقرآن و) قال: (تنزلت للقرآن). ومطابقة الحديث للترجمة في إخباره عليه الصلاة والسلام عن نزول السكينة عند القراءة.
وأخرجه مسلم في الصلاة والترمذي في فضائل القرآن.
3615 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ أَبُو الْحَسَنِ الْحَرَّانِيُّ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ سَمِعْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ يَقُولُ: «جَاءَ أَبُو بَكْرٍ - رضى الله
عنه - إِلَى أَبِي فِي مَنْزِلِهِ فَاشْتَرَى مِنْهُ رَحْلاً، فَقَالَ لِعَازِبٍ: ابْعَثِ ابْنَكَ يَحْمِلْهُ مَعِي، قَالَ: فَحَمَلْتُهُ مَعَهُ، وَخَرَجَ أَبِي يَنْتَقِدُ ثَمَنَهُ، فَقَالَ لَهُ أَبِي: يَا أَبَا بَكْرٍ حَدِّثْنِي كَيْفَ صَنَعْتُمَا حِينَ سَرَيْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: نَعَمْ، أَسْرَيْنَا لَيْلَتَنَا وَمِنَ الْغَدِ حَتَّى قَامَ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ، وَخَلاَ الطَّرِيقُ لاَ يَمُرُّ فِيهِ أَحَدٌ، فَرُفِعَتْ لَنَا صَخْرَةٌ طَوِيلَةٌ لَهَا ظِلٌّ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ الشَّمْسُ فَنَزَلْنَا عِنْدَهُ، وَسَوَّيْتُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَكَانًا بِيَدِي يَنَامُ عَلَيْهِ، وَبَسَطْتُ فِيهِ فَرْوَةً وَقُلْتُ لَهُ: نَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأَنَا أَنْفُضُ لَكَ مَا حَوْلَكَ. فَنَامَ. وَخَرَجْتُ أَنْفُضُ مَا حَوْلَهُ، فَإِذَا أَنَا بِرَاعٍ مُقْبِلٍ بِغَنَمِهِ إِلَى الصَّخْرَةِ يُرِيدُ مِنْهَا مِثْلَ الَّذِي أَرَدْنَا. فَقُلْتُ: لِمَنْ أَنْتَ يَا غُلاَمُ؟ فَقَالَ: لِرَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ -أَوْ مَكَّةَ- قُلْتُ: أَفِي غَنَمِكَ لَبَنٌ؟ قَالَ: نَعَمُ. قُلْتُ: أَفَتَحْلُبُ؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَخَذَ شَاةً، فَقُلْتُ: انْفُضِ الضَّرْعَ مِنَ التُّرَابِ وَالشَّعَرِ وَالْقَذَى. قَالَ: فَرَأَيْتُ الْبَرَاءَ يَضْرِبُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الأُخْرَى يَنْفُضُ. فَحَلَبَ فِي قَعْبٍ كُثْبَةً مِنْ لَبَنٍ، وَمَعِي إِدَاوَةٌ حَمَلْتُهَا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَرْتَوِي مِنْهَا يَشْرَبُ وَيَتَوَضَّأُ، فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَهُ، فَوَافَقْتُهُ حِينَ اسْتَيْقَظَ، فَصَبَبْتُ مِنَ الْمَاءِ عَلَى اللَّبَنِ حَتَّى بَرَدَ أَسْفَلُهُ، فَقُلْتُ: اشْرَبْ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَشَرِبَ حَتَّى رَضِيتُ، ثُمَّ قَالَ: أَلَمْ يَأْنِ لِلرَّحِيلِ؟ قُلْتُ: بَلَى. قَالَ: فَارْتَحَلْنَا بَعْدَ مَا مَالَتِ الشَّمْشُ، وَاتَّبَعَنَا سُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ، فَقُلْتُ: أُتِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: لاَ تَحْزَنْ، إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا. فَدَعَا عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَارْتَطَمَتْ بِهِ فَرَسُهُ إِلَى بَطْنِهَا -أُرَى فِي جَلَدٍ مِنَ الأَرْضِ، شَكَّ زُهَيْرٌ- فَقَالَ: إِنِّي أُرَاكُمَا قَدْ دَعَوْتُمَا عَلَيَّ، فَادْعُوَا لِي، فَاللَّهُ لَكُمَا أَنْ أَرُدَّ عَنْكُمَا الطَّلَبَ، فَدَعَا لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَنَجَا. فَجَعَلَ لاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلاَّ قَالَ: كَفَيْتُكُمْ مَا هُنَا، فَلاَ يَلْقَى أَحَدًا إِلاَّ رَدَّهُ، قَالَ: وَوَفَى لَنَا».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (أحمد بن يريد) من الزيادة (ابن إبراهيم أبو الحسن الحراني) بفتح الحاء المهملة والراء المشددة وبعد الألف نون قال: (حدّثنا زهير بن معاوية) الجعفي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي قال: (سمعت البراء بن عازب يقول: جاء أبو بكر) الصديق (-رضي الله عنه- إلى أبي) أي عازب بن الحرث الأوسي الأنصاري (في منزله فاشترى منه رحلاً) بفتح الراء وسكون الحاء المهملة وهو للناقة كالسرج للفرس (فقال لعازب: ابعث ابنك) البراء (يحمله) يعني الرحل (معي. قال): البراء (فحملته معه وخرج أبي) عازب (ينتقد ثمنه) أي يستوفيه وكان كما في باب مناقب المهاجرين ثلاثة عشر درهمًا (فقال له أبي) عازب (يا أبا بكر حدثني) بالإفراد (كيف صنعتما حين سريت) بغير ألف (مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي حين خرجتما من الغار في الهجرة (قال: نعم) أحدثك عن ذلك (قال: أسرينا) بألف لغتان جمع بينهما عازب والصديق (ليلتنا) أي بعضها (ومن الغد) أي بعضه والعطف فيه كهو في قوله:
علفتها تبنًا وماء باردًا
إذ الإسراء إنما يكون بالليل؛ وإنما قال: ليلتنا ليدل على أن الإسراء كان قد وقع طول الليل. (حتى قام قائم الظهيرة) شدّة حرها عند منتصف النهار وسمي قائمًا لأن الظل لا يظهر حينئذٍ فكأنه واقف (وخلا الطريق) من السالك فيه (لا يمر فيه أحد) من شدة الحر (فرفعت) بضم الراء وكسر الفاء أي ظهرت (لنا صخرة طويلة لها ظل لم تأت عليه) أي على الظل. ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: عليها أي الصخرة (الشمس) بحيث تذهب بظلها بل كان ظلها ممدودًا ثابتًا (فنزلنا عنده) عند الظل (وسويت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكانًا بيدي ينام عليه وبسطت فيه) ولأبي ذر عليه (فروة) زاد في رواية يوسف بن إسحاق. وفي حديث خديج كانت معي (وقلت) له عليه الصلاة والسلام (نم يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك) أي من الغبار ونحوه حتى لا يثيره الريح أو أحرسك وأطوف هل أرى طلبًا يقال: نفضت المكان واستنفضته وتنفضته إذا نظرت جميع ما فيه (فنام) عليه الصلاة والسلام (وخرجت أنفض ما حوله) من الغبار أو أحرسه (فإذا أنا براع مقبل بغنمه إلى الصخرة يريد منها مثل الذي أردنا) من الظل (فقلت: لمن) ولأبي ذر: فقلت له لمن (أنت يا غلام؟ فقال: لرجل من أهل المدينة أو مكة) بالشك. وفي رواية مسلم من طريق الحسن بن محمد بن أعين عن زهير فقال: لرجل من أهل المدينة من غير شك. وفي البخاري الجزم بأنها مكة فأطلق المدينة عليها للصفة لا للعلمية فليست المدينة النبوية مرادة هنا والراعي وصاحب الغنم لم يسميا (قلت: أفي غنمك لبن؟ قال: نعم. قلت: أفتحلب؟) بضم اللام أمعك إذن من مالكها في الحلب لمن يمر بك على سبيل الضيافة (قال: نعم فأخذ) أي الراعي (شاة) قال الصديق: (فقلت)

(6/62)


له (انفض الضرع) أي ثدي الشاة (من التراب والشعر والقذى) بالقاف والذال المعجمة مقصور وأصله ما يقع في العين. قال الجوهري: أو في الشراب وكأنه شبه ما يعلق بالضرع من الأوساخ بالقذى الذي يسقط في العين أو الشراب.
(قال) أبو إسحاق السبيعي (فرأيت البراء يضرب إحدى يديه على الأخرى ينفض فحلب) الراعي (في قعب) بقاف مفتوحة فعين مهملة ساكنة قدح من خشب مقعر (كثبة) بضم الكاف وسكون المثلثة وفتح الموحدة شيئًا قليلاً (من لبن) قدر حلبة (ومعي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ومعه (إداوة) بكسر الهمزة إناء من جلد فيها ماء (حملتها للنبي) لأجله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يرتوي) يستقي (منها) حال كونه (يشرب ويتوضأ) مستأنفان لبيان الاعتمال في السقي (فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكرهت أن أوقظه) من نومه (فوافقته حين استيقظ) أي وافق إتياني وقت استيقاظه (فصببت من الماء) الذي في الإداوة (على اللبن) الذي في القعب (حتى برد) بفتح الراء (أسفله فقلت: اشرب يا رسول الله. قال: فشرب حتى رضيت) أي طابت نفسي لكثرة ما شرب (ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي بكر:
(ألم يأن للرحيل) أي ألم يأت وقت الارتحال. قال أبو بكر -رضي الله عنه- (قلت: بلى قال: فارتحلنا بعدما مالت الشمس) عن خط الاستواء وانكسرت سورة الحر (واتبعنا) بفتح العين (سراقة بن مالك) بضم السين ابن جعشم (فقلت أتينا) بضم الهمزة مبنيًّا للمفعول (يا رسول الله فقال): (لا تحزن إن الله معنا) بالنصر (فدعا عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فارتطمت) بهمزة وصل وسكون الراء
وفتح الفوقية والطاء المهملة والميم (به) بسراقة (فرسه) أي غاصبت به قوائمها (إلى بطنها أرى) بضم الهمزة أظن (في جلد) بفتح الجيم واللام صلب (من الأرض). (شك زهير) الراوي هل قال: هذه اللفظة أم لا. (فقال): سراقة (إني أراكما) بضم الهمزة أظنكما (قد دعوتما عليّ) حتى ارتطمت بي فرسي (فادعوا لي) بالخلاص (فالله لكما) مبتدأ أو خبر أي ناصركما وحافظكما حتى تبلغا مقصدكما (أن أردّ) أي ادعوا لأن أرد (عنكما الطلب) وفي نسخة فالله بالنصب. قال في المصابيح على إسقاط حرف القسم أي أقسم بالله لكما لأن أردّ عنكما أو على معنى فخذا عهد الله لكما فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه (فدعا له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنجا) من الارتطام (فجعل) أي فشرع فيما وعد من رد من لقي فكان (لا يلقى أحدًا) يطلبهما (إلا قال) له (كفيتكم) ولأبي ذر إلا قال: قد كفيتكم، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: كفيتم بضم الكاف وكسر الفاء وإسقاط الكاف الثانية (ما هنا) أي الطلب الذي هنا لأني كفيتكموه (فلا يلقى أحدًا إلاّ ردّه) بيان لسابقه (قال): أبو بكر -رضي الله عنه- (ووفى) بتخفيف الفاء سراقة (لنا) ما وعد به من رد الطلب.
3616 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: «أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ عَلَى أَعْرَابِيٍّ يَعُودُهُ، قَالَ: وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا دَخَلَ عَلَى مَرِيضٍ يَعُودُهُ قَالَ: لاَ بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. فَقَالَ لَهُ: لاَ بَأْسَ، طَهُورٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. قَالَ: قُلْتَ: طَهُورٌ؟ كَلاَّ، بَلْ هِيَ حُمَّى تَفُورُ -أَوْ تَثُورُ- عَلَى شَيْخٍ كَبِيرٍ، تُزِيرُهُ الْقُبُورَ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فَنَعَمْ إِذًا». [الحديث 3616 - أطرافه في: 5656، 5662، 7470].
وبه قال: (حدّثنا معلى بن أسد) بضم الميم وفتح العين المهملة واللام المشددة العمي البصري قال: (حدّثنا عبد العزيز بن مختار) بالخاء المعجمة الدباغ الأنصاري قال: (حدّثنا خالد) هو ابن مهران الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل على أعرابي) قيل هو قيس بن أبي حازم كما في ربيع الأبرار للزمخشري (يعوده) جملة حالية (فقال) بالفاء في الفرع وفي اليونينية قال: (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا دخل على مريض يعوده) سقط قوله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الفرع وثبت في اليونينية (قال: لا بأس) عليك هو (طهور) لك من ذنوبك أي مطهرة (إن شاء الله) يدل على أن قوله طهور دعاء لا خبر (فقال): عليه الصلاة والسلام (له) أي للأعرابي.
(لا بأس طهور إن شاء الله. قال) الأعرابي مخاطبًا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قلت طهور كلا) ليس بطهور (بل هي حمى) وللكشميهني كما في الفتح: بل هو أي المرض حمى (تفور) بالفاء أي يظهر حرها ووهجها وغليانها (أو) قال (تثور) شك من الراوي هل قال بالفاء أو بالمثلثة ومعناهما واحد (على شيخ كبير تزيره

