شرح القسطلاني
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري بسم الله الرحمن الرحيم
95 - كتاب أخبار الآحاد
(بسم الله الرحمن الرحيم).
1 - باب مَا جَاءَ فِى إِجَازَةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ
الصَّدُوقِ
فِى الأَذَانِ وَالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ وَالْفَرَائِضِ
وَالأَحْكَامِ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى:
{فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ
لِيَتَفَقَّهُوا فِى الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ
إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}
[التوبة: 122] وَيُسَمَّى الرَّجُلُ طَائِفَةً لِقَوْلِهِ
تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ
اقْتَتَلُوا} [الحجرات: 9] فَلَوِ اقْتَتَلَ رَجُلاَنِ
دَخَلَ فِى مَعْنَى الآيَةِ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنْ
جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: 6]
وَكَيْفَ بَعَثَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أُمَرَاءَهُ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ، فَإِنْ
سَهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ رُدَّ إِلَى السُّنَّةِ.
(باب ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق) أي العمل بقوله
(في) دخول وقت (الأذان و) الإعلام بجهة القبلة لأجل
(الصلاة و) طلوع الفجر أو غروب الشمس في (الصوم والفرائض)
من عطف العام على الخاص (والأحكام) جمع حكم وهو خطاب الله
تعالى المتعلق بأفعال المكلفين من حيث إنهم مكلفون وهو من
عطف العام على عام أخص منه لأن الفرائض فرد من الأحكام،
والمراد بالواحد هنا حقيقة الوحدة. وعند الأصوليين ما لم
يتواتر والتقييد بالصدق لا بدّ منه فلا يحتج بالكذوب
اتفاقًا أمَّا من لم يعرف حاله فثالثها يجوز إن اعتضد. قال
في الفتح: وسقطت البسملة لأبي ذر والقابسي والجرجاني،
وثبتت هنا قبل الباب في رواية كريمة والأصيلي، ويحتمل أن
يكون هذا من جملة أبواب الاعتصام فإنه من جملة متعلقاته
فلعل بعض من بيّض الكتاب قدمه عليه ووقع في بعض النسخ كتاب
خبر الواحد وليس بعده باب والذي عند الجميع بلفظ باب فيكون
من جملة كتاب الأحكام وهو واضح نعم في نسخة الصغاني كتاب
أخبار الآحاد ثم قال باب ما جاء الخ.
(وقول الله تعالى) بالجر عطفًا على السابق وسقطت الواو
لغير أبي ذر فقول رفع ({فلولا}) فهلا ({نفر من كل فرقة
منهم طائفة}) أي من كل جماعة كثيرة جماعة قليلة منهم
يكفونهم النفير ({ليتفقهوا في الدين}) ليتكلفوا الفقاهة
فيه ويتجشموا المشاق في تحصيلها ({ولينذروا قومهم})
وليجعلوا مرمى همتهم إلى التفقه إنذار قومهم إرشادهم ({إذا
رجعوا إليهم}) دون الأغراض الخسيسة من التصدر والترؤس
والتشبه بالظلمة في المراكب والملابس ({لعلهم يحذرون}
[التوبة: 122]) ما يجب اجتنابه واستدلّ به على أن أخبار
الآحاد يلزم بها العمل لأن عموم كل فرقة يقتضي أن ينفر من
كل ثلاثة تفردوا بقرية طائفة إلى التفقه لتنذر فرقتها كي
يتذكروا ويحذروا، فلو لم تعتبر الأخبار ما لم تتواتر لم
يفد ذلك وسقط لغير كريمة قوله ليتفقهوا الخ. وقال بعد
قوله: {طائفة} الآية.
قال البخاري: (ويسمى الرجل) الواحد (طائفة لقوله تعالى:
{وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا} [الحجرات: 9] فلو اقتتل
رجلان) ولأبي ذر عن الكشميهني الرجلان (دخلا في معنى
الآية) لإطلاق الطائفة على الواحد، وبهذا احتج إمامنا
الشافعي وقبله ابن مجاهد وعن ابن عباس وغيره أن لفظ
الطائفة يتناول الواحد فما فوقه ولا يختص بعدد معين وعن
ابن عباس أيضًا من أربعة إلى أربعين وعن عطاء اثنان
فصاعدًا.
(وقوله تعالى: {إن جاءكم فاسق بنبأ}) بخبر وتنكير الفاسق
والنبأ للتعميم كأنه قال أيّ فاسق جاءكم بأي نبأ
({فتبينوا} [الحجرات: 6]) فتوقفوا فيه وتطلبوا بيان الأمر
وانكشاف الحقيقة ولا تعتمدوا قول الفاسق، لأن من لا يتحامى
جنس الفسوق لا يتحامى الكذب الذي هو نوع منه. وفي الآية
دليل على قبول خبر الواحد العدل لأنّا لو توقفنا في خبره
لسوّينا بينه وبين الفاسق ولخلا التخصيص به عن الفائدة.
