شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
64 - كتاب المغازي
قال في القاموس: غزاه غزوًا أراده وطلبه وقصده كاغتزاه
والعدوّ سار إلى قتالهم وانتهابهم غزوًا وغزوانًا وغزاوة
وهو غاز الجمع غزى وغزى كدلى والغزيّ كغنيّ اسم جمع وأغزاه
حمله عليه كغزاه ومغزى الكلام مقصده، والمغازي مناقب
الغزاة وغزوي كذا قصدي، وقال غيره: المغازي جمع مغزى
والمغزى يصلح أن يكون مصدرًا تقول: غزا يغزو غزوًا ومغزى
ومغزاة، ويصلح أن يكون موضع الغزو لكن كونه مصدرًا متعين
هنا والمراد هنا ما وقع من قصد النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكفار بنفسه أو بجيش من قبله.
1 - باب غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ أَوِ الْعُسَيْرَةِ
وقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: أَوَّلُ مَا غَزَا النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأَبْوَاءَ ثُمَّ
بُوَاطَ ثُمَّ الْعُشَيْرَةَ.
(باب غزوة العشيرة) بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة
(أو العسيرة) بالشك هل هي بالمعجمة أو بالمهملة كذا بتقديم
البسملة على لفظ كتاب لأبوي الوقت وذر والأصيلي ولغيرهم
بتأخيرها وسقط لأبي ذر لفظ باب، وقوله أو العسيرة ولفظه
بعد البسملة كتاب المغازي غزوة العشيرة حسب، ولابن عساكر
باب بالتنوين في المغازي غزوة العشيرة أو العسيرة.
(وقال ابن إسحاق): هو محمد بن إسحاق بن يسار أبو بكر
المطلبي مولاهم المدني نزيل العراق إمام المغازي صدوق لكنه
يدلس توفي سنة خمسين ومائة (أوّل ما غزا النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأبواء) بفتح الهمزة وسكون
الموحدة ممدودًا منصوب على المفعولية قربة من عمل الفرع
بينها وبين الجحفة من جهة المدينة ثلاثة وعشرون ميلاً وهي
ودّان بفتح الواو وتشديد الدال وكانت في صفر على رأس اثني
عشر شهرًا من مقدمه المدينة (ثم بواط) بضم الموحدة وفتحها
وتخفيف الواو آخرها طاء مهملة جبل من جبال جهينة بقرب
ينبع، وكانت في ربيع الأول سنة اثنتين (ثم العشيرة) بالشين
المعجمة والتصغير آخرها هاء تأنيث ببطن ينبع، وكانت في
جمادى الأولى سنة اثنتين أيضًا، وذكر
الواقدي أن هذه السفرات الثلاث كان عليه الصلاة والسلام
يخرج فيها ليلقى تجار قريش حين يمرون إلى الشام ذهابًا
وإيابًا وبسبب ذلك كانت وقعة بدر ولم يقع في الغزوات
الثلاث المذكورة حرب وسقط قوله. وقال ابن إسحاق الخ لأبي
ذر نعم هو في روايته عن المستملي في آخر الباب، وفي رواية
أبي ذر الإبواء وبواط العشيرة بالرفع في الثلاثة.
3949 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا وَهْبٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، كُنْتُ إِلَى جَنْبِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ
فَقِيلَ لَهُ: كَمْ غَزَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَةٍ؟ قَالَ: تِسْعَ
عَشْرَةَ قِيلَ: كَمْ غَزَوْتَ أَنْتَ مَعَهُ؟ قَالَ:
سَبْعَ عَشْرَةَ قُلْتُ: فَأَيُّهُمْ كَانَتْ أَوَّلَ؟
قَالَ: الْعُسَيْرَةُ أَوِ الْعُشَيْرُ فَذَكَرْتُ
لِقَتَادَةَ فَقَالَ: الْعُشَيْرُ. [الحديث 3949 - طرفاه
في: 4404، 4471].
وبه قال: (حدثني) بالإِفراد (عبد الله بن محمد) المسندي
قال: (حدّثنا وهب) بسكون الهاء ابن جرير البصري قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله
السبيعي أنه قال: (كنت إلى جنب زيد بن أرقم) بن زيد
الأنصاري - رضي الله تعالى عنه - (فقيل له) القائل هو أبو
إسحاق السبيعي كما بينه إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق كما
في آخر المغازي (كم غزا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من غزوة؟ قال: تسع عشرة) غزوة خرج فيها بنفسه،
لكن روى أبو يعلى بإسناد صحيح من طريق أبي الزبير عن جابر
-رضي الله عنه- أن عدد غزواته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إحدى وعشرون غزاة ففات زيد بن أرقم ذكر غزوتين
منها، ويحتمل أن تكونا الأبواء وبواط ولعلهما خفيتا عليه
لصغره، ويؤيده ما في مسلم بلفظ قلت: ما أول غزاة غزاها؟
قال: ذات العشيرة أو العسيرة. وعند ابن سعد المغازي سبعًا
وعشرين غزوة، قيل وقاتل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بنفسه منها في ثمان: بدر ثم أُحد ثم الأحزاب ثم
بني المصطلق ثم خيبر ثم مكة ثم حنين ثم الطائف كما قاله
موسى بن عقبة، وأهمل عدّ قريظة لأنه ضمها إلى الأحزاب
لكونها كانت في أثرها وأفردها غيره لكونها وقعت منفردة بعد
هزيمة الأحزاب.
(قيل) أي قال: أبو إسحاق السبيعي لزيد بن أرقم (كم غزوت
أنت معه؟ قال: سبع عشرة). غزوة (قلت: فأيهم
(6/240)
كانت أوّل)؟ كان حق العبارة أن يقول: فأيهن
أو فأيها بتأنيث الضمير ْعلى الصواب كما لا يخفى وأوّله
بعضهم على حذف مضاف أي فأي غزوتهم، وفي الترمذي عن محمود
بن غيلان عن وهب بن جرير بالإسناد الذي ذكره المؤلّف بلفظ
قلت فأيتهن؟ قال في الفتح: فدلّ على أن التغيير من البخاري
أوَ من شيخه (قال: العسيرة أو العشير) بالتصغير فيهما
وبالمهملة مع الهاء في الأولى وبالمعجمة بلا هاء في
الثانية ولأبي ذر العسير بالمهملة بلا هاء أو العشيرة
بالمعجمة والهاء وللأصيلي العشير أو العسير بالمعجمة في
الأولى والمهملة في الثانية مع حذف الهاء والتصغير في الكل
وفي نسخة عن الأصيلي العشير بفتح العين وكسر الشين المعجمة
بغير هاء كذا رأيته في الفرع كأصله. وقال الحافظ ابن حجر
-رحمه الله تعالى-: العشير أو العسيرة
الأوّل بالمعجمة بلا هاء والثاني بالمهملة والهاء. قال
شعبة بن الحجاج: (فذكرت لقتادة فقال: العشير) يعني
بالمعجمة وحذف الهاء كما في الفرع وفي نسخة العشيرة
بإثباتها، ولم يختلف أهل المغازي في ذلك وأنها منسوبة إلى
المكان الذي وصلوا إليه واسمه العشير والعشير يذكر ويؤنث،
وكان قد خرج إليها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يريد عير قريش التي صدرت من مكة إلى الشام بالتجارة
ليغنمها فوجدها قد مضت فبسبب ذلك كانت وقعة بدر، وزاد أبو
ذر هنا عن المستملي قال ابن إسحاق: أوّل ما غزا النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الأبواء ثم بواط ثم
العشيرة، وهذا ثابت في أوّل الباب لغير أبي ذر وسبق
التنبيه عليه.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا، ومسلم في المغازي
والمناسك، والترمذي في الجهاد والله تعالى أعلم.
2 - باب ذِكْرُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَنْ يُقْتَلُ بِبَدْرٍ
(باب ذكر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من
يقتل ببدر) قبل وقوع غزوتها وسقط لفظ باب لأبي ذر فذكر رفع
على ما لا يخفى، وفي نسخة باب ذكر من قتل ببدر.
3950 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ، حَدَّثَنَا
شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ:
حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مَيْمُونٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- حَدَّثَ عَنْ
سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ أَنَّهُ قَالَ: كَانَ صَدِيقًا
لأُمَيَّةَ بْنِ خَلَفٍ، وَكَانَ أُمَيَّةُ إِذَا مَرَّ
بِالْمَدِينَةِ نَزَلَ عَلَى سَعْدٍ، وَكَانَ سَعْدٌ إِذَا
مَرَّ بِمَكَّةَ نَزَلَ عَلَى أُمَيَّةَ، فَلَمَّا قَدِمَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الْمَدِينَةَ انْطَلَقَ سَعْدٌ مُعْتَمِرًا، فَنَزَلَ
عَلَى أُمَيَّةَ بِمَكَّةَ فَقَالَ لأُمَيَّةَ انْظُرْ لِي
سَاعَةَ خَلْوَةٍ لَعَلِّي أَنْ أَطُوفَ بِالْبَيْتِ،
فَخَرَجَ بِهِ قَرِيبًا مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ
فَلَقِيَهُمَا أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ: يَا أَبَا صَفْوَانَ
مَنْ هَذَا مَعَكَ؟ فَقَالَ هَذَا سَعْدٌ فَقَالَ لَهُ
أَبُو جَهْلٍ: أَلاَ أَرَاكَ تَطُوفُ بِمَكَّةَ آمِنًا
وَقَدْ أَوَيْتُمُ الصُّبَاةَ وَزَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ
تَنْصُرُونَهُمْ وَتُعِينُونَهُمْ! أَمَا وَاللَّهِ
لَوْلاَ أَنَّكَ مَعَ أَبِي صَفْوَانَ مَا رَجَعْتَ إِلَى
أَهْلِكَ سَالِمًا فَقَالَ لَهُ سَعْدٌ، وَرَفَعَ صَوْتَهُ
عَلَيْهِ: أَمَا وَاللَّهِ لَئِنْ مَنَعْتَنِي هَذَا
لأَمْنَعَنَّكَ مَا هُوَ أَشَدُّ عَلَيْكَ مِنْهُ،
طَرِيقَكَ عَلَى الْمَدِينَةِ فَقَالَ لَهُ أُمَيَّةُ: لاَ
تَرْفَعْ صَوْتَكَ يَا سَعْدُ عَلَى أَبِي الْحَكَمِ
سَيِّدِ أَهْلِ الْوَادِي فَقَالَ سَعْدٌ: دَعْنَا عَنْكَ
يَا أُمَيَّةُ فَوَاللَّهِ لَقَدْ سَمِعْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ:
"إِنَّهُمْ قَاتِلُوكَ". قَالَ: بِمَكَّةَ قَالَ: لاَ
أَدْرِي، فَفَزِعَ لِذَلِكَ أُمَيَّةُ فَزَعًا شَدِيدًا
فَلَمَّا رَجَعَ أُمَيَّةُ إِلَى أَهْلِهِ قَالَ: يَا
أُمَّ صَفْوَانَ أَلَمْ تَرَيْ مَا قَالَ لِي سَعْدٌ؟
قَالَتْ وَمَا قَالَ لَكَ؟ قَالَ: زَعَمَ أَنَّ مُحَمَّدًا
أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُمْ قَاتِلِيَّ فَقُلْتُ لَهُ:
بِمَكَّةَ؟ قَالَ: لاَ أَدْرِي فَقَالَ أُمَيَّةُ:
وَاللَّهِ لاَ أَخْرُجُ مِنْ مَكَّةَ، فَلَمَّا كَانَ
يَوْمَ بَدْرٍ اسْتَنْفَرَ أَبُو جَهْلٍ النَّاسَ قَالَ:
أَدْرِكُوا عِيرَكُمْ فَكَرِهَ أُمَيَّةُ أَنْ يَخْرُجَ
فَأَتَاهُ أَبُو جَهْلٍ فَقَالَ يَا أَبَا صَفْوَانَ
إِنَّكَ مَتَى يَرَاكَ النَّاسُ قَدْ تَخَلَّفْتَ وَأَنْتَ
سَيِّدُ أَهْلِ الْوَادِي تَخَلَّفُوا مَعَكَ فَلَمْ
يَزَلْ بِهِ أَبُو جَهْلٍ حَتَّى قَالَ: أَمَّا إِذْ
غَلَبْتَنِي فَوَاللَّهِ لأَشْتَرِيَنَّ أَجْوَدَ بَعِيرٍ
بِمَكَّةَ، ثُمَّ قَالَ
أُمَيَّةُ: يَا أُمَّ صَفْوَانَ جَهِّزِينِي فَقَالَتْ
لَهُ: يَا أَبَا صَفْوَانَ وَقَدْ نَسِيتَ مَا قَالَ لَكَ
أَخُوكَ الْيَثْرِبِيُّ! قَالَ: لاَ مَا أُرِيدُ أَنْ
أَجُوزَ مَعَهُمْ إِلاَّ قَرِيبًا، فَلَمَّا خَرَجَ
أُمَيَّةُ أَخَذَ لاَ يَنْزِلُ مَنْزِلاً إِلاَّ عَقَلَ
بَعِيرَهُ فَلَمْ يَزَلْ بِذَلِكَ حَتَّى قَتَلَهُ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ بِبَدْرٍ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن عثمان) بن حكيم الأودي
قال: (حدّثنا شريح بن مسلمة) بضم الشين المعجمة آخره حاء
مهملة ومسلمة بفتح الميم واللام الكوفي قال: (حدّثنا
إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف بن إسحاق (عن أبي إسحاق)
السبيعي أنه (قال: حدثني) بالإفراد (عمرو بن ميمون) الأزدي
الكوفي أدرك الجاهلية (أنه سمع عبد الله بن مسعود -رضي
الله عنه- حدث عن سعد بن معاذ) الأنصاري الأشهلي (أنه قال:
كان صديقًا لأمية بن خلف) أبي صفوان وكان من كبار المشركين
(وكان أمية إذا مرّ بالمدينة) يثرب عند سفره إلى الشام
للتجارة (نزل على سعد) أي ابن معاذ (وكان سعد إذا مرّ
بمكة) لأجل العمرة (نزل على أمية) بن خلف (فلما قدم رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المدينة
انطلق سعد) حال كونه (معتمرًا) وكانوا يعتمرون من المدينة
قبل أن يعتمر عليه الصلاة والسلام (فنزل على أمية بمكة
فقال لأمية: انظر لي ساعدة خلوة لعلي أن أطوف بالبيت فخرج
به) أمية (قريبًا من نصف النهار) لأنه وقت غفلة وقائلة
(فلقيهما أبو جهل) عمرو المخزومي عدو الله (فقال) لأمية:
(يا أبا صفوان من هذا معك؟ فقال) ولأبي ذر قال: (هذا سعد
فقال له) أي لسعد (أبو جهل: ألا) بتخفيف اللام للاستفهام
ولأبي ذر عن الكشميهني لا بحذف همزة الاستفهام وهي مرادة
(أراك) بفتح الهمزة (تطوف بمكة) حال كونك (آمنًا وقد آويتم
الصباة) بمد همزة آويتم وقصرها وضم صاد الصباة وتخفيف
الموحدة جمع الصابي كقضاة جمع قاض وكانوا يسمون النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه المهاجرين
الذين هاجروا إلى المدينة صباة من صبا إذا مال عن دينه
(وزعمتم أنكم تنصرونهم وتعينونهم أما) بتخفيف الميم وألف
بعدها حرف استفتاح وفي اليونينية كفرعها أما بتشديدها وفي
غيرهما بالتخفيف وكذا حكى الزركشي فيها تشديد الميم قيل
وهو خطأ ولأبي ذر أم (والله لولا أنك مع أبي صفوان) أمية
بن خلف (ما رجعت إلى أهلك سالمًا فقال له سعد ورفع صوته
عليه: أما) بالتشديد في اليونينية وفرعها وفي غيرهما
بالتخفيف ولأبي ذر أم (والله لئن منعتني هذا) أي الطواف
بالبيت (لأمنعنك ما هو أشد عليك منه طريقك) بالنصب بدلاً
من قوله ما هو أشد عليك منه ويجوز الرفع خبر مبتدأ محذوف
أي
(6/241)
هو طريقك (على المدينة فقال له) أي لسعد
(أمية: لا ترفع صوتك يا سعد على أبي الحكم) بفتحتين هو
عدوّ الله أبو جهل (سيد) صفة لسابقه وللأصيلي وابن عساكر
فإنه سيد (أهل الوادي) أي أهل مكة (فقال سعد: دعنا عنك يا
أمية) أي اترك محاماتك لأبي جهل (فوالله لقد سمعت رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(إنهم) يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأصحابه (قاتلوك) وللأصيلي إنه أي النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قاتلك، ووهم الكرماني حيث جعل الضمير
لأبي جهل واستشكله فقال: إن أبا جهل لم يقتل أمية ثم تأوّل
ذلك بأن أبا جهل كان السبب في خروجه إلى القتال والقتل كما
يكون مباشرة يكون تسببًا (قال): أي
أمية قاتلي (بمكة. قال: لا أدري ففزع) بكسر الزاي أي خاف
(لذلك) الذي قاله سعد (أمية فزعًا شديدًا) بفتح الزاي وفي
علامات النبوّة من طريق إسرائيل فقال: والله ما يكذب محمد
إذا حدّث فبين في رواية إسرائيل سبب فزعه كما قاله في
الفتح (فلما رجع أمية إلى أهله) زوجته (قال) لها: (يا أم
صفوان) اسمها صفية أو كريمة بنت معمر بن حبيب بن وهب (ألم
تري ما قال لي سعد؟ قالت وما قال لك؟ قال: زعم أن محمدًا)
زاد في نسخة -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أخبرهم
أنهم قاتليّ) بتشديد الياء ولأبي ذر أنه قاتلي بإفراد
الضمير وتخفيف الياء وفي هذا رد لما قاله الكرماني وتصريح
بما مرّ على ما لا يخفى (فقلت له بمكة؟ قال: لا أدري فقال)
ولأبي ذر قال: (أمية: والله لا أخرج من مكة فلما كان يوم
بدر) زاد إسرائيل وجاء الصريخ، وعند ابن إسحاق أن اسم
الصارخ ضمضم بن عمرو الغفاري وكان أبو سفيان جاء من الشام
في قافلة عظيمة فيها أموال قريش فندب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس إليهم، فلما بلغ أبا
سفيان ذلك أرسل ضمضمًا إلى قريش يحرّضهم على المجيء لحفظ
أموالهم فلما وصل لمكة جدع بعيره وشق قميصه وصرخ يا معشر
قريش أموالكم مع أبي سفيان قد عرض لها محمد الغوث الغوث
فلما فرغ من ذلك (استنفر أبو جهل الناس) أي طلب خروجهم
(قال): ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر فقال: (أدركوا عيركم)
بكسر العين أي القافلة التي كانت مع قريش ولأبي ذر عيرهم
بالهاء بدل الكاف (فكره أمية أن يخرج) من مكة إلى بدر
(فأتاه أبو جهل فقال) له: (يا أبا صفوان إنك متى يراك
الناس قد تخلفت) كذا لابن عساكر ولأبي ذر عن الكشميهني
بزيادة ما وهي الزائدة الكافة عن العمل وإثبات الألف بعد
الراء من يراك ومن حقها أن تحذف لأن متى للشرط وهي تجزم
الفعل المضارع وخرجه ابن مالك على أنه مضارع راء بتقديم
الألف على الهمزة وهي لغة في رأى ومضارعه يراء بمدّ فهمزة
فلما جزمت حذفت الألف ثم أبدلت الهمزة ألفًا فصار يرا أو
على إجراء المعتل مجرى الصحيح وللأصيلي يرك بحذف الألف وهو
الوجه كما لا يخفى (وأنت سيد أهل الوادي) وادي مكة (تخلفوا
معك) وقد كان كل منهما سيد قومه (فلم يزل به أبو جهل حتى
قال: أما) بالتشديد (إذ غلبتني) على الخروج (فوالله
لأشترين أجود بعير بمكة) أي ليستعد عليه للهرب إذا خاف
شيئًا وعند ابن إسحاق أن أبا جهل سلط عقبة ابن أبي معيط
على أمية ليخرج فأتى عقبة بمجمرة حتى وضعها بين يديه وقال:
إنما أنت من النساء وكان عقبة سفيهًا (ثم قال أمية): بعد
أن اشترى البعير لزوجته (يا أم صفوان جهزيني فقالت له: يا
أبا صفوان وقد نسيت ما قال لك أخوك) بالعهد سعد (اليثربي)؟
بالمثلة نسبة إلى يثرب مدينة الرسول عليه الصلاة والسلام
من القتل (قال: لا) أي ما نسيت ولكني (ما أريد أن أجوز) أي
أنفذ أو أسلك (معهم إلا قريبًا، فلما خرج أمية أخذ لا ينزل
منزلاً) بنون وزاي في رواية الكشميهني من النزول وللحموي
والمستملي لا يترك بمثناة فوقية وراء وكاف من الترك
والأولى أولى (إلا عقل بعيره فلم يزل بذلك) أي على ذلك
(حتى قتله الله عز وجل ببدر) بيد بلال المؤذن أو غيره،
ويأتي إن شاء الله تعالى تحقيقه في غزوة بدر وهذا موضع
الترجمة.
والحديث قد سبق
(6/242)
في علامات النبوّة.
3 - باب قِصَّةُ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَقَوْلُ اللَّهِ
تَعَالَى:
{وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ
أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ *
إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ
يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِنَ
الْمَلاَئِكَةِ مُنْزَلِينَ * بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا
وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا
يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلاَفٍ مِنَ
الْمَلاَئِكَةِ مُسَوَّمِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ
إِلاَّ بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ
وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ
الْحَكِيمِ * لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا
أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ} [آل عمران:
123 - 127].
وَقَالَ وَحْشِيٌّ: قَتَلَ حَمْزَةُ طُعَيْمَةَ بْنَ
عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ يَوْمَ بَدْرٍ. وَقَوْلُهُ
تَعَالَى: {وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ
غَيرَ ذاتِ الشوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ} الشوْكَةِ: الحَدُّ.
(باب قصة غزوة بدر) وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر قصة بدر
وسقط لفظ باب لأبي ذر فقصة رفع، وقال في الفتح: ثبت باب في
رواية كريمة. وقال العيني: ما ثبت إلا في رواية كريمة،
وبدر قرية مشهورة نسبت إلى بدر بن مخلد بن النضر بن كنانة
كان نزلها أو بدر اسم بئر بها سميت بذلك لاستدارتها أو
لصفاء مائها فكان البدر يرى فيها.
(وقول الله تعالى): بالجر عطفًا على المضاف وبالرفع عطفًا
على المرفوع في رواية من أسقط لفظ باب ({ولقد نصركم الله
ببدر وأنتم أذلة}) حال من الضمير، وإنما قال: أذلة ولم يقل
ذلائل ليدل على قلتهم مع ذلتهم لضعف الحال وقلة المراكب
والسلاح لأنهم لم يأخذوا أهبة الاستعداد للقتال كما ينبغي
إنما خرجوا لتلقي أبي سفيان لأخذ ما معه من أموال قريش
بخلاف المشركين ({فاتقوا الله لعلكم تشكرون}) أي فاتقوا
الله في الثبات معه ولا تضعفوا فإن نعمته وهي نعمة الإسلام
لا يقابل شكرها إلا ببذل المهج وبفداء الأنفس والنصرة
والشهادة في سبيله فاثبتوا معه لعلكم تدركون شكر هذه
النعمة، أو فاتقوا الله في الثبات معه والنصرة له لتحصل
لكم نعمة الظفر فتشكروها فوضع الشكر موضع النعمة إيذانًا
بكونها حاصلة قاله الطيبي: ({إذ تقول للمؤمنين}) متعلق
بقوله: ({ولقد نصركم الله ببدر}) أو بقوله: ({وإذ غدوت من
أهلك}) فيكون المراد غزوة أحد وعمل المصنف يدل على اختياره
الأول وهو قول الأكثر، وروى ابن أبي حاتم بسند صحيح إلى
الشعبي أن المسلمين بلغهم يوم بدر أن كرز بن جابر يمدّ
المشركين فشق عليهم، فأنزل الله تعالى: ({ألن يكفيكم}) قال
الكواشي: أدخل همزة الاستفهام على النفي توبيخًا لهم على
اعتقادهم أنهم لا ينصرون بهذا العدد فنقلته إلى إثبات
الفعل على ما كان عليه مستقبلاً فقال أن يكفيكم ({أن يمدكم
ربكم بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين}) من السماء إيجاب
لما بعد لن أي بلى يكفيكم ثم وعدهم الزيادة على الصبر
والتقوى فقال: ({إن تصبروا وتتقوا}) أي عليكم بالصبر مع
نبيكم والتقوى وتذكروا ما جرى عليكم يوم أُحد حين عدمتم
الصبر والتقوى وما منحتم يوم بدر حين صبرتم واتقيتم الله
من الظفر والنصر
({ويأتوكم}) أي المشركون ({من فورهم هذا}) من ساعتهم هذه
({يمددكم ربكم بخمسة آلاف من الملائكة}) في حال إتيانهم من
غير تأخير ({مسوّمين}) أي معلمين بالصوف الأبيض أو بالعهن
الأحمر أو بالعمائم. وعند ابن مردويه مرفوعًا كانت سيما
الملائكة يوم بدر عمائم سوداء ويوم أُحد عمائم حمرًا، وعند
ابن أبي حاتم إن الزبير كانت عليه يوم بدر عمامة صفراء
معترًا بها فنزلت الملائكة عليهم عمائم صفر ({وما جعله
الله}) أي وما جعل إمدادكم ({إلاّ بشرى لكم}) بالنصر
({ولتطمئن قلوبكم به وما النصر إلا من عند الله}) لا بكثرة
العدد والعدد فلا حاجة في النصر إلى المدد وإنما أمدهم
ووعدهم به بشارة لهم ({العزيز}) الذي لا يغالب ({الحكيم})
الذي تجري أفعاله على ما يريد وهو أعلم بمصالح العبيد
({ليقطع}) أي أرسل الملائكة لكي تستأصل ({طرفا}) جماعة
({من الذين كفروا}) بالقتل والأسر ({أو يكبتهم}) أي يهزمهم
أو يصرعهم ({فينقلبوا خائبين}) [آل عمران: 123 - 124 - 125
- 126 - 127] لم يحصلوا على ما أملوا ووقع في رواية
الأصيلي بعد {وأنتم أذلة} إلى قوله: {فينقلبوا خائبين}
وولأبي ذر وابن عساكر بعد قوله تعالى: {لعلكم تشكرون} إلى
قوله: {فينقلبوا خائبين}.
(وقال وحشي) بفتح الواو وسكون الحاء وكسر الشين المعجمة
وتشديد التحتية ابن حرب الحبشي مما وصله المؤلّف في غزوة
أُحد في باب قتل حمزة (قتل حمزة) بن عبد المطلب (طعيمة بن
عدي) بضم الطاء وفتح العين المهملتين مصغرًا (ابن الخيار
يوم بدر) بكسر الخاء المعجمة وهو وهم والصواب ابن نوفل،
ويأتي تحقيقه إن شاء الله تعالى في غزوة أُحد، وزاد أبو ذر
عن الكشميهني هنا قال أبو عبد الله البخاري: فورهم هو
غضبهم وهذا تفسير عكرمة ومجاهد، وقال الراغب: الفور شدة
الغليان ويقال ذلك في النار نفسها إذا هاجت في القدر
والغضب قال الله تعالى:
(6/243)
{وَهِيَ تَفُورُ * تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ
الْغَيْظِ} [الملك: 7، 8].
(وقوله تعالى: {إذ}) أي اذكر إذ ({يعدكم الله إحدى
الطائفتين}) عير قريش التي أقبلت مع أبي سفيان من الشام أو
النفير وهو من خرج من قريش مع عتبة بن ربيعة لاستنقاذها من
أيدي المسلمين ({أنها لكم}) بدل اشتمال ({وتودون}) أي
تتمنون ({أن غير ذات الشوكة تكون لكم}) [الأنفال: 7] يعني
العير فإنه لم يكن فيه إلا أربعون فارسًا.
(الشوكة) هي (الحدّ) وهذا تفسير أبي عبيدة في المجاز
مستعار من واحد الشوك وسقط قوله: {وتودون} الخ لغير أبي ذر
وابن عساكر ولفظهما {أنها لكم} الآية.
3951 - حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ
- رضي الله تعالى عنه - يَقُولُ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ غَيْرَ
أَنِّي تَخَلَّفْتُ عَنْ غَزْوَةِ بَدْرٍ وَلَمْ يُعَاتَبْ
أَحَدٌ عَنْهَا إِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ
حَتَّى جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ.
وبه قال: (حدثني) بالإِفراد، ولأبي ذر حدّثنا (يحيى بن
بكير) وهو يحيى بن عبد الله بن بكير مصغرًا المخزومي
مولاهم المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن
عقيل) بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب)
الزهري (عن عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن) أباه (عبد
الله بن كعب) الأنصاري المدني قيل إن له رؤية (قال: سمعت)
أبي (كعب بن مالك - رضي الله تعالى عنه - يقول: لم أتخلف
عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة
غزاها إلا في غزوة تبوك) فإني تخلفت (غير أني تخلفت عن)
ولأبي ذر والوقت في (غزوة بدر ولم يعاتب) بفتح التاء
مبنيًّا للمفعول (أحد) رفع نائبًا عن الفاعل ولأبي ذر عن
الكشميهني ولم يعاتب الله عز وجل أحدًا (تخلف عنها) أي عن
غزوة بدر بخلاف غزوة تبوك وغير كما قال الكرماني صفة
والمعنى أنه ما تخلف إلا في تبوك حال مغايرة تخلف بدر
لتخلف تبوك لأن التوجه لبدر لم يكن بقصد الغزو بل بقصد أخذ
العير (إنما خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) حال كونه (يريد عير قريش) ليغنمها لا القتال
(حتى جمع الله بينهم) أي بين المسلمين (وبين عدوّهم) قريش
(على غير ميعاد) ولا إرادة قتال، وهذا كله بخلاف غزوة تبوك
ولذا لم يستثنهما بلفظ واحد بل غاير بين التخلفين كما ترى.
ويأتي هذا الحديث إن شاء الله تعالى بتمامه في غزوة تبوك
بعون الله تعالى وقوته.
4 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ
أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ
مُرْدِفِينَ * وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلاَّ بُشْرَى
وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ
مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * إِذْ
يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ
عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ
وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ وَلِيَرْبِطَ
عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الأَقْدَامَ * إِذْ
يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلاَئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ
فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ
الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ
الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ * ذَلِكَ
بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ
يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ
الْعِقَابِ} [الأنفال: 9 - 12].
(باب قول الله) ولأبي ذر قوله (تعالى: {إذ تستغيثون ربكم})
أي اذكروا إذ تستغيثون ربكم أو بدل من إذ يعدكم أي تسألون
ربكم وتدعونه يوم بدر بالنصر على عدوّكم ({فاستجاب لكم
أني}) أي بأني ({ممدكم بألف من الملائكة مردفين}) متتابعين
بعضهم في أثر بعض ({وما جعله الله}) أي الإمداد بالألف
({إلا بشرى}) إلا بشارة لكم بالنصر ({ولتطمئن به قلوبكم})
أي لتسكن إليه قلوبكم فيزول ما بها من الوجل لقلتكم وذلتكم
({وما النصر إلا من عند الله}) فليس بكثرة العدد والعدد
({إن الله عزيز}) يعز من يشاء بنصره ({حكيم}) فيما شرعه من
قتال الكفار مع القدرة على هلاكهم ودمارهم بحوله وقوّته
({إذ يغشاكم}) أي اذكروا إذ أو بدل ثان لإظهار
نعمة ثالثة من إذ يعدكم أي يغطيكم ({النعاس أمنة}) نصب
مفعولاً له ({منه}) يعني أمنًا من عند الله عز وجل قال ابن
مسعود - رضي الله تعالى عنه -: والنعاس في القتال أمنة من
الله تعالى وفي الصلاة من الشيطان لعنه الله تعالى، وقال
قتادة: النعاس في الرأس والنوم في القلب، وقال ابن كثير:
أما النعاس نقد أصابهم يوم أُحد وأما يوم بدر فتدل له هذه
الآية أيضًا ({وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به}) من
الحدث والجنابة وهو طهارة الظاهر ({ويذهب عنكم رجز
الشيطان}) وسوسته وكيده وهو تطهير الباطن ({وليربط على
قلوبكم}) بالصبر والإقدام على مجالدة العدوّ وهو شجاعة
الباطن ({ويثبت به الأقدام}) أي بالمطر حتى لا تسوخ في
الرمل وهو شجاعة الظاهر أو بالربط على القلوب حتى تثبت في
المعركة.
وعن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما - قال: نزل رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعني حين سار إلى بدر
والمشركون بينهم وبين الماء رملة دعصة فأصاب المسلمين ضعف
شديد وألقى الشيطان في قلوبهم الغيظ يوسوس بينهم تزعمون
أنكم أولياء الله وفيكم رسوله وقد غلبكم المشركون على
الماء، وأنتم تصلون مجنبين فأمطر الله عز
(6/244)
وجل عليهم مطرًا شديدًا فشرب المسلمون
وتطهروا وأذهب الله عز وجل عنهم رجز الشيطان وأنشف الرمل
حين أصابه المطر ومشى الناس عليه والدواب فساروا إلى القوم
وأمد الله عز وجل نبيه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- والمؤمنين بألف من الملائكة فكان جبريل عليه
السلام في خسمائة مجنبة وميكائيل في خمسمائة مجنبة.
({إذ يوحي ربك}) متعلق بقوله: و {يثبت} أو بدل ثالث من
قوله: وإذ ({إلى الملائكة أني معكم}) مفعول يوحي أي أني
ناصركم ومعينكم ({فثبتوا الذين آمنوا) بشروهم بالنصر فكان
الملك يمشي أمام الصف ويقول: أبشروا فإنكم كثير وعدوّكم
قليل والله تعالى ناصركم ({سألقي}) سأقذف ({في قلوب الذين
كفروا الرعب}) يعني الخوف من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمؤمنين ثم علم كيف يضربون ويقتلون
فقال: ({فاضربوا فوق الأعناق}) أي على الأعناق التي في
المذابح أو الرؤوس ({واضربوا منهم كل بنان}) أي أصابع أي
حزوا رقابهم واقطعوا أطرافهم ({ذلك}) يعني الضرب والقتل
({بأنهم شاقوا الله ورسوله}) أي بسبب مشاققتهم أي مخالفتهم
لهما إذ كانوا في شق وتركوا الشرع والإيمان وأتباعه في شق
({ومن يشاقق الله ورسوله}) يخالفهما ({فإن الله شديد
العقاب}) [الأنفال: 9 - 13] كذا ساق الآيات كلها في رواية
كريمة، ولأبي ذر وابن عساكر: {إذ تستغيثون ربكم} إلى قوله:
{العقاب} وللأصيلي إلى قوله: {فإن الله شديد العقاب} وسقط
لهم ما بعد ذلك.
3952 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ
عَنْ مُخَارِقٍ عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ قَالَ: سَمِعْتُ
ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: شَهِدْتُ مِنَ الْمِقْدَادِ بْنِ
الأَسْوَدِ مَشْهَدًا لأَنْ أَكُونَ صَاحِبَهُ أَحَبُّ
إِلَىَّ مِمَّا عُدِلَ بِهِ، أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهْوَ يَدْعُو عَلَى
الْمُشْرِكِينَ فَقَالَ: لاَ نَقُولُ كَمَا قَالَ قَوْمُ
مُوسَى {اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلاَ} [المائدة:
24] وَلَكِنَّا نُقَاتِلُ عَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ
وَبَيْنَ يَدَيْكَ وَخَلْفَكَ فَرَأَيْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشْرَقَ
وَجْهُهُ وَسَرَّهُ يَعْنِي قَوْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن مخارق) بضم
الميم وتخفيف الخاء المعجمة وبعد الراء المكسررة قاف ابن
عبد الله بن جابر البجلي الأحمسي (عن طارق بن شهاب) البجلي
الأحمسي الكوفي أنه (قال: سمعت ابن مسعود) - رضي الله
تعالى عنه - (يقول: شهدت من المقداد بن الأسود) -رضي الله
عنه- (مشهدًا) نسب إلى الأسود لأنه كان تبناه في الجاهلية
وإلاّ فاسم أبيه عمرو بفتح العين ابن ثعلبة الكندي، وقول
الزركشي في التنقيح: إن ابن يكتب هنا بالألف لأنه ليس
واقعًا بين علمين. تعقبه في المصابيح بأنه إذا وصف العلم
بابن متصل مضاف إلى علم كفى ذلك في إيجاب حذف الألف من ابن
خطأ سواء كان العلم الذي أضيف إليه ابن علمًا لأبي الأول
حقيقة أو لا. وهذا ظاهر كلامهم وكون الأبوة حقيقة لم أرهم
تعرضوا لاشتراطه فما أدري من أين أخذ الزركشي هذا الكلام،
وقد يقال: الأب حقيقة في أبي الولادة فيحمل إطلاقهم عليه
لأنه الأصل ثم لأعجب من ترتيبه نفي وقوع ابن هنا بين علمين
على كون الأسود كان تبناه في الجاهلية فإن تبنيه لا يدفع
صورة الواقع من كون الابن قد وقع بين علمين فتأمله. اهـ.
(لأن أكون صاحبه) بفتح اللام ونصب صاحبه خبر أكون، ولأبي
ذر عن الكشميهني أنا صاحبه بزيادة أنا مع الرفع والنصب
أوجه قاله ابن مالك أبي صاحب المشهد أي قائل تلك المقالة
التي قالها (أحب إليّ مما عدل) بضم العين وكسر الدال أي
وزن (به) من شيء يقابله من الدنيويات أو الثواب أو أعم من
ذلك (أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو
يدعو على المشركين) الواو في وهو للحال (فقال): يا رسول
الله (لا نقول) بنون الجمع (كما قال قوم موسى) له: ({اذهب
أنت وربك فقاتلا}) [المائدة: 24] قالوا ذلك استهانة بالله
ورسوله وعدم مبالاة بهما أو تقديره: اذهب أنت وربك يعينك
فإنا لا نستطيع قتال الجبابرة، وقال السمرقندي: أنت وسيدك
هارون لأن هارون كان أكبر منه بسنتين أو ثلاث سنين (ولكنا
نقاتل) عدوّك (عن يمينك وعن شمالك وبين يديك وخلفك، فرأيت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أشرق وجهه) أي
استنار (وسرّه) عليه الصلاة والسلام (يعني قوله) أي قول
المقداد - رضي الله تعالى عنه -.
وعند ابن إسحاق أن هذا الكلام قاله المقداد لما وصل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الصفراء، وبلغه
أن قريشًا قصدت بدرًا وأن أبا سفيان نجا بمن معه فاستشار
الناس، فقام أبو بكر - رضي الله
(6/245)
تعالى عنه - فقال فأحسن، ثم عمر -رضي الله
عنه- كذلك، ثم المقداد فذكر نحو ما في حديث الباب، وزاد:
والذي بعثك بالحق نبيًّا لو سلكت برك الغماد لجاهدنا معك
من دونه. قال فقال أشيروا عليّ. قال: فعرفوا أنه يريد
الأنصار وكان يتخوف أن لا يوافقوه لأنهم لم يبايعوه إلاّ
على نصرته ممن يقصده لا أن يسير بهم إلى العدو فقال له سعد
بن معاذ -رضي الله عنه-: امض يا رسول الله لما أمرت به
فنحن معك. قال: فسرّه قوله ونشطه، وسقط للأصيلي وأبي ذر عن
المستملي قوله يعني قوله.
3953 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
حَوْشَبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا
خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ
بَدْرٍ: «اللَّهُمَّ أَنْشُدُكَ عَهْدَكَ وَوَعْدَكَ
اللَّهُمَّ إِنْ شِئْتَ لَمْ تُعْبَدْ». فَأَخَذَ أَبُو
بَكْرٍ بِيَدِهِ فَقَالَ: حَسْبُكَ. فَخَرَجَ وَهْوَ
يَقُولُ: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}
[القمر: 45].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن عبد الله بن حوشب)
بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة بينهما واو ساكنة آخره
موحدة الطائفي قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد
الثقفي قال: (حدّثنا خالد) هو الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن
عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر): لما نظر
إلى أصحابه وهم ثلاثماثة ونيف ونظر إلى المشركين فإذا هم
ألف وزيادة فاستقبل عليه الصلاة والسلام القبلة فقال:
(اللهم أنشدك) بضم الشين والدال مع فتح الهمزة، ولأبي ذر:
إني أنشدك (عهدك ووعدك) أي أطلب منك الوفاء بما عهدت ووعدت
من الغلبة على الكفار والنصر للرسول وإظهار الدين قال
تعالى: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا
الْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ *
وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات: 171 -
173]: {وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين} [الأنفال: 7]. وعند
سعيد بن منصور أنه ركع ركعتين، وعند ابن إسحاق أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: اللهم هذه قريش أتت
بخيلائها وفخرها تجادل وتكذب رسولك اللهم نصرك الذي
وعدتني. (اللهم إن شئت لم تعبد) أي إن شئت أن لا تعبد بعد
هذا يسلطون على المؤمنين، وفي حديث عمر -رضي الله عنه- عند
مسلم: اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام لا تعبد
في الأرض، وإنما قال ذلك لأنه علم أنه خاتم النبيين فلو
هلك ومن معه حينئذ لم يبعث الله عز وجل أحدًا ممن يدعو إلى
الإِيمان (فأخد أبو بكر) - رضي الله تعالى عنه - (بيده)
عليه الصلاة والسلام (فقال: حسبك) أي يكفيك. زاد في رواية
وهيب عن خالد في التفسير قد ألححت على ربك، وفي مسلم:
فأتاه أبو بكر فأخذ رداءه فألقاه على منكبيه ثم التزمه من
ورائه فقال: يا نبي الله كفاك بالفاء والأكثر كذاك بالذال
المعجمة مناشدتك فإنه سينجز لك ما وعدك فأنزل الله تعالى:
{إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم} [الأنفال: 9] الآية. فأمده
الله عز وجل بالملائكة. قال في فتح الباري: وعرف بهذه
الزيادة مناسبة الحديث للترجمة، وقال بعضهم: لما رأى عليه
الصلاة والسلام الملائكة وأصحابه في الجهاد والجهاد على
ضربين: بالسيف وبالدعاء، ومن سنّة الإمام أن يكون من وراء
الجيش لا يقاتل معهم فلم يكن عليه الصلاة والسلام ليريح
نفسه من أحد الجهادين. وقال النووي رحمه الله، قال
العلماء: وهذه المناشدة إنما فعلها عليه الصلاة والسلام
وأصحابه بتلك الحال لتقوى قلوبهم بدعائه وتضرعه مع أن
الدعاء عبادة وقد كانوا يعلمون أن وسيلته مستجابة.
(فخرج) عليه الصلاة والسلام من القبة (وهو يقول: {سيهزم
الجمع ويولون الدبر}) [القمر: 45] قال الزجاج: يعني
الأدبار لأن اسم الواحد يدل على الجمع أي سيفرق شملهم
ويغلبون يعني يوم بدر، وفي هذا علم من أعلام النبوة لأن
هذه الآية نزلت بمكة وأخبرهم أنهم سيهزمون في
الحرب فكان كما قال. وعند ابن أبي حاتم عن عكرمة -رضي الله
عنه- لما نزلت: {سيهزم الجمع ويولون الدبر} [القمر: 45]
قال عمر -رضي الله عنه-: أيّ جمع يهزم أي جمع يغلب؟ قال
عمر: فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يثب في الدرع وهو يقول: " {سيهزم
الجمع ويولون الدبر} "، فعرفت تأويلها يومئذ. ورواه عبد
الرزاق عن معمر عن قتادة أن عمر - رضي الله تعالى عنه -
قال: فذكره.
تنبيه:
لم يحضر ابن عباس -رضي الله عنهما- هذه القصة فحديثه هذا
مرسل. قال في الفتح: ولعله أخذه عن عمر أو عن أبي بكر -
رضي الله تعالى عنهما -. وفي مسلم من طريق أبي زميل بالزاي
مصفرًا واسمه سماك بن الوليد عن ابن عباس -رضي الله عنهما-
قال:
(6/246)
حدثني عمر -رضي الله عنه- فذكره بنحوه.
وقد أخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير وكذا النسائي.
5 - باب
هذا (باب) بالتنوين من غير ترجمة.
3954 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
هِشَامٌ أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ قَالَ؛
أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ أَنَّهُ سَمِعَ مِقْسَمًا
مَوْلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ: {لاَ يَسْتَوِي
الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] عَنْ
بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إِلَى بَدْرٍ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء
الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف (أن ابن جريج) عبد
الملك بن عبد العزيز (أخبرهم قال: أخبرني) بالإفراد (عبد
الكريم) بن مالك أبو أمية الجزري (أنه سمع مقسمًا) بكسر
الميم وسكون القاف وفتح السين المهملة أبا القاسم (مولى
عبد الله بن الحارث) بن نوفل الهاشمي، ويقال له مولى ابن
عباس -رضي الله عنهما- لشدة ملازمته (يحدث عن ابن عباس)
-رضي الله عنهما- (أنه سمعه يقول: {لا يستوي القاعدون}) عن
الجهاد ({من المؤمنين} عن) غزوة (بدر والخارجون إلى بدر)
في الثواب والأجر. كذا أورده المؤلّف مختصرًا وانفرد
بإخراجه دون مسلم وقد رواه الترمذي من طريق حجاج عن ابن
جريج عن عبد الكريم عن مقسم عن ابن عباس -رضي الله عنهما-
قال: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر} عن
بدر، والحاضرون إلى بدر لما نزلت غزوة بدر قال عبد الله بن
جحش وابن أم مكتوم الأعميان: يا رسول الله هل لنا رخصة
فنزلت: {لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر
والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله
المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد
الله الحسنى} [النساء: 95] قال الترمذي: حسن غريب من هذا
الوجه فقوله تعالى: {ولا يستوي القاعدون من المؤمنين} كان
مطلقًا فلما نزل بوحي: {غير أولي الضرر} [النساء: 95] صار
ذلك مخرجًا لذوي الأعذار المبيحة لترك الجهاد من العمى
والعرج والمرض عن مساواتهم المجاهدين في سبيل الله
بأموالهم وأنفسهم.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير وكذا الترمذي
كما ترى.
6 - باب عِدَّةِ أَصْحَابِ بَدْرٍ
(باب عدة أصحاب) غزوة (بدر) الذين شهدوا الوقعة ومن ألحق
بهم.
3955 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: اسْتُصْغِرْتُ
أَنَا وَابْنُ عُمَرَ.
وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو الفراهيدي الأزدي مولاهم البصري
ولأبوي ذر والوقت: مسلم بن إبراهيم قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن
البراء) بن عازب الأنصاري (قال: استصغرت) بضم التاء
مبنيًّا للمفعول (أنا وابن عمر).
3956 - وَحَدَّثَنِي مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا وَهْبٌ عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:
اسْتُصْغِرْتُ أَنَا وَابْنُ عُمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ
الْمُهَاجِرُونَ يَوْمَ بَدْرٍ نَيِّفًا عَلَى سِتِّينَ
وَالأَنْصَارُ نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ.
قال المؤلّف (وحدثني) بالإفراد، وسقطت الواو لغير أبي ذر
(محمود) هو ابن غيلان قال: (حدّثنا وهب) بفتح الواو ابن
جرير (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي (عن
البراء) بن عازب -رضي الله عنه- أنه (قال: استصغرت أنا
وابن عمر) عند حصول القتال وعرض من يقاتل ورد من لم يبلغ
على عادته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المواطن
(يوم) غزوة (بدر) ولا تنافي بين قول ابن عمر -رضي الله
عنهما- استصغرت يوم أُحُد وبين قول البراء هنا لأنه عرض
فيهما واستصغر، وقد جاء عن ابن عمر نفسه -رضي الله عنهما-
أنه عرض يوم بدر وهو ابن ثلاث عشرة سنة فاستصغر وعرض يوم
أُحُد وهو ابن أربع عشرة سنة فاستصغر (وكان المهاجرون)
الحاضرون (يوم بدر نيفًا على ستين) بفتح النون وتشديد
التحتية وتخفف والنصب خبر كان وهو ما بين العقدين (و) كان
(الأنصار نيفًا وأربعين ومائتين) نصب عطفًا على نيفًا، وفي
رواية أبي ذر: نيف وأربعون ومائتان برفع نيف خبر المبتدأ
الذي هو الأنصار ومائتان عطف عليه.
ولمسلم: لما كان يوم بدر نظر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المشركين وهم ألف وأصحابه
ثلاثمائة وتسعة عشر.
وعند ابن سعد خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى بدر في ثلاثمائة رجل وخمسة نفر كان
المهاجرون منهم أربعة وسبعين وسائرهم من الأنصار وتخلف
ثمانية لعلة. ضرب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بسهامهم وأخرهم وهم: عثمان بن عفان -رضي الله
عنه- تخلف على امرأته رقية، وطلحة بن عبيد الله،
وسعيد بن زيد -رضي الله عنهما- بعثهما -رضي الله عنهما-
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتجسسان
خبر العير، وأبو لبابة خلّفه على المدينة، وعاصم بن عديّ
خلّفه على أهل العالية، والحرث بن حاطب ردّه من الوحاء إلى
بني عمرو بن عوف لشيء بلغه عنه
(6/247)
والحرث بن الصمة وقع فكسر بالروحاء فردّه
إلى المدينة وخوات بن جبير كذلك.
3957 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ
الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَصْحَابُ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ
شَهِدَ بَدْرًا أَنَّهُمْ كَانُوا عِدَّةَ أَصْحَابِ
طَالُوتَ الَّذِينَ جَازُوا مَعَهُ النَّهَرَ بِضْعَةَ
عَشَرَ وَثَلاَثَمِائَةٍ قَالَ الْبَرَاءُ: لاَ وَاللَّهِ
مَا جَاوَزَ مَعَهُ النَّهَرَ إِلاَّ مُؤْمِنٌ.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين الحراني قال:
(حدّثنا زهير) مصغرًا ابن معاوية قال: (حدّثنا أبو إسحاق)
عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت البراء) بن عازب
(-رضي الله عنه- يقول: حدثني) بالإفراد (أصحاب محمد
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن شهد بدرًا) أي
وقتها (أنهم كانوا عدة أصحاب طالوت) بعدم الصرف للعجمة
والعلمية (الذين جازوا) بزاي مضمومة بعد الألف من غير واو
وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن المستملي والحموي أجازوا
(معه النهر) وهو نهر فلسطين (بضعة عشر وثلاثماثة قال
البراء: لا والله ما جاوز معه النهر إلا مؤمن) وقوله: لا
والله جواب كلام محذوف أي هل كان بعضهم غير مؤمن أو لا
زائدة وإنما حلف تأكيدًا للخبر وكان طالوت من ذرية بنيامين
شقيق يوسف بن يعقوب عليهما الصلاة والسلام وقصته مذكورة في
القرآن.
3958 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ:
كُنَّا أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَتَحَدَّثُ أَنَّ عِدَّةَ أَصْحَابِ بَدْرٍ
عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا
مَعَهُ النَّهَرَ وَلَمْ يُجَاوِزْ مَعَهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ
بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلاَثَمِائَةٍ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) بتخفيف الجيم ممدودًا
ضد الخوف البصري قال:
(حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) السبيعي
(عن البراء) أنه (قال: كنا أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بنصب أصحاب (نتحدث أن عدة أصحاب)
غزوة (بدر على عدة أصحاب طالوت الذين جاوزوا) بالواو قبل
الزاي (معه النهر ولم يجاوز) بإسقاط ضمير المفعول (معه إلا
مؤمن بضعة عشر وثلاثمائة).
3959 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
عَنِ الْبَرَاءِ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ
أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ
الْبَرَاءِ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ
أَنَّ أَصْحَابَ بَدْرٍ ثَلاَثُمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ
بِعِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَاوَزُوا مَعَهُ
النَّهَرَ وَمَا جَاوَزَ مَعَهُ إِلاَّ مُؤْمِنٌ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي شيبة) هو عبد
الله بن محمد بن أبي شيبة واسمه إبراهيم قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (عن سفيان) الثوري (عن أبي إسحاق)
السبيعي (عن البراء) قال المؤلّف: (ح).
(وحدّثنا محمد بن كثير) بالمثلثة البصري قال: (حدّثنا) وفي
اليونينية أخبرنا (سفيان) الثوري (عن أبي إسحاق) السبيعي
(عن البراء -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنا نتحدث أن أصحاب)
غزوة (بدر ثلاثمائة وبضعة عشر بعدّة أصحاب طالوت الذين
جاوزوا) بالواو وقبل الزاي (معه النهر) بفتح الهاء وقد
تسكّن (وما جاوز معه إلا مؤمن) وفسر البضع بثلاثة.
7 - باب دُعَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى كُفَّارِ قُرَيْشٍ شَيْبَةَ وَعُتْبَةَ
وَالْوَلِيدِ وَأَبِي جَهْلِ بْنِ هِشَامٍ وَهَلاَكُهُمْ
(باب دعاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على
كفار قريش شيبة) مجرور بالفتحة بدلاً من سابقه لا ينصرف
للعلمية والتأنيث ابن ربيعة (وعتبة) بضم العين وسكون
الفوقية مجرور بالفتحة كالسابق ابن ربيعة المذكور
(والوليد) بن عتبة المذكور (وأبي جهل بن هشام) أي ابن
المغيرة (و) بيان (هلاكهم) وسقط التبويب وما بعده إلى هنا
لأبي ذر عن المستملي، وللأصيلي عن الكشميهني وثبت ذلك كله
للحموي وهو أوجه لأنه لا تعلق لحديثها المسوق فيها بباب
عدة أهل بدر.
3960 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ
مَيْمُونٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رضي الله
عنه-، قَالَ: اسْتَقْبَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْكَعْبَةَ فَدَعَا عَلَى نَفَرٍ
مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى شَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَعُتْبَةَ
بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَأَبِي جَهْلِ
بْنِ هِشَامٍ فَأَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُهُمْ
صَرْعَى قَدْ غَيَّرَتْهُمُ الشَّمْسُ وَكَانَ يَوْمًا
حَارًّا.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن خالد) الحراني قال:
(حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: (حدّثنا أبو إسحاق)
السبيعي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين (عن عبد الله بن
مسعود) -رضي الله عنه-، ولابن عساكر: عن ابن مسعود (-رضي
الله عنه-) أنه (قال: استقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الكعبة) لما وضع كفار قريش على ظهره
المقدس سلا الجزور وهو ساجد (فدعا على نفر من) كفار (قريش
على شيبة بن ربيعة) بن عبد شمس بن عبد مناف (وعتبة بن
ربيعة والوليد بن عتبة) بضم العين وسكون الفوقية، وفي مسلم
بالقاف ثم نبه على صوابه هو أو راويه لأن الوليد بن عقبة
بن أبي معيط إذ ذاك كان طفلاً أو لم يكن ولد (وأبي جهل بن
هشام) قال ابن مسعود -رضي الله عنه- (فأشهد بالله لقد
رأيتهم) أي الأربعة (صرعى) بالقطر مطروحين بين القتلى في
المصارع التي عينها -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قبل القتال (قد غيّرتهم الشمس) أي غيرت ألوانهم إلى السواد
وأجسادهم بالانتفاخ وقد بيّن سبب ذلك بقوله: (وكان يومًا
حارًّا).
وهذا الحديث قد سبق في الوضوء والصلاة والجهاد.
8 - باب قَتْلِ أَبِي جَهْلٍ
(باب قتل أبي جهل) سقطت هذه الترجمة وتبويبها لأبي ذر
والأصيلي وابن عساكر.
3961 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبُو
أُسَامَةَ حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ أَخْبَرَنَا قَيْسٌ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- أَنَّهُ أَتَى أَبَا
جَهْلٍ وَبِهِ رَمَقٌ يَوْمَ بَدْرٍ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ:
هَلْ أَعْمَدُ مِنْ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ.
وبه قال: (حدّثنا ابن نمير) محمد بن عبد الله قال: (حدّثنا
أبو أسامة) حماد بن أسامة قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي
خالد الأحمسي البجلي قال:
(6/248)
(أخبرنا قيس) هو ابن أبي حازم الأحمسي
البجلي (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله عنه- أنه أتى
أبا جهل) في قتلى قريش (وبه رمق) بقية روح (يوم بدر) زاد
ابن إسحاق فعرفه فوضع رجله على عنقه ثم قال له: لقد أخزاك
الله يا عدوّ الله (فقال أبو جهل): وبماذا أخزاني؟ (هل
أعمد) بهمزة مفتوحة فعين مهملة ساكنة فميم مفتوحة فدال
مهملة أي أشرف (من رجل قتلتموه) أي ليس بعار وأعمد القوم
سيدهم وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني: هل أعذر بذال معجمة
فراء يبسط بذلك عذر نفسه فيما اتفق من قتله بيد قومه.
3962 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ أَنَّ
أَنَسًا حَدَّثَهُمْ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ح وَحَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ
خَالِدٍ حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ عَنْ سُلَيْمَانَ
التَّيْمِيِّ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ
يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ؟» فَانْطَلَقَ ابْنُ
مَسْعُودٍ -رضي الله عنه- فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا
عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ قَالَ: آأَنْتَ أَبُو جَهْلٍ
قَالَ: فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ
قَتَلْتُمُوهُ أَوْ رَجُلٍ قَتَلَهُ قَوْمُهُ؟ قَالَ
أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ: أَنْتَ أَبُو جَهْلٍ. [الحديث 3962
- طرفاه في: 3963، 4020].
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن
يونس اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية
الجعفي قال: (حدّثنا سليمان) بن طرخان (التيمي) وسقط
التيمي لأبي ذر (أن أنسًا) -رضي الله عنه- (حدثهم قال: قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قال المؤلّف:
(ح).
(وحدثني) بالإفراد (عمرو بن خالد) بفح العين الحرّاني قال:
(حدّثنا زهير) هو ابن معاوية (عن سليمان التيمي) ثبت
التيمي في اليونينية وسقط من فرعها (عن أنس -رضي الله
عنه-) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر أن أنسًا حدثهم (قال:
قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من ينظر ما صنع أبو جهل؟ فانطلق ابن مسعود -رضي الله عنه-
فوجده قد ضربه ابنا عفراء) بفتح العين المهملة وسكون الفاء
وفتح الراء بعدها همزة ممدودًا معاذ ومعوّذ وفي مسلم أن
اللذين قتلاه معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ ابن عفراء وهو
ابن الحرث وعفراء أمه وهي ابنة عبيد بن ثعلبة النارية (حتى
برد) بفتح الموحدة والراء أي مات أو صار في حال من مات ولم
يبق
فيه سوى حركة المذبوح ويؤيد هذا التفسير الأخير قوله:
(قال: أأنت) بهمزة الاستفهام (أبو جهل) بواو الرفع ولابن
عساكر والأصيلي وأبي ذر عن الحموي والكشميهني أبا جهل
بالألف بدل الواو على لغة من يثبت الألف في الأسماء الستة
في كل حال كقوله:
إن أباها وأبا أباها
أو النصب على النداء أي أنت مصروع يا أبا جهل وهذا هو
المعتمد من جهة الرواية، فقد صرح إسماعيل ابن علية عن
سليمان التيمي بأنه هكذا نطق بها فكان الرفع من إصلاح بعض
الرواة.
(قال) أنس -رضي الله عنه-: (فأخذ) ابن مسعود -رضي الله
عنه- (بلحيته) متشفيًا منه بالقول والفعل لأنه كان يؤذيه
بمكة أشد الأذى (قال): أي أبو جهل ولابن عساكر فقال: (وهل
فوق رجل قتلتموه) أي لا عار عليّ في قتلكم إياي قاله
النووي. (أو) قال: هل فوق (رجل قتله قومه) شك سليمان.
(قال أحمد بن يونس) شيخ المؤلّف قال ابن مسعود -رضي الله
عنه-: (أنت أبو جهل) بالواو على الأصل فخالف عامة الرواة
وسقط قال أحمد لأبي ذر، والحديث أخرجه مسلم في المغازي.
3963 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ
أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ بَدْرٍ: «مَنْ
يَنْظُرُ مَا فَعَلَ أَبُو جَهْلٍ؟» فَانْطَلَقَ ابْنُ
مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ ابْنَا عَفْرَاءَ
حَتَّى بَرَدَ فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَالَ: أَنْتَ
أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ: وَهَلْ فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلَهُ
قَوْمُهُ أَوْ قَالَ قَتَلْتُمُوهُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) الزمن العنزي
قال: (حدّثنا ابن أبي عدي) محمد بن إبراهيم البصري وأبو
عدي كنية إبراهيم (عن سليمان) بن طرخان (التيمي عن أنس
-رضي الله عنه-) أنه (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يوم بدر):
(من ينظر ما فعل أبو جهل) (فانطلق ابن مسعود) -رضي الله
عنه- (فوجده قد ضربه ابنا عفراء) وللإسماعيلي من طريق يحيى
القطان عن سليمان التيمي أن أنسًا -رضي الله عنه- سمعه من
ابن مسعود -رضي الله عنه- ولفظه: عن أنس -رضي الله عنه-
قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم
بدر: "من يأتينا بخبر" أبي جهل قال يعني ابن مسعود -رضي
الله عنه-: فانطلقت فإذا ابنا عفراء وقد اكتنفاه فضرباه
(حتى برد) وفي مسلم حتى برك بالكاف بدل الدال أي سقط وكذا
هو عند أحمد. قال عياض: وهذه أولى لأنه قد كلم ابن مسعود
-رضي الله عنه- فلو كان مات لم يكلم ابن مسعود (فأخذ
بلحيته فقال): أي ابن مسعود -رضي الله عنه- له (أنت أبا
جهل) بالألف كما مرّ وقيل بإضمار أعني، وتعقبه السفاقسي
بأن شرط هذا الإضمار أن تكثر النعوت (قال): أبو جهل (وهل
فوق رجل قتله قومه أو قال قتلتموه) بالشك كالسابق، وعند
ابن إسحاق وزعم رجال من بني
مخزوم أن ابن مسعود
(6/249)
-رضي الله عنه- كان يقول: قال لي أبو جهل
لقد ارتقيت يا رويعي الغنم
مرتقى صعبًا. قال: ثم احتززت رأسه ثم جئت به رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت: يا رسول الله
هذا رأس
عدو الله أبي جهل، فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "الله الذي لا إله غيره قال: قلت نعم
والله الذي لا إله
غيره ثم ألقيت رأسه بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فحمد الله تعالى.
0000 - حَدَّثَنِي ابْنُ الْمُثَنَّى أَخْبَرَنَا مُعَاذُ
بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ أَخْبَرَنَا أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ نَحْوَهُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (ابن المثنى) محمد العنزي قال:
(أخبرنا) ولأبي الوقت: حدّثنا (معاذ بن معاذ) بضم الميم
آخره معجمة فيهما ابن نصر أبو المثنى البصري القاضي قال:
(حدّثنا سليمان) التيمي قال (أخبرنا أنس بن مالك نحوه) نحو
الحديث السابق.
3964 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
كَتَبْتُ عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ عَنْ صَالِحِ
بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ فِي بَدْرٍ
يَعْنِي حَدِيثَ ابْنَيْ عَفْرَاءَ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني (قال: كتبت عن
يوسف بن الماجشون) قال الكرماني: وتبعه العيني: هو كناية
عن سمعت لأن الكتابة لازم السماع عادة وقال الحافظ ابن حجر
رحمه الله: ظاهره أنه كتبه ولم يسمعه منه وقد تقدم في
الخُمس مطولاً عن مسدد عن يوسف موصولاً (عن صالح بن
إبراهيم عن أبيه) إبراهيم (عن جده) عبد الرحمن بن عوف
والضمير لصالح (في) قصة (بدر يعني حديث ابني عفراء) معاذ
ومعوذ السابق في الخُمس.
3965 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
الرَّقَاشِيُّ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ قَالَ: سَمِعْتُ
أَبِي يَقُولُ: حَدَّثَنَا أَبُو مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ
بْنِ عُبَادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله
عنه- أَنَّهُ قَالَ: أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَجْثُو بَيْنَ
يَدَيِ الرَّحْمَنِ لِلْخُصُومَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَقَالَ: قَيْسُ بْنُ عُبَادٍ وَفِيهِمْ أُنْزِلَتْ:
{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19]
قَالَ: هُمُ الَّذِينَ تَبَارَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ حَمْزَةُ
وَعَلِيٌّ وَعُبَيْدَةُ بْنُ الْحَارِثِ وَشَيْبَةُ بْنُ
رَبِيعَةَ وَعُتْبَةُ بْنُ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدُ بْنُ
عُتْبَةَ. [الحديث 3965 - أطرافه في: 3967، 4744].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن عبد الله الرقاشي)
بفتح الراء والقاف المخففة وبعد الألف شين معجمة البصري
قال: (حدّثنا معتمر قال: سمعت أبي) سليمان بن طرخان التيمي
(يقول: حدّثنا أبو مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم وبعد
اللام المفتوحة زاي لاحق بن حميد السدوسي التابعي -رضي
الله عنه- (عن قيس بن عباد) بضم العين وتخفيف الموحدة
الضبعي البصري (عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أنه
قال: أنا أول من يجثو) بالجيم والمثلثة أي يبرك على ركبتيه
(بين يدي الرحمن) من مجاهدي هذه الأمة (للخصومة يوم
القيامة. وقال قيس بن عباد) بالسند السابق (وفيهم) أي في
علي وحمزة وعبيدة بن الحارث (أنزلت: {هذان خصمان})
فريقان مختصمان فالخصم صفة وصف بها الفريق ({اختصموا في
ربهم}) [الحج: 19] بالجمع حملاً على المعنى لأن كل خصم
تحته أشخاص (قال: هم الذين تبارزوا) من البروز وهو الخروج
من بين الصفين على الانفراد للقتال (يوم) وقعة (بدر) أحدهم
(حمزة) بن عبد المطلب (و) الثاني (علي) هو ابن أبي طالب
(و) الثالث (عبيدة) وأبو عبيدة بضم العين مصغرًا (ابن
الحارث) -رضي الله عنهم- (و) الرابع (شيبة بن ربيعة و)
الخامس أخوه (عتبة بن ربيعة و) السادس ولده (الوليد بن
عتبة) فبارز حمزة شيبة وعلي الوليد بن عتبة وعبيدة عتبة
واختلف عبيدة وعتبة بينهما ضربين فأثخن كل واحد منهما
صاحبه وكرّ حمزة وعلي بسيفيهما على عتبة فذففا عليه
واحتملا صاحبهما فحازاه إلى أصحابه، وكانت الضربة وقعت في
ركبته فمات منها لما رجعوا بالصفراء، ويقال: إن عبيدة
للوليد وعليًّا لشيبة، والسند بذلك أصح إلا أن الأول أنسب
لأن عبيدة وشيبة كانا شيخين كعتبة وحمزة بخلاف علي والوليد
فكانا شابين.
3966 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
أَبِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ
عُبَادٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: نَزَلَتْ
{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19]
فِي سِتَّةٍ مِنْ قُرَيْشٍ: عَلِيٍّ وَحَمْزَةَ
وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَشَيْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ
وَعُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ.
[الحديث
3966 - أطرافه في: 3968، 3969، 4743].
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف ابن عقبة السوائي
الكوفي قال: (حدّثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري (عن
أبي هاشم) يحيى بن دينار الرماني لنزوله قصر الرمان
الواسطي (عن أبي مجلز) لاحق السدوسي (عن قيس بن عباد)
بتخفيف الموحدة (عن أبي ذر) جندب الغفاري (-رضي الله عنه-)
أنه (قال: نزلت: {هذان خصمان اختصموا في ربهم} في ستة من
قريش علي وحمزة وعبيدة بن الحارث) -رضي الله عنهم- (وشيبة
بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة) وهؤلاء الستة
بعضهم أقارب بعض إذ الكل من عبد مناف، فالثلاثة الأول
المسلمون من بني عبد مناف اثنان من بني هاشم وعبيدة من بني
المطلب، وباقيهم مشركون من بني عبد شمس بن عبد مناف.
وهذا الحديث أخرجه في التفسير، ومسلم في آخر صحيحه،
والنسائي في السير والمناقب والتفسير، وابن ماجه في
الجهاد.
3967 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الصَّوَّافُ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ كَانَ
يَنْزِلُ فِي بَنِي ضُبَيْعَةَ وَهْوَ مَوْلًى لِبَنِي
سَدُوسَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي
مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ -
رضي الله تعالى عنه -: فِينَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ:
{هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج:
19].
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن
(6/250)
إبراهيم الصوّاف) قال: (حدّثنا يوسف بن
يعقوب) السدوسي مولاهم (كان ينزل في بني ضبيعة) بضم الضاد
المعجمة وفتح الموحدة (وهو مولى لبني سدوس)
بفتح السين وضم الدال قال: (حدّثنا سليمان) بن طرخان
(التيمي عن أبي مجلز) لاحق (عن قيس بن عباد) بضم العين
وتخفيف الموحدة أنه (قال: قال علي - رضي الله تعالى عنه -:
فينا نزلت هذه الآية {هذان خصمان اختصموا في ربهم}) [الحج:
19] أي في دينه تعالى.
3968 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ جَعْفَرٍ أَخْبَرَنَا
وَكِيعٌ عَنْ سُفْيَانَ عَنْ أَبِي هَاشِمٍ عَنْ أَبِي
مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
ذَرٍّ -رضي الله عنه- يُقْسِمُ لَنَزَلَتْ هَؤُلاَءِ
الآيَاتُ فِي هَؤُلاَءِ الرَّهْطِ السِّتَّةِ يَوْمَ
بَدْرٍ نَحْوَهُ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني (يحيى بن جعفر) البخاري
البيكندي قال: (أخبرنا) ولأبي ذر وابن عساكر حدّثنا (وكيع)
بفتح الواو وكسر الكاف ابن الجراح الرؤاسي بضم الراء ثم
همزة فمهملة الكوفي الثقة الحافظ العاب (عن سفيان) الثوري
-رضي الله عنه- (عن أبي هاشم) يحيى الرماني (عن أبي مجلز)
لاحق (عن قيس بن عباد) أنه (قال: سمعت أبا ذر) الغفاري
(-رضي الله عنه- يقسم) بضم التحتية أي يحلف بالله (لنزلت)
بلام التأكيد وتاء التأنيث، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر:
لنزل (هؤلاء الآيات) {هذان خصمان} [الحج: 19] إلى تمام
ثلاث آيات (في هؤلاء الرهط الستة يوم بدر نحوه) أي سياق
حديث قبيصة عن سفيان السابق.
3969 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
الدَّوْرَقِيُّ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا أَبُو
هَاشِمٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ عَنْ قَيْسٍ سَمِعْتُ أَبَا
ذَرٍّ يُقْسِمُ قَسَمًا إِنَّ هَذِهِ الآيَةَ: {هَذَانِ
خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ} [الحج: 19] نَزَلَتْ
فِي الَّذِينَ بَرَزُوا يَوْمَ بَدْرٍ حَمْزَةَ وَعَلِيٍّ
وَعُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ وَعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ
ابْنَيْ رَبِيعَةَ وَالْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ.
وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم الدورقي) ثبت الدورقي
لأبي ذر قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن بشر
الواسطي قال: (أخبرنا أبو هاشم) الرماني، ولأبي ذر: عن أبي
هاشم (عن أبي مجلز) لاحق (عن قيس) وللأصيلي وابن عساكر عن
قيس بن عباد أنه قال: (سمعت أبا ذر) الغفاري -رضي الله
عنه- (يقسم قسمًا) بالنصب مفعولاً مطلقًا (أن هذه الآية
{هذان خصمان اختصموا في ربهم} نزلت في الذين برزوا يوم
بدر: حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث) -رضي الله عنهم- (وعتبة
وشيبة ابني ربيعة) بن عبد شمس (والوليد بن عتبة) وقال سعيد
بن أبي عروبة عن قتادة في قوله تعالى: {هذان خصمان اختصموا
في ربهم} قال: اختصم المسلمون وأهل الكتاب فقال أهل
الكتاب: نبينا قبل نبيكم وكتابنا قبل كتابكم فنحن أولى
بالله تعالى منكم. وقال المسلمون: كتابنا يقضي على الكتب
كلها ونبينا خاتم الأنبياء فنحن أولى بالله تعالى منكم،
فأنزل الله عز وجل الآية. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في
هذه الآية مثل الكافر والمؤمن اختصما في البعث، وهذا يشمل
الأقوال كلها وينتظم فيه قصة بدر وغيرها فإن المؤمنين
يريدون نصرة دين الله والكافرين يريدون إطفاء نور الإيمان
وخذلان الحق وظهور الباطل، وهذا اختيار ابن جرير وهو
حسن، ولذا قال: فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار.
3970 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ سَعِيدٍ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ
السَّلُولِيُّ حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ سَأَلَ رَجُلٌ الْبَرَاءَ
وَأَنَا أَسْمَعُ قَالَ: أَشَهِدَ عَلِيٌّ بَدْرًا قَالَ:
بَارَزَ وَظَاهَرَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن سعيد) بكسر العين ابن
إبراهيم الرباطي المروزي (أبو عبد الله) الأشقر قال:
(حدّثنا إسحاق بن منصور السلولي) الكوفي وثبت السلولي لابن
عساكر قال: (حدّثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف بن
إسحاق بن أبي إسحاق (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله
السبيعي أنه قال: (سأل رجل) قال ابن حجر رحمه الله: لم أقف
على اسمه، ويحتمل أن يكون هو الراوي فأبهم اسمه (البراء)
بن عازب (وأنا أسمع) الواو للحال (قال: أشهد) بهمزة
الاستفهام الاستخباري أي أحضر (عليّ) هو ابن أبي طالب -رضي
الله عنه- (بدرًا؟ قال): البراء نعم شهد وقعة بدر و (بارز)
من المبارزة (وظاهر) أي لبس درعًا على درع.
3971 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: حَدَّثَنِي يُوسُفُ بْنُ الْمَاجِشُونِ عَنْ
صَالِحِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
عَوْفٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
قَالَ كَاتَبْتُ أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ فَلَمَّا كَانَ
يَوْمُ بَدْرٍ فَذَكَرَ قَتْلَهُ وَقَتْلَ ابْنِهِ فَقَالَ
بِلاَلٌ: لاَ نَجَوْتُ إِنْ نَجَا أُمَيَّةُ.
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز) بن عبد الله الأويسي (قال:
حدثني) بالإفراد (يوسف بن الماجشون) بكسر الجيم والنون (عن
صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه) عن إبراهيم
(عن جده عبد الرحمن) بن عوف -رضي الله عنه- أحد العشرة أنه
(قال: كاتبت أمية بن خلف) أي كتبت له. زاد في الوكالة:
كتابًا بأن يحفظني في صياغتي بصاد مهملة وغين معجمة أي
مالي أو حاشيتي أو أهلي ومن يصغي إلي أي يميل وأحفظه في
صياغته بالمدينة، فلما ذكرت له الرحمن قال: لا أعرف الرحمن
كاتبني باسمك الذي كان في الجاهلية فكاتبته عبد عمرو (فلما
كان يوم بدر فذكر قتله) أي قتل أمية (وقتل ابنه) عليّ
(6/251)
(فقال بلال): المؤذن لما رآه (لا نجوت إن
نجا أمية) زاد في الوكالة فخرج معه فريق من الأنصار في
آثارنا فلما خشيت أن يلحقونا خلفت لهم ابنه اسمه عليّ
لأشغلهم فقتلوه ثم أبوا حتى يتبعونا، وكان رجلاً ثقيلاً
فلما أدركونا قلت له: ابرك فبرك فألقيت عليه نفسي لأمنعه
فتخللوه بالسيوف حتى قتلوه، وكان أمية قد عذب بلالاً في
المستضعفين بمكة ويرحم الله القائل:
هنيئًا زادك الرحمن فضلاً ... فقد أدركت ثارك يا بلال
3972 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي
عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَرَأَ {وَالنَّجْمِ}
[النجم: 1] فَسَجَدَ بِهَا وَسَجَدَ مَنْ مَعَهُ غَيْرَ
أَنَّ شَيْخًا
أَخَذَ كَفًّا مِنْ تُرَابٍ فَرَفَعَهُ إِلَى جَبْهَتِهِ
فَقَالَ: يَكْفِينِي هَذَا، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ:
فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدُ قُتِلَ كَافِرًا.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو ابن عبد الله بن عثمان (قال:
أخبرني) بالإفراد (أبي) عثمان بن جبلة المروزي (عن شعبة)
بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن
الأسود) بن يزيد النخعي (عن عبد الله) بن مسعود (رضي الله)
تعالى (عنه عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أنه قرأ والنجم فسجد بها) عند فراغه منها (وسجد من معه غير
أن شيخًا) هو أمية بن خلف (أخذ كفًّا من تراب فرفعه إلى
جبهته فقال: يكفيني هذا. قال عبد الله) بن مسعود - رضي
الله تعالى عنه - (فلقد رأيته) أي الرجل (بعد قتل كافرًا).
وسبق هذا الحديث في باب سجدة النجم من سجود القرآن.
3973 - حدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ
عُرْوَةَ قَالَ: كَانَ فِي الزُّبَيْرِ ثَلاَثُ ضَرَبَاتٍ
بِالسَّيْفِ، إِحْدَاهُنَّ فِي عَاتِقِهِ، قَالَ: إِنْ
كُنْتُ لأُدْخِلُ أَصَابِعِي فِيهَا، قَالَ: ضُرِبَ
ثِنْتَيْنِ يَوْمَ بَدْرٍ وَوَاحِدَةً يَوْمَ
الْيَرْمُوكِ، قَالَ عُرْوَةُ وَقَالَ لِي عَبْدُ
الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ حِينَ قُتِلَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الزُّبَيْرِ: يَا عُرْوَةُ هَلْ تَعْرِفُ سَيْفَ
الزُّبَيْرِ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: فَمَا فِيهِ؟ قُلْتُ:
فِيهِ فَلَّةٌ فُلَّهَا يَوْمَ بَدْرٍ قَالَ: صَدَقْتَ
بِهِنَّ فُلُولٌ مِنْ قِرَاعِ الْكَتَائِبِ، ثُمَّ رَدَّهُ
عَلَى عُرْوَةَ. قَالَ هِشَامٌ: فَأَقَمْنَاهُ بَيْنَنَا
ثَلاَثَةَ آلاَفٍ، وَأَخَذَهُ بَعْضُنَا وَلَوَدِدْتُ
أَنِّي كُنْتُ أَخَذْتُهُ.
وبه قال: (أخبرني) بالإفراد ولابن عساكر وأبي ذر: حدثني
بالإفراد أيضًا وللأصيلي حدّثنا (إبراهيم بن موسى) الفراء
الرازي الصغير قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (هشام بن
يوسف) قاضي صنعاء (عن معمر) بفتح الميمين بينهما عين مهملة
ساكنة ابن راشد عالم اليمن (عن هشام) ولأبي ذر: أخبرنا
هشام (عن) أبيه (عروة) بن الزبير -رضي الله عنه- أنه (قال:
كان في الزبير) بن العوام (ثلاث ضربات) بفتح الراء كالضاد
(بالسيف إحداهن في عاتقه) ما بين عنقه ومنكبه، وقد سبق في
مناقب الزبير من طريق ابن المبارك عن هشام بن عروة أن
الضربات الثلاثة كن في عاتقه، وكذا في الرواية اللاحقة
(قال) عروة: (إن كنت لأدخل أصابعي فيها) ولأبي ذر عن
الكشميهني: فيهن، واللام في لأدخل للتأكيد (قال) عروة:
(ضرب) بضم أوله مبنيًّا للمفعول (ثنتين يوم بدر وواحدة يوم
اليرموك) بفتح التحتية وقد تضم وسكون الراء وضم الميم وبعد
الواو الساكنة كاف موضع بين أذرعات ودمشق كانت به وقعة
عظيمة في خلافة عمر - رضي الله تعالى عنه - بين المسلمين
والروم، وكان أمير المسلمين أبو عبيدة بن الجراح وأمير
الروم من قبل هرقل باهان بالموحدة أو الميم الأرمني سنة
خمس عشرة بعد فتح دمشق وقيل قبله سنة ثلاث عشرة، واستشهد
فيها من المسلمين أربعة آلاف وقتل من الروم زهاء مائة ألف
وخمسة آلاف وأسر أربعون ألفًا، وكان في المسلمين من
البدريين مائة رجل.
(قال عروة): بالسند السابق (وقال لي عبد الملك بن مروان
حين قتل) أخي (عبد الله بن
الزبير) أي وأخذ الحجاج ما وجد له فأرسله إلى عبد الملك
وكان من جملته سيفه، وخرج عروة إلى عبد الملك بالشام (يا
عروة هل تعرف سيف الزبير؟ قلت: نعم قال: فما فيه؟ قلت: فيه
فلة) بفتح الفاء واللام المشددة (فلها) بضم الفاء وفتح
اللام مشددة مبنيًّا للمفعول والضمير للفلة أي كسرت قطعة
من حدّه (يوم) وقعة (بدر قال) عبد الملك: (صدقت) ثم قال:
ما هو مشهور للنابغة الذبياني (بهن فلول) بضم الفاء واللام
مخففة كسور في حدّها (من قراع الكتائب) بكسر القاف
والكتائب بالمثناة الفوقية جمع كتيبة وهي الجيش أي ضرب
الجيوش بعضهم بعضًا وهذا مصراع بيت أوله:
ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم
وهو من المدح في معرض الذم لأن الفل في السيف نقص حسي لكنه
لما كان دليلاً على قوة ساعد صاحبه كان من جملة كماله (ثم
ردّه) أي ردّ عبد الملك السيف (على عروة).
(قال هشام): هو ابن عروة بالسند السابق (فأقمناه) أي قومنا
السيف (بيننا) بأن نظرنا ما تساوي قيمته فإذا هو يساوي
(ثلاثة آلاف وأخذه بعضنا) من الوارثين وهو عثمان بن عروة
أخو هشام. قال هشام: (ولوددت) بفتح اللام والواو وكسر
الدال الأولى وسكون الثانية (أني كنت أخذته).
ومطابقة
(6/252)
الحديث للترجمة في قوله فيه فلة فلها يوم
بدر إذ فيه التصريح بحضور الزبير وقعة بدر فدخل في عدّة
أصحاب بدر.
3974 - حَدَّثَنَا فَرْوَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنْ هِشَامٍ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كَانَ سَيْفُ الزُّبَيْرِ مُحَلًّى
بِفِضَّةٍ. قَالَ هِشَامٌ: وَكَانَ سَيْفُ عُرْوَةَ
مُحَلًّى بِفِضَّةٍ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (فروة) بفتح
الفاء وسكون الراء ابن أبي المغراء بفتح الميم وسكون الغين
المعجمة ممدودًا الكنديّ الكوفي واسم أبي المغراء معد يكرب
(عن علي) هو ابن مسهر ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر:
حدّثنا علي (عن هشام عن أبيه) عروة أنه (قال كان سيف) أبي
(الزبير) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر الزبير بن العوّام
(محلّى) بالحاء المهملة واللام المشددة المفتوحتين من
الحلية (بفضة. قال هشام): بالسند السابق (وكان سيف) أبي
(عروة) بن الزبير (على بفضة) أيضًا.
3975 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ
الْيَرْمُوكِ: أَلاَ تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ؟ فَقَالَ:
إِنِّي إِنْ شَدَدْتُ كَذَبْتُمْ. فَقَالُوا: لاَ نَفْعَلُ
فَحَمَلَ عَلَيْهِمْ حَتَّى شَقَّ صُفُوفَهُمْ
فَجَاوَزَهُمْ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ ثُمَّ رَجَعَ مُقْبِلاً
فَأَخَذُوا بِلِجَامِهِ فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى
عَاتِقِهِ بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ.
قَالَ عُرْوَةُ: كُنْتُ أُدْخِلُ
أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا
صَغِيرٌ، قَالَ عُرْوَةُ: وَكَانَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ وَهْوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ
فَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ وَكَّلَ بِهِ رَجُلاً.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) قال الدارقطني: هو أحمد بن
محمد بن ثابت يعرف بابن شبويه وقال الحاكم أبو عبد الله
وأبو نصر الكلاباذي: هو أحمد بن محمد بن موسى المروزي يعرف
بمردويه وزاد الكلاباذي السمسار، ورجح المزي وغيره هذا
الثاني وهو المراد هنا قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا
(عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا هشام بن عروة)
ثبت ابن عروة في اليونينية (عن أبيه) عروة (أن أصحاب رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قالوا للزبير
يوم) وقعة (اليرموك: ألا) للتخصيص (تشد فنشدّ معك) بضم
الشين المعجمة فيهما أي ألا تحمل على المشركين فنحمل معك
عليهم (فقال): ولأبي ذر: وقال (إني إن شددت) عليهم (كذبتم)
أي أخلفتم (فقالوا): ولابن عساكر قالوا (لا نفعل) ما ذكرت
من الكذب. وقال الكرماني: يحتمل أن يكون قولهم لا ردًا
لكلامه أي لا نخلف ولا نكذب ثم قالوا: نفعل أي الشد (فحمل)
الزبير (عليهم) أي على الروم (حتى شق صفوفهم فجاوزهم وما
معه أحد) ممن قال له ألا تشد فنشد معك (ثم رجع) الزبير حال
كونه (مقبلاً) إلى أصحابه (فأخذوا) أي الروم (بلجامه) أي
بلجام فرسه (فضربوه ضربتين على عاتقه بينهما ضربة ضربها)
بضم الضاد وكسر الراء (يوم بدر) وهذا مخالف للسابق إذ قال:
ضرب اثنتين يوم بدر وواحدة يوم اليرموك. قال صاحب فتح
الباري: فإن كان اختلافًا على هشام فرواية ابن المبارك
أثبت لأن في حديث معمر عن هشام مقالا وإلا فيحتمل أن يكون
كان فيه في غير عاتقه ضربتان أيضًا فيجمع بذلك بين
الروايتين.
(قال عروة): بالسند المتقدم (كنت أدخل أصابعي في تلك
الضربات ألعب وأنا صغير) وقوله ألعب وأنا صغير زيادة على
الرواية السابقة هنا وبالزيادة أيضًا في المناقب (قال
عروة): أيضًا (وكان معه) أي مع الزبير (عبد الله بن الزبير
يومئذ) أي يوم وقعة اليرموك (وهو ابن عشر سنين) قال الحافظ
ابن حجر رحمه الله: هو بحسب إلغاء الكسر وإلاّ فسنّه حينئذ
كان على الصحيح تقديرًا ثنتي عشرة سنة (فحمله على فرس)
لأنه أنس منه الفروسية (ثم وكل) ولأبي ذر وابن عساكر: ووكل
(به رجلاً) لم أعرف اسمه ليحفظه لئلا يهجم على العدو بما
عنده من الفروسية على ما لا طاقة له به لا سيما عند اشتغال
الزبير بالقتال.
3976 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ سَمِعَ
رَوْحَ بْنَ عُبَادَةَ حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي
عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ، قَالَ: ذَكَرَ لَنَا أَنَسُ
بْنُ مَالِكٍ عَنْ أَبِي طَلْحَةَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ يَوْمَ بَدْرٍ
بِأَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ رَجُلاً مِنْ صَنَادِيدِ
قُرَيْشٍ فَقُذِفُوا فِي طَوِيٍّ مِنْ أَطْوَاءِ بَدْرٍ
خَبِيثٍ مُخْبِثٍ وَكَانَ إِذَا ظَهَرَ عَلَى قَوْمٍ
أَقَامَ بِالْعَرْصَةِ ثَلاَثَ لَيَالٍ فَلَمَّا كَانَ
بِبَدْرٍ الْيَوْمَ الثَّالِثَ أَمَرَ بِرَاحِلَتِهِ
فَشُدَّ عَلَيْهَا رَحْلُهَا ثُمَّ مَشَى وَتَبَعَهُ
أَصْحَابُهُ وَقَالُوا: مَا نُرَى يَنْطَلِقُ إِلاَّ
لِبَعْضِ حَاجَتِهِ حَتَّى قَامَ عَلَى شَفَةِ الرَّكِيِّ،
فَجَعَلَ يُنَادِيهِمْ
بِأَسْمَائِهِمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِهِمْ يَا فُلاَنُ بْنَ
فُلاَنٍ وَيَا فُلاَنُ بْنَ فُلاَنٍ أَيَسُرُّكُمْ
أَنَّكُمْ أَطَعْتُمُ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَإِنَّا قَدْ
وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ
وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ قَالَ: فَقَالَ
عُمَرُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تُكَلِّمُ مِنْ أَجْسَادٍ
لاَ أَرْوَاحَ لَهَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ
بِيَدِهِ مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ
مِنْهُمْ". قَالَ قَتَادَةُ: أَحْيَاهُمُ اللَّهُ حَتَّى
أَسْمَعَهُمْ قَوْلَهُ تَوْبِيخًا وَتَصْغِيرًا وَنَقمَةً
وَحَسْرَةً وَنَدَمًا.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي أنه
(سمع روح بن عبادة) بفتح الراء وعبادة بضم العين وتخفيف
الموحدة ابن العلاء القيسي البصري قال: (حدّثنا سعيد بن
أبي عروبة) مهران اليشكري مولاهم البصري (عن قتادة) بن
دعامة (قال: ذكر لنا أنس بن مالك) - رضي الله تعالى عنه -
(عن أبي طلحة) زيد بن طلحة الأنصاري (أن نبي الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمر يوم بدر) بعد الفراغ من
القتال (بأربعة وعشرين رجلاً من صناديد) كفار (قريش) بفتح
الصاد المهملة من ساداتهم وشجعانهم ممن قتله الله عز وجل
من السبعين (فقذفوا) بضم القاف وكسر المعجمة مبنيًا
للمفعول فطرحوا (في طويّ) بفتح الطاء المهملة وكسر الواو
وتشديد التحتية بئر مطوية أي مبنية بالحجارة (من أطواء بدر
خبيث) غير طيب (مخبث) بضم الميم وكسر الموحدة من أخبث إذا
اتخذ أصحابًا خبثًا وطرح باقي السبعين في مواضع أخرى. وعند
الواقدي كما نبه عليه في الفتح أن
(6/253)
القليب المذكور كان قد حفره رجل من بني
النار فناسب أن يلقى فيه هؤلاء الكفار (وكان) النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إذا ظهر) أي غلب
(على قوم أقام بالعرصة) بفتح العين وسكون الراء كل موضع
واسع لا بناء فيه (ثلاث ليال، فلما كان ببدر اليوم الثالث
أمر) عليه الصلاة والسلام (براحلته فشد عليها رحلها ثم مشى
وتبعه أصحابه) بفتح الفوقية وكسر الموحدة في الفرع والذي
في أصله والناصرية واتبعه بألف وصل وسديد الفوقية وفتح
الموحدة (وقالوا: ما نرى) بضم النون ما نظن (ينطلق) عليه
الصلاة والسلام (إلا لبعض حاجته حتى قام على شفة الركيّ)
أي طرف البئر ولأبي ذر: شفير بدل شفة الركي بفتح الراء
وكسر الكاف التحتية البئر قبل أن تطوى ويجمع بينه وبين
السابق بأنها كانت مطوية فاستهدمت فصارت كالركي (فجعل)
عليه الصلاة والسلام (يناديهم) أي قتلى كفار قريش
(بأسمائهم وأسماء آبائهم) توبيخًا لهم (يا فلان بن فلان
ويا فلان بن فلان). وفي رواية حميد عن أنس -رضي الله عنه-
عند أحمد وابن إسحاق فنادى: يا عتبة بن ربيعة ويا شيبة بن
ربيعة ويا أمية بن خلف ويا أبا جهل بن هشام، ولم يكن أمية
بن خلف في القليب لأنه كان ضخمًا فانتفخ فألقوا عليه من
الحجارة والتراب ما غيّبه، فالظاهر أنه كان قريبًا من
القليب فناداه مع من نادى من رؤسائهم (أيسركم أنكم أطعتم
الله ورسوله فإنا قد وجدنا ما وعدنا ربنا) من الثواب
(حقًّا) قال: (فهل وجدتم ما وعد ربكم)؟ من العذاب (حقًّا)
وتقديره وعدكم ربكم فحذف كم لدلالة ما وعدنا ربنا عليه
(قال) أبو طلحة: (فقال عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه-
مستفهمًا (يا رسول الله ما تكلم من أجساد لا أرواح لها)
ولأبي ذر عن الكشميهني فيها (فقال رسول الله) ولأبي ذر
والأصيلي وابن عساكر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(والذي نفس محمد بيده ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) من
القتلى الذين ألقوا في القليب.
(قال قتاة): بالإسناد السابق (أحياهم الله حتى أسمعهم
قوله) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (توبيخًا
وتصغيرًا ونقمة) كذا بفتح النون وكسر القاف مصححًا عليهما
في حاشية اليونينية في أصلهما نقيمة بزيادة تحتية ساكنة
بعد القاف لكنه ضبب عليها وفي الناصرية نقمة بكسر النون
وسكون القاف (وحسرة وندمًا) أي لأجل التوبيخ فالمنصوبات
للتعليل ومراد قتادة بهذا التأويل الردّ على من أنكر أنهم
لا يسمعون.
3977 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
حَدَّثَنَا عَمْرٌو عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
-رضي الله عنهما- {الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ
كُفْرًا} [إبرهيم: 28] قَالَ: هُمْ وَاللَّهِ كُفَّارُ
قُرَيْشٍ. قَالَ عَمْرٌو: هُمْ قُرَيْشٌ، وَمُحَمَّدٌ
نِعْمَةُ اللَّهِ {وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ
الْبَوَارِ} [إبرهيم: 28] قَالَ: النَّارَ يَوْمَ بَدْرٍ.
[الحديث 3977 - طرفه في: 4700].
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عن عبد الله بن الزبير قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا عمرو) بفتح العين
ابن دينار (عن عطاء) هو ابن أنس رباح (عن ابن عباس -رضي
الله عنهما-) أنه قال في تفسير قوله تعالى: ({والذين بدلوا
نعمة الله كفرًا}) [إبراهيم: 28] (قال: هم والله كفار
قريش) بدلوا أي غيروا نعمة الله عليهم في محمد -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حيث ابتعثه منهم كفروا به
(قال عمرو): هو ابن دينار (هم قريش ومحمد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نعمة الله) أنعم به عليهم فكفروا نعمة
الله عز وجل ({وأحلوا قومهم}) الذين تابعوهم على الكفر
({دار البوار}) [إبراهيم: 28] (قال) عمرو مما هو موقوف
عليه كالسابق: (النار) نصب على المفعولية (يوم بدر) ظرف
لأحلوا.
3978 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ذُكِرَ
عِنْدَ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ ابْنَ عُمَرَ
رَفَعَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- «إِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ فِي قَبْرِهِ
بِبُكَاءِ أَهْلِهِ». فَقَالَتْ إِنَّمَا قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «إِنَّهُ
لَيُعَذَّبُ بِخَطِيئَتِهِ وَذَنْبِهِ، وَإِنَّ أَهْلَهُ
لَيَبْكُونَ عَلَيْهِ الآنَ».
3979 - قَالَتْ: وَذَاكَ مِثْلُ قَوْلِهِ: إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ عَلَى
الْقَلِيبِ وَفِيهِ قَتْلَى بَدْرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
فَقَالَ لَهُمْ مَا قَالَ: «إِنَّهُمْ لَيَسْمَعُونَ مَا
أَقُولُ إِنَّمَا قَالَ: إِنَّهُمُ الآنَ لَيَعْلَمُونَ
أَنَّ مَا كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ حَقٌّ». ثُمَّ قَرَأَتْ
{إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ الْمَوْتَى} [النمل: 80] وَ {وَمَا
أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ} [فاطر: 35].
تَقُولُ حِينَ تَبَوَّءُوا مَقَاعِدَهُمْ مِنَ النَّارِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبيد بن إسماعيل) الهباري
القرشي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن
أبيه) عروة أنه (قال: ذكر) بضم الذال المعجمة وكسر الكاف
(عند عائشة -رضي الله عنها- أن ابن عمر رفع إلى النبي) أي
قال قال النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن الميت يعذب) بفتح الذال المعجمة ولأبي ذر ليعذب (في
قبره ببكاء أهله) عليه. ولمسلم
عن عمرة عن عائشة -رضي الله عنها- أنها ذكر عندها أن عبد
الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقول: إن الميت يعذب ببكاء
الحي عليه أي سواء كان الباكي من أهل الميت أم لا. فليس
الحكم مختصًّا بأهله فقوله هنا ببكاء أهله خرج مخرج الغالب
(فقالت: إنما) ولأبي ذر عن الكشميهني فقالت: وهل بكسر
الهاء أي غلط وبفتحها نسي ابن عمر -رحمه الله- إنما (قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنه ليعذب
بخطيئته وذنبه وإن أهله) أي والحال
(6/254)
أن أهله (ليبكون عليه الأن قالت: وذاك)
بغير لام ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر وذلك (مثل) بكسر
الميم وسكون المثلثة (قوله) أي قول ابن عمر (إن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قام على القليب وفيه
قتلى بدر من المشركين فقال لهم ما) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: مثل ما (قال) أي ابن عمر -رضي الله عنهما- في
تعذيب الميت.
(إنهم ليسمعون ما أقول) بيان لقوله مثل ما قال (إنما قال)
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنهم
الآن ليعلمون أن ما كنت أقول لهم حق) ولأبي ذر عن
الكشميهني: لحق أي ووهم ابن عمر فقال: ليسمعون بدل ليعلمون
والعلم كما قال البيهقي وغيره: لا يمنع السماع فلا تنافي
بين ما أنكرته وأثبته ابن عمر وغيره (ثم قرأت) عائشة -رضي
الله عنها- مستدلة لما ذهبت إليه: ({إنك لا تسمع الموتى})
[النمل: 80] (و) قوله تعالى: ({ما أنت بمسمع من في
القبور}) [فاطر: 35] فحملت ذلك على الحقيقة ومن ثم احتاجت
إلى التأويل في قوله: ما أنتم بأسمع لما أقول منهم والذي
عليه جماعة من المفسرين وغيرهم أنه مجاز وأن المراد
بالموتى ومن في القبور الكفار شبهوا بالموتى وهم أحياء حيث
لا ينتفعون بمسموعهم كما لا تنتفع الأموات بعد موتهم
وصيرورتهم إلى قبورهم وهم كفار بالهداية والدعوة، وحينئذ
فلا دليل في هذا على ما نفته عائشة -رضي الله عنها-.
قال عروة: (تقول) بالفوقية أي عائشة -رضي الله عنها-،
ولغير أبي ذر يقول بالتحتية أي عروة مبينًا لمراد عائشة
-رضي الله عنها- من قوله: إنك لا تسمع الموتى (حتى تبوؤوا)
أي اتخذوا (مقاعدهم من النار) فأشار إلى أن إطلاق النفي في
الآية مقيد بحالة استقرارهم في النار.
3980 - 3981 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ حَدَّثَنَا عَبْدَةُ
عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- قَالَ: وَقَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى قَلِيبِ بَدْرٍ فَقَالَ: «هَلْ
وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا»؟ ثُمَّ قَالَ:
«إِنَّهُمُ الآنَ يَسْمَعُونَ مَا أَقُولُ» فَذُكِرَ
لِعَائِشَةَ فَقَالَتْ: إِنَّمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّهُمُ الآنَ
لَيَعْلَمُونَ أَنَّ الَّذِي كُنْتُ أَقُولُ لَهُمْ هُوَ
الْحَقُّ». ثُمَّ قَرَأَتْ {إِنَّكَ لاَ تُسْمِعُ
الْمَوْتَى} [النمل: 80] حَتَّى قَرَأَتِ الآيَةَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عثمان) بن أبي شيبة إبراهيم
الكوفي أنه قال: (حدّثنا عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة
ابن سلمان (عن هشام عن أبيه) عروة (عن ابن عمر -رضي الله
عنهما-) أنه قال: (وقف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على قليب بدر فقال): يخاطب من ألقي فيه من كفار
قريش.
(هل وجدتم ما وعد ربكم) من العقاب (حقًّا؟ ثم قال) عليه
الصلاة والسلام: (إنهم الآن يسمعون) ولابن عساكر: ليسمعون
(ما أقول فذكر) بضم الذال المعجمة وكسر الكاف قول ابن عمر
العائشة) -رضي الله عنها- (فقالت: إنما قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنهم الآن ليعلمون أن الذي
كنت أقول لهم) من التوحيد والإيمان وغيرهما (هو الحق ثم
قرأت) قوله: {إنك لا تسمع الموتى} [النمل: 80] [حتى قرأت
الآية].
وأجيب: بأنه لا يسمعهم وهم موتى، ولكن الله عز وجل أحياهم
حتى سمعوا كما قال قتادة، وفي مغازي ابن إسحاق رواية يونس
بن بكير بإسناد جيد، وأخرجه أحمد بإسناد حسن عن عائشة -رضي
الله عنها- مثل حديث أبي طلحة وفيه: "ما أنتم بأسمع لما
أقول منهم" فإن كان محفوظًا فلعلها رجعت عن الإنكار لما
ثبت عندها من رواية الصحابة لكونها لم تشهد القصة، وقد قال
السهيلي: إذا جاز أن يكونوا في هذه الحالة عالمين جاز أن
يكونوا سامعين وذلك إما بآذان رؤوسهم على قول الأكثر أو
بآذان قلوبهم، وقد تمسك به من يقول: إن السؤال يتوجه على
الروح والجسد ورده من قال: إنما يتوجه على الروح فقط بأن
الإسماع يحتمل أن يكون لأذن الرأس وأذن القلب فلم يبق فيه
حجة اهـ.
وقد أنكر عذاب القبر بعض المعتزلة والروافض محتجين بأن
الميت جماد لا حياة له ولا إدراك فتعذيبه محال.
وأجيب: بأنه يجوز أن يخلق الله تعالى في جميع الأجزاء أو
في بعضها نوعًا من الحياة قدر ما يدرك ألم العذاب، وهذا لا
يلزم منه إعادة الروح إلى الجسد ولا أن يتحرك ويضطرب أو
يرى العذاب عليه حتى أن الغريق في الماء والمأكول في بطون
الحيوانات والمصلوب في الهواء يعذب وإن لم نطلع نحن عليه.
9 - باب فَضْلُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا
(باب فضل من شهد) من المسلمين (بدرًا) مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقاتلاً للمشركين، وسقط الباب
لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر.
3982 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو حَدَّثَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي
الله عنه- يَقُولُ: أُصِيبَ حَارِثَةُ يَوْمَ بَدْرٍ
وَهْوَ غُلاَمٌ فَجَاءَتْ أُمُّهُ إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْتَ مَنْزِلَةَ حَارِثَةَ
مِنِّي فَإِنْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ أَصْبِرْ
وَأَحْتَسِبْ وَإِنْ تَكُ الأُخْرَى تَرَى مَا أَصْنَعُ؟
فَقَالَ: «وَيْحَكِ أَوَ هَبِلْتِ؟ أَوَجَنَّةٌ وَاحِدَةٌ
هِيَ؟ إِنَّهَا جِنَانٌ كَثِيرَةٌ وَإِنَّهُ فِي جَنَّةِ
الْفِرْدَوْسِ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر:
حدّثنا (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا معاوية بن
عمرو) بفتح العين وإسكان الميم
(6/255)
الأزدي قال: (حدّثنا أبو
إسحاق) إبراهيم بن محمد بن الحارث الفزاري أحد الأعلام (عن
حميد) الطويل أنه (قال: سمعت أنسًا -رضي الله عنه- يقول:
أصيب حارثة) بن سراقة الأنصاري (يوم) وقعة (بدر) رماه ابن
العرقة بسهم وهو يشرب من الحوض فقتله (وهو غلام فجاءت أمه)
الربيع بنت النضر عمة أنس -رضي الله عنه- (إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: يا رسول الله
قد عرفت منزلة حارثة مني فإن يكن) بالتحتية وثبوت النون أي
حارثة، وللأربعة: فإن يك بحذفها، ولأبي ذر والأصيلي أيضًا
فإن تكن بالفوقية والنون أي منزلته (في الجنة أصبر وأحتسب
وإن تك الأخرى) بفوقية بغير نون ولأبي ذر والأصيلي تكن
بالفوقية والنون (ترى) بمدة وبعد الراء ياء في الكتابة من
غير همزة وللأصيلي ولأبي ذر عن الكشميهني: تر بغير ياء مع
العصر مجزومًا (ما أصنع) بسكون العين في اليونينية وفرعها
(فقال) عليه الصلاة والسلام:
(ويحك) بكسر الكاف كلمة ترحم وإشفاق (أَوَ هبلت) بفتح
الواو للعطف على مقدر والهاء وكسر الموحدة وسكون اللام
والهمزة للاستفهام أبك جنون أما لك عقل أو فقدت عقلك مما
أصابك من الثكل بابنك حتى جهلت صفة الجنة (أوَ جنة واحدة
هي) بفتح الهمزة للاستفهام والواو للعطف (إنها جنان كثيرة)
في الجنة (وإنه) أي ابنك حارثة (في جنة الفردوس) وهي
أفضلها.
3983 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ قَالَ:
سَمِعْتُ حُصَيْنَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ سَعْدِ
بْنِ عُبَيْدَةَ عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ
السُّلَمِيِّ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ:
بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَبَا مَرْثَدٍ وَالزُّبَيْرَ وَكُلُّنَا
فَارِسٌ قَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ
خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا امْرَأَةً مِنَ الْمُشْرِكِينَ
مَعَهَا كِتَابٌ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى
الْمُشْرِكِينَ فَأَدْرَكْنَاهَا تَسِيرُ عَلَى بَعِيرٍ
لَهَا حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْنَا الْكِتَابُ فَقَالَتْ: مَا
مَعَنَا كِتَابٌ فَأَنَخْنَاهَا فَالْتَمَسْنَا فَلَمْ
نَرَ كِتَابًا فَقُلْنَا مَا كَذَبَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لَتُخْرِجِنَّ
الْكِتَابَ أَوْ لَنُجَرِّدَنَّكِ فَلَمَّا رَأَتِ
الْجِدَّ أَهْوَتْ إِلَى حُجْزَتِهَا وَهْيَ مُحْتَجِزَةٌ
بِكِسَاءٍ فَأَخْرَجَتْهُ فَانْطَلَقْنَا بِهَا إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ خَانَ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي فَلأَضْرِبْ
عُنُقَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ»؟ قَالَ
حَاطِبٌ: وَاللَّهِ مَا بِي أَنْ لاَ أَكُونَ مُؤْمِنًا
بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَرَدْتُ أَنْ تَكُونَ لِي عِنْدَ الْقَوْمِ
يَدٌ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهَا عَنْ أَهْلِي وَمَالِي
وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِكَ إِلاَّ لَهُ هُنَاكَ
مِنْ عَشِيرَتِهِ مَنْ يَدْفَعُ اللَّهُ بِهِ عَنْ
أَهْلِهِ وَمَالِهِ، فَقَالَ: «صَدَقَ وَلاَ تَقُولُوا
لَهُ إِلاَّ خَيْرًا فَقَالَ عُمَرُ: إِنَّهُ قَدْ خَانَ
اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَدَعْنِي
فَلأَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ: «أَلَيْسَ مِنْ أَهْلِ
بَدْرٍ»؟ فَقَالَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ إِلَى أَهْلِ
بَدْرٍ فَقَالَ «اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ وَجَبَتْ
لَكُمُ الْجَنَّةُ، أَوْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ»
فَدَمَعَتْ عَيْنَا عُمَرَ وَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه
الحنظلي قال: (أخبرنا عبد الله بن إدريس) بن يزيد الأودي
(قال: سمعت حصين بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح
الصاد المهملتين السلمي الكوفي (عن سعد بن عبيدة) بإسكان
العين في الأول وضمها في الثاني مصغرًا السلمي (عن أبي عبد
الرحمن) عبد الله بن خبيب بن ربيعة بفتح الموحدة وتشديد
التحتية (السلمي) الكوفي المقرئ مشهور بكنيته ولأبي صحبة
(عن علي -رضي الله عنه-) أنه (قال: بعثني رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبا مرثد) بفتح
الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة. زاد الغنوي بفتح الغين
المعجمة والنون (والزبير) زاد الأربعة ابن العوّام (وكلنا
فارس) وهذا لا ينافي ما وقع في باب الجاسوس من الجهاد أنه
بعث مع علي الزبير والمقداد إذ رواية الجهاد لا تنفي
الزائد هنا (قال: انطلقوا) بكسر اللام (حتى تأتوا روضة
خاخ) بمعجمتين موضع بين مكة والمدينة (فإن بها امرأة من
المشركين) اسمها سارة على المشهور (معها كتاب من حاطب بن
أبي بلتعة) سقط لابن عساكر ابن أبي بلتعة (إلى المشركين)
من أهل مكة صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو وعكرمة بن أبي جهل
يخبرهم ببعض أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فأدركناها) حال كونها (تسير على بعير لها حيث
قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
فقلنا) لها أخرجي (الكتاب. فقالت: ما معنا كتاب) ولأبي ذر
الكتاب (فأنخناها) أي أنخنا البعير الذي هي عليه
(فالتمسنا) الكتاب (فلم نر كتابًا فقلنا) ولأبوي ذر والوقت
قلنا (ما كذب) بفتحتين، وللأصيلي: ما كذب بضم الكاف وكسر
المعجمة مخففة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لتخرجن الكتاب) بضم الفوقية وسكون المعجمة وكسر
الراء والجيم والنون الثقيلة (أو لنجردنك) الثياب (فلما
رأت الجد) بكسر الجيم (أهوت) بيدها (إلى حجزتها) بضم الحاء
المهملة وسكون الجيم بعدها زاي معقد الإِزار (وهي محتجزة
بكساء فأخرجته) أي الكتاب من حجزتها (فانطلقنا بها)
بالصحيفة المكتوب فيها (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فلما قرئت (فقال عمر: يا رسول الله
قد خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني فلأضرب عنقه) بالجزم
وفتح اللام ولأبي ذر فلأضرب بكسر اللام وفتح الباء الموحدة
وللأصيلي لأضرب كذلك لكن بإسقاط الفاء (فقال) له (النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): وسقط لفظ النبي
والتصلية لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر.
(ما حملك على ما صنعت)؟ يا حاطب (قال حاطب: والله) ولأبي
ذر والأصيلي وابن عساكر قال: والله (ما بي أن لا) بفتح
الهمزة (أكون) ولأبي ذر عن الحموي
(6/256)
إلا أن أكون بكسر الهمزة، ولأبي ذر عن
الكشميهني: ما بي أن أكون بفتح همزة أن وحذف لا (مؤمنًا
بالله ورسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت
التصلية لأبي ذر (أردت أن تكون لي عند القوم) مشركي قريش
(يد) نعمة ومنّة عليهم (يدفع الله بها عن أهلي ومالي وليس
أحد من أصحابك إلا له هناك) بمكة (من عشيرته من يدفع الله
به عن أهله وماله. فقال): النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (صدق ولا تقولوا له إلا خيرًا فقال عمر: إنه قد
خان الله ورسوله والمؤمنين فدعني أضرب عنقه).
قال في المصابيح: هذا مما استشكله جدًّا وذلك لأنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد شهد له بالصدق ونهى أن
يقال له إلا الخير، فكيف ينسب بعد ذلك إلى خيانة الله
ورسوله والمؤمنين وهو مناف للأخبار بصدقه والنهي عن
إذايته، ولعل الله عز وجل يوفق للجواب عن ذلك اهـ.
وقد أجيب: بأن هذا على عادة عمر في القوّة في الدين وبغضه
للمنافقين فظن أن فعله هذا موجب لقتله، لكن لم يجزم بذلك،
ولذا استأذن في قتله، وأطلق عليه النفاق لكونه أبطن خلاف
ما أظهر والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عذره
لأنه كان متأولاً إذ لا ضرر في فعله.
(فقال) عليه الصلاة والسلام (أليس) أي حاطب (من أهل بدر)
وكأن عمر -رضي الله عنه- قال: وهل كونه من أهل بدر يسقط
هذا الذنب؟ فأجاب بقوله (فقال): عليه الصلاة والسلام (لعل
الله اطلع على أهل بدر فقال) تعالى مخاطبًا لهم خطاب تشريف
وخصوصية (اعملوا ما شئتم) في المستقبل (فقد وجبت لكم الجنة
أو فقد غفرت لكم) بالشك من الراوي والمراد غفرت لكم في
الآخرة (فدمعت عينا عمر) - رضي الله تعالى عنه - (وقال:
الله ورسوله أعلم). والتعبير بالخبر بلفظ الماضي في قوله:
غفرت مبالغة في تحقيقه وكلمة لعل في كلام الله ورسوله
للوقوع. وفي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند أحمد وأبي
داود: إن الله تعالى اطّلع فأسقط لفظ لعل وليس المراد من
قوله: اعملوا ما شئتم الإباحة إذ هو خلاف عقد الشرع،
فيحتمل أن يكون المراد أنه لو قدر صدور ذنب من أحد منهم
لبادر بالتوبة ولازم الطريقة المثلى، وقيل غير ذلك مما سبق
في باب الجاسوس من كتاب الجهاد والله تعالى الموفق والمعين
على الإكمال والمتفضل بالقبول.
10 - باب
هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة.
3984 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ
حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ وَالزُّبَيْرِ بْنِ
الْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ أَبِي أُسَيْدٍ -رضي
الله عنه- قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ بَدْرٍ: «إِذَا
أَكْثَبُوكُمْ فَارْمُوهُمْ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد الجعفي)
المسندي وسقط الجعفي لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر قال:
(حدّثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله (الزبيري) بضم الزاي
وليس من نسل الزبير بن العوّام، وسقط الزبيري لأبي ذر وابن
عساكر قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن الغسيل) اسمه حنظلة (عن
حمزة بن أبي أسيد) بالحاء المهملة والزاي وأسيد بضم الهمزة
وفتح المهملة مصغرًا اسمه مالك بن ربيعة الأنصاري الساعدي
المدني المتوفى في خلافة الوليد بن عبد الملك (والزبير بن
المندر بن أبي أسيد عن أبي أسيد) مالك بن ربيعة المذكور
(-رضي الله عنه-) أنه (قال: قال لنا رسول الله) ولأبي ذر
وابن عساكر النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يوم بدر):
(إذا أكثبوكم) بالمثلثة المفتوحة أي قربوا منكم، ولأبي ذر
عن الحموي والمستملي: أكتبوكم بالمثناة الفوقية (فارموهم)
بالنبل (واستبقوا) بالفوقية والموحدة الساكنة والقاف
المضمومة (نبلكم) أي إذا كانوا على بُعد فلا ترموهم فإنه
إذا رمي عن البعد سقط في الأرض فلا يحصل الغرض من نكاية
العدوّ وإذا صانها عن هذا استبقاها لوقت حاجته إليه عند
القرب.
3985 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ
حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ الْغَسِيلِ عَنْ حَمْزَةَ بْنِ
أَبِي أُسَيْدٍ وَالْمُنْذِرِ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ عَنْ
أَبِي أُسَيْدٍ -رضي الله عنه- قَالَ لَنَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ
بَدْرٍ «إِذَا أَكْثَبُوكُمْ: يَعْنِي كَثَرُوكُمْ
فَارْمُوهُمْ وَاسْتَبْقُوا نَبْلَكُمْ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) المعروف
بصاعقة قال: (حدّثنا أبو أحمد) محمد بن عبد الله (الزبيري)
قال: (حدّثنا عبد الرحمن بن الغسيل) حنظلة (عن حمزة بن أبي
أسيد) مالك (والمنذر بن أبي أسيد) مالك ولد في عهد النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسماه فعدّ في
الصحابة لذلك وهذا كما تراه في الفرع كأصله وغيرهما من
الأصول المعتمدة والمنذر بإسقاط الزبير الثابت في الرواية
الأولى.
قال الكرماني: والمفهوم من بعض الكتب أن الزبير هو المنذر
نفسه سماه الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بالمنذر لكن
(6/257)
قال في الفتح، وأبعد من قال: إن الزبير هو
المنذر نفسه وفي نسخة نبه عليها في الكواكب، ولم يذكر
الحافظ ابن حجر -رحمه الله- غيرها، والزبير بن أبي أسيد
بدل قوله والمنذر بن أبي أسيد فأسقط لفظ المنذر الثابت بعد
الزبير في الرواية الأولى، فقيل إنه هو المذكور في الأولى
ونسبه في الثانية إلى جده، وصوب في الفتح أن الزبير الثاني
عم الأول (عن أبي أسيد -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال لنا
رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يوم بدر):
(إذا أكثبوكم) بالمثلثة (يعني كثروكم) بالمثلثة أيضًا
مخففة، ولأبي ذر وابن عساكر: أكثروكم.
قيل: وهذا التفسير غير معروف في اللغة والكثب والقرب كما
مرّ فمعنى أكثبوكم قاربوكم والهمزة للتعدية. وقال ابن
فارس: أكثب الصيد إذا أمكن من نفسه فالمعنى إذا قربوا منكم
فأمكنوكم من أنفسهم (فارموهم) بالنبل (واستبقوا) بسكون
الموحدة (نبلكم) في الحالية التي إذا رميتم بها لا تصيب
غالبًا فأما إذا صاروا إلى الحالة التي يمكن فيها الإصابة
غالبًا فارموا.
3986 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ
الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: جَعَلَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى
الرُّمَاةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ
فَأَصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ أَصَابُوا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ أَرْبَعِينَ وَمِائَةً
سَبْعِينَ أَسِيرًا وَسَبْعِينَ قَتِيلاً. قَالَ أَبُو
سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن خالد) بفتح العين ابن
فروخ الجزري الحراني قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية
قال: (حدّثنا أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال:
سمعت البراء بن عازب -رضي الله عنهما- قال: جعل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الرماة يوم أُحُد
عبد الله بن جبير) بضم الجيم مصغرًا الأنصاري أميرًا
(فأصابوا منا) أي أصاب المشركون من المسلمين (سبعين)
بالموحدة بعد السين (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأصحابه أصابوا) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر:
أصاب (من المشركين يوم بدر أربعين ومائة وسبعين) بالموحدة
بعد السين (أسيرًا وسبعين) بالموحدة أيضًا (قتيلاً قال أبو
سفيان): صخر بن حرب (يوم بدر والحرب سجال) بكسر السين
المهملة أي نوب
نوبة لنا ونوبة له كما قال في الحديث السابق ينال منا
وننال منه أي يصيب منا ونصيب منه.
3987 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدٍ عَنْ جَدِّهِ أَبِي
بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى أُرَاهُ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «وَإِذَا
الْخَيْرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْخَيْرِ بَعْدُ
وَثَوَابُ الصِّدْقِ الَّذِي آتَانَا بَعْدَ يَوْمِ
بَدْرٍ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن العلاء) أبو كريب
الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة
(عن بريد) بضم الموحدة مصغرًا ابن عبد الله (عن جده أبي
بردة) عامر بن أبي موسى (عن أبي موسى) عبد الله بن قيس
الأشعري -رضي الله عنه- (أراه) بضم الهمزة أظنه (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(وإذا الخير) قطعة من حديث مرّ في علامات النبوة بهذا
الإسناد أوله عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال: رأيت في المنام أني أهاجر من مكة إلى أرض
بها نخل فذهب وهلي إلى أنها اليمامة أو هجر فإذا هي
المدينة يثرب، ورأيت في رؤياي هذه أني هززت سيفًا فانقطع
صدره فإذا هو ما أصيب من المؤمنين يوم أُحُد، ثم هززته
بأخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء الله عز وجل به من
الخير وثواب الفتح واجتماع المؤمنين، ورأيت فيها بقرًا
والله خير فإذا هم المؤمنون يوم أُحُد وإذا الخير (ما جاء
الله به من الخير بعد) بضم الدال أي بعد يوم أُحُد (وثواب
الصدق) برفع ثواب مصححًا عليه في الفرع كأصله وبالجر عطفًا
على الخير (الذي أتانا بعد يوم) غزوة (بدر) الثانية من
تثبت قلوب المؤمنين لأن الناس قد جمعوا لهم وخوفوهم فزادهم
ذلك إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل.
3988 - حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إبْراهِيمَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
قَالَ: قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ إِنِّي لَفِي
الصَّفِّ يَوْمَ بَدْرٍ إِذِ الْتَفَتُّ فَإِذَا عَنْ
يَمِينِي وَعَنْ يَسَارِي فَتَيَانِ حَدِيثَا السِّنِّ
فَكَأَنِّي لَمْ آمَنْ بِمَكَانِهِمَا إِذْ قَالَ لِي
أَحَدُهُمَا سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ يَا عَمِّ أَرِنِي
أَبَا جَهْلٍ فَقُلْتُ: يَا ابْنَ أَخِي وَمَا تَصْنَعُ
بِهِ؟ قَالَ: عَاهَدْتُ اللَّهَ إِنْ رَأَيْتُهُ أَنْ
أَقْتُلَهُ أَوْ أَمُوتَ دُونَهُ، فَقَالَ لِي الآخَرُ
سِرًّا مِنْ صَاحِبِهِ مِثْلَهُ، قَالَ: فَمَا سَرَّنِي
أَنِّي بَيْنَ رَجُلَيْنِ مَكَانَهُمَا فَأَشَرْتُ لَهُمَا
إِلَيْهِ فَشَدَّا عَلَيْهِ مِثْلَ الصَّقْرَيْنِ حَتَّى
ضَرَبَاهُ وَهُمَا ابْنَا عَفْرَاءَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (يعقوب بن إبراهيم) كذا لأبي ذر
بإثبات ابن إبراهيم وكذا للأصيلي فيما قاله الحافظ ابن حجر
رحمه الله، وقال المزي: إنه الدورقي وقد سقط ما ثبت في
روايتهما لغيرهما فجزم الكلاباذي بأنه حميد بن كاسب، وجوّز
الحاكم أن يكون يعقوب بن محمد الزهري. وقال الحافظ ابن حجر
رحمه الله: إما أن يكون الدورقي أو ابن محمد الزهري.
قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد
بن إبراهيم (عن جده) عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه- أنه
(قال: قال عبد الرحمن بن عوف: إني لفي الصف يوم) وقعة (بدر
إذا التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان) زاد في باب من
لم يخمس الأسلاب من
الخُمس من الأنصار (حديثا السن فكأني لم آمن) بمد الهمزة
وفتح الميم من العدوّ (بمكانهما) أي بجهة
(6/258)
مكانهما وهو كناية عنهما، كأنه لم يثق بهما
لأنه لم يعرفهما فلم يأمن أن يكونا من العدوّ، وفي مغازي
ابن عائذ بإسناد منقطع فأشفقت أن يؤتى الناس من قبلي لكوني
بين غلامين حديثين (إذ قال لي أحدهما سرًّا من صاحبه: يا
عمّ أرني أبا جهل فقلت) له (يا ابن أخي وما) بالواو ولابن
عساكر ما (تصنع به؟ قال: عاهدت الله) عز وجل (إن رأيته أن
أقتله أو أموت دونه) قال العيني: الأولى أن "أو" بمعنى
"إلى" أي إلى أن أموت دونه (فقال لي الآخر سرًّا من صاحبه
مثله. قال) عبد الرحمن (فما سرني أني بين رجلين مكانهما
فأشرت لهما إليه) أي إلى أبي جهل (فشدّا عليه مثل الصقرين)
اللذين يصاد بهما (حتى ضرباه) بسيفهما حتى قتلاه (وهما) أي
الفتيان معاذ ومعوّذ (ابنا عفراء) بفتح العين وسكون الفاء
ممدودًا اسم أمهما وأبوهما الحارث بن رفاعة.
3989 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُمَرُ بْنُ أَسِيدِ بْنِ جَارِيَةَ
الثَّقَفِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي
الله عنه- قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشَرَةً عَيْنًا وَأَمَّرَ
عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ جَدَّ
عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَتَّى إِذَا
كَانُوا بِالْهَدَةِ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا
لِحَيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لِحْيَانَ
فَنَفَرُوا لَهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ
فَاقْتَصُّوا آثَارَهُمْ حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمُ
التَّمْرَ فِي مَنْزِلٍ نَزَلُوهُ فَقَالُوا: تَمْرُ
يَثْرِبَ فَاتَّبَعُوا آثَارَهُمْ فَلَمَّا حَسَّ بِهِمْ
عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى مَوْضِعٍ فَأَحَاطَ
بِهِمُ الْقَوْمُ فَقَالُوا لَهُمْ انْزِلُوا فَأَعْطُوا
بِأَيْدِيكُمْ وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ أَنْ لاَ
نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا، فَقَالَ عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ:
أَيُّهَا الْقَوْمُ أَمَّا أَنَا فَلاَ أَنْزِلُ فِي
ذِمَّةِ كَافِرٍ اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَرَمَوْهُمْ
بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا عَاصِمًا وَنَزَلَ إِلَيْهِمْ
ثَلاَثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ مِنْهُمْ
خُبَيْبٌ وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ وَرَجُلٌ آخَرُ
فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ
قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا قَالَ الرَّجُلُ
الثَّالِثُ: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ وَاللَّهِ لاَ
أَصْحَبُكُمْ إِنَّ لِي بِهَؤُلاَءِ أُسْوَةً يُرِيدُ
الْقَتْلَى فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ فَأَبَى أَنْ
يَصْحَبَهُمْ فَانْطُلِقَ بِخُبَيْبٍ وَزَيْدِ بْنِ
الدَّثِنَةِ حَتَّى بَاعُوهُمَا بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ
فَابْتَاعَ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ
خُبَيْبًا وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ
عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ
أَسِيرًا حَتَّى أَجْمَعُوا قَتْلَهُ فَاسْتَعَارَ مِنْ
بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا
فَأَعَارَتْهُ فَدَرَجَ بُنَىٌّ لَهَا وَهْيَ غَافِلَةٌ
حَتَّى أَتَاهُ فَوَجَدَتْهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ
وَالْمُوسَى بِيَدِهِ، قَالَتْ: فَفَزِعْتُ فَزْعَةً
عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ
أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ؟ قَالَتْ:
وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ
خُبَيْبٍ، وَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ
قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ فِي يَدِهِ وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ
بِالْحَدِيدِ وَمَا بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرَةٍ وَكَانَتْ
تَقُولُ إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ خُبَيْبًا
فَلَمَّا خَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي
الْحِلِّ قَالَ لَهُمْ خُبَيْبٌ: دَعُونِي أُصَلِّي
رَكْعَتَيْنِ فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ:
وَاللَّهِ لَوْلاَ أَنْ تَحْسِبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ
لَزِدْتُ ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا،
وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا وَلاَ تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا،
ثُمَّ أَنْشَأَ يَقُولُ:
فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى
أَيِّ جَنْبٍ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ
عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ
الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ
لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا الصَّلاَةَ وَأَخْبَرَ
يَعْنِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُصِيبُوا خَبَرَهُمْ، وَبَعَثَ نَاسٌ
مِنْ قُرَيْشٍ إِلَى عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ حِينَ حُدِّثُوا
أَنَّهُ قُتِلَ أَنْ يُؤْتَوْا بِشَىْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ
وَكَانَ قَتَلَ رَجُلاً عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ
فَبَعَثَ اللَّهُ لِعَاصِمٍ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ
الدَّبْرِ فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا
أَنْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شَيْئًا. وَقَالَ كَعْبُ بْنُ
مَالِكٍ: ذَكَرُوا مُرَارَةَ بْنَ الرَّبِيعِ الْعَمْرِيَّ
وَهِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيَّ رَجُلَيْنِ
صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف -رضي
الله عنه- قال: (أخبرنا ابن شهاب) الزهري (قال: أخبرني)
بالإفراد (عمر بن أسيد بن جارية) بضم العين في الأول. وعن
ابن السكن عمير بالتصغير والأول أصح وبفتح الهمزة وكسر
المهملة بعدها تحتية ساكنة في الثاني وبالجيم في الثالث،
وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن المستملي والكشميهني: عمرو
بفتح العين، وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن المستملي: ابن
أسيد، ولأبي ذر عن الحموي: ابن أبي أسيد بزيادة أبي، وفي
الفتح عن الكشميهني: عمرو بن جارية فنسبه إلى جده، وسبق في
باب: هل يستأسر الرجل من كتاب الجهاد عمرو بن أبي سفيان بن
أسيد بن جارية (الثقفي) بالمثلثة (حليف بني زهرة) بضم
الزاي وسكون الهاء (وكان) عمر (من أصحاب أبي هريرة -رضي
الله عنه-) أنه (قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرة) من الرجال (عينًا) نصب بدلاً من
عشرة أي جاسوسًا سبق تسمية بعضهم في الجهاد وهو: مرثد
الغنوي، وخالد بن البكير الليثي، وعاصم بن ثابت أميرهم،
وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وعبد الله بن طارق، ومعتب
بن عبيد البلوي (وأمّر) بتشديد الميم (عليهم عاصم بن ثابت)
بالمثلثة ابن أبي الأقلح (الأنصاري جد عاصم بن عمر بن
الخطاب) لأمه واسمها جميلة بفتح الجيم (حتى إذا كانوا
بالهدة) بفتح الهاء والدال المهملة المشددة بلا همز ولأبي
ذر والأصيلي بالهدأة بفتح الدال مخففة بعدها همزة مفتوحة
وفي نسخة صحيحة كما قال في اليونينية بالهدأة بتسكين الدال
مع الهمزة موضع (بين عسفان ومكة ذكروا) بضم المعجمة (لحيّ
من هذيل) بضم الهاء وفتح المعجمة (يقال لهم: بنو لحيان)
بكسر اللام مصححًا عليها في الفرع كأصله وحكى فتحها ابن
هذيل بن مدركة بن إلياس بن مضر (فنفروا لهم) بتخفيف الفاء
وتشدد أي استنجدوا لهم (بقريب من مائة رجل رام) بالنبل
(فاقتصوا) بالقاف والصاد المهملة أي اتبعوا (آثارهم حتى
وجدوا مأكلهم) في مكان أكلهم (التمر في منزل نزلوه
فقالوا): بالفاء ولأبي ذر عن الكشميهني قالوا وللحموي
والمستملي فقال أي القوم هذا (ثمر يثرب) بالمثلثة (فاتبعوا
آثارهم فلما حس) صوابه كما قال السفاقسي: أحس رباعيًا أي
علم (بهم عاصم وأصحابه لجأوا إلى موضع فأحاط بهم القوم
فقالوا):
أي بنو لحيان (لهم) لعاصم وأصحابه (أنزلوا) وسقط لأبي ذر
لفظ لهم (فأعطوا بأيديكم) بقطع همزة فاعطوا وحذف المفعول
الأول أي انقادوا وسلموا ولأبي ذر عن الكشميهني فاعطونا
(ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدًا، فقال عاصم بن
ثابت) لأصحابه (أيها القوم أما) بتشديد الميم (أنا فلا
أنزل في ذمة كافر) أي في عهده (اللهم) ولغير أبي ذر ثم
قال: اللهم (أخبر) بقطع الهمزة وكسر الموحدة (عنا نبيك
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي
ذر (فرموهم) بضم الميم في اليونينية وفرعها أي رمى الكفار
المسلمين (بالنبل) بفتح النون وسكون الموحدة بالسهام
العريية (فقتلوا) أمير القوم (عاصمًا) زاد في الجهاد في
سبعة أي من
(6/259)
العشرة (ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد
والميثاق منهم: خبيب) بضم الخاء المعجمة وفتح الموحدة
الأولى مصغرًا ابن عدي الأنصاري (وزيد بن الدثنة) بفتح
الدال المهملة وكسر المثلثة وفتح النون (ورجل آخر) هو عبد
الله بن طارق البلوي (فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار
قسيهم) بالمثناة الفوقية (فربطوهم بها. قال الرجل الثالث):
عبد الله بن طارق (هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي
بهؤلاء أسوة) بضم الهمزة ولأبي ذر إسوة بكسرها أي افتداء
(يريد القتلى فجرروه) بالجيم وتشديد الراء الأولى
المفتوحتين (وعالجوه) زاد في الجهاد على أن يصحبهم أي إلى
مكة (فأبى أن يصحبهم) وفي غزوة الرجيع: أنهم قتلوه.
(فانطلق) بضم الطاء مبنيًّا للمفعول (بخبيب وزيد بن الدثنة
حتى باعوهما) زاد في الجهاد بمكة (بعد وقعة بدر فابتاع)
اشترى (بنو الحارث بن عامر بن نوفل) وهم عقبة وأبو سروعة
وأخوهما لأمهما حجير بن أبي أهيب (خبيبًا) واشترى ابن
الدثنة صفوان بن أمية (وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر
يوم بدر) انتقده الحافظ الشرف الدمياطي بأن خبيبًا هذا هو
ابن عدي لم يشهد بدرًا، وإنما الذي شهدها وقتل الحارث هو
خبيب بن يساف انتهى.
والذي في الاستيعاب لابن عبد البر وأُسد الغابة لابن
الأثير أن خبيب بن عدي شهد بدرًا وزاد الأول أن عقبة بن
الحارث اشترى خبيب بن عدي وكان قد قتل أباه وذكر الأبيات
في ترجمة خبيب بن يساف وشهد بدرًا وقتل أمية بن خلف.
(فلبث خبيب) يعني ابن عديّ (عندهم) عند بني الحارث
(أسيرًا) لأنهم كانوا أخروه حتى تنقضي الأشهر الحرم (حتى
أجمعوا قتله فاستعار من بعض بنات الحارث موسى) بعدم الصرف
لأنه على وزن فعلى أو بالصرف على أنه على وزن مفعل (يستحد)
أي يحلق (بها) شعر عانته لئلا يظهر عند فتله (فأعارته)
ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: فأعارت بحذف ضمير النصب
(فدرج) بجيم وفتحات أي ذهب (بنيّ لها) بضم الموحدة مصغرًا
(وهي غافلة عنه حتى أتاه) أي أتى البنيّ إلى خبيب (فوجدته
مجلسه) بضم الميم اسم فاعل من الإِجلاس مضاف إلى المفعول
(على فخذه والموسى بيده) ولابن عساكر في يده (قالت: ففزعت)
بكسر الزاي لما رأت الصبي على فخذه والموسى بيده خوفًا أن
يقتله (فزعة عرفها خبيب فقال: أتخشين) بهمزة الاستفهام (أن
أقتله ما كنت لأفعل ذلك) بكسر الكاف (قالت: والله ما رأيت
أسيرًا) زاد أبو ذر عن الكشميهني قط (خيرًا من خبيب، والله
لقد وجدته يومًا يأكل قطفًا) بكسر القاف عنقودًا (من عنب
في يده وأنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة) بالمثلثة
(وكانت تقول: إنه لرزق رزقه الله خبيبًا) كرامة له
والكرامة ثابتة للأولياء كالمعزة للأنبياء (فلما خرجوا به)
بخبيب (من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب: دعوني
أصلّي ركعتين فتركوه فركع ركعتين) في موضع مسجد التنعيم
(فقال: والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع) من القتل
(لزدت) في الصلاة (ثم قال: اللهم أحصهم عددًا) بهمزة قطع
وبالحاء الساكنة والصاد المكسورة المهملتين أهلكهم
واستأصلهم بحيث لا تبقي أحدًا منهم (واقتلهم بددًا) بفتح
الموحدة والدال المهملة الأولى مصدر بمعنى المتبدد أي ذوي
بدد قاله السهيلي. ويروى بكسر الموحدة جمع بدة وهي القطعة
من الشيء المتبدد وهو نصب على الحال من المدعو عليهم، أما
على الثاني فواضح أي متفرقين، وأما على الأول فعلى أن يكون
التقدير ذوي بدد. قال في المصابيح: ويجري فيه وجهان آخران
أن يكون بددًا نفسه حالاً على جهة المبالغة أو على تأويله
باسم الفاعل، وعند السهيلي في روضه أن الدعوة أجيبت فيمن
مات كافرًا ومن قتل منهم بعد هذه الدعوة فإنما قتلوا بددًا
غير معسكرين ولا مجتمعين. (ولا تبق منهم أحدًا ثم أنشأ
يقول): ولأبي ذر وابن عساكر: وقال بدل قول ثم أنشأ يقول.
(فلست أبالي حين أقتل) بضم الهمزة وفتح الفوقية حال كوني
(مسلمًا ... على أي جنب كان لله مصرعي.
(6/260)
وذلك) أي القتل (في ذات الإله) أي في وجهه
تعالى وطلب رضاه وثوابه (وإن يشأ ... يبارك على) وفي نسخة
في (أوصال شلو) بكسر المعجمة وسكون اللام أي جسد (ممزع)
بالزاي مقطع. والبيتان من قصيدة ذكرها ابن إسحاق أوّلها:
لقد جمع الأحزاب حولي وألبوا ... قبائلهم واستجمعوا كل
مجمع
وقد قربوا أبناءهم ونساءهم ... وقربت من جذع طويل ممنع
وكلهم يبدي العداوة جاهدًا ... عليّ لأني في وثاق بمضيع
إلى الله أشكو غربتي بعد كربتي ... وما جمع الأحزاب لي عند
مصرعي
فذا العرش صبرني على ما أصابني ... فقد بضعوا لحمي وقد ضلّ
مطمعي
وذلك في ذات الإله وإن يشأ ... يبارك على أوصال شلو ممزع
وقد عرّضوا بالكفر والموت دونه ... وقد ذرفت عيناي من غير
مدمع
وما بي حذار الموت إني لميت ... ولكن حذاري حرّ نار تلفع
فلست بمبد للعدو تخشعًا ... ولا جزعًا إني إلى الله مرجعي
فلست أبالي حين أقتل الخ.
(ثم قام إليه) إلى خبيب (أبو سروعة) بكسر السين المهملة
وسكون الراء وفتح الواو والعين لمهملة وبفتح السين لأبي ذر
والأصيلي عن الحموي والمستملي (عقبة بن الحارث فقتله، وكان
خبيب
هو سنّ لكل مسلم قُتل صبرًا) أي مصبورًا يعني محبوسًا
للقتل (الصلاة) وإنما صار ذلك سنّة لأنه فعل في حياته
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستحسنه وأقرّه
(وأخبر يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأصحابه) وفي نسخة وأخبر بضم الهمزة وكسر الموحدة أصحابه
(يوم أصيبوا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أصيب أي كل
واحد منهم (خبرهم) وسقط قوله يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لغير ابن عساكر، وعند البيهقي في
دلائله أن خبيبًا لما قال: اللهم إني لا أجد رسولاً إلى
رسولك يبلغه عني السلام جاء جبريل عليه السلام فأخبره بذلك
(وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت) أمير السرية (حين
حدثوا) بضم الحاء وكسر الدال المهملتين (أنه قتل أن يؤتوا)
بضم التحتية وفتح الفوقية (بشيء منه يعرف) به كرأسه (وكان)
عاصم (قتل رجلاً عظيمًا من عظمائهم) يوم بدر هو عقبة بن
أبي معيط وسقط لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر قوله عظيمًا
(فبعث الله لعاصم مثل الظلة) بضم الظاء المعجمة وتشديد
اللام السحابة المظلة (من الدبر) بفتح المهملة وإسكان
الموحدة ذكور النحل أو الزنابير (فحمته) حفظته (من رسلهم
فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئًا) لأنه كان حلف أن لا يمس
مشركًا ولا يمسه مشرك فبرّ الله قسمه.
وسبق هذا الحديث في الجهاد.
(وقال كعب بن مالك): في حديثه الطويل الآتي إن شاء الله
تعالى في غزوة تبوك (ذكروا) بفتح العين المهملة وسكون
الميم (وهلال بن أمية الواقفي) بقديم القاف على الفاء
(رجلين صالحين قد شهدا بدرًا) وهذا يرد على الدمياطي وغيره
حيث قالوا: لم يذكر أحد مرارة وهلالاً في البدريين وما في
الصحيح أصح والمثبت مقدم على النافي.
3990 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدَ حَدَّثَنَا
اللَيْثٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- ذُكِرَ لَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ زَيْدِ
بْنِ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ وَكَانَ بَدْرِيًّا مَرِضَ فِي
يَوْمِ جُمُعَةٍ فَرَكِبَ إِلَيْهِ بَعْدَ أَنْ تَعَالَى
النَّهَارُ وَاقْتَرَبَتِ الْجُمُعَةُ وَتَرَكَ
الْجُمُعَةَ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) سقط ابن سعيد لغير أبي ذر
قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام -رضي الله عنه- كذا في
الفرع بالتعريف وفي أصله ليث (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري
(عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر -رضي الله عنهما- ذكر
له) بضم الذال المعجمة (أن سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل)
أحد العشرة المبشرة (وكان بدريًّا) لم يشهد بدرًا لأن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثه هو وطلحة
يتجسسان الأخبار فوقع القتال قبل أن يرجعا فألحقهما النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمن شهدها وضرب لهما
بسهميهما وأجرهما فكانا كمن شهدها (مرض) أي سعيد (في يوم
جمعة
(6/261)
فركب إليه) ابن عمر ليعوده (بعد أن تعالى
النهار واقتربت الجمعة وترك الجمعة) لعذر إشراف قريبه سعيد
على الهلاك إذ كان ابن عم عمر وزوج أخته.
3991 - وَقَالَ اللَّيْثُ حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ أَنَّ أَبَاهُ كَتَبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ الزُّهْرِيِّ يَأْمُرُهُ أَنْ
يَدْخُلَ عَلَى سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ
الأَسْلَمِيَّةِ فَيَسْأَلَهَا عَنْ حَدِيثِهَا وَعَنْ مَا
قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، حِينَ اسْتَفْتَتْهُ فَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الأَرْقَمِ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ يُخْبِرُهُ أَنَّ سُبَيْعَةَ بِنْتَ الْحَارِثِ
أَخْبَرَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ ابْنِ
خَوْلَةَ وَهْوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ
مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ وَهْيَ حَامِلٌ فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ
حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ
نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا
أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي
عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ لَهَا مَا لِي أَرَاكِ
تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ تُرَجِّينَ النِّكَاحَ فَإِنَّكِ
وَاللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ
أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ قَالَتْ سُبَيْعَةُ:
فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَىَّ ثِيَابِي
حِينَ أَمْسَيْتُ وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ
فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ
حَمْلِي وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِي.
تَابَعَهُ أَصْبَغُ عَنِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْ يُونُسَ
وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
وَسَأَلْنَاهُ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ ثَوْبَانَ مَوْلَى بَنِي عَامِرِ بْنِ
لُؤَيٍّ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِيَاسِ بْنِ الْبُكَيْرِ
وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا أَخْبَرَهُ. [الحديث 3991
- طرفه في 5319].
(وقال الليث) بن سعد الإِمام -رضي الله عنه- مما وصله قاسم
بن أصبغ في مصنفه: (حدثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي
(عن ابن شهاب) الزهري أنه (قال: حدثني) بالتوحيد (عبيد
الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (أن
أباه) عبد الله (كتب إلى عمر بن عبد الله بن الأرقم) بن
عبد يغوث (الزهري يأمره أن يدخل على سبيعة) بضم السين
المهملة وفتح الموحدة (بنت الحارث الأسلمية فيسألها عن
حديثها وعن ما) بفصل عن من لاحقتها ولأبي ذر: وعما (قال
لها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين
استفتته) عن ذلك (فكتب عمر بن عبد الله بن الأرقم إلى عبد
الله بن عتبة) بن مسعود (يخبره أن سبيعة بنت الحارث)
الأسلمية (أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة) بسكون العين
وفتح الخاء المعجمة وسكون الواو (وهو من بني عامر بن لؤي)
من أنفسهم أو حليف لهم (وكان ممن شهد بدرًا فتوفي عنها في
حجة الوداع) اتفاقًا خلافًا لابن جرير حيث قال: توفي سنة
سبع (وهي حامل فلم تنشب) بالفوقية المفتوحة والنون الساكنة
والمعجمة المفتوحة بعدها موحدة أي فلم تلبث (أن وضعت حملها
بعد وفاته) بليال أو بخمسة وعشرين أو أقل (فلما تعلت) بفتح
العين المهملة وتشيد اللام أي خرجت من نفاسها وطهرت (من
نفاسها تجملت) بالجيم تزينت (للخطاب) بضم الخاء المعجمة
وتشديد الطاء المهملة (فدخل عليها أبو السنابل) بفتح السين
المهملة والنون وبعد الألف موحدة فلام حبة بالحاء المهملة
المفتوحة والموحدة المشدّدة كما قال ابن ماكولا، أو بالنون
بدل الموحدة (ابن بعكك رجل من بني عبد الدار) بفتح الموحدة
وسكون العين المهملة وفتح الكاف الأولى منصرفًا القرشي
العامري قاله أبو عمر. قال أبو موسى: ابن بعكك بن الحارث
بن السباق بن عبد الدار بن قصي. قال ابن
الأثير، وقول أبي موسى أنه من عبد الدار أصح وهو من مسلمة
الفتح (فقال لها): أي قال أبو السنابل لسبيعة (ما لي أراك
تجملت للخطّاب ترجين النكاح) بضم الفوقية وفتح الراء
وتشديد الجيم المكسورة ولأبي ذر ترجين بفتح الفوقية وسكون
الراء وكسر الجيم وفتحها مخففة (فإنك) ولأبوي ذر والوقت
وإنك بالواو بدل الفاء (والله ما أنت بناكح) أي لست من أهل
النكاح (حتى تمر عليك أربعة أشهر وعشرًا) من الأيام بعدها،
ولأبي الوقت: وعشرًا (قالت سبيعة: فلما قال لي) أبو
السنابل (ذلك جمعت عليّ ثيابي حين أمسيت وأتيت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسألته عن ذلك) الذي
قاله أبو السنابل (فأفتاني بأني قد حللت) بلامين مفتوحة ثم
ساكنة (حين وضعت حملي وأمرني بالتزوّج وإن بدا لي) فقوله
تعالى: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجًا يتربصن بأنفسهن
أربعة أشهر وعشرًا} [البقرة: 234] مؤوّل بغير الحوامل،
وأبو السنابل هو الذي تزوج سبيعة بعد.
والحديث أخرجه أيضًا في الطلاق مختصرًا، وأخرجه أيضًا مسلم
فيه وكذا أبو داود والنسائي وابن ماجة.
(تابعه) أي تابع الليث (أصبغ) بن الفرج المصري شيخ المؤلّف
في روايته (عن ابن وهب) عبد الله (عن يونس) بن يزيد الأيلي
فيما رواه الإسماعيلي.
(وقال الليث) بن سعد الإمام مما وصله المؤلّف في تاريخه
الكبير (حدثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن
شهاب) الزهري (وسألناه) هو قول ابن شهاب (فقال: أخبرني)
بالإفراد، ولأبي ذر عن الكشميهني: حدثني وله عن الحموي
والمستملي: حدثه (محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مولى بني
عامر بن لؤي أن محمدًا بن إياس بن البكير) بضم الموحدة
وفتح الكاف مصغرًا، ولأبي ذر: البكير بكسر الموحدة وتشديد
الكاف مكسورة وبضم الموحدة وفتح الكاف مخففة (وكان أبوه)
إياس (شهد بدرًا) وأحدًا والخندق والمشاهد كلها معه عليه
الصلاة والسلام (أخبره) بهذا الحديث أو بغيره وغرضه بيان
من شهد بدرًا
(6/262)
لا بيان أنه أخبره قاله الكرماني، وقال في
الفتح: وزاد المؤلّف -رحمه الله- في تاريخه المذكور أنه
سأل أبا هريرة -رضي الله عنه- وابن عباس وعبد الله بن عمر
-رضي الله عنهم- مثله يعني مثل حديث قبله إذا طلق ثلاثًا
لم تصلح له أي المرأة، فاقتصر المؤلّف -رحمه الله- من
الحديث على موضع حاجته منه وهي قوله: وكان أبوه شهد بدرًا.
11 - باب شُهُودِ الْمَلاَئِكَةِ بَدْرًا
(باب شهود الملائكة بدرًا) مع المسلمين نصرة لهم وعونًا
على المشركين.
3992 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
أَخْبَرَنَا جَرِيرٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ
مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ الزُّرَقِيِّ عَنْ
أَبِيهِ - وَكَانَ أَبُوهُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ - قَالَ:
جَاءَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا تَعُدُّونَ أَهْلَ
بَدْرٍ فِيكُمْ قَالَ: مِنْ أَفْضَلِ الْمُسْلِمِينَ أَوْ
كَلِمَةً نَحْوَهَا قَالَ: وَكَذَلِكَ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا
مِنَ
الْمَلاَئِكَةِ». [الحديث 3992 - طرفه في: 3994].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن
إبراهيم) بن راهويه قال: (أخبرنا جرير) هو ابن عبد الحميد
(عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن معاذ بن رفاعة بن رافع
الزرقي) الأنصاري (عن أبيه) رفاعة بكسر الراء وتخفيف الفاء
(وكان أبوه من أهل بدر) اتفاقًا أنه (قال: جاء جبريل إلى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: ما تعدون
أهل بدر فيكم؟ قال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(من أفضل المسلمين أو) قال (كلمة نحوها) بالشك نحو من
خيارنا (قال) جبريل عليه الصلاة والسلام: (وكذلك من شهد
بدرًا من الملائكة) من أفضل الملائكة.
3993 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ مُعَاذِ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ
رَافِعٍ وَكَانَ رِفَاعَةُ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ وَكَانَ
رَافِعٌ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ يَقُولُ لاِبْنِهِ مَا
يَسُرُّنِي أَنِّي شَهِدْتُ بَدْرًا بِالْعَقَبَةِ قَالَ:
سَأَلَ جِبْرِيلُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِهَذَا.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
حماد) هو ابن زيد (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن معاذ بن
رفاعة بن رافع) الزرقي (وكان رفاعة من أهل بدر وكان رافع)
أبو رفاعة (من أهل العقبة) التي بمنى أحد الستة والاثني
عشر والسبعين الذين بايعوه عليه الصلاة والسلام قبل الهجرة
(فكان) بالفاء ولأبي الوقت وكان (يقول لابنه) رفاعة: (ما
يسرني) استفهامية أو نافية (أني شهدت بدرًا بالعقبة) أي
بدل العقبة ومراده تعظيم العقبة على بدر قاله بحسب اجتهاده
لأنها كانت منشأ قوة الإسلام ونصرته وسبب هجرته -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى المدينة (قال: سأل جبريل)
عليه الصلاة والسلام (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بهذا) أي بما تقدم في رواية جرير.
3994 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا
يَزِيدُ أَخْبَرَنَا يَحْيَى سَمِعَ مُعَاذَ بْنَ
رِفَاعَةَ أَنَّ مَلَكًا سَأَلَ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَنْ يَحْيَى أَنَّ يَزِيدَ
بْنَ الْهَادِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَهُ يَوْمَ
حَدَّثَهُ مُعَاذٌ هَذَا الْحَدِيثَ فَقَالَ يَزِيدُ
فَقَالَ مُعَاذٌ: إِنَّ السَّائِلَ هُوَ جِبْرِيلُ
عَلَيْهِ السَّلاَمُ.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدثني (إسحاق بن
منصور) أبو يعقوب المروزي قال: (أخبرنا يزيد) بن هارون
قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى) بن سعيد الأنصاري
-رضي الله عنه- (سمع معاذ بن رفاعة أن ملكًا) جبريل عليه
الصلاة والسلام (سأل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) زاد أبو ذر نحوه أي نحو ما سبق.
(وعن يحيى) بن سعيد الأنصاري بالإسناد السابق (أن يزيد بن
الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن أسامة بن الهاد الليثي
(أخبره) أي أخبر يحيى (أنه كان معه) أي مع يزيد بن الهاد
(يوم حدثه معاذ هذا الحديث فقال يزيد) بن الهاد: (فقال)
ولأبي ذر: قال (معاذ: إن السائل) المبهم أولاً (هو جبريل
عليه السلام) والذي يظهر أن رافع بن مالك لم يسمع من النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
التصريح بتفضيل أهل بدر على غيرهم فقال: ما قال باجتهاد
منه.
3995 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ بَدْرٍ
«هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ عَلَيْهِ
أَدَاةُ الْحَرْبِ». [الحديث 3995 - طرفه في: 4041].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الرازي
الفراء قال: (أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي
قال: (حدّثنا خالد) الحذاء (عن عكرمة) مولى ابن عباس -رضي
الله عنهما- (عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(هذا جبريل أخذ برأس فرسه عليه أداة الحرب) وعند ابن إسحاق
أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خفق خفقة ثم
انتبه فقال: "أبشر يا أبا بكر أتاك نصر الله هذا جبريل آخذ
بعنان فرسه يقوده على ثناياه الغبار". وعند سعيد بن منصور
من مرسل عطية بن قيس أن جبريل عليه السلام أتى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعدما فرغ من بدر على
فرس حمراء معقود الناصية قد عصب الغبار ثنيته عليه درعه
وقال: يا محمد إن الله عز وجل بعثني إليك وأمرني أن لا
أفارقك حتى ترضى أفرضيت؟ قال: "نعم".
12 - باب
هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة فهو كالفصل من سابقه.
3996 - حَدَّثَنِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيُّ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: مَاتَ أَبُو
زَيْدٍ وَلَمْ يَتْرُكْ عَقِبًا وَكَانَ بَدْرِيًّا.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (خليفة) بن خياط الحافظ العصفري
قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله الأنصاري) وهو أيضًا شيخ
البخاري قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة)
بن دعامة (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: مات أبو زيد)
قيس بن السكن بن قيس بن زعورا بن حرام بن جندب بن عامر بن
غنم بن
(6/263)
عدي بن النجار الأنصاري غلبت عليه كنيته،
أحد الذين جمعوا القرآن في العهد النبوي واختلف في اسمه
فقيل سعد بن عمير وقيل ثابت وقيل قيس بن السكن (ولم يترك
عقبًا) ولدًا ولا ولد ولد (وكان بدريًّا).
3997 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنِ
الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ خَبَّابٍ أَنَّ
أَبَا سَعِيدِ بْنِ مَالِكٍ الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه-
قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ فَقَدَّمَ إِلَيْهِ أَهْلُهُ لَحْمًا
مِنْ لُحُومِ الأَضْحَى فَقَالَ: مَا أَنَا بِآكِلِهِ
حَتَّى أَسْأَلَ، فَانْطَلَقَ إِلَى أَخِيهِ لأُمِّهِ
وَكَانَ بَدْرِيًّا قَتَادَةَ بْنِ النُّعْمَانِ
فَسَأَلَهُ فَقَالَ: إِنَّهُ حَدَثَ بَعْدَكَ أَمْرٌ
نَقْضٌ لِمَا كَانُوا يُنْهَوْنَ عَنْهُ مِنْ أَكْلِ
لُحُومِ الأَضْحَى بَعْدَ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ. [الحديث
3997 - طرفه في: 5568].
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (قال: حدثني) بالإفراد (يحيي بن
سعيد) الأنصاري -رضي الله عنه- (عن القاسم بن محمد) بن أبي
بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه - (عن ابن خباب) بفتح
الخاء المعجمة وتشديد الموحدة الأولى عبد الله مولى بني
عدي بن النجار الأنصاري -رضي الله عنه- (أن) سعدًا (أبا
سعيد بن مالك الخدري -رضي الله عنه- قدم من سفر فقدم إليه
أهله لحمًا من لحوم الأضحى) ولأبي ذر: الأضاحي بلفظ الجمع
(فقال: ما أنا بآكله حتى أسأل) عن حكمه إذ كانوا نهوا عن
أكلها بعد ثلاثة أيام (فانطلق إلى أخيه لأمه وكان) أخوه
لأمه (بدريًّا) ممن شهد غزوة بدر (قتادة بن النعمان)
الأنصاري بالنصب بفعل محذوف أي أعني قتادة، ويجوز الرفع
خبر مبتدأ محذوف أي هو قتادة والجرّ بدلاً من أخيه وهو
الذي أصيبت عينه يوم أُحُد على الأصح فأخذها النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فردّها إلى مكانها فكانت أحسن
عينيه (فسأله) عن ذلك (فقال) قتادة: (إنه حدث بعدك أمر
نقض) بفتح النون وسكون القاف بعدها ضاد معجمة أي ناقض (لما
كانوا ينهون عنه) بضم التحتية مبنيًا للمفعول (من أكل لحوم
الأضحى) بالإفراد، ولأبي ذر عن الكشميهني: الأضاحي (بعد
ثلاثة أيام) فالنهي منسوخ بقوله عليه الصلاة والسلام بعد:
"كلوا وادخروا وتزودوا" كما سيأتي إن شاء الله تعالى بعون
الله وفضله في بابه والغرض منه هاهنا وصف قتادة بأنه كان
بدريًّا.
3998 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: قَالَ الزُّبَيْرُ لَقِيتُ يَوْمَ بَدْرٍ
عُبَيْدَةَ بْنَ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَهْوَ مُدَجَّجٌ
لاَ يُرَى مِنْهُ إِلاَّ عَيْنَاهُ وَهْوَ يُكْنَى أَبُو
ذَاتِ الْكَرِشِ فَقَالَ: أَنَا أَبُو ذَاتِ الْكَرِشِ
فَحَمَلْتُ عَلَيْهِ بِالْعَنَزَةِ فَطَعَنْتُهُ فِي
عَيْنِهِ فَمَاتَ قَالَ هِشَامٌ: فَأُخْبِرْتُ أَنَّ
الزُّبَيْرَ قَالَ: لَقَدْ وَضَعْتُ رِجْلِي عَلَيْهِ،
ثُمَّ تَمَطَّأْتُ فَكَانَ الْجَهْدَ أَنْ نَزَعْتُهَا
وَقَدِ انْثَنَى طَرَفَاهَا قَالَ عُرْوَةُ: فَسَأَلَهُ
إِيَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَعْطَاهُ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخَذَهَا ثُمَّ
طَلَبَهَا أَبُو بَكْرٍ فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا
قُبِضَ أَبُو بَكْرٍ سَأَلَهَا إِيَّاهُ عُمَرُ
فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا، فَلَمَّا قُبِضَ عُمَرُ أَخَذَهَا
ثُمَّ طَلَبَهَا عُثْمَانُ مِنْهُ، فَأَعْطَاهُ إِيَّاهَا،
فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وَقَعَتْ عِنْدَ آلِ عَلِيٍّ
فَطَلَبَهَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ فَكَانَتْ
عِنْدَهُ حَتَّى قُتِلَ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد (عبيد بن إسماعيل) مصغر من غير
إضافة واسمه في الأصل عبد الله الهباري القرشي قال:
(حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام بن عروة عن
أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام -رضي الله عنه- أنه (قال:
قال الزبير): أي أبوه (لقيت يوم) وقعة (بدر عبيدة بن سعيد
بن العاص) بضم العين في الأول مصغرًا وكسرها في الثاني
(وهو مدجج) بضم الميم وفتح الدال المهملة وفتح الجيم
الأولى وكسرها مشددة فيهما أي مغطى بالسلاح بحيث (لا يرى
منه إلا عيناه) وفي القاموس المدجج والمدجج الشاكي السلاح
(وهو يكنى) بضم التحتية وسكون الكاف وفتح النون (أبو)
ولأبي ذر: أبا (ذات الكرش) بفتح الكاف وكسر الراء وهو لذات
الظلف والخف وكل مجترّ كالمعدة للإنسان ويطلق على العيال
والجماعة (فقال: أنا أبو ذات
الكرش فحملت عليه بالعنزة) بفتح العين المهملة والنون
والزاي كالحربة (فطعنته في عينه فمات).
(قال هشام): هو ابن عروة بالإسناد السابق (فأخبرت) بضم
الهمزة مبنيًّا للمفعول (أن الزبير قال: لقد وضعت رجلي)
بالإفراد (عليه ثم تمطأت) بالهمزة والمعروف تمطيت بالياء
التحتية (فكان الجهد) بفتح الجيم، ولأبي ذر بضمها (أن
نزعتها) أي العنزة (وقد انثنى طرفاها) أي انعطفا.
(قال عروة) بن الزبير بالإسناد المذكور (فسأله إياها رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي فسأل عليه
الصلاة والسلام الزبير أن يعطيه العنزة عارية، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي إياه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فأعطاه) الزبير العنزة عارية (فلما قبض رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخذها) الزبير
لأنها كانت عارية (ثم طلبها) منه (أبو بكر) الصديق -رضي
الله عنه- عارية (فأعطاه) إياها (فلما قبض أبو بكر سألها
إياها عمر) -رضي الله عنه- عارية (فأعطاه إياها فلما قبض
عمر أخذها) الزبير (ثم طلبها عثمان منه) عارية (فأعطاه
إياها فلما قتل عثمان وقعت عند آل علي) أي عند عليّ نفسه
فآل مقحمة ثم كانت بعد علّي عند أولاده.
(فطلبها عبد الله بن الزبير) من أولاد علي (فكانت عنده حتى
قتل) والغرض منه قوله يوم بدر.
3999 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو إِدْرِيسَ
عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُبَادَةَ بْنَ
الصَّامِتِ وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«بَايِعُونِي».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة الحمصي (عن الزهري) محمد بن
(6/264)
مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد
(أبو إدريس عائذ الله) بالذال المعجمة (ابن عبد الله)
الخولاني (أن عبادة بن الصامت) الأنصاري -رضي الله عنه-
(وكان شهد بدرًا) يوم وقعتها (أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(بايعوني) بكسر التحتية أي عاقدوني. كذا اقتصر هنا منه على
هذا.
وسبق تامًّا في كتاب الإيمان والغرض منه هنا قوله: وكان
شهد بدرًا.
4000 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي
عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَنَّ أَبَا حُذَيْفَةَ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تَبَنَّى سَالِمًا وَأَنْكَحَهُ بِنْتَ أَخِيهِ هِنْدَ
بِنْتَ الْوَلِيدِ بْنِ عُتْبَةَ وَهْوَ مَوْلًى
لاِمْرَأَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ كَمَا تَبَنَّى رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَيْدًا
وَكَانَ مَنْ تَبَنَّى رَجُلاً فِي الْجَاهِلِيَّةِ
دَعَاهُ النَّاسُ إِلَيْهِ وَوَرِثَ مِنْ مِيرَاثِهِ
حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى {ادْعُوهُمْ
لآبَائِهِمْ} فَجَاءَتْ سَهْلَةُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. [سورة
الأحزاب: 50]. [الحديث 4000 - طرفه في: 5088].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين بن خالد
الأيلي (عن ابن شهاب) محمد الزهري أنه قال: (أخبرني)
بالإفراد (عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنها- زوج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط لأبي ذر
زوج النبي إلى آخره (أن
أبا حذيفة) مهشم أو هشيم أو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد
شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي وكان من السابقين وممن
هاجر الهجرتين (وكان ممن شهد بدرًا مع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تبنى سالمًا) ادعى أنه ابنه
قبل نزول: {ادعوهم لآبائهم} [الأحزاب: 50] وكان أبو سالم
معقلاً بسكون العين المهملة وكسر القاف، وكان من أهل فارس
من اصطخر من فضلاء الصحابة والموالي، وهو معدود في
المهاجرين لأنه لما أعتقته مولاته ثبيتة بضم المثلثة وفتح
الموحدة وإسكان التحتية وفتح الفوقية الأنصاري زوج أبي
حذيفة تولى أبا حذيفة وتبناه أبو حذيفة (وأنكحه بنت أخيه
هند) ولأبي ذر في نسخة هندًا (بنت الوليد بن عتبة) وهو أحد
من قتل ببدر كافرًا (وهو مولى لامرأة من الأنصار) هي ثبيتة
امرأة أبي حذيفة المذكورة (كما تبنى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زيدًا) أي ابن حارثة (وكان من
تبنى رجلاً في الجاهلية دعاه الناس إليه وورث ميراثه) وفي
اليونينية من ميراثه (حتى أنزل الله تعالى: {ادعوهم
لآبائهم}) زاد في باب الإكفاء في الدين من كتاب النكاح إلى
قوله عز وجل ومواليكم فردوا إلى آبائهم فمن لم يعلم له أب
كان مولى وأخًا في الدين (فجاءت سهلة) بفتح السين المهملة
وسكون الهاء. زاد في النكاح بنت سهيل بضم السين المهملة
ابن عمرو القرشي ثم العامري وهي امرأة أبي حذيفة وليست هي
التي أعتقت سالمًا لأن تلك أنصارية وهذه قرشية (النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد في النكاح
فقالت: يا رسول الله إنّا كنا نرى سالمًا ولدًا وقد أنزل
الله عز وجل فيه ما قد علمت. (فذكر الحديث) لم يذكر بقيته
وذكرها البرقاني وأبو داود بلفظ: فكيف ترى فيه؟ فقال لها
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "أرضعيه"
فأرضعته خمس رضعات فكان بمنزلة ولدها من الرضاعة، فبذلك
كانت تأمر عائشة -رضي الله عنها- بنات إخوتها وبنات
أخواتها أن يرضعن من أحبت عائشة أن يراها أو يدخل عليها
وإن كان كبيرًا خمس رضعات ثم يدخل عليها، وأبت أم سلمة
وسائر أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن
يدخل عليهن بتلك الرضاعة أحد من الناس حتى يرضع في المهد،
وقلن لعائشة -رضي الله عنها-؟ والله ما ندري لعلها رخصة من
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لسالم دون
الناس.
ومباحث هذا تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله في محلها.
4001 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ
الْمُفَضَّلِ حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ عَنِ
الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ: دَخَلَ عَلَيَّ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَدَاةَ
بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ
مِنِّي وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ يَنْدُبْنَ
مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ حَتَّى
قَالَتْ جَارِيَةٌ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي
غَدٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقُولِي هَكَذَا وَقُولِي مَا كُنْتِ
تَقُولِينَ». [الحديث 4001 - طرفه في: 5147].
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال:
(حدّثنا بشر بن المفضل) بتشديد الضاد المعجمة المفتوحة ابن
لاحق أبو إسحاق البصري قال: (حدّثنا خالد بن ذكوان) أبو
الحسن المدني (عن الربيع) بضم الراء وفتح الباء الموحدة
وتشديد التحتية المكسورة (بنت معوّذ) بكسر الواو المشددة
بعدها معجمة ابن عفراء الأنصارية أنها (قالت: دخل علي
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غداة) نصب على
الظرفية مضاف لقوله (بني) بضم الموحدة وكسر النون مبنيًّا
للمفعول (علّي) بالتشديد أي غداة دخل
عليها زوجها إياس بن بكير (فجلس على فراشي كمجلسك مني)
بكسر اللام بالفرع كأصله. وقال الكرماني وتبعه البرماوي
والعيني بفتحها بمعنى الجلوس (وجويريات) بضم الجيم (يضربن
بالدف) بضم الدال وتفتح وتشديد الفاء والجملة حالية حال
كونهن (يندبن) يذكرن (من قتل من آبائهن) ولأبي ذر من آبائي
(يوم بدر)
(6/265)
كذا للحموي والمستملي، ولأبي ذر عن
الكشميهني ببدر بأحسن أوصافهم بما يهيج البكاء والشوق،
وكان قتل أبوها معوّذ وعمها عوف أو معاذ قتلهما عكرمة بن
أبي جهل وأطلقت على عمها الأبوة تغليبًا (حتى قالت جارية):
منهن (وفينا نبي يعلم ما) يكون (في غد. فقال) لها (النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لا تقولي هكذا) فيه
كراهية نسبة الغيب للخلق (وقولي ما كنت تقولين).
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النكاح وأبو داود في الأدب
والترمذي وابن ماجة في النكاح.
4002 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ ح.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني (إبراهيم بن موسى)
الفراء الرازي قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني
(عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (ح)
للتحويل.
0000 - وَحَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ حَدَّثَنِي أَخِي
عَنْ سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ -رضي
الله عنهما- قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو طَلْحَةَ -رضي الله
عنه- صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وَكَانَ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ
قَالَ: «لاَ تَدْخُلُ الْمَلاَئِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ
وَلاَ صُورَةٌ» يُرِيدُ التَّمَاثِيلَ الَّتِي فِيهَا
الأَرْوَاحُ.
(وحدّثنا) بالواو (إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني)
بالإفراد (أخي) عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن محمد
بن أبي عتيق) بفتح العين (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد
الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن ابن
عباس -رضي الله عنهما- قال: أخبرني) بالإفراد (أبو طلحة
-رضي الله عنه- صاحب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وكان قد شهد بدرًا مع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال:
(لا تدخل الملائكة) غير الحفظة (بيتًا فيه كلب) لا يحل
اقتناؤه أو أعم قيل وامتناعهم من الدخول لأكله النجاسة
وقبح رائحته (ولا صورة) قال ابن عباس -رضي الله عنهما-
(يريد التماثيل).
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: صورة التماثيل بالإفراد،
وله عن الكشميهني: صور التماثيل بالجمع (التي فيها
الأرواح) لما فيها من مضاهاة الخالق جل وعلا والجمهور على
التحريم، أما صورة الشجر ورحال الإبل فليس بحرام لكن يمنع
دخول ملائكة الرحمة ذلك البيت.
وسبق هذا الحديث في باب بدء الخلق.
4003 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا يُونُسُ ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ
حَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ عَنِ
الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ حُسَيْنٍ أَنَّ
حُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ:
كَانَتْ لِي شَارِفٌ مِنْ نَصِيبِي مِنَ الْمَغْنَمِ
يَوْمَ بَدْرٍ وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْطَانِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ
مِنَ الْخُمُسِ يَوْمَئِذٍ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ
أَبْتَنِيَ بِفَاطِمَةَ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - بِنْتِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاعَدْتُ
رَجُلاً صَوَّاغًا فِي بَنِي قَيْنُقَاعَ أَنْ يَرْتَحِلَ
مَعِي فَنَأْتِيَ بِإِذْخِرٍ فَأَرَدْتُ أَنْ أَبِيعَهُ
مِنَ الصَّوَّاغِينَ فَنَسْتَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ
عُرْسِي فَبَيْنَا أَنَا أَجْمَعُ لِشَارِفَيَّ مِنَ
الأَقْتَابِ وَالْغَرَائِرِ وَالْحِبَالِ وَشَارِفَايَ
مُنَاخَانِ إِلَى جَنْبِ حُجْرَةِ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ
حَتَّى جَمَعْتُ مَا جَمَعْتُهُ فَإِذَا أَنَا
بِشَارِفَيَّ قَدْ أُجِبَّتْ أَسْنِمَتُهَا وَبُقِرَتْ
خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِنْ أَكْبَادِهِمَا فَلَمْ
أَمْلِكْ عَيْنَىَّ حِينَ رَأَيْتُ الْمَنْظَرَ قُلْتُ
مَنْ فَعَلَ هَذَا؟ قَالُوا: فَعَلَهُ حَمْزَةُ بْنُ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهْوَ فِي هَذَا الْبَيْتِ فِي
شَرْبٍ مِنَ الأَنْصَارِ عِنْدَهُ قَيْنَةٌ وَأَصْحَابُهُ
فَقَالَتْ فِي غِنَائِهَا: (أَلاَ يَا حَمْزَ لِلشُّرُفِ
النِّوَاءِ) فَوَثَبَ حَمْزَةُ إِلَى السَّيْفِ فَأَجَبَّ
أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَأَخَذَ مِنْ
أَكْبَادِهِمَا قَالَ عَلِيٌّ: فَانْطَلَقْتُ حَتَّى
أَدْخُلَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَعِنْدَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ وَعَرَفَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الَّذِي
لَقِيتُ فَقَالَ: «مَا لَكَ»؟ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ عَدَا حَمْزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ
فَأَجَبَّ أَسْنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا وَهَا
هُوَ ذَا فِي بَيْتٍ مَعَهُ شَرْبٌ فَدَعَا النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِرِدَائِهِ
فَارْتَدَى ثُمَّ انْطَلَقَ يَمْشِي وَاتَّبَعْتُهُ أَنَا
وَزَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ الْبَيْتَ الَّذِي
فِيهِ حَمْزَةُ فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ فَأُذِنَ لَهُ
فَطَفِقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَلُومُ حَمْزَةَ فِيمَا فَعَلَ فَإِذَا حَمْزَةُ ثَمِلٌ
مُحْمَرَّةٌ عَيْنَاهُ فَنَظَرَ حَمْزَةُ إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ صَعَّدَ
النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى رُكْبَتِهِ ثُمَّ صَعَّدَ
النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ حَمْزَةُ:
وَهَلْ أَنْتُمْ إِلاَّ عَبِيدٌ لأَبِي؟ فَعَرَفَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ
ثَمِلٌ فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى عَقِبَيْهِ الْقَهْقَرَى فَخَرَجَ
وَخَرَجْنَا مَعَهُ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة
المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال:
(أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (ح) لتحويل السند.
(وحدّثنا أحمد بن صالح) أبو جعفر المصري يعرف بابن
الطبراني قال: (حدّثنا عنبسة) بفتح العين المهملة وسكون
النون وفتح الموحدة بعدها سين مهملة ابن خالد بن يزيد بن
أبي النجاد الأيلي قال: (حدّثنا) عمي (يونس) بن يزيد (عن
الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (أخبرنا علي بن حسين) ولأبي
ذر ابن الحسين (أن) أباه (حسين بن علي أخبره أن) أباه
(عليًّا) هو ابن أبي طالب -رضي الله عنه- (قال: كانت لي
شارف) بالشين المعجمة آخره فاء ناقة مسنة (من نصيبي من
المغنم يوم بدر، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أعطاني مما أفاء الله من الخُمس يومئذٍ). ولأبي
ذر: عليه من الخمس، وفي باب فرض الخمس أعطاني شارفًا من
الخمس أي مما حصل من سرية عبد الله بن جحش وكانت في رجب من
السنة الثانية قبل بدر بشهرين وسبق البحث في ذلك في الخمس.
(فلما أردت أن أبتني بفاطمة عليها السلام بنت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أدخل بها (واعدت
رجلاً
صواغًا) لم يسم (في) ولأبي ذر عن الكشميهني: من (بني
قينقاع) بقافين وضم النون وتفتح وتكسر قبيلة من اليهود (أن
يرتحل معي فنأتي بإذخر) الحشيش المعروف (فأردت أن أبيعه من
الصواغين فنستعين به) بثمنه (في وليمة عرسي) قال في
القاموس: عرس بالضم وبضمتين طعام الوليمة (فبينا) بغير ميم
ولأبي ذر بينما (أنا أجمع لشارفيّ) بفتح الفاه وتشديد
الياء على التثنية (من الأقتاب والغرائر والحبال وشارفاي)
مبتدأ خبره (مناخان) ولأبي ذر مناختان بزيادة فوقية بعد
الخاء فالتذكير باعتبار لفظ شارف والتأنيث باعتبار معناه
أي باركان (إلى جنب حجرة رجل من الأنصار) لم أقف على اسمه
(حتى) وفي الخمس فرجعت حين (بعت ما جمعته) من الأقتاب
والغرائر والحبال (فإذا أنا بشارفيّ) بالتشديد (قد
أُجِبّت) بضم الهمزة وكسر الجيم وتشديد الموحدة قطعت
(أسنمتهما) بالرفع مفعولاً نائبًا عن الفاعل (وبقرت) بضم
الموحدة وكسر القاف شقت (خواصرهما وأخذ) بضم الهمزة (من
أكبادهما فلم أملك
(6/266)
عينيّ) من البكاء (حين رأيت المنظر) بفتح
الميم والمعجمة بينهما نون ساكنة وفي الخمس حين رأيت ذلك
المنظر منهما (قلت: من فعل هذا)؟ بهما (قالوا: فعله حمزة
بن عبد المطلب وهو في هذا البيت في شرب من الأنصار) بفتح
الشين المعجمة قال في القاموس: القوم يشربون أي الخمر
(عنده قينة) أمة مغنية لم تسم (وأصحابه فقالت) أي القينة
(في غنائها): ولأبي ذر فقالوا: أي القينة وأصحابه (ألا)
بالتخفيف (يا حمز) مرخم بحذف آخره (للشرف) بضم الشين
المعجمة والراء جمع شارف وتسكن راؤه تخفيفًا قال ابن
الأثير: ويروى ذا الشرف بفتح الشين والراء أي ذا العلاء
والرفعة (النواء) بكسر النون والمد جمع ناوية أي سمينة،
وتمامه:
وهن معقلات بالفناء
ضع السكين في اللبات منها ... وضرجهن حمزة بالدماء
قال في مقدمة الفتح: وذكر المرزباني في معجم الشعراء أن
قائل هذا الشعر عبد الله بن السائب المخزومي.
(فوثب) بالمثلثة، وفي القاموس الوثب الطفر ثم قال: والطفرة
الوثب في ارتفاع (حمزة إلى السيف فأجبّ أسنمتهما وبقر
خواصرهما وأخذ من أكبادهما قال علي) - رضي الله تعالى عنه
-: (فانطلقت حتى أدخل) بلفظ المضارع مبالغة في استحضار
صورة الحال وإلاّ فكان الأصل أن يقول: حتى دخلت (على النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعنده زيد بن حارثة
وعرف) بالواو ولأبي ذر فعرف (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذي لقيت) بكسر القاف من فعل حمزة
(فقال):
(ما لك قلت يا رسول الله ما رأيت كاليوم) أفظع (عدا حمزة
على ناقتي) بفتح الفوقية وتشديد التحتية (فأجب أسنمتهما
وبقر خواصرهما وها هو ذا في بيت معه شرب) جماعة يشربون
الخمر (فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بردائه فارتدى) به (ثم انطلق يمشي واتبعته) بتشديد الفوقية
(أنا وزيد بن حارثة حتى جاء البيت الذي فيه حمزة فاستأذن
عليه فأذن) بضم الهمزة ولأبي ذر فأذن بفتحها (له
فطفق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يلوم حمزة
فيما فعل) بشارفي عليّ (فإذا حمزة ثمل) بفتح المثلثة وبعد
الميم المكسورة لام أي سكران (محمرة عيناه) بسبب السكر
(فنظر حمزة) -رضي الله عنه- (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صعد النظر) رفعه (فنظر إلى ركبتيه)
بالتثنية والذي في اليونينية بالإفراد (ثم صعد النظر فنظر
إلى وجهه) الشريف (ثم قال حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي)؟
عبد المطلب أي في الخضوع لحرمته (فعرف النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه ثمل) سكران (فنكص) رجع
(رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على
عقبيه) بالتثنية رجع (القهقرى) بأن مشى إلى خلف ووجهه
لحمزة خوفًا أن يحدث منه شيء فيكون منه بمرأى فيرده إن وقع
منه شيء (فخرج وخرجنا معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
4004 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ أَخْبَرَنَا
ابْنُ عُيَيْنَةَ قَالَ: أَنْفَذَهُ لَنَا ابْنُ
الأَصْبَهَانِيِّ سَمِعَهُ مِنِ ابْنِ مَعْقِلٍ أَنَّ
عَلِيًّا -رضي الله عنه- كَبَّرَ عَلَى سَهْلِ بْنِ
حُنَيْفٍ فَقَالَ: إِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن عباد) بفتح العين
وتشديد الموحدة أبو عبد الله المكي سكن بغداد قال: (أخبرنا
ابن عيينة) سفيان - رضي الله تعالى عنه - (قال: انفذه)
بالفاء والذال المعجمة أي بلغ به منتهاه من الرواية (لنا
ابن الأصبهاني) بفتح الهمزة عبد الرحمن بن عبد الله الكوفي
أو المراد بقوله أنفذه أرسله فكأنه حمله عنه مكاتبة (سمعه
من ابن معقل) بفتح الميم وكسر القاف عبد الله المزني (أن
عليًّا) هو ابن أبي طالب (-رضي الله عنه- كبّر على سهل بن
حنيف) بضم الحاء المهملة وفتح النون مصغرًا لما مات
بالكوفة سنة ثمان وثلاثين ولم يذكر عدد التكبير، وفي
اليونينية عن الحافظ أبي ذر أنه قال: يعني أنه كبّر عليه
خمسًا، وكذا في مستخرجه من طريق البخاري بهذا الإسناد
خمسًا كذلك، وفي معجم الصحابة للبغوي عن محمد بن عباد بهذا
الإسناد ستًا وكذا رواه البخاري في تاريخه الكبير أي فقيل
لعلي في ذلك (فقال: إنه شهد بدرًا) ولمن شهدها فضل على
غيره حتى في تكبيرات الجنازة والإجماع أنه لا يكبر إلا
أربع تكبيرات لكن لو كبّر الإمام خمسًا لم تبطل ولا يتابعه
المأموم.
4005 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي
الله عنهما- يُحَدِّثُ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رضي
الله عنه- حِينَ تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ
خُنَيْسِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَدْ شَهِدَ بَدْرًا تُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ
قَالَ عُمَرُ: فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ
فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ فَقُلْتُ: إِنْ شِئْتَ
أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ قَالَ: سَأَنْظُرُ
فِي أَمْرِي فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ فَقَالَ: قَدْ بَدَا لِي
أَنْ لاَ أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا. قَالَ عُمَرُ:
فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ
حَفْصَةَ بِنْتَ عُمَرَ؟ فَصَمَتَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ
يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ
مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ ثُمَّ
خَطَبَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ فَلَقِيَنِي أَبُو
بَكْرٍ فَقَالَ: لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَىَّ حِينَ
عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ
قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي أَنْ
أَرْجِعَ إِلَيْكَ فِيمَا عَرَضْتَ إِلاَّ أَنِّي قَدْ
عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَدْ
ذَكَرَهَا، فَلَمْ أَكُنْ لأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَوْ تَرَكَهَا
لَقَبِلْتُهَا. [الحديث 4005 - أطرافه في: 5122، 5129،
5145]
ْوبه قال. (حدثنا (أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
(قال: أخبرني) بالإفراد (سالم بن عبد الله أنه
(6/267)
سمع) أباه (عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- يحدث أن) أباه (عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- حين
تأيمت حفصة بنت عمر) بفتح الهمزة وتشديد التحتية المفتوحة
(من) زوجها (خنيس بن حذافة) بضم الخاء المعجمة وفتح النون
وبعد التحتية الساكنة سين مهملة وحذافة بالحاء المهملة
المضمومة والذال المعجمة والفاء ابن قيس بن عدي بن سعد بن
سهم بن عمرو القرشي (السهمي) بالسين المهملة أى صارت لا
زوج لها بموته (وكان) خنيس (من أصحاب رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد شهد بدرًا توفي بالمدينة)
من جراحة أصابته في وقعة أُحد قاله في الإصابة، وقيل بل
بعد بدر. قال في الفتح: ولعله أولى فإنهم قالوا: أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تزوجها بعد خمسة
وعشرين شهرًا من الهجرة، وفي رواية بعد ثلاثين شهرًا، وفي
أخرى بعد عشرين شهرًا، وكانت أُحد بعد بدر بأكثر من ثلاثين
شهرًا. وجزم ابن سعد بأنه مات بعد قومه عليه الصلاة
والسلام من بدر وبه جزم ابن سيد الناس (قال عمر: فلقيت
عثمان بن عفان فعرضت عليه حفصة فقلت) له: (إن شئت أنكحتك
حفصة بنت عمر؟ قال) عثمان: (سأنظر) أي أتفكّر (في أمري
فلبثت ليالي) أي ثم لقيت عثمان (فقال: قد بدا لي أن لا
أتزوج يومي هذا. قال عمر: فلقيت أبا بكر فقلت) له: (إن شئت
أنكحتك حفصة بنت عمر فصمت أبو بكر) أي سكت (فلم يرجع إليّ
شيئًا) بفتح التحتية وكسر الجيم وهو تأكيد لرفع المجاز
لاحتمال أن يظن أنه صمت زمانًا ثم تكلم (فكنت عليه) على
أبي بكر (أوجد) بالجيم أي أشد موجدة أي غضبًا (مني على
عثمان) أي لكونه أجابه أولاً ثم اعتذر له ثانيًا بخلاف أما
بكر فإنه لم يجبه بشيء (فلبثت ليالي ثم خطبها رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأنكحتها إياه فلقيني
أبو بكر فقال: لعلك وجدت) أي غضبت (عليّ حين عرضت عليّ
حفصة فلم أرجع) فلم أعد (إليك)؟ جوابًا (قلت: نعم قال:
فإنه لم يمنعني أن أرجع إليك) جوابًا (فيما عرضت) عليّ
(إلا أني قد علمت أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قد ذكرها فلم أكن لأفشي سرّ رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد ابن عساكر أبدًا (ولو
تركها) عليه الصلاة والسلام (لقبلتها) وفيه فضل كتمان
السرّ فإذا أظهره صاحبه ارتفع الحرج.
ومباحثه تأتي إن شاء الله تعالى في النكاح والغرض من ذكره
هنا قوله قد شهد بدرًا وقد أخرجه في النكاح وكذا النسائي.
4006 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
عَدِيٍّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ سَمِعَ أَبَا
مَسْعُودٍ الْبَدْرِيَّ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ «نَفَقَةُ الرَّجُلِ عَلَى
أَهْلِهِ صَدَقَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم القصاب قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي) بفتح العين وكسر الدال
المهملتين وتشديد التحتية ابن أبان بن ثابت الأنصاري (عن)
جده لأمه
(عبد الله بن يزيد) من الزيادة الأنصاري الخطمي الصحابي
أنه (سمع أبا مسعود) عقبة بن عمرو الأنصاري الخزرجي
(البدري) لأنه شهد وقعتها كما ذهب إليه المؤلّف ومسلم في
الكنى والطبراني والحاكم أبو أحمد وقال الأكثرون: لم
يشهدها إنما نزل فيها فنسب إليها. قال الإسماعيلي: لم يصح
شهوده بدرًا وإنما كانت مسكنه فقيل له البدري والمثبت مقدم
على النافي (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(نفقة الرجل على أهله) من زوجة وولد حال كون الرجل يحتسبها
أي يريد بها وجه الله تعالى فهي له (صدقة) في الثواب.
وهذا الحديث سبق في آخر كتاب الإِيمان.
4007 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ
الزُّبَيْرِ يُحَدِّثُ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي
إِمَارَتِهِ أَخَّرَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ الْعَصْرَ
وَهْوَ أَمِيرُ الْكُوفَةِ فَدَخَلَ أَبُو مَسْعُودٍ
عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو الأَنْصَارِيُّ جَدُّ زَيْدِ بْنِ
حَسَنٍ شَهِدَ بَدْرًا فَقَالَ: لَقَدْ عَلِمْتَ نَزَلَ
جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلامُ فَصَلَّى، فَصَلَّى رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْسَ
صَلَوَاتٍ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا أُمِرْتَ. كَذَلِكَ كَانَ
بَشِيرُ بْنُ أَبِي مَسْعُودٍ يُحَدِّثُ عَنْ أَبِيهِ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع (قال: أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
أنه قال: (سمعت عروة بن الزبير) بن العوّام (يحدث عمر بن
عبد العزيز) ذا المناقب الشهيرة (في إمارته) بكسر الهمزة
فقال: (أخّر المغيرة بن شعبة العصر) أي صلاتها، ولأبي ذر:
الصلاة بدل قوله العصر (وهو أمير الكوفة) من قبل معاوية بن
أبي سفيان (فدخل أبو مسعود) ولأبي ذر فدخل عليه أبو مسعود
(عقبة بن عمرو الأنصاري) الخزرجي (جد زيد بن حسن) أي ابن
علي بن أبي طالب لأمه وهي أم بشير بنت أبي مسعود عقبة
المذكور، وكان تزوّجها سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل فولدت
له ثم خلف عليها الحسن بن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-
فولدت له زيدًا وكان أبو مسعود
(6/268)
(شهد بدرًا) والظاهر أن هذا من كلام عروة
وهو حجة في ذلك لأنه أدرك أبا مسعود وإن كان روي عنه هذا
الحديث بواسطة فإنه وإنما يخبر عن مشاهدته له فلذا جزم
المؤلّف به، حيث قال في السابق البدري (فقال) له: (لقد
علمت) بتاء الخطاب أنه (نزل جبريل عليه السلام) صبيحة ليلة
الإسراء (فصلّى) برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فصلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خمس صلوات ثم قال) جبريل للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (هكذا أُمرت) بضم الهمزة وفتح التاء
على الخطاب أي الذي أمرت به من الصلاة ليلة الإسراء مجملاً
هكذا تفسيره مفصلاً، ولأبي ذر: أمرت بضم التاء أي أمرت أن
أصلي بك قال عروة: (كذلك كان بشير بن أبي مسعود) بفتح
الموحدة وكسر الشين المعجمة التابعي (يحدث عن أبيه) أبي
مسعود عقبة وهذا مرسل صحابي لأنه لم يدرك القصة فيحتمل أن
يكون سمع ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أو من صحابي آخر.
4008 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ
الْبَدْرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «الآيَتَانِ مِنْ
آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ
كَفَتَاهُ» قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: فَلَقِيتُ أَبَا
مَسْعُودٍ وَهْوَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَسَأَلْتُهُ
فَحَدَّثَنِيهِ.
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا
أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن الأعمش) سليمان (عن
إبراهيم) النخعي (عن عبد الرحمن بن يزيد) النخعي (عن) عمه
(علقمة) بن قيس أبي شبل الفقيه (عن أبي مسعود) عقبة
(البدري -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الآيتان من آخر سورة البقرة)
هما قوله تعالى: {آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه}
[البقرة: 285، 286] إلى آخر السورة (من قرأهما في ليلة
كفتاه) من شر الإنس والجن أو أغنتاه عن قيام الليل بالقرآن
(قال عبد الرحمن) بن يزيد بالسند المذكور (فلقيت أبا
مسعود) البدري (وهو) أي والحال أنه (يطوف بالبيت فسألته)
عن ذلك (فحدثنيه) أي الحديث المذكور كما حدث به علقمة عنه.
وهذا الحديث فيه أربعة من التابعين، وأخرجه المؤلّف أيضًا
في فضائل القرآن، ومسلم وأبو داود في الصلاة، والترمذي
والنسائي في فضائل القرآن، وابن ماجه في الصلاة.
4009 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَخْبَرَنِي
مَحْمُودُ بْنُ الرَّبِيعِ أَنَّ عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ
وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنَ
الأَنْصَارِ أَنَّهُ أَتَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا وسقط
ابن بكير لأبي ذر قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن
عقيل) بضم العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) الزهري أنه
قال: (أخبرني) بالإفراد (محمود بن الربيع) الأنصاري (أن
عتبان بن مالك) بكسر العين وسكون الفوقية وبالموحدة ابن
عمرو بن العجلان الخزرجي (وكان من أصحاب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ممن شهد بدرًا من الأنصار أنه
أتى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
وتمامه كما في الصلاة في باب المساجد في البيوت فقال: يا
رسول الله إني أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي فإذا كانت
الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم ولم أستطع أن آتي
مسجدهم فأصلي بهم، ووددت يا رسول الله أنك تأتيني فتصلي في
بيتي فأتخذه مصلّى الحديث بطوله، وغرضه منه هنا قوله أن
عتبان بن مالك ممن شهد بدرًا من الأنصار.
4010 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ هُوَ ابْنُ صَالِحٍ حَدَّثَنَا
عَنْبَسَةُ حَدَّثَنَا يُونُسُ قَالَ ابْنُ شِهَابٍ، ثُمَّ
سَأَلْتُ الْحُصَيْنَ بْنَ مُحَمَّدٍ وَهْوَ أَحَدُ بَنِي
سَالِمٍ وَهْوَ مِنْ سَرَاتِهِمْ عَنْ حَدِيثِ مَحْمُودِ
بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عِتْبَانَ بْنِ مَالِكٍ فَصَدَّقَةُ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد هو ابن صالح) المصري وسقط هو ابن
صالح لأبي ذر قال: (حدّثنا عنبسة) بن خالد بن يزيد الأيلي
قال: (حدّثنا يونس) بن يزيد الأيلي (قال: ابن شهاب) محمد
بن مسلم الزهري (ثم سألت الحصين) بضم الحاء وفتح الصاد
المهملتين (ابن محمد) الأنصاري (وهو أحد بني سالم وهو من
سراتهم) بفتح السين المهملة من خيارهم (عن حديث محمود بن
الربيع) بفتح الراء (عن عتبان بن مالك فصدقه) بذلك.
4011 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ وَكَانَ مِنْ أَكْبَرِ بَنِي
عَدِيٍّ وَكَانَ أَبُوهُ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ عُمَرَ
اسْتَعْمَلَ قُدَامَةَ بْنَ مَظْعُونٍ عَلَى الْبَحْرَيْنِ
وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا وَهُوَ خَالُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ وَحَفْصَةَ -رضي الله عنهم-.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال:
أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن عامر بن ربيعة) العنزي حليف
بني عدي أبو محمد المدني ولد على عهد النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبيه صحبة مشهورة وثقه
العجلي (وكان من أكبر بني عدي) أي ابن كعب بن لؤي ووصفه
بأنه أكبر منهم بالنسبة إلى من لقيه الزهري منهم، ولأبي ذر
عن الكشميهني بني عامر بدل بني عدي (وكان أبوه) عامر (شهد
بدرًا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن
عمر) بن الخطاب -رضي الله عنه- (استعمل قدامة بن مظعون)
وهو أخو عثمان بن مظعون (على البحرين) ثم عزله وولى عثمان
بن أبي العاص وكان
(6/269)
سبب عزله ما ذكره عبد الرزاق في مصنفه عن
معمر عن الزهري بمعناه أنه شرب مسكرًا فلما ثبت عنه حده
وغضب على قدامة ثم حجا جميعًا فاستيقظ عمر من نومه فزعًا
فقال: عجلوا بقدامة أتاني آت فقال: صالح قدامة فإنك أخوه
فاصطلحا، ولم يذكر المصنف -رحمه الله- قصته لكونها ليست
على شرطه وإنما غرضه منها قوله (وكان شهد بدرًا وهو) أي
قدامة (خال عبد الله بن عمر و) أخته (حفصة -رضي الله
عنهم-).
4012 و 4013 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ
بْنِ أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ أَنَّ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
أَخْبَرَهُ قَالَ: أَخْبَرَ رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَنَّ عَمَّيْهِ وَكَانَا شَهِدَا
بَدْرًا أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ كِرَاءِ
الْمَزَارِعِ، قُلْتُ لِسَالِمٍ: فَتُكْرِيهَا أَنْتَ؟
قَالَ: نَعَمْ. إِنَّ رَافِعًا أَكْثَرَ عَلَى نَفْسِهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) الضبعي
البصري قال (حدّثنا جويرية) بن أسماء الضبعي ابن أخي عبد
الله الراوي عنه (عن مالك) الإمام (عن الزهري) محمد بن
مسلم (أن سالم بن عبد الله أخبره قال: أخبر) فعل ماض من
الإخبار (رافع بن خديج) بالرفع فاعله وخديج بفتح الخاء
المعجمة وكسر الدال المهملة آخره جيم الأنصاري الخزرجي
(عبد الله بن عمر) بالنصب مفعوله، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: أخبرني بزيادة النون والتحتية. قال في الفتح:
وهو خطأ (أن عميه) ظهيرًا مصغر ومظهرًا بضم الميم وفتح
المعجمة وتشديد الهاء المكسورة كما ضبطه ابن
ماكولا ابني رافع بن عدي بن زيد الأنصاري (وكانا شهدا
بدرًا) أنكر الدمياطي شهودهما بدرًا وقال: إنما شهدا
أُحدًا والمثبت مقدم على النافي (أخبراه).
(أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن
كراء المزارع) وكانوا يكرون الأرض بما ينبت فيها على
الأربعاء وهو النهر الصغير أو شيء يستثنيه صاحب الأرض من
المزروع لأجله، فنهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن ذلك لما فيه من الجهل قال الزهري (قلت لسالم
فتكريها) أي أفتكري المزارع (أنت؟ قال: نعم) أكريها ثم قال
سالم منكرًا على رافع (إن رافعًا أكثر على نفسه) فلم يفرق
في النهي بين الكراء ببعض ما يخرج من الأرض وبين الكراء
بالنقد فالنهي إنما هو عن الأوّل.
وقد سبق أصل الحديث في كتاب المزارعة مع مباحثه.
4014 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ سَمِعْتُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ اللَّيْثِيَّ قَالَ:
رَأَيْتُ رِفَاعَةَ بْنَ رَافِعٍ الأَنْصَارِيَّ وَكَانَ
شَهِدَ بَدْرًا.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن حصين بن عبد الرحمن) بضم الحاء وفتح الصاد
السلمي أبي الهذيل الكوفي الثقة تغير حفظه في الآخر أنه
(قال: سمعت عبد الله بن شدّاد بن الهاد الليثي) أبا الوليد
المدني ولد على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وذكره العجلي من كبار التابعين الثقات وكان معدودًا في
الفقهاء (قال: رأيت رفاعة بن رافع) بكسر الراء في الأول
ابن مالك بن العجلان أبا معاذ (الأنصاري) المتوفى في أوّل
خلافة معاوية (وكان شهد بدرًا).
قال في الفتح: وبقية هذا الحديث أخرجها الإسماعيلي من طريق
معاذ بن معاذ -رضي الله عنه- عن شعبة بلفظ: سمع رجلاً من
أهل بدر يقال له رفاعة بن رافع كبّر في صلاته حين دخلها.
ومن طريق ابن أبي عدي عن شعبة ولفظه عن رفاعة رجل من أهل
بدر أنه دخل في الصلاة فقال: الله أكبر كبيرًا ولم يذكر
البخاري ذلك لأنه موقوف ليس من غرضه.
4015 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ وَيُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ
الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ، أَخْبَرَهُ أَنَّ عَمْرَو
بْنَ عَوْفٍ وَهْوَ حَلِيفٌ لِبَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ
وَكَانَ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ
الْجَرَّاحِ إِلَى الْبَحْرَيْنِ يَأْتِي بِجِزْيَتِهَا
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- هُوَ صَالَحَ أَهْلَ الْبَحْرَيْنِ وَأَمَّرَ
عَلَيْهِمِ الْعَلاَءَ بْنَ الْحَضْرَمِيِّ فَقَدِمَ أَبُو
عُبَيْدَةَ بِمَالٍ مِنَ الْبَحْرَيْنِ فَسَمِعَتِ
الأَنْصَارُ بِقُدُومِ أَبِي عُبَيْدَةَ فَوَافَوْا
صَلاَةَ الْفَجْرِ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمَّا انْصَرَفَ تَعَرَّضُوا لَهُ
فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حِينَ رَآهُمْ ثُمَّ قَالَ: «أَظُنُّكُمْ
سَمِعْتُمْ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ قَدِمَ بِشَىْءٍ»؟
قَالُوا أَجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «فَأَبْشِرُوا
وَأَمِّلُوا مَا يَسُرُّكُمْ فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ
أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ
عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ
قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا
وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان المروزي
قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا
معمر) هو ابن راشد الأزدي (ويونس) بن يزيد الأيلي كلاهما
(عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة بن الزبير) بن العوّام
-رضي الله عنه- (أنه أخبره أن المسور بن مخرمة) الصحابي
الصغير (أخبره أن عمرو بن عوف) -رضي الله عنه- بالفاء
والعين المفتوحة فيهما الأنصاري (وهو حليف لبني عامر بن
لؤي وكان شهد بدرًا مع النبي) ولأبي ذر مع رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن رسول الله) ولأبي
ذر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث أبا
عبيدة) عامر (بن الجراح) -رضي الله عنه- (إلى البحرين)
موضع بين البصرة وعمان (يأتي بجزيتها) أي جزية أهلها (وكان
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو صالح أهل
البحرين) في سنة تسع من الهجرة (وأمَّر) بتشديد الميم
(عليهم العلاء بن الحضرمي) الصحابي (فقدم أبو عبيدة) بن
الجراح -رضي الله عنه- (بمال من البحرين) وكان مائة ألف
(فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة فوافوا) من الموافاة (صلاة
الفجر مع النبي) ولأبي ذر مع
(6/270)
رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فلما انصرف) بعد الصلاة (تعرضوا له فتبسم رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين رآهم ثم
قال) لهم:
(أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء قالوا: أجل) أي نعم
(يا رسول الله قال: (فأبشروا وأملوا) بقطع الهمزة فيهما
وكسر الميم في الثاني مشدّدة من غير مدّ من التأميل (ما
يسركم فوالله ما الفقر) نصب بقوله (أخشى عليكم ولكني)
بالتحتية بعد النون ولأبي ذر ولكن بحذفها (أخشى) عليكم (أن
تبسط عليكم) أي بسط (الدنيا كما بسطت على من قبلكم)
وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني من كان قبلكم
(فتنافسوها كما تنافسوها وتهلككم كما أهلكتهم). وفي إسناد
هذا الحديث تابعيان وصحابيان.
وسبق في باب الجزية والموادعة.
4016 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا جَرِيرُ
بْنُ حَازِمٍ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- كَانَ يَقْتُلُ الْحَيَّاتِ كُلَّهَا.
حَتَّى حَدَّثَهُ أَبُو لُبَابَةَ الْبَدْرِيُّ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى
عَنْ قَتْلِ جِنَّانِ الْبُيُوتِ فَأَمْسَكَ عَنْهَا.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي عارم
قال: (حدّثنا جرير بن حازم) أي ابن زيد بن عبد الله الأزدي
(عن نافع) مولى ابن عمر (أن ابن عمر -رضي الله عنهما- كان
يقتل الحيات كلها حتى حدثه أبو لبابة) بضم اللام وتخفيف
الموحدة الأولى بشير بن عبد المنذر وقيل رفاعة بن عبد
المنذر الأنصاري (البدري) -رضي الله عنه- (أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى عن قتل جنان
البيوت) بكسر الجيم وتشديد النون جمع جان وهي الحية
البيضاء أو الرقيقة أو الصغيرة (فأمسك عنها).
وسبق الحديث في كتاب بدء الخلق.