(6/63)


القبور) بضم الفوقية وكسر الزاي من أزاره إذا حمله على الزيارة. (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (فنعم إًذا) بالتنوين.
قال في شرح المشكاة: الفاء مرتبة على محذوف، ونعم تقرير لما قال يعني أرشدتك بقولي لا بأس عليك إلى أن الحمى تطهرك وتنقي ذنوبك فاصبروا شكرًا عليها فأبيت إلا اليأس والكفران فكان كما زعمت وما اكتفيت بذلك بل رددت نعمة الله قاله غضبًا عليه. انتهى.
وزاد الطبراني من حديث شرحبيل والد عبد الرحمن أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال للأعرابي: "إذا أبيت فهي كما تقول وقضاء الله كائن" فما أمسى من الغد إلا ميتًا. قال في فتح الباري: وبهذه الزيادة يظهر دخول هذا الحديث في هذا الباب، وأخرجه الدولابي في الكنى بلفظ فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "ما قضى الله فهو كائن" فأصبح الأعرابي ميتًا.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في الطب وفي التوحيد، والنسائي في الطب وفي اليوم والليلة.
3617 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "كَانَ رَجُلٌ نَصْرَانِيًّا فَأَسْلَمَ وَقَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فَكَانَ يَكْتُبُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَعَادَ نَصْرَانِيًّا، فَكَانَ يَقُولُ: مَا يَدْرِي مُحَمَّدٌ إِلاَّ مَا كَتَبْتُ لَهُ، فَأَمَاتَهُ اللَّهُ، فَدَفَنُوهُ، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا فَأَلْقُوهُ. فَحَفَرُوا لَهُ فَأَعْمَقُوا، فَأَصْبَحَ وَقَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَقَالُوا: هَذَا فِعْلُ مُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ نَبَشُوا عَنْ صَاحِبِنَا لَمَّا هَرَبَ مِنْهُمْ فَأَلْقَوْهُ خَارِجَ القَبْرِ، فَحَفَرُوا لَهُ وَأَعْمَقُوا لَهُ فِي الأَرْضِ مَا اسْتَطَاعُوا، فَأَصْبَحَ قَدْ لَفَظَتْهُ الأَرْضُ، فَعَلِمُوا أَنَّهُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ فَأَلْقَوْهُ".
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بميمين مفتوحين بينهما عين مهملة ساكنة عبد الله بن عمرو بن أبي الحجاج واسمه ميسرة المقعد المنقري مولاهم البصري قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد البصري التنوري قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن صهيب البصري (عن أنس -رضي الله عنه- أنه قال: كان رجل نصرانيًّا) لم يسم وفي مسلم أنه من بني النجار (فأسلم وقرأ البقرة وآل عمران فكان يكتب للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الوحي (فعاد نصرانيًّا) كما كان، ولمسلم من طريق ثابت عن أنس فانطلق هاربًا حتى لحق بأهل الكتاب فرفعوه (فكان يقول) لعنه الله (ما يدري محمد إلا ما كتبت له فأماته الله) ولمسلم فما لبث أن قصم الله عنقه فيهم (فدفنوه فأصبح وقد لفظته الأرض) بفتح الفاء في الفرع، وقال السفاقسي وغيره بكسرها أي طرحته ورمته من داخل القبر إلى خارجه لتقوم الحجة على من رآه ويدل على صدقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالوا) أي أهل الكتاب (هذا) الرمي (فعل محمد وأصحابه لما هرب منهم) وللإسماعيلي: لما لم يرض دينهم (نبشوا عن صاحبنا) قبره (فألقوه) خارجه (فحفروا له فأعمقوا) بالعين المهملة أبعدوا (فأصبح) ولأبي ذر فأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح (وقد لفظته الأرض، فقالوا: هذا فعل محمد وأصحابه نبشوا عن صاحبنا لما هرب منهم) سقط لما هرب منهم لأبي ذر (فألقوه) خارج القبر (فحفروا له فأعمقوا له في الأرض ما استطاعوا فأصبح قد)
ولأبي ذر: قد (لفظته الأرض فعلموا أنه ليس من الناس) بل من رب الناس (فألقوه) وفي رواية ثابت عند مسلم: فتركوه منبوذًا.
3618 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرُ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَهُ. وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَتُنْفِقُنَّ كُنُوزَهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) نسبة لجده واسم أبيه عبد الله المصري بالميم قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: وأخبرني) بالإفراد وهو عطف على محذوف أي أخبرني فلان وأخبرني (ابن المسيب) سعيد (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أنه قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إذا هلك كسرى) بكسر الكاف والفتح أفصح وأنكر الزجاج الكسر محتجًا بأن النسبة إليه كسروي بالفتح وردّ بنحو قولهم في بني تغلب بكسر اللام تغلبي بفتحها فلا حجة والمعنى إذا مات كسرى أنو شروان بن هرمز وهو لقب لكل من ملك الفرس (فلا كسرى بعده) بالعراق (وإذا هلك) مات (قيصر) وهو هرقل ملك الروم (فلا قيصر بعده) بالشام قاله عليه الصلاة والسلام تطييبًا لقلوب أصحابه من قريش وتبشيرًا لهم بأن ملكهما يزول عن الإقليمين المذكورين لأنهم كانوا يأتون الشام والعراق تجارًا، فلما أسلموا خافوا انقطاع سفرهم إليهما لدخولهم في الإسلام فقال لهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك قاله إمامنا الأعظم الشافعي، وقد عاش قيصر إلى زمن عمر سنة عشرين على الصحيح وبقي ملكه، وإنما ارتفع من الشام وما والاها لأنه لما أتاه كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبله وكاد أن يسلم، وأما كسرى فمزق كتاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدعا عليه أن يمزق ملكه فذهب ملكه أصلاً ورأسًا فقد وقع مصداق ذلك فلم تبق مملكتهما على الوجه

(6/64)


الذي كان في الزمن النبوي (و) الله (الذي نفس محمد بيده لتنفقن) بضم الفوقية وسكون النون وكسر الفاء وضم القاف (كنوزهما) مالهما المدفون أو الذي جمع وادّخر (في سبيل الله) عز وجل. وقد وقع ذلك وفي نسخة الناصرية: لتنفقن بفتح الفاء والقاف مصلحة كرفعة كنوزهما وكذا هو ثابت في غيرها من النسخ.
3619 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَفَعَهُ قَالَ: «إِذَا هَلَكَ كِسْرَى فَلاَ كِسْرَى بَعْدَهُ -وَذَكَرَ وَقَالَ-: لَتُنْفَقَنَّ كُنُوزُهُمَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة السوائي الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري (عن عبد الملك بن عمير) بضم العين مصغرًا الفرسي نسبة إلى فرس له سابق (عن جابر بن سمرة) بفتح السين المهملة وضم الميم السوائي بضم السين المهملة والمد الصحابي ابن الصحابي -رضي الله عنهما- (رفعه) ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني برفعه أي الحديث إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال):
(إذا هلك كسرى فلا كسرى بعده) بل يمزق ملكه أصلاً ورأسًا (وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده) يملك مثل ما يملك وذلك أنه كان بالشام وبها بيت المقدس الذي لا يتم للنصارى نسك إلا به ولا يملك على الروم أحد إلا كان دخله فانجلى عنها قيصر ولم يخلفه أحد من القياصرة في تلك البلاد بعده قاله الخطابي؛ وسقط لغير أبي ذر قوله: وإذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وللإسماعيلي من وجه آخر عن قبيصة المذكور مثل رواية الأكثرين وقال: كذا قال: ولم يذكر قيصر وقال: (وذكر) الحديث كالسابق على رواية الأكثرين ففيه حذف أي وذكر كلامًا أو حديثًا (وقال): (لتنفقن) بفتح الفاء والقاف مع ضم الفوقية (كنوزهما) رفع مفعول ناب عن فاعله ولم يضبط في اليونينية الفاء والقاف من ولتنفقن ولا زاي كنوزهما. نعم ضبط في الفرع الزاي بالرفع فقط (في سبيل الله) أي في أبواب البر والطاعات، والحديث قد مرّ في الخُمس.
3620 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: «قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأَمْرَ مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ , وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ -وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِطْعَةُ جَرِيدٍ- حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ فَقَالَ: لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا أَعْطَيْتُكَهَا، وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ، وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنِّي لأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا رَأَيْتُ». [الحديث 3620 - أطرافه في: 4273، 4278، 7033، 7461].
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن عبد الله بن أبي حسين) مصغرًا ونسبه لجده واسم أبيه عبد الرحمن النوفلي أنه قال: (حدّثنا نافع بن جبير) أي ابن مطعم (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قدم مسيلمة الكذاب) بكسر اللام من اليمامة إلى المدينة النبوية (على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي زمنه ولأبوي ذر والوقت على عهد النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سنة تسع من الهجرة وهي سنة الوفود (فجعل يقول: وإن جعل لي محمد الأمر) أي النبوة والخلافة (من بعده تبعته وقدمها) أي المدينة (في بشر كثير من قومه) وذكر الواقدي أن عدد من كان معه من قومه سبعة عشر نفسًا فيحمل على تعدد القدوم (فأقبل إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) تألفًا له ولقومه رجاء إسلامهم وليبلغه ما أنزل إليه (ومعه ثابت بن قيس بن شماس) بفتح المعجمة والميم المشددة وبعد الألف سين مهملة خطيبه (وفي يد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطعة جريد حتى وقف على مسيلمة) بكسر اللام (في أصحابه فقال) عليه الصلاة والسلام له:
(لو سألتني هذه القطعة) من الجريدة (ما أعطيتكها ولن تعدو) بالعين المهملة أي لن تجاوز (أمر الله) حكمه (فيك ولئن أدبرت) عن طاعتي (ليعقرنك الله) بالقاف ليقتلنك (وإني لأراك) بفتح همزة لأراك وفي بعضها بضمها أي لأظنك (الذي أريت) بضم الهمزة وكسر الراء في منامي (فيك ما رأيت).
3621 - فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَمَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَىَّ سِوَارَيْنِ مِنْ ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَىَّ فِي الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا، فَنَفَخْتُهُمَا، فَطَارَا. فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي، فَكَانَ أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيَّ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ صَاحِبَ الْيَمَامَةِ». [الحديث 3621 - أطرافه في: 4374، 4375، 4379، 7034، 7037].
قال ابن عباس -رضي الله عنهما- بالسند السابق (فأخبرني أبو هريرة) -رضي الله عنه- عن تفسير المنام المذكور (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(بينما) بالميم (أنا نائم رأيت في يدي) بالتثنيه (سوار من ذهب) صفة لهما، ويجوز أن تكون من الداخلة على التمييز وفي التوضيح كما نقله العيني أن السوار لا يكون إلا من ذهب فذكر الذهب للتأكيد فإن كان من فضة فهو قلب كذا قال، وتبعه في المصابيح وعبارته: ومن ذهب صفة كاشفة لأن السوار لا يكون إلا من ذهب إلى آخره.
وقال في الفتح: من لبيان الجنس كقوله تعالى: {وحلوا أساور من فضة} [الإنسان: 21] ووهم من قال: الأساور لا تكون إلا من ذهب إلى آخره.
(فأهمني) فأحزنني (شأنهما) لكون الذهب من حلية النساء ومما حرّم على الرجال (فأوحي إليّ في المنام) على لسان الملك أو وحي إلهام

(6/65)