وقال ابن كثير: ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول
مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر وقبله آخرون لأنّا
إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق، وهذا ليس بمحقق الفسق
لأنه مجهول الحال.
(وكيف بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
أمراءه) جمع أمير ولأبي ذر عن الكشميهني أمراء بحذف الضمير
إلى الجهات (واحدًا بعد واحد) فلو لم يكن خبر الواحد
مقبولاً لما كان في إرساله معنى، وإنما أرسل آخر بعد
الأوّل مع كون خبره مقبولاً ليذكره عند السهو
(10/286)
كما قال (فإن سها أحد منهم) أي من العلماء
المبعوثين (ردّ) بضم الراء مبنيًّا للمفعول (إلى
السُّنّة). أي الطريقة المحمدية الشاملة للواجب والمندوب
وغيرهما.
7246 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْوَهَّابِ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، عَنْ أَبِى
قِلاَبَةَ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ بْنُ الحُوَيْرِثْ قَالَ:
أَتَيْنَا النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَنَحْنُ شَبَبَةٌ مُتَقَارِبُونَ، فَأَقَمْنَا عِنْدَهُ
عِشْرِينَ لَيْلَةً وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَفِيقًا، فَلَمَّا ظَنَّ
أَنَّا قَدِ اشْتَهَيْنَا أَهْلَنَا أَوْ قَدِ اشْتَقْنَا
سَأَلَنَا عَمَّنْ تَرَكْنَا بَعْدَنَا،
فَأَخْبَرْنَاهُ قَالَ: «ارْجِعُوا إِلَى أَهْلِيكُمْ
فَأَقِيمُوا فِيهِمْ، وَعَلِّمُوهُمْ وَمُرُوهُمْ»
وَذَكَرَ أَشْيَاءَ أَحْفَظُهَا أَوْ لاَ أَحْفَظُهَا
«وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى، فَإِذَا
حَضَرَتِ الصَّلاَةُ فَلْيُؤَذِّنْ لَكُمْ أَحَدُكُمْ،
وَلْيَؤُمَّكُمْ أَكْبَرُكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن المثنى) العنزي الحافظ قال:
(حدّثنا عبد الوهاب) بن عبد المجيد الثقفي قال: (حدّثنا
أيوب) السختياني (عن أبي قلابة) بكسر القاف عبد الله بن
زيد الجرمي أنه قال: (حدّثنا مالك بن الحويرث) بضم الحاء
المهملة آخره مثلثة مصغرًا حجازي سكن البصرة ومات بها -رضي
الله عنه-، وثبت قوله ابن الحويرث في رواية أبي ذر أنه
(قال: أتينا النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
وافدين عليه (ونحن شببة) بمعجمة وموحدتين مفتوحات جمع شاب
وهو من كان دون الكهولة (متقاربون) أي في السن أو في
القراءة كما في مسلم أو في العلم كما في أبي داود (فأقمنا
عنده عشرين ليلة، وكان رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- رفيقًا) بفاء وقاف من الرفق، وفي مسلم رقيقًا
بقافين وكذا هو عند بعض رواة البخاري وهو من الرقة (فلما
ظن أنّا قد اشتهينا أهلنا) بفتح اللام أزواجنا أو أعمّ
ولأبي ذر عن الكشميهني أهلينا بكسر اللام وزيادة تحتية
ساكنة بعدها (أو) قال (قد اشتقنا سألنا) بفتح اللام
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عمن تركنا بعدنا
فأخبرناه) بذلك (قال):
(ارجعوا إلى أهليكم) بفتح الهمزة وسكون الهاء وكان ذلك بعد
الفتح وقد انقطعت الهجرة والمقام بالمدينة راجع إلى اختيار
الوافد إليها (فأقيموا فيهم وعلّموهم) شرائع الإسلام
(ومروهم) بالإتيان بالواجبات والاجتناب عن المحرمات قال
أبو قلابة (وذكر) مالك بن الحويرث (أشياء أحفظها أو لا
أحفظها) ليس بشك بل تنويع ومن جملة الأشياء التي حفظها أبو
قلابة عن مالك قوله عليه الصلاة والسلام: (وصلّوا كما
رأيتموني أصلّي فإذا حضرت الصلاة) أي دخل وقتها (فليؤذّن
لكم أحدكم وليؤمّكم) في الصلاة (أكبركم) في الفضل أو في
السن عند التساوي في الفضيلة.