4018 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ أَنَّ رِجَالاً مِنَ الأَنْصَارِ اسْتَأْذَنُوا
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالُو: اائْذَنْ لَنَا فَلْنَتْرُكْ لاِبْنِ أُخْتِنَا
عَبَّاسٍ فِدَاءَهُ قَالَ: «وَاللَّهِ لاَ تَذَرُونَ
مِنْهُ دِرْهَمًا».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) بن عبد
الله بن المنذر الحزامي بالزاي قال: (حدّثنا محمد بن فليح)
بضم الفاء مصغرًا ابن سليمان الأسلمي أو الخزاعي المدني
(عن موسى بن عقبة) الأسدي مولى آل الزبير الإمام في
المغازي (قال ابن شهاب): محمد بن مسلم الزهري (حدّثنا أنس
بن مالك أن رجالاً من الأنصار) ممن شهدوا وقعة بدر ولم
يسموا (استأذنوا رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما أسر العباس وكان الذي
أسره أبو اليسر كعب بن عمرو الأنصاري ولما شد وثاقه أنَّ
فسمعه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم
يأخذه النوم فأطلقوه ثم طلبوا تمام رضاه عليه الصلاة
والسلام (فقالوا: ائدن لنا فلنترك) بنون الجمع والجزم ولام
التأكيد أي أن تأذن فلنترك (لابن أختنا عباس فداءه) بكسر
الفاء ممدودًا وأم العباس ليست من الأنصار بل جدته أم عبد
المطلب منهم فأطلقوا عليها لفظ الأخوة (قال) عليه الصلاة
والسلام:
(والله لا تذرون) بالذال المعجمة المفتوحة أي لا تتركون
(منه) من الفداء ولأبي ذر عن الكشميهني لا تذرون له
(درهمًا) وعند ابن إسحاق أنه قال له: يا عباس افد نفسك
وابني أخويك عقيل بن أبي طالب ونوفل بن الحارث وحليفك عتبة
بن عمرو فإنك ذو مال. قال: إني كنت مسلمًا ولكن القوم
استكرهوني. قال: الله أعلم بما تقول: إن يك ما تقول حقًّا
فإن الله يجزيك، ولكن ظاهر الأمر أنك كنت علينا وإنما لم
يترك له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لئلا يكون في
الدين نوع محاباة.
وسبق الحديث في العتق والجهاد.
4019 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَدِيٍّ عَنِ الْمِقْدَادِ بْنِ الأَسْوَدِ ح
وحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ
شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَطَاءُ بْنُ
يَزِيدَ اللَّيْثِيُّ ثُمَّ الْجُنْدَعِيُّ أَنَّ عُبَيْدَ
اللَّهِ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ أَخْبَرَهُ أَنَّ
الْمِقْدَادَ بْنَ عَمْرٍو الْكِنْدِيَّ وَكَانَ حَلِيفًا
لِبَنِي زُهْرَةَ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَخْبَرَهُ أَنَّهُ قَالَ: لِرَسُولِ اللَّهِ أَرَأَيْتَ
إِنْ لَقِيتُ رَجُلاً مِنَ الْكُفَّارِ فَاقْتَتَلْنَا
فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ فَقَطَعَهَا ثُمَّ
لاَذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ. فَقَالَ: أَسْلَمْتُ لِلَّهِ
آقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقْتُلْهُ» فَقَالَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ: إِنَّهُ قَطَعَ إِحْدَى يَدَيَّ ثُمَّ قَالَ
ذَلِكَ بَعْدَ مَا قَطَعَهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تَقْتُلْهُ
فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَتِكَ قَبْلَ أَنْ
تَقْتُلَهُ وَإِنَّكَ بِمَنْزِلَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ
كَلِمَتَهُ الَّتِي قَالَ:». [الحديث 4019 - طرفه في:
6865].
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد النبيل (عن ابن
جريج) عبد الملك بن
عبد العزيز (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عطاء بن يزيد)
الليثي (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عدي) بفتحها ابن
الخيار القرشي النوفلي (عن المقداد بن الأسود) تبناه
الأسود بن عبد يغوث فنسب إليه واسم أبيه عمرو قال المؤلّف
-رحمه الله- بالسند المذكور (ح).
(وحدثني) بالإفراد وبإثبات الواو ولأبي ذر (إسحاق) بن
منصور الكوسج المروزي قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم بن
سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري
المدني نزيل بغداد قال: (حدّثنا ابن أخي ابن شهاب) محمد بن
عبد الله (عن عمه) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني)
بالإفراد (عطاء بن يزيد الليثي) بالمثلثة (ثم الجندعي) بضم
الجيم وسكون النون وبعد الدال المهملة المفتوحة عين مهملة
مكسورة (أن عبيد الله) بضم العين (ابن عدي بن الخيار) بكسر
الخاء المعجمة وتخفيف التحتية (أخبره أن المقداد بن عمرو)
بفتح العين
(6/271)
ابن ثعلبة بن مالك بن ربيعة (الكندي) بكسر
الكاف (وكان حليفًا لبني زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء ابن
كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر (وكان ممن شهد
بدرًا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أخبره أنه قال: يا رسول الله) كذا في الفرع والذي في أصله
أنه قال لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أرأيت) أي أخبرني (إن لقيت رجلاً من الكفار فاقتتلنا فضرب
إحدى يديّ بالسيف فقطعها ثم لاذ) بالذال المعجمة أي التجأ
واحتضن (مني بشجرة فقال: أسلمت لله) أي دخلت في الإسلام،
وفي رواية معمر عن الزهري في هذا الحديث عند مسلم أنه قال:
لا إله إلا الله (آقتله يا رسول الله) بهمزة الاستفهام
والمد (بعد أن قالها)؟ أي كلمة أسلمت لله (فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تقتله فقال: يا رسول الله إنه قطع إحدى يديّ ثم قال
ذلك بعدما قطعها. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن
تقتله) لأنه صار مسلمًا معصوم الدم قد جب الإسلام ما كان
منه من قطع يدك (وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته) أسلمت
لله (التي قالـ) ـها: أي إن دمك صار مباحًا بالقصاص كما أن
دم الكافر مباح بحق الدين، فوجه الشبه إباحة الدم وإن كان
الموجب مختلفًا، أو أنك تكون آثمًا كما كان هو آثمًا في
حال كفره فيجمعكما اسم الإِثم، وإن كان سبب الإثم مختلفًا.
أو المعنى إن قتلته مستحلاًّ.
وتعقب بأن استحلاله للقتل إنما هو بتأويل كونه أسلم خوفًا
من القتل، ومن ثم لم يوجب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قودًا ولا دية وإنما ذلك والله أعلم حيث كان عن
اجتهاد ساعده المعنى وبين -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن من قالها فقد عصم دمه وماله وقال: هلا شققت
عن قلبه إشارة إلى نكتة الجواب، والمعنى والله أعلم أن هذا
الظاهر مضمحل بالنسبة إلى القلب لأنه لا يطلع على ما فيه
إلا الله، ولعل هذا أسلم حقيقة وإن كان تحت السيف ولا يمكن
دفع هذا الاحتمال فحيث وجدت الشهادتان حكم بمضمونهما
بالنسبة إلى الظاهر وأمر الباطن إلى الله تعالى، فالإقدام
على قتل المتلفظ بهما مع احتمال أنه صادق فيما أخبر به عن
ضميره فيه ارتكاب ما لعله يكون ظلمًا له، فالكف عن القتل
أولى،
والشارع عليه الصلاة والسلام ليس له غرض في إزهاق الروح بل
في الهداية والإرشاد، فإن تعذرت بكل سبيل تعين إرهاق الروح
لزوال مفسدة الكفر من الوجود ومع التلفظ بكلمة الحق لم
تتعذر الهداية حصلت أو تحصل في المستقبل فمادة الفساد
الناشئ عن كلمة الكفر قد زالت بانقياده ظاهرًا ولم يبق إلا
الباطن وهو مشكوك ومرجو مآلا، وإن لم يكن حالاً فقد لاح من
حيث المعنى وجه قبول الإسلام اهـ. ملخصًا من المصابيح فيما
نقله عن التاج ابن السبكي.
وبقية مباحثه تأتي إن شاء الله تعالى في أوّل كتاب الدّيات
بعون الله تعالى وقوّته.
4020 - حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا
ابْنُ عُلَيَّةَ حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ
حَدَّثَنَا أَنَسٌ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ
بَدْرٍ «مَنْ يَنْظُرُ مَا صَنَعَ أَبُو جَهْلٍ»
فَانْطَلَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَوَجَدَهُ قَدْ ضَرَبَهُ
ابْنَا عَفْرَاءَ حَتَّى بَرَدَ فَقَالَ آنْتَ أَبَا
جَهْلٍ؟ قَالَ ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ سُلَيْمَانُ: هَكَذَا
قَالَهَا أَنَسٌ، قَالَ: آنْتَ أَبَا جَهْلٍ؟ قَالَ وَهَلْ
فَوْقَ رَجُلٍ قَتَلْتُمُوهُ؟ قَالَ سُلَيْمَانُ: أَوْ
قَالَ قَتَلَهُ قَوْمُهُ. قَالَ وَقَالَ أَبُو مِجْلَزٍ
قَالَ أَبُو جَهْلٍ: فَلَوْ غَيْرُ أَكَّارٍ قَتَلَنِي.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (يعقوب بن إبراهيم) بن كثير
الدورقي قال: (حدّثنا ابن علية) إسماعيل بن إبراهيم وعلية
أمه قال: (حدّثنا سليمان) بن طرخان أبو المعتمر (التيمي)
قال: (حدّثنا أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) وقعة (بدر من
ينظر ما صنع أبو جهل) (فانطلق ابن مسعود) -رضي الله عنه-
(فوجده قد ضربه ابنا عفراء) معاذ ومعوّذ الأنصاريان (حتى
برد) بفتحات أي مات (فقال) له ابن مسعود -رضي الله عنه-:
(آنت) بالمد على الاستفهام (أبا جهل)؟ بالألف بعد الموحدة
(قال ابن علية: قال سليمان) بن طرخان (هكذا قالها أنس)
-رضي الله عنه- (قال: آنت أبا جهل)؟ بالألف بعد الموحدة.
وخرجها القاضي عياض على أنه منادى أي أنت المقتول الذليل
يا أبا جهل على جهة التوبيخ والتقريع. وقال الداودي: يحتمل
معنيين أن يكون استعمل اللحن ليغيظ أبا جهل كالمصغر له أو
يريد أعني أبا جهل، ورده السفاقسي بأن تغييظه في مثل هذه
الحالة لا معنى له ثم النصب بإضمار أعني إنما يكون إذا
تكررت النعوت، وتعقبه في التنقيح في الأول بأنه أبلغ في
التهكم وفي الثاني بأن
(6/272)
التكرار ليس شرطًا في القطع عند الجمهور
وإن أوهمته عبارة ابن مالك في كتبه.
وقال في المصابيح: كلاهما معًا في الوجه الثاني غلظ فإن ما
نحن فيه ليس من قطع النعت في شيء لا مع التكرار ولا مع
حذفه ضرورة أنه ليس عندنا غير ضمير الخطاب وهو لا ينعت
إجماعًا. وقال القاضي عياض رواه الحميدي آنت أبو جهل، وكذا
البخاري من طريق يونس وعلى هذا فيخرج على أنه استعمل على
لغة القصر في الأب ويكون خبر المبتدأ.
(قال): أي أبو جهل لابن مسعود -رضي الله عنه- (وهل فوق رجل
قتلتموه. قال سليمان) بن طرخان بالسند السابق (أو قال:
قتله قومه قال وقال أبو مجلز) بكسر الميم وسكون
الجيم وفتح اللام بعدها زاي معجمة لاحق بن حميد (قال أبو
جهل) لابن مسعود -رضي الله عنه- (فلو) قتلني (غير أكار)
بفتح الهمزة وتشديد الكاف آخره راء أي زراع (قتلني) هو مثل
لو ذات سوار لطمتني فيكون المرفوع بعد لو فاعلاً بمحذوف
يفسره الظاهر، ثم يحتمل أن تكون شرطية فالجواب محذوف أي
لتسليت، ويحتمل أن تكون للتمني فلا جواب ومراده احتقار
قاتله وانتقاصه عن أن يقتل مثله أكار لأن قاتليه وهما ابنا
عفراء من الأنصار وهم عمال أنفسهم في أرضهم ونخلهم.
فإن قلت: أين هذا من قوله وهل أعمد من رجل قتله قومه؟
أجيب: بأنه أراد هنا انتقاص المباشر لقتله وأراد هناك
تسلية نفسه بأن الشريف إذا قتله قومه لم يكن ذلك عارًا
عليه فجعل قومه قاتلين له مجازًا باعتبار تسببهم في قتله
وسعيهم فيه وإن لم يباشروه فمحل الانتقاص غير محل التعظيم
فلا تناقض. قاله في المصابيح.
4021 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنِي ابْنُ عَبَّاسٍ
عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنهم- لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ
انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا مِنَ الأَنْصَارِ
فَلَقِيَنَا مِنْهُمْ رَجُلاَنِ صَالِحَانِ شَهِدَا
بَدْرًا فَحَدَّثْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ فَقَالَ:
هُمَا عُوَيْمُ بْنُ سَاعِدَةَ وَمَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ.
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل المنقري قال (حدّثنا
عبد الواحد) بن زياد العبدي قال: (حدّثنا معمر) هو ابن
راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين
(ابن عبد الله) بن عتبة بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال:
(حدثني) بالإفراد (ابن عباس عن عمر -رضي الله عنهم-) أنه
قال: (لما توفي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فلقينا)
بفتح التحتية فعل ومفعول (منهم) من الأنصار (رجلان) فاعل
(صالحان شهدا بدرًا فحدثت عروة) ولأبي ذر عن الكشميهني:
فحدثت به عروة (بن الزبير فقال: هما) أي الرجلان (عويم بن
ساعدة) بضم العين المهملة وفتح الواو وآخره ميم مصغرًا ابن
عائش بتحتية ومعجمة ابن قيس بن النعمان (ومعن بن عدي) بفتح
الميم وسكون العين المهملة وهو أخو عاصم بن عدي.
وهذا قطعة من حديث سبق في المناقب ومراده منه هنا قوله
شهدا بدرًا.
4022 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ
مُحَمَّدَ بْنَ فُضَيْلٍ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ
كَانَ عَطَاءُ الْبَدْرِيِّينَ خَمْسَةَ آلاَفٍ خَمْسَةَ
آلاَفٍ وَقَالَ عُمَرُ: لأُفَضِّلَنَّهُمْ عَلَى مَنْ
بَعْدَهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (إسحاق بن
إبراهيم) بن راهويه أنه (سمع محمد بن فضيل) بالضاد المعجمة
مصغرًا ابن غزوان الكوفي يحدث (عن إسماعيل) بن أبي خالد
(عن قيس) هو ابن أبي حازم أنه قال: (كان عطاء البدريين) أي
المال الذي يعطاه كل واحد منهم في كل سنة (خمسة آلاف خمسة
آلاف) مرتين (وقال عمر) -رضي الله عنه- في خلافته:
(لأفضلنهم
على من بعدهم) في العطاء لزيادة فضلهم على من سواهم.
4023 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالطُّورِ وَذَلِكَ
أَوَّلَ مَا وَقَرَ الإِيمَانُ فِي قَلْبِي. وَعَنِ
الزُّهْرِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ
عَنْ أَبِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ فِي أُسَارَى بَدْرٍ: «لَوْ كَانَ
الْمُطْعِمُ بْنُ عَدِيٍّ حَيًّا ثُمَّ كَلَّمَنِي فِي
هَؤُلاَءِ النَّتْنَى لَتَرَكْتُهُمْ لَهُ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق بن منصور) المروزي قال:
(حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (عبد الرزاق) بن همام بن نافع
الحافظ أبو بكر الصنعاني (قال: أخبرنا معمر) هو ابن راشد
(عن الزهري) محمد بن مسلم (عن محمد بن جبير بن مطعم) أي
ابن عدي وسقط ابن مطعم في اليونينية وثبت في الفرع وغيره
(عن أبيه) -رضي الله عنه- أنه (قال: سمعت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرأ في) صلاة (المغرب بالطور
وذلك أوّل ما وقر) أي سكن وثبت (الإيمان في قلبي) كذا في
اليونينية وغيرها من الأصول المعتمدة الإيمان. وفي الفرع
الإسلام وقد كان حينئذٍ كافرًا ولم ينطق بالإسلام والتزم
أحكامه إلا عند فتح مكة.
(وعن الزهري) محمد بالإسناد السابق (عن محمد بن جبير بن
مطعم) أي ابن عدي (عن أبيه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في أسارى بدر):
(لو كان المطعم) بضم الميم وكسر العين المهملة (ابن عدي
حيًّا
(6/273)
ثم كلمني في هؤلاء النتنى) بنونين مفتوحتين
بينهما فوقية ساكنة جمع نتن كزمن بجمع على زمنى والمراد
قتلى بدر الدين صاروا جيفًا (لتركتهم) أحياء ولم أقتلهم من
غير فداء إكرامًا (له) واحترامًا وقبولاً لشفاعته لما كانت
له عنده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من اليد حين
رجع من الطائف في جواره.
وعند الفاكهي بإسناد حسن مرسل: أن المطعم بن عدي أمر أربعة
من أولاده فلبسوا السلاح وقام كل واحد منهم عند ركن من
الكعبة فبلغ ذلك قريشًا فقالوا له: أنت الرجل الذي لا تخفر
له ذمة، ولما حصر قريش بني هاشم ومن معهم من المسلمين في
الشعب كان المطعم من أشد من قام في نقض الصحيفة التي
كتبتها قريش على بني هاشم ومن معهم ومات المطعم قبل وقعة
بدر.
4024 - وَقَالَ اللَّيْثُ عَنْ يَحْيَى بْنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الأُولَى يَعْنِي
مَقْتَلَ عُثْمَانَ فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ
أَحَدًا ثُمَّ وَقَعَتِ الْفِتْنَةُ الثَّانِيَةُ يَعْنِي
الْحَرَّةَ فَلَمْ تُبْقِ مِنْ أَصْحَابِ الْحُدَيْبِيَةِ
أَحَدًا ثُمَّ وَقَعَتِ الثَّالِثَةُ، فَلَمْ تَرْتَفِعْ
وَلِلنَّاسِ طَبَاخٌ.
(وقال الليث) بن سعد إمام المصريين مما وصله أبو نعيم في
مستخرجه (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري وسقط لغير أبي ذر: ابن
سعيد (عن سعيد بن المسيب) أنه قال: (وقعت الفتنة الأولى
يعني مقتل عثمان) بن عفان -رضي الله عنه- يوم الجمعة لثمان
ليال خلت من ذي الحجة بعد
أن حوصر تسعة وأربعين يومًا أو شهرين وعشرين يومًا (فلم
تبق) بضم الفوقية وسكون الموحدة الفتنة الأولى (من أصحاب
بدر) الذين شهدوا وقعتها (أحدًا، ثم وقعت الفتنة الثانية
يعني الحرة) بفتح الحاء المهملة والراء المشددة أرض ذات
حجارة سود موضع بالمدينة كانت به الوقعة بين أهلها وعسكر
يزيد بن معاوية سنة ثلاث وستين بسبب خلع أهل المدينة يزيد
وولوا على قريش عبد الله بن مطيع وعلى الأنصار عبد الله بن
حنظلة وأخرجوا عامل يزيد عثمان بن محمد بن أبي سفيان ابن
عم يزيد من بين أظهرهم وكان عسكر يزيد سبعة وعشرين ألف
فارس وخمسة عشر ألف راجل (فلم تبق) هذه الفتنة الثانية (من
أصحاب الحديبية أحدًا، ثم وقعت) الفتنة (الثالثة) قيل هي
فتنة الأزارقة بالعراق وقيل فتنة أبي حمزة الخارجي
بالمدينة في خلافة مروان بن محمد بن مروان بن الحكم سنة
ثلاثين ومائة وقيل فتنة قتل الحجاج لعبد الله بن الزبير
-رضي الله عنه- وتخريبه الكعبة سنة أربع وسبعين (فلم
ترتفع) هذه الفتنة الثالثة (وللناس طباخ) بفتح الطاء
المهملة والموحدة المخففة وبعد الألف خاء معجمة أي عقل
وقيل قوّة وقيل بقية خير في الدين.
واستشكل قوله: فلم تبق من أصحاب بدر أحدًا بأن عليًّا
والزبير وطلحة وسعدًا وسعيدًا وغيرهم عاشوا بعد ذلك
زمانًا. فقال الداودي: إنه وهم بلا شك ولعله عنى بالفتنة
الأولى مقتل الحسين، وبالثانية الحرّة، وبالثالثة ما كان
بالعراق مع الأزارقة. وأجيب: بأنه ليس المراد أنهم قتلوا
عند مقتل عثمان بل أنهم ماتوا منذ قامت الفتنة بمقتل عثمان
إلى أن قامت الفتنة الأخرى بوقعة الحرة، وكان آخر من مات
من البدريين سعد بن أبي وقاص ومات قبل وقعة الحرة، وقول
الداودي أن المراد بالفتنة الأولى مقتل الحسين خطأ فإن في
زمن مقتل الحسين، لم يكن أحد من البدرين موجودًا. وقول
بعضهم أن أحدًا نكرة في سياق النفي فيفيد العموم. أجيب
عنه: بأنه ما من عام إلا وقد خص إلا قوله تعالى: {والله
بكل شيء عليم} [البقرة: 282] وتعقب قول من قال: إن المراد
بالفتنة الثالثة التي لم تبين في الحديث فتنة الأزارقة بأن
الذي ظهر أن يحيى بن سعيد أراد بالفتن التي وقعت بالمدينة
دون غيرها.
4025 - حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ النُّمَيْرِيُّ حَدَّثَنَا
يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ قَالَ:
سَمِعْتُ عُرْوَةَ بْنَ الزُّبَيْرِ وَسَعِيدَ بْنَ
الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدَ
اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كُلٌّ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنَ الْحَدِيثِ:
قَالَتْ: فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ فَعَثَرَتْ
أُمُّ مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ،
فَقُلْتُ: بِئْسَ مَا قُلْتِ تَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ
بَدْرًا فَذَكَرَ حَدِيثَ الإِفْكِ.
وبه قال: (حدّثنا الحجاج بن منهال) بكسر الميم وسكون النون
الأنماطي البصري قال: (حدّثنا عبد الله بن عمر) بن غانم
(النميري) بضم النون وفتح الميم مصغرًا قاضي إفريقية قال:
(حدّثنا يونس بن يزيد) الأيلي (قال: سمعت الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب (قال: سمعت عروة بن الزيير) بن العوّام -رضي
الله عنه- (وسعيد بن المسيب) بن حزن سيد التابعين (وعلقمة
بن
وقاص) الليثي (وعبيد الله) بضم العين في اليونينية وفي
الفرع بفتح العين وهو سبق قلم والصواب بضمها مصغرًا (ابن
عبد الله) بن عتبة بن مسعود -رضي الله عنه- (عن حديث عائشة
-رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) في قصة الإفك، وسقط لأبي ذر: زوج النبي إلى
آخره
(6/274)
(كل) من عروة وسعيد وعلقمة وعبيد الله
(حدثني) بالإفراد (طائفة) قطعة (من الحديث قالت) عائشة
-رضي الله عنها-: (فأقبلت أنا وأم مسطح) بكسر الميم سلمى
بنت أبي رهم للتبرز قبل المناصع قبل أن تتخذ الكنف قريبًا
من البيوت والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك (فعثرت)
بالفاء في اليونينية وغيرها وفي الفرع بالواو وبالعين
المهملة والمثلثة والراء المفتوحات آخره فوقية (أم مسطح في
مرطها) بكسر الميم وسكون الراء كسائها (فقالت: تعس مسطح)
بفتح الفوقية وكسر العين المهملة وتفتح بعدها سين مهملة أي
كب لوجهه (فقلت) لها: (بئسما قلت تسبين) بإسقاط همزة
الاستفهام (رجلاً شهد بدرًا فذكر حديث الإفك) السابق في
كتاب الشهادات في باب تعديل النساء بعضهن بعضًا بتمامه
والمراد منه هنا قوله شهد بدرًا.
4026 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: هَذِهِ
مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَذَكَرَ الْحَدِيثَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يُلْقِيهِمْ
«هَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَكُمْ رَبُّكُمْ حَقًّا»؟.
قَالَ مُوسَى قَالَ نَافِعٌ: قَالَ عَبْدُ اللَّهِ قَالَ
نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ تُنَادِي
نَاسًا أَمْوَاتًا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا
قُلْتُ مِنْهُمْ» فَجَمِيعُ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا مِنْ
قُرَيْشٍ مِمَّنْ ضُرِبَ لَهُ بِسَهْمِهِ أَحَدٌ
وَثَمَانُونَ رَجُلاً. وَكَانَ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ
يَقُولُ: قَالَ الزُّبَيْرُ: قُسِمَتْ سُهْمَانُهُمْ
فَكَانُوا مِائَةً وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (إبراهيم بن
المنذر) الحزامي القرشي المدني قال: (حدّثنا محمد بن فليح
بن سليمان) بضم الفاء مصغرًا وسقط ابن سليمان في الفرع
وثبت في أصله (عن موسى بن عقبة) مولى آل زبير الإمام في
المغازي (عن ابن شهاب) محمد الزهري أنه (قال): بعد أن ذكر
غزوات رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(هذه) المذكورات هي (مغازي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فذكر الحديث) عن أهل بدر (فقال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يلقيهم) في
القليب من الإلقاء وللأصيلي وأبي الوقت عن الحموي يلقبهم
بفتح اللام وكسر القاف مشدّدة بعدها موحدة بدل التحتية
وللكشميهني يلعنهم بسكون اللام وبالعين المهملة والنون بدل
القاف أو الموحدة أو التحتية:
(هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقًّا)؟ وسقط (كم) من قوله وعدكم
في الفرع وثبت في أصله.
(قال موسى) بن عقبة بالسند المذكور (قال نافع) مولى ابن
عمر (قال عبد الله) بن عمر بن الخطاب -رضي الله عنهما-
(قال ناس من أصحابه) منهم عمر (يا رسول الله تنادي ناسًا
أمواتا؟ قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: ما أنتم بأسمع لما قلت منهم). فيه شاهد على
جواز الفصل بين أفعل التفضيل
وكلمة "من" (فجميع من شهد بدرًا من قريش) قال في الفتح: هو
من بقية كلام موسى بن عقبة عن ابن شهاب، وبه قال الكرماني.
لكن في الفرع وأصله قال أبو عبد الله: وعليه علامة السقوط
لأبي ذر وحده وهو يدل على أن قوله فجميع إلى آخره من كلام
البخاري (ممن ضرب له بسهمه) بضم الضاد وكسر الراء من
الغنيمة وإن لم يشهدها لعذر كعثمان بن عفان -رضي الله عنه-
(أحد وثمانون رجلاً، وكان عروة بن الزبير يقول: قال الزبير
قسمت) بضم القاف وكسر السين (سهمانهم) بضم السين وسكون
الهاء (فكانوا مائة) من قريش ممن شهدها حال وحكمًا أو
بانضمام مواليهم وأتباعهم وسرد ابن سيد الناس أسماءهم فبلغ
بهم أربعة وتسعين (والله أعلم) يحتمل أن يكون من كلام
الزبير فلعله دخله بعض الشك لطول الزمان أو من الراوي عنه.
4027 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنِ الزُّبَيْرِ قَالَ ضُرِبَتْ يَوْمَ بَدْرٍ
لِلْمُهَاجِرِينَ بِمِائَةِ سَهْمٍ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء
الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني
(عن معمر) بفتح الميمين بينهما مهملة ساكنة ابن راشد
الأزدي مولاهم (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة (عن الزبير)
بن العوّام أنه (قال: ضربت) بضم الضاد مبنيًّا للمفعول
(يوم بدر للمهاجرين) هم قريش (بمائة سهم).
وفي حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- عند الطبراني والبزار:
أن المهاجرين ببدر كانوا سبعة وسبعين رجلاً. قال في الفتح:
فلعله لم يذكر من ضرب لهم بسهم ممن لم يشهدها حسًا. وقال
الداودي: إنما كانوا على التحرير أربعة وثمانين وكانت معهم
ثلاثة أفراس فأسهم لهم بسهمين سهمين وضرب لرجال كان أرسلهم
في بعض أمره بسهامهم فيصح أنها كانت مائة بهذا الاعتبار.
13 - باب تَسْمِيةُ مَنْ سُمِّيَ مِنْ أَهْلِ بَدْرٍ فِي
الْجَامِعِ الَّذِي وَضَعَهُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَى
حُرُوفِ الْمُعْجَمِ
النَّبِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْهَاشِمِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَو بَكْرٍ
الصِّدِّيقُ ثُمَّ عُمَرُ، ثُمَّ عُثْمَانُ، ثُمَّ
عَلِيٌّ، ثُمَّ إِيَاسُ بْنُ الْبُكَيْرِ، بِلاَلُ بْنُ
رَبَاحٍ مَوْلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الْقُرَشِيِّ،
حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ الْهَاشِمِيُّ، حَاطِبُ
بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ حَلِيفٌ لِقُرَيْشٍ، أَبُو
حُذَيْفَةَ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ الْقُرَشِيُّ،
حَارِثَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ، قُتِلَ يَوْمَ
بَدْرٍ وَهْوَ حَارِثَةُ بْنُ سُرَاقَةَ كَانَ فِي
النَّظَّارَةِ، خُبَيْبُ بْنُ عَدِيٍّ الأَنْصَارِيُّ.
خُنَيْسُ بْنُ حُذَافَةَ السَّهْمِيُّ، رِفَاعَةُ بْنُ
رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ، رِفَاعَةُ بْنُ عَبْدِ
الْمُنْذِرِ، أَبُو لُبَابَةَ الأَنْصَارِيُّ، الزُّبَيْرُ
بْنُ الْعَوَّامِ الْقُرَشِيُّ، زَيْدُ بْنُ سَهْلٍ، أَبُو
طَلْحَةَ الأَنْصَارِيُّ، أَبُو زَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ،
سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ الزُّهْرِيُّ، سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ
الْقُرَشِيُّ، سَعِيدُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
نُفَيْلٍ الْقُرَشِيُّ، سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ
الأَنْصَارِيُّ، ظُهَيْرُ بْنُ رَافِعٍ الأَنْصَارِيُّ
وَأَخُوهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ
الْهُذَلِيُّ، عُتْبَةُ بْنُ مَسْعُودٍ الْهُذَلِيُّ،
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ الزُّهْرِيُّ، عُبَيْدَةُ
بْنُ الْحَارِثِ الْقُرَشِيُّ، عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ
الأَنْصَارِيُّ، عَمْرُو بْنُ عَوْفٍ حَلِيفُ بَنِي
عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ، عُقْبَةُ بْنُ عَمْرٍو
الأَنْصَارِيُّ، عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ الْعَنَزِيُّ،
عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيُّ، عُوَيْمُ بْنُ
سَاعِدَةَ الأَنْصَارِيُّ، عِتْبَانُ بْنُ مَالِكٍ
الأَنْصَارِيُّ، قُدَامَةُ بْنُ مَظْعُونٍ، قَتَادَةُ بْنُ
النُّعْمَانِ الأَنْصَارِيُّ، مُعَاذُ بْنُ عَمْرِو بْنِ
الْجَمُوحِ، مُعَوِّذُ ابْنُ عَفْرَاءَ وَأَخُوهُ، مَالِكُ
بْنُ رَبِيعَةَ أَبُو أُسَيْدٍ الأَنْصَارِيُّ، مُرَارَةُ
بْنُ الرَّبِيعِ الأَنْصَارِيُّ، مَعْنُ بْنُ عَدِيٍّ
الأَنْصَارِيُّ، مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ
بْنِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ، مِقْدَادُ بْنُ
عَمْرٍو الْكِنْدِيُّ حَلِيفُ بَنِي زُهْرَةَ، هِلاَلُ
بْنُ أُمَيَّةَ الأَنْصَارِيُّ -رضي الله عنهم-.
(باب تسمية من سمي من أهل بدر) الذين حضروا وقعتها (في)
هذا (الجامع الذي وضعه) الإمام (أبو عبد الله) محمد بن
إسماعيل البخاري.
قال في الكواكب: والمقصود منه تسمية من علم في هذا الكتاب
أنه من أهل بدر على الخصوص فكأنه
(6/275)
فذلكة وإجمال لما تقدم مفصلاً لا تسمية
المذكورين منهم فيه مطلقًا إذ كثير ممن لم يختلف في شهوده
بدرًا كأبي عبيدة بن الجراح -رضي الله عنه- لم يذكره
هاهنا، ولا تسمية من روى حديثًا منهم فإن كثيرًا من
المذكورين هنا لم يرو حديثًا فيه نحو حارثة وغيره.
وقد رتب من ذكره هنا (على حروف المعجم) إلا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والخلفاء الأربعة
فقدمهم لشرفهم، وفي بعضها تقديمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقط كما سنذكره إن شاء الله تعالى، وسقط لأبي
ذر لفظ باب وقوله الذي وضعه إلى آخره.
(النبي محمد بن عبد الله) بن عبد المطلب بن هاشم (الهاشمي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وذكره تبركًا وإلاّ
فكونه حضر بدرًا من المقطوع به. (أبو بكر الصديق) - رضي
الله تعالى عنه -، وفي نسخة عبد الله بن عثمان بن أبي
قحافة، ولأبي ذر: القرشي. وتقدم في أول المغازي حيث قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر:
"اللهم إني أنشدك" فأخذ أبو بكر -رضي الله عنه- بيده وقال:
حسبك. (ثم عمر) - رضي الله تعالى عنه -، ولأبي ذر عمر بن
الخطاب العدوي نسبه إلى جده الأعلى عدي بن كعب، وسبق ذكره
حيث قال: يا رسول الله تكلم أجسادًا لا أرواح لها. (ثم
عثمان) -رضي الله عنه-، ولأبي ذر: عثمان بن عفان خلفه
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ابنته أي
رقية وكانت مريضة وضرب له بسهمه أي وأجره فكان كمن شهدها
كما سبق في مناقبه. (ثم علي) -رضي الله عنه-، ولأبي ذر:
علي بن أبي طالب الهاشمي، وسبق ذكره في الواقعة السابقة
حيث قال: كان لي شارف من المغنم يوم بدر.
(ثم إياس بن البكير) بكسر الهمزة وفتحها وتخفيف التحتية
والبكير بضم الموحدة وفتح الكاف مصغرًا، ولأبي ذر عن
الكشميهني البكير بكسر الموحدة والكاف المشددة الليثي،
وسبق في باب شهود الملائكة بدرًا وسقط لفظ، ثم في الأربعة
لأبي ذر واتفق على إسقاطها في كل ما يأتي بعد هؤلاء وهو:
(بلال بن رباح) بفتح الراء والموحدة المخففة المؤذن الحبشي
(مولى أبي بكر الصديق) -رضي الله عنه-، ولغير أبي ذر
القرشي ذكر في كتاب الوكالة حيث قال يوم بدر: لا نجوت إن
نجا أمية بن خلف.
(حمزة بن عبد المطلب الهاشمي) -رضي الله عنه- هو الذي قتل
شيبة بن ربيعة يوم بدر كما سبق. (حاطب بن أبي بلتعة) عمرو
-رضي الله عنه- (حليف لقريش) سبق أن عمر أراد قتله فقال له
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنه شهد
بدرًا. (أبو حذيفة) هشام على الأكثر (ابن عتبة بن ربيعة)
بن عبد شمس (القرشي) ذكر في باب شهود الملائكة بدرًا
(حارثة بن الربيع) -رضي الله عنه- بفتح الراء والتخفيف كذا
في اليونينية وفرعها. قال في أسد الغابة: كذا ذكره عبدان
وابن أبي علي، وفي بعض الأصول الربيع بضم الراء والتشديد
مصغرًا وهو الصواب، وبه جزم في أُسد الغابة وفتح الباري
والعمدة والكواكب وغيرها وهو اسم أمه عمة أنس بن مالك -رضي
الله عنه- (الأنصاري، قتل يوم بدر وهو حارثة بن سراقة بضم)
السين وتخفيف الراء ابن الحارث بن عدي (كان في النظارة)
بتشديد الظاء المعجمة الذين لم يخرجوا لقتال وكان غلامًا
فجاءه سهم غرب فوقع في ثغرة نحره فقتله فجاءت أمه الربيع
فقالت: يا رسول الله قد علمت مكان حارثة مني فإن يكن في
الجنة فأصبر وإلاّ فسيرى الله عز وجل ما أصنع. فقال لها:
"يا أم حارثة إنها ليست بجنة واحدة ولكنها جنان كثيرة وهو
في الفردوس الأعلى". قالت: سأصبر.
(خبيب بن عدي) -رضي الله عنه- بالخاء المعجمة المضمومة
والموحدة المفتوحة (الأنصاري) الأوسي في باب فضل من شهد
بدرًا أن خبيبًا قتل الحارث بن عامر يوم بدر، وقال
الدمياطي: إنما هو خبيب بن يساف. (خنيس بن حذافة) بضم
الخاء المعجمة وفتح النون آخره سين مهملة مصغرًا، وحذافة
بضم المهملة وفتح المعجمة وبالفاء ابن قيس بن عدي بن سعد
بن سهم (السهمي) القرشي ذكره في باب من غير ترجمة، يلي باب
شهود الملائكة بدرًا بلفظ وقال ابن عمر حين تأيمت حفصة من
خنيس بن حذافة وكان من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد شهد بدرًا توفي بالمدينة.
(رفاعة بن رافع) أي ابن مالك
(6/276)
بن العجلان بن عمرو بن عامر بن زريق الزرقي
(الأنصاري) ذكره في باب فضل من شهد بدرًا قال: وكان من أهل
بدر. (رفاعة بن عبد المنذر) بضم الميم وكسر الذال المعجمة
(أبو لبابة) بضم اللام وتخفيف الموحدتين بينهما ألف
(الأنصاري) ذكره في الباب المذكور آنفًا بلفظ حدثه أبو
لبابة البدري، لكن قال الأكثرون: إنما هو أخو أبي لبابة
واسمه بشير وليس بأبي لبابة رفاعة. وقال الزركشي: خرج بشير
بن عبد المنذر مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى بدر ثم رده وضرب له بسهمه مع أصحاب بدر
وشهد أخواه رفاعة ومبشر بدرًا وقتل يومئذ مبشر.
(الزبير) بضم الزاي المعجمة وفتح الموحدة (ابن العوّام)
بتشديد الواو (القرشي) تقدم ذكره في كثير من الأحاديث.
(زيد بن سهل) بفتح السين المهملة وسكون الهاء (أبو طلحة
الأنصاري)
زوج أم أنس بن مالك ذكره في باب الدعاء على المشركين (أبو
زيد الأنصاري) هذا ساقط من فرع المزي، وثبت في غيره. وقال
في الفتح: وتقدم في حديث أنس، وقال الكرماني: اسمه قيس.
(سعد بن مالك) بفتح السين المهملة وسكون العين هو سعد بن
أبي وقاص واسم أبي وقاص مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة
بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن
النضر بن كنانة (الزهري) القرشي. قال في الفتح: لم يتقدم
له في هذه القصة ذكر لكن هو منهم بالاتفاق وسقط ذكره هنا
من بعض الأصول. (سعد بن خولة) بسكون العين وخولة بفتح
المعجمة وسكون الواو زوج سبيعة الأسلمية (القرشي) وذكره
ابن إسحاق وموسى بن عقبة وسليمان التيمي في أهل بدر، وذكره
البخاري في باب الفضل بلفظ: وكان بدريًّا.
(سعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل) بكسر العين، وعمرو بفتحها
ونفيل بضم النون وفتح الفاء مصغرًا (القرشي) ذكره في باب
الفضل فقال: وكان بدريًّا. قال في عيون الأثر: قدم من
الشام سعيد لما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من بدر فكلمه فضرب له بسهمه وأجره. (سهل بن
حنيف) بفتح السين المهملة في الأول وضم الحاء المهملة في
الثاني مصغرًا (الأنصاري) الأوسي شهد بدرًا والمشاهد كلها
ومات بالكوفة سنة ثمان وثلاثين وصلّى عليه علي بن أبي طالب
وكبّر عليه خمسًا وقال: إنه بدري كما سبق قريبًا.
(ظهير بن رافع) بضم الظاء المعجمة وفتح الهاء مصغرًا ابن
عدي (الأنصاري) الأوسي وهو عم رافع بن خديج (وأخوه) اسمه
مظهر بضم الميم وفتح المعجمة وكسر الهاء مشدّدة ولم يسمه
البخاري، وذكر أنهما شهدا بدرًا لكن قال أبو عمر: إن
ظهيرًا لم يشهدها وشهد أُحُدًا وما بعدها، وكذا قيل لم
يشهدها مظهر، وسقطت الواو من قوله وأخوه لأبي ذر وزاد في
نسخة هنا عبد الله بن عثمان أبو بكر الصديق القرشي وعبد
الله هو اسم أبي بكر وعثمان اسم أبيه أبي قحافة، وسقط لأبي
ذر وثبت له أولاً.
(عبد الله بن مسعود الهذلي) بضم الهاء وفتح المعجمة ذكره
في أول المغازي بلفظ قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر: من ينظر ما فعل أبو جهل؟
فانطلق ابن مسعود، وسقط لأبي ذر عبد الله بن مسعود الهذلي،
وفي بعض النسخ هنا علي بن أبي طالب الهاشمي، وقد سبق ذكره
وهو ساقط هنا ثابت فيما سبق لأبي ذر. (عتبة بن مسعود
الهذلي) بضم العين وسكون الفوقية أخو عبد الله بن مسعود
ولم يتقدم له ذكر في البخاري ولا ذكره أحد ممن صنف في
المغازي في البدريين وقد رقم عليه في الفرع علامة السقوط.
قال في الفتح: وهو ساقط عند النسفيّ ولم يذكره الإسماعيلي
ولا أبو نعيم في مستخرجيهما وهو المعتمد. (عبد الرحمن بن
عوف الزهري) ذكره في باب الفضل قال: إني لفي الصف يوم بدر.
(عبيدة بن الحارث) بضم العين مصغرًا ابن عبد المطلب
(القرشي) ذكره في أول المغازي بلفظ برز عبيده يوم بدر.
(عبادة بن الصامت) بضم العين وتخفيف الموحدة (الأنصاري)
ذكره في باب بعد باب شهود الملائكة بدرًا بلفظ وكان شهد
بدرًا وثبت في نسخة هنا عمر بن الخطاب العدوي عثمان بن
عفان القرشي خلفه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(6/277)
وَسَلَّمَ- على ابنته وضرب له بسهمه وسقط
هذا كله لأبي ذر وثبت في السابق كما مرّ. (عمرو بن عوف)
بفتح العين فيهما وبالثاء في الثاني (حليف بني عامر بن
لؤي) بضم اللام وفتح الهمزة وتشديد التحتية ذكره فيه بلفظ
وكان شهد بدرًا. (عقبة بن عمرو) بسكون القاف والميم
(الأنصاري) ذكره فيه فقال: شهد بدرًا لكن قال ابن الأثير:
أبو الحسن علي لا يصح شهوده بدرًا وإنما سكنها.
(عامر بن ربيعة العنزي) بالنون والزاي ولأبي ذر عن
الكشميهني العدوي بالدال المهملة بعد العين من غير نون ولا
زاي. قال في الفتح: وكلاهما صواب لأنه عنزي الأصل عدوي
الحلف ذكره في الباب فقال: كان شهد بدرًا. (عاصم بن ثابت)
بالمثلثة والفوقية (الأنصاري) ذكره في باب قتل الأسير من
الجهاد بلفظ: كان قتل رجلاً من عظمائهم يوم بدر. (عويم بن
ساعدة) بضم العين آخره ميم مصغرًا (الأنصاري) ذكره قريبًا
بلفظ فلقينا رجلان صالحان شهدا بدرًا عويم ومعن.
(عتبان بن مالك) بكسر العين وسكون الفوقية وفتح الموحدة
(الأنصاري) ذكره بعد باب شهود الملائكة بدرًا بلفظ: وكان
ممن شهد بدرًا.
(قدامة بن مظعون) بضم القاف وتخفيف الدال المهملة وسكون
الظاء المعجمة ذكره قريبًا فقال: وكان ممن شهد بدرًا.
(قتادة بن النعمان الأنصاري) ذكره قريبًا بقوله: وكان
بدريًّا.
(معاذ بن عمرو بن الجموح) بضم الميم وبالذال المعجمة وعمرو
بفتح العين والجموح بفتح الجيم وضم الميم آخره حاء مهملة
ذكره في باب من لم يخمس الأسلاب من الجهاد بلفظ قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: سلبه أي سلب
أبي جهل لمعاذ بن عمرو. (معوّذ ابن عفراء) بضم الميم وفتح
العين وتشديد الواو وكسرها وعفراء بفتح العين وسكون الفاء
ممدودًا اسم أمه. (وأخوه) عوف ذكرهما قريبًا (مالك بن
ربيعة أبو أسيد) بضم الهمزة وفتح السن المهملة (الأنصاري)
ذكره في باب الفضل حيث قال: قال لنا رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم بدر. (مرارة بن الربيع)
بضم الميم وتخفيف الراء والربيع بفتح الراء وكسر الموحدة
(الأنصاري) ذكره في باب الفضل في حديث كعب بلفظ: ذكروا
مرارة وهلالاً رجلين صالحين شهدا بدرًا. (معن بن عدي
الأنصاري) ذكره مع عويم ونوزع في كونه أنصاريًّا وإنما هو
بلوي نعم هو حليف للأنصار. (مسطح بن أثاثة) بكسر الميم
وسكون السين وفتح الطاء بعدها حاء مهملات وأثاثة بضم
الهمزة ومثلثتين بينهما ألف آخره هاء تأنيث (ابن عباد بن
عبد المطلب بن عبد مناف) ذكره قريبًا في حديث الإفك بلفظ:
أتسبين رجلاً شهد بدرًا؟ وثبت قوله ابن عبد المطلب في
الفرع، وسقط من اليونينية وغيرها. (مقداد بن عمرو) بكسر
الميم وبدالين مهملتين بينهما ألف وعمرو بفتح العين
وللكشميهني مقدام بميم في آخره بدل الدال وهو غلط. (الكندي
حليف بني زهرة) بضم الزاي وسكون الهاء ذكره قريبًا قال:
وكان ممن شهد بدرًا.
(هلال بن أمية الأنصاري) ذكره في قصة كعب مع مرارة، فجملة
ما ذكره هنا من البدريين أربعة وثلاثون غير النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وسرد الحافظ أبو الفتح اليعمري ما وقع له من المهاجرين
أربعة وتسعين، ومن الخزرج مائة وخمسة وتسعين، ومن الأوس
أربعة وسبعين فذلك ثلاثمائة وثلاثة وستون. قال: وهذا العدد
أكثر من عدد أهل بدر، وإنما جاء من جهة الخلاف في بعضهم
اهـ.
وقال في الكواكب: وفائدة ذكرهم معرفة فضيلة السبق وترجيحهم
على غيرهم والدعاء لهم بالرضوان على التعيين (-رضي الله
عنهم-) أجمعين.
14 - باب حَدِيثِ بَنِي النَّضِيرِ وَمَخْرَجِ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِمْ
فِي دِيَةِ الرَّجُلَيْنِ وَمَا أَرَادُوا مِنَ الْغَدْرِ
بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ الزُّهْرِيُّ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ
كَانَتْ عَلَى رَأْسِ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ وَقْعَةِ
بَدْرٍ قَبْلَ أُحُدٍ وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى {هُوَ
الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا
ظَنَنتُمْ أَن يَخْرُجُواْ} [الحشر: 2]. وَجَعَلَهُ ابْنُ
إِسْحَاقَ بَعْدَ بِئْرِ مَعُونَةَ وَأُحُدٍ.
(باب حديث بني النضير) بفتح النون وكسر الضاد المعجمة
قبيلة كبيرة من اليهود كان -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وادعهم على أن لا يحاربهم (ومخرج رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بجر مخرج عطفًا على
المجرور السابق بالإضافة، وسقط لأبي ذر لفظ باب فتاليه
مرفوع ومخرج معطوف عليه وهو مصدر ميمي أي وخروجه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إليهم) أي إلى بني النضير
ليستعينهم (في ديّة الرجلين) العامريين اللذين كانا قد
خرجا من المدينة معهما عقد وعهد
(6/278)
من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فصادفهما عمرو بن أمية الضمري وكان عامر بن
الطفيل أعتقه لما قتل أهل بئر معونة عن رقبة كانت عن أمه
ولم يشعر عمرو أن مع العامريين العقد المذكور فقال لهما:
ممن أنتما؟ فذكرا له أنهما من بني عامر فتركهما حتى ناما
فقتلهما، وظن أنه ظفر ببعض ثأر أصحابه فأخبر رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك فقال: لقد قتلت
قتيلين لأودينهما وكان بين بني النضير وبني عامر عقد وحلف
(وما أرادوا) أي بنو النضير (من الغدر برسول الله) ولأبي
ذر بالنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وذلك أنه
لما أتاهم عليه الصلاة والسلام قالوا: نعم يا أبا القاسم
نعينك ثم خلا بعضهم ببعض وأجمعوا على اغتياله عليه الصلاة
والسلام بأن يلقوا عليه رحى فأخبره جبريل بذلك فرجع إلى
المدينة وأمر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتهيؤ
لحربهم والسير إليهم.
(قال): ولأبي ذر وقال (الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب مما
وصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري (عن عروة بن
الزبير) أنه قال: (كانت) غزوة بني النضير (على رأس ستة
أشهر من وقعة بدر قبل وقعة أُحُد وقول الله تعالى) بالجر
أو بالرفع عطفًا على مخرج ({هو الذي أخرج الذين كفروا من
أهل الكتاب}) يعني يهود بني النضير ({من ديارهم}) بالمدينة
({لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا}) [الحشر: 2] اللام تتعلق
بأخرج وهي كاللام في قوله
تعالى: {يا ليتني قدمت لحياتي} [الفجر: 24] وقوله: جئت
لوقت كذا أي أخرج الذين كفروا عند أول الحشر، ومعنى أول
الحشر أن هذا أول حشرهم إلى الشأم، وهم أول من أخرج من أهل
الكتاب من جزيرة العرب إلى الشام وهذا أول حشرهم وآخر
حشرهم إجلاء عمر إياهم من خيبر إلى الشام، أو آخر حشرهم
يوم القيامة. وسقط قوله: لأول الحشر من الفرع بإصلاح على
كشط، وثبت في أصله وغيره كقوله: ما ظننتم أن يخرجوا.
(وجعله) أي قتال بني النضير (ابن إسحاق) محمد (بعد بئر
معونة) في صفر سنة أربع من الهجرة (و) غزوة (أُحُد).
4028 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَضْرٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ
مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي
الله عنهما- قَالَ: حَارَبَتِ النَّضِيرُ وَقُرَيْظَةُ
فَأَجْلَى بَنِي النَّضِيرِ وَأَقَرَّ قُرَيْظَةَ وَمَنَّ
عَلَيْهِمْ حَتَّى حَارَبَتْ قُرَيْظَةُ فَقَتَلَ
رِجَالَهُمْ وَقَسَمَ نِسَاءَهُمْ وَأَوْلاَدَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ إِلاَّ بَعْضَهُمْ
لَحِقُوا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَآمَنَهُمْ وَأَسْلَمُوا وَأَجْلَى يَهُودَ
الْمَدِينَةِ كُلَّهُمْ بَنِي قَيْنُقَاعَ وَهُمْ رَهْطُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلاَمٍ وَيَهُودَ بَنِي حَارِثَةَ
وَكُلَّ يَهُودِ الْمَدِينَةِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (إسحاق بن
نصر) هو ابن إبراهيم ونسبه إلى جده المروزي نزيل بخارى
قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني قال: (أخبرني
ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز المكي (عن موسى بن
عقبة) الأسدي صاحب المغازي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن
عمر -رضي الله عنهما-) أنّه (قال: حاربت النضير وقريظة)
بالظاء المعجمة المشالة أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فالمفعول محذوف، ولأبي ذر: قريظة والنضير
بالتقديم والتأخير (فأجلى) بهمزة مفتوحة وجيم ساكنة فلام
مفتوحة أي فأخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (بني النضير) من أوطانهم مع أهلهم وأولادهم
(وأقرّ قريظة) في منازلهم (ومنّ عليهم) ولم يأخذ منهم
شيئًا (حتى حاربت) أي إلى أن حاربته -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قريظة) فحاصرهم خمسًا وعشرين ليلة
حتى جهدهم الحصار وقذف الله في قلوبهم الرعب فنزلوا على
حكمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقتل رجالهم
وقسم نساءهم وأولادهم وأموالهم بين المسلمين) بعد أن أخرج
الخُمس فأعطى الفارس ثلاثة أسهم وكانت الخيل سنة وثلاثين
(إلا بعضهم) أي بعض قريظة (لحقوا بالنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فآمنهم) بمدّ الهمزة وتخفيف الميم أي
جعلهم آمنين، ولأبي ذر: فأمنهم بتشديد الميم والقصر
(وأسلموا وأجلى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(يهود المدينة كلهم بني قينقاع) بقافين مفتوحتين بينهما
تحتية ساكنة فنون مضمومة وتكسر وتفتح وبعد الألف عين مهملة
(وهم رهط عبد الله بن سلام) بالتخفيف (ويهود بني حارثة)
بنصب يهود عطفًا على السابق (و) أجلى (كل يهود المدينة)
ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر وكل يهودي بالمدينة بتحتية
بعد الدال ثم موحدة ولأبي ذر وكل يهود بتنوين الدال.
4029 - حَدَّثَنِي الْحَسَنُ بْنُ مُدْرِكٍ حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ أَخْبَرَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ
أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قُلْتُ
لاِبْنِ عَبَّاسٍ سُورَةُ الْحَشْرِ قَالَ: قُلْ سُورَةُ
النَّضِيرِ تَابَعَهُ هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ. [الحديث
4029 - أطرافه في 4645، 4882، 4883].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (الحسن بن مدرك) بضم الميم
وسكون الدال المهملة وكسر الراء البصري الطحان قال:
(حدّثنا يحيى بن حماد) بفتح الحاء المهملة وتشديد الميم
الشيباني البصري قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (أبو
(6/279)
عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر
الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياش اليشكري
الواسطي (عن سعيد بن جبير) أنه (قال: قلت لابن عباس) -رضي
الله عنهما- (سورة الحشر؟ قال: قل سورة النضير) لأنها
أنزلت فيهم وذكر الله فيها الذي أصابهم من النقمة، كذا
رواه ابن مردويه من وجه آخر عن ابن عباس (تابعه) أي تابع
أبا عوانة (هشيم) بضم الهاء وفتح المعجمة ابن بشير الواسطي
(عن أبي بشر) وهذه المتابعة وصلها المؤلّف في التفسير.
4030 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ
حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ
لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
النَّخَلاَتِ حَتَّى افْتَتَحَ قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ
فَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ يَرُدُّ عَلَيْهِمْ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن
محمد بن أبي الأسود واسم أبي الأسود حميد بن الأسود أبو
بكر البصري الحافظ ابن أخت عبد الرحمن بن مهدي قال:
(حدّثنا معتمر) بضم الميم وسكون العين المهملة وفتح
الفوقية وكسر الميم بعدها راء (عن أبيه) سليمان بن طرخان
البصري أنه قال: (سمعت أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه -
قال: كان رجل) من الأنصار (يجعل للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النخلات) من نخله هدية ليصرفها في
نوائبه (حتى افتتح قريظة و) أجلى (النضير فكان بعد ذلك
يردّ عليهم) نخلاتهم.
وسبق هذا الحديث في باب كيف قسّم النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قريظة والنضير من الخُمس بغير هذا
الإسناد ويأتي إن شاء الله تعالى بأتم من هذا السياق في
أول غزوة بني قريظة بعون الله تعالى.
4031 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ:
حَرَّقَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَخْلَ بَنِي النَّضِيرِ وَقَطَعَ وَهْيَ
الْبُوَيْرَةُ فَنَزَلَتْ {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ
أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا
فَبِإِذْنِ اللَّهِ} [الحشر: 5].
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا الليث) بن
سعد الإمام (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: حرق) بتشديد الراء (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نخل بني النضير) ولغير أبي ذر
عن الكشميهني كما في الفتح واليونينية نخل النضير بإسقاط
بني (وقطع) الأشجار وفيه جواز قطع شجر الكفار وإحراقه، وبه
قال عبد الرحمن بن القاسم ونافع مولى ابن عمر ومالك
والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق والجمهور قاله النووي في
شرح مسلم. (وهو البويرة) بضم الموحدة وفتح الواو وسكون
التحتية وفتح الراء بعدها هاء تأنيث موضع نخل بني النضير
بقرب المدينة الشريفة (فنزل: {ما قطعتم من لينة}) هو بيان
لما قطعتم ومحل ما نصب
بقطعتم كأنه قيل أي شيء قطعتم وأنت الضمير العائد إلى ما
في قوله: ({أو تركتموها}) لأنه في معنى اللينة واللينة هي
أنواع التمر كلها إلا العجوة وقيل كرام النخل وقيل كل
الأشجار للينها وأنواع نخل المدينة مائة وعشرون نوعًا وياء
اللينة عن واو قلبت لكسر ما قبلها ({قائمة على أصولها
فبإذن الله}) [الحشر: 5]. قطعها وتركها بمشيئته.
4032 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا حَبَّانُ
أَخْبَرَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ نَافِعٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَرَّقَ نَخْلَ بَنِي
النَّضِيرِ قَالَ: وَلَهَا يَقُولُ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:
وَهَانَ عَلَى سَرَاةِ بَنِي لُؤَيٍّ ... حَرِيقٌ
بِالْبُوَيْرَةِ مُسْتَطِيرُ
قَالَ: فَأَجَابَهُ أَبُو سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ:
أَدَامَ اللَّهُ ذَلِكَ مِنْ صَنِيعٍ ... وَحَرَّقَ فِي
نَوَاحِيهَا السَّعِيرُ
سَتَعْلَمُ أَيُّنَا مِنْهَا بِنُزْهٍ ... وَتَعْلَمُ
أَيَّ أَرْضَيْنَا تَضِيرُ
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق) هو ابن منصور المروزي
أو هو ابن راهويه قال: (أخبرنا حبان) بفتح الحاء المهملة
وتشديد الموحدة ابن هلال الباهلي قال: (أخبرنا جويرية بن
أسماء) بالجيم مصغر جارية ابن عبيد الضبعي البصري (عن نافع
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حرّق نخل بني النضير قال) ابن عمر
-رضي الله عنهما-: (ولها) أي البويرة (يقول حسان بن ثابث):
شاعر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(وهان) ولأبي ذر عن الكشميهني: لهان باللام بدل الواو (على
سراة بني لؤيّ) بفتح السين المهملة ولؤيّ بضم اللام وفتح
الهمزة وتشديد التحتية أي هان على ساداتهم قريش وأكابرهم
(حريق بالبويرة مستطير) أي منتشر. قال في التوضيح: هو من
بحر الوافر دخل الجزء الأول منه العضب فهو على زنة مفتعلن
(قال: فأجابه أبو سفيان بن الحارث) ابن عم النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله: (أدام الله ذلك)
التحريق (من صنيع .. وحرق في نواحيها) المدينة وغيرها من
مواضع أهل الإسلام (السعير) فهو دعاء على المسلمين لا لهم
لأنه كان كافرًا إذ ذاك (ستعلم أيّنا منها) من البويرة
(بنزه) بضم النون وسكون الزاي أي ببعد من الشيء وزنًا
ومعنى وقد تفتح النون (وتعلم أيّ) بالنصب (أرضينا) بلفظ
الجمع في اليونينية وغيرها وفي الفرع بفتح الضاد على
التثنية أي المدينة التي هي دار الإيمان أو مكة التي كانت
بها الكفار (تضير) بفتح الفوقية وكسر الضاد المعجمة من
الضير أي تتضرر بذلك.
4033 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَوْسِ
بْنِ الْحَدَثَانِ النَّصْرِيُّ أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- دَعَاهُ إِذْ جَاءَهُ
حَاجِبُهُ يَرْفَأ فَقَالَ لَهُ: هَلْ لَكَ فِي عُثْمَانَ
وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ وَالزُّبَيْرِ وَسَعْدٍ
يَسْتَأْذِنُونَ؟ فَقَالَ: نَعَمْ. فَأَدْخِلْهُمْ
فَلَبِثَ قَلِيلاً ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: هَلْ لَكَ فِي
عَبَّاسٍ وَعَلِيٍّ يَسْتَأْذِنَانِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ.
فَلَمَّا دَخَلاَ قَالَ عَبَّاسٌ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ
اقْضِ بَيْنِي وَبَيْنَ هَذَا وَهُمَا يَخْتَصِمَانِ فِي
الَّذِي أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ مالِ بَنِي النَّضِيرِ
فَاسْتَبَّ عَلِيٌّ وَعَبَّاسٌ فَقَالَ الرَّهْطُ: يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اقْضِ بَيْنَهُمَا وَأَرِحْ
أَحَدَهُمَا مِنَ الآخَرِ فَقَالَ عُمَرُ: اتَّئِدُوا
أَنْشُدُكُمْ بِاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ
السَّمَاءُ وَالأَرْضُ هَلْ تَعْلَمُونَ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ
نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» يُرِيدُ بِذَلِكَ
نَفْسَهُ قَالُوا: قَدْ قَالَ ذَلِكَ، فَأَقْبَلَ عُمَرُ
عَلَى عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ فَقَالَ: أَنْشُدُكُمَا
بِاللَّهِ هَلْ تَعْلَمَانِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ قَالَ ذَلِكَ؟ قَالاَ:
نَعَمْ. قَالَ فَإِنِّي أُحَدِّثُكُمْ عَنْ هَذَا الأَمْرِ
إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ كَانَ خَصَّ رَسُولَهُ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْفَىْءِ بِشَىْءٍ
لَمْ يُعْطِهِ أَحَدًا غَيْرَهُ فَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ:
{وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا
أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلاَ رِكَابٍ} إِلَى
قَوْلِهِ: {قَدِيرٌ} [الحشر: 6] فَكَانَتْ هَذِهِ
خَالِصَةً لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثُمَّ وَاللَّهِ مَا احْتَازَهَا دُونَكُمْ
وَلاَ اسْتَأْثَرَهَا عَلَيْكُمْ لَقَدْ أَعْطَاكُمُوهَا
وَقَسَمَهَا فِيكُمْ حَتَّى بَقِيَ هَذَا الْمَالُ مِنْهَا
فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُنْفِقُ عَلَى أَهْلِهِ نَفَقَةَ سَنَتِهِمْ
مِنْ هَذَا الْمَالِ ثُمَّ يَأْخُذُ مَا بَقِيَ
فَيَجْعَلُهُ مَجْعَلَ مَالِ اللَّهِ فَعَمِلَ ذَلِكَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَيَاتَهُ ثُمَّ تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَأَنَا
وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَقَبَضَهُ أَبُو بَكْرٍ فَعَمِلَ فِيهِ بِمَا
عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ فَأَقْبَلَ عَلَى
عَلِيٍّ وَعَبَّاسٍ وَقَالَ: تَذْكُرَانِ أَنَّ أَبَا
بَكْرٍ عَمِلَ فِيهِ كَمَا تَقُولاَنِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ
إِنَّهُ فِيهِ لَصَادِقٌ بَارٌّ رَاشِدٌ تَابِعٌ
لِلْحَقِّ، ثُمَّ تَوَفَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَبَا
بَكْرٍ فَقُلْتُ: أَنَا وَلِيُّ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَأَبِي بَكْرٍ فَقَبَضْتُهُ
سَنَتَيْنِ مِنْ إِمَارَتِي أَعْمَلُ فِيهِ بِمَا عَمِلَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَبُو بَكْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي فِيهِ صَادِقٌ،
بَارٌّ، رَاشِدٌ، تَابِعٌ لِلْحَقِّ، ثُمَّ جِئْتُمَانِي
كِلاَكُمَا وَكَلِمَتُكُمَا وَاحِدَةٌ وَأَمْرُكُمَا
جَمِيعٌ فَجِئْتَنِي يَعْنِي عَبَّاسًا فَقُلْتُ لَكُمَا
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»
فَلَمَّا بَدَا لِي أَنْ أَدْفَعَهُ إِلَيْكُمَا قُلْتُ
إِنْ شِئْتُمَا دَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا عَلَى أَنَّ
عَلَيْكُمَا عَهْدَ اللَّهِ وَمِيثَاقَهُ لَتَعْمَلاَنِ
فِيهِ بِمَا عَمِلَ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَبُو بَكْرٍ وَمَا عَمِلْتُ فِيهِ
مُذْ وَلِيتُ وَإِلاَّ فَلاَ تُكَلِّمَانِي فَقُلْتُمَا
ادْفَعْهُ إِلَيْنَا بِذَلِكَ فَدَفَعْتُهُ إِلَيْكُمَا
أَفَتَلْتَمِسَانِ مِنِّي قَضَاءً غَيْرَ ذَلِكَ؟
فَوَاللَّهِ الَّذِي بِإِذْنِهِ تَقُومُ السَّمَاءُ
وَالأَرْضُ لاَ أَقْضِي فِيهِ بِقَضَاءٍ غَيْرِ ذَلِكَ
حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ فَإِنْ عَجَزْتُمَا عَنْهُ
فَادْفَعَا إِلَيَّ فَأَنَا أَكْفِيكُمَاهُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم
(6/280)
بن نافع قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي
حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه (قال: أخبرني) بالتوحيد
ولأبي ذر: أخبرنا (مالك بن أوس بن الحدثان) بالمثلثة
والحركات (النصري) بالنون والصاد المهملة (أن عمر بن
الخطاب -رضي الله عنه- دعاه) في قصة فدك في أول كتاب
الخُمس قال مالك: بينما أنا جالس في أهلي حين منع النهار
إذا رسول عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يأتيني فقال: أجِب
أمير المؤمنين فانطلقت معه حتى أدخل على عمر فإذا هو جالس
على رمال سرير ليس بينه وبينه فراش متكئ على وسادة من أدم
حشوها ليف فسلمت عليه ثم جلست فقال: يا رمال إنه قدم علينا
من قومك أهل أبيات وقد أمرت فيهم برضخ فاقبضه فاقسمه
بينهم. فقلت: يا أمير المؤمنين لو أمرت له غيري قال:
فاقبضه
أيها المرء فبينما أنا جالس عنده (إذ جاءه حاجبه يرفأ)
بفتح التحتية والفاء بينهما راء ساكنة مقصورًا (فقال له:
هل لك) رغبة (في) دخول (عثمان) بن عفان (وعبد الرحمن) بن
عوف (والزبير) بن العوام (وسعد) بسكون العين ابن أبي وقاص
فإنهم (يستأذنون) في الدخول عليك (فقال) عمر، ولأبوي ذر
والوقت: قال (نعم فأدخلهم) بكسر الخاء بلفظ الأمر (فلبث
قليلاً) زاد في الخُمس فدخلوا فسلموا وجلسوا ثم جلس يرفأ
يسيرًا (ثم جاء فقال: هل لك) رغبة (في) دخول (عباس وعلي)
فإنهما (يستأذنان) في الدخول عليك (قال: نعم فلما دخلا)
وسلّما (قال عباس: يا أمير المؤمنين اقضِ بيني وبين هذا)
علي بن أبي طالب (وما يختصمان) يتنازعان ويتجادلان (في
الذي) ولأبي ذر عن الكشميهني: التي (أفاء الله على رسوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من مال بني النضير)
أي جعله له فيئًا خاصة مما لم يوجف على تحصيله منهم بخيل
ولا ركاب وسقطت التصلية لأبي ذر (فاستب) بتشديد الموحدة
(عليّ وعباس) في غير محرم بل من قبيل العتب ونحوه (فقال
الرهط): زاد في الخُمس عثمان وأصحابه (يا أمير المؤمنين
اقض بينهما وأرح) بهمزة مفتوحة وراء مكسورة فحاء مهملة من
الإراحة (أحدهما من الآخر فقال عمر: اتئدوا) بتشديد
الفوقية المفتوحة وهمزة مكسورة لا تعجلوا (أنشدكم) بفتح
الهمزة وبالمعجمة أسألكم (بالله الذي بإذنه تقوم السماء)
بغير عمد (والأرض) على الماء (هل تعلمون أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(لا نورث ما تركنا صدقة) بالرفع خبر المبتدأ الذي هو ما
والعائد محذوف أي الذي تركناه صدقة (يريد) عليه الصلاة
والسلام (بذلك نفسه) الكريمة، وكذا غيره من الأنبياء بدليل
آخر وهو قوله في حديث آخر: نحن معاشر الأنبياء لا نورث
(قالوا): أي الرهط (قد قال) عليه الصلاة والسلام (ذلك.
فأقبل عمر على عليّ وعباس) -رضي الله عنهم- (فقال) لهما:
(أنشدكما الله هل تعلمان أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قال ذلك؟ قالا: نعم. قال) لهما:
(فإني أحدثكم عن هذا الأمر إن الله سبحانه كان خص رسوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي
ذر (في) وفي نسخة: من (هذا الفيء بشيء لم يعطه أحدًا غيره
فقال جل ذكره: {وما أفاء الله على رسوله منهم}) من بني
النضير ({فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب}) ولا إبل (إلى
قوله: {قدير} [الحشر: 6]. فكانت هذه) بنو النضير (خالصة
لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لا حق
لأحد غيره فيها كما هو مذهب الجمهور، وعند الشافعية يخمس
خمسة أخماس لآية الأنفال {واعلموا أنما غنمتم من شيء}
[الأنفال: 41]. فحمل المطلق على المقيد وقد كان عليه
الصلاة والسلام يقسم له أربعة أخماسه وخُمس خمسه، ولكل من
الأربعة المذكورين معه في الآية خمس خمس، وأما بعده فيصرف
ما كان له من خُمس الخُمس لمصالحنا ومن الأخماس الأربعة
للمرتزقة (ثم والله ما احتازها) بهمزة وصل وحاء مهملة
وفوقية مفتوحة وزاي مفتوحة ما جمعها (دونكم ولا استأثرها)
ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: ولا استأثر بها أي ولا
أستقل بها (عليكم لقد أعطاكموها) أي الأموال الفيء (وقسمها
فيكم حتى بقي هذا المال منها، فكان رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينفق على أهله نفقة سنتهم)
(6/281)
ولأبي ذر: سنته (من هذا المال ثم يأخذ ما
بقي) منه (فيجعله مجعل مال الله) بفتح الميم وسكون الجيم
في السلاح والكراع ومصالح المسلمين
(فعمل) بكسر الميم (ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حياته ثم توفي فقال أبو بكر) -رضي
الله عنه-: (فأنا ولي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقبضه) أي المال (أبو بكر فعمل فيه بما عمل به)
وفي نسخة فيه (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأنتم حينئذ فأقبل) عمر، ولأبوي ذر والوقت
وأقبل (على عليّ وعباس وقال) لهما: (تذكران) بالتثنية.
واستشكل مع قوله: وأنتم حينئذ بالجمع لعدم المطابقة بين
المبتدأ والخبر، وأجاب في الكواكب الدراري بأنه على مذهب
من قال: إن أقل الجمع اثنان أو إن لفظ حينئذ خبره وتذكران
ابتداء كلام قال: وفي بعضها أنتما تذكران (أن أبا بكر عمل
فيه كما تقولان والله) عز وجل (يعلم أنه فيه لصادق بارّ)
بتشديد الراء (راشد تابع للحق ثم توفى الله عز وجل أبا
بكر) -رضي الله عنه- (فقلت: أنا ولي رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبي بكر فقبضته سنتين من
إمارتي) بكسر الهمزة (أعمل) بفتح الميم (فيه بما) ولأبي ذر
عن الحموي والمستملي: ما (عمل رسول الله) ولأبوي ذر والوقت
فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو
بكر والله يعلم أني) بفتح الهمزة ولأبي ذر: إني بكسر
الهمزة (فيه صادق) ولأبي ذر لصادق باللام في خبر إن (بار)
عطوف ببره ولطفه (راشد) اسم فاعل من رشد يرشد رشدًا ورشد
يرشد رشدًا والرشد خلاف الغيّ (تابع للحق ثم جئتماني
كلاكما وكلمتكما واحدة وأمركما جميع فجئتني يعني عباسًا)
ولا ينافي هذا قوله أولاً جئتماني بالتثنية لجواز أنهما
جاءا معًا أولاً ثم جاء العباس وحده. قاله الكرماني.
(فقلت لكما): وفي الخمس جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن
أخيك وجاءني هذا يريد عليا نصيب امرأته من أبيها فقلت
لكما: (إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال: لا نورث ما تركنا صدقة فلما بدا) ظهر (لي أن أدفعه
إليكما) وجواب لما قوله (قلت) لكما: (إن شئتما دفعته
إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه لتعملان) بفتح
الميم وتشديد النون في الفرع وأصله وفي غيرهما بالتخفيف
(فيه بما عمل فيه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأبو بكر) منذ وليه (وما عملت فيه مذ) بغير
نون، ولأبي ذر: منذ (وليت) بفتح الواو وكسر اللام الخلافة
(وإلاّ فلا تكلماني) في ذلك (فقلتما ادفعه إلينا بذلك)
الذي كان يعمل به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فدفعته إليكما) على ذلك (أفتلتمسان) أي
أفتطلبان (مني قضاء غير ذلك فوالله الذي بإذنه تقوم
السماء) بغير عمد (والأرض) على الماء (لا أقضي فيه بقضاء
غير ذلك حتى تقوم الساعة فإن عجزتما عنه فادفعا إليّ) بحذف
ضمير المفعول ولأبي ذر عن الكشميهني: فادفعاه إليّ (فأنا)
بالفاء هو الذي في اليونينية وفي بعض الأصول وأنا
(أكفيكماه) بفتح الهمزة وضم الكاف الثانية.
4034 - قَالَ: فَحَدَّثْتُ هَذَا الْحَدِيثَ عُرْوَةَ بْنَ
الزُّبَيْرِ فَقَالَ صَدَقَ مَالِكُ بْنُ أَوْسٍ أَنَا
سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَقُولُ: أَرْسَلَ
أَزْوَاجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عُثْمَانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ يَسْأَلْنَهُ ثُمُنَهُنَّ
مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَكُنْتُ أَنَا أَرُدُّهُنَّ فَقُلْتُ
لَهُنَّ: أَلاَ تَتَّقِينَ اللَّهَ أَلَمْ تَعْلَمْنَ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانَ يَقُولُ: «لاَ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»
يُرِيدُ بِذَلِكَ نَفْسَهُ إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا
الْمَالِ فَانْتَهَى أَزْوَاجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى مَا أَخْبَرَتْهُنَّ قَالَ:
فَكَانَتْ هَذِهِ الصَّدَقَةُ بِيَدِ عَلِيٍّ مَنَعَهَا
عَلِيٌّ
عَبَّاسًا فَغَلَبَهُ عَلَيْهَا ثُمَّ كَانَ بِيَدِ حَسَنِ
بْنِ عَلِيٍّ ثُمَّ بِيَدِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ ثُمَّ
بِيَدِ حُسَيْنٍ بْنِ عَلِيِّ ثُمَّ بِيَدِ عَلِيِّ بْنِ
حُسَيْنٍ وَحَسَنِ بْنِ حَسَنٍ كِلاَهُمَا كَانَا
يَتَدَاوَلاَنِهَا ثُمَّ بِيَدِ زَيْدِ بْنِ حَسَنٍ وَهْيَ
صَدَقَةُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حَقًّا.
(قال): أي الزهري (فحدثت هذا الحديث عروة بن الزبير فقال:
صدق مالك بن أوس) فيما حدث به (أنا سمعت عائشة -رضي الله
عنها- زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تقول: أرسل أزواج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عثمان) بن عفان (إلى أبي بكر) -رضي الله عنهما-
(يسألنه ثمنهن مما أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (فكنت أنا
أردهن فقلت لهن: ألا) بالتخفيف (تتقين الله ألم تعلمن أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول: لا
نورث ما تركنا صدقة يريد بذلك نفسه إنما يأكل آل محمد
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هذا المال) من
جملة من يأكل منه لا أنه لهم بخصوصهم (فانتهى أزواج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ما أخبرتهن)
بسكون الفوقية.
(قال) عروة: (فكانت هذه الصدقة بيد عليّ) -رضي الله عنه-
(منعها عليّ عباسًا) -رضي الله عنهما- (فغلبه عليها)
بالتصرف فيها وتحصيل غلاتها لا بتخصيص الحاصل بنفسه (ثم
كان) ذلك المال (بيد حسن بن علي ثم بيد حسين بن علي ثم بيد
علي
(6/282)
بن حسين) مصغر، ولأبي ذر زيادة أل في حسن
وحسين في المواضع الثلاثة (و) بيد (حسن بن حسن) بفتح الحاء
فيهما (كلاهما) أي علي بن حسين بن علي وحسن بن حسن بن علي
وكل منهما ابن عم الآخر (كانا يتداولانها) أي يتناوبان في
التصرف في الصدقة المذكورة (ثم) كانت (بيد زيد بن حسن)
بفتح الحاء أي ابن أخي الحسن المذكور (وهي صدقة رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حقًّا).
وهذا الحديث مرّ في باب فرض الخُمس.
4035 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
هِشَامٌ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ فَاطِمَةَ -
عَلَيْهَا السَّلاَمُ - وَالْعَبَّاسَ أَتَيَا أَبَا
بَكْرٍ يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا أَرْضَهُ مِنْ فَدَكٍ
وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ.
4036 - فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لاَ نُورَثُ مَا
تَرَكْنَا صَدَقَةٌ» إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي
هَذَا الْمَالِ وَاللَّهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَبُّ إِلَىَّ أَنْ
أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني (إبراهيم بن موسى)
الرازي الفراء الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف
الصنعاني قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد
بن مسلم (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن
فاطمة عليها السلام والعباس أتيا أبا بكر) -رضي الله عنهم-
(يلتمسان) أي يطلبان (ميراثهما أرضه) عليه الصلاة والسلام
(من فدك) بالصرف، ولأبي ذر: من فدك بعدمه وكانت له عليه
الصلاة والسلام خاصة (وسهمه من خيبر)
وهو الخُمس (فقال) لهما (أبو بكر) -رضي الله عنه-: (سمعت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول):
(لا نورث ما تركنا صدقة) بالرفع خبر المبتدأ وهو ما تركنا،
وسبق في الخُمس أن الإمامية حرّفوه فقالوا: لا يورث
بالتحتية بدل النون وصدقة نصب على الحال وما تركنا مفعول
لما لم يسم فاعله، فجعلوا المعنى أن ما يترك صدقة لا يورث
فحرّفوا الكلام وأخرجوه عن نمط الاختصاص إذ آحاد الأمة إذ
أوقفوا أموالهم وجعلوها صدقة انقطع حق الورثة عنها مع مزيد
بحث لذلك فراجعه. (إنما يأكل آل محمد في هذا المال) من
جملة من يأكل منه أي يعطون منه ما يكفيهم لا على وجه
الميراث، ثم اعتذر أبو بكر عن منعه القسمة بقوله: {والله
لقرابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي) ولا يلزم منه أن لا يصلهم
ببره من جهة أخرى.
وتقدم هذا الحديث في أول الخُمس بدون قوله: والله لقرابة
الخ ... قال في الفتح: وظاهره الإدراج، وقد بينه
الإسماعيلي بلفظ: فتشهد أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه ثم
قال: أما بعد فوالله لقرابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحب إليّ أن أصل من قرابتي.
15 - باب قَتْلُ كَعْبِ بْنِ الأَشْرَفِ
(باب قتل كعب بن الأشرف) اليهودي، وكان في ربيع الأول من
السنة الثالثة كما عند ابن سعد وسقط لفظ باب لأبي ذر
فتاليه رفع كما لا يخفى.
4037 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ لِكَعْبِ بْنِ
الأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَهُ»
فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ»
قَالَ: فَائْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا قَالَ: قُلْ.
فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ فَقَالَ: إِنَّ هَذَا
الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَةً وَإِنَّهُ قَدْ
عَنَّانَا وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ قَالَ:
وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمِلُّنَّهُ قَالَ: إِنَّا قَدِ
اتَّبَعْنَاهُ فَلاَ نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى
نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ وَقَدْ
أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ،
وَحَدَّثَنَا عَمْرٌو غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَذْكُرْ
وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ فَقُلْتُ لَهُ فِيهِ وَسْقًا أَوْ
وَسْقَيْنِ فَقَالَ: أُرَى فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ
فَقَالَ: نَعَمِ. ارْهَنُونِي قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ
تُرِيدُ قَالَ: ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ؟ قَالُوا: كَيْفَ
نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَبِ؟
قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُمْ؟ قَالُوا: كَيْفَ
نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ؟ فَيُقَالُ:
رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا
وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللأْمَةَ قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي
السِّلاَحَ فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَاءَهُ لَيْلاً
وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ وَهْوَ أَخُو كَعْبٍ مِنَ
الرَّضَاعَةِ فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ فَنَزَلَ
إِلَيْهِمْ فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُهُ أَيْنَ تَخْرُجُ
هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَالَ: إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ
مَسْلَمَةَ وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ وَقَالَ غَيْرُ
عَمْرٍو: قَالَتْ أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ
مِنْهُ الدَّمُ قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ
مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الْكَرِيمَ
لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لأَجَابَ قَالَ:
وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ
قِيلَ لِسُفْيَانَ: سَمَّاهُمْ
عَمْرٌو قَالَ: سَمَّى بَعْضَهُمْ قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ
مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو أَبُو عَبْسِ
بْنُ جَبْرٍ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ وَعَبَّادُ بْنُ
بِشْرٍ قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ فَقَالَ:
إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ
فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ
فَدُونَكُمْ فَأضْرِبُوهُ وَقَالَ مَرَّةً، ثُمَّ
أُشِمُّكُمْ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا وَهْوَ
يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيبِ فَقَالَ: مَا رَأَيْتُ
كَالْيَوْمِ رِيحًا أَيْ أَطْيَبَ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو:
قَالَ عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَأَكْمَلُ
الْعَرَبِ، قَالَ عَمْرٌو: فَقَالَ أَتَأْذَنُ لِي أَنْ
أَشَمَّ رَأْسَكَ؟ قَالَ نَعَمْ. فَشَمَّهُ ثُمَّ أَشَمَّ
أَصْحَابَهُ ثُمَّ قَالَ: أَتَأْذَنُ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ.
فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ. قَالَ: دُونَكُمْ
فَقَتَلُوهُ، ثُمَّ أَتَوُا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (قال عمرو) بفتح العين ابن دينار وفي نسخة
قال: سمعت عمرًا يقول: (سمعت جابر بن عبد الله -رضي الله
عنهما- يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(مَن لكعب بن الأشرف) من يستعدّ وينتدب لقتله (فإنه قد آذى
الله ورسوله) بهجائه له وللمسلمين ويحرض قريشًا عليهم كما
عند ابن عائذ من طريق أبي الأسود عن عروة، وفي الإكليل
للحاكم من طريق محمد بن محمود بن محمد بن مسلمة عن جابر
فقد آذانا بشعره وقوى المشركين (فقام محمد بن مسلمة) بفتح
الميم واللام ابن سلمة الأنصاري أخو بني عبد الأشهل (فقال:
يا رسول الله أتحب أن أقتله)؟ استفهام استخباري (قال) عليه
الصلاة والسلام: (نعم) أحب ذلك (قال): يا رسول الله (فأذن
لي أن أقول شيئًا) مما يسير كعبًا (قال) عليه الصلاة
والسلام: (قل).
وعند ابن عبد البر فرجع محمد بن مسلمة فمكث أيامًا مشغول
النفس بما وعد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من قتل ابن الأشرف فأتى أبا نائلة سلكان بن
سلامة بن وقش، وكان أخا كعب بن الأشرف من الرضاعة وعباد بن
بشر بن وقش والحارث بن أوس بن معاذ وأبا عبس بن جبر
فأخبرهم بما وعد به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من قتل ابن الأشرف فأجابوه إلى ذلك فقالوا:
كلنا قتله، ثم أتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقالوا: يا رسول الله إنه لا بدّ لنا أن نقول.
قال: "قولوا ما بدا لكم فأنتم في حل".
(فأتاه) أي أتى كعبًا (محمد بن مسلمة فقال) له: يا كعب (إن
هذا الرجل) يعني
(6/283)
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(قد سألناه صدقة) مفعول ثان لسأل زاد الواقدي ونحن لا نجد
ما نأكل (وإنه قد عنّانا) بفتح العين وتشديد النون الأولى
أتعبنا وكلفنا المشقّة (وإني قد أتيتك أستسلفك قال) كعب:
(وأيضًا) أي زيادة على ما ذكرت (والله لتملنه) بفتح
الفوقية والميم وضم اللام وفتح النون المشددتين أي لتزيدن
ملالتكم وضجركم (قال) محمد بن مسلمة: (إنا قد اتبعناه فلا
نحب أن ندعه) أي نتركه (حتى ننظر إلى أي شيء يصير شأنه) أي
حاله (وقد أردنا أن تسلفنا وسقًا أو وسقين) بفتح الواو
وكسرها والوسق كما في القاموس وغيره حمل بعير وهو ستون
صاعًا والصاع أربعة أمداد كل مد رطل
وثلث، والشك من الراوي عليّ بن المديني كما قاله ابن حجر
أو سفيان كما قاله الكرماني.
(وحدّثنا عمرو) هو ابن دينار (غير مرة فلم يذكر وسقًا أو
وسقين فقلت له فيه) في الحديث (وسقًا أو وسقين) بنصبهما
على الحكاية ولأبوي ذر والوقت وسق أو وسقان (فقال): أي
عمرو (أرى) بضم الهمزة أي أظن (فيه) في الحديث (وسقًا أو
وسقين فقال) كعب: (نعم ارهنوني) بهمزة وصل وفتح الهاء
كاللاحقين وفي الفرع الأولى بهمزة قطع وكسر الهاء أي
أعطوني رهنًا على التمر الذي تريدونه (فقالوا أي شيء تريد)
أن نرهنك (قال: ارهنوني) بألف الوصل وفتح الهاء في الفرع
كأصله (نساءكم. قالوا: كيف نرهنك نساءنا) بفتح حرف
المضارعة لأن ماضيه رهن ثلاثي قيل وفيه لغة أرهن (وأنت
أجمل العرب) والنساء يملن إلى الصور الجميلة. زاد ابن سعد
من مرسل عكرمة ولا نأمنك وأي امرأة تمتنع منك لجمالك (قال:
فارهنوني أبناءكم. قالوا: كيف نرهنك أبناءنا فيسب) بضم
التحتية وفتح المهملة (أحدهم) بالرفع مفعولاً نائبًا عن
فاعله (فيقال رهن) بضم الراء وكسر الهاء (بوسق أو وسقين
هذا عار علينا ولكنا نرهنك اللأمة) بالهمزة وإبدالها
ألفًا.
(قال سفيان) بن عيينة: (يعني) باللأمة (السلاح) والذي قاله
أهل اللغة أنها الدرع فيكون إطلاق السلاح عليها من إطلاق
اسم الكل على البعض ومراده أن لا ينكر كعب السلاح عليهم
إذا أتوه وهو معهم كما في رواية الواقدي (فواعده أن يأتيه
فجاءه) محمد بن مسلمة (ليلاً ومعه أبو نائلة) بنون وبعد
الألف همزة سلكان بن سلامة (وهو أخو كعب من الرضاعة)
ونديمه في الجاهلية (فدعاهم إلى الحصن فنزل إليهم) ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي فنزل إلينا.
وعند ابن إسحاق وأبي عمر أن محمد بن مسلمة والأربعة
المذكورين قدموا إلى كعب قبل أن يأتوا أبا نائلة سلكان
فلما أتاه قال له: ويحك يا ابن الأشرف إنني قد جئتك لحاجة
أريد ذكرها لك فاكتم عني. قال: افعل. قال: كان قدوم هذا
الرجل علينا بلاء من البلاء عادتنا العرب ورمتنا عن قوس
واحدة وقطعت عنا السبل حتى جاع العيال وجهدت الأنفس
وأصبحنا قد جهدنا وجهد عيالنا، فقال كعب: أنا ابن الأشرف
أما والله لقد كنت أخبرك يا ابن أم سلامة أن الأمر سيصير
إلى ما أقول. فقال سلكان: إني قد أردت أن تبيعنا طعامًا
ونرهنك ونوثق لك. قال: أترهنوني أبناءكم ونساءكم؟ قال: لقد
أردت أن تفضحنا أنت أجمل العرب وكيف نرهنك نساءنا أم كيف
نرهنك أبناءنا فيعير أحدهم فيقال: رهن بوسق أو وسقين إن
معي أصحابًا على مثل رأيي وقد أردت أن آتيك بهم فتبيعهم
وتحسن في ذلك ونرهنك من الحلقة ما فيه وفاء. فقال: إن في
الحلقة لوفاء فرجع أبو نائلة إلى أصحابه وأخبرهم الخبر
وأمرهم أن يأخذوا السلاح ويأتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ففعلوا واجتمعوا عند رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمشى معهم إلى بقيع
الفرقد ثم وجههم وقال: انطلقوا على اسم الله. وقال: اللهم
أعِنهم ورجع عنهم وكانت ليلة مقمرة حتى انتهوا إلى حصنه
فهتف به أبو نائلة اهـ.
ففيه أن الذي خاطب كعبًا بذلك أولاً هو أبو نائلة وهو الذي
هتف به وهو مخالف لرواية
الصحيح من أنه محمد بن مسلمة فيحتمل كما في الفتح أن يكون
كل منهما كلّمه في ذلك. وقال في المصابيح: إنه محمد بن
مسلمة وكلامه مع كعب كان أولاً عند المفاوضة في حديث
الاستسلاف وركونه
(6/284)
لرضيعه أبي نائلة إنما هو ثاني الحال عند
نزوله إليهم من الحصن.
(فقالت امرأته): لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمها (أين
تخرج هذه الساعة؟ فقال: إنما هو محمد بن مسلمة وأخي أبو
نائلة و) قال سفيان (قال: غير عمرو) بفتح العين ابن دينار
وبين الحميدي في روايته عن سفيان أن الغير الذي أبهمه هنا
هو العبسي (قالت): أي امرأة كعب له (أسمع صوتًا كأنه يقطر
منه الدم) كناية عن طالب شر، وعند ابن إسحاق فقالت: والله
إني لأعرف في صوته الشر. (قال) كعب: (إنما هو أخي محمد بن
مسلمة ورضيعي أبو نائلة إن الكريم لو) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: إذا (دعي إلى طعنة بليل لأجاب. قال: ويدخل) بضم
التحتية وكسر المعجمة (محمد بن مسلمة معه رجلين) ولأبي ذر:
ويدخل بفتح التحتية وضم المعجمة معه محمد بن مسلمة برجلين
بزيادة الموحدة (قيل لسفيان سماهم عمرو) أي ابن دينار
(قال: سمى بعضهم قال عمرو: جاء معه برجلين، وقال غير عمرو:
أبو عبس بن جبر) بفتح العين المهملة وبعد الموحدة الساكنة
مهملة واسمه عبد الرحمن وجبر بفتح الجيم وسكون الموحدة ضد
الكسر الأنصاري الأشهلي (والحارث بن أوس) واسم جده معاذ
(وعباد بن بشر) بفتح العين وتشديد الموحدة وبشر بموحدة
مكسورة ومعجمة ساكنة ابن وقش السابق ذكرهم (قال عمرو: جاء
معه برجلين فقال) لهم (إذا ما جاء) كعب (فإني قائل بشعره)
أي آخذ به والعرب تطلق القول على غير الكلام مجازًا ولأبي
ذر عن الكشميهني فإني مائل بشعره (فأشمه) بفتح الشين
المعجمة (فإذا رأيتموني استمكنت من رأسه فدونكم) فخذوه
بأسيافكم (فاضربوه، وقال) عمرو (مرة ثم أشمكم) بضم الهمزة
وكسر الشين أي أمكنكم من الشم (فنزل إليهم) كعب من حصنه
(حال كونه متوشحًا) بثوبه (وهو ينفح) بفتح الفاء في
اليونينية وغيرها وبالحاء المهملة آخره يفوح (منه ريح
الطيب، فقال) محمد بن مسلمة لكعب: (ما رأيت كاليوم ريحًا
أي أطيب) وكان حديث عهد بعرس (وقال غير عمرو، قال) كعب:
(عندي أعطر نساء العرب) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي:
أعطر سيد العرب. قال في الفتح: فكأن سيد تصحيف من نساء فإن
كانت محفوظة فالمعنى أعطر نساء سيد العرب على الحذف. وعند
الواقدي أن كعبًا كان يدهن بالمسك الفتيت والعنبر حتى
يتلبد في صدغيه (وأكمل العرب) وعند الأصيلي كما في الفتح
وأجمل بالجيم بدل الكاف قال: وهي أشبه (قال عمرو): في
روايته (فقال) محمد بن مسلمة لكعب: (أتأذن لي أن أشم
رأسك)؟ بفتح الهمزة والشين المعجمة (قال: نعم فشمه ثم أشمّ
أصحابه ثم قال): له مرة ثانية (أتأذن لي) أن أشم رأسك
(قال: نعم فلما استمكن منه) محمد بن مسلمة (قال): لأصحابه
(دونكم) خذوه بأسيافكم (فقتلوه ثم أتوا النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه) بقتله.
وهذا الحديث سبق مختصرًا بهذا الإسناد في باب رهن السلاح.
16 - باب قَتْلُ أَبِي رَافِعٍ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
الْحُقَيْقِ
وَيُقَالُ سَلاَّمُ بْنُ أَبِي الْحُقَيْقِ كَانَ
بِخَيْبَرَ وَيُقَالُ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: هُوَ بَعْدَ كَعْبِ بْنِ
الأَشْرَفِ.
(باب قتل أبي رافع عبد الله بن أبي الحقيق) بضم الحاء
المهملة وفتح القاف الأولى مصغرًا اليهودي (ويقال) اسمه
(سلام بن أبي الحقيق) بتشديد اللام (كان بخيبر، ويقال):
كان (في حصن له بأرض الحجاز، وقال الزهري) محمد بن مسلم بن
شهاب مما وصله يعقوب بن سفيان في تاريخه عن حجاج بن أبي
منيع عن جده عنه (هو) أي قتل أبي رافع (بعد) قتل (كعب بن
الأشرف) قال ابن سعد: في رمضان سنة ست وقيل غير ذلك.
4038 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ
أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ
عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَهْطًا إِلَى أَبِي
رَافِعٍ فَدَخَلَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَتِيكٍ
بَيْتَهُ لَيْلاً وَهْوَ نَائِمٌ فَقَتَلَهُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن
نصر) نسبه لجده واسم أبيه إبراهيم السعدي المروزي قال:
(حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان الكوفي قال: (حدّثنا ابن
أبي زائدة) يحيى (عن أبيه) زكريا بن أبي زائدة ميمون أو
خالد الكوفي القاضي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله
السبيعي (عن البراء بن عازب -رضي الله عنهما-) وسقط لأبي
ذر ابن عازب أنه (قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رهطًا) ما دون العشرة من الرجال، وعند
الحاكم أنهم كانوا أربعة منهم عبد الله بن عتيك (إلى أبي
رافع) ليقتلوه بسبب أنه كان
(6/285)
حزّب الأحزاب عليه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فدخل عليه عبد الله بن عتيك) بفتح
الحين المهملة وكسر الفوقية وسكون التحتية بعدها كاف
الأنصاري (بيته) بفتح الموحدة وسكون التحتية، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: بيته بفتح التحتية مشددة بلفظ الماضي من
التبييت والجملة حالية بتقدير قد أي دخل على أبي رافع عبد
الله بن عتيك والحال أنه قد بيت الدخول (ليلاً) أي في
الليل (وهو) أي والحال أن أبا رافع (نائم فقتله) كذا أورده
مختصرًا.
وسبق في الجهاد في باب قتل النائم المشرك عن علي بن مسلم
عن يحيى بن زكريا بن أبي زائدة مطولاً نحو رواية إبراهيم
بن يوسف الآتية قريبًا إن شاء الله تعالى.
4039 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَبِي
رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالاً مِنَ الأَنْصَارِ
فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَكَانَ
أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَيُعِينُ عَلَيْهِ وَكَانَ فِي
حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ فَلَمَّا دَنَوْا مِنْهُ
وَقَدْ غَرَبَتِ الشَّمْسُ وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ،
فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ لأَصْحَابِهِ:
اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ وَمُتَلَطِّفٌ
لِلْبَوَّابِ، لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ فَأَقْبَلَ حَتَّى
دَنَا مِنَ الْبَابِ، ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ
كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ
فَهَتَفَ بِهِ الْبَوَّابُ يَا عَبْدَ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ
تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ
أُغْلِقَ الْبَابَ، فَدَخَلْتُ فَكَمَنْتُ، فَلَمَّا
دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ، ثُمَّ عَلَّقَ
الأَغَالِيقَ عَلَى وَتَدٍ قَالَ: فَقُمْتُ إِلَى
الأَقَالِيدِ فَأَخَذْتُهَا فَفَتَحْتُ الْبَابَ، وَكَانَ
أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ، وَكَانَ فِي عَلاَلِيَّ
لَهُ فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْهُ أَهْلُ سَمَرِهِ صَعِدْتُ
إِلَيْهِ فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا أَغْلَقْتُ
عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ قُلْتُ إِنِ الْقَوْمُ نَذِرُوا بِي
لَمْ يَخْلُصُوا إِلَىَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ فَانْتَهَيْتُ
إِلَيْهِ فَإِذَا هُوَ فِي بَيْتٍ مُظْلِمٍ وَسْطَ
عِيَالِهِ، لاَ أَدْرِي أَيْنَ هُوَ مِنَ الْبَيْتِ؟
فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا؟
فَأَهْوَيْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً
بِالسَّيْفِ وَأَنَا دَهِشٌ فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا،
وَصَاحَ فَخَرَجْتُ مِنَ الْبَيْتِ فَأَمْكُثُ غَيْرَ
بَعِيدٍ، ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ مَا هَذَا
الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ؟ فَقَالَ: لأُمِّكَ الْوَيْلُ
إِنَّ رَجُلاً فِي الْبَيْتِ ضَرَبَنِي قَبْلُ
بِالسَّيْفِ، قَالَ فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً أَثْخَنَتْهُ
وَلَمْ أَقْتُلْهُ، ثُمَّ وَضَعْتُ ظُبَةَ السَّيْفِ فِي
بَطْنِهِ حَتَّى أَخَذَ فِي ظَهْرِهِ فَعَرَفْتُ أَنِّي
قَتَلْتُهُ فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الأَبْوَابَ بَابًا بَابًا
حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ فَوَضَعْتُ
رِجْلِي وَأَنَا أُرَى أَنِّي قَدِ انْتَهَيْتُ إِلَى
الأَرْضِ فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ
فَانْكَسَرَتْ سَاقِي فَعَصَبْتُهَا بِعِمَامَةٍ ثُمَّ
انْطَلَقْتُ حَتَّى جَلَسْتُ عَلَى الْبَابِ، فَقُلْتُ:
لاَ أَخْرُجُ اللَّيْلَةَ حَتَّى أَعْلَمَ أَقَتَلْتُهُ
فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ،
فَقَالَ: أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ
فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي فَقُلْتُ النَّجَاءَ
فَقَدْ قَتَلَ اللَّهُ أَبَا رَافِعٍ فَانْتَهَيْتُ إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ لِي: «ابْسُطْ رِجْلَكَ» فَبَسَطْتُ
رِجْلِي فَمَسَحَهَا فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ.
وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي
قال: (حدّثنا عبيد الله) بالتصغير (ابن موسى) بن باذام
العبسي الكوفي وهو أيضًا شيخ المؤلّف روي عنه هنا بالواسطة
(عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) السبيعي (عن
البراء بن عازب) -رضي الله عنه- وثبت ابن عازب لأبي ذر أن
(قال: بعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إلى أبي رافع) عبد الله أو سلام (اليهودي رجالاً من
الأنصار) سمي منهم في هذا الباب اثنين (فأمّر) بالفاء
وتشديد الميم ولأبي ذر: وأمر (عليهم عبد الله بن عتيك)
بفتح العين المهملة وكسر الفوقية ابن قيس بن الأسود بن
سلمة بكسر اللام (وكان أبو رافع) اليهودي (يؤذي رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويعين عليه) وهو الذي
حزّب الأحزاب يوم الخندق وعند ابن عائذ من طريق أبي الأسود
عن عروة أنه كان ممن أعان غطفان وغيرهم من بطون العرب
بالمال الكثير على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (وكان) أبو رافع (في حصن له بأرض الحجاز فلما
دنوا) بفتح الدال والنون قربوا (منه وقد غربت الشمس وراح
الناس بسرحهم) بفتح السين وكسر الحاء المهملتين بينهما راء
ساكنة أي رجعوا بمواشيهم التي ترعى وتسرح وهي السائمة من
الإبل والبقر والغنم (فقال): ولأبي ذر: وقال (عبد الله) بن
عتيك (لأصحابه) الآتي إن شاء الله تعالى تعيينهم في هذا
الباب (اجلسوا مكانكم فإني منطلق) إلى حصن أبي رافع
(ومتلطف للبواب لعليّ أن
أدخل) إلى الحصن (فأقبل) ابن عتيك (حتى دنا من الباب ثم
تقنّع) تغطى (بثوبه) ليخفي شخصه كي لا يعرف (كأنه يقضي
حاجة وقد دخل الناس فهتف به) أي ناداه (البواب: يا عبد
الله) ولم يرد به العلم بل المعنى الحقيقي لأن الناس كلهم
عبيد الله (إن كنت تريد أن تدخل فادخل فإني أريد أن أغلق
الباب فدخلت فكمنت) بفتح الكاف والميم أي اختبأت (فلما دخل
الناس أغلق الباب ثم علق) بالعين المهملة واللام المشددة
(الأغاليق) بالهمزة المفتوحة والغين المعجمة أي المفاتيح
التي يغلق بها ويفتح (على وتد) بفتح الواو وكسر الفوقية
ولأبي ذر: ودّ بتشديد الدال أي الوتد فأدغم الفوقية بعد
قلبها دالاً في تاليها (قال) ابن عتيك: (فقمت إلى
الأقاليد) بالقاف أي المفاتيح (فأخدتها ففتحت الباب وكان
أبو رافع يسمر) بضم أوله وسكون ثانيه مبنيًّا للمفعول أي
يتحدث (عنده) بعد العشاء (وكان في علاليّ له) بفتح العين
وتخفيف اللام وبعد الألف لام أخرى مكسورة فتحتية مفتوحة
مشددة جمع عليه بضم العين وكسر اللام مشددة وهي الغرفة
(فلما ذهب عنه أهل سمره صعدت إليه فجعلت كلما فتحت بابًا
أغلقت عليّ) بتشديد التحتية (من داخل قلت إن القوم) بكسر
النون مخففة وهي الشرطية دخلت على فعل محذوف يفسره ما بعد
مثل: {وإن أحد من المشركين استجارك} [التوبة: 9] (انذروا)
بكسر الذال المعجمة أي علموا (بي لم يخلصوا) بضم اللام
(إليّ) بتشديد التحتية (حتى أقتله فانتهيت إليه فإذا هو في
بيت مظلم وسط عياله) بسكون السين (لا أدري أين هو من
البيت. فقلت): بالفاء قبل القاف ولأبوي ذر والوقت: قلت
بإسقاطها (أبا رافع) لأعرف موضعه ولأبي ذر: يا أبا رافع
(فقال: من هذا؟ فأهويت) أي قصدت (نحو) صاحب (الصوت فأضربه)
لما وصلت إليه (ضربة بالسيف)
(6/286)
بلفظ المضارع وكان الأصل أن يقول: ضربته
مبالغة لاستحضار صورة الحال (وأنا) أي والحال (دهش) بفتح
الدال المهملة وكسر الهاء بعدها شين معجمة ولأبي ذر: داهش
بألف بعد الدال (فما أغنيت شيئًا) أي فلم أقتله (وصاح) أبو
رافع (فخرجت من البيت فأمكث) بهمزة قبل الميم آخره مثلثة
(غير بعيد ثم دخلت إليه فقلت: ما هذا الصوت يا أبا رافع؟
فقال: لأمك الويل) مبتدأ مؤخر خبره لأمك أي الويل لأمك وهو
دعاء عليه (إن رجلاً في البيت ضربني قبل بالسيف قال) ابن
عتيك: (فاضربه ضربة أثخنته) بفتح الهمزة وسكون المثلثة
وفتح الخاء المعجمة والنون بعدها فوقية أي الضربة وفي نسخة
بسكون النون وضم الفوقية أي بالغت في جراحته (ولم أقتله ثم
وضعت ظبّة السيف) بضم الظاء المشالة المعجمة وفتح الموحدة
المخففة بعدها هاء تأنيث في الفرع وأصله أي حدّ السيف. (في
بطنه).
قال في المحكم: الظبة حدّ السيف والسنان والنصل والخنجر
وما أشبه ذلك، والجمع ظبات وظبون ظبًّا، ولأبي ذر ضبيب
بالمعجمة غير المشالة وموحدتين بينهما تحتية ساكنة بوزن
رغيف.
قال الخطابي: هكذا يروى وما أراه محفوظًا وإنما هو ظبة
السيف. قال: والضبيب لا معنى له هنا لأنه سيلان الدم من
الفم، وفي رواية له أيضًا بضم الضاد كما في الفرع وأصله،
ولأبي ذر أيضًا كما في المشارق: صبيب بالصاد المهملة
المفتوحة وكذا ذكره الحربي وأظنه طرفه.
(حتى أخذ في ظهره فعرفت) حينئذ (أني قتلته فجعلت أفتح
الأبواب بابًا بابًا حتى انتهيت إلى درجة له فوضعت رجلي)
بالإفراد (وأنا أرى) بضم الهمزة أي أظن (أني قد انتهيت إلى
الأرض) وكان ضعيف البصر (فوقعت في ليلة مقمرة فانكسرت ساقي
فعصبتها بعمامة) بتخفيف الصاد (ثم انطلقت حتى جلست على
الباب فقلت: لا أخرج) وفي نسخة في اليونينية لا أبرح
(الليلة حتى أعلم أقتلته) أم لا. (فلما صاح الديك قام
الناعي) بالنون والعين المهملة خبر موته (على السور فقال:
أنعي) بفتح الهمزة (أبا رافع تاجر أهل الحجاز) بفتح عين
أنعي قال السفاقسي: هي لغة والمعروف أنعو (فانطلقت إلى
أصحابي فقلت) لهم (النجاء) مهموز ممدود منصوب مفعول مطلق
والمد أشهر إذا أفرد فإن كرر قصر أي أسرعوا (فقد قتل الله
أبا رافع فانتهيت إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فحدثته) بما وقع (فقال لي):
(أبسط رجلك) التي انكسر ساقها (فبسطت رجلي فمسحها) بيده
المباركلة (فكأنها) أي فكأن رجلي ولأبوي ذر والوقت فكأنما
بالميم بدل الهاء (لم أشتكها قط).
4040 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا
شُرَيْحٌ هُوَ ابْنُ مَسْلَمَةَ. حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ:
سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أَبِي
رَافِعٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ وَعَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عُتْبَةَ فِي نَاسٍ مَعَهُمْ فَانْطَلَقُوا حَتَّى
دَنَوْا مِنَ الْحِصْنِ فَقَالَ لَهُمْ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ عَتِيكٍ: امْكُثُوا أَنْتُمْ حَتَّى أَنْطَلِقَ أَنَا
فَأَنْظُرَ قَالَ: فَتَلَطَّفْتُ أَنْ أَدْخُلَ الْحِصْنَ
فَفَقَدُوا حِمَارًا لَهُمْ، قَالَ: فَخَرَجُوا بِقَبَسٍ
يَطْلُبُونَهُ قَالَ: فَخَشِيتُ أَنْ أُعْرَفَ قَالَ:
فَغَطَّيْتُ رَأْسِي كَأَنِّي أَقْضِي حَاجَةً ثُمَّ
نَادَى صَاحِبُ الْبَابِ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ
فَلْيَدْخُلْ قَبْلَ أَنْ أُغْلِقَهُ، فَدَخَلْتُ ثُمَّ
اخْتَبَأْتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْدَ بَابِ الْحِصْنِ
فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبِي رَافِعٍ وَتَحَدَّثُوا حَتَّى
ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنَ اللَّيْلِ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى
بُيُوتِهِمْ فَلَمَّا هَدَأَتِ الأَصْوَاتُ وَلاَ أَسْمَعُ
حَرَكَةً خَرَجْتُ قَالَ: وَرَأَيْتُ صَاحِبَ الْبَابِ
حَيْثُ وَضَعَ مِفْتَاحَ الْحِصْنِ فِي كَوَّةٍ
فَأَخَذْتُهُ فَفَتَحْتُ بِهِ بَابَ الْحِصْنِ، قَالَ:
قُلْتُ إِنْ نَذِرَ بِي الْقَوْمُ انْطَلَقْتُ عَلَى
مَهَلٍ، ثُمَّ عَمَدْتُ إِلَى أَبْوَابِ بُيُوتِهِمْ
فَغَلَّقْتُهَا عَلَيْهِمْ مِنْ ظَاهِرٍ، ثُمَّ صَعِدْتُ
إِلَى أَبِي رَافِعٍ فِي سُلَّمٍ فَإِذَا الْبَيْتُ
مُظْلِمٌ قَدْ طَفِئَ سِرَاجُهُ فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ
الرَّجُلُ؟ فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ، قَالَ: مَنْ
هَذَا؟ قَالَ: فَعَمَدْتُ نَحْوَ الصَّوْتِ فَأَضْرِبُهُ
وَصَاحَ فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا؟ قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ
كَأَنِّي أُغِيثُهُ فَقُلْتُ: مَا لَكَ يَا أَبَا رَافِعٍ؟
وَغَيَّرْتُ صَوْتِي، فَقَالَ: أَلاَ أُعْجِبُكَ لأُمِّكَ
الْوَيْلُ؟ دَخَلَ عَلَىَّ رَجُلٌ فَضَرَبَنِي
بِالسَّيْفِ، قَالَ: فَعَمَدْتُ لَهُ أَيْضًا فَأَضْرِبُهُ
أُخْرَى فَلَمْ تُغْنِ شَيْئًا فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ،
قَالَ: ثُمَّ جِئْتُ وَغَيَّرْتُ صَوْتِي كَهَيْئَةِ
الْمُغِيثِ، فَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ عَلَى ظَهْرِهِ
فَأَضَعُ السَّيْفَ فِي بَطْنِهِ ثُمَّ أَنْكَفِئُ
عَلَيْهِ حَتَّى سَمِعْتُ صَوْتَ الْعَظْمِ، ثُمَّ
خَرَجْتُ دَهِشًا حَتَّى أَتَيْتُ السُّلَّمَ أُرِيدُ أَنْ
أَنْزِلَ فَأَسْقُطُ مِنْهُ فَانْخَلَعَتْ رِجْلِي
فَعَصَبْتُهَا ثُمَّ أَتَيْتُ أَصْحَابِي أَحْجُلُ
فَقُلْتُ لَهُمْ: انْطَلِقُوا فَبَشِّرُوا
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَإِنِّي لاَ أَبْرَحُ حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ،
فَلَمَّا كَانَ فِي وَجْهِ الصُّبْحِ صَعِدَ النَّاعِيَةُ
فَقَالَ أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ، قَالَ: فَقُمْتُ أَمْشِي
مَا بِي قَلَبَةٌ، فَأَدْرَكْتُ أَصْحَابِي قَبْلَ أَنْ
يَأْتُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَبَشَّرْتُهُ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن عثمان) بن حكيم الأودي الكوفي
قال: (حدّثنا شريح) بضم الشين المعجمة آخره مهملة (هو ابن
مسلمة) بالميم واللام المفتوحتين الكوفي وسقط هو لأبي ذر
قال: (حدّثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه) يوسف بن إسحاق (عن)
جده (أبي إسحاق) عمرو السبيعي أنه قال: (سمعت البراء) زاد
أبو ذر وابن عساكر ابن عازب (-رضي الله عنه- قال: بعث رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أبي رافع)
عبد الله بن أبي الحقيق (عبد الله بن عتيك وعبد الله بن
عتبة) بضم العين المهملة وسكون الفوقية ولم يذكر إلا في
هذا الطريق، وفي مبهمات الجلال البلقيني أن في الصحابة عبد
الله بن عتبة اثنان أحدهما مهاجري وهو عبد الله بن عتبة بن
مسعود، والآخر عبد الله بن عتبة أبو قيس الذكواني، والأول
غير مراد قطعًا لأن من أثبت صحبته ذكر أنه خماسي السن أو
سداسيه فتعين الثاني. وهذه القصة من مفردات الخزرج، وزاد
الذهبي ثالثًا وهو عبد الله بن عتبة أحد بني نوفل له ذكر
في زمن الردة نقله وتتمته عند ابن إسحاق وقال: في الذكواني
قيل له صحبة (في ناسٍ معهم) هو مسعود بن سنان الأسلمي حليف
بني سلمة وعبد الله بن أنيس بضم الهمزة مصغرًا الجهني،
وأبو قتادة الأنصاري فارس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخزاعي بضم الخاء المعجمة وفتح الزاي
وبالعين المهملة ابن الأسود بن خزاعي الأسلمي حليف
الأنصار، وقيل هو أسود بن خزاعي
(6/287)
وقيل أسود بن حزام (فانطلقوا حتى دنوا)
قربوا (من الحصن) الذي فيه أبو رافع (فقال لهم عبد الله بن
عتيك: امكثوا أنتم) بالمثلثة (حتى أنطلق أنا فأنظر) بالنصب
عطفًا على أنطلق (قال): ابن عتيك فجئت (فتلطفت أن أدخل
الحصن ففقدوا) بفتح القاف (حمارًا لهم قال: فخرجوا بقبس)
بشلة نار (يطلبونه قال: فخشيت أن أعرف) بضم الهمزة وفتح
الراء (فغطيت رأسي) بثوب (ورجلي) بالإفراد كذا في الفرع
وأصله لكنهما ضببا عليها وللأربعة وجلست (كأني أقضي حاجة
ثم نادى صاحب الباب) الذي يفتحه ويغلقه (من أراد أن يدخل)
ممن يسمر عند أبي رافع (فليدخل قبل أن أغلقه) بضم الهمزة
قال ابن عتيك (فدخلت ثم اختبأت في مربط حمار) كائن (عند
باب الحصن) وباء مربط مكسورة (فتعشوا عند أبي رافع
وتحدثوا) عنده (حتى ذهبت) بتاء التأنيث، ولأبي ذر وابن
عساكر: ذهب (ساعدة من الليل ثم رجعوا إلى بيوتهم) بالحصن
(فلما هدأت الأصوات) بالهمزة المفتوحة في هدأت أي سكنت.
وقال السفاقسي: هدت بغير همز ولا ألف ووجهه في المصابيح
بأنه خفف الهمزة المفتوحة بإبدالها ألفًا مثل منسأة فالتقت
هي والتاء الساكنة فحذفت الألف لالتقاء الساكنين، قال:
وهذا وإن كان على غير قياس لكنه يستأنس به لئلا يحمل اللفظ
على الخطأ المحض. اهـ.
وصوّب السفاقسي الهمز ولم أتركه في أصل من الأصول التي
رأيتها فالله أعلم. (ولا أسمع حركة خرجت) من مربط الحمار
الذي اختبأت فيه (قال: ورأيت صاحب الباب) الموكل به (حيث
وضع مفتاح الحصن في كوّة) بفتح الكاف وتضم وتشديد الواو
وهاء التأنيث والكوّة الخرق في الحائط والتأنيث للتصغير
والتذكير للتكبير (فأخذته ففتحت به باب الحصن قال: قلت إن
نذر بي القوم) بكسر الذال المعجمة أي علموا بي (انطلقت على
مهل) بفتح الميم والهاء (ثم عمدت) بفتح الميم (إلى أبواب
بيوتهم) بالحصن (فغلقتها عليهم من ظاهر) بالغين المعجمة
المفتوحة وتشديد اللام، ولأبي ذر: فغلقتها بتخفيفها ولأبي
ذر عن الكشميهني فأغلقتها بالألف قال ابن سيده: غلق الباب
وأغلقه هي لغة التنزيل وغلقت الأبواب، وقال سيبويه: غلقت
الأبواب أي بالتشديد للتكثير وقد يقال: أغلقت أي بالألف
يريد بها التكثير قال: وهو عربي جيد وقال ابن مالك: غلقت
وأغلقت بمعنى، وقال في القاموس: غلق الباب يغلقه لغية أو
لغة رديئة في أغلقه. (ثم صعدت) بكسر العين (إلى أبي رافع
في سلّم) بضم السين وتشديد اللام مفتوحة بوزن سكر في مرقاة
(فإذا البيت) الذي هو فيه (مظلم قد طفئ سراجه) بفتح الطاء
وفي نسخة بضمها (فلم أدر أين الرجل) أبو رافع (فقلت: يا
أبا رافع. قال: من هذا؟ قال): ابن عتيك وسقط لفظ قال،
ولأبي ذر (فعمدت) بفتح الميم (نحو) صاحب (الصوت فأضربه)
بهمزة مقطوعة بلفظ المضارع مبالغة لاستحضار صورة الحال
(وصاح) أبو رافع (فلم تغن) فلم تنفع الضربة (شيئًا قال)
ابن عتيك: (ثم جئت كأني أغيثه) بهمزة مضمومة فغين معجمة
مكسورة ومثلثة من الإغاثة (فقلت: ما لك)؟ بفتح اللام أي ما
شأنك (يا أبا رافع وغيّرت صوتي؟ فقال: ألا) بفتح الهمزة
وتخفيف اللام (أعجبك لأمك الويل) الجار والمجرور خبر تاليه
(دخل عليّ) بتشديد الياء (رجل فضربني بالسيف قال: فعمدت له
أيضًا فأضربه) ضربة (أخرى فلم تغن شيئًا فصاح وقام أهله).
وعند ابن إسحاق فصاحت امرأته فنوّهت بنا فجعلنا نرفع السيف
عليها ثم نذكر نهي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن قتل النساء فنكفّ عنها (قال: ثم جئت) ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي: فجئت (وغيّرت صوتي كهيئة المغيث)
له (فإذا) بالفاء، ولابن عساكر: وإذا (هو مستلق على ظهره
فأضع السيف في بطنه ثم أنكفئ) بفتح الهمزة وسكون النون أي
أنقلب (عليه حتى سمعت صوت العظم ثم خرجت) حال كوني (دهشًا)
بكسر الهاء (حتى أتيت السلم أريد أن أنزل فأسقط منه
فانخلعت رجلي فعصبتها). استشكل مع قوله في السابقة
(6/288)
فانكسرت. وأجيب: بأنها انخلعت من المفصل
وانكسرت من الساق أو المراد من كل منهما مجرد اختلال الرجل
(ثم أتيت أصحابي أحجل) بفتح الهمزة وسكون الحاء المهملة
وضم الجيم بعدها لام أمشي مشي المقيد فحجل البعير على
ثلاثة والغلام على واحدة (فقلت) لهم: (انطلقوا فبشروا رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بقتله (فإني لا
أبرح حتى) إلى أن (أسمع الناعية) تخبر بموته (فلما كان في
وجه الصبح) مستقبله (صعد الناعية فقال: أنعي) بفتح العين
(أبا رافع) وقال الأصمعي: إن العرب إذا مات فيهم الكبير
ركب راكب فرسًا وسار فقال: نعي فلان (قال: فقمت أمشي ما بي
قلبة) بفتح القاف واللام أي تقلب واضطراب من جهة علة الرجل
(فأدركت أصحابي قبل أن يأتوا النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فبشرته) بقتل أبي رافع.
واستشكل قوله فقمت أمشي ما بي قلبة مع قوله السابق فمسحها
فكأنها لم أشكها. وأجيب:
بأنه لا يلزم من عدم التقلب عوده إلى حالته الأولى وعدم
بقاء الأثر فيها، ولعله اشتغل عن شدة الألم والاهتمام به
وبما وقع له من الفرح فأعين على المشي ثم لما أتى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومسح عليه زال عنه
جميع الآلام.
17 - باب غَزْوَةِ أُحُدٍ
وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ
أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ
وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [آل عمران: 121] وَقَوْلُهُ
جَلَّ ذِكْرُهُ: {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا
وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ * إِنْ
يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ
مِثْلُهُ وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ
النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ
الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا
وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ
تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ
الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ *
وَلَقَدْ كُنْتُمْ تَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ مِنْ قَبْلِ أَنْ
تَلْقَوْهُ فَقَدْ رَأَيْتُمُوهُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ}
[آل عمران: 139 - 143] وَقَوْلِهِ {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ
اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} [آل عمران: 152]
تَسْتَأْصِلُونَهُمْ قَتْلاَ {بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا
فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ
مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ
يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ
ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ
عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ} [آل عمران: 152] وقَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَلاَ تَحْسِبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ أَمْوَاتًا} [آل عمران: 169] الآيَةَ.
(باب غزوة أُحُد) بضم أوله وثانيه معًا وكانت عنده الوقعة
العظيمة في شوال سنة ثلاث، وسقط لأبي ذر لفظ باب فالتالي
مرفوع (وقول الله تعالى) جر أو رفع ({وإذ غدوت من أهلك})
واذكر يا محمد إذ خرجت غدوة من أهلك بالمدينة والمراد
غدوّة من حجرة عائشة -رضي الله عنها- إلى أحد ({تُبوِّئ
المؤمنين}) تنزلهم وهو حال ({مقاعد للقتال}) مواطن ومواقف
من الميمنة والميسرة والقلب والجناحين للقتال يتعلق بتبؤئ
({والله سميع}) لأقوالكم ({عليم}) [آل عمران: 121].
بنياتكم وضمائركم (وقوله جل ذكره: ({ولا تهنوا}) ولا
تضعفوا عن الجهاد لما أصابكم من الهزيمة ({ولا تحزنوا})
على ما فاتكم من الغنيمة أو على من قتل منكم أو جرح وهو
تسلية من الله تعالى لرسوله وللمؤمنين عما أصابهم يوم
أُحُد وتقوية لقلوبهم ({وأنتم الأعلون}) وحالكم أنكم أعلى
منهم وأغلب لأنكم أصبتم منهم يوم بدر أكثر مما أصابوا منكم
يوم أُحُد وأنتم الأعلون بالنصر والظفر في العاقبة وهي
بشارة بالعلو والغلبة وأن جندنا لهم الغالبون ({إن كنتم
مؤمنين}) جوابه محذوف فقيل تقديره: فلا تهنوا ولا تحزنوا،
وقيل تقديره: إن كنتم مؤمنين علمتم أن هذه الوقعة لا تبقى
على حالها وأن الدولة تصير للمؤمنين ({إن يمسسكم قرح})
بفتح القاف، والأخوان وأبو بكر بضمها بمعنى فقيل الجرح
نفسه، وقيل المصدر أو المفتوح الجرح والمضموم ألمه ({فقد
مسّ القوم قرح مثله}) للنحويين في مثل هذا تأويل وهو أن
يقدروا شيئًا، مستقبلاً لأنه لا يكون التعليق إلا في
المستقبل وقوله: فقد مس القوم قرح مثله ماض محقق وذلك
التأويل هو التبيين أي: فقد تبين مس القرح للقوم، وهذا
خطاب للمسلمين حين انصرفوا من أُحُد مع الكآبة يقول: إن
يمسسكم ما نالوا منكم يوم أُحُد فقد نلتم منهم قبله يوم
بدر ثم لم يضعف ذلك قلوبهم ولم يمنعهم عن معاودتكم إلى
القتال فأنتم أولى أن لا تضعفوا ({وتلك}) مبتدأ ({الأيام})
صفته والخبر ({نداولها}) نصرفها أو الأيام خبر لتلك
ونداولها جملة حالية العامل فيها معنى اسم الإشارة أي أشير
حال كونها مداولة ({بين الناس}) أي أن مسارّ الأيام لا
تدوم وكذلك مضارّها فيوم يكون السرور لإنسان والغم لعدوّه
ويوم آخر بالعكس، وليس المراد من هذه المداولة أن الله
سبحانه وتعالى تارة ينصر المؤمنين وآخر ينصر الكافرين لأن
نصر الله تعالى منصب شريف لا يليق بالكافر، بل المراد أنه
تارة يشدد المحنة على الكافر وتارة على المؤمن فعلى المؤمن
أدبًا في الدنيا وعلى الكافر غضبًا عليه ({وليعلم الله
الذين آمنوا}) أي نداولها لضروب من التدبير وليعلم الله
المؤمنين مميزين بالصبر والإيمان من غيرهم كما علمهم قبل
الوجود ({ويتخذ منكم شهداء}) وليكرم ناسًا منكم بالشهادة
يريد المستشهدين يوم أُحُد وسموا به لأنهم أحياء وحضرت
أرواحهم
(6/289)
دار السلام وأرواح غيرهم لا تشهدها أو لأن
الله وملائكته شهدوا لهم بالجنة ({والله لا يحب الظالمين})
اعتراض بين بعض التعليل وبعض ومعناه: والله لا يحب من ليس
من هؤلاء الثابتين على الإيمان المجاهدين في سبيله وهم
المنافقون والكافرون ({وليمحص الله الذين آمنوا}) التمحيص
التخليص من الشيء المعيب وقيل هو الابتلاء والاختبار قال:
رأيت فضيلاً كان شيئًا ملففًا ... فكشفه التمحيص حتى بدا
ليا
({ويمحق الكافرين}) ويهلك الكافرين الذين حاربوه عليه
الصلاة والسلام يوم أُحُد لأنه تعالى لم يمحق كل الكفار بل
بقي منهم كثير على كفرهم والمعنى إن كانت الدولة على
المؤمنين فللتمييز والاستشهاد والتمحيص وإن كانت على
الكافرين فلمحقهم ومحو آثارهم ({أم حسبتم أن تدخلوا
الجنة}) أم منقطعة والهمزة فيها للإنكار أي لا تحسبوا
({ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم}) أي ولما تجاهدوا لأن
العلم متعلق بالمعلوم فنزل نفي العلم منزلة نفي متعلقه
لأنه منتف بانتفائه تقول ما علم الله في فلان خيرًا أي ما
فيه خير حتى يعلمه ولما بمعنى لم إلا أن فيه ضربًا من
التوقيع فدلّ على نفي الجهاد فيما مضى وعلى توقعه فيما
يستقبل. كذا قرره الزمخشري، وتعقبه أبو حيان فقال: هذا
الذي قاله في لما أنها تدل على توقع الفعل المنفي بها فيما
يستقبل لا أعلم أحدًا من النحويين ذكره، بل ذكروا أنك إذا
قلت لما يخرج زيد دل ذلك على انتفاء الخروج فيما مضى
متصلاً نفيه إلى وقت الإخبار أما أنها تدل على توقعه في
المستقبل فلا، اهـ.
قال في الدر: النحاة إنما فرقوا بينهما من جهة أن المنفي
بلم هو فعل غير مقرون بقد ولما نفي له مقرونًا بها وقد تدل
على التوقع فيكون كلام الزمخشري صحيحًا من هذه الجهة.
({ويعلم الصابرين}) نصب بإضمار أن والواو بمعنى الجمع نحو:
لا تأكل السمك وتشرب اللبن يعني أن دخول الجنة وترك
المصابرة على الجهاد لا يجتمعان ({ولقد كنتم تمنون الموت
من قبل أن تلقوه فقد رأيتموه وأنتم تنظرون}) [آل عمران:
139 - 143]. سقط لأبي ذر وابن عساكر من قوله: {وأنتم
الأعلون} الخ .. وقالا إلى قوله: {وأنتم تنظرون}.
(وقوله) تعالى: ({ولقد صدقكم الله وعده}) حقق ({إذ
تحسونهم}) أي تستأصلونهم قتلاً ({بإذنه}) بأمره وعلمه
({حتى إذ فشلتم}) ضعفتم وجبنتم ({وتنازعتم في الأمر}) أي
اختلفتم حين انهزم المشركون فقال بعضهم: انهزم القوم فما
مقامنا فأقبلتم على الغنيمة. وقال آخرون: ما نتجاوز أمر
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({وعصيتم})
أمر نبيكم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بترككم
المركز واشتغالكم بالغنيمة ({من بعد ما أراكم ما تحبون})
من الظفر وقهر الكفار {منكم من يريد الدنيا} الغنيمة وهم
الذين تركوا المركز لطلب الغنيمة ({ومنكم من يريد الآخرة})
وهم الذين ثبتوا مع عبد الله بن جبير حتى قتلوا ({ثم صرفكم
عنهم}) أي كف معونته عنكم فغلبوكم ({ليبتليكم}) ليمتحن
صبركم على المصائب وثباتكم على الإيمان عندها ({ولقد عفا
عنكم}) حيث ندمتم على ما فرط منكم من عصيان أمره -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({والله ذو فضل على
المؤمنين}) [آل عمران: 152]. بالعفو عنهم وقبول توبتهم
وسقط لابن عساكر من قوله: {بإذنه} الخ .. وقال: في رواية
أبي ذر قتلاً {بإذنه} إلى قوله: {والله ذو فضل على
المؤمنين}.
(وقوله تعالى: {ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله
أمواتًا}) الآية [آل عمران: 169].
الذين مفعول أول وأمواتًا مفعول ثان والفاعل إما ضمير كل
مخاطب أو ضمير الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وسقط قوله الآية لأبي ذر وابن عساكر.
4041 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ
أُحُدٍ: «هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِرَأْسِ فَرَسِهِ
عَلَيْهِ أَدَاةُ الْحَرْبِ».
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم بن موسى) الفراء الصغير قال:
(أخبرنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا
خالد) الحذاء (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه
(قال، قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم
أُحد):
(هذا جبريل) عليه السلام (آخد برأس فرسه عليه أداة الحرب)
هذا الحديث من مراسيل الصحابة -رضي الله عنهم-، ولعل ابن
عباس -رضي الله عنهما- حمله عن أبي بكر
(6/290)
-رضي الله عنه-، فقد ذكر ابن إسحاق أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في يوم بدر خفق
خفقة ثم انتبه فقال: "أبشر يا أبا بكر هذا جبريل عليه
السلام آخذ بعنان فرسه يقوده على ثناياه الغبار".
وقد سبق الحديث في باب شهود الملائكة بدرًا بسنده ومتنه
لكن بلفظ قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يوم بدر بدل قوله هنا يوم أُحُد وهو الصواب
المعروف لا يوم أُحُد، ولذا سقط من رواية أبي ذر وغيره من
المتقنين ولم يثبت إلا في رواية أبي الوقت والأصيلي ولعله
وهم من راو أو ناسخ والله أعلم.
4042 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ
أَخْبَرَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ عَدِيٍّ أَخْبَرَنَا ابْنُ
الْمُبَارَكِ عَنْ حَيْوَةَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي
حَبِيبٍ عَنْ أَبِي الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ
قَالَ: صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: عَلَى قَتْلَى أُحُدٍ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ
كَالْمُوَدِّعِ لِلأَحْيَاءِ وَالأَمْوَاتِ ثُمَّ طَلَعَ
الْمِنْبَرَ فَقَالَ: «إِنِّي بَيْنَ أَيْدِيكُمْ فَرَطٌ،
وَأَنَا عَلَيْكُمْ شَهِيدٌ، وَإِنَّ مَوْعِدَكُمُ
الْحَوْضُ وَإِنِّي لأَنْظُرُ إِلَيْهِ مِنْ مَقَامِي
هَذَا وَإِنِّي لَسْتُ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ
تُشْرِكُوا، وَلَكِنِّي أَخْشَى عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا
أَنْ تَنَافَسُوهَا». قَالَ: فَكَانَتْ آخِرَ نَظْرَةٍ
نَظَرْتُهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الرحيم) صاعقة قال: (أخبرنا
زكريا بن عدي) أبو يحيى الكوفي قال: (أخبرنا ابن المبارك)
عبد الله (عن حيوة) بن شريح الحضرمي الكندي (عن يزيد بن
أبي حبيب) سويد المصري (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله
(عن عقبة بن عامر) الجهني -رضي الله عنه- أنه (قال: صلّى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على قتلى
أُحُد بعد ثماني) بالياء بعد النون ولابن عساكر: ثمان
(سنين) فيه تجوّز لأن وقعة أُحُد كانت في شوال سنة ثلاث
ووفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ربيع الأول
سنة إحدى عشرة وحينئذ فتكون بعد سبع سنين ودون النصف فهو
من باب جبر الكسر.
زاد في الجنائز كغزوة أُحُد صلاته على الميت، والمراد أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعا لهم بدعاء صلاة
الميت والإجماع يدل له لأنه لا يصلّي عليه عند الشافعية،
وعند أبي حنيفة المخالف لا يصلّي على القبر بعد ثلاثة أيام
(كالمودّع للأحياء والأموات ثم طلع) بفتح اللام في الفرع
(المنبر فقال):
(إني بين أيديكم فرط) بفتح الفاء والراء، وزاد في الجنائز
لكم كغزوة أُحُد أي أنا سابقكم إلى الحوض كالمهيئ له
لأجلكم وفيه إشارة إلى قرب وفاته (وأنا عليكم شهيد)
بأعمالكم (وأن موعدكم) يوم القيامة (الحوض وإني لأنظر
إليه) نظرًا حقيقيًا بطريق الكشف (من مقامي هذا) بفتح ميم
مقامي الأولى (وإني لست أخشى عليكم أن تشركوا) بالله. زاد
في الجنائز كالآتي آخر غزوة أُحُد بعدي أي لست أخشى على
جميعكم الإشراك بل على مجموعكم لأن ذلك قد وقع من بعضهم
(ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تنافسوها) بإسقاط إحدى
التاءين أي ترغبوا فيها (قال) عقبة: (فكانت آخر نظرة
نظرتها إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-).
وقد سبق هذا الحديث في الجنائز في باب الصلاة على الشهيد.
4043 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ
إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي
الله عنه- قَالَ: لَقِينَا الْمُشْرِكِينَ يَوْمَئِذٍ
وَأَجْلَسَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- جَيْشًا مِنَ الرُّمَاةِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ
عَبْدَ اللَّهِ وَقَالَ: «لاَ تَبْرَحُوا إِنْ
رَأَيْتُمُونَا ظَهَرْنَا عَلَيْهِمْ فَلاَ تَبْرَحُوا
وَإِنْ رَأَيْتُمُوهُمْ ظَهَرُوا عَلَيْنَا فَلاَ
تُعِينُونَا» فَلَمَّا لَقِينَا هَرَبُوا حَتَّى رَأَيْتُ
النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ فِي الْجَبَلِ رَفَعْنَ عَنْ
سُوقِهِنَّ قَدْ بَدَتْ خَلاَخِلُهُنَّ فَأَخَذُوا
يَقُولُونَ: الْغَنِيمَةَ الْغَنِيمَةَ، فَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ جُبَيرٍ: عَهِدَ إِلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لاَ تَبْرَحُوا
فَأَبَوْا فَلَمَّا أَبَوْا صُرِفَ وُجُوهُهُمْ فَأُصِيبَ
سَبْعُونَ قَتِيلاً وَأَشْرَفَ أَبُو سُفْيَانَ فَقَالَ:
أَفِي الْقَوْمِ مُحَمَّدٌ؟ فَقَالَ: «لاَ تُجِيبُوهُ»،
فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ قَالَ:
«لاَ تُجِيبُوهُ»، فَقَالَ: أَفِي الْقَوْمِ ابْنُ
الْخَطَّابِ؟ فَقَالَ: إِنَّ هَؤُلاَءِ قُتِلُوا فَلَوْ
كَانُوا أَحْيَاءً لأَجَابُوا فَلَمْ يَمْلِكْ عُمَرُ
نَفْسَهُ، فَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ أَبْقَى
اللَّهُ عَلَيْكَ مَا يُحْزِنُكَ، قَالَ أَبُو سُفْيَانَ:
أُعْلُ هُبَلْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَجِيبُوهُ» قَالُوا: مَا نَقُولُ؟
قَالَ: «قُولُوا اللَّهُ أَعْلَى وَأَجَلُّ» قَالَ أَبُو
سُفْيَانَ: لَنَا الْعُزَّى وَلاَ عُزَّى لَكُمْ، فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«أَجِيبُوهُ» قَالُوا: مَا نَقُولُ؟ قَالَ: «قُولُوا
اللَّهُ مَوْلاَنَا وَلاَ مَوْلَى لَكُمْ» قَالَ أَبُو
سُفْيَانَ: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ وَالْحَرْبُ سِجَالٌ
وَتَجِدُونَ مُثْلَةً لَمْ آمُرْ بِهَا وَلَمْ تَسُؤْنِي.
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن موسى) بن
باذام الكوفي (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق)
عمرو بن عبيد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله
عنه-) أنه (قال: لقينا المشركين يومئذ) أي يوم أُحُد
وكانوا ثلاثة آلاف رجل ومعهم مائتا فارس، وجعلوا على
الميمنة خالد بن الوليد، وعلى الميسرة عكرمة بن أبي جهل،
وعلى الخيل صفوان بن أمية أو عمرو بن العاص، وعلى الرماة
عبد الله بن ربيعة، وكان فيهم مائة رام وكان المسلمون مع
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبعمائة
وفرسه عليه الصلاة والسلام وفرس أبي بردة بن نيار (وأجلس
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الهمزة
واللام (جيشًا من الرماة) بضم الراء بالنبل وكانوا خمسين
رجلاً (وأمّر) بتشديد الميم (عليهم عبد الله) بن جبير بن
النعمان أخا بني عمرو بن عوف (وقال):
(لا تبرحوا) من مكانكم، وفي رواية زهير في الجهاد حتى أرسل
إليكم. وعند ابن إسحاق فقال: انضح الخيل عنا بالنبل لا
يأتوننا من خلفنا إن كانت لنا أو علينا فاثبت مكانك (إن
رأيتمونا ظهرنا عليهم) غلبناهم (فلا تبرحوا) من مكانكم
(وإن رأيتموهم) يعني المشركين (ظهروا علينا فلا تعينونا).
وعن ابن سعد في الطبقات: وكان أول من أنشب الحرب بينهم أبو
عامر الفاسق طلع في خمسين من فومه فنادى: أنا أبو عامر،
فقال المسلمون: لا مرحبًا بك ولا أهلاً يا فاسق، فقال: لقد
أصاب قومي بعدي شر، ومعه عبيد قريش فتراموا بالحجارة هم
والمسلمون حتي ولى أبو عامر وأصحابه، وجعل نساء المشركين
يضربن بالدفوف والغرابيل ويحرضن ويذكرنهم قتلى بدر ويقلن:
(6/291)
نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق
إن تقبلوا نعانق ... أو تدبروا نفارق
فراق غير وامق
(فلما لقينا) بحذف المفعول ولابن عساكر: لقيناهم وجعل
الرماة يرشقون خيلهم بالنبل فتولوا هوارب، فصاح طلحة بن
أبي طلحة صاحب اللواء: من يبارز فبرز له علي بن أبي طالب
فالتقيا بين الصفين فبدره علي فضربه على رأسه حتى فلق
هامته فوقع وهو كبش الكتيبة، فسرّ
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك
وأظهر؛ وكبّر المسلمون وشدوا على كتائب المشركين يضربونهم
حتى نقضت صفوفهم، ثم حمل لواءهم عثمان بن أبي طلحة أبو
شيبة وهو أمام النسوة يرتجز ويقول:
إن على أهل اللواء حقًّا ... أن تخضب الصعدة أوتندقا
وحمل عليه حمزة بن عبد المطلب فضربه بالسيف على كاهله فقطع
يده وكتفه حتى انتهى إلى مؤتزره وبدا سحره، ثم حمله أبو
سعيد بن أبي طلحة فرماه سعد بن أبي وقاص فأصاب حنجرته
فأدلع لسانه إدلاع الكلب فقتله، ثم حمله مسافع بن طلحة بن
أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح فقتله، ثم حمله
الحارث بن طلحة بن أبي طلحة فرماه عاصم بن ثابت فقتله، ثم
حمله كلاب بن أبي طلحة بن عبيد الله فقتله الزبير بن
العوّام، ثم حمله الجلاس بن طلحة بن أبي طلحة بن عبيد
الله، ثم حمله أرطأة بن شرحبيل فقتله عليّ بن أبي طالب، ثم
حمله شريح بن قارظ فلسنا ندري من قتله، ثم حمله صوّاب
غلامهم فقال قائل: قتله سعد بن أبي وقاص، وقال قائل: قتله
علي بن أبي طالب، وقال قائل: قتله قزمان وهو أثبت الأقوال،
فلما قتل أصحاب اللواء (هربوا) أي المشركون منهزمين لا
يلوون (حتى رأيت النساء) المشركات (يشتددن) بفتح التحتية
وسكون الشين المعجمة وفتح الفوقية وكسر المهملة الأولى
وسكون الثانية بعدها نون أي يسرعن المشي (في الجبل) ولابن
عساكر: يتشددن بتحتية ففوقية فمعجمة فمهملة مشددة مفتوحات،
ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني: يسندن بتحتية مضمومة
فسين مهملة ساكنة فنون مكسورة فدال مهملة ساكنة فنون أي
يصعدن في الجبل (رفعن) ولأبي ذر: يرفعن (عن سوقهن) جمع ساق
ليعينهن ذلك على سرعة الهرب (قد بدت) ظهرت (خلاخلهن) وسمى
ابن إسحاق النساء المذكورات: هند بنت عتبة خرجت مع أبي
سفيان، وأم حكيم بنت الحارث بن هشام مع زوجها عكرمة بن أبي
جهل، وفاطمة بنت الوليد بن المغيرة مع زوجها الحارث بن
هشام، وبرزة بنت مسعود الثقفية مع صفوان بن أمية وهي والدة
ابن صفوان، وريطة بنت شيبة السهمية مع زوجها عمرو بن العاص
وهي والدة ابنة عبد الله، وسلامة بنت سعد عن زوجها طلحة بن
أبي طلحة الحجبي، وخناس بنت مالك والدة مصعب بن عمير وعمرة
بنت علقمة بن كنانة.
(فأخذوا) أي المسلمون (يقولون) خذوا (الغنيمة) خذوا
(الغنيمة. فقال عبد الله بن جبير: عهد إليّ) بتشديد
التحتية (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا
تبرحوا) من مكانكم (فأبوا) وقالوا: لم يرد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا قد انهزم
المشركون فما مقامنا هاهنا ووقعوا ينتهبون العسكر ويأخذون
ما فيه من الغنائم، وثبت أميرهم عبد الله في نفر يسير دون
العشرة مكانه وقال: لا أجاوز أمر رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلما أبَوْا صرف وجوههم) أي
تحيروا فلم يدروا أين يذهبون. ونظر خالد بن الوليد إلى
خلاء الجبل وقلة أهله فكرّ بالخيل وتبعه عكرمة بن أبي جهل
وحملوا على من بقي من الرماة فقتلوهم وقتل أميرهم عبد الله
بن جبير، وانتقضت صفوف المسلمين واستدارت رحاهم
وحالت الريح فصارت دبورًا وكانت قبل ذلك صبا، ونادى إبليس
لعنه الله: إن محمدًا قد قتل، واختلط المسلمون فصاروا
يقتلون على غير شعار ويضرب بعضهم بعضًا ما يشعرون به من
العجلة والدهش. (فأصيب سبعون قتيلاً) من المسلمين وذكرهم
ابن سيد الناس فزادوا على المائة، وقيل: إن السبعين من
الأنصار خاصة، وثبت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ما زال يرمي عن قوسه حتى
(6/292)
صارت شظايا ويرمي بالحجر، وثبت معه عصابة
من أصحابه أربعة عشر رجلاً سبعة من المهاجرين منهم: أبو
بكر الصديق، وسبعة من الأنصار وكان يوم بلاء وتمحيص أكرم
الله فيه من أكرم من المسلمين بالشهادة حتى خلص العدوّ إلى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقذف
بالحجارة حتى وقع لشقه وأصيبت رباعيته وشجّ في وجهه وكلمت
شفته، وكان الذي أصابه من ضربة وجعل الدم يسيل على وجهه.
(وأشرف) اطلع (أبو سفيان) صخر بن حرب (فقال: أفي القوم
محمد)؟ بهمزة الاستفهام.
زاد ابن سعد ثلاثًا (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (لا تجيبوه. فقال: أفي القوم ابن أبي قحافة)؟
أبو بكر الصديق (قال) عليه الصلاة والسلام: (لا تجيبوه.
فقال: أفي القوم ابن الخطاب)؟ عمر ثم أقبل أبو سفيان على
أصحابه (فقال: إن هؤلاء قتلوا) وقد كفيتموهم (فلو كانوا
أحياء لأجابوا فلم يملك عمر نفسه فقال) له: (كذبت يا عدوّ
الله) إن الذين عددت لأحياء كلهم وقد (أبقى الله عليك)
ولأبي ذر وابن عساكر: لك (ما يحزنك) بالتحتية المضمومة
وسكون الحاء المهملة بعدها نون مضمومة أو بالمعجمة وبعدها
تحتية ساكنة ثم (قال أبو سفيان: أعل) بضم الهمزة وسكون
العين المهملة وضم اللام يا (هبل) بضم الهاء وفتح الموحدة
بعدها لام اسم صنم كان في الكعبة أي أظهر دينك أو زد
علوًّا أو ليرتفع أمرك ويعز دينك فقد غلبت (فقال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أجيبوه. قالوا: ما
نقول؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (قولوا الله أعلى وأجل.
قال أبو سفيان: لنا العزى ولا عزى لكم) تأنيث الأعز بالزاي
اسم صنم لقريش (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: أجيبوه. قالوا: ما نقول؟ قال: قولوا الله
مولانا) ولينا وناصرنا (ولا مولى لكم) أي لا ناصر لكم
فالله تعالى مولى العباد جميعًا من جهة الاختراع ومالك
التصرف ومولى المؤمنين خاصة من جهة النصرة (قال أبو سفيان:
يوم بيوم بدر) أي هذا يوم بمقابلة يوم بدر، وكان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه يوم بدر
أصابوا من المشركين أربعين ومائة سبعين أسيرًا وسبعين
قتيلاً، وفي أُحُد استشهد من الصحابة سبعون كما مرّ
(والحرب سجال) أي نوب نوبة لك ونوبة لنا (وتجدون) ولأبي ذر
عن الكشميهني: وستجدون (مثلة) بضم الميم وسكون المثلثة أي
بمن استشهد من المسلمين كجدع الآذان والأنوف (لم آمر بها)
أن تفعل بهم، وسقط لابن عساكر والكشميهني لفظ بها (و)
الحال أنها (لم تسؤني) وإن كنت ما أمرت بها.
وعند ابن إسحاق عن صالح بن كيسان قال: خرجت هند والنسوة
معها يمثلن بالقتلى من أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجدعن الآذان والأنوف حتى اتخذت هند
من ذلك خدمًا وقلائد وأعطت خدمها وقلائدها وقرطها اللاتي
كنّ عليها لوحشي جزاء له على قتله حمزة، وبقرت عن كبد حمزة
فلاكتها فلم تسغها فلفظتها ثم علت على صخرة مشرفة فصرخت
بأعلى صوتها فقالت:
نحن جزيناكم بيوم بدر ... والحرب بعد الحرب ذات سعر
ما كان عن عتبة لي من صبر ... ولا أخي وعمه وبكر
شفيت نفسي وقضيت نذري ... شفيت وحشيّ غليل صدري
فشكر وحشي عليّ عمري ... حتى ترمّ أعظمي في قبري
وحديث الباب من أفراد المؤلّف.
4044 - أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ قَالَ
اصْطَبَحَ الْخَمْرَ يَوْمَ أُحُدٍ نَاسٌ ثُمَّ قُتِلُوا
شُهَدَاءَ.
وبه قال: (أخبرني) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: حدثني
بالإفراد فيهما (عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو ابن دينار (عن جابر) هو ابن
عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: اصطبح
الخمر) أي شربه صبوحًا (يوم أُحُد) قبل تحريمه (ناس) منهم
عبد الله والد جابر (ثم قتلوا شهداء) والخمر في بطونهم فلم
يمنعهم ما كان في علم الله من تحريمها ولا كونها في بطونهم
من حكم الشهادة وفضلها لأن التحريم إنما
(6/293)
يلزم بالنهي وما كان قبل النهي فغير مخاطب
به.
وهذا الحديث قد مرّ في باب فضل قول الله تعالى: {ولا تحسبن
الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا} [آل عمران: 169]. من
كتاب الجهاد.
4045 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ
أَبِيهِ إِبْرَاهِيمَ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
عَوْفٍ أُتِيَ بِطَعَامٍ وَكَانَ صَائِمًا فَقَالَ: قُتِلَ
مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ وَهْوَ خَيْرٌ مِنِّي كُفِّنَ فِي
بُرْدَةٍ إِنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ بَدَتْ رِجْلاَهُ وَإِنْ
غُطِّيَ رِجْلاَهُ بَدَا رَأْسُهُ وَأُرَاهُ قَالَ:
وَقُتِلَ حَمْزَةُ، وَهْوَ خَيْرٌ مِنِّي، ثُمَّ بُسِطَ
لَنَا مِنَ الدُّنْيَا مَا بُسِطَ، أَوْ قَالَ أُعْطِينَا
مِنَ الدُّنْيَا مَا أُعْطِينَا وَقَدْ خَشِينَا أَنْ
تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا ثُمَّ جَعَلَ
يَبْكِي حَتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان المروزي
قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (عبد الله بن المبارك)
المروزي قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد بن إبراهيم)
بسكون العين (عن أبيه إبراهيم أن) أباه (عبد الرحمن بن
عوف) بالفاء (أتي بطعام) في الشمائل للترمذي أنه كان خبزًا
ولحمًا (وكان صائمًا) وعند أبي عمر وكان في مرض موته
(فقال: قتل مصعب بن عمير) مصغرًا يوم وقعة أُحُد قتله ابن
قميئة بفتح القاف وكسر الميم وسكون الياء بعدها همزة بوزن
سفينة قيل اسمه عبد الله وقيل عمرو حكاهما في النبراس
ظانًّا أنه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بعد أن قاتل دون رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- دفع إليه اللواء كما قيل. وقال ابن سعد: إنه
لما قتل أخذ اللواء ملك على صورته (وهو خير مني) قاله
تواضعًا أو قبل العلم بكونه من العشرة المبشرة بالجنة
(كفن في بردة إن غطي) بها (رأسه) بضم الغين مبنيًّا
للمفعول ككفن (بدت) ظهرت (رجلاه وإن غطي رجلاه بدا) ظهر
(رأسه) لقصرها (وأراه) بضم الهمزة أي أظنه (قال: وقتل
حمزة) بن عبد المطلب (وهو خير مني) قتله وحشي وشق بطنه
وأخذ كبده فجاء بها إلى هند بنت عتبة بن ربيعة فمضعتها ثم
لفظتها ثم جاءت فمثلت بحمزة وجعلت من ذلك مسكتين ومعضدتين
حتى قدمت بذلك بكبده مكة. قال ابن سعد: وعند الحاكم من
حديث أن أنس أن حمزة كفن أيضًا كذلك (ثم بسط لنا من الدنيا
ما بسط) بضم الموحدة مبنيًّا للمفعول فيهما بسبب الفتوحات
والغنائم (أو قال: أعطينا من الدنيا ما أعطينا) بضم الهمزة
بدل بسط فيهما (وقد خشينا أن تكون حسناتنا عجلت) ولابن
عساكر وأبي ذر عن الكشميهني قد عجلت (لنا ثم جعل يبكي)
خوفًا على أن لا يلحق بمن تقدمه وحزنًا على تأخره عنهم.
(حتى ترك الطعام).
ومباحث هذا الحديث تأتي إن شاء الله تعالى بعون الله
وقوّته في الرقاق.
4046 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَجُلٌ
لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ
أُحُدٍ أَرَأَيْتَ إِنْ قُتِلْتُ فَأَيْنَ أَنَا؟ قَالَ:
«فِي الْجَنَّةِ» فَأَلْقَى تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ ثُمَّ
قَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع، ولأبي ذر: حدثني (عبد الله بن
محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن عمرو) هو
ابن دينار أنه (سمع جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله
عنهما- قال قال رجل) قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على اسمه
(للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) غزوة
(أُحُد: أرأيت) أي أخبرني (إن قتلت فأين أنا؟ قال) رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(في الجنة فألقى) الرجل (تمرات) كانت (في يده ثم قاتل حتى
قتل) وقد زعم ابن بشكوال أن اسم هذا الرجل عمير بن الحمام
بضم المهملة وتخفيف الميم الأولى ابن الجموح الأنصاري
السلمي محتجًا بحديث أنس عند مسلم: أن عمير بن الحمام أخرج
تمرات فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي
هذه إنها لحياة طويلة، ثم قاتل حتى قتل، وانتقد بما في
أُسد الغابة أن عميرًا هذا قتل ببدر وهو أول قتيل قتل من
الأنصار في الإسلام في حرب، وعند ابن إسحاق أنه لاقى القوم
يوم بدر وهو يقول:
ركضًا إلى الله بغير زاد ... إلا التقى وعمل المعاد
والصبر في الله على الجهاد ... إن التقى من أعظم السداد
وأما قصة الباب فوقع التصريح فيها بأنها يوم أُحُد فالظاهر
كما في الفتح أنهما قضيتان وقعتا لرجلين.
4047 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ
خَبَّابٍ بْنِ
الأَرَتِّ -رضي الله عنه- قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَبْتَغِي
وَجْهَ اللَّهِ فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى اللَّهِ وَمِنَّا
مَنْ مَضَى أَوْ ذَهَبَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ
شَيْئًا كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ قُتِلَ
يَوْمَ أُحُدٍ لَمْ يَتْرُكْ إِلاَّ نَمِرَةً كُنَّا إِذَا
غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاَهُ وَإِذَا
غُطِّيَ بِهَا رِجْلاَهُ خَرَجَ رَأْسُهُ فَقَالَ لَنَا
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «غَطُّوا
بِهَا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا عَلَى رِجْلِهِ الإِذْخِرَ
-أَوْ قَالَ- أَلْقُوا عَلَى رِجْلِهِ مِنَ الإِذْخِرِ»
وَمِنَّا مَنْ قَدْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ
يَهْدُبُهَا.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن
يونس بن عبد الله التميمي اليربوعي الكوني ونسبه لجده
لشهرته به قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: (حدّثنا
الأعمش) سليمان (عن شقيق) هو ابن سلمة (عن خباب بن الأرتّ)
بالمثناة الفوقية المشددة (-رضي الله عنه-) أنه (قال:
هاجرنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
إلى المدينة حال كوننا (نبتغي) نطلب (وجه الله) لا الدنيا
(فوجب أجرنا على الله) فضلاً منه تعالى (ومنا) بالواو وفي
اليونينية وغيرها وفي الفرع فما بالفاء
(6/294)
(من مضى) مات (أو) قال: (ذهب) بالشك من
الراوي (لم يأكل من أجره) من الغنائم (شيئًا) بل قصر نفسه
عن شهواتها لينالها موفرة في الآخرة (كان منهم مصعب بن
عمير قتل يوم أُحُد لم يترك إلا نمرة) بفتح النون وكسر
الميم شملة مخططة من صوف (كنا إذا غطينا) بفتح الغين (بها
رأسه خرجت رجلاه وإذا غطي) بضم الغين (بها رجلاه خرج رأسه،
فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(غطوا بها رأسه واجعلوا على رجله) بالإفراد (الإذخر)
بالذال المعجمة وسقط لأبي ذر وابن عساكر على رجله الإذخر
(أو قال) عليه الصلاة والسلام (ألقوا) بفتح الهمزة وضم
القاف (على رجله) بالإفراد، ولأبي ذر وابن عساكر في نسخة:
رجليه (من الإذخر ومنا من أينعت) بفتح الهمزة وسكون
التحتية وفتح النون بعدها عين مهملة أدركت ونضجت، ولغير
أبي ذر وابن عساكر: قد أينعت (له ثمرته فهو يهدبها) بفتح
أوله وضم الدال المهملة وكسرها بعدها موحدة يجتنيها.
وهذا الحديث قد سبق في الجنائز.
4048 - أَخْبَرَنَا حَسَّانُ بْنُ حَسَّانَ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ طَلْحَةَ حَدَّثَنَا حُمَيْدٌ عَنْ أَنَسٍ
-رضي الله عنه- أَنَّ عَمَّهُ غَابَ عَنْ بَدْرٍ فَقَالَ:
غِبْتُ عَنْ أَوَّلِ قِتَالِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَئِنْ أَشْهَدَنِي اللَّهُ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لَيَرَيَنَّ اللَّهُ مَا أُجِدُّ فَلَقِيَ يَوْمَ أُحُدٍ
فَهُزِمَ النَّاسُ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعْتَذِرُ
إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هَؤُلاَءِ -يَعْنِي
الْمُسْلِمِينَ- وَأَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا جَاءَ بِهِ
الْمُشْرِكُونَ فَتَقَدَّمَ بِسَيْفِهِ فَلَقِيَ سَعْدَ
بْنَ مُعَاذٍ فَقَالَ: أَيْنَ يَا سَعْدُ إِنِّي أَجِدُ
رِيحَ الْجَنَّةِ دُونَ أُحُدٍ فَمَضَى فَقُتِلَ فَمَا
عُرِفَ حَتَّى عَرَفَتْهُ أُخْتُهُ بِشَامَةٍ أَوْ
بِبَنَانِهِ وَبِهِ بِضْعٌ وَثَمَانُونَ مِنْ طَعْنَةٍ
وَضَرْبَةٍ وَرَمْيَةٍ بِسَهْمٍ.
وبه قال: (أخبرنا) ولأبي ذر: حدّثنا (حسان بن حسان) أبو
علي بن أبي عباد المصري نزيل
مكة المشرفة قال: (حدّثنا محمد بن طلحة) بن مصرف الهمداني
قال: (حدّثنا حميد) الطويل (عن أنس -رضي الله عنه- أن عمه)
أنس بن النضر بسكون الضاد المعجمة (غاب عن) غزوة (بدر
فقال: غبت عن أول قتال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) لأن غزوة بدر كانت أول غزوة غزاها رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لئن أشهدني الله مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بحذف المفعول
وزاد في الجهاد قتال المشركي (ليرين الله) بنون التوكيد
الثقيلة (ما أجد) بضم الهمزة وكسر الجيم وتشديد الدال
المهملة في الفرع كأصله، وعزاه في الفتح للأكثرين قال
العيني: من مضاعف الثلاثي المزيد فيه يقال: أجدّ في الشيء
يجد إذا بالغ فيه، وقال السفاقسي: صوابه بفتح الهمزة وضم
الجيم يقال: جدّ يجد إذا اجتهد في الأمر وبالغ فيه، وأما
أجد فإنما يقال لمن سار في أرض مستوية ولا معنى له هاهنا
وقال في المصابيح: إنه صواب وله وجه ظاهر تقول: أجد فلان
هذا الشيء إذا جعله جديدًا، فالمعنى ليرين الله ما أجدد في
الإسلام من شدة القتل بالكفار واقتحام الأهوال في قتالهم
قال: وضبطه بعضهم بفتح الهمزة وكسر الجيم وتخفيف الدال
مضارع وجد أي: ليرين الله ما أجده أنا في نفسي من المشقّة
وارتكاب الخطر.
(فلقي يوم أُحُد فهزم الناس) بضم الهاء مبنيًّا للمفعول
(فقال: اللهم إني أعتذر إليك مما صنع هؤلاء يعني المسلمين)
من الانهزام (وأبرأ إليك مما جاء به المشركون) من القتال
(فتقدم بسيفه) نحو المشركين (فلقي سعد بن معاذ) منهزمًا
(فقال) له: (أين يا سعد) ولأبي ذر عن الكشميهني: فقال أي
سعد (إني أجد ريح الجنة) حقيقة (دون أُحُد) أي عند أُحُد
وهو كناية عن شدة اجتهاده المؤدي إلى الجنة (فمضى) إلى
القتال وقاتل قتالاً شديدًا (فقتل) شهيدًا (فما عرف) بضم
العين (حتى عرفته أخته) الربيع بنت النضر (بشامة) وهي
الخال (أو ببنانه) بموحدتين ونونين بينهما ألف أي بأصابعه
وقيل بأطرافها (وبه بضع) بكسر الموحدة (وثمانون من طعنة)
برمح (وضربة) بسيف (ورمية بسهم) زاد في الجهاد وقد مثل به
المشركون.
4049 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ
أَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ أَنَّهُ
سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ:
فَقَدْتُ آيَةً مِنَ الأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا
الْمُصْحَفَ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَؤُهَا
فَالْتَمَسْنَاهَا، فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ
ثَابِتٍ الأَنْصَارِيِّ {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ
صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ
قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} [الأحزاب: 23]
فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) أبو سلمة التبوذكي قال:
(حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم قال:
(أخبرني) بالإفراد (خارجة بن زيد بن ثابت) الأنصاري (أنه
سمع زيد بن ثابت) الأنصاري (-رضي الله عنه- يقول: فقدت)
بفتح القاف (آية من الأحزاب حين نسخنا المصحف) بأمر عثمان
بن عفان -رضي الله عنه- (كنت أسمع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقرؤها فالتمسناها) أي
طلبناها (فوجدناها مع خزيمة بن ثابت الأنصاري) زاد في
الجهاد والتفسير الذي جعل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهادته بشهادة
رجلين وهي قوله تعالى: {من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا
الله عليه} [الأحزاب: 23]
(6/295)
أي فيما عاهدوه عليه فحذف الجار كما في
المثل: صدقني سن بكره بطرح الجار وإيصال الفعل أي في سن
بكره، وكان قد نذر رجال من الصحابة أنهم إذا لقوا حربًا مع
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثبتوا
وقاتلوا حتى يستشهدوا وهم: عثمان بن عفان، وطلحة، وسعيد بن
زيد، وحمزة، ومصعب وغيرهم ({فمنهم من قضى نحبه}) [الأحزاب:
23] أي مات شهيدًا كحمزة ومصعب وقضاء النحب صار عبارة عن
الموت لأن كل حيّ من المحدثات لا بدّ له من أن يموت فكأنه
نذر لازم في كل رقبة فإذا مات فقد قضى نحبه أي نذره
({ومنهم من ينتظر}) [الأحزاب: 23]. الشهادة كعثمان وطلحة
وسقط قوله: ومنهم من ينتظر لابن عساكر (فألحقناها) أي
الآية (في سورتها في المصحف) عملاً بثبوت تواترها عندهم
قيل مع شهادة عمر وغيره.
4050 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ يَزِيدَ يُحَدِّثُ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ -رضي
الله عنه-، قَالَ: لَمَّا خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى أُحُدٍ رَجَعَ نَاسٌ
مِمَّنْ خَرَجَ مَعَهُ وَكَانَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِرْقَتَيْنِ
فِرْقَةً تَقُولُ: نُقَاتِلُهُمْ، وَفِرْقَةً تَقُولُ: لاَ
نُقَاتِلُهُمْ فَنَزَلَتْ {فَمَا لَكُمْ فِي
الْمُنَافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا
كَسَبُوا} [النساء: 88] وَقَالَ: «إِنَّهَا طَيْبَةُ
تَنْفِي الذُّنُوبَ كَمَا تَنْفِي النَّارُ خَبَثَ
الْفِضَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري
أنه (قال: سمعت عبد الله بن يزيد) من الزيادة الخطمي حال
كونه (يحدث عن زيد بن ثابت) الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه
(قال: لما خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إلى) غزوة (أُحد) سنة ثلاث من الهجرة (رجع ناس) من الشوط
بين المدينة وأُحد وهم عبد الله بن أبي ومن تبعه من
المنافقين وكانوا ثلث الناس (ممن خرج معه، وكان أصحاب
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرقتين فرقة
تقول: نقاتلهم) أي المنافقين الراجعين (وفرقة) بالنصب
فيهما بدلاً من فرقتين ولأبي ذر فرقة بالرفع فيهما على
القطع (تقول: لا نقاتلهم) لأنهم مسلمون (فنزلت) لما
اختلفوا ({فما لكم في المنافقين فئتين}) أي تفرقتم في
أمرهم فرفتين ({والله أركسهم}) ردهم إلى حكم الكفار ({بما
كسبوا}) [النساء: 88] بسبب عصيانهم ومخالفتهم (وقال) النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إنها طيبة تنفي الذنوب) أي تميز وتظهر بالظاء المعجمة
أصحاب الذنوب (كما تنفي النار خبث الفضة) وهو ما تلقيه
النار من وسخها إذا أذيبت وقوله وقال: إنها الخ هو حديث
آخر سبق في آخر الحج كما نبه عليه في الفتح.
18 - باب
18 - باب {إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ
تَفْشَلاَ وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللَّهِ
فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران: 122].
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({إذ}) أي: واذكر إذ
({همت}) أي عزمت ({طائفتان منكم}) حيان من الأنصار بنو
سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس ({أن تفشلا}) أي بأن
تجبنا وتصعفا، وكان عليه الصلاة والسلام خرج إلى أُحد في
ألف والمشركون في ثلاثة آلاف، ووعدهم بالفتح إن صبروا
فانخزل ابن أبي بثلث الناس وقال: علام نقتل أنفسنا
وأولادنا؟ فهمّ الحيان باتباعه فعصمهم الله تعالى فمضوا مع
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وعن ابن
عباس -رضي الله عنهما- أضمروا أن يرجعوا فعزم الله تعالى
لهم على الرشد فثبتوا، والظاهر أنها ما كانت إلا همة وحديث
نفس وما لا تخلو النفس عند الشدة من بعض الهلع ثم يردها
صاحبها إلى الثبات والصبر ويوطنها على احتمال المكروه ولو
كانت عزيمة لما ثبتت معها الولاية والله تعالى يقول:
({والله وليهما}) ويجوز أن يراد والله ناصرهما ومتولي
أمرهما فما لهما يفشلان ولا يتركان على الله تعالى ({وعلى
الله فليتوكل المؤمنون}) [آل عمران: 122] أمرهم بأن لا
يتوكلوا إلا عليه ولا يفوضوا أمرهم إلا إليه، وسقط لأبي ذر
وابن عساكر: وعلى الله فليتوكل المؤمنون وقالا: الآية.
4051 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو عَنْ جَابِرٍ -رضي الله
عنه- قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا {إِذْ هَمَّتْ
طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ} [آل عمران: 122]
بَنِي سَلِمَةَ وَبَنِي حَارِثَةَ وَمَا أُحِبُّ أَنَّهَا
لَمْ تَنْزِلْ وَاللَّهُ يَقُولُ: {وَاللَّهُ
وَلِيُّهُمَا}. [الحديث 4051 - طرفه في: 4558].
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) البيكندي قال: (حدّثنا ابن
عيينة) سفيان كذا في الفرع والذي في اليونينية عن ابن
عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن جابر) أي ابن
عبد الله الأنصاري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: نزلت هله
الآية فينا {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} بني سلمة) بكسر
اللام من الخزرج (وبني حارثة) بالمثلثة من الأوس (وما أحب
أنها لم تنزل) بفتح أوله وكسر ثالثه (والله) أي والحال أن
الله تعالى (يقول): ولابن عساكر لقول الله تعالى: ({والله
وليهما}) أي لما حصل لهم من الشرف بثناء الله تعالى
وإنزاله فيهم آية ناطقة بصحة الولاية وأن تلك غير المأخوذ
بها لأنها لم تكن عن عزيمة وتصميم كانت سببًا لنزولها.
4052 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
أَخْبَرَنَا عَمْرٌو هُوَ ابْنُ دِينَارٍ عَنْ جَابِرٍ
قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَلْ نَكَحْتَ يَا جَابِرُ»؟
قُلْتُ: نَعَمْ قَالَ: «مَاذَا أَبِكْرًا أَمْ ثَيِّبًا»؟
قُلْتُ: لاَ بَلْ ثَيِّبًا قَالَ: «فَهَلاَّ جَارِيَةً
تُلاَعِبُكَ» قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ أَبِي
قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ تِسْعَ بَنَاتٍ كُنَّ لِي
تِسْعَ أَخَوَاتٍ فَكَرِهْتُ أَنْ أَجْمَعَ إِلَيْهِنَّ
جَارِيَةً خَرْقَاءَ مِثْلَهُنَّ وَلَكِنِ امْرَأَةً
تَمْشُطُهُنَّ وَتَقُومُ عَلَيْهِنَّ قَالَ: «أَصَبْتَ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا سفيان) بن
عيينة قال: (أخبرنا عمرو) هو ابن دينار ولأبي ذر عن عمرو
(عن جابر) بن
(6/296)
عبد الله الأنصاري أنه (قال: قال لي رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(هل نكحت يا جابر)؟ أي هل تزوجت (قلت: نعم) يا رسول الله
(قال: ماذا)؟ نكحت (أبكرًا) نكحت (أم ثيبًا)؟ بالمثلثة
(قلت: لا) أي لم أنكح بكرًا (بل) نكحت (ثيبًا. قال) عليه
الصلاة والسلام: (فهلا) نكحت (جارية) بكرًا (تلاعبك قلت:
يا رسول الله إن أبي) عبد الله بن عمرو بن حرام (قتل يوم
أُحد) قتله أسامة الأعور بن عبيد أو سفيان بن عبد شمس بن
أبي الأعور السلمي (وترك تسع بنات) قال الحافظ ابن حجر: لم
أقف على أسمائهن (كنّ لي تسع أخوات فكرهت أن أجمع إليهن
جارية خرقاء) بخاء معجمة فراء ساكنة فقاف مفتوحة ممدودًا
حمقاء جاهلة لا تحسن العمل ولا تجربة لها (مثلهن ولكن
امرأة تمشطهن) بضم الشين المعجمة أي تسرح شعرهن بالمشط
(وتقوم عليهن. قال) عليه الصلاة والسلام: (أصبت).
4053 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ أَبِي سُرَيْجٍ
أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ عَنْ فِرَاسٍ عَنِ الشَّعْبِيِّ قَالَ:
حَدَّثَنِي جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما-
أَنَّ أَبَاهُ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ وَتَرَكَ
عَلَيْهِ دَيْنًا وَتَرَكَ سِتَّ بَنَاتٍ، فَلَمَّا حَضَرَ
جِذَاذُ النَّخْلِ قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ: قَدْ
عَلِمْتَ أَنَّ وَالِدِي قَدِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ أُحُدٍ
وَتَرَكَ دَيْنًا كَثِيرًا وَإِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَرَاكَ
الْغُرَمَاءُ فَقَالَ: «اذْهَبْ فَبَيْدِرْ كُلَّ تَمْرٍ
عَلَى نَاحِيَةٍ» فَفَعَلْتُ، ثُمَّ دَعَوْتُهُ فَلَمَّا
نَظَرُوا إِلَيْهِ كَأَنَّهُمْ أُغْرُوا بِي تِلْكَ
السَّاعَةَ فَلَمَّا رَأَى مَا يَصْنَعُونَ أَطَافَ حَوْلَ
أَعْظَمِهَا بَيْدَرًا ثَلاَثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ جَلَسَ
عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لَكَ أَصْحَابَكَ فَمَا زَالَ
يَكِيلُ لَهُمْ حَتَّى أَدَّى اللَّهُ عَنْ وَالِدِي
أَمَانَتَهُ وَأَنَا أَرْضَى أَنْ يُؤَدِّيَ اللَّهُ
أَمَانَةَ وَالِدِي وَلاَ أَرْجِعَ إِلَى أَخَوَاتِي
بِتَمْرَةٍ فَسَلَّمَ اللَّهُ الْبَيَادِرَ كُلَّهَا
حَتَّى إِنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْبَيْدَرِ الَّذِي كَانَ
عَلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَأَنَّهَا لَمْ تَنْقُصْ تَمْرَةً وَاحِدَةً.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن أبي سريج) بضم السين
المهملة آخره جيم واسمه الصباح النهشلي قال: (أخبرنا عبيد
الله) بضم العين (ابن موسى) بن باذام الكوفي قال: (حدّثنا
شيبان) بن عبد الرحمن (عن فراس) بكسر الفاء وتخفيف الراء
وسين مهملة ابن يحيى (عن الشعبي) هو عامر بن شراحيل أنه
(قال: حدثني) بالإفراد (جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي
الله عنهما- أن أباه استشهد يوم أُحد وترك عليه دينًا)
ثلاثين وسقًا لرجل من اليهود (وترك ست بنات) لا ينافي
الرواية السابقة تسع لأن التخصيص بالعدد لا ينافي الزائد
أو أن ثلاثًا منهن كن متزوجات أو بالعكس (فلما حضر جذاذ
النخل) بفتح الجيم وكسرها وبالذالين المعجمتين بينهما ألف
ولأبي ذر عن الكشميهني وابن عساكر في نسخة جداد بكسر الجيم
وبدالين مهملتين أي قطعه (قال: أتيت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت) له: يا رسول الله (قد
علمت أن والدي قد استشهد يوم أُحد وترك) عليه (دينًا
كثيرًا وإني أحب أن يراك الغرماء فقال):
(اذهب) إلى حائطك (فبيدر) بكسر الدال المهملة وجزم الراء
أي اجمع (كل تمر) أي نوع من التمر في موضع ولأبي ذر عن
الكشميهني تمرة (على ناحية) (ففعلت) ذلك (ثم دعوته)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلما
نظروا) أي الغرماء (إليه) عليه الصلاة والسلام (كأنهم)
ولأبي ذر كأنما (أغرّوا بي) بضم الهمزة وسكون الغين
المعجمة أي لحوا في مطالبتي وألحوا عليّ وكأنهم أمروا بذلك
(تلك الساعة فلما رأى) عليه الصلاة والسلام (ما يصنعون
أطاف حول أعظمها بيدرًا) أي ألم به وقاربه (ثلاث مرّات ثم
جلس) عليه الصلاة والسلام (عليه ثم قال: ادع لك) بالكاف
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ادع لي (أصحابك) يعني
الغرماء (فما زال يكيل لهم حتى أدى الله عن والدي أمانته
وأنا أرضى أن يؤدي الله أمانة والدي ولا أرجع إلى أخواتي
بتمرة فسلم الله البيادر كلها حتى أني أنظر إلى البيدر
الذي كان عليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كأنها لم تنقص) منه (تمرة واحدة) وهذا من أعلام نبوّته
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وقد سبق هذا الحديث في مواضع كالبيع والقرض والمراد من
سياقه هنا أن عبد الله والد جابر كان ممن استشهد بأُحد.
4054 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
جَدِّهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه-
قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ وَمَعَهُ رَجُلاَنِ يُقَاتِلاَنِ
عَنْهُ عَلَيْهِمَا ثِيَابٌ بِيضٌ كَأَشَدِّ الْقِتَالِ
مَا رَأَيْتُهُمَا قَبْلُ وَلاَ بَعْدُ. [الحديث 4054 -
طرفه في: 5826].
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي قال:
(حدّثنا إبراهيم بن سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن جده عن سعد بن أبي وقاص
-رضي الله عنه-) أنه (قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) وقعة (أُحد ومعه رجلان) هما
جبريل وميكائيل عليهما الصلاة والسلام كما في مسلم
(يقاتلان) الكفار (عنه) عليه الصلاة والسلام (عليهما ثياب
بيض كأشد القتال) الكاف زائدة أو للتشبيه أي كأشد قتال بني
آدم (ما رأيتهما قبل ولا بعد) وهذا يرد قول من قال: إن
الملائكة لم تقاتل معه إلا يوم بدر وكانوا يكونون فيما
سواه عددًا ومددًا.
4055 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ حَدَّثَنَا هَاشِمُ
بْنُ هَاشِمٍ السَّعْدِيُّ قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ
الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: سَمِعْتُ سَعْدَ بْنَ أَبِي
وَقَّاصٍ يَقُولُ: نَثَلَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كِنَانَتَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ:
«ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي
قال: (حدّثنا مروان بن معاوية) بن الحارث أبو عبد الله
الكوفي قال: (حدّثنا هاشم بن هاشم) بفتح الهاء بعدها ألف
فمعجمة فيهما ابن عبيد بن
(6/297)
أبي وقاص الزهري المدني ويقال هاشم بن هاشم
بن هاشم (السعدي) ابن أخي سعد بن أبي وقاص (قال: سمعت سعيد
بن المسيب يقول: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: نثل) بالنون
والمثلثة واللام المفتوحات استخرج (لي النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كنانته يوم أُحد) بكسر القاف
وتخفيف النون جعبة النبل (فقال) عليه الصلاة والسلام لي:
(ارم فداك أبي وأمي) بكسر الفاء وتفتح أي لو كان لي إلى
الفداء سبيل لفديتك بأبوي اللذين هما عزيزان عندي، والمراد
من التفدية لازمها وهو الرضا أي ارم مرضيًا.
4056 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ
الْمُسَيَّبِ قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ: جَمَعَ لِي
رَسُولُ الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
بن سعيد القطان (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري أنه (قال: سمعت
سعيد بن المسيب قال): ولأبي ذر وابن عساكر يقول: (سمعت
سعدًا) هو ابن أبي وقاص (يقول: جمع لي رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبويه) فقال: كما في السابقة
"ارم فداك أبي وأمي" (يوم أُحد).
4057 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا لَيْثٌ عَنْ
يَحْيَى عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ
سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ -رضي الله عنه-، لَقَدْ جَمَعَ
لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَوْمَ أُحُدٍ أَبَوَيْهِ كِلَيْهِمَا يُرِيدُ حِينَ
قَالَ: «فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي» وَهُوَ يُقَاتِلُ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا الليث)
باللام والذي في اليونينية ليث بن سعد الإمام (عن يحيى) بن
سعيد الأنصاري (عن ابن المسيب) سعيد (أنه قال: قال سعد بن
أبي وقاص -رضي الله عنه-: لقد جمع لي رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) وقعة (أُحد) في التفدية
(أبويه كليهما) نصب بالياء ولأبوي ذر والوقت كلاهما بالألف
بدل الياء (يريد) ابن أبي وقاص (حين قال) له -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فداك أبي وأمي وهو يقاتل).
4058 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مِسْعَرٌ
عَنْ سَعْدٍ عَنِ ابْنِ شَدَّادٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا
يَقُولُ: مَا سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَجْمَعُ أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ غَيْرَ
سَعْدٍ.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
مسعر) بكسر الميم وسكون السين وفتح العين المهملتين آخره
راء ابن كدام الكوفي (عن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن
عبد الرحمن بن عوف (عن ابن شداد) هو عبد الله بن شداد بن
الهاد الليثي الكوفي أنه (قال: سمعت عليًّا) هو ابن أبي
طالب -رضي الله عنه- (يقول: ما سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يجمع أبويه لأحد غير سعد) أي ابن أبي
وقاص ولأبي الوقت إلا لسعد وهذا ينافي سماع في غيره.
4059 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
شَدَّادٍ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: مَا سَمِعْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَمَعَ
أَبَوَيْهِ لأَحَدٍ إِلاَّ لِسَعْدِ بْنِ مَالِكٍ،
فَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ يَوْمَ أُحُدٍ: «يَا سَعْدُ
ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي».
وبه قال: (حدثنا يسرة بن صفوان) بفتح التحتية والسين
المهملة والراء اللخمي الدمشقي قال: (حدّثنا إبراهيم عن
أبيه) سعد بن عبد الرحمن بن عوف (عن عبد الله بن شداد)
الليثي السابق (عن علي -رضي الله عنه-) أنه (قال: ما سمعت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جمع أبويه لأحد
إلا لسعد بن مالك) هو اسم أبي وقاص ولأبي ذر عن الكشميهني
غير سعد بن مالك (فإني سمعته يقول يوم
أُحد يا سعد ارم فداك أبي وأمي).
وعند الحاكم في مستدركه من طريق يونس بن بكير وهو في
المغازي روايته من طريق عائشة بنت سعد عن أبيها قال: لما
جال الناس يوم أُحد تلك الجولة تنحيت فقلت: أذود عن نفسي
فإما أن أنجو وإما أن أستشهد فإذا رجل مخمر وجهه، وقد كاد
المشركون أن يركبوه فملأ يده من الحصى فرماهم وإذا بيني
وبينه المقداد فأردت أن أسأله عن الرجل فقال لي: يا سعد
هذا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعوك
فقمت وإنه لم يصبني شيء من الأذى وأجلسني أمامه فجعلت أرمي
فذكر الحديث.
4060 - 4061 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ
مُعْتَمِرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: زَعَمَ أَبُو عُثْمَانَ
أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَعْضِ تِلْكَ الأَيَّامِ الَّتِي
يُقَاتِلُ فِيهِنَّ غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ عَنْ
حَدِيثِهِمَا.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي (عن معتمر عن
أبيه) سليمان بن طرخان التيمي أنه (قال: زعم) أي قال: (أبو
عثمان) عبد الرحمن النهدي (أنه لم يبق مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بعض تلك الأيام) أي أيام
أُحد وسقط بعض لأبي ذر (التي) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي الذي (يقاتل فيهن) فالتأنيث بالنظر لقوله تلك
الأيام والتذكير للفظ بعض من المهاجرين (غير طلحة) بن عبيد
الله أحد العشرة وغير بالرفع (وسعد) بالجر والرفع معًا وهو
ابن أبي وقاص كذا رواه أبو عثمان (عن حديثهما) أي عن حديث
طلحة وسعد.
4062 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الأَسْوَدِ
حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
يُوسُفَ قَالَ: سَمِعْتُ السَّائِبَ بْنَ يَزِيدَ قَالَ:
صَحِبْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ عَوْفٍ، وَطَلْحَةَ بْنَ
عُبَيْدِ اللَّهِ، وَالْمِقْدَادَ، وَسَعْدًا -رضي الله
عنهم-، فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا مِنْهُمْ يُحَدِّثُ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ
أَنِّي سَمِعْتُ طَلْحَةَ يُحَدِّثُ عَنْ يَوْمِ أُحُدٍ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن أبي الأسود) هو عبد الله بن
محمد بن أبي الأسود واسمه حميد بن الأسود البصري الحافظ
قال: (حدّثنا حاتم بن إسماعيل) الكوفي سكن المدينة (عن
محمد بن يوسف) بن عبد الله الكندي الأعرج أنه (قال: سمعت
السائب بن يزيد) من صغار الصحابة (قال: صحبت عبد الرحمن بن
عوف
(6/298)
وطلحة بن عبيد الله) بضم العين (والمقداد)
بن الأسود (وسعدًا) أي ابن أبي وقاص (-رضي الله عنهم- فما
سمعت أحدًا منهم يحدث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) خشية أن يقعوا في قوله عليه الصلاة والسلام:
"من كذب عليّ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار" (إلا أني
سمعت طلحة يحدث عن يوم أُحد) بما وقع له من الثبات أو نحو
ذلك ولم يبين في هذا الحديث ما حدث به طلحة نعم أخرجه أبو
يعلى وقال فيه أنه ظاهر بين درعين يوم أُحد.
4063 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ قَالَ:
رَأَيْتُ يَدَ
طَلْحَةَ شَلاَّءَ وَقَى بِهَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي شيبة) هو عبد
الله بن محمد بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان
العبسي الكوفي الحافظ المشهور صاحب المسند الكبير والمصنف
قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجراح الحافظ المشهور العابد
(عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي (عن قيس) هو ابن
أبي حازم البجلي أنه (قال: رأيت يد طلحة) بن عبيد الله
(شلاء) بفتح الشين المعجمة وتشديد اللام ممدودًا أصابها
الشلل (وقى) بفتح الواو والقاف المخففة (بها النبي) وفي
نسخة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم أحد) فقطعت
أصابعه.
4064 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ -رضي
الله عنه- قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ انْهَزَمَ
النَّاسُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَبُو طَلْحَةَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُجَوِّبٌ عَلَيْهِ
بِحَجَفَةٍ لَهُ وَكَانَ أَبُو طَلْحَةَ رَجُلاً رَامِيًا
شَدِيدَ النَّزْعِ، كَسَرَ يَوْمَئِذٍ قَوْسَيْنِ أَوْ
ثَلاَثًا، وَكَانَ الرَّجُلُ يَمُرُّ مَعَهُ بِجَعْبَةٍ
مِنَ النَّبْلِ فَيَقُولُ: "انْثُرْهَا لأَبِي طَلْحَةَ"
قَالَ: وَيُشْرِفُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَنْظُرُ إِلَى الْقَوْمِ فَيَقُولُ أَبُو
طَلْحَةَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي لاَ تُشْرِفْ يُصِيبُكَ
سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْقَوْمِ نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ
وَلَقَدْ رَأَيْتُ عَائِشَةَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُمَّ
سُلَيْمٍ وَإِنَّهُمَا لَمُشَمِّرَتَانِ أَرَى خَدَمَ
سُوقِهِمَا تَنْقُزَانِ الْقِرَبَ عَلَى مُتُونِهِمَا
تُفْرِغَانِهِ فِي أَفْوَاهِ الْقَوْمِ ثُمَّ تَرْجِعَانِ
فَتَمْلآنِهَا ثُمَّ تَجِيئَانِ فَتُفْرِغَانِهِ فِي
أَفْوَاهِ الْقَوْمِ، وَلَقَدْ وَقَعَ السَّيْفُ مِنْ
يَدَيْ أَبِي طَلْحَةَ إِمَّا مَرَّتَيْنِ وَإِمَّا
ثَلاَثًا.
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) بسكون العين عبد الله بن عمرو
العقدي قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد
العزيز) بن صهيب (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما
كان يوم أُحد انهزم الناس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأبو طلحة) زيد بن سهل الأنصاري زوج
والدة أنس (بين يدي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مجوّب) بضم الميم وفتح الجيم وكسر الواو
المشددة بعدها موحدة مترس (عليه) عليه الصلاة والسلام
يستره (بحجفة) بحاء مهملة فجيم ففاء مفتوحات بترس من جلد
(له، وكان أبو طلحة رجلاً راميًا شديد النزع) بفتح النون
وسكون الزاي بعدها عين مهملة الجذب في القوس (كسر يومئذٍ)
يوم أحد (قوسين أو ثلاثًا) من كثرة رميه وشدته ولابن عساكر
ثلاثة (وكان الرجل) من المسلمين (يمرّ معه بجعبة من النبل)
بفتح النون وسكون الموحدة والجعبة بفتح الجيم وسكون العين
المهملة الكنانة التي فيها السهام (فيقول) النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(انثرها) أي الجعبة التي فيها النبل (لأبي طلحة) (قال)
أنس: (ويشرف) بضم التحتية وسكون الشين المعجمة وكسر الراء
بعدها فاء أي ويطلع ولأبي الوقت وتشرف بفتح الفوقية
والمعجمة والراء المشدّدة أي تطلع (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (ينظر إلى القوم) المشركين
(فيقول أبو طلحة) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(بأبي أنت وأمي لا تشرف) بضم الفوقية وسكون المعجمة والجزم
على الطلب (يصيبك سهم من سهام القوم) برفع يصيبك أي فهو
يصيبك. قال في التنقيح: وهو الصواب، ولأبي ذر في الفرع
كأصله يصبك بالجزم. قال العيني: جواب للنهي على الأصل. قال
الزركشي: هو خطأ وقلب للمعنى إذ لا يستقيم أن يقول إن لا
تشرف يصبك اهـ.
ووجهه في المصابيح على رأي الكسائي والتقدير فإن تشرف يصبك
سهم قال: وهذا صواب لا خطأ فيه ولا قلب للمعنى. نعم غير
الكسائي إنما يقدر فعل الشرط منفيًّا، فمن ثم يجيء انقلاب
المعنى في هذا التركيب (نحري) يصيبه السهم (دون نحرك) أي
أفديك بنفسي. قال أنس: (ولقد رأيت عائشة بنت أبي بكر وأم
سليم) هي والدة أنس (وأنهما لمشمرتان) ذيلهما (أرى) أي
أنظر (خدم سوقهما) بفتح الخاء المعجمة والدال المهملة أي
خلا خيلهما وهو محمول على نظر الفجأة أو كان إذ ذاك صغيرًا
حال كونهما (تنقزان) بفوقية مفتوحة فنون ساكنة فقاف مضمومة
فزاي مفتوحة وبعد الألف نون أي تثبان وتقفزان (القرب) أي
بالقرب فالنصب بنزع الخافض ولابن عساكر وأبي الوقت وقال
غيره: أي غير أبي معمر وهو جعفر بن مهران عن عبد الوارث
تنقلان القرب ولأبي ذر وحده تنقزان بالزاي أي (على
متونهما) على ظهورهما (تفرغانه) أي الماء (في أفواه القوم
ثم ترجعان فتملآنها ثم تجيئان فتفرغانه في أفواه القوم،
ولقد وقع السيف من يدي) بفتح الدال
(6/299)
وسكون التحتية بالتثنية لكنه مضبب على
الياء في الفرع كأصله ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر من يد
(أبي طلحة) بالإفراد (اما مرّتين وإما ثلاثًا) زاد مسلم عن
الدارمي عن أبي معمر شيخ المؤلّف فيه بهذا الإسناد من
النعاس أي الذي ألقاه الله تعالى عليهم أمنة منه.
4065 - حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ
عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ:
لَمَّا كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ هُزِمَ الْمُشْرِكُونَ
فَصَرَخَ إِبْلِيسُ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، أَيْ
عِبَادَ اللَّهِ أُخْرَاكُمْ. فَرَجَعَتْ أُولاَهُمْ
فَاجْتَلَدَتْ هِيَ وَأُخْرَاهُمْ فَبَصُرَ حُذَيْفَةُ
فَإِذَا هُوَ بِأَبِيهِ الْيَمَانِ، فَقَالَ: أَيْ عِبَادَ
اللَّهِ أَبِي أَبِي قَالَ: قَالَتْ فَوَاللَّهِ مَا
احْتَجَزُوا حَتَّى قَتَلُوهُ فَقَالَ حُذَيْفَةُ:
يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ، قَالَ عُرْوَةُ: فَوَاللَّهِ مَا
زَالَتْ فِي حُذَيْفَةَ بَقِيَّةُ خَيْرٍ حَتَّى لَحِقَ
بِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، بَصُرْتُ: عَلِمْتُ مِنَ
الْبَصِيرَةِ فِي الأَمْرِ، وَأَبْصَرْتُ مِنْ بَصَرِ
الْعَيْنِ، وَيُقَالُ بَصُرْتُ وَأَبْصَرْتُ وَاحِدٌ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن
سعيد) بكسر العين ابن يحيى أبو قدامة اليشكري قال: (حدّثنا
أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: لما كان يوم) وقعة
(أحد هزم المشركون فصرخ إبليس لعنة الله عليه) وسقط قوله
لعنة الله عليه لأبي ذر (أي عباد الله) يعني المسلمين
(أخراكم) أي احترزوا من الذين وراءكم متأخرين كم وهي كلمة
تقال لمن يخشى أن يؤتى عند القتال من ورائه، وغرض إبليس
اللعين أن يغلطهم ليقتل المسلمون بعضهم بعضًا (فرجعت
أولاهم) لقتال أخراهم ظانين أنهم من المشركين (فاجتلدت)
بالجيم فاقتتلت (هي وأخراهم فبصر) بضم الصاد أي نظر
(حذيفة) بن اليمان (فإذا هو بأبيه اليمان) يقتله المسلمون
يظنونه من المشركين (فقال) حذيفة: (أي عباد الله) هذا
(أبي) هذا (أبي) لا تقتلوه (قال) عروة: (قالت) عائشة:
(فوالله ما احتجزوا) بالحاء المهملة الساكنة
والفوقية والجيم المفتوحتين والزاي المضمومة ما انفصلوا
عنه (حتى قتلوه) وعند ابن سعد أن الذي قتله خطأ عتبة بن
مسعود أخو عبد الله بن مسعود، والظاهر مما تكرّر في
البخاري أن الذي قتله جماعة من المسلمين. وعند ابن إسحاق:
وأما اليمان فاختلفت أسياف المسلمين فقتلوه ولا يعرفونه
فقال حذيفة: قتلتم أبي؟ قالوا: والله ما عرفناه (فقال
حذيفة): معتذرًا عنهم لكونهم قتلوه ظنًا منهم أنه من
الكافرين (يغفر الله لكم. قال عروة) بن الزبير: (فوالله ما
زالت في حذيفة بقية خير) من دعاء واستغفار لقاتل أبيه (حتى
لحق بالله عز وجل) وقال في المصابيح كالتنقيح: وقيل بقية
حزن على أبيه من قتل المسلمين إياه.
(بصرت) بضم الصاد وسكون الراء (علمت من البصيرة في الأمر)
فهو من المعاني القلبية (وأبصرت) بزيادة الهمزة (من بصر
العين) المحسوس (ويقال: بصرت وأبصرت واحد) كسرعت وأسرعت،
وهذا ذكره تفسيرًا لقوله فبصر حذيفة وهو ساقط في رواية أبي
ذر وابن عساكر.
19 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ
تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ
إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا
كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللَّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ حَلِيمٌ} [آل عمران: 155]
(باب قول الله تعالى): وسقط ذلك كله لأبي ذر ({إن الذين
تولوا منكم}) انهزموا ({يوم التقى الجمعان}) جمع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجمع أبي سفيان
للقتال يوم أُحد ({إنما استزلهم الشيطان}) دعاهم إلى الزلة
وحملهم عليها ({ببعض ما كسبوا}) بتركهم المركز الذي أمرهم
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالثبات فيه
({ولقد عفا الله عنهم}) تجاوز عنهم ({إن الله غفور})
للذنوب ({حليم}) [آل عمران: 155] لا يعاجل بالعقوبة.
4066 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا أَبُو حَمْزَةَ
عَنْ عُثْمَانَ بْنِ مَوْهَبٍ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ حَجَّ
الْبَيْتَ فَرَأَى قَوْمًا جُلُوسًا فَقَالَ: مَنْ
هَؤُلاَءِ الْقُعُودُ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ قُرَيْشٌ، قَالَ:
مَنِ الشَّيْخُ؟ قَالُوا: ابْنُ عُمَرَ فَأَتَاهُ فَقَالَ:
إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ شَىْءٍ أَتُحَدِّثُنِي قَالَ:
أَنْشُدُكَ بِحُرْمَةِ هَذَا الْبَيْتِ أَتَعْلَمُ أَنَّ
عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَرَّ يَوْمَ أُحُدٍ؟ قَالَ:
نَعَمْ، قَالَ: فَتَعْلَمُهُ تَغَيَّبَ عَنْ بَدْرٍ فَلَمْ
يَشْهَدْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَتَعْلَمُ أَنَّهُ
تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ فَلَمْ يَشْهَدْهَا؟
قَالَ: نَعَمْ، قَالَ فَكَبَّرَ، قَالَ ابْنُ عُمَرَ:
تَعَالَ لأُخْبِرَكَ وَلأُبَيِّنَ لَكَ عَمَّا سَأَلْتَنِي
عَنْهُ أَمَّا فِرَارُهُ يَوْمَ أُحُدٍ فَأَشْهَدُ أَنَّ
اللَّهَ عَفَا عَنْهُ، وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَدْرٍ
فَإِنَّهُ كَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَقَالَ
لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِنَّ لَكَ أَجْرَ رَجُلٍ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا
وَسَهْمَهُ». وَأَمَّا تَغَيُّبُهُ عَنْ بَيْعَةِ
الرُّضْوَانِ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعَزَّ
بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ لَبَعَثَهُ
مَكَانَهُ، فَبَعَثَ عُثْمَانَ وَكَانَ بَيْعَةُ
الرُّضْوَانِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ عُثْمَانُ إِلَى مَكَّةَ
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِيَدِهِ الْيُمْنَى: «هَذِهِ يَدُ عُثْمَانَ» فَضَرَبَ
بِهَا عَلَى يَدِهِ فَقَالَ: «هَذِهِ لِعُثْمَانَ» اذْهَبْ
بِهَذَا الآنَ مَعَكَ».
وبه قال: (حدّثنا عبدان) لقب عبد الله بن عثمان المروزي
قال: (أخبرنا أبو حمزة) بالحاء المهملة والزاي محمد بن
ميمون السكري (عن عثمان بن موهب) بفتح الميم والهاء بينهما
واو ساكنة الأعرج الطلحي التيمي القرشي أنه (قال: جاء رجل)
قال: في المقدمة قيل إنه يزيد بن بشر السكسكي (حج البيت
فرأى قومًا جلوسًا) لم يسموا (فقال: من هؤلاء القعود؟ قال:
هؤلاء قريش) لم يسم المجيب أيضًا (قال: من الشيخ؟ قالوا):
ولأبي ذر قال: (ابن عمر فأتاه فقال) له: (إني سائلك عن شيء
أتحدثني)؟ عنه (قال: أنشدك بحرمة هذا البيت أتعلم أن عثمان
بن عفان) سقط ابن عفان لأبي ذر (فرّ يوم) وقعة (أُحُد؟
قال) ابن عمر (نعم. قال) الرجل (فتعلمه تغيب) بالغين
المعجمة (عن بدر فلم يشهدها؟ قال: نعم) وقول الداودي أن
قوله تغيب خطأ في اللفظ إنما يقال لمن تعمد التخلف فأما من
تخلف لعذر فلا. تعقبه في المصابيح بأنه يحتاج إلى نقل عن
أئمة اللغة ويعز وجوده (قال) الرجل: (فتعلم أنه تخلف)
ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني تغيب (عن بيعة الرضوان)؟
الواقعة تحت الشجرة في الحديبية
(6/300)
(فلم يشهدها؟ قال) ابن عمر: (نعم قال:
فكبّر) الرجل مستحسنًا لما أجابه به ابن عمر لكونه مطابقًا
لما يعتقده (قال) ولأبي ذر فقال (ابن عمر) له: (تعال
لأخبرك ولأبين لك عما سألتني عنه) ليزول اعتقادك (أما
فراره يوم أُحد فأشهد أن الله عفا) ولابن عساكر قد عفا
(عنه، وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله)
ولأبي ذر وابن عساكر بنت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) رقية -رضي الله عنها- (وكانت مريضة) فأمره
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالتخلف هو
وأسامة بن زيد (فقال له النبي):
(إن لك أجر رجل ممن شهد بدرًا وسهمه وأما تغيبه عن) وفي
نسخة: من (بيعة الرضوان فإنه لو كان أحد أعز ببطن مكة من
عثمان بن عفان لبعثه) عليه الصلاة والسلام أي (مكانه) وسقط
ابن عفان لأبي ذر (فبعث عثمان) إلى أهل مكة ليعلم قريشًا
أنه إنما جاء معتمرًا لا محاربًا (وكان) ولأبي ذر عن
الكشميهني وكانت (بيعة الرضوان بعدما ذهب عثمان إلى مكة)
فتحدث أن المشركين يقصدون حرب المسلمين فاستعد المسلمون
للقتال وبايعهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حينئذٍ أن لا يفروا (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) مشيرًا (بيده اليمنى: هذه يد عثمان) أي بدلها
(فضرب بها على يده) اليسرى (فقال: هذه) البيعة (لعثمان) أي
عنه (اذهب بهذا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بها أي
الأجوبة التي أجبتك بها (الآن معك) حتى يزول عنك ما كنت
تعتقده من عيب عثمان.
وسبق هذا الحديث في مناقب عثمان.
20 - باب {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلاَ تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ
وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ
غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلاَ تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ
وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا
تَعْمَلُونَ} [آل عمران: 153] تُصْعِدُونَ: تَذْهَبُونَ،
أَصْعَدَ وَصَعِدَ فَوْقَ الْبَيْتِ
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({إذ تصعدون}) أي
تبالغون في الذهاب في صعيد
الأرض ({ولا تلوون على أحد}) أي ولا تلتفتون وهو عبارة عن
غاية انهزامهم وخوف عدوّهم ({والرسول يدعوكم}) يقول: إليّ
عباد الله من يكر فله الجنة والجملة في موضع الحال ({في
أخراكم}) في ساقتكم وجماعتكم الأخرى هي المتأخرة
({فأثابكم}) عطف على صرفكم أي فجازاكم الله ({غمًا}) حين
صرفكم عنهم وابتلاكم ({بغم}) بسبب غم أدخلتموه على الرسول
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعصيانكم أمره
والمؤمنين بفشلكم، أو فأثابكم الرسول أي أثابكم غمًا بسبب
غم اغتممتموه لأجله والمعنى أن الصحابة لما رأوه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شج وجهه وكسرت رباعيته وقتل
عمه اغتموا لأجله والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لما رآهم عصوا ربهم بطلب الغنيمة ثم حرموا منها
وقتل أقاربهم اغتم لأجلهم، وقال القفال: وعندي أن الله
تعالى ما أراد بقوله: غمًا بغم اثنين اثنين وإنما أراد
مواصلة الغموم وطولها أي أن الله عاقبكم بغموم كثيرة مثل
قتل إخوانكم وأقاربكم ونزول المشركين عليكم بحيث لم تأمنوا
أن يهلك أكثركم ({لكيلا تحزنوا على ما فاتكم}) لتتمرنوا
على تجرع الغموم فلا تحزنوا فيما بعد على ما فائت من
المنافع لأن العادة طبيعة خامسة ({ولا ما أصابكم}) ولا على
مصيب من المضار ({والله خبير بما تعملون}) [آل عمران: 153]
لا يخفى عليه شيء من أعمالكم وسقط لأبي ذر قوله والرسول
يدعوكم الخ وقال إلى {بما تعملون}.
({تصعدون}) أي (تذهبون أصعد) بالهمزة (وصعد) بحذفها وكسر
العين (فوق البيت) وكأنه أراد التفرقة بين الثلاثي
والرباعي وأن الثلاثي بمعنى ارتفع والرباعي بمعنى ذهب،
وسقط من قوله تصعدون الخ للمستملي وأبي الهيثم.