(أن أنفخهما) بهمزة وصل وكسر النون للتكيد وبالجزم على الأمر. وقال الطيبي: ويجوز أن تكون مفسرة لأن أوحي متضمن معنى القول، وأن تكون ناصبة والجار محذوف (فنفختهما فطارا) في ذلك إشارة إلى حقارة أمرهما لأن شأن الذي ينفخ فيذهب بالنفخ أن يكون في غاية الحقارة قاله بعضهم، ورده ابن العربي بأن أمرهما كان في غاية الشدة لم ينزل بالمسلمين قبله مثله. قال في الفتح: وهو كذلك لكن الإشارة إنما هي للحقارة المعنوية لا الحسية وفي طيرانهما إشارة إلى اضمحلال أمرهما (فأولتهما) أي السوارين (كذابين) لأن الكذب وضع الشيء في غير موضعه، ووضع سواري الذهب المنهي عن لبسه في يديه من وضع الشيء في غير موضعه إذ هما من حلية النساء، وأيضًا فالذهب مشتق من الذهاب فعلم أنه شيء يذهب عنه وتأكد ذلك بالأمر له بنفخهما فطارا، فدلّ ذلك على أنه لا يثبت لهما أمر، وأيضًا يتجه في تأويل نفخهما بأنه قتلهما بريحه لأنه لم يغزهما بنفسه، فأما العنسي فقتله فيروز الصحابي بصنعاء في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرض موته على الصحيح، وأما مسيلمة فقتله وحشي قاتل حمزة في خلافة الصديق -رضي الله عنه-.
(يخرجان بعدي) استشكل بأنهما كانا في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وأجيب: بأن المراد بخروجهما بعده ظهور شوكتهما ومحاربتهما ودعواهما النبوة. نقله الإمام النووي عن العلماء. قال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر لأن ذلك كله ظهر للأسود بصنعاء في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فادعى النبوة وعظمت شوكته وحارب المسلمين وفتك فيهم وغلب على البلدان وآل أمره إلى أن قتل في حياته عليه الصلاة
والسلام كما مرّ، وأما مسيلمة فكان ادعى النبوة في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لكن لم تعظم شوكته ولم تقع محاربته إلا في زمن الصديق، فأما أن يحمل ذلك على التغليب أو أن المراد بقوله بعدي أي بعد نبوتي.
(فكان أحدهما العنسي) بفتح العين المهملة وسكون النون وكسر السين المهملة من بني عنس وهو الأسود واسمه عبلة بعين مهملة مفتوحة فموحدة ساكنة ابن كعب ويقال له: ذو الخمار بالخاء المعجمة لأنه كان يخمر وجهه (والآخر مسيلمة) بكسر اللام مصغرًا ابن ثمامة بضم المثلثة ابن كبير بموحدة ابن حبيب بن الحرث من بني حنيفة (الكذاب صاحب اليمامة) بتخفيف الميمين مدينة باليمن على أربع مراحل من مكة. قال في المفهم: مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانوا أسلموا كالساعدين للإسلام، فلما ظهر فيهما الكذابان وتبهرجا على أهلهما بزخرف أقوالهما ودعواهما الباطلة انخدع أكثرهم بذلك فكان اليدان بمنزلة البلدين والسواران بمنزلة الكذابين وكونهما من ذهب إشارة إلى ما زخرفاه؛ والزخرف من أسماء الذهب.
وهذا الحديث أخرج أيضًا في المغازي ومسلم والترمذي والنسائي في الرؤيا.
3622 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِنْ مَكَّةَ إِلَى أَرْضٍ بِهَا نَخْلٌ، فَذَهَبَ وَهَلِي إِلَى أَنَّهَا الْيَمَامَةُ أَوْ هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ الْمَدِينَةُ يَثْرِبُ، وَرَأَيْتُ فِي رُؤْيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ بِأُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْفَتْحِ وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ، وَرَأَيْتُ فِيهَا بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ، وَإِذَا هَلَكَ قَيْصَرَ فَلاَ قَيْصَرَ بَعْدَه، فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَإِذَا الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ مِنَ الْخَيْرِ وَثَوَابِ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعْدَ يَوْمِ بَدْرٍ». [الحديث 3622 - أطرافه في: 3987، 4081، 7035، 7041].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا حماد بن أسامة) أبو أسامة القرشي مولاهم الكوفي (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة مصغرًا (ابن أبي بريدة) بضم الموحدة وسكون الراء (عن جده أبي بردة) الحرث أو عامر (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (أراه) بضم الهمزة أظنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) والقائل أراه قال الحافظ ابن حجر هو البخاري كأنه شك هل سمع من شيخه صيغة الرفع أو لا، وقد ذكر مسلم وغيره عن أبي كريب محمد بن العلاء شيخ المؤلف فيه بالسند المذكور بدون هذه اللفظة بل جزموا برفعه إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال):
(رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض بها نخل فدهب وهلي) بفتح الواو والهاء وتسكن وبه جزم في النهاية وكسر اللام أي وهمي (إلى أنها اليمامة أو هجر) بفتح الهاء والجيم غير
منصرف مدينة معروفة باليمن، ولأبي ذر أو الهجر بزيادة ال (فإذا هي) مبتدأ وإذا للمفاجأة (المدينة) خبره

(6/66)


(يثرب) بالمثلثة عطف بيان والنهي عن تسميتها بها للتنزيه أو قاله قبل النهي (ورأيت في رؤياي هذه أني هززت) بمعجمتين (سيفًا) هو سيفه ذو الفقار (فانقطع صدره) وعند أبي إسحاق: ورأيت في ذباب سيفي ثلمًا (فإذا هو) تأويله (ما أصيب من المؤمنين يوم أحُد) وذلك لأن سيف الرجل أنصاره الذين يصول بهم كما يصول بسيفه. وعند ابن هشام: حدّثني بعض أهل العلم أنه قال: وأما الثلم في السيف فهو رجل من أهل بيتي يقتل، وني رواية عروة كان الذي رأى بسيفه ما أصاب وجهه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ثم هززته بأخرى) ولأبي ذر: أخرى بإسقاط الموحدة (فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله به من الفتح) لمكة (واجتماع المؤمنين) وإصلاح حالهم (ورأيت فيها) في رؤياه (بقرًا) بالموحدة والقاف (والله) بالرفع في اليونينية فقط ورقم عليه علامة أبي ذر وصحح وكشط الخفضة تحت الهاء (خير) رفع مبتدأ وخبر وفيه حذف أي وصنع الله بالمقتولين خير لهم من مقامهم في الدنيا وفي نسخة والله بالجر على القسم لتحقيق الرؤيا، ومعنى خير بعد ذلك على التفاؤل في تأويل الرؤيا. كذا قاله في المصابيح (فإذا هم) أي البقر (المؤمنون) الدين قتلوا (يوم أُحُد).
وفي مغازي أن الأسود عن عروة: بقرًا يذبح، وبهذه الزيادة يتم التأويل إذ ذبح البقر هو قتل الصحابة بأُحد، وفي حديث ابن عباس عند أبي يعلى: فأوّلت البقر الذي رأيت بقرًا يكون فينا. قال: فكان ذلك من أصيب من المسلمين، وقوله: بقرًا بفتح الموحدة وسكون القاف مصدر بقره يبقره بقرًا وهو شق البطن وهذا أحد وجوه التعبير، وهو أن يشتق من الأمر معنى يناسبه والأولى أن يكون قوله: والله خير من جملة الرؤيا وأنها كلمة سمعها عند رؤيا البقر بدليل تأويله لها بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(وإذا الخير ما جاء الله من الخير) ولأبي ذر ما جاء الله به من الخير (وثواب الصدق الذي آتانا الله) بالمد أعطانا الله عز وجل (بعد يوم بدر) بنصب دال بعد وجر ميم يوم أي من فتح خيبر ثم مكة قاله في الفتح. ووقع في رواية بعد بالضم أي بعد أُحُد ونصب يوم أي ما جاءنا الله به بعد بدر الثانية من تثبيت قلوب المؤمنين.
وهذا الحديث أخرجه مقطعًا في المغازي والتعبير، ومسلم في الرؤيا وكذا النسائي وابن ماجه.
3623 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ فِرَاسٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: «أَقْبَلَتْ فَاطِمَةُ تَمْشِي كَأَنَّ مِشْيَتَهَا مَشْيُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَرْحَبًا يا ابْنَتِي، ثُمَّ أَجْلَسَهَا عَنْ يَمِينِهِ -أَوْ عَنْ شِمَالِهِ- ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَبَكَتْ، فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَبْكِينَ؟ ثُمَّ أَسَرَّ إِلَيْهَا حَدِيثًا فَضَحِكَتْ، فَقُلْتُ: مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ فَرَحًا أَقْرَبَ مِنْ حُزْنٍ، فَسَأَلْتُهَا
عَمَّا قَالَ. فَقَالَتْ مَا كُنْتُ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى قُبِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْتُهَا. [الحديث 3623 - أطرافه في: 3625، 3715، 4433، 6285].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا زكريا) بن أبي زائدة الهمداني الكوفي (عن فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء وبعد الألف سين مهملة ابن يحيى المكتب (عن عامر) ولأبي ذر زيادة الشعبي (عن مسروق) هو ابن الأجدع (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: أقبلت فاطمة) -رضي الله عنها- (تمشي كأن مشيتها) بكسر الميم لأن المراد الهيئة (مشي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكان إذا مشى كأنما ينحدر من صبب (فقال): لها (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(مرحبًا يا ابنتي) بياء النداء في الفرع، وفي الناصرية يا حرف نداء بنتي بإسقاط الألف وعلى هامشها صوابه بابنتي بموحدة فألف وإسكان الموحدة وكذا هو في اليونينية وظاهر الفرع إلحاق ألف وزيادة نقطة تحت الموحدة (ثم أجلسها عن يمينه أو عن شماله) بالشك من الراوي (ثم أسرّ إليها حديثًا فبكت) قالت عائشة -رضي الله عنها-: (فقلت لها: لِمَ تبكين؟ ثم أسرّ إليها حديثًا فضحكت) قالت عائشة -رضي الله عنها- (فقلت: ما رأيت كاليوم) أي كفرح اليوم (فرحًا) بفتح الراء (أقرب من حزن) بضم الحاء المهملة وسكون الزاي، ولأبي ذر من حزن بفتحهما. قالت عائشة -رضي الله عنها- (فسألتها عما قال) عليه الصلاة والسلام لها حتى بكت وضحكت (فقالت: ما كنت لأفشي) بضم الهمزة (سرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى قبض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) متعلق بمحذوف تقديره فلم تقل لي شيئًا حتى توفي (فسألتها) عن ذلك.
3624 - «فَقَالَتْ: أَسَرَّ إِلَىَّ إِنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُنِي الْقُرْآنَ كُلَّ سَنَةٍ مَرَّةً، وَإِنَّهُ عَارَضَنِي الْعَامَ مَرَّتَيْنِ وَلاَ أُرَاهُ إِلاَّ حَضَرَ أَجَلِي، وَإِنَّكِ أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِي لَحَاقًا بِي، فَبَكَيْتُ. فَقَالَ: أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ تَكُونِي سَيِّدَةَ نِسَاءِ أَهْلِ الْجَنَّةِ! أَوْ نِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ. فَضَحِكْتُ لِذَلِكَ». [الحديث 3624 - أطرافه في: 3626، 3716، 4434، 6286].
(فقالت: أسرّ إليّ إن جبريل) بكسر همزة إن (كان يعارضني) يدارسني (القرآن كل سنة مرة، وأنه عارضني العام مرتين ولا أراه) بضم الهمزة ولا أظنه (إلا حضر أجلي) فيه أنه استنبط ذلك

(6/67)


مما ذكره من معارضة القرآن مرتين وفي رواية عروة الجزم بأنه ميت من وجعه ذلك (وإنك أول أهل بيتي لحاقًا) بفتح اللام والحاء المهملة (فبكيت) لذلك الذي قاله من حضور أجلي وأنك أول أهل بيتي موتًا بعدي (فقال): عليه الصلاة والسلام:
(أما) بتخفيف الميم (ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة) دخل فيه أخواتها وأمها وعائشة -رضي الله عنه-، قيل: وإنما سادتهن لأنهن متن في حياته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكن في صحيفته، ومات أبوها وهو سيد العالمين فكان في صحيفتها وميزانها، وقد روى البزار عن عائشة -رضي الله عنها- أنه عليه الصلاة والسلام قال: "فاطمة خير بناتي إنها أصيبت بي فحق لمن كانت هذه حالتها أن تسود نساء
أهل الجنة". وقد سئل أبو بكر بن داود من أفضل خديجة أم فاطمة؟ فقال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: إن فاطمة بضعة مني فلا أعدل ببضعة من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحدًا. وحسن هذا القول السهيلي واستشهد لصحته بأن أبا لبابة حين ربط نفسه وحلف أن لا يحله إلا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءت فاطمة لتحلّه فأبى من أجل قسمه فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إنما فاطمة بضعة مني فحلّته" وهو تقرير حسن، لكن قوله لأنهن متن في حياته منتقض بأن عائشة لم تمت في حياته بل بعده في أيام معاوية بن أبي سفيان، وقد يقال أن قوله: (أو) سيدة (نساء المؤمنين) بالشك من الراوي يضعف الاستدلال بالسابق مع ما يتبادر إليه الذهن من أن المراد من لفظ المؤمنين غير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا يدخل أزواجه ودخول المتكلم في عموم كلامه مختلف فيه كما لا يخفى (فضحكت لذلك) الذي قاله وهو: أما ترضين أن تكوني سيدة نساء أهل الجنة.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاستئذان وفضائل القرآن ومسلم في الفضائل والنسائي في الوفاة والمناقب.
3625 - حَدَّثَنا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: "دَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ ابْنَتَهُ فِي شَكْوَاهُ الَّتي قُبِضَ فِيها، فَسَارَّهَا بِشَىْءٍ فَبَكَتْ، ثُمَّ دَعَاهَا فَسَارَّهَا فَضَحِكَتْ، قَالَتْ فَسَأَلْتُهَا عَنْ ذَلِكَ".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة الحجازي المدني المؤذن قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن عروة) بن الزبير بن العوّام بسكون العين (عن عائشة رضي الله عنها) أنها (قالت: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاطمة ابنته في شكواه) أي مرضه (الذي قبض فيه) ولأبي ذر عن الكشميهني في شكواه التي قبض فيها (فسارّها بشيء فبكت ثم دعاها فسارّها فضحكت. قالت): عائشة -رضي الله عنها- (فسألتها عن ذلك) لم يقل عروة في روايته هذه ما سبق في رواية مسروق فقالت: ما كنت لأفشي سرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخ. بل قال: بعد قوله فسألتها عن ذلك.
3626 - "فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرَنِي أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِ بَيْتِهِ أَتْبَعُهُ فَضَحِكْتُ".
(فقالت): أي فاطمة (سارّني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد راء سارني (فأخبرني أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه فبكيت) لذلك (ثم سارني فأخبرني أني أول أهل بيته أتبعه) بفتح الهمزة وسكون الفوقية وفتح الموحدة (فضحكت) لذلك، وقد اتفقت الروايتان على أن بكاءها لإعلامه إياها موته، وضم مسروق لذلك كونها أول أهله لحاقًا به، واختلف في سبب ضحكها ففي رواية مسروق إخباره إياها أنها سيدة نساء أهل الجنة، ورواية عروة كونها أول أهله لحاقًا به، ورجح في الفتح رواية مسروق لاشتمالها على زيادة ليست في رواية عروة وهو من الثقات الضابطين.
ومطابقة الحديث للترجمة إخباره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما سيقع فوقع كما قال، فإنهم اتفقوا على أن فاطمة -رضي الله عنها- كانت أول من مات من أهل بيته المقدس بعده حتى من أزواجه -رضي الله عنهن-.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في المغازي ومسلم في فضائل فاطمة والنسائي في المناقب.
3627 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يُدْنِي ابْنَ عَبَّاسٍ، فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ: إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ؛ فَقَالَ: إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ، فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ: {إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] فَقَالَ: أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ، قَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ". [الحديث 3627 - أطرافه في 4294، 4430، 4969، 4970].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بعينين مهملتين مفتوحتين بينهما راء ساكنة وبعد الثانية أخرى مفتوحة ابن البرند بكسر الموحدة والراء وسكون النون بعدها دال مهملة ابن النعمان السامي بالسين المهملة القرشي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر) بالموحدة المكسورة والمعجمة الساكنة جعفر بن أبي وحشية (عن سعيد بن جبير عن ابن

(6/68)


عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يدني) أي يقرب (ابن عباس) يريد نفسه ففيه التفات (فقال له عبد الرحمن بن عوف) الزهري لعمر (إن لنا أبناء) بالتنوين (مثله) في السن فلم تدنهم (فقال): عمر (إنه من حيث تعلم) من جهة علمه، ولأبي ذر فقال: إنه من كنت تعلم (فسأل عمر ابن عباس عن هذه الآية) {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1] ليريهم علمه وذكاءه (فقال): ابن عباس هو (أجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعلمه) الله (إياه فقال): عمر لابن عباس (ما أعلم منها إلا ما تعلم).
قال العيني: ومطابقة هذا الحديث للترجمة في قوله أعلمه إياه أي أعلم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابن عباس أن هذه السورة في أجله عليه الصلاة والسلام وهو إخبار قبل وقوعه فوقع كما قال كذا قال فليتأمل.
وفي حديث جابر عند الطبراني لما نزلت هذه السورة قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "نعيت إليّ نفسي".
فقال له جبريل: {وللآخرة خير لك من الأولى} [الضحى: 4].
وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في المغازي والتفسير والترمذي في التفسير وقال: حسن، وتأتي مباحثه في محالها إن شاء الله تعالى.
3628 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ حَنْظَلَةَ بْنِ الْغَسِيلِ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ بِمِلْحَفَةٍ قَدْ عَصَّبَ بِعِصَابَةٍ دَسْمَاءَ حَتَّى جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ النَّاسَ يَكْثُرُونَ وَيَقِلُّ الأَنْصَارُ، حَتَّى يَكُونُوا فِي النَّاسِ بِمَنْزِلَةِ الْمِلْحِ فِي الطَّعَامِ، فَمَنْ وَلِيَ
مِنْكُمْ شَيْئًا يَضُرُّ فِيهِ قَوْمًا وَيَنْفَعُ فِيهِ آخَرِينَ فَلْيَقْبَلْ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَيَتَجَاوَزْ عَنْ مُسِيئِهِمْ. فَكَانَ آخِرَ مَجْلِسٍ جَلَسَ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن سليمان بن حنظلة بن الغسيل) المعروف بغسيل الملائكة قال: (حدّثنا عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من الحجرة إلى المسجد (في مرضه الذي مات فيه بملحفة) بكسر الميم وفتح الحاء المهملة مرتديًا بها على منكبيه (قد عصب) بتشديد الصاد المهملة في الفرع وأصله أي رأسه (بعصابة دسماء) سوداء (حتى جلس على المنبر فحمد الله تعالى وأثنى عليه ثم قال):
(أما بعد فإن الناس يكثرون ويقل الأنصار) هو من الأخبار بالمغيبات فإن الناس كثروا وقلّ الأنصار كما قال عليه الصلاة والسلام (حتى يكونوا في الناس بمنزلة الملح في الطعام) قال الكرماني: وجه التشبيه الإصلاح بالقليل دون الإفساد بالكثير أو كونه قليلاً بالنسبة إلى سائر أجزاء الطعام (فمن ولي منكم شيئًا يضر فيه) أي في الذي وليه (قومًا وينفع فيه آخرين فليقبل من محسنهم) الحسنة (ويتجاوز) بالجزم عطفًا على فليقبل أي فليعف (عن مسيئهم) السيئة أي في غير الحدود. قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: (فكان ذلك آخر مجلس جلس به) أي بالمنبر ولأبي ذر فيه (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
وقد مرّ الحديث في باب من قال في الخطبة بعد الثناء: أما بعد من كتاب الجمعة.
3629 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ الْجُعْفِيُّ عَنْ أَبِي مُوسَى عَنِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي بَكْرَةَ -رضي الله عنه-: «أَخْرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ الْحَسَنَ فَصَعِدَ بِهِ عَلَى الْمِنْبَرِ فَقَالَ: ابْنِي هَذَا سَيِّدٌ، وَلَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ بَيْنَ فِئَتَيْنِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) الكوفي صاحب الثوري قال: (حدّثنا حسين الجعفي) بضم الجيم وسكون العين المهملة وكسر الفاء (عن أبي موسى) إسرائيل بن موسى البصري (عن الحسن) البصري (عن أبي بكرة) بفتح الموحدة وسكون الكاف نفيع بن الحرث الثقفي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذات يوم الحسن) بن علي -رضي الله عنهما- (فصعد به المنبر) بكسر عين صعد (فقال): والحسن إلى جنبه وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى:
(ابني هذا سيد) كفاه شرفًا وفضلاً تسمية سيد البشر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له سيدًا، وفيه أن ابن البنت يطلق عليه ابن ولا اعتبار يقول الشاعر:
بنونا بنو أبنائنا وبناتنا ... بنوهن أبناء الرجال الأباعد
نعم هذا باعتبار الحقيقة والأول باعتبار المجاز. (ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين) أي طائفتين. طائفة معاوية بن أبي سفيان وطائفة الحسن، وكانت أربعين ألفًا بايعوه على الموت، وكان الحسن أحق الناس بهذا الأمر فدعاه ورعه إلى ترك الملك رغبة فيما عند الله ولم يكن ذلك لعلة ولا لقلة. وقوله: من المسلمين دليل على أنه لم يخرج أحد من الطائفتين في تلك الفتنة من قول أو فعل عن الإسلام إذ إحدى الطائفتين مصيبة والأخرى مخطئة مأجورة، وقد اختار السلف ترك الكلام

(6/69)