4067 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ
الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: جَعَلَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى
الرَّجَّالَةِ يَوْمَ أُحُدٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جُبَيْرٍ
وَأَقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ فَذَاكَ إِذْ يَدْعُوهُمُ
الرَّسُولُ فِي أُخْرَاهُمْ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن خالد) الحراني الخزاعي
سكن مصر قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: (حدّثنا
أبو إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: سمعت البراء بن
عازب -رضي الله عنهما- قال: جعل النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الرجالة) بتشديد الجيم جمع راجل
خلاف الفارس وكانوا خمسين رجلاً رماة (يوم) وقعة (أُحد عبد
الله بن جبير) الأنصاري (وأقبلوا) حال كونهم (منهزمين) أي
بعضهم اد فرقة استمروا في الهزيمة حتى فرغ القتال وهم قليل
وفيهم نزل {إن الذين تولوا} وفرقة تحيرت لما سمعت أنه عليه
الصلاة والسلام قتل فكانت غاية أحدهم الذب عن نفسه أو
يستمر على
(6/301)
بصيرته في القتال حتى يقتل وهم الأكثر
والثالثة ثبتت معه عليه الصلاة والسلام ثم تراجعت الثانية
لما عرفوا أنه عليه الصلاة والسلام حي (فذاك إذ يدعوهم
الرسول) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بقوله إليّ
عباد الله إليّ عباد الله (في أخراهم) في آخرهم ومن
ورائهم.
وتقدّم هذا الحديث قريبًا وأخرجه أيضًا في التفسير.
باب
21 - {ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ
أَمَنَةً نُعَاسًا يَغْشَى طَائِفَةً مِنْكُمْ وَطَائِفَةٌ
قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ
غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ
لَنَا مِنَ الأَمْرِ مِنْ شَىْءٍ قُلْ إِنَّ الأَمْرَ
كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لاَ
يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ
شَىْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي
بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ
الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا
فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ
وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} [آل عمران: 154].
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ثم أنزل عليكم من بعد
الغم أمنة نعاسًا}) ثم أنزل الله الأمن على المؤمنين وأزال
عنهم الخوف الذي كان بهم حتى نعسوا وغلبهم النوم. قال أبو
البقاء: والأصل أنزل عليكم نعاسًا ذا أمنة لأن النعاس ليس
هو الأمن بل هو الذي حصل به الأمن ({يغشى}) النعاس ({طائفة
منكم}) هم أهل الصدق واليقين ({وطائفة}) هم المنافقون لم
يغشهم النعاس ({قد أهمتهم أنفسهم}) ما يهمهم إلا هم أنفسهم
وخلاصها لا هم الدين ولا هم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما هم مستغرقون في همّ أنفسهم فلذا
لم تنزل عليهم السكينة لأنها وارد روحاني لا يتلوث بهم
({يظنون بالله غير}) الظن ({الحق}) الذي يجب أن يظن به وهو
أن لا ينصر محمدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأصحابه ({ظن الجاهلية}) أي الظن المختص بالملة الجاهلية
أو ظن أهل الجاهلية ({يقولون هل لنا من الأمر}) الذي يعدنا
به محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من النصر
والظفر ({من شيء}) إنما هو للمشركين استفهام على سبيل
الإنكار ({قل}) يا محمد لهؤلاء المنافقين ({إن الأمر})
النصر والظفر ({كله لله}) يصرفه حيث يشاء ({يخفون في
أنفسهم}) من الكفر والشرك أو يخفون الندم على خروجهم مع
المسلمين ({ما لا يبدون لك}) خوفًا من السيف ({يقولون}) في
أنفسهم أو بعضهم لبعض منكرين لقولك لهم إن الأمر كله لله
({لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا}) أي لو كان
الأمر كما قال محمد: إن الأمر كله لله ولأوليائه وإنهم
لغالبون لما غلبنا قط ولما قتل من المسلمين من قتل في هذه
المعركة ({قل لو كنتم في بيوتكم}) أي من علم الله منه أن
يقتل في هذه المعركة وكتب في اللوح المحفوظ لم يكن بد من
وجوه فلو قعدتم في بيوتكم ({لبرز}) من بينكم ({الذين كتب
عليهم القتل إلى مضاجعهم}) مصارعهم بأحد ليكون ما علم الله
تعالى أنه يكون والحذر لا يمنع القدر والتدبير لا يقاوم
التقدير وقد كتب الله في اللوح قتل من يقتل من المؤمنين
وكتب مع ذلك أن العاقبة في الغلبة لهم وأن دين الإسلام
يظهر على الدين كله وأن ما ينكبون في بعض الأوقات تمحيص
لهم ({وليبتلي الله ما في صدوركم}) أي وليختبر ما في
صدوركم من الإخلاص ({وليمحص ما في قلوبكم}) من وساوس
الشيطان ({والله عليم بذات الصدور}) [آل عمران: 154] وهي
الإسرار والضمائر لأنها حالة فيها مصاحبة لها وذكر ذلك
ليدل به على أن ابتلاءه لم يكن لأنه يخفى عليه ما في
الصدور وغيره لأنه عالم بجميع المعلومات
وإنما ابتلاهم لمحض الإلهية أي للاستصلاح وسقط لفظ باب
لأبي ذر وابن عساكر وكذا قوله: {يغشى طائفة} الخ وقالا بعد
قوله: {نعاسًا} إلى قوله: {بذات الصدور}.
4068 - وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ
عَنْ أَبِي طَلْحَةَ -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنْتُ
فِيمَنْ تَغَشَّاهُ النُّعَاسُ يَوْمَ أُحُدٍ حَتَّى
سَقَطَ سَيْفِي مِنْ يَدِي مِرَارًا يَسْقُطُ وَآخُذُهُ
وَيَسْقُطُ فَآخُذُهُ. [الحديث 4068 - طرفه في: 4562].
وبه قال: (وقال لي خليفة) بن خياط أبو عمرو العصفري البصري
في المذاكرة (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء
مصغرًا قال: (حدّثنا سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة (عن
قتادة) بن دعامة (عن أنس عن أبي طلحة) زيد بن سهل الأنصاري
(-رضي الله عنهما-) أنه (قال: كنت فيمن تغشاه) بفتح الغين
والشين المشددة المعجمتين (النعاس يوم أُحد) أي وهم في
مصافهم (حتى سقط سيفي من يدي مرارًا يسقط) من يدي (وآخذه
ويسقط) من يدي (فآخذه) بالفاء ولأبي ذر وآخذه. قال ابن
مسعود فيما رواه ابن أبي حاتم: النعاس في القتال أمنة،
والنعاس في الصلاة من الشيطان وذلك لأنه في القتال لا يكون
إلا من الوثوق بالله تعالى والفراغ عن الدنيا، ولا يكون في
الصلاة إلا من غاية البعد عن الله، ثم ذلك النعاس كان فيه
فوائد لأن السهر يوجب الضعف والكلال والنوم يفيد عود
القوّة والنشاط، ولأن المشركين كانوا في غاية الحرص على
قتلهم
(6/302)
فبقاؤهم في النوم مع السلامة في تلك
المعركة من أدل الدلائل على حفظ الله تعالى لهم، وذلك مما
يزيل الخوف من قلوبهم ويورثهم الأمن، ولأنهم لو شاهدوا قتل
إخوانهم الذين أراد الله تعالى إكرامهم بالشهادة لاشتد
خوفهم.
21 - باب {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ أَوْ يَتُوبَ
عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}
[آل عمران: 128]
قَالَ: حُمَيْدٌ وَثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ شُجَّ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ أُحُدٍ
فَقَالَ: «كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ شَجُّوا نَبِيَّهُمْ»
فَنَزَلَتْ {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ}.
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({ليس لك من الأمر
شيء}) اسم ليس قوله شيء وخبرها لك ومن الأمر حال من شيء
لأنها صفة مقدمة ({أو يتوب عليهم}) عطف على ليقطع طرفًا من
الذين كفروا أو يكبتهم وليس لك من الأمر شيء اعتراض بين
المعطوف والمعطوف عليه، والمعنى أن الله تعالى مالك أمرهم
فإما أن يهلكهم أو يهزمهم أو يتوب عليهم إن أسلموا ({أو
يعذبهم}) إن أصروا على الكفر ليس لك من أمرهم شيء إنما أنت
عبد مبعوث لإنذارهم ومجاهد ({فإنهم ظالمون}) [آل عمران:
128] مستحقون للتعذيب وسقط لفظ باب لأبي ذر.
(قال حميد) الطويل: مما وصله أحمد والترمذي والنسائي ذكره
المؤلّف كلاحقه في بيان سبب
نزول الآية السابقة (وثابت) البناني مما وصله مسلم (عن
أنس) أنه قال: (شج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يوم أُحد) في رأسه (فقال: كيف يفلح قوم شجوا
نبيهم) وهو يدعوهم إلى الله تعالى (فنزلت) {ليس لك من
الأمر شيء}.
4069 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
السُّلَمِيُّ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي سَالِمٌ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ
الرُّكُوعِ مِنَ الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ مِنَ الْفَجْرِ
يَقُولُ: «اللَّهُمَّ الْعَنْ فُلاَنًا وَفُلاَنًا
وَفُلاَنًا» بَعْدَمَا يَقُولُ: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ» فَأَنْزَلَ اللَّهُ
عَزَّ وَجَلَّ: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ} إِلَى
قَوْلِهِ: {فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ}. [الحديث 4069 -
أطرافه في: 4070، 4559، 7346].
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن عبدان) بن زياد (السلمي) بضم
السين المهملة البلخي سكن مرو قال: (أخبرنا عبد الله) بن
المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن
الزهري) محمد بن مسلم أنه قال: (حدثني) بالإفراد (سالم عن
أبيه) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب (أنه سمع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا رفع رأسه من
الركوع من الركعة) ولأبي ذر في الركعة (الآخرة من الفجر)
بعد أن شج وكسرت رباعيته يوم أحد (يقول):
(اللهم العن فلانًا وفلانًا وفلانًا) صفوان بن أمية وسهيل
بن عمرو والحارث بن هشام يقول ذلك (بعدما يقول: سمع الله
لمن حمده ربنا ولك الحمد) ولأبي ذر وابن عساكر لك بإسقاط
الواو (فأنزل الله) عز وجل: {ليس لك من الأمر شي} له إلى
قوله: {فإنهم ظالمون} سقط لأبي ذر فإنهم وزاد أحمد
والترمذي فتيب عليهم كلهم.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف أيضًا في التفسير والاعتصام
والنسائي في الصلاة والتفسير.
4070 - وَعَنْ حَنْظَلَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ:
سَمِعْتُ سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: كَانَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَدْعُو عَلَى صَفْوَانَ بْنِ أُمَيَّةَ وَسُهَيْلِ بْنِ
عَمْرٍو وَالْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ فَنَزَلَتْ {لَيْسَ
لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَىْءٌ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَإِنَّهُمْ
ظَالِمُونَ}.
(وعن حنظلة بن أبي سفيان) هو معطوف على قوله أخبرنا معمر
الخ والراوي له عن حنظلة هو عبد الله بن المبارك أنه (قال:
سمعت سالم بن عبد الله يقول: كان رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما جرح يوم أحد (يدعو على
صفوان بن أمية) بن خلف الجمحي (وسهيل بن عمرو) القرشي
العامري (والحارث بن هشام) أي ابن المغيرة القرشي المخزومي
(فنزلت {ليس لك من الأمر شيء} إلى قوله: ({فإنهم ظالمون})
أي فيسلموا أو يعذبهم إن ماتوا كفارًا والثلاثة المسمون
أسلموا يوم الفتح وحسن إسلامهم ولعل هذا هو السر في نزول
قوله تعالى {ليس لك من الأمر شيء}.
وقد ذكر المؤلّف في هذا الباب سببين لنزول الآية والثاني
مرسل، ويحتمل أن الآية نزلت في الأمرين جميعًا فإنهما كانا
في قصة واحدة.
وقد اختلف في سبب نزولها على قولين: أحدهما: نزلت في قصة
أحد واختلف القائلون بذلك فقيل السبب ما وقع من شجه عليه
الصلاة والسلام يوم أحد كما مرّ، وقيل إنه عليه الصلاة
والسلام لما رأى ما فعلوا بحمزة من المثلة قال: "لأمثلن
بسبعين منهم" فنزلت. وقيل: أراد أن يدعو عليهم بالاستئصال
فنزلت لعلمه أن أكثرهم يسلمون. قال القفال: وكل هذه
الأشياء حصلت يوم أُحد فنزلت الآية عند الكل فلا يمتنع
حملها على الكل، وقيل إنه عليه الصلاة والسلام أراد أن
يلعن المسلمين الذين خالفوا أمره والذين انهزموا فمنعه
الله من ذلك بنزولها، وقيل إنه عليه الصلاة والسلام.
القول الثاني: أنها نزلت في قصة القرّاء الذين بعثهم عليه
الصلاة والسلام إلى بئر معونة في صفر سنة أربع من الهجرة
على رأس أربعة أشهر من أحد ليعلموا الناس القرآن فقتلهم
عامر بن الطفيل وقنت عليه الصلاة والسلام شهرًا يدعو على
جماعة من تلك القبائل باللعن، لكن قال في اللباب: أكثر
العلماء متفقون
(6/303)
على أنها في قصة أحد.
22 - باب ذِكْرِ أُمِّ سَلِيطٍ
(باب ذكر أم سليط) بفتح السين المهملة وكسر اللام وبعد
التحتية الساكنة طاء مهملة لا يعرف اسمها وعند ابن سعد
أنها أم قيس بنت عبيد زياد من بني مازن وكان يقال لها أم
سليط لأن اسم ابنها سليط.
4071 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ
ثَعْلَبَةُ بْنُ أَبِي مَالِكٍ: إِنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- قَسَمَ مُرُوطًا بَيْنَ
نِسَاءٍ مِنْ نِسَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَبَقِيَ
مِنْهَا مِرْطٌ جَيِّدٌ فَقَالَ لَهُ بَعْضُ مَنْ
عِنْدَهُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَعْطِ هَذَا بِنْتَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الَّتِي عِنْدَكَ، يُرِيدُونَ أُمَّ كُلْثُومٍ بِنْتَ
عَلِيٍّ فَقَالَ عُمَرُ: أُمُّ سَلِيطٍ أَحَقُّ بِهِ
وَأُمُّ سَلِيطٍ مِنْ نِسَاءِ الأَنْصَارِ مِمَّنْ بَايَعَ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
قَالَ عُمَرُ: فَإِنَّهَا كَانَتْ تُزْفِرُ لَنَا
الْقِرَبَ يَوْمَ أُحُدٍ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن
شهاب) الزهري (وقال ثعلبة بن أبي مالك): بالمثلثة وسكون
العين المهملة أبو يحيى القرظي المولود في الزمن النبوي
وله رؤية وسقطت واو وقال ثعلبة في رواية باب حمل النساء
القرب من كتاب الجهاد (إن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
قسم مروطًا) أكسية من صوف أو خز (بين نساء من نساء أهل
المدينة فبقي منها مرط) بكسر الميم (جيد، فقال له بعض من
عنده): لم يسم هذا القائل (يا أمير المؤمنين أعط) بهمزة
قطع مفتوحة (هذا) المرط الذي بقي (بنت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي عندك يريدون) ولأبي ذر
عن الحموي والمستملي يريد (أم كلثوم) بضم الكاف وسكون
اللام وبالمثلثة (بنت علي) أمها فاطمة بنت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأولاد بناته عليه
الصلاة والسلام ينسبون إليه (فقال عمر) بن الخطاب على
عادته الكريمة في تقديم الأجانب على من عنده
في الإعطاء (أم سليط أحق به) منها (وأم سليط من نساء
الأنصار ممن بايع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال عمر) -رضي الله عنه- (فإنها كانت تزفر)
بفتح الفوقية وسكون الزاي وبعد الفاء المكسورة راء أي تحمل
(لنا القرب يوم أُحد) وفسر البخاري في الجهاد تزفر بتخيط
وهو غير معروف في اللغة كما قاله عياض وغيره.
23 - باب قَتْلُ حَمْزَةَ
(باب قتل حمزة) ولأبي ذر زيادة ابن عبد المطلب -رضي الله
عنه- وللنسفي قتل حمزة سيد الشهداء، وسقط لأبي ذر لفظ باب.
4072 - حَدَّثَنِي أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ حَدَّثَنَا حُجَيْنُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْفَضْلِ عَنْ
سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
أُمَيَّةَ الضَّمْرِيِّ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُبَيْدِ
اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ فَلَمَّا قَدِمْنَا
حِمْصَ قَالَ لِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنِ عَدِيِّ: هَلْ
لَكَ فِي وَحْشِيٍّ نَسْأَلُهُ عَنْ قَتْلِ حَمْزَةَ؟
قُلْتُ: نَعَمْ. وَكَانَ وَحْشِيٌّ يَسْكُنُ حِمْصَ
فَسَأَلْنَا عَنْهُ فَقِيلَ لَنَا هُوَ ذَاكَ فِي ظِلِّ
قَصْرِهِ، كَأَنَّهُ حَمِيتٌ قَالَ: فَجِئْنَا حَتَّى
وَقَفْنَا عَلَيْهِ بِيَسِيرٍ، فَسَلَّمْنَا فَرَدَّ
السَّلاَمَ قَالَ وَعُبَيْدُ اللَّهِ مُعْتَجِرٌ
بِعِمَامَتِهِ. مَا يَرَى وَحْشِيٌّ إِلاَّ عَيْنَيْهِ
وَرِجْلَيْهِ؟ فَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ يَا وَحْشِيُّ
أَتَعْرِفُنِي؟ قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: لاَ
وَاللَّهِ إِلاَّ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّ عَدِيَّ بْنَ
الْخِيَارِ تَزَوَّجَ امْرَأَةً يُقَالُ لَهَا أُمُّ
قِتَالٍ بِنْتُ أَبِي الْعِيصِ، فَوَلَدَتْ لَهُ غُلاَمًا
بِمَكَّةَ فَكُنْتُ أَسْتَرْضِعُ لَهُ فَحَمَلْتُ ذَلِكَ
الْغُلاَمَ مَعَ أُمِّهِ فَنَاوَلْتُهَا إِيَّاهُ
فَلَكَأَنِّي نَظَرْتُ إِلَى قَدَمَيْكَ، قَالَ: فَكَشَفَ
عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: أَلاَ
تُخْبِرُنَا بِقَتْلِ حَمْزَةَ؟ قَالَ: نَعَمْ. إِنَّ
حَمْزَةَ قَتَلَ طُعَيْمَةَ بْنَ عَدِيِّ بْنِ الْخِيَارِ
بِبَدْرٍ، فَقَالَ لِي مَوْلاَيَ جُبَيْرُ بْنُ مُطْعِمٍ:
إِنْ قَتَلْتَ حَمْزَةَ بِعَمِّي فَأَنْتَ حُرٌّ. قَالَ
فَلَمَّا أَنْ خَرَجَ النَّاسُ عَامَ عَيْنَيْنِ
وَعَيْنَيْنِ جَبَلٌ بِحِيَالِ أُحُدٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ
وَادٍ خَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ إِلَى الْقِتَالِ فَلَمَّا
أنِ اصْطَفُّوا لِلْقِتَالِ خَرَجَ سِبَاعٌ، فَقَالَ هَلْ
مِنْ مُبَارِزٍ؟ قَالَ: فَخَرَجَ إِلَيْهِ حَمْزَةُ بْنُ
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ: يَا سِبَاعُ يَا ابْنَ أُمِّ
أَنْمَارٍ مُقَطِّعَةِ الْبُظُورِ أَتُحَادُّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ:
ثُمَّ شَدَّ عَلَيْهِ فَكَانَ كَأَمْسِ الذَّاهِبِ، قَالَ:
وَكَمَنْتُ لِحَمْزَةَ تَحْتَ صَخْرَةٍ فَلَمَّا دَنَا
مِنِّي رَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا فِي ثُنَّتِهِ
حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ وَرِكَيْهِ قَالَ: فَكَانَ
ذَا؛ الْعَهْدَ بِهِ، فَلَمَّا رَجَعَ النَّاسُ رَجَعْتُ
مَعَهُمْ فَأَقَمْتُ بِمَكَّةَ حَتَّى فَشَا فِيهَا
الإِسْلاَمُ ثُمَّ خَرَجْتُ إِلَى الطَّائِفِ فَأَرْسَلُوا
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رَسُولاً فَقِيلَ لِي إِنَّهُ لاَ يَهِيجُ
الرُّسُلَ قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَهُمْ حَتَّى قَدِمْتُ
عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَلَمَّا رَآنِي قَالَ: «آنْتَ وَحْشِيٌّ»؟
قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «أَنْتَ قَتَلْتَ حَمْزَةَ»؟
قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنَ الأَمْرِ مَا بَلَغَكَ. قَالَ:
«فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُغَيِّبَ وَجْهَكَ عَنِّي»؟
قَالَ: فَخَرَجْتُ فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَخَرَجَ
مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ قُلْتُ لأَخْرُجَنَّ
إِلَى مُسَيْلِمَةَ لَعَلِّي أَقْتُلُهُ فَأُكَافِئَ بِهِ
حَمْزَةَ قَالَ: فَخَرَجْتُ مَعَ النَّاسِ فَكَانَ مِنْ
أَمْرِهِ مَا كَانَ فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ فِي ثَلْمَةِ
جِدَارٍ كَأَنَّهُ جَمَلٌ أَوْرَقُ ثَائِرُ الرَّأْسِ
قَالَ: فَرَمَيْتُهُ بِحَرْبَتِي فَأَضَعُهَا بَيْنَ
ثَدْيَيْهِ حَتَّى خَرَجَتْ مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ.
قَالَ: وَوَثَبَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ
فَضَرَبَهُ بِالسَّيْفِ عَلَى هَامَتِهِ. قَالَ: قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ فَأَخْبَرَنِي سُلَيْمَانُ
بْنُ يَسَارٍ أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
يَقُولُ: فَقَالَتْ جَارِيَةٌ عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ
وَاأَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَتَلَهُ الْعَبْدُ الأَسْوَدُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أبو جعفر محمد بن عبد الله) بن
المبارك المخزومي بضم الميم وفتح الخاء المعجمة وتشديد
الراء البغدادي قال: (حدّثنا حجين بن المثنى) بضم الحاء
المهملة وفتح الجيم وبعد التحتية الساكنة نون اليمامي
بالميم سكن بغداد وولي قضاء خراسان قال: (حدّثنا عبد
العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة) الماجشون (عن عبد الله بن
الفضل) بن عباس بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي
المدني من صغار التابعين (عن سليمان بن يسار) بفتح
بالتحتية والسين المهملة المخففة أخي عطاء التابعي (عن
جعفر بن عمرو بن أمية الضمري) بفتح الضاد المعجمة وسكون
الميم -رضي الله عنه- أنه (قال: خرجت مع عبيد الله) بضم
العين (ابن عدي بن الخيار) بكسر الخاء المعجمة وتخفيف
التحتية ابن عدي بن نوفل بن عبد مناف القرشي (فلما قدمنا
حمص) بكسر الحاء وسكون الميم المدينة المشهورة (قال لي
عبيد الله بن عدي): ثبت ابن عدي لأبي ذر (هل لك في وحشي)؟
بفتح الواو وسكون الحاء المهملة وكسر الشين المعجمة وتشديد
التحتية ابن حرب الحبشي مولى جبير بن مطعم (نسأله عن قتل
حمزة)؟ بحذف الضمير ولأبي ذر عن الكشميهني عن قتله حمزة في
وقعة أحد (قلت) له: (نعم، وكان وحشي يسكن حمص فسألنا عنه
فقيل لنا هو ذاك في ظل قصره كأنه حميت) بحاء مهملة مفتوحة
فميم مكسورة فتحتية ساكنة ففوقية على وزن رغيف زق كبير
للسمن يشبه به الرجل السمين، وفي رواية لابن عائد فوجدناه
رجلاً سمينًا محمرة عيناه (قال) جعفر: (فجئنا حتى وقفنا
عليه بيسير) وفي نسخة يسيرًا (فسلمنا) عليه (فرد) علينا
(السلام قال: وعبيد الله) بن عدي (معتجر) بضم الميم وسكون
العين المهملة وفتح الفوقية وبعد الجيم المكسورة راء
(بعمامته) لفها على رأسه من غير أن يديرها تحت حنكه (ما
يرى وحشي) منه (إلا عينيه ورجليه) بالتثنية فيهما (فقال)
له (عبيد الله: يا وحشي أتعرفني؟ قال) جعفر: (فنظر إليه)
وحشي (ثم قال: لا والله إلا أني أعلم أن عدي بن الخيار
تزوج امرأة يقال لها أم قتال) بكسر القاف وفتح الفوقية
المخففة وبعد الألف لام قاله الإمام ابن ماكولا قال في
الفتح وللكشميهني أم قبال بالموحدة بدل الفوقية والأول أصح
قاله
(6/304)
الكرماني وتبعه البرماوي وفي بعضها قتال
بضم القاف (بنت أبي العيص) بكسر العين المهملة وسكون
التحتية بعدها صاد مهملة ونسبها لجدها واسم أبيها أسيد أخت
عتاب بن أسيد كذا في أسد الغابة، وقال في الفتح: إنها عمة
عتاب بن أسيد بن أبي العيص بن أمية فلينظر (فولدت) أم قتال
(له) لعدي (غلامًا بمكة) وسقط لفظ له لأبي ذر (فكنت
أسترضع) أي أطلب (له) من يرضعه (فحملت ذلك الغلام مع أمه
فناولتها
إياه) وزاد ابن إسحاق: والله ما رأيتك منذ ناولتك أمك
السعدية التي أرضعتك بذي طوى فإني ناولتكها وهي على بعيرها
فأخذتك فلمعت لي قدمك حين رفعتك فما هو إلا أن وقفت علي
فعرفتهما (فلكأني نظرت إلى قدميك) يعني أنه شبه قدميه
بقدمي الغلام الذي حمله فكان هو هو وكان بين الرؤيتين نحو
من خمسين سنة (قال) جعفر: (فكشف عبيد الله عن وجهه ثم قال)
له: (ألا تخبرنا بقتل حمزة؟ قال): وحشي (نعم إن حمزة قتل
طعيمة بن عدي بن الخيار ببدر) في وقعتها وطعيمة بضم الطاء
وفتح العين مصغرًا قال الدمياطي: وتبعه في التنقيح إنما هو
طعيمة بن عدي بن نوفل بن عبد مناف، وأما عدي بن الخيار فهو
ابن أخي طعيمة لأنه عدي بن الخيار بن عدي بن نوفل بن عبد
مناف (فقال لي مولاي جبير بن مطعم: إن قتلت حمزة بعمي) أي
طعيمة بن عدي وفيه تجوز لأنه طعيمة بن عدي كما مر (فأنت
حر. قال: فلما أن خرج الناس) يعني قريشًا (عام عينين)
تثنية عين أي عام وقعة أحد (وعينين جبل بحيال) جبل (أُحد)
بكسر الحاء المهملة بعدها تحتية أي من ناحيته (بينه وبينه
واد) وهذا تفسير من بعض الرواة (خرجت مع الناس) قريش (إلى
القتال، فلما أن اصطفوا للقتال) وثبت لفظ أن قبل اصطفوا
لأبى ذر وجواب لما قوله (خرج سباع) بكسر السين المهملة
وتخفيف الموحدة ابن عبد العزى الخزاعي (فقال: هل من مبارز؟
قال: فخرج إليه حمزة بن عبد المطلب فقال) له: (يا سباع يا
ابن أم أنمار) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الميم وبعد
الألف راء هي أمه وكانت مولاة لشريق بن عمرو الثقفي والد
الأخنس (مقطعة البظور) بضم الموحدة والظاء المعجمة جمع بظر
وهو اللحمة التي تقطع من فرج المرأة الكائنة بين اسكتيها
عند ختانها، وكانت أمه ختانة تختن النساء بمكة فعيّره بذلك
ومقطعة بكسر الطاء المهملة وفتحها خطأ (أتحادّ الله ورسوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح الهمزة وضم
الفوقية وفتح الحاء المهملة وبعد الألف دال مهملة مشددة أي
أتعاندهما وتعاديهما. وفي القاموس وحاده غاضبه وعاداه
وخالفه وسقطت التصلية لأبي ذر.
(قال) وحشي: (ثم شدّ) حمزة (عليه) أي على سباع فقتله (فكان
كأمس الذاهب) في العدم (قال) وحشي: (وكمنت) بفتح الميم
اختبأت (لحمزة) أي لأجل أن أقتله (تحت صخرة) وفي مرسل عمير
بن إسحاق أنه انكشف الدرع عن بطنه (فلما دنا) أي قرب (مني
رميته بحربتي فأضعها في ثنته) بضم المثلثة وتشديد النون
بعدها فوقية في عانته. وقال في القاموس: أو مريطاء ما
بينها وبين السرة، وقال في مرط المريطاء كالغبيراء: ما بين
السرة أو الصدر إلى العانة (حتى خرجت من بين وركيه)
بالتثنية (قال) وحشي: (فكان ذاك) الرمي بالحربة (العهد به)
كناية عن موت حمزة (فلما رجع الناس) قريش من أحد (رجعت
معهم فأقمت بمكة حتى فشا) أي إلى أن ظهر (فيها الإسلام ثم
خرجت) منها (إلى الطائف) هاربًا لما افتتح رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة (فأرسلوا) أي أهل
الطائف (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) عام ثمان (رسولاً) بالإفراد ولأبي ذر رسلاً
بالجمع (فقيل) بالفاء ولأبوي ذر والوقت وقيل (لي: إنه لا
يهيج الرسل) بفتح حرف المضارعة لا ينالهم منه مكروه، وعند
ابن إسحاق فلما خرج وفد أهل الطائف إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليسلموا ضاقت عليّ الأرض وقلت
ألحق
بالشام أو باليمن أو ببعض البلاد فإني لفي ذلك إذ قال رجل:
ويحك إنه والله ما يقتل أحدًا من الناس دخل في دينه (قال
(6/305)
فخرجت معهم حتى قدمت على رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلما رآني قال) لي: (آنت
وحشي) بمد الهمزة (قلت نعم قال: أنت قتلت حمزة) مرتين
(قلت: قد كان من الأمر) في شأن قتله (ما قد بلغك) كذا في
الفرع بإثبات قد وفي أصله وغيره بحذفها (قال) عليه الصلاة
والسلام: (فهل تستطيع أن تغيب وجهك عني) بضم الفوقية وفتح
المعجمة وتشديد التحتية المكسورة (قال: فخرجت) من عنده
(فلما قبض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فخرج مسيلمة الكذاب) بكسر اللام صاحب اليمامة على أثر وفاة
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وادعى النبوّة
وجمع جموعًا كثيرة لقتال الصحابة، وجهز له أبو بكر الصديق
-رضي الله عنه- جيشًا وأمّر عليهم خالد بن الوليد (قلت:
لأخرجن إلى مسيلمة لعلي أقتله فأكافئ فيه حمزة) بالهمزة أي
أواسيه به وهو تأكيد وخوف، وإلا فلا ريب أن الإسلام يجب ما
قبله (قال) وحشي: (فخرجت مع الناس) الذين جهزهم أبو بكر
لقتال مسيلمة (فكان من أمره) أي مسيلمة (ما كان) من
المقاتلة وقتل جمع من الصحابة ثم كان الفتح للمسلمين (قال:
فإذا رجل) أي مسيلمة (قائم في ثلمة جدار) بفتح المثلثة
مصحح عليه في اليونينية وفرعها وسكون اللام أي خلل جدار
(كأنه جمل أورق) أسمر لونه كالرماد (ثائر الرأس) منتشر
شعره (قال: فرميته بحربتي) التي قتلت بها حمزة (فأضعها)
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فوضعتها (بين ثدييه حتى خرجت
من بين كتفيه قال: ووثب إليه رجل من الأنصار) جزم الحاكم
والواقدي لإسحاق بن راهويه أنه عبد الله بن زيد بن عاصم
المازني وجزم سيف في كتاب الردة أنه عدي بن سهل وقيل أبو
دجانة والأول أشهر (فضربه بالسيف على هامته) أي رأسه (قال)
عبد العزيز بن عبد الله بن أبي سلمة بالإسناد السابق (قال
عبد الله بن الفضل: فأخبرني) بالإفراد (سليمان بن يسار أنه
سمع عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- (يقول: فقالت
جارية) لما قتل مسيلمة (على ظهر بيت) تندبه (واأمير
المؤمنين قتله العبد الأسود) وحشي وذكرته بلفظ الإمرة وإن
كان يدّعي الرسالة لما رأته من أمور أصحابه الذين آمنوا به
كلها كانت إليه، وأطلقت على أصحابه المؤمنين باعتبار
إيمانهم به ولم تقصد إلى تلقيبه بذلك والله أعلم.
24 - باب مَا أَصَابَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنَ الْجِرَاحِ يَوْمَ أُحُدٍ
(باب) ذكر (ما أصاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من الجراح يوم أُحد) سقط لفظ باب لأبي ذر.
4073 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامٍ سَمِعَ
أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اشْتَدَّ
غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ فَعَلُوا بِنَبِيِّهِ -
يُشِيرُ إِلَى رَبَاعِيَتِهِ - اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ
عَلَى رَجُلٍ يَقْتُلُهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَبِيلِ اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر وابن عساكر حدثني
(إسحاق بن نصر) هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي المروزي
نزيل بخارى قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن
معمر) هو ابن راشد (عن همام) بتشديد الميم ابن منبه أنه
(سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبوي ذر والوقت: النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اشتد غضب الله على قوم فعلوا بنبيه يشير إلى) كسر
(رباعيته) أي اليمنى السفلى والرباعية بفتح الراء وتخفيف
الموحدة السن التي تلي الثنية من كل جانب وللإنسان أربع
رباعيات، وكان الذي كسر رباعيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عتبة بن أبي وقاص وجرح شفته السفلى (اشتد غضب
الله على رجل يقتله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (في سبيل الله) كما قتل
في غزوة أُحد أبي بن خلف الجمحي وخرج بقوله في سبيل الله
من قتله في حدّ أو قصاص.
4074 - حَدَّثَنِي مَخْلَدُ بْنُ مَالِكٍ حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الأُمَوِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: اشْتَدَّ غَضَبُ
اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي سَبِيلِ اللَّهِ اشْتَدَّ غَضَبُ
اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ دَمَّوْا وَجْهَ نَبِيِّ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 4074 -
أطرافه في: 4076].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (مخلد بن مالك) بفتح الميم
وسكون الخاء المعجمة أبو جعفر النيسابوري الرازي الأصل من
إفراده قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد الأموي) بضم الهمزة وفتح
الميم قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا (ابن جريج) عبد الملك
بن عبد العزيز (عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس
-رضي الله عنهما-) أنه (قال):
(اشتد) كذا في اليونينية وغيرها من الأصول المعتمدة عن ابن
عباس قال: اشتد وفي الفرع عن ابن عباس قال: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اشتد (غضب الله على
من قتله النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بيده
(في سبيل الله، اشتد غضب الله على قوم دموا) بفتح الدال
المهملة
(6/306)
والميم المشددة أي جرحوا (وجه نبي الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حتى خرج منه الدم،
وكان الذي جرح وجهه الشريف -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ابن قميئة فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته
فانتزعهما أبو عبيدة عامر بن الجراح وعض عليهما حتى سقطت
ثنيتاه من شدة غوصهما، وامتص مالك بن سنان والد أبي سعيد
الخدري الدم من وجنته ثم ازدرده، فقال عليه الصلاة
والسلام: "من مس دمي دمه لم تصبه النار".
وحديث الباب من مراسيل الصحابة لأن أبا هريرة وابن عباس لم
يشهدا وقعة أُحد، ويحتمل أن يكونا تحملاه ممن حضرها أو
سمعاه من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعده.
باب
هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة فهو كالمفصل من سابقه وسقط
لأبي ذر.
4075 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ، أَنَّهُ سَمِعَ سَهْلَ بْنَ
سَعْدٍ
وَهْوَ يُسْأَلُ عَنْ جُرْحِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ
إِنِّي لأَعْرِفُ مَنْ كَانَ يَغْسِلُ جُرْحَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَنْ كَانَ
يَسْكُبُ الْمَاءَ، وَبِمَا دُووِيَ. قَالَ: كَانَتْ
فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ - بِنْتُ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَغْسِلُهُ
وَعَلِيٌّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ يَسْكُبُ الْمَاءَ
بِالْمِجَنِّ فَلَمَّا رَأَتْ فَاطِمَةُ أَنَّ الْمَاءَ
لاَ يَزِيدُ الدَّمَ إِلاَّ كَثْرَةً أَخَذَتْ قِطْعَةً
مِنْ حَصِيرٍ فَأَحْرَقَتْهَا وَأَلْصَقَتْهَا
فَاسْتَمْسَكَ الدَّمُ وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ
يَوْمَئِذٍ وَجُرِحَ وَجْهُهُ وَكُسِرَتِ الْبَيْضَةُ
عَلَى رَأْسِهِ.
وبه قال (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي واسمه يحيى وقتيبة
لقب غلب عليه قال: (حدّثنا يعقوب) بن عبد الرحمن
الإسكندراني (عن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي سلمة بن
دينار (أنه سمع سهل بن سعد) بسكون الهاء والعين فيهما
الساعدي -رضي الله عنهما- (وهو يسأل) بضم أوله مبنيًّا
للمفعول وفي الفرع بالفتح ولعله سبق قلم (عن جرح رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الذي جرحه في وقعة
أُحد (فقال: أما) بتخفيف الميم حرف استفتاح وتكثر قبل
القسم كقوله:
أما والذي أبكى وأضحك والذي ... أمات وأحيى والذي أمره
وقوله هنا (والله إني لأعرف من كان يغسل جرح رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن كان يسكب الماء
وبما دووي) بضم الدال المهملة وسكون الواو الأولى وكسر
الثانية بعدها تحتية مبنيًّا للمفعول (قال: كانت فاطمة
عليها السلام بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- تغسله، وعلي بن أبي طالب) ثبت أن ابن أبي طالب
لابن عساكر (يسكب الماء بالمجن) بكسر الميم وفتح الجيم
وتشديد النون بالترس على الجرح (فلما رأت فاطمة) -رضي الله
عنها- (أن الماء لا يزيد الدم إلا كثرة أخدت قطعة من حصير
فأحرقتها) حتى صارت رمادًا (وألصقتها) بالواو بالجرح
ولأبوي ذر والوقت فألصقتها (فاستمسك الدم وكسرت رباعيته)
اليمنى السفلى (يومئذٍ) كسرها عتبة بن أبي وقاص أخو سعد
ومن ثم لم يولد من نسله ولد فيبلغ الحنث إلا وهو أبخر أو
أهتم أي مكسور الثنايا يعرف ذلك في عقبه (وجرح وجهه) جرحه
عبد الله بن قميئة أقمأه الله (وكسرت البيضة) أي الخوذة
(على رأسه) وسلط الله على ابن قميئة تيس جبل فلم يزل ينطحه
حتى قطعه قطعة قطعة.
4076 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو
عَاصِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:
اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ قَتَلَهُ نَبِيٌّ
واشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى مَنْ دَمَّى وَجْهَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن علي) أبو حفص الباهلي
الصيرفي الفلاس البصري قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن
مخلد النبيل قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد
العزيز (عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس) -رضي الله
عنهما- أنه (قال):
(اشتد غضب الله على من قتله نبي) بييده في غير قصاص أو حدّ
(واشتد غضب الله على من
دمّى) بتشديد الميم (وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) كذا أورده هنا عن ابن عباس لم يذكر
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ورفعه في
السابق.
25 - باب {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ}
هذا (باب) بالتنوين في قوله تعالى: ({الذين استجابوا لله
والرسول}) [آل عمران: 172].
4077 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ
عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله
عنها--: {الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ
مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ
أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل
عمران: 172] قَالَتْ لِعُرْوَةَ: يَا ابْنَ أُخْتِي كَانَ
أَبُوكَ مِنْهُمُ الزُّبَيْرُ وَأَبُو بَكْرٍ لَمَّا
أَصَابَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَا أَصَابَ يَوْمَ أُحُدٍ وَانْصَرَفَ
الْمُشْرِكُونَ خَافَ أَنْ يَرْجِعُوا. قَالَ: «مَنْ
يَذْهَبُ فِي أثْرِهِمْ» فَانْتَدَبَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ
رَجُلاً قَالَ: كَانَ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ وَالزُّبَيْرُ.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (محمد) هو ابن
سلام قال: (حدّثنا أبو معاوية) محمد بن خازم السعدي (عن
هشام عن أبيه) عروة بن الزبير بن العوّام (عن عائشة -رضي
الله عنها-) في سبب قوله تعالى: ({الذين استجابوا لله
والرسول}) مبتدأ خبره للذين أحسنوا أو صفة للمؤمنين أو نصب
على المدح ({من بعد ما أصابهم القرح}) الجرح ({للذين
أحسنوا منهم واتقوا}) من للتبيين كهي في قوله تعالى: {وعد
الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة} [الفتح:
172] لأن الذين استجابوا لله والرسول قد أحسنوا كلهم
واتقوا بعضهم ({أجر عظيم}) [آل عمران: 172] في الآخرة.
(وقالت) أي عائشة -رضي الله عنها- (لعروة: يا ابن أختي) هي
أسماء بنت أبي بكر (كان أبوك منهم الزبير و) أبي (أبو بكر)
الصديق -رضي الله عنه- ولابن عساكر أبواك بالتثنية وعلى
هذا ففيه إطلاق الأب على الجد (لما أصاب رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) نصب على المفعولية ولأبي ذر
نبي الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما أصاب
يوم أُحد
(6/307)
وانصرف) بالواو ولأبي ذر فانصرف (المشركون)
ولأبي ذر عن الكشميهني: عنه المشركون (خاف أن يرجعوا)
إليهم لما بلغه أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد
فبلغوا الروحاء ندموا وهموا بالرجوع (قال): ولأبوي ذر
والوقت فقال: (من يذهب في أثرهم)؟ بكسر الهمزة وسكون
المثلثة، وعند ابن إسحاق أنه إنما خرج مرهبًا للعدو
وليظنوا أن الذي أصابهم لم يوهنهم عن طلب عدوهم (فانتدب)
فأجاب (منهم سبعون رجلاً) ممن حضر وقعة أُحُد (قال: كان
فيهم أبو بكر والزبير) وسمى منهم ابن عباس عند الطبراني:
أبا بكر، وعمر وعثمان، وعليًا، وعمار بن ياسر، وطلحة، وسعد
بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف، وأبا حذيفة، وابن مسعود
-رضي الله عنهم-، وعند ابن إسحاق وغيره أنهم لما بلغوا
حمراء الأسد وهي من المدينة على ثلاثة أميال فألقى الله
الرعب في قلوب المشركين فذهبوا فنزلت هذه الآية.
26 - باب مَنْ قُتِلَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ أُحُدٍ
مِنْهُمْ حَمْزَةُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالْيَمَانُ
وَأَنَسُ بْنُ النَّضْرِ وَمُصْعَبُ بْنُ عُمَيْرٍ
(باب من قتل من المسلمين يوم) وقعة (أُحد منهم حمزة بن عبد
المطلب) أسد الله وأسد رسوله قتله وحشي بن حرب. وفي طبقات
ابن سعد عن عمير بن إسحاق قال: كان حمزة بن عبد المطلب
يقاتل بين يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يوم أُحد بسيفين ويقول: أنا أسد الله وجعل يقبل
ويدبر فبينما هو كذلك إذ عثر عثرة فوقع على ظهره وبصر به
الأسود فزرقه بحربة فقتله وفيها أيضًا: أن هندًا لما لاكت
كبده ولم تستطع أكلها قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "أأكلت منها شيئًا" قالوا: لا. قال: "ما كان
الله ليدخل شيئًا من حمزة النار".
وسبق ذكره في باب مفرد وسقط ابن عبد المطلب لأبي ذر.
(و) منهم (اليمان) أبو حذيفة قتله المسلمون خطأ كما مرّ في
آخر باب إذ همت طائفتان (و) منهم (أنس بن النضر) بضاد
معجمة ابن ضمضم بن زيد بن حرام وهو عم أنس بن مالك كما
ذكره أبو نعيم وابن عبد البر وغيرهما، ولأبي ذر: النضر بن
أنس وهو خطأ، والصواب الأوّل كما ذكره الحافظ أبو نعيم
أحمد بن عبد الله وابن عبد البر وأبو إسحاق الصريفيني (و)
منهم (مصعب بن عمير) بضم الميم وفتح العين وعمير مصغر ابن
هاشم بن عبد مناف وكان حامل اللواء.
4078 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا
مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ
قَتَادَةَ، قَالَ: مَا نَعْلَمُ حَيًّا مِنْ أَحْيَاءِ
الْعَرَبِ أَكْثَرَ شَهِيدًا أَعَزَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
مِنَ الأَنْصَارِ.
قَالَ قَتَادَةُ: وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ
أَنَّهُ قُتِلَ مِنْهُمْ يَوْمَ أُحُدٍ سَبْعُونَ وَيَوْمَ
بِئْرِ مَعُونَةَ سَبْعُونَ وَيَوْمَ الْيَمَامَةِ
سَبْعُونَ قَالَ: وَكَانَ بِئْرُ مَعُونَةَ عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَيَوْمُ الْيَمَامَةِ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ يَوْمَ
مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ.
وبه (وقال: حدثني) بالإفراد (عمرو بن علي) بفتح العين
وسكون الميم ابن بحر بن كنيز بالنون والزاي الصيرفي الفلاس
قال: (حدّثنا معاذ بن هشام) الدستوائي (قال: حدثني)
بالإفراد (أبي) هشام (عن قتادة) بن دعامة أنه (قال: ما
نعلم حيًّا من أحياء العرب أكثر شهيدًا أعز) بعين مهملة
فزاي من العزة ولابن عساكر وأبي ذر عن الكشميهني أغر بغين
معجمة فراء وانتصابهما صفة أو عطف بحذف حرف العطف كالتحيات
المباركات (يوم القيامة من الأنصار).
(قال قتادة): بالإسناد السابق مستدلاً على صحة قوله الأوّل
(وحدّثنا أنس بن مالك) -رضي الله عنه- (أنه قتل منهم) من
الأنصار (يوم أُحد سبعون) وكذا قال: إن السبعين من الأنصار
خاصة ابن سعد في طبقاته لكنهم في تراجمهم زادوا على ذلك،
وقد سرد الحافظ أبو الفتح أسماء المستشهدين من المهاجرين
والأنصار ستة وتسعين منهم من المهاجرين ومن ذكره معهم أحد
عشر، ومن الأنصار خمسة وثمانين من الأوس ثمانية وثلاثين
ومن الخزرج سبعة وأربعين. منهم عند ابن إسحاق من المهاجرين
أربعة ومن الأنصار أحدًا وستين من الأوس أربعة وعشرين ومن
الخزرج سبعة وثلاثين والباقين عن موسى بن عقبة أو عن ابن
سعد أو عن ابن هشام والزيادة ناشئة عن الاختلاف في بعضهم.
(و) قتل منهم (يوم بئر معونة سبعون) كان يقال لهم القراء
(ويوم اليمامة) مدينة من اليمن على مرحلتين من الطائف
(سبعون. قال): قتادة كما في مستخرج أبي نعيم (وكان بئر
معونة على عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) حيث بعثهم لحاجة فعرض لهم حيان من بني سليم
رعل وذكوان فقتلوهم فدعا عليهم النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهرًا في صلاة الغداة وذلك في بدء
القنوت (ويوم اليمامة على عهد أبي بكر) الصديق في خلافته
(يوم) قتال (مسيلمة) بكسر اللام (الكذاب) الذي ادّعى
(6/308)
النبوّة.
4079 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ
يَجْمَعُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِنْ قَتْلَى أُحُدٍ فِي
ثَوْبٍ وَاحِدٍ ثُمَّ يَقُولُ: «أَيُّهُمْ أَكْثَرُ
أَخْذًا لِلْقُرْآنِ»؟ فَإِذَا أُشِيرَ لَهُ إِلَى أَحَدٍ
قَدَّمَهُ فِي اللَّحْدِ، وَقَالَ: أَنَا شَهِيدٌ عَلَى
هَؤُلاَءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَمَرَ بِدَفْنِهِمْ
بِدِمَائِهِمْ وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِمْ وَلَمْ
يُغَسَّلُوا.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد إمام المصريين (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبد
الرحمن بن كعب بن مالك أن جابر بن عبد الله) الأنصاري
(-رضي الله عنهما- أخبره أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يجمع بين الرجلين من قتلى) وقعة
(أُحد في ثوب واحد ثم يقول: أيهم) أي القتلى (أكثر أخذًا
للقرآن) بسكون الخاء المعجمة (فإذا أشير له) عليه الصلاة
والسلام (إلى أحد) من القتلى بالأكثرية (قدمه في اللحد)
مما يلي القبلة (وقال) عليه الصلاة والسلام: (أنا شهيد على
هؤلاء) أراقب أحوالهم وشفيع لهم (يوم القيامة وأمر بدفنهم
بدمائهم ولم يصل عليهم ولم يغسلوا) فيحرم غسل الشهيد ولو
جنبًا والصلاة عليه، والحكمة فيهما كدفنهم بدمائهم إبقاء
أثر الشهادة عليهم وأما حديث صلاته عليه الصلاة والسلام
على قتلى أحد صلاته على الميت فالمراد دعا لهم كدعائه
للميت جمعًا بين الأدلة.
وسبق هذا الحديث في باب من يقدم في اللحد من الجنائز.
4080 - وَقَالَ أَبُو الْوَلِيدِ: عَنْ شُعْبَةَ عَنِ
ابْنِ الْمُنْكَدِرِ، قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرًا، قَالَ:
لَمَّا قُتِلَ أَبِي جَعَلْتُ أَبْكِي وَأَكْشِفُ
الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ فَجَعَلَ أَصْحَابُ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَوْنِي
وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ
يَنْهَ وَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لاَ تَبْكِيهِ -أَوْ مَا تَبْكِيهِ- مَا
زَالَتِ الْمَلاَئِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا» حَتَّى
رُفِعَ.
(وقال أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي شيخ المؤلّف
فيما وصله الإسماعيلي (عن شعبة) بن الحجاج (عن ابن
المنكدر) محمد القرشي التيمي أنه (قال: سمعت جابرًا) ولأبي
الوقت جابر بن عبد الله (قال: لما قتل أبي) عبد الله يوم
أُحد (جعلت أبكي وأكشف الثوب عن وجهه، فجعل أصحاب النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينهوني) عن البكاء،
ولأبي ذر: ينهونني (والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لم ينه) عنه (وقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا تبكيه) ولأبي ذر وابن عساكر لا تبكه بإسقاط التحتية
(أو ما تبكيه) وعند مسلم وجعلت فاطمة بنت عمرو عمتي تبكيه
فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا
تبكيه" كذا قرره في فتح الباري. قال: وكذا تقدم عند المصنف
في الجنائز، وتعقبه العيني بأن الذي في الجنائز ليس كذلك
بل لفظه: فذهبت أريد أن أكشف عنه فنهاني قومي، ثم ذهبت
أكشف عنه فنهاني قومي فأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرفع فسمع صوت صائحة فقال: "من هذه"
فقالوا: ابنة عمرو أو أخت عمرو قال: "فلم تبكي أو لا تبكي"
وكيف ترك صريح النهي لجابر، ويقال: النهي هنا لفاطمة بنت
عمرو وليس لها ذكر، وهذا تصرف عجيب وإن كان أصل الحديث
واحدًا فلا يمنع أن يكون النهي هنا لجابر وهناك لفاطمة بنت
عمرو انتهى.
(ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها) متزاحمين على المبادرة
ليصعدوا بروحه وتبشره بما أعد الله له من الكرامة وأو ليست
للشك بل للتسوية بين البكاء وعدمه أي أن الملائكة تظله
سواء تبكيه أم لا (حتى رفع) من محله.
وسبق هذا الحديث في باب الدخول على الميت بعد الموت من
الجنائز.
4081 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي بُرْدَةَ عَنْ جَدِّهِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي
مُوسَى -رضي الله عنه- أُرَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَأَيْتُ فِي
رُؤْيَايَ أَنِّي هَزَزْتُ سَيْفًا فَانْقَطَعَ صَدْرُهُ،
فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ
أُحُدٍ، ثُمَّ هَزَزْتُهُ أُخْرَى فَعَادَ أَحْسَنَ مَا
كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ بِهِ اللَّهُ مِنَ
الْفَتْحِ، وَاجْتِمَاعِ الْمُؤْمِنِينَ وَرَأَيْتُ فِيهَا
بَقَرًا وَاللَّهُ خَيْرٌ فَإِذَا هُمُ الْمُؤْمِنُونَ
يَوْمَ أُحُدٍ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر حدثني بالإفراد
(محمد بن العلاء) بفتح العين ممدودًا أبو كريب الهمداني
الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن
عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء (ابن أبي بردة) بضم
الموحدة وسكون الراء (عن جده أبي بردة) عامر (عن) أبيه
(أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) قال
البخاري أو شيخه محمد بن العلاء: (أرى) بضم الهمزة وفتح
الراء أظن أنه (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) شك هل تحمله مرفوعًا أم لا أنه (قال):
(رأيت في رؤياي) ولأبي ذر عن الكشميهني أريت بهمزة مضمومة
وكسر الراء (أني هززت
سيفًا) بفتح الهاء والزاي الأولى وسكون الثانية وهو ذو
الفقار، ولأبي ذر عن الكشميهني سيفي (فانقطع صدره) وعند
ابن إسحاق ورأيت في ذباب سيفي ثلمًا (فإذا هو ما أصيب من
المؤمنين يوم أُحد) قال المهلب: لما كان النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصول بأصحابه عبر عن السيف
بهم وبهزه عن أمره لهم الحرب وعن القطع فيه بالقتل فيهم
وفي رواية عروة كان الذي رأى بسيفه ما أصاب وجهه عند ابن
هشام، وأما الثلم في السيف فهو رجل من أهل بيتي يقتل (ثم
هززته أخرى فعاد أحسن ما كان فإذا هو ما جاء به الله)
ولأبي ذر ما جاء الله به (من الفتح واجتماع المؤمنين ورأيت
فيها)
(6/309)
أي في رؤياي (بقرًا) بالموحدة والقاف
المفتوحتين زاد أبو يعلى وأبو الأسود في مغازيه تذبح
(والله خير) رفع مبتدأ وخبر وفيه حذف تقديره وصنع الله خير
(فإذا هم) أي البقر (المؤمنون) الذين قتلوا (يوم أحد).
وفي حديث جابر عند أحمد والنسائي أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "رأيت كأني في درع حصينة ورأيت
بقرًا تنحر فأوّلت الدرع الحصينة المدينة وأن البقر بقر
والله خير"، وقوله بقر الأخير بسكون القاف مصدر بقرة يبقره
بقرًا أي شق بطنه، وهذا أحد وجوه التعبير وهو أن يشتق من
الأمر معنى يناسب.
وبهذا الحديث سبب بينه في حديث ابن عباس المروي عند أحمد
أيضًا والنسائي في قصة أُحد، وإشارة النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا يبرحوا من المدينة وإيثارهم
الخروج لطلب الشهادة ولبسه اللأمة وندامتهم على ذلك، وقوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا ينبغي لنبي إذا
لبس لأمته أن يضعها حتى يقاتل" وفيها "إني رأيت أني في درع
حصينة" الحديث.
4082 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ عَنْ شَقِيقٍ عَنْ
خَبَّابٍ -رضي الله عنه- قَالَ: هَاجَرْنَا مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَنَحْنُ
نَبْتَغِي وَجْهَ اللَّهِ فَوَجَبَ أَجْرُنَا عَلَى
اللَّهِ فَمِنَّا مَنْ مَضَى أَوْ ذَهَبَ لَمْ يَأْكُلْ
مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا كَانَ مِنْهُمْ مُصْعَبُ بْنُ
عُمَيْرٍ قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ يَتْرُكْ إِلاَّ
نَمِرَةً كُنَّا إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ
رِجْلاَهُ وَإِذَا غُطِّيَ بِهَا رِجْليْهِ خَرَجَ
رَأْسُهُ، فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «غَطُّوا بِهَا رَأْسَهُ وَاجْعَلُوا
عَلَى رِجْلَيْهِ الإِذْخِرَ -أَوْ قَالَ- أَلْقُوا عَلَى
رِجْلَيْهِ مِنَ الإِذْخِرِ» وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ
لَهُ ثَمَرَتُهُ فَهْوَ يَهْدِبُهَا.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن
يونس اليربوعي الكوفي قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية
قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان الكوفي (عن شقيق) هو ابن
اسلمة (عن خباب) بالخاء المعجمة والموحدة المشدّدة
المفتوحتين وبعد الألف موحدة أيضًا ابن الأرت بالفوقية
المشددة (-رضي الله عنه-) أنه (قال: هاجرنا مع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي إلى المدينة
(ونحن نبتغي) أي نطلب (وجه الله) لا الدنيا (فوجب أجرنا
على الله) فضلاً (فمنا من مضى) أي مات (أو ذهب) شك الراوي
(لم يأكل من أجره) من الغنائم (شيئًا كان منهم مصعب بن
عمير) بضم العين مصغرًا
(قتل يوم أُحد ولم) بالواو والذي في اليونينية فلم (يترك
إلا نمرة) أي شملة مخططة من صوف (كنا إذا غطينا) بفتح
الغين (بها رأسه خرجت رجلاه وإذا غطي) بضم الغين وكسر
الطاء (بها رجليه) ولأبي ذر رجلاه بالألف بدل الياء وهو
أوجه (خرج رأسه فقال لنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه الإذخر) بالذال المعجمة
ولأبي ذر من الإذخر (أو قال) عليه الصلاة والسلام: (ألقوا)
بفتح الهمزة وضم القاف بدل اجعلوا (على رجليه من الإذخر
ومنا من أينعت) أي أدركت ونضجت (لله ثمرته فهو يهدبها)
بكسر الدال المهملة وتضم أي يجتنيها.
وسبق هذا الحديث أول الغزوة.
27 - باب أُحُدٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ قَالَهُ عَبَّاسُ
بْنُ سَهْلٍ: عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
هذا (باب) بالتنوين (أُحد) الجبل الذي كان به الوقعة
(يحبنا ونحبه) (قاله عباس بن سهل) الساعدي الأنصاري مما
وصله المؤلّف في باب خرص التمر من كتاب الزكاة (عن أبي
حميد) عبد الرحمن (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وأُحد كما قال ياقوت في معجم البلدان له بضم
أوله وثانيه معًا وهو اسم مرتجل لهذا الجبل، وقال السهيلي:
سمي به لتوحده وانقطاعه عن جبال أخرى هناك قال أيضًا: وهو
مشتق من الأحدية وحركات حروفه الرفع وذلك يشعر بارتفاع دين
الأحد وعلوّه.
وقال ياقوت: هو جبل أسمر ليس بذي شناخيب بينه وبين المدين
قرابة ميل في شماليها ولما ورد محمد بن عبد الملك الفقعسي
بغداد حنّ إلى وطنه وذكر أُحدًا وغيره من نواحي المدينة
قال:
نفى النوم عني والفؤاد كئيب ... نوائب همّ ما تزال تنوبُ
وأحراض أمراض ببغداد جمعت ... عليّ وأنهار لهن قشيبُ
وظلت دموع العين تمري غروبها ... من الماء درّات لهن شعوبُ
وما جزعة من خشية الموت أخضلت ... دموعي ولكن الغريب غريبُ
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بسلع ولم تغلق علي دروبُ
وهل أحد باد لنا وكأنه ... حصان أمام المقربات جنيبُ
يخب السراب الضحل بيني وبينه ... فيبدو لعيني تارة ويغيبُ
فإنّ شفائي نظرة إن نظرتها ... إلى أُحد والحرَّتان قريبُ
(6/310)
وإني لأرعى النجم حتى كأنني ... على كل نجم
في السماء رقيبُ
وأشتاق للبرق اليمانيّ إن بدا ... وأزداد شوقًا أن تهب
جنوبُ
4083 - حَدَّثَنِي نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ قَالَ: أَخْبَرَنِي
أَبِي عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ
أَنَسًا -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا
وَنُحِبُّهُ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (نصر بن علي) الجهضمي البصري
(قال: أخبرني) بالإفراد (أبي) علي بن نصر (عن قرة بن خالد)
بضم القاف وتشديد الراء (عن قتالة) بن دعامة أنه قال:
(سمعت أنسًا -رضي الله عنه-) يقول (إن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية حميد المعلقة
السابقة هنا الموصولة في الزكاة لما رجع من تبوك ورأى
أُحُدًا (قال):
(هذا جبل يحبنا ونحبه) حقيقة وضع الله تعالى فيه الحب كما
وضع التسبيح في الجبال المسبحة مع داود عليه الصلاة
والسلام وكما وضع الخشية في الحجارة التي قال فيها: {وإن
منها لما يهبط من خشية الله} [البقرة: 74]. ولا ينكر وصف
الجمادات بحب الأنبياء والأولياء كما حنت الأسطوانة على
مفارقته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى سمع
الناس حنينها، أو المراد الأنصار سكان المدينة فيكون من
باب حذف المضاف كقوله تعالى: {واسأل القرية} [يوسف: 82].
قيل: أراد أنه كان يبشره إذ رآه عند القدوم من أسفاره
بالقرب من أهله ولقائهم وذلك فعل المحب.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في المناسك.
4084 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَلَعَ لَهُ
أُحُدٌ فَقَالَ: «هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ،
اللَّهُمَّ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وَإِنِّي
حَرَّمْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيْهَا».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن أبي
عمرو بفتح العين أيضًا (مولى المطلب) بن حنطب (عن أنس بن
مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طلع على أُحُد) بفتح الطاء واللام
مخففًا. وفي باب فضل الخدمة في الغزو من كتاب الجهاد من
طريق عبد العزيز بن عبد الله الأويسي عن محمد بن جعفر عن
عمر أن أنسًا قال: خرجت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى خيبر أخدمه فلما قدم النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- راجعًا بدا له أُحُد (فقال):
(هذا) مشيرًا إلى أُحُد (جبل يحبنا ونحبه) إذ جزاء من يحب
أن يحب.
قال في الروض وفي الآثار المسندة: إن أُحُدًا يكون يوم
القيامة عند باب الجنة من داخلها.
وفي المسند عن أبي عثمان بن جبير عن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أُحُد يحبنا ونحبه وهو
على باب الجنة وعير يبغضنا ونبغضه وهو على باب من أبواب
النار" ويقويه قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
"المرء مع من أحب" فيناسب هذه الآثار ويشدّ بعضها بعضًا،
وقد كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحب
الاسم الحسن ولا أحسن من اسم مشتق من الأحدية، وقد سمى
الله تعالى هذا الجبل بهذا الاسم مقدمة لما أراده الله
تعالى من
مشاكلة اسمه لمعناه إذ أهله وهم الأنصار نصروا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والتوحيد والمبعوث
بدين التوحيد استقر عنده حيًّا وميتًا، وكان من عادته
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يستعمل الوتر
ويحبه في شأنه كله استشعارًا للأحدية فقد وافق اسم هذا
الجبل أغراضه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومقاصده
في الأسماء فتعلق الحب من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- به اسمًا ومسمى، فخص من بين الجبال بأن يكون
معه في الجنة {إذا بُسَّتِ الجبال بسًّا * فكانت هباء
مبنثًّا} [الواقعة: 5، 6] قال: وفي أُحُد قبر هارون أخي
موسى عليهما الصلاة والسلام وكانا قد مرّا بأُحُد حاجين أو
معتمرين. روي هذا المعنى في حديث أسنده الزبير عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في كتاب فضائل
المدينة انتهى.
(اللهم إن إبراهيم) الخليل عليه الصلاة والسلام (حرم مكة)
بتحريمك لها على لسانه (وإني حرمت المدينة ما بين لابتيها)
بتخفيف الموحدة تثنية لابة وهي الحرة والمدينة بين حرتين
وفي الجهاد كتحريم إبراهيم مكة ومراده في الحرمة فقط لا في
وجوب الجزاء.
4085 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي
الْخَيْرِ عَنْ عُقْبَةَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ يَوْمًا فَصَلَّى عَلَى أَهْلِ
أُحُدٍ صَلاَتَهُ عَلَى الْمَيِّتِ ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى
الْمِنْبَرِ فَقَالَ: «إِنِّي فَرَطٌ لَكُمْ وَأَنَا
شَهِيدٌ عَلَيْكُمْ، وَإِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى حَوْضِي
الآنَ، وَإِنِّي أُعْطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرْضِ
-أَوْ مَفَاتِيحَ الأَرْضِ- وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا
أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تُشْرِكُوا بَعْدِي، وَلَكِنِّي
أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنَافَسُوا فِيهَا».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن خالد) بفتح العين ابن
فروخ الحراني قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن يزيد
بن أبي حبيب) سويد المصري (عن أبي الخير) مرثد بن عبد الله
اليزني (عن عقبة) بن عامر الجهني - رضي الله تعالى عنه -
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج يومًا
فصلى على) قتلى (أهل أُحُد) زاد في أول غزوة أحُد بعد ثمان
سنين وسبق فيه ما فيه من البحث (صلاته على الميت) أي دعا
لهم كدعائه
(6/311)
للميت إذا صلّى عليه جميعًا بين الأدلة (ثم
انصرف إلى المنبر فقال):
(إني فرط لكم) بفتح الفاء والراء أي سابقكم إلى الحوض
أهيئه لكم وهذا كناية عن اقتراب أجله صلوات الله عليه
(وأنا شهيد عليكم) بأعمالكم (وإني لأنظر إلى حوضي الآن)
نظرًا حقيقيًا بطريق الكشف (وإني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض
أو مفاتيح الأرض) بالشك من الراوي (وإني والله ما أخاف
عليكم أن تشركوا) بالله (بعدي) أي لست أخشى على جميعكم
الإشراك بل على مجموعكم إذ قد وقع ذلك من بعضهم (ولكني)
بالياء التحتية بعد النون المشددة، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي ولكن (أخاف عليكم أن تنافسوا) بإسقاط إحدى
التاءين أي ترغبوا (فيها) أي في الدنيا.
وهذا الحديث قد سبق في أول غزوة أُحُد.
28 - باب غَزْوَةُ الرَّجِيعِ، وَرِعْلٍ، وَذَكْوَانَ،
وَبِئْرِ مَعُونَةَ، وَحَدِيثِ عَضَلٍ، وَالْقَارَةِ،
وَعَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ وَخُبَيْبٍ وَأَصْحَابِهِ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنَا عَاصِمُ بْنُ عُمَرَ
أَنَّهَا بَعْدَ أُحُدٍ.
(باب غزوة الرجيع) بفتح الراء وكسر الجيم وبعد التحتية عين
مهملة اسم موضع من بلاد هذيل كانت الوقعة بالقرب منه في
صفر من سنة أربع، وسقط باب لأبي ذر وابن عساكر (و) غزوة
(رعل) بكسر الراء وسكون العين المهملة بعدها لام بطن من
بني سليم ينسبون إلى رعل بن عوف بن مالك بن امرئ القيس بن
ثعلبة بن بهثة بن سليم. (وذكوان) بالذال المعجمة من بني
سليم أيضًا ينسبون إلى ذكوان بن ثعلبة بن بهثة بن سليم
فنسبت الغزوة إليهما. (وبئر معونة) موضع من بلاد هذيل مكة
وعسفان وتعرف الوقعة بسرية القراء السبعين وكانت مع بني
رعل وذكوان المذكورين كما سيأتي في حديث أنس إن شاء الله
تعالى.
(وحديث عضل) بفتح العين المهملة والضاد المعجمة بعدها لام
بطن من بني الهون ابن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر
ينسبون إلى عضل بن الديش (و) حديث (القارة) بالقاف وتخفيف
الراء بطن من الهون ينسبون إلى الديش المذكور أو القارة
أكمة سوداء كأنهم نزلوا عندها فسموا بها (و) حديث (عاصم بن
ثابت) أي ابن أبي الأقلح بالقاف والحاء المهملة بينهما لام
مفتوحة الأنصاري وهي غزوة الرجيع (و) حديث (خبيب) بضم
الخاء المعجمة وفتح الباء الأولى مصغرًا (وأصحابه) وكانوا
عشرة أنفس وهي مع عضل والقارة، وقول الدمياطي: إن الوجه
تقديم عضل وما بعدها على الرجيع وتأخير رعل وذكوان مع بئر
معونة تعقبه في المصابيح بأنه ليس في البخاري ما يقتضي
الترتيب بين الغزوات حتى يكون ذكره لها على هذا النمط ليس
الوجه.
(قال ابن إسحاق): محمد صاحب المغازي (حدّثنا عاصم بن عمر)
بن قتادة الظفري الأنصاري العلامة في المغازي (أنها) أي
غزوة الرجيع كانت (بعد) غزوة (أُحُد).
4086 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ
عَنْ عَمْرِو بْنِ أَبِي سُفْيَانَ الثَّقَفِيِّ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً عَيْنًا
وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ وَهْوَ جَدُّ
عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فَانْطَلَقُوا
حَتَّى إِذَا كَانَ بَيْنَ عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا
لَحِيٍّ مِنْ هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو لَحْيَانَ
فَتَبِعُوهُمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَامٍ فَاقْتَصُّوا
آثَارَهُمْ، حَتَّى أَتَوْا مَنْزِلاً نَزَلُوهُ
فَوَجَدُوا فِيهِ نَوَى تَمْرٍ تَزَوَّدُوهُ مِنَ
الْمَدِينَةِ، فَقَالُوا: هَذَا تَمْرُ يَثْرِبَ
فَتَبِعُوا آثَارَهُمْ حَتَّى لَحِقُوهُمْ فَلَمَّا
انْتَهَى عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَئُوا إِلَى فَدْفَدٍ،
وَجَاءَ الْقَوْمُ فَأَحَاطُوا بِهِمْ، فَقَالُوا: لَكُمُ
الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ، إِنْ نَزَلْتُمْ إِلَيْنَا أَنْ
لاَ نَقْتُلَ مِنْكُمْ رَجُلاً، فَقَالَ عَاصِمٌ: أَمَّا
أَنَا فَلاَ أَنْزِلُ فِي ذِمَّةِ كَافِرٍ، اللَّهُمَّ
أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ، فَقَاتَلُوهُمْ حَتَّى
قَتَلُوا عَاصِمًا فِي سَبْعَةِ نَفَرٍ بِالنَّبْلِ،
وَبَقِيَ
خُبَيْبٌ وَزَيْدٌ وَرَجُلٌ آخَرُ، فَأَعْطَوْهُمُ
الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ، فَلَمَّا أَعْطَوْهُمُ الْعَهْدَ
وَالْمِيثَاقَ، نَزَلُوا إِلَيْهِمْ فَلَمَّا
اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ حَلُّوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ
فَرَبَطُوهُمْ بِهَا، فَقَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ
الَّذِي مَعَهُمَا: هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ فَأَبَى أَنْ
يَصْحَبَهُمْ فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ عَلَى أَنْ
يَصْحَبَهُمْ فَلَمْ يَفْعَلْ فَقَتَلُوهُ وَانْطَلَقُوا
بِخُبَيْبٍ وَزَيْدٍ حَتَّى بَاعُوهُمَا بِمَكَّةَ
فَاشْتَرَى خُبَيْبًا بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ
نَوْفَلٍ وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ يَوْمَ
بَدْرٍ فَمَكَثَ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى إِذَا
أَجْمَعُوا قَتْلَهُ اسْتَعَارَ مُوسَى مِنْ بَعْضِ
بَنَاتِ الْحَارِثِ أَسْتَحِدَّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ
قَالَتْ: فَغَفَلْتُ عَنْ صَبِيٍّ لِي فَدَرَجَ إِلَيْهِ
حَتَّى أَتَاهُ فَوَضَعَهُ عَلَى فَخِذِهِ فَلَمَّا
رَأَيْتُهُ فَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَ ذَاكَ مِنِّي وَفِي
يَدِهِ الْمُوسَى، فَقَالَ: أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟
مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَاكِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعالَى،
وَكَانَتْ تَقُولُ: مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا
مِنْ خُبَيْبٍ، لَقَدْ رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ مِنْ قِطْفِ
عِنَبٍ وَمَا بِمَكَّةَ يَوْمَئِذٍ ثَمَرَةٌ، وَإِنَّهُ
لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا كَانَ إِلاَّ رِزْقٌ
رَزَقَهُ اللَّهُ، فَخَرَجُوا بِهِ مِنَ الْحَرَمِ
لِيَقْتُلُوهُ فَقَالَ: دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ،
ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَيْهِمْ فَقَالَ: لَوْلاَ أَنْ تَرَوْا
أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ مِنَ الْمَوْتِ لَزِدْتُ فَكَانَ
أَوَّلَ مَنْ سَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ عِنْدَ الْقَتْلِ
هُوَ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا ثُمَّ
قَالَ:
مَا أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا ... عَلَى أَيِّ
شِقٍّ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي
وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ ... يُبَارِكْ
عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ
فَقَتَلَهُ، وَبَعَثَتْ قُرَيْشٌ إِلَى عَاصِمٍ
لِيُؤْتَوْا بِشَىْءٍ مِنْ جَسَدِهِ يَعْرِفُونَهُ وَكَانَ
عَاصِمٌ قَتَلَ عَظِيمًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ يَوْمَ بَدْرٍ
فَبَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهِ مِثْلَ الظُّلَّةِ مِنَ
الدَّبْرِ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ فَلَمْ يَقْدِرُوا
مِنْهُ عَلَى شَىْءٍ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء
الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام بن يوسف) الصنعاني (عن
معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن
عمرو بن أبي سفيان) بفتح العين وسكون الميم (الثقفي)
بالمثلثة (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال):
(بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرية)
ولأبي ذر عن الكشميهني بسرية بزيادة موحدة أوله (عينًا)
وسبق في بدر بعث عشرة عينًا يتجسسون له ولأبي الأسود عن
عروة بعثهم عيونًا إلى مكة ليأتوه بخبر قريش وسمى منهم ابن
سعد عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، ومرثد بن أبي مرثد، وعبد
الله بن طارق، وخبيب بن عدي، وزيد بن الدثنة، وخالد بن أبي
البكير، ومعتب بن عبيد وهو أخو عبد الله بن طارق لأمه وهما
من بني بليّ حليفان لبني ظفر (وأمّر عليهم عاصم بن ثابت)
الأنصاري وقيل مرثد بن أبي مرثد (وهو جدّ عاصم بن عمر بن
الخطاب) قال الحافظ عبد العظيم: غلط عبد الرزاق وابن عبد
البر فقالا في عاصم هذا: هو جد عاصم بن عمر بن
الخطاب وذلك وهم، وإنما هو خال عاصم لأن أم عاصم بن عمر
جميلة بنت ثابت وعاصم هو أخو جميلة ذكر ذلك الزبير القاضي
وعمه مصعب الإمامان في علم النسب.
(فانطلقوا حتى إذا كان) عاصم ومن معه ولأبي ذر عن
الكشميهني كانوا (بين عسفان ومكة) وبينهما مرحلتان (ذكروا)
بضم المعجمة مبنيًا للمفعول (لحي من هذيل)
(6/312)
بالذال المعجمة (يقال لهم بنو لحيان) بكسر
اللام وفتحها (فتبعوهم بقريب من مائة رام) بالنبل (فاقتصوا
آثارهم) أي تبعوهم شيئًا فشيئًا (حتى أتوا منزلاً نزلوه
فوجدوا فيه نوى تمر تزودوه من المدينة فقالوا: هذا تمر
يثرب فتبعوا آثارهم حتى لحقوهم، فلما انتهى عاصم وأصحابه
لجأوا إلى فدفد) بفتح الفاءين بينهما دال مهملة ساكنة آخره
دال أخرى أي رابية مشرفة (وجاء القوم) بنو لحيان (فأحاطوا
بهم) بعاصم وأصحابه (فقالوا) أي بنو لحيان لهم (لكم العهد
والميثاق وإن نزلتم إلينا أن لا نقتل منكم رجلاً، فقال
عاصم: أما) بتشديد الميم (أنا فلا أنزل في ذمة كافر) وعند
ابن سعد فأما عاصم بن ثابت ومرثد بن أبي مرثد وخالد بن أبي
البكير ومعتب بن عبيد فقالوا: والله لا نقبل من مشرك عهدًا
ولا عقدًا أبدًا اهـ.
وقال عاصم: (اللهم أخبر عنا نبيك) ولأبي ذر وابن عساكر:
رسولك. زاد الطيالسي عن إبراهيم بن سعد فاستجاب الله تعالى
لعاصم فأخبر رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
خبره فأخبر أصحابه بذلك يوم أصيبوا (فقاتلوهم) بفتح التاء
وللأربعة فرموهم (حتى قتلوا عاصمًا في) جملة (سبعة نفر
بالنبل) بفتح النون وسكون الموحدة (وبقي خبيب وزيد) أي ابن
الدثنة بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة (ورجل آخر) هو عبد
الله بن طارق (فأعطوهم العهد والميثاق فلما أعطوهم العهد
والميثاق نزلوا) من الفدفد (إليهم فلما استمكنوا منهم
حلّوا أوتار قسيهم فربطوهم بها فقال الرجل الثالث الذي
معهما): وهو عبد الله بن طارق (هذا أول الغدر فأبى) أي
امتنع (أن يصحبهم فجرروه) بفتح الجيم وتشديد الراء الأولى
وضم الثانية (وعالجوه على أن يصحبهم فلم يفعل فقتلوه) وفي
طبقات ابن سعد وخرجوا بالنفر الثلاثة حتى إذا كانو بمرّ
الظهران انتزع عبد الله بن طارق يده من القران وأخذ سيفه
واستأخر عنه القوم فرموه بالحجارة حتى قتلوه بمرّ الظهران.
(وانطلقوا بخبيب وزيد حتى باعوهما بمكة، فاشترى خبيبًا بنو
الحارث بن عامر بن نوفل) وعند ابن إسحاق كابن سعد أن الذي
اشتراه حجير بن أبي إهاب التيمي حليف بني نوفل وكان أخا
الحارث بن عامر لأمه ليقتله بأبيه (وكان خبيب هو قتل
الحارث) بن عامر المذكور (يوم بدر) قال الشرف الدمياطي: لم
يذكر أحد من أهل المغازي أن خبيب بن عدي شهد بدرًا ولا قتل
الحارث بن عامر، وإنما ذكروا أن الذي قتل الحارث بن عامر
ببدر خبيب بن يساف وهو غير خبيب بن عدي وهو خزرجي وخبيب بن
عدي أوسي اهـ. وزاد ابن سعد: وأما زيد فابتاعه صفوان بن
أمية وقتله بأبيه.
(فمكث) خبيب (عندهم) أي عند بني الحارث (أسيرًا حتى إذا)
خرجت الأشهر الحرم
و (أجمعوا قتله استعار موسى) بالتنوين وتركه (من بعض بنات)
بني (الحارث) اسمها زينب بنت الحارث أخت عقبة بن الحارث
الذي قتل خبيبًا (استحدّ بها) بهمزة وصل وسكون السين
المهملة وفتح التاء والحاء والدال المشددة المهملتين أي
حلق بها عانته، والذي في اليونينية استحدّ بقطع الهمزة
وكسر الحاء وكشط فوق الشدة، وتبعه في الفرع لكنه كشط خفضة
الحاء ولم يضبطها ولأبوي ذر والوقت ليستحد بها (فأعارته)
موسى (قالت) زينب: (فغفلت) بفتح الفاء (عن صبي لي) هو أبو
حسين بن الحارث بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وهو جد عبد
الله بن عبد الرحمن بن أبي الحسين المكي المخزومي المحدث
(فدرج) أي فمشى (إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه فلما رأيته
فزعت) بكسر الزاي (فزعة عرف ذاك) الفزع (مني) ولأبي ذر ذلك
باللام (وفي يده الموسى فقال: أتخشين) أي أتخافين ولأبي ذر
عن الكشميهني أتحسبين بحاء وسين مهملتين بعدهما موحدة
مكسورتين أتظنين (أن أقتله ما كنت لأفعل ذاك) بكسر الكاف
(إن شاء الله تعالى، وكانت) زينب (تقول: ما رأيت أسيرًا قط
خيرًا من خبيب لقد رأيته يأكل من قطف عنب) بكسر القاف أي
عنقود (وما بمكة يومئذ ثمرة) بالمثلثة وفتح الميم وفي
الفرع بالمثناة الفوقية وسكون الميم (وإنه لموثق) بالمثلثة
مقيد (في الحديد وما كان) ذلك
(6/313)
القطف (إلاّ رزق رزقه الله) خبيبًا (فخرجوا
به من الحرم) إلى التنعيم (ليقتلوه فقال: دعوني) اتركوني
(أصلي) بالتحتية بعد اللام ولأبي ذر عن الكشميهني أصل
(ركعتين) فصلاهما بالتنعيم ثم انصرف إليهم فقال: (لولا أن
تروا أن ما بي جزع) وللكشميهني مما في الفرع فقط من جزع
(من الموت لزدت) على الركعتين (فكان) خبيب (أول من سنّ
الركعتين عند القتل هو) واستشكل قوله أول من سن إذ السنّة
إنما هي أقوال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأفعاله وأحواله. وأجيب: بأنه فعلهما في حياته
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واستحسنهما.
(ثم قال): خبيب يدعو عليهم (اللهم أحصهم عددًا) بقطع
الهمزة والحاء والصاد المهملتين أي أهلكهم بحيث لا يبقى من
عددهم أحد (ثم قال: ما أبالي) بضم الهمزة، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: وما أن أبالي "ما" نافية، وإن بكسر
الهمزة نافية للتأكيد، وله عن الكشميهني فلست أبالي، وفي
نسخة من اليونينية ولست أبالي (حين أقتل مسلمًا. على أي
شق) بكسر الشين المعجمة أي جنب (كان لله مصرعي).
(وذلك في ذات الإله) أي طاعته، ولهذه اللفظة مباحث طويلة
تأتي إن شاء الله تعالى بفضل الله تعالى ومعونته في باب ما
يذكر في الذات والنعوت من كتاب التوحيد (وإن يشأ .. ) عز
وجل (يبارك على أوصال شلو) جمع وصل أي عضو، والشلو بكسر
الشين المعجمة وسكون اللام الجسد أي على أعضاء جسد (ممزع)
بزاي مشددة مفتوحة فعين مهملة مقطع.
(ثم قام إليه عقبة بن الحارث) أخو زينب وكنيته أبو سروعة
كما يأتي (فقتله. وبعثت قريش إلى عاصم) أي ابن ثابت
المقتول في جملة النفر السبعة (ليؤتوا) بضم التحتية وفتح
الفوقية (بشيء من جسده يعرفونه) به (وكان عاصم قتل عظيمًا
من عظمائهم يوم بدر) قيل هو عقبة بن أبي معيط
فإن عاصمًا قتله صبرًا بأمر النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد أن انصرفوا من بدر (فبعث الله
عليه) بالإفراد، ولأبي ذر عليهم أي على المبعوثين من قبل
قريش لما أرادوا أن يقطعوا شيئًا من لحمه (مثل الظلة) بضم
الظاء المعجمة وفتح اللام المشددة السحابة (من الدبر) بفتح
الدال المهملة وسكون الموحدة أي الزنابير أو ذكور النحل.
وفي رواية أبي الأسود فبعث الله عليهم الدبر يطير في
وجوههم ويلدغهم (فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء)
وعند ابن إسحاق أن عاصمًا كان أعطى الله تعالى عهدًا أن لا
يمس مشركًا ولا يمسه مشرك أبدًا فكان عمر يقول لما بلغه
يحفظ الله العبد المؤمن بعد وفاته كما يحفظه في حياته.
وهذا الحديث قد سبق في باب هل يستأسر الرجل من كتاب
الجهاد.
4087 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ عَمْرٍو سَمِعَ جَابِرًا
يَقُولُ: الَّذِي قَتَلَ خُبَيْبًا هُوَ أَبُو سِرْوَعَةَ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني بالإفراد
(عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة
(عن عمرو) بفتح العين ابن دينار أنه (سمع جابرًا) هو ابن
عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما- (يقول: الذي قتل
خبيبًا هو أبو سروعة) بكسر السين المهملة وفتحها وهي كنية
عقبة بن الحارث.
4088 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ، عَنْ أَنَسٍ
-رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعِينَ رَجُلاً لِحَاجَةٍ يُقَالُ
لَهُمُ: الْقُرَّاءُ، فَعَرَضَ لَهُمْ حَيَّانِ مِنْ بَنِي
سُلَيْمٍ رِعْلٌ وَذَكْوَانُ عِنْدَ بِئْرٍ يُقَالُ لَهَا:
بِئْرُ مَعُونَةَ فَقَالَ الْقَوْمُ: وَاللَّهِ مَا
إِيَّاكُمْ أَرَدْنَا إِنَّمَا نَحْنُ مُجْتَازُونَ فِي
حَاجَةٍ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
فَقَتَلُوهُمْ فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِمْ شَهْرًا فِي صَلاَةِ
الْغَدَاةِ وَذَلِكَ بَدْءُ الْقُنُوتِ، وَمَا كُنَّا
نَقْنُتُ. قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ: وَسَأَلَ رَجُلٌ
أَنَسًا عَنِ الْقُنُوتِ أَبَعْدَ الرُّكُوعِ أَوْ عِنْدَ
فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ؟ قَالَ: لاَ بَلْ عِنْدَ
فَرَاغٍ مِنَ الْقِرَاءَةِ.
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمرو المنقري
المقعد قال: (حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد
العزيز) بن صهيب (عن أنس - رضي الله تعالى عنه -) أنه
(قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سبعين رجلاً لحاجة) هي أن رعلاً وغيرهم استمدوه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمدهم بالسبعن، وكان (يقال
لهم القراء) أو بعثهم عليه الصلاة والسلام للدعاء إلى
الإسلام، فعند ابن إسحاق أن أبا براء عامر بن مالك بن جعفر
ملاعب الأسنة قدم على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فعرض عليه الإسلام ودعاه إليه فلم يسلم ولم
يبعد عن الإسلام وقال: يا محمد لو بعثت رجالاً من أصحابك
إلى أهل نجد فدعوتهم إلى أمرك رجوت أن يستجيبوا لك. فقال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "إني أخشى
أهل نجد عليهم" قال أبو براء: أنا لهم جار
فابعثهم فبعث رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فعرض لهم) للسبعين (حيان) بالحاء المهملة
وتشديد التحتية تثنية حيّ أي جماعة
(6/314)
(من بني سليم) بضم السين أحدهما (رعل و)
الآخر (ذكوان عند بئر يقال لها بئر معونة) وهي بين أرض بني
عامر وحرة بني سليم (فقال القوم): السبعون للحيين (والله
ما إياكم أردنا إنما نحن مجتازون) بالجيم والزاي (في حاجة
للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقتلوهم) إلا
كعب بن زيد بن قيس بن مالك بن كعب بن عبد الأشهل بن حارثة
بن دينار فإنهم تركوه وبه رمق فارتث من بين القتلى فعاش
حتى قتل يوم الخندق شهيدًا. (فدعا النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليهم شهرًا في صلاة الغداة) أي الصبح
(وذلك بدء القنوت وما كنا نقنت) أي قبل ذلك.
(قال عبد العزيز) بن صهيب بالسند السابق (وسأل رجل) هو
عاصم الأحول (أنسًا عن القنوت (بعد الركوع أو عند فراغ)
بالتنوين (من القراءة) قبل الركوع (قال: لا بل عند فراغ)
بالتنوين (من القراءة) قبل الركوع. وفي الحديث الذي بعد
أنه بعد الركوع فينظر الراجح منهما.
4089 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ حَدَّثَنَا
قَتَادَةُ، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَهْرًا بَعْدَ
الرُّكُوعِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنَ الْعَرَبِ.
وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي قال:
(حدّثنا هشام) الدستوائي قال: (حدّثنا قتادة) بن دعامة (عن
أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: قنت رسول الله) ولأبوي ذر
والوقت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شهرًا
بعد الركوع يدعو على أحياء من العرب).
4090 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ
رِعْلاً، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ،
اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى عَدُوٍّ فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ
الأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي
زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ،
وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ، حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ
مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَلِكَ
فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ
مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ،
وَعُصَيَّةَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، قَالَ أَنَسٌ:
فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمِّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ
بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا
فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا. وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ حَدَّثَهُ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَنَتَ شَهْرًا فِي
صَلاَةِ الصُّبْحِ يَدْعُو عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ
الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَعُصَيَّةَ،
وَبَنِي لَحْيَانَ.
زادَ خَلِيفَةُ حَدَّثَنَا ابْنُ زُرَيْعٍ سَعِيدٌ عَنَ
قَتادَة, حَدَّثَنَا أَنَسٌ أَنَّ أُولئِكَ السَّبْعِينَ
مِنَ الأَنْصارِ قُتِلُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا
كِتابًا نَحْوَهُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الأعلى بن حماد) النرسي
قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي وفتح الراء مصغرًا
قال: (حدّثنا سعيد) هو ابن أبي عروبة (عن قتادة عن أنس بن
مالك -رضي الله عنه- أن رعلاً) بكسر الراء وسكون العين
المهملة (وذكوان) بن ثعلبة (وعصية) بضم العين
مصغرًا ابن خناف (وبني لحيان) بكسر اللام وفتحها حيّ من
هذيل (استمدوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي طلبوا منه المدد (على عدوّ) ولأبي ذر عن
الكشميهني: على عدوهم وهذا وهم ما قاله الدمياطي، لأن بني
لحيان ليسوا أصحاب بئر معونة، وإنما هم أصحاب الرجيع الذين
قتلوا عاصمًا وأصحابه وأسروا خبيبًا وكذا قوله رعلاً
وذكوان وعصية وهم أيضًا، وإنما أثاره أبو براء كما مرّ،
لكن قال الحافظ ابن حجر: إن ما في هذه الرواية هنا وما في
الجهاد من وجه آخر عن سعيد عن قتادة يرد على من قال: إن
رواية قتادة وهم، وقال في المصابيح: وهذا في الحقيقة
انتقاد على أنس بن مالك -رضي الله عنه- فإن طريق الرواية
إليه بذلك صحيحة لا مقالة فيها (فأمدهم بسبعين من الأنصار
كنا نسميهم القراء) لكثرة قراءتهم (في زمانهم كانوا
يحتطبون) يجمعون الحطب، ولأبي ذر عن الكشميهني يحطبون
(بالنهار ويصلون بالليل) وكان أميرهم المنذر بن عمرو
الساعدي فانطلقوا (حتى كانوا ببئر معونة قتلوهم وغدروا
بهم، فبلغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذلك
فقنت شهرًا يدعو في) صلاة (الصبح على أحياء من أحياء العرب
على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان) فشرك بين القاتلين هنا
وبين غيرهم في الدعاء لأن خبر بئر معونة وخبر أصحاب الرجيع
جاءا إليه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ليلة
واحدة.
وعند ابن سعد: ودعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على قتلتهم بعد الركعة في الصبح: "اللهم أشدد
وطأتك على مضر، اللهم سنين كسني يوسف، اللهم عليك ببني
لحيان وعضل والقارة ورعل وذكوان وعصية فإنهم عصوا الله
ورسوله" ولم يجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على قتلى ما وجد على قتلى بئر معونة.
(قال أنس فقرأنا فيهم قرآنًا ثم وإن ذلك) القرآن (رفع) أي
نسخت تلاوته (بلغوا عنا قومنا أنا قد لقينا ربنا فرضي عنا
وأرضانا) وعند ابن سعد أنه لما أحيط بهم قالوا: اللهم إنّا
لا نجد من يبلغ رسولك عنا السلام غيرك فاقرئه منا السلام
فأخبره جبريل عليه السلام بذلك فقال: وعليهم السلام.
(وعن قتادة) بالسند السابق (عن أنس بن مالك) -رضي الله
عنه- أنه (حدّثه أن نبي الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قنت شهرًا في صلاة الصبح يدعو على أحياء من
أحياء العرب على رعل وذكوان وعصية وبني لحيان).
(زاد خليفة) بن خياط العصفري شيخ المؤلّف فقال: (حدّثنا
ابن زريع) ولأبي ذر يزيد بن زريع قال: (حدّثنا سعيد)
(6/315)
بكسر العين ابن أبي عروبة (عن قتاة) ابن
دعامة أنه قال: (حدّثنا أنس) -رضي الله عنه- (أن أولئك
السبعين) القراء (من الأنصار قتلوا ببئر معونة). وقوله
(قرآنًا) بضم القاف وسكون الراء أي (كتابًا نحوه) أي نحو
رواية عبد الأعلى بن حماد عن يزيد بن زريع.
4091 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسٌ أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ خَالَهُ أَخٌ
لأُمِّ سُلَيْمٍ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا، وَكَانَ رَئِيسَ
الْمُشْرِكِينَ عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ خَيَّرَ بَيْنَ
ثَلاَثِ خِصَالٍ، فَقَالَ: يَكُونُ لَكَ أَهْلُ السَّهْلِ
وَلِي أَهْلُ الْمَدَرِ، أَوْ أَكُونُ خَلِيفَتَكَ أَوْ
أَغْزُوكَ بِأَهْلِ غَطَفَانَ بِأَلْفٍ وَأَلْفٍ فَطُعِنَ
عَامِرٌ فِي بَيْتِ أُمِّ فُلاَنٍ فَقَالَ: غُدَّةٌ
كَغُدَّةِ الْبَكْرِ
فِي بَيْتِ امْرَأَةٍ مِنْ آلِ فُلاَنٍ، ائْتُونِي
بِفَرَسِي فَمَاتَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسِهِ فَانْطَلَقَ
حَرَامٌ أَخُو أُمِّ سُلَيْمٍ وَهُوَ رَجُلٌ أَعْرَجُ،
وَرَجُلٌ مِنْ بَنِي فُلاَنٍ قَالَ: كُونَا قَرِيبًا
حَتَّى آتِيَهُمْ فَإِنْ آمَنُونِي كُنْتُمْ قَرِيبًا،
وَإِنْ قَتَلُونِي أَتَيْتُمْ أَصْحَابَكُمْ، فَقَالَ:
أَتُؤْمِنُونِي أُبَلِّغْ رِسَالَةَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَعَلَ
يُحَدِّثُهُمْ وَأَوْمَؤوا إِلَى رَجُلٍ فَأَتَاهُ مِنْ
خَلْفِهِ فَطَعَنَهُ، قَالَ هَمَّامٌ: أَحْسِبُهُ حَتَّى
أَنْفَذَهُ بِالرُّمْحِ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ فُزْتُ
وَرَبِّ الْكَعْبَةِ، فَلُحِقَ الرَّجُلُ فَقُتِلُوا
كُلُّهُمْ غَيْرَ الأَعْرَجِ، كَانَ فِي رَأْسِ جَبَلٍ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى عَلَيْنَا ثُمَّ كَانَ مِنَ
الْمَنْسُوخِ إِنَّا قَدْ لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ
عَنَّا وَأَرْضَانَا فَدَعَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِمْ ثَلاَثِينَ صَبَاحًا عَلَى
رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَبَنِي لَحْيَانَ، وَعُصَيَّةَ
الَّذِينَ عَصَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا
همام) بفتح الهاء وتشديد الميم ابن يحيى بن دينار البصري
(عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة) أنه (قال: حدثني)
بالإفراد (أنس أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بعث خاله) أي خال أنس حرام بن ملحان (أخ) أي
وهو أخ، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: أخا بالنصب بدلاً
من قوله خاله (لأم سليم) أم أنس (في سبعين راكبًا) إلى بني
عامر (وكان) سبب البعث أنه كان (رئيس المشركين عامر بن
الطفيل) بضم الطاء المهملة وفتح الفاء ابن مالك بن جعفر بن
كلاب وهو ابن أخي أبي براء عامر بن مالك وكان (خير) هو
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أتاه (بين
ثلاث خصال فقال: يكون لك أهل السهل) بفتح المهملة وسكون
الهاء سكان البوادي (ولي أهل المدر) بفتح المعجم والدال
المهملة بعدها راء أهل البلاد (أو أكون خليفتك أو أغزوك
بأهل غطفان) بالغين المعجمة والطاء المهملة والفاء
المفتوحات قبيلة (بألف) أي أشقر (وألف) أي أحمر فقال عليه
الصلاة والسلام: "اللهم اكفني عامرًا" (فطعن عامر) أي ابن
الطفيل المذكور أي أصابه الطاعون (في بيت أم فلان فقال:
غدة) بضم الغين المعجمة وتشديد الدال المهملة (كغدة البكر)
بفتح الموحدة وسكون الكاف الفتي من الإبل (في بيت امرأة من
آل فلان) أي آل السلول كما عند الطبراني وهي سلول بنت
شيبان وزوجها مرّة بن صعصعة أخو عامر بن صعصعة ينسب بنوه
إليها، ولأبي ذر: من آل بني فلان (ائتوني بفرسي فمات على
ظهر فرسه) قال الداودي: وكانت هذه من حماقات عامر فأماته
الله بذلك ليصغر إليه نفسه.
(فانطلق حرام أخو أم سليم) الذي بعثه عليه الصلاة والسلام
(وهو رجل أعرج ورجل) آخر (من بني فلان) في الفرع هو على
كشط بإسقاط الواو، وثبت في غيره وهي واو الحال والأعرج صفة
لحرام وليس كذلك بل الأعرج غيره فالصواب وهو رجل أعرج. قال
في المصابيح: وكذا ثبت في بعض النسخ فلعل الواو قدمت سهوا
في الرواية الأولى، وعند البيهقي من رواية عثمان بن سعيد
عن موسى بن إسماعيل شيخ المؤلّف فيه فانطلق حرام ورجلان
معه رجل أعرج ورجل من بني فلان، وعند ابن هشام في زيادات
السير: أن الأعرج اسمه كعب بن زيد وهو من بني دينار بن
النجار واسم الآخر المنذر بن محمد بن عقبة بن أحيحة بن
الجلاح الخزرجي (قال): حرام للرجل الأعرج وللآخر الذي من
بني فلان (كونا قريبًا حتى آتيهم) أي بني عامر (فإن
آمنوني) بفتح الهمزة الممدودة والميم المخففة (كنتم
قريبًا) مني (وإن قتلوني أتيتم أصحابكم) فخرج إليهم (فقال)
لهم: (أتؤمنوني) ولأبي ذر: أتؤمنونني أي أتعطونني الأمان
(أبلغ) بالجزم جواب الاستفهام (رسالة رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجعل) حرام (يحدثهم وأومؤوا)
بالواو ولأبي ذر: فأومؤوا أي أشاروا (إلى رجل فأتاه من
خلفه فطعنه. قال همام): أي ابن يحيى بن دينار (أحسبه) أي
أظنه (حتى أنفذه) بالذال المعجمة أي أنفذه من الجانب الآخر
(بالرمح).
قال في الفتح: لم أعرف اسم الرجل الذي طعنه ووقع في السيرة
لابن إسحاق ما ظاهره أنه عامر بن الطفيل لأنه قال: فلما
نزلوا أي الصحابة بئر معونة بعثوا حرام بن ملحان بكتاب
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى عامر
بن الطفيل فلما أتاه لم ينظر في كتابه حتى عدا عليه فقتله
اهـ.
(قال): حرام لما طعن (الله أكبر فزت) بالشهادة (ورب الكعبة
فلحق الرجل) الذي هو رفيق حرام فلم يمكنوه أن يرجع إلى
المسلمين بل لحقه المشركون فقتلوه وقتلوا أصحابه كما قال.
(فقتلوا كلهم غير) الرجل (الأعرج كان في رأس جبل فأنزل
الله تعالى علينا ثم كان من المنسوخ) تلاوة والجملة معترضة
بين قوله فأنزل الله علينا وبين قوله (إنا قد لقينا ربنا
فرضي عنا وأرضانا فدعا
(6/316)
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عليهم) لما بلغه خبرهم (ثلاثين صباحًا) في القنوت (على رعل
وذكوان وبني لحيان وعصية الذين عصوا الله ورسوله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وإنما شرك بين القاتلين هنا
وبين غيرهم في الدعاء لورود خبر بئر معونة وأصحاب الرجيع
في ليلة واحدة كما مرّ قريبًا.
ونقل العيني عن كتاب شرف المصطفى أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما أصيب أهل بئر معونة جاءت الحمى
إليه فقال لها: "اذهبي إلى رعل وذكوان وعصية عصت الله
ورسوله" فأتتهم فقتلت منهم سبعمائة رجل بكل رجل من
المسلمين عشرة.
وحديث الباب قد مرّ في باب من ينكب في سبيل الله من كتاب
الجهاد.
4092 - حَدَّثَنِي حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي ثُمَامَةُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: لَمَّا طُعِنَ حَرَامُ
بْنُ مِلْحَانَ وَكَانَ خَالَهُ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ
قَالَ: بِالدَّمِ هَكَذَا، فَنَضَحَهُ عَلَى وَجْهِهِ
وَرَأْسِهِ ثُمَّ قَالَ: فُزْتُ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (حبان) بكسر
الحاء المهملة وتشديد الموحدة ابن موسى المروزي السلمي
قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا
معمر) بسكون العين ابن راشد (قال: حدثني) بالإفراد ولأبي
ذر: وحدثني (ثمامة بن عبد الله) بضم المثلثة وتخفيف الميم
الأولى (ابن أنس) قاضي البصرة (أنه سمع) جده (أنس بن مالك
-رضي الله عنه- يقول: لما طعن) بضم الطاء (حرام بن ملحان
وكان) أي حرام (خاله) خال أنس (يوم بئر معونة) ظرف لقوله
طعن (قال: بالدم هكذا) من إطلاق القول على الفعل أي أخذ
الدم من موضع الطعن (فنضحه) رشه (على وجهه ورأسه ثم قال:
فزت) بالشهادة (وربّ الكعبة).
وهذا الحديث أخرجه النسائي أيضًا في المناقب.
4093 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتِ: اسْتَأْذَنَ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبُو
بَكْرٍ فِي الْخُرُوجِ حِينَ اشْتَدَّ عَلَيْهِ الأَذَى
فَقَالَ لَهُ: أَقِمْ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَتَطْمَعُ أَنْ يُؤْذَنَ لَكَ؟ فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «إِنِّي
لأَرْجُو ذَلِكَ» قَالَتْ: فَانْتَظَرَهُ أَبُو بَكْرٍ
فَأَتَاهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ذَاتَ يَوْمٍ ظُهْرًا فَنَادَاهُ فَقَالَ:
«أَخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ» فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّمَا
هُمَا ابْنَتَاىَ فَقَالَ: «أَشَعَرْتَ أَنَّهُ قَدْ
أُذِنَ لِي فِي الْخُرُوجِ»؟ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
الصُّحْبَةُ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «الصُّحْبَةُ» قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
عِنْدِي نَاقَتَانِ قَدْ كُنْتُ أَعْدَدْتُهُمَا
لِلْخُرُوجِ فَأَعْطَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِحْدَاهُمَا وَهْيَ الْجَدْعَاءُ
فَرَكِبَا فَانْطَلَقَا حَتَّى أَتَيَا الْغَارَ وَهْوَ
بِثَوْرٍ فَتَوَارَيَا فِيهِ فَكَانَ عَامِرُ بْنُ
فُهَيْرَةَ غُلاَمًا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الطُّفَيْلِ
بْنِ سَخْبَرَةَ أَخُو عَائِشَةَ لأُمِّهَا وَكَانَتْ
لأَبِي مِنْحَةٌ، فَكَانَ يَرُوحُ بِهَا وَيَغْدُو
عَلَيْهِمْ وَيُصْبِحُ فَيَدَّلِجُ إِلَيْهِمَا، ثُمَّ
يَسْرَحُ فَلاَ يَفْطُنُ بِهِ أَحَدٌ مِنَ الرِّعَاءِ،
فَلَمَّا خَرَجَ خَرَجَ مَعَهُمَا يُعْقِبَانِهِ حَتَّى
قَدِمَا الْمَدِينَةَ فَقُتِلَ عَامِرُ بْنُ فُهَيْرَةَ
يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ.
وَعَنْ أَبِي أُسَامَةَ قَالَ: قَالَ لِي هِشَامُ بْنُ
عُرْوَةَ فَأَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: لَمَّا قُتِلَ
الَّذِينَ بِبِئْرِ مَعُونَةَ وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ
أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ قَالَ لَهُ عَامِرُ بْنُ
الطُّفَيْلِ: مَنْ هَذَا؟ فَأَشَارَ إِلَى قَتِيلٍ،
فَقَالَ لَهُ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ: هَذَا عَامِرُ بْنُ
فُهَيْرَةَ فَقَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُهُ بَعْدَ مَا قُتِلَ
رُفِعَ إِلَى السَّمَاءِ حَتَّى إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى
السَّمَاءِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الأَرْضِ، ثُمَّ وُضِعَ
فَأَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
خَبَرُهُمْ فَنَعَاهُمْ فَقَالَ: «إِنَّ أَصْحَابَكُمْ
قَدْ أُصِيبُوا وَإِنَّهُمْ قَدْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ،
فَقَالُوا: رَبَّنَا أَخْبِرْ عَنَّا إِخْوَانَنَا بِمَا
رَضِينَا عَنْكَ وَرَضِيتَ عَنَّا فَأَخْبَرَهُمْ
عَنْهُمْ». وَأُصِيبَ يَوْمَئِذٍ فِيهِمْ عُرْوَةُ بْنُ
أَسْمَاءَ بْنِ الصَّلْتِ، فَسُمِّيَ عُرْوَةُ بِهِ
وَمُنْذِرُ بْنُ عَمْرٍو سُمِّيَ بِهِ مُنْذِرًا.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (عبيد بن
إسماعيل) البهاري الكوفي من ولد هبار بن الأسود وعبيد لقب
غلب عليه واسمه عبد الله قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن
أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي
الله عنها-) أنها (قالت: استأذن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه- (في
الخروج) من مكة إلى المدينة (حين اشتد عليه الأذى) من قريش
(فقال له) عليه الصلاة والسلام:
(أقم فقال: يا رسول الله أتطمع أن يؤذن لك) في الهجرة إلى
المدينة (فكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول) له (إني لأرجو ذلك قالت) عائشة: (فانتظره
أبو بكر فأتاه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ذات يوم ظهرًا) أي في وقت الظهر (فناداه فقال)
له: يا أبا بكر (أخرج) بفتح الهمزة وكسر الراء من الإخراج
(من عندك) في موضع نصب على المفعولية وللأربعة أخرج بضمهما
(فقال أبو بكر: إنما هما ابنتاي) عائشة وأسماء (فقال:
أشعرت أنه) الهمزة في أشعرت خرجت عن الاستفهام الحقيقي
وأفادت
الثبوت فكأنه قال: أعلم أنه (قد أُذن لي في الخروج) إلى
المدينة (فقال) أبو بكر: (يا رسول الله) أتريد (الصحبة) أي
المرافقة ويجوز الرفع (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): نعم أريد (الصحبهّ قال: يا رسول
الله عندي ناقتان قد كنت أعددتهما للخروج فأعطى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إحداها وهي الجدعاء)
بالدال المهملة وهي المقطوعة الأذن لكنه تسمية لها ولم تكن
مقطوعتها (فركبا) أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأبو بكر -رضي الله عنه- (فانطلقا حتى أتيا
الغار وهو) ثقب (بثور) الجبل المعروف (فتواريا) من قريش
(فيه فكان عامر بن فهيرة) بضم الفاء وفتح الهاء مصغرًا
(غلامًا لعبد الله بن الطفيل) بضم الطاء المهملة وفتح
الفاء مصغرًا. قال الدمياطي: الصواب الطفيل بن عبد الله
(بن سخبرة) بفتح السين المهملة وسكون الخاء المعجمة بعدها
موحدة فراء تأنيث وهو أزدي من بني زهران (أخو عائشة لأمها)
ولأبي ذر عن الكشميهني أخي بدل من عبد الله والرفع خبر
مبتدأ محذوف أي هو أخو عائشة، وذلك أن أبا الطفيل زوج أم
رومان والدة عائشة قدم في الجاهلية مكة فحالف أبا بكر قبل
الإسلام ومات وخلف الطفيل فتزوج أبو بكر امرأته أم رومان
فولدت له عبد الرحمن وعائشة واشترى أبو بكر عامر بن فهيرة
من الطفيل فأعتقه.
(وكانت لأبي بكر منحة) بكسر الميم وسكون النون بعدها حاء
مهملة ناقة تدر اللبن (فكان) عامر بن فهيرة (يروح) يذهب
بعد الزوال (بها) بالمنحة (ويغدو)
(6/317)
قبله (عليهم ويصبح) بضم التحتية وكسر
الموحدة (فيدلج) بفتح التحتية وتشديد الدال المهملة
المفتوحة وكسر اللام بعدها جيم أي يسير من آخر الليل
(إليهما) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأبي بكر -رضي الله عنه- (ثم يسرح) أي يذهب بالمنحة إلى
المرعى (فلا يفطن) بفتح التحتية وضم الطاء المهملة فلا
يدري (به أحد من الرعاء) بكسر الراء والمد (فلما خرج) أي
النبي عليه الصلاة والسلام كذا في اليونينية وغيرها وفي
الفرع وغيره فلما خرجا أي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأبو بكر (خرج معهما) عامر إلى المدينة
(يعقبانه) بضم أوله وكسر القاف يردفانه بالنوبة (حتى قدما)
بالنية ولأبي ذر: قدم (المدينة فقتل عامر بن فهيرة يوم بئر
معونة) وهو ابن أربعين سنة وكان قديم الإسلام قبل أن يدخل
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دار الأرقم.
(وعن أبي أسامة) حماد بن أسامة عطف على قوله حدّثنا عبيد
بن إسماعيل (قال: قال) لي (هشام بن عروة) بن الزبير
(فأخبرني) بالإفراد (أبي قال: لما قتل الذين ببئر معونة)
وهم القراء (وأسر عمرو بن أمية) بفتح العين (الضمري قال له
عامر بن الطفيل): هل تعرف أصحابك؟ قال: نعم فطاف في القتلى
فجعل يسأل عن أنسابهم ثم قال له: (من هذا؟ فأشار إلى قتيل)
منهم (فقال له عمرو بن أمية: ها عامر بن فهيرة. فقال) عامر
بن الطفيل (لقد رأيته بعدما قتل رفع إلى السماء حتى أني
لأنظر إلى السماء بينه وبين الأرض ثم وضع) بضم الواو وكسر
الضاد المعجمة أي إلى الأرض، وفي رواية الواقدي أن
الملائكة وارته فلم يره المشركون (فأتى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خبرهم) من الله تعالى على
لسان جبريل عليه السلام (فنعاهم) أي أخبر بموتهم (فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأصحابه:
(إن أصحابكم) القراء (قد أصيبوا وإنهم قد سألوا ربهم
فقالوا: ربنا أخبر عنا إخواننا بما
رضينا عنك ورضيت عنا فأخبرهم عنهم وأصيب يومئذٍ فيهم عروة
بن أسماء بن الصلت فسمي عروة) بن الزبير بن العوّام لما
ولد (به) أي باسم عروة بن أسماء المذكور وكان بين قتل عروة
بن أسماء ومولد عروة بن الزبير بضع عشرة سنة (و) أصيب فيهم
أيضًا (منذر بن عمرو) بفتح العين (سمي به منذرّا) بالنصب
على مذهب الكوفيين في إقامة الجار والمجرور في قوله به
مقام الفاعل كقراءة أبي جعفر: ليجزي قومًا ابن الزبير بن
العوّام وهو أخو عروة.
وهذا الحديث مرسل ولذا فصله المؤلّف عن سابقه مع عطفه عليه
ليميز الموصول من المرسل.
4094 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ
عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ: قَنَتَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ الرُّكُوعِ
شَهْرًا، يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ، وَذَكْوَانَ، وَيَقُولُ
«عُصَيَّةُ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني بالإفراد
(محمد) هو ابن مقاتل المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن
المبارك المروزي قال: (أخبرنا سليمان) بن طرخان (التيمي عن
أبي مجلز) بكسر الميم وسكون الجيم وفتح اللام وبعدها زاي
لاحق بن حميد (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: قنت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد الركوع شهرًا)
متتابعًا إذا قال: سمع الله لمن حمده (يدعو على رعل وذكوان
ويقول: عصية عصت الله ورسوله).
4095 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
مَالِكٌ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي
طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: دَعَا
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى
الَّذِينَ قَتَلُوا يَعْنِي أَصْحَابَهُ بِبِئْرِ
مَعُونَةَ ثَلاَثِينَ صَبَاحًا حِينَ يَدْعُو عَلَى رِعْلٍ
وَلِحْيَانَ، وَعُصَيَّةَ عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَنَسٌ:
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى لِنَبِيِّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الَّذِينَ قُتِلُوا أَصْحَابِ
بِئْرِ مَعُونَةَ قُرْآنًا قَرَأْنَاهُ حَتَّى نُسِخَ
بَعْدُ بَلِّغُوا قَوْمَنَا فَقَدْ لَقِينَا رَبَّنَا
فَرَضِيَ عَنَّا وَرَضِينَا عَنْهُ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا قال:
(حدّثنا مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة
عن) عمه (أنس بن مالك) -رضي الله عنه- أنه (قال: دعا النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الذين قتلوا يعني
أصحابه) القراء السبعين (ببئر معونة) وسقط لفظ يعني أصحابه
لأبي ذر (ثلاثين صباحًا حين) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر
حتى (يدعو على رعل ولحيان وعصية عصت الله ورسوله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
(قال أنس: فأنزل الله تعالى لنبيه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الذين قتلوا) بضم القاف وكسر التاء
(أصحاب بئر معونة) بجر أصحاب بدلاً من المجرور السابق
(قرآنًا قرآناه حتى نسخ) لفظه (بعد) بالبناء على الضم
(بلغوا قومنا) المسلمين (فقد لقينا ربنا فرضي عنا ورضينا
عنه) ووقع في بعض النسخ: فأنزل الله تعالى لنبيه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الذين قتلوا بفتح القاف
والتاء ولا يخفى ما فيه.
4096 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ الأَحْوَلُ قَالَ:
سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- عَنِ
الْقُنُوتِ فِي الصَّلاَةِ، فَقَالَ: نَعَمْ. فَقُلْتُ
كَانَ قَبْلَ الرُّكُوعِ أَوْ بَعْدَهُ؟ قَالَ: قَبْلَهُ،
قُلْتُ: فَإِنَّ فُلاَنًا أَخْبَرَنِي عَنْكَ أَنَّكَ
قُلْتَ بَعْدَهُ. قَالَ: كَذَبَ إِنَّمَا قَنَتَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ
الرُّكُوعِ شَهْرًا، أَنَّهُ كَانَ بَعَثَ نَاسًا يُقَالُ
لَهُمُ الْقُرَّاءُ، وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلاً إِلَى نَاسٍ
مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَبَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَهْدٌ
قِبَلَهُمْ فَظَهَرَ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ كَانَ بَيْنَهُمْ
وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَهْدٌ فَقَنَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْدَ الرُّكُوعِ شَهْرًا
يَدْعُو عَلَيْهِمْ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي
(6/318)
الحافظ قال: (حدّثنا عبد الواحد) بن زياد
قال: (حدثنا عاصم) هو ابن سليمان (الأحول قال: سألت أنس بن
مالك -رضي الله عنه- عن القنوت في الصلاة) هل هو مشروع
فيها؟ (فقال) له: (نعم) كان مشروعًا فيها. قال الأحول:
(فقلت كان) محله (قبل الركوع أو بعده قال) أنس: (قبله) أي
لأجل إدراك المسبوق (قلت: فإن فلانًا) قال الحافظ ابن حجر:
لم أقف على اسمه أو هو محمد بن سيرين (أخبرني) بالإفراد
(عنك أنك قلت) أنه (بعده. قال) أنس: (كذب) أي أخطأ (إنما
قنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
ولأبوي ذر والوقت: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بعد الركوع شهرًا أنه) أي لأنه (كان بعث ناسًا)
من أهل الصفة (يقال لهم القراء، وهم سبعون رجلاً إلى ناس
من المشركين) من بني عامر (و) الحال أنه (بينهم وبين رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهد) أي أمان
(قبلهم) بكسر القاف وفتح الموحدة. وفتح اللام أي في جهتهم
فلما أتى القراء إلى بئر معونة أراد عامر بن الطفيل ابن
أخي أبي براء عامر المعروف بملاعب الأسنّة الغدر بهم فدعا
بني عامر المبعوث إليهم ليقتلوهم فأبوا فاستصرخ عليهم
رعلاً وعصية وذكوان من بني سليم (فظهر) علا (هؤلاء الذين
كان بينهم وبين رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عهد) أي بنو سليم أي غلبوهم وقتلوا القراء
(فقنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد
الركوع شهرًا يدعو عليهم) وبهذا التقرير يندفع ما في هذا
السياق من الإشكال.
29 - باب غَزْوَةُ الْخَنْدَقِ وَهْيَ الأَحْزَابُ
قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: كَانَتْ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ
أَرْبَعٍ.
(باب غزوة الخندق) سقط باب لأبي ذر وسميت بالخندق والذي
حفر حول المدينة بأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وإشارة سليمان الفارسي وعمل فيه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنفسه ترغيبًا للمسلمين (وهي)
غزوة (الأحزاب) كذا في الفرع واليونينية جمع حزب وهم طوائف
المشركين من قريش وغطفان واليهود ومن معهم الذين اجتمعوا
على حرب المسلمين وكانوا فيما قال ابن إسحاق: عشرة آلاف
والمسلمون ثلاثة آلاف.
(قال موسى بن عقبة): صاحب المغازي (كانت) غزوة الخندق
وتسمى أيضًا غزوة الأحزاب لما ذكر (في شوال سنة أربع) من
الهجرة وقال ابن إسحاق: سنة خمس.
والذي جنح إليه البخاري هو قول موسى بن عقبة واستدلّ له
بقوله:
4097 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ أَخْبَرَنِي
نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَرَضَهُ
يَوْمَ أُحُدٍ وَهْوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ فَلَمْ
يُجِزْهُ وَعَرَضَهُ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَهْوَ ابْنُ
خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَهُ.
(حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) العبدي مولاهم الدورقي قال:
(حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن عبيد الله) بضم العين
مصغرًا ابن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري
المدني أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (نافع عن ابن عمر -رضي
الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عرضه يوم) غزوة (أُحُد) لما عرض الجيش ليختبر أحوالهم قبل
مباشرة القتال للنظر في هيئتهم وترتيب منازلهم (وهو ابن
أربع عشرة سنة فلم يجزه) بضم أوله وكسر الجيم بعدها زاي أي
لم يمضه ولم يأذن له في الجهاد لعدم أهليته للقتال (وعرضه
يوم) غزوة (الخندق وهو ابن خمس عشرة سنة فأجازه) لكونه
تأهل فيكون بين الخندق وأُحُد سنة واحدة وأُحُد كانت سنة
ثلاث فيكون الخندق سنة أربع وثبت قوله سنة في الموضعين
لأبي ذر عن الكشميهني.
4098 - حَدَّثَنِي قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْعَزِيزِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ
-رضي الله عنه- قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي الْخَنْدَقِ
وَهُمْ يَحْفِرُونَ وَنَحْنُ نَنْقُلُ التُّرَابَ عَلَى
أَكْتَادِنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
اللَّهُمَّ لاَ عَيْشَ إِلاَّ عَيْشُ الآخِرَةِ ...
فَاغْفِرْ لِلْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (قتيبة) بن
سعيد قال: (حدّثنا عبد العزيز عن) أبيه (أي حازم) سلمة بن
دينار (عن سهل بن سعد) الساعدي (-رضي الله عنه-) أنه (قال:
كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
الخندق وهم) أي المسلمون (يحفرون) بكسر الفاء (ونحن ننقل
التراب على أكتادنا) بالمثناة الفوقية جمع كتد وهو ما بين
الكاهل إلى الظهر (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(اللهم لا عيش) أي دائم (إلا عيش الآخرة فاغفر للمهاجرين
والأنصار) وهذا غير موزون، ولعل أصله: فاغفر للأنصار
وللمهاجرة بنقل الهمزة وباللام في المهاجرة.
4099 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ عَنْ حُمَيْدٍ سَمِعْتُ أَنَسًا -رضي الله عنه-
يَقُولُ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلَى الْخَنْدَقِ فَإِذَا الْمُهَاجِرُونَ
وَالأَنْصَارُ يَحْفِرُونَ فِي غَدَاةٍ فَلَمْ يَكُنْ
لَهُمْ عَبِيدٌ يَعْمَلُونَ ذَلِكَ لَهُمْ، فَلَمَّا رَأَى
مَا بِهِمْ مِنَ النَّصَبِ وَالْجُوعِ قَالَ:
اللَّهُمَّ إِنَّ الْعَيْشَ عَيْشُ الآخِرَهْ ...
فَاغْفِرْ لِلأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ
فَقَالُوا: مُجِيبِينَ لَهُ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى
الْجِهَادِ مَا بَقِينَا أَبَدَا
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال: (حدّثنا
معاوية بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن المهلب
البغدادي الكوفي الأصل قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن
محمد بن الحارث الفزاري (عن حميد) الطويل أنه قال: (سمعت
أنسًا -رضي الله عنه- يقول: خرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى)
(6/319)
غزوة (الخندق فإذا المهاجرون والأنصار
يحفرون) بكسر الفاء حال كونهم (في غداة باردة فلم يكن لهم
عبيد يعملون ذلك) الحفر (لهم فلما رأى ما بهم من النصب)
بفتح النون والصاد المهملة أي التعب (والجوع قال): ولأبي
ذر والوقت فقال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- محثًا
لهم على العمل:
(اللهم إن العيش) المعتبر الدائم (عيش الآخرة) لا عيش
الدنيا (فاغفر للأنصار) بهمزة قطع (والمهاجرة) بكسر الجيم
وسكون الهاء فيهما (فقالوا): أي الأنصار والمهاجرة حال
كونهم (مجيبين له: نحن الذين بايعوا محمدا .. على الجهاد
ما بقينا أبدا).
4100 - حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَارِثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله
عنه- قَالَ: جَعَلَ الْمُهَاجِرُونَ وَالأَنْصَارُ
يَحْفِرُونَ الْخَنْدَقَ حَوْلَ الْمَدِينَةِ
وَيَنْقُلُونَ التُّرَابَ عَلَى مُتُونِهِمْ وَهُمْ
يَقُولُونَ:
نَحْنُ الَّذِينَ بَايَعُوا مُحَمَّدَا ... عَلَى
الإِسْلاَمِ مَا بَقِينَا أَبَدَا
قَالَ: يَقُولُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: وَهْوَ يُجِيبُهُمُ:
اللَّهُمَّ إِنَّهُ لاَ خَيْرَ إِلاَّ خَيْرُ الآخِرَهْ
... فَبَارِكْ فِي الأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرَهْ
قَالَ: يُؤْتَوْنَ بِمِلْءِ كَفَّي مِنَ الشَّعِيرِ
فَيُصْنَعُ لَهُمْ بِإِهَالَةٍ سَنِخَةٍ تُوضَعُ بَيْنَ
يَدَيِ الْقَوْمِ وَالْقَوْمُ جِيَاعٌ، وَهْيَ بَشِعَةٌ
فِي الْحَلْقِ وَلَهَا رِيحٌ مُنْتِنٌ.
وبه قال: (حدّثنا أبو معمر) عبد الله بن عمر المقعدي قال:
(حدّثنا عبد الوارث) بن سعيد (عن عبد العزيز عن أنس -رضي
الله عنه-) أنه (قال: جعل المهاجرون والأنصار يحفرون
الخندق حول المدينة وينقلون التراب على متونهم) جمع متن
قال في القاموس: متنا الظهر مكتنفا الصلب ويؤنث.
(وهم يقولون: نحن الذين بايعوا محمدا .. على الإسلام ما
بقينا أبدا. قال) أنس: (يقول النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يجيبهم):
(اللهم إنه لا خير إلا خير الآخره ... فبارك في الأنصار
والمهاجره)
وظاهره أنهم كانوا يجيبونه تارة ويجيبهم أخرى.
(قال): أنس بالإسناد السابق (يؤتون) بضم أوله وفتح ثالثه
مبنيًا للمفعول (بملء كفي من الشعير) ولأبي ذر: من شعير
وكفي بكسر الفاء على الإفراد وبفتحها على التثنية مضافًا
فيهما إلى ياء المتكلم (فيصنع) أي فيطبخ (لهم بإهالة) بكسر
الهمزة ودكة (سنخة) بفتح السين المهملة وكسر النون وفتح
الخاء المعجمة بعدها هاء تأنيث متغيرة الريح فاسدة الطعم
(توضع بين يدي القوم والقوم) أي والحال أن القوم (جياع
وهي) أي الإهالة (بشعة) بفتح الموحدة وكسر الشين المعجمة
بالعين المهملة (في الحلق) بالحاء المهملة أي كريهة الطعم
تأخذ الحلق (ولها ريح منتن) بضم الميم وسكون النون وكسر
الفوقية.
وقول صاحب التوضيح والتنقيح قيل صوابه منتنة إلا أنه يجوز
في المؤنث غير الحقيقي أن يعبر عنه بالمذكر تعقبه في
المصابيح بأنه ليس بمستقيم من وجهين:
أحدهما: أنه جزم بأن الصواب منتنة ومقتضاه أن التعبير
بمنتن خطأ ثم قطع بأن المؤنث غير الحقيقي يجوز التعبير عنه
بالمذكر فيكون التعبير بمنتن صوابًا لا خطأ ولا يكون صواب
الكلمة منحصرًا في التعبير عنها بالتأنيث، والحاصل أن آخر
كلامه ينقض أوله.
ثانيهما: إن جعل التعبير عن المؤنث غير الحقيقي بالمذكر
على جهة الجواز ضابطًا كليًّا مقطوع ببطلانه.
فإن قلت: فما وجه ما في المتن؟ قلت: حمل الريح على العرف
فعاملها معاملته اهـ.
4101 - حَدَّثَنَا خَلاَّدُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ أَيْمَنَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
أَتَيْتُ جَابِرًا -رضي الله عنه-، فَقَالَ: إِنَّا يَوْمَ
الْخَنْدَقِ نَحْفِرُ فَعَرَضَتْ كُدْيَةٌ شَدِيدَةٌ
فَجَاءُوا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالُوا: هَذِهِ كُدْيَةٌ عَرَضَتْ فِي الْخَنْدَقِ،
فَقَالَ: «أَنَا نَازِلٌ» ثُمَّ قَامَ وَبَطْنُهُ
مَعْصُوبٌ بِحَجَرٍ، وَلَبِثْنَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ لاَ
نَذُوقُ ذَوَاقًا، فَأَخَذَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمِعْوَلَ، فَضَرَبَ فَعَادَ
كَثِيبًا أَهْيَلَ أَوْ أَهْيَمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ ائْذَنْ لِي إِلَى الْبَيْتِ؟ فَقُلْتُ
لاِمْرَأَتِي رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئًا، مَا كَانَ فِي ذَلِكَ صَبْرٌ
فَعِنْدَكِ شَىْءٌ؟ قَالَتْ: عِنْدِي شَعِيرٌ وَعَنَاقٌ
فَذَبَحْتُ الْعَنَاقَ وَطَحَنَتِ الشَّعِيرَ حَتَّى
جَعَلْنَا اللَّحْمَ فِي الْبُرْمَةِ ثُمَّ جِئْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَالْعَجِينُ قَدِ انْكَسَرَ وَالْبُرْمَةُ بَيْنَ
الأَثَافِيِّ قَدْ كَادَتْ أَنْ تَنْضَجَ فَقُلْتُ:
طُعَيِّمٌ لِي فَقُمْ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَرَجُلٌ
أَوْ رَجُلاَنِ قَالَ: «كَمْ هُوَ»؟ فَذَكَرْتُ لَهُ
قَالَ: «كَثِيرٌ طَيِّبٌ» قَالَ: «قُلْ لَهَا لاَ تَنْزِعُ
الْبُرْمَةَ وَلاَ الْخُبْزَ مِنَ التَّنُّورِ حَتَّى
آتِيَ، فَقَالَ: «قُومُوا» فَقَامَ الْمُهَاجِرُونَ
وَالأَنْصَارُ فَلَمَّا دَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ قَالَ:
وَيْحَكِ جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَمَنْ
مَعَهُمْ، قَالَتْ: هَلْ سَأَلَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ،
فَقَالَ: «ادْخُلُوا وَلاَ تَضَاغَطُوا» فَجَعَلَ يَكْسِرُ
الْخُبْزَ وَيَجْعَلُ عَلَيْهِ اللَّحْمَ وَيُخَمِّرُ
الْبُرْمَةَ وَالتَّنُّورَ إِذَا أَخَذَ مِنْهُ
وَيُقَرِّبُ إِلَى أَصْحَابِهِ ثُمَّ يَنْزِعُ فَلَمْ
يَزَلْ يَكْسِرُ الْخُبْزَ وَيَغْرِفُ حَتَّى شَبِعُوا
وَبَقِيَ بَقِيَّةٌ، قَالَ: «كُلِي هَذَا وَأَهْدِي
فَإِنَّ النَّاسَ أَصَابَتْهُمْ مَجَاعَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا خلاد بن يحيى) بن صفوان أو محمد السلمي
الكوفي قال: (حدّثنا عبد الواحد بن أيمن) بفتح الهمزة
والميم بينهما تحتية ساكنة (عن أبيه) أيمن الحبشي مولى ابن
عمر المخزومي القرشي المكي أنه (قال: أتيت جابرًا)
الأنصاري (-رضي الله عنه- فقال: إنا يوم الخندق نحفر)
بتشديد نون إنا (فعرضت كدية شديدة) بكاف مضمومة فدال مهملة
ساكنة فتحتية قطعة صلبة من الأرض يعمل فيها المعول، ولابن
عساكر وأبي ذر عن الحموي والمستملي: كتدة بفتح الكاف وسكون
التحتية وفتح الدال المهملة القطعة الشديدة الصلبة من
الأرض أيضًا، ولابن عساكر أيضًا كبدة بكاف فموحدة مكسورة
أي قطعة من الأرض صلبة أيضًا ووقع في رواية الأصيلي عن
الجرجاني فيما ذكره في فتح الباري كندة بنون بعد الكاف،
وعند ابن السكن كتدة بمثناة فوقية لكن القاضي قال: عياض لا
أعرف لها معنى (فجاؤوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقالوا: هذه كدية) ولابن عساكر: كبدة بكسر
الموحدة كما مرّ (عرضت في الخندق فقال) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أنا نازل) في الموضع الذي في الكدية (ثم قام) عليه الصلاة
والسلام (وبطنه معصوب) من الجوع (بحجر) مشدود عليه بعصابة
خشية انحناء صلبه الكريم بواسطة خلاء الجوف إذ وضع الحجر
فوق البطن مع شد العصابة عليه يقيمه أو هو لتسكين حرارة
الجوع ببرد الحجر (ولبثنا) بالمثلثة مكثنا
(6/320)
(ثلاثة أيام لا نذوق ذواقًا) شيئًا مأكول
ولا مشروب والجملة اعتراضية أوردت لبيان السبب في ربطه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحجر على بطنه (فأخد
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المعول) بكسر
الميم وسكون العين المهملة وفتح الواو وبعدها لام المسحاة
(فضرب) في الكدية (فعاد) المضروب (كثيبًا) بالمثلثة رملاً
(أهيل) بهمزة مفتوحة فهاء ساكنة فتحتية مفتوحة فلام (أو)
قال (أهيم) بالميم بدل اللام أي سائلاً. والشك من الراوي،
وعند الإسماعيلي أهيم بالميم من غير شك. قال جابر (فقلت:
يا رسول الله ائذن لي إلى البيت) أي حتى آتي بيتي، زاد أبو
نعيم في مستخرجه فأذن لي (فقلت): أي لما أتيت البيت
(لاِمرأتي) سهيلة بنت مسعود الأنصارية (رأيت بالنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيئًا) من الجوع (ما
كان في ذلك صبر) بكسر الكاف وسقط لفظ كان لأبي ذر وابن
عساكر (فعندك شيء؟ قالت: عندي شعير) وعند يونس بن بكير:
أنه صاع (وعناق) بفتح العين الأنثى من أولاد المعز (فذبحت
العناق) بإسكان الحاء أي أنه ذبح العناق بنفسه (وطحنت
الشعير) امرأته سهيلة (حتى جعلنا) ولأبي ذر عن الكشميهني:
جعلت المرأة (اللحم في البرمة) بضم الموحدة القدر (ثم جئت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والعجين قد
انكسر) اختمر (والبرمة بين الأثافي) بالهمزة والمثلثة
المفتوحتين وبعد الألف فاء مكسورة فتحتية مشددة حجارة
ثلاثة توضع عليها القدر (قد كادت) قاربت (أن تنضج) بفتح
الضاد المعجمة تطيب، وسقط لأبي ذر وابن عساكر لفظة أن
(فقلت) له عليه الصلاة والسلام، ولأبي ذر فقال له عليه
الصلاة والسلام (طعيم) بضم الطاء وتشديد التحتية مصغرًا
مبالغة في تحقيره، قيل من تمام المعروف تعجيله وتحقيره
(لي) صنعته أو مصنوع (فقم أنت يا رسول الله ورجل) معكم (أو
رجلان) بالشك (قال) عليه الصلاة والسلام:
(كم هو)؟ طعامك (فذكرت له) كميته (قال) عليه الصلاة
والسلام: (كثير طيب) ثم
(قال) عليه الصلاة والسلام: (قل لها): أي لسهيلة (لا تنزع
البرمة) من فوق الأثافي (ولا) تنزع (الخبز من التنور حتى
آتي) أي أجيء إلى بيتكم (فقال) عليه الصلاة والسلام لمن
حضر من أصحابه، ولأبي ذر قال: (قوموا) أي إلى أكل جابر
(فقام المهاجرون والأنصار) وسقط قوله والأنصار لأبي ذر
وابن عساكر وإثباته أوجه وليونس بن بكير في زيادة المغازي
فقال للمسلمين جميعًا: قوموا (فلما دخل) جابر (على امرأته)
سهيلة (قال) لها: (ويحك) كلمة رحمة تقال لمن وقع في هلكة
لا يستحقها نصب بإضمار فعل (جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمهاجرين والأنصار ومن معهم. قالت)
له: (هل سألك) عن شأن الطعام؟ قال جابر: (قلت) لها: (نعم)
سألني. وفي رواية يونس قال: فلقيت من الحياء ما لا يعلمه
إلا الله عز وجل. قلت: جاء الخلق على صاع من شعير وعناق،
فدخلت على امرأتي أقول: افتضحت جاءك رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجند أجمعين فقالت: هل كان
سألك كم طعامك؟ فقلت: نعم. فقالت: الله ورسوله أعلم نحن قد
أخبرناه بما عندنا فكشفت عني غمًا شديدًا (فقال) عليه
الصلاة والسلام لمن معه: (ادخلوا) البيت (ولا تضاغطوا)
بضاد وغين معجمتين وطاء مهملة مشالة لا تزدحموا (فجعل)
عليه الصلاة والسلام (يكسر الخبز ويجعل عليه اللحم ويخمر
البرمة والتنور) يغطيهما (إذا أخذ منه ويقرب إلى أصحابه ثم
ينزع) بالتحتية المفتوحة والنون الساكنة والزاي المكسورة
والعين المهملة أي يأخذ اللحم من البرمة ويقرب إلى أصحابه
(فلم يزل يكسر الخبز ويغرف) من البرمة (حتى شبعوا وبقي
بقية قال) عليه الصلاة والسلام لامرأة جابر: (كلي هذا)
الذي بقي (وأهدي) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الدال المهملة أي
ابعثي منه ثم بين سبب ذلك بقوله: (فإن الناس أصابتهم
مجاعة) بفتح الميم وفي رواية يونس: فلم نزل نأكل ونهدي
يومنا أجمع.
وهذا الحديث من أفراده.
4102 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ حَدَّثَنَا أَبُو
عَاصِمٍ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ،
أَخْبَرَنَا سَعِيدُ بْنُ مِينَاءَ، قَالَ: سَمِعْتُ
جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنهما- قَالَ:
لَمَّا حُفِرَ الْخَنْدَقُ رَأَيْتُ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمَصًا شَدِيدًا
فَانْكَفَأْتُ إِلَى امْرَأَتِي فَقُلْتُ: هَلْ عِنْدَكِ
شَىْءٌ فَإِنِّي رَأَيْتُ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمَصًا شَدِيدًا،
فَأَخْرَجَتْ إِلَيَّ جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِنْ شَعِيرٍ
وَلَنَا بُهَيْمَةٌ دَاجِنٌ فَذَبَحْتُهَا وَطَحَنَتِ
الشَّعِيرَ فَفَرَغَتْ إِلَى فَرَاغِي وَقَطَّعْتُهَا فِي
بُرْمَتِهَا ثُمَّ وَلَّيْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: لاَ
تَفْضَحْنِي بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَبِمَنْ مَعَهُ، فَجِئْتُهُ فَسَارَرْتُهُ
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ذَبَحْنَا بُهَيْمَةً لَنَا
وَطَحَنَّا صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ كَانَ عِنْدَنَا فَتَعَالَ
أَنْتَ وَنَفَرٌ مَعَكَ فَصَاحَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «يَا أَهْلَ
الْخَنْدَقِ إِنَّ جَابِرًا قَدْ صَنَعَ سُؤْرًا فَحَيَّ
هَلاً بِكُمْ» فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ تُنْزِلُنَّ بُرْمَتَكُمْ وَلاَ
تَخْبِزُنَّ عَجِينَكُمْ حَتَّى أَجِيءَ» فَجِئْتُ وَجَاءَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقْدُمُ النَّاسَ حَتَّى جِئْتُ امْرَأَتِي فَقَالَتْ:
بِكَ وَبِكَ فَقُلْتُ قَدْ فَعَلْتُ الَّذِي قُلْتِ
فَأَخْرَجَتْ لَهُ عَجِينًا فَبَصَقَ فِيهِ وَبَارَكَ
ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرْمَتِنَا فَبَصَقَ وَبَارَكَ ثُمَّ
قَالَ: «ادْعُ خَابِزَةً فَلْتَخْبِزْ
مَعِي وَاقْدَحِي مِنْ بُرْمَتِكُمْ وَلاَ تُنْزِلُوهَا»
وَهُمْ أَلْفٌ فَأُقْسِمُ بِاللَّهِ لَقَدْ أَكَلُوا
حَتَّى تَرَكُوهُ وَانْحَرَفُوا وَإِنَّ بُرْمَتَنَا
لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيُخْبَزُ كَمَا
هُوَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن علي) بفتح
(6/321)
العين وسكون الميم ابن بحر الصيرفي البصري
قال: (حدّثنا أبو عاصم) الضحاك بن مخلد شيخ المؤلّف أيضًا
قال: (أخبرنا حنظلة بن أبي سفيان) بن عبد الرحمن بن صفوان
بن أمية الجمحي المكي قال: (أخبرنا سعيد بن مينا) بكسر
العين ومينا بكسر الميم وسكون التحتية وبعد النون ألف
ممدود ومقصور (قال: سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي
الله عنهما- قال: لما حفر الخندق) بضم الحاء مبنيًا
للمفعول وتاليه نائب الفاعل (رأيت بالنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمصًا شديدًا) بفتح الخاء المعجمة
والميم وبالصاد المهملة ضمور البطن من الجوع (فانكفأت)
بالهمزة وقد تبدل ياء لكن قال الحافظ أبو ذر: صوابه
فانكفأت بالهمزة، وقال في التنقيح: أصله الهمزة من كفأت
الإناء ويسهل. قال في المصابيح: لكن ليس القياس في تسهيل
مثله إبدال الهمزة ياء أي انقلبت (إلى امرأتي) سهيلة
(فقلت) لها (هل عندك شيء فإني رأيت برسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خمصًا شديدًا فأخرجت إليّ)
بتشديد التحتية (جرابًا) بكسر الجيم (فيه صاع من شعير ولنا
بهيمة) بضم الموحدة وفتح الهاء مصغر بهمة وهي الصغير من
أولاد الغنم (داجن) بكسر الجيم من الغنم ما يربى في البيوت
ولا يخرج إلى المرعى من الدجن وهو الإقامة بالمكان ولا
تدخله التاء لأنه صار اسمًا للشاة وخرج عن الوصفية
(فذبحتها) أنا بسكون الحاء وضم التاء (وطحنت) امرأتي
(الشعير) وسقط الشعير لأبي ذر وابن عساكر (ففرغت) من طحن
الشعير (إلى) أي مع (فراغي) من ذبح البهيمة (وقطعتها في
برمتها ثم وليت) أي رجعت (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت) سهيلة عقب رجوعي إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا تفضحني) بفتح
الفوقية والضاد المعجمة بينهما فاء ساكنة (برسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبمن معه فجئته)
ولأبي ذر عن الكشميهني: ومن معه فجئت بحذف الموحدة من
قوله: وبمن والضمير من فجئته (فساررته فقلت) له سرًا (يا
رسول الله ذبحنا بهيمة لنا وطحنا) ولأبي ذر وابن عساكر:
وطحنت أي امرأته (صاعًا من شعير كان عندنا فتعال أنت ونفر
معك) دون العشرة من الرجال (فصاح النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(يا أهل الخندق إن جابرًا قد صنع سؤرًا) بضم السين المهملة
وبعد الهمزة الساكنة راء كذا في الفرع بالهمزة وفي
اليونينية وغيرها بتركها الطعام الذي يدعى إليه أو الطعام
مطلقًا وهي لفظة فارسية. قال الطيبي: وقد تظاهرت أحاديث
صحيحة بأن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تكلم بالألفاظ الفارسية أي كقوله للحسن - رضي الله تعالى
عنه - "كخ" ولعبد الرحمن "مهيم" أي ما هذا؟ ولأم خالد "سنا
سنا" يعني حسنة وهو يدل على جوازه، وأما سؤر بالهمزة فهو
البقية (فحيّ هلا بكم) بالحاء المهملة وتشديد التحتية وهلا
بفتح الها واللام المنونة مخففة كلمة استدعاء فيها حث أي:
هلموا مسرعين (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) لجابر: (لا تنزلن) بضم الفوقية وكسر الزاي وضم
اللام (برمتكم) نصب على المفعولية ولأبي ذر: لا تنزلن بفتح
الزاي واللام مبنيًا للمفعول برمتكم رفع مفعول ناب
عن فاعله (ولا تخبزن) بفتح الفوقية وكسر الموحدة وضم الزاي
وتشديد النون (عجينكم) نصب، ولأبي ذر: ولا يخبزن بضم
التحتية وفتح الموحدة والزاي عجينكم رفع (حتى أجيء) إلى
منزلكم.
قال جابر: (فجئت وجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقدم الناس) بضم الدال (حتى جئت امرأتي فقالت)
لما رأت كثرة الناس وقلة الطعام: (بك وبك) أي فعل الله بك
كذا وفعل بك كذا فالباء تتعلق بمحذوف (فقلت) لها: (قد فعلت
الذي قلت) من إخباره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بقلة الطعام وقولك لا تفضحني (فأخرجت) أي المرأة (له)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عجينًا فبصق فيه)
بالصاد ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر: فبسق بالسين ويقال
بالزاي أيضًا، لكن قال النووي بالصاد في أكثر الأصول وفي
بعضها بالسين المهملة وهي لغة قليلة، وفي القاموس البصاق
كغراب والبساق والبزاق ماء الفم إذا خرج
(6/322)
منه وما دام فيه فريق (وبارك) في العجين أي
دعا فيه بالبركة (ثم عمد) بفتح الميم قصد (إلى برمتنا
فبصق) بالصاد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيه أي في
الطعام، ولأبي ذر عن الكشميهني فيها أي في البرمة (وبارك)
في الطعام (ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (ادع خابزة) كذا
في اليونينية وغيرها وفي الفرع: ادع لي خابزة (فلتخبز معي)
بسكون اللام (واقدحي) بسكون القاف وفتح الدال وكسر الحاء
المهملتين أي اغرفي (من برمتكم) والمغرفة تسمى المقدحة
وقدح من المرق غرف منه (ولا تنزلوها) بضم الفوقية وكسر
الزاي أي البرمة من فوق الأثافي (وهم) أي والحال أن القوم
الذين كانوا (ألف) والحكم للزائد لمزيد علمه فلا يقدح ما
روي أنهم كانوا تسعمائة أو ثلاثمائة.
قال جابر: (فأقسم بالله لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا) أي
مالوا عن الطعام (وإن برمتنا لتغط) بكسر الغين المعجمة
وتشديد الطاء المهملة أي ممتلئة تفور بحيث يسمع لها غطيط
(كما هي وإنّ عجيننا ليخبز كما هو) أي لم ينقص من ذلك شيء
وما في "كما" كافة وهي مصححة لدخول الكاف على الجملة وهي
مبتدأ والخبر محذوف أي كما هي قبل ذلك وهذا علم من أعلام
نبوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
والحديث قد سبق مختصرًا في الجهاد.
4103 - حَدَّثَنِي عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- {إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ
فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ
الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ القُلُوبُ الحَنَاجِرَ} [الأحزاب:
10] قَالَتْ: كَانَ ذَاكَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ.
وبه قال: (حدثني) بالتوحيد (عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان
بن محمد بن أبي شيبة واسم أبي شيبة إبراهيم بن عثمان
العبسي الكوفي أخو أبي بكر والهيثم قال: (حدّثنا عبدة) بن
سليمان (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي
الله عنها-) في قوله تعالى: ({إذ جاؤوكم}) بنو غطفان ({من
فوقكم}) من أعلى الوادي من قبل المشرق ({ومن أسفل منكم})
من أسفل الوادي من قبل المغرب قريش، وفي حديث ابن عباس عند
ابن مردويه: {إذ جاؤوكم من فوقكم} قال: عيينة بن حصن، ومن
أسفل منكم أبو سفيان بن حرب ({وإذ زاغت الأبصار}) مالت عن
سننها ومستوى نظرها حيرة أو عدلت عن كل شيء فلم تلتفت إلى
عدوّها لشدة الروع ({وبلغت القلوب الحناجر}) [الأحزاب:
10]. الحنجرة رأس الغلصمة وهي منتهى الحلقوم، والحلقوم
مدخل الطعام والشراب قالوا: إذا انتفخت الرئة من شدة الفزع
أو الغضب ربت وارتفع القلب بارتفاعها إلى رأس الحنجرة وقيل
هو مثل في اضطراب القلوب وإن لم تبلغ الحناجر حقيقة.
(قالت، عائشة -رضي الله عنها-: (كان ذلك) إشارة إلى ما ذكر
من مجيء الكفار من فوق وأسفل وغير ذلك، ولأبي ذر وابن
عساكر: ذلك باللام (يوم الخندق).
4104 - حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي الله
عنه- قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَنْقُلُ التُّرَابَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ حَتَّى
أَغْمَرَ بَطْنَهُ أَوِ اغْبَرَّ بَطْنُهُ يَقُولُ:
وَاللَّهِ لَوْلاَ اللَّهُ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ
تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ
الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... إِذَا أَرَادُوا
فِتْنَةً أَبَيْنَا
وَرَفَعَ بِهَا صَوْتَهُ: "أَبَيْنَا أَبَيْنَا".
وبه قال: (حدّثنا مسلم بن إبراهيم) الفراهيدي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي
(عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينقل التراب يوم) حفر
(الخندق حتى أغمر) بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة وفتح
الميم أي: وارى التراب (بطنه أو) قال (اغبر) بالغين
المعجمة أيضًا والموحدة بدل الميم وتشديد الراء من الغبار
وهو واضح (بطنه) مرفوع على الفاعلية، وفي الأولى منصوب على
المفعولية (يقول): رجزًا من كلام عبد الله بن رواحة:
(والله لولا الله ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبّت الأقدام إن لاقينا
إن الألى قد بغوا علينا)
كذا بإثبات قد في الفرع كأصله وغيرهما وقال الحافظ ابن
حجر: ليس بموزون وتحريره: إن الذين قد بغوا علينا فذكر
الراوي الأولى بمعنى الذين وحذف قد اهـ.
والظاهر أن "قد" محذوفة من نسخته (إذا أرادوا فتنة أبينا)
بالموحدة الفرار (ورفع بها) أي بالكلمة الأخيرة (صوته) وهي
(أبينا أبينا) مرتين.
وهذا الحديث سبق في باب حفر الخندق من كتاب الجهاد.
4105 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ عَنْ شُعْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَكَمُ عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ الله عنهما - عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن
سعيد) القطان (عن شعبة) بن الحجاج أنه (قال: حدثني)
بالإفراد (الحكم)
(6/323)
بفتحتين ابن عتيبة بضم العين وفتح الفوقية
مصغر عتبة الباب (عن مجاهد) هو ابن جبر المفسر (عن ابن
عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(نصرت) بالنون المضمومة وكسر الصاد يوم الأحزاب (بالصبا)
بفتح الصاد المهملة وتخفيف الموحدة والقصر الريح الشرقية
(وأهلكت) بضم الهمزة وكسر اللام (عاد بالدبور) بفتح الدال
المهملة الريح الغريبة، وعن ابن عباس فيما رواه ابن مردويه
قال: قالت الصبا للدبور: اذهبي بنا ننصر رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالت: إن الحرائر لا تهب
بالليل فغضب الله عليها فجعلها عقيمًا. وقال مجاهد: سلّط
الله على الأحزاب الريح فكفأت قدورهم ونزعت خيامهم حتى
أضعفتهم.
4106 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانَ حَدَّثَنَا
شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ قَالَ: حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ
بْنُ يُوسُفَ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ يُحَدِّثُ، قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمُ الأَحْزَابِ، وَخَنْدَقَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَأَيْتُهُ
يَنْقُلُ مِنْ تُرَابِ الْخَنْدَقِ حَتَّى وَارَى عَنِّي
الْغُبَارُ جِلْدَةَ بَطْنِهِ وَكَانَ كَثِيرَ الشَّعَرِ،
فَسَمِعْتُهُ يَرْتَجِزُ بِكَلِمَاتِ ابْنِ رَوَاحَةَ
وَهْوَ يَنْقُلُ مِنَ التُّرَابِ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ
تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَأَنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنَا ... وَثَبِّتِ
الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا
إِنَّ الأُلَى قَدْ بَغَوْا عَلَيْنَا ... وَإِنْ
أَرَادُوا فِتْنَةً أَبَيْنَا
قَالَ: ثُمَّ يَمُدُّ صَوْتَهُ بِآخِرِهَا.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن عثمان) أبو عبد الله
الأزدي الكوفي قال: (حدّثنا شريح بن مسلمة) بالشين المعجمة
المضمومة آخره حاء مهملة مصغر ومسلمة بميم فلام مفتوحتين
بينهما مهملة ساكنة الكوفي (قال: حدثني) بالإفراد (إبراهيم
بن يوسف قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (أبي) يوسف بن إسحاق
(عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (قال:
سمعت البراء) زاد أبو ذر وابن عساكر: ابن عازب حال كونه
(يحدث قال: لما كان يوم الأحزاب وخندق رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأيته ينقل من تراب الخندق
حتى وارى) ستر (عني التراب) كذا في الفرع، والذي في
اليونينية الغبار (جلدة بطنه وكان كثير الشعر) أي شعر صدره
وهو معارض بما روي في صفته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أنه كان دقيق المسربة أي الشعر الذي في الصدر
إلى البطن وجمع بينهما بأنه كان مع دقته كثيرًا أي لم يكن
منتشرًا بل كان مستطيلاً (فسمعته) عليه الصلاة والسلام
(يرتجز بكلمات ابن
رواحة) عبد الله الأنصاري (وهو ينقل من التراب يقول):
(اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا ... وثبت الأقدام وإن لاقينا
... إن الألى قد بغوا)
ولابن عساكر وأبي ذر عن الحموي والكشميهني: رغبوا (علينا
وإن أرادوا فتنة أبينا قال: ثم يمد) عليه الصلاة والسلام
(صوته بآخرها) وهي أبينا.
4107 - حَدَّثَنِي عَبْدَةُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ
ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ
ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَوَّلُ يَوْمٍ
شَهِدْتُهُ يَوْمُ الْخَنْدَقِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبدة) بفتح العين وسكون
الموحدة (ابن عبد الله) أبو سهل الصفار الخزاعي البصري
قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد (عن عبد
الرحمن هو ابن عبد الله بن دينار عن أبيه أن ابن عمر -رضي
الله عنهما- قال: أول يوم شهدته) أي باشرت فيه القتال
(يوم) غزوة (الخندق).
وقد سبق أنه عرض في يوم أُحُد وهو ابن أربع عشرة سنة ولم
يجزه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويوم بالرفع
ولأبي ذر بالفتح.
4108 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ.
قَالَ: وَأَخْبَرَنِي ابْنُ طَاوُسٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ
خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى
حَفْصَةَ وَنَسْوَاتُهَا تَنْطُفُ قُلْتُ: قَدْ كَانَ مِنْ
أَمْرِ النَّاسِ مَا تَرَيْنَ فَلَمْ يُجْعَلْ لِي مِنَ
الأَمْرِ شَىْءٌ فَقَالَتِ: الْحَقْ فَإِنَّهُمْ
يَنْتَظِرُونَكَ وَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ فِي احْتِبَاسِكَ
عَنْهُمْ فُرْقَةٌ، فَلَمْ تَدَعْهُ حَتَّى ذَهَبَ
فَلَمَّا تَفَرَّقَ النَّاسُ خَطَبَ مُعَاوِيَةُ قَالَ:
مَنْ كَانَ يُرِيدُ أَنْ يَتَكَلَّمَ فِي هَذَا الأَمْرِ
فَلْيُطْلِعْ لَنَا قَرْنَهُ فَلَنَحْنُ أَحَقُّ بِهِ
مِنْهُ، وَمِنْ أَبِيهِ قَالَ حَبِيبُ بْنُ مَسْلَمَةَ:
فَهَلاَّ أَجَبْتَهُ؟ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَلَلْتُ
حُبْوَتِي وَهَمَمْتُ أَنْ أَقُولَ أَحَقُّ بِهَذَا
الأَمْرِ مِنْكَ مَنْ قَاتَلَكَ وَأَبَاكَ عَلَى
الإِسْلاَمِ فَخَشِيتُ أَنْ أَقُولَ كَلِمَةً تُفَرِّقُ
بَيْنَ الْجَمْعِ وَتَسْفِكُ الدَّمَ وَيُحْمَلُ عَنِّي
غَيْرُ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُ مَا أَعَدَّ اللَّهُ فِي
الْجِنَانِ قَالَ حَبِيبٌ: حُفِظْتَ وَعُصِمْتَ. قَالَ
مَحْمُودٌ: عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَنَوْسَاتُهَا.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الرازي
الفراء الصغير قال: (أخبرنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني
(عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم
عن ابن عمر قال) معمر بن راشد: (وأخبرني) بالإفراد (ابن
طاوس) عبد الله (عن عكرمة بن خالد عن ابن عمر) -رضي الله
عنهما- أنه (قال: دخلت على حفصة) أختي (ونسواتها) بفتح
النون وسكون السين المهملة وبعد الواو المفتوحة ألف ففوقية
فهاء كذا في الفرع وأصله بسكون السين، ونسب للمحكم بكسر
النون وضبطه غير واحد من الشراح بفتحها أي ضفائر شعرها،
وعند ابن
السكن نوساتها بتقديم الواو على السين. قال القاضي عياض:
وهو أشبه بالصحة. وقال أبو الوليد الوقشي: إنه الصواب من
ناس ينوس إذا تحرك وتسمى الذوائب نوسات لأنها تتحرك
كثيرًا، وفي القاموس النوس والنوسان التذبذب وذو نواس
بالضم زرعة بن حسان من أذواء اليمن لذؤابة كانت تنوس على
ظهره وقال الماوردي: نوساتها بفتح الواو وسكونها أي ضفائر
شعرها (تنطف) بكسر الطاء المهملة وتضم لغير أبي ذر أي تقطر
ولعلها اغتسلت (قلت) لها (قد كان من أمر الناس ما ترين) أي
مما وقع بين علي ومعاوية من القتال في صفين يوم اجتماعهم
على الحكومة فيما اختلفوا فيه فراسلوا بقايا الصحابة
(6/324)
من الحرمين وغيرهما وتواعدوا على الاجتماع
لينظروا في ذلك (فلم يجعل لي) بضم التحتية مبنيًّا للمفعول
(من الأمر) أي من الإمارة والملك (شيء فقالت) له حفصة:
(الحق) بهم بكسر الهمزة وفتح الحاء (فإنهم ينتظرونك وأخشى
أن يكون في احتباسك عنهم فرقة) بينهم ومخالفة (فلم تدعه)
أي لم تدع حفصة أخاها عبد الله (حتى ذهب) إلى القوم في
المكان الذي كان فيه الحكمان وحضر ما وقع بينهم (فلما تفرق
الناس) بعد قضية التحكيم وحاصلها: أنهم اتفقوا على تحكيم
أبي موسى الأشعري من جهة علي وعمرو بن العاص من جهة
معاوية، فقال عمرو لأبي موسى: قم فأعلم الناس بما اتفقنا
عليه فخطب أبو موسى فقال في خطبته: أيها الناس إنا قد
نظرنا في هذا فلم نر أمرًا أصلح لها ولا ألّم لشعثها من
رأي اتفقت أنا وعمرو عليه وهو أنا نخلع عليًّا ومعاوية
ونترك الأمر شورى ونستقبل للأمة هذا الأمر فيولوا عليهم من
أحبوه، وإني قد خلعت عليًّا ومعاوية ثم تنحى وجاء عمر فقام
مقامه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن هذا قد قال ما
سمعتم وأنه قد خلع صاحبه وإني قد خلعته كما خلعه وأثبّت
صاحبي معاوية فإنه ولي عثمان والمطالب بدمه وهو أحق الناس
فلما انفصل الأمر على هذا (خطب معاوية قال): معرّضًا بابن
عمر وأبيه (من كان يريد أن يتكلم في هذا الأمر) أمر
الخلافة (فليطلع) بسكون اللام الأولى وكسر الثانية وضم
التحتية (لنا قرنه) بفتح القاف وسكون الراء وفتح النون أي
فليبد لنا رأسه أو صفحة وجهه والقرنان في الوجه أي فليظهر
لنا نفسه ولا يخفها (فلنحن أحق به) بأمر الخلافة (منه) من
عبد الله بن عمر (ومن أبيه) عمر، ولعل معاوية كان رأيه في
الخلافة تقديم الفاضل في القوة والمعرفة والرأي على الفاضل
في السبق إلى الإسلام والدين، فلذا أطلق أنه أحق، ورأى ابن
عمر خلاف ذلك أنه لا يبالغ المفضول إلا إذا خشي الفتنة،
ولذا بايع بعد ذلك معاوية ثم ابنه يزيد ونهى بنيه عن نقض
بيعته كما سيأتي إن شاء الله تعالى في الفتن بعون الله
تعالى وفضله ولذا (قال حبيب بن مسلمة) بميمين مفتوحتين
وسكون السين المهملة ابن مالك بن وهب الفهري الصحابي
الصغير لابن عمر (فهلا أجبته)؟ أبي معاوية عما قاله (قال
عبد الله) بن عمر (فحللت حبوتي) بضم الحاء المهملة وسكون
الموحدة ثوب يلقى على الظهر ويربط طرفاه على الساقين بعد
ضمهما (وهممت أن أقول) له (أحق بهذا الأمر) أمر الخلافة
(منك من قاتلك وأباك) أبا سفيان يوم أُحُد يوم الخندق (على
الإسلام) وأنتما حينئذ كافران وهو علي بن أبي طالب (فخشيت
أن أقول كلمة تفرق بين الجمع) بسكون الميم ولأبي ذر بين
الجمع بكسرها وزيادة تحتية
(وتسفك الدم) بفتح الفوقية وكسر الفاء (ويحمل) بضم التحتية
وفتح الميم (عني غير ذلك) ما لم أرده (فذكرت ما أعد الله)
عز وجل لمن صبر (في الجنان) من الخيرات والحور الحسان (قال
حبيب) هو ابن مسلمة لابن عمر مصوّبًا رأيه (حفظت وعصمت)
بضم أولهما وفتح الفوقيتين.
(قال محمود): هو ابن غيلان المروزي شيخ المؤلّف مما وصله
محمد بن قدامة الجوهري في كتاب أخبار الخوارج له (عن عبد
الرزاق) أي عن معمر شيخ هشام بن يوسف بسنده إلى ابن عمر
وقال: (ونوساتها) بتقديم الواو على السين كما سبق معزوًّا
لرواية ابن السكن، وفي المحكم لابن سيده بسكون الواو
وفتحها. وقال العيني: لا وجه لذكر هذا الحديث هنا إلا أن
يقال ذكره استطرادًا لما قبله لأن كلاًّ منهما يتعلق بابن
عمر انتهى.
ويحتمل أن يكون في قوله من قاتلك وأباك على الاسم المفسر
بيوم أُحُد والأحزاب إذ إن أبا سفيان كان قائدًا للأحزاب
يومئذ.
وهذا الحديث من أفراده.
4109 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ صُرَدٍ قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَوْمَ الأَحْزَابِ: «نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَنَا».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي
(عن سليمان بن صرد) بضم الصاد وفتح الراء بعدها دال مهملات
ابن الجون بفتح الجيم الخزاعي الصحابي المشهور أنه (قال:
قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) غزوة
(الأحزاب) لما انصرفت قريش.
(نغزوهم ولا
(6/325)
يغزوننا) ولابن عساكر: ولا يغزونا بإسقاط
نون الجمع من غير ناصب ولا جازم وهي لغة فاشية.
4110 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ
سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ يَقُولُ: سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ
بْنَ صُرَدٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ حِينَ أَجْلَى الأَحْزَابُ
عَنْهُ: «الآنَ نَغْزُوهُمْ وَلاَ يَغْزُونَنَا نَحْنُ
نَسِيرُ إِلَيْهِمْ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي
قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) بن سليمان صاحب الثوري قال:
(حدّثنا إسرائيل) بن يونس قال: (سمعت) جدي (أبا إسحاق)
عمرو بن عبد الله السبيعي (يقول: سمعت سليمان بن صرد يقول:
سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول حين
أجلى) بفتح الهمزة وسكون الجيم وفتح اللام (الأحزاب عنه).
كذا في فرع اليونينية كأصلها. وقال الحافظ ابن حجر: أجلى
ضبط بضم الهمزة وسكون الجيم وكسر اللام أي ارجعوا عنه وفيه
إشارة إلى أنهم رجعوا بغير اختيارهم بل بصنع الله تعالى
لرسوله.
(الآن نغزوهم ولا يغزوننا) بنونين ولابن عساكر: ولا يغزونا
(نحن نسير إليهم). وقد وقع ذلك كما قال عليه الصلاة
والسلام فإنه اعتمر في السنة المقبلة فصدّته قريش ووقعت
الهدنة بينهم إلى أن نقضوها فكان ذلك سبب فتح مكة.
4111 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا رَوْحٌ حَدَّثَنَا
هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ عَبِيدَةَ عَنْ عَلِيٍّ -رضي
الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ: «مَلأَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَارًا
كَمَا شَغَلُونَا عَنْ الصَلاَةِ الْوُسْطَى» حَتَّى
غَابَتِ الشَّمْسُ.
وبه قال: (حدثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني بالإفراد
(إسحاق) هو ابن منصور المروزي قال: (حدّثنا روح) هو ابن
عبادة قال: (حدّثنا هشام) قال في الفتح: هو ابن حسان أي
القردوسي قال: وكنت ذكرت في الجهاد أنه الدستوائي، ثم رأيت
المزي جزم في الأطراف بأنه ابن حسان ثم وجدته مصرحًا به في
عدة طرق فهو المعتمد (عن محمد) هو ابن سيرين (عن عبيدة)
بفتح العين وكسر الموحدة ابن عمرو السلماني الكوفي (عن
علي) بن أبي طالب -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال يوم) وقعة (الخندق):
(ملأ الله عليهم) أي على الكفار (بيوتهم) أحياء (وقبورهم)
أمواتًا (نارًا كما شغلونا) بقتالهم، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: كلما بزيادة اللام. قال ابن حجر: وهو خطأ (عن
الصلاة الوسطى) زاد مسلم: صلاة العصر (حتى غابت الشمس)
وأكثر علماء الصحابة وغيرهم أنها العصر كما سيأتي إن شاء
الله تعالى في تفسير سورة البقرة.
4112 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ
جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- جَاءَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ
بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ جَعَلَ يَسُبُّ كُفَّارَ
قُرَيْشٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا كِدْتُ أَنْ
أُصَلِّيَ حَتَّى كَادَتِ الشَّمْسُ أَنْ تَغْرُبَ قَالَ
النَّبِيُّ: «وَاللَّهِ مَا صَلَّيْتُهَا» فَنَزَلْنَا
مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بُطْحَانَ فَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ وَتَوَضَّأْنَا لَهَا
فَصَلَّى الْعَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ
صَلَّى بَعْدَهَا الْمَغْرِبَ.
وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد أبو
السكن الحنظلي التميمي قال:
(حدّثنا هشام) أي ابن حسان القردوسي (عن يحيى) بن أبي كثير
(عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن جابر بن عبد الله)
الأنصاري -رضي الله عنهما- (أن عمر بن الخطاب -رضي الله
عنه- جاء يوم الخندق بعدما غربت الشمس) ولأبي ذر عن
الكشميهني: غابت الشمس (جعل) بإسقاط الفاء من فجعل الثابتة
عنده في آخر المواقيت (يسب كفار قريش وقال: يا رسول الله
ما كدت) بكسر الكاف (أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب) وسقط
لابن عساكر لفظة "أن" من قوله: أن تغرب أي ما صليت حتى
غربت لأن كاد إذا تجرّدت من النفي كان معناها الإثبات فإن
دخل عليها النفي كان نفيًا لأن قولك ما كاد زيد يقوم معناه
نفي قرب الفعل
وهاهنا نفي قرب الصلاة فانتفت الصلاة بطريق الأولى (قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(والله ما صليتها فنزلنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بطحان) بضم الموحدة وسكون الطاء
المهملة واد بالمدينة (فتوضأ) النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (للصلاة وتوضأنا لها فصلّى العصر) بنا
جماعة (بعدما غربت الشمس ثم صلى) بنا (بعدها المغرب).
4113 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَخْبَرَنَا
سُفْيَانُ عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ: سَمِعْتُ
جَابِرًا يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الأَحْزَابِ: «مَنْ يَأْتِينَا
بِخَبَرِ الْقَوْمِ»؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا ثُمَّ
قَالَ: «مَنْ يَأْتِينَا بِخَبَرِ الْقَوْمِ»؟ فَقَالَ
الزُّبَيْرُ: أَنَا ثُمَّ قَالَ: «مَنْ يَأْتِينَا
بِخَبَرِ الْقَوْمِ»؟ فَقَالَ الزُّبَيْرُ: أَنَا ثُمَّ
قَالَ: «إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيًّا وَإِنَّ
حَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) العبدي البصري قال:
(أخبرنا سفيان) الثوري (عن ابن المنكدر) محمد أنه (قال:
سمعت جابرًا) هو ابن عبد الله الأنصاري -رضي الله عنهما-
(يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يوم الأحزاب):
(من يأتينا بخبر القوم) يعني بني قريظة كما قال الواقدي:
هل نقضوا العهد بينهم وبين المسلمين؟ ووافقوا قريشًا على
محاربة المسلمين. (فقال الزبير) بن العوّام (أنا) آتيك
بخبرهم يا رسول الله (ثم قال: من يأتينا بخبر القوم؟ فقال
الزبير: أنا ثم قال) عليه الصلاة والسلام: (من يأتينا بخبر
القوم؟ فقال الزبير: أنا) آتيك بالتكرار ثلاث مرات (ثم
قال) عليه الصلاة والسلام: (إن لكل نبي حواريًّا) كذا بفتح
الحاء المهملة والواو آخره تحتية مشددة خاصة من أصحابه أو
ناصرًا أو وزيرًا
(6/326)
(وإن حواري الزبير) بتشديد التحتية
كالسابقة.
والحديث سبق في باب فضل الطليعة من كتاب الجهاد.
4114 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ
يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ أَعَزَّ
جُنْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ وَغَلَبَ الأَحْزَابَ
وَحْدَهُ، فَلاَ شَىْءَ بَعْدَهُ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) قال: (حدّثنا الليث) بن
سعد الإمام (عن سعيد بن أبي سعيد عن أبيه) أبي سعيد كيسان
المقبري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يقول):
(لا إله إلا الله وحده أعزّ جنده ونصر عبده) النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وغلب الأحزاب) الذين جاؤوا
من مكة وغيرها يوم الخندق (وحده فلا شيء بعده) أي جميع
الأشياء بالنسبة إلى وجوده تعالى كالعدم إذ كل شيء يفنى
وهو الباقي فهو بعد كل شيء فلا شيء بعده.
4115 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ أَخْبَرَنَا الْفَزَارِيُّ
وَعَبْدَةُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما-
يَقُولُ: دَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى الأَحْزَابِ فَقَالَ: «اللَّهُمَّ
مُنْزِلَ الْكِتَابِ، سَرِيعَ الْحِسَابِ، اهْزِمِ
الأَحْزَابَ، اللَّهُمَّ اهْزِمْهُمْ وَزَلْزِلْهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني بالإفراد
(محمد) غير منسوب وهو ابن
سلام البيكندي قال: (أخبرنا الفزاري) بفتح الفاء والزاي
مروان بن معاوية بن الحارث الكوفي
سكن مكة (وعبدة) بفتح العين وسكون الموحدة ابن سليمان
كلاهما (عن إسماعيل بن أبي خالد) سعد البجلي أنه (قال:
سمعت عبد الله بن أبي أوفى) علقمة الأسلمي (-رضي الله
عنهما- يقول: دعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على الأحزاب) يوم الخندق (فقال):
(اللهم) أي يا الله يا (منزّل الكتاب) القرآن. قال الطيبي:
لعل تخصيص هذا الوصف بهذا المقام تلويح إلى معنى الاستنصار
في قوله تعالى: {ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون}
[التوبة: 33]. و {الله متم نوره} [الصف: 8]. وأمثال ذلك يا
(سريع الحساب) أي فيه (اهزم الأحزاب) بالزاي المعجمة
اكسرهم وبدّد شملهم (اللهم اهزمهم وزلزلهم) فلا يثبتوا عند
اللقاء بل تطيش عقولهم، وقد فعل الله تعالى ذلك لرسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأرسل عليهم ريحًا
وجنودًا فهزمهم.
وقد سبق هذا الحديث في باب الدعاء على المشركين بالهزيمة
من الجهاد.
4116 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ
سَالِمٍ وَنَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه-
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا قَفَلَ مِنَ الْغَزْوِ أَوِ
الْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ يَبْدَأُ فَيُكَبِّرُ ثَلاَثَ
مِرَارٍ ثُمَّ يَقُولُ: «لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ
الْحَمْدُ، وَهْوَ عَلَى كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ
تَائِبُونَ عَابِدُونُ سَاجِدُونَ، لِرَبِّنَا حَامِدُونَ،
صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ
الأَحْزَابَ وَحْدَهُ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة
قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا موسى بن
عقبة) الإمام في المغازي (عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر
(ونافع) مولى ابن عمر كلاهما (عن عبد الله) بن عمر بن
الخطاب (-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا قفل) بفتح القاف والفاء أي
رجع (من الغزو أو الحج أو العمرة) كلمة "أو" للتنويع لا
للشك (يبدأ فيكبر ثلاث مرار) ولأبي ذر: مرات (ثم يقول):
(لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو
على كل شيء قدير آيبون) بمدّ الهمزة أي نحن راجعون إلى
الله تعالى نحن (تائبون) إليه تعالى قاله عليه الصلاة
والسلام تعليمًا لأمته أو تواضعًا. نحن (عابدون) نحن
(ساجدون لربنا) نحن (حامدون) له تعالى.
قال في شرح المشكاة: لربنا يجوز أن يتعلق بقوله عابدون لأن
عمل اسم الفاعل ضعيف فيتقوى به أو بحامدون ليفيد التخصيص
أي نحمد ربنا لا نحمد غيره وهذا أولى لأنه كالخاتمة
للدعاء، ومثله في التعليق قوله تعالى: {لا ريب فيه هدى
للمتقين} [البقرة: 2] يجوز أن يقف على لا ريب فيكون فيه
هدى مبتدأ وخبرًا فيقدر خبر لا ريب مثله، ويجوز أن يتعلق
بلا ريب ويقدر مبتدأ لهدى اهـ.
وفي مجموعي في فنون القرآن مزيد على ما ذكر في الآية.
(صدق الله وعده) فيما وعد به من إظهار دينه (ونصر عبده)
محمدًا القائم بحقوق العبودية -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وشرف وكرم (وهزم الأحزاب) الذي تجمعوا يوم
الخندق له (وحده) نفي السبب فناء في المسبب {وما رميت إذ
رميت ولكن الله رمى} [الانفال: 17].
30 - باب مَرْجَعِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنَ الأَحْزَابِ وَمَخْرَجِهِ إِلَى بَنِي
قُرَيْظَةَ وَمُحَاصَرَتِهِ إِيَّاهُمْ
(باب مرجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
بفتح الميم وسكون الراء وكسر الجيم في الفرع، وقال
الكرماني، وتبعه البرماوي: بفتحها هو المناسب للمحاصرة
والفتح هو الذي في اليونينية (من) المكان الذي وقع فيه
قتال (الأحزاب) إلى منزله بالمدينة (ومخرجه) منها (إلى بني
قريظة) بضم القاف وفتح الظاء المعجمة المشالة بوزن جهينة
قبيلة من يهود خيبر لسبع بقين من ذي القعدة سنة خمس في
ثلاثة آلاف رجل وستة وثلاثين فرسًا (ومحاصرته إياهم) بضعًا
وعشرين ليلة.
4117 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ - رضي الله تعالى عنها - قَالَتْ: لَمَّا رَجَعَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ
الْخَنْدَقِ وَوَضَعَ السِّلاَحَ وَاغْتَسَلَ أَتَاهُ
جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - فَقَالَ: قَدْ وَضَعْتَ
السِّلاَحَ وَاللَّهِ مَا وَضَعْنَاهُ فَاخْرُجْ
إِلَيْهِمْ. قَالَ: «فَإِلَى أَيْنَ»؟ قَالَ: هَا هُنَا
وَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ فَخَرَجَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَيْهِمْ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي شيبة) إبراهيم
بن عثمان العبسي الكوفي قال: (حدّثنا) كذا
(6/327)
فى اليونينية وغيرها وفي الفرع بدلها قال:
(ابن نمير) بضم النون مصغرًا عبد الله (عن هشام عن أبيه)
عروة بن الزبير (عن عائشة - رضي الله تعالى عنها -) أنها
(قالت):
(لما رجع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من
الخندق) إلى المدينة (ووضع السلاح واغتسل أتاه جبريل عليه
السلام فقال): مخاطبًا له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (قد وضعت السلاح والله) نحن معاشر الملائكة (ما
وضعناه فاخرج) بالفاء وبالجزم على الطلب، ولأبي ذر وابن
عساكر أخرج (إليهم قال) له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فإلى أين)؟ أذهب (قال) جبريل: (هاهنا وأشار
إلى) ولأبي ذر عن الكشميهني: وأشار بيده إلى (بني قريظة
فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم)
وذلك لأنهم كانوا نقضوا العهد وتمالؤوا مع قريش وغطفان على
حربه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وهذا الحديث قد سبق في باب الغسل بعد الحرب من الجهاد.
4118 - حَدَّثَنَا مُوسَى، حَدَّثَنَا جَرِيرُ بْنُ
حَازِمٍ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ، عَنْ أَنَسٍ -رضي
الله عنه- قَالَ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى الْغُبَارِ
سَاطِعًا فِي زُقَاقِ بَنِي غَنْمٍ مَوْكِبِ جِبْرِيلَ
حِينَ سَارَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ.
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا
جرير بن حازم) الأزدي البصري (عن حميد بن هلال) العدوي
البصري (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: كأني أنظر إلى
الغبار ساطعًا) أي مرتفعًا (في زقاق بني غنم) بضم الزاي
وتخفيف القاف وبعد الألف قاف أخرى، وغنم بفتح الغين
المعجمة وسكون النون بطن من الخزرج من وُلد غنم بن مالك بن
النجار، وأشار بهذا إلى أنه يستحضر القصة حتى كأنه ينظر
إليها مشخصة له بعد تلك المدة الطويلة (موكب جبريل) بنصب
موكب بتقدير أنظر موكب، ولأبي ذر: موكب بالجبر بدلاً من
الغبار، وضبطه ابن إسحاق موكب بالضم كما ذكره في هامش
اليونينية خبر مبتدأ محذوف تقديره: هذا موكب جبريل،
والموكب نوع من السير وجماعة الفرسان أو جماعة ركاب يسيرون
برفق، وزاد أبو ذر صلوات الله عليه (حين سار رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى بني قريظة).
وهذا الحديث سبق في باب ذكر الملائكة من بدء الخلق.
4119 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
أَسْمَاءَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ بْنُ أَسْمَاءَ عَنْ
نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ
الأَحْزَابِ: «لاَ يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ
فِي بَنِي قُرَيْظَةَ» فَأَدْرَكَ بَعْضُهُمُ الْعَصْرَ
فِي الطَّرِيقِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نُصَلِّي حَتَّى
نَأْتِيَهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي لَمْ
يُرِدْ مِنَّا ذَلِكَ فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلَمْ يُعَنِّفْ وَاحِدًا
مِنْهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) بن عبيد بن
مخارق أبو عبد الرحمن الضبعي ويقال الهلالي البصري قال:
(حدّثنا جويرية بن أسماء) بن عبيد الضبعي البصري وهو عم
السابق (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال:
قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم
الأحزاب):
(لا يصلّين) بنون التأكيد الثقيلة (أحد) منكم (العصر إلا
في بني قريظة فأدرك بعضهم العصر) نصب على المفعولية، ولأبي
ذر: بعضهم نصب مفعول مقدم العصر رفع على الفاعلية (في
الطريق فقال بعضهم): الضمير لنفس بعض الأول (لا نصلي حتى
نأتيها) أي بني قريظة عملاً بظاهر قوله لا يصلّين أحد لأن
في النزول مخالفة للأمر الخاص فخصوا عموم الأمر بالصلاة
أول وقتها بما إذا لم يكن عذر بدليل أمرهم بذلك (وقال
بعضهم: بل نصلي) نظرًا إلى المعنى لا إلى ظاهر اللفظ (لم
يرد) بضم الأول وفتح الثاني، وفي اليونينية بكسر الراء
(منا ذلك) الظاهر بل المراد لازمه وهو الاستعجال في الذهاب
لبني قريظة فصلوا ركبانًا لأنهم لو لم يصلوا ركبانًا لكان
فيه مضادة للأمر بالإسراع (فذكر) بضم الذال المعجمة (ذلك)
المذكور من فعل الطائفتين (للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فلم يعنف واحدًا منهم) لا التاركين ولا الذين
فهموا أنه كناية عن العجلة.
وقد سبق هذا الحديث في باب صلاة الطالب والمطلوب من صلاة
الخوف.
تنبيه:
وقع في البخاري: لا يصلّين أحد العصر، وفي مسلم: الظهر مع
اتفاقهما على روايتهما عن شيخ واحد بإسناد واحد، ووافق
البخاري أبو نعيم وأصحاب المغازي، والطبراني والبيهقي في
دلائله، ووافق مسلمًا أبو يعلى وابن سعد وابن حبان فجمع
بينهما باحتمال أن يكون بعضهم قبل الأمر كان صلّى الظهر
وبعضهم لم يصلها فقيل لمن لم يصلها: لا يصلّين أحد الظهر
ولمن صلاها لا يصلّين أحد العصر، أو إن طائفة منهم راحت
بعد طائفة فقيل للطائفة الأولى الظهر وللتي بعدها العصر.
قال ابن حجر: وكلاهما جمع لا بأس به لكن يبعده اتحاد
المخرج لأنه عند الشيخين بإسناد من مبدئه إلى منتهاه فيبعد
أن يكون كل من رجال إسناده
(6/328)
قد حدّث به على الوجهين إذ لو كان كذلك
لحمله واحد منهم عن بعض رواته على الوجهين ولم يوجد ذلك
اهـ.
وقيل في وجه الجمع أيضًا أن يكون عليه الصلاة والسلام قال
لأهل القوة أو لمن كان منزله قريبًا: لا يصلّين أحد الظهر،
وقال لغيرهم: لا يصلّين أحد العصر.
4120 - حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الأَسْوَدِ حَدَّثَنَا
مُعْتَمِرٌ وَحَدَّثَنِي خَلِيفَةُ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرٌ
قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ:
كَانَ الرَّجُلُ يَجْعَلُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- النَّخَلاَتِ حَتَّى افْتَتَحَ
قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرَ وَإِنَّ أَهْلِي أَمَرُونِي أَنْ
آتِيَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَسْأَلَهُ الَّذِينَ كَانُوا أَعْطَوْهُ أَوْ بَعْضَهُ
وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَدْ أَعْطَاهُ أُمَّ أَيْمَنَ فَجَاءَتْ أُمُّ أَيْمَنَ
فَجَعَلَتِ الثَّوْبَ فِي عُنُقِي تَقُولُ: كَلاَّ
وَالَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لاَ يُعْطِيكَهُمْ
وَقَدْ أَعْطَانِيهَا أَوْ كَمَا قَالَتْ: وَالنَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «لَكِ
كَذَا» وَتَقُولُ: كَلاَّ وَاللَّهِ حَتَّى أَعْطَاهَا
حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: عَشَرَةَ أَمْثَالِهِ أَوْ كَمَا
قَالَ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر: حدثني بالإفراد
(ابن أبي الأسود) هو عبد الله بن محمد بن أبي الأسود واسم
أبي الأسود حميد بن الأسود البصري الحافظ قال: (حدّثنا
معتمر) هو ابن سليمان بن طرخان التيمي (ح).
قال البخاري: (وحدثني) بالواو والإفراد (خليفة) بن خياط
قال: (حدّثنا معتمر قال: سمعت أبي) سليمان (عن أنس -رضي
الله عنه-) أنه (قال: كان الرجل) من الأنصار (يجعل للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ثمر (النخلات) من
عقاره هدية أو هبة ليصرفها في نوائبه (حتى) أي إلى أن
(افتتح قريظة والنضير) ردّها إليهم لاستغنائهم عن تلك
ولأنهم لم يملكوا أصل الرقبة، ولأبي ذر عن الكشميهني حين
بدل حتى والأولى أوجه (وإن أهلي أمروني أن آتي النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأسأله) بهمزة قطع
مفتوحة منصوب عطفًا على المنصوب السابق أن يرد إليهم النخل
(الذين) ولأبي ذر والأصيلي وابن
عساكر في نسخة الذي (كانوا أعطوه) ثمرها (أو بعضه، وكان
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أعطاه أم
أيمن) بركة حاضنته (فجاءت أم أيمن) أي فأعطانيه فجاءت أم
أيمن كما في مسلم (فجعلت الثوب في عنقي) حال كونها (تقول
كلا) أي ارتاع عن هذا (والذي لا إله إلا هو لا يعطيكم)
عليه الصلاة والسلام، ولابن عساكر: لا يعطيكم بإسقاط
الهاء، ولأبي ذر: لا نعطيكم بالنون بدل التحتية (وقد
أعطانيها) ملكًا لرقبتها قالته على سبيل الظن (أو كما
قالت) أم أيمن شك الراوي في اللفظ مع حصول المعنى (والنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول) لها ملاطفة لها
لما لها عليه من حق الحضانة:
(لك كذا) أي من عندي بدل ذلك (و) هي (تقول) لأنس -رضي الله
عنه- (كلا والله) لا نعطيكم (حتى أعطاها) النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال سليمان بن طرخان: (حسبت
أنه) أي أنسًا (قال: عشرة أمثاله أو كما قال) أنس: فرضيت
وطاب قلبها وهذا من كثرة حلمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وبرّه وفرط جوده.
وقد مرّ هذا الحديث في الخُمس مختصرًا وفي غيره.
4121 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا أُمَامَةَ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَعِيدٍ
الْخُدْرِيَّ -رضي الله عنه- يَقُولُ: نَزَلَ أَهْلُ
قُرَيْظَةَ عَلَى حُكْمِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، فَأَرْسَلَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى
سَعْدٍ، فَأَتَى عَلَى حِمَارٍ فَلَمَّا دَنَا مِنَ
الْمَسْجِدِ، قَالَ لِلأَنْصَارِ: «قُومُوا إِلَى
سَيِّدِكُمْ أَوْ خَيْرِكُمْ» فَقَالَ: «هَؤُلاَءِ
نَزَلُوا عَلَى حُكْمِكَ» فَقَالَ: «تَقْتُلُ
مُقَاتِلَتَهُمْ وَتَسْبِي ذَرَارِيَّهُمْ» قَالَ:
«قَضَيْتَ بِحُكْمِ اللَّهِ وَرُبَّمَا قَالَ: بِحُكْمِ
الْمَلِكِ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة
والمعجمة المشددة بندار العبدي البصري قال: (حدّثنا غندر)
محمد بن جعفر قال: (حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد) بسكون
العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف أنه (قال: سمعت
أبا أمامة) أسعد أو سعد بن سهل بن حنيف الأنصاري (قال:
سمعت أبا سعيد) سعد بن مالك (الخدري -رضي الله عنه- يقول:
نزل أهل قريظة) من حصنهم (على حكم سعد بن معاذ) بعد أن
حاصرهم خمسة عشر يومًا أشد الحصار ورموا بالنبل وكان سعد
ضعيفًا وكان قد دعا الله أن لا يميته حتى يشفي صدره من بني
قريظة (فأرسل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إلى سعد فأتى على حمار فلما دنا) قرب (من المسجد) الذي كان
أعدّه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بني
قريظة أيام حصارهم. وقال في المصابيح: إن قوله من المسجد
متعلق بمحذوف أي فلما دنا آتيًا من المسجد فإن مجيئه إلى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان من مسجد
المدينة (قال) عليه الصلاة والسلام (للأنصار):
(قوموا إلى سيدكم) سعد بن معاذ (أو) قال (خيركم) بالشك من
الراوي، ولأبي ذر: أو أخيركم. زاد في مسند أحمد عن عائشة
-رضي الله عنها- فأنزلوه (فقال) النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له: (هؤلاء) بنو قريظة (نزلوا) من
حصونهم (على حكمك) فيهم (فقال) سعد: يا رسول الله (تقتل)
منهم بفتح الفوقية الأولى وضم الثانية (مقاتلتهم) وهم
الرجال (وتسبي) بفتح الفوقية وكسر الموحدة (ذراريهم)
تشديد التحتية وهم النساء والصبيان (قال) النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قضيت) فيهم (بحكم الله
وربما قال) عليه الصلاة والسلام (بحكم الملك) بكسر اللام
شك الراوي في أي اللفظين قال عليه الصلاة
(6/329)
والسلام وهما بمعنى، والحديث مرّ في باب
إذا نزل العدوّ على حكم رجل.
4122 - حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ بْنُ يَحْيَى حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-، قَالَتْ: أُصِيبَ
سَعْدٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ رَمَاهُ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ
يُقَالُ لَهُ حِبَّانُ ابْنُ الْعَرِقَةِ: رَمَاهُ فِي
الأَكْحَلِ فَضَرَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خَيْمَةً فِي الْمَسْجِدِ لِيَعُودَهُ مِنْ
قَرِيبٍ فَلَمَّا رَجَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْخَنْدَقِ، وَضَعَ السِّلاَحَ
وَاغْتَسَلَ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -
وَهْوَ يَنْفُضُ رَأْسَهُ مِنَ الْغُبَارِ فَقَالَ: قَدْ
وَضَعْتَ السِّلاَحَ، وَاللَّهِ مَا وَضَعْتُهُ اخْرُجْ
إِلَيْهِمْ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «فَأَيْنَ»؟ فَأَشَارَ إِلَى بَنِي قُرَيْظَةَ
فَأَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَنَزَلُوا عَلَى حُكْمِهِ فَرَدَّ الْحُكْمَ
إِلَى سَعْدٍ قَالَ: فَإِنِّي أَحْكُمُ فِيهِمْ أَنْ
تُقْتَلَ الْمُقَاتِلَةُ وَأَنْ تُسْبَى النِّسَاءُ
وَالذُّرِّيَّةُ وَأَنْ تُقْسَمَ أَمْوَالُهُمْ. قَالَ
هِشَامٌ فَأَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله
عنها- أَنَّ سَعْدًا قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ
أَنَّهُ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَىَّ أَنْ أُجَاهِدَهُمْ
فِيكَ، مِنْ قَوْمٍ كَذَّبُوا رَسُولَكَ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَخْرَجُوهُ اللَّهُمَّ فَإِنِّي
أَظُنُّ أَنَّكَ قَدْ وَضَعْتَ الْحَرْبَ بَيْنَنَا
وَبَيْنَهُمْ، فَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ حَرْبِ قُرَيْشٍ
شَىْءٌ فَأَبْقِنِي لَهُ، حَتَّى أُجَاهِدَهُمْ فِيكَ
وَإِنْ كُنْتَ وَضَعْتَ الْحَرْبَ فَافْجُرْهَا وَاجْعَلْ
مَوْتَتِي فِيهَا فَانْفَجَرَتْ مِنْ لَبَّتِهِ فَلَمْ
يَرُعْهُمْ وَفِي الْمَسْجِدِ خَيْمَةٌ مِنْ بَنِي غِفَارٍ
إِلاَّ الدَّمُ يَسِيلُ إِلَيْهِمْ، فَقَالُوا: يَا أَهْلَ
الْخَيْمَةِ مَا هَذَا الَّذِي يَأْتِينَا مِنْ قِبَلِكُمْ
فَإِذَا سَعْدٌ يَغْذُو جُرْحُهُ دَمًا فَمَاتَ مِنْهَا
-رضي الله عنه-.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (زكريا بن
يحيى) بن صالح أبو يحيى البلخي الحافظ قال: (حدّثنا عبد
الله بن نمير) بالنون مصغرًا الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا
هشام عن أبيه) عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها-)
أنها (قالت: أصيب سعد) هو ابن معاذ الأنصاري (يوم الخندق
رماه رجل من) كفار (قريش يقال له: حبان) بكسر الحاء
المهملة وتشديد الموحدة (ابن العرقة) بفتح العين المهملة
وكسر الراء بعدها قاف فهاء تأنيث اسم أمه لطيب ريحها.
قال في المصابيح: وذكر الزبير بن بكار في الأنساب أن اسمها
قلابة بنت أسعد، فعلى هذا تكون العرقة وصفًا لها أو لقبًا،
ولأبي ذر وهو حبان بن قيس من بني معيص بن عامر بن لؤي بفتح
ميم معيص وكسر العين المهملة بعدها تحتية ساكنة فمهملة ابن
علقمة بن عبد مناف (رماه في الأكحل) بفتح الهمزة وسكون
الكاف بعدها مهملة فلام عرق في وسط الذراع في كل عضو منه
شعبة إذا قطع لم يرقأ الدم (فضرب النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيمة) كذا في اليونينية وغيرها وفي
الفرع خيمته (في المسجد) النبوي بالمدينة، وعند ابن إسحاق
في خيمة رفيدة عند مسجده وكانت تداوي الجرحى (ليعوده من
قريب، فلما رجع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من الخندق) إلى بيته بالمدينة وجواب لما قوله
(وضع السلاح واغتسل فأتاه جبريل عليه السلام) زاد ابن سعد
على فرس عليه عمامة سوداء قد أرخاها
بين كتفيه على ثناياه الغبار وتحته قطيفة حمراء (وهو) أي
والحال أنه ينفض رأسه من الغبار (فقال) للنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (قد وضعت السلاح والله ما
وضعته، أخرج إليهم. قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(فأين) أذهب؟ (فأشار) جبريل عليه السلام (إلى بني قريظة
فأتاهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
فحاصرهم بضع عشرة ليلة كما عند موسى بن عقبة، وفي حديث
علقمة بن وقاص عن عائشة عند الطبراني وأحمد خمسًا وعشرين،
وكذا عند ابن إسحاق، وزاد: حتى أجهدهم الحصار وقذف في
قلوبهم الرعب، فعرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد أن يؤمنوا أو
يقتلوا نساءهم وأبناءهم ويخرجوا مستقتلين أو يبيتوا
المسلمين ليلة السبت فقالوا: لا نؤمن ولا نستحل السبت وأي
عيش لنا بعد أبنائنا ونسائنا فأرسلوا إلى أبي لبابة بن عبد
المنذر وكانوا حلفاءه فاستشاروه في النزول على حكم النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأشار إلى حلقه يعني
الذبح ثم ندم فتوجه إلى المسجد النبوي فارتبط به حتى تاب
الله عليه.
(فنزلوا على حكمه) عليه الصلاة والسلام (فردّ) عليه الصلاة
والسلام (الحكم) فيهم (إلى سعد) أي ابن معاذ فأرسل إليه
فلما حضر (قال: فإني أحكم فيهم أن تقتل) الطائفة
(المقاتلة) منهم وهم الرجال (وأن تسبى النساء والذرية) أي
الصبيان (وأن تقسم أموالهم) وعند ابن إسحاق فخندقوا لهم
خنادق فضربت أعناقهم فجرى الدم في الخندق وقسم أموالهم
ونساءهم وأبناءهم وكانوا ستمائة. وعند الترمذي والنسائي
وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل فيجمع
بينهما بأن الباقين كانوا أتباعًا.
(قال هشام) بالإسناد السابق: (فأخبرني) بالإفراد (أبي)
عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن سعدًا قال:
اللهم إنك تعلم أنه ليس أحد أحبّ إليّ أن أجاهدهم فيك من
قوم كذبوا رسولك -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأخرجوه) من وطنه مكة (اللهم فإني أظن أنك قد وضعت الحرب
بيننا وبينهم فإن كان بقي من حرب) كفار (قريش شيء فأبقني)
بهمزة قطع (له) أي للحرب. ولابن عساكر وأبي ذر عن
الكشميهني: لهم أي لقريش (حتى أجاهدهم فيك وإن كنت وضعت
الحرب) بيننا وبينهم (فافجرها) بهمزة وصل وضم الجيم أي
جراحته وقد كادت أن تبرأ، وفي مسلم من رواية عبد الله بن
نمير عن هشام قال سعد: وتحجر كلمة للبرء: اللهم إنك تعلم
الخ .. ومعنى تحجر يبس (واجعل موتي فيها) لأفوز بمرتبة
الشهادة (فانفجرت من لبته) بفتح اللام والموحدة
(6/330)
المشددة وكسر المثناة من موضع القلادة من
صدره، وكان موضع الجرح ورم حتى وصل الورم إلى صدره فانفجر
منه. وعند ابن سعد من مرسل حميد بن هلال أنه مرت به عنز
وهو مضطجع فأصاب ظلفها موضع الجرح فانفجر، ولأبي ذر عن
الكشميهني: من ليلته. قال في الفتح: وهو تصحيف.
(فلم يرعهم) بفتح أوله وضم ثانيه وتسكين العين المهملة أي
لم يفزع أهل المسجد (وفي المسجد خيمة) والجملة حالية (من
بني غفار) أي لرجل أو من خيام بني غفار بكسر المعجمة
وتخفيف الفاء. وعند ابن إسحاق إنها لرفيدة فلعل زوجها كان
من بني غفار، ورجع الكرماني وتبعه البرماوي الضمير في
قوله: فلم يرعهم لبني غفار قال: والسياق يدل عليه أي لم
يفزع بني غفار (إلا الدم) الخارج من جرح سعد (يسيل إليهم)
إلى أهل المسجد (فقالوا: يا أهل الخيمة ما هذا الذي يأتينا
من قبلكم)؟ بكسر القاف وفتح الموحدة من جهتكم وهذا يضعف
قول الكرماني أن الضمير راجع لبني غفار على ما لا يخفى.
نعم إن كان ثمّ خيمة غير التي فيها سعد فلا إشكال.
(فإذا سعد يغذو) بالغين والذال المعجمتين يسيل (جرحه دمًا
فمات منها) أي من تلك الجراحة واهتز لموته عرش الرحمن
وشيّعه سبعون ألف ملك (-رضي الله عنه-).
وهذا الحديث سبق في باب الخيمة في المسجد من كتاب الصلاة.
4123 - حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ أَخْبَرَنَا
شُعْبَةُ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَدِيٌّ أَنَّهُ سَمِعَ
الْبَرَاءَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِحَسَّانَ يَوْمَ
قُرَيْظَةَ: «اهْجُهُمْ - أَوْ هَاجِهِمْ - وَجِبْرِيلُ
مَعَكَ».
وبه قال: (حدّثنا الحجاج) ولأبي ذر حجاج (بن منهال) بكسر
الميم وسكون النون السلمي الأنماطي البصري قال: (أخبرنا
شعبة) بن الحجاج (قال: أخبرني) بالإفراد (عدي) هو ابن ثابت
الأنصاري الكوفي (أنه سمع البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-
قال: قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لحسان) بن ثابت (يوم قريظة) سقط لأبي ذر يوم قريظة:
(اهجهم) بضم الجيم أمر من الهجو ضدّ المدح أي المشركين (أو
هاجهم) بكسر الجيم من المهاجاة من باب المفاعلة الدالة على
الاشتراك في الهجو والشك من الراوي (وجبريل معك) بالتأكيد
والمعونة والواو للحال.
4124 - وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ طَهْمَانَ عَنِ
الشَّيْبَانِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ
الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ قُرَيْظَةَ لِحَسَّانَ
بْنِ ثَابِتٍ «اهْجُ الْمُشْرِكِينَ فَإِنَّ جِبْرِيلَ
مَعَكَ».
(وزاد إبراهيم بن طهمان) بفتح الطاء المهملة وسكون الهاء
مما وصله النسائي بإسناده على شرط البخاري (عن الشيباني)
أبي إسحاق سليمان (عن عدي بن ثابت عن البراء بن عازب) أنه
(قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يوم قريظة لحسان بن ثابت اهج المشركين فإن جبريل معك) وعند
ابن مردويه من حديث جابر مما ذكره في الفتح لما كان يوم
الأحزاب وردهم الله بغيظهم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "من يحمي أعراض المسلمين" فقام كعب
وابن رواحة وحسان فقال لحسان: "اهجهم أنت فإنه سيعينك
عليهم روح القدس" وزيادة ابن طهمان عن الشيباني تعين أن
الأمر كان يوم قريظة.
تمت غزوة بني قريظة والله أعلم.
{بسم الله الرحمن الرحيم ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا
من أمرنا رشدًا} [الكهف: 10].
31 - باب غَزْوَةُ ذَاتِ الرِّقَاعِ، وَهْيَ غَزْوَةُ
مُحَارِبِ خَصَفَةَ مِنْ بَنِي ثَعْلَبَةَ مِنْ غَطَفَانَ.
(باب غزوة ذات الرقاع) بكسر الراء بعدها قاف فألف فعين
مهملة وسقط باب لأبي ذر فما بعده رفع (وهي غزوة محارب
خصفة) بالخاء المعجمة والصاد المهملة والفاء المفتوحات
وبإضافة محارب لتاليه للتمييز عن غيرهم من المحاربين لأن
محارب في العرب جماعة كأنه قال: محارب الذين ينسبون إلى
خصفة بن قيس عيلان بن إلياس بن مضر لا الذين ينسبون إلى
فهر وإلى غيرهم ثم إن خصفة المذكور (من بني ثعلبة من
غطفان) بمثلثة وعين مهملة في الأول وفتح الغين المعجمة
والمهملة والفاء كذا في البخاري، وهو يقتضي أن ثعلبة جد
محارب. قال ابن حجر: وليس كذلك فإن غطفان هو ابن سعد بن
قيس بن عيلان فمحارب وغطفان ابنا عم فكيف يكون الأعلى
منسوبًا إلى الأدنى والصواب ما في الباب اللاحق وهو عند
ابن إسحاق وغيره وبني ثعلبة بواو العطف هكذا نبه على ذلك
أبو علي الغساني في أوهام الصحيحين (فنزل) النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (نخلاً) بالنون والخاء
المعجمة مكانًا من المدينة على يومين بواد يقال له شدخ
بمعجمتين بينهما مهملة وبذلك الوادي طوائف من قيس من بني
فزارة وأشجع وأنمار (وهي) أي هذه الغزوة (بعد خيبر لأن أبا
موسى) الأشعري (جاء) من
(6/331)
الحبشة سنة سبع (بعد خيبر) وقد ثبت أنه شهد
ذات الرقاع فمقتضاه وقوع ذات الرقاع بعد غزوة خيبر، لكن
قال الدمياطي: حديث أبي موسى مشكل مع صحته وما ذهب أحد من
أهل السير إلى أنها بعد خيبر. نعم وقع في شرح الحافظ
مغلطاي أن أبا معشر قال: إنها كانت بعد الخندق وقريظة قال:
وهو من المعتمدين في السير وقوله موافق لما ذكره أبو موسى
اهـ فما في الصحيحين أصح.
4125 - فَنَزَلَ نَخْلاً وَهْيَ بَعْدَ خَيْبَرَ لأَنَّ
أَبَا مُوسَى جَاءَ بَعْدَ خَيْبَرَ.
4125 - وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ: أَخْبَرَنَا
عِمْرَانُ الْعَطَّارُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ،
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
-رضي الله عنهما- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى بِأَصْحَابِهِ فِي الْخَوْفِ
فِي غَزْوَةِ السَّابِعَةِ غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ.
وقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَعْنِي صَلاَةَ الْخَوْفَ بِذِي
قَرَدٍ. [الحديث 4125 - أطرافه في: 4126، 4127، 4130،
4137].