في الفتنة الأولى وقالوا: تلك دماء طهر الله منها أيدينا فلا نلوّث بها ألسنتنا.
ومرّ هذا الحديث في الصلح.
3630 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَعَى جَعْفَرًا وَزَيْدًا قَبْلَ أَنْ يَجِيءَ خَبَرُهُمْ، وَعَيْنَاهُ تَذْرِفَانِ".
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا حماد بن زيد) أي ابن درهم الجهضمي البصري (عن أيوب) السختياني (عن حميد بن هلال) البصري (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نعى) بفتحتين (جعفرًا) هو ابن أبي طالب (وزيدًا) هو ابن حارثة أي أخبره بقتلهما (قبل أن يجيء خبرهم) أي خبر أهل مؤتة أو خبر قتل جعفر وزيد ومن قتل معهما (وعيناه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (تذرفان) بالذال المعجمة وكسر الراء تسيلان بالدمع والواو في وعيناه للحال.
وهذا الحديث يأتي في غزوة مؤتة إن شاء الله تعالى.
3631 - حَدَّثَنا عَمْرُو بْنُ عَبَّاسٍ حَدَّثَنَا ابْنُ مَهْدِيٍّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هَلْ لَكُمْ مِنْ أَنْمَاطٍ؟ قُلْتُ: وَأَنَّى يَكُونُ لَنَا الأَنْمَاطُ؟ قَالَ: أَمَا وإِنَّها سَتَكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ. فَأَنَا أَقُولُ لَهَا -يَعْنِي امْرَأَتَهُ- أَخِّرِي عَنِّا أَنْمَاطَكِ، فَتَقُولُ: أَلَمْ يَقُلِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّهَا سَتَكُونُ لَكُمُ الأَنْمَاطُ، فَأَدَعُهَا». [الحديث 3631 - طرفه في: 5161].
وبه قال: (حدّثنى) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عمرو بن عباس) بفتح العين وسكون الميم وعباس بالموحدة والسين المهملة أبو عثمان البصري قال: (حدّثنا ابن مهدي) عبد الرحمن الأزدي البصري قال: (حدّثنا سفيان) الثوري (عن محمد بن المنكدر) بن عبد الله بن الهدير بالتصغير التيمي المدني (عن جابر) هو ابن عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-) وعن أبيه أنه (قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لجابر رضي الله عنه لما تزوج:
(هل لكم من أنماط؟) بفتح الهمزة وسكون النون آخره طاء مهملة ضرب من البسط له خمل رقيق واحده نمط. قال جابر -رضي الله عنه- (قلت: وأنّى) أي ومن أين (يكون لنا الأنماط؟ قال):
صلوات الله وسلامه عليه (أما) بالتخفيف (أنه سيكون) ولأبي ذر: أنها ستكون (لكم الأنماط) قال جابر -رضي الله عنه- (فأنا أقول لها يعني امرأته) سهلة بنت سعد بن أوس بن مالك الأنصارية الأوسية كما ذكره ابن سعد (أخري) بهمزة مفتوحة فخاء معجمة وراء مكسورتين (عنا أنماطك) كذا في الفرع عنا بفتحتين وفي اليونينية وغيرها عني بكسر النون فتحتية (فتقول) أي امرأته (ألم يقل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) (إنها ستكون لكم الأنماط) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: وفي استدلالها على اتخاذ الأنماط بإخباره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأنها ستكون نظر لأن الإخبار بأن الشيء سيكون لا يقتضي إباحته إلا إن استند المستدل به إلى التقرير فيقول: أخبر الشارع بأنه سيكون ولم ينه عنه فكأنه أقرّه، وفي مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزاته فأخذت نمطًا فنشرته على الباب فلما قدم فرأى النمط عرفت الكراهية في وجهه فجذبه حتى هتكه أو قطعه فقال: "إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين". قالت فقطعت منه وسادتين فلم يعب ذلك علي فيؤخذ منه أن الأنماط لا يكره اتخاذها لذاتها بل لما يصنع بها. قال جابر: (فأدعها) أي أترك الأنماط بحالها مفروشة، ويأتي في النكاح باب الأنماط ونحوه للنساء إن شاء الله تعالى.
3632 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: "انْطَلَقَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ مُعْتَمِرًا، قَالَ: فَنَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ أَبِي صَفْوَانَ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا انْطَلَقَ إِلَى الشَّامِ فَمَرَّ بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: أَلا انْتَظِرْ حَتَّى إِذَا انْتَصَفَ النَّهَارُ وَغَفَلَ النَّاسُ انْطَلَقْتُ فَطُفْتُ؟ فَبَيْنَا سَعْدٌ يَطُوفُ إِذَا أَبُو جَهْلٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا الَّذِي يَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ؟ فَقَالَ سَعْدٌ: أَنَا سَعْدٌ. فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ: تَطُوفُ بِالْكَعْبَةِ آمِنًا وَقَدْ آوَيْتُمْ مُحَمَّدًا وَأَصْحَابَهُ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَتَلاَحَيَا بَيْنَهُمَا. فَقَالَ أُمَيَّةُ لِسَعْدٍ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ، فَإِنَّهُ سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي. ثُمَّ قَالَ سَعْدٌ: وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ لأَقْطَعَنَّ مَتْجَرَكَ بِالشَّامِ. قَالَ: فَجَعَلَ أُمَيَّةُ يَقُولُ لِسَعْدٍ: لاَ تَرْفَعْ صَوْتَكَ -وَجَعَلَ يُمْسِكُهُ- فَغَضِبَ سَعْدٌ فَقَالَ: دَعْنَا عَنْكَ، فَإِنِّي سَمِعْتُ مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلُكَ. قَالَ: إِيَّاىَ؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: وَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ إِذَا حَدَّثَ. فَرَجَعَ إِلَى امْرَأَتِهِ فَقَالَ: أَمَا تَعْلَمِينَ مَا قَالَ لِي أَخِي الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَتْ: وَمَا قَالَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّهُ سَمِعَ مُحَمَّدًا يَزْعُمُ أَنَّهُ قَاتِلِي. قَالَتْ: فَوَاللَّهِ مَا يَكْذِبُ مُحَمَّدٌ. قَالَ: فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى بَدْرٍ وَجَاءَ الصَّرِيخُ قَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ: أَمَا ذَكَرْتَ مَا قَالَ لَكَ أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ؟ قَالَ: فَأَرَادَ أَنْ لاَ يَخْرُجَ فَقَالَ لَهُ أَبُو جَهْلٍ: إِنَّكَ مِنْ أَشْرَافِ الْوَادِي، فَسِرْ يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ، فَسَارَ مَعَهُمْ يَوْمَيْنِ، فَقَتَلَهُ اللَّهُ". [الحديث 3632 - طرفه في: 3950].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (أحمد بن إسحاق) بن الحصين السلمي السرماري قال: (حدّثنا عبد الله) بفتح العين في الفرع وبضمها مصغرًا في أصله وهو الصواب (ابن موسى) بن باذام العبسي الكوفي قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق)
عمرو بن عبد الله السبيعي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأزدي الكوفي أدرك الجاهلية (عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) أنه (قال: انطلق سعد بن معاذ) الأنصاري الأشهلي من المدينة حال كونه (معتمرًا قال: فنزل) حين دخوله مكة للعمرة (على أمية بن خلف) بالتنوين (أبي صفوان) هي كنية أمية، وكان من كبار المشركين (وكان أمية إذا انطلق إلى الشام) للتجارة (فمرّ بالمدينة) طيبة لأنها طريقه (نزل على سعد) أي ابن معاذ المذكور (فقال أمية لسعد): لما قال له سعد: انظر لي ساعة خلوة لعلّي أن أطوف بالبيت (انتظر) ولأبي ذر عن الكشميهني: ألا انتظر بتخفيف اللام للاستفتاح (حتى إذا انتصف النهار وغفل الناس) فطف به (انطلقت فطفت) بتاء المتكلم المضمومة في الفرع وغيره من الأصول المعتمدة التي وقفت عليها أي قال سعد: فلما غفل الناس

(6/70)


انطلقت فطفت، وقال العيني: بالتاء المفتوحة فيهما لأنه خطاب أمية لسعد (فبينا) بغير ميم (سعد يطوف إذا أبو جهل فقال: من هذا الذي يطوف بالكعبة؟ فقال سعد): له (أنا سعد، فقال أبو جهل: تطوف بالكعبة) حال كونك (آمنًا وقد آويتم محمدًا وأصحابه) بمد همزة آويتم وقصرها وفي رواية إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق السبيعي في أول المغازي وقد آويتم الصباة وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما والله لولا أنك مع أبي صفوان ما رجعت إلى أهلك سالمًا (فقال): سعد له (نعم) آويناهم (فتلاحيا) بالحاء المهملة أي تخاصم سعد وأبو جهل وتنازعا (بينهما فقال أمية لسعد: لا ترفع صوتك على أبي الحكم) بفتحتين يريد أبا جهل اللعين (فإنه سيد أهل الوادي) مكة (ثم قال: سعد) لأبي جهل (والله لئن منعتني أن أطوف بالبيت لأقطعن متجرك بالشام) وفي رواية إبراهيم بن يوسف المذكور: والله لئن منعتني هذا لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك على المدينة (قال: فجعل أمية يقول لسعد: لا ترفع صوتك) أي على أبي الحكم (وجعل يمسكه فغضب سعد) من أمية (فقال): سعد لأمية (دعنا عنك) أي اترك محاماتك لأبي جهل (فإني سمعت محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يزعم أنه قاتلك) الخطاب لأمية.
وقال الكرماني: وتبعه البرماوي أن الضمير لأبي جهل أي أن أبا جهل يقتل أمية، واستشكل بكون أبي جهل على دين أمية فكيف يقتله؟ وأجاب الكرماني وتبعه البرماوي: بأن أبا جهل كان السبب في خروج أمية إلى بدر حتى قتل فكأنه قتله إذ القتل كما يكون مباشرة قد يكون تسببًا.
قال في الفتح: وهو فهم عجيب، وإنما أراد سعد أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقتل أمية، ويرد قول الكرماني ما في رواية إبراهيم بن يوسف المذكور في أول المغازي أن أمية لما رجع إلى امرأته قال: يا أم صفوان ألم تري ما قال لي سعد؟ قالت: وما قال؟ قال: زعم أن محمدًا أخبرهم أنه قاتلي ولم يتقدم في كلامه لأبي جهل ذكر.
(قال): أمية (إياي) يقتل (قال): سعد (نعم) إياك (قال): أمية (والله ما يكذب محمد إذا حدث) قاله لأنه كان موصوفًا عندهم بالصدق (فرجع) أمية (إلى امرأته) صفية بنت معمر (فقال): لها (أما) بتخفيف الميم (تعلمين ما قال لي أخي اليثربي) بالمثلثة نسبة إلى يثرب وهو اسم طيبة قبل الإسلام، وذكره بالأخوّة باعتبار ما كان بينهما من المؤاخاة في الجاهلية (قالت): صفية امرأته (وما
قال): لك (قال: زعم أنه سمع محمدًا يزعم أنه قاتلي. قالت: فوالله ما يكذب محمد) بل هو الصادق المصدوق (قال: فلما خرجوا) أي أهل مكة (إلى بدر وجاء الصريخ) بالصاد المهملة المفتوحة آخره معجمة فعيل من الصراخ وهو صوت لمستصرخ أي المستغيث.
قال الزركشي كالسفاقسي فيه تقديم وتأخير لأن الصريخ جاءهم فخرجوا إلى بدر. قال الدماميني: هذا بناء على أن الواو للترتيب وهو خلاف مذهب الجمهور ولو سلم فلا نسلم أن الواو للعطف، وإنما هي للحال وقد مقدرة أي فلما خرجوا في حال مجيء الصريخ لهم فلا تقديم ولا تأخير. وعند ابن إسحاق أن الصارخ ضمضم بن عمرو الغفاري وأنه لما وصل إلى مكة جاع بعيره وحول رحله وشق قميصه وصرخ يا معشر قريش أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد الغوث الغوث.
(قالت له): لأمية (امرأته أما) بالتخفيف (ذكرت ما قال لك أخوك اليثربي؟) سعد (قال: فأراد) أمية (أن لا يخرج) معهم إلى بدر خوفًا مما قاله سعد (فقال له أبو جهل: إنك من أشراف الوادي) أي مكة، وفي رواية إبراهيم بن يوسف المذكورة فأتاه أبو جهل فقال: يا أبا صفوان إنك متى يراك الناس قد تخلفت وأنت سيد أهل الوادي تخلفوا معك. (فسر يومًا أو يومين) أي ثم ارجع إلى مكة (فسار معهم يومين) كذا في الفرع ونسخة البرزالي بإثبات يومين بعد فسار معهم وسقطت من اليونينية وفرعها آقبغا والناصرية وغيرها فلم يزل على ذلك حتى وصل المقصد (فقتله الله) ببدر في وقعتها كما سيأتي بيان ذلك في محله إن شاء الله تعالى.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في باب ذكر

(6/71)


النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من يقتل ببدر.
3633 - حَدَّثَنا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ شَيْبَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ النَّاسَ مُجْتَمِعِينَ فِي صَعِيدٍ فَقَامَ أَبُو بَكْرٍ فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي بَعْضِ نَزْعِهِ ضَعْفٌ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ، ثُمَّ أَخَذَهَا عُمَرُ فَاسْتَحَالَتْ بِيَدِهِ غَرْبًا. فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا فِي النَّاسِ يَفْرِي فَرِيَّهُ، حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ».
وَقَالَ هَمَّامٌ: سمعتُ أَبا هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَنَزَعَ أَبُو بَكْرٍ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ». [الحديث 3633 - أطرافه في: 3676، 3682، 7019، 7020].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الرحمن بن شيبة) هر عبد الرحمن بن عبد الملك بن محمد بن شيبة أبو بكر الحزامي بالحاء المهملة المكسورة والزاي القرشي مولاهم قال: (حدّثنا) ولأبوي ذر والوقت: أخبرنا بالخاء المعجمة والجمع في الفرع، وفي اليونينية أخبرني بالإفراد (عبد الرحمن بن المغيرة) ولأبي ذر مغيرة بدون أل (عن أبيه) المغيرة بن عبد الرحمن بن عبد الله الحزامي (عن موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن سالم بن عبد الله عن) أبيه
(عبد الله) بن عمر بن الخطاب (-رضي الله عنه-) وعن أبيه (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(رأيت الناس) في المنام (مجتمعين في صعيد فقام أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- وفي رواية أبي بكر بن سالم عن سالم في باب مناقب عمر أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "رأيت في المنام أني أنزع بدلو بكرة على قليب فجاء أبو بكر" (فنزع) بنون فزاي فعين مهملة مفتوحات أخرج الماء من البئر للاستقاء (ذنوبًا) بفتح الذال المعجمة دلوًا مملوءًا الماء (أو ذنوبين) بالشك للأكثر وفي رواية همام في التعبير ذنوبين من غير شك (وفي بعض نزعه) أي استقائه (ضعف) بسكون العين وضم الفاء منوّنة في الفرع والذي في أصله ضعف بضم العين وفتح الفاء (والله يغفر له) أي أنه على مهل ورفق وليس فيه حط من فضيلته، بل هو إشارة إلى ما فتح في زمانه من الفتوح وكانت قليلة لاشتغاله بقتال أهل الردّة مع قصر مدّة خلافته وقول من قال: وإن المراد الإشارة إلى مدة خلافته. قال الحافظ ابن حجر: فيه نظر لأنه ولي سنتين وبعض سنة فلو كان ذلك المراد لقال ذنوبين أو ثلاثة ويؤيده ما وقع في حديث ابن مسعود في نحو هذه القصة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فاعبرها يا أبا بكر" فقال: ألي الأمر من بعدك ثم يليه عمر قال: كذلك عبرها الملك. أخرجه الطبراني لكن في إسناده أيوب بن جابر وهو ضعيف.
(ثم أخذها) أي الذنوب (عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (فاستحالت) أي انقلبت (بيده غربًا) بفتح الغين المعجمة وسكون الراء بعدها موحدة دلوًا عظيمًا أكبر من الذنوب، وفيه إشارة إلى عظم الفتوح التي كانت في زمنه -رضي الله عنه- وكثرتها وكان كذلك ففتح الله تعالى عليه من البلاد والأموال والغنائم ومصّر الأمصار ودوّن الدواوين لطول مدته. (فلم أر عبقريًا) بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح القاف وكسر الراء وتشديد التحتية يعمل عمله ويقوى قوته (حتى ضرب الناس بعطن) بفتح العين والطاء المهملتين آخره نون مناخ الإبل إذا صدرت عن الماء والعطن للإبل كالوطن للناس، لكن غلب على مبركها حول الحوض.
وقال الأنباري: معناه حتى رووا وأرووا إبلهم وأبركوها وضروا لها عطنًا أي لتشرب عللاً بعد نهل وتستريح فيه. وقال القاضي عياض: ظاهر هذا الحديث أنه عائد إلى خلافة عمر، وقيل يعود إلى خلافتهما معًا لأن أبا بكر جمع شمل المسلمين أوّلاً بدفع أهل الردّة وابتدأ الفتوح في زمنه، ثم عهد إلى عمر فكثرت في خلافته الفتوح واتسع أمر الإسلام واستقرت قواعده.
(وقال همام): هو ابن منبه مما وصله في التعبير من هذا الوجه ومن غيره (عن أبي هريرة) ولأبوى ذر والوقت: سمعت أبا هريرة -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه قال:
(فنزع أبو بكر ذنوبين) ولأبي ذر: ذنوبًا أو ذنوبين، وبقية المباحث تأتي إن شاء الله تعالى في محالها.
3634 - حَدَّثَنا عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ النَّرْسِيُّ حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عُثْمَانَ قَالَ: أُنْبِئْتُ أَنَّ جِبْرِيلَ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ أُمُّ سَلَمَةَ فَجَعَلَ يُحَدِّثُ ثُمَّ قَامَ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأُمِّ سَلَمَةَ: مَنْ هَذَا -أَوْ كَمَا قَالَ- قَالَتْ: هَذَا دِحْيَةُ.
قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: أيْمُ اللَّهِ مَا حَسِبْتُهُ إِلاَّ إِيَّاهُ، حَتَّى سَمِعْتُ خُطْبَةَ نَبِيِّ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخْبِرُ جِبْرِيلَ، أَوْ كَمَا قَالَ. قَالَ: فَقُلْتُ لأَبِي عُثْمَانَ: مِمَّنْ سَمِعْتَ هَذَا؟ قَالَ: مِنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ». [الحديث 3634 - طرفه في: 4980].
وبه قال: (حدّثنى) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عباس بن الوليد) بالموحدة آخره سين مهملة ابن نصر (النرسي) بنون مفتوحة فراء ساكنة فسين مهملة مكسورة قال: (حدّثنا معتمر قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان التابعي التيمي قال: (حدّثنا أبو عثمان) عبد الرحمن النهدي بالنون المفتوحة والهاء الساكنة (قال: أُنبئت) بضم الهمزة مبنيًا للمفعول أي أخبرت (أن جبريل عليه السلام) وهذا مرسل لكن في آخره أنه سمعه من أسامة فصار مسندًا

(6/72)


متصلاً (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده) أم المؤمنين (أم سلمة) هند بنت أبي أمية والجملة حالية (فجعل) عليه الصلاة والسلام (يحدث) رجلاً عنده (ثم قام) الرجل (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأم سلمة) يستفهمها عن الذي كان يحدثه هل عرفت أنه ملك أم لا؟.
(من هذا) يستفهم (أو كما قال): شك الراوي في اللفظ مع بقاء المعنى (قال): أبو عثمان (قالت): أم سلمة (هذا دحية) بن خليفة الكلبي وكان جبريل عليه السلام يأتي كثيرًا في صورته (قالت أم سلمة: أيم الله) بهمزة قطع من غير واو (ما حسبته إلا إياه حتى سمعت خطبة نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخبر) بضم التحتية بصيغة المضارع من أخبر أي (عن جبريل) وفي نسخة بخبر جبريل بالموحدة وفتح الخاء وفي فضائل القرآن يخبر فعلاً مضارعًا خبر جبريل (أو كما قال).
قال في الفتح: ولم أقف في شيء من الروايات على بيان هذا الخبر في أي قصة، ويحتمل أن يكون في قصة بني قريظة فقد وقع في الدلائل للبيهقي عن عائشة أنها رأت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يكلم رجلاً وهو راكب فلما دخل قلت: من هذا الرجل الذي كنت تكلمه؟ قال: "بمن تشبهينه"؟ قلت: بدحية بن خليفة. قال: "ذاك جبريل أمرني أن أمضي إلى بني قريظة" انتهى فليتأمل.
(قال): سليمان بن طرخان (فقلت لأبي عثمان) عبد الرحمن النهدي (ممن سمعت هذا)؟ الحديث (قال): سمعته (من أسامة بن زيد) حِب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في فضائل القرآن ومسلم في فضائل أم سلمة -رضي الله عنها-.
(بسم الله الرحمن الرحيم).
سقطت البسملة لأبي ذر.

26 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ} [البقرة: 146].
(باب قول الله تعالى: {يعرفونه}) خبر المبتدأ الذي هو الذين آتيناهم الكتاب والضمير يعود على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي يعرفونه معرفة جلية ({كما يعرفون أبناءهم}) أي كمعرفتهم أبناءهم لا يلتبسون عليهم بغيرهم وجاز الإضمار وإن لم يسبق له ذكر لأن الكلام يدل عليه ولا يلتبس على السامع ومثل هذا الإضمار فيه تفخيم وإشعار بأنه لشهرته معلوم بغير إعلام وكاف كما نصب لمصدر محذوف أي معرفة كائنة مثل معرفة أبنانهم ({وإن فريقًا منهم}) من أهل الكتاب ({ليكتمون الحق}) محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({وهم يعلمون}) [البقرة: 146]. جملة اسمية في موضع نصب على الحال من فاعل يكتمون، وهذا ظاهر في أن كفرهم كان عنادًا، وسقط لأبي ذر: وأن فريقًا إلى آخره.
3635 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: «أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرُوا لَهُ أَنَّ رَجُلاً مِنْهُمْ وَامْرَأَةً زَنَيَا. فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَا تَجِدُونَ فِي التَّوْرَاةِ فِي شَأْنِ الرَّجْمِ؟ فَقَالُوا: نَفْضَحُهُمْ وَيُجْلَدُونَ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: كَذَبْتُمْ، إِنَّ فِيهَا الرَّجْمَ. فَأَتَوْا بِالتَّوْرَاةِ فَنَشَرُوهَا، فَوَضَعَ أَحَدُهُمْ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجْمِ، فَقَرَأَ مَا قَبْلَهَا وَمَا بَعْدَهَا. فَقَالَ لَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلاَمٍ: ارْفَعْ يَدَكَ، فَرَفَعَ يَدَهُ، فَإِذَا فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ؛ فَقَالُوا: صَدَقَ يَا مُحَمَّدُ، فِيهَا آيَةُ الرَّجْمِ. فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرُجِمَا. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَرَأَيْتُ الرَّجُلَ يَجْنَأُ عَلَى الْمَرْأَةِ يَقِيهَا الْحِجَارَةَ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي الدمشقي الأصل قال: (أخبرنا مالك بن أنس) الإمام الأعظم الأصبحي رحمه الله، وسقط لأبي ذر ابن أنس (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكروا له أن رجلاً منهم) من اليهود لم يسم (وامرأة) منهم أيضًا (زنيا) واسم المرأة بسرة بضم الموحدة وسكون السين المهملة وذكر أبو داود السبب في ذلك من طريق الزهري: سمعت رجلاً من مزينة ممن يتبع العلم. وكان عند سعيد بن المسيب يحدث عن أبي هريرة قال: زنى رجل من اليهود بامرأة فقال بعضهم لبعض: اذهبو إلى هذا النبي فإنه بعث بالتخفيف فإن أفتانا بفتيا دون الرجم قبلناها واحتججنا بها عند الله عز وجل وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك. قال: فأتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو جالس في المسجد في أصحابه فقالوا: يا أبا القاسم ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا؟ (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): ليلزمهم ما يعتقدون في كتابهم:
(ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟) في حكمه ولعله أوحي إليه أن حكم الرجم فيها ثابت على ما شرع لم يلحقه تبديل (فقالوا: نفضحهم) بفتح النون والضاد المعجمة بينهما فاء ساكنة من الفضيحة أي نكشف مساويهم للناس ونبينها (ويجلدون) بضم أوله وفتح ثالثه مبنيًا للمفعول
(فقال عبد الله بن سلام) بتخفيف اللام الخزرجي من بني يوسف بن يعقوب عليهما السلام وشهد له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجنة. (كذبتم إن فيها الرجم) أي على الزاني المحصن، ولأبي ذر: للرجم بلام الابتداء (فأتوا بالتوراة) بفتح الهمزة والفوقية (فنشروها

(6/73)


فوضع أحدهم) هو عبد الله بن صوريا الأعور (يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا): أي اليهود (صدق) ابن سلام (يا محمد فيها) في التوراة (آية الرجم فأمر بهما) بالزانيين (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرجما) وفي حديث جابر عند أبي داود فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالشهود فجاء أربعة، فشهدوا أنهم رأوا ذكره في فرجها مثل المرود في المكحلة فأمر بهما فرجما.
(قال عبد الله) بن عمر بنِ الخطاب (فرأيت الرجل يجنأ) بالجيم الساكنة والهمزة آخره أي يكب، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يحني بالحاء المهملة وكسر النون من غير همز أي يعطف (على المرأة يقيها الحجارة) ومباحث الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في الحدود بعون الله وقوته.
وقد أخرجه في المحاربين ومسلم في الحدود وكذا الترمذي وأخرجه النسائي في الرجم.

27 - باب سُؤَالِ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُرِيَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ
(باب سؤال المشركين أن يريهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آية) أي معجزة خارقة للعادة (فأراهم انشقاق القمر).
3636 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- قَالَ: «انْشَقَّ الْقَمَرُ عَلَى عَهْدِ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شِقَّتَيْنِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: اشْهَدُوا». [الحديث 3636 - أطرافه في: 3869، 3871، 4864، 4865].
وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (ابن عيينة) سفيان (عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة ساكنة عبد الله بن سخبرة الكوفي (عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-) أنه (قال: انشق القمر على عهد رسول الله) ولأبوي ذر والوقت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي زمنه وفي أيامه (شقتين) بكسر الشين وتفتح أي نصفين، وزاد أبو نعيم في الدلائل من طريق عتبة بن عبد الله قال ابن مسعود: فلقد رأيت أحد شقيه على الجبل الذي بمنى ونحن بمكة (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اشهدوا) من الشهادة وإنما قال ذلك لأنها معجزة عظيمة لا يكاد يعدلها شيء من آيات الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير ومسلم في التوبة والترمذي في التفسير وكذا النسائي.
3637 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا يُونُسُ حَدَّثَنَا شَيْبَانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ح. وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّهُ حَدَّثَهُمْ: "أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ يُرِيَهُمْ آيَةً، فَأَرَاهُمُ انْشِقَاقَ الْقَمَرِ". [الحديث 3637 - أطرافه في: 3868، 4867، 4868].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا يونس) بن محمد المؤدب قال: (حدّثنا شيبان) بن عبد الرحمن النحوي (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) وسقط لأبي ذر ابن مالك وسقط الترضي أيضًا في اليونينية. قال المؤلّف: (ح).
(وقال لي خليفة) بن خياط (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء البصري قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس) زاد في اليونينية ابن مالك -رضي الله عنه- (أنه حدثهم أن أهل مكة سألوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر) زاد في رواية له في الصحيحين شقين حتى رأوا حراء بينهما وأنس لم يحضر ذلك لأنه كان ابن أربع سنين أو خمس بالمدينة.
3638 - حَدَّثَنا خَلَفُ بْنُ خَالِدٍ الْقُرَشِيُّ حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ مُضَرَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-: "أَنَّ الْقَمَرَ انْشَقَّ فِي زَمَانِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-". [الحديث 3638 - طرفاه في: 3870، 4866].
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (خلف بن خالد القرشي) مولاهم أبو المهنا أو أبو المضاء قال: (حدّثنا بكر بن مضر) بميم مضمومة فضاد معجمة مفتوحة فراء القرشي (عن جعفر بن ربيعة) بن شرحبيل ابن حسنة القرشي (عن عراك بن مالك) بكسر العين وتخفيف الراء وبعد الألف كاف الغفاري المدني (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن عبد الله) بن عتبة (بن مسعود) أحد الفقهاء السبعة (عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن القمر انشق) وفي رواية عن ابن عباس عند أبي نعيم في الدلائل والفضائل فصار قمرين (في زمان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وابن عباس أيضًا لم يحضر ذلك لأنه كان بمكة قبل الهجرة بنحو خمس سنين، وكان ابن عباس إذ ذاك لم يولد لكن في بعض الطرق أنه حمل الحديث عن ابن مسعود، وانشقاق القمر من أمهات المعجزات وأجمع عليه المفسرون وأهل السُّنّة وروي عن جماعة كثيرة من الصحابة.