(وقال عبد الله بن رجاء) الغداني البصري ممن سمع منه
البخاري فيما وصله السراج أبو العباس في مسنده المبوّب
ولأبي ذر قال: أبو عبد الله البخاري وقال لي عبد الله بن
رجاء: (أخبرنا عمران العطار) ولأبي ذر وابن عساكر القطان
بالقاف والنون كما في الفرع وأصله وهو ابن داور بفتح الواو
بعدها راء البصري صدوق يهم ورمي برأي الخوارج ولم يخرج له
البخاري إلا استشهادًا (عن يحيى بن أبي كثير) بالمثلثة (عن
أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن جابر بن عبد الله)
الأنصاري (-رضي الله عنهما- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلى بأصحابه في) حالة (الخوف) زاد
السراج أربع ركعات صلّى بهم ركعتين ثم ذهبوا ثم جاء أولئك
فصلّى بهم ركعتين (في غزوة) السفرة
(السابعة) من غزواته عليه الصلاة والسلام التي وقع فيها
القتال (غزوة ذات الرقاع) بجرّ غزوة بدلاً من سابقه الأولى
بدر والثانية أُحد والثالثة الخندق والرابعة قويظة
والخامسة المريسيع والسادسة خيبر، فيلزم أن تكون ذات
الرقاع بعد خيبر للتنصيص على أنها السابعة.
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- مما وصله النسائي
والطبراني: (صلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يعني صلاة الخوف بذي قرد) بفتح القاف والراء
موضع على نحو يوم من المدينة مما يلي غطفان.
4126 - وَقَالَ بَكْرُ بْنُ سَوَادَةَ: حَدَّثَنِي زِيَادُ
بْنُ نَافِعٍ عَنْ أَبِي مُوسَى، أَنَّ جَابِرًا
حَدَّثَهُمْ قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِهِمْ يَوْمَ مُحَارِبٍ
وَثَعْلَبَةَ.
(وقال بكر بن سوادة): بسكون الكاف وسوادة بفتح السين
والواو المخففة الجذامي بالجيم المضمومة والذال المعجمة
المفتوحة أحد فقهاء مصر وليس له في البخاري سوى هذا الحديث
المعلق وقد وصله سعيد بن منصور (حدثني) بالإفراد (زياد بن
نافع) التجيبي المصري التابعي الصغير وليس له في البخاري
إلا هذا (عن أبي موسى) علي بن رباح اللخمي التابعي أو هو
مالك بن عبادة الغافقي الصحابي المعروف أو هو مصري لا يعرف
اسمه وليس له إلا هذا الموضع (أن جابرًا) هو ابن عبد الله
الأنصاري (حدثهم قال: صلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بهم) أي بأصحابه (يوم محارب وثعلبة) بواو العطف
وهو الصواب كما مرّ وهي غزوة ذات الرقاع.
4127 - وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: سَمِعْتُ وَهْبَ بْنَ
كَيْسَانَ، سَمِعْتُ جَابِرًا خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى ذَاتِ الرِّقَاعِ مِنْ
نَخْلٍ فَلَقِيَ جَمْعًا مِنْ غَطَفَانَ فَلَمْ يَكُنْ
قِتَالٌ وَأَخَافَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، فَصَلَّى
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رَكْعَتَيِ الْخَوْفِ.
وَقَالَ يَزِيدُ عَنْ سَلَمَةَ غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْقَرَدِ.
(وقال ابن إسحاق) محمد صاحب المغازي: (سمعت وهب بن كيسان)
بفتح الكاف يقول: (سمعت جابرًا) يقول: (خرج النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ذات الرقاع من نخل)
بالنون والخاء المعجمة موضع من نخل أراضي غطفان قال
الزركشي: اشتهر على الألسنة صرفه قال البكري: لا ينصرف.
قال في المصابيح: فإن أراد تحتم منع الصرف فيه فليس كذلك
ضرورة أنه ثلاثي ساكن الوسط وإن أراد أنه لا ينصرف جوازًا
فمسلم وعلى كل تقدير فلا يرد على ما اشتهر على الألسنة من
صرفه وغفل من قال إن المراد نخل المدينة (فلقي جمعًا من
غطفان فلم يكن قتال وأخاف الناس بعضهم بعضًا، فصلّى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ركعتي الخوف) بالناس.
قال في فتح الباري: هذا الذي ساقه عن ابن إسحاق لم أره في
شيء من كتب المغازي ولا غيرها، والذي في السير تهذيب ابن
هشام، وقال ابن إسحاق: حدثني وهب بن كيسان عن جابر بن عبد
الله قال: خرجت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى غزوة ذات الرقاع من نخل على جمل لي صعب
فساق قصة الجمل، وكذا أخرجه أحمد من طريق إبراهيم بن سعد
عن ابن إسحاق. وقال ابن
إسحاق قيل ذلك وغزا نجدًا يريد بني محارب وبني ثعلبة من
غطفان حتى نزل نخلاً وهي غزوة ذات الرقاع فلقي به جميعًا
من غطفان فتقارب الناس ولم يكن بينهم حرب، وقد أخاف الناس
بعضهم بعضًا حتى صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بالناس صلاة الخوف، وانصرف الناس. وهذا القدر
هو الذي ذكره البخاري تعليقًا مدرجًا بطريق وهب بن كيسان
عن
(6/332)
جابر وليس هو عند ابن إسحاق عن وهب كما
أوضحته إلا أن يكون البخاري اطلع على ذلك من وجه آخر لم
نقف عليه أو وقع في النسخة تقديم وتأخير فظنه موصولاً
بالخبر المسند والله أعلم اهـ.
(وقال يزيد) بن أبي عبيد مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة) بن
الأكوع: (غزوت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يوم القرد) وهذا وصله المؤلّف قبل غزوة خيبر
وترجم له بقوله غزوة ذي قرد وهي الغزوة التي أغاروا فيها
على لقاح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
وإنما ذكره من أجل حديث ابن عباس السابق، وأنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى صلاة الخوف بذي قرد ولا
يلزم من ذي قرد في الحديثين أن تتحد القصة كما لا يلزم من
كونه عليه الصلاة والسلام صلّى صلاة الخوف في مكان أن لا
يكون صلاها في مكان آخر. قال البيهقي: الذي لا نشك فيه أن
غزوة ذي قرد كانت بعد الحديبية وخيبر، وحديث سلمة بن
الأكوع مصرح بذلك، وأما غزوة ذات الرقاع فمختلف فيها فظهر
تغاير بين القصتين كما جزم به قبل قاله في فتح الباري،
فالذي جنح إليه البخاري أنها كانت بعد خيبر مستدلاً بما
ذكره لكنه ذكرها قبل خيبر فإما أن يكون ذلك من الرواة عنه
أو إشارة إلى احتمال أن تكون ذات الرقاع اسمًا لغزوتين
مختلفتين كما أشار إليه البيهقي.
4128 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى
-رضي الله عنه-، قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزَاةٍ وَنَحْنُ سِتَّةُ
نَفَرٍ بَيْنَنَا بَعِيرٌ نَعْتَقِبُهُ فَنَقِبَتْ
أَقْدَامُنَا وَنَقِبَتْ قَدَمَايَ وَسَقَطَتْ أَظْفَارِي
فَكُنَّا نَلُفُّ عَلَى أَرْجُلِنَا الْخِرَقَ فَسُمِّيَتْ
غَزْوَةَ ذَاتِ الرِّقَاعِ لِمَا كُنَّا نَعْصِبُ مِنَ
الْخِرَقِ عَلَى أَرْجُلِنَا. وَحَدَّثَ أَبُو مُوسَى
بِهَذَا الْحَدِيثِ ثُمَّ كَرِهَ ذَلِكَ قَالَ: مَا كُنْتُ
أَصْنَعُ بِأَنْ أَذْكُرَهُ كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَكُونَ
شَىْءٌ مِنْ عَمَلِهِ أَفْشَاهُ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (محمد بن
العلاء) أبو كريب الهمداني قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد
بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء
وسكون التحتية (ابن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء
(عن) جده (أبي بردة عن أبي موسى) عبد الله بن قيس الأشعري
(-رضي الله عنه-) أنه (قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزاة) ولابن عساكر في غزوة
(ونحن في ستة نفر) قال ابن حجر: لم أقف على أسمائهم وأظنهم
من الأشعريين (بيننا بعير) واحد (نعتقبه) أي نركبه عقبة
بأن يركب هذا قليلاً ثم ينزل فيركب الآخر بالنوبة حتى يأتي
على آخرهم (فنقبت) بفاء ونون مفتوحتين فقاف مكسورة فموحدة
مفتوحة بعدها فوقية أي رقت وتقرّضت وقطعت الأرض جلود
(أقدامنا) من الحفاء (ونقبت قدماي وسقطت أظفاري) لذلك
(فكنا نلف على أرجلنا الخرق فسميت غزوة ذات الرقاع لما) أي
لأجل ما (كنا نعصب) بفتح النون
وسكون العين وكسر الصاد المهملتين، ولأبي ذر نعصب بضم
النون وفتح العين وتشديد الصاد (من الخرق على أرجلنا).
(وحدث أبو موسى) الأشعري بالسند السابق (بهذا الحديث ثم
كره ذلك) لما فيه من تزكية نفسه (قال: ما كنت أصنع بأن
أذكره كأنه كره أن يكون شيء من عمله أفشاه) لأن كتمان
العمل أفضل من إظهاره إلا مصلحة راجحة كأن يكون ممن يقتدى
به وقد قيل في سبب التسمية أيضًا أنهم رقعوا راياتهم بها،
وقيل اسم شجرة بذلك الموضع وقيل جبل نزلوا عليه أرضه ذات
ألوان من حمرة وصفرة وسواد فسميت به والله أعلم.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في المغازي.
4129 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكٍ
عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ، عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ،
عَمَّنْ شَهِدَ مَعَ رَسُولِ الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ ذَاتِ الرِّقَاعِ صَلَّى
صَلاَةَ الْخَوْفِ، أَنَّ طَائِفَةً صَفَّتْ مَعَهُ
وَطَائِفَةٌ وُجَاهَ الْعَدُوِّ، فَصَلَّى بِالَّتِي
مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ ثَبَتَ قَائِمًا وَأَتَمُّوا
لأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَصَفُّوا وُجَاهَ
الْعَدُوِّ، وَجَاءَتِ الطَّائِفَةُ الأُخْرَى فَصَلَّى
بِهِمِ الرَّكْعَةَ الَّتِي بَقِيَتْ مِنْ صَلاَتِهِ،
ثُمَّ ثَبَتَ جَالِسًا وَأَتَمُّوا لأَنْفُسِهِمْ ثُمَّ
سَلَّمَ بِهِمْ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي مولاهم وسقط ابن
سعيد لابن عساكر (عن مالك) هو ابن أنس الإمام (عن يزيد بن
رومان) مولى الزبير بن العوّام (عن صالح بن خوات) بفتح
الخاء المعجمة والواو المشددة وبعد الألف فوقية ابن جبير
بضم الجيم وفتح الموحدة ابن النعمان الأنصاري التابعي،
وليس له في البخاري إلا هذا الحديث (عمن شهد مع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم) غزوة (ذات
الرقاع صلّى صلاة الخوف) قيل واسم المبهم سهل بن أبي حثمة
ورجح في الفتح أنه خوّات بن جبير أبو صالح المذكور قال:
ويحتمل أن يكون صالح سمعه من أبيه ومن سهل بن أبي حثمة
والصحابة عدول فلا يضر جهالة أحدهم وسقط لأبي ذر وابن
عساكر لفظ صلّى (أن طائفة صفت معه) عليه الصلاة والسلام
(و) صفت (طائفة وجاه العدوّ) بكسر الواو وضمها أي جعلوا
وجوههم تلقاءه (فصلّى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (بهم) الطائفة (التي معه ركعة ثم ثبت) عليه
السلام حال كونه (قائمًا وأتموا) أي الذين صلّى بهم
(6/333)
الركعة (لأنفسهم) ركعة أخرى (ثم انصرفوا
فصفوا وجاه العدوّ وجاءت الطائفة الأخرى) التي كانت وجاه
العدوّ (فصلى بهم) عليه الصلاة والسلام (الركعة التي بقيت
من صلاته) عليه السلام (ثم ثبت) عليه السلام (جالسًا) لم
يخرج من صلاته (وأتموا لأنفسهم) الركعة الأخرى (ثم سلّم
بهم) عليه السلام.
وهذا الحديث أخرجه بقية الستة في الصلاة.
4130 - وَقَالَ مُعَاذٌ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِي
الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِنَخْلٍ فَذَكَرَ
صَلاَةَ الْخَوْفِ قَالَ مَالِكٌ: وَذَلِكَ أَحْسَنُ مَا
سَمِعْتُ فِي صَلاَةِ الْخَوْفِ. تَابَعَهُ اللَّيْثُ عَنْ
هِشَامٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ أَنَّ الْقَاسِمَ بْنَ
مُحَمَّدٍ حَدَّثَهُ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ بَنِي أَنْمَارٍ.
(وقال معاذ: حدّثنا هشام) هو ابن أبي عبد الله الدستوائي
البصري (عن أبي الزبير) محمد بن مسلم بن تدرس المكي (عن
جابر) -رضي الله عنه- أنه قال: (كنا مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنخل) موضع من أراضي غطفان
كما مرّ (فذكر) أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(صلاة الخوف) كما مر وغرض المؤلّف منه الإشارة إلى اتفاق
روايات جابر على أن الغزوة التي وقع فيها صلاة الخوف هي
غزوة ذات الرقاع.
(قال مالك): الإمام الأعظم يسند حديث صالح بن خوات السابق
(وذلك) المروي في حديث صالح (أحسن ما سمعت في صلاة الخوف)
ووافق مالكًا على ترجيحها الشافعي وأحمد لسلامتها من كثرة
المخالفة وكونها أحوط لأمر الحرب.
(تابعه) أي تابع معاذًا (الليث) بن سعد الإمام مما وصله
المؤلّف في تاريخه (عن هشام) هو ابن سعد المدني أبي سعيد
القرشي مولاهم يعرف بيتيم زيد بن أسلم وليس هو هشامًا
الدستوائي إذ لا رواية لليث بن سعد عنه (عن زيد بن أسلم أن
القاسم بن محمد) هو ابن أبي بكر الصديق -رضي الله عنهم-
(حدّثه) فقال: (صلى النبيّ) ولأبي ذر عن الكشميهني: حدثه
صلاة النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) صلاة
الخوف (في غزوة بني أنمار) بفتح الهمزة وسكون النون آخره
راء قبيلة من بجيلة بفتح الموحدة وكسر الجيم، وهذه الرواية
مرسلة ورجالها غير رجال الأولى، فوجه هذه المتابعة من جهة
أن حديث سهل بن أبي حثمة في غزوة ذات الرقاع فتتحد مع حديث
جابر. وهذه المتابعة وصلها المؤلّف -رحمه الله- في تاريخه
بلفظ قال لي يحيى بن عبد الله بن بكير: حدّثنا الليث عن
هشام بن سعد عن زيد بن أسلم سمع القاسم بن محمد أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلّى في غزوة أنمار
نحوه يعني نحو حديث صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة في
صلاة الخوف.
4131 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ
الأَنْصَارِيِّ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ
صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ،
قَالَ: يَقُومُ الإِمَامُ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ
وَطَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَهُ، وَطَائِفَةٌ مِنْ قِبَلِ
الْعَدُوِّ وُجُوهُهُمْ إِلَى الْعَدُوِّ، فَيُصَلِّي
بِالَّذِينَ مَعَهُ رَكْعَةً ثُمَّ يَقُومُونَ
فَيَرْكَعُونَ لأَنْفُسِهِمْ رَكْعَةً وَيَسْجُدُونَ
سَجْدَتَيْنِ فِي مَكَانِهِمْ ثُمَّ يَذْهَبُ هَؤُلاَءِ
إِلَى مَقَامِ أُولَئِكَ، فَيَجِيءُ أُوْلَئِكَ فَيَرْكَعُ
بِهِمْ رَكْعَةً، فَلَهُ ثِنْتَانِ ثُمَّ يَرْكَعُونَ
وَيَسْجُدُونَ سَجْدَتَيْنِ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن
سعيد القطان عن يحيى بن سعيد الأنصاري) وسقط ابن سعيد في
الأولى وابن سعيد الأنصاري لأبي ذر وابن عساكر (عن القاسم
بن محمد) أي ابن أبي بكر الصديق (عن صالح بن خوات عن سهل
بن أبي حثمة) بفتح الحاء المهملة وسكون المثلثة عبد الله
أو عامر بن ساعدة أنه (قال: يقوم الإمام) في صلاة الخوف
(مستقبل القبلة وطائفة منهم معه) مع الإمام (وطائفة من قبل
العدو) بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهته (وجوههم إلى
العدو فيصلّي) الإمام (بالذين معه ركعة ثم يقومون فيركعون
لأنفسهم
ركعة ويسجدون سجدتين في مكانهم ثم يذهب هؤلاء) الذين صلوا
(إلى مقام أولئك) الذين كانوا قبل العدوّ (فيجيء أولئك)
الذين كانوا قبل العدوّ إليه عليه الصلاة والسلام (فيركع
بهم) عليه السلام (ركعة فله) عليه الصلاة والسلام (اثنتان
ثم يركعون ويسجدون سجدتين) زاد في الرواية السابقة أنه
يسلم بهم.
وهذا الحديث مرسل لأن أهل العلم بالأخبار اتفقوا على أن
سهل بن أبي حثمة كان صغيرًا في زمنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفيه ثلاثة من التابعين المدنيين في
نسق واحد يحيى بن سعيد الأنصاري فمن فوقه.
0000 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ صَالِحِ بْنِ خَوَّاتٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ
أَبِي حَثْمَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان
(عن شعبة) بن الحجاج (عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه)
القاسم بن محمد بن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه - (عن
صالح بن خوات عن سهل بن أبي حثمة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله) وهذا مرفوع.
0000 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ يَحْيَى سَمِعَ
الْقَاسِمَ أَخْبَرَنِي صَالِحُ بْنُ خَوَّاتٍ عَنْ سَهْلٍ
حَدَّثَهُ قَوْلَهُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن عبيد الله) بضم العين
ابن محمد مولى عثمان بن عفان القرشي الأموي الفقيه قال:
(حدثني) بالإفراد (ابن أبي حازم)
(6/334)
عبد العزيز (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري أنه
(سمع القاسم) بن محمد بن أبي بكر الصديق يقول: (أخبرني)
بالإفراد (صالح بن خوات عن سهل) أي ابن أبي حثمة أنه (حدثه
قوله) السابق في صلاة الخوف.
4132 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي سَالِمٌ،
أَنَّ ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قِبَلَ نَجْدٍ فَوَازَيْنَا الْعَدُوَّ فَصَافَفْنَا
لَهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سالم أن) أباه (ابن عمر -رضي
الله عنهما- قال: غزوت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل نجد) أي جهتها بأرض غطفان
(فوازينا) بالزاي المعجمة أي قابلنا (العدوّ فصاففنا لهم).
وهذا الحديث مر بهذا الإسناد في أول أبواب صلاة الخوف بأتم
مما هنا وبقيته فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يصلّي لنا فقامت طائفة معه، وأقبلت طائفة على
العدوّ وركع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بمن معه وسجد سجدتين، ثم انصرفوا مكان الطائفة
التي لم تصل فجاؤوا فركع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بهم ركعة وسجد سجدتين ثم سلم فقام كل
منهم فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين.
4133 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ
زُرَيْعٍ حَدَّثَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
سَالِمِ بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَلَّى
بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ، وَالطَّائِفَةُ الأُخْرَى
مُوَاجِهَةُ الْعَدُوِّ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا فِي
مَقَامِ أَصْحَابِهِمْ فَجَاءَ أُولَئِكَ فَصَلَّى بِهِمْ
رَكْعَةً، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ، ثُمَّ قَامَ
هَؤُلاَءِ فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ، وَقَامَ هَؤُلاَءِ
فَقَضَوْا رَكْعَتَهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم
الزاي مصغرًا قال: (حدّثنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري)
محمد بن مسلم (عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه أن رسول
الله) ولابن عساكر أن النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- صلى) صلاة الخوف (بإحدى الطائفتين والطائفة
الأخرى) مبتدأ خبره قوله (مواجهة العدو ثم انصرفوا) الذي
صلّى بهم (فقاموا في مقام أصحابهم) ولابن عساكر أولئك
(فجاء أولئك) الذين كانوا مواجهة العدوّ (فصلّى بهم)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ركعة ثم سلم عليهم
ثم قام هؤلاء فقضوا) أي أدّوا (ركعتهم وقام هؤلاء فقضوا
ركعتهم).
4134 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي سِنَانٌ وَأَبُو
سَلَمَةَ أَنَّ جَابِرًا أَخْبَرَ أَنَّهُ غَزَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قِبَلَ نَجْدٍ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا)
ولأبوي ذر والوقت أخبرنا (شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن
الزهري) أنه (قال: حدثني) بالإفراد (سنان) هو ابن أبي سنان
الدؤلي كما في الرواية الأخرى (وأبو سلمة) بن عبد الرحمن
بن عوف (أن جابرًا) الأنصاري -رضي الله عنه- (أخبر أنه غزا
مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل
نجد) أي جهتها.
4135 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ
سُلَيْمَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَتِيقٍ، عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سِنَانِ بْنِ أَبِي سِنَانٍ
الدُّؤَلِيِّ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله
عنهما- أَخْبَرَهُ أَنَّهُ غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِبَلَ نَجْدٍ
فَلَمَّا قَفَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَفَلَ مَعَهُ فَأَدْرَكَتْهُمُ الْقَائِلَةُ
فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَتَفَرَّقَ النَّاسُ
فِي الْعِضَاهِ يَسْتَظِلُّونَ بِالشَّجَرِ، وَنَزَلَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تَحْتَ سَمُرَةٍ، فَعَلَّقَ بِهَا سَيْفَهُ قَالَ جَابِرٌ:
فَنِمْنَا نَوْمَةً فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُونَا فَجِئْنَاهُ،
فَإِذَا عِنْدَهُ أَعْرَابِيٌّ جَالِسٌ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ
هَذَا اخْتَرَطَ سَيْفِي وَأَنَا نَائِمٌ فَاسْتَيْقَظْتُ
وَهْوَ فِي يَدِهِ صَلْتًا فَقَالَ لِي: مَنْ يَمْنَعُكَ
مِنِّي؟ قُلْتُ لَهُ: اللَّهُ» فَهَا هُوَ ذَا جَالِسٌ
ثُمَّ لَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني)
بالتوحيد (أخي) عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن محمد
بن أبي عتيق) هو محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر ونسبه لجده
(عن ابن شهاب) الزهري (عن سنان بن أبي سنان) يزيد بن أمية
(الدؤلي) بضم الدال المهملة بعدها همزة مفتوحة فلام وثقه
العجلي وغيره وليس له في البخاري إلا حديث في الطب وهذا
الذي هنا (عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أخبره أنه
غزا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قبل
نجد فلما قفل) رجع (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قفل) رجع (معه فأدركتهم القائلة) شدة الحر في
وسط النهار (في واد كثير
العضاه) بكسر العين المهملة وفتح الضاد المعجمة المخففة
وبعد الألف هاء شجر عظيم له شوك كالطلح والعوسج (فنزل رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتفرق الناس في
العضاه يستظلون بالشجر، ونزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحت سمرة) بسين مهملة وراء مفتوحتين
بينهما ميم مضمومة شجرة كثيرة الورق يستظل بها (فعلق بها
سيفه. قال جابر) بالسند السابق (فنمنا نومة فإذا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعونا فجئناه فإذا
عنده أعرابي جالس) بين يديه يأتي ذكره قريبًا إن شاء الله
تعالى وقوله فإذا في الموضعين للمفاجأة (فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن هذا) الأعرابي (اخترط سيفي) أي سله (وأنا نائم
فاستيقظت وهو في يده) حال كونه (صلتا) بفتح الصاد المهملة
وسكون اللام بعدها فوقية مجرد من غمده بمعنى مصلوت (فقال
لي: من يمنعك مني) إن قتلتك به (قلت له الله) يمنعني منك
(فها هو ذا جالس) وعند ابن إسحاق بعد قوله "الله" فدفع
جبريل في صدره فوقع السيف من يده فأخذه النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: "من يمنعك مني"؟ قال:
لا أحد (ثم لم يعاقبه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) استئلافًا للكفار ليدخلوا في الإسلام. وعند
الواقدي أنه أسلم ورجع إلى قومه فاهتدى
(6/335)
به خلق كثير.
4136 - وَقَالَ أَبَانُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي
كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: كُنَّا
مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِذَاتِ الرِّقَاعِ فَإِذَا أَتَيْنَا عَلَى شَجَرَةٍ
ظَلِيلَةٍ تَرَكْنَاهَا لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
وَسَيْفُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مُعَلَّقٌ بِالشَّجَرَةِ فَاخْتَرَطَهُ فَقَالَ لَهُ:
تَخَافُنِي. قَالَ: «لاَ» قَالَ: فَمَنْ يَمْنَعُكَ
مِنِّي؟ قَالَ: «اللَّهُ» فَتَهَدَّدَهُ أَصْحَابُ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَصَلَّى بِطَائِفَةٍ
رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ تَأَخَّرُوا وَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ
الأُخْرَى رَكْعَتَيْنِ وَكَانَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعٌ وَلِلْقَوْمِ
رَكْعَتَيْنِ.
وَقَالَ مُسَدَّدٌ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ
اسْمُ الرَّجُلِ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ، وَقَاتَلَ
فِيهَا مُحَارِبَ خَصَفَةَ.
4137 - وَقَالَ أَبُو الزُّبَيْرِ عَنْ جَابِرٍ كُنَّا
مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِنَخْلٍ فَصَلَّى الْخَوْفَ، وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ:
صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- غَزْوَةَ نَجْدٍ صَلاَةَ الْخَوْفِ وَإِنَّمَا
جَاءَ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيَّامَ خَيْبَرَ.
(وقال أبان) بفتح الهمزة وتخفيف الموحدة وبعد الألف نون بن
يزيد العطار البصري فيما وصله مسلم (حدّثنا يحيى بن أبي
كثير) الإمام أبو نصر اليماني الطائي مولاهم (عن أبي سلمة)
بن عبد الرحمن (عن جابر) أنه (قال: كنا مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذات الرقاع فإذا أتينا على
شجرة ظليلة) ذات ظل (تركناها للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لينزل تحتها ويستظل بها فنزل تحت
شجرة (فجاء رجل من المشركين وسيف النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليه معلق بالشجرة) وهو نائم
(فاخترطه) أي سله (فقال له: تخافني؟ فقال) له عليه السلام:
(لا) (قال: فمن يمنعك مني؟ قال) عليه السلام (الله) يمنعني
منك (فتهدده أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأقيمت الصلاة فصلّى بطائفة ركعتين ثم) سلم
وسلموا ثم (تأخروا) إلى جهة العدوّ (وصلّى) عليه الصلاة
والسلام متنقلاً (بالطائفة الأخرى) التي كانت في جهة
العدوّ (ركعتين) ثم سلم وسلموا (وكانت للنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أربع) فرضًا ونفلاً (وللقوم
ركعتين) فرضًا واستدلّ به على جواز صلاة المفترض خلف
المتنفل كذا قرره النووي في شرح مسلم جمعًا بين الدليلين
ولأبي ذر ركعتان رفع.
(وقال مسدد عن أبي عوانة) الوضاح اليشكري مما وصله سعيد بن
منصور (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن
أبي وحشية (اسم الرجل) الذي اخترط سيف النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (غورث بن الحارث) بفتح الغين
المعجمة وسكون الواو وفتح الراء بعدها مثلثة (وقاتل) عليه
الصلاة والسلام (فيها) في تلك الغزوة (محارب خصفة) مفعول
مضاف لتاليه.
(وقال أبو الزبير): محمد بن مسلم بن تدرس (عن جابر كنا مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنخل فصلّى)
صلاة (الخوف) وهذا قد سبق قريبًا.
(وقال أبو هريرة) مما وصله أبو داود والطحاوي وابن حبان
(صليت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزوة
نجد) ولأبي ذر عن الكشميهني في غزوة نجد (صلاة الخوف،
وإنما جاء أبو هريرة إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أيام خيبر) فدلّ على أن غزوة ذات الرقاع بعد
خيبر، وتعقب بأنه لا يلزم من كون الغزوة من جهة نجد أن لا
تتعدد فإن نجدًا وقع القصد إلى جهتها في عدة غزوات، فيحتمل
أن يكون أبو هريرة حضر التي بعد خيبر لا التي قبلها قاله
في الفتح.
32 - باب غَزْوَةُ بَنِي الْمُصْطَلِقِ مِنْ خُزَاعَةَ
وَهْيَ غَزْوَةُ الْمُرَيْسِيعِ
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: وَذَلِكَ سَنَةَ سِتٍّ، وَقَالَ
مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ: سَنَةَ أَرْبَعٍ. وَقَالَ
النُّعْمَانُ بْنُ رَاشِدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ: كَانَ
حَدِيثُ الإِفْكِ فِي غَزْوَةِ الْمُرَيْسِيعِ.
(باب غزوة بني المصطلق) بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء
المشالة المهملتين وكسر اللام بعدها قاف لقب جذيمة بن سعد
بن عمرو بن ربيعة بن حارثة بطن (من) بني (خزاعة) بضم الخاء
المعجمة وفتح الزاي المخففة. قال في القاموس: حي من الأزد
وسموا بذلك لأنهم تخزعوا أي تخلفوا عن قومهم وأقاموا بمكة،
وسمي جذيمة بالمصطلق لحسن صوته وهو أوّل من غنى من خزاعة،
والأصل في مصطلق مصتلق بالتاء الفوقية فأبدلت طاء لأجل
الصاد (وهي غزوة المريسيع) بضم الميم وفتح الراء وسكون
التحتية وكسر السين المهملة بعدها تحتية ساكنة فعين مهملة.
قال في القاموس: مصغر مرسوع بئر أو ماء الخزاعة بينه وبين
الفرع مسيرة يوم وإليه تضاف غزوة بني المصطلق وفيه سقط عقد
عائشة ونزلت آية التيمم.
(قال ابن إسحاق) محمد مما في مغازيه من رواية يونس بن بكير
عنه (وذلك) الغزو في شعبان (سنة ست) من الهجرة وفي رواية
قتادة وعقبة وغيرهما عند البيهقي في شعبان سنة خمس،
ورجحه الحاكم وغيره وجزم بالأوّل الطبري وغيره.
(وقال موسى بن عقبة: سنة أربع) الذي في مغازي ابن عقبة من
طرق أخرجها الحاكم والبيهقي في دلائله وأبو سعيد
النيسابوري وغيرهم أنه سنة خمس فلعله سبق قلم. قال أهل
المغازي: وخرج رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ومعه بشر كثير وثلاثون فرسًا فحملوا على القوم
حملة واحدة فما نفلت منهم إنسان بل قتل عشرة وأسر سائرهم
وغاب ثمانية وعشرين يومًا.
(وقال النعمان بن راشد) الجزري مما وصله الجوزقي والبيهقي
(عن الزهري) محمد بن مسلم أي عن عروة عن عائشة: (كان حديث
الإفك في غزوة المريسيع) وبه قال ابن إسحاق وغيره من أهل
(6/336)
المغازي.
4138 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ رَبِيعَةَ بْنِ أَبِي
عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ
حَبَّانَ عَنِ ابْنِ مُحَيْرِيزٍ أَنَّهُ قَالَ: دَخَلْتُ
الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ
فَجَلَسْتُ إِلَيْهِ فَسَأَلْتُهُ عَنِ الْعَزْلِ قَالَ
أَبُو سَعِيدٍ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ بَنِي
الْمُصْطَلِقِ فَأَصَبْنَا سَبْيًا مِنْ سَبْيِ الْعَرَبِ
فَاشْتَهَيْنَا النِّسَاءَ وَاشْتَدَّتْ عَلَيْنَا
الْعُزْبَةُ وَأَحْبَبْنَا الْعَزْلَ فَأَرَدْنَا أَنْ
نَعْزِلَ، وَقُلْنَا نَعْزِلُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَظْهُرِنَا قَبْلَ
أَنْ نَسْأَلَهُ فَسَأَلْنَاهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: «مَا
عَلَيْكُمْ أَنْ لاَ تَفْعَلُوا مَا مِنْ نَسَمَةٍ
كَائِنَةٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلاَّ وَهْيَ
كَائِنَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي البغلاني قال:
(أخبرنا إسماعيل بن جعفر) أي ابن أبي كثير الأنصاري المدني
سكن بغداد (عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن) المشهور بربيعة
الرأي (عن محمد بن حبان) بفتح الحاء المهملة وتشديد
الموحدة ابن سعيد الأنصاري المدني (عن ابن محيريز) بضم
الميم وفتح المهملة وسكون التحتيتين بينهما راء مكسورة
آخره زاي عبد الله القرشي التابعي (أنه قال: دخلت المسجد
فرأيت أبا سعيد الخدري فجلست إليه فسألته عن العزل) وهو
نزع الذكر من الفرج قبل الإنزال دفعًا لحصول الولد أهو
جائز أم لا (قال) ولأبي ذر فقال (أبو سعيد: خرجنا مع رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة بني
المصطلق فأصبنا سبيًا من سبي العرب فاشتهينا النساء
واشتدت) ولأبي ذر عن الكشميهني واشتد (علينا العزبة) بضم
المهملة والزاي الساكنة فقد الأزواج والنكاح. قال في
القاموس: العزب محركة من لا أهل له ولا تقل أعزب أو قليل
والاسم العزبة والعزوبة مضمومتين والفعل كنصر وتعزب ترك
النكاح (وأحببنا العزل) خوفًا من الاستيلاد المانع من
البيع ونحن نحب الأثمان (فأردنا أن نعزل وقلنا نعزل ورسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين أظهرنا قبل
أن نسأله) عن الحكم (فسألناه عن ذلك فقال) عليه الصلاة
والسلام:
(ما عليكم) بأس (أن لا تفعلوا) أي ليس عدم الفعل واجبًا
عليكم أولا زائدة أي لا بأس عليكم في فعله (ما من نسمة)
نفس (كائنة) في علم الله (إلى يوم القيامة إلا وهي كائنة)
في الخارج فما قدره الله لا بدّ منه.
وهذا الحديث سبق في باب الرقيق من كتاب البيع.
4139 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- غَزْوَةَ نَجْدٍ فَلَمَّا أَدْرَكَتْهُ
الْقَائِلَةُ وَهْوَ فِي وَادٍ كَثِيرِ الْعِضَاهِ
فَنَزَلَ تَحْتَ شَجَرَةٍ وَاسْتَظَلَّ بِهَا وَعَلَّقَ
سَيْفَهُ فَتَفَرَّقَ النَّاسُ فِي الشَّجَرِ
يَسْتَظِلُّونَ وَبَيْنَا نَحْنُ كَذَلِكَ إِذْ دَعَانَا
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَجِئْنَا فَإِذَا أَعْرَابِيٌّ قَاعِدٌ بَيْنَ يَدَيْهِ
فَقَالَ: «إِنَّ هَذَا أَتَانِي وَأَنَا نَائِمٌ
فَاخْتَرَطَ سَيْفِي فَاسْتَيْقَظْتُ وَهْوَ قَائِمٌ عَلَى
رَأْسِي مُخْتَرِطٌ سَيْفِي صَلْتًا قَالَ: مَنْ
يَمْنَعُكَ مِنِّي؟ قُلْتُ اللَّهُ، فَشَامَهُ ثُمَّ
قَعَدَ فَهْوَ هَذَا». قَالَ: وَلَمْ يُعَاقِبْهُ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر حدثني بالإفراد
(محمود) هو ابن غيلان المروزي قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن
همام قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري عن أبي
سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن جابر بن عبد الله)
الأنصاري -رضي الله عنهما- أنه (قال: غزونا مع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزوة نجد فلما
أدركته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (القائلة)
شدة الحر (وهو في وادٍ كثير العضاه) بكسر العين المهملة
وبالهاء آخره شجر عظيم له شوك (فنزل) عليه الصلاة والسلام
(تحت شجرة واستظل بها وعلق سيفه) بالشجرة (فتفرق الناس في
الشجر يستظلون) به (وبينا) بغير ميم (نحن كذلك إذ دعانا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجئنا فإذا
أعرابي قاعد بين يديه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فقال):
(إن هذا أتاني وأنا نائم فاخترط سيفي) أي سله (فاستيقظت
وهو قائم على رأسي مخترط سيفي) حال كونه (صلتًا) مجردًا من
غمده (قال: من يمنعك مني؟ قلت: الله) يمنعني منك (فشامه)
بشين معجمة مخففة أي غمده (ثم قعد فهو هذا قال) جابر: (ولم
يعاقبه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
استئلافًا.
وهذا الحديث ثابت هنا في الفرع وسقط في بعض النسخ هنا وثبت
في السابق، ويحتمل أن يكون كتب في الأصل على الحاشية
واشتبه على الناسخ فنقله هنا كذا قيل والله أعلم.
33 - باب غَزْوَةُ أَنْمَارٍ
(باب غزوة أنمار) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح الميم
بعدها ألف فراء وقد يقال غزوة بني أنمار وهي قبيلة.
4140 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي ذِئْبٍ
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سُرَاقَةَ،
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ:
رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِي غَزْوَةِ أَنْمَارٍ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ
مُتَوَجِّهًا قِبَلَ الْمَشْرِقِ مُتَطَوِّعًا.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا ابن أبي
ذئب) محمد بن عبد الرحمن قال:
(حدّثنا عثمان بن عبد الله بن سراقة) بضم السين المهملة
وتخفيف الراء والقاف العدوي (عن جابر بن عبد الله
الأنصاري) -رضي الله عنه- أنه (قال: رأيت النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة أنمار يصلّي على
راحلته) حال كونه عليه الصلاة والسلام (متوجهًا قبل
المشرق) بكسر القاف وفتح الموحدة جهة الشرق حال كونه
(متطوعًا).
وهذا الحديث قد مرّ في باب صلاة التطوّع على الدواب، وفي
باب ينزل للمكتوبة وليس فيه ذكر قصة أنمار فلا معنى لذكره
هنا على ما لا يخفى وسقط لفظ باب لأبي ذر وابن عساكر.
34 - باب حَدِيثُ الإِفْكِ
وَالإِفْكُ بِمَنْزِلَةِ النَّجْسِ، وَالنَّجَسِ. يُقَالُ:
إِفْكُهُمْ وَأَفْكُهُمْ وَأَفَكُهُمْ فَمَنْ قَالَ:
أفَكَهُم، يَقُولُ: صَرَفَهُمْ عَنِ الإِيمَانِ
وَكَذَبَهُمْ، كَما قَالَ {يُؤفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ}
[الذاريات: 9] يُصْرَفُ عَنْهُ مَنْ صُرِفَ.
(باب حديث الإفك والإفك) بكسر الهمزة وفتحها مع سكون الفاء
فيهما (بمنزلة النجس) بكسر النون وسكون الجيم (والنجس)
(6/337)
بفتحهما (يقال): بضم التحتية وألف بعد
القاف ولأبي ذر تقول بالفوقية والواو بدل الألف ولأبي ذر
أيضًا وابن عساكر يقول: بالتحتية (إفكهم) بكسر الهمزة
الواقع في غزوة المريسيع، والإفك بكسر الهمزة مصدر أفك
يأفك إفكًا (وأفكهم) بفتح الهمزة وسكون الفاء فيهما وسقطت
الأخيرة لأبي ذر (وأفكهم) بفتحهما مصدران له أيضًا ومراده
الإشارة إلى قوله تعالى: {وذلك أفكهم} [الأحقاف: 28] وعن
عكرمة وغيره بثلاث فتحات فعلاً ماضيًا (فمن قال: أفكهم)
بالفتحات (يقول): معناه (صرفهم عن الإيمان وكذبهم كما قال:
{يؤفك عنه من أفك}) [الذاريات: 9] أي (يصرف عنه من صرف)
الصرف الذي لا أشد منه وأعظم أو يصرف عنه من صرف في سابق
علم الله تعالى أي علم فيما نزل أنه مأفوك عن الحق لا
يرعوي، والضمير في عنه للقرآن، وهذه الجملة من قوله فمن
قال: أفكهم الخ ثابتة لأبي ذر وابن عساكر.
4141 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عَنِ
ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَعَلْقَمَةُ
بْنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله
عنها- زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حِينَ قَالَ لَهَا أَهْلُ الإِفْكِ مَا قَالُوا
وَكُلُّهُمْ حَدَّثَنِي طَائِفَةً مِنْ حَدِيثِهَا
وَبَعْضُهُمْ كَانَ أَوْعَى لِحَدِيثِهَا مِنْ بَعْضٍ
وَأَثْبَتَ لَهُ اقْتِصَاصًا، وَقَدْ وَعَيْتُ عَنْ كُلِّ
رَجُلٍ مِنْهُمُ الْحَدِيثَ الَّذِي حَدَّثَنِي عَنْ
عَائِشَةَ وَبَعْضُ حَدِيثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضًا وَإِنْ
كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ قَالُوا:
قَالَتْ عَائِشَةُ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَرَادَ سَفَرًا أَقْرَعَ
بَيْنَ أَزْوَاجِهِ فَأَيُّهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ
بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَعَهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: فَأَقْرَعَ
بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا فَخَرَجَ فِيهَا سَهْمِي
فَخَرَجْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَعْدَمَا أُنْزِلَ الْحِجَابُ فَكُنْتُ
أُحْمَلُ فِي هَوْدَجِي وَأُنْزَلُ فِيهِ فَسِرْنَا حَتَّى
إِذَا فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ دَنَوْنَا
مِنَ الْمَدِينَةِ
قَافِلِينَ، آذَنَ لَيْلَةً بِالرَّحِيلِ فَقُمْتُ حِينَ
آذَنُوا بِالرَّحِيلِ فَمَشَيْتُ حَتَّى جَاوَزْتُ
الْجَيْشَ، فَلَمَّا قَضَيْتُ شَأْنِي أَقْبَلْتُ إِلَى
رَحْلِي فَلَمَسْتُ صَدْرِي فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ
جَزْعِ ظَفَارِ قَدِ انْقَطَعَ فَرَجَعْتُ فَالْتَمَسْتُ
عِقْدِي فَحَبَسَنِي ابْتِغَاؤُهُ قَالَتْ: وَأَقْبَلَ
الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانُوا يُرَحِّلُونِي فَاحْتَمَلُوا
هَوْدَجِي فَرَحَلُوهُ عَلَى بَعِيرِي الَّذِي كُنْتُ
أَرْكَبُ عَلَيْهِ وَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنِّي فِيهِ
وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافًا لَمْ يَهْبُلْنَ
وَلَمْ يَغْشَهُنَّ اللَّحْمُ إِنَّمَا يَأْكُلْنَ
الْعُلْقَةَ مِنَ الطَّعَامِ فَلَمْ يَسْتَنْكِرِ
الْقَوْمُ خِفَّةَ الْهَوْدَجِ حِينَ رَفَعُوهُ
وَحَمَلُوهُ وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيثَةَ السِّنِّ
فَبَعَثُوا الْجَمَلَ فَسَارُوا وَوَجَدْتُ عِقْدِي،
بَعْدَمَا اسْتَمَرَّ الْجَيْشُ فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ
وَلَيْسَ بِهَا مِنْهُمْ دَاعٍ وَلاَ مُجِيبٌ
فَتَيَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ بِهِ وَظَنَنْتُ
أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونِي فَيَرْجِعُونَ إِلَىَّ فَبَيْنَا
أَنَا جَالِسَةٌ فِي مَنْزِلِي غَلَبَتْنِي عَيْنِي
فَنِمْتُ وَكَانَ صَفْوَانُ بْنُ الْمُعَطَّلِ
السُّلَمِيُّ، ثُمَّ الذَّكْوَانِيُّ مِنْ وَرَاءِ
الْجَيْشِ فَأَصْبَحَ عِنْدَ مَنْزِلِي فَرَأَى سَوَادَ
إِنْسَانٍ نَائِمٍ فَعَرَفَنِي حِينَ رَآنِي وَكَانَ
رَآنِي قَبْلَ الْحِجَابِ فَاسْتَيْقَظْتُ
بِاسْتِرْجَاعِهِ حِينَ عَرَفَنِي فَخَمَّرْتُ وَجْهِي
بِجِلْبَابِي، وَاللَّهِ مَا تَكَلَّمْنَا بِكَلِمَةٍ
وَلاَ سَمِعْتُ مِنْهُ كَلِمَةً غَيْرَ اسْتِرْجَاعِهِ
وَهَوَى حَتَّى أَنَاخَ رَاحِلَتَهُ فَوَطِئَ عَلَى
يَدِهَا فَقُمْتُ إِلَيْهَا فَرَكِبْتُهَا فَانْطَلَقَ
يَقُودُ بِي الرَّاحِلَةَ حَتَّى أَتَيْنَا الْجَيْشَ
مُوغِرِينَ فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، وَهُمْ نُزُولٌ
قَالَتْ: فَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ وَكَانَ الَّذِي تَوَلَّى
كِبْرَ الإِفْكِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ ابْنَ
سَلُولَ قَالَ عُرْوَةُ: أُخْبِرْتُ أَنَّهُ كَانَ يُشَاعُ
وَيُتَحَدَّثُ بِهِ عِنْدَهُ فَيُقِرُّهُ وَيَسْتَمِعُهُ
وَيَسْتَوْشِيهِ وَقَالَ عُرْوَةُ أَيْضًا: لَمْ يُسَمَّ
مِنْ أَهْلِ الإِفْكِ أَيْضًا إِلاَّ حَسَّانُ بْنُ
ثَابِتٍ، وَمِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ، وَحَمْنَةُ بِنْتُ
جَحْشٍ، فِي نَاسٍ آخَرِينَ لاَ عِلْمَ لِي بِهِمْ غَيْرَ
أَنَّهُمْ عُصْبَةٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنَّ
كِبْرَ ذَلِكَ يُقَالُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ
سَلُولَ قَالَ عُرْوَةُ: كَانَتْ عَائِشَةُ تَكْرَهُ أَنْ
يُسَبَّ عِنْدَهَا حَسَّانُ وَتَقُولُ إِنَّهُ الَّذِي
قَالَ:
فَإِنَّ أَبِي وَوَالِدَهُ وَعِرْضِي ... لِعِرْضِ
مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ
فَاشْتَكَيْتُ حِينَ قَدِمْتُ شَهْرًا وَالنَّاسُ
يُفِيضُونَ فِي قَوْلِ أَصْحَابِ الإِفْكِ، لاَ أَشْعُرُ
بِشَىْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَهْوَ يَرِيبُنِي فِي وَجَعِي
أَنِّي لاَ أَعْرِفُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اللُّطْفَ الَّذِي كُنْتُ أَرَى
مِنْهُ حِينَ أَشْتَكِي إِنَّمَا يَدْخُلُ عَلَىَّ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيُسَلِّمُ،
ثُمَّ يَقُولُ: كَيْفَ تِيكُمْ؟ ثُمَّ يَنْصَرِفُ فَذَلِكَ
يُرِيبُنِي وَلاَ أَشْعُرُ بِالشَّرِ حَتَّى خَرَجْتُ
حِينَ نَقَهْتُ فَخَرَجْتُ مَعَ أُمِّ مِسْطَحٍ قِبَلَ
المَناصِعِ، وَكَانَ مُتَبَرَّزَنَا وَكُنَّا لاَ نَخْرُجُ
إِلاَّ لَيْلاً إِلَى لَيْلٍ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ
نَتَّخِذَ الْكُنُفَ قَرِيبًا مِنْ بُيُوتِنَا قَالَتْ:
وَأَمْرُنَا أَمْرُ الْعَرَبِ الأُوَلِ فِي الْبَرِّيَّةِ
قِبَلَ الْغَائِطِ وَكُنَّا نَتَأَذَّى بِالْكُنُفِ أَنْ
نَتَّخِذَهَا عِنْدَ بُيُوتِنَا قَالَتْ: فَانْطَلَقْتُ
أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ وَهْيَ ابْنَةُ أَبِي رُهْمِ بْنِ
الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَأُمُّهَا بِنْتُ
صَخْرِ بْنِ عَامِرٍ خَالَةُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ
وَابْنُهَا مِسْطَحُ بْنُ أُثَاثَةَ بْنِ عَبَّادِ بْنِ
الْمُطَّلِبِ فَأَقْبَلْتُ أَنَا وَأُمُّ مِسْطَحٍ قِبَلَ
بَيْتِي حِينَ فَرَغْنَا مِنْ شَأْنِنَا، فَعَثَرَتْ أُمُّ
مِسْطَحٍ فِي مِرْطِهَا، فَقَالَتْ: تَعِسَ مِسْطَحٌ
فَقُلْتُ
لَهَا: بِئْسَ مَا قُلْتِ، أَتَسُبِّينَ رَجُلاً شَهِدَ
بَدْرًا، فَقَالَتْ أَىْ هَنْتَاهْ وَلَمْ تَسْمَعِي مَا
قَالَ؟ قَالَتْ: وَقُلْتُ مَا قَالَ؟ فَأَخْبَرَتْنِي
بِقَوْلِ أَهْلِ الإِفْكِ قَالَتْ: فَازْدَدْتُ مَرَضًا
عَلَى مَرَضِي فَلَمَّا رَجَعْتُ إِلَى بَيْتِي دَخَلَ
عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ تِيكُمْ؟
فَقُلْتُ لَهُ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ آتِيَ أَبَوَيَّ؟
قَالَتْ: وَأُرِيدُ أَنْ أَسْتَيْقِنَ الْخَبَرَ مِنْ
قِبَلِهِمَا، قَالَتْ: فَأَذِنَ لِي رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَقُلْتُ لأُمِّي
يَا أُمَّتَاهُ مَاذَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ؟ قَالَتْ يَا
بُنَيَّةُ: هَوِّنِي عَلَيْكِ فَوَاللَّهِ لَقَلَّمَا
كَانَتِ امْرَأَةٌ قَطُّ وَضِيئَةً عِنْدَ رَجُلٍ
يُحِبُّهَا لَهَا ضَرَائِرُ إِلاَّ كَثَّرْنَ عَلَيْهَا،
قَالَتْ: فَقُلْتُ سُبْحَانَ اللَّهِ أَوَ لَقَدْ
تَحَدَّثَ النَّاسُ بِهَذَا، قَالَتْ: فَبَكَيْتُ تِلْكَ
اللَّيْلَةَ حَتَّى أَصْبَحْتُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ
وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ ثُمَّ أَصْبَحْتُ أَبْكِي،
قَالَتْ: وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ
وَأُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ حِينَ اسْتَلْبَثَ الْوَحْيُ
يَسْأَلُهُمَا وَيَسْتَشِيرُهُمَا فِي فِرَاقِ أَهْلِهِ
قَالَتْ: فَأَمَّا أُسَامَةُ فَأَشَارَ عَلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالَّذِي
يَعْلَمُ مِنْ بَرَاءَةِ أَهْلِهِ وَبِالَّذِي يَعْلَمُ
لَهُمْ فِي نَفْسِهِ، فَقَالَ أُسَامَةُ: أَهْلَكَ وَلاَ
نَعْلَمُ إِلاَّ خَيْرًا، وَأَمَّا عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ لَمْ يُضَيِّقِ اللَّهُ عَلَيْكَ
وَالنِّسَاءُ سِوَاهَا كَثِيرٌ، وَسَلِ الْجَارِيَةَ
تَصْدُقْكَ قَالَتْ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَرِيرَةَ فَقَالَ: «أَيْ
بَرِيرَةُ هَلْ رَأَيْتِ مِنْ شَىْءٍ يَرِيبُكِ»؟ قَالَتْ
لَهُ بَرِيرَةُ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا
رَأَيْتُ عَلَيْهَا أَمْرًا قَطُّ أَغْمِصُهُ غَيْرَ
أَنَّهَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ السِّنِّ تَنَامُ عَنْ
عَجِينِ أَهْلِهَا فَتَأْتِي الدَّاجِنُ فَتَأْكُلُهُ،
قَالَتْ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ يَوْمِهِ فَاسْتَعْذَرَ مِنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ وَهْوَ عَلَى الْمِنْبَرِ
فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الْمُسْلِمِينَ مَنْ يَعْذِرُنِي
مِنْ رَجُلٍ قَدْ بَلَغَنِي عَنْهُ أَذَاهُ فِي أَهْلِي
وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ خَيْرًا
وَلَقَدْ ذَكَرُوا رَجُلاً مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إِلاَّ
خَيْرًا وَمَا يَدْخُلُ عَلَى أَهْلِي إِلاَّ مَعِي»
فَقَامَ سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ أَخُو بَنِي عَبْدِ
الأَشْهَلِ فَقَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَعْذِرُكَ
فَإِنْ كَانَ مِنَ الأَوْسِ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ، وَإِنْ
كَانَ مِنْ إِخْوَانِنَا مِنَ الْخَزْرَجِ أَمَرْتَنَا
فَفَعَلْنَا أَمْرَكَ قَالَتْ: فَقَامَ رَجُلٌ مِنَ
الْخَزْرَجِ وَكَانَتْ أُمُّ حَسَّانَ بِنْتَ عَمِّهِ مِنْ
فَخِذِهِ، وَهْوَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَهْوَ سَيِّدُ
الْخَزْرَجِ، قَالَتْ: وَكَانَ قَبْلَ ذَلِكَ رَجُلاً
صَالِحًا وَلَكِنِ احْتَمَلَتْهُ الْحَمِيَّةُ، فَقَالَ
لِسَعْدٍ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ لاَ تَقْتُلُهُ،
وَلاَ تَقْدِرُ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَوْ كَانَ مِنْ
رَهْطِكَ مَا أَحْبَبْتَ أَنْ يُقْتَلَ، فَقَامَ أُسَيْدُ
بْنُ حُضَيْرٍ وَهْوَ ابْنُ عَمِّ سَعْدٍ، فَقَالَ
لِسَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: كَذَبْتَ لَعَمْرُ اللَّهِ
لَنَقْتُلَنَّهُ فَإِنَّكَ مُنَافِقٌ تُجَادِلُ عَنِ
الْمُنَافِقِينَ قَالَتْ: فَثَارَ الْحَيَّانِ الأَوْسُ
وَالْخَزْرَجُ حَتَّى هَمُّوا أَنْ يَقْتَتِلُوا وَرَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى
الْمِنْبَرِ، قَالَتْ: فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى
سَكَتُوا وَسَكَتَ قَالَتْ: فَبَكَيْتُ يَوْمِي ذَلِكَ
كُلَّهُ لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ وَلاَ أَكْتَحِلُ
بِنَوْمٍ، قَالَتْ: وَأَصْبَحَ أَبَوَايَ عِنْدِي وَقَدْ
بَكَيْتُ لَيْلَتَيْنِ وَيَوْمًا لاَ يَرْقَأُ لِي دَمْعٌ
وَلاَ أَكْتَحِلُ بِنَوْمٍ حَتَّى إِنِّي لأَظُنُّ أَنَّ
الْبُكَاءَ فَالِقٌ كَبِدِي فَبَيْنَا أَبَوَايَ
جَالِسَانِ عِنْدِي وَأَنَا أَبْكِي فَاسْتَأْذَنَتْ
عَلَيَّ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَأَذِنْتُ لَهَا
فَجَلَسَتْ تَبْكِي مَعِي قَالَتْ: فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى
ذَلِكَ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَيْنَا فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ قَالَتْ:
وَلَمْ يَجْلِسْ عِنْدِي مُنْذُ قِيلَ مَا قِيلَ قَبْلَهَا
وَقَدْ لَبِثَ شَهْرًا لاَ يُوحَى
إِلَيْهِ فِي شَأْنِي بِشَىْءٍ قَالَتْ: فَتَشَهَّدَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حِينَ جَلَسَ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ يَا عَائِشَةُ
إِنَّهُ بَلَغَنِي عَنْكِ كَذَا وَكَذَا فَإِنْ كُنْتِ
بَرِيئَةً فَسَيُبَرِّئُكِ اللَّهُ وَإِنْ كُنْتِ
أَلْمَمْتِ بِذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي
إِلَيْهِ فَإِنَّ الْعَبْدَ إِذَا اعْتَرَفَ ثُمَّ تَابَ
تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ» قَالَتْ: فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَقَالَتَهُ
قَلَصَ دَمْعِي حَتَّى مَا أُحِسُّ مِنْهُ قَطْرَةً،
فَقُلْتُ لأَبِي: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنِّي فِيمَا قَالَ: فَقَالَ أَبِي:
وَاللَّهِ مَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لأُمِّي:
أَجِيبِي رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِيمَا قَالَ، قَالَتْ أُمِّي وَاللَّهِ مَا
أَدْرِي مَا أَقُولُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ وَأَنَا جَارِيَةٌ حَدِيثَةُ
السِّنِّ لاَ أَقْرَأُ مِنَ الْقُرْآنِ كَثِيرًا، إِنِّي
وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَقَدْ سَمِعْتُمْ هَذَا
الْحَدِيثَ حَتَّى اسْتَقَرَّ فِي أَنْفُسِكُمْ
وَصَدَّقْتُمْ بِهِ فَلَئِنْ قُلْتُ لَكُمْ إِنِّي
بَرِيئَةٌ لاَ تُصَدِّقُونِي وَلَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَكُمْ
بِأَمْرٍ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي مِنْهُ بَرِيئَةٌ
لَتُصَدِّقُنِّي فَوَاللَّهِ لاَ أَجِدُ لِي وَلَكُمْ
مَثَلاً إِلاَّ أَبَا يُوسُفَ حِينَ قَالَ: {فَصَبْرٌ
جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}
[يوسف: 18] ثُمَّ تَحَوَّلْتُ وَاضْطَجَعْتُ عَلَى
فِرَاشِي وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَنِّي حِينَئِذٍ بَرِيئَةٌ،
وَأَنَّ اللَّهَ مُبَرِّئِي بِبَرَاءَتِي وَلَكِنْ
وَاللَّهِ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ مُنْزِلٌ فِي
شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى لَشَأْنِي فِي نَفْسِي كَانَ
أَحْقَرَ مِنْ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ فِيَّ بِأَمْرٍ،
وَلَكِنْ كُنْتُ أَرْجُو أَنْ يَرَى رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي النَّوْمِ
رُؤْيَا يُبَرِّئُنِي اللَّهُ بِهَا فَوَاللَّهِ مَا رَامَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَجْلِسَهُ وَلاَ خَرَجَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ
حَتَّى أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَأَخَذَهُ مَا كَانَ يَأْخُذُهُ
مِنَ الْبُرَحَاءِ حَتَّى إِنَّهُ لَيَتَحَدَّرُ مِنْهُ
مِنَ الْعَرَقِ مِثْلُ الْجُمَانِ وَهْوَ فِي يَوْمٍ شَاتٍ
مِنْ ثِقَلِ الْقَوْلِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَيْهِ،
قَالَتْ: فَسُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَضْحَكُ فَكَانَتْ أَوَّلَ
كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا أَنْ قَالَ: «يَا عَائِشَةُ
أَمَّا اللَّهُ فَقَدْ بَرَّأَكِ» قَالَتْ: فَقَالَتْ لِي
أُمِّي قُومِي إِلَيْهِ فَقُلْتُ: لا وَاللَّهِ لاَ
أَقُومُ إِلَيْهِ فَإِنِّي لاَ أَحْمَدُ إِلاَّ اللَّهَ
عَزَّ وَجَلَّ قَالَتْ وَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:
{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالإِفْكِ عُصْبَةً مِنكُمْ}
[النور: 11] الْعَشْرَ الآيَاتِ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ
تَعالى هَذَا فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ
الصِّدِّيقُ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحِ بْنِ
أُثَاثَةَ لِقَرَابَتِهِ مِنْهُ وَفَقْرِهِ: وَاللَّهِ لاَ
أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي
قَالَ لِعَائِشَةَ مَا قَالَ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ
تَعَالَى: {وَلاَ يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ}
-إِلَى قَوْلِهِ- {غَفُورٌ رَحِيمٌ} [النور: 22] قَالَ
أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: بَلَى وَاللَّهِ إِنِّي
لأُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى
مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَ يُنْفِقُ عَلَيْهِ
وَقَالَ: وَاللَّهِ لاَ أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا.
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَأَلَ زَيْنَبَ بِنْتَ
جَحْشٍ عَنْ أَمْرِي فَقَالَ لِزَيْنَبَ: «مَاذَا عَلِمْتِ
-أَوْ رَأَيْتِ-»؟ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحْمِي
سَمْعِي وَبَصَرِي وَاللَّهِ مَا عَلِمْتُ إِلاَّ خَيْرًا
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَهْيَ الَّتِي كَانَتْ تُسَامِينِي
مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَعَصَمَهَا اللَّهُ بِالْوَرَعِ قَالَتْ:
وَطَفِقَتْ أُخْتُهَا حَمْنَةُ تُحَارِبُ لَهَا فَهَلَكَتْ
فِيمَنْ هَلَكَ. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ فَهَذَا الَّذِي
بَلَغَنِي مِنْ حَدِيثِ هَؤُلاَءِ الرَّهْطِ ثُمَّ قَالَ
عُرْوَةُ: قَالَتْ عَائِشَةُ: وَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ
الَّذِي قِيلَ لَهُ ما قِيلَ، لَيَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ
فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا كَشَفْتُ مِنْ كَنَفِ
أُنْثَى قَطُّ، قَالَتْ: ثُمَّ قُتِلَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ.
وبه قال: (حدثنا عبد العزيز بن عبد الله) الأويسي المدني
قال: (حدثنا إبراهيم بن سعد)
بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح)
أي ابن كيسان (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم أنه (قال: حدثني)
بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (وسعيد بن المسيب
وعلقمة بن وقاص وعبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله بن
عتبة بن مسعود عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين قال لها أهل الإفك ما
قالوا وكلهم) أي الأربعة عروة فمن بعده: (حدثني) بالإفراد
(طائفة) قطعة (من حديثها وبعضهم كان أوعى) أي أحفظ
(لحديثها من بعض) وسقطت لفظة كان لابن عساكر (وأثبت له
اقتصاصًا) أي سياقًا وأثبت نصب عطفًا على خبر كان (وقد
وعيت) بفتح العين حفظت (عن كل رجل منهم الحديث) أي بعض
الحديث (الذي حدثني) به منه (عن) حديث (عائشة) من إطلاق
الكل على البعض فلا تنافي بين قوله وكلهم حدثني طائفة من
الحديث وبين قوله وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث، وحاصله
أن جميع الحديث عن مجموعهم لا أن جميعه عن كل واحد منهم
(وبعض حديثهم يصدق بعضًا وإن كان بعضهم أوعى له من بعض
قالوا: قالت عائشة كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إذا أراد سفرًا أقرع بين أزواجه) تطييبًا
لقلوبهن (فأيهن) بغير تاء تأنيث ولأبي ذر فأيتهن بإثباتها
ولابن عساكر وأبي الوقت وأيهن بالواو بدل الفاء أي فأي
أزواجه (خرج سهمها خرج بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- معه قالت عائشة: فأقرع بيننا) عليه
الصلاة والسلام (في غزوة غزاها) هي غزوة المريسيع (فخرج
فيها سهمي فخرجت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بعدما أنزل الحجاب) أي الأمر به (فكنت أحمل)
بضم الهمزة وفتح الميم (في هودجي) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي في هودج (وأنزل فيه) بضم الهمزة وفتح الزاي
(فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من غزوته تلك وقفل) بفتح القاف والفاء رجع
(دنونا) أي قربنا ولأبي ذر ودنونا (من المدينة) حال كوننا
(قافلين) راجعين (آذن) بفتح الهمزة ممدودة وتخفيف المعجمة
أي أعلم (ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت)
لقضاء حاجتي منفردة (حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني) الذي
مشيت له (أقبلت إلى رحلي) الموضع الذي نزلت به (فلمست صدري
فإذا عقد) بكسر العين قلادة (لي من جزع ظفار) بفتح الجيم
وسكون الزاي مضاف لظفار بغير همز ولأبي ذر عن المستملي
أظفار بالهمزة وصوّب الخطابي حذف الهمزة وكسر الراء
مبيّنًا كحضار مدينة باليمن (قد انقطع فرجعت) إلى الموضع
الذي ذهبت إليه (فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه) طلبه.
(قالت: وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلوني) بضم التحتية وفتح
الراء وتشديد الحاء ويجوز فتح التحتية وسكون الراء وفتح
الحاء ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر يرحلون بي (فاحتملوا
هودجي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فحملوه (فرحلوه)
بالتخفيف أي وضعوه (على
(6/338)
بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أني
فيه) أي فى الهودج (وكان النساء إذ ذاك خفافًا لم يهبلن)
بسكون الهاء وضم الموحدة وسكون اللام بعدها نون (ولم يغشهن
اللحم) أي لم يكثر يقال: هبله اللحم أي كثر عليه وركب بعضه
بعضًا (إنما يأكلن العلقة) بضم العين وسكون اللام وفتح
القاف القليل (من الطعام فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين
رفعوه وحملوه وكنت جارية حديثة السن) لم تبلغ حينئذٍ خمس
عشرة سنة (فبعثوا الجمل) أثاروه (فساروا ووجدت عقدي بعدما
استمر الجيش)
أي ذهب ماضيًا واستمر استفعل من مر (فجئت منازلهم وليس بها
منهم داع ولا مجيب فتيممت) قصدت (منزلي الذي كنت به) ولابن
عساكر فيه (وظننت) أي علمت (أنهم سيفقدوني) ولأبي ذر
سيفقدونني (فيرجعون إليّ فبينا) بغير ميم (أنا جالسة في
منزلي غلبتني عيني) بالإفراد (فنمت) أي من شدّة ما اعتراها
من الغم أو أن الله تعالى ألقى عليها النوم لطفًا منه بها
لتستريح من وحشة الانفراد في البرية بالليل (وكان صفوان بن
المعطل) بضم الميم وتشديد الطاء المفتوحة (السلمي ثم
الدكواني) يتخلف (من وراء الجيش) فمن سقط له شيء من متاعه
كالقدح والأداوة أتاه به (فأصبح عند منزلي فرأى سواد
إنسان) أي شخص إنسان (نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل)
نزول (الحجاب فاستيقظت) من نومي (باسترجاعه) أي بقوله: إنا
لله وإنا إليه راجعون (حين عرفني فخمرت) بالخاء المعجمة
والميم المشددة المفتوحتين والراء الساكنة أي غطيت (وجهي
بجلبابي) بكسر الجيم وسكون اللام وموحدتين بينهما ألف
(ووالله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه)
يقول: إنّا لله وإنا إليه راجعون لما شق عليه من ذلك
(وهوى) بفتح الهاء والواو (حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها)
ليسهل الركوب عليها فلا يحتاج إلى مساعد (فقمت إليها
فركبتها فانطلق) صفوان حال كونه (يقود بي الراحلة حتى
أتينا الجيش) حال كوننا (موغرين) بضم الميم وسكون الواو
وكسر الغين المعجمة بعدها راء أي داخلين في الوغرة وهي شدة
الحرّ وعبر بلفظ الجمع موضع التثنية (في نحر الظهيرة)
بالحاء المهملة الساكنة حين بلغت الشمس منتهاها من
الارتفاع كأنها وصلت إلى النحر وهو أعلى المصدر (وهم) أي
والحال أن الجيش (نزول قالت) عائشة -رضي الله عنها-: (فهلك
من) بفتح الميم ولابن عساكر فهلك فيّ من (هلك) من أمر
الإفك (وكان الذي تولى كبر الإِفك) بكسر الكاف وسكون الباء
الموحدة الذي باشر معظمه (عبد الله بن أبيٍ) بالتنوين (ابن
سلول) بالرفع علم لام عبد الله فيكتب بالألف وشاع ذلك في
الجيش.
(قال عروة) بن الزبير بالسند السابق (أخبرت) بضم الهمزة
مبنيًا للمفعول (أنه) أي حديث الإفك (كان يشاع ويتحدث به
عنده) عند عبد الله بن أبي (فيقره ويستمعه) فلا ينكره ولا
ينهى عنه من يقوله: (ويستوشيه) يستخرجه بالبحث عنه حتى
يفشيه.
(وقال عروة) بن الزبير: (أيضًا) بالسند السابق (لم يسم)
بفتح السين والميم المشددة (من أهل الإفك أيضًا إلا حسان
بن ثابت) الشاعر (ومسطح بن أثاثة) بكسر الميم وسكون السين
وفتح الطاء بعدها حاء مهملات وأثاثة بضم الهمزة ومثلثتين
بينهما ألف مخففًا القرشي المطلبي (وحمنة بنت جحش) بفتح
الحاء المهملة والنون بينهما ميم ساكنة أخت أم المؤمنين
زينب بنت جحش (في ناس آخرين لا علم لي بهم) أي بأسمائهم
(غير أنهم عصبة) عشرة أو ما فوقها إلى الأربعين (كما قال
الله تعالى) في سورة النور: {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة
منكم} [النور: 11] (وإن كبر ذلك) بضم الكاف وكسرها أي وأن
متولي معظمه (يقال: عبد الله) ولأبي ذر يقال له عبد الله
(بن أبيٍ) بالتنوين (ابن سلول).
(قال عروة) بالسند السابق (كانت عائشة) -رضي الله عنها-
(تكره أن يسب) بضم التحتية وفتح السين المهملة وتشديد
الموحدة (عندها حسان) بن ثابت -رضي الله عنه- (وتقول: إنه
الذي قال: فإن أبي) ثابتًا (ووالده) منذرًا (وعرضي) بكسر
العين
(6/339)
المهملة موضع المدح والذم من الإنسان سواء
كان في نفسه أو سلفه أو من ينسب إليه (لعرض محمد منكم
وقاء).
(قالت عائشة) -رضي الله عنها-: (قدمنا المدينة فاشتكيت)
فمرضت (حين قدمت) المدينة (شهرًا والناس يفيضون) بضم
التحتية يخوضون (في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك
وهو يريبني) بفتح التحتية الأولى وسكون الثانية بينهما راء
مكسورة يوهمني (في وجعي أني لا أعرف) وفي كتاب الشهادات
أني لا أرى (من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- اللطف) بضم اللام وسكون الطاء ولأبي ذر في
الأصل المروي عنه من رواية أبي الحطيئة اللطف بفتح اللام
والطاء أي الرفق (الذي كنت أرى منه حين اشتكي إنما يدخل
عليّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيسلم
ثم يقول: كيف تيكم ثم ينصرف فذلك يريبني ولا أشعر بالشر
حتى خرجت حين نقهت) بفتح النون والقاف وسكون الهاء أفقت من
المرض (فخرجت مع) بسكون الجيم ولأبي ذر فخرجت معي (أم
مسطح) بفتح الجيم ومسطح بكسر الميم وسكون المهملة (قبل
المناصع) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة المناصع بالصاد
والعين المهملتين موضع خارج المدينة (وكان) المناصع
(متبرزنا) موضع قضاء حاجتنا (وكنا لا نخرج إلا ليلاً إلى
ليل وذلك قبل أن نتخذ الكنف) الأمكنة المتخذة لقضاء الحاجة
(قريبًا من بيوتنا. قال: وأمرنا) في التبرز (أمر العرب
الأول في البرية) خارج المدينة (قبل الغائط، وكنا نتأذى
بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا. قالت: فانطلقت أنا وأم مسطح
وهي) سلمى (ابنة أبي رهم بن المطلب) بضم الراء وسكون الهاء
واسمه أنيس (بن عبد مناف وأمّها بنت صخر بن عامر خالة أبي
بكر الصديق) - رضي الله تعالى عنه - وسقط قوله الصديق لأبي
ذر (وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب) بفتح العين
وتشديد الموحدة (فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي) أي جهته
(حين فرغنا من شأننا فعثرت) بمثلثة وفتحات (أم مسطح في
مرطها) بكسر الميم في كسائها (فقالت: تعس) بفتح العين
ولأبي ذر تعس بكسرها (مسطح) كب لوجهه أو هلك (فقلت لها:
بئس ما قلت أتسبين رجلاً شهد بدرًا؟ فقالت: أي هنتاه)
بسكون الهاء ولأبي ذر بضمها يا هذه (ولم تسمعي ما قال)
مسطح؟ (قالت) عائشة -رضي الله عنها- (وقلت) لها: (ما)
ولأبي ذر وما (قال: فأخبرتني بقول أهل الإفك. قالت: فازددت
مرضًا على مرضي فلما رجعت إلى بيتي دخل عليّ رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلم ثم قال: كيف
تيكم فقلت له أتأذن لي أن آتي أبوي) بتشديد الياء (قالت:
وأريد أن أستيقن الخبر) الذي سمعته (من قبلهما) أي من
جهتهما (قالت: فأذن لي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) في ذلك فأتيتهما (فقلت لأمي: يا أمّتاه)
بفوقية بعد الميم (ماذا يتحدّث الناس) به؟ (قالت: يا بنية)
ولأبي ذر بالكسر (هوّني عليك) الشأن (فوالله لقلما كانت
امرأة قط وضيئة) أي حسنة جميلة (عند رجل يحبها لها ضرائر
إلا كثرن) بتشديد المثلثة ولأبي ذر عن الكشميهني إلا أكثرن
(عليها) القول في عيبها ونقصها، والمراد بعض أتباع ضرائرها
كحمنة بنت جحش أخت
زينب أو نساء ذلك الزمان فالاستثناء منقطع لأن أمهات
المؤمنين لم يعبنها.
(قالت) عائشة -رضي الله عنها-: (فقلت) متعجبة من ذلك:
(سبحان الله أو لقد) بهمزة الاستفهام (تحدّث الناس بهذا؟
قالت: فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ) بالقاف والهمزة
لا ينقطع (لي دمع ولا أكتحل بنوم) لأن الهموم موجبة للسهر
وسيلان الدموع (ثم أصبحت أبكي: قالت: ودعا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علي بن أبي طالب -رضي
الله عنه- وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي) بالرفع أي حين
طال لبث نزوله حال كونه (يسألهما) عن ذلك (ويستشيرها في
فراق أهله) لم تقل في فراقي لكراهتها التصريح بإضافة
الفراق إليها (قالت: فأما أسامة فأشار على رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالذي يعلم من براءة
أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه) أي من الود (فقال أسامة):
هم (أهلك) العفائف
(6/340)
كذا أهلك بالرفع لأبي ذر ولغيره أهلك
بالنصب أي أمسك أهلك (ولا نعلم) عليهم (إلا خيرًا، وأما
عليّ فقال: يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها
كثير) بالتذكير على إرادة الجنس (وسل الجارية) بريرة
ولعلها كانت تخدم عائشة -رضي الله عنها- حينئذٍ قبل شرائها
أو كانت اشترتها وأخرت عتقها إلى بعد الفتح (تصدقك) بالجزم
على الجزاء وهي لم تعلم منها إلا البراءة فتخبرك (قالت:
فدعا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بريرة
فقال):
(أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك) أي من جنس ما قيل فيها
(قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرًا قط
أغمصه) بغين معجمة وصاد مهملة أي أعيبه عليها (غير أنها)
ولأبي ذر وابن عساكر من أنها (جارية حديثة السن تنام عن
عجين أهلها فتأتي الداجن) بكسر الجيم الشاة وقيل كل ما
يألف البيوت شاة أو غيرها (فتأكله قالت: فقام رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من يومه فاستعذر من
عبد الله بن أبي وهو على المنبر فقال: يا معشر المسلمين من
يعدزني) أي من يقوم بعذري إن كافأته على قبيح فعله ولا
يلمني أو من ينصرني (من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي
والله ما علمت على أهلي إلا خيرًا ولقد ذكروا رجلاً) هو
صفوان بن المعطل (ما علمت عليه إلا خيرًا وما يدخل على
أهلي إلا معي قالت: فقام سعد بن معاذ) سقط لأبي ذر وابن
عساكر ابن معاذ (أخو بني عبد الأشهل فقال: أنا يا رسول
الله أعذرك) بفتح الهمزة وكسر الذال المعجمة منه (فإن كان
من الأوس) قبيلتنا (ضربت عنقه، وإن كان من إخواننا من
الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك) فيه (قالت) عائشة -رضي الله
عنها- (فقام رجل من الخزرج وكانت أمّ حسان) بن ثابت (بنت
عمه من فخذه) بالذال المعجمة (وهو سعد بن عبادة وهو سيد
الخزرج. قالت: وكان) ولأبي ذر فكان (قبل ذلك رجلاً صالحًا)
كاملاً في الصلاح لم يتقدم منه ما يتعلق بالوقوف مع أنفة
الحمية ولم تغمصه في دينه، ولكن كان بين الحيين مشاحة قبل
الإسلام ثم زالت وبقي بعضها بحكم الأنفة كما قالت (ولكن
احتملته) من مقالة سعد بن معاذ (الحمية) أغضبته (فقال
لسعد: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله) لأنا
نمنعه منه (ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل، فقام أسيد
بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة كذبت لعمر الله
لنقتلنه) ولو كان من الخزرج إذا أمرنا رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك وليست لكم قدرة على
منعنا، وقابل قوله لابن معاذ كذبت لا تقتله
بقوله كذبت لنقتلنه (فإنك منافق) في الود (تجادل عن
المنافقين) ولم يرد نفاق الكفر بل إظهاره الود للأوس ثم
ظهر منه في هذه القصة خلاف ذلك.
(قالت: فثار الحيان الأوس والخزرج) بالمثلثة أي نهض بعضهم
إلى بعض من الغضب (حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم على المنبر قالت: فلم
يزل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يخفضهم
حتى سكتوا وسكت) عليه الصلاة والسلام (قالت: فبكيت يومي
ذلك كله لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم قالت: وأصبح أبواي)
أبو بكر وأم رومان (عندي وقد بكيت ليلتين ويومًا لا يرقأ
لي دمع ولا أكتحل بنوم حتى أني لأظن أن البكاء فالق كبدي
فبينا) بغير ميم (أبواي جالسان عندي وأنا أبكي فاستأذنت
عليّ امرأة من الأنصار) لم تسم (فأذنت لها فجلست تبكي معي)
أي تفجعًا لما نزل بها (قالت: فبينا) بغير ميم (نحن على
ذلك دخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
علينا فسلم ثم جلس قالت: ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل
قبلها) بفتح القاف وسكون الموحدة (وقد لبث شهرًا لا يوحى
إليه في شأني) هذا (بشيء) ليعلم المتكلم من غيره (قالت:
فتشهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين
جلس ثم قال):
(أما بعد يا عائشة بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة) مما
نسبوه إليك (فسيبرئك الله) عز وجل منه بوحي ينزله (وإن كنت
ألممت بذنب) أي وقع منك على خلاف العادة (فاستغفري الله
وتوبي إليه) منه (فإن العبد إذا اعترف) بذنبه (ثم تاب) منه
(تاب الله عليه قالت فلما قضى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مقالته قلص دمعي) بالقاف واللام
(6/341)
المفتوحتين والصاد المهملة انقطع لأن الحزن
والغضب إذا أخذا حدّهما فقد الدمع لفرط حرارة المصيبة (حتى
ما أحس منه قطرة فقلت لأبي: أجب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عني) وسقط لفظ عني لأبي ذر وابن عساكر
(فيما قال فقال أبي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فقلت لأمي: أجيبي
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما قال
قالت أمي: والله ما أدري ما أقول لرسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فقلت وأنا جارية حديثة السن
لا أقرأ من القرآن كثيرًا: إني والله لقد علمت لقد سمعتم
هذا الحديث حتى استقرّ في أنفسكم وصدقتم به فلئن قلت لكم
إني بريئة لا تصدقوني) ولأبي ذر: لا تصدقونني (ولئن اعترفت
لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني) بضم القاف
وتشديد النون (فوالله لا أجد لي ولكم مثلاً إلا أبا يوسف)
يعقوب عليهما السلام (حين قال): في تلك المحنة ({فصبر
جميل}) [يوسف: 18] لا جزع فيه ({والله المستعان على ما
تصفون} [يوسف: 18]، ثم تحولت فاضطجعت على فراشي والله يعلم
أني حينئذٍ بريئة وأن الله مبرئي) اسم فاعل من التبرئة
(ببراءتي) أي تحوّلت مقدرة أن الله تعالى يبرئني عند الناس
بسبب براءتي في نفس الأمر فالباء سببية والجملة حالية
مقدرة (ولكن والله ما كنت أظن أن الله تعالى منزل في شأني
وحيًا يتلى، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله فيّ
بأمر، ولكن) بتخفيف النون ساكنة ولأبي ذر ولكني بتشديدها
مكسورة بعدها تحتية (كنت أرجو أن يرى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في النوم رؤيا يبرئني الله
بها فوالله ما رام) بالراء وألف بعدها ثم ميم ما فارق
(رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مجلسه ولا
خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه) الوحي (فأخذه) عليه
الصلاة والسلام (ما كان يأخذه من البرحاء) بضم الموحدة
وفتح الراء والحاء المهملة ممدودًا من الشدة من ثقل الوحي
(حتى أنه ليتحدر) بالمثناة
الفوقية ولابن عساكر لينحدر بنون ساكنة بدل الفوقية أي
لينصب (منه العرق مثل الجمان) بضم الجيم وتخفيف الميم
مفتوحة اللؤلؤ (وهو في يوم شات من ثقل القول الذي أنزل
عليه) صلوات الله وسلامه عليه (قالت: فسري) بضم السين
وتشديد الراء مكسورة أي أزيل وكشف (عن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو يضحك فكانت أوّل كلمة
تكلم بها أن قال):
(يا عائشة أما الله) بفتح الهمزة وتشديد الميم (فقد برأك)
مما نسب إليك بما أوحاه الله إليّ من القرآن (قالت: فقالت
لي أمي) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أمي لي بالتقديم
والتأخير (قومي إليه) زاده الله شرفًا لديه (فقلت: لا
والله لا أقوم إليه فإني) بالفاء ولابن عساكر وأني (لا
أحمد إلاّ الله عز وجل) الذي أنزل براءتي (قالت: وأنزل
الله تعالى: {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم}) [النور:
11] [العشر الآيات]، ثبت قوله عصبة منكم لأبي ذر وابن
عساكر (ثم أنزل الله تعالى هذا في براءتي) وتاب إلى الله
من كان تكلم فيّ من المؤمنين وأقيم الحدّ على من أقيم
عليه.
(قال أبو بكر الصديق): وسقط لفظ الصديق لأبي ذر (وكان ينفق
على مسطح بن أثاثة لقرابته منه) إذ كان ابن خالة الصديق
(وفقره والله لا أنفق على مسطح شيئًا أبدًا بعد الذي قال
لعائشة ما قال، فأنزل الله تعالى: {ولا يأتل}) ولا يحلف
({أولو الفضل منكم}) أي الطول والإحسان والصدقة (إلى قوله:
({غفور رحيم}) [النور: 22] فكما تغفر لك (قال أبو بكر
الصديق) سقط لفظ الصديق لأبي ذر (بلى والله إني لأحب أن
يغفر الله لي فرجع) بتخفيف الجيم (إلى مسطح النفقة التي
كان ينفق عليه وقال: والله لا أنزعها منه أبدًا. قالت
عائشة: وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سأل زينب بنت جحش) أم المؤمنين (عن أمري فقال
لزينب: ماذا علمت) على عائشة (أو رأيت)؟ منها (فقالت: يا
رسول الله أحمي سمعي) عن أن أقول سمعت ولم أسمع (وبصري) من
أن أقول نظرت ولم أنظر (والله ما علمت) عليها (إلاّ خيرًا.
قالت عائشة: وهي) أي زينب (التي كانت تساميني) تضاهيني
وتفاخرني بجمالها ومكانتها عند النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من أزواج النبي
(6/342)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فعصمها الله) أي حفظها (بالورع. قالت) عائشة: (وطفقت) بكسر
الفاء وجعلت (أختها حمنة تحارب لها) لأجلها فتذكر ما يقول:
أهل الإفك (فهلكت فيمن هلك).
(قال ابن شهاب) محمد بن مسلم بالسند السابق (فهذا الذي)
يعني (بلغني من حديث هؤلاء الرهط، ثم قال عروة): أي ابن
الزبير (قالت عائشة: والله إن الرجل) صفوان بن المعطل
(الذي قيل له ما قيل) من الإفك (ليقول): متعجبًا مما نسبوه
إليه (سبحان الله فوالذي نفسي بيده ما كشفت من كنف أنثى
قط) أي سترها وهو كناية عن عدم الجماع وقد روي أنه كان
حصورًا وأن معه مثل الهدبة (قالت) عائشة: (ثم قتل) أي
صفوان (بعد ذلك في سبيل الله) شهيدًا.
4142 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
أَمْلَى عَلَيَّ هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ مِنْ حِفْظِهِ
قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ:
قَالَ لِي الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ أَبَلَغَكَ
أَنَّ عَلِيًّا كَانَ فِيمَنْ قَذَفَ عَائِشَةَ، قُلْتُ:
لاَ وَلَكِنْ قَدْ أَخْبَرَنِي رَجُلاَنِ مِنْ قَوْمِكِ
أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَأَبُو بَكْرِ
بْنُ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ، أَنَّ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها- قَالَتْ لَهُمَا: كَانَ عَلِيٌّ مُسَلِّمًا فِي
شَأْنِهَا فَرَاجَعُوهُ فَلَمْ يَرْجِعْ، وَقَالَ
مُسْلِمًا: بِلاَ شَكَّ فِيهِ وَعَلَيْهِ وَكَانَ فِي
أَصْلِ العَتِيقِ كَذَلِكَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (عبد الله بن
محمد) المسندي (قال: أملى عليّ هشام بن يوسف) الصنعاني (من
حفظه قال: أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب أنه (قال: قال لي الوليد بن عبد الملك) بن
مروان الأموي: (أبلغك) بهمزة الاستفهام الاستخباري (أن
عليًّا كان فيمن قذف عائشة؟ قلت: لا) لأن عليًّا منزه عن
أن يقول مثل قول أهل الإفك (ولكن قد أخبرني) بالإفراد
(رجلان من قومك) قريش (أبو سلمة بن عبد الرحمن) بن عوف
الزهري (وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث) المخزومي (أن
عائشة -رضي الله عنها- قالت لهما): لأبي بكر وأبي سلمة
(كان عليّ مسلمًا) بكسر اللام المشدّدة من التسليم أي
ساكتًا (في شأنها) أي في شأن عائشة وللحموي مسلمًا بفتح
اللام من السلامة من الخوض فيه ولابن السكن والنسفيّ
مسيئًا ضد محسنًا أي في ترك التحزن لها، فالمراد من
الإساءة هنا مثل قوله: والنساء سواها كثير، وهو -رضي الله
عنه- منزه عن أن يقول بمقالة أهل الإفك (فراجعوه) قال في
الفتح أي هشام بن يوسف فيما أحسب، وزعم الكرماني أن
المراجعة وقعت في ذلك عند الزهري (فلم يرجع) هشام، وقال
الكرماني: فلم يرجع الزهري إلى الوليد أي لم يجب بغير ذلك
(وقال مسلمًا) بكسر اللام المشددة ولأبي ذر مسلمًا بفتحها
(بلا شك فيه) لا بلفظ مسيئًا (و) زاد لفظ (عليه) أي قال:
فلم يرجع الزهري على الوليد (وكان في أصل العتيق) مسلمًا
(كذلك) لا مسيئًا لكن رواه عبد الرزاق بلفظ مسيئًا. وقال
الأصيلي بعد أن رواه بلفظ مسلمًا كذا قرأناه ولا أعرف
غيره، ورواه ابن مردويه بلفظ أن عليًّا ساء في شأني والله
يغفر له.
4143 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
أَبُو عَوَانَةَ عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ
حَدَّثَنِي مَسْرُوقُ بْنُ الأَجْدَعِ قَالَ: حَدَّثَتْنِي
أُمُّ رُومَانَ وَهْيَ أُمُّ عَائِشَةَ -رضي الله عنهما-
قَالَتْ: بَيْنَا أَنَا قَاعِدَةٌ أَنَا وَعَائِشَةُ إِذْ
وَلَجَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَتْ: فَعَلَ
اللَّهُ بِفُلاَنٍ وَفَعَلَ بِفُلاَنٍ فَقَالَتْ: أُمُّ
رُومَانَ وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: ابْنِي فِيمَنْ حَدَّثَ
الْحَدِيثَ؟ قَالَتْ: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَتْ: كَذَا
وَكَذَا، قَالَتْ عَائِشَةُ: سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَتْ: نَعَمْ،
قَالَتْ: وَأَبُو بَكْرٍ؟ قَالَتْ: نَعَمْ فَخَرَّتْ
مَغْشِيًّا عَلَيْهَا فَمَا أَفَاقَتْ إِلاَّ وَعَلَيْهَا
حُمَّى بِنَافِضٍ فَطَرَحْتُ عَلَيْهَا ثِيَابَهَا
فَغَطَّيْتُهَا فَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَا شَأْنُ هَذِهِ»؟
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخَذَتْهَا الْحُمَّى
بِنَافِضٍ، قَالَ: «فَلَعَلَّ فِي حَدِيثٍ تُحُدِّثَ»
قَالَتْ: نَعَمْ، فَقَعَدَتْ عَائِشَةُ فَقَالَتْ:
وَاللَّهِ لَئِنْ حَلَفْتُ لاَ تُصَدِّقُونِي وَلَئِنْ
قُلْتُ لاَ تَعْذِرُونِي مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَيَعْقُوبَ
وَبَنِيهِ {وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ}
[يوسف: 18] قَالَتْ: وَانْصَرَفَ وَلَمْ يَقُلْ شَيْئًا
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عُذْرَهَا قَالَتْ: بِحَمْدِ اللَّهِ
لاَ بِحَمْدِ أَحَدٍ وَلاَ بِحَمْدِكَ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
أبو عوانة) الوضاح بن
عبد الله اليشكري (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد
المهملتين ابن عبد الرحمن الواسطي (عن أبي وائل) شقيق بن
سلمة قال: (حدثني) بالإفراد (مسروق بن الأجدع) بسكون الجيم
وفتح الدال المهملة (قال: حدثني أم رومان) قيل إن أم رومان
توفيت في زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سنة
أربع أو خمس أو ست ومسروق لم يدركها لأنه لم يقدم من اليمن
إلا بعد وفاته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
خلافة أبي بكر أو عمر، وهذا ما ذكره الواقدي وما في الصحيح
أصح قد جزم إبراهيم الحربي بأن مسروقًا سمع من أم رومان
وله خمس عشرة سنة فيكون سماعه في خلافة عمر لأن مولد مسروق
كان في سنة الهجرة وكذا قال: أبو نعيم الأصبهاني عاشت أم
رومان بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وهم
أم عائشة -رضي الله عنها- قالت: بينا) بغير ميم (أنا قاعدة
أنا وعائشة إذ ولجت امرأة من الأنصار) أي دخلت ولم تسم هذه
المرأة قال: في المقدمة وهي غير المرأة الأولى التي دخلت
وبكت مع عائشة (فقالت: فعل الله بفلان وفعل) بفلان تعني
ممن خاض في الإفك (فقالت أم رومان: وما ذاك؟ قالت: ابني
فيمن حدث الحديث).
قال الحافظ ابن حجر: والذين تكلموا في الإفك من الأنصار
ممن عرفت أسماءهم: عبد الله بن أبي، وحسان بن ثابت ولم تكن
أم واحد منهما موجودة إلا أن يكون لأحدهما أم من رضاع أو
غيره (قالت) أم رومان للمرأة الأنصارية: (وما ذاك؟ قالت:
كذا وكذا) تذكر مقالة أهل الإفك
(6/343)
(قالت عائشة: سمع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): ذلك (قالت: نعم. قالت: وأبو
بكر؟ قالت: نعم فخرّت) عائشة (مغشيًا عليها فما أفاقت) من
غشيتها (إلا وعليها حمى بنافض) أي برعدة (فطرحت) بسكون
الحاء (عليها ثيابها فغطيتها) بها (فجاء النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(ما شأن هذه؟ فقلت: يا رسول الله أخذتها الحمى بنافض قال:
فلعل) ذلك (في حديث تحدث) بضم التاء الفوقية والحاء وكسر
الدال المهملتين المشددة مبنيًا للمفعول زاد في رواية غير
أبي ذر به (قالت) أم رومان: (نعم فقعدت عائشة فقالت: والله
لئن حلفت) أني بريئة (لا تصدقوني) ولأبي ذر لا تصدقونني
بإثبات نون الوقاية (ولئن قلت لا تعذروني) بفتح الفوقية
وكسر المعجمة أي لا تقبلوا مني العذر ولأبي ذر لا تعذرونني
بنونين (مثلي ومثلكم كيعقوب) أبي يوسف الصديق (وبنيه) إذ
قال: في محنته (والله المستعان) أي أستعينه (على) احتمال
(ما تصفون) من الصبر على الرزء فيه (قالت) أم رومان:
(وانصرف) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر
فانصرف (ولم يقل) لي (شيئًا. فأنزل الله) تعالى (عذرها)
بعد ذلك بما أنزله في سورة النور (قالت) عائشة له عليه
الصلاة والسلام: (بحمد الله لا بحمد أحد ولا بحمدك) قالت:
ذلك إدلالاً وعتبًا لكونهم شكوا في حالها مع علمهم بحسن
طرائقها وجميل أحوالها.
وهذا الحديث قد سبق في باب {لقد كان في يوسف وإخوته}
[يوسف: 7] من أحاديث الأنبياء.
4144 - حَدَّثَنِي يَحْيَى حَدَّثَنَا وَكِيعٌ عَنْ
نَافِعِ بْنِ عُمَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- كَانَتْ تَقْرَأُ {إِذْ
تَلِقُونَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ} [النور: 15] وَتَقُولُ
الْوَلْقُ: الْكَذِبُ. قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ
وَكَانَتْ أَعْلَمَ مِنْ غَيْرِهَا بِذَلِكَ لأَنَّهُ
نَزَلَ فِيهَا. [الحديث 4144 - طرفه في: 4752].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (يحيى) بن جعفر بن أعين
البيكندي قال: (حدّثنا وكيع) هو ابن الجرّاح (عن نافع بن
عمر) بن عبد الله الجمحي القرشي (عن ابن أبي مليكة) عبد
الله (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (كانت تقرأ) قوله
تعالى في سورة النور إذ تلقونه {إذ تلقونه} بكسر اللام وضم
القاف المشددة {بألسنتكم} [النور: 15] (وتقول) مفسرة له:
(الولق) بفتح الواو وسكون اللام ولأبي ذر بفتحها هو (الكذب
قال ابن أبي مليكة) عبد الله بالسند السابق (وكانت) عائشة
(أعلم من غيرها بذلك) الذي قرأته بكسر اللام (لأنه نزل
فيها).
4145 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ،
حَدَّثَنَا عَبْدَةُ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
ذَهَبْتُ أَسُبُّ حَسَّانَ عِنْدَ عَائِشَةَ فَقَالَتْ:
لاَ تَسُبَّهُ فَإِنَّهُ كَانَ يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وَقَالَتْ
عَائِشَةُ: اسْتَأْذَنَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هِجَاءِ الْمُشْرِكِينَ قَالَ:
كَيْفَ بِنَسَبِي؟ قَالَ: لأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا
تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْعَجِينِ. وَقَالَ مُحَمَّدٌ
حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ فَرْقَدٍ سَمِعْتُ هِشَامًا
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَبَّيْتُ حَسَّانَ وَكَانَ مِمَّنْ
كَثَّرَ عَلَيْهَا.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني (عثمان بن أبي شيبة) هو
عثمان بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي
قال: (حدّثنا عبدة) هو عبد الرحمن بن سليمان الكلابي (عن
هشام عن أبيه) عروة بن الزبير أنه (قال: ذهبت أسبّ حسان)
بن ثابت (عند عائشة فقالت: لا تسبه فإنه كان ينافح) بالفاء
المكسورة بعدها حاء مهملة أي يخاصم (عن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقالت عائشة: استأذن) حسان
(النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في هجاء
المشركين) من قريش (قال) عليه الصلاة والسلام:
(كيف) تعمل (بنسبي) إذا هجوت قريشًا (قال) حسان: (لأسلنك
منهم كما تسل الشعرة من العجين).
(وقال محمد): ولأبو ذر والوقت وابن عساكر محمد بن عقبة أبو
جعفر الطحان الكوفي أحد مشايخ المؤلّف وللأصيلي وكريمة
حدّثنا محمد بغير نسبة قال: (حدّثنا عثمان بن فرقد) البصري
قال: (سمعت هشامًا عن أبيه) عروة بن الزبير (قال: سبيت)
بتشديد الموحدة (حسان) بن ثابت عند عائشة -رضي الله عنها-
(وكان ممن كثر) بتشديد المثلثة (عليها) في ذكر قصة الإفك
الحديث.
4146 - حَدَّثَنِي بِشْرُ بْنُ خَالِدٍ أَخْبَرَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ
عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ، قَالَ: دَخَلْنَا
عَلَى عَائِشَةَ -رضي الله عنها- وَعِنْدَهَا حَسَّانُ
بْنُ ثَابِتٍ يُنْشِدُهَا شِعْرًا يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ
لَهُ وَقَالَ:
فَحَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ
غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ
فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ: لَكِنَّكَ لَسْتَ كَذَلِكَ
قَالَ مَسْرُوقٌ: فَقُلْتُ لَهَا: لِمَ تَأْذَنِي لَهُ
أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْكِ؟ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: {وَالَّذِي
تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النور:
11] فَقَالَتْ: وَأَيُّ
عَذَابٍ أَشَدُّ مِنَ الْعَمَى؟ قَالَتْ لَهُ: إِنَّهُ
كَانَ يُنَافِحُ أَوْ يُهَاجِي عَنْ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 4146 -
طرفاه في: 4755، 4756].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (بشر بن خالد) بكسر الموحدة
وسكون المعجمة العسكري الفرائضي قال: (أخبرنا محمد بن
جعفر) الملقب بغندر (عن شعبة) بن الحجاج (عن سليمان) بن
مهران الأعمش (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح الكوفي (عن
مسروق) هو ابن الأجدع أنه (قال: دخلنا) وللأصيلي دخلت (على
عائشة -رضي الله عنها- وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعرًا
يشبب بأبيات له) بفتح المعجمة وتشديد الموحدة المكسورة
الأولى من التشبيب وهو ذكر الشاعر وما يتعلق بالغزل ونحوه
(وقال) ولابن عساكر فقال:
(حصان) بفتح المهملتين وبعد الألف نون عفيفة تمتنع من
الرجال (رزان) براء مهملة فزاي معجمة مخففة صاحبة وقار
وعقل ثابت (ما تزن) بضم الفوقية وفتح الزاي المعجمة وتشديد
النون المضمومة أي ماتتهم (بريبة)
(6/344)
بكسر الراء بتهمة (وتصبح غرثى) بفتح الغين
المعجمة وسكون الراء وفتح المثلثة أي جائعة لا تغتاب الناس
إذ لو كانت مغتابة لكانت آكلة من لحم أخيها فتكون شبعانة
أو تصبح خميصة البطن (من لحوم الغوافل) عما يرمين به من
الشر لأنهن لم يتهمن قط ولا خطر على قلوبهن فهن في غفلة
عنه، وهذا أبلغ ما يكون من الوصف بالعفاف (فقالت له عائشة:
لكنك لست كذلك) أي بل اغتبت وخضت في قول أهل الإفك.
(قال مسروق: فقلت لها لم تأذني له) بحذف نون الرفع لمجرد
التخفيف. قال ابن مالك: وهو ثابت في الكلام الفصيح نثره
ونظمه ولأبي ذر لم تأذنين له (أن يدخل عليك) أي في الدخول
عليك (وقد قال الله) عز وجل: ({والذي تولى كبره}) عظمه
({منهم}) من العصبة ({له عذاب عظيم}) [النور: 11] وقوله في
التنقيح: أنكر ذلك عليه، وإنما الذي تولى كبره عبد الله بن
أبي ابن سلول، وإنما كان حسان من الجملة تعقبه في المصابيح
بأن هذا في الحقيقة إنكار على عائشة فإنها سلمت لمسروق ما
قال: بقولها وأي عذاب أشد من العمى (فقالت) عائشة: (وأي
عذاب أشد من العمى) وكان قد عمي (قالت): ولأبي ذر فقالت
(له: إنه) أي حسان (كان ينافح) يذب (أو يهاجي) بشعره (عن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ويخاصم
عنه وسقط لفظ له لأبي ذر.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير ومسلم في الفضائل.
35 - باب غَزْوَةِ الْحُدَيْبِيَةِ وَقَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ
إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ} [الفتح: 18]
الآية
(باب غزوة الحديبية) بضم الحاء وفتح الدال المهملتين وسكون
التحتية وكسر الموحدة وتخفيف التحتية. قال ابن الأثير:
وكثير من المحدثين يشددونها. وقال أبو عبيد البكري: وأهل
العراق يثقلون، وأهل الحجاز يخففون. وقال في الفتح: وأنكر
كثير من أهل اللغة التخفيف. وقال في
القاموس: والحديبية كدويهية وقد تشدد بئر قرب مكة حرسها
الله تعالى ولأبي ذر عن الكشميهني عمرة الحديبية بدل غزوة
(وقول الله تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك
تحت الشجرة}) [الفتح: 18] (الآية) وسقط لأبي ذر تحت
الشجرة.
4147 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ
كَيْسَانَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ -رضي الله عنه- قَالَ: خَرَجْنَا
مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَصَابَنَا مَطَرٌ ذَاتَ لَيْلَةٍ
فَصَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الصُّبْحَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ:
«أَتَدْرُونَ مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ»؟ قُلْنَا اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَقَالَ: «قَالَ اللَّهُ أَصْبَحَ
مِنْ عِبَادِي مُؤْمِنٌ بِي وَكَافِرٌ بِي فَأَمَّا مَنْ
قَالَ: مُطِرْنَا بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَبِرِزْقِ اللَّهِ
وَبِفَضْلِ اللَّهِ فَهْوَ مُؤْمِنٌ بِي كَافِرٌ
بِالْكَوْكَبِ، وَأَمَّا مَنْ قَالَ: مُطِرْنَا بِنَجْمِ
كَذَا فَهْوَ مُؤْمِنٌ بِالْكَوْكَبِ كَافِرٌ بِي».
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) البجلي قال: (حدّثنا
سليمان بن بلال) أبو محمد مولى الصديق (قال: حدثني)
بالإفراد (صالح بن كيسان عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد
الله) بن عتبة بن مسعود (عن زيد بن خالد) الجهني (-رضي
الله عنه-) أنه (قال: خرجنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الحديبية) من المدينة يوم الاثنين
مستهل ذي القعدة سنة ست قاصدين العمرة (فأصابنا مطر ذات
ليلة فصلّى لنا) أي لأجلنا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصبح) ولأبي ذر عن الكشميهني صلاة
الصبح (ثم أقبل علينا بوجهه) الكريم (فقال):
(أتدرون ماذا قال ربكم)؟ عز وجل استفهام على سبيل التنبيه
(قلنا: الله ورسوله أعلم) بذلك (فقال) عليه الصلاة
والسلام: (قال): (الله) تعالى (أصبح من عبادي مؤمن بي
وكافر بي) الكفر الحقيقي وسقط قوله بي لأبي ذر (فأما من
قال: مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله فهو مؤمن بي
كافر بالكوكب) ولأبي ذر وابن عساكر: بالكواكب بالجمع (وأما
من قال: مطرنا بنجم كذا) زاد الكشميهني وكذا (فهو مؤمن
بالكوكب) ولأبي ذر وابن عساكر بالكواكب بالجمع (كافر بي)
الكفر الحقيقي لأنه قابله بالإيمان حقيقة لأنه أعتقد ما
يفضي إلى الكفر وهو اعتقاد أن الفعل للكواكب.
وسبق هذا الحديث في باب يستقبل الإمام الناس إذا سلم من
كتاب الصلاة.
4148 - حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه-
أَخْبَرَهُ قَالَ: اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَ عُمَرٍ كُلُّهُنَّ
فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلاَّ الَّتِي كَانَتْ مَعَ
حَجَّتِهِ، عُمْرَةً مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي ذِي
الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فِي ذِي
الْقَعْدَةِ، وَعُمْرَةً مِنَ الْجِعْرَانَةِ حَيْثُ
قَسَمَ غَنَائِمَ حُنَيْنٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ،
وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ.
وبه قال: (حدّثنا هدبة بن خالد) بضم الهاء وسكون الدال
المهملة بعدها موحدة ابن الأسود
القيسي البصري قال: (حدّثنا همام) بفتح الهاء والميم
المشددة ابن يحيى بن دينار العوذي البصري (عن قتادة) بن
دعامة (أن أنسًا -رضي الله عنه- أخبره قال):
(اعتمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
ولأبوي ذر والوقت النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أربع عمر كلهن في ذي القعدة إلا) العمرة (التي
كانت مع حجته) في ذي الحجة ثم بين الأربعة بقوله: (عمرة)
نصب بدل من السابق (من الحديبية في ذي القعدة وعمرة من
العام المقبل في ذي القعدة) وهي عمرة القضية (وعمرة من
الجعرانة) بسكون
(6/345)
العين (حيث قسم غنائم حنين) بالصرف (في ذي
القعدة) أيضًا (وعمرة مع حجته) في ذي الحجة.
وسبق هذا الحديث في أبواب العمرة من كتاب الحج.
4149 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ الرَّبِيعِ حَدَّثَنَا
عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ،
قَالَ: انْطَلَقْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَأَحْرَمَ
أَصْحَابُهُ وَلَمْ أُحْرِمْ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن الربيع) بفتح الراء العامري قال:
(حدّثنا علي بن المبارك) الهنائي البصري (عن يحيى) بن أبي
كثير (عن عبد الله بن أبي قتادة أن أباه) أبا قتادة الحارث
بن ربعي الأنصاري الخزرجي (حدثه قال: انطلقنا مع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الحديبية فأحرم
أصحابه ولم أحرم) أنا.
كذا ساقه هنا مختصرًا وبتمامه في الحج.
4150 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ
إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي
الله عنه- قَالَ: تَعُدُّونَ أَنْتُمُ الْفَتْحَ فَتْحَ
مَكَّةَ وَقَدْ كَانَ فَتْحُ مَكَّةَ فَتْحًا وَنَحْنُ
نَعُدُّ الْفَتْحَ بَيْعَةَ الرُّضْوَانِ يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ، كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِائَةً
وَالْحُدَيْبِيَةُ بِئْرٌ فَنَزَحْنَاهَا فَلَمْ نَتْرُكْ
فِيهَا قَطْرَةً فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَاهَا فَجَلَسَ عَلَى
شَفِيرِهَا ثُمَّ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَتَوَضَّأَ
ثُمَّ مَضْمَضَ وَدَعَا ثُمَّ صَبَّهُ فِيهَا
فَتَرَكْنَاهَا غَيْرَ بَعِيدٍ ثُمَّ إِنَّهَا
أَصْدَرَتْنَا مَا شِئْنَا نَحْنُ وَرِكَابَنَا.
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله بن موسى) بضم العين العبسي (عن
إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله
السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال:
تعدون أنتم الفتح) في قوله تعالى: {إنّا فتحنا لك فتحًا
مبينًا} [الفتح: 1] (فتح مكة وقد كان فتح مكة فتحًا ونحن
نعد الفتح) العظيم (بيعة الرضوان يوم الحديبية) لأنها كانت
مبدأ الفتح العظيم المبين لما ترتب على الصلح الذي وقع من
الأمن ورفع الحرب وتمكن من كان يخشى الدخول في الإسلام
والوصول إلى المدينة كما وقع لخالد بن الوليد وعمرو بن
العاص وغيرهما، وتتابعت الأسباب إلى أن كمل الفتح (كنا مع
النبي) ولأبي ذر مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (أربع عشرة مائة) بسكون الشين المعجمة لم يقل
ألفًا وأربعمائة إشعارًا بأنهم كانوا منقسمين إلى المائة
وكانت كل مائة ممتازة عن الأخرى (والحديبية بئر) على مرحلة
من مكة (فنزحناها فلم نترك فيها قطرة) من ماء (فبلغ ذلك
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأتاها فجلس
على شفيرها) أي حرفها (ثم دعا بإناء من ماء فتوضأ ثم مضمض
ودعا) الله تعالى سرًّا (ثم صبه
فيها) أي صب الماء الذي توضأ ومضمض به في البئر (فتركناها
غير بعيد) في رواية زهير فدعا ثم قال دعوها غير ساعة (ثم
إنها أصدرتنا) أي أرجعتنا وقد روينا (ما شئنا) أي القدر
الذي أردنا شربه (نحن وركابنا) إبلنا التي نسير عليها.
4151 - حَدَّثَنِي فَضْلُ بْنُ يَعْقُوبَ حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَعْيَنَ أَبُو عَلِيٍّ
الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ قَالَ: أَنْبَأَنَا الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ
-رضي الله عنهما- أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ
فَنَزَلُوا عَلَى بِئْرٍ فَنَزَحُوهَا فَأَتَوْا
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَتَى
الْبِئْرَ وَقَعَدَ عَلَى شَفِيرِهَا ثُمَّ قَالَ:
«ائْتُونِي بِدَلْوٍ مِنْ مَائِهَا» فَأُتِيَ بِهِ
فَبَصَقَ فَدَعَا ثُمَّ قَالَ: «دَعُوهَا سَاعَةً»
فَأَرْوَوْا أَنْفُسَهُمْ وَرِكَابَهُمْ حَتَّى
ارْتَحَلُوا.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (فضل بن يعقوب) بالضاد المعجمة
الرخامي بضم الراء وفتح الخاء المعجمة البغدادي قال:
(حدّثنا الحسن بن محمد بن أعين) بفتح الهمزة والتحتية
بينهما عين مهملة ساكنة آخره نون (أبو علي الحراني) بفتح
الحاء والراء المشددة المهملتين وبعد الألف نون فياء نسبة
قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: (حدّثنا أبو إسحاق)
عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: أنبأنا البراء بن عازب
-رضي الله عنهما- أنهم كانوا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية ألفًا) ولابن عساكر ألف
(وأربعمائة أو أكثر). وعند ابن أبي شيبة من حديث مجمع ابن
حارثة كانوا ألفًا وخمسمائة وجمع بينهما بأنهم كانوا أكثر
من ألف وأربعمائة فمن قال: ألفًا وخمسمائة جبر الكسر، ومن
قال: ألفًا وأربعمائة ألغاه، وأما قول عبد الله بن أبي
أوفى ألفًا وثلاثماثة فيحمل على ما اطلع هو عليه واطلع
غيره على زيادة لم يطلع هو عليها والزيادة من الثقة مقبولة
أو العدد الذي ذكره جملة من ابتدأ الخروج من المدينة
والزائد تلاحقوا بهم بعد ذلك (فنزلوا على بئر فنزحوها
فأتوا النبي) كذا في الفرع وفي اليونينية رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فأخبروه بذلك (فأتى
البئر وقعد على شفيرها) على حرفها (ثم قال):
(ائتوني بدلو) فيه ماء (من مائها فأتي به فبصق) بالصاد
ولأبي ذر فبسق بالسين فيه (فدعا ثم قال) عليه الصلاة
والسلام لهم: (دعوها ساعة فأرووا أنفسهم وركابهم) أي إبلهم
التي يسيرون عليها (حتى ارتحلوا).
4152 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عِيسَى حَدَّثَنَا ابْنُ
فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا حُصَيْنٌ عَنْ سَالِمٍ عَنْ جَابِرٍ
-رضي الله عنه-، قَالَ: عَطِشَ النَّاسُ يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ فَتَوَضَّأَ
مِنْهَا ثُمَّ أَقْبَلَ النَّاسُ نَحْوَهُ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا
لَكُمْ»؟ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ عِنْدَنَا
مَا نَتَوَضَّأُ بِهِ وَلاَ نَشْرَبُ إِلاَّ مَا فِي
رَكْوَتِكَ فَوَضَعَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَدَهُ فِي الرَّكْوَةِ فَجَعَلَ الْمَاءُ
يَفُورُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ كَأَمْثَالِ الْعُيُونِ
قَالَ: فَشَرِبْنَا وَتَوَضَّأْنَا فَقُلْتُ لِجَابِرٍ:
كَمْ كُنْتُمْ يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: لَوْ كُنَّا مِائَةَ
أَلْفٍ لَكَفَانَا كُنَّا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً.
وبه قال: (حدّثنا يوسف بن عيسى) أبو يعقوب المروزي قال:
(حدّثنا ابن فضيل) بضم الفاء مصغرًا محمد قال: (حدّثنا
حصين) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن عبد الرحمن (عن
سالم) هو ابن أبي الجعد (عن جابر -رضي الله عنه-) أنه
(قال: عطش الناس يوم الحديبية ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بين يديه ركوة فتوضأ منها ثم أقبل
الناس نحوه فقال) ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر قال: (رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ما لكم؟ قالوا: يا رسول الله ليس عندنا ما نتوضأ به ولا
نشرب إلا ما في ركوتك، فوضع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(6/346)
يده في الركوة فجعل الماء يفور) ولأبي ذر
عن الكشميهني يثور بالمثلثة بدل الفاء (من بين أصابعه) أي
من اللحم الكائن بين أصابعه (كأمثال العيون قال) جابر:
(فشربنا وتوضأنا) قال سالم بن أبي الجعد: (قلت لجابر كم
كنتم يومئذٍ؟ قال: لو كنا مائة ألف لكفانا كنا خمس عشرة
مائة).
4153 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا
يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ قَتَادَةَ قُلْتُ
لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: بَلَغَنِي أَنَّ جَابِرَ
بْنَ عَبْدِ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ: كَانُوا أَرْبَعَ
عَشْرَةَ مِائَةً فَقَالَ لِي سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي جَابِرٌ
كَانُوا خَمْسَ عَشْرَةَ مِائَةً الَّذِينَ بَايَعُوا
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا قُرَّةُ
عَنْ قَتَادَةَ. تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (الصلت بن
محمد) الخاركي قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بضم الزاي
مصغرًا (عن سعيد) بكسر العين ابن أبي عروبة (عن قتادة) بن
دعامة أنه قال: (قلت لسعيد بن المسيب: بلغني أن جابر بن
عبد الله) الأنصاري (كان يقول: كانوا أربع عشرة مائة. فقال
لي سعيد: حدثني جابر كانوا خمس عشرة مائة الذين بايعوا
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية)
وسقط قوله مائة لأبوي ذر والوقت وابن عساكر.
(قال): ولأبوي الوقت وذر وابن عساكر تابعه أي تابع الصلت
بن محمد (أبو داود) سليمان الطيالسي فيما وصله الإسماعيلي
(حدّثنا قرّة) بن خالد (عن قتادة. تابعه محمد بن بشار،
حدّثنا أبو داود، حدّثنا شعبة).
4154 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ
عَمْرٌو: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله
عنهما- قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ:
«أَنْتُمْ خَيْرُ أَهْلِ الأَرْضِ» وَكُنَّا أَلْفًا
وَأَرْبَعَمِائَةٍ وَلَوْ كُنْتُ أُبْصِرُ الْيَوْمَ
لأَرَيْتُكُمْ مَكَانَ الشَّجَرَةِ. تَابَعَهُ الأَعْمَشُ
سَمِعَ سَالِمًا سَمِعَ جَابِرًا أَلْفًا
وَأَرْبَعَمِائَةٍ.
(حدّثنا علي) هو ابن عبد الله المديني قال: (حدّثنا سفيان)
بن عيينة (قال: عمرو) بفتح العين ابن دينار (سمعت) ولأبي
ذر حدّثنا عمرو قال: سمعت (جابر بن عبد الله -رضي الله
عنهما- قال: قال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يوم الحديبية):
(أنتم خير أهل الأرض) فيه أفضلية أصحاب الشجرة على غيرهم
من الصحابة وعثمان -رضي الله عنه- منهم وإن كان حينئذٍ
غائبًا بمكة لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بايع عنه فاستوى معهم فلا حجة في الحديث للشيعة في تفضيل
عليّ على عثمان. قال جابر: (وكنا ألفًا وأربعمائة ولو كنت
أبصر اليوم) يعني لأنه كان عمي في آخر عمره (لأريتكم مكان
الشجرة) التي وقعت بيعة الرضوان تحتها (تابعه) أي تابع
سفيان بن عيينة (الأعمش) سليمان (سمع سالمًا سمع جابرًا
ألفًا وأربعمائة) وهذه المتابعة وصلها المؤلّف في آخر كتاب
الأشربة بأطول مما هنا.
4155 - وَقَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا
أَبِي حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ
حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي أَوْفَى -رضي الله
عنهما- كَانَ أَصْحَابُ الشَّجَرَةِ أَلْفًا
وَثَلاَثَمِائَةٍ وَكَانَتْ أَسْلَمُ ثُمْنَ
الْمُهَاجِرِينَ. تَابَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ
حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ.
(وقال عبيد الله) بضم العين مصغرًا (ابن معاذ حدّثنا أبي)
معاذ بن معاذ بن نصر التميمي العنبري قاضي البصرة فيما
وصله أبو نعيم في مستخرجه على مسلم قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن عمرو بن مرّة) بضم الميم وتشديد الراء أنه قال:
(حدثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي أوفى) علقمة الأسلمي
(-رضي الله عنهما-) زاد الأصيلي قال: (كان أصحاب الشجرة
ألفًا وثلاثمائة) هذا ما اطلع عليه ابن أبي أوفى فلا تنافي
بينه وبين ما رواه غيره فكل أخبر بما رأى والعدد لا ينفي
الزائد، وقول ابن دحية الاختلاف في عددهم دال على أنه قيل
بالتخمين متعقب بإمكان الجمع كما مرّ، وقال البيهقي: إن
رواية من قال: ألفًا وأربعمائة أصح وأغرب ابن إسحاق فقال:
إنهم كانوا سبعمائة وقاله استنباطًا من قول جابر نحرنا
البدنة عن عشرة وكانوا نحروا سبعين بدنة، ولا دلالة فيه
لما قاله فإنه لا يدل على أنهم لم ينحروا غير البدن مع أن
بعضهم لم يكن أحرم أصلاً (وكانت أسلم) القبيلة المشهورة
(ثمن المهاجرين) وجزم الواقدي بأن أسلم كانت في غزوة
الحديبية مائة وحينئذٍ فالمهاجرون كانوا ثمانمائة (تابعه)
أي تابع عبيد الله بن معاذ (محمد بن بشار) الملقب ببندار
فيما وصله الإسماعيلي عن أبي عبد الكريم عن بندار قال:
(حدّثنا أبو داود) سليمان الطيالسي قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج.
4156 - حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
عِيسَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسٍ، أَنَّهُ سَمِعَ
مِرْدَاسًا الأَسْلَمِيَّ يَقُولُ: وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ
الشَّجَرَةِ يُقْبَضُ الصَّالِحُونَ الأَوَّلُ فَالأَوَّلُ
وَتَبْقَى حُفَالَةٌ كَحُفَالَةِ التَّمْرِ وَالشَّعِيرِ
لاَ يَعْبَأُ اللَّهُ بِهِمْ شَيْئًا.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (إبراهيم بن
موسى) الفرّاء الصغير قال: (أخبرنا عيسى) بن يونس (عن
إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن أبي حازم (أنه سمع
مرداسًا) بكسر الميم ابن مالك (الأسلمي) الكوفي (يقول:
وكان) مرداس (من أصحاب الشجرة) الذين بايعوا النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيعة الرضوان تحتها (يقبض
الصالحون الأوّل فالأول) قال في الكواكب: أي
الأصلح فالأصلح، وقال في العمدة: الأوّل رفع محذوف أي يذهب
الأول وقوله فالأوّل عطف عليه اهـ.
وقول البرماوي كالزركشي: يجوز رفعه على الصفة، تعقبه في
المصابيح بأن عطف الصفات المفرّقة مع اجتماع منعوتها من
خصائص الواو والعاطف هنا الفاء لا الواو
(6/347)
ثم قال الزركشي أيضًا: ويجوز نصبه على
الحال أي مترتبين وجاز وإن كان فيه الألف واللام لأن الحال
ما يتخلص من المكرر فإن التقدير ذهبوا مترتبين قاله أبو
البقاء، وهل الحال الأول أو الثاني أو المعنى المجموع
منهما. خلاف كالخلاف في هذا حلو حامض لأن الحال أصلها
الخبر. قال البدر الدماميني: نقل قول بأن الخبر في نحو هذا
حلو حامض هو الثاني الأول غريب ولم أقف عليه فحرره.
(وتبقى) بعد ذهاب الصالحين (حفالة كحفالة التمر والشعير)
بضم الحاء المهملة وفتح الفاء فيهما أي رذالة من الناس
كرديء التمر والشعير وهو مثل الحثالة بالمثلثة والفاء قد
تقع موقع الثاء نحو فوم وثوم (لا يعبأ الله بهم شيء) أي
ليست لهم عنده تعالى منزلة.
وهذا الحديث من أفراده عن الأئمة الخمسة وليس للأسلمي في
البخاري غيره وقد أورده أيضًا في الرقاق مرفوعًا.
4157 و 4158 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ،
عَنْ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ قَالاَ:
خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ
أَصْحَابِهِ فَلَمَّا كَانَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ
الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا لاَ أُحْصِي
كَمْ سَمِعْتُهُ مِنْ سُفْيَانَ، حَتَّى سَمِعْتُهُ
يَقُولُ: لاَ أَحْفَظُ مِنَ الزُّهْرِيِّ الإِشْعَارَ
وَالتَّقْلِيدَ، فَلاَ أَدْرِي يَعْنِي مَوْضِعَ
الإِشْعَارِ وَالتَّقْلِيدِ أَوِ الْحَدِيثَ كُلَّهُ.
وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عروة) بن
الزبير (عن مروان) بن الحكم (والمسور بن مخرمة) أنهما
(قالا: خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام
الحديببة في بضع عشرة مائة من أصحابه) والبضع بكسر الموحدة
وسكون المعجمة ما بين ثلاث إلى تسع على المشهور وقيل إلى
عشر وقيل من اثنين إلى عشرة وقيل من واحد إلى أربعة (فلما
كان بذي الحليفة) ميقات أهل المدينة (قلد الهدي) بأن علق
في عنقه شيئًا ليعلم أنه هدي (وأشعره) بأن ضرب صفحة السنام
اليمنى بحديدة فلطخها بدمها إشعارًا بأنها هدي أيضًا
(وأحرم منها) بالعمرة قال علي بن المديني (لا أحصي كم
سمعته) أي الحديث (من سفيان) بن عيينة (حتى سمعته يقول: لا
أحفظ من الزهري) محمد بن مسلم (الأشعار والتقليد فلا أدري
يعني موضع الأشعار والتقليد أو الحديث كله).
4159 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ خَلَفٍ حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ بْنُ يُوسُفَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ وَرْقَاءَ عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: حَدَّثَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ
عُجْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-
رَآهُ وَقَمْلُهُ يَسْقُطُ عَلَى وَجْهِهِ فَقَالَ:
«أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّكَ»؟ قَالَ: نَعَمْ. فَأَمَرَهُ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ
يَحْلِقَ وَهْوَ بِالْحُدَيْبِيَةِ ولَمْ يُبَيِّنْ لَهُمْ
أَنَّهُمْ يَحِلُّونَ بِهَا وَهُمْ عَلَى طَمَعٍ أَنْ
يَدْخُلُوا مَكَّةَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ الْفِدْيَةَ،
فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ يُطْعِمَ فَرَقًا بَيْنَ سِتَّةِ
مَسَاكِينَ أَوْ يُهْدِيَ شَاةً أَوْ يَصُومَ ثَلاَثَةَ
أَيَّامٍ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني (الحسن بن خلف) أبو علي
الواسطي قال: (حدّثنا إسحاق بن يوسف) الأزرق الواسطي (عن
أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة (وزقاء) بفتح الواو
وسكون الراء وفتح القاف ممدودًا ابن عمر بن كليب اليشكري
(عن ابن أبي نجيح) بفتح النون وكسر الجيم وبعد الياء
الساكنة مهملة يسار ضد اليمين (عن مجاهد) هو ابن جبر أنه
(قال: حدثني) بالإفراد (عبد الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن
عجرة) بضم العين المهملة وسكون الجيم بعدها راء -رضي الله
عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
رآه وقمله يسقط على وجهه فقال):
(أيؤذيك هوامك) بتشديد الميم جمع هامة بتشديدها وهي الدابة
والمراد بها القمل والهمزة للاستفهام (قال: نعم) يؤذيني
(فأمره رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن
يحلق) رأسه (وهو بالحديبية ولم يبين) بكسر التحتية
المشدّدة ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر لم يتبين (لهم) لم
يظهر لهم في ذلك الوقت (أنهم يحلون) من عمرتهم (بها)
بالحديبية (وهم) أي الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ومن معه (على طمع أن يدخلوا مكة) للعمرة (فأنزل
الله) تعالى (الفدية) المتعلقة بالحلق للأذى في قوله: {فمن
كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه} [البقرة: 196] الآية
(فأمره) أي كعبًا (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن يطعم فرقًا) بفتح الفاء والراء وتسكن ستة
عشر رطلاً (بين ستة مساكين أو يهدي شاة أو يصوم ثلاثة
أيام) بنصب يهدي ويصوم عطفًا على أن يطعم.
وهذا الحديث قد سبق في باب النسك بشاة.
4160 و 4161 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: خَرَجْتُ مَعَ عُمَرَ بْنِ
الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- إِلَى السُّوقِ فَلَحِقَتْ
عُمَرَ امْرَأَةٌ شَابَّةٌ فَقَالَتْ: يَا أَمِيرَ
الْمُؤْمِنِينَ هَلَكَ زَوْجِي وَتَرَكَ صِبْيَةً صِغَارًا
وَاللَّهِ مَا يُنْضِجُونَ كُرَاعًا، وَلاَ لَهُمْ زَرْعٌ
وَلاَ ضَرْعٌ، وَخَشِيتُ أَنْ تَأْكُلَهُمُ الضَّبُعُ،
وَأَنَا بِنْتُ خُفَافِ بْنِ إِيمَاءَ الْغِفَارِيِّ
وَقَدْ شَهِدَ أَبِي الْحُدَيْبِيَةَ مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَوَقَفَ مَعَهَا
عُمَرُ وَلَمْ يَمْضِ، ثُمَّ قَالَ: مَرْحَبًا بِنَسَبٍ
قَرِيبٍ، ثُمَّ انْصَرَفَ إِلَى بَعِيرٍ ظَهِيرٍ كَانَ
مَرْبُوطًا فِي الدَّارِ فَحَمَلَ عَلَيْهِ غِرَارَتَيْنِ
مَلأَهُمَا طَعَامًا وَحَمَلَ بَيْنَهُمَا نَفَقَةً
وَثِيَابًا، ثُمَّ نَاوَلَهَا بِخِطَامِهِ. ثُمَّ قَالَ:
اقْتَادِيهِ فَلَنْ يَفْنَى حَتَّى يَأْتِيَكُمُ اللَّهُ
بِخَيْرٍ، فَقَالَ رَجُلٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ
أَكْثَرْتَ لَهَا، قَالَ عُمَرُ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ
وَاللَّهِ إِنِّي لأَرَى أَبَا هَذِهِ وَأَخَاهَا قَدْ
حَاصَرَا حِصْنًا زَمَانًا فَافْتَتَحَاهُ ثُمَّ
أَصْبَحْنَا نَسْتَفِيءُ سُهْمَانَهُمَا فِيهِ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي (قال:
حدثني) بالإفراد (مالك) الإمام
(عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب أنه
(قال: خرجت مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إلى السوق
فلحقت) بكسر الحاء وسكون التاء (عمر امرأة شابة) لم تسم
(فقالت) له: (يا أمير المؤمنين هلك زوجي) مات (وترك صبية
صغارًا) بكسر الصاد وسكون الموحدة ولم تسم الصبية ولا
أبوهم (والله ما ينضجون) بضم التحتية وكسر الضاد المعجمة
وضم الجيم (كراعًا) بضم الكاف أي لا كراع لهم حتى ينضجوه
وهو ما دون الكعب من الشاة (ولا لهم زرع) أي نبات (ولا
ضرع)
(6/348)
يحلبونه (وخشيت أن تأكلهم الضبع) بضم
الموحدة أي تهلكهم السنة المجدبة الشديدة (وأنا بنت خفاف
بن إيماء) بضم الخاء المعجمة وفاءين مخففتين بينهما ألف
وإيماء بكسر الهمزة وفتحها وسكون التحتية ممدودًا
(الغفاري) بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء له ولأبيه وجده
صحبة كما حكاه ابن عبد البر (وقد شهد أبي الحديبية مع رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر مع
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فوقف معها عمر
ولم يمض ثم قال) لها: (مرحبًا بنسب قريب) من قريش لأن
كنانة تجمعهم وغفار (ثم انصرف) عمر -رضي الله عنه- (إلى
بعير ظهير) بفتح الظاء قوي الظهر معدّ للحاجة وفي رواية
ظهري بكسر الظاء وسكون الهاء آخره ياء (كان مربوطًا في
الدار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعامًا وحمل بينهما نفقة
وثيابًا ثم ناولها بخطامه) أي ناول المرأة الذي يقاد به
البعير (ثم قال) لها: (اقتاديه) بالقاف أي قوديه (فلن يفنى
حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل): لم يعرف ابن حجر اسمه
(يا أمير المؤمنين أكثرت لها) من العطاء (قال) ولأبي ذر
فقال: (عمر: ثكلتك) بالمثلثة المفتوحة والكاف المكسورة أي
فقدتك (أمك) وهي كلمة تقولها العرب ولا يريدون حقيقتها
(والله إني لأرى) بفتح همز لأرى (أبا هذه وأخاها) لم يسم
(قد حاصرًا حصنًا) من الحصون (زمانًا فافتتحاه) يحتمل أن
يكون بخيبر لأنها كانت بعد الحديبية وحوصرت حصونها (ثم
أصبحنا نستفيء) بفتح النون وسكون المهملة وفتح الفوتية
وكسر الفاء بعدها همزة أي نطلب (سهمانهما فيه) بضم السين
أي أنصباءنا من الغنيمة، ولأبي ذر عن الحموي نستقي بالقاف
بغير همز.
4162 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا
شَبَابَةُ بْنُ سَوَّارٍ أَبُو عَمْرٍو الْفَزَارِيُّ
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقَدْ رَأَيْتُ
الشَّجَرَةَ ثُمَّ أَتَيْتُهَا بَعْدُ فَلَمْ أَعْرِفْهَا
قَالَ مَحْمُودٌ: ثُمَّ أُنْسِيتُهَا بَعْدُ.
وبه قال: (حدّثنا) بالإفراد (محمد بن رافع) النيسابوري
القشيري (حدّثنا) كذا في اليونينية وغيرها والذي في الفرع
قال: (شبابة) بشين معجمة وموحدة مخففة مفتوحتين وبعد الألف
موحدة أخرى مفتوحة (ابن سوّار) بفتح السين المهملة والواو
المشددة (أبو عمرو) بفتح العين (الفزاري) بفتح الفاء
والزاي قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن قتادة) بن دعامة
السدوسي الأعمى الحافظ المفسر (عن سعيد بن المسيب عن أبيه)
المسيب بن حزن بن أبي وهب المخزومي أنه (قال: لقد رأيت
الشجرة) التي كانت بيعة الرضوان تحتها (ثم أتيتها بعد) بضم
الدال أي بعد ذلك (فلم أعرفها) ولأبي ذر عن الكشميهني
أنسيتها (قال محمود): أي ابن غيلان وللأصيلي قال أبو عبد
الله
أي البخاري قال محمود (ثم أنسيتها بعد) وهذا ساقط لأبي ذر.
4163 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنْ طَارِقِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
قَالَ: انْطَلَقْتُ حَاجًّا فَمَرَرْتُ بِقَوْمٍ
يُصَلُّونَ، قُلْتُ: مَا هَذَا الْمَسْجِدُ؟ قَالُوا:
هَذِهِ الشَّجَرَةُ حَيْثُ بَايَعَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْعَةَ
الرُّضْوَانِ، فَأَتَيْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيَّبِ
فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ سَعِيدٌ: حَدَّثَنِي أَبِي أَنَّهُ
كَانَ فِيمَنْ بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَلَمَّا
خَرَجْنَا مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ نَسِينَاهَا فَلَمْ
نَقْدِرْ عَلَيْهَا فَقَالَ سَعِيدٌ: إِنَّ أَصْحَابَ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ
يَعْلَمُوهَا وَعَلِمْتُمُوهَا أَنْتُمْ فَأَنْتُمْ
أَعْلَمُ.
وبه قال: (حدّثنا محمود) أي ابن غيلان أبو أحمد المروزي
قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين ابن موسى العبسي وهو
أيضًا شيخ المؤلّف (عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق
السبيعي (عن طارق بن عبد الرحمن) البجلي الكوفي أنه (قال:
انطلقت حاجًا فمررت بقوم يصلون) قال ابن حجر: لم أقف على
اسم أحد منهم وزاد الإسماعيلي في مسجد الشجرة (قلت) لهم:
(ما هذا المسجد؟ قالوا: هذه الشجرة حيث بايع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيعة الرضوان) وقد
كانوا جعلوا تحتها مسجدًا يصلون فيه (فأتين سعيد بن المسيب
فأخبرته) بذلك (فقال سعيد: حدثني) بالإفراد (أبي) المسيب
(أنه كان فيمن بايع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- تحت الشجرة قال): أي المسيب (فلما خرجنا من
العام المقبل نسيناها) أي نسينا موضعها ولأبي ذر عن
المستملي والكشميهني أنسيناها (فلم نقدر عليها فقال سعيد)
أي ابن المسيب منكرًا (إن أصحاب محمد -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يعلموها وعلمتموها أنتم فأنتم
أعلم) منهم قاله متهكمًا.
4164 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ
حَدَّثَنَا طَارِقٌ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ
أَبِيهِ أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ بَايَعَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ
فَرَجَعْنَا إِلَيْهَا الْعَامَ الْمُقْبِلَ فَعَمِيَتْ
عَلَيْنَا.
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا
أبو عوانة) الوضاح اليشكري قال: (حدّثنا طارق) هو ابن عبد
الرحمن البجلي (عن سعيد بن المسيب عن أبيه أنه كان فيمن
بايع) من الصحابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (تحت الشجرة) قال: (فرجعنا إليها العام المقبل
فعميت) بفتح العين المهملة وكسر الميم أي اشتبهت (علينا)
قيل لئلا يفتتن الناس بها لما وقع تحتها من الخير ونزول
الرضوان فلو بقيت
(6/349)
ظاهرة لخيف تعظيم الجهال لها وعبادتهم لها
قال النووي: وفي رواية سعيد عن أبيه هذا الحديث رد على
الحاكم حيث قال: إن شرط البخاري أن يروي عن راو له راويان
فإنه لم يرو عن المسيب إلا ابنه سعيد ولعله أراد من غير
الصحابة.
4165 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
طَارِقٍ قَالَ: ذُكِرَتْ عِنْدَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ
الشَّجَرَةُ فَضَحِكَ فَقَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي وَكَانَ
شَهِدَهَا.
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف وكسر الموحدة ابن عقبة
قال: (حدّثنا سفيان) الثوري
(عن طارق) هو ابن عبد الرحمن أنه (قال: ذكرت) بضم المعجمة
وسكون الفوقية مبنيًّا للمفعول (عند سعيد بن المسيب
الشجرة) التي بويع تحتها (فضحك فقال: أخبرني) بالإفراد
(أبي) المسيب بن حزن (وكان شهدها) زاد الإسماعيلي من طريق
أبي زرعة عن قبيصة أنهم أتوها من العام المقبل فأنسوها
اهـ.
قال في الفتح: وإنكار سعيد بن المسيب على من زعم أنه عرفها
معتمدًا على قول أبيه أنهم لم يعرفوها في العام المقبل لا
يدل على نفي معرفتها أصلاً، فقد وقع عند المصنف في حديث
جابر السابق قريبًا قوله: لو كنت أبصر اليوم لأريتكم مكان
الشجرة فهذا يدل على أنه كان يضبط مكانها بعينه، وإذا كان
في آخر عمره بعد الزمان الطويل يضبط موضعها ففيه دلالة على
أنه كان يعرفها بعينها. قال: ثم وجدت عند ابن سعد بإسناد
صحيح عن نافع أن عمر بلغه أن قومًا يأتون الشجرة فيصلون
عندها فتوعدهم ثم أمر بقطعها فقطعت اهـ.
وقال في شفاء الغرام: ويقال: إن موضع الحديبية هو الذي فيه
البئر المعروفة ببئر شمس بطريق حدة، والشجرة والحديبية لا
يعرفان الآن وليست بالموضع الذي يقال له الحدية في طريقة
حدة لقرب هذا الموضع من جدّة وبعده من مكة والحديبية دونه
بكثير إلى مكة وهل الحديبية في الحرم كما قال مالك، أو في
طرف الحل كما قال الماوردي، أو بعضها في الحل وبعضها في
الحرم كما قال الشافعي.
4166 - حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إِيَاسٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ قَالَ: سَمِعْتُ
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ
الشَّجَرَةِ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا أَتَاهُ قَوْمٌ بِصَدَقَةٍ،
قَالَ: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِمْ، فَأَتَاهُ أَبِي
بِصَدَقَتِهِ فَقَالَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى آلِ أَبِي
أَوْفَى».
وبه قال: (حدّثنا آدم بن أبي إياس) بكسر الهمزة وتخفيف
الياء قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو بن مرة) بفتح
العين أنه (قال: سمعت عبد الله بن أبي أوفى) علقمة بن خالد
الأسلمي (وكان من أصحاب الشجرة) الذين بايعوه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحتها (قال: كان النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا أتاه قوم بصدقة
قال):
(اللهم صل عليهم) ترحم عليهم واغفر لهم وكان يفعله
امتثالاً لقوله تعالى: {وصل عليهم} [التوبة: 103] ولا يحسن
هذا لغيره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأتاه
أبي) علقمة (بصدقته) أي بزكاته (فقال) عليه السلام: (اللهم
صل على آل أبي أوفى).
وهذا الحديث قد مرّ في الزكاة والغرض منه هنا قوله وكان من
أصحاب الشجرة.
4167 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ أَخِيهِ عَنْ
سُلَيْمَانَ عَنْ عَمْرِو بْنِ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ بْنِ
تَمِيمٍ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ الْحَرَّةِ وَالنَّاسُ
يُبَايِعُونَ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَنْظَلَةَ فَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ: عَلَى مَا يُبَايِعُ ابْنُ
حَنْظَلَةَ النَّاسَ؟ قِيلَ لَهُ: عَلَى الْمَوْتِ، قَالَ:
لاَ أُبَايِعُ عَلَى ذَلِكَ أَحَدًا بَعْدَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ
شَهِدَ مَعَهُ الْحُدَيْبِيَةَ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (عن أخيه) عبد
الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن عمرو بن يحيى) المازني (عن
عباد بن تميم) بفتح العين والموحدة المشددة ابن زيد بن
عاصم المازني أنه (قال: ما كان يوم) وقعة (الحرة) بفتح
الحاء المهملة والراء المشددة خارج المدينة التي وقعت بين
عسكر يزيد وأهل المدينة في سنة ثلاث وستين بسبب خلع أهل
المدينة يزيد بن معاوية، وأباح مسلم بن عقبة أمير جيش يزيد
المدينة ثلاثة أيام يقتلون ويأخذون الناس، ووقعوا على
النساء حتى قيل إنه حملت ألف امرأة في تلك الأيام من غير
زوج (والناس يبايعون لعبد الله بن حنظلة) بفتح الحاء
المهملة والظاء المعجمة بينهما نون ساكنة ابن الغسيل على
الطاعة له وخلع يزيد بن معاوية (فقال ابن زيد): هو عبد
الله بن زيد بن عاصم عم عباد بن تميم الأنصاري المازني
(على ما يبايع ابن حنظلة الناس؟ قيل له): يبايع الناس (على
الموت. قال: لا أبايع على ذلك أحدًا بعد رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فيه إشعار بأنه بايع رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الموت
(وكان) ابن زيد (شهد معه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (الحديبية) وقتل عبد الله بن حنظلة وأولاده
وزيد يوم الحرة في سبعمائة من وجوه الناس من المهاجرين
والأنصار وغيرهم.
وهذا الحديث قد سبق في الجهاد في باب البيعة في الحرب.
4168 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَعْلَى الْمُحَارِبِيُّ
حَدَّثَنا أَبِي حَدَّثَنَا إِيَاسُ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ
الأَكْوَعِ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، قَالَ: كُنَّا نُصَلِّي مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الْجُمُعَةَ ثُمَّ نَنْصَرِفُ وَلَيْسَ لِلْحِيطَانِ ظِلٌّ
نَسْتَظِلُّ فِيهِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن يعلى المحاربي قال: (حدثني)
بالإفراد (أبي) يعلى قال: (حدّثنا إياس بن سلمة) بكسر
الهمزة وتخفيف التحتية وسلمة بفتح
(6/350)
اللام (ابن الأكوع) قال: (حدثني) بالإفراد
(أبي) سلمة (قال: وكان من أصحاب الشجرة قال: كنا نصلي مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الجمعة ثم
ننصرف وليس للحيطان ظل نستظل فيه) ولأبي ذر عن الكشميهني:
به، وهذا يتمسك به من ذهب إلى أن صلاة الجمعة تجزئ قبل
الزوال لأن الشمس إذا زالت ظهرت الظلال، ومبحث ذلك سبق في
كتاب الجمعة من الصلاة، والغرض هنا قوله وكان من أصحاب
الشجرة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الصلاة وكذا أبو داود والنسائي
وابن ماجه.
4169 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: قُلْتُ
لِسَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ عَلَى أَيِّ شَىْءٍ
بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ؟ قَالَ: عَلَى
الْمَوْتِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي مولاهم البلخي
قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة
ابن إسماعيل الكوفي (عن يزيد بن أبي عبيد) مولى سلمة بن
الأكوع أنه (قال: قلت لسلمة بن الأكوع على أي شيء بايعتم
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم
الحديبية؟ قال): بايعناه (على الموت) أي لازم الموت هو عدم
الفرار.
4170 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِشْكَابٍ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنِ الْعَلاَءِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: لَقِيتُ الْبَرَاءَ
بْنَ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- فَقُلْتُ، طُوبَى لَكَ
صَحِبْتَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَبَايَعْتَهُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، فَقَالَ: يَا ابْنَ
أَخِي إِنَّكَ لاَ تَدْرِي مَا أَحْدَثْنَا بَعْدَهُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن إشكاب) بكسر الهمزة
منصرفًا الحضرمي أبو عبد الصفار قال: (حدّثنا محمد بن
فضيل) بضم الفاء ابن غزوان الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن
الكوفي (عن العلاء بن المسيب عن أبيه) المسيب بن رافع
التغلبي بفتح الفوقية وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها
موحدة أنه (قال: لقيت البراء بن عازب -رضي الله عنهما-
فقلت) له: (طوبى لك) أي طيب العيش لك (صحبت النبي)
وللأربعة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وبايعته تحت الشجرة فقال: يا ابن أخي) ولأبي ذر عن
الكشميهني ابن أخ بغير إضافة وهو على عادة العرب في
المخاطبة أو المراد أخوة الإسلام (إنك لا تدري ما أحدثنا
بعده) عليه الصلاة والسلام من الفتن الواقعة أو قاله
تواضعًا وهضمًا لنفسه -رضي الله عنه-.
4171 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
صَالِحٍ حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ هُوَ ابْنُ سَلاَّمٍ عَنْ
يَحْيَى عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ أَنَّ ثَابِتَ بْنَ
الضَّحَّاكِ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ بَايَعَ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحْتَ الشَّجَرَةِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (إسحاق) بن
منصور بن بهرام الكوسج المروزي قال: (حدّثنا يحيى بن صالح)
الوخاطي الحمصي وهو شيخ البخاري أيضًا قال: (حدّثنا معاوية
وهو ابن سلام) بتشديد اللام (عن يحيى) بن أبي كثير (عن أبي
قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (أن ثابت بن الضحاك) بن
خليفة بن ثعلبة الأشهلي (أخبره أنه بايع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تحت الشجرة) وزاد مسلم فيه
بهذا الإسناد أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال: من حلف على ملة غير الإسلام كاذبًا فهو
كما قال الحديث.
4172 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا
عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ
قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح: 1]
قَالَ الْحُدَيْبِيَةُ: قَالَ أَصْحَابُهُ: هَنِيئًا
مَرِيئًا فَمَا لَنَا؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ {لِيُدْخِلَ
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن
تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [الفتح: 5] قَالَ شُعْبَةُ:
فَقَدِمْتُ الْكُوفَةَ فَحَدَّثْتُ بِهَذَا كُلِّهِ عَنْ
قَتَادَةَ ثُمَّ رَجَعْتُ فَذَكَرْتُ لَهُ فَقَالَ: أَمَّا
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ} فَعَنْ أَنَسٍ: وَأَمَّا هَنِيئًا
مَرِيئًا فَعَنْ عِكْرِمَةَ. [الحديث 4172 - طرفه في:
4834].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن إسحاق) بن الحصين
السرماري (قال: حدّثنا عثمان بن
عمر) بضم العين ابن فارس البصري قال: (أخبرنا شعبة) بن
الحجاج (عن قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك -رضي الله
عنه-) أنه قال في قوله تعالى: ({إن فتحنا لك فتحًا
مبينًا}) [الفتح: 1].
(قال): هو (الحديبية) أي الصلح الواقع فيها لما آل فيه من
المصلحة التامة العامة (قال أصحابه): -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هنيئًا) لا إثم فيه (مريئًا) لا داء
فيه ونصبًا على المفعول أو الحال أو صفة لمصدر محذوف أي
صادفت أو عش عيشًا هنيئًا مريئًا يا رسول الله غفر الله لك
ما تقدم من ذنبك وما تأخر (فما لنا) أي فأي شيء لنا وما
حكمنا فيه؟ (فأنزل الله) تعالى ({ليدخل المؤمنين والمؤمنات
جنات تجري من تحتها الأنهار}) [الفتح: 5]. وثبت تجري من
تحتها الأنهار في رواية أبي ذر والأصيلي.
(قال شعبة) بن الحجاج: (فقدمت الكوفة فحدثت بهذا) الحديث
(كله عن قتادة) بن دعامة (ثم رجعت) إلى قتادة (فذكرت) ذلك
(له فقال: أما) تفسير ({إنّا فتحنا لك}) بالحديبية (فعن
أنس) رويته (وأما هنيئًا مريئًا فعن عكرمة) رويته وحاصله
أنه روي بعضه عن هذا وبعضه عن الآخر.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في التفسير وكذا النسائي.
4173 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ عَنْ
مَجْزَأَةَ بْنِ زَاهِرٍ الأَسْلَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ -
وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ الشَّجَرَةَ - قَالَ: إِنِّي
لأُوقِدُ تَحْتَ الْقِدْرِ بِلُحُومِ الْحُمُرِ إِذْ
نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَاكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (عبد الله بن
محمد) المسندي قال: (حدّثنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو
العقدي قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن مجزأة) بفتح
الميم وكسرها بعضهم وسكون الجيم وفتح الزاي والهمزة بعدها
هاء وقيل لا همزة، وقال الحافظ أبو علي والمحدثون يسهلون
الهمزة ولا يلفظون بها (ابن زاهر الأسلمي عن أبيه) زاهر بن
الأسود وليس له في البخاري إلا هذا
(6/351)
الحديث. (وكان ممن شهد الشجرة) أي بايع
تحتها (قال: إني لأوقد تحت القدر) بكسر القاف بالإفراد،
ولأبي ذر: القدور بضمها على الجمع أي في غزوة خيبر (بلحوم
الحمر) أي الأهلية (إذ نادى منادي رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) هو أبو طلحة (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينهاكم عن) أكل (لحوم
الحمر) أي الأنسية والغرض من سياقه هنا قوله: وكان شهد
الشجرة كما لا يخفى.
4174 - وَعَنْ مَجْزَأَةَ عَنْ رَجُلٍ مِنْهُمْ مِنْ
أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ اسْمُهُ أُهْبَانُ بْنُ أَوْسٍ،
وَكَانَ اشْتَكَى رُكْبَتَهُ وَكَانَ إِذَا سَجَدَ جَعَلَ
تَحْتَ رُكْبَتِهِ وِسَادَةً.
(وعن مجزأة) بالإسناد السابق (عن رجل منهم) من أسلم أو من
الصحابة (من أصحاب الشجرة اسمه أهبان بن أوس) بضم الهمزة
وسكون الهاء بعدها موحدة الأسلمي يعرف بمكلم الذئب (وكان
اشتكى ركبته) بالإفراد (وكان) ولأبي ذر وابن عساكر فكان
(إذا سجد جعل تحت ركبته) بالإفراد أيضًا (وسادة) لينة
ليتمكن من السجود من غير ضرر يخل بالخشوع من يبس الأرض.
4175 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ يَحْيَى بْنِ
سَعِيدٍ، عَنْ بُشَيْرِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ سُوَيْدِ بْنِ
النُّعْمَانِ، وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ، قَالَ:
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ أُتُوا بِسَوِيقٍ فَلاَكُوهُ.
تَابَعَهُ مُعَاذٌ عَنْ شُعْبَةَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة
والمعجمة المشدّدة أبو بكر بندار العبدي قال: (حدّثنا ابن
أبي عدي) محمد (عن شعبة) بن الحجاج (عن يحيى بن سعيد)
الأنصاري (عن بشير بن يسار) بضم الموحدة وفتح المعجمة
ويسار ضد اليمين الأنصاري (عن سويد بن النعمان) بن مالك
الأنصاري (وكان من أصحاب الشجرة) أنه (قال كان رسول الله)
ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأصحابه أتوا بسويق فلاكوه) أي مضغوه وأداروه في أفواههم
(تابعه) أي تابع ابن أبي عدي بالإسناد السابق (معاذ) هو
ابن معاذ قاضي البصرة (عن شعبة) بن الحجاج وهذا وصله
الإسماعيلي.
والحديث سبق في الطهارة ويأتي قريبًا إن شاء الله تعالى في
غزوة خيبر والغرض منه قوله: وكان من أصحاب الشجرة.
4176 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمِ بْنِ بَزِيعٍ
حَدَّثَنَا شَاذَانُ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ
قَالَ: سَأَلْتُ عَائِذَ بْنَ عَمْرٍو، وَكَانَ مِنْ
أَصْحَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ هَلْ يُنْقَضُ الْوِتْرُ؟
قَالَ: إِذَا أَوْتَرْتَ مِنْ أَوَّلِهِ فَلاَ تُوتِرْ
مِنْ آخِرِهِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (محمد بن حاتم
بن بزيع) بالحاء المهملة وبعد الألف فوقية وبزيع بموحدة
مفتوحة فزاي مكسورة فتحتية ساكنة فعين مهملة بوزن عظيم أبو
عبد الله وقيل أبو سعيد البغدادي قال: (حدّثنا شاذان)
بالشين والذال المعجمتين الأسود بن عامر الشامي ثم
البغدادي (عن شعبة) بن الحجاج (عن أبي جمرة) بالجيم والراء
للحموي والمستملي واسمه نصر بن عمران الضبعي وللكشميهني
أبي حمزة بالحاء والزاي وهو تصحيف أنه (قال: سألت عائذ بن
عمرو) بفتح العين وسكون الميم وعائذ بالذال المعجمة واسم
جده هلال المزني وسقط ابن عمرو ولغير الكشميهني (وكان من)
صالحي (أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
من أصحاب الشجرة هل ينقض الوتر)؟ إذا صلّى واستيقظ الذي
صلاّه من نومه مريدًا للتطوع بأن يصلّي ركعة يشفعه بها ثم
يتطوع ثم يوتر محافظة على قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا" أو يصلّي ما
شاء ولا ينقض وتره اكتفاء بما سبق (قال): عائذ (إذا أوترت
من أوله فلا توتر من آخره). وزاد الإسماعيلي إذا أوترت من
آخره فلا توتر من أوله يعني لا تنقضه وهذا هو الصحيح عند
الشافعية وهو قول المالكية وعليه جمهور الحنفية.
4177 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا
مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ «أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَانَ يَسِيرُ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ وَكانَ عُمَرُ بْنُ
الْخَطَّابِ يَسِيرُ مَعَهُ لَيْلاً فَسَأَلَهُ عُمَرُ
بْنُ الْخَطَّابِ عَنْ شَىْءٍ فَلَمْ يُجِبْهُ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثُمَّ
سَأَلَهُ فَلَمْ يُجِبْهُ، ثُمَّ سَأَلَهُ فَلَمْ
يُجِبْهُ، وَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: ثَكِلَتْكَ
أُمُّكَ يَا عُمَرُ نَزَرْتَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ
ذَلِكَ لاَ يُجِيبُكَ قَالَ عُمَرُ: فَحَرَّكْتُ بَعِيرِي
ثُمَّ تَقَدَّمْتُ أَمَامَ الْمُسْلِمِينَ وَخَشِيتُ أَنْ
يَنْزِلَ فِيَّ قُرْآنٌ فَمَا نَشِبْتُ أَنْ سَمِعْتُ
صَارِخًا يَصْرُخُ بِي قَالَ: فَقُلْتُ لَقَدْ خَشِيتُ
أَنْ يَكُونَ نَزَلَ فِيَّ قُرْآنٌ وَجِئْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
«لَقَدْ أُنْزِلَتْ عَلَىَّ اللَّيْلَةَ سُورَةٌ لَهِيَ
أَحَبُّ إِلَىَّ مِمَّا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ»
ثُمَّ قَرَأَ {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا}
[الفتح: 1]».
وبه قال: (حدّثنا) بالإفراد (عبد الله بن يوسف) التنيسي
قال: (أخبرنا مالك) الإمام (عن زيد بن أسلم) العدوي مولى
عمر (عن أبيه) أسلم (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسير في بعض أسفاره) في حديث ابن
مسعود عند الطبراني أنه سفر الحديبية (وكان عمر بن الخطاب
يسير معه ليلاً فسأله عمر بن الخطاب عن شيء فلم يجبه رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لاشتغاله
بالوحي (ثم سأله فلم يجبه ثم سأله فلم يجبه) ولعله ظن أنه
عليه الصلاة والسلام لم يسمعه فلذا كرر السؤال (وقال):
وللأصيلي فقال بالفاء بدل الواو (عمر بن الخطاب): يخاطب
نفسه، وسقط ابن الخطاب لأبوي الوقت وذر وابن عساكر (ثكلتك)
بفتح المثلثة وكسر الكاف أي فقدتك (أمك يا عمر) سقط لفظ يا
عمر للأربعة (نزرت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ثلاث مرات) تخفيف الزاي أي ألححت عليه أو
راجعته وأتيته بما يكره من سؤالك، وفي رواية نزرت بتشديد
الزاي وهو الذي ضبطه الأصيلي وهو على المبالغة، ومن الشيوخ
من
(6/352)
رواه بالتشديد والتخفيف هو الوجه قال
الحافظ أبو ذر: سألت عنه من لقيت أربعين سنة فما قرأته قط
إلا بالتخفيف وكذا قال ثعلب (كل ذلك لا يجيبك. قال عمر:
فحركت بعيري ثم تقدمت أمام المسلمين وخشيت أن ينزل فيّ
قرآن فما نشبت) بكسر الشين المعجمة فما لبثت (أن سمعت
صارخًا) لم يسم (يصرخ بي قال: فقلت لقد خشيت أن يكون نزل)
ولأبي الوقت: قد نزل (فيّ) بتشديد الياء ولأبي ذر عن
الكشميهني بي أي نزل بسببي (قرآن، وجئت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسلمت) زاد الكشميهني عليه
(فقال) عليه الصلاة والسلام:
(لقد أنزلت عليّ الليلة سورة لهي أحب إليّ مما طلعت الشمس)
لما فيها من البشارة بالمغفرة وأفعل قد لا يراد بها
المفاضلة (ثم قرأ: {إنا فتحنا لك فتحًا مبينًا}) [الفتح:
1] الفتح الظفر بالبلدة عنوة أو صلحًا بحرب أو بغيره لأنه
مغلق ما لم يظفر به فإذا ظفر به فقد فتح ثم قيل هو فتح مكة
وقد نزلت مرجعه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من
الحديبية كما مرّ عدة له بالفتح وجيء به على لفظ الماضي
لأنها في تحققها بمنزلة الكائنة وفي ذلك من الفخامة
والدلالة على علوّ شأن المخبر به ما لا يخفى، وقيل هو صلح
الحديبية فإنه حصل بسببه الخير الجزيل الذي لا مزيد عليه،
وقيل المعنى قضينا لك قضاء بينًا على أهل مكة أن تدخلها
أنت وأصحابك من قابل لتطوفوا بالبيت من الفتاحة وهي
الحكومة.
وظاهر هذا الحديث الإرسال لأن أسلم لم يدرك هذه القصة، لكن
ظاهره يقتضي أن أسلم تحمله عن عمر كما وقع التصريح بذلك
عند البزار بلفظ: سمعت عمر والله الموفق والمعين.
4178 و 4179 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ حِينَ
حَدَّثَ هَذَا الْحَدِيثَ حَفِظْتُ بَعْضَهُ وَثَبَّتَنِي
مَعْمَرٌ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنِ الْمِسْوَرِ
بْنِ مَخْرَمَةَ وَمَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ يَزِيدُ
أَحَدُهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ قَالاَ: خَرَجَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ
الْحُدَيْبِيَةِ فِي بِضْعَ عَشْرَةَ مِائَةً مِنْ
أَصْحَابِهِ فَلَمَّا أَتَى ذَا الْحُلَيْفَةِ قَلَّدَ
الْهَدْيَ وَأَشْعَرَهُ وَأَحْرَمَ مِنْهَا بِعُمْرَةٍ
وَبَعَثَ عَيْنًا لَهُ مِنْ خُزَاعَةَ وَسَارَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى كَانَ
بِغَدِيرِ الأَشْطَاطِ أَتَاهُ عَيْنُهُ قَالَ: إِنَّ
قُرَيْشًا جَمَعُوا لَكَ جُمُوعًا وَقَدْ جَمَعُوا لَكَ
الأَحَابِيشَ، وَهُمْ مُقَاتِلُوكَ وَصَادُّوكَ عَنِ
الْبَيْتِ وَمَانِعُوكَ، فَقَالَ: «أَشِيرُوا أَيُّهَا
النَّاسُ عَلَيَّ أَتَرَوْنَ أَنْ أَمِيلَ إِلَى
عِيَالِهِمْ وَذَرَارِيِّ هَؤُلاَءِ الَّذِينَ يُرِيدُونَ
أَنْ يَصُدُّونَا عَنِ الْبَيْتِ؟ فَإِنْ يَأْتُونَا كَانَ
اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ قَطَعَ عَيْنًا مِنَ
الْمُشْرِكِينَ وَإِلاَّ تَرَكْنَاهُمْ مَحْرُوبِينَ»
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ خَرَجْتَ
عَامِدًا لِهَذَا الْبَيْتِ لاَ تُرِيدُ قَتْلَ أَحَدٍ
وَلاَ حَرْبَ أَحَدٍ فَتَوَجَّهْ لَهُ فَمَنْ صَدَّنَا
عَنْهُ قَاتَلْنَاهُ قَالَ: «امْضُوا عَلَى اسْمِ
اللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني (عبد الله بن محمد)
المسندي قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت الزهري)
محمد بن مسلم بن شهاب (حين حدث هذا الحديث) الذي هذا سنده
(حفظت بعضه) من الزهري (وثبتني) فيما سمعته من الزهري
(معمر) أي ابن راشد (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن
المسور بن مخرمة) بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة بعدها
راء (ومروان بن الحكم يزيد أحدهما على صاحبه قالا: خرج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام الحديبية
في بضع عشرة مائة من أصحابه) وللأربعة: من أصحاب النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلما أتى ذا
الحليفة) الميقات المعروف (قلد الهدي وأشعره وأحرم منها
بعمرة) وهذا القدر مما ثبته فيه معمر كما بينه أبو نعيم في
مستخرجه، وقد سبق في هذا الباب من رواية ابن المديني عن
سفيان قوله: لا أحفظ الأشعار والتقليد فيه.
(وبعث) عليه الصلاة والسلام (عينًا) أي جاسوسًا (له من
خزاعة) اسمه بشر بن سفيان بضم الموحدة وسكون المهملة كما
ذكره ابن عبد البر (وسار النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حتى كان بغدير الأشطاط) بفتح الهمزة وسكون
الشين المعجمة بعدها مهملتان بينهما ألف موضع تلقاء
الحديبية وفي نسخة أبي ذر بالإعجام والإهمال (أتاه عينه)
بشر (قال): وفي نسخة فقال (إن قريشًا جمعوا لك) بتخفيف
الميم (جموعًا وقد جمعوا لك الأحابيش) بالحاء المهملة وبعد
الألف موحدة آخره شين معجمة جماعات من قبائل شتى، وقال
الخليل: أحياء من القارة انضموا إلى بني ليث في محاربتهم
قريشًا قبل الإسلام، وقال ابن دريد: حلفاء قريش تحالفوا
تحت جبل يسمى حبيشًا فسموا بذلك (وهم مقاتلوك وصادّوك)
بتشديد الدال (عن البيت) الحرام (ومانعوك) من الدخول إلى
مكة (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(أشيروا أيها الناس عليّ أترون) بفتح التاء (أن أميل إلى
عيالهم وذراريّ هؤلاء) الكفار (الذين يريدون أن يصدونا عن
البيت فإن يأتونا كان الله عز وجل قد قطع عينًا) جاسوسًا
(من المشركين) يعني الذي بعثه عليه الصلاة والسلام أي
غايته أنا كنا كمن لمن يبعث الجاسوس ولم يعبر الطريق
وواجههم بالقتال (وإلاّ) بأن لم يأتونا (تركناهم محروبين)
بالراء المهملة والموحدة مسلوبين منهوبين الأموال والعيال
(قال أبو بكر: يا رسول الله) إنك (خرجت عامدًا لهذا البيت
لا تريد قتل أحد ولا حرب أحد فتوجه له) للبيت (فمن صدنا
عنه
(6/353)
قاتلناه قال): -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (امضوا على اسم الله).
4180 و 4181 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ
حَدَّثَنِي ابْنُ أَخِي ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَمِّهِ
أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ
مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ
يُخْبِرَانِ خَبَرًا مِنْ خَبَرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي عُمْرَةِ الْحُدَيْبِيَةِ
فَكَانَ فِيمَا أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ عَنْهُمَا أَنَّهُ
لَمَّا كَاتَبَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سُهَيْلَ بْنَ عَمْرٍو يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ
عَلَى قَضِيَّةِ الْمُدَّةِ وَكَانَ فِيمَا اشْتَرَطَ
سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو أَنَّهُ قَالَ: لاَ يَأْتِيكَ
مِنَّا أَحَدٌ وَإِنْ كَانَ عَلَى دِينِكَ إِلاَّ
رَدَدْتَهُ إِلَيْنَا وَخَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ
وَأَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ عَلَى ذَلِكَ فَكَرِهَ
الْمُؤْمِنُونَ ذَلِكَ وَامَّعَضُوا فَتَكَلَّمُوا فِيهِ
فَلَمَّا أَبَى سُهَيْلٌ أَنْ يُقَاضِيَ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلاَّ عَلَى ذَلِكَ
كَاتَبَهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَرَدَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا جَنْدَلِ بْنَ سُهَيْلٍ
يَوْمَئِذٍ إِلَى أَبِيهِ سُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَلَمْ
يَأْتِ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَحَدٌ مِنَ الرِّجَالِ إِلاَّ رَدَّهُ فِي
تِلْكَ الْمُدَّةِ وَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا وَجَاءَتِ
الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَكَانَتْ أُمُّ كُلْثُومٍ
بِنْتُ عُقْبَةَ بْنِ أَبِي مُعَيْطٍ مِمَّنْ خَرَجَ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَهْيَ عَاتِقٌ فَجَاءَ أَهْلُهَا يَسْأَلُونَ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ
يَرْجِعَهَا إِلَيْهِمْ حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى
فِي الْمُؤْمِنَاتِ مَا أَنْزَلَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق) بن راهويه (قال: أخبرنا
يعقوب) بن إبراهيم بن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
قال: (حدثني) بالتوحيد (ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد
الله بن مسلم (عن عمه) محمد بن مسلم بن شهاب أنه قال:
(أخبرني) بالتوحيد (عروة بن الزبير) بن العوّام (أنه سمع
مروان بن الحكم والمسور بن مخرمة يخبران خبرًا من خبر رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في عمرة
الحديبية فكان فيما أخبرني عروة عنهما أنه لما كاتب رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سهيل بن عمرو)
بضم السين وفتح عين عمرو (يوم الحديبية على قضية) الصلح في
(المدة) المعينة (وكان فيما اشترط سهيل بن عمرو أنه قال:
لا يأتيك منا أحد) رجل أو أنثى (وإن كان على دينك إلا
رددته إلينا وخليت بيننا وبينه وأبى) أي: امتنع (سهيل أن
يقاضي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا
على ذلك فكره المؤمنون ذلك وامعضوا) بتشديد الميم مفتوحة
وفتح العين وضم الضاد المعجمة وأصله انمعضوا فقلبت النون
ميمًا وأدغمت في الميم، ولأبي ذر عن الكشميهني: وامتعضوا
بسكون الميم مخففة وبعدها فوقية مفتوحة أي شق عليهم،
وللأصيلي وابن عساكر: وامتعظوا كذلك لكن بالظاء المعجمة
المشالة ولهما أيضًا اتعظوا كذلك لكن بالفوقية المشددة بدل
الميم ولا وجه لهذه والأولى هي
الأوجه (فتكلموا فيه) فقالوا: سبحان الله كيف يرد إلى
المشركين وقد جاء مسلمًا (فلما أبى سهيل أن يقاضي رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلا على ذلك
كاتبه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
عليه (فردّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أبا جندل بن سهيل يومئذ إلى أبيه سهيل بن عمرو) وكان قد
جاء يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين
أظهر المسلمين (ولم يأت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة
وإن كان مسلمًا وجاءت المؤمنات) حال كونهن (مهاجرات) في
أثناء الصلح (فكانت) ولأبي ذر: وكانت (أم كلثوم) بضم الكاف
والمثلثة بينهما لام ساكنة (بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج
إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهي
عاتق) بالمثناة الفوقية أي شابة أو أشرفت على البلوغ (فجاء
أهلها يسألون رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن يرجعها) بفتح التحتية (إليهم حتى أنزل الله
تعالى في المؤمنات ما أنزل) من قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ
مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ
بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ
فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: 10]
أي لا تردّوهن إلى أزواجهن المشركين فنقض العهد بينه وبين
المشركين في النساء خاصة.
4182 - قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- زَوْجَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ:
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ يَمْتَحِنُ مَنْ هَاجَرَ مِنَ
الْمُؤْمِنَاتِ بِهَذِهِ الآيَةِ: {يَا أَيُّهَا
النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ}
[الممتحنة: 12] وَعَنْ عَمِّهِ قَالَ: بَلَغَنَا حِينَ
أَمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ يَرُدَّ إِلَى الْمُشْرِكِينَ مَا
أَنْفَقُوا عَلَى مَنْ هَاجَرَ مِنْ أَزْوَاجِهِمْ
وَبَلَغَنَا أَنَّ أَبَا بَصِيرٍ فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ.
(قال ابن شهاب) محمد بن مسلم بالإسناد السابق: (وأخبرني
عروة بن الزبير أن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله زوج النبي
إلى آخره لأبي ذر (قالت): ولأبي ذر: أخبرته (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يمتحن من هاجر من
المؤمنات بهذه الآية: {يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات
يبايعنك}) [الممتحنة: 12]. وسقط لفظ يبايعنك في نسخة
ولأبوي ذر والوقت وابن عساكر {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ} [الممتحنة: 10]
بدل {يا أيها النبي} الآية السابقة.
(وعن عمه) عطف على قوله حدثني ابن أخي شهاب عن عمه وهو
موصول بالإسناد السابق (قال: بلغنا حين أمر الله رسوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يرد إلى المشركين
ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهم) وثبت لفظ على لأبي ذر
(وبلغنا أن أبا بصير فذكره) أي الحديث (بطوله) كما هو
مذكور آخر كتاب الصلح.
4183 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ عَنْ مَالِكٍ عَنْ نَافِعٍ
أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- خَرَجَ
مُعْتَمِرًا فِي الْفِتْنَةِ فَقَالَ: إِنْ صُدِدْتُ عَنِ
الْبَيْتِ صَنَعْنَا كَمَا صَنَعْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَأَهَلَّ
بِعُمْرَةٍ مِنْ أَجْلِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ
عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد (عن مالك) الإمام (عن
نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- خرج) ولأبوي ذر
والوقت عن الكشميهني حين خرج (معتمرًا في) أيام (الفتنة)
حين نزل الحجاج لقتال ابن الزبير (فقال: إن صددت) منعت (عن
البيت صنعنا كما صنعنا مع
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في
الحديبية من التحلل بالنحر ثم بالحلق (فأهلّ) ابن عمر
(بعمرة من أجل
(6/354)
أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كان أهل بعمرة عام الحديبية).
وهذا الحديث سبق في باب إذا أحصر المعتمر من كتاب الحج.
4184 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ
أَهَلَّ وَقَالَ: إِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ
لَفَعَلْتُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ حَالَتْ كُفَّارُ قُرَيْشٍ
بَيْنَهُ وَتَلاَ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: 21].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
بن سعيد القطان (عن عبيد الله) بضم العين ابن عمر العمري
(عن نافع عن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أنه أهلّ) أحرم
بعمرة زمن الفتنة (وقال: إن حيل بيني وبينه) أي البيت
الحرام (لفعلت) باللام ولأبي ذر عن الكشميهني: فعلت (كما
فعل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين حالت
كفار قريش بينه) وبين البيت في الحديبية من النحر ثم الحلق
بنية التحلل. (وتلا) ابن عمر ({لقد كان لكم في رسول الله
أسوة حسنة}) [الأحزاب: 21].
وهذا الحديث قد مرّ مطولاً في الباب المذكور.
4185 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ
أَسْمَاءَ، حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ، عَنْ نَافِعٍ، أَنَّ
عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ وَسَالِمَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَاهُ أَنَّهُمَا كَلَّمَا عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عُمَرَ ح. وَحَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ
بَعْضَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ قَالَ لَهُ: لَوْ أَقَمْتَ
الْعَامَ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ لاَ تَصِلَ إِلَى
الْبَيْتِ قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ
دُونَ الْبَيْتِ فَنَحَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَدَايَاهُ وَحَلَقَ وَقَصَّرَ
أَصْحَابُهُ وَقَالَ: أُشْهِدُكُمْ أَنِّي أَوْجَبْتُ
عُمْرَةً، فَإِنْ خُلِّيَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ
طُفْتُ وَإِنْ حِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَ الْبَيْتِ صَنَعْتُ
كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَسَارَ سَاعَةً ثُمَّ قَالَ: مَا أُرَى
شَأْنَهُمَا إِلاَّ وَاحِدًا أُشْهِدُكُمْ أَنِّي قَدْ
أَوْجَبْتُ حَجَّةً مَعَ عُمْرَتِي فَطَافَ طَوَافًا
وَاحِدًا وَسَعْيًا وَاحِدًا حَتَّى حَلَّ مِنْهُمَا
جَمِيعًا.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد بن أسماء) الضبعي وقيل
الهلالي البصري قال: (حدّثنا) عمي (جويرية) بن أسماء بن
عبيد البصري (عن نافع) مولى ابن عمر (أن عبيد الله)
بالتصغير (ابن عبد الله و) شقيقه (سالم بن عبد الله) بن
عمر بن الخطاب (أخبراه أنهما كلما) أباهما (عبد الله بن
عمر) قال المؤلّف: (ح).
(وحدّثنا) وسقطت الواو لأبي ذر (موسى بن إسماعيل) التبوذكي
قال: (حدّثنا جويرية) بن أسماء (عن نافع أن بعض بني عبد
الله) أما عبد الله أو عبيد الله أو سالم (قال له): لما
أراد أن يعتمر حين نزول الحجاج على ابن الزبير (لو أقمت
العام) لكان خيرًا (فإني أخاف أن لا تصلا إلى
البيت قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فحال كفار قريش دون البيت فنحر النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هداياه وحلق وقصر أصحابه)
فحلوا من عمرتهم (وقال): بالواو ولأبي ذر وابن عساكر قال
(أشهدكم أني أوجبت عمرة) على نفسي (فإن خلي بيني وبين
البيت طفت) به (وإن حيل بيني وبين البيت صنعت) ولأبي ذر:
صنعنا (كما صنع رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بالتحلل من العمرة بالنحر
والحلق (فسار ساعة ثم قال: ما أرى شأنهما) أي الحج والعمرة
(إلا واحدًا) في جواز التحلل منهما بالإحصار (أشهدكم أني
قد أوجبت حجة مع عمرتي فطاف طوافًا واحدًا و) سعى (سعيًا
واحدًا) يوم دخل مكة ومكث (حتى حلّ منهما جميعًا) يوم
النحر والهدي.
وهذا الحديث قد سبق في باب إذا أحصر المعتمر.
4186 - حَدَّثَنِي شُجَاعُ بْنُ الْوَلِيدِ سَمِعَ
النَّضْرَ بْنَ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا صَخْرٌ عَنْ نَافِعٍ
قَالَ: إِنَّ النَّاسَ يَتَحَدَّثُونَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ
أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ وَلَيْسَ كَذَلِكَ وَلَكِنْ عُمَرُ
يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ أَرْسَلَ عَبْدَ اللَّهِ إِلَى
فَرَسٍ لَهُ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَارِ يَأْتِي بِهِ
لِيُقَاتِلَ عَلَيْهِ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُبَايِعُ عِنْدَ الشَّجَرَةِ،
وَعُمَرُ لاَ يَدْرِي بِذَلِكَ فَبَايَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ
ثُمَّ ذَهَبَ إِلَى الْفَرَسِ فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ،
وَعُمَرُ يَسْتَلْئِمُ لِلْقِتَالِ فَأَخْبَرَهُ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُبَايِعُ تَحْتَ الشَّجَرَةِ، قَالَ: فَانْطَلَقَ
فَذَهَبَ مَعَهُ حَتَّى بَايَعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَهِيَ الَّتِي يَتَحَدَّثُ
النَّاسُ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَسْلَمَ قَبْلَ عُمَرَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (شجاع بن الوليد) بالشين
المعجمة أبو الليث البخاري مؤدب الحسن بن العلاء السعدي
الأمير أنه (سمع النضر بن محمد) بالضاد المعجمة الساكنة
الجرشي بضم الجيم وفتح الراء وبعدها شين معجمة اليماني
قال: (حدّثنا صخر) بفتح الصاد المهملة وسكون الخاء المعجمة
ابن جويرية النميري (عن نافع) أنه (قال: إن الناس يتحدثون
أن ابن عمر أسلم قبل) أبيه (عمر وليس كذلك، ولكن عمر يوم
الحديبية أرسل عبد الله) ابنه (إلى فرس له عند رجل من
الأنصار) قال ابن حجر: لم أقف على اسمه، ويحتمل أنه الذي
آخى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينه وبينه
(يأتي به ليقاتل عليه ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يبايع) الناس (عند الشجرة وعمر لا يدري بذلك
فبايعه) عليه الصلاة والسلام (عبد الله ثم ذهب إلى الفرس
فجاء به إلى عمر وعمر يستلئم) بسكون اللام وكسر الهمزة أي
يلبس لأمته بالهمزة أي درعه (للقتال فأخبره أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبايع تحت الشجرة
قال: فانطلق) عمر (فذهب معه) ابنه (حتى يبايع) عمر (رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فهي التي يتحدث
الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر) وظاهر هذا الطريق الإرسال،
لكن ظهر في الطريق التالية أن نافعًا حمله عن ابن عمر.
4187 - وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ: حَدَّثَنَا
الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ
مُحَمَّدٍ الْعُمَرِيُّ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ -رضي الله عنهما-، أَنَّ النَّاسَ كَانُوا مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ، تَفَرَّقُوا فِي ظِلاَلِ الشَّجَرِ
فَإِذَا النَّاسُ مُحْدِقُونَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ
انْظُرْ مَا شَأْنُ النَّاسِ قَدْ أَحْدَقُوا
بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
فَوَجَدَهُمْ يُبَايِعُونَ فَبَايَعَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى
عُمَرَ فَخَرَجَ فَبَايَعَ.
(وقال هشام بن عمار: حدّثنا الوليد بن مسلم) فيما وصله
الإسماعيلي عن الحسن بن سفيان عن دحيم عن الوليد بن مسلم،
وفي بعض النسخ وقال هشام بن عمار: حدّثنا الوليد بن مسلم
قال: (حدّثنا عمر بن محمد العمري) قال: (أخبرني) بالإفراد
(نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن الناس كانوا مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية
تفرقوا في ظلال الشجر فإذا الناس محدقون بالنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي محيطون به ناظرون إليه
بأحداقهم (فقال) عمر بن
(6/355)
الخطاب لابنه: (يا عبد الله أنظر ما شأن
الناس قد أحدقوا برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي قال بدل قد قال
في الفتح وهو تحريف (فوجدهم) عبد الله بن عمر (يبايعون)
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فبايع ثم
رجع إلى) أبيه (عمر) فأخبره بذلك (فخرج فبايع) عمر وبايع
معه ابنه مرة أخرى.
واستشكل بأن سبب مبايعة ابن عمر هنا غير سبب مبايعته قبل.
وأجيب: باحتمال أن عمر بعثه ليحضر له الفرس فرأى الناس
مجتمعين فقال له: انظر ما شأنهم فذهب يكشف حالهم فوجدهم
يبايعون فبايع وتوجه إلى الفرس فأحضرها ثم ذكر حينئذ
الجواب لأبيه.
4188 - حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا يَعْلَى
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- قَالَ: كُنَّا مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ
اعْتَمَرَ فَطَافَ فَطُفْنَا مَعَهُ وَصَلَّى وَصَلَّيْنَا
مَعَهُ وَسَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، فَكُنَّا
نَسْتُرُهُ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ لاَ يُصِيبُهُ أَحَدٌ
بِشَىْءٍ.
وبه قال: (حدّثنا ابن نمير) هو محمد بن عبد الله بن نمير
الهمداني قال: (حدّثنا يعلى) بن عبيد الطنافسي قال:
(حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي الكوفي (قال: سمعت
عبد الله بن أبي أوفى) علقمة (-رضي الله عنهما- قال: كنا
مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين اعتمر)
عمرة القضاء (فطاف) بالكعبة (فطفنا معه وصلّى وصلينا)
ولأبي ذر: فصلينا (معه) بالفاء بدل الواو (وسعى بين الصفا
والمروة فكنا نستره من) مشركي (أهل مكة لا يصيبه) أي لئلا
يصيبه (أحد بشيء) يؤذيه.
وهذا الحديث قد مرّ في باب متى يحل المعتمر من أبواب
العمرة في كتاب الحج.
4189 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ
مِغْوَلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا حَصِينٍ قَالَ: قَالَ
أَبُو وَائِلٍ لَمَّا قَدِمَ سَهْلُ بْنُ حُنَيْفٍ مِنْ
صِفِّينَ أَتَيْنَاهُ نَسْتَخْبِرُهُ فَقَالَ: اتَّهِمُوا
الرَّأْيَ فَلَقَدْ رَأَيْتُنِي يَوْمَ أَبِي جَنْدَلٍ
وَلَوْ أَسْتَطِيعُ أَنْ أَرُدَّ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْرَهُ لَرَدَدْتُ
وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، وَمَا وَضَعْنَا
أَسْيَافَنَا عَلَى عَوَاتِقِنَا لأَمْرٍ يُفْظِعُنَا
إِلاَّ أَسْهَلْنَ بِنَا إِلَى أَمْرٍ نَعْرِفُهُ قَبْلَ
هَذَا الأَمْرِ مَا نَسُدُّ مِنْهَا خُصْمًا إِلاَّ
انْفَجَرَ عَلَيْنَا خُصْمٌ مَا نَدْرِي كَيْفَ نَأْتِي
لَهُ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (الحسن) بفتح
الحاء والسين المهملتين (ابن إسحاق) ابن أبي زياد الليثي
مولاهم المروزي المعروف بحسنويه الموثق من النسائي قال:
(حدّثنا
محمد بن سابق) التميمي البغدادي قال: (حدّثنا مالك بن
مغول) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وبعد الواو المفتوحة
لام البجلي (قال: سمعت أبا حصين) بفتح الحاء وكسر الصاد
المهملتين عثمان بن عاصم الأسدي الكوفي (قال: قال أبو
وائل): شقيق ابن سلمة (لما قدم سهل بن حنيف) الأنصاري
الصحابي (من) وقعة (صفين) التي كانت بين علي ومعاوية
(أتيناه نستخبره فقال): وقد كان يتهم بالتقصير في القتال
يوم صفين (اتهموا الرأي) في الجهاد أي اتهموا رأيكم في هذا
القتال فإنما تقاتلون في الإسلام إخوانكم باجتهاد
اجتهدتموه (فلقد رأيتني) أي رأيت نفسي (يوم أبي جندل)
العاصي بن سهيل لما جاء إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الحديبية من مكة مسلمًا وهو يجر
قيوده وكان قد عذب في الله فقال أبوه: يا محمد أول ما
أقاضيك عليه فرد عليه أبا جندل وكان رده أشق على المسلمين
من سائر ما جرى عليهم (ولو أستطيع أن أردّ على رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمره لرددت) وقاتلت
قتالاً شديدًا لا مزيد عليه (والله ورسوله أعلم) بما فيه
المصلحة فترك عليه السلام القتال إبقاء على المسلمين
وصونًا للدماء (وما وضعنا أسيافنا على عواتقنا) في الله
(لأمر يفظعنا) يشق علينا (إلا أسهلن بنا) أي أدنتنا
الأسياف (إلى أمر) سهل (نعرفه) فأدخلناها فيه (قبل هذا
الأمر) يعني أمر الفتنة الواقعة بين المسلمين فإنها مشكلة
لما فيها من قتل المسلمين (ما نسد) بضم السين المهملة
(منها) من الفتنة (خصمًا) بضم الخاء المعجمة وسكون الصاد
المهملة (إلا انفجر علينا خصم ما ندري كيف نأتي له) بضم
الخاء المعجمة أيضًا الناحية والطرف وقيل جانب كل شيء
خصمه، ومنه يقال للخصمين خصمان لأن كل واحد منهما يأخذ
بناحية من الدعوى غير ناحية صاحبه، وأصله خصم القربة وهو
طرفها، واستعمله هنا على جهة الاستعارة وحسنه ترشيح ذلك
بالانفجار أي كما ينفجر الماء من نواحي القربة، وكان قول
سهل هذا يوم صفين لما حكم الحكمان وأرادا الإخبار عن
انتشار الأمر وشدته وأنه لا يتهيأ إصلاحه وتلافيه.
وهذا الحديث قد مرّ في أواخر باب الجهاد.
4190 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنِ
ابْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ -رضي الله
عنه- قَالَ: أَتَى عَلَىَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ، وَالْقَمْلُ
يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي فَقَالَ: «أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ
رَأْسِكَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «فَاحْلِقْ وَصُمْ
ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ أَوْ أَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِينَ أَوِ
انْسُكْ نَسِيكَةً». قَالَ: أَيُّوبُ لاَ أَدْرِي بِأَيِّ
هَذَا بَدَأَ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
حماد بن زيد عن أيوب) السختياني (عن مجاهد) هو ابن جبر (عن
ابن أبي ليلى) عبد الرحمن (عن كعب بن عجرة) بضم العين
وسكون الجيم (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أتى على النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زمن) عمرة (الحديبية
والقمل يتناثر على وجهي فقال):
(أيؤذيك
(6/356)
هوام رأسك) بفتح الهاء والواو وبعد الألف
ميم مشددة أي قمل رأسك (قلت: نعم) يؤذيني (قال: فاحلق)
رأسك (وصم ثلاثة أيام وأطعم ستة مساكين أو انسك نسيكة) بضم
السين ووصل الهمزة كما قاله الحفاظ أي اذبح ذبيحة (قال
أيوب) السختياني: (لا أدري بأي هذا) المذكور من الصيام
والإطعام والنسك (بدأ).
4191 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ هِشَامٍ أَبُو عَبْدِ
اللَّهِ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى
عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِالْحُدَيْبِيَةِ وَنَحْنُ مُحْرِمُونَ، وَقَدْ حَصَرَنَا
الْمُشْرِكُونَ، قَالَ: وَكَانَتْ لِي وَفْرَةٌ فَجَعَلَتِ
الْهَوَامُّ تَسَّاقَطُ عَلَى وَجْهِي فَمَرَّ بِي
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فَقَالَ:
«أَيُؤْذِيكَ هَوَامُّ رَأْسِكَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ:
وَأُنْزِلَتْ هَذِهِ الآيَةُ {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ
مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ
صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: 196].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن هشام أبو عبد الله)
المروزي سكن بغداد قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء وفتح
المعجمة ابن بشير بفتح الموحدة بوزن عظيم ابن القاسم بن
دينار السلمي الواسطي ثقة ثبت كثير التدليس والإرسال الخفي
(عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي
وحشية واسمه إياس الواسطي ويقال: البصري (عن مجاهد عن عبد
الرحمن بن أبي ليلى عن كعب بن عجرة) -رضي الله عنه- أنه
(قال: كنا مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بالحديبية ونحن) أي والحال أنا (محرمون)
بالعمرة (وقد حصرنا المشركون) بفتح الحاء والصاد والراء
المهملات حبسونا عن الوصول للكعبة (قال: وكانت لي وفرة)
بفتح الواو وسكون الفاء شعر إلى شحمة أذني (فجعلت الهوام)
القمل (تساقط) بتشديد السين (على وجهي فمرّ بي النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(أيؤذيك هوام رأسك؟ قلت: نعم) يا رسول الله (قال: وأنزلت
هذه الآية: {فمن كان منكم مريضًا}) فمن كان به مرض يحوجه
إلى الحلق ({أو به أذى من رأسه}) وهو القمل أو الجراحة
({ففدية}) فعليه إذا حلق فدية ({من صيام}) ثلاثة أيام ({أو
صدقة}) على ستة مساكين نصف صاع من بر ({أو نسك}) [البقرة:
196]. شاة وهو مصدر أو جمع نسيكة.
36 - باب قِصَّةِ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ
(باب قصة عكل) بضم العين وسكون الكاف بعدها لام (وعرينة)
بضم العين المهملة وفتح الراء وسكون التحتية وفتح النون
وسقط لفظ باب لأبي ذر.
4192 - حَدَّثَنِي عَبْدُ الأَعْلَى بْنُ حَمَّادٍ،
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ
عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا -رضي الله عنه- حَدَّثَهُمْ
أَنَّ نَاسًا مِنْ عُكْلٍ وَعُرَيْنَةَ قَدِمُوا
الْمَدِينَةَ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَتَكَلَّمُوا بِالإِسْلاَمِ فَقَالُوا: يَا
نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا أَهْلَ ضَرْعٍ وَلَمْ
نَكُنْ أَهْلَ رِيفٍ وَاسْتَوْخَمُوا الْمَدِينَةَ
فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِذَوْدٍ وَرَاعٍ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا
فِيهِ فَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا
فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا نَاحِيَةَ الْحَرَّةِ
كَفَرُوا بَعْدَ إِسْلاَمِهِمْ وَقَتَلُوا رَاعِيَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَبَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَبَعَثَ الطَّلَبَ فِي
آثَارِهِمْ فَأَمَرَ بِهِمْ فَسَمَرُوا أَعْيُنَهُمْ
وَقَطَعُوا أَيْدِيَهُمْ وَتُرِكُوا فِي نَاحِيَةِ
الْحَرَّةِ
حَتَّى مَاتُوا عَلَى حَالِهِمْ. قَالَ: قَتَادَةُ
بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَعْدَ ذَلِكَ كَانَ يَحُثُّ عَلَى الصَّدَقَةِ
وَيَنْهَى عَنِ الْمُثْلَةِ. وَقَالَ شُعْبَةُ وَأَبَانُ
وَحَمَّادٌ عَنْ قَتَادَةَ مِنْ عُرَيْنَةَ وَقَالَ
يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ وَأَيُّوبُ عَنْ أَبِي
قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ: قَدِمَ نَفَرٌ مِنْ عُكْلٍ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الأعلى بن حماد) النرسي
الباهلي مولاهم البصري قال: (حدّثنا يزيد بن زريع) بتقديم
الزاي المضمومة على الراء المفتوحة الخياط أبو معاوية
البصري قال: (حدّثنا سعيد عن قتاة) بن دعامة (أن أنسًا
-رضي الله عنه- حدثهم أن ناسًا من عكل) قبيلة من تيم
الرباب (و) من (عرينة) حيّ من بجيلة (قدموا المدينة على
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتكلموا
بالإسلام) أي تلفظوا بكلمة التوحيد وأظهروا الإسلام
(فقالوا: يا نبي الله إنا كنا أهل ضرع) بفتح الضاد المعجمة
وسكون الراء ماشية وإبل (ولم نكن أهل ريف) بكسر الراء أرض
زرع وخصب (واستوخموا المدينة فأمرهم) ولأبي ذر: فأمر لهم
(رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذود)
بفتح الذال المعجمة آخره مهملة من الإبل ما بين الثلاثة
إلى العشرة (وراع) كقاض ولأبي ذر وراعي اسمه يسار النوبي
(وأمرهم أن يخرجوا فيه) في الذود (فيشربوا من ألبانها
وأبوالها) أي الإبل (فانطلقوا) فشربوا منهما (حتى إذا
كانوا ناحية الحرة) وصحوا وسمنوا ورجعت إليهم ألوانهم
(كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يسارًا (و) ذلك لما (استاقوا الذود)
أدركهم فقاتلهم فقطعوا يده ورجله وغرزوا الشوك في لسانه
وعينه حتى قتل (فبلغ) ذلك (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نبعث) عليه السلام (الطلب في آثارهم) أي وراءهم
فأخذوا (فأمر بهم فسمّروا) بتخفيف الميم ولأبي ذر بشديدها
(أعينهم) أي كحلت بالمسامير المحمية (وقطعوا أيديهم
وأرجلهم) بتخفيف الطاء (وتركوا) بضم التاء (في ناحية
الحرة) ظاهر المدينة (حتى ماتوا على حالهم).
(قال قتادة): بالإسناد السابق (بلغنا) ولأبي ذر: وبلغنا
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك
كان يحثّ على الصدقة وينهى عن المثلة) بضم الميم وسكون
المثلثة يقال مثلث بالحيوان إذا قطعت أطرافه وشوّهت به
ومثلت بالقتيل إذا جدعت أنفه وأذنه ومذاكيره وشيئًا من
أطرافه وسقط لفظ كان للأربعة.
(وقال شعبة) بن الحجاج مما وصله المؤلّف في الزكاة
وللأصيلي قال أبو عبد الله أي البخاري وقال شعبة: (وأبان)
بن يزيد العطار مما وصله ابن أبي
(6/357)
شيبة (وحماد) هو ابن سلمة مما وصله أبو
داود والنسائي (عن قتادة) بن دعامة (من عرينة) ولم يقل من
عكل.
(قال يحيى بن أبي كثير) مما وصله المؤلّف في المحاربين
(وأيوب) السختياني فيما وصله أيضًا في الطهارة (عن أبي
قلابة) عبد الله بن زيد (عن أنس قدم نفر من عكل) ولم
يقولوا من عرينة.
4193 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ
حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ أَبُو عُمَرَ الْحَوْضِيُّ
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ،
وَالْحَجَّاجُ الصَّوَّافُ، قَالاَ حَدَّثَنِي أَبُو
رَجَاءٍ مَوْلَى أَبِي قِلاَبَةَ وَكَانَ مَعَهُ
بِالشَّأْمِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ
اسْتَشَارَ النَّاسَ يَوْمًا قَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي
هَذِهِ الْقَسَامَةِ؟ فَقَالُوا حَقٌّ
قَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وَقَضَتْ بِهَا الْخُلَفَاءُ قَبْلَكَ، قَالَ
وَأَبُو قِلاَبَةَ خَلْفَ سَرِيرِهِ، فَقَالَ عَنْبَسَةُ
بْنُ سَعِيدٍ: فَأَيْنَ حَدِيثُ أَنَسٍ فِي
الْعُرَنِيِّينَ؟ قَالَ أَبُو قِلاَبَةَ: إِيَّايَ
حَدَّثَهُ أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ
بْنُ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ مِنْ عُرَيْنَةَ، وَقَالَ أَبُو
قِلاَبَةَ عَنْ أَنَسٍ مِنْ عُكْلٍ: ذَكَرَ الْقِصَّةَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن عبد الرحيم) صاعقة
قال: (حدّثنا حفص بن عمر أبو عمر) بضم العين فيهما
(الحوضي) بفتح الحاء المهملة وسكون الواو بعدها ضاد معجمة
من شيوخ المؤلّف روى عنه بالواسطة قال: (حدّثنا حماد بن
زيد) قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (والحجاج) بن أبي عثمان
ميسرة البصري (الصوّاف قال: حدثني) بالإفراد (أبو رجاء)
سليمان (مولى أبي قلابة) عبد الله بن زيد وكان الأصل
حدثاني بالتثنية، لكن قال الحافظ ابن حجر: المراد حجاج لأن
أيوب لا يظهر من هذه الرواية كيفية سياقه وقد اختلف عليه
هل هو عنده عن أبي قلابة بغير واسطة أو بواسطة (وكان) أبو
رجاء (معه) مع أبي قلابة (بالشام أن عمر بن عبد العزيز
استشار الناس يومًا قال): لهم ولأبي ذر فقال (ما تقولون في
هذه القسامة)؟ أي قسمة الأيمان على الأولياء في الدم عند
اللوث أي القرائن المغلبة على الظن (فقالوا) هي (حق قضى
بها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقضت
بها الخلفاء قبلك. قال) أبو رجاء (وأبو قلابة خلف سريره)
أي سرير عمر (فقال عنبسة بن سعيد): بفتح العين المهملة
وسكون النون وفتح الموحدة والمهملة وسعيد بكسر العين
القرشي الأموي (فأين حديث أنس في العرنيين) فإنهم قتلوا
الراعي وكان ثمة لوث ولم يحكم فيهم رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحكم القسامة بل اقتص منهم
(قال أبو قلابة: إياي حدثه أنس بن مالك) بحديثهم (قال عبد
العزيز بن صهيب عن أنس من عرينة) فلم يقل من عكل (وقال أبو
قلابة عن أنس من عكل) فلم يقل من عرينة (ذكر القصة) وسقط
من قوله قال شعبة إلى هنا عند أبوي ذر والوقت وابن عساكر
وهو ثابت عندهم في آخر غزوة ذي قرد.
37 - باب غَزْوَةُ ذَاتِ قَرَدٍ وَهْيَ الْغَزْوَةُ
الَّتِي أَغَارُوا عَلَى لِقَاحِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ خَيْبَرَ بِثَلاَثٍ
(باب غزوة ذات قرد) بفتح القاف والراء، وحكي ضم القاف،
ونسب للغويين والأول للمحدثين ماء على نحو بريد مما يلي
غطفان، ولأبي ذر: ذي قرد مع سقوط الباب له (وهي الغزوة
التي أغاروا) فيها (على لقاح النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بكسر اللام جمع لقحة وهي الناقة ذات
اللبن كانت عشرين لقحة (قبل خيبر بثلاث) من الليالي وعند
ابن سعد كانت في ربيع الأول سنة ست قبل الحديبية فيحتمل أن
يكون ما وقع في حديث سلمة بن الأكوع المروي عند مسلم بلفظ
فرجعنا أي من الغزوة إلى المدينة فوالله ما لبثنا بالمدينة
إلا ثلاث ليال حتى خرجنا إلى خيبر من وهم بعض الرواة كما
قاله القرطبي شارح مسلم.
4194 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ قَالَ: سَمِعْتُ
سَلَمَةَ بْنَ
الأَكْوَعِ يَقُولُ: خَرَجْتُ قَبْلَ أَنْ يُؤَذَّنَ
بِالأُولَى وَكَانَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَرْعَى بِذِي قَرَدٍ قَالَ:
فَلَقِيَنِي غُلاَمٌ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
فَقَالَ: أُخِذَتْ لِقَاحُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قُلْتُ: مَنْ أَخَذَهَا؟
قَالَ: غَطَفَانُ. قَالَ: فَصَرَخْتُ ثَلاَثَ صَرَخَاتٍ
يَا صَبَاحَاهْ. قَالَ: فَأَسْمَعْتُ مَا بَيْنَ لاَبَتَيِ
الْمَدِينَةِ ثُمَّ انْدَفَعْتُ عَلَى وَجْهِي حَتَّى
أَدْرَكْتُهُمْ وَقَدْ أَخَذُوا يَسْتَقُونَ مِنَ الْمَاءِ
فَجَعَلْتُ أَرْمِيهِمْ بِنَبْلِي وَكُنْتُ رَامِيًا
وَأَقُولُ:
أَنَا ابْنُ الأَكْوَعْ ... الْيَوْمُ يَوْمُ الرُّضَّعْ
وَأَرْتَجِزُ حَتَّى اسْتَنْقَذْتُ اللِّقَاحَ مِنْهُمْ
وَاسْتَلَبْتُ مِنْهُمْ ثَلاَثِينَ بُرْدَةً قَالَ:
وَجَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَالنَّاسُ، فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ قَدْ حَمَيْتُ
الْقَوْمَ الْمَاءَ وَهُمْ عِطَاشٌ فَابْعَثْ إِلَيْهِمُ
السَّاعَةَ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ الأَكْوَعِ مَلَكْتَ
فَأَسْجِحْ» قَالَ: ثُمَّ رَجَعْنَا وَيُرْدِفُنِي رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى
نَاقَتِهِ حَتَّى دَخَلْنَا الْمَدِينَةَ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا
حاتم) بالحاء المهملة ابن إسماعيل (عن يزيد بن أبي عبيد)
مولى سلمة بن الأكوع أنه (قال: سمعت سلمة بن الأكوع يقول:
خرجت) من المدينة نحو الغابة (قبل أن يؤذن) بفتح الذال
المعجمة المشددة (بالأولى) وهي صلاة الصبح (وكانت) بالتاء
في اليونينية وغيرها وفي الفرع وكان (لقاح رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ترعى بذي قرد قال:
فلقيني غلام لعبد الرحمن بن عوف) لم يسم أو هو رباح الذي
كان يخدمه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقال) لي:
(أخذت لقاح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-. قلت: من أخذها؟ قال): أخذها (غطفان) زاد في
الجهاد وفزارة وهو من عطف الخاص على العام لأن فزارة من
غطفان (قال: فصرخت ثلاث صرخات) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي بثلاث صرخات بزيادة موحدة (يا صباحاه) مرة واحدة
في الجهاد مرتين منادى مستغاث يقال عند الغارة وهاء صباحاه
ساكنة (قال: فأسمعت ما بين لابتي المدينة) حرتيها.
وفي الطبراني فصعدت في سلع ثم صحت: يا صباحاه فأنتهى صياحي
إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنودي في
الناس الفزع الفزع (ثم اندفعت) أي أسرعت في السير (على
(6/358)
وجهي) فلم ألتفت يمينًا ولا شمالاً (حتى
أركتهم وقد أخذوا يستقون من الماء فجعلت أرميهم بنبلي)
بفتح النون (وكنت راميًا وأقول: أنا ابن الأكوع ... اليوم)
ولأبي ذر وابن عساكر: واليوم (يوم الرضع) أي يوم هلاك
اللئام (وأرتجز) بذلك أو بغيره (حتى استنقذت اللقاح) كلها
(منهم واستلبت منهم ثلاثين بردة. قال: وجاء النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والناس) وكان قد خرج عليه
السلام إليهم غداة الأربعاء في خمسمائة أو سبعمائة (ففلت)
له: (يا نبي الله قد حميت القوم الماء) بفتح ميم حميت أي
منعتهم من شربه (وهم عطاش فابعث إليهم الساعة) وعند ابن
سعد فلو بعثني في مائة رجل استنقذت ما بأيديهم من السرح
وأخذت بأعناق القوم (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(يا ابن الأكوع ملكت) أي قدرت عليهم (فاسجح) بهمزة قطع
مفتوحة وسكون السين
المهملة وبعد الجيم المكسورة حاء مهملة أي فارفق ولا تأخذ
بالشدة (قال: ثم رجعنا) إلى المدينة (ويردفني رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على ناقته) العضباء
(حتى دخلنا المدينة) زاد هنا أبوا ذر والوقت وابن عساكر
قال شعبة إلى قوله باب قصة عكل المذكور قبل آخر الباب.
38 - باب غَزْوَةُ خَيْبَرَ
(باب غزوة خيبر) وهي مدينة ذات حصون ومزارع على ثمانية برد
من المدينة إلى جهة الشام وسقط لفظ باب لأبي ذر.
4195 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ بُشَيْرِ بْنِ
يَسَارٍ أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ النُّعْمَانِ أَخْبَرَهُ
أَنَّهُ خَرَجَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَامَ خَيْبَرَ حَتَّى إِذَا كُنَّا
بِالصَّهْبَاءِ وَهْيَ مِنْ أَدْنَى خَيْبَرَ صَلَّى
الْعَصْرَ ثُمَّ دَعَا بِالأَزْوَادِ فَلَمْ يُؤْتَ إِلاَّ
بِالسَّوِيقِ فَأَمَرَ بِهِ فَثُرِّيَ فَأَكَلَ
وَأَكَلْنَا ثُمَّ قَامَ إِلَى الْمَغْرِبِ فَمَضْمَضَ
وَمَضْمَضْنَا ثُمَّ صَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك)
إمام دار الهجرة (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن بشير بن
يسار) بضم الموحدة وفتح المعجمة مصغرًا ويسار بالتحتية
والمهملة المخففة (أن سويد بن النعمان أخبره أنه خرج مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام خيبر) سنة
سبع (حتى إذا كنا بالصهباء) بالصاد المهملة والمد (وهي من
أدنى) أي من أسفل (خيبر صلّى العصر ثم دعا بالأزواد) جمع
زاد وهو ما يؤكل في السفر (فلم يؤت إلا بالسويق فأمر) عليه
الصلاة والسلام (به فثري) بضم المثلثة وتشديد الراء وتخفف
أي بلّ بالماء لما حصل له من اليبس (فأكل) عليه الصلاة
والسلام (وأكلنا) منه وزاد في الجهاد وشربنا (ثم قام الى)
صلاة (المغرب فمضمض) قبل أن يدخل في الصلاة (ومضمضنا) كذلك
(ثم صلّى ولم يتوضأ) بسبب أكل السويق.
وهذا الحديث سبق في الوضوء ويأتي إن شاء الله تعالى في
الطعام.
4196 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ
أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله
عنه- قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى خَيْبَرَ فَسِرْنَا لَيْلاً
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ لِعَامِرٍ: يَا عَامِرُ
أَلاَ تُسْمِعُنَا مِنْ هُنَيْهَاتِكَ؟ وَكَانَ عَامِرٌ
رَجُلاً شَاعِرًا فَنَزَلَ يَحْدُو بِالْقَوْمِ يَقُولُ:
اللَّهُمَّ لَوْلاَ أَنْتَ مَا اهْتَدَيْنَا ... وَلاَ
تَصَدَّقْنَا وَلاَ صَلَّيْنَا
فَاغْفِرْ فِدَاءً لَكَ مَا أَبْقَيْنَا ... وَأَلْقِيَنْ
سَكِينَةً عَلَيْنَا
وَثَبِّتِ الأَقْدَامَ إِنْ لاَقَيْنَا ... إِنَّا إِذَا
صِيحَ بِنَا أَبَيْنَا
وَبِالصِّيَاحِ عَوَّلُوا عَلَيْنَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «مَنْ هَذَا السَّائِقُ»؟ قَالُوا: عَامِرُ
بْنُ الأَكْوَعِ قَالَ: «يَرْحَمُهُ اللَّهُ» قَالَ رَجُلٌ
مِنَ الْقَوْمِ: وَجَبَتْ يَا نَبِيَّ اللَّهِ لَوْلاَ
أَمْتَعْتَنَا بِهِ فَأَتَيْنَا خَيْبَرَ فَحَاصَرْنَاهُمْ
حَتَّى أَصَابَتْنَا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ فَلَمَّا أَمْسَى
النَّاسُ مَسَاءَ الْيَوْمِ الَّذِي فُتِحَتْ عَلَيْهِمْ
أَوْقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً فَقَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَا هَذِهِ
النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَىْءٍ تُوقِدُونَ»؟ قَالُوا:
عَلَى لَحْمٍ. قَالَ: «عَلَى أَيِّ لَحْمٍ»؟ قَالُوا:
لَحْمِ حُمُرِ الإِنْسِيَّةِ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَهْرِيقُوهَا
وَاكْسِرُوهَا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ
نُهَرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ: «أَوْ ذَاكَ» فَلَمَّا
تَصَافَّ الْقَوْمُ كَانَ سَيْفُ عَامِرٍ قَصِيرًا
فَتَنَاوَلَ بِهِ سَاقَ يَهُودِيٍّ لِيَضْرِبَهُ
وَيَرْجِعُ ذُبَابُ سَيْفِهِ فَأَصَابَ عَيْنَ رُكْبَةِ
عَامِرٍ فَمَاتَ مِنْهُ قَالَ: فَلَمَّا قَفَلُوا قَالَ
سَلَمَةُ: رَآنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ آخِذٌ بِيَدِي قَالَ: «مَا
لَكَ»؟ قُلْتُ لَهُ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي زَعَمُوا
أَنَّ عَامِرًا حَبِطَ عَمَلُهُ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كَذَبَ مَنْ قَالَهُ إِنَّ
لَهُ لأَجْرَيْنِ -وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ- إِنَّهُ
لَجَاهِدٌ مُجَاهِدٌ قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشَى بِهَا
مِثْلَهُ». حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا حَاتِمٌ
قَالَ: نَشَأَ بِهَا.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا
حاتم بن إسماعيل) المدني الحارثي مولاهم (عن يزيد بن أبي
عبيد) الأسلمي مولى سلمة بن الأكوع (عن سلمة بن الأكوع
-رضي الله عنه-) أنه (قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى خيبر فسرنا ليلاً فقال رجل من
القوم): هو أسيد بن حضير (لعامر) عم سلمة بن الأكوع (يا
عامر ألا تسمعنا من هنيهاتك) بهاءين أولاهما مضمومة بعدها
نون مفتوحة فتحتية ساكنة مصغر هنة، ولأبي ذر عن الكشميهني:
هنياتك بهاء واحدة مضمومة وتشديد التحتية أي من أراجيزك.
وعند ابن إسحاق من حديث نصر بن دهر الأسلمي أنه سمع رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول في مسيره
إلى خيبر لعامر بن الأكوع وهو عم سلمة بن الأكوع واسم
الأكوع سنان: "أنزل يا ابن الأكوع فاحد لنا من هنياتك"
ففيه أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هو الذي
أمره بذلك (وكان عامر رجلاً شاعرًا) ولأبي ذر عن الكشميهني
حدّاء (فنزل يحدو بالقوم يقول:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا ... ولا تصدقنا ولا صلينا)
قال في الفتح: في هذا القسم زحاف الخزم بمعجمتين وهو زيادة
سبب خفيف في أوله، وأكثر هذا الرجز قد تقدم في الجهاد من
حديث البراء بن عازب وأنه من شعر عبد الله بن رواحة،
فيحتمل أن يكون هو وعامر تواردا على ما تواردا منه بدليل
ما وقع لكل منهما مما ليس عند الآخر أو استعان عامر ببعض
ما سبقه إليه ابن رواحة.
(فاغفر فداء لك) بكسر الفاء والمد والمخاطب بذلك النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أي اغفر لنا تقصيرنا
في حقك ونصرك إذ لا يتصور أن يقال: مثل هذا الكلام للباري
تعالى، وقوله: اللهم لم يقصد
(6/359)
بها الدعاء وإنما افتتح بها الكلام (ما
أبقينا ... ) من الإبقاء بالموحدة أي ما خلفنا وراءنا مما
اكتسبناه من الآثام، ولأبي ذر: ما اتقينا بالفوقية
المشدّدة أي ما تركناه من الأوامر (وألقين) أي وسل ربك أن
يلقين (سكينة علينا ... وثبث الأقدام) أي وأن تثبت الأقدام
(إن لاقينا ... ) العدو (إنا إذا
صيح) بكسر الصاد المهملة وتسكين التحتية (بنا) أي إذا
دعينا إلى غير الحق (أبينا ... ) أي امتنعنا ولأبي ذر عن
المستملي والكشميهني أتينا بالفوقية بدل الموحدة أي إذا
دعينا إلى القتال أو إلى الحق جئنا (وبالصياح عوّلوا علينا
... ) أي وبالصوت العالي قصدونا واستغاثوا علينا، وفي نسخة
بالفرع كأصله أعولوا علينا (فقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من هذا السائق)؟ للإبل (قالوا): يا رسول الله (عامر بن
الأكوع قال) عليه الصلاة والسلام: (يرحمه الله) وعند أحمد
من رواية إياس بن سلمة فقال: غفر لك ربك قال: وما استغفر
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لإنسان
يخصه إلا استشهد (قال رجل من القوم): هو عمر بن الخطاب كما
في مسلم (وجبت) له الشهادة بدعائك له (يا نبي الله لولا)
أي هلا (أمتعتنا به) أبقيته لنا لنتمتع به (فأتينا خيبر)
أي أهل خيبر (فحاصرناهم حتى أصابتنا مخمصة) مجاعة (شديدة
ثم إن الله تعالى فتحها عليهم) حصنًا حصنًا وكان أولها
فتحًا حصن ناعم (فلما أمسى الناس مساء اليوم الذي فتحت
عليهم أوقدوا نيرانًا كثيرة فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: ما هذه النيران على أي شيء توقدونـ)
ـها (قالوا): نوقدها (على لحم قال: على أيّ لحم)؟ أي نوع
اللحوم توقدونها (قالوا: لحم الحمر الإنسية) بكسر الهمزة
وسكون النون أو بفتح الهمزة والنون صفة حمر ولحم جر في
الفرع كأصله ولأبي ذر بالرفع خبر مبتدأ محذوف أي هو لحم
حمر ويجوز النصب بنزع الخافض أي على لحم حمر وهو بضمتين
جمع حمار (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أهريقوها) بهمزة مفتوحة وسكون الهاء ولأبي ذر وابن عساكر
هريقوها أي أريقوها والهاء زائدة (واكسروها فقال رجل): لم
يسم أو هو عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- (يا رسول الله أو)
بسكون الواو (نهريقها) بضم النون (ونغسلها قال) عليه
الصلاة والسلام: (أو) بسكون الواو (ذاك) أي الغسل (فلما
تصافّ القوم) بتشديد الفاء أي للقتال (كان سيف عامر) أي
ابن الأكوع (قصيرًا فتناول به ساق يهودي ليضربه) به (ويرجع
ذباب سيفه) أي طرفه الأعلى أو حدّه (فأصاب عين ركبة عامر)
أي طرف ركبته الأعلى، وعند أحمد فلما قدمنا خيبر خرج ملكهم
مرحب يخطر بسيفه فبرز له عامر فاختلفا ضربتين فوقع سيف
مرحب في ترس عامر فذهب عامر يسفل له أي يضربه من أسفل فرجع
سيف عامر على نفسه (فمات منه قال: فلما قفلوا) رجعوا من
خيبر (قال سلمة) بن الأكوع: (رآني رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو آخذ بيدي) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي يدي بإسقاط الجار (قال: ما لك)؟ وعند
قتيبة رآني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
شاحبًا بمعجمة ثم مهملة وموحدة أي متغير اللون، ولإياس:
فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأنا
أبكي (قلت له: فداك أبي وأمي زعموا أن عامرًا حبط عمله)
لأنه قتل نفسه وفي رواية إياس بطل عمل عامر قتل نفسه وسمى
من القائلين أسيد بن حضير في رواية قتيبة الآتية في الأدب
(قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: كذب من
قاله إن) ولأبي ذر: إن (له لأجرين) أجر الجهد في الطاعة
وأجر الجهاد في سبيل الله واللام للتأكيد ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي أجرين بإسقاطها (وجمع) عليه الصلاة
والسلام (بين إصبعيه إنه لجاهد) مرتكب للمشقة واللام
للتأكيد (مجاهد) في سبيل الله بكسر الهاء والتنوين فيهما
بلفظ اسم الفاعل والأول مرفوع على الخبر والثاني اتباع
للتأكيد كقولهم جادّ مجدّ، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي مما ليس في اليونينية جاهد بفتح الهاء والدال
بلفظ الماضي. قال عياض: والأول الوجه.
قال في التنقيح، وتبعه في المصابيح بفتح الهاء في الأول
ماضيًا وكسرها في الثاني اسمًا منصوبًا بذلك الفعل
(6/360)
جميعًا لمجهد (قلّ عربي مشى) بالميم والقصر
(بها) بالأرض أو المدينة أو الحرب أو الخصلة (مثله) أي مثل
عامر. قال القاضي عياض: وأثر رواة البخاري عليه، وقال
المؤلّف أيضًا.
(حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا حاتم) بالحاء المهملة
ابن إسماعيل المذكور في السند السابق و (قال): في حديثه
(نشأ) بالنون بدل الميم وبالهمزة آخره نعل ماض أي شب (بها)
وكبر فخالف في هذه اللفظة، وهذه الرواية موصولة عند
المؤلّف في الأدب.
4197 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ
-رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَتَى خَيْبَرَ لَيْلاً وَكَانَ إِذَا
أَتَى قَوْمًا بِلَيْلٍ لَمْ يُغِرْ بِهِمْ حَتَّى
يُصْبِحَ فَلَمَّا أَصْبَحَ خَرَجَتِ الْيَهُودُ
بِمَسَاحِيهِمْ وَمَكَاتِلِهِمْ، فَلَمَّا رَأَوْهُ
قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ
قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) الإمام (عن حميد الطويل عن أنس -رضي الله عنه- أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتى خيبر)
أي قريبًا منها (ليلاً وكان إذا أتى قومًا بليل) ليغزوهم
(لم يُغِز بهم) بكسر الغين المعجمة من الإغارة وللأربعة لم
يقربهم بالقاف من القرب (حتى يصبح فلما أصبح خرجت اليهود
بمساحيهم) بسكون الياء (ومكاتلهم) قففهم يطلبون زرعهم
(فلما رأوه) عليه الصلاة والسلام (قالوا): جاء (محمد والله
محمد والخميس) الجيش (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بما علمه من الوحي:
(خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين).
وهذا الحديث سبق في الجهاد في باب دعاء النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى الإسلام.
4198 - أَخْبَرَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا
ابْنُ عُيَيْنَةَ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
سِيرِينَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ:
صَبَّحْنَا خَيْبَرَ بُكْرَةً فَخَرَجَ أَهْلُهَا
بِالْمَسَاحِي فَلَمَّا بَصُرُوا بِالنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالُوا: مُحَمَّدٌ وَاللَّهِ
مُحَمَّدٌ وَالْخَمِيسُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ
خَيْبَرُ إِنَّا إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ
صَبَاحُ الْمُنْذَرِينَ» فَأَصَبْنَا مِنْ لُحُومِ
الْحُمُرِ فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ
يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا
رِجْسٌ».
وبه قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (صدقة بن الفضل)
المروزي قال: (أخبرنا ابن عيينة) سفيان قال: (حدّثنا أيوب)
السختياني (عن محمد بن سيرين عن أنس بن مالك -رضي الله
عنه-) أنه (قال: صبحنا خيبر) بتشديد الموحدة وسكون المهملة
(بكرة) استشكل مع الرواية السابقة أنهم قدموها ليلاً.
وأجيب: بالحمل على أنهم لما قدموها وباتوا دونها ركبوا
إليها بكرة فصبحوها بالقتال
والإغارة (فخرج أهلها) لزروعهم وضروعهم (بالمساحي) التي هي
آلات الحرث (فلما بصروا بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قالوا): هذا (محمد والله) هذا (محمد والخميس)
رفع عطفًا على المرفوع أو نصب مفعولاً معه (فقال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(الله أكبر خربت خيبر) تفاؤلاً بآلة الهدم مع لفظ المسحاة
المأخوذ من سحوت المأخوذ منه أن مدينتهم ستخرب قاله
السهيلي (إنا إذا نزلنا بساحة قوم) بقربهم وحضرتهم (فساء
صباح المنذرين) أي بئس الصباح صباح من أنذر بالعذاب
(فأصبنا من لحوم الحمر فنادى منادي النبي) وفي نسخة رسول
الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إن الله
ورسوله ينهياكم) استدلّ به على جواز جمع اسم الله مع غيره
في ضمير واحد ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: ينهاكم
بالإفراد (عن) أكل (لحوم الحمر) الأهلية (فإنها رجس) قذر
ونتن.
4199 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْوَهَّابِ
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ
مُحَمَّدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-. أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
جَاءَهُ جَاءٍ فَقَالَ: أُكِلَتِ الْحُمُرُ؟ فَسَكَتَ.
ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَقَالَ: أُكِلَتِ الْحُمُرُ؟
فَسَكَتَ. ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ فَقَالَ أُفْنِيَتِ
الْحُمُرُ؟ فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى فِي النَّاسِ:
"إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ
الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ" فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ
وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِاللَّحْمِ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (عبد الله بن
عبد الوهاب) الحجبي البصري قال: (حدّثنا عبد الوهاب) بن
عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب) السختياني (عن محمد)
أي ابن سيرين (عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جاءه جاء) بالهزة
منوّنًا لم يسم، ولأبي ذر: جاي بالتحتية منوّنًا بدلاً من
الهمز والذي في اليونينية جاءي بهمزة ثم تحتية منوّنة
(فقال): يا رسول الله (أكلت الحمر) بضم الهمزة مبنيًا
للمفعول (فسكت) عليه الصلاة والسلام (ثم أتاه) ولأبي ذر ثم
أتى (الثانية فقال): يا رسول الله (أكلت الحمر فسكت) عليه
الصلاة والسلام (ثم أتاه) ولأبي ذر ثم أتى (الثالثة فقال:
أفنيت الحمر فأمر مناديًا) هو أبو طلحة (فنادى في الناس:
إن الله ورسوله ينهيانكم) بتثنية الضمير نهي تحريم (عن
لحوم الحمر الأهلية) فإنها رجس (فأكفئت القدور) بضم الهمزة
وسكون الكاف وكسر الفاء وهمزة مفتوحة قيل الصواب فكفئت
بإسقاط الهمزة الأولى (وإنها لتفور باللحم) أي قد اشتد
غليانها به.
4200 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله
عنه- قَالَ: صَلَّى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الصُّبْحَ قَرِيبًا مِنْ خَيْبَرَ بِغَلَسٍ
ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُ أَكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ إِنَّا
إِذَا نَزَلْنَا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ
الْمُنْذَرِينَ» فَخَرَجُوا يَسْعَوْنَ فِي السِّكَكِ
فَقَتَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الْمُقَاتِلَةَ، وَسَبَى الذُّرِّيَّةَ. وَكَانَ فِي
السَّبْيِ صَفِيَّةُ فَصَارَتْ إِلَى دِحْيَةَ
الْكَلْبِيِّ، ثُمَّ صَارَتْ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَعَلَ عِتْقَهَا
صَدَاقَهَا، فَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ
لِثَابِتٍ: يَا أَبَا مُحَمَّدٍ آنْتَ قُلْتَ لأَنَسٍ مَا
أَصْدَقَهَا؟ فَحَرَّكَ ثَابِتٌ رَأْسَهُ تَصْدِيقًا لَهُ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
حماد بن زيد) أي ابن درهم (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي
الله عنه-) أنه (قال: صلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الصبح قريبًا من خيبر بغلس) في أول وقتها ذكر
ابن إسحاق أنه نزل بواد يقال له الرجيع بينهم وبين غطفان
لئلا يمدوهم وكانوا حلفاءهم
(6/361)
(ثم قال) عليه الصلاة والسلام لما أشرف على
خيبر:
(الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح
المنذرين) المخصوص بالذم محذوف أي فساء صباح المنذرين
صباحهم (فخرجوا) أي يهود خيبر حال كونهم (يسعون في السكك)
أي في أزقة خيبر ويقولون: محمد والخميس فقاتلهم عليه
الصلاة والسلام حتى ألجأهم إلى قصرهم فصالحوه على أن له
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الصفراء والبيضاء
والحلقة ولهم ما حملت ركابهم، وعلى أن لا يكتموا ولا
يغيبوا شيئًا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد فغيبوا مسكًا
لحيي بن أخطب فيه حليهم فقال عليه الصلاة والسلام: "أين
مسك حيي بن أخطب" قالوا: أذهبته الحروب والنفقات فوجدوا
المسك (فقتل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
المقاتلة) بكسر التاء الأولى أي الرجال (وسبى الذرية وكان
في السبي صفية) بنت حيي (فصارت إلى دحية الكلبي ثم صارت
إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فتزوجها
(فجعل عتقها صداقها) خصوصية له عليه الصلاة والسلام (فقال
عبد العزيز بن هيب لثابت: يا أبا محمد آنت) بمد الهمزة
(قلت لأنس ما أصدقها) عليه الصلاة والسلام (فحرّك ثابت
رأسه تصديقًا له).
وهذا الحديث سبق في صلاة الخوف في باب التكبير والغلس.
4201 - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ
الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ
مَالِكٍ -رضي الله عنه- يَقُولُ: سَبَى النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صَفِيَّةَ فَأَعْتَقَهَا
وَتَزَوَّجَهَا، فَقَالَ ثَابِتٌ لأَنَسٍ: مَا
أَصْدَقَهَا؟ قَالَ: أَصْدَقَهَا نَفْسَهَا فَأَعْتَقَهَا.
وبه قال: (حدّثنا آدم) بن أبي إياس قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن عبد العزيز بن صهيب) أنه (قال: سمعت أنس بن
مالك -رضي الله عنه- يقول: سبى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صفية) سيدة قريظة والنضير وعند ابن
إسحاق أنها سبيت من حصن القموص (فأعتقها وتزوجها) بغير مهر
قال ابن الصلاح: معناه أن العتق حل محل الصداق وإن لم يكن
صداقًا (فقال): ولأبي ذر قال: (ثابث) البناني (لأنس: ما
أصدقها؟ قال: أصدقها نفسها فأعتقها). وهذا ظاهر جدًّا في
أن المجعول مهرًا هو نفس العتق وهو من خصائصه وممن جزم
بذلك الماوردي.
4202 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ عَنْ
أَبِي حَازِمٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ -رضي
الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الْتَقَى هُوَ وَالْمُشْرِكُونَ فَاقْتَتَلُوا،
فَلَمَّا مَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلَى عَسْكَرِهِ، وَمَالَ الآخَرُونَ إِلَى
عَسْكَرِهِمْ وَفِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَجُلٌ لاَ يَدَعُ لَهُمْ
شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا يَضْرِبُهَا
بِسَيْفِهِ، فَقِيلَ مَا أَجْزَأَ مِنَّا الْيَوْمَ أَحَدٌ
كَمَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ
النَّارِ» فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أَنَا
صَاحِبُهُ، قَالَ: فَخَرَجَ مَعَهُ كُلَّمَا وَقَفَ وَقَفَ
مَعَهُ وَإِذَا أَسْرَعَ أَسْرَعَ
مَعَهُ قَالَ: فَجُرِحَ الرَّجُلُ جُرْحًا شَدِيدًا
فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ سَيْفَهُ بِالأَرْضِ
وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَى
سَيْفِهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَخَرَجَ الرَّجُلُ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ قَالَ: «وَمَا
ذَاكَ»؟ قَالَ: الرَّجُلُ الَّذِي ذَكَرْتَ آنِفًا أَنَّهُ
مِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَأَعْظَمَ النَّاسُ ذَلِكَ
فَقُلْتُ أَنَا لَكُمْ بِهِ، فَخَرَجْتُ فِي طَلَبِهِ
ثُمَّ جُرِحَ جُرْحًا شَدِيدًا فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ
فَوَضَعَ نَصْلَ سَيْفِهِ فِي الأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ
ثَدْيَيْهِ، ثُمَّ تَحَامَلَ عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عِنْدَ ذَلِكَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ
عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ
مِنَ أَهْلِ النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ
عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ
مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا يعقوب) بن
عبد الرحمن الإسكندراني (عن أبي حازم) سلمة بن دينار (عن
سهل بن سعد الساعدي -رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التقى هو والمشركون) أي في
خيبر كما في حديث أبي هريرة اللاحق لهذا الحديث (فاقتتلوا
فلما مال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إلى عسكره) أي رجع بعد فراغ القتال في ذلك اليوم (ومال
الآخرون) أهل خيبر (إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجل) قيل هو قزمان
بضم القاف وسكون الزاي الظفري بفتح المعجمة والفاء نسبة
لبني ظفر بطن من الأنصار، وكنيته أبو الغيداق بغين معجمة
مفتوحة فتحتية ساكنة آخره قاف (لا يدع لهم) أي لا يترك
لليهود نسمة (شاذة) بثين وذال مشددة معجمتين التي تكون مع
الجماعة ثم تفارقهم (ولا فاذة) بالفاء والمعجمة المشددة
أيضًا التي لم تكن اختلطت بهم أصلاً والمعنى أنه لا يرى
نفسه نسمة منهم (إلا اتبعها) بتشديد الفوقية (يضربها
بسيفه) يقتلها (فقيل) وللأصيلي فقالوا ولابن عساكر وأبي
الوقت وأبي ذر عن الحموي والمستملي فقال: ولأبي ذر عن
الكشميهني فقلت: قال في الفتح: فإن كانت هذه محفوظة
فالقائل سهل بن سعد الساعدي (ما أجزأ) بجيم وزاي أي ما
أغنى (منا اليوم أحد كما أجزأ فلان) هو على سبيل المبالغة
فقد كان في القوم من كان فوقه في ذلك (فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أما) بالتخفيف استفتاحية فتكسر الهمزة من قوله (أنه من
أهل النار) لنفاقه باطنًا. وعند الطبراني من حديث أكتم
الخزاعي قلنا: يا رسول الله إذا كان فلان في عبادته
واجتهاده ولين جانبه في النار فأين نحن؟ قال: "ذلك اخبأت
النفاق" (فقال رجل من القوم): هو أكتم بن أبي الجون
الخزاعي (أنا صاحبه) أي لأتبعه كما في الرواية الأخرى
(قال: فخرج معه كلما وقف وقف معه، وإذا أسرع أسرع معه قال:
فجرح الرجل) قزمان (جرحًا شديدًا فاستعجل الموت فوضع سيفه
بالأرض وذبابه) بمعجمة مضمومة أي طرفه (بين ثدييه ثم
تحامل) مال (على سيفه) زاد أكتم حتى خرج من ظهره (فقتل
نفسه
(6/362)
فخرج الرجل) الذي اتبعه (إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في فقال: أشهد أنك
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وما ذاك) (قال
الرجل الذي ذكرت أنفًا) بمد الهمزة وكسر النون أي الآن:
(أنه من أهل النار فأعظم الناس ذلك) الذي قلته (فقلت: أنا
لكم به) أتبعه حتى أرى ما له (فخرجت في طلبه ثم جرح جرحًا
شديدًا فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه في الأرض وذبابه
بين ثدييه ثم تحامل عليه فقتل نفسه فقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند ذلك: إن الرجل ليعمل عمل
أهل الجنة فيما يبدو) يظهر (للناس وهو من أهل النار وأن
الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل
الجنة) فيه التحذير من الاغترار بالأعمال.
تنبيه:
قال المهلب: هذا الرجل ممن أعلمنا -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه نفذ عليه الوعيد من النفاق، ولا
يلزم منه أنه كل من قتل نفسه يقضى عليه بالنار. وقال
السفاقسي: يحتمل أن يكون قوله هو من أهل النار إن لم يغفر
الله له.
4203 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
قَالَ: شَهِدْنَا خَيْبَرَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِرَجُلٍ مِمَّنْ
مَعَهُ يَدَّعِي الإِسْلاَمَ: «هَذَا مِنْ أَهْلِ
النَّارِ» فَلَمَّا حَضَرَ الْقِتَالُ قَاتَلَ الرَّجُلُ
أَشَدَّ الْقِتَالِ حَتَّى كَثُرَتْ بِهِ الْجِرَاحَةُ
فَكَادَ بَعْضُ النَّاسِ يَرْتَابُ فَوَجَدَ الرَّجُلُ
أَلَمَ الْجِرَاحَةِ فَأَهْوَى بِيَدِهِ إِلَى كِنَانَتِهِ
فَاسْتَخْرَجَ مِنْهَا أَسْهُمًا فَنَحَرَ بِهَا نَفْسَهُ
فَاشْتَدَّ رِجَالٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَقَالُوا: يَا
رَسُولَ اللَّهِ صَدَّقَ اللَّهُ حَدِيثَكَ انْتَحَرَ
فُلاَنٌ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَقَالَ: «قُمْ يَا فُلاَنُ
فَأَذِّنْ أَنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ
مُؤْمِنٌ، إِنَّ اللَّهَ يُؤَيِّدُ الدِّينَ بِالرَّجُلِ
الْفَاجِرِ». تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ.
4204 - وَقَالَ شَبِيبٌ عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
أَخْبَرَنِي ابْنُ الْمُسَيَّبِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ
قَالَ: شَهِدْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ
عَنْ يُونُسَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَعِيدٍ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَابَعَهُ
صَالِحٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ. وَقَالَ الزُّبَيْدِيُّ
أَخْبَرَنِي الزُّهْرِيُّ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
كَعْبٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ كَعْبٍ
قَالَ: أَخْبَرَنِي مَنْ شَهِدَ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ قَالَ الزُّهْرِيُّ
وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
وَسَعِيدٌ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سعيد بن المسيب أن أبا هريرة
-رضي الله عنه- قال: شهدنا خيبر) مجاز عن جنسه من المسلمين
لأن أبا هريرة -رضي الله عنه- إنما جاء بعد فتح خيبر، لكن
عند الواقدي أنه حضر بعد فتح معظم خيبر فحضر فتح آخرها
(فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لرجل) أي عن رجل منافق (ممن معه يدعي الإسلام):
(هذا من أهل النار) لأنه منافق غير مؤمن أو أنه سيرتد أو
يستحل قتل نفسه (فلما حضر القتال) بالرفع مصححًا عليه في
الفرع على الفاعلية ويجوز النصب (أي فلما حضر الرجل)
القتال (قاتل الرجل أشدّ القتال حتى كثرت به الجراحة فكاد)
أي قارب (بعض الناس يرتاب) أي يشك في صدقه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فوجد الرجل ألم الجراحة فأهوى بيده
إلى كنانته فاستخرج منها أسهمًا) بالهمز أوله
وضم الهاء بلفعل الجمع، ولأبي ذر عن الكشميهني: سهمًا
بالإفراد (فنحر بها نفسه فاشتد) أي أسرع (رجال من
المسلمين) في المشي (فقالوا: يا رسول الله صدق الله حديثك
انتحر فلان فقتل نفسه فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (قم يا فلان) هو بلال كما في القدر، أو عمر بن
الخطاب كما في مسلم، أو عبد الرحمن بن عوف كما عند
البيهقي، ويحتمل أنهم نادوا جميعًا في جهات مختلفة كما
قاله في الفتح (فأذّن) بتشديد الذال المعجمة المكسورة
(أنه) ولأبي ذر أن (لا يدخل الجنة إلا مؤمن) فيه إشعار
بسلب الإيمان عن هذا الرجل (إن الله يؤيد) ولأبي ذر عن
الكشميهني ليؤيد (الدين بالرجل الفاجر). الذي قتل نفسه أو
آل للجنس لا للعهد فيعم كل فاجر أيد الدين وساعده بوجه من
الوجوه. وقد صرح في حديث أبي هريرة هذا بما أبهمه في حديث
سهل من أن هذه القصة كانت بخيبر وهو ظاهر سياق المؤلّف
وأنهما متحدتان عنده، لكن بين السياقين اختلاف كما لا يخفى
فلذا جنح السفاقسي إلى التعدد. نعم يمكن الجمع باحتمال أن
يكون نحر نفسه بأسهمه فلم تزهق روحه وإن كان قد أشرف على
القتل فاتكأ حينئذ على سيفه استعجالاً للموت وحينئذٍ فلا
تعدد (تابعه) أي تابع شعيبًا (معمر) هو ابن راشد كما هو
موصول في القدر والجهاد عند المؤلّف (عن الزهري) محمد بن
مسلم في هذا الأسناد.
(وقال شبيب) بفتح الشين المعجمة وكسر الموحدة الأولى ابن
سعيد فيما وصله النسائي (عن يونس) بن يزيد (عن ابن شهاب)
الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (ابن المسيب) سعيد
(وعبد الرحمن بن عبد الله بن كعب أن أبا هريرة) -رضي الله
عنه- (قال: شهدنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خيبر) وللأصيلي وابن عساكر وأبوي الوقت وذر عن
الحموي والمستملي حنينًا بالحاء المهملة والنون بدل خيبر
يعني فخالف يونس معمرًا وشعيبًا.
وقال عياض في شرحه لمسلم في حديث أبي هريرة: شهدنا مع رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حنينًا كذا وقعت
الرواية فيها عند عبد الرزاق في الأم، ورواه الذهلي خيبر
أي
(6/363)
بالخاء المعجمة وهو الصواب. وقال في
المشارق: رواه جميع رواة مسلم حنينًا، وكذا بعض رواة
البخاري من طريق يونس عن الزهري، وكذا المنذري وصوابه خيبر
كما رواه ابن السكن وإحدى الروايتين عن الأصيلي عن المروزي
في حديث يونس هذا، وكذا في البخاري في حديث شعيب والزبيدي
عن الزهري وكذا قال غندر عن معمر قاله الذهلي قال: وحنين
وهم، لكن رواية من رواه عن البخاري في حديث يونس صحيحة
الرواية خطأ في نفس الحديث كما عند مسلم لأنه روى الرواية
على وجهها وإن كان خطأ في الأصل. ألا ترى قصد البخاري إلى
التنبيه عليه بقوله، وقال شبيب عن يونس إلى قوله خيبر
فالوهم من يونس لا ممن دون البخاري ومسلم.
(وقال ابن المبارك) عبد الله المروزي (عن يونس) بن يزيد
(عن الزهري) ابن شهاب (عن سعيد) أي ابن المسيب (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يريد بهذا التعليق
أن سعيدًا وافق شبيبًا في لفظ حنين بالحاء المهملة وخالفه
في الإسناد فأرسل الحديث وهذا وصله المؤلّف في الجهاد وليس
فيه تعيين الغزوة
(تابعه) أي تابع ابن المبارك (صالح) هو ابن كيسان (عن
الزهري) محمد بن مسلم فيما وصله المؤلّف في تاريخه. قال في
الفتح: أي في ترك ذكر اسم الغزوة لا في بقية المتن
والإسناد كما هو ظاهر سياقه في تاريخه.
(وقال الزبيدي) بضم الزاي وفتح الموحدة محمد بن الوليد أبو
الهذيل الشامي الحمصي (أخبرني) بالإفراد (الزهري) محمد (أن
عبد الرحمن بن كعب) نسبه لجده واسم أبيه عبد الله بن كعب
(أخبره أن عبيد الله) بضم العين في اليونينية (ابن كعب
قال: أخبرني) بالإفراد، ولأبوي ذر والوقت حدثني (من شهد مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر) ولأبي ذر
بخيبر بزيادة الجار وهذا وصله المؤلّف في التاريخ.
وقال الزبيدي: (قال) ولأبي ذر وقال (الزهري: وأخبرني)
بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عمر بن
الخطاب، لكن قال الغساني عبيد الله بالتصغير لا أدري من هو
ولعله وهم، والصحيح عبد الرحمن بن عبيد الله بن كعب وكذا
عند الذهلي. قال الزهري: وأخبرني عبد الرحمن بن عبد الله.
قال ابن حجر: وهو أصوب من عبيد الله أي بالتصغير (وسعيد)
أي ابن المسيب (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وهذا التعليق مرسل وصله الذهلي في الزهريات.
قال في الفتح: وقد اقتضى صنيع المؤلّف ترجيح رواية شعيب
ومعمر وأن بقية الروايات محتملة وأن ذلك لا يستلزم القدح
في الرواية الراجحة لأن شرط الاضطراب أن تتساوى وجوه
الاختلاف فلا يرجح شيء منها.
4205 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ عَنْ
أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ قَالَ: لَمَّا غَزَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ
أَوْ قَالَ لَمَّا تَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَشْرَفَ النَّاسُ عَلَى
وَادٍ فَرَفَعُوا أَصْوَاتَهُمْ بِالتَّكْبِيرِ اللَّهُ
أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِنَّكُمْ لاَ
تَدْعُونَ أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا، إِنَّكُمْ تَدْعُونَ
سَمِيعًا قَرِيبًا، وَهْوَ مَعَكُمْ». وَأَنَا خَلْفَ
دَابَّةِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَسَمِعَنِي وَأَنَا أَقُولُ لاَ حَوْلَ وَلاَ
قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ فَقَالَ لِي: «يَا عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ» قُلْتُ لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ: «أَلاَ أَدُلُّكَ عَلَى كَلِمَةٍ مِنْ كَنْزٍ مِنْ
كُنُوزِ الْجَنَّةِ»؟ قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ
فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي قَالَ: «لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ
إِلاَّ بِاللَّهِ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
عبد الواحد) بن زياد (عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن
أبي عثمان) عبد الرحمن بن ملّ (عن أبي موسى) عبد الله بن
قيس (الأشعري) -رضي الله عنه- أنه (قال: لما غزا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبرَ أو قال: لما
توجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى
خيبر والشك من الراوي ورجع منها (أشرف) بالشين المعجمة
والفاء (الناس على واد فرفعوا أصواتهم بالتكبير الله أكبر
الله أكبر) مرتين ولأبي ذر مرة واحدة (إلا إله إلا الله
فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
أربعوا) بكسر الهمزة وفتح الموحدة أي ارفقوا أو أمسكوا عن
الجهر أو اعطفوا
(على أنفسكم) بالرفق وكفوا عن الشدة (إنكم لا تدعون أصم
ولا غائبًا إنكم تدعون سميعًا) يسمع السر وأخفى (قريبًا)
ليس غائبًا وهذا كالتعليل لقوله لا تدعون أصم (وهو معكم)
بالعلم والقدرة عمومًا وبالفضل والرحمة خصوصًا (وأنا خلف)
أي وراء (دابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فسمعني) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(وأنا أقول لا حول ولا قوة إلا بالله) قيل الحيلة هي الحول
قلبت واوه ياء لانكسار ما قبلها والمعنى لا يوصل إلى تدبير
أمر وتغيير حال إلا بمشيئتك ومعونتك (فقال لي) عليه الصلاة
والسلام: (يا عبد الله بن قيس قلت: لبيك رسول الله) بحذف
أداة النداء ولأبي ذر يا رسول الله (قال: ألا أدلك على
كلمة من كنز من كنوز الجنة) (قلت: بلى يا رسول الله)
(6/364)
دلني (فداك أبي وأمي) قال الطيبي: هذا
التركيب باستعارة لذكر المشبه وهو الحوقلة والمشبه به وهو
الكنز ولا التشبيه الصرف لبيان الكنز بقوله: "من كنوز
الجنة" بل هو من إدخال الشيء في جنس وجعله أحد أنواعه على
التغليب فالكنز إذًا نوعان المتعارف وهو المال الكثير يجعل
بعضه فوق بعض ويحفظ، وغير المتعارف وهو هذه الكلمة الجامعة
المكتنزة بالمعاني الإلهية لما أنها محتوية على التوحيد
الخفي لأنه إذا نفيت الحيلة والحركة والاستطاعة عما من
شأنه ذلك وأثبتت لله على سبيل الحصر وبإيجاده واستعانته
وتوفيقه لم يخرج شيء من ملكه وملكوته قال: ومن الدلالة على
أنها دالة على التوحيد الخفي قوله عليه الصلاة والسلام
لأبي موسى ألا أدلك على كنز مع أنه كان يذكرها في نفسه
فالدلالة إنما تستقيم على ما لم يكن عليه وهو أنه لم يعلم
أنه توحيد خفي وكنز من الكنوز ولأنه لم يقل ما ذكرته كنز
من الكنوز بل صرح بها حيث (قال: لا حول ولا قوة إلا بالله)
تنبيهًا له على هذا السر والله أعلم، وسقط لأبي ذر لفظ من
كنوز.
4206 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدةٍ قَالَ: رَأَيْتُ
أَثَرَ ضَرْبَةٍ فِي سَاقِ سَلَمَةَ فَقُلْتُ يَا أَبَا
مُسْلِمٍ مَا هَذِهِ الضَّرْبَةُ؟ قَالَ: هَذِهِ ضَرْبَةٌ
أَصَابَتْنِي يَوْمَ خَيْبَرَ، فَقَالَ النَّاسُ: أُصِيبَ
سَلَمَةُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَنَفَثَ فِيهِ ثَلاَثَ نَفَثَاتٍ فَمَا
اشْتَكَيْتُهَا حَتَّى السَّاعَةِ.
وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) علم لا نسبة لمكة ووهم
صاحب الكواكب قال: (حدّثنا يزيد بن أبي عبيد) بضم العين
(قال: رأيت أثر ضربة في ساق سلمة) بن الأكوع (فقلت) له:
(يا أبا مسلم) وهي كنية سلمة (ما هذه الضربة)؟ التي بساقك
(قال: هذه ضربة أصابتني) ولابن عساكر أصابتنا وللأصيلي
وأبوي الوقت وذر أصابتها أي رجله (يوم خيبر. فقال الناس:
أصيب سلمة فأتيت النبي) ولأبي ذر عن الكشميهني إلى النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فنفث فيه) أي في
موضع الضربة (ثلاث نفثات) بالمثلثة بعد الفاء فيهما جمع
نفثة وهي فوق النفخ ودون التفل بريق خفيف وغيره (فما
اشتكيتها حتى الساعة) بالجر في اليونينية على أن حتى جارة
وفي غيرها بالنصب بتقدير زمان أي فما اشتكيتها زمانًا حتى
الساعة.
وهذا الحديث من الثلاثيات.
4207 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ سَهْلٍ
قَالَ: الْتَقَى
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَالْمُشْرِكُونَ فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ فَاقْتَتَلُوا
فَمَالَ كُلُّ قَوْمٍ إِلَى عَسْكَرِهِمْ وَفِي
الْمُسْلِمِينَ رَجُلٌ لاَ يَدَعُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ
شَاذَّةً وَلاَ فَاذَّةً إِلاَّ اتَّبَعَهَا فَضَرَبَهَا
بِسَيْفِهِ فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجْزَأَ
أَحَدُهُمْ مَا أَجْزَأَ فُلاَنٌ فَقَالَ: «إِنَّهُ مِنْ
أَهْلِ النَّارِ» فَقَالُوا: أَيُّنَا مِنْ أَهْلِ
الْجَنَّةِ إِنْ كَانَ هَذَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ.
فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: لأَتَّبِعَنَّهُ فَإِذَا
أَسْرَعَ وَأَبْطَأَ كُنْتُ مَعَهُ حَتَّى جُرِحَ
فَاسْتَعْجَلَ الْمَوْتَ فَوَضَعَ نِصَابَ سَيْفِهِ
بِالأَرْضِ وَذُبَابَهُ بَيْنَ ثَدْيَيْهِ ثُمَّ تَحَامَلَ
عَلَيْهِ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَجَاءَ الرَّجُلُ إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ»؟
فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ: «إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ
بِعَمَلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ،
وَإِنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ، وَيَعْمَلُ بِعَمَلِ
أَهْلِ النَّارِ فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ وَهْوَ مِنْ
أَهْلِ الْجَنَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا
ابن أبي حازم) عبد العزيز (عن أبيه) أبي حازم سلمة بن
دينار (عن سهل) أي ابن سعد الساعدي الأنصاري أنه (قال:
التقى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
والمشركون) من يهود خيبر (في بعض مغازيه) يعني خيبر
(فاقتتلوا فمال كل قوم) من المسلمين واليهود (إلى عسكرهم)
أي رجعوا بعد فراغ القتال في ذلك اليوم (وفي المسلمين رجل)
اسمه قزمان (لا يدع من المشركين) نسمة (شاذة) انفردت عنهم
بعد أن كانت معهم (ولا فاذة) منفردة لم تكن معهم قبل (إلا
اتبعها) بتشديد الفوقية (فضربها بسيفه) فقتلها (فقيل: بل
رسول الله ما أجزأ) منا (أحد) ولأبي الوقت أحدهم (ما أجزأ
فلان) بالجيم والزاي فيهما (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(إنه من أهل النار) (فقالوا: أينا من أهل الجنة وإن كان
هذا) مع جده وجهاده (من أهل النار؟ فقال رجل من القوم)
اسمه أكتم بن أبي الجون: (لأتبعنه فإذا أسرع) المشي
(وأبطأ) فيه (كنت معه حتى جرح) جرحًا شديدًا فوجد ألم
الجراحة (فاستعجل الموت فوضع نصاب سيفه) أي مقبضه ملتصقًا
(بالأرض وذبابه) طرفه (بين ثدييه ثم تحامل) اتكأ (عليه
فقتل نفسه).
وعند الواقدي أن قزمان كان تخلف عن المسلمين يوم أحد فعيره
النساء فخرج حتى صار في الصف الأوّل فكان أوّل من رمى
بسهم، ثم صار إلى السيف ففعل العجائب، فلما انكشف المسلمون
كسر جفن سيفه وجعل يقول: الموت أحسن من الفرار فأمر به
قتادة بن النعمان فقال له: هنيئًا لك الشهادة. قال: إني
والله ما قاتلت على دين إنما قاتلت على حسب قومي ثم أقلقته
الجراحة فقتل نفسه، لكن قوله يوم أُحد خالف فيه وهو لا
يحتج به إذا انفرد فكيف إذا خالف؟ نعم في حديث أبي يعلى
الموصلي تعيين يوم أُحد لكنه مما وقع الاختلاف فيه على
الراوي كما مرّ.
(فجاء الرجل) أي الذي اتبعه (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: اشهد أنك رسول الله. فقال: وما
ذاك؟ فأخبره) بقتل قزمان نفسه (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(إن الرجل ليعمل بعمل أهل
(6/365)
الجنة فيما يبدو للناس وإنه من) ولأبي ذر
لمن (أهل النار ويعمل بعمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو)
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وإنه (من أهل الجنة).
4208 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدٍ الْخُزَاعِيُّ
حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي عِمْرَانَ
قَالَ: نَظَرَ أَنَسٌ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ
فَرَأَى طَيَالِسَةً فَقَالَ: كَأَنَّهُمُ السَّاعَةَ
يَهُودُ خَيْبَرَ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن سعيد الخزاعي) البصري قال:
(حدّثنا زياد بن الربيع) أبو خداش بكسر الخاء المعجمة
وبالدال المهملة المخففة آخره سين معجمة اليحمدي البصري
(عن أبي عمران) عبد الملك بن حبيب الجوني بجيم مفتوحة وواو
ساكنة بالنون نسبة إلى الجون بطن من الأزد أنه (قال: نظر
أنس) -رضي الله عنه- (إلى الناس يوم الجمعة) بمسجد البصرة
(فرأى طيالسة) بكسر اللام على رؤوسهم وهو جمع طيلسان بفتح
اللام فارسي معرب (فقال: كأنهم) أي الذين رأى عليهم
الطيالسة (الساعة يهود خيبر).
قال في الفتح: الذي يظهر أن يهود خيبر كانوا يكثرون من لبس
الطيالسة وكان غيرهم من الناس الذين شاهدهم أنس لا يكثرون
منها فلما قدم البصرة رآهم يكثرون منها فشبههم بيهود خيبر
ولا يلزم منه كراهية لبس الطيالسة، وقيل: إنما أنكر
ألوانها لأنها كانت صفراء اهـ.
وتعقبه العيني فقال: إذا لم يفهم منه الكراهة فما فائدة
تشبيهه إياهم باليهود في استعمالهم الطيالسة. ومن قال من
العلماء: إنه كره ألوانها حتى يعتمد عليه. ومن قال إن
اليهود في ذلك الزمان كانوا يستعملون الصفر من الطيالسة،
ولئن سلمنا ذلك فلم يكن تشبيه أنس -رضي الله عنه- لأجل
اللون، وقد روى الطبراني من حديث أم سلمة -رضي الله عنها-
أنها قالت: ربما صبغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رداءه أو إزاره بزعفران أو ورس ثم يخرج فيهما.
4209 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ
حَدَّثَنَا حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ عَنْ
سَلَمَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: كَانَ عَلِيٌّ -رضي الله
عنه- تَخَلَّفَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي خَيْبَرَ وَكَانَ رَمِدًا فَقَالَ: أَنَا
أَتَخَلَّفُ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَلَحِقَ فَلَمَّا بِتْنَا اللَّيْلَةَ الَّتِي
فُتِحَتْ قَالَ: «لأُعْطِيَنَّ الرَّايَةَ غَدًا -أَوْ
لَيَأْخُذَنَّ الرَّايَةَ غَدًا- رَجُلٌ يُحِبُّهُ اللَّهُ
وَرَسُولُهُ، يُفْتَحُ عَلَيْهِ» فَنَحْنُ نَرْجُوهَا
فَقِيلَ: هَذَا عَلِيٌّ فَأَعْطَاهُ فَفُتِحَ عَلَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي قال: (حدّثنا
حاتم) بالحاء المهملة ابن إسماعيل الكوفي سكن المدينة (عن
يزيد بن أبي عبيد) بضم العين وفتح الموحدة مولى سلمة (عن
سلمة -رضي الله عنه-) أنه (قال: كان عليّ) ولأبي ذر؛ علي
بن أبي طالب (-رضي الله عنه- تخلف عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في خيبر وكان رمدًا) بكسر
الميم وزاد أبو نعيم لا يبصر (فقال: أنا أتخلف عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لأجل الرمد كأنه
أنكر على نفسه تخلفه (فلحق) زاد أبو ذر عن الكشميهني به أي
بخيبر أو قبل وصوله إليه (فلما بتنا الليلة التي فتحت)
خيبر صبيحتها (قال) عليه الصلاة والسلام:
(لأعطين) بفتح الهمزة في اليونينية والذي في الفرع بضمها
(الراية فإذا أو) قال: (ليأخذن الراية غدًا رجل يحبه الله
ورسوله) وعند أحمد والنسائي وابن حبان والحاكم من حديث
بريدة بن الحصيب لما كان يوم خيبر أخذ أبو بكر اللواء فرجع
ولم يفتح له، فلما كان الغد أخذه عمر فرجع
ولم يفتح له، وقتل محمود بن مسلمة فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لأدفعن لوائي غدًا إلى رجل"
(يفتح عليه) بضم الياء مبنيًا للمفعول، ولأبي ذر يفتح الله
عليه (فنحن نرجوها. فقيل: هذا عليّ فأعطاه) عليه الصلاة
والسلام الراية وقاتل (ففتح عليه) بضم الفاه وكسر الفوقية
مبنيًّا للمفعول.
4210 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي حَازِمٍ
قَالَ: أَخْبَرَنِي سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ -رضي الله عنه-
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ يَوْمَ خَيْبَرَ: «لأُعْطِيَنَّ هَذِهِ
الرَّايَةَ غَدًا رَجُلاً يَفْتَحُ اللَّهُ عَلَى
يَدَيْهِ، يُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيُحِبُّهُ
اللَّهُ وَرَسُولُهُ» قَالَ: فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ
لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ
النَّاسُ غَدَوْا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كُلُّهُمْ يَرْجُو أَنْ يُعْطَاهَا
فَقَالَ: «أَيْنَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ»؟ فَقِيلَ:
هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ قَالَ:
«فَأَرْسِلُوا إِلَيْهِ» فَأُتِيَ بِهِ فَبَصَقَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
عَيْنَيْهِ وَدَعَا لَهُ فَبَرَأَ حَتَّى كَأَنْ لَمْ
يَكُنْ بِهِ وَجَعٌ فَأَعْطَاهُ الرَّايَةَ فَقَالَ
عَلِيٌّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُقَاتِلُهُمْ حَتَّى
يَكُونُوا مِثْلَنَا. فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلاَةُ
وَالسَّلاَمُ: «انْفُذْ عَلَى رِسْلِكَ حَتَّى تَنْزِلَ
بِسَاحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ
وَأَخْبِرْهُمْ بِمَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِنْ حَقِّ
اللَّهِ فِيهِ فَوَاللَّهِ لأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ
رَجُلاً وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ
حُمْرُ النَّعَمِ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي وسقط ابن سعيد
لأبي ذر قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) بن محمد بن عبد
الله بن عبد القاري بغير همز (عن أبي حازم) سلمة بن دينار
الأعرج أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (سهل بن سعد) الساعدي
(-رضي الله عنه- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال يوم خيبر):
(لأعطين هذه الراية غدًا رجلاً يفتح الله) خيبر (على يديه)
وبالتثنية والراية قيل بمعنى اللواء وهو العلم الذي يحمل
في الحرب يعرف به موضع صاحب الجيش وقد يحمله أمير الجيش.
وفي حديث ابن عباس المروي عند الترمذي كانت راية رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سوداء ولواؤه أبيض،
ومثله عند الطبراني عن بريدة، وزاد ابن عدي عن أبي هريرة
مكتوب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو ظاهر في التغاير. (يحب الله
ورسوله ويحبه الله ورسوله) زاد ابن إسحاق ليس بفرّار، وفي
حديث بريدة لا يرجع حتى يفتح الله له (قال: فبات الناس
يدوكون) بدال مهملة مضمومة وبعد الواو كاف في اختلاط
واختلاف (ليلتهم أيهم يعطاها فلما أصبح الناس
(6/366)
غدوا على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كلهم يرجوا) وحذف النون بغير جازم ولا
ناصب لغة ولأبي ذر: يرجون (أن يعطاها) وفي حديث بريدة فما
منا أحد له منزلة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل حتى تطاولت أنا
(فقال) عليه الصلاة والسلام: (أين علي بن أبي طالب)؟ أي ما
لي لا أراه حاضرًا، وكأنه استبعد غيبته عن حضرته في مثل
ذلك الموطن لا سيما وقد قال: لأعطين الراية غدًا الخ ...
وقد حضر الناس كلهم طمعًا أن يكون كل منهم هو الذي يفوز
بذلك الوعد (فقيل) ولأبي ذر فقالوا: (هو يا رسول الله
يشتكي عينيه) بتقديم الضمير وبناء يشتكي عليه اعتذارًا عنه
على سبيل التأكيد قاله
الطيبي (قال) عليه الصلاة والسلام: (فأرسلوا) بكسر السين
أمر من الإرسال وبفتحها أي قال سهل بن سعد: فأرسلوا أي
الصحابة (إليه) أي إلى علي وهو بخيبر لم يقدر على مباشرة
القتال لرمد (فأتي به) ولمسلم من طريق إياس بن سلمة عن
أبيه قال: فأرسلني إلى علي قال: فجئت به أقوله أرمد (فبصق
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في عينيه
ودعا له فبرأ) بفتح الراء وكسرها (حتى كأن لم يكن به وجع)
وعند الحاكم من حديث عليّ نفسه قال: فوضع رأسي في حجره ثم
بزق في ألية راحته فدلك بها عيني، وعند الطبراني من حديثه
أيضًا فما رمدت ولا صدعت مدّ دفع إليّ النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الراية يوم خيبر، وعنده أيضًا
قال: ودعا لي فقال: "اللهم أذهب عنه الحر والقر" قال: فما
اشتكيتهما حتى يومي هذا (فأعطاه الراية فقال علي: يا رسول
الله أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا) مسلمين (فقال) عليه الصلاة
والسلام: (انفذ) بضم الفاء آخره ذال معجمة أي امض (على
رسلك) بكسر الراء أي هينتك (حتى تنزل بساحتهم) أي بفنائهم
(ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله
فيه) أي في الإسلام فإن لم يطيعوا لك بذلك فقاتلهم (فوالله
لأن) بفتح اللام والهمزة وفي اليونينية وغيرها بكسرها وفتح
الهمزة (يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من أن يكون لك
حمر النعم) تملكها وتقتنيها وكانت مما يتفاخر العرب بها أو
تتصدق بها. وحمر بسكون الميم في اليونينية، وعند ابن إسحاق
من حديث أبي رافع أنه قال: خرجنا مع عليّ حين بعثه رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- برايته فضربه
رجل من يهود فطرح ترسه فتناول عليّ بابًا كان عند الحصن
فتترس به عن نفسه حتى فتح الله عليه فلقد رأيتني في سبعة
أنا ثامنهم نجهد على أن نقلب ذلك الباب فما نقلبه.
4211 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْغَفَّارِ بْنُ دَاوُدَ،
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ح
وَحَدَّثَنِي أَحْمَدُ بن عِيسى حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ
أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الزُّهْرِيُّ عَنْ عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَدِمْنَا
خَيْبَرَ فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْحِصْنَ
ذُكِرَ لَهُ جَمَالُ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَىِّ بْنِ
أَخْطَبَ وَقَدْ قُتِلَ زَوْجُهَا وَكَانَتْ عَرُوسًا
فَاصْطَفَاهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لِنَفْسِهِ فَخَرَجَ بِهَا حَتَّى بَلَغَ بِها
سَدَّ الصَّهْبَاءِ حَلَّتْ فَبَنَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ صَنَعَ حَيْسًا
فِي نِطَعٍ صَغِيرٍ ثُمَّ قَالَ لِي: «آذِنْ مَنْ
حَوْلَكَ» فَكَانَتْ تِلْكَ وَلِيمَتَهُ عَلَى صَفِيَّةَ
ثُمَّ خَرَجْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُحَوِّي لَهَا
وَرَاءَهُ بِعَبَاءَةٍ ثُمَّ يَجْلِسُ عِنْدَ بَعِيرِهِ
فَيَضَعُ رُكْبَتَهُ وَتَضَعُ صَفِيَّةُ رِجْلَهَا عَلَى
رُكْبَتِهِ حَتَّى تَرْكَبَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الغفار بن داود) أبو صالح الحراني
قال: (حدّثنا يعقوب بن عبد الرحمن) الإسكندراني وسقط لأبي
ذر ابن عبد الرحمن (ح) لتحويل السند. قال المؤلّف:
(وحدثني) بالإفراد (أحمد بن عيسى) الهمداني التستري المصري
الأصل كذا لكريمة ابن عيسى ولأبي عليّ بن شبويه عن
الفربري، وجزم به أبو نعيم في مستخرجه أحمد بن صالح وهو
أبو جعفر الطبري المصري الحافظ قال: (حدّثنا ابن وهب) عبد
الله قال: (أخبرني) بالإفراد (يعقوب بن عبد الرحمن)
الإسكندراني القاري (الزهري) حليف بني زهرة كذا في النسخ
المعتمدة ابن عبد الرحمن الزهري، وفي اليونينية وفرعها عن
الزهري لكنه شطب بالحمرة على عن وكتب فوقها علامة السقوط،
ولأبي ذر وصحح عليها وضبط الزهري بالرفع وصحح عليها. وفي
بعض الأصول المعتمدة عن الزهري بإثبات "عن" وجر الزهري بها
(عن عمرو) بفتح العين ابن أبي عمرو ميسرة أبي عثمان المدني
(مولى المطلب) هو ابن عبد الله بن حنطب المخزومي (عن أنس
بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: قدمنا خيبر فلما فتح
الله عليه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (الحصن)
المسمى بالقموص على يد علي -رضي الله عنه- (ذكر) بضم الذال
المعجمة (له) عليه الصلاة والسلام (جمال صفية بنت حيي بن
أخطب) الإسرائيلية (وقد قتل زوجها) كنانة بن الربيع بن أبي
الحقيق (وكانت عروسًا فاصطفاها) أي اختارها (النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لنفسه) من الصفي
(6/367)
الذي كان يؤخذ له عليه الصلاة والسلام من
رأس الخُمس قبل كل شيء، قيل وكان اسمها زينب قبل أن تسبى
فلما صارت من الصفي سميت صفية (فخرج بها) عليه الصلاة
والسلام (حتى بلغ بها) ولأبي ذر: حتى بلغنا (سدّ الصهباء)
بضم السين المهملة ولأبي ذر بفتحها موضعًا أسفل خيبر (حلت)
أي صارت بالطهارة من الحيض حلالاً له عليه الصلاة والسلام
(فبنى بها) أي دخل عليها (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم صنع حيسًا) بحاء مهملة مفتوحة
فتحتية ساكنة فسين مهملة تمرًا يخلط بسمن وأقط (في نطع)
بكسر النون وفتح الطاء المهملة (صغير ثم قال لي):
(آذن) بفتح الهمزة ممدودة وكسر المعجمة ولأبي ذر ثم قال:
آذن (من حولك فكانت تلك) الحيسة (وليمته) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: وليمة (على صفية، ثم خرجنا إلى المدينة
فرأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحوي لها
وراءه بعباءة) بضم الياء وفتح الحاء المهملة وتشديد الواو
المكسورة أي يجعل لها حوية وهي كساء محشو يدار حول الراكب
(ثم يجلس) عليه الصلاة والسلام (عند بعيره فيضع ركبته)
الشريفة (وتضع صفية) -رضي الله عنها- (رجلها على ركبته)
عليه الصلاة والسلام (حتى تركب) وفي مغازي أبي الأسود عن
عروة فوضع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لها فخذه الشريف لتركب فأجلّت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تضع رجلها على فخذه فوضعت ركبتها
على فخذه وركبت.
وهذا الحديث قد مرّ في باب هل يسافر بالجارية قبل أن
يستبرئها من كتاب البيع.
4212 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي أَخِي عَنْ
سُلَيْمَانَ عَنْ يَحْيَى عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ سَمِعَ
أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَقَامَ عَلَى
صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ بِطَرِيقِ خَيْبَرَ ثَلاَثَةَ
أَيَّامٍ حَتَّى أَعْرَسَ بِهَا وَكَانَتْ فِيمَنْ ضُرِبَ
عَلَيْهَا الْحِجَابُ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا أخي)
أبو بكر عبيد الحميد (عن سليمان) بن بلال (عن يحيى) بن
سعيد الأنصاري (عن حميد الطويل) أنه (سمع أنس بن مالك -رضي
الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أقام على صفية بنت حيي بطريق خيبر) في المنزلة التي كان
نزلها
وهي سدّ الصهباء (ثلاثة أيام حتى أعرس) أي دخل (بها) وليس
المراد أنه سار ثلاثة أيام ثم أعرس (وكانت) صفية ولأبي ذر
وكان (فيمن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فيما بألف بدل
النون (ضرب) بضم الضاد المعجمة ولأبي ذر ضرب بفتحات (عليها
الحجاب) أي كانت من أمهات المؤمنين لأن ضرب الحجاب إنما هو
على الحرائر لا على ملك اليمين.
وهذا الحديث أخرجه النسائي في النكاح.
4213 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ أَبِي كَثِيرٍ
أَخْبَرَنِي حُمَيْدٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَنَسًا -رضي الله
عنه- يَقُولُ: أَقَامَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَيْنَ خَيْبَرَ وَالْمَدِينَةِ
ثَلاَثَ لَيَالٍ يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ
الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، وَمَا كَانَ فِيهَا
مِنْ خُبْزٍ وَلاَ لَحْمٍ وَمَا كَانَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ
أَمَرَ بِلاَلاً بِالأَنْطَاعِ فَبُسِطَتْ فَأَلْقَى
عَلَيْهَا التَّمْرَ وَالأَقِطَ وَالسَّمْنَ فَقَالَ
الْمُسْلِمُونَ: إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ
مَا مَلَكَتْ يَمِينُهُ قَالُوا: إِنْ حَجَبَهَا فَهْيَ
إِحْدَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِنْ لَمْ
يَحْجُبْهَا فَهْيَ مِمَّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمَّا
ارْتَحَلَ وَطَّأَ لَهَا خَلْفَهُ وَمَدَّ الْحِجَابَ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) هو سعيد بن الحكم بن
محمد بن أبي مريم أبو محمد الجمحي مولاهم البصري قال:
(أخبرنا) بالخاء المعجمة (محمد بن جعفر بن أبي كثير)
الهمداني قال: (أخبرني) بالتوحيد (حميد) الطويل (أنه سمع
أنسًا -رضي الله عنه- يقول: أقام النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر عن الحموي قام. قال ابن
حجر: والأول أوجه. (بين خيبر والمدينة ثلاث ليال) بأيامها
(يبنى عليه بصفية فدعوت المسلمين إلى وليمته) عليه الصلاة
والسلام (وما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها إلا أن
أمر) عليه الصلاة والسلام (بلالاً بالانطاع) أي بأن تبسط
الانطاع أي السفر (فبسطت فألقى عليها التمر والاقط والسمن
فقال المسلمون): هل هي (إحدى أمهات المؤمنين) الحرائر (أو
ما ملكت يمينه؟ قالوا): ولأبي ذر: فقالوا: (إن حجبها فهي
إحدى أمهات المؤمنين، وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه
فلما ارتحل) عليه الصلاة والسلام (وطأ) أي أصلح (لها) ما
تحتها للركوب (خلفه ومدّ الحجاب).
4214 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح
وَحَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا
وَهْبٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ -رضي الله عنه- قَالَ:
كُنَّا مُحَاصِرِي خَيْبَرَ فَرَمَى إِنْسَانٌ بِجِرَابٍ
فِيهِ شَحْمٌ فَنَزَوْتُ لآخُذَهُ فَالْتَفَتُّ فَإِذَا
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَاسْتَحْيَيْتُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج الحافظ أبو بسطام العتكي
أمير المؤمنين في الحديث.
قال المؤلّف (ح. وحدثني) بالتوحيد (عبد الله بن محمد)
المسندي قال: (حدّثنا وهب) بفتح الواو وسكون الهاء ابن
جرير بن حازم قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حميد بن
هلال)
العدوي البصري (عن عبد الله بن مغفل) بضم الميم وفتح الغين
المعجمة والفاء المشددة المزني (-رضي الله عنه-) أنه (قال:
كنا محاصري خيبر) في الفرع محاصرين بإثبات النون وفي أصله
حذفها وفي الخمس
(6/368)
من هذا الوجه قصر خيبر (فرمى إنسان) لم يقف
الحافظ ابن حجر على اسمه (بجراب) بكسر الجيم وعاء من جلد
(فيه شحم) بشين معجمة فحاء مهملة ساكنة (فنزوت) بنون فزاي
مفتوحتين أي وثبت مسرعًا (لآخذه فالتفت فإذا النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فاستحييت) منه لكونه اطلع على
حرصي عليه.
4215 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ عَنْ أَبِي
أُسَامَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ نَافِعٍ وَسَالِمٍ،
عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ
الثَّوْمِ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ.
نَهَى عَنْ أَكْلِ الثَّوْمِ هُوَ عَنْ نَافِعٍ وَحْدَهُ
وَلُحُومُ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ عَنْ سَالِمٍ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبيد بن إسماعيل) بضم العين
وفتح الموحدة الهباري الكوفي وكان اسمه عبد الله وعبيد لقب
غلب عليه وعرف به (عن أبي أسامة) حماد بن أسامة (عن عبيد
الله) بضم العين العمري (عن نافع) مولى ابن عمر (وسالم)
ابنه (عن ابن عمر) -رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى يوم خيبر عن أكل الثوم)
بفتح المثلثة في اليونينية وكذا في الفرع لنتن ريحه فالنهي
فيه للتنزيه وكان عليه الصلاة والسلام لا يأكله لأجل لقاء
الملك (و) نهى (عن) أكل (لحوم الحمر) ولأبي ذر حمر
(الأهلية) نهي تحريم وفيه استعمال اللفظ في حقيقته وهو
التحريم وفي مجازه وهو الكراهة.
وقوله (نهى عن أكل الثوم هو) ولأبي ذر وهو مروي (عن نافع
وحده) لا عن سالم (ولحوم الحمر الأهلية) مروي (عن سالم)
وحده لا عن نافع.
4216 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا
مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
وَالْحَسَنِ ابْنَيْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ
أَبِيهِمَا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله
عنه- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ
خَيْبَرَ وَعَنْ أَكْلِ الْحُمُرِ الإِنْسِيَّةِ. [الحديث
4216 - أطرافه في: 5115، 5523، 6961].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن
قزعة) بفتح القاف والزاي المكي المؤذن قال: (حدّثنا مالك)
الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عبد الله)
أبي هاشم (و) أخيه (الحسن) بفتح الحاء (ابني محمد بن علي)
وكان الحسن ثقة فقيهًا لكن قيل إنه أول من تكلم في الإرجاء
(عن أبيهما) محمد ابن الحنفية (عن) أبيه (علي بن أبي طالب
-رضي الله عنه-) وسقط لأبي ذر ابن أبي طالب (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى) نهي تحريم (عن
متعة النساء) وهو النكاح إلى أجل سمي بذلك لأن الغرض منه
مجرد التمتع دون التوالد وغيره من أغراض النكاح، وكان
جائزًا في أول الإسلام لمن اضطر إليه كأكل الميتة ثم حرم
(يوم خيبر) ثم خص فيه عام الفتح أو
عام حجة الوداع ثم حرم إلى يوم القيامة، وقد قيل إن في هذا
الحديث تقديمًا وتأخيرًا وأن الصواب نهى يوم خيبر عن لحوم
الحمر الإنسية وعن متعة النساء وليس يوم خيبر ظرفًا لمتعة
النساء لأنه لم يقع في غزوة خيبر تمتع بالنساء، وعند
الترمذي بدل قوله هنا يوم خيبر زمن خيبر، وقال ابن عبد
البر: إن ذكر النهي يوم خيبر غلط. وقال السهيلي: لا يعرفه
أحد من أهل السير وسيكون لنا عودة إلى ذكر ما في هذا
محررًا متقنًا إن شاء الله تعالى بعونه وقوته.
(و) نهى عليه الصلاة والسلام يوم خيبر (عن أكل الحمر
الإنسية) بكسر الهمزة وسكون النون ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: حمر الانسية بإسقاط الألف واللام وفتح الهمزة
والنون، ولأبي ذر والكشميهني: عن أكل لحوم الحمر الإنسية
بفتح الهمزة والنون أيضًا.
4217 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ
عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى يَوْمَ
خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) المروزي قال: (أخبرنا عبد
الله) بن المبارك المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا
(عبيد الله) بضم العين (ابن عمر) العمري (عن نافع عن ابن
عمر أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى
يوم خيبر عن) أكل (لحوم الحمر الأهلية) اقتصر في هذه على
ذكر نافع وحده وفي المتن على الحمر فقط.
4218 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ
عَنْ نَافِعٍ وَسَالِمٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق بن نصر) المروزي، وقيل
البخاري السعدي لنزوله في بخارى بباب بني سعد ونسبه لجده
واسم أبيه إبراهيم قال: (حدّثنا محمد بن عبيد) الحنفي
الطنافسي قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين ابن عمر
العمري (عن نافع وسالم عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه
(قال: نهى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن
أكل لحوم الحمر الأهلية) اقتصر على ذكر الحمر لكنه زاد
سالمًا مع نافع.
4219 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَمْرٍو عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ
عَلِيٍّ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله
عنهما- قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ
الْحُمُرِ وَرَخَّصَ فِي الْخَيْلِ. [الحديث 4219 - طرفاه
في: 5520، 5524].
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قاضي مكة قال:
(حدّثنا حماد بن زيد) اسم جده درهم أحد الأئمة الأعلام (عن
عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن محمد بن علي) أبي جعفر
الباقر جده الحسين بن علي بن أبي طالب (عن جابر بن عبد
الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-) أنه
(قال: نهى رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ
(6/369)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم خيبر عن) أكل
(لحوم الحمر الأهلية) سقط الأهلية لغير الكشميهني (ورخص
في) أكل لحوم (الخيل) واستدلّ به على جواز أكلها وهو قول
إمامنا الشافعي ومحمد وأبي يوسف.
ومباحث ذلك تأتي إن شاء الله تعالى في الذبائح.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الذبائح وأبو داود في الأطعمة
والنسائي في الصيد والوليمة.
4220 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا
عَبَّادٌ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ
أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما-، أَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ
يَوْمَ خَيْبَرَ فَإِنَّ الْقُدُورَ لَتَغْلِي، قَالَ:
وَبَعْضُهَا نَضِجَتْ فَجَاءَ مُنَادِي النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "لاَ تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِ
الْحُمُرِ شَيْئًا وَأَهْرِيقُوهَا".
قَالَ ابْنُ أَبِي أَوْفَى فَتَحَدَّثْنَا أَنَّهُ
إِنَّمَا نَهَى عَنْهَا لأَنَّهَا لَمْ تُخَمَّسْ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ: نَهَى عَنْهَا الْبَتَّةَ لأَنَّهَا كَانَتْ
تَأْكُلُ الْعَذِرَةَ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن سليمان) سعدويه الواسطي سكن
بغداد قال: (حدّثنا عباد) بفتح العين وتشديد الموحدة ابن
العوّام بن عمر الواسطي (عن الشيباني) بالشين المعجمة
المفتوحة بعدها تحتية ساكنة فموحدة أبي إسحاق سليمان بن
فيروز الكوفي (قال: سمعت ابن أبي أوفى) عبد الله (-رضي
الله عنهما-) زاد الأصيلي يقول: (أصابتنا مجاعة يوم خيبر
فإن القدور لتغلي) بلام التأكيد على لحوم الحمر الأهلية
(قال: وبعضها نضجت) بالضاد المعجمة المكسورة والجيم
المفتوحة (فجاء منادي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أبو طلحة ينادي (لا تأكلوا من لحوم الحمر
شيئًا وأهريقوها) بهمزة قطع مفتوحة أي صبوها ولأبي ذر:
وهريقوها بإسقاط الهمزة وفتح الهاء (قال ابن أبي أوفى) عبد
الله (فتحدّثنا) معشر الصحابة (أنه) عليه الصلاة والسلام
(إنما نهى عنها لأنها لم تخمس) أي لم يؤخذ منها الخمس
(وقال بعضهم: نهى عنها البتة) أي قطعًا (لأنها كانت تأكل
العذرة) بالذال المعجمة أي النجاسة وفي التعليلين شيء لأن
التبسط قبل القسمة في المأكولات قدر الكفاية حلال وأكل
العذرة يوجب الكراهة لا التحريم، وقد قالوا: إن السبب في
الإراقة النجاسة، وقيل إنما نهى عنها للحاجة إليها.
وبقية المبحث تأتي في موضعه إن شاء الله تعالى بعون الله
وفضله.
4221 و 4222 - حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مِنْهَالٍ
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي عَدِيُّ بْنُ ثَابِتٍ
عَنِ الْبَرَاءِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى
أَنَّهُمْ كَانُوا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَصَابُوا حُمُرًا فَطَبَخُوهَا
فَنَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "أَكْفِئُوا الْقُدُورَ" [الحديث 4221 -
أطرافه في: 4223، 4225، 4226، 5525].
وبه قال: (حدّثنا حجاج بن منهال) أبو محمد السلمي الأنماطي
قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج قال: (أخبرني) بالإفراد (عدي بن ثابت) الأنصاري (عن
البراء) بن عازب (وعبد الله بن أبي أوفى) -رضي الله عنهما-
(أنهم كانوا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بخيبر (فأصابوا حمرًا) أهلية (فطبخوها) ولأبي
ذر: فاطبخوها بقلب تاء الافتعال طاء وإدغامها في تاليتها
أي عالجوا طبخها (فنادى منادي النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أبو طلحة (أكفئوا القدور) بقطع
الهمزة مفتوحة وكسر الفاء ولأبي ذر إكفوا بكسر الهمزة وفتح
الفاء وضم الواو، وقال عياض: أكفئوا بقطع الهمزة وكسر
الفاه واكفوا بوصلها وفتح الفاء لغتان أي اقلبوها، وقال
بعضهم: كفأت قلبت وأكفأت أملت، وهو مذهب الكسائي أي
أميلوها ليراق ما فيها.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الذبائح.
4223 و 4224 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الصَّمَدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ حَدَّثَنَا عَدِيُّ بْنُ
ثَابِتٍ قَالَ: سَمِعْتُ الْبَرَاءَ وَابْنَ أَبِي أَوْفَى
-رضي الله عنهم- يُحَدِّثَانِ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ قَالَ يَوْمَ
خَيْبَرَ وَقَدْ نَصَبُوا الْقُدُورَ "أَكْفِئُوا
الْقُدُورَ".
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق) بن منصور الكوسج
المروزي قال: (حدّثنا عبد الصمد) بن عبد الوارث قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا عدي بن ثابت)
الأنصاري أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب (وابن أبي أوفى)
عبد الله (-رضي الله عنهم-) صرح بالتحديث هنا بخلاف الأولى
فإنها بالعنعنة (يحدّثان عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه قال) لهم (يوم خيبر وقد نصبوا
القدور) يطبخون لحم حمر الأهلية (أكفئوا القدور) اقلبوها
أو أميلوها ليراق ما فيها.
4225 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ
عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنِ الْبَرَاءِ قَالَ: غَزَوْنَا
مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
نَحْوَهُ.
وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عدي بن ثابت) الأنصاري (عن
البراء) أنه (قال: غزونا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نحوه). أي نحو السابق.
4226 - حَدَّثَنا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا
ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ عَامِرٍ
عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ -رضي الله عنهما- قَالَ:
أَمَرَنَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ أَنْ نُلْقِيَ الْحُمُرَ
الأَهْلِيَّةَ نِيئَةً وَنَضِيجَةً، ثُمَّ لَمْ
يَأْمُرْنَا بِأَكْلِهِ بَعْدُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء
الرازي الصغير قال: (أخبرنا ابن أبي زائدة) يحيى بن زكريا
قال: (أخبرنا عاصم) الأحول (عن عامر) الشعبي (عن البراء بن
عازب -رضي الله عنهما-) سقط ابن عازب لأبي ذر أنه (قال:
أمرنا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة
خيبر أن) أي بأن (نلقي الحمر الأهلية) بضم النون وسكون
اللام وكسر القاف وأن مصدرية أي بإلقاء الحمر الأهلية
(نيئة) بكسر النون بعدها تحتية ساكنة فهمزة مفتوحة آخره
منوّن لم تطبخ (ونضيجة) بالتنوين أيضًا
(ثم لم يأمرنا بأكله بعد) فاستمر تحريمه.
4227 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْحُسَيْنِ
حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ
عَاصِمٍ عَنْ عَامِرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لاَ
أَدْرِي أَنَهَى عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ
النَّاسِ فَكَرِهَ أَنْ تَذْهَبَ حَمُولَتُهُمْ، أَوْ
حَرَّمَهُ فِي يَوْمِ خَيْبَرَ لَحْمَ الْحُمُرِ
الأَهْلِيَّةِ.
وبه
(6/370)
قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن أبي
الحسين) بضم الحاء أبو جعفر السمناني بكسر المهملة وسكون
الميم وبنونين بينهما ألف الحافظ من أقران المؤلّف عاش
بعده خمس سنين قال: (حدّثنا عمر بن حفص) قال: (حدّثنا أبي)
حفص بن غياث الكوفي أحد مشايخ المؤلّف روى عنه بالواسطة
(عن عاصم) هو ابن سليمان الأحول (عن عامر) هو ابن شراحيل
الشعبي (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: لا أري
أنهى عنه) أي عن أكل لحم حمر الأهلية (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أجل أنه كان حمولة الناس)
بفتح الحاء المهملة وضم الميم يحملون عليها (فكره) عليه
الصلاة والسلام (أن تذهب حمولتهم) بسبب الأكل (أو حرّمه في
يوم خيبر) تحريمًا مطلقًا أبديًّا يعني بقوله نهى عنه (لحم
الحمر) ولأبي ذر حمر (الأهلية) فهو بيان للضمير ويجوز رفع
لحم خبر مبتدأ محذوف.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الذبائح.
4228 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ سَابِقٍ، حَدَّثَنَا زَائِدَةُ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَسَمَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ خَيْبَرَ
لِلْفَرَسِ سَهْمَيْنِ وَلِلرَّاجِلِ سَهْمًا. فَسَّرَهُ
نَافِعٌ فَقَالَ: إِذَا كَانَ مَعَ الرَّجُلِ فَرَسٌ
فَلَهُ ثَلاَثَةُ أَسْهُمٍ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَرَسٌ
فَلَهُ سَهْمٌ.
وبه قال: (حدّثنا الحسن بن إسحاق) الملقب بحسنويه الشاعر
المروزي قال: (حدّثنا محمد بن سابق) الكوفي البزار نزيل
بغداد قال: (حدّثنا زائدة) بن قدامة أبو الصلت الكوفي (عن
عبيد الله بن عمر) بضم العين فيهما العمري (عن نافع عن ابن
عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال قسم رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم خيبر للفرس سهمين وللراجل
سهمًا) قال: عبيد الله بن عمر بالإسناد السابق (فسره نافع
فقال: إذا كان مع الرجل فرس فله ثلاثة أسهم) ولا يزاد
الفارس على ثلاثة وإن حضر بأكثر من فرس كما لا ينقص عنها
(فإن لم يكن له فرس فله سهم) واحد. وقال أبو حنيفة: لا
يسهم للفارس إلا سهم واحد ولفرسه سهم.
وهذا الحديث قد مرّ في باب سهام الفرس من كتاب الجهاد.
4229 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ الْمُسَيَّبِ أَنَّ جُبَيْرَ بْنَ مُطْعِمٍ
أَخْبَرَهُ قَالَ: مَشَيْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ بْنُ
عَفَّانَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقُلْنَا أَعْطَيْتَ
بَنِي الْمُطَّلِبِ مِنْ خُمْسِ خَيْبَرَ، وَتَرَكْتَنَا
وَنَحْنُ بِمَنْزِلَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْكَ، فَقَالَ
«إِنَّمَا بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ شَىْءٌ
وَاحِدٌ» قَالَ جُبَيْرٌ: وَلَمْ يَقْسِمِ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِبَنِي عَبْدِ
شَمْسٍ وَبَنِي نَوْفَلٍ شَيْئًا.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) المخزومي مولاهم المصري
اسم أبيه عبد الله ونسبه إلى جده قال: (حدّثنا الليث) بن
سعد الإمام (عن يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد
بن مسلم الزهري (عن سعيد بن المسيب أن جبير بن مطعم أخبره
قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلنا) يا رسول الله (أعطيت بني
المطلب) بن عبد مناف بن قصي بن كلاب (من خمس خيبر) بسكون
الميم في اليونينية وبضمها في الفرع (وتركتنا) فلم تعطنا
منه (ونحن) وهم (بمنزلة واحدة منك) في الانتساب إلى عبد
مناف لأن عثمان كان عبشميًا وجبير بن مطعم نوفليًا نسبة
إلى عبد شمس ونوفل وهما وهاشم والمطلب بنو عبد مناف (فقال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
(إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد) ولأبي ذر عن
المستملي هنا سيّ بسين مهملة مكسورة بدل المعجمة المفتوحة
وتشديد التحتية من غير همز أي سواء (قال جبير): هو ابن
مطعم (ولم يقسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لبني عبد شمس وبني نوفل شيئًا) وتمسك به إمامنا الشافعي
-رحمه الله- أن سهم ذوي القربى خاص ببني هاشم وبني المطلب
دون غيرهم.
وقد مرّ الحديث في باب ومن الدليل على أن الخمس للإمام.
4230 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ
عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-
قَالَ: بَلَغَنَا مَخْرَجُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَنَحْنُ بِالْيَمَنِ فَخَرَجْنَا
مُهَاجِرِينَ إِلَيْهِ أَنَا وَأَخَوَانِ لِي أَنَا
أَصْغَرُهُمْ أَحَدُهُمَا أَبُو بُرْدَةَ وَالآخَرُ أَبُو
رُهْمٍ إِمَّا قَالَ: بِضْعٌ، وَإِمَّا قَالَ: فِي
ثَلاَثَةٍ وَخَمْسِينَ أَوِ اثْنَيْنِ وَخَمْسِينَ رَجُلاً
مِنْ قَوْمِي فَرَكِبْنَا سَفِينَةً فَأَلْقَتْنَا
سَفِينَتُنَا إِلَى النَّجَاشِيِّ بِالْحَبَشَةِ،
فَوَافَقْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَأَقَمْنَا
مَعَهُ حَتَّى قَدِمْنَا جَمِيعًا فَوَافَقْنَا النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حِينَ افْتَتَحَ
خَيْبَرَ وَكَانَ أُنَاسٌ مِنَ النَّاسِ يَقُولُونَ لَنَا
يَعْنِي لأَهْلِ السَّفِينَةِ سَبَقْنَاكُمْ
بِالْهِجْرَةِ، وَدَخَلَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ
وَهْيَ مِمَّنْ قَدِمَ مَعَنَا عَلَى حَفْصَةَ زَوْجِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
زَائِرَةً وَقَدْ كَانَتْ هَاجَرَتْ إِلَى النَّجَاشِيِّ
فِيمَنْ هَاجَرَ فَدَخَلَ عُمَرُ عَلَى حَفْصَةَ
وَأَسْمَاءُ عِنْدَهَا فَقَالَ عُمَرُ حِينَ رَأَى
أَسْمَاءَ: مَنْ هَذِهِ؟ قَالَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ
عُمَيْسٍ، قَالَ عُمَرُ: الْحَبَشِيَّةُ هَذِهِ،
الْبَحْرِيَّةُ هَذِهِ، قَالَتْ أَسْمَاءُ: نَعَمْ. قَالَ:
سَبَقْنَاكُمْ بِالْهِجْرَةِ فَنَحْنُ أَحَقُّ بِرَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْكُمْ،
فَغَضِبَتْ وَقَالَتْ: كَلاَّ وَاللَّهِ كُنْتُمْ مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُطْعِمُ جَائِعَكُمْ وَيَعِظُ جَاهِلَكُمْ، وَكُنَّا فِي
دَارِ أَوْ فِي أَرْضِ الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ
بِالْحَبَشَةِ وَذَلِكَ فِي اللَّهِ وَفِي رَسُولِهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَايْمُ اللَّهِ لاَ
أَطْعَمُ طَعَامًا وَلاَ أَشْرَبُ شَرَابًا حَتَّى
أَذْكُرَ مَا قُلْتَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَنَحْنُ كُنَّا نُؤْذَى وَنُخَافُ،
وَسَأَذْكُرُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وَأَسْأَلُهُ وَاللَّهِ لاَ أَكْذِبُ وَلاَ
أَزِيغُ وَلاَ أَزِيدُ عَلَيْهِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن العلاء) أبو كريب
الهمداني قال: (حدثنا أبو أسامة) حماد بن أسامة قال:
(حدّثنا بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح الراء (عن)
جده (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر (عن أبي
موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال:
بلغنا مخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
بفتح الميم وسكون الخاء المعجمة مصدر ميمي بمعنى خروجه أو
اسم زمان بمعنى وقت خروجه أي بعثته أو هجرته وعلى الثاني
يحتمل أنه بلغتهم الدعوة فأسلموا وتأخروا في بلادهم حتى
وقعت الهدنة والأمان من خوف القتال والواو فى قوله (ونحن
باليمن) للحال (فخرجنا) حال كوننا (مهاجرين إليه). ثبت
إليه في اليونينية وسقط في الفرع (أنا وأخوان لي أنا
أصغرهم أحدها أبو بردة) عامر بن قيس (والآخر أبو رهم) بضم
الراء وسكون الهاء ابن قيس الأشعريان (إما) بكسر الهمزة
وتشديد الميم (قال) أبو موسى: (بضع) بكسر الموحدة وسكون
المعجمة ما بين الثلاثة إلى التسع أو ما بين الواحد إلى
العشرة، ولأبي ذر: بضعًا
(6/371)
بالنصب وللأصيلي في بضع بزيادة الجار
والبضع متعلق بخرجنا وموضعه نصب على الحال (وإما قال: في
ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلاً من قومي) الأشعريين
ولأبي ذر عن المستملي من قوله بالهاء بدل التحتية (فركبنا
سفينة فألقتنا سفيتنا إلى النجاشي) ملك الحبشة والسفينة
رفع على الفاعلية (بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب) بها
(فأقمنا معه) ثم (حتى قدمنا جميعًا) وسمى ابن إسحاق من قدم
مع جعفر فسرد أسماءهم وهم ستة عشر رجلاً فمنهم امرأته
أسماء بنت عميس وخالد بن سعيد بن العاص وامرأته وأخوه عمرو
بن سعيد ومعيقيب بن أبي فاطمة (فوافقنا النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين افتتح خيبر) زاد في فرض
الخمس فأسهم لنا ولم يسهم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئًا
إلا لمن شهدها معه إلا أصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه فإنه
قسم لهم معهم، وعند البيهقي أنه عليه الصلاة والسلام كلم
المسلمين قبل أن يقسم لهم فأشركوهم (وكان أناس من الناس)
سمي منهم عمر (يقولون لنا يعني لأهل السفينة سبقناكم
بالهجرة ودخلت أسماء بنت عميس) مع زوجها جعفر (وهي ممن قدم
معنا) من أصحاب السفينة (على حفصة) بنت عمر -رضي الله عنه-
(زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال
كونها (زائرة وقد كانت هاجرت إلى النجاشي فيمن هاجر فدخل
عمر على) ابنته (حفصة وأسماء عندها. فقال عمر حين رأى
أسماء): لابنته حفصة (من هذه قالت: أسماء بنت عميس. قال
عمر: آلحبشية هذه)؟ بمد همزة الاستفهام وليس في اليونينية
وفرعها مد على الهمزة وقال: آلحبشية لسكناها فيهم (آلبحرية
هذه) لركوبها البحر ولأبي ذر مما في الفتح البحيرية
بالتصغير أي أهي التي كانت في الحبشة أهي التي جاءت في
البحر (قالت أسماء: نعم قال) عمر لها: (سبقناكم بالهجرة)
إلى المدينة (فنحن أحق برسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منكم فغضبت) أسماء (وقالت: كلا والله
كنتم مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يطعم جائعكم ويعظ جاهلكم، وكنا في دار أو في أرض البعداء)
بضم الموحدة وفتح العين والدال المهملتين ممدودًا ودار
وأرض بغير تنوين لإضافتهما إلى البعداء (البغضاء) بضم
الموحدة وفتح العين والضاد المعجمتين ممدودًا جمع بعيد
وبغيض (بالحبشة وذلك في الله وفي رسوله) ولأبي ذر وفي رسول
الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لأجلهما
وطلب رضاهما (وايم الله) بهمزة
وصل في الفرع وأصله (لا أطعم طعامًا ولا أشرب شرابًا حتى
أذكر ما قلت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) ولأبي ذر للنبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ونحن كنا نؤذى ونخاف) بضم النون فيهما مبنيين
للمفعول والذال المعجمة (وسأذكر ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأسأله والله لا أكذب ولا أزيغ ولا
أزيد عليه).
4231 - فَلَمَّا جَاءَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَتْ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ
عُمَرَ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: «فَمَا قُلْتِ لَهُ»؟
قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: «لَيْسَ
بِأَحَقَّ بِي مِنْكُمْ وَلَهُ وَلأَصْحَابِهِ هِجْرَةٌ
وَاحِدَةٌ، وَلَكُمْ أَنْتُمْ أَهْلَ السَّفِينَةِ
هِجْرَتَانِ» قَالَتْ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى
وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ يَأْتُونِي أَرْسَالاً
يَسْأَلُونِي عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ مَا مِنَ الدُّنْيَا
شَىْءٌ هُمْ بِهِ أَفْرَحُ وَلاَ أَعْظَمُ فِي
أَنْفُسِهِمْ، مِمَّا قَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ أَبُو بُرْدَةَ قَالَتْ
أَسْمَاءُ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ أَبَا مُوسَى وَإِنَّهُ
لَيَسْتَعِيدُ هَذَا الْحَدِيثَ مِنِّي.
(فلما جاء النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قالت) له: (يا نبي الله إن عمر قال: كذا وكذا. قال: فما
قلت له؟ قالت: قلت له كذا وكذا. قال) عليه الصلاة والسلام
(ليس بأحق بي منكم وله ولأصحابه هجرة واحده ولكم أنتم)
تأكيد لضمير الخفض (أهل السفينة) نصب على الاختصاص أو
النداء بحذف أداته ويجوز الخفض على البدل من الضمير
(هجرتان) إلى النجاشي، وإليه عليه الصلاة والسلام.
وعند ابن سعد بإسناد صحيح عن الشعبي قال: قالت أسماء: يا
رسول الله إن رجالاً يفتخرون علينا ويزعمون أنا لسنا من
المهاجرين الأوّلين فقال: "بل لكم هجرتان هاجرتم إلى أرض
الحبشة ثم هاجرتم بعد ذلك".
(قالت) أسماء: (فلقد رأيت أبا موسى) الأشعري (وأصحاب
السفينة يأتوني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: يأتونني
بنونين وله عن الكشميهني يأتون أسماء (أرسالاً) بفتح
الهمزة أفواجًا أي ناسًا بعد ناس (يسألوني) ولأبي ذر
يسألونني بنونين (عن هذا الحديث ما من الدنيا شيء هم به
أفرح ولا أعظم في أنفسهم مما قال لهم النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): وقوله قالت أسماء: يحتمل أن
يكون من رواية أبي موسى عنها فيكون من رواية صحابي عن
مثله، ويحتمل أن يكون من رواية أبي بردة عنها. ويؤيده قوله
(قال أبو بردة): ليس
(6/372)
هو أخا أبي موسى (قالت أسماء: فلقد) ولأبي
ذر: ولقد بالواو بدل الفاء (رأيت أبا موسى) الأشعري (وإنه
ليستعيد هذا الحديث مني).
4232 - قَالَ أَبُو بُرْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّي
لأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الأَشْعَرِيِّينَ
بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ، وَأَعْرِفُ
مَنَازِلَهُمْ مِنْ أَصْوَاتِهِمْ بِالْقُرْآنِ
بِاللَّيْلِ، وَإِنْ كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ
نَزَلُوا بِالنَّهَارِ، وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ إِذَا لَقِيَ
الْخَيْلَ -أَوْ قَالَ: الْعَدُوَّ- قَالَ لَهُمْ: إِنَّ
أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ».
(قال): ولأبي ذر وقال: (أبو بردة) بالإسناد السابق (عن أبي
موسى قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني
لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالقرآن) بتثليث راء رفقة
وضمها أشهر (حين يدخلون) منازلهم (بالليل) إذا خرجوا إلى
المسجد أو لشغل ما ثم رجعوا. وقال الدمياطي: الصواب حين
يرحلون
بالراء والحاء المهملة بدل الدال والخاء المعجمة. وقال
النووي: الأولى صحيحة أو أصح. وقال صاحب المصابيح: ولم
أعرف ما الموجب لطرح هذه الرواية مع استقامتها هذا شيء
عجيب (واعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم
أر منازلهم حين نزلوا بالنهار ومنهم حكيم) صفة لرجل منهم
كما قاله أبو علي الصدفي أو علم على رجل من الأشعريين كما
قاله أبو علي الجياني (إذا لقي الخيل أو قال: العدوّ)
بالشك (قال لهم: إن أصحابي يأمرونكم أن تنظروهم) بفتح
الفوقية وضم الظاء المعجمة ولأبي ذر أن تنظرونهم بضم التاء
وكسر الظاء أي تنظروهم أي من الانتظار أنه لفرط شجاعته كان
لا يفر من العدوّ بل يواجههم، ويقول لهم، إذا أرادوا
الانصراف مثلاً: انتظروا الفرسان حتى يأتوكم ليبعثهم على
القتال، وهذا بالنسبة إلى قوله العدوّ، وأما بالنسبة إلى
الخيل فيحتمل أن يريد بها خيل المسلمين، ويثير بذلك إلى أن
أصحابه كانوا رجالة فكان يأمر الفرسان أن ينتظروهم ليسيروا
إلى العدو جميعًا قاله في الفتح.
4233 - حَدَّثَنا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ سَمِعَ
حَفْصَ بْنَ غِيَاثٍ حَدَّثَنَا بُرَيْدُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ:
قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَعْدَ أَنِ افْتَتَحَ خَيْبَرَ فَقَسَمَ لَنَا
وَلَمْ يَقْسِمْ لأَحَدٍ لَمْ يَشْهَدِ الْفَتْحَ
غَيْرَنَا.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق بن إبراهيم) بن راهويه
أنه (سمع حفص بن غياث) يقول: (حدّثنا يزيد بن عبد الله عن)
جده (أبي بردة عن أبي موسى) الأشعري -رضي الله عنه- أنه
(قال: قدمنا على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) مع جعفر وأصحابه من الحبشة (بعد أن افتتح خيبر
فقسم لنا) عليه الصلاة والسلام (ولم يقسم لأحد لم يشهد
الفتح غيرنا) الأشعريين ومن معهم وجعفر ومن معه.
4234 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو
إِسْحَاقَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: حَدَّثَنِي
ثَوْرٌ قَالَ: حَدَّثَنِي سَالِمٌ مَوْلَى ابْنِ مُطِيعٍ
أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ
افْتَتَحْنَا خَيْبَرَ وَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلاَ
فِضَّةً إِنَّمَا غَنِمْنَا الْبَقَرَ وَالإِبِلَ،
وَالْمَتَاعَ، وَالْحَوَائِطَ، ثُمَّ انْصَرَفْنَا مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِلَى وَادِي الْقُرَى، وَمَعَهُ عَبْدٌ لَهُ يُقَالُ لَهُ
مِدْعَمٌ أَهْدَاهُ لَهُ أَحَدُ بَنِي الضِّبَابِ
فَبَيْنَمَا هُوَ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ جَاءَهُ سَهْمٌ عَائِرٌ
حَتَّى أَصَابَ ذَلِكَ الْعَبْدَ. فَقَالَ النَّاسُ
هَنِيئًا لَهُ الشَّهَادَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بَلَى، وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَصَابَهَا
يَوْمَ خَيْبَرَ مِنَ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا
الْمَقَاسِمُ، لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا» فَجَاءَ
رَجُلٌ حِينَ سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشِرَاكٍ أَوْ بِشِرَاكَيْنِ
فَقَالَ: هَذَا شَىْءٌ كُنْتُ أَصَبْتُهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «شِرَاكٌ
أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ». [الحديث 4234 - طرفه في:
6707].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (عبد الله بن
محمد) المسندي قال: (حدّثنا معاوية بن عمرو) بفتح العين
ابن المهلب البغدادي قال: (حدّثنا أبو إسحاق) إبراهيم بن
محمد الفزاري (عن مالك بن أنس) الإمام أنه (قال: حدثني)
بالإفراد (ثور) بفتح المثلثة وبعد الواو
الساكنة راء ابن زيد الديلي المدني (قال: حدثني) بالإفراد
(سالم) أبو الغيث (مولى ابن مطيع) عبد الله ولا يعرف اسم
أبي سالم (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- يقول: افتتحنا
خيبر) أي افتتح المسلمون خيبر وإلا فأبو هريرة لم يحضر فتح
خيبر نعم حضرها بعد الفتح (ولم) ولأبوي ذر والوقت فلم
(نغنم ذهبًا ولا فضة إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع
والحوائط) أي البساتين (ثم انصرفنا مع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى وادي القرى) بضم القاف
وفتح الراء مقصورًا موضع بقرب المدينة (ومعه) عليه الصلاة
والسلام (عبد له) أسود (يقال له: مدعم) بكسر الميم وسكون
الدال وفتح العين المهملتين آخره ميم وقيل كركرة بفتح
الكافين أو كسرهما (أهداه له أحد بني الضباب) بكسر الضاد
المعجمة وبباءين موحدتين بينهما ألف وهو رفاعة بن زيد بن
وهب الجذامي كما في مسلم ولمسلم الضبيب مصغرًا واختلف هل
أعتقه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو مات رقيقًا
(فبينما) بالميم (هو يحط رحل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذ جاءه سهم عائر) بعين مهملة فألف
فهمزة فراء بوزن فاعل لا يدري من رمى به وقيل هو الحائد عن
قصده (حتى أصاب ذلك العبد فقال الناس: هنيئًا له الشهادة
فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(بلى) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي بل بسكون اللام وهي
الصواب والأولى تصحيف (والذي نفسي بيده وإن الشملة التي
أصابها يوم خيبر من المغانم لم تصبها المقاسم لتشتعل)
بنفسها (عليه نارًا) تعذيبًا له أو أنها سبب لعذابه في
النار (فجاء رجل) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه (حين سمع
ذلك من النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بشراك
أو بشراكين) بكسر الشين المعجمة سير النعل على ظهر
(6/373)
القدم (فقال: هذا شيء كنت أصبته فقال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: شراك أو شراكان
من نار) والشك من الراوي.
4235 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ،
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي
زَيْدٌ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَمِعَ عُمَرَ بْنَ
الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يَقُولُ: أَمَا وَالَّذِي
نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْلاَ أَنْ أَتْرُكَ آخِرَ النَّاسِ
بَيَّانًا لَيْسَ لَهُمْ شَىْءٌ مَا فُتِحَتْ عَلَىَّ
قَرْيَةٌ إِلاَّ قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ، وَلَكِنِّي
أَتْرُكُهَا خِزَانَةً لَهُمْ يَقْتَسِمُونَهَا.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن أبي مريم) الجمحي مولاهم البصري
ونسبه لجده الأعلى واسم أبيه الحكم بن محمد بن أبي مريم
قال: (أخبرنا محمد بن جعفر) هو ابن أبي كثير المدني (قال:
أخبرني) بالإفراد (زيد عن أبيه) أسلم مولى عمر بن الخطاب
(أنه سمع عمر بن الخطاب) -رضي الله عنه- (يقول: أما) بفتح
الهمزة وتخفيف الميم (والذي نفسي بيده لولا أن أترك آخر
الناس بيانًا) بفتح الموحدتين وتشديد الثانية وبعد الألف
نون قال أبو عبيد: لا أحسبه عربيًّا. وقال الأزهري: هو لغة
يمانية لم تفش في كلام معدّ وهو والباج بمعنى واحد. وقال
في القاموس: وهم ببان واحد وعلى ببان ويخفف أي طريقة
واحدة. وقال في النهاية: أي أتركهم شيئًا واحدًا لأنه إذا
قسم البلاد المفتوحة على الغانمين بقي من لم يحضر الغنيمة
ومن يجيء بعد من المسلمين بغير شيء منها فلذلك تركها لتكون
بينهم جميعهم انتهى. وقيل معناه لولا أن أتركهم فقراء
معدمين (ليس لهم شيء ما
فتحت) بضم الفاء وكسر الفوقية (علي) بتشديد التحتية (قرية
إلا قسمتها) بينهم (كما قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر ولكني أتركها خزانة لهم
يقتسمونها) بكسر الخاء المعجمة أي يقتسمون خراجها.
4236 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
ابْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ زَيْدِ
بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُمَرَ -رضي الله عنه-
قَالَ: لَوْلاَ آخِرُ الْمُسْلِمِينَ مَا فُتِحَتْ
عَلَيْهِمْ قَرْيَةٌ إِلاَّ قَسَمْتُهَا كَمَا قَسَمَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي الزمن
قال: (حدّثنا ابن مهدي) عبد الرحمن (عن مالك بن أنس)
الإمام (عن زيد بن أسلم عن أبيه) أسلم (عن) مولاه (عمر) بن
الخطاب (-رضي الله عنه-) أنه (قال: لولا آخر المسلمين ما
فتحت) بضم الفاء مبنيًّا للمفعول (عليهم قرية إلا قسمتها
كما قسم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيبر)
نظرًا إلى المصلحة العامة للمسلمين وذلك بعد استرضائه لهم
وكان عمر -رضي الله عنه- يفضل المهاجرين وأهل بدر في
العطاء.
4237 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ وَسَأَلَهُ
إِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ قَالَ: أَخْبَرَنِي
عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله
عنه- أَتَى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَسَأَلَهُ، قَالَ لَهُ بَعْضُ بَنِي سَعِيدِ
بْنِ الْعَاصِ: لاَ تُعْطِهِ يا رَسُولَ الله فَقَالَ
أَبُو هُرَيْرَةَ: هَذَا قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ، فَقَالَ:
وَاعَجَبَاهْ لِوَبْرٍ تَدَلَّى مِنْ قَدُومِ الضَّأْنِ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (قال: سمعت الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
(وسأله إسماعيل بن أمية) بن عمرو بن سعيد بن العاص الأموي
والجملة حالية (قال: أخبرني) بالإفراد (عنبسة بن سعيد)
بفتح العين المهملة والموحدة بينهما نون ساكنة والسين
مهملة عم والد إسماعيل (إن أبا هريرة -رضي الله عنه- أتى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله) وهو
بخيبر أن يعطيه من غنائم خيبر (قال له بعض بني سعيد بن
العاص): هو أبان بن سعيد (لا تعطه يا رسول الله فقال أبو
هريرة: هذا) يعنى أبان بن سعيد (قاتل ابن قوقل) بقافين
مفتوحتين بينهما واو ساكنة آخره لام بوزن جعفر اسمه
النعمان بن مالك بن ثعلبة بن أصرم بصاد مهملة بوزن أحمر
الأنصاري الأوسي وقوقل لقب ثعلبة أو لقب أصرم (فقال) أبان
بن سعيد: (واعجباه) بهاء ساكنة آخره اسم فعل بمعنى أعجب
(لوبر) بلام مكسورة فواو مفتوحة فموحدة ساكنة فراء دويبة
تشبه السنور تسمى غنم بني إسرائيل (تدلى) بمعنى انحدر
علينا (من قدوم الضأن) بفتح القاف وضم الدال المخففة
والضأن بالضاد المعجمة بعدها همزة اسم جبل بأرض دوس قوم
أبي هريرة، وأراد أبان بذلك تحقير أبي هريرة وأنه ليس في
قدر من يشير بعطاء ولا منع.
4238 - وَيُذْكَرُ عَنِ الزُّبَيْدِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ
قَالَ: أَخْبَرَنِي عَنْبَسَةُ بْنُ سَعِيدٍ أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يُخْبِرُ سَعِيدَ بْنَ الْعَاصِ
قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَبَانَ عَلَى سَرِيَّةٍ مِنَ الْمَدِينَةِ
قِبَلَ نَجْدٍ، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَقَدِمَ أَبَانُ
وَأَصْحَابُهُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِخَيْبَرَ بَعْدَ مَا افْتَتَحَهَا وَإِنَّ
حُزْمَ خَيْلِهِمْ لَلِيفٌ قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَقْسِمْ
لَهُمْ قَالَ أَبَانُ: وَأَنْتَ بِهَذَا يَا وَبْرُ
تَحَدَّرَ مِنْ رَأْسِ ضَأْنٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا أَبَانُ اجْلِسْ»
فَلَمْ يَقْسِمْ لَهُمْ. قَالَ أَبُو عَبْدُ الله:
الضَّالُّ السِّدرُ.
(ويذكر) مبني للمفعول بصيغة التمريض (عن الزبيدي) بضم
الزاي وفتح الموحدة محمد بن الوليد مما وصله أبو داود
وغيره (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني)
بالإفراد (عنبسة بن سعيد أنه سمع أبا هريرة) -رضي الله
عنه- حال كونه (يخبر سعيد بن العاص قال: بعث رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبان) بن سعيد (على
سرية من المدينة قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي
ناحية نجد. قال ابن حجر: لم أعرف حال هذه السرية (قال أبو
هريرة: فقدم أبان وأصحابه على النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (بخيبر بعدما افتتحها وإن
حزم خيلهم) بضم الحاء والزاي وبسكونها في اليونينية جمع
حزام (لليف) بلام التأكيد والرفع خبر إن. ولأبي ذر عن
الكشميهني الليف بتشديد اللام بدون لام التأكيد (قال أبو
(6/374)
هريرة: قلت يا رسول الله لا تقسم لهم)
لأبان ومن معه (قال أبان: وأنت بهذا) المكان والمنزلة من
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع أنك لست
من أهله ولا من قومه ولا من بلاده (يا وبر تحدر من رأس
ضأن) جبل وتحدر بلفظ الماضي على طريق الالتفات من الخطاب
إلى الغيبة ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر ضال بلام مخففة
بدل النون من غير همز. قال في فتح الباري: قيل وقع في إحدى
الطريقين ما يدخل في قسم المقلوب فإن في رواية ابن عيينة
أن أبا هريرة السائل أن يقسم له وأن أبان هو الذي أشار
بمنعه وقد رجح الذهلي رواية الزبيدي ويؤيد ذلك قوله (فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يا أبان أجلس فلم) ولأبي ذر ولم (يقسم لهم) قال: ويحتمل
أن يجمع بينهما بأن يكون كل من أبان وأبي هريرة أشار أن لا
يقسم للآخر، ويدل عليه أن أبا هريرة احتج على أبان بأنه
قاتل ابن قوقل، وأبان احتج على أبي هريرة بأنه ليس ممن له
في الحرب يد يستحق بها النفل فلا قلب.
(قال أبو عبد الله) المؤلّف (الضال) باللام هو (السدر) زاد
أهل اللغة البري وهذا ثابت لأبي ذر عن المستملي ساقط
لغيره.
4239 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَخْبَرَنِي جَدِّي
أَنَّ أَبَانَ بْنَ سَعِيدٍ أَقْبَلَ إِلَى النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَسَلَّمَ عَلَيْهِ
فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا
قَاتِلُ ابْنِ قَوْقَلٍ وَقَالَ أَبَانُ لأَبِي
هُرَيْرَةَ: وَاعَجَبًا لَكَ. وَبْرٌ تَدَأْدَأَ مِنْ
قَدُومِ ضَأْنٍ يَنْعَى عَلَيَّ امْرَأً أَكْرَمَهُ
اللَّهُ بِيَدِي وَمَنَعَهُ أَنْ يُهِينَنِي بِيَدِهِ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
عمرو بن يحيى بن سعيد) بفتح العين الأموي وسقط لأبي ذر ابن
سعيد قال: (أخبرني) بالإفراد (جدي) سعيد بن عمرو بن سعيد
بن العاص (أن أبان بن سعيد أقبل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بخيبر بعدما افتتحها (فسلم عليه فقال
أبو هريرة: يا رسول الله هذا) أبان بن سعيد (قاتل ابن
قوقل) يوم أحد وكان كافرًا ثم أسلم وقيل إن
الذي قتل ابن قوقل في أحد إنما هو صفوان بن أمية الجمحي
(وقال) ولأبي ذر فقال: (أبان لأبي هريرة: واعجبًا لك وبر
تدأدأ) بمهملتين بينهما همزة ساكنة وآخره أخرى مفتوحة هجم
ولأبي ذر عن المستملي تدارأ براء بدل الدال الثانية بغير
همز (من قدوم ضأن) بفتح القاف كما مر (ينعي) بفتح الياء
وسكون النون وفتح العين المهملة أي يعيب (عليّ) بتشديد
الياء (امرًأ) بفتح الراء تبعًا للهمزة يعني ابن قوقل
(أكرمه الله) بأن صيره شهيدًا (بيدي) بالإفراد (ومنعه) أي
ابن قوقل (أن يهينني) يقتلني (بيده) لأن أبان كان حينئذٍ
كافرًا فلو قتله ابن قوقل قبل أن يسلم كان ذلك إهانة له
وخزيًا ففاز ذاك بالشهادة وذا بالإسلام وفي رواية بالفرع
وأصله يهني بنون مشدّدة بإدغام الأولى في الأخرى.
4240 و 4241 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ فَاطِمَةَ - عَلَيْهَا
السَّلاَمُ - بِنْتَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَرْسَلَتْ إِلَى أَبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ
مِيرَاثَهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْهِ
بِالْمَدِينَةِ وَفَدَكَ وَمَا بَقِيَ مِنْ خُمُسِ
خَيْبَرَ، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «لاَ نُورَثُ
مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ»، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي هَذَا الْمَالِ
وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أُغَيِّرُ شَيْئًا مِنْ صَدَقَةِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ
حَالِهَا الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا فِي عَهْدِ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَلأَعْمَلَنَّ فِيهَا بِمَا عَمِلَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَبَى أَبُو بَكْرٍ
أَنْ يَدْفَعَ إِلَى فَاطِمَةَ مِنْهَا شَيْئًا فَوَجَدَتْ
فَاطِمَةُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ فِي ذَلِكَ فَهَجَرَتْهُ
فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حَتَّى تُوُفِّيَتْ وَعَاشَتْ بَعْدَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّةَ
أَشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَهَا زَوْجُهَا
عَلِيٌّ لَيْلاً وَلَمْ يُؤْذِنْ بِهَا أَبَا بَكْرٍ
وَصَلَّى عَلَيْهَا، وَكَانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ
وَجْهٌ حَيَاةَ فَاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ
اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ فَالْتَمَسَ
مُصَالَحَةَ أَبِي بَكْرٍ وَمُبَايَعَتَهُ، وَلَمْ يَكُنْ
يُبَايِعُ تِلْكَ الأَشْهُرَ، فَأَرْسَلَ إِلَى أَبِي
بَكْرٍ أَنِ ائْتِنَا وَلاَ يَأْتِنَا أَحَدٌ مَعَكَ
كَرَاهِيَةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ فَقَالَ عُمَرُ: لاَ
وَاللَّهِ لاَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ وَحْدَكَ، فَقَالَ
أَبُو بَكْرٍ: وَمَا عَسَيْتَهُمْ أَنْ يَفْعَلُوا بِي
وَاللَّهِ لآتِيَنَّهُمْ، فَدَخَلَ عَلَيْهِمْ أَبُو
بَكْرٍ فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ فَقَالَ: إِنَّا قَدْ
عَرَفْنَا فَضْلَكَ وَمَا أَعْطَاكَ اللَّهُ وَلَمْ
نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا سَاقَهُ اللَّهُ إِلَيْكَ
وَلَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عَلَيْنَا بِالأَمْرِ وَكُنَّا
نَرَى لِقَرَابَتِنَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَصِيبًا، حَتَّى فَاضَتْ
عَيْنَا أَبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ
قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَرَابَةُ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحَبُّ
إِلَىَّ أَنْ أَصِلَ مِنْ قَرَابَتِي وَأَمَّا الَّذِي
شَجَرَ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ مِنْ هَذِهِ الأَمْوَالِ
فَلَمْ آلُ فِيهَا عَنِ الْخَيْرِ وَلَمْ أَتْرُكْ أَمْرًا
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَصْنَعُهُ فِيهَا إِلاَّ صَنَعْتُهُ فَقَالَ
عَلِيٌّ لأَبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ الْعَشِيَّةُ
لِلْبَيْعَةِ فَلَمَّا صَلَّى أَبُو بَكْرٍ الظُّهْرَ
رَقِيَ الْمِنْبَرِ فَتَشَهَّدَ وَذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ
وَتَخَلُّفَهُ عَنِ الْبَيْعَةِ وَعُذْرَهُ بِالَّذِي
اعْتَذَرَ إِلَيْهِ ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ
فَعَظَّمَ حَقَّ أَبِي بَكْرٍ وَحَدَّثَ أَنَّهُ لَمْ
يَحْمِلْهُ عَلَى الَّذِي صَنَعَ نَفَاسَةً عَلَى أَبِي
بَكْرٍ، وَلاَ إِنْكَارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ بِهِ
وَلَكِنَّا كُنَّا نَرَى لَنَا فِي هَذَا الأَمْرِ
نَصِيبًا فَاسْتَبَدَّ عَلَيْنَا فَوَجَدْنَا فِي
أَنْفُسِنَا فَسُرَّ بِذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ وَقَالُوا:
أَصَبْتَ وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَلِيٍّ قَرِيبًا
حِينَ رَاجَعَ الأَمْرَ الْمَعْرُوفَ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله بن
بكير المخزومي الحافظ المصري قال: (حدّثنا الليث) بن سعد
الإمام (عن عقيل) هو ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد
بن مسلم الزهري (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) أم
المؤمنين -رضي الله عنها- (أن فاطمة) الزهراء (عليها
السلام بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أرسلت إلى أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه- (تسأله ميراثها
من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مما
أفاء الله عليه) أي مما أعطاه الله من مال الكفار من غير
حرب ولا جهاد (بالمدينة) نحو أرض بني النضير حين أجلاهم
(وفدك) مما صالح أهلها على نصف أرضها (وما بقي من خُمس
خيبر فقال أبو بكر) -رضي الله عنه-: (إن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
إنا معاشر الأنبياء (لا نورث ما تركنا صدقة) بالرفع خبر
سابقه (إنما يأكل آل محمد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (في هذا المال) ما يكفيهم (وإني والله لا أغير
شيئًا من صدقة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن حالها التي كان) ولأبي ذر عن الكشميهني:
كانت (عليها في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) سقط لفظ وسلم من اليونينية (ولأعملن فيها بما
عمل به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فأبى) أي امتنع (أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة منها شيئًا
فوجدت) بالجيم أي غضبت (فاطمة على أبي بكر في ذلك) لما
فيها من مقتضى البشرية ثم سكن بعد (فهجرته) هجران انقباض
عن لقائه لا الهجران المحرّم ولعلها تمادت في اشتغالها
بشؤونها ثم بمرضها (فلم تكلمه حتى توفيت. وعاشت بعد النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ستة أشهر) على الصحيح
المشهور.
(6/375)
(فلما توفيت دفنها زوجها علي) -رضي الله
عنه- (ليلاً) بوصية منها كما عند ابن سعد إرادة لزيادة
التستر (ولم يؤذن) بغير همزة في اليونينية وبه في الناصرية
ولم يعلم (بها أبا بكر) لأنه ظن أن ذلك لا يخفى عنه وليس
فيه ما يدل على أنه لم يعلم بموتها ولا صلّى عليها (وصلّي
عليها) أي علي، وعند ابن سعد أن العباس صلّى عليها (وكان
لعلي من الناس وجه) أي يحترمونه (حياة فاطمة) إكرامًا لها
(فلما توفيت استنكر عليّ وجوه الناس) لأنهم قصروا عن ذلك
الاحترام لاستمراره على عدم مبايعته أبي بكر وكانوا
يعذرونه أيام حياتها عن تأخره عن ذلك باشتغاله بها وتسلية
خاطرها (فالتمس) علي (مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن
يبايع) أبا بكر (تلك الأشهر) الستة إما لاشتغاله بفاطمة
كما مرّ أو اكتفاء بمن بايعه إذ لا يشترط استيعاب كل أحد
بل يكفي الطاعة والانقياد (فأرسل) علي (إلى أبي بكر)
الصديق -رضي الله عنه- (أن ائتنا ولا يأتنا أحد معك
كراهية) منه (لمحضر عمر) مصدر ميمي بمعنى الحضور، ولأبي ذر
ليحضر عمر وذلك لما عرفوه من قوة عمر وصلابته في القول
والفعل فربما تصدر منه معاتبة تفضي إلى خلاف ما قصدوه من
المصافاة (فقال عمر): لما بلغه ذلك لأبي بكر (لا والله لا
تدخل عليهم وحدك) فربما تركوا من تعظيمك ما يجب لك (فقال
أبو بكر) -رضي الله عنه-: (وما عسيتهم) بكسر السين وفتحها
(أن يفعلوا) ولأبي ذر: أن يفعلوه (بي) أي علي ومن معه.
قال ابن مالك: فيه شاهد على صحة تضمين بعض الأفعال معنى
فعل آخر وإجرائه مجراه في التعدية فإن عسى في هذا الكلام
قد تضمنت معنى حسب وأجريت مجراها فنصبت ضمير
الغائبين على أنه مفعول أول ونصبت أن يفعلوا تقديرًا على
أنه مفعول ثان وكان حقه أن يكون عاريًا من أن كما لو كان
بعد حسب، ولكن جيء بأن لئلا تخرج عسى بالكلية عن مقتضاها،
ولأن أن قد تسد بصلتها مسد مفعولي حسب فلا يستبعد مجيئها
بعد المفعول الأول بدلاً منه وسادة مسد ثاني مفعوليها.
قال: ويجوز جعل تاء عسيتم حرف خطاب، والهاء والميم اسم عسى
والتقدير ما عساهم أن يفعلوا بي وهو وجه حسن.
(والله لآتينهم فدخل عليهم أبو بكر فتشهد عليّ فقال: إنّا
قد عرفنا فضلك وما أعطاك الله ولم ننفس عليك خيرًا ساقه
الله إليك) بفتح فاء ننفس أي لم نحسدك على الخلافة (ولكنك
استبددت) بدالين إحداهما مفتوحة والأخرى ساكنة (علينا
بالأمر) أي لم تشاورنا في أمر الخلافة (وكنا نرى) بفتح
النون في الفرع كأصله وبالضم (لقرابتنا من رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نصيبًا) من المشاورة
ولم يزل علي -رضي الله عنه- يذكر له ذلك (حتى فاضت عينا
أبي بكر) من الرقة (فلما تكلم أبو بكر قال: والذي نفسي
بيده لقرابة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أحبّ إليّ أن أصل من قرابتي، وأما الذي شجر
بيني وبينكم) أي وقع فيه التنازع والاختلاف (من هذه
الأموال) التي تركها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، من فدك وغيرها (فلم) ولأبوي ذر والوقت فإني لم
(آل) بمد الهمزة وضم اللام لم أقصر (فيها) في الأموال (عن
الخير ولم أترك أمرًا رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصنعه فيها إلا صنعته. فقال عليّ لأبي
بكر: موعدك العشية) بالفتح على الظرفية أو الرفع خبر
المبتدأ أي بعد الزوال (للبيعة، فلما صلّى أبو بكر الظهر
رقي) بكسر القاف أي علا (المنبر فتشهد وذكر شأن عليّ
وتخلفه عن البيعة وعذره) بفتحات بصيغة الماضي بوزن نهره أي
قبل عذره ولغير أبي ذر عذره بضم العين وسكون المعجمة
(بالذي اعتذر إليه ثم استغفر وتشهد عليّ) -رضي الله عنه-
(فعظم) ولأبي ذر عن الكشميهني وعظم (حق أبي بكر) زاد مسلم
وذكر فضله وسابقته في الإسلام ثم مضى إلى أبي بكر فبايعه
(وحدث أنه لم يحمله على الذي صنع) من التأخر (نفاسة على
أبي بكر) أي حسدًا (ولا إنكارًا للذي فضله الله به ولكنا
كنا نرى) بفتح النون فقط في اليونينية وفي غيرها بضمها
(لنا في هذا الأمر) أي أمر الخلافة
(6/376)
(نصيبًا فاستبد) ولأبي ذر واستبد (علينا
فوجدنا في أنفسنا فسرّ بذلك المسلمون وقالوا: أصبت. وكان
المسلمون إلى عليّ قريبًا) أي كان ودهم له قريبًا (حين
راجع الأمر بالمعروف) وهو الدخول فيما دخل الناس فيه من
المبايعة.
وقد صحح ابن حبان وغيره من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله
عنه- أن عليًّا بايع أبا بكر في أول الأمر، وأما ما في
مسلم عن الزهري أن رجلاً قال له: لم يبايع عليّ أبا بكر
حتى ماتت فاطمة -رضي الله عنها-. قال: ولا أحد من بني هاشم
فقد ضعفه البيهقي بأن الزهري لم يسنده، وأن الرواية
الموصولة عن أبي سعيد أصح وجمع غيره بأنه مبايعة بيعة
ثانية مؤكدة للأولى لإزالة ما كان وقع بسبب الميراث،
وحينئذ فيحمل قول الزهري لم يبايعه في في تلك الأيام على
إرادة الملازمة له والحضور عنده، فإن ذلك يوهم من لا يعرف
باطن الأمر أنه بسبب عدم الرضا بخلافته فأطلق من أطلق ذلك
وبسبب ذلك يظهر عليّ المبايعة بعد موت فاطمة لإزالة هذه
الشبهة قاله في الفتح.
4242 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
حَرَمِيٌّ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ أَخْبَرَنِي عُمَارَةُ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ:
لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ قُلْنَا الآنَ نَشْبَعُ مِنَ
التَّمْرِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (محمد بن
بشار) بفتح الموحدة وتشديد المعجمة العبدي قال: (حدثنا)
ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (حرميّ) بفتح الحاء والراء
وتشديد التحتية ابن عمارة بن أبي حفصة العتكي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج قال: (أخبرني) بالإفراد (عمارة) بن أبي
حفصة العتكي وشعبة واسطة بينهما (عن عكرمة) مولى ابن عباس
(عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: لما فتحت خيبر
قلنا الآن نشبع من التمر) لكثرة ما فيها من النخيل؛ وليس
لعكرمة في البخاري عن عائشة غير هذا الحديث.
4243 - حَدَّثَنَا الْحَسَنُ حَدَّثَنَا قُرَّةُ بْنُ
حَبِيبٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- قَالَ: مَا شَبِعْنَا حَتَّى فَتَحْنَا
خَيْبَرَ.
وبه قال: (حدّثنا الحسن) بن محمد بن الصباح الزعفراني قال:
(حدّثنا قرة بن حبيب) يعني ابن يزيد القنوي بالقاف والنون
المخففة المفتوحتين نسبة إلى بيع القنا وهي الرماح قال:
(حدّثنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه) عبد
الله (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: ما شبعنا
حتى فتحنا خيبر) فيه إشارة كالسابق إلى أنهم كانوا في قلة
من العيش قبل فتح خيبر.
39 - باب اسْتِعْمَالُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى أَهْلِ خَيْبَرَ
(باب استعمال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
رجلاً (على أهل خيبر) بعد فتحها لتنمية الثمار وسقط الباب
لأبي ذر فقوله استعمال رفع.
4244 و 4245 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ بْنِ سُهَيْلٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي
هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَعْمَلَ رَجُلاً عَلَى خَيْبَرَ
فَجَاءَهُ بِتَمْرٍ جَنِيبٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُّ تَمْرِ
خَيْبَرَ هَكَذَا»؟ فَقَالَ لاَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّا لَنَأْخُذُ الصَّاعَ مِنْ هَذَا
بِالصَّاعَيْنِ بِالثَّلاَثَةِ فَقَالَ: «لاَ تَفْعَلْ
بِعِ الْجَمْعَ بِالدَّرَاهِمِ ثُمَّ ابْتَعْ
بِالدَّرَاهِمِ جَنِيبًا».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني)
بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد المجيد بن سهيل) بضم السين
وفتح الهاء ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني (عن سعيد
بن المسيب عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة) -رضي الله
عنهما- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
استعمل رجلاً) هو سواد بن غزية من بني عدي بن النجار (على
خيبر فجاءه بتمر جنيب) بفتح الجيم وكسر النون وهو أجود
تمورهم (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(كل) ولأبي ذر عن الكشميهني أكل (تمر خيبر هكذا فقال)
ولأبي ذر قال: (لا والله يا رسول الله
إنا لنأخد الصاع من هذا بالصاعين بالثلاثة) بدل من الصاعين
وفي نسخة والصاعين بالثلاثة (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(لا تفعل) ذلك (بع الجمع) وهو نوع رديء (بالدراهم ثم ابتع
بالدراهم جنيبًا).
وهذا الحديث مرّ في البيوع في باب إذا أراد بيع تمر بتمر
خير منه.
4246 و 4247 - وَقَالَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ
عَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ سَعِيدٍ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ
وَأَبَا هُرَيْرَةَ حَدَّثَاهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ أَخَا بَنِي عَدِيٍّ
مِنَ الأَنْصَارِ إِلَى خَيْبَرَ فَأَمَّرَهُ عَلَيْهَا
وَعَنْ عَبْدِ الْمَجِيدِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ مِثْلَهُ.
(وقال عبد العزيز بن محمد) الدراوردي مما وصله أبو عوانة
والدارقطني (عن عبد المجيد) بن سهيل (عن سعيد) أي ابن
المسيب (أن أبا سعيد) الخدري (وأبا هريرة) -رضي الله
عنهما- (حدثاه أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بعث أخا بني عدي من الأنصار) وهو سواد بن غزية
(إلى خيبر فأمّره) بتشديد الميم أي جعله أميرًا (عليها).
(وعن عبد المجيد) المذكور بالسند المذكور (عن أبي صالح)
ذكوان (السمان عن أبي هريرة وأبي سعيد) الخدري -رضي الله
عنهما- (مثله) أي مثل الحديث السابق.
40 - باب مُعَامَلَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَهْلَ خَيْبَرَ
(باب معاملة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أهل خيبر).
4248 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
جُوَيْرِيَةُ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله
عنه- قَالَ أَعْطَى النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خَيْبَرَ الْيَهُودَ أَنْ يَعْمَلُوهَا
وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
جويرية) بن أسماء الضبعي (عن نافع) مولى ابن عمر (عن عبد
الله) بن عمر (-رضي الله عنه-) أنه (قال: أعطى
(6/377)
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
خيبر اليهود أن يعملوها) أي يتعاهدوا أشجارها بالسقي وغير
ذلك (ويزرعوها ولهم شطر ما يخرج منها). أي نصفه.
وسبق هذا الحديث في المزارعة.
41 - باب الشَّاةِ الَّتِي سُمَّتْ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَيْبَرَ رَوَاهُ عُرْوَةُ
عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-
(باب الشاة التي سمت للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) حال كونه (بخيبر. رواه) أي حديث السمّ (عروة)
بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مما وصله في الوفاة النبوية.
4249 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ حَدَّثَنِي سَعِيدٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي
الله عنه- قَالَ: لَمَّا فُتِحَتْ خَيْبَرُ أُهْدِيَتْ
لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
شَاةٌ فِيهَا سُمٌّ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام قال: (حدثني) بالإفراد (سعيد) هو ابن
أبي سعيد المقبري (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال:
لما فتحت خيبر أهديت لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- شاة فيها سم) بتثليث السين أهدتها له زينب بنت
الحارث اليهودية امرأة سلام بن مشكم وكانت سألت أيّ عضو من
الشاة أحب إليه؟ فقيل: الذراع فأكثرت فيها من السم، فلما
تناول الذراع لاك منها مضغة ولم يسغها، وأكل منها معه بشر
بن البراء فأساغ لقمته ومات منها.
وعند البيهقي أنه عليه الصلاة والسلام أكل وقال لأصحابه:
"أمسكوا فإنها مسمومة" (وقال لها: "ما حملك على ذلك"؟
قالت: أردت إن كنت نبيًّا فيطلعك الله وإن كنت كاذبًا
فأريح الناس منك. قال: فما عرض لها. وزاد عبد الرزاق
واحتجم على الكاهل. قال: قال الزهري: وأسلمت فتركها. وعند
ابن سعد أنه دفعها إلى أولياء بشر فقتلوها.
42 - باب غَزْوَةُ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ
(باب غزوة زيد بن حارثة) والد أسامة مولى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وسقط لفظ باب لأبي ذر.
4250 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله
عنهما- قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةَ عَلَى قَوْمٍ فَطَعَنُوا
فِي إِمَارَتِهِ فَقَالَ: «إِنْ تَطْعَنُوا فِي
إِمَارَتِهِ فَقَدْ طَعَنْتُمْ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ
قَبْلِهِ، وَايْمُ اللَّهِ لَقَدْ كَانَ خَلِيقًا
لِلإِمَارَةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ
وَإِنَّ هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى بن
سعيد) القطان قال: (حدّثنا سفيان بن سعيد) الثوري الكوفي
قال: (حدّثنا عبد الله بن دينار) المدني مولى ابن عمر (عن
ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: أمّر) بتشديد الميم (رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسامة) بن زيد
(على قوم) من كبار المهاجرين والأنصار فيهم أبو بكر وعمر
وأبو عبيدة وسعد وسعيد وقتادة بن النعمان وغيرهم (فطعنوا)
أي بعضهم (في إمارته) بكسر الهمزة وكان أشدهم في ذلك عياش
بن أبي ربيعة فقال: يستعمل هذا الغلام على المهاجرين،
فكثرت المقالة في ذلك فسمع عمر بن الخطاب بعض ذلك فردّه
على من تكلم، وأخبر بذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فغضب غضبًا شديدًا فخطب (فقال):
(إن تطعنوا) بضم العين وفتحها (في إمارته) أي أسامة (فقد
طعنتم في إمارة أبيه) زيد (من قبله) في غزوة مؤتة، وقد بعث
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زيد بن حارثة في عدة
سرايا. قال سلمة بن الأكوع فيما رواه أبو مسلم الكجي: غزوت
مع زيد بن حارثة سبع غزوات يؤمره علينا الحديث. فأولها قبل
نجد في مائة راكب في جمادى الآخرة سنة خمس، ثم إلى بني
سليم في ربيع الآخر سنة ست، ثم في جمادى الأولى منها في
مائة وسبعين نتلقى عير قريش، وأسروا أبا العاص بن الربيع
ثم في جمادى الآخرة منها إلى بني ثعلبة، ثم إلى حسمى بضم
الحاء وسكون السين المهملتين مقصورًا في خمسمائة إلى ناس
من جذام بطريق الشام كانوا قطعوا الطريق على دحية وهو راجع
من عند هرقل، ثم إلى وادي القرى، ثم إلى ناس من بني فزارة،
وكان قد خرج قبلها في تجارة فخرج عليه ناس من بني فزارة
فأخذوا ما معه وضربوه فجهزه النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم فأوقع بهم وقتل أم قرفة بكسر
القاف وسكون الراء بعدها فاء فاطمة بنت ربيعة بن بدر زوج
مالك بن حذيفة بن بدر عم عيينة بن حصن بن حذيفة وكانت
معظمة فيهم فيقال: إنه ربطها في ذنب فرسين وأجراهما فتقطعت
وأسر بنتها وكانت جميلة، ولم يقع في حديث الباب تعيين
الغزوة التي أمّر عليها، لكن قال الحافظ ابن حجر -رحمه
الله تعالى-: ولعل هذه الأخيرة مراد المصنف، وقد ذكر مسلم
طرفًا منها في حديث سلمة بن الأكوع.
(وايم الله لقد كان) زيد (خليقًا) بالخاء المعجمة والقاف
أي حقيقًا (للإمارة) لسوابقه وفضله وقربه من رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وإن كان) زيد (من
أحب الناس إليّ) بإسقاط لام لمن الثانية في باب مناقب زيد
عند المؤلّف (وإن هذا) أسامة (لمن أحب الناس إليّ بعده) أي
بعد
(6/378)
أبيه.
43 - باب عُمْرَةُ الْقَضَاءِ ذَكَرَهُ أَنَسٌ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب عمرة القضاء).
قال السهيلي: سميت عمرة القضاء لأنه قاضى فيها قريشًا لا
أنها قضاء عن عمرة الحديبية التي صدّ عنها لأنها لم تكن
فسدت حتى يجب قضاؤها بل كانت عمرة تامة، ولذا عدّت في عمره
عليه الصلاة والسلام، وقيل بل هي قضاء عنها، وإنما عدوها
في عمره لثبوت الأجر فيها لا لأنها كملت وهو مبني على
الاختلاف في وجوب القضاء على من اعتمر فصدَّ عن البيت،
والجمهور على وجوب الهدي من غير قضاء، وعن أبي حنيفة عكسه،
ولأبي ذر عن المستملي: غزوة القضاء وتوجيه كونها غزوة أنه
عليه الصلاة والسلام خرج مستعدًّا بالسلاح والمقاتلة خشية
أن يقع من قريش غدر، ولا يلزم من إطلاق الغزوة وقوع
المقاتلة، وسقط لفظ باب لأبي ذر فالتالي مرفوع.
(ذكره) أي حديث عمرة القضاء (أنس عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه لما دخل مكة في عمرة القضاء مشى
عبد الله بن رواحة بين يديه وهو يقول:
خلوا بني الكفار عن سبيله ... قد أنزل الرحمن في تنزيله
بأن خير القتل في سبيله ... نحن قتلناكم على تأويله
كما قتلناكم على تنزيله
رواه عبد الرزاق، ورواه ابن حبان في صحيحه بزيادة وهي:
ويذهل الخليل عن خليله ... يا رب إني مؤمن بقيله
فقال عمر -رضي الله عنه-: يا ابن رواحة أتقول الشعر بين
يدي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "دعه يا
عمر فهذا أشد عليهم من وقع النبل".
4251 - حَدَّثَنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى عَنْ
إِسْرَائِيلَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ -رضي
الله عنه- قَالَ: لَمَّا اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذِي الْقَعْدَةِ فَأَبَى
أَهْلُ مَكَّةَ أَنْ يَدَعُوهُ يَدْخُلُ مَكَّةَ حَتَّى
قَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يُقِيمَ بِهَا ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ،
فَلَمَّا كَتَبُوا الْكِتَابَ كَتَبُوا هَذَا مَا قَاضَى
عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ قَالُوا: لاَ نُقِرُّ
بِهَذَا لَوْ نَعْلَمُ أَنَّكَ رَسُولُ اللَّهِ مَا
مَنَعْنَاكَ شَيْئًا وَلَكِنْ أَنْتَ مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ فَقَالَ: «أَنَا رَسُولُ اللَّهِ، وَأَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ»، ثُمَّ قَالَ لِعَلِيٍّ
«امْحُ رَسُولَ اللَّهِ» قَالَ عَلِيٌّ: لاَ وَاللَّهِ لاَ
أَمْحُوكَ أَبَدًا فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْكِتَابَ وَلَيْسَ يُحْسِنُ
يَكْتُبُ فَكَتَبَ «هَذَا مَا قَاضَى مُحَمَّدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ لاَ يُدْخِلُ مَكَّةَ السِّلاَحَ إِلاَّ
السَّيْفَ فِي الْقِرَابِ، وَأَنْ لاَ يَخْرُجَ مِنْ
أَهْلِهَا بِأَحَدٍ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَتْبَعَهُ وَأَنْ
لاَ يَمْنَعَ مِنْ أَصْحَابِهِ أَحَدًا إِنْ أَرَادَ أَنْ
يُقِيمَ بِهَا»، فَلَمَّا دَخَلَهَا وَمَضَى الأَجَلُ
أَتَوْا عَلِيًّا فَقَالُوا: قُلْ لِصَاحِبِكَ اخْرُجْ
عَنَّا فَقَدْ مَضَى الأَجَلُ فَخَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَبِعَتْهُ ابْنَةُ
حَمْزَةَ تُنَادِي يَا عَمِّ يَا عَمِّ فَتَنَاوَلَهَا
عَلِيٌّ فَأَخَذَ بِيَدِهَا وَقَالَ لِفَاطِمَةَ -
عَلَيْهَا السَّلاَمُ -: دُونَكِ ابْنَةَ عَمِّكِ،
حَمَلَتْهَا فَاخْتَصَمَ فِيهَا عَلِيٌّ وَزَيْدٌ
وَجَعْفَرٌ قَالَ عَلِيٌّ: أَنَا أَخَذْتُهَا وَهْيَ
بِنْتُ عَمِّي وَقَالَ جَعْفَرٌ: هِيَ ابْنَةُ عَمِّي
وَخَالَتُهَا تَحْتِي وَقَالَ زَيْدٌ: ابْنَةُ أَخِي
فَقَضَى بِهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لِخَالَتِهَا وَقَالَ: «الْخَالَةُ
بِمَنْزِلَةِ الأُمِّ» وَقَالَ لِعَلِيٍّ: «أَنْتَ مِنِّي
وَأَنَا مِنْكَ» وَقَالَ لِجَعْفَرٍ: «أَشْبَهْتَ خَلْقِي
وَخُلُقِي» وَقَالَ لِزَيْدٍ: «أَنْتَ أَخُونَا
وَمَوْلاَنَا» وَقَالَ عَلِيٌّ أَلاَ تَتَزَوَّجُ بِنْتَ
حَمْزَةَ قَالَ: «إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ
الرَّضَاعَةِ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر عن المستملي: حدّثنا
(عبيد الله بن موسى) بضم العين ابن باذام الكوفي (عن
إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله
السبيعي (عن البراء) بن عازب (-رضي الله عنه-) أنه (قال:
لما) بتشديد الميم وسقطت لما لابن عساكر (اعتمر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي أحرم بالعمرة (في
ذي القعدة) سنة ست من الهجرة وبلغ الحديبية (فأبى) أي
امتنع (أهل مكة أن يدعوه) بفتح الدال أن يتركوه (يدخل مكة
حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام) من العام المقبل
(فلما كتبوا) أي المسلمون (الكتاب) ولأبي ذر عن الكشميهني:
فلما كتب الكتاب بضم الكاف مبنيًّا للمفعول والكاتب علي بن
أبي طالب (كتبوا: هذا ما قاضى) ولأبي ذر عن الكشميهني: ما
قاضانا (عليه محمد رسول الله) قال ابن حجر: ورواية
الكشميهني غلط وكأنه لما رأى قوله كتبوا ظن أن المراد قريش
وليس كذلك بل المراد المسلمون ونسبة ذلك إليهم وإن كان
الكاتب واحدًا مجازية (قالوا: لا نقرّ بهذا) ولأبي ذر عن
الكشميهني: لا نقر لك بهذا (لو نعلم
أنك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما
منعناك شيئًا) وعند النسائي: ما منعناك بيته (ولكن أنت
محمد بن عبد الله فقال):
(أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله ثم قال لعلي: امح)
ولأبي ذر وابن عساكر: لعلي بن أبي طالب -رضي الله عنه- امح
(رسول الله) أي الكلمة المكتوبة من الكتاب (قال عليّ) سقط
لفظ عليّ لأبي ذر وابن عساكر (لا والله لا أمحوك أبدًا،
فأخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الكتاب وليس يحسن يكتب) فقال لعلي: أرني مكانها فمحاها
فأعادها لعلي (فكتب هذا ما قاضى محمد بن عبد الله).
وبهذا التقرير يزول استشكال ظاهره المقتضي أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب المستلزم لكونه غير أمي
وهو يناقض الآية التي قامت بها الحجة وأفحمت الجاحد، وقيل
المراد بقوله كتب أمر بالكتابة فإسناد الكتابة إليه مجاز
وهو كثير كقولهم: كتب إلى كسرى، وكتب إلى قيصر فقوله: كتب
أي أمر عليًّا أن يكتب، وأما إنكار بعض المتأخرين على أبي
مسعود نسبتها إلى تخريج البخاري فليس بشيء فقد علم ثبوتها
فيه، وكذا أخرجها النسائي عن أحمد بن سليمان عن عبيد الله
بن موسى، وكذا أحمد عن يحيى بن المثنى عن إسرائيل ولفظه:
فأخذ الكتاب وليس يحسن أن يكتب فكتب مكان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(6/379)
هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، نعم لم
يذكر البخاري هذه الزيادة في الصلح حيث ذكر الحديث عن عبيد
الله بن موسى بهذا الإسناد. وقول الباجي أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتب بعد أن لم يكتب وأن ذلك
معجزة أخرى رده عليه علماء الأندلس في زمانه ورموه بسبب
ذلك بالزندقة والله أعلم.
قال السهيلي: والمعجزات يستحيل أن يدفع بعضها بعضًا، ولأبي
ذر وابن عساكر: هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله (لا
يدخل) بضم أوله وكسر ثالثه (مكة السلاح إلا السيف في
القراب وأن لا يخرج) بفتح أوله وضم ثالثه (من أهلها بأحد
وإن أراد أن يتبعه وأن لا يمنع من أصحابه أحدًا إن أراد)
وسقط لأبي ذر لفظ إن من إن أراد الثانية (أن يقيم بها،
فلما دخلها) عليه الصلاة والسلام في العام المقبل (ومضى
الأجل) أي قرب مضي الثلاثة الأيام (أتوا) كفار قريش
(عليًّا فقالوا) له: (قل لصاحبك) يعنون النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أخرج عنا فقد مضى الأجل).
وفي مغازي أبي الأسود عن عروة: فلما كان اليوم الرابع جاءه
سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى فقالا: ننشدك الله
والعهد إلا ما خرجت من أرضنا فردّ عليهما سعد بن عبادة
فأسكته النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وآذن
بالرحيل وكأنه قد دخل في أثناء النهار فلم يكمل الثلاث إلا
في مثل ذلك الوقت من النهار الرابع الذي دخل فيه بالتلفيق،
وكان مجيئهم في أثناء النهار قرب مجيء ذلك الوقت.
(فخرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فتبعته
ابنة حمزة) اسمها عمارة أو فاطمة أو أمامة أو أمة الله أو
سلمى والأول أشهر ولابن عساكر بنت حمزة (تنادي) النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إجلالاً له (يا عم يا
عم) مرتين وإلا فهو -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ابن عمها أو لكون حمزة كان أخاه من الرضاعة (فتناولها
عليّ) -رضي الله عنه- (فأخذ بيدها
وقال لفاطمة) زوجته (عليها السلام: دونك) أي خذي (ابنة)
ولأبي ذر وابن عساكر بنت (عمك حملتها) بتخفيف الميم بلفظ
الماضي وكان الفاء سقطت وهي ثابتة عند النسائي من الوجه
الذي أخرجه منه البخاري، ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني:
حمليها بتشديد الميم المكسورة وبعد اللام تحتية ساكنة
بصيغة الأمر، وللأصيلي هنا مصحّحًا عليه في الفرع كأصله
احمليها بألف بدل التشديد.
فإن قلت: كيف أخرجها عليه الصلاة والسلام من مكة ولم يردها
إليهم مع اشتراط المشركين أن لا يخرج بأحد من أهلها إن
أراد الخروج؟ جيب: بأن النساء المؤمنات لم يدخلن في ذلك
وبأنه عليه الصلاة والسلام لم يخرجها ولم يأمر بإخراجها
وبأن المشركين لم يطلبوها.
(فاختصم فيها) في بنت حمزة بعد أن قدموا المدينة كما عند
أحمد والحاكم (علي) هو ابن أبي طالب (وزيد) هو ابن حارثة
(وجعفر) هو ابن أبي طالب أي في أيهم تكون عنده (قال) ولابن
عساكر فقال (عليّ أنا أخذتها وهي بنت عمي) زاد أبو داود في
حديث علي وعندي بنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهي أحق بها (وقال جعفر: هي ابنة) ولأبي ذر:
بنت (عمي وخالتها) أسماء بنت عميس (تحتي) أي زوجتي (وقال)
بالواو ولأبي ذر فقال (زيد: ابنة) ولأبي ذر وابن عساكر بنت
(أخي) وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آخى
بينه وبين حمزة كما ذكره الحاكم في الإكليل وأبو سعد في
شرف المصطفى، وزاد في حديث عليّ إنما خرجت إليها، وعنده
أيضًا أن زيدًا هو الذي أخرجها من مكة (فقضى بها النبي)
ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لخالتها) أسماء فرجح جانب جعفر لقرابته وقرابة امرأته منها
دون الآخرين وفي رواية أبي سعيد السكري ادفعاها إلى جعفر
فإنه أوسعكم (وقال) عليه الصلاة والسلام:
(الخالة بمنزلة الأم) أي في الشفقة والحنوّ والاهتداء إلى
ما يصلح الولد (وقال لعلي: أنت مني وأنا منك) أي في النسب
والصهر والسابقة والمحبة (وقال لجعفر: أشبهت خَلقي وخُلقي)
بفتح الخاء في الأولى أي صورتي وبضمها في الثانية أما
الأولى فقد شارك جعفرًا فيها جماعة عدها بعضهم سبعًا
وعشرين، وأما الثانية فخصوصية لجعفر نعم في حديث عائشة ما
يقتضي حصول مثل
(6/380)
ذلك لفاطمة لكنه ليس بصريح كما في قصة جعفر
وهي منقبة عظيمة لجعفر على ما لا يخفى (وقال) عليه الصلاة
والسلام: (لزيد: أنت أخونا) في الإيمان (ومولانا) أي
عتيقنا.
(وقال): ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر قال بإسقاط الواو
(عليّ) بالإسناد السابق له عليه الصلاة والسلام (ألا
تتزوّج بنت حمزة؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (إنها ابنة)
ولأبي ذر وابن عساكر بنت (أخي من الرضاعة) فلا تحل لي.
وهذا الحديث سبق في باب كيف يكتب هذا ما صالح فلان ابن
فلان من كتاب الصلح.
4252 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ حَدَّثَنَا
سُرَيْجٌ حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ ح وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ
بْنُ
الْحُسَيْنِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنِي أَبِي
حَدَّثَنَا فُلَيْحُ بْنُ سُلَيْمَانَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ مُعْتَمِرًا
فَحَالَ كُفَّارُ قُرَيْشٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْبَيْتِ
فَنَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَقَ رَأْسَهُ بِالْحُدَيْبِيَةِ
وَقَاضَاهُمْ عَلَى أَنْ يَعْتَمِرَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ،
وَلاَ يَحْمِلَ سِلاَحًا عَلَيْهِمْ إِلاَّ سُيُوفًا وَلاَ
يُقِيمَ بِهَا إِلاَّ مَا أَحَبُّوا فَاعْتَمَرَ مِنَ
الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَدَخَلَهَا كَمَا كَانَ
صَالَحَهُمْ، فَلَمَّا أَنْ أَقَامَ بِهَا ثَلاَثًا
أَمَرُوهُ أَنْ يَخْرُجَ فَخَرَجَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن رافع) النيسابوري
ولأبي ذر محمد هو ابن رافع قال: (حدّثنا سريح) بالسين
والحاء المهملتين في الفرع والصواب بالجيم بعد المهملة ابن
النعمان البغدادي الجوهري وهو شيخ المؤلّف روى عنه
بالواسطة قالَ: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام وبعد
الياء الساكنة حاء مهملة لقب عبد الملك بن سليمان (قال)
المؤلّف (ح).
(وحدثني) بالإفراد (محمد بن الحسين بن إبراهيم) المعروف
بابن اشكاب الحافظ البغدادي قال: (حدثني) بالإفراد (أبي)
الحسين اشكاب بن إبراهيم بن الحر العامري أبو علي
الخراساني ثم البغدادي قال: (حدّثنا فليح بن سليمان عن
نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج) إلى مكة في ذي القعدة
حال كونه (معتمرًا فحال كفار قريش بينه وبين البيت) لما
بلغ الحديبية (فنحر هديه وحلق رأسه) للتحلل من العمرة
(بالحديبية وقاضاهم) أي صالحهم (على أن يعتمر العام المقبل
ولا يحمل سلاحًا عليهم إلا سيوفًا) يعني في قرابها كما في
الحديث السابق (ولا يقيم) بمكة (إلا ما أحبوا) وهو ثلاثة
أيام ما دل عليه قوله الآتي قريبًا (فاعتمر) عليه الصلاة
والسلام (من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم فلما أن
أقام بها ثلاثًا أمروه أن يخرج) منها (فخرج) كما مرّ.
وهذا المتن لفظ رواية محمد بن الحسين، وأما لفظ محمد بن
رافع ففي باب الصلح مع المشركين من كتاب الصلح.
4253 - حَدَّثَنا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ:
دَخَلْتُ أَنَا وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ الْمَسْجِدَ
فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ -رضي الله عنهما-
جَالِسٌ إِلَى حُجْرَةِ عَائِشَةَ ثُمَّ قَالَ: كَمِ
اعْتَمَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: أَرْبَعًا إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر وابن عساكر حدّثنا
(عثمان بن أبي شيبة) هو عثمان بن محمد بن أبي شيبة واسم
أبي شيبة إبراهيم بن عثمان العبسي الكوفي قال: (حدّثنا
جرير) بفتح الجيم ابن عبد الحميد الرازي (عن منصور) هو ابن
المعتمر (عن مجاهد) هو ابن جبر أنه (قال: دخلت أنا وعروة
بن الزبير المسجد) النبوي (فإذا عبد الله بن عمر -رضي الله
عنهما- جالس) خبر عبد الله (إلى حجرة عائشة ثم قال): أي
عروة بن الزبير كما وقع التصريح به في مسلم لابن عمر (كم
اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قال)
ابن عمر: اعتمر (أربعًا إحداهن في رجب).
4254 - ثُمَّ سَمِعْنَا اسْتِنَانَ عَائِشَةَ قَالَ
عُرْوَةُ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَلاَ تَسْمَعِينَ مَا
يَقُولُ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعْتَمَرَ أَرْبَعَ
عُمَرٍ إِحْدَاهُنَّ فِي رَجَبٍ؟ فَقَالَتْ: مَا اعْتَمَرَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عُمْرَةً
إِلاَّ وَهْوَ شَاهِدٌ وَمَا اعْتَمَرَ فِي رَجَبٍ قَطُّ.
(ثم سمعنا استنان عائشة) أي حس مرور السواك على أسنانها
(قال عروة: يا أم المؤمنين ألا تسمعين) ولأبي ذر عن
الكشميهني: ألم تسمعي (ما يقول أبو عبد الرحمن)؟ هي كنية
ابن عمر (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
اعتمر أربع عُمر: إحداهن في رجب: فقالت: ما اعتمر النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عمرة إلا وهو) أي ابن
عمر (شاهد) أي حاضر معه (وما اعتمر في رجب قط) وثبت قوله
عمرة لأبي ذر عن الكشميهني ولم تنكر عائشة على ابن عمر إلا
قوله في رجب، وسكوته يدل على عدم تثبته في ذلك وحينئذٍ فلا
يقال هنا قول ابن عمر المثبت مقدم على نفي عائشة كما لا
يخفى.
وهذا الحديث مرّ في باب كم اعتمر النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كتاب الحج.
4255 - حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي
خَالِدٍ سَمِعَ ابْنَ أَبِي أَوْفَى يَقُولُ: لَمَّا
اعْتَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سَتَرْنَاهُ مِنْ غِلْمَانِ الْمُشْرِكِينَ
وَمِنْهُمْ أَنْ يُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن إسماعيل بن أبي خالد) الكوفي الحافظ
أنه (سمع ابن أبي أوفى) عبد الله (يقول: لما اعتمر رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عمرة القضية
(سترناه من غلمان المشركين ومنهم) أي ومن المشركين (أن
يؤذوا رسول الله) ولابن عساكر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند الحميدي وكنا نستره من أهل مكة
أن يرميه أحد.
وهذا الحديث قد سبق في غزوة الحديبية.
4256 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ هُوَ ابْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما-
قَالَ: قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ فَقَالَ الْمُشْرِكُونَ: إِنَّهُ
يَقْدَمُ عَلَيْكُمْ وَفْدٌ وَهَنَتْهُمْ حُمَّى يَثْرِبَ
فَأَمَرَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ الثَّلاَثَةَ،
وَأَنْ يَمْشُوا مَا بَيْنَ الرُّكْنَيْنِ وَلَمْ
يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ أَنْ يَرْمُلُوا الأَشْوَاطَ
كُلَّهَا، إِلاَّ الإِبْقَاءُ عَلَيْهِمْ. وَزَادَ ابْنُ
سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِعَامِهِ الَّذِي
اسْتَأْمَنَ قَالَ: "ارْمُلُوا" لِيُرَي الْمُشْرِكِينَ
قُوَّتَهُمْ، وَالْمُشْرِكُونَ مِنْ قِبَلِ قُعَيْقِعَانَ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
حماد هو ابن زيد عن أيوب) السختياني (عن سعيد
(6/381)
بن جبير) الكوفي (عن ابن عباس -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأصحابه) مكة في عمرة القضية (فقال المشركون:
إنه) أي الشأن (يقدم عليكم وفد) بالفاء الساكنة والرفع
فاعل يقدم أي جماعة ولأبي الوقت وقد بالقاف المفتوحة
فالضمير في أنه للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أي
أنه يقدم عليكم عليه السلام والحال أنه قد (وهنتهم) أي
الصحابة، ولابن عساكر: وهنهم بحذف الفوقية يعد النون أي
أضعفهم (حمى يثرب) فأطلع الله نبيه عليه الصلاة والسلام
على ما قالوه (فأمرهم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن يرملوا) بضم الميم (الأشواط الثلاثة) الأول
ليرى المشركين قوّتهم بذلك (وأن يمشوا ما بين الركنين)
اليمانيين حيث لا يراهم قريش إذ كانوا من قبل قعيقعان وهو
لا يشرف عليهما (ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط)
السبعة (كلها إلا الإبقاء عليهم) بكسر الهمزة والرفع فاعل
لم يمنعه أي إلا إرادة الرفق.
(وزاد) وللأصيلي قال أبو عبد الله: وزاد (ابن سلمة) حماد
فيما وصله الإسماعيلي (عن أيوب) السختياني (عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس) أنه (قال: لما قدم النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مكة (لعامه الذي استأمن) أي
دخل في الأمان (قال) لأصحابه: (ارملوا ليري) عليه الصلاة
والسلام (المشركين) بضم الياء وكسر الراء وفي اليونينية
ليرى المشركون (قومهم والمشركون من قبل) أي من جهة جبل
(قعيقعان) بضم القاف الأولى وكسر الثانية.
وهذا الحديث سبق في باب كيف كان بدء الرمل من الحج.
4257 - حَدَّثَنا مُحَمَّدٌ عَنْ سُفْيَانَ بْنِ
عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عَطَاءٍ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: إِنَّمَا سَعَى
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ لِيُرِيَ
الْمُشْرِكِينَ قُوَّتَهُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد) هو ابن سلام (عن سفيان)
وللأصيلي وابن عساكر أخبرنا سفيان (بن عيينة) الهلالي
مولاهم الكوفي الأعور أحد الأعلام (عن عمرو) بفتح العين
ابن دينار (عن عطاء) هو ابن رباح (عن ابن عباس -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: إنما سعى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي رمل أي هرول (بالبيت) عند الطواف
به (وبين الصفا والمروة ليري) عليه الصلاة والسلام
(المشركين قوته).
4258 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ قَالَ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: تَزَوَّجَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَيْمُونَةَ وَهْوَ مُحْرِمٌ وَبَنَى بِهَا وَهْوَ حَلاَلٌ
وَمَاتَتْ بِسَرِفَ. قَالَ أَبُو عَبْدُ اللهِ.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري التبوذكي قال:
(حدّثنا وهيب) بضم الواو مصغرًا ابن خالد (قال: حدّثنا
أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس
-رضي الله عنهما-) أنه (قال: تزوج النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ميمونة) بنت الحارث الهلالية وسقط لفظ
ميمونة لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر (وهو محرم) بعمرة
القضية (وبنى بها وهو حلال وماتت) بعد ذلك (بسرف) في
الموضع الذي بني بها فيه وهو على عشرة أميال من مكة سنة
إحدى وخمسين. (قال أبو عبد الله): أي البخاري وسقط هذا
لغير الأصيلي.
4259 - وَزَادَ ابْنُ إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي
نَجِيحٍ، وَأَبَانُ بْنُ صَالِحٍ عَنْ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تَزَوَّجَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَيْمُونَةَ فِي عُمْرَةِ
الْقَضَاءِ.
(وزاد) ولأبي ذر: زاد بإسقاط الواو (ابن إسحاق) محمد فقال:
(حدثني) بالإفراد (ابن أبي نجيح) عبد الله (وأبان بن صالح
عن عطاء ومجاهد عن ابن عباس قال: تزوج النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ميمونة في عمرة القضاء) وهذا
وصله ابن إسحاق في سيرته وكان الذي زوجها منه العباس بن
عبد المطلب وكانت أختها أم الفضل تحته.
44 - باب غَزْوَةُ مُوتَةَ مِنْ أَرْضِ الشَّأْمِ
(باب غزوة موتة) بضم الميم وسكون الواو من غير همز للأكثر
(من أرض الشام) بالقرب من البلقاء في جمادى الأولى سنة
ثمان وسقط باب لأبي ذر وابن عساكر فغزوة رفع.
4260 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ
عَمْرٍو، عَنِ ابْنِ أَبِي هِلاَلٍ قَالَ: وَأَخْبَرَنِي
نَافِعٌ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ وَقَفَ
عَلَى جَعْفَرٍ يَوْمَئِذٍ، وَهْوَ قَتِيلٌ فَعَدَدْتُ
بِهِ خَمْسِينَ بَيْنَ طَعْنَةٍ وَضَرْبَةٍ لَيْسَ مِنْهَا
شَىْءٌ فِي دُبُرِهِ يَعْنِي فِي ظَهْرِهِ. [الحديث 4260 -
أطرافه في: 4261].
وبه قال: (حدّثنا أحمد) هو ابن صالح أبو جعفر المصري كما
بينه أبو علي بن شبويه عن الفربري وبه جزم أبو نعيم وقال
الكلاباذي: هو أحمد بن عيسى التستري المصري الأصل، وقيل
أحمد بن عبد الرحمن ابن أخي ابن وهب قال: (حدّثنا ابن وهب)
عبد الله المصري (عن عمرو) بفتح العين ابن الحارث الأنصاري
المصري (عن ابن أبي هلال) سعيد الليثي المدني (قال:
وأخبرني) بالإفراد قال في الفتح: وهذا عطف على محذوف وقع
مبنيًّا في باب جامع الشهادات من السنن لسعيد بن منصور حيث
قال: حدّثنا عبد الله بن وهب، أخبرني عمرو بن الحارث، عن
سعيد بن أبي هلال أنه بلغه أن ابن رواحة فذكر شعرًا له
قال: فلما التقوا أخذ الراية زيد بن حارثة فقاتل حتى قتل
ثم أخذها
(6/382)
جعفر فقاتل حتى قتل، ثم أخذها ابن رواحة
فحاد حيدة ثم نزل فقاتل حتى قتل، فأخذ خالد بن الوليد
الراية فرجع بالمسلمين على حمية ورمى واقد بن عبد الله
التميمي المشركين حتى ردهم الله. قال ابن أبي هلال:
وأخبرني (نافع أن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أخبره أنه
وقف على جعفر يومئذٍ وهو قتيل فعددت به خمسين بين طعنة)
برمح (وضربة) بسيف (ليس منها) ولأبي ذر عن الكشميهني فيها
(شيء في دبره) بضم الموحدة (يعني في ظهره) أي لم يكن منها
شيء في حال الإدبار بل كلها في حال الإقبال لمزيد شجاعته،
وسقط لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر قوله يعني في ظهره.
4261 - أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ،
حَدَّثَنَا مُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَمَّرَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ
مُوتَةَ زَيْدَ بْنَ
حَارِثَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنْ قُتِلَ زَيْدٌ فَجَعْفَرٌ،
وَإِنْ قُتِلَ جَعْفَرٌ فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ»
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: كُنْتُ فِيهِمْ فِي تِلْكَ
الْغَزْوَةِ فَالْتَمَسْنَا جَعْفَرَ بْنَ أَبِي طَالِبٍ
فَوَجَدْنَاهُ فِي الْقَتْلَى وَوَجَدْنَا مَا فِي
جَسَدِهِ بِضْعًا وَتِسْعِينَ مِنْ طَعْنَةٍ وَرَمْيَةٍ.
وبه قال: (أخبرنا) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر: حدّثنا
(أحمد بن أبي بكر) واسم أبي بكر القاسم بن الحسين بن زرارة
بن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف أبو مصعب القرشي الزهري
المدني صاحب مالك بن أنس قال: (حدّثنا مغيرة بن عبد
الرحمن) الحزامي كذا قال ابن خلفون أن أحمد روى عن
الحزامي. وقال العيني كابن حجر: إنه المخزومي قال: وفي
طبقته الحزامي وهو أوثق من المخزومي، وليس للمخزومي في
البخاري سوى هذا الحديث وهو بطريق المتابعة عنده، وكان
المخزومي فقيه أهل المدينة بعد مالك وهو صدوق (عن عبد الله
بن سعد) بسكون العين وللأصيلي وابن عساكر سعيد بكسرها ابن
أبي هند الفزاري ثقة صدوق (عن نافع عن) مولاه (عبد الله بن
عمر -رضي الله عنهما-) وسقط عبد الله ولأبي ذر وابن عساكر
أنه (قال: أمر) بتشديد الميم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في غزوة مؤتة زيد بن حارثة فقال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(إن قتل زيد فجعفر) أي ابن أبي طالب أميرهم (وإن قتل جعفر
فعبد الله بن رواحة) الأمير.
(قال عبد الله) بن عمر بالإسناد السابق: (كنت فيهم في تلك
الغزوة فالتمسنا) طلبنا (جعفر بن أبي طالب) بعد أن قتل
(فوجدناه في القتلى ووجدنا ما في جسده) سقط للأصيلي وابن
عساكر لفظ ما (بضعة وتسعين من طعنة) برمح (ورمية) بسهم،
ولا تنافي بين هذه والسابقة المقتصرة على خمسين لأن تخصيص
العدد لا ينفي الزائد أو أن الخمسين كانت بصدره والأخرى
بجسده كله، أو أن الزيادة باعتبار ما وجد فيه من رمي
السهام، فإن ذلك لم يذكر في الرواية الأولى.
4262 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ وَاقِدٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ
هِلاَلٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَعَى زَيْدًا
وَجَعْفَرًا وَابْنَ رَوَاحَةَ لِلنَّاسِ قَبْلَ أَنْ
يَأْتِيَهُمْ خَبَرُهُمْ فَقَالَ: «أَخَذَ الرَّايَةَ
زَيْدٌ، فَأُصِيبَ ثُمَّ أَخَذَ جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ
أَخَذَ ابْنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وَعَيْنَاهُ
تَذْرِفَانِ حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيْفٌ مِنْ سُيُوفِ
اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن واقد) بالقاف هو أحمد بن عبد
الملك أبو يحيى الحراني قال: (حدّثنا حماد بن زيد) بفتح
الحاء المهملة وتشديد الميم ابن درهم الإمام أبو إسماعيل
الأزدي (عن أيوب) السختياني (عن حميد بن هلال) العدوي
البصري (عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نعى زيدًا) أي ابن حارثة (وجعفرًا) أي
ابن أبي طالب (وابن رواحة) عبد الله (للناس) أي أخبرهم
بموتهم (قبل أن يأتيهم خبرهم فقال) عليه الصلاة والسلام:
(أخذ الراية زيد فأصيب) أي استشهد (ثم أخذ) ها (جعفر
فأصيب) بحذف المفعول والمراد الراية (ثم أخذ) ها (ابن
رواحة فأصيب) بحذف المفعول أيضًا (وعيناه تذرفان) بذال
معجمة وراء مكسورة أي تدفعان الدموع والواو للحال (حتى أخذ
الراية سيف من سيوف الله) خالد بن الوليد باتفاق أصحابه
على تأميره (حتى فتح الله عليهم).
وذكر موسى بن عقبة في المغازي أن يعلى بن أمية قدم بخبر
أهل مؤتة فقال له رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: "إن شئت فأخبرني وإن شئت فأخبرتك" قال:
فأخبرني فأخبره خبرهم فقال: والذي بعثك بالحق نبيًا ما
تركت من حديثهم حرفًا لم تذكره.
وهذا الحديث قد سبق ذكره في الجنائز والجهاد وعلامات
النبوّة وفضل خالد.
4263 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَهَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ قَالَ:
أَخْبَرَتْنِي عَمْرَةُ قَالَتْ: سَمِعْتُ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها- تَقُولُ: لَمَّا جَاءَ قَتْلُ ابْنِ حَارِثَةَ
وَجَعْفَرِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
رَوَاحَةَ -رضي الله عنهم- جَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْرَفُ فِيهِ الْحُزْنُ
قَالَتْ عَائِشَةُ: وَأَنَا أَطَّلِعُ مِنْ صَائِرِ
الْبَابِ تَعْنِي مِنْ شَقِّ الْبَابِ فَأَتَاهُ رَجُلٌ
فَقَالَ: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ نِسَاءَ جَعْفَرٍ
قَالَ: وَذَكَرَ بُكَاءَهُنَّ فَأَمَرَهُ أَنْ
يَنْهَاهُنَّ قَالَ: فَذَهَبَ الرَّجُلُ ثُمَّ أَتَى
فَقَالَ: قَدْ نَهَيْتُهُنَّ وَذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ
يُطِعْنَهُ قَالَ: فَأَمَرَ أَيْضًا فَذَهَبَ ثُمَّ أَتَى
فَقَالَ: وَاللَّهِ لَقَدْ غَلَبْنَنَا فَزَعَمَتْ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «فَاحْثُ فِي أَفْوَاهِهِنَّ مِنَ التُّرَابِ»
قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقُلْتُ أَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَكَ
فَوَاللَّهِ مَا أَنْتَ تَفْعَلُ وَمَا تَرَكْتَ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ
الْعَنَاءِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الوهاب)
بن عبد المجيد الثقفي (قال: سمعت يحيى بن سعيد) الأنصاري
(قال: أخبرتني عمرة) بنت عبد الرحمن بن سعيد (قالت: سمعت
عائشة -رضي الله عنها- تقول: لما جاء قتل ابن حارثة) زيد
أي خبر قتله على لسان جبريل أو رجل من الجيش (و) خبر قتل
(جعفر بن أبي طالب وعبد الله بن رواحة -رضي الله عنهم-)
ولأبي ذر وابن عساكر قتل ابن رواحة وابن حارثة
(6/383)
وجعفر بن أبي طالب - رضوان الله عليهم -
(جلس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) في
المسجد حال كونه (يعرف فيه الحزن) بضم الحاء وسكون الزاي
وضبطه أبو ذر بفتحهما للرحمة التي في قلبه ولا ينافي ذلك
الرضا بالقضاء (قالت عائشة: وأنا أطلع من صائر الباب تعني
من شق الباب) بفتح الشين المعجمة في اليونينية (فأتاه)
عليه الصلاة والسلام (رجل) لم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه
(فقال: أي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إن نساء جعفر) زوجاته لكن لا نعرف له غير أسماء فالحمل على
من ينسب إليه من النساء في الجملة أولى (قال: وذكر) ولأبي
ذر وابن عساكر قالت: أي عائشة فذكر (بكاءهن فأمره) عليه
الصلاة والسلام (أن ينهاهن) عن ذلك (قال: فذهب الرجل ثم
أتى) إليه عليه الصلاة والسلام (فقال: قد نهيتهن وذكر أنه)
وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني أنهن قال: في الفتح وهو
أوجه (لم يطعنه) بضم أوله (قال: فأمر أيضًا)
بحذف المفعول أي فأمره (فذهب) إليهن (ثم أتى فقال: والله
لقد غلبننا) بسكون الموحدة في عدم الامتثال لقوله لكونه لم
يصرح لهن بنهي الشارع أو حملن الأمر على التنزيه أو لشدة
الحزن لم يستطعن ترك ذلك وليس النهي عن البكاء فقط، بل
الظاهر أنه على نحو النوح أو كن تركن النوح ولم يتركن
البكاء وكان غرض الرجل حسم المادة فلم يطعنه لكن قوله
(فزعمت) عائشة (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال):
(فاحث) بالحاء المهملة والمثلثة المضمومة وتكسر لأنه يقال
حثا يحثو ويحثي (في أفواههن من التراب) يدل على أنهن
تمادين على الأمر الممنوع منه شرعًا (قالت عائشة: فقلت)
للرجل (أرغم الله أنفك) أي ألصقه بالتراب ولم ترد حقيقة
الدعاء (فوالله ما أنت تفعل) ما أمرك به النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لقصورك عن القيام بذلك. وعند
ابن إسحاق من وجه صحيح أنها قالت: وعرفت أنه لا يقدر أن
يحثي في أفواههن التراب (وما تركت رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من العناء) بفتح العين والنون
والمدّ من التعب.
وهذا الحديث مضى في الجنائز.
4264 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ حَدَّثَنَا
عُمَرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ
عَنْ عَامِرٍ قَالَ: كَانَ ابْنُ عُمَرَ إِذَا حَيَّا
ابْنَ جَعْفَرٍ قَالَ: السَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ ذِي
الْجَنَاحَيْنِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن أبي بكر) المقدّمي
قال: (حدّثنا عمر بن علي) المقدمي عم الراوي عنه (عن
إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم البجلي (عن عامر)
الشعبي أنه (قال: كان ابن عمر إذا حيا ابن جعفر) عبد الله
أي سلم عليه (قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين) لأنه
لما قطعت يداه يوم مؤتة جعل الله له جناحين يطير بهما في
الجنة. وفي مرسل عاصم بن عمر بن قتادة أن جناحي جعفر من
ياقوت رواه البيهقي في الدلائل.
4265 - حَدَّثَنَا إبْراهِيمُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ:
سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدِ
انْقَطَعَتْ فِي يَدِي يَوْمَ مُوتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ
فَمَا بَقِيَ فِي يَدِي إِلاَّ صَفِيحَةٌ يَمَانِيَةٌ.
[الحديث 4265 - طرفه في: 4266].
وبه قال: (حدّثنا إبراهيم) كذا في الفرع إبراهيم غير منسوب
قال: (حدّثنا سفيان) فيحتمل أن يكون إبراهيم هذا هو ابن
المنذر الحزامي المدني أحد الأعلام وسفيان هو ابن عيينة،
لكن في جميع الأصول التي وقعت عليها حدّثنا أبو نعيم أي
الفضل بن دكين الحافظ، وهو الذي شرح عليه الحافظ أبو الفضل
بن حجر، وتبعه العيني وكذا قال الكرماني وغيره وسفيان هو
ابن سعيد الثوري (عن إسماعيل) بن أبي خالد الأحمسي البجلي
(من قيس بن أبي حازم) بالحاء المهملة والزاي أبي عبد الله
البجلي التابعي الكبير فاتته الصحبة بليال أنه (قال: سمعت
خالد بن الوليد) بن المغيرة المخزومي أسلم قبل غزوة مؤتة
بشهرين وكان النصر على يده يومئذٍ -رضي الله عنه- (يقول:
لقد
انقطعت في يدي يوم مؤتة تسعة أسياف فما بقي في يدي) بكسر
الدال (إلا صفيحة يمانية) بتخفيف التحتية وحكي تشديدها
والصحيفة بصاد مهملة ففاء فتحتية ساكنة فحاء مهملة السيف
العريض.
4266 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا
يَحْيَى عَنْ إِسْمَاعِيلَ قَالَ: حَدَّثَنِي قَيْسٌ،
قَالَ: سَمِعْتُ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ يَقُولُ: لَقَدْ
دُقَّ فِي يَدِي يَوْمَ مُوتَةَ تِسْعَةُ أَسْيَافٍ
وَصَبَرَتْ فِي يَدِي صَفِيحَةٌ لِي يَمَانِيَةٌ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) العنزي قال:
(حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن إسماعيل) بن أبي خالد
أنه (قال: حدثني) بالإفراد (قيس) هو ابن أبي حازم (قال:
سمعت خالد بن الوليد يقول: لقد دق) بضم الدال وتشديد القاف
فسره في الأولى بقوله انقطعت (في يدي يوم) غزوة (مؤتة تسعة
أسياف وصبرت) بفتح الموحدة (في يد صفيحة لي يمانية) فلم
تنقطع وهذا يدل على أنهم قتلوا من الكفار
(6/384)
كثيرًا وسقط لأبي ذر لفظة لي.
4267 - حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ مَيْسَرَةَ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ حُصَيْنٍ عَنْ عَامِرٍ عَنِ
النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ -رضي الله عنهما- قَالَ:
أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ رَوَاحَةَ، فَجَعَلَتْ
أُخْتُهُ عَمْرَةُ تَبْكِي وَاجَبَلاَهْ وَاكَذَا
وَاكَذَا، تُعَدِّدُ عَلَيْهِ فَقَالَ حِينَ أَفَاقَ: مَا
قُلْتِ شَيْئًا إِلاَّ قِيلَ لِي آنْتَ كَذَلِكَ. [الحديث
4267 - طرفه في: 4268].
وبه قال: (حدثني) بالتوحيد (عمران بن ميسرة) البصري يقال
له صاحب الأديم قال: (حدّثنا محمد بن فضيل) أي ابن غزوان
الضبي مولاهم الحافظ (عن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد
المهملتين ابن عبد الرحمن (عن عامر) الشعبي بن شراحيل (عن
النعمان بن بشير) الخزرجي ولد قبل وفاته -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بثمان سنين وسبعة أشهر وقتل بحمص سنة
خمس وستين (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: أغمي على عبد الله
بن رواحة) الأنصاري الخزرجي الشاعر أحد السابقين -رضي الله
عنه- بسبب مرض حصل له (فجعلت أخته عمرة) والدة النعمان بن
بشير راوي هذا الحديث (تبكي) عليه وتقول: (واجبلاه) بالجيم
والموحدة واللام والواو فيه للندبة والهاء للسكت وزاد ابن
سعد من مرسل الحسن واعزاه وفي مستخرج أبي نعيم واعضداه
(واكذا واكذا) مرتين (تعدد عليه) أي تذكر محاسنه وذلك غير
جائز (فقال) عبد الله (حين أفاق) من الإغماء لأخته عمرة:
(ما قلت شيئًا) مما سبق (إلا قيل لي آنت كذلك) استفهام على
سبيل الإنكار، ولأبي ذر وابن عساكر آنت كذاك بإسقاط اللام.
وفي مرسل أبي عمران الجوني عند ابن سعد أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عاده فأُغمي عليه
فقال "اللهم إن كان أجله قد حضر فيسر عليه وإلاّ فاشفه"
قال: فوجد خفة فقال: كان ملك قد رفع مرزبة من حديد يقول:
آنت كذا؟ فلو قلت نعم لقمعني بها. وعند أبي نعيم فنهاها عن
البكاء عليه.
4268 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْثَرُ عَنْ
حُصَيْنٍ، عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ
بَشِيرٍ قَالَ: أُغْمِيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
رَوَاحَةَ بِهَذَا فَلَمَّا مَاتَ لَمْ تَبْكِ عَلَيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبثر) بفتح
العين وسكون الموحدة وفتح المثلثة بعدها راء ابن القاسم
الكوفي (عن حصين) بضم الحاء ابن عبد الرحمن (عن الشعبي)
عامر بن شراحيل (عن النعمان بن بشير) -رضي الله عنه- أنه
(قال: أغمي على عبد الله بن رواحة بهذا) أي بما ذكر في
الحديث السابق من قوله فجعلت أخته عمرة تبكي الخ وسقط لأبي
ذر وابن عساكر لفظ ابن رواحة (فلما مات) في غزوة مؤتة
وبلغها خبره (لم تبك عليه) لنهيه إياها عن ذلك في مرضه
الذي أغمي عليه فيه ولم يمت منه، وبهذا يتضح وجه إدخال
الحديث الذي قبل هذا في الباب كما لا يخفى.
45 - باب بَعْثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ
جُهَيْنَةَ
(باب بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسامة
بن زيد إلى الحرقات) بضم الحاء والراء المهملتين وفتح
القاف وبعد الألف فوقية نسبة إلى الحرقة واسمه جهيش بن
عامر بن ثعلبة بن مودعة بن جهينة وسمي الحرقة لأنه حرّق
قومًا بالقتل فبالغ في ذلك والجمع فيه باعتبار بطون تلك
القبيلة (من جهينة) بضم الجيم مصغرًا نسبة إلى جده
المذكور، وسقط لفظ باب لأبي ذر.
4269 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا
هُشَيْمٌ أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ أَخْبَرَنَا أَبُو
ظَبْيَانَ قَالَ: سَمِعْتُ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ -رضي
الله عنهما- يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْحُرَقَةِ
فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ فَهَزَمْنَاهُمْ، وَلَحِقْتُ أَنَا
وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ رَجُلاً مِنْهُمْ، فَلَمَّا
غَشِينَاهُ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ فَكَفَّ
الأَنْصَارِيُّ، فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى
قَتَلْتُهُ، فَلَمَّا قَدِمْنَا بَلَغَ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «يَا أُسَامَةُ
أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ»؟ قُلْتُ كَانَ مُتَعَوِّذًا فَمَا زَالَ
يُكَرِّرُهَا حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ
أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ. [الحديث 4269 - طرفه
في: 6872].
وبه قال: (حدثني) بالتوحيد (عمرو بن محمد) بفتح العين
الناقد البغدادي قال: (حدّثنا هشيم) بضم الهاء مصغرًا ابن
بشير الواسطي قال: (أخبرنا حصين) بضم الحاء ابن عبد الرحمن
الكوفي قال: (أخبرنا أبو ظبيان) بفتح الظاء المعجمة في
اليونينية أو بكسرها وسكون الموحدة وبعد التحتية ألف فنون
حصين بن جندب الكوفي (قال: سمعت أسامة بن زيد -رضي الله
عنهما- يقول: بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى الحرقة) بالإفراد (فصبحنا القوم فهزمناهم
ولحقت) بالواو ولأبي ذر فلحقت (أنا ورجل من الأنصار) قال
في المقدمة: لم أعرف اسم الأنصاري، ويحتمل أن يكون أبا
الدرداء ففي تفسير عبد الرحمن بن زيد ما يرشد إليه (رجلاً
منهم) هو مرداس بن عمرو ويقال: ابن نهيك الفدكي (فلما
غشيناه) بكسر الشين المعجمة (قال: لا إله إلا الله فكفّ
الأنصاري) زاد أبو ذر
والأصيلي عنه (فطعنته) بالفاء ولأبي ذر والأصيلي وابن
عساكر وطعنته (برمحي حتى قتلته فلما قدمنا) المدينة (بلغ
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قتلي له بعد
قوله كلمة التوحيد (فقال):
(يا أسامة أقتلته) بهمزة الاستفهام الإنكاري (بعدما قال:
لا إله إلا الله قلت): يا رسول الله (كان متعوّذًا) من
القتل (فما زال) عليه الصلاة والسلام (يكرّرها) أي كلمة
أقتلته بعدما قال: لا إله إلا الله (حتى تمنيت أني لم أكن
أسلمت قبل ذلك اليوم) إنما قال أسامة ذلك على سبيل
المبالغة لا الحقيقة. قال الكرماني:
(6/385)
أو تمنى إسلامًا لا ذنب فيه.
وقال الخطابي: ويشبه أن يكون أسامة تأول قوله: {فلم يك
ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا} [غافر: 85]. ولم ينقل أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألزم أسامة
بن زيد دية ولا غيرها. نعم نقل أبو عبد الله القرطبي في
تفسيره أنه أمره بالدية فلينظر، وهذه الغزوة تعرف عند أهل
المغازي بسرية غالب بن عبد الله الليثي إلى الميفعة في
رمضان سنة سبع فقالوا: إن أسامة قتل الرجل في هذه السرية
وهو مخالف لظاهر ترجمة البخاري أن أميرها أسامة، ولعل
المصير إلى ما في البخاري هو الراجح، بل الصواب لأن أسامة
ما أمّر إلا بعد قتل أبيه بغزوة مؤتة في رجب سنة ثمان،
والله أعلم.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الدّيات، ومسلم في
الإيمان، وأبو داود في الجهاد، والنسائي في السير.
4270 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
حَاتِمٌ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ سَلَمَةَ بْنَ الأَكْوَعِ يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعَ
غَزَوَاتٍ وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبُعُوثِ
تِسْعَ غَزَوَاتٍ مَرَّةً عَلَيْنَا أَبُو بَكْرٍ
وَمَرَّةً عَلَيْنَا أُسَامَةُ. [الحديث 4270 - أطرافه في:
4271، 4272، 4273].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البلخي قال: (حدّثنا
حاتم) بالحاء المهملة ابن إسماعيل المدني الحارثي مولاهم
(عن يزيد بن أبي عبيد) بضم العين وفتح الموحدة مولى سلمة
أنه (قال: سمعت سلمة بن الأكوع يقول: غزوت مع النبي) وفي
نسخة رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبع
غزوات) بالموحدة بعد السين عمرة الحديبية وخيبر ويوم القرد
وغزوة الفتح والطائف وتبوك وهي آخرهن.
(وخرجت فيما يبعث من البعوث) جمع بعث وهو الجيش (تسع
غزوات) بفوقية قبل السين (مرة علينا أبو بكر) الصديق
أميرًا إلى بني فزارة وأخرى إلى بني كلاب وثالثة إلى الحج
(ومرّة علينا أسامة) أميرًا إلى الحرقات، وإلى أبنى بضم
الهمزة وسكون الموحدة ثم نون مفتوحة مقصورة من نواحي
البلقاء، وهذه الخمسة ذكرها أهل السير وبقيت أربع لم
يذكروها، فيحتمل أن يكون في هذا الحديث حذف أي: ومرة علينا
غيرهما، وسقط للأصيلي لفظة علينا الأخيرة.
وهذا الحديث أخرجه مسلم أيضًا في المغازي.
4271 - وَقَالَ عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ،
حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي عُبَيْدٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ سَلَمَةَ يَقُولُ: غَزَوْتُ مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَبْعَ
غَزَوَاتٍ، وَخَرَجْتُ فِيمَا يَبْعَثُ مِنَ الْبَعْثِ
تِسْعَ غَزَوَاتٍ عَلَيْنَا مَرَّةً أَبُو بَكْرٍ
وَمَرَّةً أُسَامَةُ.
(وقال عمر بن حفص بن غياث) شيخ المؤلّف فيما وصله أبو نعيم
في مستخرجه من طريق أبي بشر إسماعيل بن عبد الله بن عمر بن
حفص وسقط ابن غياث لأبي ذر قال: (حدّثنا) بالجمع ولابن
عساكر حدثني بالتوحيد وفي نسخة أخبرنا (أبي عن يزيد بن أبي
عبيد) مولى سلمة أنه (قال: سمعت سلمة يقول: غزوت مع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبع غزوات) بالموحدة
بعد السين المهملة أيضًا (وخرجت فيما يبعث من البعث) بفتح
الموحدة وسكون العين ولأبي ذر والأصيلي من البعوث (تسع
غزوات مرة) أميرًا (علينا أبو بكر) الصديق (ومرة) علينا
أميرًا (أسامة).
وسبق قريبًا بيان ما في ذلك.
4272 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ
مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ
سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ -رضي الله عنه- قَالَ: غَزَوْتُ
مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تِسْعَ غَزَوَاتٍ، وَغَزَوْتُ مَعَ ابْنِ حَارِثَةَ
اسْتَعْمَلَهُ عَلَيْنَا.
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم) النبيل (الضحاك بن مخلد) بفتح
الميم وسكون المعجمة وسقط الضحاك بن مخلد لأبي ذر قال:
(حدّثنا) ولأبي ذر وابن عساكر والأصيلي أخبرنا (يزيد بن
أبي عبيد) مولى سلمة وثبت ابن أبي عبيد لأبي ذر (عن سلمة
بن الأكوع -رضي الله عنه-) أنه (قال: غزوت مع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تسع غزوات) بفوقية
قبل السين كذا في الفرع هنا وفي رواية أبي عاصم الضحاك،
فإن كانت محفوظة فلعله عدّ غزوة وادي القرى التي وقعت بعد
خيبر وعمرة القضاء، وبهما تكمل التسعة، لكن رأيت في غير
الفرع من الأصول المعتمدة سبع بالموحدة في هذه الرواية،
وفي الفتح أنه روي بلفظ التسع بالفوقية في رواية حاتم بن
إسماعيل. (وغزوت مع ابن حارثة) أي أسامة بن زيد بن حارثة
فنسبه إلى جده (استعمله) النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ولأبي ذر فاستعمله (علينا) أميرًا.
وهذا الحديث هو الخامس عشر من ثلاثياته.
4273 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ مَسْعَدَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ
أَبِي عُبَيْدٍ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ، قَالَ:
غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سَبْعَ غَزَوَاتٍ، فَذَكَرَ خَيْبَرَ
وَالْحُدَيْبِيَةَ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ وَيَوْمَ الْقَرَدِ،
قَالَ يَزِيدُ: وَنَسِيتُ بَقِيَّتَهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله) هو محمد بن يحيى بن
عبد الله بن خالد بن فارس الذهلي أو هو محمد بن عبد الله
المخزومي البغدادي الحافظ قال: (حدّثنا حماد بن مسعدة)
بفتح
الميم وسكون السين وفتح العين والدال المهملات (عن يزيد بن
أبي عبيد) سقط ابن أبي عبيد لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر
(عن سلمة بن الأكوع) سقط للثلاثة أيضًا ابن الأكوع أنه
(قال: غزوت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سبع غزوات فذكر) منها (خيبر والحديببة ويوم حنين ويوم
القرد قال) ولأبي ذر وقال (يزيد) بن أبي عبيد
(6/386)
(ونسيت بقيتهم) بالميم في جمع الغزوات
والمعروف في ذلك بقيتهن بنون التأنيث.
46 - باب غَزْوَةِ الْفَتْحِ وَمَا بَعَثَ بهِ حَاطِبُ
بْنُ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ
بِغَزْوِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب غزوة الفتح) أي فتح مكة لنقض أهلها العهد الذي وقع
بالحديبية وسقط لفظ باب لأبي ذر وابن عساكر (و) ذكر (ما
بعث به حاطب بن أبي بلتعة) بفتح الموحدة وسكون اللام بعدها
فوقية فعين مهملة مفتوحتين وحاطب مهملتين (إلى أهل مكة
يخبرهم بغزو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
إياهم.
4274 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي
الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ سَمِعَ عُبَيْدَ اللَّهِ
بْنَ أَبِي رَافِعٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَلِيًّا -رضي الله
عنه- يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ
فَقَالَ: انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ،
فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوا
مِنْهَا، قَالَ: فَانْطَلَقْنَا تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا
حَتَّى أَتَيْنَا الرَّوْضَةَ فَإِذَا نَحْنُ
بِالظَّعِينَةِ قُلْنَا لَهَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ
قَالَتْ: مَا مَعِي كِتَابٌ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ
الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ، قَالَ:
فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا، فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَإِذَا
فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى نَاسٍ
بِمَكَّةَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ
أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «يَا حَاطِبُ مَا هَذَا»؟ قَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ لاَ تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ
امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ يَقُولُ: كُنْتُ حَلِيفًا
وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، وَكَانَ مَنْ مَعَكَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ مَنْ لَهُمْ قَرَابَاتٌ يَحْمُونَ
أَهْلِيهِمْ وَأَمْوَالَهُمْ، فَأَحْبَبْتُ إِذْ فَاتَنِي
ذَلِكَ مِنَ النَّسَبِ فِيهِمْ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ
يَدًا يَحْمُونَ قَرَابَتِي وَلَمْ أَفْعَلْهُ ارْتِدَادًا
عَنْ دِينِي وَلاَ رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الإِسْلاَمِ،
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «أَمَا إِنَّهُ قَدْ صَدَقَكُمْ» فَقَالَ
عُمَرُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ
هَذَا الْمُنَافِقِ فَقَالَ: «إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ
بَدْرًا، وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى
مَنْ شَهِدَ بَدْرًا؟ قَالَ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ
فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ السُّورَةَ
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي
وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ
بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُم مِنَ
الحَقِّ} -إِلَى قَوْلِهِ- {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ
السَّبِيلِ} [الممتحنة: 1].
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني وسقط لأبي ذر
وابن عساكر ابن سعيد قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن
عمرو بن دينار) أنه (قال: أخبرني) بالتوحيد (الحسن بن
محمد) بن علي بن أبي طالب المعروف أبوه بابن الحنفية (أنه
سمع عبيد الله) بضم العين (ابن أبي رافع) مولى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واسمه أسلم
(يقول: سمعت عليًّا -رضي الله عنه- يقول: بعثني رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنا
والزبير) بن العوّام (والمقداد) بن الأسود (فقال) لنا:
(انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ) بخاءين معجمتين بينهما ألف
موضع بين مكة والمدينة (فإن بها ظعينة) امرأة في هودج
اسمها سارة كما عند ابن إسحاق أو كنود كما عند الواقدي،
وعنده أن حاطبًا جعل لها عشرة دنانير على ذلك (معها كتاب
فخذوا) وللأصيلي وأبي ذر عن الكشميهني فخذوه بضمير النصب
(منها قال): ثبت قال في اليونينية (فانطلقنا تعادى) بحذف
إحدى التاءين أي تجري (بنا خيلنا حتى أتينا الروضة فإذا
نحن بالظعينة) المذكورة (قلنا لها: أخرجي الكتاب) الذي معك
بقطع همزة أخرجي مفتوحة وكسر الراء وسقط لفظ لها لأبي ذر
والأصيلي وابن عساكر (قالت: ما معي كتاب. فقلنا) لها
(لتخرجن الكتاب) بضم الفوقية وكسر الراء والجيم (أو
لنلقين) نحن (الثياب) عنك (قال): بالتذكير في اليونينية
ليس إلا وفي الفرع قالت بالتأنيث فلينظر (فأخرجته) أي
الكتاب (من عقاصها) بكسر العين وبالقاف الخيط الذي يعتقص
به أطراف الذوائب أو الشعر المضفور (فأتينا به رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقرئ (فإذا فيه: من
حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس) صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو
وعكرمة بن أبي جهل ولأبي ذر عن الكشميهني إلى أناس (بمكة
من المشركين يخبرهم ببعض أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسبق لفظ الكتاب في الجهاد (فقال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(يا حاطب ما هذا)؟ سقط قوله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولأبي ذر وأبي الوقت وابن عساكر (قال:
يا رسول الله لا تعجل عليّ إني كنت امرأً ملصقًا) بفتح
الصاد (في قريش يقول: كنت حليفًا) بالحاء المهملة والفاء
(ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين من لهم
قرابات) بالجمع (يحمون) بها (أهليهم وأموالهم فأحببت إذ)
أي حين (فاتني ذلك من النسب فيهم أن أتخذ عندهم يدًا) أي
منّة عليهم (يحمون) بها (قرابتي) وعند ابن إسحاق وكان لي
عندهم ولد وأهل فصانعتهم عليه.
وعند الواقدي بسند له مرسل أن حاطبًا كتب إلى سهيل بن عمرو
وصفوان بن أمية وعكرمة أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- آذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد
غيركم، وقد أحببت أن يكون لي عندكم يد (ولم أفعله ارتدادًا
عن ديني ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما) بالتخفيف (أنه
قد صدقكم) بتخفيف الدال، قال الصدق (فقال عمر) بن الخطاب
على عادة شدته في دين الله (يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دعني أضرب عنق هذا المنافق) أطلق عليه
ذلك لأنه أبطن خلاف ما أظهر لكن عذره النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأنه كان متأوّلاً أن لا ضرر
فيما فعله (فقال) عليه الصلاة والسلام مرشدًا إلى علة عدم
قتله (إنه قد شهد بدرًا) وكأنه قال: وهل شهود بدر يسقط عنه
هذا الذنب الكبير؟ فأجابه بقوله: (وما يدريك لعلّ الله
اطّلع على من شهد بدرًا؟ قال): ولأبي ذر والأصيلي وابن
عساكر فقال أي مخاطبًا لهم خطاب إكرام (اعملوا ما شئتم) في
المستقبل (فقد غفرت لكم) والمراد المغفرة في الآخرة فلو
صدر من أحد منهم ما يوجب الحد مثلاً اقتص منه.
ومباحث
(6/387)
هذا سبقت في الجهاد (فأنزل الله) تعالى:
(السورة {يا أيها الذين آمنوا لا تتخدوا عدوي وعدوّكم
أولياء}) فيه دليل على أن الكبيرة لا تسلب اسم الإيمان
({تلقون}) حال من الضمير في لا تتخذوا أي لا تتخذوهم
أولياء ملقين ({إليهم بالمودة}) والإلقاء عبارة عن إيصال
المودة والإفضاء بها إليهم، والباء في بالمودة زائدة مؤكدة
للتعدي كقوله: {ولا تلقوا بأيديكم} أو أصلية على أن مفعول
تلقون محذوف معناه تلقون إليهم أخبار رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بسبب المودة التي بينكم
وبينهم ({وقد كفروا}) حال من لا تتخذوا أو من تلقون أي لا
تتولاهم ولا توادوهم وهذه حالهم ({بما جاءكم من الحق}) دين
الإسلام أو القرآن (إلى قوله: ({فقد ضلّ سواء السبيل})
[الممتحنة: 1]. أي فقد أخطأ طريق الحق والصواب، وثبت قوله:
{وقد كفروا بما جاءكم من الحق} وللأصيلي وسقط قوله:
{أولياء تلقون إليهم بالمودة} لابن عساكر.
47 - باب غَزْوَةِ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ
(باب غزوة الفتح في رمضان) سنة ثمان.
4275 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ:
أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزَا
غَزْوَةَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ. قَالَ: وَسَمِعْتُ
ابْنَ الْمُسَيَّبِ يَقُولُ: مِثْلَ ذَلِكَ. وَعَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللهِ أَخْبَرَهُ أَنَّ
ابْنَ عَبَّاسِ -رضي الله عنهما- قَالَ: صَامَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَتَّى إِذَا
بَلَغَ الْكَدِيدَ الْمَاءَ الَّذِي بَيْنَ قُدَيْدٍ
وَعُسْفَانَ أَفْطَرَ فَلَمْ يَزَلْ مُفْطِرًا حَتَّى
انْسَلَخَ الشَّهْرُ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (حدّثنا
الليث) بن سعد الإمام قال: (حدثني) بالتوحيد (عقيل) بضم
العين ابن خالد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري
(قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد
الله بن عتبة) بن مسعود (أن ابن عباس أخبره: أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزا غزوة الفتح في)
شهر (رمضان) وكان عليه الصلاة والسلام قد خرج من المدينة
لعشر مضين من رمضان.
قال الزهري بالإسناد السابق (وسمعت ابن المسيب) ولابن
عساكر سعيد بن المسيب (يقول مثل ذلك). أي غزوة الفتح كانت
في رمضان، وزاد البيهقي من طريق عاصم بن علي عن الليث لا
أدري أخرج في شعبان فاستقبل رمضان، أو خرج في رمضان بعدما
دخل. غير أن عبيد الله بن عبد الله أخبرني فذكر ما ذكر
البخاري في قوله.
(وعن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة بن
مسعود بالإسناد السابق أنه (أخبره) وثبت ابن عبد الله
أخبره لأبي ذر والأصيلي وابن عساكر (أن ابن عباس -رضي الله
عنهما- قال: صام رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما خرج إلى مكة في غزوة
الفتح (حتى بلغ الكديد) بفتح الكاف وكسر الدال الأولى
(الماء الذي بين قديد) بضم القاف وفتح الدال (وعسفان أفطر)
وأفطر
الناس معه وكان بعد العصر كما في مسلم وكان قد شق على
الناس الصوم (فلم يزل مفطرًا حتى انسلخ الشهر).
وهذا قد سبق في كتاب الصوم في باب إذا صام أيامًا من رمضان
ثم سافر، وعند البيهقي من طريق ابن أبي حفصة عن الزهري
قال: صبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مكة لثلاث عشرة خلت من رمضان، وهو مدرج من قول ابن أبي
حفصة أدرجه. وعند أحمد بإسناد صحيح من طريق قزعة بن يحيى
عن أبي سعيد قال: خرجنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عام الفتح لليلتين من شهر رمضان وهذا كما في
الفتح يدفع التردد الماضي ويعين يوم الخروج، وقول الزهري
يعين يوم الدخول ويعطي أنه أقام في الطريق اثني عشر يومًا.
4276 - حَدَّثَنِي مَحْمُودٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ
الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنا مَعْمَرٌ، أَخْبَرَنِي
الزُّهْرِيُّ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: خَرَجَ فِي رَمَضَانَ مِنَ
الْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ عَشَرَةُ آلاَفٍ وَذَلِكَ عَلَى
رَأْسِ ثَمَانِ سِنِينَ وَنِصْفٍ مِنْ مَقْدَمِهِ
الْمَدِينَةَ فَسَارَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ
الْمُسْلِمِينَ إِلَى مَكَّةَ، يَصُومُ وَيَصُومُونَ
حَتَّى بَلَغَ الْكَدِيدَ وَهْوَ مَاءٌ بَيْنَ عُسْفَانَ
وَقُدَيْدٍ أَفْطَرَ وَأَفْطَرُوا. قَالَ الزُّهْرِيُّ:
وَإِنَّمَا يُؤْخَذُ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآخِرُ فَالآخِرُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، وللأصيلي وابن عساكر حدّثنا
(محمود) هو ابن غيلان قال: (أخبرنا) ولابن عساكر: حدّثنا
(عبد الرزاق) بن همام الصنعاني أحد الأعلام قال: (أخبرنا
معمر) هو ابن راشد عالم اليمن قال: (أخبرني) بالإفراد
(الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد
الله) بن عتبة بن مسعود (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما-
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج في
رمضان من المدينة ومعه عشرة آلاف) وعند ابن إسحاق في اثني
عشر ألفًا من المهاجرين والأنصار وأسلم وغفار ومزينة
وجهينة وسليم وجمع بين الروايتين بأن عشرة آلاف من نفس
المدينة ثم تلاحق به الألفان (وذلك على رأس ثمان سنين) وفي
نسخة ثماني بالياء (ونصف من مقدمه) عليه الصلاة والسلام
(المدينة) أي بناء على التاريخ بأول السنة من المحرم إذا
دخل من السنة الثامنة شهران أو ثلاثة أطلق عليها سنة
مجازًا من تسمية البعض باسم الكل، ويقع ذلك
(6/388)
في آخر ربيع الأول ومن ثم إلى رمضان نصف
سنة، أو يقال كان آخر شعبان تلك السنة آخر سبع سنين ونصف
من أول ربيع الأول، فلما دخل رمضان دخلت سنة أخرى وأول
السنة يصدق عليه أنه رأسها فصح أنه رأس ثمان سنين ونصف أو
أن رأس الثمان كان أول ربيع الأول وما بعد نصف سنة كذا
قرره في الفتح موهّما ما في رواية معمر هذه قال: والصواب
على رأس سبع سنين ونصف وإنما وقع الوهم من كون غزوة الفتح
كانت في سنة ثمان، ومن أثناء ربيع الأول إلى أثناء رمضان
نصف سنة سواء فالتحرير أنها سبع سنين ونصف اهـ.
(فسار) عليه الصلاة والسلام (هو ومن معه) وللأصيلي فسار
بمن معه، ولأبي ذر وابن
عساكر فسار معه (من المسلمين إلى مكة) حال كونه عليه
الصلاة والسلام (يصوم ويصومون حتى بلغ الكديد) بفتح الكاف
وكسر الدال المهملة الأولى (وهو ماء ما بين عسفان وقديد)
بضم القاف مصغرًا (أفطر) عليه الصلاة والسلام (وأفطروا) أي
أصحابه الذين كانوا معه.
(قال الزهري): بالسند السابق (وإنما يؤخذ من أمر رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الآخر فالأخر) أي
يجعل الآخر اللاحق ناسخًا للأول السابق، وفيه إشارة إلى
الرد على القائل ليس له الفطر إذا شهد أول رمضان في الحضر
مستدلاً بآية {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} [البقرة: 185].
4277 - حَدَّثَنِي عَيَّاشُ بْنُ الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الأَعْلَى حَدَّثَنَا خَالِدٌ الْحَذَّاءُ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: خَرَجَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي رَمَضَانَ إِلَى
حُنَيْنٍ وَالنَّاسُ مُخْتَلِفُونَ فَصَائِمٌ وَمُفْطِرٌ،
فَلَمَّا اسْتَوَى عَلَى رَاحِلَتِهِ دَعَا بِإِنَاءٍ مِنْ
لَبَنٍ أَوْ مَاءٍ فَوَضَعَهُ عَلَى رَاحَتِهِ أَوْ عَلَى
رَاحِلَتِهِ ثُمَّ نَظَرَ إِلَى النَّاسِ فَقَالَ
الْمُفْطِرُونَ لِلصُّوَّامِ: أَفْطِرُوا.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر:
حدّثنا (عياش بن الوليد) بتحتية وشين معجمة الرقام البصري
قال: (حدّثنا عبد الأعلى) بن عبد الأعلى الشامي البصري
قال: (حدّثنا خالد الحذاء) البصري (عن عكرمة) مولى ابن
عباس (عن ابن عباس) -رضي الله عنهما- أنه (قال: خرج النبي)
ولأبي ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في رمضان إلى حنين) بالحاء المهملة المضمومة والنون
المفتوحة بعدها تحتية ساكنة فنون أخرى وادٍ بينه وبين مكة
بضعة عشر ميلاً، والمحفوظ المشهور أن خروجه عليه الصلاة
والسلام لحنين إنما كان في شوّال سنة ثمان إذ مكة فتحت في
سابع عشر رمضان، وأقام عليه السلام بها تسعة عشر يومًا
يصلّي ركعتين فيكون خروجه إلى حنين في شوال بلا ريب، وقول
بعضهم: إن المراد أن ذلك كان في غير زمن الفتح وكان في حجة
الوداع أو غيرها مردود بأن حنينًا لم تكن إلا في شوال عقب
الفتح اتفاقًا.