28 - باب
3639 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا مُعَاذٌ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ قَتَادَةَ حَدَّثَنَا أَنَسٌ -رضي الله عنه-: "أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَا مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ وَمَعَهُمَا مِثْلُ
الْمِصْبَاحَيْنِ يُضِيئانِ بَيْنَ أَيْدِيهِمَا، فَلَمَّا افْتَرَقَا صَارَ مَعَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا وَاحِدٌ حَتَّى أَتَى أَهْلَهُ".
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا وفي نسخة وهي التي في اليونينية باب التنوين من غير ترجمة حدّثنا (محمد

(6/74)


بن المثنى) العنزي قال: (حدّثنا معاذ قال: حدّثني) بالإفراد (أبي) هشام بن عبد الله الدستوائي (عن قتادة) بن دعامة قال: (حدّثنا أنس) ولأبي ذر: عن أنس (-رضي الله عنه- أن رجلين) أسيد بن الحضير وعباد بن بشر (من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرجا من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ليلة مظلمة) بكسر اللام (ومعهما مثل المصباحين يضيئان بين أيديهما) إكرامًا لهما وإظهارًا لسر قوله: بشر المشائين في الظلم للمساجد بالنور التام يوم القيامة فعجل لهما مما ادّخر في الآخرة (فلما افترقا صار مع كل واحد منهما) نور (واحد) يضيء له (حتى أتى أهله).
وعند عبد الرزاق في مصنفه أن أسيد بن حضير ورجلاً من الأنصار تحدثا عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى ذهب من الليل ساعة في ليلة شديدة الظلمة، ثم خرجا وفي يد كل واحد منهما عصبة فأضاءت عصا أحدهما حتى مشيا في ضوئها حتى إذا افترقت بهما الطريق أضاءت عصا الآخر فمشى كل واحد منهما في ضوء عصاه حتى بلغ أهله.
وأخرج البخاري في تاريخه عن حمزة الأسلمي قال: كنا عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر فتفرقنا في ليلة ظلماء فأضاءت أصابعي حتى جمعوا عليها ظهرهم وما هلك منهم وأن أصابعي لتنير، ويأتي مزيد لما ذكرته هنا في مناقب أسيد وعباد إن شاء الله تعالى بعونه وقوته.
3640 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا قَيْسٌ سَمِعْتُ الْمُغِيرَةَ بْنَ شُعْبَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ يَزَالُ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ». [الحديث 3640 - طرفاه في: 7311، 7459].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود واسم أبي الأسود حميد بن أبي الأسود البصري وهو ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد البجلي أنه قال: (حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم قال: (سمعت المغيرة بن شعبة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لا يزال) بالمثناة التحتية (ناس من أمتي ظاهرين) زاد مسلم عن ثوبان على الحق، وله أيضًا من حديث جابر: يقاتلون على الحق ظاهرين (حتى يأتيهم أمر الله) وفي حديث جابر بن سمرة عند مسلم حتى تأتيهم الساعة (وهم ظاهرون) أي غالبون من خالفهم. وقال النووي: أمر الله هو الريح الذي يأتي فيأخذ روح كل مؤمن ومؤمنة. واستدل به أكثر الحنابلة وبعض من غيرهم على أنه لا يجوز خلوّ الزمان عن المجتهد، وعورض بحديث ابن عمر المروي في البخاري وغيره مرفوعًا: إن الله لا ينزع العلم بعد أن أعطاهموه انتزاعًا، ولكن ينتزعه منهم مع قبض العلماء بعلمهم فيبقى ناس جهال يستفتون فيفتون برأيهم فيضلون ويضلون، إذ فيه دلالة على جواز خلوّ
الزمان عن مجتهد وهو قول الجمهور لأنه صريح في رفع العلم بقبض العلماء وترئيس الجهال، وإذا انتفى العلم ومن يحكم به استلزم انتفاء الاجتهاد والمجتهد.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في الاعتصام والتوحيد ومسلم في الجهاد.
3641 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ جَابِرٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَيْرُ بْنُ هَانِئٍ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: لاَ يَزَالُ مِنْ أُمَّتِي أُمَّةٌ قَائِمَةٌ بِأَمْرِ اللَّهِ لاَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ وَلاَ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ». قَالَ عُمَيْرٌ: فَقَالَ مَالِكُ بْنُ يُخَامِرَ: قَالَ مُعَاذٌ: «وَهُمْ بِالشَّأْمِ». فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: هَذَا مَالِكٌ يَزْعُمُ أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاذًا يَقُولُ: «وَهُمْ بِالشَّامِ».
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير المكي قال: (حدّثنا الوليد) بن مسلم القرشي (قال: حدّثني) بالإفراد (ابن جابر) هو عبد الرحمن بن يزيد بن جار الأزدي (قال: حدّثني) بالإفراد (عمير بن هانئ) بضم العين مصغرًا وهانئ بالنون بعد الألف آخره همزة الشامي (أنه سمع معاوية) بن أبي سفيان (يقول: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله) قال التوربشتي: الأمة القائمة بأمر الله وإن اختلف فيها فإن القصد بها الفئة المرابطة في ثغور الشام نصر الله بهم وجه الإسلام لما في قوله بعد وهم بالشام (لا يضرهم) كل الضرر (من خذلهم) بالذال المعجمة (ولا من خالفهم) إذ العاقبة للمتقين (حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك). وفي حديث عقبة بن عامر: لا تزال عصابة من أمتي يقاتلون على أمر الله قاهرين لعدوهم لا يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة.
(قال عمير): أي ابن هانئ بالسند السابق (فقال مالك بن يخامر): بضم التحتية وفتح المعجمة المخففة وكسر الميم بعدها راء السكسكي الحمصي التابعي الكبير (قال معاذ): هو ابن جبل (وهم) أي الأمة القائمة

(6/75)


بأمر الله مقيمون (بالشام. فقال معاوية) بن أبي سفيان (هذا مالك) يعني ابن يخامر (يزعم أنه سمع معاذًا يقول: وهم بالشام) وفي حديث أبي هريرة في الأوسط للطبراني: يقاتلون على أبواب دمشق وما حولها، وعلى أبواب بيت المقدس وما حوله لا يضرهم من خذلهم ظاهرين إلى يوم القيامة.
وحديث الباب أخرجه أيضًا في التوحيد ومسلم في الجهاد.
3642 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا شَبِيبُ بْنُ غَرْقَدَةَ قَالَ: سَمِعْتُ الْحَيَّ يُحَدِّثُونَ عَنْ عُرْوَةَ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَاهُ دِينَارًا يَشْتَرِي بِهِ شَاةً، فَاشْتَرَى لَهُ بِهِ شَاتَيْنِ، فَبَاعَ إِحْدَاهُمَا بِدِينَارٍ، وَجَاءَهُ بِدِينَارٍ وَشَاةٍ، فَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ فِي بَيْعِهِ، وَكَانَ لَوِ اشْتَرَى التُّرَابَ لَرَبِحَ فِيهِ".
قَالَ سُفْيَانُ كَانَ الْحَسَنُ بْنُ عُمَارَةَ جَاءَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْهُ قَالَ: سَمِعَهُ شَبِيبٌ مِنْ عُرْوَةَ،
فَأَتَيْتُهُ، فَقَالَ شَبِيبٌ: إِنِّي لَمْ أَسْمَعْهُ مِنْ عُرْوَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ الْحَيَّ يُخْبِرُونَهُ عَنْهُ".
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا) والذي في اليونينية أخبرنا (سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا شبيب بن غرقدة) بفتح الشين المعجمة وكسر الموحدة الأولى وسكون التحتية وغرقدة بفتح الغين المعجمة وسكون الراء وفتح القاف والدال المهملة السلمي الكوفي أحد التابعين (قال: سمعت الحي) بالحاء المهملة المفتوحة والتحتية المشددة أي القبيلة التي أنا فيها وهم البارقيون نسبوا إلى بارق جبل باليمن نزله بنو سعد بن عدي بن حارثة فنسبوا إليه ومقتضاه أنه سمعه من جماعة أقلهم ثلاثة (يحدّثون) ولأبي ذر: يتحدثون بفتح التحتية فزيادة فوقية وفتح الدال (عن عروة) بن الجعد ويقال: ابن أبي الجعد. وقيل اسم أبيه عياض البارقي بالموحدة والقاف الصحابي الكوفي وهو أول قاض بها. وقال الحافظ أبو ذر مما في هامش اليونينية عروة هو البارقي -رضي الله عنه-.
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعطاه دينارًا يشتري له به شاة فاشترى له به) بالدينار (شاتين) ولأحمد من رواية أبي لبيد عن عروة قال: عرض للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جلب فأعطاني دينارًا فقال: أي عروة ائت الجلب فاشتر لنا شاة قال: فأتيت الجلب فساومت صاحبه فاشتريت منه شاتين بدينار (فباع أحدهما) أي إحدى الشاتين (بدينار وجاءه) ولأبوي ذر والوقت فجاءه بالفاء بدل الواو (بدينار وشاة فدعا) عليه الصلاة والسلام (له بالبركة في بيعه) في رواية أحمد فقال: اللهم بارك له في صفقته (وكان لو اشترى التراب لربح فيه) ولأحمد قال: فلقد رأيتني أقف بكناسة الكوفة فأربح أربعين ألفًا قبل أن أصل إلى أهلي.
(قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (كان الحسن بن عمارة) بضم العين وتخفيف الميم البجلي مولاهم الكوفي قاضي بغداد في زمن المنصور ثاني خلفاء بني العباس وهو أحد الفقهاء المتفق على ضعف حديثهم، وفي التهذيب قال محمود بن غيلان عن أبي داود الطيالسي، قال شعبة: أتيت جرير بن حازم فقلت له: لا يحل لك أن تروي عن الحسن بن عمارة فإنه يكذب، وقال علي بن الحسن بن شقيق قلت لابن المبارك: لِمَ تركت أحاديث الحسن بن عمارة؟ قال: جرَّحه عندي سفيان الثوري وشعبة بن الحجاج فبقولهما تركت حديثه. وقال أحمد بن حنبل: منكر الحديث وأحاديثه موضوعة لا يثبت حديثه. وقال ابن حبان: كان يدلس على الثقات ما سمعه من الضعفاء عنهم. وبالجملة فهو متروك لكن ليس له في البخاري إلا هذا الموضع. (جاءنا بهذا الحديث) المذكور (عنه) أي عن شبيب بن غرقدة.
(قال): أي الحسن بن عمارة المذكور (سمعه) أي الحديث (شبيب من عروة) البارقي قال سفيان بن عيينة (فأتيته) أي شبيبًا (فقال شبيب: إني لم أسمعه) أي الحديث (من عروة) البارقي بل (قال) أي شبيب (سمعت الحي) البارقين (يخبرونه) أي بالحديث (عنه) أي عن عروة.
وتمسك بهذا الحديث من جوّز بيع الفضولي ووجه الدلالة منه كما قال ابن الرفعة: أنه باع
الشاة الثانية من غير إذن وأقره عليه الصلاة والسلام على ذلك وهو مذهب مالك في المشهور عنه وأبي حنيفة وبه قال الشافعي في القديم، فينعقد البيع وهو موقوف على إجازة المالك فإن أجازه نفذ وإن ردّه لغا.
وممن حكى هذا القول من العراقيين المحاملي في اللباب وعلق الشافعي في البويطي صحته على صحة الحديث فقال في آخر باب الغصب: إن صح حديث عروة البارقي فكل من باع أو أعتق ملك غيره بغير إذنه ثم رضي فالبيع والعتق جائزان هذا لفظه. ونقل البيهقي أنه علقه أيضًا على صحته في الأم، والمذهب أنه باطل وهو الجديد الذي لا يعرف العراقيون