وأجيب عن الاستشكال بأجوبة؛ أولاها: ما قاله الطبري أن
المراد من قوله خرج عليه الصلاة والسلام في رمضان إلى حنين
أنه قصد الخروج إليها وهو في رمضان فذكر الخروج، وأراد
القصد بالخروج وهذا شائع ذائع في الكلام.
(والناس مختلفون فصائم) أي فبعضهم صائم (و) بعضهم (مفطر)
لاختلافهم في كونه عليه الصلاة والسلام كان صائمًا أو
مفطرًا (فلما استوى على راحلته دعا بإناء من لبن أو ماء)
بالشك من الراوي (فوضعه على راحته) كفه (أو على راحلته)
التي هو راكب عليها، وسقط لأبوي ذر والوقت لفظ على الثانية
وللأصيلي على راحلته أو راحته بالتقديم والتأخير (ثم نظر
إلى الناس) ليروه، وسقط لفظ إلى لأبي ذر فالناس رفع على
الفاعلية (فقال المفطرون للصوّام): بضم الصاد وتشديد الواو
بعدها ألف وللأربعة للصوّم بإسقاط الألف جمع صائم (أفطروا)
بهمزة قطع مفتوحة وكسر الطاء. زاد الطبري في تهذيبه يا
عصاة.
وهذا الحديث انفرد به البخاري.
4278 - وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ
عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي
الله عنهما- خَرَجَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ. وَقَالَ حَمَّادُ بْنُ
زَيْدٍ: عَنْ أَيُّوبَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
(وقال) بالواو وللأصيلي وابن عساكر قال (عبد الرزاق) بن
همام الصنعاني فيما وصله أحمد (أخبرنا معمر) هو ابن راشد
عالم اليمن (عن أيوب) السختياني (عن عكرمة عن ابن عباس
-رضي الله عنهما- خرج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عام الفتح) أي في رمضان فصام حتى مرّ بغدير في
الطريق. الحديث.
(وقال حماد بن زيد: عن أيوب عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) الأكثر بإسقاط ابن
عباس، وكذا وصله البيهقي من طريق سليمان بن حرب شيخ
المؤلّف عن حماد، وبذلك جزم الدارقطني وأبو نعيم في
مستخرجه فيكون مرسلاً.
4279 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ
طَاوُسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سَافَرَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
رَمَضَانَ فَصَامَ حَتَّى بَلَغَ عُسْفَانَ، ثُمَّ دَعَا
بِإِنَاءٍ مِنْ مَاءٍ فَشَرِبَ نَهَارًا لِيُرِيَهُ
النَّاسَ فَأَفْطَرَ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ. قَالَ:
وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ: صَامَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي السَّفَرِ،
وَأَفْطَرَ فَمَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن
(6/389)
عبد الله) المديني قال: (حدّثنا جرير) هو
ابن عبد الحميد الضبي (عن منصور) هو ابن المعتمر السلمي
(عن مجاهد) هو ابن جبر (عن طاوس) اليماني (عن ابن عباس)
-رضي الله عنهما- أنه (قال: سافر رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في رمضان) لغزوة الفتح (فصام
حتى بلغ عسفان ثم دعا بإناء من ماء فشرب نهارًا) لما قيل
له عليه الصلاة والسلام إن الصوم شق على الناس وهم ينظرون
فعلك فشرب (ليريه الناس) نصب مفعول ثان ليري وللأصيلي وأبي
ذر عن الكشميهني ليراه الناس بالرفع على الفاعلية أي
فيقتدوا به في الإفطار (فأفطر) عليه الصلاة والسلام (حتى
قدم مكة قال) عكرمة: (وكان ابن عباس يقول: صام رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في السفر وأفطر) فيه
(فمن شاء صام ومن شاء أفطر) لكن ابن عباس لم يشاهد هذه
القصة لأنه حينئذ كان بمكة فرواها عن غيره.
وهذا الحديث قد سبق في باب من أفطر في السفر ليراه الناس.
48 - باب أَيْنَ رَكَزَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الرَّايَةَ يَوْمَ الْفَتْحِ؟
هذا (باب) بالتنوين (أين ركز النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الراية يوم الفتح) سقط لفظ باب لأبي
ذر.
4280 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا
سَارَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَامَ الْفَتْحِ فَبَلَغَ ذَلِكَ قُرَيْشًا، خَرَجَ أَبُو
سُفْيَانَ بْنُ حَرْبٍ، وَحَكِيمُ بْنُ حِزَامٍ،
وَبُدَيْلُ بْنُ وَرْقَاءَ، يَلْتَمِسُونَ الْخَبَرَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَقْبَلُوا يَسِيرُونَ حَتَّى أَتَوْا مَرَّ
الظَّهْرَانِ فَإِذَا هُمْ بِنِيرَانٍ كَأَنَّهَا نِيرَانُ
عَرَفَةَ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: مَا هَذِهِ
لَكَأَنَّهَا نِيرَانُ عَرَفَةَ؟ فَقَالَ بُدَيْلُ بْنُ
وَرْقَاءَ: نِيرَانُ بَنِي عَمْرٍو، فَقَالَ أَبُو
سُفْيَانَ: عَمْرٌو أَقَلُّ مِنْ ذَلِكَ، فَرَآهُمْ نَاسٌ
مِنْ حَرَسِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَدْرَكُوهُمْ فَأَخَذُوهُمْ فَأَتَوْا
بِهِمْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَأَسْلَمَ أَبُو سُفْيَانَ، فَلَمَّا سَارَ
قَالَ لِلْعَبَّاسِ: «احْبِسْ أَبَا سُفْيَانَ عِنْدَ
حَطْمِ الْخَيْلِ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ»
فَحَبَسَهُ الْعَبَّاسُ فَجَعَلَتِ الْقَبَائِلُ تَمُرُّ
مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
كَتِيبَةً كَتِيبَةً، عَلَى أَبِي سُفْيَانَ فَمَرَّتْ
كَتِيبَةٌ قَالَ يَا عَبَّاسُ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَذِهِ
غِفَارُ قَالَ: مَا لِي وَلِغِفَارَ؟ ثُمَّ مَرَّتْ
جُهَيْنَةُ، قَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ مَرَّتْ سَعْدُ
بْنُ هُذَيْمٍ فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَمَرَّتْ سُلَيْمُ
فَقَالَ مِثْلَ ذَلِكَ، حَتَّى أَقْبَلَتْ كَتِيبَةٌ لَمْ
يَرَ مِثْلَهَا قَالَ مَنْ هَذِهِ؟ قَالَ: هَؤُلاَءِ
الأَنْصَارُ عَلَيْهِمْ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ مَعَهُ
الرَّايَةُ، فَقَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ: يَا أَبَا
سُفْيَانَ الْيَوْمُ يَوْمُ الْمَلْحَمَةِ الْيَوْمَ
تُسْتَحَلُّ الْكَعْبَةُ، فَقَالَ أَبُو سُفْيَانَ: يَا
عَبَّاسُ حَبَّذَا يَوْمُ الذِّمَارِ ثُمَّ جَاءَتْ
كَتِيبَةٌ وَهْيَ أَقَلُّ الْكَتَائِبِ فِيهِمْ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَصْحَابُهُ وَرَايَةُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ،
فَلَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِأَبِي سُفْيَانَ قَالَ: أَلَمْ تَعْلَمْ مَا
قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ؟ قَالَ: «مَا قَالَ»؟ قَالَ:
قَالَ: كَذَا وَكَذَا، فَقَالَ: «كَذَبَ سَعْدٌ وَلَكِنْ
هَذَا يَوْمٌ يُعَظِّمُ اللَّهُ فِيهِ الْكَعْبَةَ
وَيَوْمٌ تُكْسَى فِيهِ الْكَعْبَةُ» قَالَ: وَأَمَرَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ
تُرْكَزَ رَايَتُهُ بِالْحَجُونِ. قَالَ عُرْوَةُ:
وَأَخْبَرَنِي نَافِعُ بْنُ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ،
قَالَ: سَمِعْتُ الْعَبَّاسَ يَقُولُ: لِلزُّبَيْرِ بْنِ
الْعَوَّامِ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ هَا هُنَا أَمَرَكَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ
تَرْكُزَ الرَّايَةَ، قَالَ: وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَئِذٍ خَالِدَ
بْنَ الْوَلِيدِ أَنْ يَدْخُلَ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ
كَدَاءٍ وَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنْ كُدًى فَقُتِلَ مِنْ خَيْلِ خَالِدٍ
يَوْمَئِذٍ رَجُلاَنِ حُبَيْشُ بْنُ الأَشْهَرِ وَكُرْزُ
بْنُ جَابِرٍ الْفِهْرِيُّ.
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (عبيد بن
إسماعيل) أبو محمد القرشي الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة)
حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن الزبير أنه (قال:
لما سار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عام الفتح) وهذا مرسل لأن عروة تابعي (فبلغ ذلك) المسير
(قريشًا) بمكة (خرج أبو سفيان) صخر (بن حرب وحكيم بن حزام)
بكسر الحاء المهملة وبالزاي (وبديل بن ورقاء) بضم الموحدة
وفتح الدال المهملة وورقاء براء ساكنة مفتوحة الخزاعي من
مكة (يلتمسون الخبر عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فأقبلوا يسيرون حتى أتوا مرّ الظهران) بفتح
الظاء المعجمة وسكون الهاء بلفظ التثنية ومر بفتح الميم
وتشديد الراء موضع قرب مكة (فإذا هم بنيران كأنها نيران
عرفة) التي كانوا يوقدونها فيها ويكثرون منها وعند ابن سعد
أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر أصحابه
فأوقدوا عشرة آلاف نار (فقال أبو سفيان: ما هذه) النار
والله (لكأنها نيران) ليلة يوم (عرفة) في كثرتها (فقال
بديل بن ورقاء: نيران بني عمرو) بفتح العين يعني خزاعة
وعمرو وهو ابن لحي (فقال أبو سفيان عمرو أقل من ذلك فرآهم
ناس من حرس رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فأدركوهم فأخذوهم) وقد سمي منهم في السير عمر بن
الخطاب. وعند ابن عائذ وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث بين يديه خيلاً تقبض العيون
وخزاعة على الطريق لا يتركون أحدًا يمضي فلما دخل أبو
سفيان وأصحابه عسكر المسلمين أخذتهم الخيل تحت الليل
(فأتوا بهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فأسلم أبو سفيان) -رضي الله عنه- (فلما سار) عليه الصلاة
والسلام (قال للعباس):
(احبس أبا سفيان عند حطم الخيل) بالحاء والطاء الساكنة
المهملتين والخيل بالخاء المعجمة بعدها تحتية أي ازدحامها،
وللأصيلي وأبي ذر عن المستملي خطم بالخاء المعجمة الجبل
بالجيم والموحدة أي أنف الجبل لأنه ضيق فيرى الجيش كله ولا
يفوته رؤية أحد منه (حتى ينظر المسلمين) (فحبسه العباس
فجعلت القبائل تمر مع النبي) وللأصيلي مع رسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كتيبة كتيبة على أبي
سفيان) بمثناة فوقية بعد الكاف القطعة من العسكر فعلية من
الكتب وهو الجمع (فمرت كتيبة قال): ولأبي ذر والأصيلي وابن
عساكر فقال (يا عباس من هذه)؟ الكتيبة (قال): ولأبي ذر
والأصيلي وابن عساكر فقال: (هذه غفار قال) أبو سفيان: (ما
لي ولغفار) بغير صرف ولأبي ذر بالتنوين مصروفًا أي ما كان
بيني وبينهم حرب (ثم مرت جهينة) بضم الجيم وفتح الهاء
(قال): أبو سفيان وللأصيلي فقال (مثل ذلك. ثم مرت سعد بن
هذيم) بضم الهاء وفتح الذال المعجمة والمعروف سعد هذيم
بالإضافة. قال في الفتح: ويصح الآخر على المجاز (فقال) أبو
سفيان: (مثل ذلك) القول الأول (ومرت) ولأبي ذر ثم مرت
(سليم) بضم السين وفتح اللام (فقال) أبو سفيان: (مثل ذلك
حتى أقبلت كتيبة لم ير) أبو سفيان (مثلها قال: من هذه)؟
القبيلة
(6/390)
(قال) العباس (هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن
عبادة معه الراية) التي للأنصار (فقال سعد بن عبادة) حامل
راية الأنصار (يا أبا سفيان اليوم) بالرفع ولأبوي ذر
والوقت اليوم بالنصب (يوم الملحمة) بفتح الميم وسكون اللام
وبالحاء المهملة أي يوم حرب لا يوجد فيه مخلص أو يوم
القتل، والمراد المقتلة العظمى (اليوم) نصب على الظرفية
(تستحل) بضم الفوقية الأولى وفتح الثانية والحاء المهملة
مبنيًّا للمفعول (الكعبة. فقال أبو سفيان: يا عباس حبذا
يوم الذمار) بالذال المعجمة المكسورة وتخفيف الميم آخره
راء الهلاك أو حين الغضب للحرم والأهل يعني الانتصار لمن
بمكة قاله غلبة وعجزًا. وقيل: أراد حبذا يوم يلزمك فيه
حفظي وحمايتي عن المكروه، وفي مغازي الأموي أن أبا سفيان
قال للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما حاذاه:
أمرت بقتل قومك. قال: لا، فذكر له ما قال سعد بن عبادة ثم
ناشده الله والرحم فقال: "يا أبا سفيان اليوم يوم المرحمة
اليوم يعز الله قريشًا" وأرسل إلى سعد فأخذ الراية منه
ودفعها إلى ابنه قيس.
(ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب) عددًا (فيهم رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه) من
المهاجرين وكان الأنصار أكثر عددًا منهم. وعند الحميدي في
مختصره وهي أجل الكتائب بالجيم بدل القاف من الجلالة. قال
القاضي عياض في المشارق: وهي أظهر اهـ. وكل منهما ظاهر لا
خفاء فيه ولا ريب كما في المصابيح أن المراد قلة العدد لا
الاحتقار هذا ما لا يظن بمسلم اعتقاده ولا توهمه، فهو وجه
لا محيد عنه ولا ضير فيه بهذا الاعتبار والتصريح بأن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان في هذه الكتيبة
التي
هي أقل عددًا مما سواها من الكتائب قاض بجلالة قدرها وعظم
شأنها ورجحانها على كل شيء سواها، ولو كان ملء الأرض بل
وأضعاف ذلك فما هذا الذي يشم من نفس القاضي في هذا المحل
اهـ.
(وراية النبي) وللأصيلي وراية رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع الزبير بن العوّام) -رضي الله عنه-
(فلما مرّ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بأبي سفيان قال) لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: (ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة؟ قال) عليه
الصلاة والسلام: (ما قال)؟ سعد (قال) أبو سفيان (قال):
وسقط من اليونينية إحدى قال: (كذا وكذا) أي اليوم يوم
الملحمة (فقال) عليه الصلاة والسلام: (كذب سعد) في إطلاق
الكذب على الأخبار بغير ما سيقع ولو بناه قائله على غلبة
الظن وقوّة القرينة (ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة)
أي بإظهار الإسلام وأذان بلال على ظهرها وإزالة ما كان
فيها من الأصنام ومحو الصور التي كانت فيها وغير ذلك (ويوم
تكسى فيه الكعبة) لأنهم كانوا يكسونها في مثل ذلك اليوم
(قال) عروة: (وأمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن تركز رايته بالحجون) بالحاء المهملة
المفتوحة والجيم المخففة المضمومة موضع قريب من مقبرة مكة.
(قال) ولأبي ذر وقال: (عروة) بن الزبير بالسند السابق
(وأخبرني) بالإفراد والواو في اليونينية وفي غيرها بالفاء
(نافع بن جبير بن مطعم قال: سمعت العباس) أي بعد فتح مكة
(يقول للزبير بن العوّام: يا أبا عبد الله هاهنا أمرك رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن تركز) بفتح
الفوقية وضم الكاف (الراية قال: وأمر رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذٍ خالد بن الوليد أن
يدخل من أعلى مكة من كداء) بفتح الكاف والمد (ودخل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من كدى) بضم الكاف
والقصر وهذا مخالف للأحاديث الصحيحة الآتية إن شاء الله
تعالى أن خالدًا دخل من أسفل مكة والنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من أعلاها (فقتل) بضم القاف وكسر
التاء (من خيل خالد يومئذٍ) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر
خالد بن الوليد -رضي الله عنه- يومئذٍ (رجلان حبيش بن
الأشعر) بحاء مهملة مضمومة فموحدة مفتوحة فتحتية ساكنة
فشين معجمة وهو لقبه واسمه خالد بن سعد والأشعر بشين معجمة
وعين مهملة الخزاعي وهو أخو أم معبد التي مر بها النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مهاجرًا (وكرز بن
جابر) بضم الكاف بعدها راء ساكنة فزاي
(6/391)
(الفهري) بكسر الفاء وسكون الهاء وكان من
رؤساء المشركين وهو الذي أغار على سرح النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزوة بدر الأولى ثم أسلم
قديمًا، وبعثه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في طلب العرنيين. وذكر ابن إسحاق أن أصحاب خالد بن الوليد
لقوا ناسًا من قريش منهم سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية
كانوا تجمعوا بالخندمة بالخاء المعجمة والنون مكان أسفل من
مكة ليقاتلوا المسلمين فتناوشوهم شيئًا من القتال فقتل من
خيل خالد مسلمة بن الميلا الجهني وقتل من المشركين اثنا
عشر رجلاً أو ثلاثة عشر وانهزموا.
4281 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ مُغَفَّلٍ يَقُولُ: رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ فَتْحِ
مَكَّةَ عَلَى نَاقَتِهِ وَهْوَ يَقْرَأُ سُورَةَ
الْفَتْحِ يُرَجِّعُ، وَقَالَ:
لَوْلاَ أَنْ يَجْتَمِعَ النَّاسُ حَوْلِي لَرَجَّعْتُ
كَمَا رَجَّعَ. [الحديث 4281 - أطرافه في: 4835، 5034،
5047، 7540].
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن معاوية بن قرة) بضم
القاف وتشديد الراء (قال: سمعت عبد الله بن مغفل) بضم
الميم وفتح الغين المعجمة وتشديد الفاء المفتوحة المزني
(يقول: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح)
حال كونه (يرجع) صوته بالقراءة (وقال) معاوية بن قرة (لولا
أن يجتمع الناس حولي لرجعت كما رجع) عبد الله بن مغفل يحكي
قراءة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وفي
الإكليل للحاكم من رواية وهب بن جرير عن شعبة لقرأت بذلك
اللحن الذي قرأ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وحديث الباب أخرجه المؤلّف في التفسير وفضائل القرآن
والتوحيد ومسلم في الصلاة والنسائي في فضائل القرآن.
4282 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ،
حَدَّثَنَا سَعْدَانُ بْنُ يَحْيَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ
بْنُ أَبِي حَفْصَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ
حُسَيْنٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ أُسَامَةَ
بْنِ زَيْدٍ أَنَّهُ قَالَ زَمَنَ الْفَتْحِ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَيْنَ نَنْزِلُ غَدًا؟ قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «وَهَلْ تَرَكَ لَنَا
عَقِيلٌ مِنْ مَنْزِلٍ»؟
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن عبد الرحمن) ابن بنت شرحبيل
التميمي الدمشقي قال: (حدّثنا سعدان بن يحيى) بسكون العين
اسمه سعيد وسعدان لقبه كوفي نزل دمشق وليس له في البخاري
إلا هذا الحديث قال: (حدّثنا) ولأبي ذر والأصيلي وابن
عساكر حدثني بالإفراد (محمد بن أبي حفصة) ميسرة البصري (عن
الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب (عن علي بن حسين) بضم الحاء
ابن علي بن أبي طالب (عن عمرو بن عثمان) بفتح العين وسكون
الميم ابن عفان القرشي الأموي (عن أسامة بن زيد) مولى رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (أنه قال زمن
الفتح): قبل أن يدخل مكة بيوم (يا رسول الله أين ننزل
غدًا؟ قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(وهل ترك لنا عقيل) بفتح العين وكسر القاف (من منزل).
4283 - ثُمَّ قَالَ: «لاَ يَرِثُ الْمُؤْمِنُ الْكَافِرَ،
وَلاَ الْكَافِرُ الْمُؤْمِنَ». قِيلَ لِلزُّهْرِيِّ
وَمَنْ وَرِثَ أَبَا طَالِبٍ؟ قَالَ: وَرِثَهُ عَقِيلٌ،
وَطَالِبٌ. قَالَ مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ: أَيْنَ
نَنْزِلُ غَدًا فِي حَجَّتِهِ؟ وَلَمْ يَقُلْ يُونُسُ
حَجَّتِهِ وَلاَ زَمَنَ الْفَتْحِ.
(ثم قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لا يرث
المؤمن الكافر ولا) يرث (الكافر المؤمن) (قيل للزهري) محمد
بن مسلم بن شهاب (ومن) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر من
(ورث أبا طالب؟ قال: ورثه عقيل و) أخوه (طالب) ولم يرث
جعفر ولا علي شيئًا لأنهما كانا مسلمين، ولو كانا وارثين
لنزل عليه الصلاة والسلام في دورهما وكانت كأنها ملكه
لعلمه بإيثارهما إياه على أنفسهما.
(قال معمر): هو ابن راشد مما وصله في الجهاد (عن الزهري)
محمد بن مسلم (أين ننزل غدًا في حجته ولم يقل يونس حجته
ولا زمن الفتح) أي سكت عن ذلك قال: في الفتح: وبقي
الاختلاف بين ابن أبي حفصة ومعمر ومعمر أوثق وأتقن من محمد
بن أبي حفصة.
وسبق الحديث في باب توريث دور مكة وبيعها وشرائها من كتاب
الحج.
4284 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ
حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَنْزِلُنَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ إِذَا فَتَحَ اللَّهُ
الْخَيْفُ حَيْثُ تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدّثنا)
ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر أخبرنا (شعيب) هو ابن أبي
حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله بن ذكوان (عن عبد
الرحمن) بن هرمز الأعرج (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه
(قال: قال رسول الله) ولأبي ذر والأصيلي وابن عساكر عن
النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(منزلنا) غدًا (إن شاء الله إذا فتح الله) مكة (الخيف)
بفتح الخاء المعجمة وسكون التحتية رفع خبر المبتدأ الذي هو
منزلنا أو الخيف مبتدأ ومنزلنا خبره والخيف ما انحدر عن
علظ الجبل وارتفع عن مسيل الماء (حيث تقاسموا) تحالفوا
(على الكفر) من إخراج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وبني هاشم وبني المطلب من مكة إلى الخيف وكتبوا
بينهم الصحيفة المشهورة.
4285 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ شِهَابٍ عَنْ
أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حِينَ أَرَادَ حُنَيْنًا: «مَنْزِلُنَا غَدًا
إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِخَيْفِ بَنِي كِنَانَةَ حَيْثُ
تَقَاسَمُوا عَلَى الْكُفْرِ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
إبراهيم بن سعد) بسكون العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن
عوف قال: (أخبرنا ابن شهاب) محمد بن مسلم (عن أبي سلمة) بن
عبد الرحمن (عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: قال
(6/392)
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حين أراد) أن يغزو (حنينًا) يعني في غزوة الفتح
لأن غزوة حنين كانت عقب غزوة الفتح.
(منزلنا غدًا إن شاء الله بخيف بني كنانة حيث تقاسموا على
الكفر) قيل: إنما اختار النزول في الخيف ليتذكر الحالة
السابقة فيشكر الله تعالى على ما أنعم به عليه من الفتح
العظيم وتمكنهم من دخول مكة ظاهرًا، ومبالغة في الصفح عن
الذين أساؤوا معاملتهم بالإحسان والمن.
4286 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ حَدَّثَنَا
مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي
الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- دَخَلَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ وَعَلَى
رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ، فَلَمَّا نَزَعَهُ جَاءَ رَجُلٌ
فَقَالَ: ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ
الْكَعْبَةِ، فَقَالَ: «اقْتُلْهُ» قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ
يَكُنِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِيمَا نُرَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ يَوْمَئِذٍ مُحْرِمًا.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي المكي
المؤذن قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري
(عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل مكة يوم الفتح وعلى رأسه المغفر)
بكسر الميم وسكون الغين المعجمة وبعد الفاء المفتوحة راء
زرد ينسج من الدرع على قدر رأس يلبس تحت القلنسوة (فلما
نزعه جاء رجل) لم يسم، ولأبي ذر جاءه رجل بإثبات الضمير
المنصوب (فقال): يا رسول الله (ابن خطل) بفتح الخاء
المعجمة والطاء المهملة بعدها لام عبد الله (متعلق بأستار
الكعبة) وكان أسلم ثم ارتد وقتل قتلى بغير حق وكان له
قينتان تغنيان بهجاء رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فقال) عليه الصلاة والسلام:
(اقتله). وعند ابن شبة في كتاب مكة من حديث السائب بن يزيد
قال: رأيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
استخرج من تحت أستار الكعبة عبد الله بن خطل فضربت عنقه
صبرًا بين زمزم ومقام إبراهيم وقال: "لا يقتلن قرشي بعد
هذا صبرًا" قال في الفتح: ورجاله ثقات إلا أن في أبي معشر
مقالاً، واختلف في قاتله، وجزم ابن إسحاق بأن سعيد بن حريث
وأبا برزة الأسلمي اشتركا في قتله ورجح الواقدي أنه أبو
برزة.
(قال مالك): الإمام الأعظم بالسند السابق (ولم يكن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما نرى) بضم النون
وفتح الواء أي فيما نظن (والله أعلم يومئذٍ محرمًا) إذ لم
يرو أحد أنه تحلل يومئذٍ من إحرامه.
4287 - حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا
ابْنُ عُيَيْنَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ عَنْ أَبِي مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
قَالَ: دَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ، وَحَوْلَ الْبَيْتِ
سِتُّونَ وَثَلاَثُمِائَةِ نُصُبٍ، فَجَعَلَ يَطْعُنُهَا
بِعُودٍ فِي يَدِهِ وَيَقُولُ: «جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ
الْبَاطِلُ، جَاءَ الْحَقُّ وَمَا يُبْدِئُ الْبَاطِلُ
وَمَا يُعِيدُ».
وبه قال: (حدّثنا صدقة بن الفضل) المروزي قال: (أخبرنا)
ولأبي ذر والأصيلي حدّثنا (ابن عيينة) سفيان (عن ابن أبي
نجيح) وهو بفتح النون عبد الله واسم أبي نجيح يسار (عن
مجاهد) هو ابن جبر (عن أبي معمر) عبد الله بن سخبرة (عن
عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: دخل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة يوم الفتح وحول
البيت) الحرام (ستون وثلاثمائة نصب) بضم النون والصاد
المهملة ما ينصب للعباد من دون الله جل وعلاً (فجعل) عليه
الصلاة والسلام (يطعنها) بضم العين على الأرجح (بعود في
يده ويقول):
(جاء الحق) الإسلام أو القرآن (وزهق الباطل) اضمحل وتلاشى
(جاء الحق وما يبدئ الباطل وما يعيد) أي زال الباطل وهلك
لأن الإبداء والإعادة من صفة الحي فعدمهما عبارة عن
الهلاك، والمعنى جاء الحق وهلك الباطل، وقيل: الباطل
الأصنام، وقيل إبليس لأنه صاحب الباطل أو لأنه هالك كما
قيل له الشيطان من شاط إذ هلك أي لا يخلق الشيطان ولا
الصنم أحدًا ولا يبعثه فالمنشئ والباعث هو الله تعالى لا
شريك له. وفي مسلم من حديث أبي هريرة يطعن في
عينيه بسية القوس، وعند الفاكهي من حديث ابن عمرو صححه ابن
حبان فيسقط الصنم ولا يسمه. وعند الفاكهي والطبراني من
حديث ابن عباس فلم يبق وثن استقبله إلا سقط على قفاه مع
أنها كانت ثابتة بالأرض وقد شدّ لهم إبليس لعنه الله
أقدامها بالرصاص وفعل ذلك لإذلال الأصنام وعابديها ولإظهار
أنها لا تنفع ولا تضر ولا تدفع عن نفسها شيئًا.
وحديث الباب سبق في باب هل تكسر الدنان من كتاب المظالم.
4288 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ
حَدَّثَنِي أَبِي حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا
قَدِمَ مَكَّةَ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ الْبَيْتَ، وَفِيهِ
الآلِهَةُ، فَأَمَرَ بِهَا فَأُخْرِجَتْ فَأُخْرِجَ
صُورَةُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ فِي أَيْدِيهِمَا
مِنَ الأَزْلاَمِ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «قَاتَلَهُمُ اللَّهُ، لَقَدْ
عَلِمُوا مَا اسْتَقْسَمَا بِهَا قَطُّ» ثُمَّ دَخَلَ
الْبَيْتَ فَكَبَّرَ فِي نَوَاحِي الْبَيْتِ وَخَرَجَ
وَلَمْ يُصَلِّ فِيهِ. تَابَعَهُ مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ
وَقَالَ وُهَيْبٌ: حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد وللأصيلي وابن عساكر حدّثنا
بالجمع (إسحاق) بن منصور الكوسج المروزي قال: (حدّثنا عبد
الصمد) بن عبد الوارث بن سعيد العنبري مولاهم التنوري بفتح
المثناة وتشديد النون المضمومة قال: (حدثني) بالإفراد
(أبي) عبد الوارث قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد
(أيوب) السختياني (عن عكرمة) مولى ابن عباس (عن ابن عباس
-رضي الله
(6/393)
عنهما- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما قدم مكة) للفتح (أبي) امتنع (أن
يدخل البيت) الحرام (وفيه الآلهة) أي الأصنام (فأمر بها
فأخرجت) منه (فأخرج) بفتح الهمزة والراء في الفرع وفي أصله
بضم الهمزة وكسر الراء (صورة إبراهيم) الخليل (و) صورة
ولده (إسماعيل) عليهما الصلاة والسلام اللتين صوّرهما
المشركون (في أيديهما من الأزلام) بالزاي المعجمة جمع زلم
وهي التي كانوا يستقسمون بها الخير والشر وتسمى القداح
مكتوب عليها الفعل لا تفعل فإذا أراد أحدهم فعل شيء أدخل
يده فأخرج منها واحدًا فإن خرج الأمر مضى لشأنه وإن خرج
النهي كف (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(قاتلهم الله) أي لعنهم الله (لقد علموا) أنهما (ما
استقسما بها قط) لأنهما كانا معصومين (ثم دخل البيت فكبر
في نواحي البيت وخرج) منه (ولم يصل فيه) نفى ابن عباس -رضي
الله عنهما- صلاته عليه الصلاة والسلام في البيت الحرام
وأثبتها بلال والمثبت مقدم على النافي.
وهذا الحديث قد سبق في الحج وغيره.
(تابعه) أي تابع عبد الصمد عن أبيه (معمر) هو ابن راشد
فيما وصله أحمد (عن أيوب) السختياني (وقال وهيب): بضم
الواو وفتح الهاء ابن خالد العجلاني وسقط واو وقال: لأبي
ذر (حدّثنا أيوب عن عكرمة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أسقط ابن عباس فهو مرسل والموصول
أرجح لاتفاق عبد الوارث ومعمر على ذلك عن أيوب قاله في
الفتح.
49 - باب دُخُولُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ
(باب دخول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من
أعلى مكة) لما قدمها يوم الفتح وسقط لفظ باب لأبي ذر فقوله
دخول رفع.
4289 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ أَخْبَرَنِي
نَافِعٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَقْبَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى
مَكَّةَ عَلَى رَاحِلَتِهِ مُرْدِفًا أُسَامَةَ بْنَ
زَيْدٍ، وَمَعَهُ بِلاَلٌ وَمَعَهُ عُثْمَانُ بْنُ
طَلْحَةَ مِنَ الْحَجَبَةِ حَتَّى أَنَاخَ فِي
الْمَسْجِدِ، فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ بِمِفْتَاحِ
الْبَيْتِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ
وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، فَمَكَثَ فِيهِ
نَهَارًا طَوِيلاً ثُمَّ خَرَجَ فَاسْتَبَقَ النَّاسُ
فَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَوَّلَ مَنْ دَخَلَ،
فَوَجَدَ بِلاَلاً وَرَاءَ الْبَابِ قَائِمًا، فَسَأَلَهُ
أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-؟ فَأَشَارَ لَهُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي
صَلَّى فِيهِ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَنَسِيتُ أَنْ
أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى مِنْ سَجْدَةٍ؟
(وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله المؤلّف في باب
الردف على الراحلة من الجهاد (حدثني) بالإفراد (يونس) بن
يزيد الأيلي قال: (أخبرني) بالإفراد (نافع عن) مولاه (عبد
الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أقبل يوم الفتح من أعلى مكة)
من كداء بالفتح والمد (على راحلته) حال كونه (مردفًا أسامة
بن زيد) خادمه (ومعه بلال) مؤذنه (ومعه عثمان بن طلحة)
لكونه (من الحجبة) أي سدنة الكعبة الذين معهم مفتاحها (حتى
أناخ) عليه الصلاة والسلام راحلته (في المسجد فأمره) أي
أمر عليه الصلاة والسلام عثمان الحجبي (أن يأتي بمفتاح
البيت) الحرام زاد عبد الرزاق من مرسل الزهري فأبطأ عليه
ورسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينتظره
حتى إنه ليتحدّر منه مثل الجمان من العرق ويقول: ما يحبسه
فسعى رجل إليه وجعلت أم عثمان سلافة تقول: إن أخذه منكم لا
يعطيكموه أبدًا فلم يزل بها حتى أعطته المفتاح فجاء به
ففتح (فدخل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) الكعبة (ومعه أسامة بن زيد وبلال وعثمان بن
طلحة فمكث فيه) أي في البيت ولأبي ذر عن الكشميهني فيها أي
في الكعبة (نهارًا طويلاً) يكبر ويصلّي ويدعو (ثم خرج) منه
(فاستبق الناس) للولوج إلى الكعبة (فكان عبد الله بن عمر)
بن الخطاب (أوّل من دخل) الكعبة (فوجد بلالاً وراء الباب
قائمًا فسأله أين صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-)؟ في الكعبة (فأشار له) بلال (إلى المكان الذي
صلّى فيه) عليه الصلاة والسلام منها (قال عبد الله) بن
عمر: (فنسيت أن أسأله كم صلى) عليه الصلاة والسلام (من
سجدة) أي من ركعة وعند ابن إسحاق أنه وقف على باب الكعبة
ثم قال: "يا معشر قريش ما ترون أني فاعل فيكم"؟ قالوا:
خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"
وعند ابن عائذ من مرسل عبد الرحمن بن سابط أنه دفع مفتاح
الكعبة إلى عثمان فقال: "خذها خالدة مخلدة إني لم أدفعها
إليكم ولكن الله دفعها إليكم ولا ينزعها منكم إلا ظالم".
وحديث الباب قد مر في باب الردف على الحمار من الجهاد.
4290 - حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ حَدَّثَنَا
حَفْصُ بْنُ مَيْسَرَةَ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ، عَنْ
أَبِيهِ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَخْبَرَتْهُ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
دَخَلَ عَامَ الْفَتْحِ مِنْ كَدَاءٍ الَّتِي بِأَعْلَى
مَكَّةَ. تَابَعَهُ أَبُو أُسَامَةَ وَوُهَيْبٌ فِي
كَدَاءٍ.
وبه قال: (حدّثنا الهيثم) بالمثلثة (ابن خارجة) الخراساني
المروزي قال: (حدثنا حفص بن ميسرة) الصنعاني وليس له حديث
موصول في البخاري إلا هذا (عن هشام بن عروة عن أبيه) عروة
بن الزبير بن العوّام (أن عائشة) ولأبي ذر عن الكشميهني عن
عائشة (-رضي الله عنها- أخبرته أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل عام الفتح من كداء) بفتح الكاف
وتخفيف الدال
(6/394)
المهملة ممدودًا (التي بأعلى مكة. تابعه)
أي تابع حفص بن ميسرة (أبو أسامة) حماد بن أسامة (ووهيب)
بضم الواو ابن خالد في روايتهما عن هشام بن عروة بهذا
الإسناد (في كداء) بفتح الكاف والمد.
4291 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، دَخَلَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ
الْفَتْحِ مِنْ أَعْلَى مَكَّةَ مِنْ كَدَاءٍ.
وبه قال: (حدّثنا عبيد بن إسماعيل) بضم العين وفتح الموحدة
الهباري الكوفي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد
(أبو أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام عن أبيه) عروة بن
الزبير أنه قال: (دخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عام الفتح من أعلى مكة من كداء) بفتح ومد وهذا
مرسل تابعي.
50 - باب مَنْزِلُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْفَتْحِ
(باب منزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم
الفتح).
4292 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ عَمْرٍو عَنِ ابْنِ أَبِي لَيْلَى، قَالَ: مَا
أَخْبَرَنَا أَحَدٌ أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُصَلِّي الضُّحَى غَيْرَ
أُمِّ هَانِئٍ فَإِنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّهُ يَوْمَ فَتْحِ
مَكَّةَ اغْتَسَلَ فِي بَيْتِهَا، ثُمَّ صَلَّى ثَمَانِيَ
رَكَعَاتٍ، قَالَتْ: لَمْ أَرَهُ صَلَّى صَلاَةً أَخَفَّ
مِنْهَا غَيْرَ أَنَّهُ يُتِمُّ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ.
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عمرو) بفتح العين ابن مرة (عن
ابن أبي ليلى) عبد الرحمن أنه (قال: ما أخبرنا أحد أنه رأى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يصلي) صلاة
(الضحى غير أم هانئ) فاختة بنت أبي طالب. قال الكرماني:
ولا يلزم من عدم وصول الخبر إليه عدمه (فإنها ذكرت أنه يوم
فتح مكة اغتسل في بيتها ثم صلّى ثماني ركعات) لا ينافي
قوله منزلنا غدًا إن شاء الله خيف بني كنانة لأنه عليه
الصلاة والسلام لم يقم في بيتها إنما نزل فاغتسل وصلّى ثم
رجع إلى الخيف (قالت) أم هانئ (لم أره) عليه الصلاة
والسلام (صلى صلاة أخف منها غير أنه يتم الركوع والسجود).
وهذا الحديث مضى في صلاة الضحى من كتاب الصلاة.
51 - باب
هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة فهو كالفصل من الذي قبله.
4293 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي
الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ:
«سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِكَ اللَّهُمَّ
اغْفِرْ لِي».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة
والمعجمة المشددة بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر) محمد بن
جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن منصور) هو ابن
المعتمر (عن أبي الضحى) مسلم بن صبيح الكوفي (عن مسروق) هو
ابن الأجدع بن مالك الهمداني (عن عائشة -رضي الله عنها-)
أنها (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول): ولأبى ذر عن الكشميهني يقرأ (في ركوعه
وسجوده):
(سبحانك اللهم ربنا وبحمدك) أي نسبحك والحال أننا نتلبس
بحمدك فيه. وقال في شرح المشكاة أي وبحمدك سبحانك ومعناه
بتوفيقك لي وهدايتك وفضلك عليّ سبحتك لا بحولي وقوتي ففيه
شكر الله تعالى على هذه النعمة والاعتراف بها والتفويض إلى
الله تعالى وإن كل الأفعال له (اللهم اغفر لي) زاد في
الصلاة يتأوّل القرآن أي يفعل ما أمر به فيه أي في قوله
{فسبح بحمد ربك واستغفره} [النصر: 3]. قال في فتح الباري:
ووجه دخول هذا الحديث هنا ما سيأتي في التفسير بلفظ ما
صلّى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- صلاة بعد
أن أنزلت عليه {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1] إلا
يقول فيها فذكر الحديث.
4294 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ،
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: كَانَ عُمَرُ
يُدْخِلُنِي مَعَ أَشْيَاخِ بَدْرٍ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ:
لِمَ تُدْخِلُ هَذَا الْفَتَى مَعَنَا وَلَنَا أَبْنَاءٌ
مِثْلُهُ؟ فَقَالَ إِنَّهُ مِمَّنْ قَدْ عَلِمْتُمْ،
قَالَ: فَدَعَاهُمْ ذَاتَ يَوْمٍ وَدَعَانِي مَعَهُمْ
قَالَ: وَمَا رُئِيتُهُ دَعَانِي يَوْمَئِذٍ إِلاَّ
لِيُرِيَهُمْ مِنِّي، فَقَالَ مَا تَقُولُونَ: {إِذَا
جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ
يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجًا} [النصر: 1 و2]
حَتَّى خَتَمَ السُّورَةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ: أُمِرْنَا
أَنْ نَحْمَدَ اللَّهَ وَنَسْتَغْفِرَهُ، إِذَا نُصِرْنَا
وَفُتِحَ عَلَيْنَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لاَ نَدْرِي
وَلَمْ يَقُلْ بَعْضُهُمْ شَيْئًا فَقَالَ لِي: يَا ابْنَ
عَبَّاسٍ أَكَذَاكَ تَقُولُ؟ قُلْتُ: لاَ، قَالَ: فَمَا
تَقُولُ؟ قُلْتُ: هُوَ أَجَلُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَعْلَمَهُ اللَّهُ لَهُ
{إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ} فَتْحُ مَكَّةَ
فَذَاكَ عَلاَمَةُ أَجَلِكَ {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ
وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر: 3]
قَالَ عُمَرُ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا إِلاَّ مَا تَعْلَمُ.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال:
(حدّثنا أبو عوانة) الوضاح اليشكري (عن أبي بشر) بكسر
الموحدة وسكون المعجمة جعفر بن أبي وحشية إياس (عن سعيد بن
جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: كان عمر) بن
الخطاب -رضي الله عنه- (يدخلني) عليه في مجلسه (مع أشياخ
بدر) الذين حضروا غزوتها (فقال بعضهم): هو عبد الرحمن بن
عوف (لم تدخل هذا الفتى) ابن عباس (معنا ولنا أبناء مثله)؟
في السن فلم تدخلهم (فقال) عمر: (إنه) أي ابن عباس (ممن قد
علمتم) ولعبد الرزاق أن له لسانًا سؤلاً وقلبًا عقولا
(قال: فدعاهم) أي الأشياخ (ذات يوم ودعاني معهم قال) ابن
عباس: (وما رئيته) بضم الراء فهمزة مكسورة فتحتية ساكنة
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أريته بهمزة مضمومة فراء
مكسورة فتحتية ساكنة أي ظننته (دعاني يومئذٍ إلا ليريهم
مني) مثل ما رأى هو مني من العلم (فقال) لهم: (ما تقولون
{إذا}) ولأبي ذر في إذا ({جاء نصر الله والفتح * ورأيت
الناس يدخلون في دين الله أفواجًا} [النصر: 1 و2] حتى ختم
السورة) ثبت في دين الله أفواجًا لأبي ذر (فقال بعضهم:
أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا) بضم النون على
عدوّنا (وفتح علينا) المدائن والقصور (وقال بعضهم: لا ندري
ولم يقل بعضهم شيئًا فقال لي) عمر: (يا ابن) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي ابن (عباس) بحذف
(6/395)
أداة النداء (أكذاك تقول؟ قلت: لا. قال:
فما تقول؟ قلت: هو أجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أعلمه الله له {إذا جاء نصر الله والفتح})
[النصر: 1] أي (فتح مكة فذاك علامة أجلك) أي موتك ({فسبح
بحمد ربك واستغفره إنه كان توّابًا}) (النصر: 3] أمره
تعالى بعد أن بذل المجهود فيما كلف به من تبليغ الرسالة
ومجاهدة أعداء الدين بالإقبال على التسبيح والاستغفار
والتأهب للمسير إلى المقامات العليا واللحوق بالرفيق
الأعلى، وهذا المعنى هو الذي فهمه منها ابن عباس حتى ردّ
به على أولئك المشايخ وقال: أجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وصدقه عمر كما قال: (قال عمر: ما أعلم
منها إلا ما تعلم) وروي أن عمر لما سمعها بكى وقال: الكمال
دليل الزوال.
4295 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ شُرَحْبِيلَ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ عَنِ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي شُرَيْحٍ
الْعَدَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ لِعَمْرِو بْنِ سَعِيدٍ وَهْوَ
يَبْعَثُ الْبُعُوثَ إِلَى مَكَّةَ: ائْذَنْ لِي أَيُّهَا
الأَمِيرُ أُحَدِّثْكَ قَوْلاً قَامَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْغَدَ مِنْ يَوْمَ
الْفَتْحِ سَمِعَتْهُ أُذُنَايَ وَوَعَاهُ قَلْبِي
وَأَبْصَرَتْهُ عَيْنَايَ حِينَ تَكَلَّمَ بِهِ، إِنَّهُ
حَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «إِنَّ
مَكَّةَ حَرَّمَهَا اللَّهُ وَلَمْ يُحَرِّمْهَا النَّاسُ،
لاَ يَحِلُّ لاِمْرِئٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الآخِرِ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا، وَلاَ يَعْضِدَ بِهَا
شَجَرًا، فَإِنْ أَحَدٌ تَرَخَّصَ لِقِتَالِ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيهَا،
فَقُولُوا لَهُ: إِنَّ اللَّهَ أَذِنَ لِرَسُولِهِ وَلَمْ
يَأْذَنْ لَكُمْ، وَإِنَّمَا أَذِنَ لِي فِيهَا سَاعَةً
مِنْ نَهَارٍ، وَقَدْ عَادَتْ حُرْمَتُهَا الْيَوْمَ
كَحُرْمَتِهَا بِالأَمْسِ، وَلْيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ
الْغَائِبَ» فَقِيلَ لأَبِي شُرَيْحٍ مَاذَا قَالَ لَكَ
عَمْرٌو؟ قَالَ: قَالَ أَنَا أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنْكَ يَا
أَبَا شُرَيْحٍ إِنَّ الْحَرَمَ لاَ يُعِيذُ عَاصِيًا
وَلاَ فَارًّا بِدَمٍ وَلاَ فَارًّا بِخَرْبَةٍ. قَالَ
أَبُو عَبْدِ اللهِ الخَرْبَةُ: الْبَلِيَّةُ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن شرحبيل) بالشين المعجمة المضمومة
والراء المفتوحة بعدها حاء مهملة ساكنة فموحدة مكسورة
الكندي الكوفي قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام ولأبي
ذر: ليث (عن المقبري) بفتح الميم وسكون القاف وضم الموحدة
سعيد بن كيسان وكان يسكن عند
المقبرة فنسب إليها (عن أبي شريح) بالشين المعجمة المضمومة
أوله والحاء المهملة آخره خويلد بضم الخاء مصغرًا (العدوي)
بفتح المهملتين وكسر الواو (إنه قال لعمرو بن سعيد) بفتح
العين وسكون الميم ابن العاص بن سعيد بن العاص بن أمية
القرشي الأشدق وكان أمير المدينة (وهو يبعث البعوث إلى
مكة): لغزو عبد الله بن الزبير لامتناعه من مبايعة يزيد بن
معاوية (ائذن لي أيها الأمير أحدثك) بالجزم جواب الأمر
(قولاً قام به رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الغد) ظرف وهو اليوم الثاني (من يوم الفتح)
ولغير أبي ذر يوم الفتح بإسقاط الجار (سمعته أذناي ووعاه)
أي حفظه (قلبي) وتحقق فهمه (وأبصرته عيناي) بتاء التأنيث
كسمعته أي فلم يسمعه من وراء حجاب بل مع الرؤية والمشاهدة
(حين تكلم به) عليه الصلاة والسلام (إنه) بكسر الهمزة
وسقطت الكلمة لغير أبي ذر (حمد الله وأثنى عليه) من عطف
العام على الخاص (ثم قال):
(إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس) من قبل أنفسهم بل
بتحريم الله بوحي (لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر
أن يسفك بها دمًا) بغير حق (ولا يعضد) بفتح الياء وكسر
الضاد أي لا يقطع (بها شجرًا فإن أحد ترخص لقتال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لأجل قتاله
(فيها) مستدلاً بذلك (فقولوا له) ليس الأمر كذلك (إن الله
أذن لرسوله) خموصية له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (ولم يأذن لكم وإنما أذن لي) تعالى في القتال
(فيها) ولأبي ذر له فيه أي في القتال (ساعة من نهار) وهي
من طلوع الشمس إلى العصر فكانت مكة في حقه عليه الصلاة
والسلام في تلك الساعة بمنزلة الحل (وقد عادت حرمتها
اليوم) يوم الفتح لا في غيره (كحرمتها بالأمس) الذي قبل
يوم الفتح (وليبلغ الشاهد) أي الحاضر (الغائب) (فقيل لأبي
شريح) المذكور (ماذا قال لك عمرو)؟ أي ابن سعيد المذكور
(قال) أبو شريح: (قال) عمرو: (أنا أعلم بذلك منك يا أبا
شريح إن الحرم لا يعيذ) بالذال المعجمة أي لا يعصم
(عاصيًا) من إقامة الحد عليه (ولا فارًا) بفاء وراء مشددة
(بدم) أي مصاحبًا لدم ملتجئًا إلى المحرم بسبب خوفه من
إقامة الحد عليه (ولا فارًا بخربة) بفتح الخاء المعجمة
وسكون الراء بعدها موحدة أي بسبب خربة وللأصيلي بخربة بضم
الخاء ولغيره بفتحها وصوبه بعضهم كما قاله القاضي عياض.
(قال أبو عبد الله) البخاري (الخربة) أي (البلية) وهذا
ثابت لأبي ذر وحده.
وهذا الحديث سبق في باب ليبلغ العلم الشاهد الغائب من كتاب
العلم.
4296 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي
رَبَاحٍ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله
عنهما- أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ عَامَ الْفَتْحِ وَهْوَ
بِمَكَّةَ: (إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ
الْخَمْرِ).
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعد قال: (حدّثنا الليث) بن
سعد، ولأبي ذر ليث (عن يزيد بن أبي حبيب) الأزدي أبي رجاء
عالم مصر (عن عطاء بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة
المخففة (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي الله عنهما-
أنه سمع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول عام الفتح وهو بمكة):
(إن الله ورسوله حرم بيع الخمر) بإفراد الفعل والأصل أن
يقول: حرما لأنهما في التحريم واحد.
(6/396)
وسبق هذا الحديث بأطول من هذا في باب بيع
الميتة من كتاب البيع.
52 - باب مَقَامُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ زَمَنَ الْفَتْحِ
(باب مقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة
زمن الفتح) بفتح ميم مقام الأولى في الفرع وفي غيره بضمها
أي الإقامة والمراد وصفه بأنه أقام.
4297 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَنَسٍ -رضي الله
عنه- قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشْرًا نَقْصُرُ الصَّلاَةَ.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (ح).
(وحدّثنا) بالواو ولأبي ذر (قبيصة) بفتح القاف وكسر
الموحدة ابن عقبة بن عامر السوائي الكوفي قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (عن يحيى بن أبي إسحاق) مولى الحضارمة
البصري (عن أنس -رضي الله عنه-) أنه (قال: أقمنا مع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرًا) ولأبي ذر:
عشرة أي عشرة أيام بمكة وضواحيها (نقصر الصلاة) قال الحافظ
ابن حجر: وظاهر هذا الحديث والذي قبله التعارض، والذي
أعتقده أن حديث أنس إنما هو في حجة الوداع فإنها السفرة
التي أقام فيها بمكة عشرًا لأنه دخل يوم الرابع وخرج يوم
الرابع عشر، وأما حديث ابن عباس فهو في الفتح.
وهذا الحديث سبق في باب ما جاء في التقصير أواخر كتاب
الصلاة.
4298 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
قَالَ: أَخْبَرَنَا عَاصِمٌ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَقَامَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَكَّةَ تِسْعَةَ
عَشَرَ يَوْمًا يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو لقب عبد الله بن عثمان بن جبلة
المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال:
(أخبرنا عاصم) الأحول (عن عكرمة عن ابن عباس -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: أقام النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بمكة) زمن الفتح (تسعة عشر يومًا) بلياليها حال
كونه (يصلّي) الرباعية (ركعتين) ولأبي ذر سبعة عشر بتقديم
السين على الموحدة وله من حديث ابن حصين ثماني عشرة.
ومباحث ذلك سبقت في أبواب التقصير.
4299 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
أَبُو شِهَابٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَقَمْنَا مَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
سَفَرٍ تِسْعَ عَشْرَةَ، نَقْصُرُ الصَّلاَةَ وَقَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ:
وَنَحْنُ نَقْصُرُ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ تِسْعَ عَشْرَةَ
فَإِذَا زِدْنَا أَتْمَمْنَا.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن
يونس اليربوعي قال: (حدّثنا أبو شهاب) عبد ربه بن نافع
الحناط بالحاء المهملة والنون (عن عاصم) الأحول (عن عكرمة
عن ابن عباس -رضي الله عنهما-) أنه (قال: أقمنا مع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في سفر) زمن الفتح
بمكة (تسع عشرة) بتقديم الفوقية على السين كالسابقة (نقصر
الصلاة) لأنهم كانوا يتوقعون حاجتهم يومًا فيومًا. (وقال
ابن عباس) بالسند السابق (ونحن نقصر) إذا سافرنا فأقمنا
(ما بيننا وبين تسع عشرة) يومًا (فإذا زدنا) في الإقامة
على تسعة عشر يومًا (أتممنا) الصلاة أربعًا.
ومناسبة هذه الأحاديث للترجمة واضحة لا خفاء بها والله
الموفق والمعين.
53 - باب
هذ (باب) بالتنوين.
4300 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ
صُعَيْرٍ وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَدْ مَسَحَ وَجْهَهُ عَامَ الْفَتْحِ. [الحديث
4300 - أطرافه في: 6356].
(وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله المؤلّف في تاريخه
الصغير والأدب المفرد عن عبد الله بن صالح عن الليث
(حدثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب)
محمد بن مسلم الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبد الله
بن ثعلبة بن صعير) بضم الصاد وفتح العين المهملتين فياء
تصغير فراء ويقال له أيضًا: ابن أبي صعير العذري بضم العين
المهملة وسكون الذال وبالراء (وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد مسح وجهه عام الفتح) وكان ولد قبل
الهجرة وقيل بعدها ولأبيه ثعلبة صحبة وأطلق الدارقطني
وغيره أن لعبد الله صحبة واقتصر المؤلّف على ذكر المناسبة
من الحديث ولم يذكر مقول قول عبد الله بن ثعلبة اختصارًا.
4301 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا
هِشَامٌ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سُنَيْنٍ
أَبِي جَمِيلَةَ قَالَ: أَخْبَرَنَا وَنَحْنُ مَعَ ابْنِ
الْمُسَيَّبِ، قَالَ: وَزَعَمَ أَبُو جَمِيلَةَ أَنَّهُ
أَدْرَكَ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَخَرَجَ مَعَهُ عَامَ الْفَتْحِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء
الرازي الصغير قال: (أخبرنا هشام) أبو عبد الرحمن بن يوسف
الصنعاني اليماني (عن معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد
بن مسلم (عن سنين) بضم السين المهملة وفتح النون بعدها
تحتية ساكنة فنون أخرى (أبي جميلة) بفتح الجيم وكسر الميم
الضمري ويقال السلمي (قال) الزهري (أخبرنا) أي أبو جميلة
(و) الحال أنا (نحن مع ابن المسيب) سعيد أراد تقوية روايته
عنه بكونها بحضرة ابن المسيب ولم يذكر المخبر به (قال) أي
الزهري (وزعم) أي قال (أبو جميلة أنه أدرك النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وخرج معه) إلى مكة (عام
الفتح) كذا
ذكره في الصحابة ابن منده وأبو نعيم وابن عبد البر وقال
غيرهم: وحج معه عليه الصلاة والسلام حجة الوداع.
4302 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ،
عَنْ عَمْرِو بْنِ سَلِمَةَ قَالَ: قَالَ لِي أَبُو
قِلاَبَةَ أَلاَ تَلْقَاهُ فَتَسْأَلَهُ، قَالَ:
فَلَقِيتُهُ فَسَأَلْتُهُ، فَقَالَ: كُنَّا بِمَاءٍ
مَمَرَّ النَّاسِ وَكَانَ يَمُرُّ بِنَا الرُّكْبَانُ
فَنَسْأَلُهُمْ مَا لِلنَّاسِ، مَا لِلنَّاسِ مَا هَذَا
الرَّجُلُ؟ فَيَقُولُونَ: يَزْعُمُ أَنَّ اللَّهَ
أَرْسَلَهُ أَوْحَى إِلَيْهِ أَوْ أَوْحَى اللَّهُ
بِكَذَا، فَكُنْتُ أَحْفَظُ ذَلِكَ الْكَلاَمَ،
وَكَأَنَّمَا يُغْرَى فِي صَدْرِي وَكَانَتِ الْعَرَبُ
تَلَوَّمُ بِإِسْلاَمِهِمِ الْفَتْحَ، فَيَقُولُونَ:
اتْرُكُوهُ وَقَوْمَهُ فَإِنَّهُ إِنْ ظَهَرَ عَلَيْهِمْ
فَهْوَ نَبِيٌّ صَادِقٌ فَلَمَّا كَانَتْ وَقْعَةُ أَهْلِ
الْفَتْحِ بَادَرَ كُلُّ قَوْمٍ بِإِسْلاَمِهِمْ وَبَدَرَ
أَبِي قَوْمِي بِإِسْلاَمِهِمْ، فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ:
جِئْتُكُمْ وَاللَّهِ مِنْ عِنْدِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَقًّا فَقَالَ: «صَلُّوا
صَلاَةَ كَذَا، فِي حِينِ كَذَا وَصَلُّوا كَذَا فِي حِينِ
كَذَا فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ
أَحَدُكُمْ وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْثَرُكُمْ قُرْآنًا»
فَنَظَرُوا فَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ أَكْثَرَ قُرْآنًا مِنِّي
لِمَا كُنْتُ أَتَلَقَّى مِنَ الرُّكْبَانِ، فَقَدَّمُونِي
بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَأَنَا ابْنُ سِتٍّ أَوْ سَبْعِ
سِنِينَ وَكَانَتْ عَلَيَّ بُرْدَةٌ كُنْتُ إِذَا سَجَدْتُ
تَقَلَّصَتْ عَنِّي فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ الْحَىِّ:
أَلاَ تُغَطُّوا عَنَّا اسْتَ قَارِئِكُمْ؟ فَاشْتَرَوْا
فَقَطَعُوا لِي قَمِيصًا فَمَا فَرِحْتُ بِشَىْءٍ فَرَحِي
بِذَلِكَ الْقَمِيصِ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
حماد بن زيد) أي ابن درهم (عن أيوب) السختياني (عن أبي
قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن عمرو بن سلمة) بفتح
العين وكسر
(6/397)
اللام ابن قيس وقيل ابن نفيع الجرمي اختلف
في صحبته (قال) أيوب: (قال لي أبو قلابة ألا) بالتخفيف
(تلقاه) أي ألا تلقى عمرو بن سلمة (فتسأله قال) أبو قلابة:
(فلقيته) أي عمرو بن سلمة (فسألته فقال) عمرو بن سلمة:
(كنا بماء) أي بموضع ننزل به (ممر الناس) بتشديد الراء
مجرورة صفة لماء وفي اليونينية بفتح الراء أي موضع مرورهم
(وكان يمر بنا الركبان فنسألهم ما للناس ما للناس)
بالتكرار مرتين (ما هذا الرجل) أي يسألون عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعن حال العرب معه (فيقولون
يزعم أن الله أرسله أوحى إليه أو أوحى الله) وسقط لفظ أو
لأبي ذر (بكذا) في اليونينية وفرعها مشطوب على الباء
بالحمرة شطبتين وفوقها علامة أبي ذر أي أن الباء ساقطة في
روايته والشك من الراوي يريد حكاية ما كانوا يخبرونهم به
مما سمعوه من القرآن وفي مستخرج أبي نعيم فيقولون نبي يزعم
أن الله أرسله وأن الله أوحى إليه كذا وكذا (فكنت أحفظ
ذلك) ولأبي ذر: ذاك (الكلام) ولأبي داود وكنت غلامًا فحفظت
من ذلك قرآنًا كثيرًا (وكأنما) بالواو ولأبي ذر: فكأنما
(يغرى) بضم التحتية وسكون الغين المعجمة وفتح الراء كذا في
الفرع مصححًا عليه من التغرية أي كأنما يلصق (في صدري)
ونسبها في فتح الباري للإسماعيلي لكنه قال: بتشديد الراء
قال: ورجحها عياض، ولأبي ذر عن الكشميهني: يقر بقاف مفتوحة
وراء مشددة من القرار. قال في الفتح: وفي رواية عن
الكشميهني يقرأ بزيادة ألف مقصورًا من التقرية أي يجمع
ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي ونسبها في الفتح للأكثر يقرأ بسكون القاف آخره
همزة مضمومة من القراءة (وكانت العرب تلوم) بفتح اللام
والواو المشددة وأصله بتاءين فحذفت إحداهما تخفيفًا أي
تنتظر وتتربص (بإسلامهم الفتح) أي فتح مكة (فيقولون:
اتركوه وقومه) قريشًا (فإنه إن ظهر عليهم فهو نبي صادق
فلما كانت وقعة أهل الفتح بادر) أي أسرع (كل قوم بإسلامهم
وبدر) أي أسرع (أبي قومي بإسلامهم فلما قدم) أبي (قال:
جئتكم والله من عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حقًا) فقال عليه الصلاة والسلام لهم:
(صلوا صلاة كذا في حين كذا وصلوا كذا) ولأبي ذر: وصلوا
صلاة كذا (في حين كذا فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم
وليؤمكم أكثركم قرآنًا) ولأبي داود أنهم قالوا: يا رسول
الله من يؤمنا؟ قال: أكثركم جمعًا للقرآن (فنظروا) في الحي
(فلم يكن أحد أكثر قرآنًا مني لما كنت أتلقى) من القرآن
(من الركبان فقدموني بين أيديهم) أصلي بهم (وأنا ابن ست أو
سبع سنين وكانت عليّ بردة) شملة مخططة أو كساء أسود مربع
(كنت إذا سجدت تقلصت) بقاف ولام مشددة وصاد مهملة أي
انجمعت وتكشفت (عني فقالت امرأة من الحي: ألا تغطوا) بحذف
النون في الفرع كأصله في حالة الرفع. قال ابن مالك: إنه
ثابت في الكلام الفصيح نثره ونظمه ولأبي ذر: ألا تغطون
(عنا است قارئكم) أي عجزه (فاشتروا) زاد أبو داود لي
قميصًا عمانيًا بضم العين مخففًا نسبة إلى عُمان من
البحرين (فقطعوا لي قميصًا فما فرحت بشيء فرحي بذلك
القميص) وبهذا تمسك الشافعية في إمامة الصبي المميز في
الفريضة، ولا يستدل به على عدم شرط ستر العورة في الصلاة
لأنها واقعة حال فيحتمل أن يكون ذلك قبل علمهم بالحكم.
4303 - حَدَّثَنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ
مَالِكٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ
اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ: أَنَّ عَائِشَةَ
قَالَتْ: كَانَ عُتْبَةُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَهِدَ إِلَى
أَخِيهِ سَعْدٍ أَنْ يَقْبِضَ ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ،
وَقَالَ عُتْبَةُ: إِنَّهُ ابْنِي، فَلَمَّا قَدِمَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مَكَّةَ فِي الْفَتْحِ أَخَذَ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ
ابْنَ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ، فَأَقْبَلَ بِهِ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَقْبَلَ
مَعَهُ عَبْدُ بْنُ زَمْعَةَ، فَقَالَ سَعْدُ: هَذَا ابْنُ
أَخِي عَهِدَ إِلَىَّ أَنَّهُ ابْنُهُ. قَالَ عَبْدُ بْنُ
زَمْعَةَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا أَخِي هَذَا ابْنُ
زَمْعَةَ وُلِدَ عَلَى فِرَاشِهِ فَنَظَرَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى ابْنِ
وَلِيدَةِ زَمْعَةَ فَإِذَا أَشْبَهُ النَّاسِ بِعُتْبَةَ
بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُوَ لَكَ هُوَ أَخُوكَ يَا
عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ» مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ وُلِدَ عَلَى
فِرَاشِهِ، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «احْتَجِبِي مِنْهُ يَا سَوْدَةُ»
لِمَا رَأَى مِنْ شَبَهِ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ.
قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ: رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «الْوَلَدُ
لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ».
وَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَصِيحُ
بِذَلِكَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (عبد الله بن
مسلمة) بن قعنب القعنبي (عن
مالك) الإمام (عن ابن شهاب) الزهري (عن عروة بن الزبير عن
عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-).
(وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله الذهلي في الزهريات
(حدثني) بالإفراد (يونس) بن يزيد الأيلي (عن ابن شهاب)
الزهري أنه قال: (حدثني) بالإفراد (عروة بن الزبير) قال
ابن حجر واللفظ لرواية يونس (أن عائشة) -رضي الله عنها-
(قالت: كان عتبة بن أبي وقاص) مالك قيل إنه صحابي وقال أبو
نعيم: لا بل مات كافرًا وهو الذي كسر رباعية النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عهد إلى أخيه سعد) أحد
العشرة المبشرة
(6/398)
بالجنة (أن يقبض) عبد الرحمن (ابن وليدة
زمعة) فعلية من الولادة بمعنى مفعولة قال الجوهري: الصبية
والأمة والجمع ولائد وزمعة بفتح الزاي وسكون الميم وهو ابن
قيس بن عبد شمس القرشي العامري والد سودة زوج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولم يقف الحافظ ابن
حجر على اسم هذه الوليدة، وقال: لكن ذكر مصعب بن الزبير
وابن أخيه الزبير في نسب قريش أنه كانت أمة يمانية وكانت
مستفرشة لزمعة فزنى بها عتبة وكانت طريقة الجاهلية في مثل
ذلك أن السيد إن استحلقه لحقه وإن نفاه انتفى عنه وإن
ادّعاه كان مردّ ذلك إلى السيد أو القائف.
(وقال عتبة: إنه ابني فلما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مكة في) زمن (الفتح أخذ سعد بن أبي
وقاص ابن وليدة زمعة) وفي رواية معمر عن الزهري فلما كان
يوم الفتح رأى سعد الغلام فعرفه بالشبه فاحتضنه إليه وقال:
ابن أخي ورب الكعبة (فأقبل به إلى رسول الله) ولأبوي ذر
والوقت إلى النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأقبل معه عبد بن زمعة فقال سعد) بن أبي وقاص (هذا ابن أخي
عهد إليّ أنه ابنه قال): ولأبي ذر فقال (عبد بن زمعة: يا
رسول الله هذا أخي هذا ابن وليدة زمعة ولد على فراشه فنظر
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ابن
وليدة زمعة فإذا) هو (أشبه الناس بعتبة بن أبي وقاص فقال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(هو) أي الولد (لك هو أخوك) بالاستلحاق أو بحكمه عليه
الصلاة والسلام بعلمه في ذلك (يا عبد بن زمعة) بضم دال عبد
وفتحها وابن نصب على الحالين (من أجل أنه ولد على فراشه)
(وقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
احتجبي منه) أي من ابن وليدة زمعة المتنازع فيه (يا سودة)
ندبًا واحتياطًا وإلاّ فقد ثبت نسبه وأخوّته لها في ظاهر
الشرع (لما رأى) عليه الصلاة والسلام (من شبه عتبة بن أبي
وقاص) بالولد المتنازع فيه، وأشار الخطاب إلى أن ذلك مزية
لأمهات المؤمنين لأن لهن في ذلك ما ليس لغيرهن.
(قال ابن شهاب) الزهري فيما وصله المؤلّف في القدر (وقالت
عائشة: قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: الولد
للفراش) أي لصاحب الفراش زوجًا أو سيدًا (وللعاهر) أي
الزاني (الحجر) الخيبة ولا حق في الولد أو المراد الرجم
وضعف بأنه ليس كل من يزني يرجم بل المحصن. وأيضًا فلا يلزم
من رجمه نفي الولد والحديث إنما هو في نفيه عنه. (وقال ابن
شهاب) أيضًا: (وكان أبو هريرة يصيح) بفتح أوله أي يعلن
(بذلك) أي بقوله: الولد للفراش وللعاهر الحجر.
وهذا الحديث موصول إلى الزهري منقطع بينه وبين أبي هريرة
رواه مسلم وغيره من طريق سفيان بن عيينة، ومسلم أيضًا من
طريق معمر كلاهما عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب.
4304 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنِي يُونُسُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ
أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ امْرَأَةً
سَرَقَتْ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، فَفَزِعَ
قَوْمُهَا إِلَى أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ يَسْتَشْفِعُونَهُ
قَالَ عُرْوَةُ: فَلَمَّا كَلَّمَهُ أُسَامَةُ فِيهَا
تَلَوَّنَ وَجْهُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَتُكَلِّمُنِي فِي حَدٍّ
مِنْ حُدُودِ اللَّهِ»؟ قَالَ أُسَامَةُ: اسْتَغْفِرْ لِي
يَا رَسُولَ اللَّهِ فَلَمَّا كَانَ الْعَشِيُّ قَامَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
خَطِيبًا فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ
ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ النَّاسَ
قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمُ
الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمِ الضَّعِيفُ
أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ
بِيَدِهِ، لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ
لَقَطَعْتُ يَدَهَا» ثُمَّ أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتِلْكَ الْمَرْأَةِ
فَقُطِعَتْ يَدُهَا فَحَسُنَتْ تَوْبَتُهَا بَعْدَ ذَلِكَ،
وَتَزَوَّجَتْ قَالَتْ عَائِشَةُ: فَكَانَتْ تَأْتِينِي
بَعْدَ ذَلِكَ فَأَرْفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن مقاتل) أبو الحسن المروزي
المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك قال:
(أخبرنا يونس) بن يزيد الأيلي (عن الزهري) محمد بن مسلم
أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام
(أن امرأة) اسمها فاطمة المخزومية (سرقت) حليًّا أو غيره
(في عهد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
غزوة الفتح) ظاهره الإرسال لكن ظاهر قوله في آخره قالت
عائشة أنه عن عائشة.
وموضع الترجمة منه قوله في غزوة الفتح (ففزع قومها) أي
التجؤوا (إلى أسامة بن زيد) مولى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يستشفعونه) أي يستشفعون به
عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا يقطع
يدها إما عفوًّا وإما فداء وكأن -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقبل شفاعته (قال عروة: فلما كلمه) عليه الصلاة
والسلام (أسامة فيها تلوّن وجه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(أتكلمني) بهمزة الاستفهام الإنكاري وفي الحدود: أتشفع (في
حدّ من حدود الله؟ قال أسامة: استغفر لي يا رسول الله فلما
كان العشي قام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خطيبًا فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال: أما
بعد فإنما أهلك الناس قبلكم) وللنسائي من رواية سفيان إنما
هلك بنو إسرائيل (إنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه)
ولم يقيموا عليه الحد (وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه
الحد) وفي رواية إسماعيل بن أمية
(6/399)
وإذا سرق فيهم الوضيع قطعوه (والذي نفس
محمد بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) وهذا من
الأمثلة التي صح فيها أن لو حرف امتناع لامتناع، وقد ذكر
ابن ماجه عن محمد بن رمح سمعت الليث يقول عقب هذا الحديث:
قد أعاذها الله من أن تسرق، وكل مسلم ينبغي له أن يقول:
هذا. وخص -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ابنته
بالذكر لأنها أعز أهله عنده فأراد المبالغة في تثبيت إقامة
الحد على كل مكلف وترك المحاباة.
(ثم أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بتلك المرأة) التي سرقت (فقطعت يدها) وللنسائي: قم يا بلال
فخذ بيدها فاقطعها (فحسنت توبتها بعد ذلك وتزوجت) وعند أبي
عوانة من رواية ابن أخي الزهري فنكحت رجلاً من بني سليم
وتابت (قالت عائشة: فكانت تأتيني بعد ذلك فأرفع حاجتها إلى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وعند أحمد
أنها قالت: هل من توبة يا رسول الله؟ فقال: "أنت اليوم من
خطيئتك كيوم ولدتك أمك".
وبقية فوائد الحديث تأتي إن شاء الله تعالى في كتاب الحدود
والله الموفق والمعين.
4305 و 4306 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ
حَدَّثَنِي مُجَاشِعٌ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِأَخِي بَعْدَ الْفَتْحِ
فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ جِئْتُكَ بِأَخِي
لِتُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ: «ذَهَبَ أَهْلُ
الْهِجْرَةِ بِمَا فِيهَا» فَقُلْتُ عَلَى أَيِّ شَىْءٍ
تُبَايِعُهُ؟ قَالَ: «أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ،
وَالإِيمَانِ وَالْجِهَادِ» فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ
بَعْدُ وَكَانَ أَكْبَرَهُمَا فَسَأَلْتُهُ فَقَالَ:
صَدَقَ مُجَاشِعٌ.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) الحراني الجزري سكن مصر
قال: (حدّثنا زهير) هو ابن معاوية قال: (حدّثنا عاصم) هو
ابن سليمان (عن أبي عثمان) عبد الرحمن بن مل النهدي أنه
(قال: حدثني) بالإفراد (مجاشع) بميم مضمومة فجيم فألف فشين
معجمة مكسورة فعين مهملة ابن مسعود بن ثعلبة بن وهب السلمي
بضم السين أنه (قال: أتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بأخي) مجالد (بعد الفتح قلت: يا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بأخي لتبايعه على
الهجرة) إلى المدينة (قال) عليه الصلاة والسلام:
(ذهب أهل الهجرة) الذين هاجروا قبل الفتح (بما فيها) من
الفضل فلا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية (فقلت: على أي
شيء تبايعه؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (أبايعه على
الإسلام والإيمان والجهاد) عند الحاجة إليه. قال أبو عثمان
النهدي (فلقيت أبا معبد) يريد مجالدًا (بعد) أي بعد سماعي
الحديث من مجاشع وللأصيلي وابن عساكر وأبي ذر عن الحموي
والمستملي فلقيت معبدًا والصواب الأول (وكان) أي أبو معبد
(أكبرهما) أي أكبر الأخوين (فسألته) عن حديث مجاشع الذي
سمعته منه (فقال: صدق مجاشع).
وهذا الحديث قد مرّ في أوائل الجهاد في باب البيعة في
الحرب أن لا يفروا مختصرًا.
4307 و 4308 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي بَكْرٍ،
حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنَا
عَاصِمٌ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ عَنْ مُجَاشِعِ
بْنِ مَسْعُودٍ انْطَلَقْتُ بِأَبِي مَعْبَدٍ إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لِيُبَايِعَهُ عَلَى الْهِجْرَةِ قَالَ: «مَضَتِ
الْهِجْرَةُ لأَهْلِهَا أُبَايِعُهُ عَلَى الإِسْلاَمِ،
وَالْجِهَادِ» فَلَقِيتُ أَبَا مَعْبَدٍ فَسَأَلْتُهُ
فَقَالَ: صَدَقَ مُجَاشِعٌ. وَقَالَ خَالِدٌ عَنْ أَبِي
عُثْمَانَ عَنْ مُجَاشِعٍ: أَنَّهُ جَاءَ بِأَخِيهِ
مُجَالِدٍ.
وبه قال: (حدثنا محمد بن أبي بكر) المقدمي قال: (حدّثنا
الفضيل) ولأبي ذر: فضيل (بن سليمان) النميري البصري قال:
(حدّثنا عاصم) هو ابن سليمان (عن أبي عثمان النهدي عن
مجاشع بن مسعود) أنه قال: (انطلقت بأبي معبد) مجالد (إلى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليبايعه على
الهجرة) إلى المدينة (قال) عليه الصلاة والسلام:
(مضت الهجرة لأهلها) فلا هجرة بعد الفتح (أبايعه على
الإسلام والجهاد) ولم يذكر في هذه "الإيمان" الثابت في
الأولى. قال أبو عثمان (فلقيت أبا معبد) أخا مجاشع
(فسألته) عما حدثني به أخوه مجاشع (فقال: صدق مجاشع، وقال
خالد) الحذاء فيما وصله الإسماعيلي (عن أبي عثمان) النهدي
(عن مجاشع أنه جاء بأخيه مجالد) إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال: هذا مجالد يا رسول الله
فبايعه على الهجرة .. الحديث.
4309 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ قُلْتُ لاِبْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما-: إِنِّي
أُرِيدُ أَنْ أُهَاجِرَ إِلَى الشَّأْمِ، قَالَ: لاَ
هِجْرَةَ، وَلَكِنْ جِهَادٌ، فَانْطَلِقْ فَاعْرِضْ
نَفْسَكَ فَإِنْ وَجَدْتَ شَيْئًا وَإِلاَّ رَجَعْتَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) أبو بكر العبدي
البصري بندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون
المعجمة جعفر بن أبي وحشية واسمه إياس (عن مجاهد) هو ابن
جبر أنه قال: (قلت لابن عمر -رضي الله عنهما- إني أريد أن
أهاجر إلى الشام قال): أي ابن عمر (لا هجرة) أي بعد الفتح
(ولكن جهاد فانطلق) بكسر اللام والجزم على الأمر (فأعرض)
بهمزة قطع مجزومًا على الأمر أيضًا مصححًا عليها في الفرع
وبهمزة وصل مصححًا عليها في أصله (نفسك فإن وجدت شيئًا) من
الجهاد والقدرة عليه فهو المراد (وإلاّ) بأن لم تجد شيئًا
من ذلك (رجعت).
4310 - وَقَالَ النَّضْرُ أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ،
أَخْبَرَنَا أَبُو بِشْرٍ، سَمِعْتُ مُجَاهِدًا، قُلْتُ
لاِبْنِ عُمَرَ: فَقَالَ: لاَ هِجْرَةَ الْيَوْمَ أَوْ
بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِثْلَهُ.
(وقال النضر) بن شميل فيما وصله الإسماعيلي (أخبرنا شعبة)
بن الحجاج قال: (أخبرنا أبو بشر) جعفر (قال: سمعت مجاهدًا
(6/400)
يقول: قلت لابن عمر): أي أني أريد الشأم
الخ .. (فقال: لا هجرة اليوم أو) قال: (بعد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله). أي مثل الحديث
السابق.
4311 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو عَمْرٍو
الأَوْزَاعِيُّ عَنْ عَبْدَةَ بْنِ أَبِي لُبَابَةَ عَنْ
مُجَاهِدِ بْنِ جَبْرٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- كَانَ يَقُولُ: لاَ هِجْرَةَ بَعْدَ
الْفَتْحِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق بن
يزيد) نسبه لجدّه واسم أبيه إبراهيم الفراديسي قال:
(حدّثنا يحيى بن حمزة) الحضرمي قاضي دمشق (قال: حدثني)
بالإفراد (أبو عمرو) بفتح العين عبد الرحمن (الأوزاعي عن
عبدة) بفتح العين وسكون الموحدة (ابن أبي
لبابة) الأسدي الكوفي (عن مجاهد بن جبر) المكي (أن عبد
الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: لا هجرة بعد
الفتح).
4312 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ عَنْ
عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: زُرْتُ عَائِشَةَ مَعَ
عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ فَسَأَلَهَا عَنِ الْهِجْرَةِ،
فَقَالَتْ: لاَ هِجْرَةَ الْيَوْمَ، كَانَ الْمُؤْمِنُ
يَفِرُّ أَحَدُهُمْ بِدِينِهِ إِلَى اللَّهِ وَإِلَى
رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَخَافَةَ
أَنْ يُفْتَنَ عَلَيْهِ، فَأَمَّا الْيَوْمَ فَقَدْ
أَظْهَرَ اللَّهُ الإِسْلاَمَ فَالْمُؤْمِنُ يَعْبُدُ
رَبَّهُ حَيْثُ شَاءَ وَلَكِنْ جِهَادٌ وَنِيَّةٌ.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق بن يزيد) الفراديسي قال: (حدّثنا
يحيى بن حمزة) الحضرمي قال: (حدثني) بالإفراد (الأوزاعي)
أبو عمرو (عن عطاه بن أبي رباح) بفتح الراء والموحدة أنه
(قال: زرت عائشة مع عبيد بن عمير) بضم العين فيهما الليثي
(فسألها عن الهجرة فقالت: لا هجرة اليوم كان المؤمن)
بالإفراد مصححًا عليه في الفرع كأصله أي قبل الفتح وفي
الهجرة المؤمنون (يفرّ أحدهم بدينه) أي بسبب حفظ دينه (إلى
الله) عز وجل (وإلى رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) إلى المدينة (مخافة أن يفتن عليه) بنصب مخافة
على التعليل (فأما اليوم) بعد الفتح (فقد أظهر الله
الإسلام) وفشت الشرائع والأحكام (فالمؤمن يعبد ربه حيث شاء
ولكن جهاد) في الكفار (ونية) أي وثواب نيّة الجهاد أو في
الهجرة.
وسبق الحديث في الهجرة.
4313 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي حَسَنُ بْنُ مُسْلِمٍ
عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَقَالَ:
«إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ خَلَقَ
السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، فَهْيَ حَرَامٌ بِحَرَامِ
اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، لَمْ تَحِلَّ لأَحَدٍ
قَبْلِي وَلاَ تَحِلُّ لأَحَدٍ بَعْدِي، وَلَمْ تَحْلِلْ
لِي إِلاَّ سَاعَةً مِنَ الدَّهْرِ، لاَ يُنَفَّرُ
صَيْدُهَا، وَلاَ يُعْضَدُ شَوْكُهَا، وَلاَ يُخْتَلَى
خَلاَهَا، وَلاَ تَحِلُّ لُقَطَتُهَا إِلاَّ لِمُنْشِدٍ»
فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: إِلاَّ
الإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لاَ بُدَّ
مِنْهُ لِلْقَيْنِ وَالْبُيُوتِ، فَسَكَتَ ثُمَّ قَالَ:
«إِلاَّ الإِذْخِرَ فَإِنَّهُ حَلاَلٌ». وَعَنِ ابْنِ
جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ عَنْ عِكْرِمَةَ
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِمِثْلِ هَذَا أَوْ نَحْوِ هَذَا.
رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) هو ابن منصور وبه جزم أبو علي
الجياني أو هو ابن نصر قاله الحاكم قال: (حدّثنا أبو عاصم)
هو النبيل (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه قال:
(أخبرني) بالإفراد (حسن بن مسلم) أي ابن يناق المكي (عن
مجاهد) هو ابن جبر (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) هذا مرسل وقد وصله في الحج والجهاد من رواية
منصور عن مجاهد عن طاوس عن ابن عباس (قام يوم الفتح فقال):
(إن الله حرم مكة يوم خلق السماوات والأرض فهي حرام بحرام
الله) بفتح الحاء والراء بعدها
ألف في اللفظين (إلى يوم القيامة) والخليل مبلغ التحريم عن
الله إلى الناس (لم تحل لأحد قبلي ولا تحل لأحد بعدي ولم
تحلل) بفتح الفوقية وكسر اللام الأولى ولأبي الوقت
والأصيلي ولم تحلل بضم الفوقية وفتح اللام (لي) وزاد أبوا
ذر والوقت: قط (إلاّ ساعة من الدهر) ما بين أول النهار
ودخول العصر (لا ينفر صيدها) أي لا يزعج عن مكانه (ولا
يعضد) لا يقطع (شوكها) ولأبي ذر عن الكشميهني: شجرها (ولا
يختلى) بضم التحتية وسكون المعجمة مقصورًا لا يقلع (خلاها)
بفتح المعجمة مقصورًا أيضًا كلؤها الرطب (ولا تحل لقطتها
إلا لمنشد) يعرّفها ثم يحفظها لمالكها ولا يتملكها كسائر
لقطة غيرها من البلاد (فقال العباس بن عبد المطلب: إلاّ
الإذخر) بالمعجمتين (يا رسول الله إنه لا بدّ منه للقين)
بفتح القاف الحداد للوقود (والبيوت) في سقفها بأن يجعل فوق
الخشب أو للوقود الحلفاء (فسكت) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (ثم قال): بوحي أو نفث في روعه (إلاّ الإذخر
فإنه حلال) والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا
ينطق عن الهوى فالتحريم إلى الله حكمًا وإلى رسول الله
بلاغًا.
(وعن ابن جريج) عبد الملك بالإسناد السابق أنه قال:
(أخبرني) بالإفراد (عبد الكريم) بن مالك الجزري الخضري
بالخاء والضاد المعجمتين نسبة إلى قرية من اليمامة (عن
عكرمة عن ابن عباس بمثل هذا). الحديث السابق (أو نحو هذا)
شك من الراوي وهل المثل والنحو مترادفان أو المثل هو
المتحد في الحقيقة والنحو أعم. (رواه) أي الحديث المذكور
(أبو هريرة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
فيما سبق موصولاً في كتاب العلم.
54 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ
فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ
الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ *
ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ} إِلَى قَوْلِهِ
{غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة: 25]
(باب قول الله تعالى: {ويوم}) أي واذكر يوم ({حنين}) واد
بين مكة والطائف إلى جنب ذي المجاز بينه وبين مكة بضعة عشر
ميلاً من جهة عرفات سمي باسم حنين بن قابثة بن مهلائيل خرج
إليه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لست خلون
من شوّال لما بلغه أن مالك بن عوف النصري جمع القبائل من
هوازن، ووافقه على ذلك الثقفيون وقصدوا محاربة المسلمين،
وإن المسلمون اثني عشر
(6/401)
ألفًا وهوازن وثقيف أربعة آلاف، وقد روى
يونس بن بكير في زيادات المغازي عن الربيع بن أنس قال: قال
رجل يوم حنين: لن نغلب اليوم من قلّة فشق ذلك على النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فكانت الهزيمة. قال
في فتوح الغيب: وهذا مثل قوله تعالى: {لم يخرّوا عليها
صمًّا وعميانًا} [الفرقان: 73]. قوله: لم يخروا ليس نفيًا
للخرور وإنما هو إثبات له ونفي للصمم والعمى، كذلك لن نغلب
ليس نفيًا للمغلوبية، وإنما هو إثبات لها ونفي للقلة يعني
متى غلبنا كان سببه عن القلة. هذا من حيث الظاهر ليس كلمة
إعجاب لكنها كناية عنها فكأنه قال: ما أكثر عددنا فذلك
قوله تعالى: ({إذ}) بدل من يوم ({أعجبتكم كثرتكم}) حصل لهم
الإعجاب بالكثرة وزال عنهم أن الله هو الناصر
لا كثرة العدد والعُدد ({فلم تغن عنكم شيئًا وضاقت عليكم
الأرض بما رحبت}) ما مصدرية والباء بمعنى مع أي مع رحبها
أي لم تجدوا موضعًا لفراركم من أعدائكم فكأنها ضاقت عليكم
({ثم وليتم مدبرين}) ثم انهزمتم ({ثم أنزل الله سكينته})
رحمته التي سكنوا بها وأمنوا (إلى قوله: {غفور رحيم})
[التوبة: 25]. يستر كفر العدوّ بالإسلام وينصر المولى بعد
الانهزام، فالكلام وارد مورد الامتنان على الصحابة بنصرته
إياهم في المواطن الكثيرة، وكانت النصرة في هذا اليوم
المخصوص أجلّ امتنانًا لما شوهد منهم ما ينافي النصرة من
الإعجاب بالكثرة، ولولا فضل الله وكرامته لرسوله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وللمؤمنين لتمت الدبرة عليهم
والنصر للأعداء. ألا ترى كيف أقيم المظهر مقام المضمر في
قوله تعالى: {ثم أنزل الله سكينته على رسوله وعلى
المؤمنين} [التوبة: 25] ليؤذن بأن وصف الرسالة والإيمان
أهل للانتصار بعد الفرار والعفو عن الاغترار، وحذف في
رواية أبي ذر قوله: {فلم تغن} الخ. وقال: إلى {غفور رحيم}.
4314 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
نُمَيْرٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، أَخْبَرَنَا
إِسْمَاعِيلُ قَالَ: رَأَيْتُ بِيَدِ ابْنِ أَبِي أَوْفَى
ضَرْبَةً قَالَ: ضُرِبْتُهَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ، قُلْتُ:
شَهِدْتَ حُنَيْنًا؟ قَالَ: قَبْلَ ذَلِكَ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عبد الله بن نمير) أبو عبد
الرحمن الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا يزيد بن هارون)
الواسطي قال: (أخبرنا إسماعيل) بن أبي خالد (قال: رأيت بيد
ابن أبي أوفى) بفتح الهمزة والفاء عبد الله الأسلمي (ضربة)
وعند الإسماعيلي ضربة على ساعده وزاد أحمد فقلت: ما هذه؟
(قال: ضربتها) بضم الضاد مبنيًا للمفعول (مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم حنين) قال إسماعيل (قلت)
له (شهدت حنينًا؟ قال: قبل ذلك) من المشاهد وأول مشاهده
الحديبية.
4315 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، قَالَ: سَمِعْتُ
الْبَرَاءَ وَجَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أَبَا عُمَارَةَ
أَتَوَلَّيْتَ يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ: أَمَّا أَنَا
فَأَشْهَدُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنَّهُ لَمْ يُوَلِّ وَلَكِنْ عَجِلَ
سَرَعَانُ الْقَوْمِ فَرَشَقَتْهُمْ هَوَازِنُ. وَأَبُو
سُفْيَانَ بْنُ الْحَارِثِ آخِذٌ بِرَأْسِ بَغْلَتِهِ
الْبَيْضَاءِ يَقُولُ:
أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبْ
وبه قال: (حدّثنا محمد بن كثير) أبو عبد الله العبدي قال:
(حدّثنا) ولأبي ذر: أخبرنا (سفيان) الثوري (عن أبي إسحاق)
عمرو بن عبد الله السبيعي أنه (قال: سمعت البراء) بن عازب
(وجاءه رجل) قال ابن حجر: لم أقف على اسمه (فقال) له (يا
أبا عمارة) بضم العين وتخفيف الميم كنية البراء (أتوليت)
أي انهزمت (يوم حنين)؟ والهمزة للاستفهام (فقال): ولأبي ذر
قال (أما أنا فأشهد على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أنه لم يول) لم ينهزم (ولكن عجل) بكسر الجيم
مخففًا (سرعان القوم) بفتح السين المهملة والراء وقد تسكن
أوائلهم الذين يسارعون إلى الشيء ويقبلون عليه بسرعة
(فرشقتهم)
بالشين المعجمة والقاف أي رمتهم (هوازن) القبيلة المعروفة
وكانوا رماة وإن المسلمون قد حملوا على العدوّ فانكشفوا
فأقبل المسلمون على الغنائم فاستقبلهم هوازن ما يكاد يسقط
لهم سهم فرشقوهم رشقًا ما يكاد يخطؤون (وأبو سفيان بن
الحارث) بن عبد المطلب ابن عم النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (آخذ برأس بغلته) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (البيضاء) التي أهداها له فروة بن
نفاثة على الصحيح حال كونه (يقول):
(أنا النبي لا كذب) فلا أنهرم لأن الله قد وعدني بالنصر
(أنا ابن عبد المطلب) فيه دليل جواز قول الإنسان في الحرب
أنا فلان وأنا ابن فلان أو مثل ذلك.
وهذا الحديث قد سبق في باب بغلة النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البيضاء من الجهاد.
4316 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قِيلَ لِلْبَرَاءِ وَأَنَا أَسْمَعُ
أَوَلَّيْتُمْ مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ: أَمَّا النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَلاَ؛ كَانُوا
رُمَاةً فَقَالَ:
أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ ... أَنَا ابْنُ عَبْدِ
الْمُطَّلِبْ
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك قال:
(حدثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) السبيعي أنه قال:
(قيل للبراء) بن عازب -رضي الله عنه- (وأنا أسمع أوليتم مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم حنين)؟
بصيغة الجمع في أوليتم الشاملة لكلهم (فقال): البراء
(6/402)
مجيبًا للسائل بجواب بديع متضمن لإثبات
الفرار لهم لكن لا على جهة التعميم (أما النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلا) أي لم يفرّ (كانوا) أي
هوازن (رماة) فرشقوا بالنبل رشقًا فولينا (فقال) النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو ثابت لم يبرح:
(أنا النبي لا كذب) أي لست بكاذب فيما أقول حتى انهزم بل
أنا متيقن بنصر الله عز وجل (أنا ابن عبد المطلب) فانتسب
إلى جده دون أبيه عبد الله لشهرته لما رزقه من نباهة الذكر
والسيادة وطول العمر ولذا كان كثير من العرب يدعونه ابن
عبد المطلب كما في قصة ضمام بن ثعلبة، وقد قيل: إنه اشتهر
عندهم أن عبد المطلب يخرج من ظهره رجل يدعو إلى الله تعالى
فأراد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يذكر أصحابه
بذلك، وأنه لا بد من ظهوره على أعدائه وأن العاقبة له
لتقوى بهم نفوسهم.
4317 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ
سَمِعَ الْبَرَاءَ وَسَأَلَهُ رَجُلٌ مِنْ قَيْسٍ
أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ؟ فَقَالَ: لَكِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ
يَفِرَّ، كَانَتْ هَوَازِنُ رُمَاةً وَإِنَّا لَمَّا
حَمَلْنَا عَلَيْهِمِ انْكَشَفُوا، فَأَكْبَبْنَا عَلَى
الْغَنَائِمِ فَاسْتُقْبِلْنَا بِالسِّهَامِ، وَلَقَدْ
رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ، وَإِنَّ أَبَا
سُفْيَانَ آخِذٌ بِزِمَامِهَا وَهْوَ يَقُولُ:
أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ
قَالَ إِسْرَائِيلُ وَزُهَيْرٌ: نَزَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ بَغْلَتِهِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بندار العبدي
قال: (حدّثنا غندر) محمد بن
جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي إسحاق) عمرو
السبيعي أنه (سمع البراء) بن عازب (وسأله رجل من قيس) لم
يعرف الحافظ ابن حجر اسمه (أفررتم عن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم حنين؟ فقال) البراء:
فررنا (لكن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وفي اليونينية وفرعها: لكن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالرفع والنصب (لم يفرّ) بل
ثبت وثبت معه أربعة نفر، ثلاثة من بني هاشم ورجل من غيرهم
علي والعباس بين يديه وأبو سفيان بن الحارث آخذ بالعنان
وابن مسعود من الجانب. رواه ابن أبي شيبة من مرسل الحكم بن
عتيبة، وعند الترمذي بإسناد حسن من حديث ابن عمر: لقد
رأيتنا يوم حنين وأن الناس لمولون وما مع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مائة رجل. وعند أحمد
والحاكم عن ابن مسعود فولى الناس عنه ومعه ثمانون رجلاً من
المهاجرين والأنصار، ولعل الإمام النووي لم يقف على هذه
الروايات حيث قال: إن تقدير الكلام أفررتم كلكم؟ فيدخل فيه
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال البراء:
لا والله لم يفرّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، ولكن (كانت هوازن رماة، وإنا لما حملنا عليهم
انكشفوا) أي انهزموا (فأكببنا) بموحدتين الأولى مفتوحة
والثانية ساكنة بعدها نون أي وقعنا (على الغنائم) وفي
الجهاد فأقبل الناس على الغنائم (فاستقبلنا) بضم التاء
وكسر الموحدة أي استقبلهم هوازن (بالسهام) أي فولينا قال
الطبري: الانهزام المنهي عنه هو ما يقع عن غير نيّة العود
وأما الاستطراد للكرة فهو كالمتحيز إلى فئة (ولقد رأيت
رسول الله) ولأبي ذر: النبي (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على بغلته البيضاء) وعند مسلم من حديث سلمة على
بغلته الشهباء. وعند ابن سعد ومن تبعه على بغلته دلدل.
وقال الحافظ ابن حجر: وفيه نظر لأن دلدل أهداها له المقوقس
يعني لأنه ثبت في صحيح مسلم من حديث العباس وكان على بغلة
بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي. قال القطب الحلبي:
فيحتمل أن يكون يومئذ ركب كلاًّ من البغلتين إن ثبت أنها
كانت صحبته وإلاّ فما في الصحيح أصح اهـ. وفي ركوبه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- البغلة يومئذ دلالة
على فرط شجاعته وثباته.
(وأن أبا سفيان) زاد أبو ذر ابن الحارث (آخذ) كذا في
اليونينية وغيرها وفي الفرع لآخذ (بزمامها) وفي مسلم عن
العباس: ولى المسلمون مدبرين فطفق رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يركض بغلته قبل الكفار. قال
العباس: وأنا آخذ بلجام بغلة رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكفها إرادة أن لا تسرع، وأبو سفيان
آخذ بركابه فلعلهما تناوبا ذلك (وهو) عليه الصلاة والسلام
(يقول):
(أنا النبي لا كذب) لم يذكر الشطر الثاني في هذه الرواية،
وقد كان بعض أهل العلم فيما حكاه السفاقسي يفتح الباء من
قوله لا كذب ليخرجه عن الوزن، وقد أجيب عن هذا: بأنه خرج
منه عليه الصلاة والسلام هكذا موزونًا ولم يقصد به الشعر
أو أنه لغيره وتمثل هو عليه الصلاة والسلام به وأنه كان:
أنا النبي لا كذب ... أنا ابن عبد المطلب
فذكره بلفظ: أنا في الموضعين.
(قال إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي فيما وصله
(6/403)
المؤلّف في الجهاد (وزهير) هو ابن معاوية
الجعفي مما وصله في باب من صف أصحابه عند الهزيمة فقالا في
آخره: (نزل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن
بغلته) أي واستنصر أي قال: "اللهم أنزل نصرك" ولمسلم من
حديث سلمة بن الأكوع فلما غشوا النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نزل عن البغلة ثم قبض قبضة من تراب ثم
استقبل به وجوههم فقال: "شاهت الوجوه" فما خلق الله منهم
إنسانًا إلا ملأ عينيه ترابًا بتلك القبضة فولوا منهزمين.
وقوله: "شاهت الوجوه" أي قبحت وفيه علم من أعلام نبوته
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو إيصال تراب
القبضة اليسيرة إليهم وهم أربعة آلاف.
4318 و 4319 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ
حَدَّثَنِي لَيْثٌ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ
ح وَحَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ
إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَخِي ابْنِ
شِهَابٍ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ: وَزَعَمَ عُرْوَةُ
بْنُ الزُّبَيْرِ، أَنَّ مَرْوَانَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ
مَخْرَمَةَ أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَامَ حِينَ جَاءَهُ وَفْدُ
هَوَازِنَ مُسْلِمِينَ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَرُدَّ
إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَسَبْيَهُمْ، فَقَالَ لَهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«مَعِي مَنْ تَرَوْنَ وَأَحَبُّ الْحَدِيثِ إِلَىَّ
أَصْدَقُهُ فَاخْتَارُوا إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا
السَّبْيَ وَإِمَّا الْمَالَ، وَقَدْ كُنْتُ اسْتَأْنَيْتُ
بِكُمْ»، وَكَانَ أَنْظَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً
حِينَ قَفَلَ مِنَ الطَّائِفِ، فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُمْ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- غَيْرُ رَادٍّ إِلَيْهِمْ إِلاَّ إِحْدَى
الطَّائِفَتَيْنِ قَالُوا: فَإِنَّا نَخْتَارُ سَبْيَنَا
فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي الْمُسْلِمِينَ فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ
بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ثُمَّ قَالَ: «أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ
إِخْوَانَكُمْ قَدْ جَاءُونَا تَائِبِينَ، وَإِنِّي قَدْ
رَأَيْتُ أَنْ أَرُدَّ إِلَيْهِمْ سَبْيَهُمْ، فَمَنْ
أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يُطَيِّبَ ذَلِكَ فَلْيَفْعَلْ،
وَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَكُونَ عَلَى حَظِّهِ
حَتَّى نُعْطِيَهُ إِيَّاهُ مِنْ أَوَّلِ مَا يُفِيءُ
اللَّهُ عَلَيْنَا فَلْيَفْعَلْ». فَقَالَ النَّاسُ: قَدْ
طَيَّبْنَا ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنَّا لاَ
نَدْرِي مَنْ أَذِنَ مِنْكُمْ فِي ذَلِكَ، مِمَّنْ لَمْ
يَأْذَنْ فَارْجِعُوا حَتَّى يَرْفَعَ إِلَيْنَا
عُرَفَاؤُكُمْ أَمْرَكُمْ» فَرَجَعَ النَّاسُ
فَكَلَّمَهُمْ عُرَفَاؤُهُمْ ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ قَدْ طَيَّبُوا وَأَذِنُوا. هَذَا
الَّذِي بَلَغَنِي عَنْ سَبْيِ هَوَازِنَ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) هو سعيد بن كثير بن عفير
بضم العين وفتح الفاء ابن مسلم الأنصاري مولاهم البصري
قال: (حدثني) بالإفراد (ليث) ولأبي ذر: الليث بن سعد
الإمام قال: (حدثني) بالإفراد (عقيل) بضم العين ابن خالد
الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري قال المؤلّف:
(ح).
(وحدثني) بواو العطف والإفراد (إسحاق) بن منصور المروزي
قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) بن سعد بن إبراهيم بن عبد
الرحمن بن عوف (قال: حدّثنا ابن أخي ابن شهاب) محمد بن عبد
الله (قال محمد بن شهاب) الزهري (وزعم عروة بن الزبير) بن
العوّام (أن مروان) بن الحكم الأموي ولد سنة اثنتين من
الهجرة ولم ير النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(والمسور بن مخرمة) بن نوفل الزهري له صحبة (أخبراه أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهو مرسل
لأن المسور يصغر عن إدراك هذه
القصة ومروان أصغر منه (قام حين جاءه وفد هوزان) حال كونهم
(مسلمين) لما انصرف عليه الصلاة والسلام من الطائف في شوال
إلى الجعرانة وبها سبي هوازن (فسألوه أن يرد إليهم أموالهم
وسبيهم) وذكر الواقدي أن وفد هوازن كانوا أربعة وعشرين
بيتًا فيهم أبو برقان السعدي فقال: يا رسول الله إن في هذه
الحظائر لأمهاتك وخالاتك وحواضنك ومرضعاتك فامنن علينا منّ
الله عليك (فقال لهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(معي من ترون) بفتح الفوقية من الصحابة (وأحب الحديث إليّ
أصدقه فاختاروا) أن أرد إليكم (إحدى الطائفتين) أي الأمرين
(إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت) بسكون المهملة
وفتح الفوقية بعدها همزة ساكنة فنون مفتوحة فتحتية ساكنة
(بكم) أي أخرت قسم السبي بسببكم لتحضروا، ولأبي ذر عن
الكشميهني لكم أي لأجلكم فأبطأتم حتى ظننت أنكم لا تقدمون
وقد قسمت السبي (وكان أنظرهم) كذا في الفرع وفي نسخة
انتظرهم بزيادة فوقية بعد النون (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بضع عشرة ليلة) لم يقسم السبي
وتركه بالجعرانة (حين قفل) أي رجع (من الطائف) إلى
الجعرانة (فلما تبين لهم أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير رادّ إليهم إلا إحدى الطائفتين)
المال أو السبي (قالوا: فإنا نختار سبينا فقام رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في المسلمين فأثنى
على الله بما هو أهله ثم قال: أما بعد فإن إخوانكم) وفد
هوازن (قد جاؤونا) حال كونهم (تائبين وإني قد رأيت أن أردّ
إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك) نفسه بدفع السبي
مجانًا من غير عوض (فليفعل) جواب الشرط (ومن أحب منكم أن
يكون على حظه) من السبي (حتى نعطيه إياه) أي عوضه (من أول
ما يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس: قد طيبنا ذلك) لهم
أي حملنا أنفسنا على ترك السبايا حتى طابت بذلك (يا رسول
الله) يقال: طابت نفسي بكذا إذا حملتها على السماح من غيره
إكراه فطابت بذلك (فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن
لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفائكم) أي نقباؤكم
(أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤكم ثم رجعوا إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبروه أنهم قد
طيبوا) ذلك (وأذنوا) له -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن يرد السبي إليهم. قال ابن شهاب (هذا الذي
بلغني عن سبي هوازن).
وهذا الحديث قد سبق في باب ومن الدليل على أن الخمس لنوائب
(6/404)
المسلمين.
4320 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ حَدَّثَنَا حَمَّادُ
بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ, أَنَّ عُمَرَ
قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ح حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
مُقَاتِلٍ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ
-رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا قَفَلْنَا مِنْ حُنَيْنٍ
سَأَلَ عُمَرُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَنْ نَذْرٍ كَانَ نَذَرَهُ فِي
الْجَاهِلِيَّةِ اعْتِكَافٍ فَأَمَرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِوَفَائِهِ. وَقَالَ
بَعْضُهُمْ حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ، وَرَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ وَحَمَّادُ
بْنُ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال:
(حدّثنا حماد بن زيد) أي
ابن درهم الجهضمي (عن أيوب) السختياني (عن نافع أن عمر)
وفي نسخة: أن ابن عمر وكذا هو في الفرع كأصله لكن فيهما
شطب بالحمرة على أبي (قال: يا رسول الله) أورده كذا
مختصرًا مرسلاً وسبق في الخُمس تمامه بلفظ إن عمر قال
لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنه كان
عليّ اعتكاف يوم في الجاهلية فأمره أن يفي به قال: وأصاب
عمر جاريتين من سبي حنين فوضعهما في بعض بيوت مكة.
الحديث. قال البخاري (ح).
(وحدثني) بالواو وبالإفراد وسقطت الواو لغير أبي ذر (محمد
بن مقاتل) المروزي المجاور بمكة قال: (أخبرنا عبد الله) بن
المبارك المروزي قال: (أخبرنا معمر) هو ابن راشد (عن أيوب)
السختياني (عن نافع عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه
(قال: لما قفلنا) رجعنا (من حنين سأل عمر النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن نذر كان نذره في) زمن
(الجاهلية اعتكاف) بجرّ اعتكاف بدلاً من نذر، وفي نسخة
بالفرع مصححًا عليها كأصله اعتكافًا، ولأبي ذر اعتكاف
بالرفع (فأمره النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بوفائه، وقال بعضهم): هو أحمد بن عبدة الضبي كما أخرجه
الإسماعيلي من طريقه (حماد) هو ابن زيد بن درهم (عن أيوب)
السختياني (عن نافع عن ابن عمر) ولفظ الإسماعيلي كان عمر
نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية فسأل النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأمره أن يفي به.
(ورواه جرير بن حازم وحماد بن سلمة عن أيوب عن نافع عن ابن
عمر عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فأما
رواية جرير فوصلها مسلم بلفظ: أن عمر سأل رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو بالجعرانة بعد أن
رجع من الطائف فقال: يا رسول الله إني نذرت في الجاهلية أن
أعتكف يومًا في المسجد الحرام فكيف ترى؟ قال: "اذهب فاعتكف
يومًا" وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قد أعطاه جارية من الخُمس فلما أعتق رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سبايا الناس قال عمر:
يا عبد الله اذهب إلى تلك الجارية فخلّ سبيلها، وأما رواية
حماد فوصلها مسلم أيضًا.
4321 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ
مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ:
خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَامَ حُنَيْنٍ، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ
لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ فَرَأَيْتُ رَجُلاً مِنَ
الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلاَ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ
فَضَرَبْتُهُ مِنْ وَرَائِهِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ
بِالسَّيْفِ فَقَطَعْتُ الدِّرْعَ وَأَقْبَلَ عَلَىَّ
فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْتُ مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ،
ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي فَلَحِقْتُ
عُمَرَ فَقُلْتُ: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ رَجَعُوا وَجَلَسَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَنْ
قَتَلَ قَتِيلاً لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ
سَلَبُهُ»، فَقُلْتُ: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْتُ -
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
مِثْلَهُ قَالَ: ثم قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مِثْلَهُ، فَقُمْتُ فَقَالَ:
«مَالَكَ يَا أَبَا قَتَادَةَ»؟ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ
رَجُلٌ: صَدَقَ وَسَلَبُهُ عِنْدِي فَأَرْضِهِ مِنِّي
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لاَهَا اللَّهِ إِذًا لاَ يَعْمِدُ
إِلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ، يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ
وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَيُعْطِيَكَ سَلَبَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «صَدَقَ فَأَعْطِهِ» فَأَعْطَانِيهِ
فَابْتَعْتُ بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ
لأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) هو الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عمر بن
كثير بن أفلح) بضم العين المدني مولى أبي أيوب الأنصاري
تابعي صغير وثقه النسائي (عن أبي محمد) نافع بن عباس
بموحدة ومهملة أو بتحتية ومعجمة الأقرع المدني (مولى أبي
قتادة) قيل له ذلك للزومه وكان مولى عقيلة الغفارية (عن
أبي قتادة) الحارث بن ربعي وقيل اسمه النعمان فارس رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه (قال: خرجنا
مع النبي) ولأبي ذر مع رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عام حنين فلما التقينا) مع المشركين
(كانت للمسلمين) أي لبعضهم غير رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ومن معه (جولة) بالجيم أي تقدم وتأخر
وعبّر بذلك احترازًا عن لفظ الهزيمة (فرأيت رجلاً من
المشركين قد علا رجلاً من المسلمين) أي أشرف على قتله ولم
يسم الرجلان (فضربته) أي المشرك (من ورائه على حبل عاتقه)
أي عصب عاتقه عند موضع الرداء من العنق (بالسيف) ولأبي ذر
بسيف (فقطعت الدرع) الذي هو لابسه (وأقبل عليّ فضمني ضمة
وجدت منها ريح الموت) أي شدّة كشدة الموت (ثم أدركه الموت
فأرسلني) أي أطلقني (فلحقت عمر) زاد أبو ذر ابن الخطاب
(فقلت) له: (ما بال الناس) منهزمن (قال: أمر الله عز وجل)
أي هذا الذي أصابهم حكم الله وقضاؤه (ثم رجعوا) أي
المسلمون بعد الانهزام (وجلس) بالواو ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي فجلس (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال):
(من قتل قتيلاً) أوقع القتل على المقتول باعتبار مآله
كقوله: أعصر خمرًا (له عليه بيّنة فله سلبه) قال أبو قتادة
(فقلت: من يشهد لي) بقتل ذلك الرجل (ثم جلست فقال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مثله من قتل قتيلاً
له عليه بيّنة فله سلبه) وقوله فقال الخ ثابت لأبي ذر
(قال: ثم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مثله فقمت) وسقط لأبي ذر قال.
(6/405)
ثم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى آخر فقمت (فقلت: مَن يشهد لي؟ ثم جلست.
قال: ثم قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مثله فقمت فقال) عليه الصلاة والسلام: (ما لك يا أبا
قتادة)؟ فأخبرته بذلك (فقال رجل): هو أسود بن خزاعي
الأسلمي كما قاله الواقدي (صدق) يا رسول الله (وسلبه عندي
فأرضه) بقطع الهمزة (مني) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
منه.
(فقال أبو بكر) الصديق -رضي الله عنه-: (لاها الله) بقطع
الهمزة ووصلها وكلاهما مع إثبات ألف ها وحذفها فهي أربعة:
النطق بلام بعدها التنبيه من غير ألف ولا همز، وبألف من
غير همز، وبالألف وقطع الجلالة، وبحذف الألف وثبوت همزة.
القطع، والمشهور في الرواية الأول والثالث أي لا والله
(إذًا) بالتنوين وكسر الهمزة.
ومباحث هذا بتمامها سبقت في باب من لم يخمس الأسلاب. وقال
في شرح المشكاة: هو كقولك لمن قال لك: الفعل كذا. فقلت: لا
والله إذًا لا أفعل فالتقدير إذا (لا يعمد) كسر الميم أي
لا يقصد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى
أسد من أُسد الله) بضم الهمزة وسكون السين في الثاني أي
إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة (يقاتل عن الله ورسوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بسببهما (فيعطيك
سلبه) أي سلب الذي
قتله بغير طيب نفسه (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: صدق) أبو بكر (فأعطه) بهمزة قطع.
قال الحافظ أبو عبد الله الحميدي الأندلسي: سمعت بعض أهل
العلم يقول عند ذكر هذا الحديث: لو لم يكن من فضيلة الصديق
-رضي الله عنه- إلا هذا فإنه يثاقب علمه وشدة صرامته وقوّة
إنصافه وصحة توفيقه وصدق تحقيقه بادر إلى القول الحق فزجر
وأفتى وحكم وأمضى، وأخبر في الشريعة عنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بحضرته وبين يديه بما صدّقه فيه
وأجراه على قوله، وهذا من خصائصه الكبرى إلى ما لا يحصى من
فضائله الأخرى.
قال أبو قتادة: (فأعطانيه) أي السلب (فابتعت) أي اشتريت
(به مخرفًا) بفتح الميم والراء بينهما خاء معجمة ساكنة
وبعد الراء فاء أي بستانًا (في بني سلمة) بكسر اللام بطن
من الأنصار (فإنه) بالفاء ولأبي ذر وأنه (لأوّل مال
تأثلته) اقتنيته (في الإسلام).
وعند أحمد عن أنس أن هوازن جاءت يوم حنين فذكر القصة قال:
فهزم الله المشركين فلم يضرب بسيف ولم يطعن برمح، وقال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يومئذٍ "من
قتل كافرًا فله سلبه" فقتل أبو طلحة يومئذٍ عشرين راجلاً
وأخذ أسلابهم. وقال أبو قتادة: إني قتلت رجلاً على حبل
العاتق وعليه درع فأعجلت عنه فقام رجل فقال: أخذتها فأرضه
منها. وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لا يسأل شيئًا إلا أعطاه أو سكت فسكت. فقال عمر: لا يفيئها
الله على أسد من أسده ويعطيكها فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "صدق عمر" وإسناد هذا الحديث أخرج به
مسلم بعض هذا الحديث، وكذلك أبو داود، ولكن الراجح أن الذي
قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة وهو صاحب القصة، فهو
أتقن بما وقع فيها من غيره، ويمكن أن يجمع بأن يكون عمر
أيضًا قال ذلك تقوية لقول أبي بكر قاله في فتح الباري.
وحديث الباب مر في باب من لم يخمس الأسلاب من الخمس.
4322 - وَقَالَ اللَّيْثُ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ
سَعِيدٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ كَثِيرِ بْنِ أَفْلَحَ عَنْ
أَبِي مُحَمَّدٍ مَوْلَى أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ أَبَا
قَتَادَةَ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ نَظَرْتُ
إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُقَاتِلُ رَجُلاً مِنَ
الْمُشْرِكِينَ وَآخَرُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ، يَخْتِلُهُ
مِنْ وَرَائِهِ لِيَقْتُلَهُ فَأَسْرَعْتُ إِلَى الَّذِي
يَخْتِلُهُ فَرَفَعَ يَدَهُ لِيَضْرِبَنِي وَأَضْرِبُ
يَدَهُ فَقَطَعْتُهَا، ثُمَّ أَخَذَنِي فَضَمَّنِي ضَمًّا
شَدِيدًا حَتَّى تَخَوَّفْتُ ثُمَّ تَرَكَ فَتَحَلَّلَ
وَدَفَعْتُهُ، ثُمَّ قَتَلْتُهُ، وَانْهَزَمَ
الْمُسْلِمُونَ وَانْهَزَمْتُ مَعَهُمْ، فَإِذَا بِعُمَرَ
بْنِ الْخَطَّابِ فِي النَّاسِ، فَقُلْتُ لَهُ: مَا شَأْنُ
النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ ثُمَّ تَرَاجَعَ النَّاسُ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ أَقَامَ بَيِّنَةً عَلَى
قَتِيلٍ قَتَلَهُ، فَلَهُ سَلَبُهُ»، فَقُمْتُ لأَلْتَمِسَ
بَيِّنَةً عَلَى قَتِيلِي فَلَمْ أَرَ أَحَدًا يَشْهَدُ
لِي، فَجَلَسْتُ ثُمَّ بَدَا لِي فَذَكَرْتُ أَمْرَهُ
لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ جُلَسَائِهِ: سِلاَحُ هَذَا
الْقَتِيلِ الَّذِي يَذْكُرُ عِنْدِي، فَأَرْضِهِ مِنْهُ
فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: كَلاَّ، لاَ يُعْطِهِ أُصَيْبِغَ
مِنْ قُرَيْشٍ وَيَدَعَ أَسَدًا مِنْ أُسْدِ اللَّهِ
يُقَاتِلُ عَنِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ: فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَدَّاهُ إِلَيَّ
فَاشْتَرَيْتُ مِنْهُ خِرَافًا، فَكَانَ أَوَّلَ مَالٍ
تَأَثَّلْتُهُ فِي الإِسْلاَمِ.
(وقال الليث) بن سعد الإمام فيما وصله المؤلّف في الأحكام
عن قتيبة عن الليث: (حدثني) بالإفراد (يحيى بن سعيد)
الأنصاري (عن عمر بن كثير بن أفلح) بضم العين مولى أبي
أيوب (عن أبي محمد) نافع (مولى أبي قتادة أن أبا قتادة)
-رضي الله عنه- (قال: لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من
المسلمين يقاتل رجلاً من المشركين وآخر من المشركين يختله)
بخاء معجمة ساكنة وفوقية مكسورة أي يخدعه (من ورائه ليقتله
فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني وأضرب) بواو فهمزة
قطع ولأبي ذر فأضرب (يده فقطعتها ثم أخذني فضمني ضمًّا
شديدًا حتى تخوّفت) الموت فحذف المفعول (ثم تركـ) ـني من
الترك كذا في الفرع كأصله مصححًا عليه مع حذف المفعول.
وقال في فتح الباري وغيره: برك كذا بالموحدة للأكثر
ولبعضهم بالمثناة (فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون
وانهزمت معهم) أي غير
(6/406)
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ومن معه (فإذا بعمر بن الخطاب في الناس) الذين لم ينهزموا
(فقلت له: ما شأن الناس؟ قال: أمر الله) أي هذا حكمه (ثم
تراجع الناس) الذين انهزموا (إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(من أقام بيّنة على قتيل قتله فله سلبه) قال أبو قتادة:
(فقمت لألتمس بيّنة على قتيلى فلم أر أحدًا يشهد لي فجلست
ثم بدا) أي ظهر (لي فذكرت أمره لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. فقال رجل من جلسائه: سلاح هذا القتيل
الذي يذكر) أبو قتادة ولأبي ذر عن الكشميهني الذي ذكره
(عندي فأرضه منه، فقال أبو بكر) -رضي الله عنه- (كلا) بكاف
ولام مشددة حرف ردع (لا يعطه) أي السلب (أصيبغ من قريش)
بضم الهمزة وفتح الصاد المهملة وسكون التحتية وكسر الموحدة
بعدها غين معجمة وصفه بالعجز والهوان تشبيهًا بالأصيبغ وهو
نوع من الطيور، وقيل شبهه بالصبغاء وهو نبت ضعيف كالثمام،
ولأبي ذر كما ذكره في الفتح أضيبع كذا في اليونينية بمعجمة
ثم مهملة وفوق العين نصبتين تصغير ضبع قيل وهو مناسب
للسياق حيث قال: (ويدع) أي يترك (أسدًا من أسد الله) فشبهه
به لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز، واعترض بأن تصغير
ضبع ضبيع لا أضيبع. وقال ابن مالك: أضيبع تصغير أضبع وهو
القصير الضبع أي العضد ويكنى به عن الضعيف. وقال الحافظ
أبو ذر الهروي: يقال أصيبع بالصاد والعين المهملتين وأصيبغ
بالصاد المهملة والغين المعجمة (يقاتل عن الله ورسوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: فقام رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأداه) أي السلاح
(إليّ) بتشديد التحتية (فاشتريت منه) بثمنه (خرافًا) بكسر
الخاء المعجمة قال: السفاقسي هو اسم ما يخترف من الثمر
أقام الثمرة مقام الأصل وقيل الخراف والمخرف لا يكون جنى
النخل وإنما هو النخل نفسها والثمر يسمى مخروفًا والمراد
هنا البستان (فكان أول مال تأثلته) اقتنيته (في الإسلام)،
وعند ابن إسحاق أوّل مال اعتقدته أي جعلته عقدة والأصل فيه
من العقد لأن من ملك شيئًا عقد عليه، وذكر الواقدي أن
البستان المذكور كان يقال له الوديين.
55 - باب غَزَاةِ أَوْطَاسٍ
(باب غزاة أوطاس) ولأبي ذر: غزوة بالواو بدل الألف، وأوطاس
بفتح الهمزة وسكون الواو بعدها طاء وسين مهملتان بينهما
ألف واد في ديار هوازن وفيه عسكروا هم وثقيف ثم التقوا
بحنين. وسقط لفظ باب لأبي ذر.
4323 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ:
لَمَّا فَرَغَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مِنْ حُنَيْنٍ بَعَثَ أَبَا عَامِرٍ عَلَى
جَيْشٍ إِلَى أَوْطَاسٍ، فَلَقِيَ دُرَيْدَ بْنَ
الصِّمَّةِ فَقُتِلَ دُرَيْدٌ وَهَزَمَ اللَّهُ
أَصْحَابَهُ، قَالَ أَبُو مُوسَى: وَبَعَثَنِي مَعَ أَبِي
عَامِرٍ فَرُمِيَ أَبُو عَامِرٍ فِي رُكْبَتِهِ، رَمَاهُ
جُشَمِيٌّ بِسَهْمٍ فَأَثْبَتَهُ فِي رُكْبَتِهِ
فَانْتَهَيْتُ إِلَيْهِ فَقُلْتُ: يَا عَمِّ مَنْ رَمَاكَ؟
فَأَشَارَ إِلَى أَبِي مُوسَى، فَقَالَ: ذَاكَ قَاتِلِي
الَّذِي رَمَانِي، فَقَصَدْتُ لَهُ فَلَحِقْتُهُ، فَلَمَّا
رَآنِي وَلَّى فَاتَّبَعْتُهُ وَجَعَلْتُ أَقُولُ لَهُ
أَلاَ تَسْتَحِي أَلاَ تَثْبُتُ فَكَفَّ فَاخْتَلَفْنَا
ضَرْبَتَيْنِ بِالسَّيْفِ فَقَتَلْتُهُ، ثُمَّ قُلْتُ
لأَبِي عَامِرٍ: قَتَلَ اللَّهُ صَاحِبَكَ، قَالَ
فَانْزِعْ هَذَا السَّهْمَ، فَنَزَعْتُهُ فَنَزَا مِنْهُ
الْمَاءُ، قَالَ: يَا ابْنَ أَخِي أَقْرِئِ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السَّلاَمَ وَقُلْ
لَهُ اسْتَغْفِرْ لِي، وَاسْتَخْلَفَنِي أَبُو عَامِرٍ
عَلَى النَّاسِ فَمَكَثَ يَسِيرًا ثُمَّ مَاتَ فَرَجَعْتُ
فَدَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِهِ عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ
وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ في
ظَهْرِهِ وَجَنْبَيْهِ، فَأَخْبَرْتُهُ بِخَبَرِنَا
وَخَبَرِ أَبِي عَامِرٍ وَقَالَ: قُلْ لَهُ اسْتَغْفِرْ
لِي فَدَعَا بِمَاءٍ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ»
وَرَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ
اجْعَلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَوْقَ كَثِيرٍ مِنْ
خَلْقِكَ مِنَ النَّاسِ» فَقُلْتُ وَلِي فَاسْتَغْفِرْ
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ
قَيْسٍ ذَنْبَهُ، وَأَدْخِلْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
مُدْخَلاً كَرِيمًا». قَالَ أَبُو بُرْدَةَ: إِحْدَاهُمَا
لأَبِي عَامِرٍ وَالأُخْرَى لأَبِي مُوسَى.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (محمد بن
العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة)
حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة وفتح
الراء (عن) جده (أبي بردة) بضم الموحدة وسكون الراء عامر
(عن) أبيه (أبي موسى) عبد الله بن قيس (-رضي الله عنه-)
أنه (قال: لما فرغ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من) وقعة (حنين بعث أبا عامر) عبيد بن سليم بن
حضار الأشعري وهو عم أبي موسى الأشعري على المشهور أميرًا
(على جيش إلى أوطاس) في طلب الفارّين من هوازن يوم حنين
إلى أوطاس فانتهى إليهم (فلقي دريد بن الصمة) بضم الدال
مصغر الدرد بالمهملتين والراء والصمة بكسر الصاد المهملة
وتشديد الميم الجشمي بالجيم المضمومة والشين المعجمة
المفتوحة (فقتل) بضم القاف مبنيًا للمفعول (دريد) قتله
ربيعة بن رفيع بن وهبان بن ثعلبة السلمي فيما جزم به ابن
إسحاق أو هو الزبير بن العوّام كما يشعر به حديث عند
البزار عن أنس بإسناد حسن (وهزم الله أصحابه) أي أصحاب
دريد.
(قال أبو موسى) الأشعري: (وبعثني) رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مع أبي عامر) عبيد أي عمه
إلى من
التجأ إلى أوطاس (فرمي أبو عامر في ركبته رماه جشمي) أي
رماه رجل جشمي بجيم مضمومة فشين معجمة مفتوحة وميم مكسورة
فياء نسبة لبني جشم وهم أوفى والعلاء ابنا الحارث كما عند
ابن هشام (بسهم فأثبته) بقطع الهمزة أي السهم (في ركبته)
قال أبو موسى: (فانتهيت إليه فقلت) له: (يا عم من رماك)؟
بهذا السهم (فأشار إلى أبي موسى) هو التفات وكان الأصل أن
يقول: فأشار إليّ
(6/407)
(فقال: ذاك قاتلي الذي رماني) قال أبو
موسى: (فقصدت له فلحقته فلما رآني ولّى) بفتح الواو واللام
المشددة أي أدبر (فتبعته) بتشديد الفوقية وهمزة الوصل سرت
في أثره (وجعلت أقول له: ألا) بالتخفيف (تستحي) بكسر الحاء
المهملة ولأبي ذر تستحيي بسكونها وزيادة تحتية مكسورة أي
من فرارك (ألا تثبت) عند اللقاء (فكفّ) عن التولي
(فاختلفنا ضربتين بالسيف فقتلته ثم قلت لأبي عامر: قتل
الله صاحبك. قال: فانزع هذا السهم) بوصل الهمزة وكسر الزاي
(فنزعته فنزا) بالنون والزاي من غير همز أي انصب (منه) من
موضع السهم (الماء. قال: يا ابن أخي اقرئ النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- السلام) عني (وقل له استغفر
لي) كذا بالياء مصححًا عليه بالفرع كأصله واستغفر بلفظ
الطلب، والمعنى أن أبا عامر سأل أبا موسى أن يسأل له النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يستغفر له. قال
أبو موسى: (واستخلفني أبو عامر على الناس) أميرًا (فمكث
يسيرًا ثم مات) -رضي الله عنه- ثم قاتلهم أبو موسى حتى فتح
الله عليه قال: (فرجعت فدخلت على النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في بيته) حال كونه (على سرير مرمل)
بضم الميم الأولى وفتح الثانية بينهما راء ساكنة ولأبي ذر
مرمل بفتح الراء والميم الثانية مشددة منسوج بحبل ونحوه
(وعليه فراش) نقل السفاقسي عن الشيخ أبي الحسن أنه قال:
الذي أحفظه في هذا ما عليه فراش قال: وأرى أن ما سقطت هنا
(قد أثر رمال السرير في ظهره وجنبيه) بفتح الموحدة على
التثنية (فأخبرته بخبرنا وخبر أبي عامر و) أنه (قال: قل
له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (استغفر لي فدعا)
عليه الصلاة والسلام (بماء فتوضأ ثم رفع يديه فقال):
(اللهم اغفر لعبيد أبي عامر ورأيت بياض إبطيه) فيه رفع
اليدين في الدعاء خلافًا لمن خصه بالاستسقاء (ثم قال)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (اللهم اجعله) في
المرتبة (يوم القيامة فوق كثير من خلقك من الناس) بيان
لسابقه لأن الخلق أعم، ولأبي ذر ومن الناس قال أبو موسى
(فقلت: ولي فاستغفر) يا رسول الله (فقال: اللهم اغفر لعبد
الله بن قيس ذنبه وأدخله يوم القيامة مدخلاً كريمًا) ويجوز
فتح ميم مدخلاً وكلاهما بمعنى المكان والمصدر وكريمًا
حسنًا.
(قال أبو بردة): عامر بالسند السابق (إحداهما) أي الدعوتان
(لأبي عامر والأخرى لأبي موسى).
56 - باب غَزْوَةُ الطَّائِفِ فِي شَوَّالٍ سَنَةَ ثَمَانٍ
قَالَهُ مُوسَى بْنُ عُقَبْةَ:
(باب غزوة الطائف).
قال في القاموس: هي بلاد ثقيف في واد أوّل قراها لقيم
وآخرها الوهط سميت بذلك لأنها طافت على الماء في الطوفان،
أو لأن جبريل طاف بها على البيت أو لأنها كانت بالشام
فنقلها
الله تعالى إلى الحجاز بدعوة إبراهيم الخليل عليه الصلاة
والسلام، أو لأن رجلاً من الصدف أصاب دمًا بحضرموت ففرّ
إلى وج وحالف مسعود بن معتب وكان له مال عظيم، فقال: هل
لكم أن أبني لكم طوفًا عليكم ردأ من العرب؟ فقالوا: نعم
فبناه وهو الحائط المطيف به، وسقط لفظ باب لأبي ذر (في
شوّال سنة ثمان) من الهجرة (قاله موسى بن عقبة) في مغازيه
كجمهور أهل المغازي.
4324 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ سَمِعَ سُفْيَانَ،
حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ زَيْنَبَ ابْنَةِ
أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أُمِّهَا أُمِّ سَلَمَةَ، دَخَلَ
عَلَيَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَعِنْدِي مُخَنَّثٌ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ: «يَا عَبْدَ اللَّهِ
أَرَأَيْتَ إِنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ الطَّائِفَ
غَدًا، فَعَلَيْكَ بِابْنَةِ غَيْلاَنَ فَإِنَّهَا
تُقْبِلُ بِأَرْبَعٍ وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ فَقَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لاَ
يَدْخُلَنَّ هَؤُلاَءِ عَلَيْكُنَّ» قَالَ ابْنُ
عُيَيْنَةَ وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ الْمُخَنَّثُ هِيتٌ.
وبه قال: (حدّثنا الحميدي) عبد الله بن الزبير أنه (سمع
سفيان) بن عيينة يقول: (حدّثنا هشام عن أبيه) عروة بن
الزبير (عن زينب ابنة) ولأبي ذر بنت (أبي سلمة) عبد الله
بن عبد الأسد المخزومي (عن أمها أم سلمة) هند بنت أمية
المخزومية أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: (دخل
علي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وعندي
مخنث) بضم الميم وفتح الخاء المعجمة والنون بعدها مثلثة
وبكسر النون أفصح والفتح أشهر وهو من فيه انخناث أي تكسر
وتثن كالنساء (فسمعته) وللأصيلي فسمعه (يقول: لعبد الله بن
أمية) ولأبي ذر عن الكشميهني ابن أبي أمية (يا عبد الله
أرأيت) أي أخبرني (إن فتح الله عليكم الطائف غدًا فعليك
بابنة غيلان) ابن سلمة بادية بتحتية مفتوحة بعد الدال
المهملة وقيل بالنون بدل التحتية أسلمت وسألت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عن الاستحاضة
وتزوّجها عبد الرحمن بن عوف وأسلم أبوها أيضًا بعد فتح
الطائف (فإنها تقبل بأربع) من العكن (وتدبر بثمان) منها
والعكنة
(6/408)
بضم العين ما انطوى وتثنى من لحم البطن
سمنا والمراد أن أطراف العكن الأربع التي في بطنها تظهر
ثمانية في جنبيها.
قال الزركشي وغيره: وقال ثمان ولم يقل ثمانية والأطراف
مذكرة لأنه لم يذكرها كما يقال: هذا الثوب سبع في ثمان أي
سبعة أذرع في ثمانية أشبار فلما لم يذكر الأشبار أنث
لتأنيث الأذرع التي قبلها اهـ.
قال في المصابيح: أحسن من هذا أنه جعل كلاًّ من الأطرف
عنكة تسمية للجزء باسم الكل فأنث بهذا الاعتبار.
(فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا
يدخلن) بسكون اللام وفتحها (هؤلاء) المخنثون (عليكن) ولأبي
ذر عن الكشميهني عليكم بالميم بدل النون ثم أجلاه من
المدينة إلى الحمى فلما ولي عمر بن الخطاب الخلافة قيل له:
إنه قد ضعف وكبر فاحتاج فأذن له أن يدخل في كل جمعة فيسأل
الناس ويرد إلى مكانه.
(قال) ولأبي ذر وقال: (ابن عيينة) سفيان (وقال ابن جريج)
عبد الملك بن عبد العزيز (المخنث) اسمه (هيت) بكسر الهاء
وسكون التحتية بعدها فوقية وهذا وصله ابن حبان في صحيحه من
حديث عائشة، وضبطه ابن درستويه بهاء مكسورة فنون ساكنة
فموحدة، وزعم أن ما سواه تصحيف، وقيل: هيت لقب له واسمه
ماتع بفوقية وعين مهملة وهو مولى عبد الله بن أبي أمية
المذكور.
وهذا الحديث أخرجه في النكاح أيضًا واللباس، ومسلم في
الاستئذان، والنسائي في عشرة النساء، وابن ماجه في النكاح.
0000 - حَدَّثَنَا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ
عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا وَزَادَ وَهْوَ مُحَاصِرٌ الطَّائِفَ
يَوْمَئِذٍ. [الحديث 4324 - طرفاه في: 5235، 5887].
وبه قال: (حدّثنا محمود) هو ابن غيلان قال: (حدّثنا أبو
أسامة) حماد بن أسامة (عن هشام) بالسند المذكور (بهذا)
الحديث السابق (وزاد وهو محاصر الطائف يومئذٍ).
4325 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ أَبِي الْعَبَّاسِ
الشَّاعِرِ الأَعْمَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ
قَالَ: لَمَّا حَاصَرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الطَّائِفَ، فَلَمْ يَنَلْ مِنْهُمْ
شَيْئًا قَالَ: «إِنَّا قَافِلُونَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ»،
فَثَقُلَ عَلَيْهِمْ وَقَالُوا: نَذْهَبُ وَلاَ
نَفْتَحُهُ، وَقَالَ مَرَّةً نَقْفُلُ فَقَالَ: «اغْدُوا
عَلَى الْقِتَالِ» فَغَدَوْا فَأَصَابَهُمْ جِرَاحٌ
فَقَالَ: «إِنَّا قَافِلُونَ غَدًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ»
فَأَعْجَبَهُمْ فَضَحِكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَقَالَ سُفْيَانُ مَرَّةً:
فَتَبَسَّمَ قَالَ: قَالَ الْحُمَيْدِيُّ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ الْخَبَرَ كُلَّهُ. [الحديث 4325 - طرفاه في:
6086، 7480].
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن عمرو) بفتح العين ابن دينار (عن أبي
العباس) السائب بن فروخ (الشاعر الأعمى) المكي (عن عبد
الله بن عمرو) بفتح العين وسكون الميم ابن العاص، ولأبي ذر
عن الحموي والمستملي: ابن عمر بضم العين وفتح الميم ابن
الخطاب، وصوّبه الدارقطني وغيره والاختلاف في ذلك غير قادح
في الحديث كما لا يخفى (قال: لما حاصر رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الطائف) وكانت ثقيف قد
رموا حصنهم وأدخلوا فيه ما يصلحهم لسنة فلما انهزموا من
أوطاس دخلوا حصنهم وأغلقوه عليهم. قال ابن سعد: وكانت مدة
حصارهم ثمانية عشر يومًا، وقيل خمسة عشر يومًا. وقال ابن
هشام: سبعة عشر، وقيل أربعين يومًا وقيل غير ذلك. (فلم ينل
منهم شيئًا). وذكر أهل المغازي أنهم رموا على المسلمين سكك
الحديد المحماة ورموهم بالنبل فأصابوا قومًا فاستشار
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نوفل بن معاوية
الديلي فقال: هم ثعلب في جحر إن أقمت عليه أخذته وإن تركته
لم يضرك (قال) عليه الصلاة والسلام:
(إنا قافلون) أي راجعون إلى المدينة (إن شاء الله فثقل)
ذلك (عليهم) أي على الصحابة
(وقالوا: نذهب ولا نفتحه، وقال مرة: نقفل) بضم الفاء أي
نرجع (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (اغدوا
على القتال) أي سيروا أوّل النهار لأجل القتال (فغدوا) فلم
يفتح عليهم (فأصابهم جراح) لأنهم رموا عليهم من أعلى السور
فكانوا ينالون منهم بسهامهم ولا تصل السهام إليهم لكونهم
أعلى السور فلما رأوا ذلك تبين لهم تصويب الرجوع (فقال)
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنّا قافلون
غدًا إن شاء الله) عز وجل (فأعجبهم) ذلك حينئذٍ (فضحك
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال سفيان) بن
عيينة: (مرة فتبسم) عليه الصلاة والسلام وهذا ترديد من
الراوي.
(قال) أي المؤلّف: (قال الحميدي) عبد الله بن الزبير شيخ
البخاري: (حدّثنا سفيان) بن عيينة (الخبر كله) بالنصب أي
بجميع الحديث بالخبر من غير عنعنة ولأبي ذر عن الكشميهني
بالخبر كله. وقد أخرج الحديث أيضًا في الأدب ومسلم في
المغازي والنسائي في السير.
4326 و 4327 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَاصِمٍ
قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا عُثْمَانَ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعْدًا
وَهْوَ أَوَّلُ مَنْ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
وَأَبَا بَكْرَةَ، وَكَانَ تَسَوَّرَ حِصْنَ الطَّائِفِ
فِي أُنَاسٍ فَجَاءَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالاَ: سَمِعْنَا النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: «مَنِ
ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَهْوَ يَعْلَمُ،
فَالْجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ». وَقَالَ هِشَامٌ:
وَأَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي
الْعَالِيَةِ أَوْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ قَالَ:
سَمِعْتُ سَعْدًا وَأَبَا بَكْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ عَاصِمٌ:
قُلْتُ لَقَدْ شَهِدَ عِنْدَكَ رَجُلاَنِ حَسْبُكَ بِهِمَا
قَالَ: أَجَلْ أَمَّا أَحَدُهُمَا فَأَوَّلُ مَنْ رَمَى
بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا الآخَرُ فَنَزَلَ
إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ثَالِثَ ثَلاَثَةٍ وَعِشْرِينَ مِنَ الطَّائِفِ. [الحديث
4326 - طرفه في: 6766]. [الحديث 4327 - طرفه في: 6767].
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (محمد بن بشار)
بالشين المعجمة المشددة بندار العبدي قال: (حدّثنا غندر)
محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن عاصم) هو
ابن سليمان أنه (قال: سمعت أبا عثمان) عبد الرحمن النهدي
(قال: سمعت
(6/409)
سعدًا) هو ابن أبي وقاص أحد العشرة (وهو
أول من رمى بسهم في سبيل الله وأبا بكرة) نفيعًا (وكان
تسوّر حصن الطائف) أي صعد إلى أعلاه ثم تدلى منه (في أناس)
من عبيد أهل الطائف أسلموا (فجاء) أي أبو بكرة (إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالا: سمعنا النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقول): (من ادعى) أي
من انتسب (إلى غير أبيه وهو يعلم) أنه غير أبيه (فالجنة
عليه حرام) إذا استحل ذلك أو خرج مخرج التغليظ.
(وقال هشام): هو ابن يوسف الصنعاني (وأخبرنا) وسقطت الواو
ولأبي ذر (معمر) هو ابن راشد الأزدي مولاهم (عن عاصم) هو
ابن سليمان (عن أبي العالية) رفيع بضم الراء وفتح الفاء
ابن مهران الرياحي (أو أبي عثمان) عبد الرحمن (النهدي)
بفتح النون وسكون الهاء بالشك من الراوي أنه (قال: سمعت
سعدًا) هو ابن أبي وقاص (وأبا بكرة) نفيعًا (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال
عاصم: قلت) لأبي العالية أو لأبي عثمان: (لقد شهد عندك
رجلان) سعد وأبو بكرة (حسبك بهما. قال: أجل) أي نعم (أما
أحدهما) وهو سعد (فأوّل من رمى بسهم في سبيل الله، وأما
الآخر) وهو أبو بكرة (فنزل إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثالث ثلاثة وعشرين من الطائف) أي من
أهله.
وعند الطبراني أن أبا بكرة تدلى ببكرة فكني أبا بكرة لذلك،
وسمي في السير ممن نزل من حصن الطائف من عبيدهم فأسلم مع
أبي بكرة المنبعث عبد عثمان بن عامر بن معتب ومرزوق
والأزرق زوج سمية والدة زياد بن عبيد، والأزرق أبو عتبة
وكان لكلدة الثقفي، ووردان وكان لعبد الله بن ربيعة، ويحنس
النبال وكان لابن مالك الثقفي، وإبراهيم بن جابر وكان
لخرشة الثقفي، وبشار وكان لعثمان بن عبد الله، ونافع مولى
الحارث بن كلدة ونافع مولى غيلان بن سلمة الثقفي. قال في
الفتح: ولم أعرف اسم الباقين. قال ولم يقع لي هذا التعليق
موصولاً إلى هشام بن يوسف ومراد المؤلّف منه ما فيه من
بيان عدد من أبهم في الرواية السابقة.
4328 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ
أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه-. قَالَ:
كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهْوَ نَازِلٌ بِالْجِعْرَانَةِ بَيْنَ
مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ، وَمَعَهُ بِلاَلٌ فَأَتَى
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ: أَلاَ تُنْجِزُ لِي مَا وَعَدْتَنِي
فَقَالَ لَهُ: «أَبْشِرْ» فَقَالَ: قَدْ أَكْثَرْتَ
عَلَىَّ مِنْ أَبْشِرْ، فَأَقْبَلَ عَلَى أَبِي مُوسَى
وَبِلاَلٍ كَهَيْئَةِ الْغَضْبَانِ فَقَالَ: «رَدَّ
الْبُشْرَى فَاقْبَلاَ أَنْتُمَا». قَالاَ: قَبِلْنَا
ثُمَّ دَعَا بِقَدَحٍ فِيهِ مَاءٌ، فَغَسَلَ يَدَيْهِ
وَوَجْهَهُ فِيهِ، وَمَجَّ فِيهِ ثُمَّ قَالَ: «اشْرَبَا
مِنْهُ وَأَفْرِغَا عَلَى وُجُوهِكُمَا وَنُحُورِكُمَا
وَأَبْشِرَا» فَأَخَذَا الْقَدَحَ فَفَعَلاَ فَنَادَتْ
أُمُّ سَلَمَةَ مِنْ وَرَاءِ السِّتْرِ أَنْ أَفْضِلاَ
لأُمِّكُمَا فَأَفْضَلاَ لَهَا مِنْهُ طَائِفَةً.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (محمد بن
العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة)
حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم الموحدة (عن) جده
(أبي بردة) بضم الموحدة عامر (عن أبي موسى) عبد الله بن
قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت عند النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو نازل بالجعرانة)
بكسر الجيم وسكون العين وقد تكسر العين وتشدد الراء (بين
مكة والمدينة) كذا وقع هنا قال الداودي: وهو وهم، والصواب
بين مكة والطائف وبه جزم النووي وغيره (ومعه بلال) المؤذن
(فأتى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أعرابي)
قال ابن حجر: لم أقف على اسمه (فقال: ألا تنجز) أي ألا
توفي (لي ما وعدتني)؟ من غنيمة حنين أو كان ذلك وعدًا
خاصًّا به (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(له):
(أبشر) بقطع الهمزة بقرب القسمة أو بالثواب الجزيل على
الصبر (فقال) الأعرابي: (قد كثرت عليّ من أبشر فأقبل) عليه
الصلاة والسلام (على أبي موسى) الأشعري (وبلال) المؤذن
(كهيئة الغضبان فقال) لهما: (رد) الأعرابي (البشرى فاقبلا)
بفتح الموحدة (أنتما) البشرى (قالا: قبلنا) ها يا رسول
الله (ثم دعا) عليه الصلاة والسلام (بقدح فيه ماء فغسل
يديه) بالتثنية (ووجهه فيه ومج فيه ثم قال: اشربا منه
وأفرغا) بقطع الهمزة وكسر الراء أي صبا (على وجوهكما
ونحوركما وأبشرا) بقطع الهمزة (فأخذ القدح ففعلا) ما
أمرهما به -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فنادت أم
سلمة) أم المؤمنين -رضي الله عنها- (من وراء الستر: أن
أفضلا) بقطع الهمزة وكسر الضاد المعجمة (لأمكما) تعني
نفسها (فأفضلا) بقطع الهمزة وفتح الضاد (لها منه طائفة) أي
بقية.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في فضائل النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
4329 - حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا
إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي
عَطَاءٌ، أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ
أَخْبَرَ أَنَّ يَعْلَى كَانَ يَقُولُ: لَيْتَنِي أَرَى
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
حِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ قَالَ: فَبَيْنَا النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْجِعْرَانَةِ
وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ قَدْ أُظِلَّ بِهِ مَعَهُ فِيهِ نَاسٌ
مِنْ أَصْحَابِهِ إِذْ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ عَلَيْهِ
جُبَّةٌ مُتَضَمِّخٌ بِطِيبٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ
كَيْفَ تَرَى فِي رَجُلٍ أَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ فِي جُبَّةٍ
بَعْدَ مَا تَضَمَّخَ بِالطِّيبِ؟ فَأَشَارَ عُمَرُ إِلَى
يَعْلَى بِيَدِهِ أَنْ تَعَالَ فَجَاءَ يَعْلَى فَأَدْخَلَ
رَأْسَهُ فَإِذَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مُحْمَرُّ الْوَجْهِ يَغِطُّ كَذَلِكَ سَاعَةً،
ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ: «أَيْنَ الَّذِي
يَسْأَلُنِي عَنِ الْعُمْرَةِ آنَفًا»؟ فَالْتُمِسَ
الرَّجُلُ فَأُتِيَ بِهِ، فَقَالَ: «أَمَّا الطِّيبُ
الَّذِي بِكَ فَاغْسِلْهُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، وَأَمَّا
الْجُبَّةُ فَانْزِعْهَا ثُمَّ اصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ
كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ».
وبه قال: (حدّثنا يعقوب بن إبراهيم) الدورقي قال: (حدّثنا
إسماعيل) بن إبراهيم ابن علية قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد
الملك بن عبد العزيز قال: (أخبرني)
(6/410)
بالإفراد (عطاء) هو ابن أبي رباح (أن صفوان
بن يعلى بن أمية) التميمي (أخبره) ولغير أبي ذر بإسقاط
الضمير (أن) أباه (يعلى كان يقول: ليتني أرى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حين ينزل) بضم الياء
وفتح الزاي (عليه) الوحي (قال: فبينا) بغير ميم (النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالجعرانة) بالتخفيف
والتشديد (وعليه ثوب قد أظل به) بضم الهمزة وكسر الظاء
المعجمة (معه فيه ناس من أصحابه إذ جاءه أعرابي عليه جبة
متضمخ) أي متلطخ وهو صفة أعرابي المرفوع أو خبر مبتدأ
محذوف أي هو متضمخ (بطيب فقال: يا رسول الله كيف ترى في
رجل أحرم بعمرة في جبة بعدما تضمخ) تلطخ (بالطيب) ولأبي
ذر: بطيب (فأشار عمر) -رضي الله عنه- (إلى يعلى بيده أن
تعال، فجاءه يعلى فأدخل رأسه) ليرى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حال نزول الوحي لتقوية الإيمان
بمشاهدته (فإذا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
محمر الوجه يغط) بكسر المعجمة وتشديد المهملة يتردد صوت
نفسه كالنائم من شدة ثقل الوحي (كذلك ساعة ثم سري عنه) أي
كشف عنه ما يتغشاه من ثقل الوحي (فقال) عليه الصلاة
والسلام:
(أين الذي يسألني عن العمرة آنفًا فالتمس) بضم التاء وكسر
الميم طلب (الرجل فأتي به) بضم الهمزة وكسر التاء (فقال)
عليه الصلاة والسلام: (أما الطيب الذي بك فاغسله ثلاث
مرات) نص في تكرار الغسل ثلاثًا فالعامل في قوله ثلاث مرات
أقرب الفعلين إليه وهو: فاغسله أو العامل فيه فقال: أي
قاله له ثلاث مرات غسل الثوب، فلا يكون تنصيصًا على تثليث
الغسل، وكانت القصة بالجعرانة سنة ثمان، وقد قالت عائشة
-رضي الله عنها-: طيبته في حجة الوداع أي
سنة عشر فهو ناسخ للأول (وأما الجبة فانزعها) عنك (ثم اصنع
في عمرتك كما تصنع في حجك) فيه دلالة على أنه يعرف أعمال
الحج.
وقد سبق هذا الحديث في كتاب الحج في باب غسل الخلوق.
4330 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا
وُهَيْبٌ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ يَحْيَى عَنْ عَبَّادِ
بْنِ تَمِيمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ
عَاصِمٍ، قَالَ: لَمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَوْمَ حُنَيْنٍ
قَسَمَ فِي النَّاسِ فِي الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ،
وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَكَأَنَّهُمْ وَجَدُوا
إِذْ لَمْ يُصِبْهُمْ مَا أَصَابَ النَّاسَ فَخَطَبَهُمْ،
فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلَمْ أَجِدْكُمْ
ضُلاَّلاً فَهَدَاكُمُ اللَّهُ بِي، وَكُنْتُمْ
مُتَفَرِّقِينَ فَأَلَّفَكُمُ اللَّهُ بِي، وَعَالَةً
فَأَغْنَاكُمُ اللَّهُ بِي» كُلَّمَا قَالَ شَيْئًا
قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ: «مَا
يَمْنَعُكُمْ أَنْ تُجِيبُوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»؟ قَالَ: كُلَّمَا قَالَ
شَيْئًا قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمَنُّ قَالَ:
«لَوْ شِئْتُمْ قُلْتُمْ جِئْتَنَا كَذَا وَكَذَا
أَتَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ
وَالْبَعِيرِ، وَتَذْهَبُونَ بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى رِحَالِكُمْ؟ لَوْلاَ
الْهِجْرَةُ لَكُنْتُ امْرَأً مِنَ الأَنْصَارِ، وَلَوْ
سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا وَشِعْبًا، لَسَلَكْتُ وَادِيَ
الأَنْصَارِ وَشِعْبَهَا، الأَنْصَارُ شِعَارٌ، وَالنَّاسُ
دِثَارٌ، إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً
فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْنِي عَلَى الْحَوْضِ». [الحديث
4330 - طرفه في: 7245].
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
وهيب) بضم الواو وفتح الهاء ابن خالد البصري (قال: حدّثنا
عمرو بن يحيى) بفتح العين ابن عمارة الأنصاري المازني (عن
عباد بن تميم) الأنصاري المدني (عن عبد الله بن زيد بن
عاصم) أي ابن كعب الأنصاري المازني صحابي مشهور قيل: إنه
هو الذي قتل مسيلمة الكذاب واستشهد بالحرة سنة ثلاث وستين
أنه (قال: أفاء الله على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي لما أعطاه الله غنائم الذين قاتلهم (يوم
حنين) وسقطت التصلية لأبي ذر (قسم) عليه الصلاة والسلام
الغنائم (في الناس في المؤلّفة قلوبهم) بدل بعض من وكل
والمؤلّفة هم أناس أسلموا يوم الفتح إسلامًا ضعيفًا.
وقد سرد ابن طاهر في المبهمات له أسماؤهم وهم: أبو سفيان
بن حرب، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى، وحكيم بن
حزام، وأبو السنابل بن بعكك، وصفوان بن أمية، وعبد الرحمن
بن يربوع، وهؤلاء من قريش. وعيينة بن حصين الفزاري،
والأقرع بن حابس التميمي، وعمرو بن الأيهم التميمي،
والعباس بن مرداس السلمي، ومالك بن عوف النضري، والعلاء بن
حارثة الثقفي. قال ابن حجر: وفي ذكر الأخيرين نظر فقيل:
إنما جاءا طائعين من الطائف إلى الجعرانة.
وذكر الواقدي في المؤلّفة: معاوية ويزيد ابني أبي سفيان،
وأسيد بن حارثة، ومخرمة بن نوفل، وسعيد بن يربوع، وتيس بن
عدي، وعمرو بن وهب، وهشام بن عمرو. وزاد ابن إسحاق: النضر
بن الحارث، والحارث بن هشام، وجبير بن مطعم، وممن ذكره
فيهم أبو عمر
سفيان بن عبد الأسد، والسائب بن أبي السائب، ومطيع بن
الأسود، وأبو جهم بن حذيفة.
وذكر ابن الجوزي فيهم: زيد الخيل، وعلقمة بن علاثة، وحكيم
بن طلق بن سفيان بن أمية، وخالد بن قيس السهمي، وعمير بن
مرداس، وذكر غيرهم فيهم: قيس بن مخرمة، وأحيحة بن أمية بن
خلف، وابن أبي شريق، وحرملة بن هوذة، وخالد بن هوذة،
وعكرمة بن عامر العبدي، وشيبة بن عمارة، وعمرو بن ورقة،
ولبيد بن ربيعة، والمغيرة بن الحارث، وهشام بن الوليد
المخزومي، فهؤلاء زيادة على الأربعين نفسًا قاله في الفتح.
(ولم يعط الأنصار شيئًا) من جميع الغنيمة،
(6/411)
فهو مخصوص بهذه الواقعة ليتألف مسلمة
الفتح، في المفهم أن العطاء كان من الخمس ومنه كان أكثر
عطاياه، وقيل: إنما كان تصرف في الغنيمة لأن الأنصار كانوا
انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على الكفار فردّ الله
أمر الغنيمة لنبيه عليه الصلاة والسلام (فكأنهم وجدوا)
بفتح الواو والجيم حزنوا ولأبي ذر عن الحموي والمستملي وجد
بضمتين جمع واحد (إذ لم يصبهم ما أصاب الناس) من القسمة.
وزاد في رواية أبي ذر عن الحموي: وكأنهم وجدوا إذ لم يصبهم
ما أصاب الناس بالشك هل قال وجد بضمتين أو وجدوا فعل ماض،
وأما على رواية الكشميهني وجدوا في الموضعين فتكرار بغير
فائدة كما لا يخفى، وجوّز الكرماني وتبعه بعضهم أن يكون
الأول من الغضب، والثاني من الحزن (فخطبهم) عليه الصلاة
والسلام زاد مسلم فحمد الله وأثنى عليه (فقال):
(يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضُلاّلاً) بضم الضاد المعجمة
وتشديد اللام الأولى بالشرك (فهداكم الله بي) إلى الإيمان
(وكنتم متفرقين) بسبب حرب بعاث وغيره الواقع بينهم (فألفكم
الله بي وعالة) ولأبي ذر: وكنتم عالة بالعين المهملة
وتخفيف اللام أي فقراء لا مال لكم (فأغناكم الله بي كلما
قال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (شيئًا قالوا:
الله ورسوله أمن) بفتح الهمزة وتشديد النون أفعل تفضيل من
المن (قال) عليه الصلاة والسلام: (ما يمنعكم أن تجيبوا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قال):
وسقطت التصلية ولفظ قال لأبي ذر (كلما قال شيئًا قالوا:
الله ورسوله أمنّ. قال: لو شئتم قلتم جئتنا كذا وكذا). وفي
حديث أبي سعيد فقال: "أما والله لو شئتم لقلتم فصدقتم
وصدقتم أتيتنا مكذبًا فصدّقناك ومخذلاً فنصرناك وطريدًا
فآويناك وعائلاً فواسيناك" زاد أحمد من حديث أنس قالوا: بل
المنة لله ولرسوله وإنما قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ذلك تواضعًا منه، وإلاّ ففي الحقيقة الحجة
المبالغة والمنة له عليهم كما قالوا.
(ألا ترضون أن يذهب الناس بالشاه والبعير) اسما جنس يقع كل
منهما على الذكر والأنثى (وتذهبون بالنبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى رحالكم) ذكرهم ما غفلوا عنه من
عظيم ما اختصوا به منه بالنسبة إلى ما اختص به غيرهم من
عرض الدنيا الفانية وسقطت التصلية لأبي ذر (لولا الهجرة
لكنت امرأً من الأنصار) قاله استطابة لنفوسهم وثناء عليهم،
وليس المراد منه الانتقال عن النسب الولادي لأنه حرام مع
أن نسبه عليه الصلاة والسلام أفضل الأنساب وأكرمها وهو
تواضع منه عليه الصلاة
والسلام، وحثّ على إكرامهم واحترامهم، لكن لا يبلغون درجة
المهاجرين السابقين الذين خرجوا من ديارهم وقطعوا عن
أقاربهم وأحيائهم وحرموا أوطانهم وأموالهم، والأنصار وإن
اتصفوا بصفة النصرة والإيثار والمحبة والإيواء لكنهم
مقيمون في مواطنهم، وحسبك شاهدًا في فضل المهاجرين قوله
هذا لأن فيه إشارة إلى جلالة رتبة الهجرة فلا يتركها فهو
نبي مهاجري لا أنصاري، وقد سبق مزيد لذلك في فضل الأنصار.
(ولو سلك الناس واديًا وشعبًا) بكسر الشين المعجمة وسكون
المهملة طريقًا في الجبل (لسلكت وادي الأنصار وشعبها)
والمراد بلدهم (الأنصار شعار) الثوب الذي يلي الجلد
(والناس دثار) بكسر الدال وبالمثلثة المفتوحة ما يجعل فوق
الشعار أي أنهم بطانته وخاصته وأنهم ألصق به وأقرب إليه من
غيرهم وهو تشبيه بليغ (إنكم ستلقون بعدي أثرة) بفتح الهمزة
والمثلثة وبضم الهمزة وسكون المثلثة أي يستأثر عليكم بما
لكم فيه اشتراك من الاستحقاق (فاصبروا) على ذلك (حتى
تلقوني على الحوض) يوم القيامة فيحصل لكم الانتصاف ممن
ظلمكم مع الثواب الجزيل على الصبر.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الزكاة.
4331 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
حَدَّثَنَا هِشَامٌ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ
الزُّهْرِيِّ أَخْبَرَنِي أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ -رضي الله
عنه- قَالَ: قَالَ نَاسٌ مِنَ الأَنْصَارِ حِينَ أَفَاءَ
اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- مَا أَفَاءَ مِنْ أَمْوَالِ هَوَازِنَ،
فَطَفِقَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُعْطِي رِجَالاً الْمِائَةَ مِنَ الإِبِلِ فَقَالُوا:
يَغْفِرُ اللَّهُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا،
وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ، قَالَ أَنَسٌ:
فَحُدِّثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بِمَقَالَتِهِمْ فَأَرْسَلَ إِلَى الأَنْصَارِ
فَجَمَعَهُمْ فِي قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ وَلَمْ يَدْعُ
مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ فَلَمَّا اجْتَمَعُوا قَامَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
«مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ»؟ فَقَالَ فُقَهَاءُ
الأَنْصَارِ: أَمَّا رُؤَسَاؤُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ
فَلَمْ يَقُولُوا شَيْئًا، وَأَمَّا نَاسٌ مِنَّا
حَدِيثَةٌ أَسْنَانُهُمْ فَقَالُوا: يَغْفِرُ اللَّهُ
لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ
مِنْ دِمَائِهِمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَإِنِّي أُعْطِي رِجَالاً حَدِيثِي
عَهْدٍ بِكُفْرٍ، أَتَأَلَّفُهُمْ أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ
يَذْهَبَ النَّاسُ بِالأَمْوَالِ وَتَذْهَبُونَ
بِالنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى
رِحَالِكُمْ؟ فَوَاللَّهِ لَمَا تَنْقَلِبُونَ بِهِ خَيْرٌ
مِمَّا يَنْقَلِبُونَ بِهِ» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَدْ رَضِينَا، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «سَتَجِدُونَ أُثْرَةً شَدِيدَةً
فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوُا اللَّهَ وَرَسُولَهُ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِنِّي عَلَى الْحَوْضِ».
قَالَ أَنَسٌ: فَلَمْ يَصْبِرُوا.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي
قال: (حدّثنا هشام) هو ابن يوسف الصنعاني قال: (أخبرنا
معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال:
(أخبرني) بالإفراد ولأبى ذر: حدثني بالإفراد أيضًا (أنس بن
مالك -رضي الله عنه- قال: قال ناس من الأنصار حين أفاء
الله
(6/412)
على رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (ما أفاء به أموال هوازن
فطفق النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يعطي
رجالاً المائة من الإبل فقالوا): أي الأنصار (يغفر الله
لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) قالوه توطئة
وتمهيدًا لما يرد
بعده من العتاب كقوله تعالى: {عفا الله عنك لم أذنت لهم}
[التوبة: 43] وسقطت التصلية لأبي ذر (يعطي قريشًا ويتركنا
وسيوفنا تقطر من دمائهم) جملة وسيوفنا حال مقرّرة لجهة
الإشكال وهي من باب قولهم عرضت الناقة على الحوض (قال أنس:
فحدث) بضم الحاء كسر الدال مبنيًّا للمفعول أي أخبر (رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمقالتهم) وعند
ابن إسحاق من حديث أبي سعيد أن الذي أخبره -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سعد بن معاذ (فأرسل) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إلى الأنصار فجمعهم في قبة من آدم)
بفتح الهمزة المقصورة والدال جلد مدبوغ (ولم يدع) بسكون
الدال أي لم يناد (معهم غيرهم فلما اجتمعوا قام النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) خطيبًا (فقال):
(ما حديث) بالتنوين (بلغني عنكم) (فقال فقهاء الأنصار: أما
رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئًا وأما ناس منا حديثة
أسنانهم فقالوا: يغفر الله لرسوله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي ذر (يعطي قريشًا
ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لهم: (فإني أعطي رجالاً
حديثي عهد بكفر أتألفهم أما) بتخفيف الميم (ترضون أن يذهب
الناس بالأموال وتذهبون بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إلى رحالكم) بيوتكم (فوالله لما) بفتح اللام
للتأكيد أي الذي (تنقلبون به خير مما ينقلبون به) وفي
مناقب الأنصار من طريق أبي التياح عن أنس: "أو لا ترضون أن
يرجع الناس بالغنائم إلى بيوتهم وترجعون برسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى بيوتكم" (قالوا:
يا رسول الله قد رضينا. فقال لهم النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-): (ستجدون) ولأبي ذر عن الكشميهني
فتجدون بالفاء بدل السين (أثرة شديدة) بضم الهمزة وسكون
المثلثة وبفتحهما ويقال أيضًا أثرة بكسر الهمزة وسكون
المثلثة من تفرد عليكم بما لكم فيه اشتراك في الاستحقاق أو
يفضل نفسه عليكم في الفيء، وقيل: المراد بالأثرة نفس
الشدة. قال في الفتح: ويرده سياق الحديث وسببه (فاصبروا
حتى تلقوا الله ورسوله) يوم القيامة (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وسقطت التصلية لأبي ذر (فإني على
الحوض) (قال أنس: فلم يصبروا) وفي قوله: ستلقون علم من
أعلام النبوة لأنه كان كما قال صلوات الله وسلامه عليه.
4332 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ أَبِي التَّيَّاحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ قَسَمَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَنَائِمَ
بَيْنَ قُرَيْشٍ فَغَضِبَتِ الأَنْصَارُ قَالَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَا تَرْضَوْنَ
أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ
بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-»؟
قَالُوا: بَلَى قَالَ: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا
أَوْ شِعْبًا لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ أَوْ
شِعْبَهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قاضي مكة قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي التياح) بالمثناة الفوقية
ثم التحتية المشددة وبعد الألف حاء مهملة يزيد بن حميد (عن
أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: لما كان يوم فتح مكة) أي
زمان فتحها الشامل الجميع السنة (قسّم رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غنائم) هوازن (بين قريش)
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: في قريش (فغضبت الأنصار قال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لهم لما بلغه
ذلك:
(أما ترضون أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقطت التصلية لأبي
ذر
(قالوا: بلى) قد رضينا، وذكر الواقدي أنه حينئذ دعاهم
ليكتب لهم بالبحرين وتكون لهم خاصة بعده دون الناس وهي
يومئذ أفضل ما فتح عليه من الأرض فأبوا وقالوا: لا حاجة
لنا بالدنيا (قال) عليه الصلاة والسلام: (لو سلك الناس
واديًا أو شعبًا لسلكت وادي الأنصار أو شعبهم) وأشار عليه
الصلاة والسلام بذلك إلى ترجيحهم بحسن الجوار والوفاء
بالعهد لا وجوب متابعته إياهم إذ هو -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المتبوع المطاع لا التابع المطيع، فما
أكثر تواضعه صلوات الله وسلامه عليه.
4333 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
أَزْهَرُ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ أَنْبَأَنَا هِشَامُ بْنُ
زَيْدِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي الله عنه- قَالَ:
لَمَّا كَانَ يَوْمَ حُنَيْنٍ الْتَقَى هَوَازِنُ وَمَعَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشَرَةُ
آلاَفٍ وَالطُّلَقَاءُ فَأَدْبَرُوا قَالَ: «يَا مَعْشَرَ
الأَنْصَارِ»؟ قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَسَعْدَيْكَ لَبَّيْكَ نَحْنُ بَيْنَ يَدَيْكَ فَنَزَلَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
«أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» فَانْهَزَمَ
الْمُشْرِكُونَ فَأَعْطَى الطُّلَقَاءَ وَالْمُهَاجِرِينَ
وَلَمْ يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَقَالُوا: فَدَعَاهُمْ
فَأَدْخَلَهُمْ فِي قُبَّةٍ فَقَالَ: «أَمَا تَرْضَوْنَ
أَنْ يَذْهَبَ النَّاسُ بِالشَّاةِ وَالْبَعِيرِ
وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-»؟ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لَوْ سَلَكَ النَّاسُ وَادِيًا، وَسَلَكَتِ
الأَنْصَارُ شِعْبًا، لاَخْتَرْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
أزهر) بن سعد السمان أبو بكر الباهلي البصري (عن ابن عون)
عبد الله أنه قال: (أنبأنا هشام بن زيد بن أنس عن) جده
(أنس) -رضي الله عنه- أنه (قال: لما كان يوم حنين التقى)
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- و (هوازن ومع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرة
(6/413)
آلاف) من المهاجرين (والطلقاء) بضم الطاء
وفتح اللام والقاف ممدودًا جمع طليق فعيل بمعنى مفعول وهم
الذين منّ عليهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم
فتح مكة فلم يأسرهم ولم يقتلهم منهم: أبو سفيان بن حرب
وابنه معاوية وحكيم بن حزام (فأدبروا قال) عليه الصلاة
والسلام:
(يا معشر الأنصار قالوا: لبيك يا رسول الله وسعديك) هو من
الألفاظ المقرونة بلبيك ومعناه إسعادًا بعد إسعاد أي
ساعدتك على طاعتك مساعدة وهما منصوبان على المصدر (لبيك
نحن بين يديك) وسقطت لبيك هذه لأبي ذر (فنزل النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) عن بغلته (فقال: أنا عبد
الله ورسوله) وزاد أحمد في غير هذا الحديث في قصة حنين
فأخذ كفًّا من تراب وقال: شاهت الوجوه (فانهزم المشركون)
وأعطى الله تعالى رسوله غنائمهم، وأمر عليه الصلاة والسلام
بحبسها بالجعرانة، فلما رجع من الطائف وصل إلى الجعرانة في
خامس ذي القعدة، وإنا أخر القسمة رجاء أن تسلم هوازن
وكانوا ستة آلاف نفس من النساء والأطفال، وكانت الإبل
أربعة وعشرين ألفًا والغنم أربعين ألفًا شاة (فأعطى
الطلقاء) الذين منّ رسول الله عليهم عليه السلام بإعتاقهم
لما بقي فيهم من الطمع البشري في محبة المال فأعطاهم
لتطمئن قلوبهم وتجتمع على محبته لأن القلوب جبلت على حب من
أحسن إليها (والمهاجرين ولم يعط الأنصار شيئًا) منه قيل
لأنهم كانوا انهزموا فلم يرجعوا حتى وقعت الهزيمة على
الكفار فردّ الله أمر الغنيمة لنبيه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فقالوا): أي الأنصار ولم يذكر مقلوهم
اختصارًا أي تكلموا في منع العطاء عنهم وفي رواية الزهري
عن أنس السابقة
فقالوا: يغفر الله لرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يعطي قريشًا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم
(فدعاهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فأدخلهم في
قبة فقال: أما ترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير
وتذهبون) إلى المدينة (برسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فقالوا: رضينا يا رسول الله (فقال
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لو سلك الناس
واديًا وسلكت الأنصار شعبًا لاخترت شعب الأنصار) لحسن
جوارهم ووفائهم بالعهد.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في الزكاة.
4334 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا
غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ: سَمِعْتُ قَتَادَةَ
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: جَمَعَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَاسًا
مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: «إِنَّ قُرَيْشًا حَدِيثُ
عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَمُصِيبَةٍ وَإِنِّي أَرَدْتُ أَنْ
أَجْبُرَهُمْ وَأَتَأَلَّفَهُمْ، أَمَا تَرْضَوْنَ أَنْ
يَرْجِعَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، وَتَرْجِعُونَ بِرَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى
بُيُوتِكُمْ»؟ قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «لَوْ سَلَكَ
النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا،
لَسَلَكْتُ وَادِيَ الأَنْصَارِ -أَوْ شِعْبَ
الأَنْصَارِ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بندار العبدي
قال: (حدّثنا غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (قال: سمعت قتادة) بن دعامة (عن أنس بن مالك) سقط
ابن مالك لأبي ذر (-رضي الله عنه-) أنه (قال: جمع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناسًا من الأنصار)
لما قسم غنائم حنين على قريش ولم يقسم للأنصار شيئًا منها
وقالوا ما قالوا. (فقال) لهم:
(إن قريشًا حديث عهد بجاهلية) بإفراد حديث والمعروف حديثو
بالواو (ومصيبة) من نحو قتل أقاربهم وفتح بلادهم (وإني
أردت أن أجبرهم) بفتح الهمزة وسكون الجيم وضم الموحدة من
الجبر ضد الكسر، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أن أجيزهم
بضم الهمزة وكسر الجيم بعدها تحتية فزاي من الجائزة
(وأتألفهم) للإسلام (أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا
وترجعون برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إلى بيوتكم) سقطت التصلية لأبي ذر (قالوا: بلى) رضينا
(قال) عليه الصلاة والسلام: (لو سلك الناس واديًا وسلكت
الأنصار شعبًا لسلكت وادي الأنصار أو شعب الأنصار) بالشك
من الراوي.
وهذا الحديث أخرجه الترمذي في المناقب والنسائي في الزكاة.
4335 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ
الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
لَمَّا قَسَمَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قِسْمَةَ حُنَيْنٍ قَالَ رَجُلٌ مِنَ
الأَنْصَارِ: مَا أَرَادَ بِهَا وَجْهَ اللَّهِ؟
فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ فَتَغَيَّرَ وَجْهُهُ ثُمَّ
قَالَ: «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى مُوسَى لَقَدْ أُوذِيَ
بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ».
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بن عقبة قال: (حدّثنا سفيان) بن
عيينة (عن الأعمش) سليمان بن مهران (عن أبي وائل) شقيق بن
سلمة (عن عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: قسم
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قسمة) غنيمة
(حنين) فآثر ناسًا في القسمة (قال رجل من الأنصار): قال
الواقدي: هو
معتب بن قشير المنافق (ما أراد بها) أي بهذه القسمة (وجه
الله) قال ابن مسعود (فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأخبرته) بقوله (فتغير وجهه) المقدس
من الغضب (ثم قال):
(رحمة الله على موسى) الكليم (لقد أوذي بأكثر من
(6/414)
هذا) الذي أوذيت به (فصبر) وذلك أن موسى
صلوات الله عليه وسلامه كان حينًا ستيرًا لا يرى من جلده
شيء استحياء فآذاه من آذاه من بني إسرائيل فقالوا: ما
يستتر هذا التستر إلا من عيب بجلده إما برص وإما أدرة وإما
آفة فبرأه الله مما قالوا كما في الحديث السابق في أحاديث
الأنبياء.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الزكاة.
4336 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ
حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَاسًا أَعْطَى الأَقْرَعَ مِائَةً مِنَ
الإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ، وَأَعْطَى
نَاسًا فَقَالَ رَجُلٌ: مَا أُرِيدَ بِهَذِهِ الْقِسْمَةِ
وَجْهُ اللَّهِ. فَقُلْتُ لأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «رَحِمَ اللَّهُ
مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) البغلاني قال: (حدّثنا
جرير) هو ابن عبد الحميد (عن منصور) هو ابن المعتمر (عن
أبي وائل) شقيق بن سلمة (عن عبد الله) بن مسعود (-رضي الله
عنه-) أنه (قال: لما كان يوم حنين آثر) بالمد أي خص (النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ناسًا) بالزيادة في
القسمة (أعطى الأقرع) بن حابس المجاشعي أحد المؤلّفة
قلوبهم (مائة من الإبل وأعطى عيينة) بن حصن الفزاري (مثل
ذلك وأعطى ناسًا) آخرين من أشراف العرب فآثرهم يومئذ في
القسمة على غيرهم (فقال رجل): هو معتب (ما أريد) بضم
الهمزة مبنيًّا للمفعول (بهذه القسمة وجه الله) قال ابن
مسعود (فقلت: لأخبرن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بقوله فأتيته فأخبرته (قال):
(رحم الله موسى) عليه الصلاة والسلام (قد أوذي بأكثر من
هذا فصبر) لم ينقل أنه عاقبه على ذلك فيحتمل أنه لم يثبت
عليه ذلك وإنما نقله عنه واحد وشهادة واحد لا يراق بها
الدم أو أنه لم يفهم منه الطعن في النبوة وإنما نسبه لترك
العدل في القسمة.
وهذا الحديث سبق في الخُمس.
4337 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
مُعَاذُ بْنُ مُعَاذٍ حَدَّثَنَا ابْنُ عَوْنٍ عَنْ
هِشَامِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَنَسِ
بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه- قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ
حُنَيْنٍ أَقْبَلَتْ هَوَازِنُ وَغَطَفَانُ وَغَيْرُهُمْ
بِنَعَمِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَمَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَشَرَةُ آلاَفٍ وَمِنَ
الطُّلَقَاءِ فَأَدْبَرُوا عَنْهُ حَتَّى بَقِيَ وَحْدَهُ
فَنَادَى يَوْمَئِذٍ نِدَاءَيْنِ لَمْ يَخْلِطْ
بَيْنَهُمَا الْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ فَقَالَ: «يَا
مَعْشَرَ الأَنْصَارِ» قَالُوا: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ، ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ
يَسَارِهِ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ». قَالُوا:
لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَبْشِرْ نَحْنُ مَعَكَ
وَهْوَ عَلَى بَغْلَةٍ بَيْضَاءَ فَنَزَلَ فَقَالَ: «أَنَا
عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ» فَانْهَزَمَ
الْمُشْرِكُونَ فَأَصَابَ يَوْمَئِذٍ غَنَائِمَ كَثِيرَةً
فَقَسَمَ فِي الْمُهَاجِرِينَ وَالطُّلَقَاءِ وَلَمْ
يُعْطِ الأَنْصَارَ شَيْئًا فَقَالَتِ الأَنْصَارُ: إِذَا
كَانَتْ شَدِيدَةٌ فَنَحْنُ نُدْعَى وَيُعْطَى
الْغَنِيمَةَ غَيْرُنَا فَبَلَغَهُ ذَلِكَ فَجَمَعَهُمْ
فِي قُبَّةٍ فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ مَا
حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْكُمْ»؟ فَسَكَتُوا فَقَالَ: «يَا
مَعْشَرَ الأَنْصَارِ أَلاَ تَرْضَوْنَ أَنْ يَذْهَبَ
النَّاسُ بِالدُّنْيَا وَتَذْهَبُونَ بِرَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَحُوزُونَهُ إِلَى
بُيُوتِكُمْ»؟ قَالُوا: بَلَى، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ سَلَكَ
النَّاسُ وَادِيًا وَسَلَكَتِ الأَنْصَارُ شِعْبًا
لأَخَذْتُ شِعْبَ الأَنْصَارِ» فَقَالَ هِشَامٌ: يَا أَبَا
حَمْزَةَ وَأَنْتَ شَاهِدٌ ذَاكَ قَالَ: وَأَيْنَ أَغِيبُ
عَنْهُ؟.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار قال: (حدّثنا معاذ
بن معاذ) التميمي قاضي البصرة قال: (حدّثنا ابن عون) عبد
الله (عن هشام بن زيد بن أنس بن مالك) وسقط ابن مالك لأبي
ذر (عن) جده (أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: لما
كان يوم حنين أقبلت هوازن وغطفان) بالغين المعجمة المفتوحة
(وغيرهم بنعمهم وذراريهم) بالذال المعجمة وتشديد التحتية
وكانت عادتهم إذا أرادوا التثبت في القتال استصحاب الأهالي
ونقلهم معهم إلى موضع القتال (ومع النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عشرة آلاف من الطلقاء) وسقطت الواو
لأبي ذر ولأبي ذر عن الكشميهني والطلقاء بحرف العطف وإسقاط
حرف الجر وهي الصواب لأن الطلقاء لم يبلغوا ذلك ولا عُشر
عشره. وقال الحافظ ابن حجر كالكرماني والبرماوي، وقيل: إن
الواو مقدرة عند من جوّز تقدير حرف العطف. قال العيني:
وفيه نظر لا يخفى. (فأدبروا عنه حتى بقي وحده) أي متقدمًا
مقبلاً على العدوّ وحده وبهذا التقدير يجمع بين قوله هنا
حتى بقي وحده وبين قوله في الروايات الدالة على أنه بقي
معه جماعة فالوحدة بالنسبة لمباشرة القتال والذين ثبتوا
معه كانوا وراءه وأبو سفيان بن الحارث وغيره كانوا يخدمونه
في إمساك البغلة ونحو ذلك. (فنادى) عليه الصلاة والسلام
(يومئذ نداءين) بكسر النون الأولى تثنية نداء بالمد (لم
يخلط بينهما التفت عن يمينه فقال):
(يا معشر الأنصار قالوا: لبيك يا رسول الله ابشر نحن معك،
ثم التفت عن يساره فقال: يا معشر الأنصار قالوا: لبيك يا
رسول الله ابشر نحن معك وهو) عليه الصلاة والسلام (على
بغلة بيضاء) وفي رواية لمسلم من حديث العباس أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أي عباس ناد أصحاب
الشجرة" وكان العباس صيّتًا قال: فناديت بأعلى صوتي أين
أصحاب الشجرة؟ قال: فوالله لكأن عطفتهم حين سمعوا صوتي
عطفة البقر على أولادها فقالوا: يا لبيك يا لبيك. قال:
فاقتتلوا والكفار فنظر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهو على بغلته كالمتطاول إلى قتالهم فقال: هذا
حين حمي الوطيس (فنزل) عن بغلته ثم قبض قبضة من تراب،
ولأحمد والحاكم من حديث ابن مسعود: ورسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على بغلته قدمًا فحادت به
بغلته فقال عن السرج فقلت ارتفع رفعك الله. قال: "ناولني
كفًا من تراب" فضربه في وجوههم فامتلأت أعينهم ترابًا وجاء
المهاجرون والأنصار سيوفهم بأيمانهم كأنها الشهب، ويجمع
بين الروايتين بأنه أولاً قال لصاحبه: ناولني فناوله
فرماهم ثم نزل عن بغلته فأخذ بيده فرماهم أيضًا (فقال)
عليه الصلاة والسلام:
(6/415)
(أنا عبد الله ورسوله)
(فانهزم المشركون فأصاب) ولأبوي ذر والوقت وأصاب (يومئذ
غنائم كثيرة فقسّم في المهاجرين والطلقاء ولم يعط الأنصار
شيئًا) من ذلك (فقالت الأنصار: إذا كانت) قضية (شديدة)
كالحرب برفع شديدة ولأبي ذر بنصبها (فنحن ندعى) بضم النون
مبنيًا للمفعول نطلب (ويعطى الغنيمة غيرنا فبلغه) عليه
الصلاة والسلام (ذلك فجمعهم في قبة فقال: يا معشر الأنصار
ما حديث بلغني عنكم فسكتوا) وسقط لأبي ذر عنكم، وفي طريق
الزهري عن أنس السابقة قريبًا فقال فقهاء الأنصار: أما
رؤساؤنا يا رسول الله فلم يقولوا شيئًا ويجمع بينهما بأن
بعضهم سكت وبعضهم أجاب (فقال: يا معشر الأنصار ألا ترضون
أن يذهب الناس بالدنيا وتذهبون برسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط لأبي ذر التصلية (تحوزونه)
بالحاء المهملة (إلى بيوتكم قالوا: بلى). رضينا يا رسول
الله (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لو
سلك الناس واديًا وسلكت الأنصار شعبًا لأخذت شعب الأنصار).
(فقال هشام) بالسند السابق (يا أبا حمزة) وهي كنية أنس
ولأبي ذر وقال هشام قلت يا أبا حمزة (وأنت شاهد ذاك)؟
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ذلك باللام (قال) أنس: (وأين
أغيب عنه)؟ استفهام إنكاري.
(تنبيه):
كان الوجه أن يقدم حديث أنس هذا على حديث ابن مسعود الذي
سبق لتوالي طرق حديث أنس، قال الحافظ ابن حجر: وأظنه من
تغيير الرواة عن الفربري فإن طريق أنس الأخيرة سقطت من
رواية النسفيّ فلعل البخاري ألحقها فكتبت متأخرة عن
مكانها.
57 - باب السَّرِيَّةِ الَّتِي قِبَلَ نَجْدٍ
(باب السرية التي قبل نجد) بكسر القاف وفتح الموحدة أي في
جهة نجد.
4338 - حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً قِبَلَ نَجْدٍ
فَكُنْتُ فِيهَا فَبَلَغَتْ سِهَامُنَا اثْنَيْ عَشَرَ
بَعِيرًا وَنُفِّلْنَا بَعِيرًا بَعِيرًا فَرَجَعْنَا
بِثَلاَثَةَ عَشَرَ بَعِيرًا.
وبه قال: (حدّثنا أبو النعمان) محمد بن الفضل السدوسي قال:
(حدّثنا حماد) هو ابن زيد قال: (حدّثنا أيوب) السختياني
(عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه
(قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
سرية) طائفة من الجيش قال ابن حجر: وهي من مائة إلى
خمسمائة. وقال في القاموس: من خمسة أنفس إلى ثلاثمائة أو
أربعمائة وكان أبو قتادة أميرها وعند أهل المغازي أنها
كانت قبل التوجه للفتح وقال ابن سعد في شعبان سنة ثمان
(قبل نجد) جهتها (فكنت فيها) زاد في الخُمس في باب ومن
الدليل على أن الخمس لنوائب المسلمين فغنموا إبلاً كثيرة
(فبلغت سهامنا) ولأبي ذر سهماننا بضم السين وسكون الهاء
(اثني عشر بعيرًا) وفي باب الخمس أو أحد عشر بعيرًا بالشك
(ونفلنا) بضم النون مبنيًّا للمفعول أي أعطي كل واحد منا
زيادة على المستحق له (بعيرًا بعيرًا) بالتكرار مرتين
(فرجعنا) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فرجعت (بثلاثة عشر
بعيرًا).
وهذا الحديث قد سبق في الخمس كما مرّ.
58 - باب بَعْثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي جَذِيمَةَ
(باب بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خالد
بن الوليد) عقب فتح مكة في شوّال قبل الخروج إلى حنين عند
جميع أهل المغازي في ثلاثمائة وخمسين من المهاجرين
والأنصار (إلى بني جذيمة) بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة
بعدها تحتية ساكنة قال ابن حجر: أي ابن عامر بن عبد مناة
بن كنانة.
4339 - حَدَّثَنا مَحْمُودٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ ح.
000 - وَحَدَّثَنِي نُعَيْمٌ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ
أَبِيهِ قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ إِلَى بَنِي
جَذِيمَةَ فَدَعَاهُمْ إِلَى الإِسْلاَمِ فَلَمْ
يُحْسِنُوا أَنْ يَقُولُوا: أَسْلَمْنَا فَجَعَلُوا
يَقُولُونَ: صَبَأْنَا صَبَأْنَا، فَجَعَلَ خَالِدٌ
يَقْتُلُ مِنْهُمْ وَيَأْسِرُ وَدَفَعَ إِلَى كُلِّ رَجُلٍ
مِنَّا أَسِيرَهُ حَتَّى إِذَا كَانَ يَوْمٌ أَمَرَ
خَالِدٌ أَنْ يَقْتُلَ كُلُّ رَجُلٍ مِنَّا أَسِيرَهُ،
فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَقْتُلُ أَسِيرِي، وَلاَ
يَقْتُلُ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِي أَسِيرَهُ، حَتَّى
قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَذَكَرْنَاهُ لَهُ فَرَفَعَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدَهُ فَقَالَ:
«اللَّهُمَّ إِنِّي أَبْرَأُ إِلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ
خَالِدٌ» مَرَّتَيْنِ. [الحديث 4339 - طرفه في: 7189].
وبه قال: (حدّثنا) ولغير أبي ذر حدثني (محمود) هو ابن
غيلان قال: (حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا
معمر) هو ابن راشد. قال البخاري: (ح).
(وحدثني) بالإفراد (نعيم) بضم النون ابن حماد قال: (أخبرنا
عبد الله) بن المبارك قال: (أخبرنا معمر) أي ابن راشد (عن
الزهري) محمد بن مسلم (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر
بن الخطاب أنه (قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خالد بن الوليد إلى بني جذيمة) داعيًا إلى
الإسلام لا مقاتلاً (فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن
يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا) بالهمز الساكن
فيهما أي خرجنا من الشرك إلى دين الإسلام فلم يكتف خالد
بالتصريح بذكر الإسلام أو فهم أنهم عدلوا عن التصريح أنفة
منهم ولم ينقادوا (فجعل خالد يقتل منهم ويأسر) بكسر السين
وسقط في بعض النسخ لفظ منهم (ودفع إلى كل رجل منا) أي من
الصحابة الذين كانوا معه في السرية (أسيره
(6/416)
حتى إذا كان يوم) بالتنوين أي من الأيام
قاله ابن حجر وقال العيني: ليس بصحيح بل يوم اسم كان
التامة مضافًا إلى قوله (أمر خالد أن يقتل) أي بأن يقتل
(كل رجل منا أسيره) كما في قوله: {هذا يوم ينفع الصادقين
صدقهم} [المائدة: 119]. اهـ. والذي في الفرع كأصله التنوين
وعند ابن سعد: فلما كان السحر نادى خالد من كان معه أسير
فليضرب عنقه، ولأبي ذر عن الكشميهني كل إنسان بدل قوله
رجل.
قال ابن عمر: (فقلت: والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من
أصحابي) المهاجرين والأنصار (أسيره) وعند ابن سعد أن بني
سليم قتلوا من في أيديهم (حتى قدمنا على النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدكرناه له فرفع النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يده) ولأبي ذر يديه
بالتثنية وسقطت التصلية لأبي ذر (فقال):
(اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد) قال ذلك (مرتين) وإنما
نقم عليه الصلاة والسلام على خالد استعجاله في شأنهم وترك
التثبت في أمرهم إلى أن سيرى المراد من قولهم صبأنا ولم ير
عليه قودًا لأنه تأول أنه كان مأمورًا بقتالهم إلى أن
يسلموا.
59 - باب سَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ
السَّهْمِيِّ وَعَلْقَمَةَ بْنِ مُجَزِّزٍ الْمُدْلِجِيِّ
وَيُقَالُ: إِنَّهَا سَرِيَّةُ الأَنْصَارِ
(باب سرية عبد الله بن حذافة) بضم الحاء المهملة وفتح
الذال المعجمة بعدها ألف ففاء ابن قيس بن عدي بن سعد
(السهمي) وسقط لفظ باب من الفرع كأصله (وعلقمة بن مجزز)
بضم الميم وفتح الجيم وكسر الزاي الأولى المشددة وصحح عليه
في الفرع كأصله أو بفتح الزاي. وقال عبد الغني الكسر
الصواب لأنه جزّ نواصي أسارى من العرب، وكذا ضبطه ابن
ماكولا وابن السكن والحموي والمستملي والأصيلي والنسفيّ،
ولأبي ذر: ابن محرز بالحاء المهملة الساكنة والراء
المكسورة بعدها زاي ابن الأعور (المدلجي) بضم الميم وسكون
الدال المهملة وكسر اللام والجيم (ويقال: إنها) أي هذه
السرية (سرية الأنصار) ولأبي ذر: الأنصاري. قال في الفتح:
أشار إلى احتمال تعدد القصة أو يكون على المعنى الأعم أي
أن عبد الله بن حذافة نصره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في الجملة.
4340 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ
حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ حَدَّثَنِي سَعْدُ بْنُ عُبَيْدَةَ
عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ عَلِيٍّ -رضي الله
عنه- قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- سَرِيَّةً فَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهَا رَجُلاً
مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يُطِيعُوهُ فَغَضِبَ
فَقَالَ: أَلَيْسَ أَمَرَكُمُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ تُطِيعُونِي؟ قَالُوا بَلَى
قَالَ: فَاجْمَعُوا لِي حَطَبًا فَجَمَعُوا فَقَالَ:
أَوْقِدُوا نَارًا فَأَوْقَدُوهَا فَقَالَ: ادْخُلُوهَا
فَهَمُّوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يُمْسِكُ بَعْضًا
وَيَقُولُونَ فَرَرْنَا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ النَّارِ، فَمَا زَالُوا حَتَّى
خَمَدَتِ النَّارُ فَسَكَنَ غَضَبُهُ فَبَلَغَ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «لَوْ
دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ» [الحديث 4340 -
أطرافه في: 7145، 7257].
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا عبد
الواحد) بن زياد قال: (حدّثنا الأعمش) سليمان بن مهران
قال: (حدثني) بالإفراد (سعد بن عبيدة) بسكون العين في
الأول وضمها في الثاني مصغرًا الكوفي (عن أبي عبد الرحمن)
عبد الله بن حبيب السلمي (عن علي -رضي الله عنه-) أنه
(قال: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سرية
فاستعمل) ولأبي ذر واستعمل بالواو بدل الفاء (عليها رجلاً
من الأنصار) هو عبد الله بن حذافة السهمي فيما قاله ابن
سعد (وأمرهم أن يطيعوه
فغضب) أي عليهم، ولمسلم فأغضبوه في شيء (فقال): ولأبي ذر
قال (أليس أمركم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أن تطيعوني؟ قالوا: بلى قال: فأجمعوا لي حطبًا
فجمعوا) أي الحطب (فقال: أوقدوا) بفتح الهمزة وكسر القاف
(نارًا فأوقدوها فقال: ادخلوها) وفي رواية حفص بن غياث في
الأحكام فقال: عزمت عليكم لما جمعتم حطبًا وأوقدتم نارًا
ثم دخلتم فيها (فهمّوا) بفتح الهاء وضم الميم المشددة
فسّره البرماوي كالكرماني بقوله حزنوا. قال العيني: وليس
كذلك، بل المعنى فقصدوا، ويؤيده رواية حفص فلما همّوا
بالدخول فيها فقاموا ينظر بعضهم إلى بعض (وجعل بعضهم يمسك
بعضًا ويقولون: فررنا إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من النار فما زالوا حتى خمدت النار) بفتح الميم
وتكسر انطفأ لهبها.
(فسكن غضبه، فبلغ) ذلك (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال):
(لو دخلوها) أي لو دخلوا النار التي أوقدوها ظانين أنهم
بسبب طاعتهم أميرهم لا تضرهم (ما خرجوا منها) لأنهم كانوا
يموتون فلم يخرجوا منها (إلى يوم القيامة) أو الضمير في
قوله دخولها للنار التي أوقدوها. وفي قوله: ما خرجوا منها
لنار الآخرة لأنهم ارتكبوا ما نهوا عنه من قتل أنفسهم
مستحلين له على هذا ففيه نوع من أنواع البديع وهو
الاستخدام قاله ابن حجر، وقال الكرماني وغيره: والمراد
بقوله إلى يوم القيامة التأييد يعني لو دخلوها مستحلين.
وقال الداودي: فيه أن التأويل الفاسد لا يعذر به صاحبه.
(الطاعة) للمخلوق (في) الأمر بـ (ـالمعروف) شرعًا.
وفي الحديث
(6/417)
أن الأمر المطلق لا يعم جميع الأحوال لأنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرهم أن يطيعوا
الأمير فحملوا ذلك على عموم الأحوال حتى في حال الغضب، وفي
حال الأمر بالمعصية فبين لهم عليه الصلاة والسلام أن الأمر
بطاعته مقصور على ما كان منه في غير معصية، وقد ذكر ابن
سعد في طبقاته أن سبب هذه السرية أنه بلغه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن ناسًا من الحبشة تراءاهم أهل جدة
فبعث إليهم علقمة بن مجزز في ربيع الآخر سنة تسع في
ثلاثمائة فانتهى بهم إلى جزيرة في البحر، فلما خاض البحر
إليهم هربوا فلما رجع تعجل بعض القوم إلى أهليهم فأمر عبد
الله بن حذافة على من تعجل. قال البرماوي: ولعل هذا عذر
البخاري حيث جمع بينهما مع أنه في الحديث لم يسم واحدًا
منهما وترجمة البخاري لعلها تفسير للمبهم الذي في الحديث.
والحديث أخرجه أيضًا في الأحكام وفي خبر الواحد، ومسلم في
المغازي وأبو داود في الجهاد، والنسائي في البيعة والسير.
60 - باب بَعْثُ أَبِي مُوسَى وَمُعَاذٍ إِلَى الْيَمَنِ
قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
(بعث أبي موسى) الأشعري (ومعاذ) ولأبي ذر: ومعاذ بن جبل
-رضي الله عنهما- (إلى اليمن قبل حجة الوداع).
4341 و 4342 - حَدَّثَنَا مُوسَى حَدَّثَنَا أَبُو
عَوَانَةَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ أَبِي
بُرْدَةَ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَبَا مُوسَى وَمُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ
إِلَى الْيَمَنِ قَالَ: وَبَعَثَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا
عَلَى
مِخْلاَفٍ، قَالَ: وَالْيَمَنُ مِخْلاَفَانِ ثُمَّ قَالَ:
«يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا، وَبَشِّرَا وَلاَ
تُنَفِّرَا»، فَانْطَلَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى
عَمَلِهِ، قال: وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِذَا
سَارَ فِي أَرْضِهِ وكَانَ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ
أَحْدَثَ بِهِ عَهْدًا فَسَلَّمَ عَلَيْهِ فَسَارَ مُعَاذٌ
فِي أَرْضِهِ قَرِيبًا مِنْ صَاحِبِهِ أَبِي مُوسَى،
فَجَاءَ يَسِيرُ عَلَى بَغْلَتِهِ حَتَّى انْتَهَى
إِلَيْهِ وَإِذَا هُوَ جَالِسٌ وَقَدِ اجْتَمَعَ إِلَيْهِ
النَّاسُ وَإِذَا رَجُلٌ عِنْدَهُ قَدْ جُمِعَتْ يَدَاهُ
إِلَى عُنُقِهِ، فَقَالَ لَهُ مُعَاذٌ: يَا عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ قَيْسٍ أَيَّمَ هَذَا؟ قَالَ: هَذَا رَجُلٌ كَفَرَ
بَعْدَ إِسْلاَمِهِ؟ قَالَ: لاَ أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ،
قَالَ: إِنَّمَا جِيءَ بِهِ لِذَلِكَ، فَانْزِلْ، قَالَ:
مَا أَنْزِلُ حَتَّى يُقْتَلَ، فَأَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ
ثُمَّ نَزَلَ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ كَيْفَ تَقْرَأُ
الْقُرْآنَ قَالَ: أَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قَالَ:
فَكَيْفَ تَقْرَأُ أَنْتَ يَا مُعَاذُ قَالَ: أَنَامُ
أَوَّلَ اللَّيْلِ، فَأَقُومُ وَقَدْ قَضَيْتُ جُزْئِي
مِنَ النَّوْمِ فَأَقْرَأُ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي
فَأَحْسِبُ نَوْمَتِي كَمَا أَحْسِبُ قَوْمَتِي. [الحديث
4342 - طرفه في: 4345].
وبه قال: (حدّثنا موسى) بن إسماعيل التبوذكي قال: (حدّثنا
أبو عوانة) الوضاح اليشكري قال: (حدّثنا عبد الملك) بن
عمير (عن أبي بردة) عامر بن أبي موسى (قال: بعث رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا موسى) عبد الله
بن قيس وهذا مرسل لكنه سيأتي إن شاء الله تعالى قريبًا من
طريق سعيد بن أبي بردة عن أبيه عن أبي موسى متصلاً به
(ومعاذ بن جبل إلى اليمن قال: وبعث كل واحد منهما على
مخلاف) بكسر الميم وسكون الخاء المعجمة آخره فاء الكورة
والإقليم والرستاق بضم الراء وسكون السين المهملة وفتح
الفوقية آخره قاف بلغة أهل اليمن (قال: واليمن مخلافان)
وكانت جهة معاذ العليا إلى صوب عدن وجهة أبي موسى السفلى
(ثم قال) عليه الصلاة والسلام لهما:
(يسرا ولا تعسرا وبشرا ولا تنفرا) الأصل أن يقال بشرا ولا
تنذرا وآنسا ولا تنفرا، فجمع بينهما ليعم البشارة والنذارة
والتأنيس والتنفير فهو من باب المقابلة المعنوية قاله
الطيبي، وقال الحافظ ابن حجر: ويظهر لي أن النكتة في
الإتيان بلفظ البشارة وهو الأصل وبلفظ التنفير وهو اللازم
وأتي بالذي بعده على العكس للإشارة إلى أن الإنذار لا ينفى
مطلقًا بخلاف التنفير فاكتفى بما يلزم عنه الإنذار وهو
التنفير فكأنه قال: إن أنذرتم فليكن بغير تنفير كقوله
تعالى: {فقولا قولاً لينًا} [طه: 44].
(فانطلق كل واحد منهما) من أبي موسى ومعاذ (إلى عمله قال:
وكان كل واحد منهما إذا سار في أرضه وكان قريبًا من صاحبه
أحدث به عهدًا) في الزيارة (فسلم عليه، فسار معاذ في أرضه
قريبًا من صاحبه أبي موسى فجاء) معاذ (يسير على بغلته حتى
انتهى إليه) إلى أبي موسى (وإذا) بالواو ولأبي ذر فإذا (هو
جالس وقد اجتمع إليه الناس وإذا رجل عنده) قال ابن حجر: لم
أقف على اسمه لكن في رواية سعيد بن أبي بردة الآتية قريبًا
أنه يهودي (قد جمعت يداه إلى عنقه) جملة حالية صفة لرجل
(فقال له معاذ): لأبي موسى (يا عبد الله بن قيس أيم هذا)
بفتح الياء والميم بغير إشباع أي: أي شيء هذا، وأصله أي
ما، وأي استفهامية وما بمعنى شيء فحذفت
الألف تخفيفًا ولأبي ذر أي بضم الياء (قال) أبو موسى: (هذا
رجل كفر بعد إسلامه قال) معاذ: (لا أنزل) أي عن بغلتي (حتى
يقتل قال) أبو موسى: (إنما جيء به لذلك فأنزل) بهمزة وصل
مجزوم على الأمر (قال: ما أنزل حتى يقتل فأمر به) أبو موسى
(فقتل ثم نزل، فقال): لأبي موسى (يا عبد الله كيف تقرأ
القرأن؟ قال) أبو موسى: (أتفوّقه تفوّقًا) بالفاء ثم القاف
أي أقرؤه شيئًا بعد شيء في آناء الليل والنهار يعني لا
أقرؤه مرة واحدة بل أفرق قراءته على أوقات مأخوذ من فواق
الناقة وهو أن تحلب ثم تترك ساعة حتى تدر ثم تحلب (قال)
أبو موسى: (فكيف تقرأ أنت يا معاذ؟ قال: أنام أول الليل
فأقوم) بالفاء (وقد قضيت جزئي من النوم) بضم الجيم وسكون
الزاي بعدها همزة مكسورة فياء أي جزّأ الليل أجزاء جزءًا
للنوم وجزءًا للقراءة والقيام، وقال الزركشي تبعًا
للدمياطي قيل: الوجه قضيت أربي. قال في المصابيح: وهذا من
التحكمات العارية
(6/418)
من الدليل اهـ. فالذي جاء في الرواية صحيح
فلا يلتفت لتخطئته بمجرد التخيل.
(فأقرأ ما كتب الله لي فأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي)
بهمزة قطع وكسر السين من غير فوقية في أحتسب في الموضعين
بصيغة الفعل المضارع أي أطلب الثواب في الراحة كما أطلبه
في التعب لأن الراحة إذا قصد بها الإعانة على العبادة حصلت
الثواب ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فأحتسب نومتي كما
أحتسبت قومتي بهمزة وصل وفتح السين وسكون الموحدة بعدها
فوقية بصيغة الماضي فيها.
4343 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا خَالِدٌ عَنِ
الشَّيْبَانِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ
أَبِيهِ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه-
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بَعَثَهُ إِلَى الْيَمَنِ فَسَأَلَهُ عَنْ أَشْرِبَةٍ
تُصْنَعُ بِهَا فَقَالَ: «وَمَا هِيَ»؟ قَالَ: الْبِتْعُ
وَالْمِزْرُ فَقُلْتُ لأَبِي بُرْدَةَ: مَا الْبِتْعُ؟
قَالَ: نَبِيذُ الْعَسَلِ، وَالْمِزْرُ نَبِيذُ
الشَّعِيرِ، فَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» رَوَاهُ
جَرِيرٌ وَعَبْدُ الْوَاحِدِ عَنِ الشَّيْبَانِيِّ عَنْ
أَبِي بُرْدَةَ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (إسحاق) قال
الحافظ ابن حجر: هو ابن منصور أي أبو يعقوب الكوسج، وقال
العيني: قال المزي: هو ابن شاهين أي أبو بشر الواسطي قال:
(حدّثنا خالد) هو ابن عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد
الواسطي الطحان (عن الشيباني) بالشين المعجمة والموحدة
سليمان بن فيروز (عن سعيد بن أبي بردة عن أبيه) أبي بردة
(عن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثه إلى اليمن فسأله) أي سأل
أبو موسى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن
أشربة تصنع بها) أي باليمن (فقال) عليه الصلاة والسلام له:
(وما هي قال: البتع) بكسر الموحدة وسكون الفوقية بعدها عين
مهملة (والمزر) بكسر الميم وسكون الزاي بعدها راء. قال
سعيد: (فقلت لأبي بردة: ما البتع؟ قال): هو (نبيذ العسل)
بالذال المعجمة (والمزر نبيذ الشهير. فقال) عليه الصلاة
والسلام: (كل مسكر حرام) اتفاقًا (رواه) أي الحديث (جرير)
هو ابن عبد الحميد فيما وصله الإسماعيلي (وعبد الواحد) بن
زياد كلاهما (عن الشيباني) سليمان بن فيروز (عن أبي بردة)
قال في المقدمة: ورواية عبد الواحد لم أرها موصولة.
4344 و 4345 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِيهِ
قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- جَدَّهُ أَبَا مُوسَى وَمُعَاذًا، إِلَى
الْيَمَنِ فَقَالَ: «يَسِّرَا وَلاَ تُعَسِّرَا،
وَبَشِّرَا وَلاَ تُنَفِّرَا، وَتَطَاوَعَا» فَقَالَ أَبُو
مُوسَى: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ أَرْضَنَا بِهَا
شَرَابٌ مِنَ الشَّعِيرِ الْمِزْرُ وَشَرَابٌ مِنَ
الْعَسَلِ الْبِتْعُ فَقَالَ: «كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ»
فَانْطَلَقنا فَقَالَ مُعَاذٌ لأَبِي مُوسَى: كَيْفَ
تَقْرَأُ الْقُرْآنَ؟ قَالَ: قَائِمًا وَقَاعِدًا، وَعَلَى
رَاحِلَتِهِ وَأَتَفَوَّقُهُ تَفَوُّقًا، قَالَ أَمَّا
أَنَا فَأَنَامُ وَأَقُومُ فَأَحْتَسِبُ نَوْمَتِي كَمَا
أَحْتَسِبُ قَوْمَتِي، وَضَرَبَ فُسْطَاطًا فَجَعَلاَ
يَتَزَاوَرَانِ فَزَارَ مُعَاذٌ أَبَا مُوسَى فَإِذَا
رَجُلٌ مُوثَقٌ فَقَالَ: مَا هَذَا؟ فَقَالَ: أَبُو
مُوسَى: يَهُودِيٌّ أَسْلَمَ ثُمَّ ارْتَدَّ، فَقَالَ
مُعَاذٌ: لأَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ. تَابَعَهُ الْعَقَدِيُّ
وَوَهْبٌ عَنْ شُعْبَةَ وَقَالَ: وَكِيعٌ وَالنَّضْرُ
وَأَبُو دَاوُدَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ أَبِيهِ
عَنْ جَدِّهِ، عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رَوَاهُ جَرِيرُ بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ
الشَّيْبَانِيِّ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ.
وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم الفراهيدي قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج قال: (حدّثنا سعيد بن أبي بردة)
بن أبي موسى (عن أبيه) أنه (قال: بعث النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جده) أي جد أبي سعيد (أبا
موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (ومعاذًا) هو ابن جبل (إلى
اليمن فقال) عليه الصلاة والسلام لهما:
(يسرا) بالتحتية والسين المهملة من اليسر (ولا تعسرا
وبشرا) بالموحدة والمعجمة (ولا تنفرا) بالفاء (وتطاوعا) أي
كونا متفقين في الحكم ولا تختلفا فإن اختلافكما يؤدي إلى
اختلاف أتباعكما وحينئذ تقع العداوة والمحاربة بينهم وفيه
إشارة إلى عدم الحرج والتضييق في أمور الملة الحنيفية
السمحاء كما قال تعالى: {وما جعل عليكم في الدين من حرج}
[الحج: 78]. أي وقد وسع عليكم يا أمة نبي الرحمة خاصة ورفع
عنكم الحرج أيا كان (فقال أبو موسى: يا نبي الله إن أرضنا
بها شراب) يتخذ (من الشعير المزر وشراب) يتخذ (من العسل
البتع فقال: كل مسكر حرام) (فانطلقنا) أي كل واحد إلى عمله
(فقال معاذ لأبي موسى: كيف تقرأ القرآن؟ قال): أقرؤه حال
كوني (قائمًا وقاعدًا وعلى راحلته) ولأبي ذر: راحلتي
مصححًا عليها في اليونينية (وأتفوقه تفوقًا) أي لا أقرؤه
دفعة واحدة بل كما يحلب اللبن ساعة بعد ساعة والفواق ما
بين الحلبتين (قال) معاذ: (أما أنا فأنام وأقوم وأنام)
ولأبي ذر عن الكشميهني والحموي: فأقوم وأنام (فاحتسب
نومتي) لأنها معينة على طاعتي (كما احتسب قومتي وضرب
فسطاطًا) بيتًا من الشعر (فجعلا يتزاوران) يزور أحدهما
صاحبه (فزار معاذ أبا موسى فإذا رجل موثق) لم يعرف ابن حجر
اسمه (فقال) معاذ: (ما هذا؟ فقال أبو موسى: يهودي أسلم ثم
ارتد، فقال معاذ: لأضربن عنقه).
(تابعه) أي تابع مسلمًا (العقدي) عبد الملك بن عمرو، مما
وصله البخاري في الأحكام (ووهب) ولأبي ذر: ووهيب بضم الواو
وفتح الهاء مصغرًا ابن جرير مما وصله إسحاق بن راهويه في
مسنده (عن شعبة) بن الحجاج. (وقال وكيع): هو ابن الجراح
مما وصله في الجهاد (والنضر)
بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة ابن شميل مما وصله
البخاري في الأدب (وأبو داود) هشام بن عبد الملك مما وصله
النسائي (عن شعبة) بن الحجاج (عن سعيد عن أبيه) أبي بردة
(6/419)
(عن جده) أبي موسى الأشعري (عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وثبت قوله: وقال
وكيع الخ ... للمستملي وحده (رواه جرير بن عبد الحميد) مما
وصله (عن الشيباني) سليمان بن فيروز (عن أبي بردة) وسقط
رواه جرير الخ ... لأبي ذر.
4346 - حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ هُوَ
النَّرْسِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ عَنْ أَيُّوبَ
بْنِ عَائِذٍ، حَدَّثَنَا قَيْسُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ:
سَمِعْتُ طَارِقَ بْنَ شِهَابٍ يَقُولُ: حَدَّثَنِي أَبُو
مُوسَى الأَشْعَرِيُّ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَنِي
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِلَى أَرْضِ قَوْمِي فَجِئْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنِيخٌ بِالأَبْطَحِ
فَقَالَ: «أَحَجَجْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ»
قُلْتُ: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: «كَيْفَ
قُلْتَ»؟ قَالَ: قُلْتُ لَبَّيْكَ إِهْلاَلاً
كَإِهْلاَلِكَ، قَالَ: «فَهَلْ سُقْتَ مَعَكَ هَدْيًا»؟
قُلْتُ: لَمْ أَسُقْ، قَالَ: «فَطُفْ بِالْبَيْتِ وَاسْعَ
بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، ثُمَّ حِلَّ» فَفَعَلْتُ
حَتَّى مَشَطَتْ لِي امْرَأَةٌ مِنْ نِسَاءِ بَنِي قَيْسٍ
وَمَكُثْنَا بِذَلِكَ حَتَّى اسْتُخْلِفَ عُمَرُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عباس بن الوليد) بالموحدة
والسين المهملة (هو النرسي) بفتح النون وسكون الراء وكسر
السين المهملة وثبت هو النرسي لأبي ذر في نسخة قال:
(حدّثنا عبد الواحد) بن زياد (عن أيوب بن عائذ) البلخي
البصري أنه قال: (حدّثنا قيس بن مسلم) الجدلي أبو عمرو
الكوفي العابد (قال: سمعت طارق بن شهاب) الأحمسي (يقول:
حدثني) بالإفراد (أبو موسى الأشعري -رضي الله عنه-) وسقط
الأشعري لأبي ذر أنه (قال: بعثني رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى أرض قومي) أي اليمن (فجئت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منيخ) أي
نازل (بالأبطح) من مكة مسيل واديها (فقال):
(أحججت) وفي الحج فقال: بما أهللت (يا عبد الله بن قيس؟
قلت: نعم يا رسول الله. قال: كيف قلت؟ قال: قلت لبيك
إهلالاً) ولأبوي ذر والوقت إهلال (كإهلالك) وفي الحج قلت
أهللت كإهلال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(قال: فهل سقت معك هديًا؟ قلت: لم أسق) هديًا (قال: فطف
بالبيت واْسع بين الصفا والمروة ثم حل) بكسر الحاء المهملة
وتشديد اللام أي من إحرامك (ففعلت) ما أمرني به النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الطواف والسعي
والإحلال (حتى مشطت لي امرأة من نساء بني قيس) لم تسم أي
سرحت بالمشط رأسي (ومكثنا) نعمل (بذلك حتى استخلف عمر) بضم
المثناة الفوقية وسكون المعجمة مبنيًّا للمفعول زاد في
الحج فقال: أي عمر أن نأخذ بكتاب الله فإنه يأمرنا بالتمام
قال الله تعالى: {وأتموا الحج والعمرة لله} [البقرة: 196].
وأن نأخذ بسنة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فإنه لم يحل من إحرامه حتى نحر الهدي.
ومباحث ذلك مرت في باب الحج.
4347 - حَدَّثَنِي حِبَّانُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ،
عَنْ زَكَرِيَّاءَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ يَحْيَى بْنِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ صَيْفِيٍّ، عَنْ أَبِي مَعْبَدٍ
مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله
عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ حِينَ بَعَثَهُ
إِلَى الْيَمَنِ: «إِنَّكَ سَتَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ
الْكِتَابِ، فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ إِلَى أَنْ
يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَأَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ
بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ فَرَضَ
عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ،
فَإِنْ هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ
اللَّهَ قَدْ فَرَضَ عَلَيْكُمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ
أَغْنِيَائِهِمْ، فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ
هُمْ طَاعُوا لَكَ بِذَلِكَ فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ
أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ
لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ». قَالَ أَبُو
عَبْدِ اللَّهِ: طَوَّعَتْ طَاعَتْ وَأَطَاعَتْ لُغَةٌ،
طِعْتُ وَطُعْتُ وَأَطَعْتُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (حبّان) بكسر المهملة وتشديد
الموحدة ابن موسى المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن
المبارك المروزي (عن زكريا بن إسحاق) المكي رمي بالإرجاء
لكنه ثقة (عن يحيى بن عبد الله بن صيفي) المكي (عن أبي
معبد) بفتح الميم وسكون العين المهملة وفتح الموحدة نافذ
بالفاء والذال المعجمة (مولى ابن عباس عن ابن عباس -رضي
الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن) سنة
عشر قبل حجة الوداع يعلمهم القرآن والشرائع يقضي بينهم
ويأخذ الصدقات من العمال:
(إنك ستأتي قومًا من أهل الكتاب) التوراة والإنجيل ولأبي
ذر قومًا من أهل كتاب وسقطت لفظة فأهل بفتح اللام وكتاب
بالتنكير (فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا
الله وأن محمدًا رسول الله فإن هم طاعوا) ولأبي ذر: أطاعوا
(لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل
يوم وليلة فإن هم طاعوا) ولأبي ذر: أطاعوا (لك بذلك
فأخبرهم أن الله فرض عليكم) بالكاف ولأبي ذر: عليهم (صدقة
تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم فإن طاعوا) ولأبي ذر:
أطاعوا (لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم) أي احذر أخذ نفائس
أموالهم (واتق دعوة المظلوم فإنه) أي فإن الشأن (ليس بينه)
أي الدعاء (وبين الله حجاب).
(قال أبو عبد الله): البخاري على عادته في تفسير ألفاظ
غريبة تقع له من القرآن إذا وافقت لفظ الحديث (طوعت) له
نفسه معناها (طاعت) له نفسه (وأطاعت) بالهمزة (لغة) في
طاعت بغير همز ويقال إذا أخبر عن نفسه (طعت) بكسر الطاء
(وطعت) بضمها (وأطعت) بزيادة الهمزة قال في القاموس: طاع
له يطوع ويطاع انقاد كانطاع، وقال الزهري: الطوع نقيض
الكره وطاع له انقاد فإذا مضى لأمره فقد أطاعه وقوله قال
عبد الله: الخ ساقط في رواية أبي ذر.
4348 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ أَنَّ
مُعَاذًا -رضي الله عنه- لَمَّا قَدِمَ الْيَمَنَ صَلَّى
بِهِمِ الصُّبْحَ فَقَرَأَ: {وَاتَّخَذَ اللَّهُ
إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء: 125] فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ
الْقَوْمِ: لَقَدْ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ،
زَادَ مُعَاذٌ عَنْ
شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبٍ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرٍو أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ
مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَرَأَ مُعَاذٌ فِي صَلاَةِ
الصُّبْحِ سُورَةَ النِّسَاءِ، فَلَمَّا قَالَ:
{وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء: 125]
قَالَ رَجُلٌ خَلْفَهُ قَرَّتْ عَيْنُ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي
(6/420)
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن حبيب بن
أبي ثابت) الأسدي الفقيه المجتهد (عن سعيد بن جبير)
الوالبي الكوفي (عن عمرو بن ميمون) بفتح العين الأودي
المخضرم (أن معاذًا -رضي الله عنه- لما قدم اليمن صلّى بهم
الصبح فقرأ) فيها بقوله تعالى: ({واتخذ الله إبراهيم
خليلاً}) [النساء: 125]. (فقال رجل من القوم): المصلين
جاهلاً ببطلان الصلاة بالكلام الأجنبي أو كان خلفهم لم
يدخل في الصلاة، ولم يقف الحافظ ابن حجر على اسمه كما قاله
في المقدمة (لقد قرت عين أم إبراهيم) لما حصل لها من
السرور.
(زاد معاذ) هو ابن معاذ البصري (عن شعبة) بن الحجاج (عن
حبيب) بن أبي ثابت (عن سعيد) أي ابن جبير (عن عمرو) أي ابن
ميمون الأودي (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بعث معاذًا إلى اليمن فقرأ معاذ في صلاة الصبح
سورة النساء فلما قال: {واتخذ الله إبراهيم خليلاً} قال
رجل خلفه):
مصل أو غير مصل (قرّت عين أم إبراهيم) أي بردت دمعتها لأن
دمعة السرور باردة ودمعة الحزن حارة ومراده من إعادته بيان
بعثه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمعاذ، وفهم من
حديث ابن عباس السابق. وهذا الحديث أنه بعثه أميرًا على
المال وعلى الصلاة أيضًا.
61 - باب بَعْثُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَخَالِدِ
بْنِ الْوَلِيدِ -رضي الله عنه- إِلَى الْيَمَنِ قَبْلَ
حَجَّةِ الْوَدَاعِ
(بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد -رضي الله عنهما-
إلى اليمن قبل حجة الوداع).
4349 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ عُثْمَانُ، حَدَّثَنَا
شُرَيْحُ بْنُ مَسْلَمَةَ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ
يُوسُفَ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي
أَبِي عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، سَمِعْتُ الْبَرَاءَ -رضي
الله عنه-، بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى
الْيَمَنِ، قَالَ: ثُمَّ بَعَثَ عَلِيًّا بَعْدَ ذَلِكَ
مَكَانَهُ فَقَالَ: مُرْ أَصْحَابَ خَالِدٍ مَنْ شَاءَ
مِنْهُمْ أَنْ يُعَقِّبَ مَعَكَ فَلْيُعَقِّبْ وَمَنْ
شَاءَ فَلْيُقْبِلْ، فَكُنْتُ فِيمَنْ عَقَّبَ مَعَهُ،
قَالَ: فَغَنِمْتُ أَوَاقٍ ذَوَاتِ عَدَدٍ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن عثمان) بن حكيم أبو
عبد الله الكوفي قال: (حدّثنا شريح بن مسلمة) بضم الشين
المعجمة آخره حاء مهملة ومسلمة بفتح الميمين واللام الكوفي
قال: (حدّثنا إبراهيم بن يوسف بن إسحاق بن أبي إسحاق) عمرو
قال: (حدثني) بالإفراد (أبي) يوسف (عن) جده (أبي إسحاق)
عمرو بن عبد الله السبيعي أنه قال: (سمعت البراء) بن عازب
(-رضي الله عنه-) يقول: (بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع خالد بن الوليد إلى اليمن) أي بعد
رجوعهم من الطائف
وقسمة الغنائم بالجعرانة (قال: ثم بعث عليًّا بعد ذلك
مكانه) أي مكان خالد (فقال) له عليه الصلاة والسلام:
(مر أصحاب خالد من شاء منهم أن يعقب) بضم الياء وتشديد
القاف المكسورة أي يرجع (معك) إلى اليمن بعد أن رجع منه
(فليعقب) فليرجع (ومن شاء فليقبل) بضم التحتية وكسر
الموحدة (فكنت فيمن عقب) بتشديد القاف (معه. قال) البراء:
(فغنمت أواق) مثل جوار حذفت الياء استثقالا ولأبي ذر
والأصيلي أواقي بياء مشددة ويجوز تخفيفها (ذوات عدد) أي
كثيرة قال الحافظ ابن حجر: لم أقف على تحريرها.
وهذا الحديث من إفراده.
4350 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا
رَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سُوَيْدِ
بْنِ مَنْجُوفٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ
أَبِيهِ -رضي الله عنه- قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّا إِلَى خَالِدٍ
لِيَقْبِضَ الْخُمُسَ، وَكُنْتُ أُبْغِضُ عَلِيًّا وَقَدِ
اغْتَسَلَ، فَقُلْتُ لِخَالِدٍ: أَلاَ تَرَى إِلَى هَذَا؟
فَلَمَّا قَدِمْنَا عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذَكَرْتُ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: «يَا
بُرَيْدَةُ أَتُبْغِضُ عَلِيًّا»؟ فَقُلْتُ: نَعَمْ.
قَالَ: «لاَ تُبْغِضْهُ فَإِنَّ لَهُ فِي الْخُمُسِ
أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ».
وبه قال: (حدثني محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا
روح بن عبادة) بضم العين وتخفيف الموحدة القيسي أبو محمد
البصري قال: (حدّثنا علي بن سويد بن منجوف) بفتح الميم
وسكون النون وضم الجيم وبعد الواو الساكنة فاء السدوسي
البصري (عن عبد الله بن بريدة عن أبيه) بريدة بن الحصيب
بضم الحاء المهملة وفتح الصاد المهملة آخره موحدة مصغرًا
الأسلمي (-رضي الله عنه-) أنه (قال: بعث النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليًّا إلى خالد ليقبض الخمس)
أي خمس الغنيمة قال بريدة: (وكنت أبغض عليًّا) -رضي الله
عنه- لأنه رآه أخذ من المغنم جارية (وقد اغتسل) فظن أنه
غلها ووطئها، وللإسماعيلي من طرق إلى روح بن عبادة بعث
عليًّا إلى خالد ليقسم الخمس وفي رواية له ليقسم الفيء
فاصطفى علي منه لنفسه سبية أي جارية ثم أصبح ورأسه يقطر
(فقلت لخالد: ألا ترى إلى هذا) يعني عليًّا (فلما قدمنا
على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ذكرت ذلك)
الذي رأيت من علي -رضي الله عنه- (له) عليه الصلاة والسلام
(فقال):
(يا بريدة أتبغض عليًّا؟ فقلت: نعم. قال: لا تبغضه) زاد
أحمد من طريق عبد الجليل عن عبد الله بن بريدة عن أبيه وإن
كنت تحبه فازدد له حبًا، وله أيضًا من طريق أجلح الكندي عن
عبد الله بن يزيد: لا تقع في علي فإنه مني وأنا منه وهو
وليكم بعدي (فإن له في الخمس أكثر من ذلك) قال الحافظ أبو
ذر: إنما أبغض عليًّا لأنه رآه أخذ من المغنم فظن أنه غل
فلما أعلمه -صَلَّى اللَّهُ
(6/421)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه أخذ أقل من حقه
أحبه اهـ.
وفي طريق عبد الجليل قال: فما كان في الناس أحد أحب إليّ
من علي، ولعل الجارية
كانت بكرًا غير بالغ فأدّى اجتهاده -رضي الله عنه- إلى عدم
الاستبراء وفيه جواز التسري على بنت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخلاف التزويج عليها.
4351 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا عَبْدُ
الْوَاحِدِ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي نُعْمٍ، قَالَ: سَمِعْتُ
أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: بَعَثَ عَلِيُّ بْنُ
أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه- إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الْيَمَنِ
بِذُهَيْبَةٍ فِي أَدِيمٍ مَقْرُوظٍ لَمْ تُحَصَّلْ مِنْ
تُرَابِهَا، قَالَ: فَقَسَمَهَا بَيْنَ أَرْبَعَةِ نَفَرٍ
بَيْنَ عُيَيْنَةَ بْنِ بَدْرٍ وَأَقْرَعَ بْنِ حَابِسٍ
وَزَيْدِ الْخَيْلِ، وَالرَّابِعُ إِمَّا عَلْقَمَةُ
وَإِمَّا عَامِرُ بْنُ الطُّفَيْلِ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ
أَصْحَابِهِ: كُنَّا نَحْنُ أَحَقَّ بِهَذَا مِنْ
هَؤُلاَءِ قَالَ: فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «أَلاَ
تَأْمَنُونِي، وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ،
يَأْتِينِي خَبَرُ السَّمَاءِ صَبَاحًا وَمَسَاءً» قَالَ:
فَقَامَ رَجُلٌ غَائِرُ الْعَيْنَيْنِ مُشْرِفُ
الْوَجْنَتَيْنِ نَاشِزُ الْجَبْهَةِ كَثُّ اللِّحْيَةِ
مَحْلُوقُ الرَّأْسِ مُشَمَّرُ الإِزَارِ فَقَالَ: يَا
رَسُولَ اللَّهِ اتَّقِ اللَّهَ قَالَ: «وَيْلَكَ
أَوَلَسْتُ أَحَقَّ أَهْلِ الأَرْضِ أَنْ يَتَّقِيَ
اللَّهَ» قَالَ: ثُمَّ وَلَّى الرَّجُلُ قَالَ خَالِدُ
بْنُ الْوَلِيدِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ أَضْرِبُ
عُنُقَهُ؟ قَالَ: «لاَ لَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ يُصَلِّي»
فَقَالَ خَالِدٌ: وَكَمْ مِنْ مُصَلٍّ يَقُولُ بِلِسَانِهِ
مَا لَيْسَ فِي قَلْبِهِ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «إِنِّي لَمْ أُؤْمَرْ أَنْ
أَنْقُبَ قُلُوبَ النَّاسِ، وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ»
قَالَ: ثُمَّ نَظَرَ إِلَيْهِ وَهْوَ مُقَفٍّ فَقَالَ:
«إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ
كِتَابَ اللَّهِ رَطْبًا لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ
يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ
الرَّمِيَّةِ -وَأَظُنُّهُ قَالَ- لَئِنْ أَدْرَكْتُهُمْ
لأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ ثَمُودَ».
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا عبد الواحد)
بن زياد (عن عمارة بن القعقاع) بن شبرمة الكوفي قال:
(حدّثنا عبد الرحمن بن أبي نعم) بضم النون وسكون العين
المهملة (قال: سمعت أبا سعيد الخدري يقول: بعث علي بن أبي
طالب -رضي الله عنه-) وسقط لأبي ذر ابن أبي طالب (إلى رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من اليمن
بذهبية) بضم الذال المعجمة مصغر ذهبة وهي القطعة من الذهب
قاله الخطابي، وتعقب بأنها كانت تبرًا فالتأنيث باعتبار
معنى الطائفة أو أنه قد يؤنث الذهب في بعض اللغات (في أديم
مقروظ) بالقاف والظاء المعجمة أي مدبوغ بالقرظ (لم تحصل)
أي لم تخلص الذهبية (من ترابها) المعدني بالسبك (قال:
فقسمها بين أربعة نفر) يتألفهم بذلك (بين عيينة بن بدر)
نسبه إلى جده الأعلى لأنه عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر
الفزاري (وأقرع بن حابس) الحنظلي ثم المجاشعي فيه شاهد على
أن ذا الألف واللام من الأعلام الغالبة قد ينزعان عنه في
غير نداء ولا إضافهّ ولا ضرورة وقد حكى سيبويه عن العرب
هذا يوم اثنين مباركًا قاله ابن مالك (وزيد الخيل) باللام
ابن مهلهل الطائي ثم أحد بني نبهان، وقيل له زيد الخيل
لكرائم الخيل التي كانت عنده، وسماه النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- زيد الخير بالراء بدل اللام وأثنى
عليه وأسلم وحسن إسلامه ومات في حياة النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (والرابع إما علقمة) بن علاثة
بضم العين المهملة وتخفيف اللام والمثلثة العامري (وإما
عامر بن الطفيل) العامري والشك في عامر وهم من عبد الواحد
فقد
جزم في رواية سعيد بن مسروق بأنه علقمة بن علاثة وقد مات
عامر بن الطفيل قبل ذلك بخراج طلع له في أصل اذنه كافرًا
(فقال رجل من أصحابه): لم يسم وكأنه أبهمه سترًا عليه (كنا
نحن أحق بهذا) القسم (من هؤلاء) الأربعة (قال: فبلغ ذلك)
القول (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء يأتيني خبر السماء
صباحًا ومساءً قال: فقام رجل غائر العينين) بغين معجمة
وتحتية بوزن فاعل أي عيناه داخلتان في محاجرهما لاصقتان
بقعر الحدقة (مشرف الوجنتين) بضم الميم وسكون الشين
المعجمة وبعد الراء فاء أي بارزهما (ناشز الجبهة) بشين
وزاي معجمتين مرتفعها (كث اللحية) كثير شعرها (محلوق
الرأس) موافق لسيماء الخوارج في التحليق مخالف للعرب في
توفيرهم شعورهم (مشمر الإزار) بفتح الميم واسمه فيما قيل
ذو الخويصرة التيمي ورجح السهيلي أن اسمه نافع كما في أبي
داود وقيل حرقوص بن زهير كما جزم به ابن سعد (فقال: يا
رسول الله اتق الله. قال) عليه الصلاة والسلام: (ويلك
أولست أحق أهل الأرض أن يتقي الله قال: ثم ولى الرجل. قال
خالد بن الوليد: يا رسول الله ألا أضرب عنقه)؟ وفي علامات
النبوّة فقال عمر: يا رسول الله ائذن لي فيه فأضرب عنقه،
ولا منافاة بينهما لاحتمال أن يكون كل منهما قال ذلك.
(قال) عليه الصلاة والسلام: (لا) تفعل (لعله أن يكون يصلّي
فقال خالد: وكم من مصل يقول بلسانه ما ليس في قلبه قال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إني لم
أؤمر أن أنقب قلوب الناس) بفتح الهمزة وسكون النون وضم
القاف بعدها موحدة كذا ضبطه ابن ماهان ولغيره بضم الهمزة
وفتح النون وتشديد القاف مع كسرها أي ابحث وأفتش ولأبي ذر
عن قلوب الناس (ولا أشق بطونهم قال: ثم نظر) عليه الصلاة
والسلام (إليه) أي إلى الرجل (وهو مقف) أي مول قفاه، ولأبي
ذر: مقفي بإثبات الياء بعد الفاء المشددة بناء على الوقف
في مثله بالياء وهو وجه صحيح قرأ به ابن كثير وال وواق لكن
الوقف بحذفها أقيس وأكثر، ولا يجوز في الوصل إلا الحذف ومن
أثبتها وقفًا أثبتها
(6/422)
خطأ رعاية للوقف وعليه تتخرج رواية أبي ذر
والجملة حالية (فقال) عليه الصلاة والسلام ولأبي ذر: وقال
بالواو (إنه يخرج من ضئضئ) بضادين معجمتين مكسورتين
الثانية مكتنفة بهمزتين أولاهما ساكنة وللكشميهني صئصئ
بصادين مهملتين وهما بمعنى أي من نسل (هذا قوم يتلون كتاب
الله رطبًا) لمواظبتهم على تلاوته فلا يزال لسانهم رطبًا
بها أو هو من تحسين الصوت بها (لا يجاوز حناجرهم) أي لا
يرفع في الأعمال الصالحة فليس لهم فيه حظ إلا مروره على
لسانهم فلا يصل إلى حلوقهم فضلاً عن أن يصل قلوبهم حتى
يتدبروه بها (يمرقون من الدين) الإسلام (كما يمرق السهم)
أي خروجه إذا نفذ من الجهة الأخرى (من الرمية) بفتح الراء
وكسر الميم وتشديد التحتية الصيد المرمي (وأظنه) عليه
الصلاة والسلام (قال) (لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل ثمود) أي
لأستأصلنهم كاستئصال ثمود.
وهذا الحديث سبق في باب قول الله تعالى: {وأما عاد فأهلكوا
بريح} [الحادثة: 6] من كتاب أحاديث الأنبياء.
4352 - حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ: جَابِرٌ أَمَرَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلِيًّا
أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ، زَادَ مُحَمَّدُ بْنُ
بَكْرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ عَطَاءٌ: قَالَ جَابِرٌ
فَقَدِمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ -رضي الله عنه-
بِسِعَايَتِهِ، قَالَ: لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- «بِمَ أَهْلَلْتَ يَا عَلِيُّ»؟
قَالَ: بِمَا أَهَلَّ بِهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «فَأَهْدِ وَامْكُثْ حَرَامًا
كَمَا أَنْتَ». قَالَ: وَأَهْدَى لَهُ عَلِيٌّ هَدْيًا.
وبه قال: (حدّثنا المكي بن إبراهيم) بن بشير بن فرقد
الحنظلي (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه قال:
(قال عطاء): هو ابن رباح (قال جابر) -رضي الله عنه-: (أمر
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليًّا) حين
قدم مكة من اليمن ومعه هدي (أن يقيم على إحرامه) الذي كان
أحرم به كإحرامه عليه الصلاة والسلام ولا يحل لأن معه
الهدي (زاد محمد بن بكر) بفتح الموحدة وسكون الكاف
البرساني في روايته (عن ابن جريج قال عطاء: قال: جابر:
فقدم علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-) من اليمن (بسعايته)
بكسر السين المهملة أي ولايته على اليمن (قال) ولأبي ذر
فقال (له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(بم) بحذف ألف ما الاستفهامية على الكثير الشائع (أهللت)
أحرمت (يا علي؟ قال: بما) أي بالذي (أهل) أحرم (به النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال) عليه الصلاة
والسلام: (فأهد) بهمزة قطع مفتوحة (وامكث) بهمزة وصل أي
البث حال كونك (حرامًا) أي محرمًا (كما أنت) من الإحرام
إلى الفراغ من الحج (قال: وأهدى له) عليه الصلاة والسلام
(علي هديًا).
4353 و 4354 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ قَالَ: حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ الْمُفَضَّلِ، عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ،
حَدَّثَنَا بَكْرٌ البَصْرِيٌ أَنَّهُ ذَكَرَ لاِبْنِ
عُمَرَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَهُمْ، أَنَّ رَسُولَ الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ
وَحَجَّةٍ، فَقَالَ: أَهَلَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَجِّ، وَأَهْلَلْنَا بِهِ
مَعَهُ فَلَمَّا قَدِمْنَا مَكَّةَ قَالَ: «مَنْ لَمْ
يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلْيَجْعَلْهَا عُمْرَةً» وَكَانَ
مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
هَدْيٌ فَقَدِمَ عَلَيْنَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ
مِنَ الْيَمَنِ حَاجًّا، فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «بِمَ أَهْلَلْتَ فَإِنَّ
مَعَنَا أَهْلَكَ»؟ قَالَ: أَهْلَلْتُ بِمَا أَهَلَّ بِهِ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«فَأَمْسِكْ فَإِنَّ مَعَنَا هَدْيًا».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين المهملة ابن مسرهد (قال:
حدّثنا بشر بن المفضل) ابن لاحق الرقاشي بقاف ومعجمة
البصري (عن حميد) أي عبيدة (الطويل) أنه قال: (حدّثنا بكر)
هو عبد الله المزني (البصري أنه ذكر لابن عمر أن أنسًا
حدثهم أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أهل بعمرة وحجة فقال: أهلّ النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بالحج وأهللنا به معه) وسقطت معه لأبي ذر (فلما
قدمنا مكة قال) عليه الصلاة والسلام:
(من لم يكن معه هدي فليجعلها عمرة وكان مع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هدي فقدم علينا علي بن أبي
طالب من اليمن حاجًا فقال) له (النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: بم أهللت) بغير ألف بعد الميم (فإن
معنا أهلك) زوجته فاطمة (قال) علي -رضي الله عنه-: (أهللت
بما أهلّ به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قال) عليه الصلاة والسلام له (فأمسك) على إحرامك (فإن معنا
هديًا).
62 - باب غَزْوَةُ ذِي الْخَلَصَةِ
(غزوة ذي الخلصة) بفتح الخاء المعجمة واللام والصاد
المهملة.
4355 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا خَالِدٌ،
حَدَّثَنَا بَيَانٌ عَنْ قَيْسٍ، عَنْ جَرِيرٍ قَالَ:
كَانَ بَيْتٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يُقَالُ لَهُ ذُو
الْخَلَصَةِ، وَالْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَةُ، وَالْكَعْبَةُ
الشَّأْمِيَّةُ، فَقَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي
الْخَلَصَةِ»؟ فَنَفَرْتُ فِي مِائَةٍ وَخَمْسِينَ
رَاكِبًا فَكَسَرْنَاهُ وَقَتَلْنَا مَنْ وَجَدْنَا
عِنْدَهُ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرْتُهُ، فَدَعَا لَنَا وَلأَحْمَسَ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا خالد)
هو ابن عبد الله الطحان قال: (حدّثنا بيان) بفتح الموحدة
والتحتية المخففة ابن بشر (عن قيس) هو ابن أبي حازم (عن
جرير) هو ابن عبد الله البجلي أنه (قال: كان بيت في
الجاهلية يقال له ذو الخلصة) الذي كان فيه الصنم وقيل: اسم
البيت الخلصة واسم الصنم ذو الخلصة. وحكى المبرد كما في
الفتح أن موضع ذي الخلصة صار مسجدًا جامعًا لبلدة يقال لها
العبلات من أرض خثعم (و) يقال له (الكعبة اليمانية) بتخفيف
الياء لكونها من اليمن (والكعبة الشامية) هي التي بمكة
وحذف خبر المبتدأ الذي هو الكعبة كما قرره غير واحد منهم
النووي. قالوا: وبه يزول الإشكال ويحصل التمييز بين كعبة
البيت الحرام وبين التي اتخذوها مضاهاة لها باليمن.
وقال في الفتح: الذي يظهر لي أن الذي في الرواية صواب
وأنها
(6/423)
كانت يقال لها: اليمانية باعتبار كونها
باليمن والشامية باعتبار أنهم جعلوا بابها مقابل الشام
ويؤيد ما ذكره عياض أن في بعض الروايات اليمانية الكعبة
الشامية بغير واو. قال والمعنى كان يقال لها تارة كذا
وتارة كذا.
وقال السهيلي: فاللام من قوله يقال له لام العلة يعني أن
وجود هذا البيت كان يقال لأجله الكعبة الشامية يريد أن
السبب الحامل على وصف الكعبة الحرام بالشامية قصد تمييزها
من هذا البيت الحادث الذي سموه بالكعبة اليمانية، وأما قبل
وجوده فكانت الكعبة لا تحتاج إلى وصف وإذا أطلقت فلا يراد
بها إلا البيت الحرام لعدم المزاحم فقد زال الإشكال.
قال: جرير (فقال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: ألا) بتخفيف اللام (تريحني) أي تريح قلبي (من
ذي الخلصة) طلب بتضمن الأمر وخص جريرًا بذلك لأنها كانت في
بلاد قومه (فنفرت) بالفاء المخففة بعد النون أي خرجت له
مسرعًا (في مائة وخمسين راكبًا فكسرناه) أي البيت (وقتلنا
من وجدنا عنده فأتيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فأخبرته) بذلك (فدعا لنا ولأحمس) بالحاء والسين
المهملتين بوزن أحمر وهم إخوة بجيلة رهط جرير ينتسبون إلى
أحمس بن الغوث بن أنمار وبجيلة اسم امرأة نسبت إليها
القبيلة المشهورة.
4356 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا
يَحْيَى، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنَا قَيْسٌ،
قَالَ: قَالَ
لِي جَرِيرٌ -رضي الله عنه- قَالَ لِي النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي
الْخَلَصَةِ»؟ وَكَانَ بَيْتًا فِي خَثْعَمَ يُسَمَّى
الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَةَ، فَانْطَلَقْتُ فِي خَمْسِينَ
وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا أَصْحَابَ
خَيْلٍ، وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ فَضَرَبَ
فِي صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ أَصَابِعِهِ فِي
صَدْرِي وَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ وَاجْعَلْهُ
هَادِيًا مَهْدِيًّا» فَانْطَلَقَ إِلَيْهَا فَكَسَرَهَا
وَحَرَّقَهَا ثُمَّ بَعَثَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ رَسُولُ جَرِيرٍ:
وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا جِئْتُكَ حَتَّى
تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ قَالَ: فَبَارَكَ
فِي خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا» خَمْسَ مَرَّاتٍ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني بالإفراد (محمد بن
المثنى) العنزي قال: (حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان قال:
(حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد البجلي الكوفي ولأبي ذر عن
إسماعيل أنه قال: (حدّثنا قيس) هو ابن أبي حازم (قال: قال
لي جرير -رضي الله عنه-: قال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ألا تريحني من ذي الخلصة) والمراد بالراحة راحلة القلب
لأنه ما كان شيء أتعب لقلبه عليه الصلاة والسلام من بقاء
ما يشرك به من دون الله (وكان بيتًا في خثعم) بفتح الخاء
المعجمة وسكون المثلثة بوزن جعفر قبيلة من اليمن ينسبون
إلى خثعم بن أنمار بفتح الهمزة وسكون النون ابن إراش بكسر
الهمزة وتخفيف الراء وبعد الألف شين معجمة ابن عنز بفتح
العين المهملة وسكون النون آخره زاي (يسمى الكعبة) ولأبي
ذر كعبة (اليمانية فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس)
سقط من أحمس لأبي ذر (وكانوا) أي أحمس (أصحاب خيل) أي لهم
ثبات عليها (وكنت لا أثبت على الخيل فضرب) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في) ولأبي ذر على (صدري حتى رأيت أثر
أصابعه في صدري) وعند الحاكم من حديث البراء فشكا جرير إلى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- القلع أي
بالقاف واللام المفتوحتين عدم الثبات على السرج فقال: "ادن
مني" فدنا منه فوضع يده على رأسه ثم أرسلها على وجهه وصدره
حتى بلغ عانته ثم وضع يده على رأسه وأرسلها على ظهره حتى
انتهيت إلى أليته (وقال: اللهم ثبته واجعله هاديًا مهديًا)
قيل فيه تقديم وتأخير لأنه لا يكون هاديًا حتى يكون مهديًا
وقيل معناه كاملاً مكملاً (فانطلق) جرير ومن معه (إليها)
إلى ذي الخلصة (فكسرها وحرقها) بتشديد الراء أي هدم بناءها
ورمى النار في أخشابها (ثم بعث إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) يخبره بذلك وفي السابقة أن
جريرًا هو الذي أخبر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بذلك وهو محمول على المجاز (فقال رسول جرير:
والذي بعثك بالحق ما جئتك حتى تركتها) أي ذا الخلصة (كأنها
جمل أجرب) بالجيم والراء والموحدة أي سوداء من التحريق
كالجمل الأجرب إذا طلي بالقطران أو هو كناية عن إذهاب
بهجتها (قال: فبارك) عليه الصلاة والسلام (في خيل أحمس
ورجالها خمس مرات).
وهذا الحديث سبق في باب البشارة بالفتوح من الجهاد.
4357 - حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى أَخْبَرَنَا أَبُو
أُسَامَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ
قَيْسٍ
عَنْ جَرِيرٍ قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَلاَ تُرِيحُنِي مِنْ ذِي
الْخَلَصَةِ»؟ فَقُلْتُ: بَلَى، فَانْطَلَقْتُ فِي
خَمْسِينَ وَمِائَةِ فَارِسٍ مِنْ أَحْمَسَ وَكَانُوا
أَصْحَابَ خَيْلٍ، وَكُنْتُ لاَ أَثْبُتُ عَلَى الْخَيْلِ،
فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَضَرَبَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِي حَتَّى رَأَيْتُ
أَثَرَ يَدِهِ فِي صَدْرِي وَقَالَ: «اللَّهُمَّ ثَبِّتْهُ
وَاجْعَلْهُ هَادِيًا مَهْدِيًّا» قَالَ: فَمَا وَقَعْتُ
عَنْ فَرَسٍ بَعْدُ، قَالَ: وَكَانَ ذُو الْخَلَصَةِ
بَيْتًا بِالْيَمَنِ لِخَثْعَمَ وَبَجِيلَةَ، فِيهِ نُصُبٌ
يُعْبَدُ يُقَالُ لَهُ: الْكَعْبَةُ، قَالَ: فَأَتَاهَا
فَحَرَّقَهَا بِالنَّارِ وَكَسَرَهَا، قَالَ: وَلَمَّا
قَدِمَ جَرِيرٌ الْيَمَنَ كَانَ بِهَا رَجُلٌ يَسْتَقْسِمُ
بِالأَزْلاَمِ فَقِيلَ لَهُ إِنَّ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هَا هُنَا فَإِنْ
قَدَرَ عَلَيْكَ ضَرَبَ عُنُقَكَ قَالَ: فَبَيْنَمَا هُوَ
يَضْرِبُ بِهَا إِذْ وَقَفَ عَلَيْهِ جَرِيرٌ، فَقَالَ:
لَتَكْسِرَنَّهَا وَلَتَشْهَدًا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ أَوْ لأَضْرِبَنَّ عُنُقَكَ، قَالَ: فَكَسَرَهَا
وَشَهِدَ ثُمَّ بَعَثَ جَرِيرٌ رَجُلاً مِنْ أَحْمَسَ
يُكْنَى أَبَا أَرْطَاةَ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُبَشِّرُهُ بِذَلِكَ فَلَمَّا أَتَى
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
يَا رَسُولَ اللَّهِ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا
جِئْتُ حَتَّى تَرَكْتُهَا كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ
قَالَ: فَبَرَّكَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَلَى خَيْلِ أَحْمَسَ وَرِجَالِهَا خَمْسَ
مَرَّاتٍ.
وبه قال: (حدّثنا يوسف بن موسى) بن راشد القطان الكوفي
قال: (أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (أبو أسامة) حماد بن أسامة
(عن إسماعيل بن أبي خالد) البجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم
(عن جرير) -رضي الله عنه- أنه (قال: قال لي رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(ألا تريحني من ذي الخلصة فقلت: بلى) يا رسول الله
(فانطلقت) إليها (في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا
أصحاب خيل وكنت لا أثبت على الخيل
(6/424)
فذكرت ذلك للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فضرب يده على صدري حتى رأيت أثر يده في صدري
فقال: اللهم ثبته) على الخيل (واجعله هاديًا) لغيره حال
كونه (مهديًا) بفتح الميم في نفسه وحينئذٍ فلا يقال فيه
تقديم وتأخير كما مر (قال: فما وقعت عن فرس) وفي نسخة فرسي
(بعد. قال: وكان ذو الخلصة بيتًا باليمن لخثعم وبجيلة فيه)
أي في البيت (نصب) بضمتين حجر ينصب يذبحون عليه (يعبد يقال
له الكعبة. قال فأتاها) جرير (فحرقها بالنار وكسرها) أي
هدم بناءها (قال: ولما قدم جرير اليمن كان بها رجل يستقسم
بالأزلام) أي يطلب قسمه من الشر والخير بالقدح (فقيل له:
إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هاهنا
فإن قدر عليك ضرب عنقك. قال فبينما) بالميم (هو يضرب بها)
بالأزلام (إذ وقف عليه جرير فقال) له جرير: (لتكسرنها
ولتشهدًا) بتنوين الدال، ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني:
ولتشهدن بسكون اللام وبعد الدال نون توكيد ثقيلة (أن لا
إله إلا الله أو لأضربن عنقك. قال: فكسرها وشهد) أي أن لا
إله إلا الله (ثم بعث جرير رجلاً من أحمس يكنى) بضم الياء
وسكون الكاف (أبا أرطاة) بهمزة مفتوحة وراء ساكنة وطاء
مهملة مفتوحة وبعد الألف تاء واسمه حصين بفتح الحاء وكسر
الصاد المهملتين ابن ربيعة كما في مسلم (إلى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يبشره بذلك فلما أتى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: يا رسول الله
والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب) من
سواد الإحراق (قال: فبرك) بتشديد الراء، ولأبي ذر عن
الكشميهني: فبارك (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- على خيل أحمس ورجالها) أي
دعا له بالبركة (خمس مرات) مبالغة واقتصر على الوتر لأنه
مطلوب.
63 - باب غَزْوَةُ ذَاتِ السَّلاَسِلِ وَهْيَ غَزْوَةُ
لَخْمٍ وَجُذَامَ قَالَهُ: إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي
خَالِدٍ، وَقَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ يَزِيدَ عَنْ
عُرْوَةَ هِيَ بِلاَدُ بَلِيٍّ، وَعُذْرَةَ وَبَنِي
الْقَيْنِ
(غزوة ذات السلاسل).
قال ابن سعد في طبقاته فيما قرأته فيها: هي وراء ذات القرى
وبينها وبين المدينة عشرة أيام، وكانت في جمادى الآخرة سنة
ثمان من مهاجره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
انتهى.
وجزم ابن أبي خالد في كتاب صحيح التاريخ أنها كانت سنة سبع
وسميت بذلك لأن المشركين فيما قيل ارتبط بعضهم إلى بعض
مخافة أن يفرّوا أو لأن بها ماء يقال له السلسل.
(وهي غزوة لخم) بفتح اللام وسكون الخاء المعجمة قبيلة
كبيرة ينسبون إلى لخم واسمه مالك بن عدي بن الحارث بن مرة
بن أدد (وجذام) بضم الجيم وفتح الذال المعجمة الخفيفة
قبيلة كبيرة ينسبون إلى عمرو بن عدي إخوة لخم على المشهور
(قاله إسماعيل بن أبي خالد).
(وقال ابن إسحاق) محمد صاحب المغازي (عن يزيد) بن رومان
المدني (عن عروة) بن الزبير بن العوّام (هي) أي ذات
السلاسل (بلاد بليّ) بفتح الموحدة وكسر اللام المخففة
بعدها تحتية للنسبة قبيلة كبيرة ينسبون إلى بليّ بن عمرو
بن الحاف بن قضاعة (وعذرة) بضم العين المهملة وسكون الذال
المعجمة ينسبون إلى عذرة بن سعد هذيم بن زيد بن ليث بن
سويد بن أسلم بضم اللام ابن الحاف بن قضاعة (وبني القين)
بفتح القاف وسكون التحتية ابن شيع الله بكسر الشين المعجمة
وسكون التحتية آخره عين مهملة ابن أسد بن وبرة بن ثعلب بن
حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة.
4358 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ عَنْ أَبِي
عُثْمَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى جَيْشِ
ذَاتِ السَّلاَسِلِ قَالَ: فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: أَيُّ
النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ؟ قَالَ: «عَائِشَةُ» قُلْتُ
مِنَ الرِّجَالِ؟ قَالَ: «أَبُوهَا» قُلْتُ ثُمَّ مَنْ؟
قَالَ: «عُمَرُ»، فَعَدَّ رِجَالاً فَسَكَتُّ مَخَافَةَ
أَنْ يَجْعَلَنِي فِي آخِرِهِمْ.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن شاهين أبو بشر الواسطي قال:
(أخبرنا) ولأبي ذر حدّثنا (خالد بن عبد الله) الطحان وسقط
لأبي ذر ابن عبد الله (عن خالد الحذاء) بالحاء المهملة
والذال المعجمة ابن مهران (عن أبي عثمان) عبد الرحمن
النهدي (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بعث عمرو بن العاص) كذا بغير ياء في الفرع كأصله بعد أن
عقد له لواء أبيض (على جيش ذات السلاسل)
وكانوا ثلاثمائة من سراة المهاجرين والأنصار ومعهم ثلاثون
فرسًا لما ذكر من أن جمعًا من قضاعة تجمعوا وأرادوا أن
يدنوا من أطراف المدينة وأمره أن يستعين بمن يمرّ به من
بليّ وعذرة وبلقين فسار الليل وكمن النهار، فلما قرب من
القوم بلغه أن لهم جميعًا كثيرًا فبعث رافع بن مكيث الجهني
إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يستمده
فبعث إليه أبا عبيدة بن الجراح في مائتين وعقد له لواء
وبعث معه سراة المهاجرين
(6/425)
والأنصار، وفيهم أبو بكر وعمر وأمره أن
يلحق بعمرو وأن يكونا جميعًا ولا يختلفا فلحق بعمرو فأراد
أبو عبيدة أن يؤم الناس فقال عمرو: إنما قدمت عليّ مددًا
وأنا الأمير فأطاع له بذلك أبو عبيدة فكان عمرو يصلّي
بالناس وسار حتى وطئ بلاد بليّ ودوّخها حتى أتى إلى أقصى
بلادهم وبلاد عذرة وبلقين، ولقي في آخر ذلك جمعًا فحمل
عليهم المسلمون فهربوا في البلاد وتفرقوا كذا ذكره ابن
سعد.
وعند الحاكم من حديث بريدة أن عمرو بن العاص أمرهم في تلك
الغزوة أن لا يوقدوا نارًا فأنكر ذلك عمر فقال أبو بكر
-رضي الله عنهما-: دعه فإن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يبعثه علينا إلا لعلمه بالحرب فسكت
عنه.
وعند ابن حبان أنه منعهم أن يوقدوا نارًا وأنهم لما هزموا
العدوّ أرادوا أن يتبعوهم فمنعهم، فلما انصرفوا ذكروا ذلك
للنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فسأله فقال:
كرهت أن آذن لهم أن يوقدوا نارًا فيرى العدوّ قلتهم وكرهت
أن يتبعوهم فيكون لهم مدد فحمد أمره.
(قال) عمرو: (فأتيته) لما قدمنا من جيش ذات السلاسل فقعدت
بين يديه (فقلت): يا رسول الله (أي الناس أحب إليك؟ قال):
(عائشة قلت: من الرجال؟ قال: أبوها. قلت: ثم من؟ قال: عمر)
بن الخطاب قال عمرو بن العاص (فعدّ رجالاً فسكت مخافة أن
يجعلني في آخرهم) أي في الفضل. وعند البيهقي قال عمرو:
فحدثت نفسي أنه لم يبعثني على قوم فيهم أبو بكر وعمر إلا
لمنزلة لي عنده فأتيته حتى قعدت بين يديه فقلت: يا رسول
الله من أحب الناس إليك؟ الحديث.
64 - باب ذَهَابُ جَرِيرٍ إِلَى الْيَمَنِ
(ذهاب جرير) أي ابن عبد الله البجلي (إلى) أهل (اليمن)
ليقاتلهم ويدعوهم إلى أن يقولوا لا إله إلا الله والظاهر
كما في الفتح أن هذا البعث غير بعثه إلى هدم ذي الخلصة.
4359 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ
الْعَبْسِيُّ حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ عَنْ قَيْسٍ عَنْ
جَرِيرٍ، قَالَ: كُنْتُ بِالْبَحْرِ فَلَقِيتُ رَجُلَيْنِ
مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ذَا كَلاَعٍ، وَذَا عَمْرٍو،
فَجَعَلْتُ أُحَدِّثُهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ لَهُ ذُو عَمْرٍو:
لَئِنْ كَانَ الَّذِي تَذْكُرُ مِنْ أَمْرِ صَاحِبِكَ
لَقَدْ مَرَّ عَلَى أَجَلِهِ مُنْذُ ثَلاَثٍ، وَأَقْبَلاَ
مَعِي حَتَّى إِذَا كُنَّا فِي بَعْضِ الطَّرِيقِ رُفِعَ
لَنَا رَكْبٌ مِنْ قِبَلِ الْمَدِينَةِ
فَسَأَلْنَاهُمْ، فَقَالُوا: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاسْتُخْلِفَ أَبُو
بَكْرٍ وَالنَّاسُ صَالِحُونَ، فَقَالاَ: أَخْبِرْ
صَاحِبَكَ أَنَّا قَدْ جِئْنَا وَلَعَلَّنَا سَنَعُودُ
إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَرَجَعَا إِلَى الْيَمَنِ
فَأَخْبَرْتُ أَبَا بَكْرٍ بِحَدِيثِهِمْ قَالَ: أَفَلاَ
جِئْتَ بِهِمْ؟ فَلَمَّا كَانَ بَعْدُ قَالَ لِي ذُو
عَمْرٍو: يَا جَرِيرُ إِنَّ بِكَ عَلَيَّ كَرَامَةً
وَإِنِّي مُخْبِرُكَ خَبَرًا إِنَّكُمْ مَعْشَرَ الْعَرَبِ
لَنْ تَزَالُوا بِخَيْرٍ مَا كُنْتُمْ إِذَا هَلَكَ
أَمِيرٌ تَأَمَّرْتُمْ فِي آخَرَ فَإِذَا كَانَتْ
بِالسَّيْفِ كَانُوا مُلُوكًا يَغْضَبُونَ غَضَبَ
الْمُلُوكِ وَيَرْضَوْنَ رِضَا الْمُلُوكِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي شيبة) هو عبد
الله بن محمد بن أبي شيبة إبراهيم بن عثمان أبو بكر الكوفي
الحافظ (للعبسي) بفتح العين وكسر السين المهملتين بينهما
موحدة ساكنة قال: (حدّثنا ابن إدريس) عبد الله الأودي
بسكون الواو أبو محمد الكوفي الثقة العابد (عن إسماعيل بن
أبي خالد) الأحمسي مولاهم العجلي (عن قيس) هو ابن أبي حازم
(عن جرير) البجلي -رضي الله عنه- أنه (قال: كنت بالبحر)
ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وابن عساكر باليمن (فلقيت رجلين
من أهل اليمن ذا الكلاع) بفتح الكاف واللام المخففة وبعد
الألف عين مهملة اسمه أسميفع بسكون السين المهملة وفتح
الميم وسكون التحتية وفتح الفاء بعدها عين مهملة، ويقال
أيفع بن باكوراء، ويقال ابن حوشب بن عمرو (وذا عمرو) بفتح
العين وكانا من ملوك اليمن وكان جرير قضى حاجته وأقبل
راجعًا يريد المدينة وكانا أيضًا قد عزما على التوجه إلى
المدينة.
قال جرير: (فجعلت أحدثهم) أي ذا كلاع وذا عمرو ومن معهما
(عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال
له): لجرير (ذو عمرو: لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك)
يعني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (لقد مرّ
على أجله منذ ثلاث) جواب الشرط مقدر أي إن أخبرتني بهذا
أخبرتك بهذا فالإخبار سبب للإخبار ومعرفة ذي عمرو بوفاته
عليه الصلاة والسلام إما بطريق الكهانة أو أنه كان من
المحدثين أو بسماع من بعض القادمين سرًّا قاله الكرماني،
وتعقبه في الفتح بأنه لو كان مستفادًا من غيره لما احتاج
إلى بناء ذلك على ما ذكره جرير، فالظاهر أنه قاله عن
اطّلاع من الكتب القديمة (وأقبلا معي) متوجهين إلى المدينة
(حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة)
بكسر القاف وفتح الموحدة أي من جهتها (فسألناهم فقالوا:
قبض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
واستخلف أبو بكر والناس صالحون فقالا): أي ذو الكلاع وذو
عمرو (أخبر صاحبك) أبا بكر -رضي الله عنه- (أنا قد جئنا
ولعلنا سنعود) إليه (إن شاء الله) تعالى (ورجعا إلى
اليمن).
قال جرير: (فأخبرت أبا بكر بحديثهم) جمع باعتبار من معهم
أو أن أقل الجمع اثنان (قال: أفلا جئت بهم) وروى سيف في
الفتوح أن أبا بكر بعث أنس بن مالك يستنفر أهل اليمن إلى
(6/426)
الجهاد فرحل ذو الكلاع ومن معه (فلما كان
بعد) بالبناء على الضم أي بعد هذا الأمر في خلافة عمر بن
الخطاب وهاجر ذو عمرو (قال لي ذو عمرو: يا جرير وإن بك
عليّ كرامة وإني مخبرك خبرًا إنكم معشر العرب لن تزالوا
بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمرتم) بقصر الهمزة وتشديد
الميم في
الفرع، وفي غيره بمد الهمزة وتخفيف الميم أي تشاورتم (في)
أمير (آخر) ومعنى المشدد أقمتم أميرًا منكم عن رضًا منكم
أو عهد من الأول (فإذا كانت) أي الإمارة (بالسيف) أي
بالقهر والغلبة (كانوا) أي الخلفاء (ملوكًا يغضبون غضب
الملوك وبرضون رضًا الملوك).
65 - باب غَزْوَةُ سِيفِ الْبَحْرِ وَهُمْ يَتَلَقَّوْنَ
عِيرًا لِقُرَيْشٍ وَأَمِيرُهُمْ أَبُو عُبَيْدَةَ -
رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -
(غزوة سيف البحر) بكسر السين المهملة وسكون التحتية بعدها
فاء أي ساحله (وهم يتلقون) أي يرصدون (عيرًا) بكسر العين
المهملة إبلاً تحمل ميرة (لقريش وأميرهم أبو عبيدة) عامر
وقيل عبد الله بن عامر (بن الجراح) الفهري القرشي وسقط ابن
الجراح لغير أبي ذر (-رضي الله عنه-).
4360 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ قَالَ: حَدَّثَنِي مَالِكٌ
عَنْ وَهْبِ بْنِ كَيْسَانَ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ -رضي الله عنهما- أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعْثًا
قِبَلَ السَّاحِلِ وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أَبَا عُبَيْدَةَ
بْنَ الْجَرَّاحِ وَهُمْ ثَلاَثُمِائَةٍ فَخَرَجْنَا
وَكُنَّا بِبَعْضِ الطَّرِيقِ فَنِيَ الزَّادُ فَأَمَرَ
أَبُو عُبَيْدَةَ بِأَزْوَادِ الْجَيْشِ فَجُمِعَ فَكَانَ
مِزْوَدَيْ تَمْرٍ فَكَانَ يَقُوتُنَا كُلَّ يَوْمٍ
قَلِيلٌ قَلِيلٌ، حَتَّى فَنِيَ فَلَمْ يَكُنْ يُصِيبُنَا
إِلاَّ تَمْرَةٌ تَمْرَةٌ، فَقُلْتُ مَا تُغْنِي عَنْكُمْ
تَمْرَةٌ، فَقَالَ: لَقَدْ وَجَدْنَا فَقْدَهَا حِينَ
فَنِيَتْ ثُمَّ انْتَهَيْنَا إِلَى الْبَحْرِ فَإِذَا
حُوتٌ مِثْلُ الظَّرِبِ فَأَكَلَ مِنْهَا الْقَوْمُ
ثَمَانَ عَشْرَةَ لَيْلَةً ثُمَّ أَمَرَ أَبُو عُبَيْدَةَ
بِضِلَعَيْنِ مِنْ أَضْلاَعِهِ فَنُصِبَا ثُمَّ أَمَرَ
بِرَاحِلَةٍ فَرُحِلَتْ، ثُمَّ مَرَّتْ تَحْتَهُمَا فَلَمْ
تُصِبْهُمَا.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس (قال: حدثني)
بالإفراد ولأبي ذر: حدّثنا (مالك) الإمام (عن وهب بن
كيسان) بفتح الكاف (عن جابر بن عبد الله) الأنصاري (-رضي
الله عنهما- أنه قال: بعث) ولأبي ذر: لما بعث (رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثًا) سنة ثمان (قبل
الساحل) أي جهته (وأمّر عليهم أبا عبيدة بن الجراح وهم) أي
الجيش (ثلاثمائة فخرجنا) التفات من الغيبة للتكلم (وكنا)
بالواو ولأبوي ذر والوقت فكنا (ببعض الطريق فني الزاد فأمر
أبو عبيدة بأزواد الجيش فجمع) بفتحات وفي اليونينية بضم
الجيم وكسر الميم (فكان) الذي جمعه (مزودي تمر) بكسر الميم
وفتح الواو والدال بكسر الميم ما يجعل فيه الزاد (فكان
يقوتنا) بضم القاف وسكون الواو (كل يوم قليل قليل) ولأبي
ذر يقوتنا بفتح القاف وكسر الواو المشدّدة كل يوم قليلاً
قليلاً بالنصب على المفعولية (حتى فني) ما في المزودين من
الزاد العام (فلم يكن يصيبنا) مما جمع ثانيًا من الأزواد
الخاصة (إلا تمرة تمرة) قال وهب: (فقلت) لجابر (ما تغني
عنكم تمرة؟ فقال: لقد وجدنا فقدها) مؤثرًا (حين فنيت) بفتح
الفاء (ثم انتهينا إلى) ساحل (البحر فإذا حوت مثل الظرب)
بفتح الظاء المعجمة المشالة وكسر الراء الجبل الصغير (فأكل
منها) وللأربعة منه أي من الحوت (القوم ثمان) ولأبي ذر:
ثماني (عشرة ليلة ثم أمر أبو عبيد بضلعين) بكسر الضاد
المعجمة وفتح اللام (من أضلاعه) أن ينصبا (فنصبا) كان
الأصل أن يقول: فنصبتا بالتاء لكنه غير حقيقي التأنيث (ثم
أمر براحلته) أن ترحل
(فرحلت) بتخفيف الحاء ولأبي ذر بتشديدها (ثم مرت) بضم
الميم وتشديد الراء مبنيًا للمفعول وفي اليونينية بفتح
الميم (تحتهما) تحت الضلعين (فلم تصبهما) الراحلة لعظمهما.
4361 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ: الَّذِي حَفِظْنَاهُ مِنْ عَمْرِو بْنِ
دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ
يَقُولُ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثَلاَثَمِائَةِ رَاكِبٍ، أَمِيرُنَا
أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ نَرْصُدُ عِيرَ
قُرَيْشٍ فَأَقَمْنَا بِالسَّاحِلِ نِصْفَ شَهْرٍ
فَأَصَابَنَا جُوعٌ شَدِيدٌ حَتَّى أَكَلْنَا الْخَبَطَ
فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْجَيْشُ جَيْشَ الْخَبَطِ فَأَلْقَى
لَنَا الْبَحْرُ دَابَّةً يُقَالُ لَهَا: الْعَنْبَرُ،
فَأَكَلْنَا مِنْهُ نِصْفَ شَهْرٍ، وَادَّهَنَّا مِنْ
وَدَكِهِ حَتَّى ثَابَتْ إِلَيْنَا أَجْسَامُنَا فَأَخَذَ
أَبُو عُبَيْدَةَ ضِلَعًا مِنْ أَضْلاَعِهِ، فَنَصَبَهُ
فَعَمَدَ إِلَى أَطْوَلِ رَجُلٍ مَعَهُ قَالَ سُفْيَانُ
مَرَّةً: ضِلَعًا مِنْ أَضْلاعِهِ فَنَصَبَهُ وَأَخَذَ
رَجُلاً وَبَعِيرًا فَمَرَّ تَحْتَهُ، قَالَ جَابِرٌ:
وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ
ثُمَّ نَحَرَ ثَلاَثَ جَزَائِرَ، ثُمَّ نَحَرَ ثَلاَثَ
جَزَائِرَ ثُمَّ إِنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ نَهَاهُ. وَكَانَ
عَمْرٌو يَقُولُ: أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ أَنَّ قَيْسَ
بْنَ سَعْدٍ قَالَ لأَبِيهِ: كُنْتُ فِي الْجَيْشِ
فَجَاعُوا، قَالَ انْحَرْ قَالَ: نَحَرْتُ قَالَ: ثُمَّ
جَاعُوا قَالَ: انْحَرْ قَالَ: نَحَرْتُ، قَالَ: ثُمَّ
جَاعُوا، قَالَ: انْحَرْ، قَالَ: نَحَرْتُ ثُمَّ جَاعُوا
قَالَ: انْحَرْ، قَالَ: نُهِيتُ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (قال: الذي حفظناه من عمرو بن دينار قال:
سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي الله عنهما- (يقول:
بعثنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ثلاثمائة راكب أميرنا) جملة حالية بدون الواو ولأبي ذر
وأميرنا (أبو عبيدة بن الجراح نرصد عير قريش فأقمنا
بالساحل نصف شهر) ففنيت أزوادنا (فأصابنا جوع شديد حتى
أكلنا الخبط) بفتح الخاء المعجمة والموحدة بعدها طاء مهملة
ورق السلم (فسمي ذلك الجيش جيش الخبط فألقى لنا البحر
دابة) من السمك (يقال لها العنبر) يتخذ من جلدها الأتراس
(فأكلنا منه) من الحوت (نصف شهر) في الرواية السابقة ثمان
عشرة ليلة قيل القائل بالزيادة ضبط ما لم يضبطه الآخر
القائل بهذا الثاني ولعله ألغى الزائد وهو الثلاثة
(وادّهنا) بهمزة وصل وتشديد الدال المهملة (من ودكه) بفتح
الواو والدال المهملة من شحمه (حتى ثابت) بالمثلثة وبعد
الألف موحدة ففوقية أي رجعت (إلينا أجسامنا) إلى ما كانت
عليه من القوّة والسمن بعدما هزلت من الجوع (فأخذ أبو
عبيدة ضلعًا من أضلاعه) ولأبي ذر عن المستملي من أعضائه
(فنصبه فعمد) بفتح الميم (إلى أطول رجل معه) هو قيس بن سعد
بن عبادة
(6/427)
(قال سفيان) بن عيينة (مرة ضلعًا من
أضلاعه) وللمستملي من أعضائه (فنصبه) سقط فنصبه لأبي ذر
(وأخذ رجلاً وبعيرًا فأمر تحته) راكبًا عليه (قال): ولأبي
ذر فقال (جابر كان رجل من القوم نحر ثلاث جزائر) عندما
جاعوا (ثم نحر ثلاث جزائر ثم نحر ثلاث جزائر) بالتكرار
ثلاث مرات والجزائر جمع جزور وهو البعير ذكرًا كان أو أنثى
(ثم إن أبا عبيدة نهاه) عن ذلك لأجل قلة الظهر.
(وكان عمرو) بن دينار (يقول: أخبرنا أبو صالح) ذكوان
السمان (أن قيس بن سعد)
الصحابي (قال لأبيه): سعد بن عبادة لما رجعوا (كنت في
الجيش فجاعوا قال: انحر. قال): قلت له (نحرت. قال: ثم
جاعوا قال) لي: (انحر قال) قلت له (نحرت قال: ثم جاعوا
قال: انحر قال) قلت له (نحرت ثم جاعوا قال: انحر قال): قلت
له (قد نهيت) بضم النون وكسر الهاء مبنيًّا للمفعول أي
نهاني أبو عبيدة وتكرر قوله انحر أربع مرات وهذا صورته
صورة المرسل لأن عمرو بن دينار لم يدرك زمان تحديث قيس
لأبيه بذلك. نعم رواه الحميدي في مسنده فيما أخرجه أبو
نعيم في مستخرجه من طريقه بلفظ عن أبي صالح عن قيس بن سعد
بن عبادة قال: قلت لأبي وكنت في ذلك الجيش جيش الخبط فأصاب
الفاس جوع قال لي انحر فذكره.
4362 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنِ
ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو أَنَّهُ
سَمِعَ جَابِرًا -رضي الله عنه- يَقُولُ: غَزَوْنَا جَيْشَ
الْخَبَطِ، وَأُمِّرَ أَبُو عُبَيْدَةَ فَجُعْنَا جُوعًا
شَدِيدًا فَأَلْقَى الْبَحْرُ حُوتًا مَيِّتًا لَمْ نَرَ
مِثْلَهُ، يُقَالُ لَهُ: الْعَنْبَرُ فَأَكَلْنَا مِنْهُ
نِصْفَ شَهْرٍ، فَأَخَذَ أَبُو عُبَيْدَةَ عَظْمًا مِنْ
عِظَامِهِ، فَمَرَّ الرَّاكِبُ تَحْتَهُ فَأَخْبَرَنِي
أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا يَقُولُ:
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ كُلُوا فَلَمَّا قَدِمْنَا
الْمَدِينَةَ ذَكَرْنَا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «كُلُوا رِزْقًا
أَخْرَجَهُ اللَّهُ أَطْعِمُونَا إِنْ كَانَ مَعَكُمْ»
فَأَتَاهُ بَعْضُهُمْ فَأَكَلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا يحيى)
القطان (عن ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز أنه (قال:
أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن دينار (أنه سمع
جابرًا -رضي الله عنه- يقول: غزونا جيش الخيط وأمر أبو
عبيدة) بن الجراح بضم الهمزة مبنيًا للمفعول أمره النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- علينا (فجعنا جوعًا
شديدًا فألقى البحر) ولأبي ذر لنا البحر (حوتًا ميتًا لم
نر مثله) في العظم (يقال له العنبر) ويقال إن العنبر الذي
يشم رجيع هذه الدالة، وقيل إنه يخرج من قعر البحر يأكله
بعض دوابه لدسومته فيقذفه رجيعًا فيوجد كالحجارة الكبار
يطفو على الماء فتلقيه الريح إلى الساحل وهو يقوي القلب
والدماغ نافع من الفالج واللوقة والبلغم الغليظ، وقال
الشافعي -رحمه الله-: سمعت من قال رأيت العنبر نابتًا في
البحر ملتويًا مثل عنق الشاة وله رائحة ذكية، وفي البحر
دويبة تقصد لذكاء ريحه وهو سمها فتأكله فيقتلها ويلفظها
البحر فيخرج العنبر من بطنها (فأكلنا منه نصف شهر فأخذ أبو
عبيدة عظمًا من عظامه فمر الراكب تحته). قال ابن جريج
(فأخبرني) بالفاء والإفراد ولأبوي ذر والوقت وأخبرني (أبو
الزبير) محمد بن مسلم المكي بالسند السابق (أنه سمع جابرًا
يقول: قال) ولأبي الوقت فقال (أبو عبيدة: كلوا) أي من
الحوت فأكلنا (فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(كلوا رزقًا أخرجه الله) لكم (أطعمونا إن كان معكم) منه
شيء (فآتاه) بالمد أي أعطاه (بعضهم) وللأصيلي ونسبها في
الفتح لابن السكن فأتاه بعضهم بعضو منه (فأكله) وفيه حل
ميتة السمك وغير ذلك مما لا يخفى.
وفي هذه السرية كان عمر بن الخطاب وقد روينا حديثها في
الغيلانيات، وفيه أنه لما أصابهم
الجوع قال قيس بن سعد: من يشتري مني تمرًا بجزر يوفني
الجزر هاهنا وأوفيه التمر بالمدينة، فجعل عمر يقول:
واعجباه لهذا الغلام لا مال له يدين فيما لغيره وأنه ابتاع
خمس جزائر كل جزور بوسق من تمر فنحرها لهم في مواطن ثلاثة
كل يوم جزورًا، فلما كان اليوم الرابع نهاه أميره فقال:
أتريد أن تخفر ذمتك ولا مال لك؟ فلما قدم قيس لقيه سعد
فقال: ما صنعت في مجاعة القوم؟ قال: نحرت، قال: أصبت. قال:
ثم ماذا؟ قال: نحرت. قال: أصبت. قال: ثم ماذا؟ قال: نحرت.
قال: أصبت. قال: ثم ماذا؟ قال: نهيت. قال: ومن نهاك؟ قال:
أبو عبيدة أميري. قال: ولم؟ قال: زعم أن لا مال لي وإنما
المال لأبيك. قال فلك أربع حوائط أدناها حائط تجد منه
خمسين وسقًا. الحديث بطوله اقتصرت منه على المراد.
66 - باب حَجُّ أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ فِي سَنَةِ تِسْعٍ
(حج أبي بكر) الصديق -رضي الله عنه- (بالناس في سنة تسع)
من الهجرة.
4363 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أَبُو
الرَّبِيعِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ
حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
أَنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ -رضي الله عنه- بَعَثَهُ
فِي الْحَجَّةِ الَّتِي أَمَّرَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
يَوْمَ النَّحْرِ فِي رَهْطٍ يُؤَذِّنُ فِي النَّاسِ لاَ
يَحُجُّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلاَ يَطُوفُ
بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ". [الحديث 4363 - أطرافه في: 4605،
4654، 6744].
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (سليمان بن
داود
(6/428)
أبو الربيع) بفتح الراء وكسر الموحدة
العتكي البصري قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام
وبعد التحتية الساكنة حاء مهملة ابن سليمان (عن الزهري)
محمد بن مسلم بن شهاب (عن حميد بن عبد الرحمن) بن عوف (عن
أبي هريرة أن أبا بكر الصديق -رضي الله عنه-) سقط الصديق
لأبي ذر (بعثه في الحجة التي أمره) بتشديد الميم أي جعله
(عليها) أميرًا (النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قبل حجة الوداع يوم النحر) زاد في الحج بمنى
(في) جملة (رهط) وهو ما دون العشرة من الرجال (يؤذن) بفتح
الهمزة وتشديد المعجمة المكسورة يعلم الرهط أو أبو هريرة
على الالتفات (في الناس لا يحج) ولأبي ذر أن لا يحج (بعد)
هذا (العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان) برفع يطوف أو نصبه
عطفًا على لا يحج وأن لا يحج ولأبوي الوقت وذر: ولا يطوفن
بنون التوكيد الثقيلة.
4364 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ حَدَّثَنَا
إِسْرَائِيلُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ -رضي
الله عنه- قَالَ: آخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ كَامِلَةً
بَرَاءَةٌ وَآخِرُ سُورَةٍ نَزَلَتْ خَاتِمَةُ سُورَةِ
النِّسَاءِ {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي
الْكَلاَلَةِ} [النساء: 176].
وبه قال: (حدثني عبد الله بن رجاء) بالراء والجيم الغداني
البصري قال: (حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي
إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب
(-رضي الله عنه-) أنه (قال: آخر سورة نزلت) حال كونها
(كاملة براءة وآخر سورة نزلت خاتمة سورة النساء) {يستفتونك
قل الله يفتيكم في الكلالة} [النساء: 176].
استشكل قوله هنا كاملة الساقط من روايته في تفسير براءة من
حيث إنها نزلت شيئًا فشيئًا فالمراد بعضها أو معظمها وإلاّ
ففيها آيات كثيرة نزلت قبل سنة الوفاة النبوية، فلعل
المراد بقوله سورة في الموضعين القطعة من القرآن أو
الإضافة بمعنى من البيانية أي في آخر سورة، وإزالة الإشكال
بالتعبير آخر آية نزلت، ويأتي إن شاء الله في التفسير مزيد
لذلك والله الموفق والمعين لا إله غيره.
67 - باب وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ
(وفد بني تميم) أي ابن مر بضم الميم وتشديد الراء ابن أد
بضم الهمزة وتشديد الدال المهملة ابن طابخة بموحدة مكسورة
وخاء معجمة مفتوحة ابن الياس بن مضر وقد كانت الوفود بعد
رجوعه عليه الصلاة والسلام من الجعرانة في أواخر سنة ثمان
وما بعدها وعند ابن هشام أن سنة تسع كانت تسمى سنة الوفود.
4365 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
عَنْ أَبِي صَخْرَةَ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ
الْمَازِنِيِّ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ -رضي الله
عنهما- قَالَ: أَتَى نَفَرٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «اقْبَلُوا
الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ» قَالُوا: يَا رَسُولَ
اللَّهِ قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا فَرِيءَ ذَلِكَ فِي
وَجْهِهِ فَجَاءَ نَفَرٌ مِنَ الْيَمَنِ فَقَالَ:
«اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو
تَمِيمٍ» قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري (عن أبي صخرة) بالصاد المهملة المفتوحة
والخاء المعجمة الساكنة جامع بن شداد المحاربي الكوفي (عن
صفوان بن محرز) بضم الميم وسكون الحاء وكسر الراء بعدها
زاي (المازني عن عمران بن حصين) بضم الحاء وفتح الصاد
المهملتين (-رضي الله عنهما-) أنه (قال: أتى نفر) عدّة
رجال من ثلاثة إلى عشرة في سنة تسع (من بني تميم النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) لهم عليه
الصلاة والسلام:
(اقبلوا البشرى) بدخول الجنة (يا بني تميم) وذلك أنه عليه
الصلاة والسلام عرفهم أصول العقائد التي هي المبدأ والمعاد
(قالوا: يا رسول الله قد بشرتنا) وإنما جئنا للاستعطاء
(فأعطنا) بهمزة قطع من المال (فريء) بكسر الراء وسكون
التحتية بعدها همزة ولأبي ذر فرئي بضم الراء بعدها همزة
فتحتية (ذلك في وجهه) وفي بدء الخلق فتغير وجهه أي أسفًا
عليهم لإيثارهم الدنيا (فجاء نفر من اليمن) من الأشعريين
(فقال) عليه الصلاة والسلام لهم: (أقبلوا البشرى) بالجنة
(إذ لم يقبلها بنو تميم قالوا: قد قبلنا) ذلك (يا رسول
الله).
وقد مرّ هذا الحديث في أوائل بدء الخلق.
68 - باب
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ غَزْوَةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنِ
بْنِ حُذَيْفَةَ بْنِ بَدْرٍ بَنِي الْعَنْبَرِ مِنْ بَنِي
تَمِيمٍ بَعَثَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلَيْهِمْ فَأَغَارَ وَأَصَابَ مِنْهُمْ
نَاسًا وَسَبَى مِنْهُمْ نِسَاءً.
هذا (باب) بالتنوين (قال ابن إسحاق) محمد صاحب المغازي
(غزوة عيينة بن حصن بن حذيفة بن بدر) غزوة مصدر مضاف
لفاعله ومفعوله (بني العنبر من بني تميم بعثه النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إليهم) لما قيل فيما
ذكره الواقدي أنهم أغاروا على ناس من خزاعة (فأغار) عليهم
عيينة ومن معه وكانوا خمسين ليس فيهم أنصاري ولا مهاجري
(وأصاب منهم ناسًا وسبى منهم نساء) ولأبي ذر عن الكشميهني:
سباء بسين مكسورة بعدها موحدة، وعند الواقدي أنه أسر منهم
أحد عشر رجلاً وإحدى عشرة امرأة وثلاثين صبيًا فقدم
رؤساؤهم بسبب ذلك.
4366 - حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ عَنْ عُمَارَةَ بْنِ الْقَعْقَاعِ عَنْ أَبِي
زُرْعَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: لاَ
أَزَالُ أُحِبُّ بَنِي تَمِيمٍ بَعْدَ ثَلاَثٍ، سَمِعْتُهُ
مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُهَا فِيهِمْ «هُمْ أَشَدُّ أُمَّتِي عَلَى
الدَّجَّالِ» وَكَانَتْ فِيهِمْ سَبِيَّةٌ عِنْدَ
عَائِشَةَ فَقَالَ: «أَعْتِقِيهَا فَإِنَّهَا مِنْ وَلَدِ
إِسْمَاعِيلَ» وَجَاءَتْ صَدَقَاتُهُمْ فَقَالَ: «هَذِهِ
صَدَقَاتُ قَوْمٍ أَوْ قَوْمِي».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (زهير بن حرب) أبو خيثمة
النسائي والد أبي بكر بن أبي خيثمة قال: (حدّثنا جرير) هو
ابن عبد الحميد الرازي (عن عمارة بن القعقاع عن أبي زرعة)
هرم البجلي الكوفي
(6/429)
(عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه قال:
(لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث) من الخصال (سمعته من رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يقولها) أنّث
ضمير يقولها باعتبار الثلاث وذكره في سمعته باعتبار اللفظ
وللأصيلي سمعتهن باعتبار المعنى (فيهم):
(هم أشداء أمتي على الدجال) أي إذا خرج (وكانت فيهم) ولأبي
ذر عن الكشميهني منهم (سبية) بفتح السين المهملة وكسر
الموحدة وتشديد التحتية أي جارية مسبية (عند عائشة) وكان
على عائشة نذر عتق من ولد إسماعيل (فقال: أعتقيها فإنها من
ولد إسماعيل) وتعيين اسم المعتقة هذه سبق في باب من ملك من
العرب في العتق (وجاءت صدقاتهم) أي صدفات بني تميم (فقال)
عليه الصلاة والسلام: (هذه صدقات قوم أو قومي) بياء النسب
لاجتماع نسبة الشريف بنسبهم في إلياس بن مضر.
4367 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ، أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ أَخْبَرَهُمْ
عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
الزُّبَيْرِ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ قَدِمَ رَكْبٌ مِنْ
بَنِي تَمِيمٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَمِّرِ الْقَعْقَاعَ
بْنَ مَعْبَدِ بْنِ زُرَارَةَ، قَالَ عُمَرُ: بَلْ أَمِّرِ
الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ، قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا
أَرَدْتَ إِلاَّ خِلاَفِي قَالَ عُمَرُ: مَا أَرَدْتُ
خِلاَفَكَ فَتَمَارَيَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا
فَنَزَلَ فِي ذَلِكَ:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ
يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ} [الحجرات: 1]. حَتَّى
انْقَضَتْ. [الحديث 4367 - أطرافه في: 4845، 4847، 7302].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن موسى) الفراء
الرازي الصغير قال: (حدّثنا هشام بن يوسف) الصنعاني (أن
ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (أخبرهم عن ابن أبي
مليكة) عبد الله (أن عبد الله بن الزبير أخبرهم أنه قدم
ركب من بني تميم على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وسألوا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، أن يؤمر عليهم أحدًا (فقال أبو بكر) الصديق
-رضي الله عنه-: يا رسول الله (أمّر القعقاع) بضم القافين
(ابن معبد بن زرارة) عليهم (فقال عمر) بن الخطاب (بل أمّر
الأقرع بن حابس) عليهم يا رسول الله (قال أبو بكر) لعمر
-رضي الله عنهما-: (ما أردت إلا خلافي) أي ليس مقصودك إلا
مخالفة قولي (قال عمر: ما أردت خلافك فتماريا) أي تجادلا
وتخاصما (حتى ارتفعت أصواتهما) بحضرته عليه الصلاة والسلام
(فنزل في ذلك: {يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا} [الحجرات:
1] حتى انقضت) أي الآية، ويأتي إن شاء الله تعالى في تفسير
سورة الحجرات مزيد لذلك.
69 - باب وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ
(باب وفد عبد القيس) بن أفصى بفتح الهمزة وسكون الفاء وفتح
الصاد المهملة ابن دعميّ بضم الدال وسكون العين المهملتين
وكسر الميم بعدها تحتية ثقيلة ابن جديلة بالجيم بوزن كبيرة
ابن أسد بن ربيعة بن نزار، وهي قبيلة كبيرة يسكنون البحرين
وهي أول قرية أقيمت فيها الجمعة بعد المدينة وسقط الباب
لأبي ذر فوفد رفع.
4368 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا أَبُو عَامِرٍ
الْعَقَدِيُّ، حَدَّثَنَا قُرَّةُ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ،
قُلْتُ لاِبْنِ عَبَّاسٍ: إِنَّ لِي جَرَّةً يُنْتَبَذُ
لِي نَبِيذٌ فَأَشْرَبُهُ حُلْوًا فِي جَرٍّ إِنْ
أَكْثَرْتُ مِنْهُ فَجَالَسْتُ الْقَوْمَ فَأَطَلْتُ
الْجُلُوسَ خَشِيتُ أَنْ أَفْتَضِحَ فَقَالَ: قَدِمَ
وَفْدُ عَبْدِ الْقَيْسِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «مَرْحَبًا
بِالْقَوْمِ غَيْرَ خَزَايَا وَلاَ النَّدَامَى»
فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكَ الْمُشْرِكِينَ مِنْ مُضَرَ وَإِنَّا لاَ
نَصِلُ إِلَيْكَ إِلاَّ فِي أَشْهُرِ الْحُرُمِ،
حَدِّثْنَا بِجُمَلٍ مِنَ الأَمْرِ إِنْ عَمِلْنَا بِهِ
دَخَلْنَا الْجَنَّةَ وَنَدْعُو بِهِ مَنْ وَرَاءَنَا،
قَالَ: «آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ
أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللَّهِ هَلْ تَدْرُونَ مَا
الإِيمَانُ بِاللَّهِ؟ شَهَادَةُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ، وَإِقَامُ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ،
وَصَوْمُ رَمَضَانَ، وَأَنْ تُعْطُوا مِنَ الْمَغَانِمِ
الْخُمُسَ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ أَرْبَعٍ: مَا انْتُبِذَ
فِي الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْحَنْتَمِ،
وَالْمُزَفَّتِ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق) بن إبراهيم بن راهويه
قال: (أخبرنا أبو عامر) عبد الملك بن عمرو (العقدي) بفتح
العين والقاف قال: (حدّثنا قرة) بضم القاف وتشديد الراء
ابن خالد السدوسي (عن أبي جمرة) بالراء والجيم نصر بن
عمران الضبعي أنه قال: (قلت لابن عباس) -رضي الله عنهما-
(إن لي جرة ينتبذ) بضم التحتية وفتح الموحدة مبنيًا
للمفعول (لي فيها نبيذ) كذا
في الفرع وأصله وفي غيره تنتبذ بفوقية بدل التحتية لي نبيذ
بالنصب، ولم يضبط ذلك الحافظ ابن حجر وقال: إسناد الفعل
إلى الجرة مجاز انتهى. وقال بعضهم: لعله جارية تنتبذ
(فأشربه حلوًا) كائنة تلك الجرة التي ينتبذ لي فيها (في)
جملة (جرّ) بفتح الجيم وتشديد الراء جمع جرّة كجرار (إن
كثرت منه) شربًا (فجالست القوم فأطلت الجلوس) معهم (خشيت
أن أفتضح) لأني أصير في حال مثل حال السكارى (فقال): أي
ابن عباس (قدم وفد عبد القيس) القدمة الثانية (على رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وكانوا ثلاثة
عشر راكبًا كبيرهم الأشج.
وسمي منهم في التحرير: منقذ بن حبان، ومزيدة بن مالك،
وعمرو بن مرجوم، والحارث ابن شعيب، وعبيدة بن همام،
والحارث بن جندب، وصحار بن العباس بصاد مضمومة وحاء
مهملتين. وعند ابن سعد منهم: عتبة بن جروة. وفي سنن أبي
داود: قيس بن النعمان العبدي، وفي مسند البزار: الجهم بن
قثم، وعند أحمد: الرسيم العبدي، وفي المعرفة لأبي نعيم:
جويرية العبدي، وفي الأدب للبخاري: الزراع بن عامر العبدي،
وأما ما عند الدولابي من أنهم كانوا أربعين، فيحتمل أن
يكون الثلاثة عشر رؤوسهم، ولذا كانوا ركبانًا والباقون
أتباعًا.
(فقال: مرحبًا بالقوم) حال كونهم (غير خزايا ولا الندامى)
بالألف واللام (فقالوا: يا رسول الله إن بيننا وبينك
المشركين من مضر) فيه الدلالة على تقدم إسلامهم على مضر
(وإنا
(6/430)
لا نصل إليك إلا في أشهر الحرم) لحرمة
القتال فيها عندهم (حدّثنا) بكسر الدال المشدّدة بصيغة
الطلب (بجمل من الأمر إن عملنا به) أي بالأمر (دخلنا
الجنة) برحمة الله (وندعو به من وراءنا) من قومنا الذين
خلفناهم في بلادنا (قال: آمركم بأربع) أي بأربع جُمل
(وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله) بالجرّ بدلاً من أربع
الأولى (هل تدرون ما الإيمان بالله) قالوا: الله ورسوله
أعلم. قال: هو (شهادة أن لا إله إلا الله) زاد في الإيمان
وأن محمدًا رسول الله (وإقام الصلاة) إنما ذكر الشهادة
تبركًا بها لأنهم كانوا مسلمين مقرين بكلمتي الشهادة لكن
ربما كانوا يظنون أن الإيمان مقصور عليهما كما كان ذلك في
ابتداء الإسلام فالمراد إقام الصلاة وما يليها وهو قوله:
(وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا من المغانم الخمس)
ولم يذكر الحج لكونه على التراخي أو لعدم استطاعتهم له من
أجل كفار مضر أو لم يكن فرض أو لم يقصد إعلامهم بجميع
الأحكام التي يجب عليهم فعلاً أو تركًا، ولذلك اقتصر في
المناهي على الانتباذ، وأما في الصيام من سنن البيهقي
الكبرى من زيادة ذكر الحج فهي رواية شاذة، وأبو قلابة
الرقاشي المذكور في سنده تغير حفظه في آخر أمره، فلعل هذا
مما حدث به في التغير والله أعلم.
(وأنهاكم عن أربع ما انتبذ) وفي الإيمان من الانتباذ وهي
من إطلاق المحل وإرادة الحال كما صرح به في رواية هذا
الباب كرواية النساني ما ينتبذ (في الدباء) اليقطين
(والنقير) وهو أصل النخلة ينقر فيتخذ منه وعاء (والحمم)
بالحاء المهملة والنون والفوقية الجرة الخضراء (والمزفت)
المطلي بالزفت واقتصر من المناهي على هذه الأربعة لكثرة
تعاطيهم لها.
4369 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَبِي جَمْرَةَ، قَالَ:
سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ: قَدِمَ وَفْدُ عَبْدِ
الْقَيْسِ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا هَذَا
الْحَيَّ مِنْ رَبِيعَةَ، وَقَدْ حَالَتْ بَيْنَنَا
وَبَيْنَكَ كُفَّارُ مُضَرَ فَلَسْنَا نَخْلُصُ إِلَيْكَ
إِلاَّ فِي شَهْرٍ حَرَامٍ، فَمُرْنَا بِأَشْيَاءَ
نَأْخُذُ بِهَا وَنَدْعُو إِلَيْهَا مَنْ وَرَاءَنَا
قَالَ: «آمُرُكُمْ بِأَرْبَعٍ، وَأَنْهَاكُمْ عَنْ
أَرْبَعٍ: الإِيمَانِ بِاللَّهِ، شَهَادَةِ أَنْ لاَ
إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَعَقَدَ وَاحِدَةً، وَإِقَامِ
الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَأَنْ تُؤَدُّوا
لِلَّهِ خُمْسَ مَا غَنِمْتُمْ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ
الدُّبَّاءِ، وَالنَّقِيرِ، وَالْحَنْتَمِ،
وَالْمُزَفَّتِ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
حماد بن زيد بن أبي جمرة) بالجيم الضبعي أنه قال: (سمعت
ابن عباس) -رضي الله عنهما- (يقول: قدم وفد عبد القيس على
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: يا
رسول الله إنّا هذا الحي من ربيعة) والحي اسم لمنزلة
القبيلة ثم سميت القبيلة به لأن بعضهم يحيا ببعض (وقد حالت
بيننا وبينك كفار مضر فلسنا نخلص) بضم اللام (إليك إلا في
شهر حرام فمرنا) بضم الميم أصله أؤمرنا بهمزتين فحذفت
الهمزة الأصلية للاستثقال فصار أمرنا فاستغنى عن همزة
الوصل فحذفت فبقي مر على وزن عل لأن المحذوف فاء الفعل
(بأشياء نأخذ بها وندعو إليها من وراءنا) أي خلفنا من
قولنا (قال) عليه الصلاة والسلام:
(آمركم بأربع وأنهاكم عن أربع: الإيمان بالله شهادة أن لا
إله إلا الله) أي وأن محمدًا رسول الله كما صرح به في
رواية أخرى والاقتصار على الأولى لكونها صارت علمًا
عليهما. وفي الزكاة وشهادة بزيادة واو وهي زيادة شاذة لم
يتابع عليها حجاج بن منهال أحد (وعقد) بيده (واحدة) وهذا
يدل على أن الشهادة إحدى الأربع (وإقام الصلاة وإيتاء
الزكاة وأن تؤدوا لله خمس ما غنمتم) ولم يذكر الصوم وسقط
لفظ لله في الفرع وثبت في الأصل وفي نسخة إلى الله
(وأنهاكم عن) الانتباذ أو المنبوذ في (الدباء والنقير
والحنتم والمزفت).
وفي مسند أبي داود الطيالسي بإسناد حسن عن أبي بكرة قال:
أما الدباء فإن أهل الطائف كانوا يأخذون القرع فيخرطون فيه
العنب ثم يدفنونه حتى يهدر ثم يموت، وأما النقير فإن أهل
اليمامة كانوا ينقرون أصل النخلة ثم ينبذون الرطب والبسر
ثم يدعونه حتى يهدر ثم يموت، وأما الحنتم فجرار يحمل إلينا
فيها الخمر، وأما المزفت فهذه الأوعية التي فيها الزفت.
وتفسير الصحابي أولى أن يعتمد عليه من غيره لأنه أعلم
بالمراد ومعنى النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية بخصوصها
أنه يسرع إليها الإسكار، فربما شرب منها من لم يشعر بذلك
ثم ثبتت الرخصة في الانتباذ في كل وعاء مع النهي عن شرب كل
مسكر، كما سيأتي البحث فيه في كتاب الأشربة إن شاء الله
تعالى.
4370 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ حَدَّثَنِي
ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، وَقَالَ بَكْرُ بْنُ
مُضَرَ: عَنْ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ عَنْ بُكَيْرٍ أَنَّ
كُرَيْبًا مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ حَدَّثَهُ أَنَّ ابْنَ
عَبَّاسٍ وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ
أَزْهَرَ وَالْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ أَرْسَلُوا إِلَى
عَائِشَةَ فَقَالُوا: اقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلاَمَ مِنَّا
جَمِيعًا وَسَلْهَا عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ
الْعَصْرِ، وَإِنَّا أُخْبِرْنَا أَنَّكِ تُصَلِّيهَا
وَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نَهَى عَنْهَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:
وَكُنْتُ أَضْرِبُ مَعَ عُمَرَ النَّاسَ عَنْهُمَا، قَالَ
كُرَيْبٌ: فَدَخَلْتُ عَلَيْهَا وَبَلَّغْتُهَا مَا
أَرْسَلُونِي فَقَالَتْ: سَلْ أُمَّ سَلَمَةَ،
فَأَخْبَرْتُهُمْ فَرَدُّونِي إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ
بِمِثْلِ مَا أَرْسَلُونِي إِلَى عَائِشَةَ، فَقَالَتْ
أُمُّ سَلَمَةَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَنْهَى عَنْهُمَا وَإِنَّهُ صَلَّى
الْعَصْرَ ثُمَّ دَخَلَ عَلَيَّ وَعِنْدِي نِسْوَةٌ مِنْ
بَنِي حَرَامٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَصَلاَّهُمَا
فَأَرْسَلْتُ إِلَيْهِ الْخَادِمَ فَقُلْتُ قُومِي إِلَى
جَنْبِهِ فَقُولِي تَقُولُ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَلَمْ أَسْمَعْكَ تَنْهَى عَنْ هَاتَيْنِ
الرَّكْعَتَيْنِ فَأَرَاكَ تُصَلِّيهِمَا فَإِنْ أَشَارَ
بِيَدِهِ فَاسْتَأْخِرِي فَفَعَلَتِ الْجَارِيَةُ
فَأَشَارَ بِيَدِهِ فَاسْتَأْخَرَتْ عَنْهُ، فَلَمَّا
انْصَرَفَ قَالَ: «يَا بِنْتَ أَبِي أُمَيَّةَ سَأَلْتِ
عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَصْرِ؟ إِنَّهُ أَتَانِي
أُنَاسٌ مِنْ عَبْدِ الْقَيْسِ بِالإِسْلاَمِ مِنْ
قَوْمِهِمْ فَشَغَلُونِي عَنِ الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ
بَعْدَ الظُّهْرِ فَهُمَا هَاتَانِ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) الجعفي الكوفي سكن مصر
قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي ذر حدّثنا (ابن وهب) عبد الله
المصري قال: (أخبرني) بالإفراد (عمرو) بفتح العين ابن
(6/431)
الحارث (وقال بكر بن مضر): بفتح الموحدة في
الأوّل وضم الميم في الثاني القرشي المصري مما وصله
الطحاوي (عن عمرو بن الحارث عن بكير) بضم الموحدة وفتح
الكاف ابن عبد الله -رضي الله عنه- ابن الأشج المخزومي (أن
كريبًا) بضم الكاف وفتح الراء وسكون التحتية بعدها موحدة
(مولى ابن عباس حدثه أن ابن عباس وعبد الرحمن بن أزهر)
القرشي الزهري الصحابي عم عبد الرحمن بن عوف (والمسور بن
مخرمة) الزهري الصحابي الثلاثة (أرسلوا إلى عائشة) -رضي
الله عنها- (فقالوا) له: (اقرأ عليها السلام منا جميعًا
وسلها عن الركعتين) أي عن صلاتهما (بعد العصر وإنا) بالواو
ولأبي ذر فإنا (أخبرنا) بضم الهمز وكسر الموحدة قال: في
الفتح لم أقف على تسمية المخبر ولعله عبد الله بن الزبير
(أنك تصليها) بكسر الكاف والضمير للصلاة ولأبي ذر عن
الكشميهني تصلينها بنون بعد التحتية وله عن الحموي
والمستملي تصليهما بالتثنية بلا نون أي الركعتين (وقد
بلغنا أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نهى
عنها) أي عن الصلاة بعد العصر وللكشميهني عنهما.
(قال ابن عباس): بالسند السابق (وكنت أضرب مع عمر) بن
الخطاب (الناس عنهما) بالتثنية عن الركعتين.
(قال كريب) بالإسناد السابق: (فدخلت عليها) على عائشة
(وبلغتها ما أرسلوني) به (فقالت: سل أم سلمة) -رضي الله
عنها- وعند الطحاوي فقالت عائشة: ليس عندي ولكن حدثتني أم
سلمة وزاد المؤلّف في باب إذا كلم وهو يصلّي في أواخر
الصلاة فخرجت إليهم (فأخبرتهم) بقولها (فردّوني إلى أم
سلمة بمثل ما أرسلوني إلى عائشة فقالت أم سلمة: سمعت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ينهى عنهما وأنه صلّى
العصر ثم دخل علّي وعندي نسوة من بني حرام من الأنصار
فصلاهما فأرسلت إليه
الخادم) قال في الفتح: لم أقف على اسمها (فقلت) لها: (قومي
إلى جنبه) عليه الصلاة والسلام (فقولي) له: (تقول) لك (أم
سلمة يا رسول الله ألم أسمعك تنهى عن) صلاة (هاتين
الركعتين) بعد العصر (فأراك) بفتح الهمزة (تصليهما فإن
أشار بيده فاستأخري) عنه (ففعلت الجارية) ذلك (فأشار بيده
فاستأخرت عنه فلما انصرف) أي فرغ من الصلاة (قال):
(يا بنت أبي أمية) هو والد أم سلمة (سألت عن الركعتين
اللتين صليتهما بعد العصر أنه أتاني أناس من عبد القيس
بالإسلام من قومهم فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر
فهما هاتان). وعند الطحاوي من وجه آخر قدم عليّ قلائص
الصدقة فنسيتهما ثم ذكرتهما فكرهت أن أصليهما في المسجد
والناس يروني فصليتهما عندك.
وهذا الحديث مرّ في باب إذا كلم في الصلاة وساقه هنا من
طريقين بلفظ بكر بن مضر، وفي الباب السابق في الصلاة بلفظ
ابن وهب والغرض منه هنا ذكر وفد عبد القيس على ما لا يخفى.
4371 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ عَبْدُ الْمَلِكِ،
حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ هُوَ ابْنُ طَهْمَانَ، عَنْ أَبِي
جَمْرَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- قَالَ:
أَوَّلُ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ بَعْدَ جُمُعَةٍ جُمِّعَتْ فِي
مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فِي مَسْجِدِ عَبْدِ الْقَيْسِ بِجُوَاثَى
يَعْنِي قَرْيَةً مِنَ الْبَحْرَيْنِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد الجعفي)
المسندي قال: (حدّثنا أبو عامر عبد الملك) بن عمرو العقدي
قال: (حدّثنا إبراهيم هو ابن طهمان) الخراساني (عن أبي
جمرة) بالجيم نصر بن عبد الرحمن الضبعي (عن ابن عباس -رضي
الله عنهما-) أنه (قال: أوّل جمعة جمعت) في الإسلام (بعد
جمعة جمعت في مسجد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بالمدينة (في مسجد عبد القيس) وكانوا ينزلون
البحرين قرب عمان (بجواثى) بضم الجيم وتخفيف الواو وقد
تهمز وفتح المثلثة الخفيفة (يعني قرية من البحرين) وسقط
لأبي ذر يعني قرية وحكى الجوهري وابن الأثير والزمخشري أن
جواثى اسم حصن بالبحرين وهو لا ينافي كونها قرية.
وسبق هذا الحديث في باب الجمعة.
70 - باب وَفْدِ بَنِي حَنِيفَةَ وَحَدِيثِ ثُمَامَةَ بْنِ
أُثَالٍ
(باب وفد بني حنيفة) بن لجيم بالجيم ابن صعب بن علي بن بكر
بن وائل قبيلة مشهورة ينزلون اليمامة بين مكة والمدينة
(وحديث ثمامة بن أثال) بمثلثة فميم مخففة بعدها ألف فميم
وأثال بضم الهمزة فمثلثة خفيفة ابن النعمان بن مسلمة
الحنفي.
4372 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ
أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله
عنه- قَالَ: بَعَثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خَيْلاً قِبَلَ نَجْدٍ فَجَاءَتْ بِرَجُلٍ مِنْ
بَنِي حَنِيفَةَ
يُقَالُ لَهُ: ثُمَامَةُ بْنُ أُثَالٍ فَرَبَطُوهُ
بِسَارِيَةٍ مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ، فَخَرَجَ إِلَيْهِ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
«مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ»؟ فَقَالَ عِنْدِي خَيْرٌ يَا
مُحَمَّدُ إِنْ تَقْتُلْنِي تَقْتُلْ ذَا دَمٍ وَإِنْ
تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى شَاكِرٍ، وَإِنْ كُنْتَ تُرِيدُ
الْمَالَ فَسَلْ مِنْهُ مَا شِئْتَ فَتُرِكَ حَتَّى كَانَ
الْغَدُ ثُمَّ قَالَ لَهُ: «مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ»؟
فَقَالَ: مَا قُلْتُ لَكَ إِنْ تُنْعِمْ تُنْعِمْ عَلَى
شَاكِرٍ فَتَرَكَهُ، حَتَّى كَانَ بَعْدَ الْغَدِ فَقَالَ:
«مَا عِنْدَكَ يَا ثُمَامَةُ»؟ قَالَ: عِنْدِي مَا قُلْتُ
لَكَ: فَقَالَ: «أَطْلِقُوا ثُمَامَةَ» فَانْطَلَقَ إِلَى
نَجْلٍ قَرِيبٍ مِنَ الْمَسْجِدِ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ دَخَلَ
الْمَسْجِدَ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ
اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ،
يَا مُحَمَّدُ وَاللَّهِ مَا كَانَ عَلَى الأَرْضِ وَجْهٌ
أَبْغَضَ إِلَىَّ مِنْ وَجْهِكَ، فَقَدْ أَصْبَحَ وَجْهُكَ
أَحَبَّ الْوُجُوهِ إِلَيَّ، وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ
دِينٍ أَبْغَضَ إِلَيَّ مِنْ دِينِكَ، فَأَصْبَحَ دِينُكَ
أَحَبَّ الدِّينِ إِلَيَّ وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ
أَبْغَضُ إِلَيَّ مِنْ بَلَدِكَ، فَأَصْبَحَ بَلَدُكَ
أَحَبَّ الْبِلاَدِ إِلَيَّ وَإِنَّ خَيْلَكَ أَخَذَتْنِي
وَأَنَا أُرِيدُ الْعُمْرَةَ، فَمَاذَا تَرَى؟ فَبَشَّرَهُ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَأَمَرَهُ أَنْ يَعْتَمِرَ فَلَمَّا قَدِمَ مَكَّةَ قَالَ
لَهُ قَائِلٌ: صَبَوْتَ قَالَ: لاَ وَاللهِ وَلَكِنْ،
أَسْلَمْتُ مَعَ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلاَ وَاللَّهِ لاَ
يَأْتِيكُمْ مِنَ الْيَمَامَةِ حَبَّةُ حِنْطَةٍ حَتَّى
يَأْذَنَ فِيهَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) أبو محمد التنيسي قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (قال: حدثني) بالإفراد (سعيد
بن أبي سعيد) كيسان المقبري (أنه سمع أبا
(6/432)
هريرة -رضي الله عنه- قال: بعث النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خيلاً) أي فرسان خيل
وهو من ألطف المجازات وأبدعها فهو على حذف مضاف، وفي
الحديث يا خيل الله اركبي أي فرسان خيل الله (قبل نجد) أي
جهتها (فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال
فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال):
(ما عندك يا ثمامة)؟ كذا في الفرع كأصله وغيرهما مما وقفت
عليه من الأصول المعتمدة، والذي في الفتح وعمدة القاري
ماذا بزيادة ذا وأعربه كالطيبي في شرح مشكاته أن تكون ما
استفهامية وذا موصولاً وعندك صلته أي: ما الذي استقر عندك
من الظن فيما أفعل بك أو ماذا بمعنى أي شيء مبتدأ وعندك
خبره فظن خيرًا (فقال عندي خير يا محمد) لأنك لست ممن يظلم
بل يحسن وينعم (إن تقتلني تقتل ذا دم) بالمهملة وتخفيف
الميم أي أن تقتل من عليه دم مطلوب به وهو مستحق عليه فلا
عيب عليك في قتله. وفعل الشرط إذا كرر في الجزاء دل على
فخامة الأمر، وللكشميهني كما في الفتح ذم بالمعجمة وتشديد
الميم أي ذا ذمة وضعفت لأن فيها قلبًا للمعنى لأنه إذا كان
ذا ذمة يمتنع قتله. وأجيب: بالحمل على أن معناه الحرمة في
قوله (وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل منه
ما شئت فترك) بضم الفوقية أي فتركه النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى كان الغد) وسقط لغير أبي ذر لفظ
فترك (ثم قال عليه الصلاة والسلام) له: (ما عندك يا ثمامة
فقال: ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر فتركه) عليه الصلاة
والسلام (حتى كان بعد الغد فقال) له: (ما عندك يا ثمامة
فقال: عندي ما قلت لك).
اقتصر في اليوم الثاني على أحد الأمرين وحذفهما في اليوم
الثالث، وفيه دليل على حذقه لأنه قدم أوّل يوم أشق الأمرين
عليه وهو القتل لما رأى من غضبه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في اليوم الأوّل، فلما رأى أنه لم يقتله رجا أن
ينعم عليه فاقتصر على قوله: إن تنعم، وفي اليوم الثالث
اقتصر على الإجمال تفويضًا إلى جميل خلقه ولطفه صلوات الله
وسلامه عليه وهذا أدعى للاستعطاف والعفو.
(فقال) عليه الصلاة والسلام: (أطلقوا ثمامة) فأطلقوه
(فانطلق إلى نجل) بالجيم في الفرع أي ماء مستنقع وفي نسخة
بالخاء المعجمة (قريب من المسجد فاغتسل) منه (ثم دخل
المسجد فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا
رسول الله. يا محمد والله ما كان على الأرض وجه أبغض إليّ
من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إليّ والله ما كان من
دين أبغض إلي من دينك فأصبح دبنك أحب الدين إليّ والله ما
كان من بلد أبغض إليّ من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد إليّ
وإن خيلك) أي فرسانك (أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى
فبشره رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بما حصل له من الخير العظيم بالإسلام
ومحو ما كان قبله من الذنوب العظام (وأمره أن يعتمر فلما
قدم مكة قال له قائل): لم أعرف اسمه (صبوت) أي خرجت من دين
إلى دين (قال: لا والله) ما صبوت وسقط لفظ الجلالة من
اليونينية (ولكن أسلمت مع محمد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-). وهذا من أسلوب الحكيم كأنه قال: ما
خرجت من الدين لأنكم لستم على دين فأخرج منه بل استحدثت
دين الله وأسلمت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رب العالمين.
فإن قلت: مع تقتضي استحداث المصاحبة لأن معنى المعية
المصاحبة وهي مفاعلة وقد قيل الفعل بها فيجب الاشتراك فيه
كذا نص عليه صاحب الكشاف في الصافات؟ أجيب: بأنه لا يبعد
ذلك فلعله وافقه فيكون منه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- استدامة ومنه واستحداثًا.
(ولا والله) فيه حذف أي والله لا أرجع إلى دينكم و (لا
يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) زاد ابن هشام ثم خرج إلى
اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئًا فكتبوا إلى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إنك تأمر بصلة الرحم
فكتب إلى ثمامة أن يخلي بينهم وبين الحمل إليهم.
وهذا الحديث قد مرّ في باب ربط الأسير في المسجد مختصرًا.
4373 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ،
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي حُسَيْنٍ، حَدَّثَنَا
نَافِعُ بْنُ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله
عنهما- قَالَ: قَدِمَ مُسَيْلِمَةُ الْكَذَّابُ عَلَى
عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فَجَعَلَ يَقُولُ: إِنْ جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ
مِنْ بَعْدِهِ تَبِعْتُهُ وَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ
مِنْ قَوْمِهِ فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ ثَابِتُ
بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قِطْعَةُ جَرِيدٍ
حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيْلِمَةَ فِي أَصْحَابِهِ
فَقَالَ: لَوْ سَأَلْتَنِي هَذِهِ الْقِطْعَةَ مَا
أَعْطَيْتُكَهَا وَلَنْ تَعْدُوَ أَمْرَ اللَّهِ فِيكَ،
وَلَئِنْ أَدْبَرْتَ لَيَعْقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنِّي
لأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا رَأَيْتُ، وَهَذَا
ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي ثُمَّ انْصَرَفَ عَنْهُ.
4374 - قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلْتُ عَنْ قَوْلِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«إِنَّكَ أُرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيهِ مَا أُرِيتُ»
فَأَخْبَرَنِي أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «بَيْنَا
أَنَا نَائِمٌ رَأَيْتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَيْنِ مِنْ
ذَهَبٍ، فَأَهَمَّنِي شَأْنُهُمَا فَأُوحِيَ إِلَىَّ فِي
الْمَنَامِ أَنِ انْفُخْهُمَا فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا،
فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ بَعْدِي
أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ».
وبه
(6/433)
قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع
قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن عبد الله بن أبي
حسين) هو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين بضم الحاء
ابن الحارث النوفلي التابعي الصغير قال: (حدّثنا نافع بن
جبير) بضم الجيم ابن مطعم القرشي المدني (عن ابن عباس -رضي
الله عنهما-) أنه (قال: قدم مسيلمة الكذاب) بكسر اللام ابن
ثمامة بن كبير بالموحدة ابن حبيب بن الحارث من بني حنيفة
وكان فيما قاله ابن إسحاق ادّعى النبوّة سنة عشر وقدم مع
قومه (على عهد رسول الله) ولأبوي ذر والوقت على عهد النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المدينة (فجعل
يقول: إن جعل لي محمد) الخلافة (من بعده) وللأصيلي وأبي ذر
عن الكشميهني أن جعل لي محمد الأمر من بعده (تبعته وقدمها
في بشر كثير من قومه) بني حنيفة (فأقبل إليه رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ليتألفه وقومه رجاء
إسلامهم وليبلغه ما أنزل إليه (ومعه) عليه الصلاة والسلام
(ثابت بن قيس بن شماس) خطيب الأنصار (وفي يد رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قطعة جريد) من النخل
(حتى وقف على مسيلمة في أصحابه) فكلمه في الإسلام فطلب
مسيلمة أن يكون له شيء من أمر النبوّة (فقال) عليه الصلاة
والسلام له:
(لو سألتني هذه القطعة) من الجريد (ما أعطيتكها ولن تعدو
أمر الله فيك) لمن تجاوز حكمه (ولئن أدبرت) عن طاعتي
(ليعقرنك الله) ليهلكنك (وإني لأراك) بفتح الهمزة ولأبي ذر
بضمها (الذي رأيت) بضم الهمزة وكسر الراء في منامي (فيه ما
رأيت وهذا ثابت يجيبك عني) لأنه الخطيب فاكتفى عليه الصلاة
والسلام بما قاله له وإن كان يريد الإسهاب في الخطاب فهذا
الخطيب يقوم بذلك (ثم انصرف عنه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
(قال ابن عباس: فسألت عن قول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنك أرى) بفتح الهمزة والراء وفي
اليونينية بضم الهمزة (الذي أريت) بضم الهمزة وكسر الراء
(فيه ما رأيت فأخبرني أبو هريرة) -رضي الله عنه- (أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم) وجواب بينا قوله (رأيت في يدي)
بتشديد الياء بالتثنية (سوارين من ذهب) صفة لهما (فأهمني
شأنهما) فأحزنني لأن الذهب من حلية النساء (فأوحي إليّ في
المنام) وحي إلهام أو بواسطة الملك (أن انفخهما) بهمزة وصل
(فنفختهما فطارا) لحقارة أمرهما ففيه إشارة إلى اضمحلال
أمرهما (فأوّلتهما كذابين) لأن الكذب وضع الشيء في غير
موضعه (يخرجان) أي تظهر شوكتهما ودعواهما النبوّة (بعدي
أحدهما العنسي) بفتح العين المهملة وسكون النون وكسر السين
المهملة من بني عنس وهو الأسود واسمه عبهلة بن كعب (والآخر
مسيلمة) الكذاب.
وهذا الحديث مرّ في علامات النبوّة.
4375 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ أَنَّهُ
سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- يَقُولُ: قَالَ:
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ بِخَزَائِنِ الأَرْضِ
فَوُضِعَ فِي كَفِّي سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ، فَكَبُرَا
عَلَيَّ فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَنِ انْفُخْهُمَا
فَنَفَخْتُهُمَا فَذَهَبَا فَأَوَّلْتُهُمَا
الْكَذَّابَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا صَاحِبَ
صَنْعَاءَ وَصَاحِبَ الْيَمَامَةِ».
وبه قال: (حدّثنا) بالجمع ولأبي ذر حدثني (إسحاق بن نصر)
هو إسحاق بن إبراهيم بن نصر السعدي المروزي قال: (حدّثنا
عبد الرزاق) بن همام الصنعاني (عن معمر) هو ابن راشد (عن
همام) هو ابن منبه (أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه-
يقول: قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(بينا) بغير ميم (أنا نائم أتيت) بضم الهمزة وكسر الفوقية
ولأبي ذر فأتيت بالفاء (بخزائن الأرض) ما فتح على أمته
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من الغنائم من ذخائر
كسرى وقيصر وغيرهما أو المراد معادن الأرض التي فيها الذهب
والفضة (فوضع) بضم الواو وكسر الضاد (في كفي) بالإفراد
(سواران من ذهب فكبرا) بضم الموحدة عظمًا وثقلاً (عليّ
فأوحي إليّ) وللكشميهني فأوحى الله إليّ (أن انفخهما)
بهمزة وصل (فنفختهما فذهبًا فأوّلتهما الكذابين اللذين أنا
بينهما صاحب صنعاء) الأسود العنسي (وصاحب اليمامة) مسيلمة
الكذاب وصاحب بالنصب في الموضعين في اليونينية وفي فرعها
بالرفع فيهما.
وهذا الحديث يأتي وإن شاء الله تعالى في كتاب التعبير بعون
الله وقوّته.
4376 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ:
سَمِعْتُ مَهْدِيَّ بْنَ مَيْمُونٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا
رَجَاءٍ الْعُطَارِدِيَّ، يَقُولُ: كُنَّا نَعْبُدُ
الْحَجَرَ فَإِذَا وَجَدْنَا حَجَرًا هُوَ أَخْيَرُ مِنْهُ
أَلْقَيْنَاهُ وَأَخَذْنَا الآخَرَ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ
حَجَرًا جَمَعْنَا جُثْوَةً مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ جِئْنَا
بِالشَّاةِ، فَحَلَبْنَاهُ عَلَيْهِ ثُمَّ طُفْنَا بِهِ
فَإِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَجَبٍ، قُلْنَا مُنَصِّلُ
الأَسِنَّةِ فَلاَ نَدَعُ رُمْحًا فِيهِ حَدِيدَةٌ وَلاَ
سَهْمًا فِيهِ حَدِيدَةٌ إِلاَّ نَزَعْنَاهُ
وَأَلْقَيْنَاهُ شَهْرَ رَجَبٍ.
وبه قال: (حدّثنا الصلت بن محمد) بالصاد المهملة بعدها لام
ساكنة ففوقية الخاركي بالخاء المعجمة (قال:
(6/434)
سمعت مهدي بن ميمون) الأزدي المعولي بكسر
الميم وسكون العين وفتح الواو بعدها لام مكسورة البصري
(قال: سمعت أبا رجاء) عمران بن ملحان (العطاردي) أسلم زمن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يره (يقول:
كنا نعبد الحجر) من دون الله (فإذا وجدنا حجرًا هو أخير)
بهمزة وللأصيلي وابن عساكر خير بإسقاطها، ولأبي ذر عن
الكشميهني أحسن (منه ألقيناه) أي رميناه (وأخذنا الأخر)
والمراد بالخيرية الأحسنية كالبياض والنعومة ونحو ذلك من
صفات الأحجار المستحسنة (فإذا لم نجد حجرًا جمعنا جثوة)
بضم الجيم وسكون المثلثة قطعة (من تراب) تجمع فتصير كومًا
(ثم جئنا بالشاة فحلبناه عليه) حقيقة أو مجازًا عن التقرّب
إليه بالتصديق عنه بذلك اللبن قاله
البرماوي كالكرماني واستبعده في الفتح وقال: المعنى نحلبه
عليه ليصير نظير الحجر (ثم طفنا به فإذا دخل شهر رجب قلنا
منصل الأسنة) بفتح النون وتشديد الصاد للكشميهني كما في
الفتح ولغيره بسكون النون وقد فسره في قوله (فلا ندع رمحًا
فيه حديدة ولا سهمًا فيه حديدة إلا نزعناه وألقيناه شهر
رجب) أي في شهر رجب قال مهدي بالسند السابق.
4377 - وَسَمِعْتُ أَبَا رَجَاءٍ يَقُولُ: كُنْتُ يَوْمَ
بُعِثَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
غُلاَمًا أَرْعَى الإِبِلَ عَلَى أَهْلِي فَلَمَّا
سَمِعْنَا بِخُرُوجِهِ فَرَرْنَا إِلَى النَّارِ إِلَى
مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابِ.
(وسمعت أبا رجاء يقول: كنت يوم بعث النبي) بضم الموحدة
وكسر العين ولأبي ذر: بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بفتح الموحدة وسكون العين أي اشتهر أمره
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غلامًا أرعى الإبل
على أهلي فلما سمعنا بخروجه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أي ظهوره على قومه من قريش بفتح مكة (فررنا إلى
النار إلى مسيلمة الكذاب) بدل من النار بتكرار العامل وفيه
إشارة إلى أن أبا رجاء كان ممن تابع مسيلمة من قومه بني
عطارد.
71 - باب قِصَّةُ الأَسْوَدِ الْعَنْسِيِّ
(قصة الأسود).
عبهلة بفتح العين المهملة وسكون الموحدة وفتح الهاء ابن
كعب وكان يقال له ذو الخمار بالخاء المعجمة لأنه كان يخمر
وجهه وقيل هو اسم شيطانه (العنسي) بسكون النون.
4378 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْجَرْمِيُّ،
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي
عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عُبَيْدَةَ بْنِ نَشِيطٍ،
وَكَانَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ اسْمُهُ عَبْدُ اللَّهِ أَنَّ
عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ
قَالَ: بَلَغَنَا أَنَّ مُسَيْلِمَةَ الْكَذَّابَ قَدِمَ
الْمَدِينَةَ، فَنَزَلَ فِي دَارِ بِنْتِ الْحَارِثِ
وَكَانَ تَحْتَهُ بِنْتُ الْحَارِثِ بْنِ كُرَيْزٍ، وَهْيَ
أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرٍ، فَأَتَاهُ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمَعَهُ
ثَابِتُ بْنُ قَيْسِ بْنِ شَمَّاسٍ، وَهْوَ الَّذِي
يُقَالُ لَهُ خَطِيبُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي يَدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضِيبٌ، فَوَقَفَ عَلَيْهِ
فَكَلَّمَهُ فَقَالَ لَهُ مُسَيْلِمَةُ: إِنْ شِئْتَ
خَلَّيْتَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الأَمْرِ ثُمَّ جَعَلْتَهُ
لَنَا بَعْدَكَ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ سَأَلْتَنِي هَذَا الْقَضِيبَ
مَا أَعْطَيْتُكَهُ وَإِنِّي لأَرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ
فِيهِ مَا أُرِيتُ وَهَذَا ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ
وَسَيُجِيبُكَ عَنِّي» فَانْصَرَفَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا ولأبي ذر حدثني بالإفراد سعيد بن محمد
الجرمي) بفتح الجيم وسكون الراء الكوفي الثقة قال: (حدّثنا
يعقوب بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان (عن
ابن عبيدة) بالتصغير (ابن نشيط) بفتح النون وكسر الشين
المعجمة بعدها تحتية ساكنة فطاء مهملة الربذي بفتح الراء
والموحدة بعدها معجمة (وكان في موضع آخر اسمه عبد الله)
قال في الفتح: أراد بهذا أن ينبه على أن المبهم هو عبد
الله بن عبيدة لا أخوه موسى وموسى ضعيف جدًّا وأخوه عبد
الله ثقة وكان عبد الله أكبر
من موسى بثمانين سنة (أن عبيد الله) بضم العين (ابن عبد
الله بن عتبة) بن مسعود أحد الفقهاء السبعة (قال: بلغنا أن
مسيلمة الكذاب) لعنه الله (قدم المدينة فنزل) مسيلمة (في
دار بنت الحارث وكان) وللأصيلي وكانت (تحته) أي تحت مسيلمة
(بنت الحارث) كيسة بالكاف وتشديد التحتية المكسورة بعدها
سين مهملة ولأبي ذر ابنة الحارث (ابن كريز) بضم الكاف آخره
زاي مصغرًا ابن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس فنزل عليها
مسيلمة لكونها كانت امرأته (وهي) أي كيسة صاحبة الدار (أم)
أولاد (عبد الله بن عامر) بن كريز عبد الرحمن وعبد الملك
وعبد الله وسقط عند الراوي لفظ أولاد، أو كانت أم عبد الله
بن عبد الله بن عامر فسقط عبد الله الثاني عند الراوي إذ
إنها زوجة عبد الله بن عامر وابنة عمه لأمه، وهذا معارض
بأن كيسة هذه لم تكن إذ ذاك بالمدينة وإنما كانت عند
مسيلمة باليمامة فلما قتل تزوّجها ابن عمها عبد الله بن
عامر بن كريز كما ذكره الدارقطني في المؤتلف والمختلف،
وتبعه ابن ماكولا بل التي نزل عليها هي رملة بنت الحدث.
قال في المقدمة: بدال مهملة بعد الحاء المهملة لا براء
قبلها ألف كذا هو عند ابن سعد وغيره، والحدث هو ابن ثعلبة
بن الحارث بن زيد من الأنصار وكانت دارها دار الوفود، ولعل
الحدث صحف بالحارث إذ الحارث يكتب بلا ألف انتهى وكانت
رملة زوج معاذ ابن عفراء الصحابي ولها صحبة ومبايهة -رضي
الله عنها-.
(6/435)
(فأتاه) أي مسيلمة (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) استئلافًا له ولتبليغ الوحي
(ومعه ثابت بن قيس بن شماس وهو) أي ثابت (الذي يقال له
خطيب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وفي
يد رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قضيب)
من جريد النخل (فوقف) عليه الصلاة والسلام (عليه) أي على
مسيلمة اللعين (فكلمه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في الإسلام (فقال له): أي للنبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مسيلمة: إن شئت خليت بيننا)
ولأبي ذر عن الحموي والكشميهني خلينا بينك وله عن المستملي
خليت بينك (وبين الأمر) أي أمر النبوّة (ثم جعلته لنا بعدك
فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) له:
(لو سألتني هذا القضيب ما أعطيتكه وإني لأراك) بضم الهمزة
أظنك (الذي أريت) بضم الهمزة (فيه ما أريت) بضمها أيضًا
ولأبي ذر ما رأيت (وهذا ثابت بن قيس) الخطيب (وسيجيبك عني)
على سبيل التفصيل (فانصرف النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-).
4379 - قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ:
سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ رُؤْيَا
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الَّتِي ذَكَرَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ذُكِرَ لِي أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنَّهُ وُضِعَ فِي
يَدَيَّ سِوَارَانِ مِنْ ذَهَبٍ فَفُظِعْتُهُمَا
وَكَرِهْتُهُمَا، فَأُذِنَ لِي فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا
فَأَوَّلْتُهُمَا كَذَّابَيْنِ يَخْرُجَانِ» فَقَالَ
عُبَيْدُ اللَّهِ: أَحَدُهُمَا الْعَنْسِيُّ الَّذِي
قَتَلَهُ فَيْرُوزُ بِالْيَمَنِ، وَالآخَرُ مُسَيْلِمَةُ
الْكَذَّابُ.
(قال عبيد الله بن عبد الله) بن عتبة بالسند المذكور:
(سألت عبد الله بن عباس عن رؤيا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي ذكر) ها في شأن مسيلمة (فقال ابن
عباس: ذكر لي) بضم الذال مبنيًّا للمفعول وسبق أن الذاكر
له أبو هريرة (أن رسول الله) ولأبي ذر النبي (-صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: بينا) بلا ميم (أنا نائم
أريت أنه وضع) بضم الواو وكسر الضاد المعجمة (في يديّ)
بتشديد الياء (سواران) ولأبي
ذر إسواران (من ذهب) ولأبوي ذر والوقت والأصيلي وضع
بفتحتين في يدي بلفظ التثنية أيضًا سوارين بهمزة مكسورة
وسكون السين لغة في السابق منصوب بالياء على المفعولية
(ففظعتهما) بفاء مضمومة وظاء معجمة مشالة بعدها عين مهملة
يقال فظع الأمر فهو فظيع إذا جاوز المقدار قال: في النهاية
كذا جاء متعدّيًا والمعروف فظعت به أو منه والتعدية تكون
حملاً على المعنى لأنه بمعنى أكبرتهما وخفتهما (وكرهتهما)
لكونهما من حلية النساء (فأذن لي) بضم الهمزة وكسر الذال
المعجمة (فنفختهما فطارا فأوّلتهما كذابين يخرجان).
(فقال عُبيد الله) بن عبد الله بن عتبة (أحدهما العنسي)
الأسود (الذي قتله فيروز باليمن) وذلك أنه كان قد خرج
بصنعاء وادّعى النبوّة وغلب على عامل صنعاء المهاجر بن أبي
أمية، وقيل إنه مرّ به فلما حاذاه عثر الحمار فادّعى أنه
سجد له ولم يقم الحمار حتى قال له شيئًا وكان معه فيما
رواه البيهقي في دلائله شيطانان يقال لأحدهما سحيق
بمهملتين وقاف مصغرًا، والآخر شقيق بمعجمة وقافين مصغرًا
أيضًا وكانا يخبرانه بكل شيء يحدث في أمور الناس، وكان
باذان عامل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بصنعاء فمات فجاء شيطان الأسود فأخبره فخرج في قومه حتى
ملك صنعاء وتزوّج المرزبانة زوجة باذان فذكر القصة في
مواعدتها دارويه وفيروز وغيرهما حتى دخلوا على الأسود
ليلاً، وقد سقته المرزبانة الخمر صرفًا حتى سكر وكان على
بابه ألف حارس فنقب فيروز ومن معه الجدار حتى دخلوا فقتله
فيروز واحترز رأسه وأخرجوا المرأة وما أحبوا من المتاع
وأرسلوا الخبر إلى المدينة فوافى بذلك عند وفاة النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. قال أبو الأسود عن
عروة: أصيب الأسود قبل وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيوم وليلة فأتاه الوحي فأخبر أصحابه
ثم جاء الخبر إلى أبي بكر (والآخر مسيلمة الكذاب).
وقد ساق المؤلّف حديث الباب مرسلاً وقد ذكره في الباب
السابق موصولاً، لكن من رواية نافع بن جبير عن ابن عباس،
وفي سنده في هذا الباب ثلاثة من التابعين في نسق صالح بن
كيسان وعبد الله بن عبيدة وعبيد الله بن عبد الله.
72 - باب قِصَّةُ أَهْلِ نَجْرَانَ
(باب قصة أهل نجران) بفتح النون وسكون الجيم بلد كبير على
سبع مراحل من مكة، وسقط الباب لأبي ذر فالتالي رفع.
4380 - حَدَّثَنِي عَبَّاسُ بْنُ الْحُسَيْنِ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ آدَمَ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي
إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ حُذَيْفَةَ
قَالَ: جَاءَ الْعَاقِبُ وَالسَّيِّدُ صَاحِبَا نَجْرَانَ
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُرِيدَانِ أَنْ يُلاَعِنَاهُ قَالَ: فَقَالَ
أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ لاَ تَفْعَلْ، فَوَاللَّهِ لَئِنْ
كَانَ نَبِيًّا فَلاَعَنَّا لاَ نُفْلِحُ نَحْنُ وَلاَ
عَقِبُنَا مِنْ بَعْدِنَا، قَالاَ: إِنَّا نُعْطِيكَ مَا
سَأَلْتَنَا وَابْعَثْ مَعَنَا رَجُلاً أَمِينًا، وَلاَ
تَبْعَثْ مَعَنَا إِلاَّ أَمِينًا، فَقَالَ: «لأَبْعَثَنَّ
مَعَكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ» فَاسْتَشْرَفَ
لَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: «قُمْ يَا أَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ»
فَلَمَّا قَامَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عباس بن الحسين) بالموحدة
والسين المهملة وضم الحاء من الحسين البغدادي القنطري نسب
إلى قنطرة بردان بشرقي بغداد الثقة، وليس له في البخاري
إلا هذا الحديث وآخر سبق في التهجد مقرونًا قال: (حدّثنا
يحيى بن آدم) بن سليمان القرشي الكوفي (عن إسرائيل) بن
يونس (عن) جده (أبي
(6/436)
إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن صلة
بن زفر) بضم الزاي وفتح الفاء بعدها راء العبسي الكوفي (عن
حذيفة) بن اليمان أنه (قال: جاء العاقب) بالعين المهملة
والقاف والموحدة واسمه عبد المسيح (والسيد) بفتح السين
وكسر التحتية المشددة واسمه الأيهم بفتح الهمزة وسكون
التحتية وفتح الهاء بعدها ميم أو شرحبيل (صاحبا نجران) أي
من أكابر نصارى نجران وحكامهم، وكان السيد رئيسهم، والعاقب
صاحب مشورتهم (إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يريدان أن يلاعناه) أي يباهلاه، وكان معهم
أيضًا أبو الحارث بن علقمة وكان أسقفهم وحبرهم وصاحب
مدارسهم، وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فيما ذكره ابن سعد دعاهم إلى الإسلام وتلا عليهم القرآن
فامتنعوا فقال: إن أنكرتم ما أقول فهلم أباهلكم (قال: فقال
أحدهما) قيل هو السيد (لصاحبه): العاقب وقيل العاقب الذي.
قال للسيد (لا تفعل) ذلك (فوالله لئن كان نبيًّا فلاعنّا)
بتشديد النون وللكشميهني فلاعننا بإظهار النون (لا نفلح
نحن ولا عقبنا من بعدنا) ثم (قالا): بعد أن انصرفا ولم
يسلما ورجعا وقالا: إنا لا نباهلك فاحكم علينا بما أحببت
ونصالحك فصالحهم على ألف حلة في رجب وألف حلة في صفر ومع
كل حلة أوقية (إنا نعطيك ما سألتنا وابعث معنا رجلاً
أمينًا ولا تبعث معنا إلا أمينًا فقال) عليه الصلاة
والسلام:
(لأبعثن معكم رجلاً أمينًا حق أمين فاستشرف له) أي لقوله
عليه الصلاة والسلام (أصحاب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال) عليه الصلاة والسلام: (قم يا
أبا عبيدة بن الجراح فلما قام قال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- هذا أمين هذه الأمة).
4381 - حَدَّثَني مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ قَالَ:
سَمِعْتُ أَبَا إِسْحَاقَ عَنْ صِلَةَ بْنِ زُفَرَ، عَنْ
حُذَيْفَةَ -رضي الله عنه- قَالَ: جَاءَ أَهْلُ نَجْرَانَ
إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالُوا: ابْعَثْ لَنَا رَجُلاً أَمِينًا فَقَالَ:
«لأَبْعَثَنَّ إِلَيْكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ»
فَاسْتَشْرَفَ لَهُ النَّاسُ فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ
بْنَ الْجَرَّاحِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد لأبي ذر ولغيره بالجمع (محمد بن
بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (قال: سمعت أبا إسحاق) السبيعي
(عن صلة بن زفر) بضم الزاي وفتح الفاء بعدها راء (عن
حذيفة) بن اليمان (-رضي الله عنه-) أنه (قال: جاء أهل
نجران) العاقب والسيد ومن معهما (إلى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقالوا: ابعث لنا رجلاً
أمينًا فقال):
(لأبعثن إليكم رجلاً أمينًا حق أمين) فيه توكيد والإضافة
فيه نحو أن زيد العالم حق عالم أي عالم حقًا (فاستشرف له
الناس) وللأربعة: لها أي للإمارة ورغبوا فيها حرصًا على
نيل الصفة المذكورة وهي الأمانة (فبعث أبا عبيدة بن
الجراح) إليهم.
4382 - حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ،
عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ،
أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ».
وبه قال: (حدّثنا أبو الوليد) هشام بن عبد الملك الطيالسي
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن خالد) الحذاء البصري (عن
أبي قلابة) بكسر القاف وتخفيف اللام عبد الله بن زيد
الجرمي (عن أنس) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(لكل أمة أمين) ثقة رضي (وأمين هذه الأمة) المحمدية (أبو
عبيدة بن الجراح). وأشار المؤلّف بسياق هذا الحديث هنا إلى
أن سبب قوله عليه الصلاة والسلام ذلك في أبي عبيدة الحديث
السابق.
وقد مرّ هذا الحديث في المناقب.
73 - باب قِصَّةُ عُمَانَ وَالْبَحْرَيْنِ
(قصة عمان) بضم العين وتخفيف الميم باليمن سميت بعمان بن
سبأ (والبحرين) بلد عبد القيس.
4383 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ سَمِعَ ابْنُ الْمُنْكَدِرِ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ -رضي الله عنهما- يَقُولُ: قَالَ: لِي رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَوْ قَدْ
جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ لَقَدْ أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا،
وَهَكَذَا ثَلاَثًا». فَلَمْ يَقْدَمْ مَالُ الْبَحْرَيْنِ
حَتَّى قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى أَبِي بَكْرٍ أَمَرَ
مُنَادِيًا فَنَادَى مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَيْنٌ أَوْ عِدَةٌ
فَلْيَأْتِنِي قَالَ جَابِرٌ: فَجِئْتُ أَبَا بَكْرٍ
فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ: «لَوْ قَدْ جَاءَ مَالُ الْبَحْرَيْنِ
أَعْطَيْتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا ثَلاَثًا» قَالَ:
فَأَعْطَانِي قَالَ جَابِرٌ: فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ
بَعْدَ ذَلِكَ فَسَأَلْتُهُ، فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ
أَتَيْتُهُ فَلَمْ يُعْطِنِي ثُمَّ أَتَيْتُهُ
الثَّالِثَةَ، فَلَمْ يُعْطِنِي فَقُلْتُ لَهُ: قَدْ
أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ
تُعْطِنِي، ثُمَّ أَتَيْتُكَ فَلَمْ تُعْطِنِي، فَإِمَّا
أَنْ تُعْطِيَنِي وَإِمَّا أَنْ تَبْخَلَ عَنِّي، فَقَالَ:
أَقُلْتَ تَبْخَلُ عَنِّي وَأَىُّ دَاءٍ أَدْوَأُ مِنَ
الْبُخْلِ قَالَهَا ثَلاَثًا، مَا مَنَعْتُكَ مِنْ مَرَّةٍ
إِلاَّ وَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُعْطِيَكَ. وَعَنْ عَمْرٍو
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ
اللَّهِ يَقُولُ: جِئْتُهُ فَقَالَ لِي أَبُو بَكْرٍ
عُدَّهَا فَعَدَدْتُهَا فَوَجَدْتُهَا خَمْسَمِائَةٍ
فَقَالَ: خُذْ مِثْلَهَا مَرَّتَيْنِ.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة بن سعيد) الثقفي قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة قال: (سمع ابن المنكدر) محمد (جابر بن عبد
الله -رضي الله عنهما-) بنصب جابر على المفعولية ورفع ابن
المنكدر على الفاعلية (يقول: قال لي رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لو جاء مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا فلم
يقدم مال البحرين حتى قبض رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فلما قدم) مال البحرين من عند العلاء
بن الحضرمي (على أبي بكر أمر مناديًا) قيل هو بلال (فنادى:
من كان له عند النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
دين) كقرض (أو عدة) بكسر العين وتخفيف الدال وعده بها
(فليأتني) أوفه (قال جابر: فجئت أبا بكر فأخبرته أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: لو قد جاء مال
البحرين أعطيتك هكذا وهكذا ثلاثًا فقال: فأعطاني. قال
جابر: فلقيت أبا بكر بعد ذلك) وفي الخمس في باب ومن
(6/437)
الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من طريق علي عن سفيان
بن عيينة فأتيته يعني أبا بكر فقلت: إن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لي كذا وكذا فحثا لي
ثلاثًا، وجعل سفيان يحثو بكفيه جميعًا ثم قال لنا أي
سفيان: هكذا قال لنا ابن المنكدر، وقال مرة: فأتيت أبا بكر
(فسألته فلم يعطني، ثم أتيته) فسألته (فلم يعطني، ثم أتيته
الثالثة فلم يعطني فقلت له: قد أتيتك) وسألتك (فلم تعطني،
ثم أتيتك فلم تعطني، ثم أتيتك فلم تعطني فإما أن تعطيني
وإما أن تبخل عني) أي من جهتي (فقال) أبو بكر -رضي الله
عنه- يخاطب جابرًا (أقلت) بهمزة الاستفهام الإنكاري (تبخل
عني وأي داء أدوأ) بالهمزة في الفرع كأصله (من البخل؟
قالها) أبو بكر (ثلاثًا) لكن في الخمس قال: يعني ابن
المنكدر: وأي داء أدوأ من البخل؟ نعم في الحديث في مسند
الحميدي. وقال ابن المنكدر في حديثه، قال في الفتح: فظهر
بذلك اتصاله إلى أبي بكر (ما منعتك) من العطاء (من مرة إلا
وأنا أريد أن أعطيك).
(وعن عمرو) هو ابن دينار بالسند السابق مما وصله المؤلّف
في باب من تكفل عن ميت دينًا بلفظ: حدّثنا عليّ بن عبد
الله، حدّثنا سفيان، حدّثنا عمرو (عن محمد بن علي) قال
الحافظ ابن حجر: هو المعروف بالباقر بن زين العابدين بن
علي بن الحسين بن علي، ووهم من زعم أن محمد بن علي هو ابن
الحنفية أنه قال: (سمعت جابر بن عبد الله) الأنصاري -رضي
الله عنهما- (يقول: جئته) يعني أبا بكر -رضي الله عنه-
فقلت له: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال لي كذا وكذا فحثا لي حثية. (فقال لي أبو
بكر: عدّها) أي الحثية (فعددتها فوجدتها خمسمائة. فقال: خذ
مثلها مرتين).
وهذا الحديث قد سبق في باب الكفالة.
74 - باب قُدُومُ الأَشْعَرِيِّينَ وَأَهْلِ الْيَمَنِ
وَقَالَ أَبُو مُوسَى عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «هُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ».
(باب قدوم الأشعريين) سنة سبع عند فتح خيبر مع أبي موسى
(و) بعض (أهل اليمن) وهم رفد حمير سنة الوفود سنة تسع،
وليس المراد اجتماعهما في الوفادة، وسقط لفظ باب لأبي ذر
فالتالي رفع (وقال أبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (عن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: هم) أي
الأشعريون (مني وأنا منهم) هي من الاتصالية ومعنى ذلك
المبالغة في اتحاد طريقهما واتفاقهما على طاعة الله تعالى.
والحديث موصول عند المؤلّف في الشركة.
4384 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
وَإِسْحَاقُ بْنُ نَصْرٍ قَالاَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ
آدَمَ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي زَائِدَةَ عَنْ أَبِيهِ،
عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنْ
أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَدِمْتُ أَنَا وَأَخِي مِنَ
الْيَمَنِ فَمَكَثْنَا حِينًا مَا نُرَى ابْنَ مَسْعُودٍ
وَأُمَّهُ إِلاَّ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ مِنْ كَثْرَةِ
دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَهُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسندي
(وإسحاق بن نصر) أبو إبراهيم السعدي (قالا: حدّثنا يحيى بن
آدم) بن سليمان الكوفي قال: (حدّثنا يحيى بن آدم) بن
سليمان الكوفي قال: (حدّثنا ابن أبي زائدة) هو يحيى بن
زكريا بن أبي زائدة واسمه ميمون أو خالد الهمداني الكوفي
(عن أبيه) زكريا الأعمى الكوفي (عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد
الله السبيعي (عن الأسود بن يزيد) النخعي الكوفي (عن أبي
موسى) الأشعري -رضي الله عنه- أنه (قال: قدمت أنا وأخي)
أبو رهم أو أبو بردة (من اليمن) على النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عند فتح خيبر صحبة جعفر بن أبي طالب
(فمكثنا حينًا) حال كوننا (ما نرى) بضم النون أي ما نظن
(ابن مسعود) عبد الله (وأمه) أم عبد الهذلية (إلا من أهل
البيت) النبوي (من كثرة دخولهم) على النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (ولزومهم له).
وقد سبق في مناقب ابن مسعود.
4385 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ
السَّلاَمِ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلاَبَةَ، عَنْ
زَهْدَمٍ قَالَ: لَمَّا قَدِمَ أَبُو مُوسَى أَكْرَمَ
هَذَا الْحَيَّ مِنْ جَرْمٍ وَإِنَّا لَجُلُوسٌ عِنْدَهُ،
وَهْوَ يَتَغَدَّى دَجَاجًا وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ
جَالِسٌ فَدَعَاهُ إِلَى الْغَدَاءِ، فَقَالَ: إِنِّي
رَأَيْتُهُ يَأْكُلُ شَيْئًا فَقَذِرْتُهُ، فَقَالَ:
هَلُمَّ فَإِنِّي رَأَيْتُ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْكُلُهُ فَقَالَ: إِنِّي حَلَفْتُ
لاَ آكُلُهُ، فَقَالَ: هَلُمَّ أُخْبِرْكَ عَنْ يَمِينِكَ،
إِنَّا أَتَيْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- نَفَرٌ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ
فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَأَبَى أَنْ يَحْمِلَنَا
فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ أَنْ لاَ يَحْمِلَنَا ثُمَّ
لَمْ يَلْبَثِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ أُتِيَ بِنَهْبِ إِبِلٍ فَأَمَرَ لَنَا
بِخَمْسِ ذَوْدٍ فَلَمَّا قَبَضْنَاهَا قُلْنَا
تَغَفَّلْنَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَمِينَهُ لاَ نُفْلِحُ بَعْدَهَا أَبَدًا
فَأَتَيْتُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ
حَلَفْتَ أَنْ لاَ تَحْمِلَنَا وَقَدْ حَمَلْتَنَا قَالَ:
«أَجَلْ وَلَكِنْ لاَ أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى
غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلاَّ أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ
خَيْرٌ مِنْهَا».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
عبد السلام) بن حرب بن سلمة النهدي بالنون الملاي بضم
الميم وتخفيف اللام الثقة الحافظ له مناكير (عن أيوب)
السختياني (عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد الجرمي (عن
زهدم) بفتح الزاي وسكون الهاء بوزن جعفر بن مضرب بالضاد
المعجمة وكسر الراء الجرمي بفتح الجيم كالسابق أبي مسلم
البصري أنه (قال: لما قدم أبو موسى) قال ابن حجر: أي إلى
الكوفة أميرًا عليها في زمن عثمان، ووهم من قال: أراد
اليمن لأن زهدمًا لم يكن من أهل اليمن انتهى. والظاهر أنه
أراد بالواهم الكرماني ومن تبعه (أكرم هذا
الحي من جرم) بفتح الجيم وسكون الراء قبيلة مشهورة ينسبون
إلى جرم بن ربان براء مفتوحة فموحدة مشددة ابن ثعلبة بن
حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة (وإنا لجلوس عنده وهو
يتغدى) بالغين المعجمة والدال المهملة (دجاجًا
(6/438)
وفي القوم رجل جالس) لم يسم نعم في رواية
عبد الله بن عبد الوهاب عن حماد عن أيوب في الخمس أنه من
بني تيم الله أحمر كأنه من الموالي (فدعاه) أبو موسى (إلى
الغداء) معه (فقال) الرجل: (إني رأيته) أي الدجاج (يأكل
شيئًا) من النجاسة (فقذرته) بفتح القاف وكسر الذال المعجمة
أي كرهته واستقذرته (فقال) له أبو موسى: (هلم) أي تعال
(فإني رأيت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يأكله. فقال) الرجل (إني حلفت لا آكله) كذا في اليونينية
وفي الفرع وغيره أن لا آكله (فقال) له أبو موسى (هلم
أخبرك) بالجزم (عن يمينك) الذي حلفته (إنّا أتينا النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نفر من الأشعريين) ما
بين الثلاثة إلى العشرة من الرجال (فاستحملناه) طلبنا منه
أن يحملنا وأثقالنا على إبل في غزوة تبوك (فأبى أن يحملنا
فاستحملناه فحلف أن لا يحملنا، ثم لم يلبث النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أُتي) بضم الهمزة (بنهب
إبل) من غنيمة (فأمر لنا بخمس ذود) بالإضافة وفتح الذال
المعجمة ما بين الثنتين إلى التسعة من الإبل (فلما قبضناها
قلنا: تغفلنا) بالغين المعجمة وتشديد الفاء وسكون اللام
(النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يمينه لا نفلح
بعدها فأتيته فقلت: يا رسول الله إنك حلفت أن لا تحملنا)
بفتح اللام (وقد حملتنا. قال):
(أجل) أي نعم حلفت وحملتكم، وزاد في رواية عبد الله بن عبد
الوهاب المذكورة: أفنسيت (ولكن لا أحلف على يمين) أي محلوف
يمين، ولمسلم أمر بدل يمين (فأرى) بفتح الهمزة (غيرها
خيرًا منها) أي من الخصلة المحلوف عليها (إلا أتيت الذي هو
خير منها) زاد في الرواية المذكورة وتحللتها.
والمطابقة بين الترجمة والحديث ظاهرة.
4386 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا أَبُو
عَاصِمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَخْرَةَ
جَامِعُ بْنُ شَدَّادٍ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ
مُحْرِزٍ الْمَازِنِيُّ قال: حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ
حُصَيْنٍ قَالَ: جَاءَتْ بَنُو تَمِيمٍ إِلَى رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
«أَبْشِرُوا يَا بَنِي تَمِيمٍ» فَقَالُوا: أَمَّا إِذْ
بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَجَاءَ
نَاسٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «اقْبَلُوا الْبُشْرَى إِذْ
لَمْ يَقْبَلْهَا بَنُو تَمِيمٍ» قَالُوا: قَدْ قَبِلْنَا
يَا رَسُولَ اللَّهِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون
الميم ابن بحر أبو حفص الباهلي البصري الصيرفي قال:
(حدّثنا أبو عاصم) النبيل الضحاك بن مخلد قال: (حدّثنا
سفيان) الثوري قال: (حدّثنا أبو صخرة جامع بن شداد)
بالمعجمة وتشديد الدال المهملة الأولى المحاربي (قال:
حدّثنا صفوان بن محرز) بضم الميم وسكون الحاء المهملة وكسر
الراء بعدها زاي (المازني قال: حدّثنا عمران بن حصين قال:
جاءت بنو تميم إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال):
(أبشروا) بهمزة قطع بالجنة (يا بني تميم فقالوا: أما إذ
بشرتنا فأعطنا) من المال (فتغير وجه رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فجاء ناس من أهل اليمن) وهم
الأشعريون (فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) لهم: (أقبلوا البشرى) يا أهل اليمن (إذ لم
يقبلها بنو تميم قالوا: قد قبلنا) ها (يا رسول الله). كذا
أورد هذا الحديث هنا مختصرًا. وسبق تامًّا في بدء الخلق
ومراده منه هنا قوله: فجاءنا ناس من أهل اليمن.
قال في الفتح: واستشكل بأن قدوم وفد بني تميم كان سنة تسع
وقدوم الأشعريين كان قبل ذلك عقب فتح خيبر سنة سبع. وأجيب:
باحتمال أن يكون طائفة من الأشعريين قدموا بعد ذلك.
4387 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْجُعْفِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ
قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ:
«الإِيمَانُ هَا هُنَا -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى
الْيَمَنِ- وَالْجَفَاءُ وَغِلَظُ الْقُلُوبِ فِي
الْفَدَّادِينَ عِنْدَ أُصُولِ أَذْنَابِ الإِبِلِ مِنْ
حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ، رَبِيعَةَ،
وَمُضَرَ».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن محمد) المسند
(الجعفي) قال: (حدّثنا وهب بن جرير) بفتح الجيم ابن حازم
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن إسماعيل بن أبي خالد)
الأحمسي مولاهم البجلي (عن قيس بن أبي حازم) البجلي (عن
أبي مسعود) عقبة بن عمرو البدري الأنصاري -رضي الله عنه-
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(الإيمان هاهنا وأشار) بالواو ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي فأشار (بيده إلى) جهة (اليمن) أي أهلها لا من
ينسب إليها، ولو كان من غير أهلها، وفيه ردّ على من زعم أن
المراد بقوله: الإيمان يمان الأنصار لأنهم يمانيو الأصل،
لأن في إشارته إلى اليمن ما يدل على أن المراد به أهلها
حينئذٍ لا الذين كان أصلهم منها، وسبب الثناء عليهم بذلك
إسراعهم إلى الإيمان وحسن قبولهم له: ولا يلزم من ذلك نفيه
عن غيرهم كما لا يخفى (والجفاء) بفتح الجيم والفاء ممدود
التباعد وعدم الرقة والرحمة (وغلظ القلوب) بكسر الغين
المعجمة وفتح اللام بعدها معجمة (في الفدادين) بالفاء
والدالين المهملتين الأولى مشددة جمع فدّاد وهو الشديد
الصوت (عند أول أذناب الإبل) عند سوقهم لها ذمهم لاشتغالهم
بمعالجة ذلك عن
(6/439)
أمور دينهم وذلك مقتض لقساوة القلب على ما
لا يخفى (من حيث يطلع قرنا الشيطان) اللعين بالتثنية جانبا
رأسه لأنه ينتصب في محاذاة مطلع الشمس، فإذا طلعت كانت بين
قرنيه (ربيعة ومضر) بالجر بدلاً من الفدّادين غير منصرفين،
هما قبيلتان مشهورتان.
ومرّ الحديث بأواخر بدء الخلق في باب خير مال المسلم غنم.
4388 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ عَنْ سُلَيْمَانَ،
عَنْ ذَكْوَانَ عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ
الْيَمَنِ هُمْ أَرَقُّ أَفْئِدَةً وَأَلْيَنُ قُلُوبًا،
الإِيمَانُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ،
وَالْفَخْرُ وَالْخُيَلاَءُ فِي أَصْحَابِ الإِبِلِ،
وَالسَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ فِي أَهْلِ الْغَنَمِ».
وَقَالَ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ، عَنْ سُلَيْمَانَ
سَمِعْتُ ذَكْوَانَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بندار العبدي قال: (حدّثنا
ابن أبي عدي) محمد واسم أبي عدي إبراهيم (عن شعبة) بن
الحجاج (عن سليمان) الأعمش (عن ذكوان) أبي صالح السمان (عن
أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال) يخاطب أصحابه وفيهم
الأنصار:
(أتاكم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبًا). قال
الخطابي: وصف الأفئدة بالرقة، والقلوب باللين، لأن الفؤاد
غشاء القلب، فإذا رق نفذ القول منه وخلص إلى ما وراءه،
وإذا غلظ بعد وصوله إلى داخل فإذا صادف القلب لينًا علق به
وتجمع فيه.
وقال القاضي البيضاوي: الرقة ضدّ الغلظ، والصفاقة واللين
مقابل القسوة فاستعيرت في أحوال القلب، فإذا نبا عن الحق
وأعرض عن قبوله ولم يتأثر بالآيات والنذر يوصف بالغلظ،
فكأن شغافه صفيق لا ينفذ فيه الحق وجرمه صلب لا يؤثر فيه
الوعظ، وإذا كان بعكس ذلك يوصف بالرقة واللين، فكأن حجابه
رقيق لا يأبى نفوذ الحق وجوهره لين يتأثر بالنصح، وللطيبي
فيه قول آخر يأتي قريبًا إن شاء الله تعالى، ولما وصفهم
بذلك أتبعه بما هو كالنتيجة والغاية فقال عليه الصلاة
والسلام:
(الإيمان يمان) مبتدأ وخبر وأصله يمني بياء النسبة فحذفت
الياء تخفيًا وعوّض عنها الألف أي الإيمان منسوب إلى أهل
اليمن، لأن صفاء القلب ورقته ولين جوهره يؤدّي به إلى
عرفان الحق والتصديق به وهو الإيمان والانقياد (والحكمة
يمانية) بتخفيف الياء فقلوبهم معادن الإيمان وينابيع
الحكمة (والفخر) كالإعجاب بالنفس (والخيلاء) الكبر واحتقار
الغير (في أصحاب الإبل والسكينة) المسكنة (والوقار) الخضوع
(في أهل الغنم). قال البيضاوي في تخصيص الخيلاء بالصحابي
الإبل، والوقار بأهل الغنم ما يدل على أن مخالطة الحيوان
ربما تؤثر في النفس وتعدي إليها هيئات وأخلاقًا تناسب
طباعها وتلائم أحوالها.
(وقال غندر) محمد بن جعفر فيما وصله أحمد (عن شعبة) بن
الحجاج (عن سليمان) الأعمش أنه قال: (سمعت ذكوان) الزيات
(عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) فذكر الحديث السابق وأعاده لتصريح
الأعمش بسماعه من ذكوان.
4389 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ
سُلَيْمَانَ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي
الْغَيْثِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الإِيمَانُ
يَمَانٍ، وَالْفِتْنَةُ هَا هُنَا هَا هُنَا يَطْلُعُ
قَرْنُ الشَّيْطَانِ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني)
بالإفراد (أخي) أبو بكر عبد الحميد (عن سليمان) بن بلال
(عن ثور بن زيد) المدني لا الشامي (عن أبي الغيث) بالمعجمة
المفتوحة والمثلثة بينهما ياء ساكنة سالم مولى عبد الله بن
مطيع (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال):
(الإيمان يمان والفتنة هاهنا) يعني نحو المشرق (هاهنا يطلع
قرن الشيطان) بالإفراد ومرّ ما فيه قريبًا.
4390 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ
حَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «أَتَاكُمْ أَهْلُ
الْيَمَنِ أَضْعَفُ قُلُوبًا، وَأَرَقُّ أَفْئِدَةً،
الْفِقْهُ يَمَانٍ، وَالْحِكْمَةُ يَمَانِيَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة قال: (حدّثنا أبو الزناد) عبد الله
بن ذكوان (عن الأعرج) عبد الرحمن بن هرمز (عن أبي هريرة)
-رضي الله عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أنه (قال) لأصحابه:
(أتاكم أهل اليمن أضعف قلوبًا وأرق أفئدة) قال في شرح
المشكاة: يمكن أن يراد بالفؤاد والقلب ما عليه أهل اللغة
من كونهما مترادفين فكرّر ليناط به معنى غير المعنى
السابق، فإن الرقة مقابلة للغلظ واللين مقابل للشدة
والقسوة، فوصف أوّلاً بالرقة ليشير إلى التخلق مع الناس
وحسن العشرة مع الأهل والإخوان. قال تعالى: {ولو كنت فظًّا
غليظ القلب لانفضّوا من حولك} [آل عمران: 159] وثانيًا
باللين ليؤذن بأن الآيات النازلة والدلائل المنصوبة ناجعة
فيها وصاحبها مقيم على التعظيم لأمر الله.
(الفقه) وهو إدراك الأحكام الشرعية العملية بالاستدلال على
أعيانها (يمان والحكمة يمانية) ولأبوي
(6/440)
ذر والوقت يمان بلا هاء التأنيث.
قال في الفتح: الأظهر أن المراد من ينسب له بالسكنى بل هو
المشاهد في كل عصر من أحوال سكان جهة اليمن إذ غالبهم رقاق
القلوب والأبدان، وغالب من يوجد من جهة الشمال غلاظ القلوب
والأبدان. وعند البزار من حديث ابن عباس بينا رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالمدينة إذ قال:
"الله أكبر {إذا جاء نصر الله والفتح} [النصر: 1] وجاء أهل
اليمن نقية قلوبهم حسنة طاعتهم الإيمان يمان والفقه يمان
والحكمة يمانية". وعن جبير بن مطعم عنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "يطلع عليكم أهل اليمن كأنهم
السحاب هم خير أهل الأرض" رواه أحمد والبزار وأبو يعلى.
4391 - حَدَّثَنَا عَبْدَانُ عَنْ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ
الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ قَالَ:
كُنَّا جُلُوسًا مَعَ ابْنِ مَسْعُودٍ فَجَاءَ خَبَّابٌ
فَقَالَ: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَيَسْتَطِيعُ
هَؤُلاَءِ الشَّبَابُ أَنْ يَقْرَءُوا كَمَا تَقْرَأُ؟
قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَوْ شِئْتَ أَمَرْتُ بَعْضَهُمْ
يَقْرَأُ عَلَيْكَ؟ قَالَ: أَجَلْ. قَالَ: اقْرَأْ يَا
عَلْقَمَةُ
فَقَالَ زَيْدُ بْنُ حُدَيْرٍ أَخُو زِيَادِ بْنِ
حُدَيْرٍ: أَتَأْمُرُ عَلْقَمَةَ أَنْ يَقْرَأَ وَلَيْسَ
بِأَقْرَئِنَا؟ قَالَ: أَمَا إِنَّكَ إِنْ شِئْتَ
أَخْبَرْتُكَ بِمَا قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: فِي قَوْمِكَ وَقَوْمِهِ فَقَرَأْتُ
خَمْسِينَ آيَةً مِنْ سُورَةِ مَرْيَمَ فَقَالَ عَبْدُ
اللَّهِ: كَيْفَ تَرَى؟ قَالَ: قَدْ أَحْسَنَ، قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ مَا أَقْرَأُ شَيْئًا إِلاَّ وَهُوَ
يَقْرَؤُهُ، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى خَبَّابٍ وَعَلَيْهِ
خَاتَمٌ مِنْ ذَهَبٍ فَقَالَ: أَلَمْ يَأْنِ لِهَذَا
الْخَاتَمِ أَنْ يُلْقَى؟ قَالَ: أَمَا إِنَّكَ لَنْ
تَرَاهُ عَلَىَّ بَعْدَ الْيَوْمِ فَأَلْقَاهُ، رَوَاهُ
غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ.
وبه قال: (حدّثنا عبدان) هو عبد الله بن عثمان بن جبلة
العابد المروزي البصري الأصل (عن أبي حمزة) بالزاي محمد بن
ميمون السكري (عن الأعمش) سليمان (عن إبراهيم) النخعي (عن
علقمة) بن قيس أنه (قال: كنا جلوسًا مع ابن مسعود فجاء
خبّاب) بفتح الخاء المعجمة والموحدة المشددة وبعد الألف
موحدة أخرى ابن الأرثّ الصحابي -رضي الله عنه- (فقال):
لابن مسعود مستفهمًا منه (يا أبا عبد الرحمن أيستطيع هؤلاء
الشباب أن يقرؤوا كما تقرأ)؟ أنت (قال: أما) بالتخفيف (إنك
لو) ولأبي ذر: إن (شئت أمرت) بتاء الخطاب أو التكلم (بعضهم
يقرأ عليك) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فيقرأ بزيادة
فاء قبل الياء، وله عن الكشميهني: فقرأ بصيغة الماضي (قال:
أجل) أي نعم (قال) ابن مسعود: (اقرأ يا علقمة. فقال زيد بن
حدير) بالحاء المضمومة والدال المفتوحة المهملتين مصغرًا
(أخو زياد بن حدير) الأسدي التابعي الكبير له رواية في سنن
أبي داود (أتأمر علقمة أن يقرأ وليس بأقرئنا؟ قال) ابن
مسعود (أما) بالتخفيف (إنك إن شئت أخبرتك بما قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في قومك) بني أسد من
الذم حيث قال عليه الصلاة والسلام فيما سبق في المناقب: إن
جهينة وغيرها خير من بني أسد وغطفان (وقومه) النخع من
الثناء فيما رواه أحمد والبزار بإسناد حسن عن ابن مسعود
قال: شهدت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في يدعو لهذا الحي من النخع ويثني عليهم حتى تمنيت أني رجل
منهم. قال علقمة: (فقرأت خمسين أية من سورة مريم، فقال عبد
الله) بن مسعود لخباب (كيف ترى؟ قال) خباب (قد أحسن)
ولأحمد فقال خباب لعلقمة: أحسنت (قال عبد الله) بن مسعود
(ما أقرأ شيئًا إلا هو) أي علقمة (يقرؤه، ثم التفت) عبد
الله بن مسعود (إلى خباب وعليه خاتم من ذهب فقال) له: (ألم
يأن لها الخاتم أن يلقى) بضم أوله وفتح ثالثه أي يرمى به
(قال) خباب: (أما) بالتخفيف (إنك لمن تراه عليّ بعد اليوم
فألقاه. رواه غندر) محمد بن جعفر فيما وصله أبو نعيم في
مستخرجه (عن شعبة) بن الحجاج أي عن الأعمش بالإسناد
السابق، والظاهر أن خبابًا كان يعتقد أن النهي عن خاتم
الذهب للتنزيه، فنبهه ابن مسعود على أنه للتحريم.
75 - باب قِصَّةُ دَوْسٍ وَالطُّفَيْلِ بْنِ عَمْرٍو
الدَّوْسِيِّ
(قصة دوس) بفتح الدال وسكون الواو وبالسين المهملة،
(والطفيل بن عمرو) بضم الطاء وفتح الفاء وعمرو بفتح العين
(الدوسي) بفتح الدال.
4392 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
عَنِ ابْنِ ذَكْوَانَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ:
جَاءَ الطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: إِنَّ دَوْسًا قَدْ
هَلَكَتْ عَصَتْ، وَأَبَتْ فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ
فَقَالَ: «اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْئتِ بِهِمْ».
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال: (حدّثنا
سفيان) بن عيينة (عن ابن ذكوان) عبد الله أبي عبد الرحمن
الإمام المدني المعروف بأبي الزناد (عن عبد الرحمن) بن
هرمز (الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه-) أنه (قال: جاء
الطفيل بن عمرو) الدوسي وكان يقال له ذو النون لأنه كما
ذكر هشام بن الكلبي لما أتى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعثه إلى قومه فقال: اجعل لي آية.
فقال: "اللهم نوّر له" فسطع نور بين عينيه فقال: يا رب إني
أخاف أن يقولوا إنه مثلة فتحول إلى طرف سوطه فكان يضيء في
الليلة المظلمة (إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقال) يا رسول الله: (إن دوسًا) القبيلة (قد
هلكت عصت وأبت فادع الله عليهم، فقال) عليه الصلاة
والسلام:
(اللهم اهدِ دوسًا) للإسلام (وائت بهم) فرجع الطفيل إلى
قومه فدعاهم إلى الله، ثم قدم بعد ذلك على رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بخيبر، فنزل المدينة
بسبعين أو ثمانين بيتًا من دوس قد أسلموا.
4393 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ، حَدَّثَنَا
أَبُو أُسَامَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ عَنْ قَيْسٍ،
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمْتُ عَلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قُلْتُ
فِي الطَّرِيقِ:
يَا لَيْلَةً مِنْ طُولِهَا وَعَنَائِهَا ... عَلَى
أَنَّهَا مِنْ دَارَةِ الْكُفْرِ نَجَّتِ
وَأَبَقَ غُلاَمٌ لِي فِي الطَّرِيقِ فَلَمَّا قَدِمْتُ
عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَبَايَعْتُهُ فَبَيْنَا أَنَا عِنْدَهُ إِذْ طَلَعَ
الْغُلاَمُ فَقَالَ لِي النَّبِيُّ: «يَا أَبَا هُرَيْرَةَ
هَذَا غُلاَمُكَ»؟ فَقُلْتُ: هُوَ لِوَجْهِ اللَّهِ
تَعَالَى فَأَعْتَقْتُهُ.
وبه قال:
(6/441)
(حدثني) بالإفراد (محمد بن العلاء) بن كريب
أبو كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو أسامة) حماد بن
أسامة قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي خالد (عن قيس) هو ابن
أبي حازم (عن أبي هريرة) -رضي الله عنه- أنه (قال: لما
قدمت) أي لما أردت القدوم (على النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أريد الإسلام عام خيبر سنة سبع (قلت
في الطريق):
(يا ليلة) كذا في جميع الروايات، وقول الكرماني أنه لا بّد
من إثبات فاء أو واو في أوله ليصير موزونًا، وتعقب بأن هذا
في العروض يسمى الخرم بالخاء المعجمة المفتوحة والراء
الساكنة، وهو أن يحذف من أول الجزء حرف من حروف المعاني
وما جاز حذفه لا يقال لا بدّ من إثباته قاله في الفتح (من
طولها وعنائها) بفتح العين والنون والمدّ تعبها (على أنها
من دارة الكفر نجت) والدارة أخص من الدار وقد أكثر
استعمالها في أشعار العرب كقول امرئ القيس:
ولا سيما يوم بدارة جلجل
قال أبو هريرة (وأبق غلام لي في الطريق) قال في الفتح: لم
أقف على اسمه، وفي رواية محمد بن عبد الله بن نمير عن محمد
بن بشر عن إسماعيل بن أبي خالد في العتق: ومعه غلام ضلّ كل
واحد منهما عن صاحبه أي: تاه فذهب كل واحد إلى ناحية (فلما
قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فبايعته) على الإسلام (فبينا) بغير ميم (أنا عنده إذ طلع
الغلام فقال لي النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(يا أبا هريرة هذا غلامك) لعله علمه بإخبار الملك له أو
بوصف أبي هريرة له والحمل على الأول أولى. قال أبو هريرة:
(فقلت) ولأبي ذر فقال أي أبو هريرة (هو لوجه الله فأعتقته)
أي بهذا اللفظ، ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فأعتقه بلفظ
الماضي بفتح القاف بغير تاء بعدها.
76 - باب قِصَّةِ وَفْدِ طَيِّئٍ وَحَدِيثِ عَدِيِّ بْنِ
حَاتِمٍ
(باب قصة وفد طيئ) بفتح الطاء المهملة وتشديد التحتية
المكسورة بعدها همزة ابن أدد بن زيد بن يشجب. قيل: وسمي
طيئًا لأنه أول من طوى بئرًا أو طوى المناهل وكان اسمه
جلهمة (وحديث عدي بن حاتم) أي ابن عبد الله بن سعد بن
الحشرج بمهملة ثم معجمة ثم راء ثم جيم بوزن جعفر، ابن امرئ
القيس بن عدي الطائي، وسقط لفظ باب ولفظ قصة لأبي ذر.
4394 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
أَبُو عَوَانَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ، عَنْ
عَمْرِو بْنِ حُرَيْثٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ:
أَتَيْنَا عُمَرَ فِي وَفْدٍ فَجَعَلَ يَدْعُو رَجُلاً
رَجُلاً وَيُسَمِّيهِمْ فَقُلْتُ: أَمَا تَعْرِفُنِي يَا
أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: بَلَى، أَسْلَمْتَ إِذْ
كَفَرُوا وَأَقْبَلْتَ إِذْ أَدْبَرُوا، وَوَفَيْتَ إِذْ
غَدَرُوا، وَعَرَفْتَ إِذْ أَنْكَرُوا، فَقَالَ عَدِيٌّ:
فَلاَ أُبَالِي إِذًا.
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) المنقري قال: (حدّثنا
أبو عوانة) الوضاح اليشكري قال: (حدّثنا عبد الملك) بن
عمير (عن عمرو بن حريث) بفتح العين في الأول وضم الحاء
المهملة آخره مثلثة في الثاني المخزومي الصحابي الصغير (عن
عدي بن حاتم) بالحاء المهملة ابن عبد الله الطائي وأبوه
حاتم الموصوف بالجود أنه (قال: أتينا عمر) بن الخطاب في
خلافته (في وفد) بفتح الواو وسكون الفاء بعدها دال مهملة
من طيئ (فجعل يدعو رجلاً رجلاً) من طيئ (ويسميهم) بأسمائهم
قبل أن يدعوه بل قدمهم عليه، وفي رواية أحمد: أتيت عمر في
أناس من قومي فجعل يعرض عني فاستقبلته (فقلت: أما) بتخفيف
الميم (تعرفني يا أمير المؤمنين؟ قال: بلى) أعرفك (أسلمت)
يا عدي (إذ كفروا، وأقبلت إذ) أي حين (أدبروا، ووفيت)
بالتخفيف العهد بالإسلام والصدقة بعد النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (إذ) أي حين (غدروا، وعرفت)
الحق (إذ) أي حين (أنكروا. فقال عدي: فلا أبال إذًا) أي
إذا كنت تعرف قدري فلا أبالي إذا قدمت عليّ غيري.
وقد كان عدي نصرانيًّا وكان سبب إسلامه كما ذكره ابن إسحاق
أن خيل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصابت
أخت عدي، وأن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
منّ عليها فأطلقها بعد أن استعطفته فقالت له: هلك الوالد
وغاب الوافد فامنن عليّ منّ الله عليك. قال: ومن وافدك؟
قالت: عدي بن حاتم، قال: الفارّ من الله
ورسوله؟ قال: فلما قدمت على عديّ أشارت عليه بالقدوم على
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقدم
وأسلم. وفي الترمذي: أنه لما قدم قالوا: هذا عدي بن حاتم،
وكان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال قبل
ذلك: "إني لأرجو الله أن يجعل يده في يدي".
77 - باب حَجَّةُ الْوَدَاعِ
(باب حجة الوداع) سميت بذلك لأنه ودع الناس فيها وبعدها،
وسميت أيضًا بحجة الإسلام لأنه لم يحج من المدينة بعد فرض
الحج غيرها، وحجة البلاغ لأنه بلّغ
(6/442)
الناس فيها الشرع في الحج قولاً وفعلاً،
وحجة التمام والكمال. وسقط لفظ باب لأبي ذر.
4395 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ
بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَأَهْلَلْنَا
بِعُمْرَةٍ ثُمَّ قَالَ لَنا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «مَنْ كَانَ عِنْدَهُ هَدْيٌ
فَلْيُهْلِلْ بِالْحَجِّ مَعَ الْعُمْرَةِ ثُمَّ لاَ
يَحِلَّ حَتَّى يَحِلَّ مِنْهُمَا جَمِيعًا» فَقَدِمْتُ
مَعَهُ مَكَّةَ وَأَنَا حَائِضٌ، وَلَمْ أَطُفْ
بِالْبَيْتِ وَلاَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ
فَشَكَوْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ: «انْقُضِي رَأْسَكِ
وَامْتَشِطِي وَأَهِلِّي بِالْحَجِّ وَدَعِي الْعُمْرَةَ»
فَفَعَلْتُ فَلَمَّا قَضَيْنَا الْحَجَّ أَرْسَلَنِي
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَعَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ إِلَى
التَّنْعِيمِ فَاعْتَمَرْتُ فَقَالَ: «هَذِهِ مَكَانَ
عُمْرَتِكِ» قَالَتْ: فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا
بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ وَبَيْنَ الصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ ثُمَّ حَلُّوا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ
بَعْدَ أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى وَأَمَّا الَّذِينَ
جَمَعُوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ فَإِنَّمَا طَافُوا
طَوَافًا وَاحِدًا.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل بن عبد الله) الأويسي قال:
(حدّثنا مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة (عن ابن شهاب) محمد
بن مسلم الزهري (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن عائشة
-رضي الله عنها-) أنها (قالت: خرجنا) من المدينة (مع رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع)
لخمس بقين من ذي القعدة (فأهللنا) أي أحرمنا من ذي الحليفة
(بعمرة، ثم قال لنا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) بسرف:
(من كان عنده هدي فليهلّ) بلام مشددة، ولغير أبي ذر:
فليهلل بلامين (بالحج مع العمرة ثم لا يحل) بالرفع في
الفرع والنصب في غيره (حتى يحل منهما) من الحج والعمرة
(جميعًا) قالت عائشة (فقدمت) بسكون الميم (معه) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (مكة وأنا حائض ولم أطف
بالبيت ولا بين الصفا والمروة) عطف على المنفي السابق على
تقدير ولم أسع أو هو على طريق المجاز (فشكوت إلى رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) ترك الطواف والسعي
بسبب الحيض (فقال: انقضي رأسك) أي حليّ ضفر شعر رأسك
(وامتشطي) سرحيه بالمشط (وأهلي) أحرمي (بالحج ودعي العمرة)
أي عملها من الطواف والسعي والتقصير لا أنها تدع العمرة
نفسها فتكون قارنة كما تأوله الشافعي -رحمه الله تعالى-
عليه قالت (ففعلت) بسكون اللام ما ذكر من النقض إلى آخره
(فلما قضينا الحج) أي وطهرت يوم النحر
(أرسلني رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
مع) أخي (عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق) -رضي الله عنهما-
(إلى التنعيم فاعتمرت فقال) عليه الصلاة والسلام: (هذه)
العمرة (مكان عمرتك) برفع مكان خبر هذه أي عوضها أو بالنصب
على الظرفية، والأول في الفرع، والثاني في أصله، وفيه بحث
تقدم في باب: كيف تهل الحائض؟ (قالت: فطاف الذين أهلّوا
بالعمرة بالبيت و) سعوا (بين الصفا والمروة) لأجل العمرة
(ثم حلّوا) منها بالحلق أو التقصير (ثم طافوا طوافًا آخر)
للحج (بعد أن رجعوا من منى، وأما الذين جمعوا الحج والعمرة
فإنما طافوا طوافًا واحدًا) لاندراج أفعال العمرة في أفعال
الحج خلافًا للحنفية.
وهذا الحديث قد مرّ في باب كيف تهلّ الحائض، والغرض منه
هنا قوله في حجة الوداع.
4396 - حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا
يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ،
حَدَّثَنِي عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ إِذَا طَافَ
بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ فَقُلْتُ مِنْ أَيْنَ؟ قَالَ:
هَذَا ابْنُ عَبَّاسٍ؟ قَالَ: مِنْ قَوْلِ اللَّهِ
تَعَالَى: {ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ}
[الحج: 33] وَمِنْ أَمْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَصْحَابَهُ أَنْ يَحِلُّوا فِي
حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقُلْتُ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ
بَعْدَ الْمُعَرَّفِ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَرَاهُ
قَبْلُ وَبَعْدُ.
ويه قال: (حدثني) بالإفراد (عمرو بن علي) بفتح العين وسكون
الميم ابن بحر الباهلي الصيرفي قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد)
القطان قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن عبد العزيز
قال: (حدثني) بالإفراد (عطاء) أي ابن أبي رباح (عن ابن
عباس) -رضي الله عنهما- أنه قال: (اذا طاف) المعتمر مطلقًا
قارنًا كان أو ممتعًا (بالبيت) ولم يسع بين الصفا والمروة
ولم يحلق ولم يقصر (فقد حلّ) من إحرامه، وهذا مذهب مشهور
لابن عباس. قال ابن جريج (فقلت) لعطاء: (من أين قال هذا
ابن عباس؟ قال: من قول الله تعالى: {ثم محلها إلى البيت
العتيق} [الحج: 33].
ومن أمر النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أصحابه
أن يحلّوا في حجة الوداع) قال ابن جريج: (فقلت) لعطاء:
(إنما كان ذلك بعد المعرّف) بتشديد الراء المفتوحة أي
الوقوف بعرفة (قال) عطاء: (كان ابن عباس يراه) أي الإحلال
(قبل وبعد) بالبناء على الضم فيهما أي قبل الوقوف وبعده.
وهذا الحديث أخرجه مسلم في المناسك.
4397 - حَدَّثَنِي بَيَانٌ حَدَّثَنَا النَّضْرُ
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَيْسٍ قَالَ: سَمِعْتُ
طَارِقًا عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه-
قَالَ: قَدِمْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْبَطْحَاءِ فَقَالَ:
«أَحَجَجْتَ»؟ قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: «كَيْفَ
أَهْلَلْتَ»؟ قُلْتُ: لَبَّيْكَ بِإِهْلاَلٍ كَإِهْلاَلِ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «طُفْ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ،
ثُمَّ حِلَّ» فَطُفْتُ بِالْبَيْتِ وَبِالصَّفَا
وَالْمَرْوَةِ، وَأَتَيْتُ امْرَأَةً مِنْ قَيْسٍ فَفَلَتْ
رَأْسِي.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (بيان) بفتح الموحدة والتحتية
المخففة آخره نون ابن عمرو وأبو محمد البخاري بالموحدة
والخاء المعجمة قال: (حدّثنا النضر) بالنون والضاد المعجمة
ابن شميل
بالشين المعجمة مصغرًا قال: (أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن
قيس) هو ابن مسلم أنه (قال: سمعت طارقًا) بالقاف ابن شهاب
الأحمسي البجلي الكوفي (عن أبي موسى الأشعري -رضي الله
عنه-) أنه (قال: قدمت على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) حال كونه نازلاً (بالبطحاء) مسيل وادي مكة
(فقال):
(أحججت)؟ بهمزة الاستفهام الإخباري أي أحرمت بالحج الشامل
للأكبر والأصغر (قلت: نعم قال: كيف أهللت)؟ (قلت: لبيك
بإهلال كإهلال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال: طف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حلّ) بكسر
الحاء من عمرتك بالحلق أو بالتقصير.
(6/443)
قال أبو موسى (فطفت بالبيت وبالصفا
والمروة) وفي رواية وبالمروة أي وحلقت أو قصرت (وأتيت
امرأة من قيس) لم تسم (ففلّت رأسي) بتخفيف اللام أخرجت
القمل منه.
والحديث مضى في باب: من أهلّ في زمن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كإهلاله.
4398 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ،
حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ
أَنَّ حَفْصَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَخْبَرَتْهُ أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمَرَ أَزْوَاجَهُ
أَنْ يَحْلِلْنَ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَتْ
حَفْصَةُ: فَمَا يَمْنَعُكَ؟ فَقَالَ: «لَبَّدْتُ رَأْسِي
وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَسْتُ أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ
هَدْيِي».
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن المندر) القرشي
الحزامي قال: (حدّثنا أنس بن عياض) المدني قال: (حدّثنا
موسى بن عقبة) الإمام في المغازي (عن نافع) مولى ابن عمر
(أن ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أخبره أن حفصة) -رضي الله
عنها- (زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أخبرته أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمر
أزواجه أن يحللن) بالطواف والسعي والتقصير من العمرة (عام
حجة الوداع فقالت حفصة): يا رسول الله (فما يمنعك)؟ أن تحل
من عمرتك المضمومة إلى الحج إذ إن أكثر الأحاديث أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان قارنًا (فقال):
إني (لبدت رأسي) أي بنحو الصمغ فلا يدخل فيه قمل (وقلدت
هديي) بالتعليق للنعل في عنقه ليعلم (فلست أحل) بفتح
الهمزة وكسر المهملة من إحرامي (حتى أنحر هديي) ليس علة في
بقائه على إحرامه بل إدخاله العمرة على الحج، ويؤيده قوله
في رواية أخرى: حتى أحل من الحج خلافًا للحنفية والحنابلة
القائلين بأنه جعل العلة ما ذكر في هذا الحديث، وسبق مزيد
لذلك في باب التمتع والإقران.
4399 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنِي شُعَيْبٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ:
حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ
شِهَابٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ
عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ
اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَالْفَضْلُ بْنُ
عَبَّاسٍ رَدِيفُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ
فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي
شَيْخًا كَبِيرًا لاَ يَسْتَطِيعُ
أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَهَلْ يَقْضِي أَنْ
أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: «نَعَمْ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (حدثني)
بالإفراد ولأبي ذر: أخبرنا بالخاء المعجمة والجمع (شعيب)
هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم قال البخاري
(وقال محمد بن يوسف) الفريابي (حدّثنا الأوزاعي) عبد
الرحمن بن عمرو (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن شهاب) محمد بن
مسلم (عن سليمان بن يسار) بالتحتية والسين المهملة المخففة
(عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن امرأة من خثعم) بالخاء
المعجمة والمثلثة ولم تسم المرأة (استفتت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع) يوم
النحر (والفضل بن عباس رديف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) راكب خلفه (فقالت: يا رسول الله إن
فريضة الله على عباده) أي في الحج كما في الأخرى (أدركت
أبي شيخًا كبيرًا) لم يسم ونصبهما على الحال (لا يستطيع أن
يستوي على الراحلة) حال أو صفة (فهل يقضي) بفتح الياء أي
يجزي أو يكفي عنه (أن أحج عنه؟ قال) عليه الصلاة والسلام:
(نعم) يقضي عنه.
وهذا الحديث مرّ في باب الحج عمن لا يستطيع الثبوت على
الراحلة.
4400 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ
النُّعْمَانِ، حَدَّثَنَا فُلَيْحٌ عَنْ نَافِعٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: أَقْبَلَ النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَامَ الْفَتْحِ
وَهْوَ مُرْدِفٌ أُسَامَةَ عَلَى الْقَصْوَاءِ وَمَعَهُ
بِلاَلٌ وَعُثْمَانُ بْنُ طَلْحَةَ، حَتَّى أَنَاخَ عِنْدَ
الْبَيْتِ ثُمَّ قَالَ لِعُثْمَانَ: «ائْتِنَا
بِالْمِفْتَاحِ» فَجَاءَهُ بِالْمِفْتَاحِ فَفَتَحَ لَهُ
الْبَابَ فَدَخَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأُسَامَةُ وَبِلاَلٌ وَعُثْمَانُ ثُمَّ
أَغْلَقُوا عَلَيْهِمِ الْبَابَ فَمَكَثَ نَهَارًا
طَوِيلاً ثُمَّ خَرَجَ وَابْتَدَرَ النَّاسُ الدُّخُولَ
فَسَبَقْتُهُمْ فَوَجَدْتُ بِلاَلاً قَائِمًا مِنْ وَرَاءِ
الْبَابِ فَقُلْتُ لَهُ: أَيْنَ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: صَلَّى
بَيْنَ ذَيْنِكَ الْعَمُودَيْنِ الْمُقَدَّمَيْنِ، وَكَانَ
الْبَيْتُ عَلَى سِتَّةِ أَعْمِدَةٍ سَطْرَيْنِ صَلَّى
بَيْنَ الْعَمُودَيْنِ مِنَ السَّطْرِ الْمُقَدَّمِ،
وَجَعَلَ بَابَ الْبَيْتِ خَلْفَ ظَهْرِهِ، وَاسْتَقْبَلَ
بِوَجْهِهِ الَّذِي يَسْتَقْبِلُكَ حِينَ تَلِجُ الْبَيْتَ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجِدَارِ، قَالَ: وَنَسِيتُ أَنْ
أَسْأَلَهُ كَمْ صَلَّى؟ وَعِنْدَ الْمَكَانِ الَّذِي
صَلَّى فِيهِ مَرْمَرَةٌ حَمْرَاءُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد) هو ابن رافع بن أبي زيد
القشيري النيسابوري فيما قاله الغساني أو هو ابن يحيى
الذهلي قال: (حدّثنا سريج بن النعمان) بالسين المهملة
والجيم أبو الحسن البغدادي شيخ المؤلّف يروى عنه بالواسطة
وبغيرها قال: (حدّثنا فليح) بضم الفاء وفتح اللام ابن
سليمان (عن نافع) مولى ابن عمر (عن ابن عمر -رضي الله
عنهما-) أنه (قال: أقبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عام الفتح وهو) أي والحال أنه (مردف أسامة)
وراءه (على القصواء) بفتح القاف وسكون المهملة ممدودًا
ناقته عليه الصلاة والسلام (ومعه بلال) المؤذن (وعثمان بن
طلحة) الحجبي (حتى أناخ) راحلته (عند البيت) الحرام (ثم
قال لعثمان):
(ائتنا بالمفتاح) أي بمفتاح الكعبة (فجاءه بالمفتاح) ولأبي
ذر عن المستملي: بالمفتح بلا ألف
فيهما، وفي الفرع شطب بالحمرة على الألف في الموضعين (ففتح
له الباب، فدخل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وأسامة) بن زيد (وبلال) المؤذن (وعثمان) بن طلحة الكعبة
(ثم أغلقوا عليهم الباب فمكث) بضم الكاف فيها (نهارًا
طويلاً ثم خرج) عليه الصلاة والسلام منها (وابتدر الناس)
بالواو ولأبوي ذر والوقت فابتدر الناس بالفاء بدل الواو
(الدخول فسبقتهم) بسكون القاف (فوجدت بلالاً قائمًا من
وراء الباب) وسقط لأبي ذر لفظ من (فقلت له): أي لبلال (أين
صلّى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟
فقال: صلى بين ذينك العمودين المقدمين، وكان البيت) قبل أن
يهدم ويبنى في زمن ابن الزبير (على ستة أعمدة سطرين)
(6/444)
بالسين المهملة، ولأبي ذر عن المستملي:
شطرين بالشين المعجمة (صلى بين العمودين من السطر المقدم)
بالسين المهملة (وجعل باب البيت خلف ظهره واستقبل بوجهه)
الشريف (الذي يستقبلك) من الجدار (حين تلج) أي تدخل ولأبي
ذر عن الحموي والمستملي حتى تلج (البيت) وفي الفرع شطب على
حاء حين (بينه وبين الجدار) الذي قبل وجهه قريبًا من ثلاثة
أذرع (قال) ابن عمر: (ونسيت أن أسأله) أي بلالاً (كم صلى)؟
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم (وعند المكان الذي
صلى فيه مرمرة حمراء) بسكون الراء بين الميمين المفتوحتين
واحدة المرمر جنس من الرخام نفيس معروف.
وقد استشكل دخول هذا الحديث في باب حجة الوداع للتصريح فيه
بأنه كان في الفتح.
4401 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ،
عَنِ الزُّهْرِيِّ حَدَّثَنِي عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ،
وَأَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّ عَائِشَةَ
زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-،
أَخْبَرَتْهُمَا أَنَّ صَفِيَّةَ بِنْتَ حُيَيٍّ زَوْجَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَاضَتْ
فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَحَابِسَتُنَا هِيَ»؟
فَقُلْتُ: إِنَّهَا قَدْ أَفَاضَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ
وَطَافَتْ بِالْبَيْتِ فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «فَلْتَنْفِرْ».
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال: (أخبرنا
شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه قال:
(حدثني) بالإفراد (عروة بن الزبير) بن العوّام (وأبو سلمة
بن عبد الرحمن) بن عوف (أن عائشة زوج النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أخبرتهما أن صفية بنت حيي زوج
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاضت في حجة
الوداع) ليلة النفر بعدما أفاضت (فقال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) مستفهمًا من عائشة:
(أحابستنا هي)؟ عن الرجوع إلى المدينة لأنه ظن أنها لم تطف
طواف الإفاضة. قالت عائشة (فقلت: إنها قد أفاضت) إلى مكة
(يا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وطافت
بالبيت فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
فلتنفر) بكسر الفاء معنا إلى المدينة.
والحديث سبق في باب: إذا حاضت بعدما أفاضت من الحج.
4402 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ:
أَخْبَرَنِي ابْنُ وَهْبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي عُمَرُ بْنُ
مُحَمَّدٍ أَنَّ أَبَاهُ حَدَّثَهُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي
الله عنهما- قَالَ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ بِحَجَّةِ
الْوَدَاعِ وَالنَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَيْنَ أَظْهُرِنَا وَلاَ نَدْرِي مَا حَجَّةُ
الْوَدَاعِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ
ذَكَرَ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ فَأَطْنَبَ فِي ذِكْرِهِ
وَقَالَ:
«مَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ نَبِيٍّ إِلاَّ أَنْذَرَ
أُمَّتَهُ أَنْذَرَهُ نُوحٌ، وَالنَّبِيُّونَ مِنْ
بَعْدِهِ وَإِنَّهُ يَخْرُجُ فِيكُمْ فَمَا خَفِيَ
عَلَيْكُمْ مِنْ شَأْنِهِ، فَلَيْسَ يَخْفَى عَلَيْكُمْ
أَنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ عَلَى مَا يَخْفَى عَلَيْكُمْ
ثَلاَثًا، إِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، وَإِنَّهُ
أَعْوَرُ عَيْنِ الْيُمْنَى كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ
طَافِيَةٌ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن سليمان) أبو سعيد الجعفي (قال:
أخبرني) بالخاء المعجمة والإفراد ولأبي ذر حدثني بالإفراد
أيضًا (ابن وهب) عبد الله المصري (قال: حدثني) بالإفراد
(عمر بن محمد) بضم العين (أن أباه) محمد بن زيد بن عبد
الله بن عمر (حدثه عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال:
كنا نتحدث بحجة الوداع والنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) الواو للحال (بين أظهرنا ولا) ولأبوي ذر
والوقت فلا (ندري ما حجة الوداع) أي هل وداع النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أم غيره حتى توفي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فعلموا أنه ودّع الناس بوصايا
قرب موته (فحمد الله وأثنى عليه ثم ذكر المسيح الدجال
فأطنب) أي أتى بالبلاغة (في ذكره) بالذم (وقال):
(ما بعث الله من نبي إلا أنذر أمته) وللأصيلي: أنذره أمته
(أنذره نوح) قومه (والنبيون من بعده) أي أنذروه أممهم وعين
نوحًا لأنه آدم الثاني (وإنه يخرج فيكم) أيها الأمة
المحمدية عند قرب الساعة ويدعي الربوبية (فما) شرطية أي إن
(خفي عليكم من شأنه) أي بعض شأنه (فليس يخفى عليكم أن ربكم
ليس) بفتح همزة أن (على ما ما يخفى عليكم ثلاثًا) وما بدل
من ما السابقة أي لا يخفى أنه ليس مما يخفى عليكم (إن ربكم
ليس بأعور وإنه) بالواو أي الدجال وللأصيلي وأبي الوقت أنه
(أعور عين اليمنى) بإضافة أعور إلى ما بعده من إضافة
الموصوف إلى صفته وهذا ظاهر عند الكوفيين وقدره البصريون
عين صفحة وجهه اليمنى، ولأبوي ذر والوقت العين اليمنى (كأن
عينه عنبة طافية) بالتحتية أي بارزة.
4403 - «أَلاَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ
دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا
فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا أَلاَ هَلْ
بَلَّغْتُ»؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: «اللَّهُمَّ اشْهَدْ
ثَلاَثًا، وَيْلَكُمْ أَوْ وَيْحَكُمُ انْظُرُوا، لاَ
تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ
بَعْضٍ».
(ألا) بالتخفيف (إن الله حرم عليكم دماءكم) أي أنفسكم
(وأموالكم كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا ألا)
بالتخفيف (هل بلغت) ما أرسلت به (قالوا: نعم قال: اللهم
اشهد) قال ذلك القول (ثلاثًا. ويلكم أو ويحكم) بالشك من
الراوي والأولى كلمة توجع (انظروا لا ترجعوا بعدي كفارًا
يضرب بعضكم رقاب بعض) أي لا تكن أفعالكم تشبه أفعال الكفار
في ضرب رقاب المسلمين.
وقال في شرح المشكاة: وقوله يضرب بعضكم رقاب بعض جملة
مستأنفة مبنية لقوله: فلا ترجعوا بعدي كفارًا فينبغي أن
يحمل على العموم، وأن يقال: فلا يظلم بعضكم بعضًا فلا
تسفكوا دماءكم ولا تهتكوا أعراضكم ولا تستبيحوا أموالكم،
ونحوه في الإطلاق وإرادة العموم قوله
تعالى: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا} [النساء:
10].
وهذا الحديث أخرجه في الدّيات والأدب والحدود، ومسلم
(6/445)
في الإيمان؟ وأبو داود في السنة والنسائي
في المحاربة، وابن ماجه في الفتن.
4404 - حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنَا
زُهَيْرٌ، حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ، قَالَ: حَدَّثَنِي
زَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غَزَا تِسْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً،
وَأَنَّهُ حَجَّ بَعْدَ مَا هَاجَرَ حَجَّةً وَاحِدَةً
لَمْ يَحُجَّ بَعْدَهَا حَجَّةَ الْوَدَاعِ، قَالَ أَبُو
إِسْحَاقَ: وَبِمَكَّةَ أُخْرَى.
وبه قال: (حدّثنا عمرو بن خالد) بفتح العين الحراني قال:
(حدّثنا زهير) بضم الزاي ابن معاوية قال: (حدّثنا أبو
إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (قال: حدثني) بالإفراد
(زيد بن أرقم) -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غزا تسع عشرة غزوة وأنه حج بعدما
هاجر) إلى المدينة (حجة واحدة لم يحج بعدها) لأنه توفي في
أوائل العام التالي (حجة الوداع) بنصب حجة بدلاً من الأولى
ويجوز الرفع بتقدير هي.
قال أبو إسحاق) السبيعي بالسند المذكور (و) حج (بمكة) حجة
(أخرى) قبل أن يهاجر، وهذا يوهم أنه لم يحج قبل الهجرة إلا
واحدة وليس كذلك، فالمروي أنه لم يترك وهو بمكة الحج قط.
وهذا الحديث مر في أوّل المغازي.
4405 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ
عَنْ عَلِيِّ بْنِ مُدْرِكٍ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ بْنِ
عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ جَرِيرٍ أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ لِجَرِيرٍ: «اسْتَنْصِتِ النَّاسَ» فَقَالَ:
«لاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا، يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ
رِقَابَ بَعْضٍ».
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن الحارث الحوضي قال:
(حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن علي بن مدرك) بضم الميم وكسر
الراء النخعي الكوفي من ثقات التابعين (عن أبي زرعة) هرم
(بن عمرو بن جرير) البجلي (عن) جده (جرير) -رضي الله عنه-
(أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال في حجة
الوداع لجرير):
(استنصت الناس) أي أسكتهم (فقال: لا ترجعوا بعدي كفارًا
يضرب بعضكم رقاب بعض).
قال المظهري: يعني إذا فارقت الدنيا فاثبتوا بعدي على ما
أنتم عليه من الإيمان والتقوى، ولا تظلموا أحدًا، ولا
تحاربوا المسلمين، ولا تأخذوا أموالهم بالباطل.
4406 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ مُحَمَّدٍ
عَنِ ابْنِ
أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «الزَّمَانُ
قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَةِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ
وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا
أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ، ذُو
الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ
مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ، أَيُّ شَهْرٍ
هَذَا»؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. فَسَكَتَ
حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ
قَالَ: «أَلَيْسَ ذُو الْحِجَّةِ»؟ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ:
«فَأَيُّ بَلَدٍ هَذَا»؟ قُلْنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ
أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ سَيُسَمِّيهِ
بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ الْبَلْدَةَ»؟ قُلْنَا:
بَلَى قَالَ: «فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا»؟ قُلْنَا اللَّهُ
وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ فَسَكَتَ حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ
سَيُسَمِّيهِ بِغَيْرِ اسْمِهِ قَالَ: «أَلَيْسَ يَوْمَ
النَّحْرِ»؟ قُلْنَا بَلَى، قَالَ: «فَإِنَّ دِمَاءَكُمْ
وَأَمْوَالَكُمْ» قَالَ: مُحَمَّدٌ وَأَحْسِبُهُ قَالَ:
«وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ
يَوْمِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ
هَذَا، وَسَتَلْقَوْنَ رَبَّكُمْ فَسَيَسْأَلُكُمْ عَنْ
أَعْمَالِكُمْ أَلاَ فَلاَ تَرْجِعُوا بَعْدِي ضُلاَّلاً
يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ أَلاَ لِيُبَلِّغِ
الشَّاهِدُ الْغَائِبَ فَلَعَلَّ بَعْضَ مَنْ يُبَلَّغُهُ
أَنْ يَكُونَ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضِ مَنْ سَمِعَهُ»
فَكَانَ مُحَمَّدٌ إِذَا ذَكَرَهُ يَقُولُ: صَدَقَ
مُحَمَّدٌ ثُمَّ قَالَ: - «أَلاَ هَلْ بَلَّغْتُ»؟
مَرَّتَيْنِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن المثنى) قال: (حدّثنا
عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا أيوب)
السختياني (عن محمد) أي ابن سيرين (عن ابن أبي بكرة) هو
عبد الرحمن (عن) أبيه (أبي بكرة) نفيع بن الحارث -رضي الله
عنه- (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه
(قال) يوم النحر في حجة الوداع:
(الزمان) هو اسم لقليل الوقت وكثيره وأراد هاهنا السنة (قد
استدار) استدارة (كهيئته) كذا في اليونينية وغيرها وفي
الفرع كهيئة بهاء بعد فوقية أي مثل حالته (يوم خلق الله
السماوات والأرض) وسقطت الجلالة من اليونينية وثبتت في
فرعها، فالكاف صفة مصدر محذوف، ودار واستدار بمعنى طاف حول
الشيء وإذا عاد إلى الموضع الذي ابتدأ منه، والمعنى أن
العرب كانوا يؤخرون المحرم إلى صفر وهو النسيء المذكور في
قوله تعالى: {إنما النسيء زيادة في الكفر} [التوبة: 37]
ليقاتلوا فيه ويفعلون ذلك كل سنة بعد سنة فينتقل المحرم من
شهر إلى شهر حتى جعلوه في جميع شهور السنة، فلما كانت تلك
السنة عاد إلى زمنه المخصوص به قبل ودارت السنة كهيئتها
الأولى.
(السنة اثنا عشر شهرًا) جملة مبنية للجملة الأولى، والمعنى
أن الزمان في انقسامه إلى الأعوام والأعوام إلى الأشهر عاد
إلى أصل الحساب، والوضع الذي اختاره الله ووضعه يوم خلق
السموات والأرض (منها أربعة حرم ثلاثة) ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي ثلاث (متواليات ذو القعدة) للقعود عن القتال
(وذو الحجة) للحج (والمحرم) لتحريم القتال فيه (و) واحد
فرد وهو (رجب مضر) عطف على قوله ثلاثة وأضافه إلى مضر
لأنها كانت تحافظ على تحريمه أشد من محافظة سائر العرب ولم
يكن يستحله أحد من العرب (الذي بين جمادى) بضم الجيم وفتح
الدال (وشعبان) قاله
تأكيدًا وإزاحة للريب الحادث فيه من النسيء (أي شهر هذا)
قال القاضي البيضاوي: يريد به تذكارهم حرمة الشهر وتقريرها
في نفوسهم ليبني عليه ما أراد تقريره (قلنا: الله ورسوله
أعلم).
مراعاة للأدب وتحرزًا عن التقدم بين يدي الله ورسوله
وتوقفًا فيما لا يعلم الغرض من السؤال عنه (فسكت) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (حتى ظننا أنه سيسميه بغير
اسمه قال) عليه الصلاة والسلام: (أليس ذو الحجة) ولأبوي ذر
والوقت ذا الحجة بالنصب خبر ليس (قلنا. بلى). يا رسول الله
(قال) (فأي بلد هذا) (قلنا: الله ورسوله أعلم فسكت حتى
ظننا أنه سيسميه بغير اسمه. قال: أليس) هو (البلدة) نصب
خبر ليس وبالتأنيث يريد مكة والألف واللام للعهد (قلنا:
بلى، قال: فأي يوم هذا)؟ (قلنا: الله ورسوله أعلم. فسكت
حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال:
(6/446)
أليس يوم النحر) (قلنا: بلى. قال: فإن
دماءكم وأموالكم) قال التوربشتي: أراد أموال بعضكم على
بعض.
(قال محمد): هو ابن سيرين (وأحسبه) أي أبا بكرة (قال) في
روايته: (وأعراضكم عليكم حرام) أي أنفسكم وأحسابكم فإن
العرض يقال للنفس والحسب قاله التوربشتي، وتعقب: بأنه لو
كان المراد من الأعراض النفوس لكان تكرارًا لأن ذكر الدماء
كاف، إذ المراد بها النفوس.