(6/76)


غيره على ما حكاه الإمام ومن تابعه لحديث حكيم بن حزام لا تبع ما ليس عندك، وحديث واثلة بن عامر لا تبع ما لا تملك، وأجابوا عن حديث الباب على تقدير صحته باحتمال أن يكون عروة وكيلاً في البيع والشراء معًا وبأن البخاري أشار بقوله قال سفيان: كان الحسن إلى آخره إلى بيان ضعف روايته أي الحسن وأن شبيبًا لم يسمع الحديث من عروة وإنما سمعه من الحي البارقيين ولم يسمهم عن عروة، فالحديث بهذا ضعيف للجهل بحالهم.
وأجيب: بأن شبيبًا لا يروي إلاّ عن عدل فلا بأس به، وبأنه أراد نقله بوجه آكد إذ فيه إشعار بأنه لم يسمع من رجل قطٌّ بل من جماعة متعددة ربما يفيد خبرهم القطع به، وأما الحسن بن عمارة وإن كان متروكًا فإنه ما أثبت شيئًا بقوله من هذا الحديث، وبأن الحديث قد وجد له متابع عند الإمام أحمد وأبي داود والترمذي وابن ماجه من طريق سعيد بن زيد عن الزبير بن الخريت بكسر المعجمة وتشديد الراء المكسورة وبعدها تحتية ساكنة ثم فوقية عن أبي لبيد واسمه لمازة بكسر اللام وتخفيف الميم وبالزاي ابن زباز بفتح الزاي وتشديد الموحدة آخره زاي الأزدي الصدوق قال: حدثني عروة البارقي فذكر الحديث بمعناه.
3643 - حَدَّثَنَا وَلَكِنْ سَمِعْتُهُ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «الْخَيْرُ مَعْقُودٌ بِنَوَاصِي الْخَيْلِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ». قَالَ: وَقَدْ رَأَيْتُ فِي دَارِهِ سَبْعِينَ فَرَسًا. قَالَ سُفْيَانُ: «يَشْتَرِي لَهُ شَاةً كَأَنَّهَا أُضْحِيَّةٌ».
(ولكن) أي قال شبيب بن غرقدة: لم أسمع الحديث السابق من عروة البارقي ولكن (سمعته يقول سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(الخير معقود) أي لازم (بنواصي الخيل) المغازية في سبيل الله (إلى يوم القيامة) وفيه تفضيل الخيل على سائر الدواب (قال): أي شبيب بالسند السابق (وقد رأيت في داره) أي دار عروة (سبعين فرسًا. قال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (يشتري) بفتح أوله وكسر الراء أي عروة البارقي (له) أي لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (شاة كأنها أضحية) والظاهر أن قوله كأنها أضحية من قول سفيان أدرجه فيه وكذا قال في الفتح، ولم أر في شيء من طرق الحديث أنه أراد أضحية، وقد بالغ أبو
الحسن بن القطان في كتاب بيان الوهم في الإنكار على من زعم أن البخاري أخرج حديث شراء الشاة محتجًا به وقال: إنما أخرج حديث الخيل وانجر به سياق القصة إلى تخريج حديث الشاة.
قال في الفتح: وهو كما قال لكن ليس في ذلك ما يمنع تخريجه ولا ما يحطه عن شرطه لأن الحي يمتنع في العادة تواطؤهم على الكذب لا سيما وقد ورد ما يعضده ولأن الغرض منه الذي يدخل في علامات النبوة دعاؤه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لعروة فاستجيب له حتى كان لو اشترى التراب لربح فيه.
وهذا الحديث أخرجه أبو داود والترمذي في البيوع وابن ماجه في الأحكام.
3644 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين مصغرًا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(الخيل في نواصيها) ولأبي ذر: معقود في نواصيها (الخير). قال الخطابي: كنّى بالناصية عن جميع ذات الفرس يقال فلان مبارك الناصية ومبارك الغرة أي الذات (إلى يوم القيامة). قال القاضي عياض: فيه من البلاغة والعذوبة ما لا مزيد عليه في الحسن مع الجناس بين الخيل والخير. وسبق هذا الحديث في الجهاد.
3645 - حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ حَفْصٍ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ الْحَارِثِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَس بن مالكٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ مَعْقُودٌ فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ».
وبه قال: (حدّثنا قيس بن حفص) الدارمي البصري قال: (حدّثنا خالد بن الحرث) الهجيمي البصري قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) بفتح الفوقية والتحتية المشددة آخره حاء مهملة اسمه يزيد بن حميد أنه (قال: سمعت أنسًا) ولأبي ذر: أنس بن مالك (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(الخيل معقود في نواصيها الخير) لم يقل إلى يوم القيامة. وهذا الحديث رواه في الجهاد من طريق مسدّد عن يحيى عن شعبة عن أبي التياح بلفظ: البركة في نواصي الخيل.
3646 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ مَالِكٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الْخَيْلُ لِثَلاَثَةٍ: لِرَجُلٍ أَجْرٌ، وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ، وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ. فَأَمَّا الَّذِي لَهُ أَجْرٌ فَرَجُلٌ رَبَطَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فَأَطَالَ لَهَا فِي مَرْجٍ أَوْ رَوْضَةٍ، فَمَا أَصَابَتْ فِي طِيَلِهَا مِنَ الْمَرْجِ أَوِ الرَّوْضَةِ كَانَتْ لَهُ حَسَنَاتٍ، وَلَوْ أَنَّهَا قَطَعَتْ طِيَلَهَا فَاسْتَنَّتْ
شَرَفًا أَوْ شَرَفَيْنِ كَانَتْ أَرْوَاثُهَا حَسَنَاتٍ لَهُ، وَلَوْ أَنَّهَا مَرَّتْ بِنَهْرٍ فَشَرِبَتْ وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يَسْقِيَهَا كَانَ ذَلِكَ لَهُ حَسَنَاتٍ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا تَغَنِّيًا وَسِتْرًا وَتَعَفُّفًا وَلَمْ يَنْسَ حَقَّ اللَّهِ فِي رِقَابِهَا وَظُهُورِهَا، فَهِيَ لَهُ كَذَلِكَ سِتْرٌ. وَرَجُلٌ رَبَطَهَا فَخْرًا وَرِيَاءً وَنِوَاءً لأَهْلِ الإِسْلاَمِ فَهْيَ وِزْرٌ. وَسُئِلَ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِ الْحُمُرِ فَقَالَ: مَا أُنْزِلَ عَلَيَّ فِيهَا إِلاَّ هَذِهِ الآيَةُ الْجَامِعَةُ الْفَاذَّةُ: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي (عن أبي صالح) ذكوان (السمان عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(الخيل لثلاثة لرجل أجر ولرجل

(6/77)


ستر وعلى رجل وزر) إثم (فأما) الرجل (الذي) هي (له أجر فرجل ربطها) للجهاد (في سبيل الله) عز وجل (فأطال لها) في الحبل الذي ربطها به حتى تسرح للرعي (في مرج) بفتح الميم وسكون الراء بعدها جيم أي موضع كلأ (أو روضة) بالشك (وما) بالواو ولأبي ذر: فما (أصابت) من أكل أو شرب أو مشي (في طيلها) بكسر الطاء المهملة وفتح التحتية أي حبلها المربوط فيه (من المرج أو الروضة كانت له) أي لصاحبها (حسنات) يوم القيامة (ولو أنها قطعت طيلها) حبلها المذكور (فاستنت) بفتح الفوقية وتشديد النون عدت بمرج ونشاط (شرفًا أو شرفين) بفتح الشين المعجمة والراء والفاء فيهما أي شوطًا أو شوطين فبعدت عن الموضع الذي ربطها صاحبها فيه ترعى ورعت في غيره (كانت أرواثها) بالمثلثة (حسنات له) أي لصاحبها في الآخرة (ولو أنها مرت بنهر فشربت) أي منه بغير قصده (ولم يرد أن يسقيها كان ذلك) الشرب وعدم الإرادة (له حسنات و) أما الذي هي له ستر فهو (رجل ربطها تغنيّا) بفتح الغين المعجمة وتشديد النون المكسورة أي استغناء عن الناس (وتسترًا) بفوقية مفتوحة قبل المهملة في الفرع وغيره وفي اليونينية وغيرها وسترًا بإسقاط الفوقية (وتعففًا) عن سؤالهم (لم) ولأبي ذر ولم (ينس حق الله في رقابها) بأن يؤدي زكاة تجارتها (وظهورها) بأن يركب عليها في سبيل الله (فهي له كذلك ستر) تقيه من الفاقة (و) أما الذي هي عليه وزر فهو (رجل ربطها فخرًا) لأجل الفخر (ورياء) أي إظهارًا للطاعة والباطن بخلافه (ونواء) بكسر النون وفتح الواو ممدودًا أي عداوة (لأهل الإسلام فهي) عليه (وزر) أي له.
(وسئل النبي) ولأبي ذر: رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الحمر) هل لها حكم الخيل؟ (فقال: ما أنزل) وفي اليونينية بغير عزو ما أنزل الله (عليّ فيها إلا هذه الآية الجامعة) لكل خير وشر (الفاذة) بالفاء والذال المعجمة المشددة أي القليلة المثل المنفردة في معناها. ({فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرًّا يره}) [الزلزلة: 7 - 8].
وهذا الحديث قد مرّ في الجهاد.
3647 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: «صَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ بُكْرَةً وَقَدْ خَرَجُوا بِالْمَسَاحِي، فَلَمَّا رَأَوْهُ قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ، وَأَحَالُوا إِلَى الْحِصْنِ يَسْعَوْنَ، فَرَفَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَيْهِ وَقَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن محمد) هو ابن سيرين أنه قال: (سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول: صبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بتشديد الموحدة بعد الصاد المهملة (خيبر بكرة وقد خرجوا بالمساحي فلما رأوه قالوا: محمد والخميس) أي الجيش وسمي به لأنه خمسة أقسام الميمنة والميسرة والمقدمة والساقة والقلب (وأحالوا) بالحاء المهملة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فأجالوا بالفاء بدل الواو وبالجيم بدل الحاء (إلى الحصن) أي أقبلوا إلى الحصن هاربين حال كونهم (يسعون، فرفع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يديه) بالتثنية (وقال):
(الله أكبر، خربت) أي ستخرب (خيبر) في توجهنا إليها (إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين). وقد مرّ هذا الحديث في الجهاد.
3648 - حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْفُدَيْكِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي سَمِعْتُ مِنْكَ حديثًا كَثِيرًا فَأَنْسَاهُ. قَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ابْسُطْ رِدَاءَكَ، فَبَسَطْتُ، فَغَرَفَ بِيَدَيهِ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: ضُمَّهُ، فَضَمَمْتُهُ، فَمَا نَسِيتُ حَدِيثًا بَعْدُ».
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إبراهيم بن المنذر) الحزامي قال: (حدّثنا ابن أبي الفديك) بضم الفاء وفتح الدال المهملة وسكون التحتية آخره كاف محمد بن إسماعيل واسم أبي فديك دينار الديلمي (عن ابن أبي ذئب) محمد بن عبد الرحمن (عن المقبري) بضم الموحدة سعيد بن أبي سعيد كيسان (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قلت يا رسول الله إني سمعت منك حديثًا كثيرًا) صفة لحديثًا لأنه اسم جنس يتناول القليل والكثير (فأنساه) صفة ثانية والنسيان زوال علم سابق عن الحافظة والمدركة (قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ابسط رداءك فبسطته) أي لما قال: ابسط امتثلت أمره فبسطته وإلاّ فيلزم منه عطف الخبر على الإنشاء وهو مختلف فيه، ولغير أبي ذر فبسطت بإسقاط الضمير المنصوب (فغرف) عليه الصلاة والسلام (بيده) بالإفراد، ولأبي ذر: بيديه (فيه) فجعل الحفظ كالشيء الذي يغرف منه ورمى به في ردائه ومثل لذلك في عالم الحس (ثم قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأبي هريرة (ضمه) قال: (فضممته فما

(6/78)


نسيت حديثًا بعد) بالضم قطعه عن الإضافة، وقد مرّ الحديث في كتاب العلم.