وقال الطيبي: الظاهر أن يراد بالأعراض الأخلاق النفسانية
والكلام فيها يحتاج إلى فضل تأمل، فالمراد بالعرض هنا
الخلق، والتحقيق ما ذكره ابن الأثير أن العرض موضع المدح
والذم من الإنسان سواء كان في نفسه أو في سلفه، ولما كان
موضع العرض النفس قال من قال: العرض النفس إطلاقًا للمحل
على الحال، وحين كان المدح نسبة الشخص إلى الأخلاق الحميدة
والذم نسبته إلى الذميمة سواء كانت فيه أو لا قال من قال:
العرض الخلق إطلاقًا لاسم اللازم على الملزوم، وشبه ذلك في
التحريم بيوم النحر وبمكة وبذي الحجة.
فقال: (كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا) لأنهم
كانوا يعتقدون أنها محرمة أشد التحريم لا يستباح منها شيء،
وفي تشبيه هذا مع بيان حرمة الدماء والأموال تأكيد لحرمة
تلك الأشياء التي شبه بتحريمها الدماء والأموال.
وقال الطيبي: وهذا من تشبيه ما لم تجر به العادة بما جرت
به العادة كما في قوله تعالى: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه
ظلة} [الأعراف: 171] إذ كانوا يستبيحون دماءهم وأموالهم في
الجاهلية في غير الأشهر المحرم ويحرمونها فيها كأنه قال:
إن دماءكم وأموالكم محرمة عليكم أبدًا كحرمة يومكم وشهركم
وبلدكم.
(وستلقون ربكم) يوم القيامة (فسيسألكم) ولأبي ذر: فيسألكم
(عن أعمالكم ألا) بالتخفيف (فلا ترجعوا بعدي ضلالاً) بضم
الضاد المعجمة وتشديد اللام الأولى (يضرب بعضكم رقاب بعض
ألا) بالتخفيف (ليبلغ الشاهد الغائب) القول المذكور أو
جميع الأحكام (فلعل بعض من يبلغه) بفتح الموحدة واللام
المشددة (أن يكون أوعى له من بعض من سمعه، فكان محمد) هو
ابن سيرين (إذا ذكره يقول: صدق محمد) ولأبي ذر النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألا هل بلغت) قالها
(مرتين).
وسبق هذا الحديث في غير ما موضع.
4407 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ، عَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَارِقِ بْنِ
شِهَابٍ، أَنَّ أُنَاسًا مِنَ الْيَهُودِ قَالُوا: لَوْ
نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا لاَتَّخَذْنَا ذَلِكَ
الْيَوْمَ عِيدًا فَقَالَ عُمَرُ: أَيَّةُ آيَةٍ؟
فَقَالُوا: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ
وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإِسْلاَمَ دِينًا} [المائدة: 3]. فَقَالَ عُمَرُ: إِنِّي
لأَعْلَمُ أَيَّ مَكَانٍ أُنْزِلَتْ، أُنْزِلَتْ وَرَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاقِفٌ
بِعَرَفَةَ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن يوسف) الفريابي قال: (حدّثنا
سفيان) بن سعيد الثوري أحد الأعلام علمًا وزهدًا (عن قيس
بن مسلم) الجدلي أبي عمرو الكوفي العابد (عن طارق بن شهاب)
البجلي الأحمسي الكوفي قال أبو داود: رأى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يسمع منه أنه حدث (أن
أناسًا من اليهود).
وفي باب زيادة الإيمان ونقصانه: أن رجلاً من اليهود، ووقع
في تفسير الطبري، ومسند مسدد، والمعجم الأوسط للطبراني أن
الرجل هو كعب الأحبار. واستشكل من جهة كون كعب كان أسلم في
حياة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على يد
علي، فيحتمل إن ثبت أن يكون الذين سألوا جماعة من اليهود
اجتمعوا مع كعب على السؤال وتولى هو السؤال عنهم عن ذلك،
ويجوز أن يكون السؤال صدر قبل إسلامه، وقد قال الذهبي في
الكاشف: إنه أسلم زمن أبي بكر الصدّيق -رضي الله عنه-.
(قالوا) لعمر: يا أمير المؤمنين آية في كتابكم تقرؤونها
(لو نزلت هده الآية فينا) معشر اليهود (لاتخذنا ذلك اليوم
عيدا) لنا في كل سنة نعظمه لما حصل فيه من إكمال الدين.
(فقال عمر: أية آية؟ فقالوا: ({اليوم أكملت لكم دينكم}) أي
بأن كفيتكم عدوّكم وأظهرتكم عليه كما تقول الملوك: اليوم
كمل لنا الملك أي كفينا من كنا نخافه، أو أكملت لكم ما
تحتاجون إليه في تكليفكم من تعليم الحلال والحرام والتوقيف
على شرائع الإسلام وقوانين القياس ({وأتممت عليكم نعمتي})
بفتح مكة ودخولها آمنين ظاهرين وهدم منار الجاهلية ({ورضيت
لكم الإسلام دينًا}) [المائدة: 3] حال اخترته لكم من بين
الأديان وآذنتكم بأنه الدين المرضي وحده، وثبت قوله: ورضيت
الخ لأبي ذر.
(فقال عمر) -رضي الله عنه-: (إني لأعلم أي مكان أنزلت) فيه
(أنزلت ورسول الله
(6/447)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واقف
بعرفة) أي في أخريات النهار، وفي الترمذي من حديث ابن عباس
أن يهوديًا سأله عن ذلك فقال: إنها نزلت في يومي عيد يوم
جمعة ويوم عرفة.
وحديث الباب قد سبق في الإيمان في باب زيادة الإيمان.
4408 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ عَنْ أَبِي الأَسْوَدِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ بْنِ نَوْفَلٍ، عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ
-رضي الله عنها- قَالَتْ: خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَمِنَّا مَنْ
أَهَلَّ
بِعُمْرَةٍ، وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِحَجَّةٍ، وَمِنَّا
مَنْ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ، وَأَهَلَّ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْحَجِّ،
فَأَمَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ أَوْ جَمَعَ الْحَجَّ
وَالْعُمْرَةَ فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى يَوْمَ النَّحْرِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) بن قعنب الحارثي أحد
الأعلام (عن مالك) الإمام (عن أبي الأسود محمد بن عبد
الرحمن بن نوفل) يتيم عروة الأسدي (عن عروة) بن الزبير (عن
عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت خرجنا مع رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من المدينة في حجة
الوداع (فمنا من أهلّ) أحرم (بعمرة، ومنا من أهل بحجة،
ومنا من أهلّ بحج وعمرة) قرن بينهما (وأهلّ رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحج) مفردًا ثم
أدخل عليه العمرة لحديث ابن عمر وقال عمرة في حجة، وحديث
أنس: ثم أهل بحج وعمرة، ولمسلم من حديث عمران بن حصين جمع
بين حجة وعمرة، والمشهور عن المالكية والشافعية أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان مفردًا، وقد بسط
أمامنا الشافعي القول فيه في اختلاف الحديث، ورجح أنه كان
أحرم إحرامًا مطلقًا ينتظر ما يؤمر به فنزل عليه الحكم
بذلك وهو على الصفا، وصوّب النووي أنه كان قارنًا، ويؤيده
أنه لم يعتمر تلك السنة بعد الحج، ولا شك أن القران أفضل
من الإفراد الذي لا يعتمر في سنته عندنا، وقد سبق في الحج
مزيد لذلك.
(فأما من أهلّ بالحج) وحده (أو جمع الحج والعمرة) ابتداء
أو أدخل العمرة على الحج كما فعل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فلم يحلوا) من إحرامهم (حتى يوم النحر) فنحر
هديه.
0000 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ.
وَقَالَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال: (أخبرنا
مالك) هو ابن أنس إمام الأئمة عن عبد الرحمن بن نوفل عن
عروة بن الزبير عن عائشة الحديث كما سبق (وقال: مع رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع).
حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا) وفي
نسخة: حدثني بالإفراد (مالك مثله) أي مثل الحديث المذكور.
4409 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ
شِهَابٍ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
عَادَنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ، أَشْفَيْتُ مِنْهُ
عَلَى الْمَوْتِ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَلَغَ بِي
مِنَ الْوَجَعِ مَا تَرَى وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلاَ
يَرِثُنِي إِلاَّ ابْنَةٌ لِي وَاحِدَةٌ أَفَأَتَصَدَّقُ
بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لاَ» قُلْتُ أَفَأَتَصَدَّقُ
بِشَطْرِهِ قَالَ: «لاَ» قُلْتُ فَالثُّلُثُ قَالَ:
«الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ
وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ
عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَلَسْتَ تُنْفِقُ
نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا
وَجْهَ اللَّهِ إِلاَّ أُجِرْتَ بِهَا حَتَّى اللُّقْمَةَ
تَجْعَلُهَا فِي فِيّ امْرَأَتِكَ» قُلْتُ يَا رَسُولَ
اللَّهِ آأُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي قَالَ: «إِنَّكَ
لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلاً تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ
اللَّهِ إِلاَّ ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً،
وَلَعَلَّكَ تُخَلَّفُ حَتَّى تَنْتَفِعَ بِكَ أَقْوَامٌ
وَيُضَرَّ بِكَ آخَرُونَ، اللَّهُمَّ أَمْضِ لأَصْحَابِي
هِجْرَتَهُمْ وَلاَ تَرُدَّهُمْ عَلَى أَعْقَابِهِمْ»
لَكِنِ الْبَائِسُ سَعْدُ ابْنُ خَوْلَةَ رَثَى لَهُ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ
تُوُفِّيَ بِمَكَّةَ.
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن يونس) هو أحمد بن عبد الله بن
يونس اليربوعي قال: (حدّثنا إبراهيم هو ابن سعد) بسكون
العين ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري القرشي
قال: (حدّثنا ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عامر بن
سعد) بسكون العين (عن أبيه) سعد بن أبي وقاص مالك -رضي
الله عنه- أنه (قال: عادني النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في حجة الوداع من وجع أشفيت) بالشين المعجمة
والفاء أشرفت (منه على الموت فقلت: يا رسول الله بلغ بي من
الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة) هي
أم الحكم، ووهم من قال: إنها عائشة لأن عائشة أصغر أولاده،
وعاشت إلى أن أدركها مالك بن أنس قاله ابن حجر في المقدمة
(فأتصدق بثلثي مالي) استفهام استخباري محذوف الأداة (قال)
عليه الصلاة والسلام:
(لا) (قلت أفأتصدق بشطره) بإثبات همزة الاستفهام (قال لا
قلت فالثلث؟ قال) عليه الصلاة والسلام: (الثلث والثلث
كثير) بالمثلثة أي بالنسبة إلى ما دونه أو التصدق به كثير
أجره (إنك) بكسر الهمزة وبفتحها على التعليل (أن تذر) بفتح
الهمزة وبالذال المعجمة أي أن تترك (ورثتك أغنياء خير من
أن تذرهم عالة) بتخفيف اللام أي فقراء (يتكففون) يسألون
(الناس) بأكفهم بأن يبسطوها للسؤال (ولست تنفق نفقة تبتغي
بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في فيّ
امرأتك) فمها (قلت يا رسول الله آاخلف) بهمزة مفتوحة
ممدودة ملحقة في اليونينية ساقطة من فرعها أي أأترك بمكة
(بعد أصحابي) المسافرين معه إلى المدينة (قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إنك لن تخلف) بأن يطول عمرك
(فتعمل عملاً تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة
ولعلك تخلف حتى تنتفع بك أقوام) من المسلمين بما يفتحه
الله على يديك من بلاد الكفر ويأخذه المسلمون من الغنائم
(ويضرّ بك آخرون) من المشركين (اللهم أمض) بهمزة قطع أي
أتمم (لأصحاب هجرتهم) التي هاجروها من مكة إلى المدينة
(ولا تردهم على أعقابهم) بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم
حالهم فيخيب قصدهم قال الزهري:
(6/448)
(لكن البائس) الذي عليه أثر البؤس من شدة
الفقر والحاجة (سعد بن خولة) العامري المهاجري البدري (رثى
له) بصيغة الماضي أي حزن لأجله (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن توفي بمكة) بفتح الهمزة أي لموته
بالأرض التي هاجر منها ولا يصح كسرها لأنها تكون شرطية
والشرط لما يستقبل وهو كان قد مات.
وسبق الحديث في الجنائز والوصايا.
4410 - حَدَّثَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْمُنْذِرِ
حَدَّثَنَا أَبُو ضَمْرَةَ حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ
عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ
ابْنَ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُمْ أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَلَقَ
رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إبراهيم بن المنذر) الحزامي
المدني أحد الأعلام قال: (حدّثنا أبو ضمرة) بفتح الضاد
المعجمة وسكون الميم أنس بن عياض قال: (حدّثنا موسى بن
عقبة) بسكون القاف الإمام في المغازي (عن نافع أن ابن عمر
-رضي الله عنهما- أخبرهم أن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلق رأسه في حجة الوداع) والحلاق معمر
بن عبد الله بن نضلة بن عوف وعند أحمد أنه استدعى الحلاق
فقال له وهو قائم على رأسه بالموسى ونظر إلى وجهه: يا معمر
أمكنك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- من
شحمة أذنه وفي يدك الموسى قال: فقلت أما والله يا رسول
الله إن ذلك لمن نعم الله عليّ ومنه. قال: أجل. وفي
الصحيحين أنه حلق الشق الأيمن فقسمه بين من يليه ثم قال:
احلق الشق الآخر فقال: أين أبو طلحة فأعطاه إياه ولأحمد
وقلم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أظفاره وقسمها
بين الناس.
4411 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ حَدَّثَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ أَخْبَرَنِي مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ، عَنْ نَافِعٍ
أَخْبَرَهُ ابْنُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَلَقَ رَأْسَهُ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ وَأُنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِهِ وَقَصَّرَ
بَعْضُهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن سعيد) السرخسي
نزيل نيسابور قال: (حدّثنا محمد بن بكر) بفتح الموحدة
وسكون الكاف البرساني قال: (حدّثنا ابن جريج) عبد الملك بن
عبد العزيز قال: (أخبرني) بالإفراد (موسى بن عقبة عن نافع)
أنه (أخبره) مولاه (ابن عمر) -رضي الله عنهما- (أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حلق رأسه في حجة
الوداع) بعد الفراغ من النسك (و) حلق (أناس من أصحابه)
أيضًا (وقصر بعضهم).
4412 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنَا
مَالِكٌ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَالَ اللَّيْثُ:
حَدَّثَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ حَدَّثَنِي
عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- أَخْبَرَهُ
أَنَّهُ أَقْبَلَ يَسِيرُ عَلَى حِمَارٍ وَرَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَائِمٌ بِمِنًى فِي
حَجَّةِ الْوَدَاعِ يُصَلِّي بِالنَّاسِ فَسَارَ
الْحِمَارُ بَيْنَ يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ ثُمَّ نَزَلَ
عَنْهُ فَصَفَّ مَعَ النَّاسِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن قزعة) بفتح القاف والزاي المكي
المؤذن قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن ابن شهاب) محمد بن
مسلم الزهري (وقال الليث) بن سعد الإمام: (حدثني يونس) بن
يزيد مما وصله في الزهريات (عن ابن شهاب) أنه قال: (حدثني)
بالإفراد (عبد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن عتبة (أن
عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-) سقط لأبي ذر لفظ عبد
الله (أخبره أنه أقبل يسير على حمار ورسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قائم بمنى في حجة الوداع) سقط
قوله بمنى لأبي ذر (يصلي بالناس) زاد في الصلاة إلى غير
جدار قال: الشافعي أي إلى غير سترة (فسار الحمار بين يدي
بعض الصف ثم نزل عنه) أي عن الحمار (فصف مع الناس) زاد في
باب سترة الإمام من كتاب الصلاة فلم ينكر ذلك عليّ أحد.
4413 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
هِشَامٍ قَالَ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ: سُئِلَ أُسَامَةُ
وَأَنَا شَاهِدٌ عَنْ سَيْرِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَجَّتِهِ فَقَالَ: الْعَنَقَ
فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً نَصَّ.
وبه قال: (حدّثنا مسدّد) هو ابن مسرهد البصري الحافظ قال:
(حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن هشام) أنه (قال: حدثني)
بالإفراد (أي) عروة بن الزبير (قال: سئل) بضم السين
مبنيًّا للمفعول (أسامة) بن زيد (وأنا شاهد عن سير النبي)
بسكون ياء سير ولأبوي ذر والوقت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في حجته) أي في حجة الوداع (فقال:
العنق) بفتح العين والنون والقاف ضرب من السير متوسط (فإذا
وجد فجوة) بفتح الفاء والواو بينهما جيم ساكنة فرجة (نص)
بنون وصاد مهملة مشددة مفتوحتين سار سيرًا شديدًا.
4414 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ عَنْ
مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ
ثَابِتٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْخَطْمِيِّ،
أَنَّ أَبَا أَيُّوبَ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ صَلَّى مَعَ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي
حَجَّةِ الْوَدَاعِ الْمَغْرِبَ وَالْعِشَاءَ جَمِيعًا.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن مسلمة) القعنبي (عن مالك)
الإمام (عن يحيى بن سعيد) الأنصاري (عن عدي بن ثابت)
الأنصاري (عن عبد الله بن يزيد الخطمي) بفتح الخاء المعجمة
وسكون الطاء المهملة (أن أبا أيوب) خالد بن زيد الأنصاري
-رضي الله عنه- (أخبره أنه صلّى مع رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حجة الوداع المغرب والعشاء
جميعًا) في وقت واحد.
78 - باب غَزْوَةُ تَبُوكَ وَهْيَ غَزْوَةُ الْعُسْرَةِ
(باب غزوة تبوك) بفتح الفوقية وتخفيف الموحدة المضمومة
موضع بينه وبين الشام إحدى عشرة مرحلة لا ينصرف للتأنيث
والعلمية أو بالصرف على إرادة الموضع (وهي غزوة العسرة)
بضم العين وسكون السين المهملة لما وقع فيها من العسرة في
الماء والظهر والنفقة، وكانت آخر غزواته -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وكانت في شهر رجب من سنة تسع قبل حجة
الوداع، اتفاقًا فذكرها قبلها خطأ من النساخ
(6/449)
وسقط لفظ باب لأبي ذر فما بعده رفع.
4415 - حَدَّثَنا مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلاَءِ،
حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ بُرَيْدِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ عَنْ أَبِي بُرْدَةَ،
عَنْ أَبِي مُوسَى -رضي الله عنه- قَالَ: أَرْسَلَنِي
أَصْحَابِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أَسْأَلُهُ الْحُمْلاَنَ لَهُمْ
إِذْ هُمْ مَعَهُ فِي جَيْشِ الْعُسْرَةِ، وَهْيَ
غَزْوَةُ تَبُوكَ فَقُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّ
أَصْحَابِي أَرْسَلُونِي إِلَيْكَ لِتَحْمِلَهُمْ،
فَقَالَ: «وَاللَّهِ لاَ أَحْمِلُكُمْ عَلَى شَىْءٍ»
وَوَافَقْتُهُ وَهْوَ غَضْبَانُ وَلاَ أَشْعُرُ
وَرَجَعْتُ حَزِينًا مِنْ مَنْعِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَمِنْ مَخَافَةِ أَنْ
يَكُونَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَجَدَ فِي نَفْسِهِ عَلَيَّ فَرَجَعْتُ
إِلَى أَصْحَابِي فَأَخْبَرْتُهُمُ الَّذِي قَالَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَلَمْ أَلْبَثْ إِلاَّ سُوَيْعَةً إِذْ سَمِعْتُ
بِلاَلاً يُنَادِي أَيْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ قَيْسٍ
فَأَجَبْتُهُ فَقَالَ: أَجِبْ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَدْعُوكَ، فَلَمَّا
أَتَيْتُهُ قَالَ: «خُذْ هَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ
وَهَذَيْنِ الْقَرِينَيْنِ لِسِتَّةِ أَبْعِرَةٍ
ابْتَاعَهُنَّ حِينَئِذٍ مِنْ سَعْدٍ فَانْطَلِقْ
بِهِنَّ إِلَى أَصْحَابِكَ فَقُلْ: إِنَّ اللَّهَ
-أَوْ قَالَ- إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلاَءِ
فَارْكَبُوهُنَّ» فَانْطَلَقْتُ إِلَيْهِمْ بِهِنَّ
فَقُلْتُ: إِنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَحْمِلُكُمْ عَلَى هَؤُلاَءِ، وَلَكِنِّي
وَاللَّهِ لاَ أَدَعُكُمْ حَتَّى يَنْطَلِقَ مَعِي
بَعْضُكُمْ إِلَى مَنْ سَمِعَ مَقَالَةَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لاَ
تَظُنُّوا أَنِّي حَدَّثْتُكُمْ شَيْئًا لَمْ يَقُلْهُ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالُوا لِي: إِنَّكَ عِنْدَنَا لَمُصَدَّقٌ،
وَلَنَفْعَلَنَّ مَا أَحْبَبْتَ فَانْطَلَقَ أَبُو
مُوسَى بِنَفَرٍ مِنْهُمْ حَتَّى أَتَوُا الَّذِينَ
سَمِعُوا قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْعَهُ إِيَّاهُمْ ثُمَّ
إِعْطَاءَهُمْ بَعْدُ فَحَدَّثُوهُمْ بِمِثْلِ مَا
حَدَّثَهُمْ بِهِ أَبُو مُوسَى.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد ولأبي: حدّثنا (محمد بن
العلاء) بن كريب الهمداني الكوفي قال: (حدّثنا أبو
أسامة) حماد بن أسامة (عن بريد بن عبد الله) بضم
الموحدة وفتح الراء (ابن أبي بردة) بضم الموحدة وسكون
الراء (عن) جده (أبي بردة) عامر بن أبي موسى (عن أبي
موسى) عبد الله بن قيس الأشعري (-رضي الله عنه-) أنه
(قال: أرسلني أصحابي إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسأله الحملان لهم) بضم الحاء
المهملة وسكون الميم أي ما يركبون عليه ويحملهم (إذ هم
معه في جيش العسرة وهي غزوة تبوك فقلت: يا نبي الله إن
أصحابي أرسلوني إليك لتحملهم فقال: والله لا أحملكم
على شيء ووافقته) أي صادفته (وهو غضبان ولا أشعر) أي
والحال أني لم أكن أعلم غضبه (ورجعت) إلى أصحابي حال
كوني (حزينًا من منع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أن يحملنا (ومن مخافة أن يكون النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجد في نفسه) أي
غضب (عليّ فرجعت إلى أصحابي فأخبرتهم الذي قال النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلم ألبث) بفتح
الهمزة والموحدة بينهما لام ساكنة آخره مثلثة (إلا
سويعة) بضم السين المهملة وفتح الواو مصغرًا ساعة وهي
جزء من الزمان أو من أربعة وعشرين جزءًا من اليوم
والليلة (إذ سمعت بلالاً ينادي أي عبد الله بن قيس)
يعني يا عبد الله، ولأبي ذر: أين عبد الله بن قيس
(فأجبته، فقال: أجب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدعوك فلما أتيته قال):
(خذ هذين القرينين) تثنية قرين وهو البعير المقرون
بآخر (وهذين القرينين) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي
هاتين القرينتين وهاتين القرينتين أي الناقتين (لستة
أبعرة) لعله قال: هذين القرينين ثلاثًا فذكر الراوي
مرتين اختصارًا، لكن قوله في الرواية الأخرى فأمر لنا
بخمس ذود مخالف لما هنا فيحمل على التعدد أو يكون
زادهم واحدًا على الخمس والعدد لا ينفي الزائد
(ابتاعهن حينئذٍ من سعد) قيل هو ابن عبادة (فانطلِق)
بكسر اللام والجزم على الأمر (بهن إلى أصحابك فقل) لهم
(إن الله أو قال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يحملكم على هؤلاء) الأبعرة
(فاركبوهن) (فانطلقت إليهم بهن) أي إلى أصحابي
بالأبعرة (فقلت: إن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يحملكم على هؤلاء ولكني والله لا أدعكم حتى
ينطلق معي بعضكم إلى من سمع مقالة رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا تظنوا أني حدثتكم
شيئًا لم يقله رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فقالوا لي: إنك عندنا) ولأبي ذر والله إنك
عندنا (لمصدق) بفتح الدال المشددة (ولنفعلن ما أحببت)
أي الذي أحببته من إرسال أحدنا إلى من سمع (فانطلق أبو
موسى بنفر منهم حتى أتوا الذين سمعوا قول رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منعه إياهم ثم
إعطاءهم بعد
فحدثوهم بمثل ما حدثهم به أبو موسى).
وهذا الحديث أخرجه أيضًا في النذور وكذا مسلم.
4416 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا يَحْيَى عَنْ
شُعْبَةَ عَنِ الْحَكَمِ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ
عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَرَجَ إِلَى تَبُوكَ
وَاسْتَخْلَفَ عَلِيًّا فَقَالَ: أَتُخَلِّفُنِي فِي
الصِّبْيَانِ وَالنِّسَاءِ؟ قَالَ: «أَلاَ تَرْضَى
أَنْ تَكُونَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ
مُوسَى، إِلاَّ أَنَّهُ لَيْسَ نَبِيٌّ بَعْدِي».
وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنِ
الْحَكَمِ سَمِعْتُ مُصْعَبًا.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) بالسين المهملة ابن مسرهد قال:
(حدّثنا يحيى) بن سعيد القطان (عن شعبة) بن الحجاج (عن
الحكم) بفتح الحاء المهملة والكاف ابن عتيبة بضم العين
وفتح الفوقية مصغرًا (عن مصعب بن سعد) بسكون العين (عن
أبيه) سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- (أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خرج إلى تبوك)
وكان السبب في ذلك ما ذكره ابن سعد في طبقاته وغيره أن
المسلمين بلغهم من الأنباط الذين يقدمون بالزيت من
الشام إلى المدينة أن الروم جمعت جموعًا، وأجلبت معهم
لخم وجذام وغيرهم من متنصرة العرب، فندب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس إلى الخروج وأعلمهم
بجهة غزوهم. وعند الطبراني أن عثمان -رضي الله عنه-
كان قد جهز عيرًا إلى الشام فقال: يا رسول الله هذه
مائتا بعير بأقتابها وأحلاسها ومائتا أوقية فقال عليه
الصلاة والسلام: "لا يضر عثمان ما عمل بعدها"
(واستخلف) على المدينة (عليًّا) ابن عمه -رضي الله
عنه- (فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ قال) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- له:
(ألا ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من)
(6/450)
أخيه (موسى) حين خلفه في قومه بني إسرائيل
لما خرج إلى الطور، وقد تمسكت الروافض وسائر فرق
الشيعة في أن الخلافة كانت لعلي وأنه وصى له بها،
وكفرت الروافض سائر الصحابة بتقديمهم غيره وزاد بعضهم
فكفر عليًّا لأنه لم يقم في طلب حقه ولا حجة لهم في
الحديث ولا متمسك لهم به لأنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إنما قال هذا حين استخلفه على
المدينة في غزوة تبوك، ويؤيده أن هارون المشبه به لم
يكن خليفة بعد موسى لأنه توفي قبل وفاة موسى بنحو
أربعين سنة وبين قوله (إلا أنه ليس نبي) وفي نسخة: لا
نبي (بعدي) إذ اتصاله به ليس من جهة النبوّة الاتصال
من جهة الخلافة لأنها تلي النبوّة في الرتبة، ثم إنها
إما أن تكون في حياته أو بعد مماته فخرج بعد مماته لأن
هارون مات قبل موسى، فتعين أن تكون في حياته عند مسيره
إلى غزوة تبوك كمسير موسى إلى مناجاة ربه، ولما سار
عليه الصلاة والسلام إلى تبوك تخلف ابن أبي ومن كان
معه وقدم النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
ولحقه بها أبو ذر وأبو خيثمة ولحقه بها وفد أذرح ووفد
أيلة فصالحهم -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على
الجزية، ثم قفل -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
من تبوك ولم يلق كيدًا وقدم المدينة في شهر رمضان.
وحديث الباب أخرجه مسلم في الفضائل والنسائي في
المناقب.
(وقال أبو داود): سليمان بن داود الطيالسي فيما وصله
البيهقي في دلائله وأبو نعيم في مستخرجه (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن الحكم) بن عتيبة أنه قال: (سمعت مصعبًا)
فصرح بالسماع بخلاف الأولى فبالعنعنة ولذا أوردها.
4417 - حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ أَخْبَرَنَا ابْنُ
جُرَيْجٍ، قَالَ: سَمِعْتُ عَطَاءً يُخْبِرُ قَالَ:
أَخْبَرَنِي صَفْوَانُ بْنُ يَعْلَى بْنِ أُمَيَّةَ
عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: غَزَوْتُ مَعَ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْعُسْرَةَ
قَالَ: كَانَ يَعْلَى يَقُولُ: تِلْكَ الْغَزْوَةُ
أَوْثَقُ أَعْمَالِي عِنْدِي قَالَ عَطَاءٌ: فَقَالَ
صَفْوَانُ: قَالَ يَعْلَى: فَكَانَ لِي أَجِيرٌ
فَقَاتَلَ إِنْسَانًا فَعَضَّ أَحَدُهُمَا يَدَ
الآخَرِ قَالَ عَطَاءٌ: فَلَقَدْ أَخْبَرَنِي
صَفْوَانُ أَيُّهُمَا عَضَّ الآخَرَ، فَنَسِيتُهُ
قَالَ: فَانْتَزَعَ الْمَعْضُوضُ يَدَهُ مِنْ فِي
الْعَاضِّ فَانْتَزَعَ إِحْدَى ثَنِيَّتَيْهِ،
فَأَتَيَا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَأَهْدَرَ ثَنِيَّتَهُ قَالَ عَطَاءٌ:
وَحَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَفَيَدَعُ يَدَهُ فِي
فِيكَ تَقْضَمُهَا كَأَنَّهَا فِي فِي فَحْلٍ
يَقْضَمُهَا».
وبه قال: (حدّثنا عبيد الله) بضم العين (ابن سعيد)
بكسر العين اليشكري قال: (حدّثنا محمد بن بكر) بسكون
الكاف بعد فتح الموحدة البرساني قال: (أخبرنا ابن
جريج) عبد الملك بن عبد العزيز (قال: سمعت عطاء) أي
ابن أبي رباح (يخبر قال: أخبرني) بالإفراد (صفوان بن
يعلى بن أمية عن أبية) يعلى بن أمية أنه (قال: غزوت مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- العسرة)
بسكون السين ولأبي ذر عن الحموي العسيرة بفتحها بعدها
تحتية ساكنة (قال: كان يعلى يقول: تلك الغزوة) العسرة
(أوثق أعمالي) بالعين المهملة (عندي. قال عطاء)
المذكور: (فقال صفوان: قال) أبي (يعلى) بن أمية: (فكان
لي أجير) يخدمني بالأجرة لم يسم (فقاتل) الأجير
(إنسانًا فعض أحدهما يد الآخر. قال عطاء: فلقد أخبرني
صفوان أيهما عضّ الآخر فنسيته) في مسلم أن العاض هو
يعلى (قال: فانتزع المعضوض يده من فيّ العاضّ) من فمه
(فانتزع إحدى ثنيته) بالتثنية (فأتيا النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فأهدر) عليه الصلاة
والسلام (ثنيته) بالإفراد لم يوجب له دية ولا قصاصًا
(قال) ولأبي ذر فقال: (عطاء وحسبت أنه) أي صفوان (قال:
قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(أفيدع) أفيترك (يده في فيك تقضمها) بفتح الضاد
المعجمة على اللغة الفصيحة أي تأكلها بأطراف أسنانك
والاستفهام للإنكار (كأنها في فيّ فحل) في فم ذكر إبل
(يقضمها) بفتح الضاد كما سبق.
وهذا الحديث سبق في الإجارة ويأتي إن شاء الله تعالى
في كتاب الدّيات بمباحثه بعون الله.
79 - باب حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ وَقَوْلُ
اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: {وَعَلَى الثَّلاَثَةِ
الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118]
(باب حديث كعب بن مالك) سقط لفظ باب في بعض النسخ
(وقول الله عز وجل:
{وعلى الثلاثة}) كعب بن مالك ومرارة بن الربيع وهلال
بن أمية ({الذين خلفوا}) [التوبة: 118] عن غزوة تبوك.
4418 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ - وَكَانَ قَائِدَ كَعْبٍ مِنْ
بَنِيهِ حِينَ عَمِيَ - قَالَ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ
مَالِكٍ يُحَدِّثُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ قِصَّةِ
تَبُوكَ، قَالَ: كَعْبٌ: لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا إِلاَّ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ،
غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ
وَلَمْ يُعَاتِبْ أَحَدًا تَخَلَّفَ عَنْهَا، إِنَّمَا
خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ، حَتَّى جَمَعَ
اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ
مِيعَادٍ وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَيْلَةَ
الْعَقَبَةِ حِينَ تَوَاثَقْنَا عَلَى الإِسْلاَمِ
وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ،
وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا،
كَانَ مِنْ خَبَرِي أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى
وَلاَ أَيْسَرَ حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ
الْغَزْوَةِ، وَاللَّهِ مَا اجْتَمَعَتْ عِنْدِي
قَبْلَهُ رَاحِلَتَانِ قَطُّ حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي
تِلْكَ الْغَزْوَةِ، وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُرِيدُ غَزْوَةً
إِلاَّ وَرَّى بِغَيْرِهَا حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ
الْغَزْوَةُ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي حَرٍّ شَدِيدٍ، وَاسْتَقْبَلَ
سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَازًا وَعَدُوًّا كَثِيرًا
فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ لِيَتَأَهَّبُوا
أُهْبَةَ غَزْوِهِمْ فَأَخْبَرَهُمْ بِوَجْهِهِ
الَّذِي يُرِيدُ وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَثِيرٌ،
وَلاَ يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ يُرِيدُ
الدِّيوَانَ قَالَ كَعْبٌ: فَمَا رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ
يَتَغَيَّبَ إِلاَّ ظَنَّ أَنْ سَيَخْفَى لَهُ مَا
لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيُ اللَّهِ، وَغَزَا رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تِلْكَ
الْغَزْوَةَ حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلاَلُ
وَتَجَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ فَطَفِقْتُ
أَغْدُو لِكَىْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ فَأَرْجِعُ
وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا فَأَقُولُ فِي نَفْسِي أَنَا
قَادِرٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَزَلْ يَتَمَادَى بِي
حَتَّى اشْتَدَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ، فَأَصْبَحَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جَهَازِي
شَيْئًا فَقُلْتُ: أَتَجَهَّزُ بَعْدَهُ بِيَوْمٍ أَوْ
يَوْمَيْنِ؟ ثُمَّ أَلْحَقُهُمْ فَغَدَوْتُ بَعْدَ
أَنْ فَصَلُوا لأَتَجَهَّزَ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ
شَيْئًا ثُمَّ غَدَوْتُ ثُمَّ رَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ
شَيْئًا فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَسْرَعُوا
وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ، وَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ
فَأُدْرِكَهُمْ، وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ فَلَمْ
يُقَدَّرْ لِي ذَلِكَ، فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي
النَّاسِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَطُفْتُ فِيهِمْ
أَحْزَنَنِي أَنِّي لاَ أَرَى إِلاَّ رَجُلاً
مَغْمُوصًا عَلَيْهِ النِّفَاقُ -أَوْ رَجُلاً مِمَّنْ
عَذَرَ اللَّهُ مِنَ الضُّعَفَاءِ- وَلَمْ يَذْكُرْنِي
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ فَقَالَ وَهْوَ جَالِسٌ فِي
الْقَوْمِ بِتَبُوكَ: «مَا فَعَلَ كَعْبٌ». فَقَالَ
رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
حَبَسَهُ بُرْدَاهُ وَنَظَرُهُ فِي عِطْفَيْهِِ،
فَقَالَ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ: بِئْسَ مَا قُلْتَ
وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ
إِلاَّ خَيْرًا، فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ كَعْبُ بْنُ
مَالِكٍ: فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّهُ تَوَجَّهَ
قَافِلاً حَضَرَنِي هَمِّي، فَطَفِقْتُ أَتَذَكَّرُ
الْكَذِبَ وَأَقُولُ بِمَاذَا أَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ
غَدًا، وَاسْتَعَنْتُ عَلَى ذَلِكَ بِكُلِّ ذِي رَأْيٍ
مِنْ أَهْلِي، فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ أَظَلَّ
قَادِمًا زَاحَ عَنِّي الْبَاطِلُ وَعَرَفْتُ أَنِّي
لَنْ أَخْرُجَ مِنْهُ أَبَدًا بِشَىْءٍ فِيهِ
كَذِبٌ فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ وَأَصْبَحَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَادِمًا
وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ
بِالْمَسْجِدِ فَيَرْكَعُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ
جَلَسَ لِلنَّاسِ فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ جَاءَهُ
الْمُخَلَّفُونَ فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ
وَيَحْلِفُونَ لَهُ وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ
رَجُلاً فَقَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلاَنِيَتَهُمْ
وَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ وَوَكَلَ
سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ، فَجِئْتُهُ فَلَمَّا
سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ
ثُمَّ قَالَ: «تَعَالَ» فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى
جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَقَالَ لِي: «مَا خَلَّفَكَ
أَلَمْ تَكُنْ قَدِ ابْتَعْتَ ظَهْرَكَ»؟ فَقُلْتُ:
بَلَى، إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ
غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ
سَأَخْرُجُ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ وَلَقَدْ أُعْطِيتُ
جَدَلاً، وَلَكِنِّي وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ لَئِنْ
حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ حَدِيثَ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ
عَنِّي لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطَكَ عَلَىَّ
وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ حَدِيثَ صِدْقٍ تَجِدُ عَلَىَّ
فِيهِ، إِنِّي لأَرْجُو فِيهِ عَفْوَ اللَّهِ لاَ
وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي مِنْ عُذْرٍ، وَاللَّهِ مَا
كُنْتُ قَطُّ أَقْوَى وَلاَ أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ
تَخَلَّفْتُ عَنْكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «أَمَّا هَذَا فَقَدْ
صَدَقَ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ»
فَقُمْتُ وَثَارَ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ
فَاتَّبَعُونِي فَقَالُوا لِي: وَاللَّهِ مَا
عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا،
وَلَقَدْ عَجَزْتَ أَنْ لاَ تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِمَا اعْتَذَرَ إِلَيْهِ الْمُتَخَلِّفُونَ قَدْ
كَانَ كَافِيَكَ ذَنْبَكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَكَ،
فَوَاللَّهِ مَا زَالُوا يُؤَنِّبُونِي حَتَّى
أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبُ نَفْسِي، ثُمَّ
قُلْتُ لَهُمْ، هَلْ لَقِيَ هَذَا مَعِي أَحَدٌ؟
قَالُوا: نَعَمْ رَجُلاَنِ قَالاَ مِثْلَ مَا قُلْتَ
فَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ فَقُلْتُ مَنْ
هُمَا؟ قَالُوا: مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ
الْعَمْرِيُّ، وَهِلاَلُ بْنُ أُمَيَّةَ
الْوَاقِفِيُّ، فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ
قَدْ شَهِدَا بَدْرًا فِيهِمَا إِسْوَةٌ فَمَضَيْتُ
حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُسْلِمِينَ
عَنْ كَلاَمِنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ مِنْ بَيْنِ
مَنْ تَخَلَّفَ عَنْهُ، فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ
وَتَغَيَّرُوا لَنَا حَتَّى تَنَكَّرَتْ فِي نَفْسِي
الأَرْضُ فَمَا هِيَ الَّتِي أَعْرِفُ، فَلَبِثْنَا
عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً فَأَمَّا صَاحِبَاىَ
فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا
يَبْكِيَانِ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَبَّ
الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ، فَكُنْتُ أَخْرُجُ
فَأَشْهَدُ الصَّلاَةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَطُوفُ
فِي الأَسْوَاقِ، وَلاَ يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ وَآتِي
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَأُسَلِّمُ عَلَيْهِ، وَهْوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ
الصَّلاَةِ فَأَقُولُ فِي نَفْسِي هَلْ حَرَّكَ
شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلاَمِ عَلَىَّ أَمْ لاَ؟
ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ فَأُسَارِقُهُ
النَّظَرَ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلاَتِي
أَقْبَلَ إِلَىَّ، وَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ
أَعْرَضَ عَنِّي حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَىَّ ذَلِكَ
مِنْ جَفْوَةِ النَّاسِ مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ
جِدَارَ حَائِطِ أَبِي قَتَادَةَ وَهْوَ ابْنُ عَمِّي،
وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ،
فَوَاللَّهِ مَا رَدَّ عَلَىَّ السَّلاَمَ فَقُلْتُ:
يَا أَبَا قَتَادَةَ أَنْشُدُكَ بِاللَّهِ هَلْ
تَعْلَمُنِي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ؟ فَسَكَتَ
فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ، فَعُدْتُ لَهُ
فَنَشَدْتُهُ فَقَالَ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ،
فَفَاضَتْ عَيْنَاىَ وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ
الْجِدَارَ، قَالَ: فَبَيْنَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ
الْمَدِينَةِ إِذَا نَبَطِيٌّ مِنْ أَنْبَاطِ أَهْلِ
الشَّأْمِ مِمَّنْ قَدِمَ بِالطَّعَامِ يَبِيعُهُ
بِالْمَدِينَةِ يَقُولُ: مَنْ يَدُلُّ عَلَى كَعْبِ
بْنِ مَالِكٍ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ لَهُ
حَتَّى إِذَا جَاءَنِي دَفَعَ إِلَىَّ كِتَابًا مِنْ
مَلِكِ غَسَّانَ فَإِذَا فِيهِ: أَمَّا بَعْدُ
فَإِنَّهُ قَدْ بَلَغَنِي أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ
جَفَاكَ، وَلَمْ يَجْعَلْكَ اللَّهُ بِدَارِ هَوَانٍ
وَلاَ مَضْيَعَةٍ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ.
فَقُلْتُ: لَمَّا قَرَأْتُهَا؟ وَهَذَا أَيْضًا مِنَ
الْبَلاَءِ، فَتَيَمَّمْتُ بِهَا التَّنُّورَ
فَسَجَرْتُهُ بِهَا حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ
لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ إِذَا رَسُولُ رَسُولِ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَأْتِينِي فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَأْمُرُكَ أَنْ
تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ فَقُلْتُ: أُطَلِّقُهَا أَمْ
مَاذَا أَفْعَلُ؟ قَالَ: لاَ، بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلاَ
تَقْرَبْهَا، وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَىَّ مِثْلَ
ذَلِكَ، فَقُلْتُ لاِمْرَأَتِي: الْحَقِي بِأَهْلِكِ
فَتَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي
هَذَا الأَمْرِ، قَالَ كَعْبٌ: فَجَاءَتِ امْرَأَةُ
هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ
اللَّهِ إِنَّ هِلاَلَ بْنَ أُمَيَّةَ شَيْخٌ ضَائِعٌ
لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ؟
قَالَ: «لاَ، وَلَكِنْ لاَ يَقْرَبْكِ» قَالَتْ:
إِنَّهُ وَاللَّهِ مَا بِهِ حَرَكَةٌ إِلَى شَىْءٍ،
وَاللَّهِ مَا زَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ
أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا، فَقَالَ لِي
بَعْضُ أَهْلِي لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي امْرَأَتِكَ
كَمَا أَذِنَ لاِمْرَأَةِ هِلاَلِ بْنِ أُمَيَّةَ أَنْ
تَخْدُمَهُ، فَقُلْتُ: وَاللَّهِ لاَ أَسْتَأْذِنُ
فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَمَا يُدْرِينِي مَا يَقُولُ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا
اسْتَأْذَنْتُهُ فِيهَا وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ
فَلَبِثْتُ بَعْدَ ذَلِكَ عَشْرَ لَيَالٍ، حَتَّى
كَمَلَتْ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ نَهَى
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
عَنْ كَلاَمِنَا، فَلَمَّا صَلَّيْتُ صَلاَةَ
الْفَجْرِ صُبْحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً وَأَنَا عَلَى
ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا فَبَيْنَا أَنَا
جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ قَدْ
ضَاقَتْ عَلَىَّ نَفْسِي وَضَاقَتْ عَلَىَّ الأَرْضُ
بِمَا رَحُبَتْ، سَمِعْتُ صَوْتَ صَارِخٍ أَوْفَى
عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ بِأَعْلَى صَوْتِهِ، يَا كَعْبُ
بْنَ مَالِكٍ أَبْشِرْ قَالَ: فَخَرَرْتُ سَاجِدًا
وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ فَرَجٌ وَآذَنَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى صَلاَةَ
الْفَجْرِ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا
وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَىَّ مُبَشِّرُونَ وَرَكَضَ
إِلَىَّ رَجُلٌ فَرَسًا وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ
فَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ، وَكَانَ الصَّوْتُ
أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي
سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ
ثَوْبَىَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ،
وَاللَّهِ مَا أَمْلِكُ غَيْرَهُمَا يَوْمَئِذٍ
وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا
وَانْطَلَقْتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَيَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا
فَوْجًا يُهَنُّونِي بِالتَّوْبَةِ، يَقُولُونَ:
لِتَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ قَالَ كَعْبٌ:
حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَالِسٌ حَوْلَهُ
النَّاسُ فَقَامَ إِلَىَّ طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ
اللَّهِ يُهَرْوِلُ حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّانِي
وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَىَّ رَجُلٌ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ، وَلاَ أَنْسَاهَا
لِطَلْحَةَ قَالَ كَعْبٌ: فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَهْوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ:
«أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ
وَلَدَتْكَ أُمُّكَ» قَالَ: قُلْتُ أَمِنْ عِنْدِكَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ؟ قَالَ:
«لاَ، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ» وَكَانَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا
سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ
قَمَرٍ، وَكُنَّا نَعْرِفُ ذَلِكَ مِنْهُ فَلَمَّا
جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ:
إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي
صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ، وَإِلَى رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ
لَكَ» قُلْتُ فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي
بِخَيْبَرَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ
اللَّهَ إِنَّمَا نَجَّانِي بِالصِّدْقِ وَإِنَّ مِنْ
تَوْبَتِي أَنْ لاَ أُحَدِّثَ إِلاَّ صِدْقًا مَا
بَقِيتُ، فَوَاللَّهِ مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ
الْمُسْلِمِينَ أَبْلاَهُ اللَّهُ فِي صِدْقِ
الْحَدِيثِ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَحْسَنَ مِمَّا
أَبْلاَنِي مَا تَعَمَّدْتُ مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ
لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-
إِلَى يَوْمِي هَذَا كَذِبًا وَإِنِّي لأَرْجُو أَنْ
يَحْفَظَنِي اللَّهُ فِيمَا بَقِيتُ وَأَنْزَلَ
اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: {لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ
وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ} [التوبة: 117] إِلَى
قَوْلِهِ: {وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:
119] فَوَاللَّهِ مَا أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَىَّ مِنْ
نِعْمَةٍ قَطُّ بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلإِسْلاَمِ
أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي لِرَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ لاَ أَكُونَ
كَذَبْتُهُ فَأَهْلِكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ
كَذَبُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِلَّذِينَ كَذَبُوا
حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ شَرَّ مَا قَالَ لأَحَدٍ،
فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {سَيَحْلِفُونَ
بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ} -إِلَى
قَوْلِهِ- {فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يَرْضَى عَنِ
الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} [التوبة: 95، 96] قَالَ
كَعْبٌ: وَكُنَّا تَخَلَّفْنَا أَيُّهَا الثَّلاَثَةُ
عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حِينَ حَلَفُوا لَهُ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ
لَهُمْ وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ
فِيهِ فَبِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ: {وَعَلَى
الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118]
وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ مِمَّا خُلِّفْنَا
عَنِ الْغَزْوِ إِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا
وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ
وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ فَقَبِلَ مِنْهُ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة وفتح
الكاف (قال: حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل)
بضم العين وفتح القاف ابن خالد الأيلي بفتح الهمزة
بعدها تحتية ساكنة ثم لام (عن ابن شهاب) الزهري (عن
عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك أن عبد الله بن
كعب بن مالك) الأنصاري الشاعر (وكان) أي عبد الله
(قائد كعب) أبيه (من) بين (بنيه) بفتح الموحدة وكسر
النون وسكون التحتية (حين عمي) وكان بنوه أربعة عبد
الله وعبد الرحمن ومحمد وعبيد الله ولابن السكن من
بيته بالموحدة والتحتية الساكنة والفوقية قال ابن حجر.
والصواب الأوّل (قال: سمعت) أبي (كعب بن مالك يحدث) عن
حديثه (حين تخلف) مفعول به لا مفعول فيه (عن قصة
(6/451)
تبوك) متعلق بقوله يحدث (قال كعب لم أتخلف
عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
غزوة غزاها إلا في غزوة تبوك غير أني كنت تخلفت في
غزوة بدر ولم يعاتب) بكسر التاء مصححًا عليها في
اليونينية مرقومًا عليها علامة أبي ذر في الفرع وأصله
أي لم يعاتب الله (أحدًا) ولأبي الوقت وأبي ذر: ولم
يعاتب بفتح التاء مبنيًّا للمفعول أحد بالرفع (تخلف
عنها) عن غزوة بدر (إنما خرج رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) إلى بدر (يريد عير قريش)
بكسر العين الإبل التي تحمل الميرة (حتى جمع الله
بينهم) أي بين المسلمين (وبين عدوّهم) كفار قريش (على
غير ميعاد. ولقد شهدت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ليلة العقبة) مع الأنصار (حين
تواثقنا) بالمثناة ثم المثلثة تعاهدنا وتعاقدنا (على
الإسلام) والإيواء والنصرة قبل الهجرة (وما أحب أن لي
بها) أي بدلها (مشهد بدر وإن كانت بدر أذكر) أي أعظم
ذكرًا (في الناس منها. كان من خبري أني لم أكن قط أقوى
ولا أيسر) أي مني كما في مسلم (حين تخلفت عنه) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (في تلك الغزاة) أي في
غزوة تبوك (والله ما اجتمعت عندي قبله راحلتان قط حتى
جمعتهما في تلك الغزوة، ولم يكن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يريد غزوة إلا ورّى
بغيرها) بفتح الواو والراء المشددة أي أوهم غيرها
والتورية أن تذكر لفظًا يحتمل معنيين أحدهما أقرب من
الآخر فيوهم إرادة القريب وهو يريد البعيد (حتى كانت
تلك الغزوة) أي غزوة تبوك (غزاها رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في حر
شديد واستقبل سفرًا بعيدًا ومفازًا) بفتح الميم والفاء
آخره زاي فلاة لا ماء فيها (وعدوًّا كثيرًا) وذلك أن
الروم قد جمعت جموعًا كثيرة وهرقل رزق أصحابه لسنة
وأجلبت معه لخم وجذام وغسان وقدموا مقدماتهم إلى
البلقاء (فجلّى) بالجيم واللام المشددة ويجوز تخفيفها
أوضح (للمسلمين أمرهم ليتأهبوا أهبة غزوهم) بضم الهمزة
وسكون الهاء أي ما يحتاجون إليه في السفر والحرب ولأبي
ذر عن الكشميهني أهبة عدوّهم بدل غزوهم (فأخبرهم)
صلوات الله وسلامه عليه (بوجهه الذي يريد والمسلمون مع
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كثير
ولا يجمعهم كتاب) بالتنوين (حافظ) كذلك بالتنوين وفي
مسلم بالإضافة قال: الزهري (يريد الديوان). وزاد في
رواية معقل يزيدون على عشرة آلاف ولا يجمعهم ديوان
حافظ. وفي الإكليل للحاكم من حديث معاذ: أنهم كانوا
زيادة على ثلاثين ألفًا، وبهذه العدة جزم ابن إسحاق،
وأورده الواقدي بإسناد آخر موصول وزاد: أنه كانت معهم
عشرة آلاف فرس، فتحمل رواية معاذ على إرادة عدد
الفرسان، ولابن مردويه لا يجمعهم ديوان حافظ وقد نقل
عن أبي زرعة الرازي أنهم كانوا في غزوة تبوك أربعين
ألفًا ولا تخالف الرواية التي في الإكليل أكثر من
ثلاثين ألفًا لاحتمال أن يكون من قال: أربعين ألفًا
جبرًا لكسر قاله في الفتح، وتعقبه شيخنا فقال: بل
المروي عن أبي زرعة أنهم كانوا سبعين ألفًا. نعم الحصر
بالأربعين في حجة الوداع فكأنه سبق قلم أو انتقال نظر.
(قال كعب) بن مالك بالإسناد السابق (فما رجل يريد أن
يتغيب إلا ظن أن) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي أنه
(سيخفى له) لكثرة الجيش (ما لم ينزل) بفتح أوله وكسر
ثالثه (فيه وحي الله، وغزا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تلك الغزوة حين طابت الثمار
والظلال) وفي رواية موسى بن عقبة عن ابن شهاب في قيظ
شديد في ليالي الخريف والناس خارفون في نخيلهم (وتجهز
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
والمسلمون معه فطفقت) فأخذت (أغدو) بالغين المعجمة
(لكي أتجهز معهم فأرجع ولم أقض شيئًا) من جهازي (فأقول
في نفسي أنا قادر عليه) متى شئت (فلم يزل يتمادى بي)
الحال (حتى اشتد بالناس الجد) بكسر الجيم والرفع
فاعلاً وهو الجهد في الشيء والمبالغة فيه، ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي: حتى اشتد الناس بالرفع على الفاعلية
الجد بالنصب على نزع الخافض أو نعت لمصدر محذوف أي
اشتد الناس الاشتداد الجدّ (فأصبح رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمسلمون معه ولم أقض من
جهازي
(6/452)
شيئًا) بفتح الجيم (فقلت: أتجهز بعده)
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (بيوم أو يومين
ثم ألحقهم فغدوت) بالغين المعجمة (بعد أن فصلوا)
بالصاد المهملة (لأتجهز فرجعت ولم أقض شيئًا ثم غدوت
ثم رجعت ولم أقض شيئًا فلم يزل بي حتى أسرعوا) ولأبي
ذر عن الكشميهني شرعوا بالشين المعجمة. قال الحافظ ابن
حجر: وهو تصحيف (وتفارط الغزو) بالفاء والراء والطاء
المهملتين أي فات وسبق (وهممت أن أرتحل فأدركهم)
بالنصب عطفًا على أتحل (وليتني فعلت) ذلك (فلم يقدر لي
ذلك) فيه أن المرء إذا لاحت له فرصة في الطاعة فحقه أن
يبادر إليها ولا يسوّف بها لئلا يحرمها.
قال كعب: (فكنت إذا خرجت في الناس بعد خروج رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فطفت فيهم أحزنني
أني لا أرى إلا رجلاً مغموصًا) بفتح الميم وسكون العين
المعجمة بعدها ميم أخرى مضمومة فواو
فصاد مهملة (عليه النفاق) أي يظن به النفاق ويتهم به
وإني بفتح الهمزة. قال الزركشي: على التعليل. قال في
المصابيح: ليس بصحيح إنما هي وصلتها فاعل أحزنني (أو
رجلاً ممن عذر الله من الضعفاء ولم يذكرني رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حتى بلغ تبوك
فقال وهو جالس في القوم بتبوك):
(ما فعل كعب فقال رجل من بني سلمة): بكسر اللام وهو
عبد الله بن أنيس السلمي بفتح السين واللام كما قال
الواقدي قال في الفتح: وهو غير الجهني الصحابيّ
المشهور (يا رسول الله حبسه برداه) تثنية برد (ونظره
في عطفيه) بكسر العين المهملة والتثنية أي جانبيه
كناية عن كونه معجبًا بنفسه ذا زهو وتكبر أو لباسه، أو
كنى به عن حسنه وبهجته والعرب تصف الرداء بصفة الحسن
وتسميه عطفًا لوقوعه في عطفي الرجل وفي نسخة
باليونينية في عطفه بالإفراد.
(فقال معاذ بن جبل) -رضي الله عنه- له (بئس ما قلت
والله يا رسول الله ما علمنا عليه إلاّ خيرًا فسكت
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
فبينما هو كذلك رأى رجلاً منتصبًا يزول به السراب فقال
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "كن
أبا خيثمة" فإذا هو أبو خيثمة سعد بن أبي خيثمة
الأنصاري، وعند الطبراني أنه قال: تخلفت عن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخلت حائطًا
فرأيت عريشًا قد رش بالماء، ورأيت زوجتي فقلت: ما هذا
بإنصاف رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في السموم والحرّ وأنا في الظل والنعيم فقمت إلى ناضح
لي وتمرات وخرجت فلما طلعت على العسكر فرآني الناس
فقال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "كن
أبا خيثمة" فجئت فدعا لي.
(قال كعب بن مالك: فلما بلغني أنه) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (توجه قافلاً) أي راجعًا إلى
المدينة (حضرني همي فطفقت) أي أخذت (أتذكر الكذب) وعند
ابن أبي شيبة وطفقت أعدّ العذر لرسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا جاء وأهيئ الكلام
(وأقول: بماذا أخرج من سخطه غدًا واستعنت على ذلك بكل
ذي رأي من أهلي، فلما قيل إن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد أظل قادمًا) أي دنا
قدومه (زاح) بالزاي المعجمة وبالحاء المهملة أي زال
(عني الباطل وعرفت أني لن أخرج منه أبدًا بشيء فيه كذب
فأجمعت صدقه) أي جزمت به وعقدت عليه قصدي ولابن أبي
شيبة عرفت أنه لا ينجيني منه إلا الصدق (وأصبح رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قادمًا) في
رمضان كما قاله ابن سعد (وكان إذا قدم من سفر بدأ
بالمسجد فيركع فيه ركعتين) فركعهما (ثم جلس للناس،
فلما فعل ذلك جاءه المخلفون) الذين خلفهم كسلهم
ونفاقهم عن غزوة تبوك (فطفقوا يعتذرون) أي يظهرون
العذر (إليه) صلوات الله وسلامه عليه (ويحلفون له
وكانوا بضعة وثمانين رجلاً) من منافقي الأنصار قاله
الواقدي، وأن المعذرين من الأعراب كانوا أيضًا اثنين
وثمانين رجلاً من غفار وغيرهم، وأن عبد الله بن أبي
ومن أطاعه من قومه من غير هؤلاء وكانوا عددًا كثيرًا،
والبضع بكسر الموحدة وسكون الضاد المعجمة ما بين ثلاث
إلى تسع على المشهور، وقيل إلى الخمس، وقيل ما بين
الواحد إلى الأربعة، أو من أربع إلى تسع أو سبع وإذا
(6/453)
جاوزت لفظ العشر ذهب البضع لا يقال بضع
وعشرون أو يقال ذلك وهو مع المذكر بهاء ومع المؤنث
بغير هاء بضعة وعشرون رجلاً وبضع وعشرون امرأة ولا
يعكس قاله في القاموس.
(فقبل منهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- علانيتهم) أي ظواهرهم (وبايعهم واستغفر لهم
ووكل) بفتحات مع التخفيف (سرائرهم إلى الله).
قال كعب: (فجئته) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب) بفتح الضاد المعجمة
(ثم قال: تعال فجئت أمشي حتى جلست بين يديه) وعند ابن
عائذ في مغازيه فأعرض عنه فقال: يا نبي الله لم تعرض
عني فوالله ما نافقت ولا ارتبت ولا بدلت (فقال لي: ما
خلفك) عن الغزو (ألم تكن قد ابتعت) أي اشتريت (ظهرك)
قال: (فقلت: بلى إني والله لو) ولأبي ذر عن الكشميهني
والله يا رسول الله لو (جلست عند غيرك من أهل الدنيا
لرأيت أن سأخرج من سخطه بعذر ولقد أعطيت جدلاً) بفتح
الجيم والدال المهملة فصاحة وقوة كلام بحيث أخرج من
عهدة ما ينسب إليّ مما يقبل ولا يرد (ولكني والله لقد
علمت لئن حدثتك اليوم حديث كذب ترضى به عني ليوشكن
الله أن يسخطك علي، ولئن حدثتك) اليوم (حديث صدق تجد)
بكسر الجيم أي تغضب (عليّ فيه إنه لأرجو فيه عفو الله)
عني (لا والله ما كان لي من عذر، والله ما كنت قط أقوى
ولا أيسر مني حين تخلفت عنك. فقال رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أما) بتشديد الميم (هذا
فقد صدق فقم حتى يقضي الله فيك) ما يشاء (فقمت) فمضيت
(وثار رجال) بالمثلثة أي وثبوا (من بني سلمة) بكسر
اللام (فاتبعوني) بوصل الهمزة وتشديد الفوقية (فقالوا
لي: والله ما علمناك كنت أذنبت ذنبًا قبل هذا، ولقد
عجزت أن لا تكون اعتذرت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بما اعتذر إليه المتخلفون)
بالفوقية وكسر اللام المشددة ولأبي ذر المخلفون بإسقاط
الفوقية وفتح اللام (قد كان كافيك) بفتح التحتية
(ذنبك) أي من ذنبك (استغفار رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لك) برفع استغفار بقوله كافيك لأن
اسم الفاعل يعمل عمل فعله (فوالله ما زالوا يؤنبونني)
بالهمزة المفتوحة فنون مشددة فموحدة مضمومة ونونين أي
يلومونني لومًا عنيفًا ولغير أبي ذر يؤنبوني (حتى أردت
أن أرجع فأكذب نفسي ثم قلت لهم: هل لقي هذا معي أحد؟
قالوا: نعم رجلان قالا مثل ما قلت فقيل لهما مثل ما
قيل لك، فقلت: من هما؟ قالوا: مرارة بن الربيع) بضم
الميم وتخفيف الراءين (العمري) بفتح العين المهملة
وسكون الميم نسبة إلى بني عمرو بن عوف بن مالك بن
الأوس (وهلال بن أمية الواقفي) بتقديم القاف على الفاء
نسبة إلى بني واقف بن امرئ القيس بن مالك بن الأوس.
وعند ابن أبي حاتم من مرسل الحسن أن سبب تخلف الأول
أنه كان له حائط حين زها فقال في نفسه: قد غزوت قبلها
فلو أقمت عامي هذا فلما تذكر ذنبه قال: اللهم إني
أشهدك أني قد تصدقت به في سبيلك. وأن الثاني كان له
أهل تفرقوا ثم اجتمعوا فقال: لو أقمت هذا العام عندهم
فلما تذكر ذنبه قال: اللهم لك عليّ أن لا أرجع إلى
أهلي ولا مالي (فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرًا
فيهما إسوة) بضم الهمزة وكسرها.
وقد استشكل بأن أهل السير لم يذكروا واحدًا منهما فيمن
شهد بدرًا ولا يعرف ذلك في غير هذا الحديث، وممن جزم
بأنهما شهدا بدرًا الأثرم وهو ظاهر صنيع البخاري،
وتعقب الأثرم
ابن الجوزي ونسبه إلى الغلط لكن قال الحافظ ابن حجر:
إنه لم يصب. قال: واستدلّ بعض المتأخرين لكونهما لم
يشهدا بدرًا بما وقع في قصة حاطب وأن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لم يهجره ولا عاقبه مع
كونه جسّ عليه بل قال لعمر لما هم بقتله: "وما يدريك
لعل الله اطلع على أهل بدر" فقال: اعملوا ما شئتم فقد
غفرت لكم. قال: وأين ذنب التخلف من ذنب الجس؟ قال في
الفتح: وليس ما استدلّ به بواضح لأنه يقتضي أن البدري
عنده إذا جنى جناية ولو كبرت لا يعاقب عليها وليس
كذلك، فهذا عمر مع كونه المخاطب بقصة حاطب قد جلد
قدامة بن مظعون
(6/454)
الحد لما شرب الخمر وهو بدري وإنما لم
يعاقب -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حاطبًا ولا
هجره لأنه قبل عذره في أنه إنما كاتب قريشًا خشية على
أهله وولده بخلاف تخلف كعب وصاحبيه فإنهم لم يكن لهم
عذر أصلاً.
قال كعب: (فمضيت حين ذكروهما لي) أي الرجلين (ونهى
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
المسلمين عن كلامنا أيها الثلاثة من بين من تخلف عنه)
بالرفع أي خصوصًا الثلاثة كقولهم: اللهم اغفر لنا
أيتها العصابة قال أبو سعيد السيرافي: إنه مفعول فعل
محذوف أي أريد الثلاثة أي أخص الثلاثة، وخالفه الجمهور
وقالوا: أي منادى والثلاثة صفة له وإنما أوجبوا ذلك
لأنه في الأصل كان كذلك فنقل إلى الاختصاص وكل ما نقل
من باب إلى باب فإعرابه بحسب أصله كأفعال التعجب
(فاجتتبنا الناس) بفتح الموحدة (وتغيروا لنا حتى
تنكرت) أي تغيرت (في نفسي الأرض فما هي) الأرض (التي
أعرف) لتوحشها عليّ، وهذا يجده الحزين والمهموم في كل
شيء حتى يجده في نفسه. قال السهيلي: وإنما اشتدّ الغضب
على من تخلف وإن كان الجهاد فرض كفاية لكنه في حق
الأنصار خاصة فرض عين لأنهم بايعوا على ذلك ومصداق ذلك
قولهم وهم يحفرون الخندق:
نحن الذين بايعوا محمدا ... على الجهاد ما بقينا أبدا
فكان تخلفهم في هذه الغزوة كبيرة لأنه كالنكث لبيعتهم
انتهى. وعند الشافعية وجه أن الجهاد كان فرض عين في
زمنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فلبثنا على
ذلك خمسين ليلة) استنبط منه جواز الهجران أكثر من
ثلاث، وأما النهي عن الهجر فوق ثلاث فمحمول على من لم
يكن هجرانه شرعيًا (فأما صاحباي) مرارة وهلال
(فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان وأما أنا فكنت أشب
القوم) أي أقواهم (وأجلدهم فكنت أخرج فأشهد الصلاة مع
المسلمين وأطوف) أي أدور (في الأسواق، ولا يكلمني أحد،
وآتي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فأسلم عليه وهو في مجلسه بعد الصلاة فأقول في نفسي: هل
حرك شفتيه بردّ السلام عليّ أم لا) إنما لم يجزم
بتحريك شفتيه عليه الصلاة والسلام بالسلام لأنه لم يكن
يديم النظر إليه من الخجل (ثم أصلي قريبًا منه فأسارقه
النظر) بالسين المهملة والقاف أي أنظر إليه في خفية
(فإذا أقبلت على صلاتي أقبل) عليه الصلاة والسلام
(إليّ وإذا التفت نحوه أعرض عني حتى إذا طال عليّ ذلك
من جفوة الناس) بفتح الجيم وسكون الفاء أي من إعراضهم
(مشيت حتى تسوّرت) أي علوت (جدار حائط أبي قتادة)
الحارث بن ربعي الأنصاري -رضي الله عنه- أي بستانه
(وهو ابن عمي) لأنه من بني سلمة وليس هو ابن عمه أخي
أبيه الأقرب (وأحب الناس إليّ
فسلمت عليه فوالله ما ردّ عليّ السلام) لعموم النهي عن
كلامهم (فقلت: يا أبا قتادة أنشدك) بفتح الهمزة وضم
الشين المعجمة أسألك (بالله هل تعلمني أحب الله ورسوله
فسكت فعدت له فنشدته) بفتح المعجمة فسألته بالله كذلك
(فسكت فعدت له فنشدته فقال: الله ورسوله أعلم) وليس
ذلك تكليمًا لكعب لأنه لم ينو به ذلك لأنه منهي عنه بل
أظهر اعتقاده فلو حلف لا يكلم زيدًا فسأله عن شيء
فقال: الله أعلم ولم يرد جوابه ولا إسماعه لا يحنث
(ففاضت عيناي وتوليت حتى تسوّرت الجدار) للخروج من
الحائط.
(قال: فبينا) بغير ميم (أنا أمشي بسوق المدينة إذا
نبطي) بفتح النون والموحدة وكسر الطاء المهملة (من
أنباط أهل الشام) بفتح الهمزة وسكون النون وفتح
الموحدة فلاح وكان نصرانيًا ولم يسم (ممن قدم بالطعام
يبيعه بالمدينة يقول من يدل على كعب بن مالك فطفق
الناس يشيرون له) إليّ يعني ولا يتكلمون بقولهم مثلاً
هذا كعب مبالغة في هجره والإعراض عنه (حتى إذا جاءني
دفع إليّ كتابًا من ملك غسان) بفتح الغين المعجمة
وتشديد السين المهملة جبلة بن الأيهم أو هو الحارث بن
أبي شمر وعند ابن مردويه فكتب إليّ كتابًا في سرقة من
حرير (فإذا فيه: أمّا بعد فإنه قد بلغني أن صاحبك قد
جفاك
(6/455)
ولم يجعلك الله بدار هوان ولا مضيعة) بسكون
الضاد المعجمة أي حيث يضيع حقك (فالحق بنا) بفتح الحاء
المهملة (نواسك) بضم النون وكسر السين المهملة من
المواساة (فقلت لما قرأتها) أي الصحيفة المكتوب فيها
(وهذا أيضًا من البلاء) وعند ابن أبي شيبة قد طمع فيّ
أهل الكفر (فتيممت) أي قصدت (بها التنور) بفتح الفوقية
الذي يخبز فيه (فسجرته) بالسين المهملة المفتوحة
والجيم أي أوقدته (بها). وهذا يدل على قوّة إيمانه
وشدّة محبته لله ورسوله على ما لا يخفى. وعند ابن
عائذ: أنه شكا حاله إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وقال: ما زال إعراضك عني حتى رغب
فيّ أهل الشرك (حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين
إذا رسول رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) قال الواقدي: هو خزيمة بن ثابت. قال: وهو
الرسول إلى مرارة وهلال بذلك، ولأبي ذر: إذا رسول رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يأتيني
فقال: إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يأمرك أن تعتزل امرأتك) عميرة بنت جبير بن
صخر بن أمية الأنصارية أم أولاده الثلاثة أو هي زوجته
الأخرى خيرة بفتح الخاء المعجمة بعدها تحتية ساكنة
(فقلت: أطلقها أم ماذا أفعل؟ قال: لا بل اعتزلها) بكسر
الزاي مجزوم بالأمر (ولا تقربها) معطوف عليه (وأرسل
إلى صاحبيّ) بتشديد الياء (مئل ذلك فقلت لامرأتي:
الحقي) بفتح الحاء (بأهلك فتكوني عندهم حتى يقضي الله
فيّ هذا الأمر) فلحقت بهم.
(قال كعب: فجاءت امرأة هلال بن أمية) خولة بنت عاصم
(رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فقالت: يا رسول الله إن هلال بن أمية شيخ ضائع ليس له
خادم فهل تكره أن أخدمه؟ قال: لا ولكن لا يقربك)
بالجزم على النهي (قالت: إنه والله ما به حركة إلى شيء
والله ما زال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه
هذا) قال كعب: (فقال لي بعض أهلي):
قال في الفتح: لم أقف على اسمه. واستشكل هذا مع نهيه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس عن كلام
الثلاثة.
وأجيب: بأنه عبّر عن الإشارة بالقول يعني فلم يقع
الكلام اللساني وهو المنهي عنه قاله ابن الملقن.
قال في المصابيح: وهذا بناء منه على الوقوف عند اللفظ
واطراح جانب المعنى، وإلاّ فليس المقصود بعدم المكالمة
عدم النطق باللسان فقط، بل المراد هو وما كان بمثابته
من الإشارة المفهمة لما يفهمه القول باللسان، وقد يجاب
بأن النهي كان خاصًّا بمن عدا زوجة هلال وغشيانه
إياها، وقد أذن لها في خدمته، ومعلوم أنه لا بدّ في
ذلك من مخالطة وكلام، فلم يكن النهي شاملاً لكل أحد،
وإنما هو شامل لمن لا تدعو حاجة هؤلاء إلى مخالطته
وكلامه من زوجة وخادم ونحو ذلك، فلعل الذي قال لكعب من
أهله:
(لو استأذنت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في امرأتك) لتخدمك (كما أذن لامرأة هلال بن
أمية أن تخدمه) كان ممن لم يشمله النهي. قال كعب
(فقلت: والله لا أستأذن فيها رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وما يدريني ما يقول رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذا
استأذنته فيها وأنا رجل شاب) قوي على خدمة نفسي (فلبثت
بعد ذلك عشر ليال حتى كملت) بفتح الميم (لنا خمسون
ليلة من حين نهى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن كلامنا) أيها الثلاثة (فلما صليت صلاة
الفجر صبح خمسين ليلة وأنا على ظهر بيت من بيوتنا
فبينا) بغير ميم (أنا جالس على الحال التي) قد (ذكر
الله قد ضاقت عليّ نفسي) أي قلبي لا يسعه أنس ولا سرور
من فرط الوحشة والغم (وضاقت عليّ الأرض بما رحبت)
برحبها أي مع سعتها وهو مثل للحيرة في أمره كأنه لا
يجد فيها مكانًا يقرّ فيه قلقًا وجزعًا، وإذا كان
هؤلاء لم يأكلوا مالاّ حرامًا ولا سفكوا دمًا حرامًا
ولا أفسدوا في الأرض وأصابهم ما أصابهم فكيف بمن واقع
الفواحش والكبائر وجواب بينا قوله: (سمعت صوت صارخ
أوفى) بالفاء مقصورًا أي أشرف (على جبل سلع) بفتح
السين المهملة وسكون اللام (بأعلى صوته: يا كعب بن
مالك أبشر) بهمزة قطع. وعند الواقدي وكان الذي أوفى
على سلع أبا بكر الصديق فصاح: قد
(6/456)
تاب الله على كعب (قال) كعب: (فخررت
ساجدًا) شكرًا لله (وعرفت أن قد جاء فرج وآذن) بالمد
أي أعلم (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بتوبة الله علينا حين صلّى صلاة الفجر فذهب
الناس يبشروننا)، أيها الثلاثة بتوبة الله علينا (وذهب
قبل) بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهة (صاحبيّ) مرارة
وهلال (مبشرون) يبشرونهما (وركض إليّ) بتشديد الياء أي
استحث (رجل فرسًا) للعدو وعند الواقدي أنه الزبير بن
العوّام (وسعى ساع من أسلم فأوفى على الجبل)، هو حمزة
بن عمرو الأسلمي رواه الوقدي. وعند ابن عائذ أن اللذين
سعيا أبو بكر وعمر -رضي الله عنهما- لكنه صدره بقوله
زعموا (وكان الصوت أسرع من الفرس فلما جاءني الذي سمعت
صوته) هو حمزة الأسلمي (يبشرني نزعت له ثوبي) بتشديد
الياء بالتثنية (فكسوته إياهما ببشراه) لي بتوبة الله
عليّ (والله ما أملك) من الثياب (غيرهما يومئذ) وقد
كان له مال غيرهما كما صرح به فيما يأتي (واستعرت
ثوبين) أي من أبي قتادة كما عند الواقدي (فلبستهما
وانطلقت إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فيتلقاني الناس فوجًا فوجًا) جماعة جماعة
(يهنوني) ولأبي ذر: يهنونني (بالتوبة يقولون: لتهنك)
بكسر النون (توبة الله عليك. قال كعب: حتى دخلت المسجد
فإذا
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جالس
حوله الناس فقام إليّ) بتشديد الياء (طلحة بن عبيد
الله) بضم العين أحد العشرة المبشرة بالجنة (يهرول) أي
يسير بين المشي والعدو (حتى صافحني وهناني والله ما
قام إليّ رجل من المهاجرين غيره) وكانا أخوين آخى
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بينهما كذا
قاله البرماوي كغيره، وتعقب بأن الذي ذكره أهل المغازي
أنه كان أخا الزبير، لكن كان الزبير أخًا في أخوة
المهاجري فهو أخو أخيه (ولا أنساها لطلحة) أي هذه
الخصلة وهي بشارته إياي بالتوبة أي لا أزال أذكر
إحسانه إليّ بذلك وكنت رهين مسرته (قال كعب: فلما
سلّمت على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وهو يبرق وجهه من السرور):
(أبشر بخير يوم مرّ عليك منذ ولدتك أمك) أي سوى يوم
إسلامه وهو مستثنى تقديرًا، وإن لم ينطق به أوان يوم
توبته مكمل ليوم إسلامه، فيوم إسلامه بداية سعادته،
ويوم توبته مكمل لها فهو خير من جميع أيامه وإن كان
يوم إسلامه خيرها فيوم توبته المضاف إلى إسلامه خير من
يوم إسلامه المجرد عنها (قال) كعب: (قلت أمن عندك يا
رسول الله أم من عند الله؟ قال: لا بل من عند الله)
زاد ابن أبي شيبة أنتم صدقتم الله فصدقكم.
(وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إذا سرّ) بضم السين وتشديد الراء مبنيًّا للمفعول
(استنار وجهه حتى كأنه قطعة قمر) قيل: قال قطعة قمر
احترازًا من السواد الذي في القمر أو إشارة إلى موضع
الاستنارة وهو الجبين الذي فيه يظهر السرور. قالت
عائشة: مسرورًا تبرق أسارير وجهه فكان التشبيه وقع على
بعض الوجه فناسب أن يشبه ببعض القمر (وكنا نعرف ذلك
منه) أي الذي يحصل له من استنارة وجهه عند السرور
(فلما جلست بين يديه) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (قلت: يا رسول الله إن من توبتي أن أنخلع)
أخرج (من) جميع (مالي صدقة) قال الزركشي وتبعه
البرماوي وابن حجر وغيرهما: هي مصدر فيجوز انتصابه
بانخلع لأن معنى انخلع أتصدق، ويجوز أن يكون مصدرًا في
موضع الحال أي متصدقًا، وتعقبه في المصابيح فقال: لا
نسلم أن الصدقة مصدر، وإنما هي اسم لما يتصدق به ومنه
قوله تعالى: {خذ من أموالهم صدقة} [التوبة: 103] وفي
الصحاح: الصدقة ما تصدق به على الفقراء فعلى هذا يكون
نصبها على الحال من مالي (إلى رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي صدقة خالصة لله
ولرسول الله، فإلى بمعنى اللام، ولأبي ذر إلى رسوله
(قال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
له خوفًا عليه من تضرره بالفقر وعدم صبره على الإضافة:
(أمسك عليك بعض مالك فهو خير لك قلت: أمسك سهمي الذي
بخيبر فقلت: يا رسول الله إن الله إنما نجاني بالصدق
وإن من توبتي
(6/457)
أن لا أحدث إلا صدقًا ما بقيت) بكسر القاف
(فوالله ما أعلم أحدًا من المسلمين أبلاه الله)
بالموحدة الساكنة أي أنعم عليه (في صدق الحديث منه
ذكرت ذلك لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أحسن مما أبلاني) أي مما أنعم عليّ، وفيه
الأفضلية لا نفي المساواة لأنه شاركه في ذلك هلال
ومرارة. (ما تعمدت منذ ذكرت ذلك لرسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى يومي هذا كذبًا وإني
لأرجو أن يحفظني الله فيما بقيت، وأنزل الله تعالى على
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- {لقد
تاب الله على
النبي}) [التوبة: 43] أي تجاوز عنه إذنه للمنافقين في
التخلف كقوله: {عفا الله عنك لِمَ أذنت لهم} [التوبة:
43] ({والمهاجرين والأنصار}) ثبت لأبي ذر والأنصار
وفيه حث للمؤمنين على التوبة وأنه ما من مؤمن إلا وهو
محتاج إلى التوبة والاستغفار حتى النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والمهاجرين والأنصار (إلى
قوله: {وكونوا مع الصادقين} [التوية: 117]) في إيمانهم
دون المنافقين أو مع الذين لم يتخلفوا (فوالله ما أنعم
الله عليّ من نعمة قط بعد أن) ولأبي ذر عن الكشميهني:
بعد إذ (هداني للإسلام أعظم في نفسي من صدقي لرسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن لا كون)
أي أن أكون (كذبته) فلا زائدة كقوله تعالى: {ما منعك
ألا تسجد} [الأعراف: 12] (فأهلك) بكسر اللام والنصب أي
فإن أهلك (كما هلك الذين كذبوا فإن الله تعالى قال
للذين كذبوا حين أنزل الوحي شر ما قال لأحد) أي قال:
قولا شرّ ما قال بالإضافة. أي شر القول الكائن لأحد من
الناس (فقال تبارك وتعالى: {سيحلفون بالله لك إذا
انقلبتم}) إذا رجعتم إليهم من الغزو (إلى قوله: {فإن
الله لا يرضى عن القوم الفاسقين}) [التوبة: 95، 96] أي
فإن رضاكم وحدكم لا ينفعهم إذا كان الله ساخطًا عليهم
وكانوا عرضة لعاجل عقوبته وأجلها.
(قال كعب: وكنا تخلفنا أيها الثلاثة عن أمر أولئك
الذين قبل منهم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- حين حلفوا له) أن تخلفهم كان لعذر (فبايعهم
واستغفر لهم وأرجأ) بالجيم والهمزة آخره أي أخّر (رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أمرنا) أيها
الثلاثة (حتى قضى الله فيه) بالتوبة (فبذلك قال الله)
تعالى: ({وعلى الثلاثة الذين خلفوا} [التوبة: 118])
بضم الخاء وكسر اللام المشددة وسكون الفاء (عن الغزو
وإنما) بالواو ولأبي الوقت ولغيره إنما (هو تخليفه)
بالخاء المعجمة (إيانا وإرجاؤه) أي تأخيره (أمرنا عمن
حلف له) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (واعتذر
إليه فقبل منه) عليه الصلاة والسلام اعتذاره، والمراد
على قوله: أنهم حلفوا عن التوبة لا عن الغزو.
وقد أخرج المؤلّف -رحمه الله تعالى- حديث غزوة تبوك
وتوبة الله على كعب في عشرة مواضع مطوّلاً ومختصرًا،
وسبق بعضها، ويأتي منها إن شاء الله تعالى في
الاستئذان والأحكام، وأخرجه مسلم في التوبة، وأبو داود
في الطلاق وكذا النسائي.
80 - باب نُزُولُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الْحِجْرَ
(نزول النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
الحجر) بكسر الحاء المهملة وسكون الجيم وهي منازل ثمود
قوم صالح عليه السلام بين المدينة والشام.
4419 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ
الْجُعْفِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ
أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ
عَنِ ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: لَمَّا
مَرَّ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بِالْحِجْرِ قَالَ: «لاَ تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ
الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا
أَصَابَهُمْ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ» ثُمَّ
قَنَّعَ رَأْسَهُ وَأَسْرَعَ السَّيْرَ حَتَّى أَجَازَ
الْوَادِيَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد الجعفي) بضم الجيم
وسكون المهملة المسندي بفتح النون قال: (حدثنا عبد
الرزاق) بن همام الحافظ أبو بكر الصنعاني قال: (أخبرنا
معمر) هو ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب
(عن سالم) هو ابن عبد الله بن عمر أحد فقهاء التابعين
(عن ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما مرّ
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بالحجر)
ديار ثمود بين المدينة والشام في غزوة تبوك (قال)
لأصحابه الذين معه:
(لا تدخلوا مساكن الذين ظلموا أنفسهم) بالكفر (أن
يصيبكم) بفتح الهمزة مفعولاً له أي مخافة الإصابة أو
لئلا يصيبكم (ما أصابهم) من العذاب (إلا أن تكونوا
باكين، ثم قنع) بفتح القاف والنون المشدّدة أي ستر
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رأسه) بردائه
(وأسرع السير حتى أجاز الوادي) بالجيم والزاي أي قطعه.
وهذا الحديث سبق في باب قول الله تعالى: {وإلى ثمود
أخاهم صالحًا} [الأعراف: 73] من أحاديث الأنبياء.
4420 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، حَدَّثَنَا
مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لأَصْحَابِ الْحِجْرِ: «لاَ تَدْخُلُوا عَلَى
هَؤُلاَءِ الْمُعَذَّبِينَ، إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا
بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ».
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة مصغرًا
قال: (حدّثنا مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار عن
ابن عمر -رضي الله عنهما-) أنه (قال: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(6/458)
لأصحاب الحجر): أي عن أصحاب الحجر فاللام
بمعنى عن، أو قال عند أصحاب الحجر المعذبين هناك.
(لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين) بفتح الذال المعجمة
ثمود (إلا أن تكونوا باكين) مخافة (أن يصيبكم مثل ما
أصابهم) من العقاب ومثل بالرفع وسقط لأبي ذر.
81 - باب
هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة.
4421 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ، عَنِ
اللَّيْثِ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي
سَلَمَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ
الْمُغِيرَةِ عَنْ أَبِيهِ الْمُغِيرَةِ بْنِ
شُعْبَةَ، قَالَ: ذَهَبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِبَعْضِ حَاجَتِهِ فَقُمْتُ
أَسْكُبُ عَلَيْهِ الْمَاءَ لاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ
قَالَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ،
وَذَهَبَ يَغْسِلُ ذِرَاعَيْهِ فَضَاقَ عَلَيْهِ كُمُّ
الْجُبَّةِ فَأَخْرَجَهُمَا مِنْ تَحْتِ جُبَّتِهِ
فَغَسَلَهُمَا ثُمَّ مَسَحَ عَلَى خُفَّيْهِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير عن الليث) بن سعد
الإمام (عن عبد العزيز بن أبي سلمة) هو عبد العزيز بن
عبد الله بن أبي سلمة بفتح اللام الماجشون التيمي
مولاهم المدني (عن سعد بن
إبراهيم) بسكون العين ابن عبد الرحمن بن عوف الزهري
قاضي المدينة (عن نافع بن جبير) أي ابن مطعم (عن عروة
بن المغيرة عن أبيه المغيرة) ولأبي ذر مغيرة (ابن
شعبة) أنه (قال: ذهب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لبعض حاجت فقمت أسكب عليه الماء) حين فرغ
من حاجته (لا أعلمه إلاّ قال في غزوة تبوك فغسل وجهه
وذهب يغسل ذراعيه فضاق عليه كُم الجبة) ولأبي ذر عن
الكشميهني: كمّا الجبة بالتثنية (فأخرجهما من تحت جبته
فغسلهما ثم مسح على خفيه).
وسبق الحديث في باب المسح على الخفين من كتاب الوضوء.
4422 - حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ مَخْلَدٍ، حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ، حَدَّثَنِي عَمْرُو بْنُ يَحْيَى، عَنْ
عَبَّاسِ بْنِ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ
قَالَ: أَقْبَلْنَا مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ حَتَّى
إِذَا أَشْرَفْنَا عَلَى الْمَدِينَةِ قَالَ: «هَذِهِ
طَابَةُ، وَهَذَا أُحُدٌ جَبَلٌ يُحِبُّنَا
وَنُحِبُّهُ».
وبه قال: (حدّثنا خالد بن مخلد) بفتح الميم وسكون
الخاء المعجمة القطواني بفتح القاف والطاء البجلي
مولاهم الكوفي قال (حدّثنا سليمان) بن بلال قال:
(حدّثني) بالإفراد (عمرو بن يحيى) بفتح العين المازني،
ولأبي ذر عن عمرو بن يحيى (عن عباس بن سهل بن سعد)
بالموحدة والمهملة في عباس الساعدي (عن أبي حميد) بضم
الحاء وفتح الميم عبد الرحمن أو المنذر أو غيرهما
الساعدي الصحابي المشهور -رضي الله عنه- أنه (قال:
أقبلنا مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
من غزوة تبوك حتى إذا أشرفنا على المدينة قال) عليه
الصلاة والسلام:
(هذه طابة) بألف بعد الطاء وفتح الموحدة من أسماء
المدينة (وهذا أُحُد جبل يحبنا) حقيقة (ونحبه).
وسبق الحديث في الحج وفضل الأنصار والمغازي وغيرهما.
4423 - حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ أَخْبَرَنَا حُمَيْدٌ
الطَّوِيلُ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رضي الله عنه-
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رَجَعَ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ فَدَنَا مِنَ
الْمَدِينَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ بِالْمَدِينَةِ
أَقْوَامًا مَا سِرْتُمْ مَسِيرًا وَلاَ قَطَعْتُمْ
وَادِيًا إِلاَّ كَانُوا مَعَكُمْ»، قَالُوا يَا
رَسُولَ اللَّهِ وَهُمْ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: «وَهُمْ
بِالْمَدِينَةِ حَبَسَهُمُ الْعُذْرُ».
وبه قال: (حدّثنا أحمد بن محمد) السمسار المروزي قال:
(أخبرنا عبد الله) بن المبارك المروزي قال: (أخبرنا
حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رجع من غزوة
تبوك فدنا) أي قرب (من المدينة فقال):
(إن بالمدينة أقوامًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا
إلاّ كانوا معكم) بالقلوب والنيّات (قالوا: يا رسول
الله وهم بالمدينة؟ قال: وهم بالمدينة حبسهم العذر) عن
الغزو معكم، فالمعية والصحبة الحقيقة وإنما هي بالسير
بالروح لا بمجرد البدن ونية المؤمن خير من عمله، فتأمل
هؤلاء كيف
بلغت بهم نيتهم مبلغ أولئك العاملين بأبدانهم وهم على
فرشهم في بيوتهم، فالمسابقة إلى الله تعالى وإلى
الدرجات العوالي بالنيات والهِمم لا بمجرد الأعمال.
وهذا الحديث سبق في باب: من حبسه العذر عن الغزو من
الجهاد.
82 - باب كِتَابِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- إِلَى كِسْرَى وَقَيْصَرَ
(كتاب النبي) وفي نسخة باليونينية باب كتاب النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى كسرى)
إبرويز بن هرمز بن أنو شروان وهو كسرى الكبير المشهور
لا أنوشروان لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أخبر بأن ابنه يقتله، والذي قتله ابنه هو إبرويز وكسرى
الكبير بكسر القاف لقب كل من يملك الفرس (و) إلى
(قيصر) وهو هرقل.
4424 - حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ
بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ
أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى
مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ،
فَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ
الْبَحْرَيْنِ، فَدَفَعَهُ عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ
إِلَى كِسْرَى، فَلَمَّا قَرَأَهُ مَزَّقَهُ
فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا
عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ.
وبه قال: (حدّثنا إسحاق) بن راهويه قال: (حدّثنا يعقوب
بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان
(عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال: أخبرني)
بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد الله) بن
عتبة بن مسعود (أن ابن عباس) -رضي الله عنهما- (أخبره
أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث
بكتابه إلى كسرى) إبرويز (مع عبد الله بن حذافة
السهمي) القرشي أسلم قديمًا وكان من المهاجرين الأولين
وكان مكتوبًا فيه على ما ذكره الواقدي فيما نقله صاحب
عيون الأثر:
(بسم الله الرحمن الرحيم؛ من رسول الله محمد إلى كسرى
عظيم فارس، سلام على مَن اتّبع الهدى وآمن بالله
ورسوله وشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأن
محمدًا عبده ورسوله أدعوك بدعاية الله فإني أنا رسول
الله إلى الناس كافة لينذر
(6/459)
من كان حيًّا ويحق القول على الكافرين أسلم
تسلم، فإن أبيت فعليك إثم المجوس".
(فأمره) أي أمر رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عبد الله بن حذافة (أن يدفعه) أي الكتاب
(إلى عظيم البحرين) المنذر بن ساوى نائب كسرى على
البحرين، فتوجه عبد الله بن حذافة إليه فأعطاه إياه
(فدفعه عظيم البحرين إلى كسرى فلما قرأه) بنفسه أو
قرأه غيره عليه (مزّقه) بالزاي والقاف أي قطّعه.
قال ابن شهاب الزهري: (فحسبت أن المسيب) سعيدًا (قال):
بالسند السابق (فدعا عليهم) على كسرى وجنوده، ولأبي ذر
عن المستملي فدعا عليه أي على كسرى (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يمزقوا
كل ممزق) بفتح الزاي فيهما أي يتفرقوا ويتقطعوا
فاستجاب الله عز وجل دعاءه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، فسلّط الله تعالى على كسرى ابنه شيرويه
فمزق بطنه فقتله ولم يقم لهم بعد ذلك أمر نافذ، وأدبر
عنهم الإقبال حتى انقرضوا بالكلية في خلافة عمر -رضي
الله عنه-.
وهذا الحديث سبق في كتاب العلم في باب ما يذكر في
المناولة.
4425 - حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ الْهَيْثَمِ،
حَدَّثَنَا عَوْفٌ عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ أَبِي
بَكْرَةَ قَالَ: لَقَدْ نَفَعَنِي اللَّهُ بِكَلِمَةٍ
سَمِعْتُهَا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَيَّامَ الْجَمَلِ بَعْدَ مَا
كِدْتُ أَنْ أَلْحَقَ بِأَصْحَابِ الْجَمَلِ
فَأُقَاتِلَ مَعَهُمْ، قَالَ: لَمَّا بَلَغَ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّ
أَهْلَ فَارِسَ قَدْ مَلَّكُوا عَلَيْهِمْ بِنْتَ
كِسْرَى، قَالَ: «لَنْ يُفْلِحَ قَوْمٌ وَلَّوْا
أَمْرَهُمُ امْرَأَةً». [الحديث 4425 - أطرافه في:
7099].
وبه قال: (حدّثنا عثمان بن الهيثم) بالمثلثة المؤذن
البصري قال: (حدّثنا عوف) بفتح العين المهملة بعدها
واو ساكنة ففاء الأعرابي (عن الحسن) البصري (عن أبي
بكرة) نفيع بن الحارث أنه (قال: لقد نفعني الله) عز
وجل (بكلمة سمعتها من رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أيام الجمل) أي نفعني الله أيام
وقعة الجمل بكلمة سمعتها فأيام متعلق بنفعني لا
بسمعتها لأنه سمعها قبل ذلك ففيه تقديم وتأخير (بعدما
كدت أن ألحق) ولأبي ذر: كدت ألحق (بأصحاب) وقعة
(الجمل) عائشة -رضي الله عنها- ومن معها (فأقاتل معهم)
وكان سببها أن عثمان -رضي الله عنه- لما قتل وبويع
عليّ بالخلافة خرج طلحة والزبير إلى مكة فوجدا عائشة
وكانت قد حجت فأجمع رأيهم على التوجه إلى البصرة
يستنفرون الناس للطلب بدم عثمان، فبلغ عليًّا فخرج
إليهم فكانت الوقعة ونسبت إلى الجمل التي كانت عائشة
قد ركبته وهي في هودجها تدعو الناس إلى الإصلاح.
(قال) أبو بكرة مفسرًا لقوله: نفعني الله بكلمة (لما
بلغ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن
أهل فارس قد ملكوا) بتشديد اللام (عليهم بنت كسرى)
بوران بضم الموحدة بنت شيرويه بن كسرى إبرويز، وذلك أن
شيرويه لما قتل أباه كان أبوه علم أن ابنه عمل على
قتله احتال على قتل ابنه بعد موته، فعمل في بعض خزائنه
المختصة به حُقًّا مسمومًا كتب عليه حُق الجماع من
تناول منه كذا جامع كذا فقرأه شيرويه فتناول منه فكان
فيه هلاكه فلم يعش بعد أبيه سوى ستة أشهر، فلما مات لم
يخلف أخًا لأنه كان قتل إخوته حرصًا على الملك ولم
يخلف ذكرًا وكرهوا إخراج الملك عن ذلك البيت فملكوا
أخته.
(قال) عليه الصلاة والسلام (لن يفلح قوم ولّوا أمرهم
امرأة) ومذهب الجمهور أن المرأة لا تلي الإمارة ولا
القضاء، وأجازه الطبري في رواية عن مالك وعن أبي حنيفة
تلي الحكم فيما تجوز فيه شهادة النساء، والغرض من ذكر
هذا الحديث هنا بيان أن كسرى لما مزّق كتابه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودعا عليه سقط الله عليه
ابنه فمزقه وقتله ثم قتل إخوته حتى أفضى الأمر بهم إلى
تأمير المرأة فجرّ ذلك إلى ذهاب ملكهم ومزقوا واستجاب
الله دعاءه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
4426 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ: سَمِعْتُ الزُّهْرِيَّ
عَنِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ يَقُولُ: أَذْكُرُ
أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ الْغِلْمَانِ إِلَى ثَنِيَّةِ
الْوَدَاعِ نَتَلَقَّى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَقَالَ سُفْيَانُ
مَرَّةً: مَعَ الصِّبْيَانِ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (قال: سمعت الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب (عن السائب بن يزيد) ولأبي ذر: سمع
الزهري يقول: سمعت السائب بن يزيد -رضي الله عنه-
(يقول: أذكر أني خرجت مع الغلمان إلى ثنية الوداع
نتلقى) بفتح القاف المشددة (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وثنية الوداع بفتح الواو: هي ما
ارتفع من الأرض أو هي الطريق في الجبل، وسميت بذلك
لأنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودّعه بها
بعض المقيمين بالمدينة في بعض أسفاره، وقيل لأنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شيّع إليها بعض
سراياه فودّعه عندها، وقيل لأن المسافر من المدينة كان
يشيع إليها ويودّع عندها قديمًا وما قيل من أنهم كانوا
يشيعون الحاج ويودّعونهم عندها، ردّه الحافظ
(6/460)
أو الفضل العراقي وابن القيم بأن ثنية
الوداع إنما هي من ناحية الشام لا يراها القادم من مكة
ولا يمر بها إلا إذا توجه من الشام، وإنما وقع ذلك عند
قدومه من تبوك، ويحتمل أن تكون في جهة الحجاز ثنية
إخرى.
(وقال سفيان) بن عيينة بالسند السابق (مرة) أخرى (مع
الصبيان) بدل قوله الأوّل مع الغلمان وهما بمعنى.
4427 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ
السَّائِبِ أَذْكُرُ أَنِّي خَرَجْتُ مَعَ
الصِّبْيَانِ نَتَلَقَّى النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى ثَنِيَّةِ الْوَدَاعِ
مَقْدَمَهُ مِنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن محمد) المسندي قال:
(حدّثنا سفيان) بن عيينة (عن الزهري) محمد بن مسلم بن
شهاب (عن السائب) بن يزيد بن سعيد بن ثمامة -رضي الله
عنه- أنه قال: (أذكر أني خرجت مع الصبيان نتلقى النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إلى ثنية الوداع
مقدمه) بفتح الميم وسكون القاف وفتح الدال أي وقت
قدومه (من غزوة تبوك). قال في الفتح: وفي إيراد هذا
الحديث هنا إشارة إلى أن إرسال الكتب إلى الملوك كان
في سنة غزوة تبوك وهي سنة تسع.
وتقدم هذا الحديث في باب استقبال الغزاة من الجهاد.
83 - باب مَرَضِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَوَفَاتِه وَقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى:
{إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ
إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ
تَخْتَصِمُونَ} [الزمر: 30 - 31]
(باب) ذكر (مرض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-و) وقت (وفاته وقول الله تعالى) يخاطب نبيه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ({إنك ميت}) أي
ستموت ({وإنهم ميتون}) [الزمر: 30] أي سيموتون
وبالتخفيف من حلّ به الموت.
قال الخليل أنشد أبو عمرو:
أيا سائلي تفسير ميت وميت ... فدونك قد فسرت إن كنت
تعقل
فمن كان ذا روح فذلك ميت ... وما الميت إلا من إلى
القبر يحمل
وكانوا يتربصون برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- موته، فأخبر أن الموت يعمهم فلا معنى
للتربص وشماتة الباقي بالفاني. وعن قتادة: نعى إلى
نبيه نفسه ونعى إليكم أنفسكم أي إنك إياهم في عداد
الموتى لأن ما هو كائن فكأن قد كان ({ثم إنكم}) أي إنك
وإياهم فغلب ضمير المخاطب على ضمير الغائب ({يوم
القيامة عند ربكم تختصمون}) [الزمر: 30 - 31] فتحتج
أنت عليهم بأنك بلغت فكذبوا، واجتهدت في الدعوة فلجوا
في العناد ويعتذرون بما لا طائل تحته. قالت الصحابة
-رضي الله عنهم-: ما خصومتنا ونحن إخوان فلما قتل
عثمان قالوا: هذه خصومتنا. وعن أبي العالية نزلت في
أهل القبلة وذلك في الدماء والمظالم التي بينهم والوجه
هو الأوّل وسقط قوله ثم إنكم الخ لأبي ذر.
4428 - وَقَالَ يُونُسُ عَنِ الزُّهْرِيِّ: قَالَ
عُرْوَةُ قَالَتْ عَائِشَةُ -رضي الله عنها-: كَانَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ: «يَا
عَائِشَةُ مَا أَزَالُ أَجِدُ أَلَمَ الطَّعَامِ
الَّذِي أَكَلْتُ بِخَيْبَرَ فَهَذَا أَوَانُ وَجَدْتُ
انْقِطَاعَ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السَّمِّ».
(وقال): ولأبي ذر فقال: (يونس) بن يزيد الأيلي فيما
وصله البزار والحاكم (عن الزهري) محمد بن مسلم أنه
قال: (قال عروة) بن الزبير: (قالت عائشة -رضي الله
عنها-: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يقول في مرضه الذي مات فيه):
(يا عائشة ما أزال أجد ألم الطعام) أي أحس الألم في
جوفي بسبب الطعام المسموم (الذي أكلت بخيبر). وعند
الواقدي مما رواه ابن سعد عنه أنه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عاش بعد أكله ثلاث سنين (فهذا
أوان وجدت انقطاع أبهري) بفتح الهاء عرق مستبطن بالصلب
متصل بالقلب ثم تتشعب منه سائر الشرايين إذا انقطع مات
صاحبه (من ذلك السم) بفتح السين وضمها وأوان رفع على
الخبرية وهو الذي في الفرع، وبالفتح لإضافته إلى مبني
وهو الماضي لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الوحيد وهو
في موضع رفع خبر المبتدأ.
4429 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ حَدَّثَنَا
اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ
عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهما- عَنْ أُمِّ
الْفَضْلِ بِنْتِ الْحَارِثِ قَالَتْ: سَمِعْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقْرَأُ فِي الْمَغْرِبِ بِالْمُرْسَلاَتِ عُرْفًا
ثُمَّ مَا صَلَّى لَنَا بَعْدَهَا حَتَّى قَبَضَهُ
اللَّهُ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة الحافظ
المخزومي مولاهم المصري ونسب لجده لشهرته به واسم أبيه
عبد الله قال: (حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل)
بضم العين ابن خالد (عن ابن شهاب) الزهري (عن عبيد
الله بن عبد الله) بضم العين في الأوّل ابن عتبة بن
مسعود (عن
عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-) وسقط عبد الله
لأبي ذر (عن) أمه (أم الفضل) لبابة (بنت الحارث)
الهلالية أنها (قالت: سمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) حال كونه (يقرأ في) صلاة (المغرب
بالمرسلات عرفًا ثم ما صلّى لنا بعدها حتى قبضه الله).
وفي رواية عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك عن ابن
شهاب في الصلاة: إنها لآخر ما سمعت من رسول الله يقرأ
بها في المغرب.
4430 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَرْعَرَةَ،
حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ
بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ -رضي الله عنه- يُدْنِي ابْنَ
عَبَّاسٍ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
عَوْفٍ: إِنَّ لَنَا أَبْنَاءً مِثْلَهُ، فَقَالَ:
إِنَّهُ مِنْ حَيْثُ تَعْلَمُ. فَسَأَلَ عُمَرُ ابْنَ
عَبَّاسٍ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ {إِذَا جَاءَ نَصْرُ
اللَّهِ وَالْفَتْحُ} [النصر: 1] قَالَ: أَجَلُ
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أَعْلَمَهُ إِيَّاهُ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُ مِنْهَا
إِلاَّ مَا تَعْلَمُ.
وبه قال: (حدّثنا محمد بن عرعرة) بعينين مفتوحتين
بينهما راء ساكنة وبعد العين الثانية راء أخرى ابن
البرند بكسر الموحدة والراء وسكون النون السامي
(6/461)
بالسين المهملة البصري قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن أبي بشر) بكسر الموحدة وسكون المعجمة
حفص بن أبي وحشية إياس الواسطي (عن سعيد بن جبير عن
ابن عباس) أنه (قال: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-
يدني) أي يقرّب (ابن عباس) من نفسه وكان الأصل أن
يقول: يدنيه لكنه أقام الظاهر مقام المضمر (فقال له
عبد الرحمن بن عوف: إن لنا أبناء مثله) في السن فلم
تدنهم (فقال) عمر: (إنه من حيث تعلم) من جهة قرابته من
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أو من
جهة زيادة معرفته (فسأل عمر ابن عباس عن هذه الآية
{إذا جاء نصر الله والفتح}) [النصر: 1] بعد أن سألهم
فمنهم من قال: فتح المدائن، ومنهم من سكت (فقال) ابن
عباس مجيبًا هو (أجل رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إياه فقال) له عمر: (ما أعلم منها
إلا ما تعلم). وعند الطبراني عن ابن عباس من وجه آخر
لما نزلت أخذ رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أشد ما كان اجتهادًا في أمر الآخرة، وقوله
وقال يونس المعلق السابق بعد قوله تختصمون مؤخر هنا في
رواية أبي ذر.
4431 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ
عَنْ سُلَيْمَانَ الأَحْوَلِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
جُبَيْرٍ قَالَ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَوْمُ
الْخَمِيسِ وَمَا يَوْمُ الْخَمِيسِ اشْتَدَّ
بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَجَعُهُ، فَقَالَ: «ائْتُونِي أَكْتُبْ
لَكُمْ كِتَابًا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُ أَبَدًا»
فَتَنَازَعُوا وَلاَ يَنْبَغِي عِنْدَ نَبِيٍّ
تَنَازُعٌ فَقَالُوا: مَا شَأْنُهُ أَهَجَرَ
اسْتَفْهِمُوهُ؟ فَذَهَبُوا يَرُدُّونَ عَلَيْهِ
فَقَالَ: «دَعُونِي فَالَّذِي أَنَا فِيهِ خَيْرٌ
مِمَّا تَدْعُونِي إِلَيْهِ» وَأَوْصَاهُمْ بِثَلاَثٍ
قَالَ: «أَخْرِجُوا الْمُشْرِكِينَ مِنْ جَزِيرَةِ
الْعَرَبِ، وَأَجِيزُوا الْوَفْدَ بِنَحْوِ مَا كُنْتُ
أُجِيزُهُمْ» وَسَكَتَ عَنِ الثَّالِثَةِ، أَوْ قَالَ
فَنَسِيتُهَا.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا سفيان)
ولأبي ذر ابن عيينة بدل سفيان (عن سليمان الأحول عن
سعيد بن جبير) أنه (قال: قال ابن عباس) -رضي الله
عنهما-: (يوم الخميس وما يوم الخميس)؟ برفع يوم خبر
مبتدأ محذوف ومراده التعجب من شدة الأمر وتفخيمه،
ولمسلم
ثم جعل تسيل دموعه حتى رأيتها على خذيه كأنها نظام
اللؤلؤ (اشتدّ برسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وجعه فقال):
(ائتوني) زاد في العلم بكتاب أي بأدوات الكتاب كالدواة
والقلم، أو ما يكتب فيه كالكاغد (أكتب لكم) بالجزم
جواب الأمر والرفع على الاستئناف أي آمر من يكتب لكم
(كتابًا لن تضلوا) منصوب بحذف النون، ولأبي ذر عن
الكشميهني: لا تضلون (بعده أبدًا فتنازعوا) فقال
بعضهم: نكتب لما فيه من امتثال الأمر وزيادة الإيضاح.
وقال عمر -رضي الله عنه-: حسبنا كتاب الله فالأمر ليس
للوجوب بل للإرشاد إلى الأصلح (ولا ينبغي عند نبي
تنازع) قيل: هذا مدرج من قول ابن عباس ويردّه قوله
عليه الصلاة والسلام في كتاب العلم في باب كتابة العلم
(ولا ينبغي عندي التنازع فقالوا: ما شأنه أهجر)؟
بإثبات همزة الاستفهام وفتح الهاء والجيم والراء،
ولبعضهم أهجرًا بضم الهاء وسكون الجيم والتنوين
مفعولاً بضم مضمر أي قال: هجرًا بضم الهاء وسكون الجيم
وهو الهذيان الذي يقع من كلام المريض الذي لا ينتظم،
وهذا مستحيل وقوعه من المعصوم صحة ومرضًا، وإنما قال
ذلك من قاله منكرًا على من توقف في امتثال أمره بإحضار
الكتف والدواة فكأنه قال: تتوقف أتظن أنه كغيره يقول
الهذيان في مرضه، امتثل أمره وأحضر ما طلب، فإنه لا
يقول إلا الحق، أو المراد أهجر بلفظ الماضي من الهجر
بفتح الهاء وسكون الجيم والمفعول محذوف أي أهجر الحياة
وعبّر بالماضي مبالغة لما رأى من علامات الموت
(استفهموه) بكسر الهاء بصيغة الأمر أي عن هذا الأمر
الذي أراده هل هو الأولى أم لا (فذهبوا يردّون عليه)
أي يعيدون عليه مقالته ويستثبتونه فيها، وقد كانوا
يراجعونه في بعض الأمور قبل تحتم الإيجاب كما راجعوه
يوم الحديببة في الحلاق وكتابة الصلح بينه وبين قريش،
فأما إذا أمر بالشيء أمر عزيمة فلا يراجعه أحد منهم،
ولأبي ذر: يردّون عنه القول المذكور على من قاله.
(فقال) عليه الصلاة والسلام: (دعوني) اتركوني (فالذي
أنا فيه) من المشاهدة والتأهب للقاء الله عز وجل (خير
مما تدعوني) ولأبي ذر مما تدعونني (إليه) من شأن كتابة
الكتاب (وأوصاهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
في تلك الحالة (بثلاث) من الخصال (قال) لهم: (أخرجوا
المشركين) بفتح الهمزة وكسر الراء (من جزيرة العرب) هي
من عدن إلى العراق طولاً، ومن جدّة إلى الشام عرضًا
(وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم) أي أعطوهم، وكانت
جائزة الواحد على عهده -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من فضة وهي أربعون درهمًا فأمر بإكرامهم
(6/462)
تطييبًا لقلوبهم وترغيبًا لغيرهم من
المؤلّفة (وسكت عن الثالثة أو قال فنسيتها) قيل:
الساكت هو ابن عباس، والناسي سعيد بن جبير، لكن في
مستخرج أبي نعيم قال سفيان قال سليمان أي ابن أبي
مسلم: لا أدري أذكر سعيد بن جبير الثالثة فنسيتها أو
سكت عنها فهو الراجح، وقد قيل: إن الثالثة هي الوصية
بالقرآن أو هي تجهيز جيش أسامة لقول أبي بكر لما
اختلفوا عليه في تنفيذ جيش أسامة: إن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عهد إليّ بذلك عند موته
أو قوله "لا تتخذوا قبري وثنًا" فإنها ثبتت في الموطأ
مقرونة بالأمر بإخراج اليهود، أو هي ما وقع في حديث
أنس من قوله "الصلاة وما ملكت أيمانكم".
وهذا الحديث قد سبق في العلم والجهاد.
4432 - حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله
عنهما- قَالَ: لَمَّا حُضِرَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَفِي الْبَيْتِ رِجَالٌ
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «هَلُمُّوا أَكْتُبْ لَكُمْ كِتَابًا لاَ
تَضِلُّوا بَعْدَهُ» فَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَدْ غَلَبَهُ الْوَجَعُ وَعِنْدَكُمُ الْقُرْآنُ
حَسْبُنَا كِتَابُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ أَهْلُ
الْبَيْتِ وَاخْتَصَمُوا فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ:
قَرِّبُوا يَكْتُبُ لَكُمْ كِتَابًا لاَ تَضِلُّوا
بَعْدَهُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: غَيْرَ ذَلِكَ
فَلَمَّا أَكْثَرُوا اللَّغْوَ وَالاِخْتِلاَفَ قَالَ
رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:
«قُومُوا». قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَكَانَ يَقُولُ
ابْنُ عَبَّاسٍ: إِنَّ الرَّزِيَّةَ كُلَّ
الرَّزِيَّةِ مَا حَالَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَبَيْنَ أَنْ
يَكْتُبَ لَهُمْ ذَلِكَ الْكِتَابَ لاِخْتِلاَفِهِمْ
وَلَغَطِهِمْ.
وبه قال: (حدّثنا علي بن عبد الله) المديني قال:
(حدّثنا عبد الرزاق) بن همام قال: (أخبرنا معمر) هو
ابن راشد (عن الزهري) محمد بن مسلم (عن عبيد الله) بضم
العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن ابن عباس
-رضي الله عنهما-) أنه (قال: لما حضر) بضم المهملة
وكسر المعجمة مبنيًّا للمفعول (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي دنا موته (وفي البيت
رجال) من الصحابة (فقال النبي) وفي نسخة: فقال رسول
الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(هلموا أكتب لكم كتابًا لا تضلوا بعده) بحذف النون على
أن لا ناهية ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تضلون بإثبات
النون على أنها نافية (فقال بعضهم): هو عمر بن الخطاب
(إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد
غلبه الوجع وعندكم القرآن حسبنا) أي يكفينا (كتاب
الله). قال أبو سليمان: خشي عمر -رضي الله عنه- أن يجد
المنافقون سبيلاً إلى الطعن فيما يكتبه إلى حمله إلى
تلك الحالة التي جرت العادة فيها بوقوع بعض ما يخالف
الإتقان، فكان ذلك سبب توقف عمر لا أنه تعمد مخالفة
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا جوّز
وقوع الغلط عليه حاشا وكلا.
(فاختلف أهل البيت) الذي كانوا فيه من الصحابة لا أهل
بيته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (واختصموا
فمنهم من يقول: قرّبوا يكتب لكم كتابًا لا تضلوا)
ولأبي ذر عن الكشميهني: لا تضلون (بعده، ومنهم من
يقول: غير ذلك، فلما أكثروا اللغو والاختلاف قال رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: قوموا) عني
واستنبط منه أن الكتابة ليست بواجبة وإلاّ لم يتركها
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لأجل اختلافهم
لقوله تعالى: {بلّغ ما أنزل إليك} [المائدة: 67] كما
لم يترك التبليغ لمخالفة من خالفه ومعاداة، من عاداه،
وكما أمر في تلك الحالة بإخراج اليهود من جزيرة العرب
وغير ذلك ولا يعارض هذا قوله.
(قال عبيد الله) بضم العين ابن عبد الله: (فكان يقول
ابن عباس: إن الرزية كل الرزية) بالراء ثم الزاي
فالتحتية المشددة أي المصيبة كل المصيبة (ما حال بين
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وبين
أن يكتب لهم ذلك الكتاب لاختلافهم ولغطهم) لأن عمر كان
أفقه من ابن عباس قطعًا، وذلك أنه إن كان من الكتاب
بيان أحكام الدين ورفع الخلاف فيها فقد علم عمر حصول
ذلك من قوله تعالى:
{اليوم أكملت لكم دينكم} [المائدة: 3] وعلم أنه لا تقع
واقعة إلى يوم القيامة إلا وفي الكتاب والسنة بيانها
نصًّا أو دلالة، وفي تكلف النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه مع شدة وجعه كتابة ذلك
مشقة، فرأى الاقتصار على ما سبق بيانه تخفيفًا عليه،
ولئلا ينسدّ باب الاجتهاد على أهل العلم والاستنباط
وإلحاق الأصول بالفروع، فرأى عمر -رضي الله عنه- أن
الصواب ترك الكتابة تخفيفًا عليه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وفضيلة للمجتهدين، وفي تركه
الإنكار عليه دليل على استصواب رأيه.
4433 و 4434 - حَدَّثَنَا يَسَرَةُ بْنُ صَفْوَانَ
بْنِ جَمِيلٍ اللَّخْمِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ
بْنُ سَعْدٍ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: دَعَا النَّبِيُّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاطِمَةَ -
عَلَيْهَا السَّلاَمُ - فِي شَكْوَاهُ الَّذِي قُبِضَ
فِيهِ فَسَارَّهَا بِشَىْءٍ فَبَكَتْ ثُمَّ دَعَاهَا
فَسَارَّهَا بِشَىْءٍ فَضَحِكَتْ، فَسَأَلْنَا عَنْ
ذَلِكَ فَقَالَتْ: سَارَّنِي النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ يُقْبَضُ فِي
وَجَعِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ فَبَكَيْتُ، ثُمَّ
سَارَّنِي فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ أَهْلِهِ
يَتْبَعُهُ فَضَحِكْتُ.
وبه قال: (حدّثنا يسرة) بفتح التحتية والمهملة والراء
(ابن صفوان بن جميل) بفتح الجيم وكسر الميم (اللخمي)
بالخاء المعجمة الساكنة قال: (حدّثنا إبراهيم بن سعد
عن أبيه) سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قاضي
المدينة (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله
عنها- (أنها قالت: دعا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فاطمة) بنته (عليها السلام في شكواه) في
مرضه (الذي قبض فيه) ولأبي ذر عن الكشميهني التي قبض
فيها بالتأنيث على لفظ شكواه
(6/463)
(فسارّها بشيء فبكت ثم دعاها فسارّها بشيء
فضحكت) سقط لأبي ذر بشيء الثانية (فسألنا عن) ولأبي ذر
عن الكشميهني فسألناها عن سبب (ذلك) البكاء والضحك
(فقالت): بعد وفاته (سارّني النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه يقبض في وجعه الذي توفي فيه
فبكيت ثم سارّني فأخبرني أني أوّل أهله) ولأبي ذر عن
الكشميهني أول أهل بيته (يتبعه) بسكون الفوقية
(فضحكت).
وفي رواية مسروق في علامات النبوّة أن الذي سارّها به
فضحكت هو إخباره إياها بأنها سيدة نساء أهل الجنة.
وروى النسائي من طريق أي سلمة عن عائشة في سبب البكاء
أنه ميت، وفي سبب الضحك الأمرين الآخرين، وقد اتفق على
أن فاطمة -رضي الله عنها- كانت أول من مات من أهل بيته
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعده حتى من
أزواجه.
وهذا الحديث مرّ في علامات النبوّة.
4435 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ سَعْدٍ،
عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: كُنْتُ
أَسْمَعُ أَنَّهُ لاَ يَمُوتُ نَبِيٌّ حَتَّى
يُخَيَّرَ بَيْنَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، فَسَمِعْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ
وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ يَقُولُ: {مَعَ الَّذِينَ
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء: 69] الآيَةَ
فَظَنَنْتُ أَنَّهُ خُيِّرَ. [الحديث 4435 - أطرافه
في: 4436، 4437، 4463، 4586، 6348، 6509].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن بشار) بالموحدة
والمعجمة المشدّدة العبدي المشهور ببندار قال: (حدّثنا
غندر) محمد بن جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن
سعد) بسكون العين هو ابن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف
(عن عروة) بن الزبير (عن عائشة) -رضي الله عنها- أنها
(قالت: كنت أسمع) أي من النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كما في الحديث الآتي قريبًا إن
شاء الله تعالى (أنه لا يموت نبي) من الأنبياء عليهم
الصلاة والسلام (حتى يخير) بضم أوله مبنيًّا للمفعول
(بين) المقام في (الدنيا و) الارتحال منها إلى
(الآخرة، فسمعت النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول في مرضه الذي مات فيه وأخذته بحّة)
بضم الموحدة وتشديد الحاء المهملة غلظ وخشونة يعرض في
مجاري النفس فيغلظ الصوت (يقول: {مع الذين أنعم الله
عليهم}) [النساء: 69] (الآية فظننت أنه) عليه الصلاة
والسلام (خير).
وهذا الحديث أخرجه في التفسير.
4436 - حَدَّثَنَا مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
سَعْدٍ عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: لَمَّا
مَرِضَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الْمَرَضَ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلَ
يَقُولُ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى».
وبه قال: (حدّثنا مسلم) هو ابن إبراهيم القصاب البصري
قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن سعد) هو ابن إبراهيم
بن عبد الرحمن بن عوف (عن عروة) بن الزبير (عن عائشة)
-رضي الله عنها- أنها (قالت: لما مرض النبي) ولأبي ذر
رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
المرض) ولأبي ذر مرضه (الذي مات فيه جعل يقول):
(في الرفيق الأعلى) أي الجماعة من الأنبياء الذين
يسكنون أعلى عليين، وهو اسم جاء على فعيل ومعناه
الجماعة كالصديق والخليل، وقيل: المعنى ألحقني بالرفيق
الأعلى أي بالله تعالى، يقال الله رفيق بعباده من
الرفق والرأفة فهو فعيل بمعنى فاعل، وفي حديث عائشة
رفعته "إن الله رفيق يحب الرفق" رواه مسلم، وأبو داود
من حديث عبد الله بن مغفل ويحتمل أن يراد به حظيرة
القدس.
4437 - حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ عُرْوَةُ بْنُ
الزُّبَيْرِ: إِنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ صَحِيحٌ يَقُولُ: «إِنَّهُ
لَمْ يُقْبَضْ نَبِيٌّ قَطُّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ
مِنَ الْجَنَّةِ، ثُمَّ يُحَيَّا أَوْ يُخَيَّرَ»
فَلَمَّا اشْتَكَى وَحَضَرَهُ الْقَبْضُ وَرَأْسُهُ
عَلَى فَخِذِ عَائِشَةَ غُشِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا
أَفَاقَ شَخَصَ بَصَرُهُ نَحْوَ سَقْفِ الْبَيْتِ
ثُمَّ قَالَ: «اللَّهُمَّ فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى»
فَقُلْتُ: إِذًا لاَ يُجَاوِرُنَا فَعَرَفْتُ أَنَّهُ
حَدِيثُهُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا وَهْوَ صَحِيحٌ.
وبه قال: (حدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع قال:
(أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب أنه قال: (قال) ولأبي ذر أخبرني (عروة بن
الزبير) بن العوّام (أن عائشة -رضي الله عنها- قالت:
كان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وهو صحيح يقول):
(أنه لم يقبض نبي قط حتى يرى مقعده من الجنة ثم يحيا)
بضم التحتية الأولى وتشديد الثانية مفتوحة بينهما حاء
مهملة مفتوحة أي يسلم إليه الأمر أو يملك في أمره أو
يسلم عليه تسليم الوداع (أو يخير) بين الدنيا والآخرة
والشك من الراوي (فلما اشتكى) أي مرض (وحضره القبض
ورأسه على فخذ عائشة غشي عليه فلما أفاق شخص) بفتح
الشين والخاء المعجمتين أي ارتفع (بصره نحو سقف البيت
ثم قال: اللهم في الرفيق الأعلى). وفي رواية أبي بردة
بن أبي موسى عن أبيه عند النسائي وصححه ابن حبان فقال:
"أسأل الله الرفيق الأسعد مع جبريل وميكائيل وإسرافيل"
وظاهره أن الرفيق المكان الذي يحصل فيه المرافقة مع
المذكورين. قالت عائشة:
(فقلت: إذا لا يجاورنا) في الدنيا، ولأبي ذر عن
الكشميهني: لا يختارنا (فعرفت أنه حديثه الذي كان
يحدّثنا) به (وهو صحيح). وفي مغازي أبي الأسود عن عروة
أن جبريل نزل إليه في تلك الحالة فخيّره.
4438 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ حَدَّثَنَا عَفَّانُ عَنْ
صَخْرِ بْنِ جُوَيْرِيَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ
بْنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها- دَخَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي
بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَنَا مُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي وَمَعَ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ سِوَاكٌ رَطْبٌ يَسْتَنُّ بِهِ
فَأَبَدَّهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بَصَرَهُ فَأَخَذْتُ السِّوَاكَ
فَقَصَمْتُهُ وَنَفَضْتُهُ وَطَيَّبْتُهُ، ثُمَّ
دَفَعْتُهُ إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَاسْتَنَّ بِهِ، فَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَنَّ
اسْتِنَانًا قَطُّ أَحْسَنَ مِنْهُ، فَمَا عَدَا أَنْ
فَرَغَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رَفَعَ يَدَهُ أَوْ إِصْبَعَهُ ثُمَّ
قَالَ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» ثَلاَثًا ثُمَّ
قَضَى وَكَانَتْ تَقُولُ: مَاتَ وَرَأْسُهُ بَيْنَ
حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر حدثني (محمد) هو ابن يحيى
الذهلي قال: (حدّثنا عفان) بالفاء المشدّدة
(6/464)
ابن مسلم الصفار (عن صخر بن جويرية) بالصاد
المهملة المفتوحة والخاء المعجمة الساكنة وجويرية بضم
الجيم مصغرًا النميري (عن عبد الرحمن بن القاسم عن
أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق -رضي الله
عنه- (عن عائشة -رضي الله عنها-) أنها قالت (دخل عبد
الرحمن بن أبي بكر على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأنا مسندته) عليه الصلاة والسلام (إلى
صدري ومع عبد الرحمن سواك) من جريد (رطب يستن) بتشديد
النون يستاك (به فأبده) بالموحدة المخففة والدال
المهملة المشددة، ولأبي ذر عن الكشميهني فأمده بالميم
بدل الموحدة وهما بمعنى أي مد (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بصره) الشريف إليه (فأخذت
السواك) من عبد الرحمن (فقصمته) بالصاد المهملة
المفتوحة أي كسرته أو قطعته، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: فقضمته بكسر الضاد المعجمة أي مضعته. وحكى
السفاقسي: ففصمته بالفاء والصاد المهملة بدل القاف
والمعجمة (ونفضته) بالفاء والضاد المعجمة الساكنة
(وطيبته) بالواو في اليونينية وغيرها وفي الفرع بالفاء
أي طيبته بالماء أو باليد أي لينته. وقال المحب الطبري
فيما قاله في الفتح: إن كان فقضمته بالضاد المعجمة
فيكون قولها فطيبته تكرارًا، وإن كان بالمهملة فلا
لأنه يصير المعنى كسرته لطوله أو لإزالة المكان الذي
تسوّك به عبد الرحمن.
(ثم دفعته إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فاستن) أي استاك (به فما رأيت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- استن استنانًا قط
أحسن منه فما عدا) بالعين والدال المهملتين (أن فرغ
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من
السواك (رفع يده وإصبعه) بالشك من الراوي (ثم قال: في
الرفيق الأعلى) قالها (ثلاثًا. ثم قضى) عليه الصلاة
والسلام نحبه.
(وكانت) عائشة (تقول: مات) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (ورأسه بين حاقنتي) بالحاء المهملة والقاف
المكسورة والنون المفتوحة النقرة بين الترقوة وحل
العاتق (وذاقنتي) بالذال المعجمة والقاف المكسورة طرف
الحلقوم، وهذا لا يعارضه حديثها السابق إن رأسه كان
على فخذها لاحتمال أنها رفعته من فخذها إلى صدرها.
وأما ما رواه الحاكم وابن سعد من طرق أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مات ورأسه في حجر عليّ
ففي كل طريق من طرقه شيعي فلا يحتج به.
4439 - حَدَّثَنِي حِبَّانُ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ
اللَّهِ أَخْبَرَنَا يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،
أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ أَنَّ عَائِشَةَ -رضي الله عنها-
أَخْبَرَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ
عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عَنْهُ
بِيَدِهِ فَلَمَّا اشْتَكَى وَجَعَهُ الَّذِي
تُوُفِّيَ فِيهِ طَفِقْتُ أَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ
بِالْمُعَوِّذَاتِ الَّتِي كَانَ يَنْفِثُ وَأَمْسَحُ
بِيَدِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عَنْهُ. [الحديث 4439 - أطرافه في: 5016،
5735، 5751].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (حبان) بكسر الحاء المهملة
ابن موسى المروزي قال: (أخبرنا عبد الله) بن المبارك
المروزي قال: (أخبرنا يونس) الأيلي (عن ابن شهاب)
الزهري أنه قال: (أخبرني) بالتوحيد (عروة) بن الزبير
(أن عائشة -رضي الله عنها- أخبرته أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان إذا اشتكى)
أي مرض (نفث) بالمثلثة أي أخرج الريح من فمه مع شيء من
ريقه (على نفسه بالمعوّذات) بكسر الواو والمشددة
الإخلاص واللتين بعدها فهو من باب التغليب، أو المراد
الفلق والناس وجمع باعتبار أن أقل الجمع اثنان أو
المراد الكلمات المعوّذات بالله من الشياطين والأمراض
(ومسح عنه بيده) لتصل بركة القرآن واسم الله تعالى إلى
بشرته المقدسة (فلما اشتكى) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (وجعه الذي توفي فيه طفقت) ولأبي ذر عن
الكشميهني: فطفقت أي أخذت حال كوني (أنفث على نفسه)
ولأبي ذر: أنفث عنه (بالمعوّذات التي كان ينفث) بكسر
الفاء فيهما (وأمسح بيد النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عنه) لبركتها.
وهذا الحديث أخرجه المؤلّف أيضًا في الطب وكذا مسلم.
4440 - حَدَّثَنَا مُعَلَّى بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُخْتَارٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ
بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ
أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْغَتْ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ
يَمُوتَ وَهْوَ مُسْنِدٌ إِلَىَّ ظَهْرَهُ يَقُولُ:
«اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي
بِالرَّفِيقِ». [الحديث 4440 - أطرافه في: 5647].
وبه قال: (حدّثنا يعلى بن أسد) العمي أبو الهيثم أخو
بهز بن أسد البصري قال: (حدّثنا
عبد العزيز بن مختار) البصري الدباغ قال: (حدّثنا هشام
بن عروة) بن الزبير (عن عباد بن عبد الله) بتشديد
الباء (ابن الزبير) بن العوّام (أن عائشة) -رضي الله
عنها- (أخبرته أنها سمعت النبي) ولأبي ذر ورسول الله
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصغت) بالصاد
المهملة الساكنة والغين المعجمة المفتوحة أي أمالت
سمعها (إليه قبل أن يموت وهو مسند إلي ظهره) فسمعته
(يقول):
(اللهم اغفر لي وارحمني وألحقني بالرفيق) أي الأعلى
وهي ملحقة في هامش
(6/465)
الفرع وأصله بالحمرة من غير تصحيح ولا رقم
وهمزة وألحقني قطع.
4441 - حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ،
حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ عَنْ هِلاَلٍ الْوَزَّانِ،
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ عَائِشَةَ -رضي
الله عنها- قَالَتْ: قَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي مَرَضِهِ الَّذِي لَمْ يَقُمْ
مِنْهُ: «لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا
قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ» قَالَتْ
عَائِشَةُ: لَوْلاَ ذَلِكَ لأُبْرِزَ قَبْرُهُ خَشِيَ
أَنْ يُتَّخَذَ مَسْجِدًا.
وبه قال: (حدّثنا الصلت بن محمد) بالصاد المهملة
المفتوحة ابن همام الخاركي البصري قال: (حدّثنا أبو
عوانة) الوضاح اليشكري (عن هلال الوزان) هو ابن أبي
حميد على المشهور (عن عروة بن الزبير) بن العوّام (عن
عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: قال النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مرضه الذي لم يقم
منه):
(لعن الله اليهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) بالجمع
(قالت عائشة: لولا ذلك) باللام، ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي: ذاك (لأبرز) بضم الهمزة وسكون الموحدة وكسر
الراء بعدها زاي أي لكشف (قبره) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولم يتخذ عليه الحائل غير أنه
(خشي) بفتح الخاء المعجمة (أن يتخذ) بضم الياء مبنيًا
للمفعول (مسجدًا).
وهذا الحديث سبق في الجنائز.
4442 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي اللَّيْثُ حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ
عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَتْ: لَمَّا ثَقُلَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَاشْتَدَّ بِهِ
وَجَعُهُ اسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي
بَيْتِي فَأَذِنَّ لَهُ، فَخَرَجَ وَهْوَ بَيْنَ
الرَّجُلَيْنِ تَخُطُّ رِجْلاَهُ فِي الأَرْضِ بَيْنَ
عَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَبَيْنَ رَجُلٍ
آخَرَ قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ: فَأَخْبَرْتُ عَبْدَ
اللَّهِ بِالَّذِي قَالَتْ عَائِشَةُ: فَقَالَ لِي
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَدْرِي مَنِ
الرَّجُلُ الآخَرُ الَّذِي لَمْ تُسَمِّ عَائِشَةُ؟
قَالَ: قُلْتُ لاَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ هُوَ عَلِيٌّ
بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَكَانَتْ عَائِشَةُ زَوْجُ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
تُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمَّا دَخَلَ بَيْتِي وَاشْتَدَّ
بِهِ وَجَعُهُ قَالَ: «هَرِيقُوا عَلَيَّ مِنْ سَبْعِ
قِرَبٍ لَمْ تُحْلَلْ أَوْكِيَتُهُنَّ لَعَلِّي
أَعْهَدُ إِلَى النَّاسِ» فَأَجْلَسْنَاهُ فِي
مِخْضَبٍ لِحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثُمَّ طَفِقْنَا نَصُبُّ
عَلَيْهِ مِنْ تِلْكَ الْقِرَبِ، حَتَّى طَفِقَ
يُشِيرُ إِلَيْنَا بِيَدِهِ أَنْ قَدْ فَعَلْتُنَّ،
قَالَتْ: ثُمَّ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَصَلَّى لَهُمْ
وَخَطَبَهُمْ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين وفتح الفاء
هو سعيد بن كثير بن عفير الأنصاري مولاهم البصري (قال:
حدثني) بالتوحيد (الليث) بن سعد الإمام قال: (حدثني)
بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم العين ابن خالد (عن ابن
شهاب) الزهري أنه قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله)
بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن عائشة
زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط
قوله زوج النبي إلى آخره لأبي ذر (قالت: لما ثقل رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- واشتد به
وجعه) وكان في بيت ميمونة (استأذن أزواجه أن يمرّض) أي
يتعهد ويخدم (في بيتي) وكانت فاطمة -رضي الله عنها- هي
التي خاطبت أمهات المؤمنين في ذلك فقالت لهن: إنه يشق
عليه الاختلاف. ذكره ابن سعد بإسناد صحيح عن الزهري
(فأذن له) بتشديد النون (فخرج) عليه الصلاة والسلام
(وهو بين الرجلين تخط رجلاه في الأرض بين عباس بن عبد
المطلب وبين رجل آخر قال عبيد الله) بن عبد الله بن
عتبة بن مسعود (فأخبرت عبد الله) بن عباس (بالذي قالت
عائشة. فقال لي عبد الله بن عباس: هل تدري من الرجل
الآخر الذي لم تسم عائشة؟ قال) عبيد الله (قلت) له:
(لا) أدري (قال ابن عباس: هو علي بن أبي طالب) وثبت
قوله ابن أبي طالب لأبي ذر (وكانت) ولأبي ذر فكانت
بالفاء بدل الواو (عائشة زوج النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) سقط قوله زوج النبي إلى آخره
لأبي ذر (تحدث أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لما دخل بيتي) وكان يوم الاثنين السابق
ليوم الاثنين الذي توفي فيه (واشتد به وجعه قال):
(هريقوا) أي صبوا (عليّ) الماء (من سبع قرب لم تحلل)
بضم الفوقية وسكون الحاء وفتح اللام الأولى مخففة
(أوكيتهن) جمع وكاء وهو رباط القربة (لعلي أعهد إلى
الناس) أي أوصي (فأجلسناه في مخضب) بكسر الميم وسكون
الخاء وفتح الضاد المعجمتين في إجانة (لحفصة زوج النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ثم طفقنا) بكسر
الفاء جعلنا (نصبّ عليه من تلك القرب) السبع (حتى طفق
يشير إلينا بيده أن قد فعلتن) والحكمة في عدد السبع
كما قيل إن له خاصية في دفع ضرر السم والسحر (قالت)
عائشة: (ثم خرج إلى الناس فصلّى لهم) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي بهم بالموحدة بدل اللام (وخطبهم).
روى الدارمي من حديث أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه-
قال: خرج علينا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في مرضه الذي مات فيه ونحن في المسجد
عاصبًا رأسه بخرقة حتى أهوى نحو المنبر فاستوى عليه
فاتبعناه. قال: "والذي نفسي بيده لأنظر إلى الحوض من
مقامي هذا" ثم قال: "إن عبدًا عرضت عليه الدنيا
وزينتها فاختار الآخرة" قال: فلم يفطن بها غير أبي بكر
فذرفت عيناه فبكى ثم قال: بل نفديك بآبائنا وأمهاتنا
وأموالنا وأنفسنا يا رسول الله. ثم هبط فما قام عليه
حتى الساعة، والمراد بالساعة القيامة أي فما قام عليه
بعد في حياته ولمسلم من حديث جندب أن ذلك كان قبل موته
بخمس، ولعله كان بعد حصول اختلافهم ولغطهم. وقوله لهم
"قوموا عني" فوجد بعد ذلك خفة فخرج.
4443 و 4444 - وَأَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ، أَنَّ عَائِشَةَ
وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم-
قَالاَ: لَمَّا نَزَلَ بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- طَفِقَ يَطْرَحُ
خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ
كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهْوَ كَذَلِكَ:
«لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى،
اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ»
يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا.
قال الزهري: بالإسناد السابق (وأخبرني) بالإفراد ولأبي
ذر وأخبرنا (عبيد الله بن عبد الله
(6/466)
بن عتبة أن عائشة وعبد الله بن عباس -رضي
الله عنهم-) سقط لأبي ذر لفظ عبد الله الأخير (قالا:
لما نزل) بفتح النون والزاي (برسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) المرض (طفق يطرح خميصة)
بفتح الخاء المعجمة ثوب خزأ وصوف (له على وجهه فإذا
اغتم) بالغين المعجمة الساكنة أخذه نفسه من شدة الحر
(كشفها عن وجهه فقال وهو كذلك):
(لعنة الله) ولغير أبي ذر عن وجهه وهو يقول: لعنة الله
(على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) حال
كونه عليه الصلاة والسلام (يحذر ما صنعوا) من اتخاذ
المساجد على القبور.
قال البيضاوي: لما كانت اليهود والنصارى يسجدون لقبور
الأنبياء تعظيمًا لشأنهم ويجعلونها قبلة يتوجهون في
الصلاة نحوها واتخذوها أوثانًا لعنهم ومنعهم عن مثل
ذلك، وأما من اتخذ مسجدًا في جوار صالح وقصد التبرك
بالقرب منه لا التعظيم له ولا التوجه نحوه فلا يدخل
ذلك الوعيد.
4445 - أَخْبَرَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ، أَنَّ عَائِشَةَ
قَالَتْ: لَقَدْ رَاجَعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي ذَلِكَ، وَمَا
حَمَلَنِي عَلَى كَثْرَةِ مُرَاجَعَتِهِ إِلاَّ
أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ فِي قَلْبِي أَنْ يُحِبَّ
النَّاسُ بَعْدَهُ رَجُلاً، قَامَ مَقَامَهُ أَبَدًا
وَلاَ كُنْتُ أُرَى أَنَّهُ لَنْ يَقُومَ أَحَدٌ
مَقَامَهُ إِلاَّ تَشَاءَمَ النَّاسُ بِهِ، فَأَرَدْتُ
أَنْ يَعْدِلَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ أَبِي بَكْرٍ. رَوَاهُ ابْنُ
عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى وَابْنُ عَبَّاسٍ -رضي الله
عنهم- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وقال الزهري بالسند السابق: (أخبرني) بالإفراد (عبيد
الله) بضم العين ابن عبد الله بن عتبة بن مسعود (أن
عائشة) -رضي الله عنها- (قالت: لقد راجعت رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في ذلك) أي في
أمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أبا بكر
بإمامة الصلاة (وما حملني على كثرة مراجعته إلا أنه لم
يقع في قلبي أن يحب الناس بعده) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (رجلاً قام مقامه) عليه السلام في
الصلاة بهم (أبدًا ولا) ولأبي ذر عن الكشميهني وأن لا
(كنت أرى) أظن (أنه لن يقوم أحد مقامه إلا تشاءم الناس
به) بالشين المعجمة أي وما حملني عليه إلا ظني بعدم
محبة الناس للقائم مقامه وظني لتشاؤمهم به (فأردت أن
يعدل ذلك رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عن أبي بكر).
قال في المصابيح: وهذا ظاهر في كونه باعثًا لها على
إرادة العدول بذلك عن أبي بكر -رضي الله عنه- لمكان
أبوّته منها وشرف منزلته عندها وفي بعض الطرق السابقة
أنها أرادت أن يكون عمر هو الذي يصلّي فانظر هذا مع
علمها بما يلحقه من تشاؤم الناس والله أعلم بحقيقة
الحال.
(رواه) أي الأمر بصلاة أبي بكر بالناس (ابن عمر) فيما
وصله المؤلّف في باب أهل العلم والفضل أحق بالإمامة
(وأبو موسى) عبد الله بن قيس الأشعري فيما وصله في هذا
الباب (وابن عباس) فيما وصله في باب إنما جعل الإمام
ليؤتم به (-رضي الله عنهم- عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
4446 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ
الْهَادِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ،
عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: مَاتَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَإِنَّهُ لَبَيْنَ حَاقِنَتِي وَذَاقِنَتِي فَلاَ
أَكْرَهُ شِدَّةَ الْمَوْتِ لأَحَدٍ أَبَدًا بَعْدَ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام قال: (حدثني) بالإفراد
(ابن الهاد) هو يزيد بن عبد الله بن الهاد (عن عبد
الرحمن بن القاسم عن أبيه) القاسم بن محمد بن أبي بكر
الصديق -رضي الله عنه- (عن عائشة) -رضي الله عنها-
أنها (قالت: مات النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وأنه) أي والحال أنه عليه الصلاة والسلام
(لبين حاقنتي وذاقنتي فلا أكره شدة الموت لأحد أبدًا
بعد النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
والحاقنة: الوهدة المنخفضة بين الترقوتين من الحلق.
4447 - حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ أَخْبَرَنَا بِشْرُ بْنُ
شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ، حَدَّثَنِي أَبِي عَنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ الأَنْصَارِيُّ، وَكَانَ كَعْبُ
بْنُ مَالِكٍ أَحَدَ الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ تِيبَ
عَلَيْهِمْ، أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ
أَخْبَرَهُ أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ -رضي
الله عنه- خَرَجَ مِنْ عِنْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي وَجَعِهِ الَّذِي
تُوُفِّيَ فِيهِ، فَقَالَ النَّاسُ: يَا أَبَا
الْحَسَنِ كَيْفَ أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فَقَالَ: أَصْبَحَ
بِحَمْدِ اللَّهِ بَارِئًا، فَأَخَذَ بِيَدِهِ
عَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَ لَهُ:
أَنْتَ وَاللَّهِ بَعْدَ ثَلاَثٍ، عَبْدُ الْعَصَا
وَإِنِّي وَاللَّهِ لأُرَى رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سَوْفَ يُتَوَفَّى مِنْ
وَجَعِهِ هَذَا، إِنِّي لأَعْرِفُ وُجُوهَ بَنِي
عَبْدِ الْمُطَّلِبِ عِنْدَ الْمَوْتِ، اذْهَبْ بِنَا
إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَلْنَسْأَلْهُ فِيمَنْ هَذَا الأَمْرُ
إِنْ كَانَ فِينَا عَلِمْنَا ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ فِي
غَيْرِنَا عَلِمْنَاهُ، فَأَوْصَى بِنَا فَقَالَ
عَلِيٌّ: إِنَّا وَاللَّهِ لَئِنْ سَأَلْنَاهَا
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَمَنَعَنَاهَا لاَ يُعْطِينَاهَا النَّاسُ بَعْدَهُ،
وَإِنِّي وَاللَّهِ لاَ أَسْأَلُهَا رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (إسحاق) بن راهويه قال:
(أخبرنا بشر بن شعيب بن أبي حمزة) بكسر الموحدة وسكون
الشين المعجمة وحمزة بالحاء المهملة والزاي الحمصي
قال: (حدثني) بالإفراد (أبي) شعيب (عن الزهري) محمد بن
مسلم بن شهاب أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (عبد الله بن
كعب بن مالك الأنصاري) قال الحافظ الشرف الدمياطي:
انفرد البخاري عن الأئمة بهذا الإسناد، وعندي في سماع
الزهري من عبد الله بن كعب بن مالك انظر اهـ.
وقد سبق في غزوة تبوك أن الزهري سمع من عبد الله
وأخويه عبد الرحمن وعبيد الله ومن عبد الرحمن بن عبد
الله. قال في الفتح: فلا معنى لتوقف الدمياطي فيه فإن
الإسناد صحيح، وسماع الزهري من عبد الله بن كعب ثابت
ولم ينفرد به شعيب.
(وكان كعب بن مالك أحد الثلاثة الذين تيب عليهم) لما
تخلفوا عن غزوة تبوك (أن عبد الله بن عباس) سقط لفظ
عبد الله لأبي ذر (أخبره أن علي بن أبي طالب -رضي الله
عنه- خرج من عند رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في وجعه الذي توفي فيه) ولأبي ذر: منه
(فقال الناس) له: (يا أبا الحسن
(6/467)
كيف أصبح رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال: أصبح بحمد الله باريًا)
بغير همز في الفرع. وقال في المصابيح كالتنقيح: بالهمز
اسم فاعل من برأ المريض إذا أفاق من المرض (فأخذ بيده)
بيد علي (عباس بن عبد المطلب فقال له: أنت والله بعد
ثلاث) أي بعد ثلاثة أيام (عبد العصا) أي تصير مأمورًا
بموته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وولاية
غيره (وإني والله لأرى) بضم الهمزة أي لأظن (رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سوف يتوفى من
وجعه هذا إني لأعرف وجوه بني عبد المطلب عند الموت)
وذكر ابن إسحاق عن الزهري أن هذا كان يوم قبض النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ثم قال العباس
لعلي: (اذهب بنا إلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فلنسأله) بسكون اللامين (فيمن هذا
الأمر) أي الخلافة (إن كان فينا علمنا ذلك وإن كان في
غيرنا علمناه فأوصى بنا) الخليفة بعده، وعند ابن سعد
من مرسل الشعبي فقال علي: وهل يطمع في هذا الأمر غيرنا
(فقال علي: إنّا والله لئن سألناها) أي الخلافة (رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فمنعناها)
بفتح العين (لا يعطيناها الناس بعده) أي وإن لم
يمنعناها بأن يسكت فيحتمل أن تصل إلينا في الجملة
(وإني والله لا أسألها رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي لا أطلبها منه، وفي مرسل
الشعبي فلما قبض النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال العباس لعلي: ابسط يدك أبايعك يبايعك
الناس فلم يفعل. وفي فوائد أبي الطاهر الذهلي بإسناد
جيد قال عليّ: يا ليتني أطعت عباسًا يا ليتني أطعت
عباسًا.
وفي حديث الباب رواية تابعي عن تابعي الزهري وعبد الله
بن كعب وصحابي عن صحابي كعب وابن عباس، وأخرجه البخاري
أيضًا في الاستئذان.
4448 - حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عُفَيْرٍ قَالَ:
حَدَّثَنِي اللَّيْثُ، قَالَ: حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ
عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ -رضي الله عنه-، أَنَّ الْمُسْلِمِينَ بَيْنَا
هُمْ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ الاِثْنَيْنِ
وَأَبُو بَكْرٍ يُصَلِّي لَهُمْ لَمْ يَفْجَأْهُمْ
إِلاَّ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَدْ كَشَفَ سِتْرَ حُجْرَةِ عَائِشَةَ
فَنَظَرَ إِلَيْهِمْ وَهُمْ فِي صُفُوفِ الصَّلاَةِ
ثُمَّ تَبَسَّمَ يَضْحَكُ، فَنَكَصَ أَبُو بَكْرٍ
عَلَى عَقِبَيْهِ لِيَصِلَ الصَّفَّ وَظَنَّ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يُرِيدُ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الصَّلاَةِ فَقَالَ
أَنَسٌ: وَهَمَّ الْمُسْلِمُونَ أَنْ يَفْتَتِنُوا فِي
صَلاَتِهِمْ فَرَحًا بِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ
بِيَدِهِ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَنْ أَتِمُّوا صَلاَتَكُمْ، ثُمَّ دَخَلَ
الْحُجْرَةَ وَأَرْخَى السِّتْرَ.
وبه قال: (حدّثنا سعيد بن عفير) بضم العين ونسبه لجدّه
واسم أبيه كثير (قال: حدثني) بالإفراد (الليث) بن سعد
الفهمي الإمام (قال: حدثني) بالإفراد أيضًا (عقيل) بضم
العين ابن خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه
(قال: حدّثني) بالإفراد (أنس بن مالك -رضي الله عنه-
أن المسلمين بينا) بغير ميم، ولأبي ذر: بينما (هم في
صلاة الفجر من يوم الاثنين وأبو بكر يصلي لهم) وجواب
بينا قوله: (لم يفجأهم إلا رسول الله) ولأبي ذر عن
الحموي والمستملي إلا ورسول الله (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد كشف ستر حجرة عائشة فنظر إليهم
وهم في صفوف الصلاة) ولأبي ذر وهم
صفوف في الصلاة (ثم تبسم يضحك) حال مؤكدة لأن تبسم
بمعنى يضحك وأكثر ضحك الأنبياء التبسم، وكان ضحكه عليه
الصلاة والسلام فرحًا باجتماعهم على الصلاة وإقامة
الشريعة (فنكص) بالصاد المهملة أي تأخر (أبو بكر على
عقبيه) بفتح الموحدة بالتثنية وراءه (ليصل الصف، وظن
أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يريد أن يخرج إلى الصلاة فقال أنس: وهم المسلمون) بفتح
الهاء والميم المشدّدة أي قصدوا (أن يفتتنوا في
صلاتهم) بأن يخرجوا منها (فرحًا برسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي بإظهار السرور قولا
وفعلاً (فأشار إليهم بيده رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن أتموا صلاتكم ثم دخل الحجرة
وأرخى الستر) زاد في باب أهل العلم والفضل أحق
بالإمامة فتوفي من يومه.
4449 - حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ،
حَدَّثَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ
سَعِيدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ
أَنَّ أَبَا عَمْرٍو ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ
أَخْبَرَهُ أَنَّ عَائِشَةَ كَانَتْ تَقُولُ: إِنَّ
مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُوُفِّيَ فِي
بَيْتِي وَفِي يَوْمِي وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي،
وَأَنَّ اللَّهَ جَمَعَ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ
عِنْدَ مَوْتِهِ، دَخَلَ عَلَيَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
وَبِيَدِهِ السِّوَاكُ، وَأَنَا مُسْنِدَةٌ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَرَأَيْتُهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ وَعَرَفْتُ أَنَّهُ
يُحِبُّ السِّوَاكَ، فَقُلْتُ: آخُذُهُ لَكَ؟
فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ. فَتَنَاوَلْتُهُ
فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ، وَقُلْتُ أُلَيِّنُهُ لَكَ،
فَأَشَارَ بِرَأْسِهِ أَنْ نَعَمْ فَلَيَّنْتُهُ
وَبَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ يَشُكُّ
عُمَرُ فِيهَا مَاءٌ، فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي
الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ يَقُولُ: «لاَ
إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ»
ثُمَّ نَصَبَ يَدَهُ فَجَعَلَ يَقُولُ: «فِي
الرَّفِيقِ الأَعْلَى» حَتَّى قُبِضَ وَمَالَتْ
يَدُهُ.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (محمد بن عبيد) بضم العين
مصغرًا من غير إضافة لشيء واسم جده ميمون القرشي
التيمي مولاهم المدني وقيل الكوفي قال: (حدّثنا عيسى
بن يونس) بن أبي إسحاق الهمداني الكوفي (عن عمر بن
سعيد) بضم العين ابن أبي حسين النوفلي القرشي المكي
أنه (قال: أخبرني) بالإفراد (ابن أبي مليكة) عبد الله
(أن أبا عمرو) بفتح العين (ذكوان) بالذال المعجمة
المفتوحة (مولى عائشة) -رضي الله عنهما- (أخبره أن
عائشة كانت تقول: إن من نعم الله عليّ أن رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- توفي في بيتي وفي
يومي و) رأسه (بين سحري) بفتح السين وسكون الحاء
المهملتين وتضم السين كما في القاموس وغيره الرئة
(ونحري) بالحاء المهملة موضع القلادة من الصدر (وأن
الله جمع بين ريقي وريقه عند موته).
(دخل) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي ودخل (علي) بتشديد
الياء (عبد الرحمن) ابن أبي بكر
(6/468)
(وبيده السواك وأنا مسندة رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فرأيته ينظر إليه
وعرفت أنه يحب السواك فقلت: آخذه لك؟ فأشار برأسه "أن
نعم" فتناولته) أي السواك (فاشتد عليه) الوجع (وقلت
ألينه لك؟ فأشار برأسه "أن نعم" فلينته) ولأبي ذر عن
الكشميهني زيادة بأمره بالموحدة والميم الساكنة ولأبي
ذر أيضًا عن الحموي والمستملي: فأمرّه بالفاء بعدها
همزة فميم وتشديد الراء أي على أسنانه فاستاك به. قال
عياض: والأوّل أولى (وبين يديه ركوة) بفتح الراء من
أدم (أو علبة) بضم العين وسكون
اللام بعدها موحدة مفتوحة قدح ضخم من خشب (يشك عمر) بن
سعيد الراوي (فيها ماء فجعل) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (يدخل يديه في الماء فيمسح بهما وجهه) حال
كونه (يقول: لا إله إلا الله إن للموت سكرات) جمع سكرة
وهي الشدة (ثم نصب) بفتح النون والصاد المهملة
والموحدة (يده فجعل يقول: في الرفيق الأعلى حتى قبض)
بضم القاف وكسر الموحدة (ومالت يده).
4450 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي
سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ
عُرْوَةَ، أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله
عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- كَانَ يَسْأَلُ فِي مَرَضِهِ الَّذِي مَاتَ
فِيهِ يَقُولَ: «أَيْنَ أَنَا غَدًا؟ أَيْنَ أَنَا
غَدًا»؟ يُرِيدُ يَوْمَ عَائِشَةَ فَأَذِنَ لَهُ
أَزْوَاجُهُ يَكُونُ حَيْثُ شَاءَ، فَكَانَ فِي بَيْتِ
عَائِشَةَ حَتَّى مَاتَ عِنْدَهَا، قَالَتْ عَائِشَةُ:
فَمَاتَ فِي الْيَوْمِ الَّذِي كَانَ يَدُورُ عَلَيَّ
فِيهِ فِي بَيْتِي فَقَبَضَهُ اللَّهُ، وَإِنَّ
رَأْسَهُ لَبَيْنَ نَحْرِي وَسَحْرِي وَخَالَطَ
رِيقُهُ رِيقِي، ثُمَّ قَالَتْ: دَخَلَ عَبْدُ
الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَمَعَهُ سِوَاكٌ
يَسْتَنُّ بِهِ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقُلْتُ لَهُ:
أَعْطِنِي هَذَا السِّوَاكَ يَا عَبْدَ الرَّحْمَنِ
فَأَعْطَانِيهِ، فَقَضِمْتُهُ ثُمَّ مَضَغْتُهُ
فَأَعْطَيْتُهُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَاسْتَنَّ بِهِ وَهْوَ
مُسْتَنِدٌ إِلَى صَدْرِي.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدثني)
بالإفراد (سليمان بن بلال) التيمي مولاهم المدني قال:
(حدّثنا هشام بن عروة) قال (أخبرني) بالإفراد (أبي)
عروة بن الزبير (عن عائشة -رضي الله عنها- أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يسأل في
مرضه الذي مات فيه يقول):
(أين أنا غدًا أين أنا غدًا) مرّتين (يريد يوم عائشة
فأذن) بتخفيف النون في الفرع كأصله وفي نسخة فأذن (له
أزواجه) بتشديد النون على لغة أكلوني البراغيث (يكون
حيث شاء). وفي مرسل أبي جعفر عند ابن أبي شيبة أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال: "أين أكون
غدًا" كررها فعرفن أزواجه وإنما يريد عائشة فقلن: يا
رسول الله قد وهبنا أيامنا لأختنا عائشة (فكان في بيت
عائشة حتى مات عندها) ولأبي ذر عن المستملي: فيها أي
في حجرتها أو في نوبتها.
(قالت عائشة: فمات في اليوم الذي كان يدور علي فيه في
بيتي فقبضه الله وأن رأسه لبين نحري وسحري) وزاد أحمد
في رواية همام عن هشام: فلما خرجت نفسه لم يجد ريحًا
قط أطيب منها (وخالط ريقه ريقي) بسبب السواك (ثم قالت:
دخل عبد الرحمن بن أبي بكر ومعه سواك يستن به) يدلك به
أسنانه يستاك وسقط لفظ ثم في اليونينية (فنظر إليه)
ولأبي ذر عن الكشميهني: إليّ (رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقلت له: أعطني) بهمزة
قطع (هذا السواك يا عبد الرحمن فأعطانيه فقضمته) بكسر
الضاد المعجمة ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فقصمته
بالصاد المهملة المفتوحة (ثم مضعته) بفتح الضاد
المعجمة (فأعطيته رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فاستن به وهو مستند) ولأبي ذر مستند (إلى
صدري) وأما ما روي أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: توفي وهو إلى صدر علي بن أبي طالب فضعيف
لا يحتج به.
4451 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ،
حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ عَنِ
ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله
عنها- قَالَتْ: تُوُفِّيَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِي بَيْتِي وَفِي يَوْمِي
وَبَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي،
وَكَانَتْ إِحْدَانَا تُعَوِّذُهُ بِدُعَاءٍ إِذَا
مَرِضَ، فَذَهَبْتُ أُعَوِّذُهُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ
إِلَى السَّمَاءِ وَقَالَ: «فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى،
فِي الرَّفِيقِ الأَعْلَى» وَمَرَّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ
بْنُ أَبِي بَكْرٍ وَفِي يَدِهِ جَرِيدَةٌ رَطْبَةٌ
فَنَظَرَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَظَنَنْتُ أَنَّ لَهُ بِهَا
حَاجَةً، فَأَخَذْتُهَا فَمَضَغْتُ رَأْسَهَا
وَنَفَضْتُهَا، فَدَفَعْتُهَا إِلَيْهِ فَاسْتَنَّ
بِهَا كَأَحْسَنِ مَا كَانَ مُسْتَنًّا، ثُمَّ
نَاوَلَنِيهَا فَسَقَطَتْ يَدُهُ أَوْ سَقَطَتْ مِنْ
يَدِهِ فَجَمَعَ اللَّهُ بَيْنَ رِيقِي وَرِيقِهِ، فِي
آخِرِ يَوْمٍ مِنَ الدُّنْيَا وَأَوَّلِ يَوْمٍ مِنَ
الآخِرَةِ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي بمعجمة ثم
مهملة قال: (حدّثنا حماد بن زيد) الجهضمي البصري (عن
أيوب) السختياني (عن ابن أبي مليكة) عبد الله (عن
عائشة -رضي الله عنها-) أنها (قالت: توفي النبي) ولأبي
ذر رسول الله (-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في
بيتي وفي يومي) أي يوم نوبتي بحسب الدور المعهود (وبين
سحري ونحري وكانت) بتاء التأنيث ولأبي ذر عن الحموي
والمستملي وكان (إحدانا تعوذّه) بضم الفوقية وفتح
العين المهملة وتشديد الواو المكسورة بعدها ذال معجمة
(بدعاء إذا مرض فذهبت) بسكون الموحدة (أعوّذه فرفع
رأسه إلى السماء وقال: في الرفيق الأعلى في الرفيق
الأعلى) مرتين.
(ومرّ عبد الرحمن بن أبي بكر وفي يده جريدة رطبة فنظر
إليه) ولأبي ذر عن الكشميهني إليّ (النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فظننت أن له بها) أي
بالجريدة (حاجة فأخذتها فمضعت رأسها ونفضتها فدفعتها)
ولأبي ذر عن الكشميهني فدفعت (إليه) -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (فاستن بها كأحسن ما كان مستنًا
ثم ناولنيها) أي الجريدة (فسقطت) بالفاء ولأبي ذر عن
الكشميهني وسقطت (يده أو سقطت) أي الجريدة (من يده
فجمع الله بين ريقي وريقه) بسبب السواك (في آخر يوم)
من أيامه -صَلَّى اللَّهُ
(6/469)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (من الدنيا وأول يوم)
من أيامه (من الآخرة). وفي حديث خرّجه العقيلي أنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لها في مرض
موته "ائتيني بسواك رطب فامضغيه ثم ائتيني به أمضعه
لكي يختلط ريقي بريقك لكي يهوّن علي عند الموت".
4452 و 4453 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو سَلَمَةَ أَنَّ
عَائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله
عنه-: أَقْبَلَ عَلَى فَرَسٍ مِنْ مَسْكَنِهِ
بِالسُّنْحِ حَتَّى نَزَلَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ
فَلَمْ يُكَلِّمِ النَّاسَ، حَتَّى دَخَلَ عَلَى
عَائِشَةَ فَتَيَمَّمَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهْوَ مُغَشًّى بِثَوْبِ
حِبَرَةٍ، فَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ ثُمَّ أَكَبَّ
عَلَيْهِ فَقَبَّلَهُ وَبَكَى، ثُمَّ قَالَ: بِأَبِي
أَنْتَ وَأُمِّي، وَاللَّهِ لاَ يَجْمَعُ اللَّهُ
عَلَيْكَ مَوْتَتَيْنِ، أَمَّا الْمَوْتَةُ الَّتِي
كُتِبَتْ عَلَيْكَ فَقَدْ مُتَّهَا.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) بضم الموحدة قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن
خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري أنه (قال:
أخبرني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (أن
عائشة) -رضي الله عنها- (أخبرته أن أبا بكر -رضي الله
عنه-) لما توفي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (أقبل) حال كونه راكبًا (على فرس من مسكنه)
أي مسكن زوجته بنت خارجة وكان عليه الصلاة والسلام أذن
له في الذهاب إليها (بالسنح) بضم السين المهملة
بعدها نون ساكنة وبضمها فحاء مهملة من عوالي المدينة
من منازل بني الحارث بن الخزرج (حتى نزل فدخل المسجد
فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة فتيمم) أي قصد (رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهو مغشّى)
بضم الميم وفتح الغين والشين المشددة المعجمتين أي
مغطى (بثوب حبرة) بكسر الحاء المهملة وفتح الموحدة
وإضافة ثوب إليه وبتنوين ثوب فحبرة صفة وهو من ثياب
اليمن (فكشف) الثوب (عن وجهه) الشريف (ثم أكب عليه
فقبّله وبكى ثم قال): أفديك (بأبي أنت وأمي والله لا
يجمع الله عليك موتتين) قيل: هو على حقيقته وأشار بذلك
إلى الرد على من زعم أنه سيحيا فيقطع أيدي رجال لأنه
لو صح ذلك للزم أن يموت موتة أخرى، فأخبر أنه أكرم على
الله من أن يجمع عليه موتتين كما جمعهما على غيره
{كالذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت} [البقرة:
243]، و {كالذي مرّ على قرية وهي خاوية على عروشها}
[البقرة: 259] وهذا أوضح الأجوبة وأسلمها. وقيل: أراد
أن لا يموت موتة أخرى في القبر كغيره إذ يحيا ليسأل ثم
يموت وهذا جواب الداودي. وقيل: كنى بالموت الثاني عن
الكرب إذ لا يلقى بعد كرب هذا الموت كربًا آخر وأغرب
من قال: المراد بالموتة الأخرى موت الشريعة أي لا يجمع
الله عليك موتك وموت شريعتك، ويؤيد هذا القول قول أبي
بكر بعد ذلك في خطبته: من كان يعبد محمدًا فإن محمدًا
قد مات ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت (أما
الموتة التي كتبت عليك فقد متها).
4454 - قَالَ الزُّهْرِيُّ: وَحَدَّثَنِي أَبُو
سَلَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ
أَبَا بَكْرٍ خَرَجَ وَعُمَرُ بُنُ الْخَطَّابِ
يُكَلِّمُ النَّاسَ، فَقَالَ: اجْلِسْ يَا عُمَرُ
فَأَبَى عُمَرُ أَنْ يَجْلِسَ، فَأَقْبَلَ النَّاسُ
إِلَيْهِ وَتَرَكُوا عُمَرَ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ:
أَمَّا بَعْدُ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يَعْبُدُ
مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَإِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ مَاتَ، وَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ
يَعْبُدُ اللَّهَ، فَإِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لاَ يَمُوتُ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ
رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ} -إِلَى
قَوْلِهِ- {الشَّاكِرِينَ} [آل عمران: 144] وَقَالَ
وَاللَّهِ لَكَأَنَّ النَّاسَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ
اللَّهَ أَنْزَلَ هَذِهِ الآيَةَ حَتَّى تَلاَهَا
أَبُو بَكْرٍ فَتَلَقَّاهَا النَّاسُ مِنْهُ
كُلُّهُمْ، فَمَا أَسْمَعُ بَشَرًا مِنَ النَّاسِ
إِلاَّ يَتْلُوهَا، فَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ: وَاللَّهِ مَا هُوَ
إِلاَّ أَنْ سَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ تَلاَهَا،
فَعَقِرْتُ حَتَّى مَا تُقِلُّنِي رِجْلاَيَ وَحَتَّى
أَهْوَيْتُ إِلَى الأَرْضِ حِينَ سَمِعْتُهُ تَلاَهَا
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَدْ مَاتَ.
(قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب بالسند المذكور
(وحدثني) بالإفراد (أبو سلمة) بن عبد الرحمن (عن عبد
الله بن عباس) سقط قوله قال: الزهري وقوله عبد الله
لأبي ذر (أن أبا بكر) الصديق (خرج) أي من عند النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وعمر بن الخطاب
يكلم الناس) يقول لهم: ما مات رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. وعند ابن أبي شيبة أن
أبا بكر مرّ بعمر وهو يقول: ما مات رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولا يموت حتى يقتل الله
المنافقين. قال: وكانوا أظهروا الاستبشار ورفعوا
رؤوسهم (فقال) أبو بكر له: (أجلس يا عمر، فأبى عمر أن
يجلس فأقبل الناس إليه) ولأبي ذر عن الكشميهني: عليه
(وتركوا عمر فقال أبو بكر: أما بعد من) ولأبي ذر
والأصيلي فمن (كان منكم يعبد محمدًا -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
سقطت التصلية لأبي ذر (فإن محمدًا قد مات، ومن كان
منكم يعبد الله فإن الله حي لا يموت. قال الله تعالى:
{وما محمد إلا رسول قد خلت} مضت {من قبله الرسل} إلى
قوله: ({الشاكرين}) [آل عمران: 144] (وقال) ابن عباس:
(والله لكأن الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية
حتى تلاها أبو بكر فتلقاها الناس منه كلهم فما أسمع
بشرًّا من الناس إلا يتلوها).
وعند أحمد من رواية يزيد بن بابنوس بالموحدتين بينهما
ألف ثم نون مضمومة فواو ساكنة فمهملة عن عائشة: أن أبا
بكر حمد الله وأثنى عليه ثم قال: إن الله يقول {إنك
ميت وإنهم ميتون} [الزمر: 3] حتى فرغ من الآية ثم تلا:
{وما محمد إلا رسول} [آل عمران: 144] الآية. وقال فيه
قال عمر: أو إنها في كتاب الله ما شعرت أنها في كتاب
الله. وزاد ابن عمر عند ابن أبي شيبة: فاستبشر
المسلمون وأخذت المنافقين الكآبة قال ابن عمر: فكأنما
كانت على وجوهنا أغطية فكشفت.
قال الزهري:
(6/470)
بالسند السابق (فأخبرني) بالإفراد (سعيد بن
المسيب أن عمر) -رضي الله عنه- (قال: والله ما هو إلا
أن سمعت أبا بكر تلاها) أي آية آل عمران (فعقرت) بفتح
العين المهملة وكسر القاف وسكون الراء أي دهشت وتحيرت،
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي: فعقرت بضم العين أي
هلكت، ولأبي ذر عن الكشميهني: فقعرت بتقديم القاف
المضمومة على العين. قال ابن حجر: وهي خطأ (حتى ما
تقلني) بضم الفوقية وكسر القاف وتشديد اللام المضمومة
أي ما تحملني (رجلاي وحتى أهويت) سقطت (إلى الأرض حين
سمعته تلاها أن النبي) ولأبي ذر: علمت أن النبي
(-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد مات) وفيه
دلالة على شجاعة الصديق فإن الشجاعة حذها ثبوت القلب
عند حلول المصائب، ولا مصيبة أعظم من موت النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فظهرت عنده
شجاعته وعلمه.
4455 و 4456 و 4457 - حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ
أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،
عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ،
عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُتْبَةَ، عَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله
عنهم- أَنَّ أَبَا بَكْرٍ -رضي الله عنه- قَبَّلَ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بَعْدَ مَوْتِهِ. [الحديث 4456 - أطرافه في: 5709].
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (عبد الله بن أبي شيبة)
قال: (حدّثنا يحيى بن سعيد) القطان (عن سفيان) الثوري
(عن موسى بن أبي عائشة) الهمداني الكوفي (عن عبيد
الله) بضم العين (ابن عبد الله بن عتبة) بن مسعود (عن
عائشة وابن عباس) -رضي الله عنهم- (أن أبا بكر -رضي
الله عنه- قبل النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بعد موته) ولأبوي الوقت وذر بعدما مات،
وعند أحمد في رواية يزيد بن بابنوس عنها أتاه من قبل
رأسه فحدر فاه فقبل جبهته ثم قال: وانبياه، ثم رفع
رأسه فحدر فاه وقبّل جبهته ثم قال: واصفياه ثم رفع
رأسه وحدر فاه وقبّل جبهته وقال: واخليلاه.
4458 - حَدَّثَنَا عَلِيٌّ حَدَّثَنَا يَحْيَى،
وَزَادَ قَالَتْ عَائِشَةُ: لَدَدْنَاهُ فِي مَرَضِهِ،
فَجَعَلَ يُشِيرُ إِلَيْنَا
أَنْ "لاَ تَلُدُّونِي" فَقُلْنَا كَرَاهِيَةُ
الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ، فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ:
«أَلَمْ أَنْهَكُمْ أَنْ تَلُدُّونِي» قُلْنَا
كَرَاهِيَةَ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ فَقَالَ: «لاَ
يَبْقَى أَحَدٌ فِي الْبَيْتِ إِلاَّ لُدَّ» وَأَنَا
أَنْظُرُ إِلاَّ الْعَبَّاسَ فَإِنَّهُ لَمْ
يَشْهَدْكُمْ. رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ
هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، عَنِ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. [الحديث 4458 -
أطرافه في: 5712، 6866، 6897].
وبه قال: (حدّثنا علي) هو ابن المديني قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان بحديث عبد الله بن أبي شيبة الخ
(وزاد قالت عائشة: لددناه) بدالين مهملتين أي جعلنا
الدواء في أحد جانبي فمه بغير اختياره وكان الذي لدوه
به العود الهندي والزيت (في مرضه فجعل) عليه الصلاة
والسلام (يشير إلينا أن لا تلدوني فقلنا) هذا الامتناع
(كراهية المريض للدواء) برفع كراهية خبر مبتدأ محذوف،
وبالنصب لأبي ذر مفعولاً له أي نهانا لكراهية الدواء
(فلما أفاق قال: ألم أنهكم أن تلدوني) ولأبي ذر: أن
تلدّني (قلنا كراهية المريض للدواء. فقال) عليه الصلاة
والسلام:
(لا يبقى أحد في البيت. إلا لدّ وأنا أنظر) جملة حالية
أي لا يبقى أحد إلا لدّ في حضوري وحال نظري إليهم
قصاصًا لفعلهم وعقوبة لهم بتركهم امتثال نهيه عن ذلك
أما من باشر فظاهر وأما من لم يباشر فلكونهم تركوا
نهيه عما نهاهم عنه (إلا العباس فإنه لم يشهدكم) أي لم
يحضركم حال اللد.
(رواه) أي الحديث المذكور (ابن أبي الزناد) عبد الرحمن
مما وصله محمد بن سعد (عن هشام عن أبيه) عروة بن
الزبير (عن عائشة عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) ولفظ ابن سعد كانت تأخذ رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الخاصرة فاشتدت به فأغمي
عليه فلددناه فلما أفاق قال: "كنتم ترون أن الله يسلط
عليّ ذات الجنب ما كان الله ليجعل لها عليّ سلطانًا
والله لا يبقى أحد في البيت إلا لدّ فما بقي أحد في
البيت إلا لدّ" ولددنا ميمونة وهي صائمة وإنما أنكر
التداوي لأنه كان غير ملائم لذاته لأنهم ظنوا أن به
ذات الجنب فداووه بما يلائمها ولم يكن به ذلك.
4459 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ،
قَالَ: أَخْبَرَنَا أَزْهَرُ، قَالَ: أَخْبَرَنَا
ابْنُ عَوْنٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنِ الأَسْوَدِ،
قَالَ: ذُكِرَ عِنْدَ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَوْصَى إِلَى
عَلِيٍّ فَقَالَتْ: مَنْ قَالَهُ؟ لَقَدْ رَأَيْتُ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَإِنِّي لَمُسْنِدَتُهُ إِلَى صَدْرِي فَدَعَا
بِالطَّسْتِ فَانْخَنَثَ فَمَاتَ فَمَا شَعَرْتُ
فَكَيْفَ أَوْصَى إِلَى عَلِيٍّ.
وبه قال: (حدّثنا) ولأبي ذر: حدثني بالإفراد (عبد الله
بن محمد) الجعفي المسندي (قال: أخبرنا أزهر) بن سعد
السمان أبو بكر البصري (قال: أخبرنا ابن عون) عبد الله
الهلالي الخراز بمعجمة ثم مهملة وآخره زاي البغدادي
(عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) هو ابن يزيد النخعي
أنه (قال: ذكر) بضم المعجمة (عند عائشة أن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أوصى إلى عليّ)
أي بالخلافة كما زعمت الشيعة (فقالت: من قاله لقد رأيت
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإني
لمسندته إلى صدري فدعا بالطست) ليبزق فيه
(فانخنث) بالخاء المعجمة والمثلثة آخره أي استرخى ومال
إلى أحد شقيه (فمات فما شعرت فكيف أوصى إلى علي) -رضي
الله عنه-.
وهذا الحديث سبق في أوّل الوصايا.
4460 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا مَالِكُ
بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ طَلْحَةَ قَالَ: سَأَلْتُ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ أَبِي أَوْفَى -رضي الله عنهما- أَوْصَى
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ: لاَ، فَقُلْتُ كَيْفَ كُتِبَ عَلَى النَّاسِ
الْوَصِيَّةُ أَوْ أُمِرُوا بِهَا قَالَ: أَوْصَى
بِكِتَابِ اللَّهِ.
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:
(حدّثنا مالك بن مغول) بكسر الميم وسكون الغين المعجمة
وفتح الواو آخره لام (عن طلحة)
(6/471)
بن مصرف أنه (قال: سألت عبد الله بن أبي
أوفى -رضي الله عنهما- أوصى النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ فقال: لا). لم يوص بثلث ماله ولا
غيره ولا أوصى إلى علي ولا إلى غيره خلاف ما تزعمه
الشيعة (فقلت: كيف كتب) بضم الكاف وكسر التاء (على
الناس الوصية أو أمروا بها) بضم الهمزة (قال: أوصى
بكتاب الله) أي بما أمر فيه ومنه الأمر بالوصية.
والحديث مر في الوصايا.
4461 - حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا أَبُو
الأَحْوَصِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ عَمْرِو بْنِ
الْحَارِثِ، قَالَ: مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِينَارًا وَلاَ
دِرْهَمًا، وَلاَ عَبْدًا وَلاَ أَمَةً إِلاَّ
بَغْلَتَهُ الْبَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا
وَسِلاَحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا لاِبْنِ السَّبِيلِ
صَدَقَةً.
وبه قال: (حدّثنا قتيبة) بن سعيد قال: (حدّثنا أبو
الأحوص) سلام بتشديد اللام ابن سليم الحنفي (عن أبي
إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن عمرو بن الحارث)
بفتح العين أخي جويرية أم المؤمنين أنه (قال: ما ترك
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
دينارًا ولا درهمًا ولا عبدًا ولا أمة) في الرق وفيه
دلالة على أن من ذكر من رقيق النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في جميع الأخبار كان إما مات وإما
أعتقه (إلا بغلته البيضاء النبي كان يركبها وسلاحه)
وقد أخبر -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه لا
يورث وأن ما يخلفه صدقة (وأرضًا) بخيبر وفدك (جعلها)
في حياته (لابن السبيل صدقة).
4462 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ،
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ -رضي
الله عنه- قَالَ: لَمَّا ثَقُلَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- جَعَلَ يَتَغَشَّاهُ
فَقَالَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ -:
وَاكَرْبَ أَبَاهُ فَقَالَ لَهَا: «لَيْسَ عَلَى
أَبِيكِ كَرْبٌ بَعْدَ الْيَوْمِ». فَلَمَّا مَاتَ
قَالَتْ: يَا أَبَتَاهْ أَجَابَ رَبًّا دَعَاهُ يَا
أَبَتَاهْ مَنْ جَنَّةُ الْفِرْدَوْسِ مَأْوَاهُ يَا
أَبَتَاهْ إِلَى جِبْرِيلَ نَنْعَاهْ فَلَمَّا دُفِنَ
قَالَتْ فَاطِمَةُ - عَلَيْهَا السَّلاَمُ -: يَا
أَنَسُ أَطَابَتْ أَنْفُسُكُمْ أَنْ تَحْثُوا عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
التُّرَابَ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
حماد) هو ابن زيد (عن ثابت) البناني (عن أنس -رضي الله
عنه-) أنه (قال: لما ثقل النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أي اشتدّ به المرض (جعل يتغشاه)
الكرب (فقالت فاطمة) ابنته (عليها السلام: واكرب أباه)
بألف الندبة والهاء الساكنة للوقف والمراد بالكرب ما
كان عليه الصلاة والسلام يجده من شدة الموت، فقد كان
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فيما يصيب جسده
الشريف من الآلام كالبشر ليتضاعف أجره، وقول الزركشي:
إن في قولها هذا نظرًا، وقد رواه مبارك بن فضالة
واكرباه تعقب بأنه لا يدفع رواية البخاري مع صحتها
بمثل هذا لا سيما مع قوله (فقال) عليه الصلاة والسلام
(لها):
(ليس على أبيك كرب بعد) هذا (اليوم) إذ هو ذاهب إلى
حضرة الكرامة وهو يدل على أنها قالت: واكرب أباه كما
لا يخفى (فلما مات) صلوات الله وسلامه عليه (قالت: يا
أبتاه) أصله يا أبي والفوقية بدل من التحتية والألف
للندبة والهاء للسكت (أجاب ربا دعاه) إلى حضرته
القدسية (يا أبتاه من جنة الفردوس) بفتح ميم من مبتدأ
والخبر قوله (مأواه) منزله (يا أبتاه إلى جبريل ننعاه)
بإلى الجارة وننعاه بنونين الأولى مفتوحة والثانية
ساكنة، وزاد الطبراني في معجمه الكبير والدارمي في
مسنده يا أبتاه من ربه ما أدناه (فلما دفن) -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قالت فاطمة عليها
السلام: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا) بالمثناة
الفوقية المفتوحة والحاء المهملة الساكنة والمثلثة
المضمومة (على رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- التراب) سكت أنس عن جوابها رعاية لها ولسان
حال يقول: لم تطب أنفسنا بذلك إلا أنا قهرنا على فعل
ذلك امتثالاً لأمره -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وليس قولها: واكرب أباه من النياحة لأنه
عليه الصلاة والسلام أقرها عليه.
وهذا الحديث أخرجه ابن ماجه في الجنائز وقد عاشت فاطمة
بعده عليه الصلاة والسلام ستة أشهر فما ضحكت تلك المدة
وحق لها ذلك، وروي أنها قالت:
اغبر آفاق السماء وكوّرت ... شمس النهار وأظلم العصران
والأرض من بعد النبي كئيبة ... أسفا عليه كثيرة
الرجفان
فليبكه شرق البلاد وغربها ... ولتبكه مضر وكل يماني
قال السهيلي: وقد كان موته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خطبًا كالحًا ورزءًا لأهل الإسلام فادحًا
كادت تهدّ له الجبال وترجف الأرض وتكسف النيرات
لانقطاع خبر السماء مع ما آذن به موته عليه الصلاة من
إقبال الفتن السحم والحوادث الدهم والكرب المدلهمة،
فلولا ما أنزل الله من السكينة على المؤمنين، وأسرج في
قلوبهم من نور اليقين وشرح صدورهم من فهم كتابه المبين
لانقصمت الظهور وضاقت عن الكرب الصدور ولعاقهم الجزع
عن تدبير الأمور، ولقد كان
(6/472)
من قدم المدينة يومئذٍ من الناس إذا أشرفوا
عليها سمعوا لأهلها ضجيجًا، وللبكاء في أرجائها
عجيجًا، وحق ذلك لهم ولمن بعدهم، كما روي عن أبي ذؤيب
الهذلي قال: بلغنا أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عليل فاستشعرنا حزنًا وبت بأطول
ليلة لا ينجاب ديجورها ولا يطلع نورها، فظللت أقاسي
طولها حتى إذا كان قرب السحر أغفيت فهتف بي هاتف وهو
يقول:
خطب أجل أناخ بالإسلام ... بين النخيل ومعقد الآطام
قبض النبي محمد فعيوننا ... تهمى الدموع عليه بالتسجام
قال: فوثبت من نومي فزعًا فنظرت إلى السماء فلم أر إلا
سعدًا الذابح فتفاءلت به ذبحًا يقع في العرب، وعلمت أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قد قبض
فركبت ناقتي وسرت فقدمت المدينة ولأهلها ضجيج بالبكاء
كضجيج الحجيج فقلت: مه؟ فقالوا: قبض رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فجئت المسجد فوجدته
خاليًا فأتيت رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فوجدت بابه مرتجًا، وقيل: هو مسجى قد خلا
به أهله فقلت: أين الناس؟ فقيل: في سقيفة بني ساعدة
فجئتهم فتكلم أبو بكر -رضي الله عنه- فلله ذره من رجل
لا يطيل الكلام، ومدّ يده فبايعوه ورجع فرجعت معه
فشهدت الصلاة على النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- ودفنه.
84 - باب آخِرِ مَا تَكَلَّمَ النَّبِيُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(باب أخر ما تكلم به النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-).
4463 - حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ قَالَ يُونُسُ: قَالَ الزُّهْرِيُّ:
أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ فِي رِجَالٍ
مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ:
كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
يَقُولُ وَهْوَ صَحِيحٌ: «إِنَّهُ لَمْ يُقْبَضْ
نَبِيٌّ حَتَّى يَرَى مَقْعَدَهُ مِنَ الْجَنَّةِ،
ثُمَّ يُخَيَّرَ» فَلَمَّا نَزَلَ بِهِ وَرَأْسُهُ
عَلَى فَخِذِي غُشِيَ عَلَيْهِ، ثُمَّ أَفَاقَ
فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى سَقْفِ الْبَيْتِ، ثُمَّ
قَالَ: «اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى» فَقُلْتُ:
إِذًا لاَ يَخْتَارُنَا وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ
الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ وَهْوَ صَحِيحٌ،
قَالَتْ: فَكَانَتْ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا
«اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى».
وبه قال: (حدّثنا بشر بن محمد) بكسر الموحدة وسكون
الشين المعجمة المروزي قال: (حدّثنا) ولأبي ذر أخبرنا
(عبد الله) بن المبارك المروزي (قال يونس) بن يزيد
الأيلي: (قال الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب: (أخبرني)
بالإفراد (سعيد بن المسيب في رجال من أهل العلم) منهم
عروة بن الزبير كما في كتاب الرقاق (أن عائشة) -رضي
الله عنها- (قالت: كان النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يقول وهو صحيح): جملة حالية.
(إنه لم يقبض نبيّ حتى يرى مقعده من الجنة ثم يخير)
بين الدنيا والآخرة (فلما نزل به) المرض (ورأسه على
فخذي) ولأبي ذر عن الكشميهني: في فخذي (غشي عليه ثم
أفاق فأشخص) رفع (بصره إلى سقف البيت ثم قال: اللهم)
أسألك (الرفيق الأعلى فقلت: إذًا لا يختارنا وعرفت أنه
الحديث الذي كان يحدّثنا به وهو صحيح) وما فهمته عائشة
-رضي الله عنها- من قوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- "اللهم الرفيق الأعلى" إنه خير نظير فهم
أبيها -رضي الله عنهما- من قوله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- "إن عبدًا خيّره الله" إن العبد
المراد هو النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
حتى بكى (قالت: فكان) ولغير أبي ذر فكانت (آخر كلمة
تكلم بها اللهم الرفيق الأعلى).
وعند الحاكم من حديث أنس أن آخر كلمة تكلم بها "جلال
ربي الرفيع".
85 - باب وَفَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-
(باب) وقت (وفاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-).
4464 و 4465 - حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا
شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ
عَائِشَةَ وَابْنِ عَبَّاسٍ -رضي الله عنهم- أَنَّ
النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
لَبِثَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ
الْقُرْآنُ وَبِالْمَدِينَةِ عَشْرًا. [الحديث 4464 -
طرفه في: 4978].
وبه قال: (حدّثنا أبو نعيم) الفضل بن دكين قال:
(حدّثنا شيبان) بالشين المعجمة المفتوحة بعدها تحتية
ساكنة فموحدة مفتوحة ابن عبد الرحمن النحوي (عن يحيى)
بن أبي كثير (عن أبي سلمة) بن عبد الرحمن بن عوف (عن
عائشة وابن عباس -رضي الله عنهم- أن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لبث) بالموحدة المكسورة
والمثلثة أي مكث (بمكة عشر سنين) بعد أن فتر الوحي
ثلاث سنين كما قاله الشعبي (ينزل عليه القرآن
وبالمدينة عشرًا).
وبهذا يزول الإشكال، فإن ظاهره يقتضي أنه عليه الصلاة
والسلام عاش ستين سنة وهو يغاير المروي عن عائشة أنه
عاش ثلاثًا وستين، فإذا فرض ما بعد فترة الوحي ومجيء
الملك بيا أيها المدثر وضح وزال الإشكال، وهو مبنيّ
على ما وقع في تاريخ الإمام أحمد عن الشعبي أن مدة
فترة الوحي كانت ثلاث سنين، وبه جزم ابن إسحاق. وقال
السهيلي: جاء في بعض الروايات المسندة أن مدة الفترة
سنتان ونصف، وفي رواية أخرى أن مدة الرؤيا ستة أشهر،
فمن قال: مكث عشر سنين حذف مدة الرؤيا والفترة ومن
قال: ثلاث عشرة سنة أضافها اهـ.
وهذا معارض بما روي عن ابن عباس أن مدة الفترة
المذكورة كانت أيامًا، وحينئذٍ فلا يحتج بمرسل الشعبي
لا سيما ما عارضه. قال في الفتح: وقد
(6/473)
راجعت المنقول عن الشعبي في تاريخ الإمام
أحمد ولفظه من طريق داود بن أبي هند عن الشعبي: أنزلت
عليه النبوّة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوّته إسرافيل
ثلاث سنين فكان يعلمه الكلمة والشيء ولم ينزل عليه
القرآن على لسانه، فلما مضت ثلاث سنين قرن بنبوّته
جبريل فنزل عليه القرآن على لسانه عشرين سنة، وأخرجه
ابن أبي خيثمة من وجه آخر مختصرًا عن داود بلفظ: بعث
لأربعين، ووكل به إسرافيل ثلاث سنين، ثم وكل به جبريل
فعلى هذا يحسن بهذا المرسل إن ثبت الجمع بين القولين
في قدر إقامته بمكة بعد البعثة فقد قيل ثلاث عشرة،
وقيل عشرة ولا يتعلق ذلك بقدر مدة الفترة، وأما ما
رواه عمر بن شيبة أنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- عاش إحدى أو اثنتين وستين ولم يبلغ ثلاثًا
وستين فشاذ.
4466 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ،
حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ عُقَيْلٍ عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ
عَائِشَةَ -رضي الله عنها- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تُوُفِّيَ وَهْوَ
ابْنُ ثَلاَثٍ وَسِتِّينَ، قَالَ
ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ
الْمُسَيَّبِ مِثْلَهُ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن يوسف) التنيسي قال:
(حدّثنا الليث) بن سعد الإمام (عن عقيل) بضم العين ابن
خالد (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (عن عروة بن
الزبير) سقط ابن الزبير لأبي ذر (عن عائشة -رضي الله
عنها- أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- توفي وهو ابن ثلاث وستين) سنة. وهذا موافق
لقول الجمهور وجزم به سعيد بن المسيب ومجاهد والشعبي.
وقال أحمد: هو الثبت عندنا، وأكثر ما قيل في عمره أنه
خمس وستون أخرجه مسلم من طريق عمار بن أبي عمار عن ابن
عباس، ومثله لأحمد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس وجمع
بعضهم بين الروايات المشهورة بأن من قال: خمس وستون
جبرًا لكسر ولا يخفى ما فيه.
(قال ابن شهاب) الزهري بالإسناد السابق (وأخبرني)
بالإفراد (سعيد بن المسيب مثله) أي مثل المتن فقط أنه
ثلاث وستون.
86 - باب
هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة.
4467 - حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ،
عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ الأَسْوَدِ،
عَنْ عَائِشَةَ -رضي الله عنها- قَالَتْ: تُوُفِّيَ
النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ يَهُودِيٍّ
بِثَلاَثِينَ يَعْنِي صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ.
وبه قال: (حدّثنا قبيصة) بفتح القاف ابن عقبة قال:
(حدّثنا سفيان) الثوري (عن الأعمش) سليمان بن مهران
(عن إبراهيم) النخعي (عن الأسود) بن يزيد (عن عائشة
-رضي الله عنها-) أنها (قالت: توفي النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ودرعه) بكسر الدال وسكون
الراء (مرهونة) بالتأنيث لأن الدرع يذكر ويؤنث (عند
يهودي) يسمى أبا الشحم كما عند البيهقي وهو بفتح الشين
المعجمة وسكون الحاء المهملة (بثلاثين يعني صاعًا من
شعير) وعند النسائي والبيهقي أنه عشرون.
قال في الفتح: ولعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة
وألغاه أخرى. قال: ووقع لابن حبان من طريق شيبان عن
قتادة عن أنس أن قيمة الطعام كانت دينارًا، وزاد
المؤلّف في البيع إلى أجل، وفي صحيح ابن حبان أنه سنة،
وفي حديث أنس عند أحمد فما وجد ما يفتكها به، وذكر ابن
الطلاع في الأقضية النبوية أن أبا بكر أفتك الدرع بعد
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، واستدلّ
به على أن المراد بقوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- في حديث أبي هريرة مما صححه ابن حبان وغيره
"نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضي عنه من لم يترك عند
صاحب الدين ما يحصل له به الوفاء وإليه جنح الماوردي،
وسقط لأبي ذر قوله يعني صاعًا من شعير. قال في الفتح:
وجه إيراد هذا الحديث هنا الإشارة إلى أن ذلك من آخر
أحواله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
87 - باب بَعْثُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ -رضي الله عنهما-
فِي مَرَضِهِ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ
(باب بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- في مرضه الذي توفي
فيه).
4468 - حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ الضَّحَّاكُ بْنُ
مَخْلَدٍ، عَنِ الْفُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ،
حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ عَنْ سَالِمٍ عَنْ
أَبِيهِ، اسْتَعْمَلَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أُسَامَةَ - فَقَالُوا فِيهِ: -
فَقَالَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «قَدْ بَلَغَنِي أَنَّكُمْ قُلْتُمْ فِي
أُسَامَةَ وَإِنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ».
وبه قال: (حدّثنا أبو عاصم الضحاك بن مخلد) بفتح الميم
وسكون الخاء المعجمة (عن الفضيل بن سليمان) بضم الفاء
وفتح الضاد المعجمة قال: (حدّثنا موسى بن عقبة) الإمام
في المغازي (عن سالم عن أبيه) عبد الله بن عمر بن
الخطاب -رضي الله عنهم- أنه قال: (استعمل النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، أسامة) بن زيد
أميرًا (فقالوا: فيه) أي طعنوا في إمارته وقالوا:
يستعمل هذا الغلام أميرًا على المهاجرين (فقال النبي
عبه) بعد أن صعد المنبر خطيبًا:
(قد بلغني أنكم قلتم في أسامة) ما تطعنون به فيه (وإنه
أحب الناس) الذين طعنوا فيه (إليّ).
4469 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ حَدَّثَنَا مَالِكٌ
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بْنِ عُمَرَ -رضي الله عنهما- أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ
بَعْثًا وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ،
فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمَارَتِهِ فَقَامَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَقَالَ:
«إِنْ تَطْعُنُوا فِي إِمَارَتِهِ، فَقَدْ كُنْتُمْ
تَطْعُنُونَ فِي إِمَارَةِ أَبِيهِ مِنْ قَبْلُ،
وَايْمُ اللَّهِ إِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلإِمَارَةِ،
وَإِنْ كَانَ لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَىَّ وَإِنَّ
هَذَا لَمِنْ أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعْدَهُ».
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثنا)
ولأبي ذر حدثني بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الله
بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث بعثًا)
إلى أبنى لغزو الروم
(6/474)
مكان قتل زيد بن حارثة، فيه وجوه المهاجرين
والأنصار منهم أبو بكر وعمر (وأمر عليهم أسامة بن زيد)
فلما كان يوم الأربعاء بدأ برسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعه فحمّ وصدع، فلما أصبح يوم
الخميس عقد له لواء بيده الشريفة فخرج فدفعه إلى بريدة
الأسلمي وعسكر بالجرف (فطعن الناس في إمارته فقام رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) لما بلغه
وخرج وقد عصب رأسه وعليه قطيفة على المنبر خطيبًا
(فقال) بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
(إن تطعنوا في إمارته فقد كنتم تطعنون في إمارة أبيه)
زيد (من قبل وايم الله) بهمزة وصل (إن كان) زيد
(لخليقًا) بالخاء المعجمة والقاف أي لجديرا (للإمارة
وإن كان لمن أحب الناس إليّ وإن) ابنه (هذا لمن أحب
الناس إليّ بعده).
زاد أهل السير مما ذكره في عيون الأثر وغيره "فاستوصوا
به خيرًا فإنه من خياركم" ثم نزل عن المنبر فدخل بيته
يوم السبت لعشر خلون من ربيع الأول سنة إحدى عشرة،
وجاء المسلمون الذين يخرجون مع أسامة يودعون رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ويخرجون إلى
العسكر بالجرف، فاشتدّ برسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وجعه يوم الأحد، ودخل عليه أسامة
وهو مغمور فجعل يرفع يديه إلى السماء ثم يضعهما على
أسامة. قال أسامة: فعرفت أنه يدعو لي، ثم يصبح عليه
الصلاة والسلام مفيقًا يوم الاثنين فودعه أسامة، وخرج
إلى معسكره وأمر الناس بالرحيل، فبينا هو يريد الركوب
إذا رسول أم أيمن قد جاءه يقول: إن رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يموت، فلما توفي رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل
المسلمون الذين عسكروا بالجرف إلى المدينة ودخل بريدة
بلواء أسامة حتى أتى به باب رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فغرزه عند بابه، وكان رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لما اشتد وجعه
قال: "أنفذوا بعث أسامة" فلما بويع أبو بكر -رضي الله
عنه- أمر بريدة أن يذهب باللواء إلى بيت أسامة ليمضي
لوجهه فمضى به إلى معسكرهم الأوّل، وخرج أسامة هلال
ربيع الآخر سنة إحدى عشرة إلى أهل أبنى فشن عليهم
الغارة فقتل من أشرف له، وسبى من قدر عليه، وحرق
منازلهم ونخلهم، وقتل قاتل أبيه في الغارة، ثم رجع إلى
المدينة ولم يصب أحد من المسلمين، وخرج أبو بكر في
المهاجرين وأهل المدينة يتلقونه سرورًا، وكانت هذه
السرية آخر سرية جهزها النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وأول شيء جهزه أبو بكر -رضي الله عنه-،
وعند الواقدي أن عدة ذلك الجيش كانت ثلاثة آلاف منهم
سبعمائة من قريش، وعند ابن إسحاق أن أبا بكر لما جهز
أسامة سأله أن يأذن لعمر في الإقامة فأذن له.
88 - باب
هذا (باب) بالتنوين بغير ترجمة.
4470 - حَدَّثَنَا أَصْبَغُ قَالَ: أَخْبَرَنِي ابْنُ
وَهْبٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَمْرٌو، عَنِ ابْنِ أَبِي
حَبِيبٍ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنِ الصُّنَابِحِيِّ،
أَنَّهُ قَالَ لَهُ: مَتَى هَاجَرْتَ؟ قَالَ:
خَرَجْنَا مِنَ الْيَمَنِ مُهَاجِرِينَ فَقَدِمْنَا
الْجُحْفَةَ فَأَقْبَلَ رَاكِبٌ فَقُلْتُ لَهُ:
الْخَبَرَ؟ فَقَالَ: دَفَنَّا النَّبِيَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُنْذُ خَمْسٍ، قُلْتُ:
هَلْ سَمِعْتَ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ شَيْئًا؟ قَالَ:
نَعَمْ، أَخْبَرَنِي بِلاَلٌ مُؤَذِّنُ النَّبِيِّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنَّهُ فِي
السَّبْعِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ.
وبه قال: (حدّثنا أصبغ) بن الفرج أبو عبد الله المصري
(قال: أخبرني) بالإفراد (ابن وهب) عبد الله (قال:
أخبرني) بالإفراد أيضًا (عمرو) بفتح العين، ولأبي ذر
زيادة ابن الحارث (عن ابن أبي حبيب) يزيد أبي رجاء
المصري واسم أبي حبيب سويد (عن أبي الخير) مرثد بفتح
الميم والمثلثة بينهما راء ساكنة آخره دال مهملة ابن
عبد الله اليزني المصري (عن الصنابحي) بالصاد المهملة
المفتوحة والنون الخفيفة وبعد الألف موحدة مكسورة
بعدها حاء مهملة عبد الرحمن بن عسيلة بضم العين وفتح
السين المهملتين (أنه) أي أبا الخير (قال له) للصنابحي
(متى هاجرت) إلى المدينة؟ (قال: خرجنا من اليمن
مهاجرين) إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- (فقدمنا الجحفة) أحد مواقيت الإحرام (فأقبل
راكب) لم يعرف الحافظ ابن حجر اسمه (فقلت له الخبر)
بالنصب بفعل مقدر أي هات الخبر (فقال: دفنا النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- منذ خمس) قال أبو
الخير: (قلت): للصنابحي (هل سمعت في) تعيين (ليلة
القدر شيئًا؟ قال: نعم أخبرني) بالإفراد (بلال مؤذن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه) أي
تعيينها (في السبع) الكائن (في العشر الأواخر) أي من
رمضان ومبحث ليلة القدر مرّ في الصيام فليراجع.
89 - باب كَمْ غَزَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
هذا (باب) بالتنوين (كم غزا
(6/475)
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) وسقط لفظ باب لأبي ذر.
4471 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ،
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ:
سَأَلْتُ زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ -رضي الله عنه- كَمْ
غَزَوْتَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ، قُلْتُ
كَمْ غَزَا النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: تِسْعَ عَشْرَةَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني بالغين
المعجمة المضمومة وتخفيف الدال قال: (حدّثنا إسرائيل)
بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي (عن أبي إسحاق) عمرو
السبيعي أنه (قال: سألت زيد بن أرقم -رضي الله عنه-:
كم غزوت مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-)؟ غزوة (قال: سبع عشرة) غزوة بالموحدة بعد
السين (قلت: كم غزا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-؟ قال: تسع عشرة) غزوة بالفوقية قبل السين
ومراده الغزوات التي خرج فيها رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بنفسه سواء قاتل أو لم
يقاتل، لكن في رواية أبي يعلى وإسناد صحيح إنها إحدى
وعشرون ففات زيد بن أرقم اثنتان، ولعلهما الأبواء
وبواط، وكانت أوّل مغازيه العسير.
وفي طبقات ابن سعد بإسناده عن جماعة دخل حديث بعضهم في
بعض قالوا: كان عدد مغازي رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- التي غزاها بنفسه سبعًا وعشرين
غزوة، وكانت سراياه التي بعث فيها سبعًا وأربعين سرية،
وكان ما قاتل فيه من المغازي تسع غزوات بدر وأُحد
والمريسيع والخندق وقريظة وخيبر وفتح مكة وحنين
والطائف. قال: فهذا ما أجمع لنا عليه، وفي بعض
رواياتهم أنه قاتل في بني النضير ولكن الله جعلها له
نفلاً خاصة، وقاتل في غزاة وادي القرى منصرفه من خيبر
وقتل بعض أصحابه وقاتل في الغابة. وقال الحافظ ابن
حجر: وقرأت بخط مغلطاي أن مجموع الغزوات والسرايا مائة
قال: وهو كما قال.
4472 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَجَاءٍ،
حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ،
حَدَّثَنَا الْبَرَاءُ -رضي الله عنه- قَالَ: غَزَوْتُ
مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
خَمْسَ عَشْرَةَ.
وبه قال: (حدّثنا عبد الله بن رجاء) الغداني قال:
(حدّثنا إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق)
السبيعي أنه قال: (حدّثنا البراء) بن عازب (-رضي الله
عنه- قال: غزوت مع النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خمس عشرة) غزوة.
4473 - حَدَّثَنِي أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ،
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ حَنْبَلِ
بْنِ هِلاَلٍ، حَدَّثَنَا مُعْتَمِرُ بْنُ
سُلَيْمَانَ، عَنْ كَهْمَسٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ: غَزَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- سِتَّ عَشْرَةَ
غَزْوَةً.
وبه قال: (حدثني) بالإفراد (أحمد بن الحسن) بفتح الحاء
والسين الترمذي أحد حفاظ خراسان قال: (حدّثنا أحمد بن
محمد بن حنبل بن هلال) المروزي الشيباني قال: (حدّثنا
معتمر بن سليمان عن كهمس) بفتح الكاف وسكون الهاء وفتح
الميم بعدها سين مهملة ابن الحسن النمري البصري (عن
ابن بريدة) عبد الله (عن أبيه) بريدة بن حصيب بضم
الحاء وفتح الصاد المهملتين أنه (قال: غزا مع رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ست عشرة
غزوة) والله سبحانه وتعالى أعلم.
(6/476)
|