ومطابقة الحديث للترجمة في قوله: فليؤذّن لكم أحدكم لأن
أذان الواحد يؤذِن بدخول الوقت والعمل به.
والحديث سبق بعين هذا المتن والإسناد في باب الأذان
للمسافر من كتاب الصلاة.
7247 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، عَنْ يَحْيَى، عَنِ
التَّيْمِىِّ، عَنْ أَبِى عُثْمَانَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-: «لاَ يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ أَذَانُ بِلاَلٍ
مِنْ سَحُورِهِ، فَإِنَّهُ يُؤَذِّنُ -أَوْ قَالَ:
يُنَادِى- لِيَرْجِعَ قَائِمَكُمْ، وَيُنَبِّهَ
نَائِمَكُمْ وَلَيْسَ الْفَجْرُ أَنْ يَقُولَ هَكَذَا»
وَجَمَعَ يَحْيَى كَفَّيْهِ حَتَّى يَقُولَ: هَكَذَا
وَمَدَّ يَحْيَى إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَتَيْنِ.
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد (عن يحيى) بن سعيد
القطان (عن التيمي) سليمان بن طرخان (عن أبي عثمان) عبد
الرحمن النهدي بفتح النون وسكون الهاء (عن ابن
مسعود) عبد الله -رضي الله عنه- أنه (قال: قال رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لا يمنعن أحدكم أذان بلال من) أكل (سحوره) بفتح السين
(فإنه يؤذّن أو قال ينادي بليل) أي فيه (ليرجع) بفتح
المثناة التحتية وسكون الراء وكسر الجيم المخففة من رجع
ثلاثيًّا أي ليردّ (قائمكم) بالرفع وفي اليونينية قائمكم
بالفتح مصلحًا على كشط مصححًا عليها وليرجع بفتح أوله،
وقوله في التنقيح وحكى فيه ثعلب أرجعت رباعيًّا فعلى هذا
يضم أوله، وتعقبه في التوضيح فقال: إن أراد مطلقًا حتى
يدخل فيه هذا الحديث فيفتقر إلى ثبوت رواية فيه بالضم،
وإلاّ فليس في نسخ البخاري إلا الفتح على ما أفهمه كلام
الشارحين وإن أراد غير ذلك فليس مما نحن بصدده اهـ.
وفي الفرع كأصله عن أبي ذر: ليرجع بضم حرف المضارعة وفتح
الراء وتشديد الجيم مكسورة ومفتوحة في اليونينية قائمكم
بالنصب على المفعولية، والمراد به القائم في التهجد يعني
لينام تلك اللحظة ليصبح نشيطًا أو ليتسحر إن أراد الصوم.
(وينبه) يوقظ (نائمكم) ليستعد للصلاة (وليس الفجر أن يقول)
أن يظهر (هكذا) مستطيلاً غير منتشر وهو الفجر الكاذب (وجمع
يحيى) بن سعيد القطان (كفيه حتى يقول) يظهر (هكذا ومدّ
يحيي) القطان المذكور (إصبعيه السبابتين) أي حتى يصير
مستطيلاً منتشرًا في الأفق ممدودًا من الطرفين اليمين
والشمال وهو الفجر الصادق وفيه إطلاق القول على الفعل.
والحديث سبق في باب الأذان قبل الفجر من أبواب الأذان
ومطابقته للترجمة في قوله: لا يمنعن أحدكم أذان بلال من
سحوره فإنه مخبر أن الوقت الذي أذّن فيه من الليل حتى يجوز
التسحر فيه
(10/287)
وهو خبر واحد صدوق.
7248 - حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ
اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عُمَرَ - رضى الله عنهما - عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: «إِنَّ بِلاَلاً
يُنَادِى بِلَيْلٍ، فَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يُنَادِىَ
ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ».
وبه قال: (حدّثنا موسى بن إسماعيل) التبوذكي قال: (حدّثنا
عبد العزيز بن مسلم) القسملي البصري قال: (حدّثنا عبد الله
بن دينار) المدني مولى ابن عمر (قال: سمعت عبد الله بن
عمر) بن الخطاب (-رضي الله عنهما- عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) أنه (قال):
(إن بلالاً ينادي) أي يؤذّن (بليل فكلوا واشربوا حتى ينادي
ابن أم مكتوم) عبد الله، وقيل عمرو بن قيس القرشي العامري
الأعمى واسم أم مكتوم عاتكة بنت عبد الله.
ومطابقته للترجمة في قوله إن بلالاً ينادي بليل كما تقرر
في السابق. والحديث سبق أيضًا في الأذان.
7249 - حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ عُمَرَ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ
عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: صَلَّى بِنَا
النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظُّهْرَ
خَمْسًا، فَقِيلَ: أَزِيدَ فِى الصَّلاَةِ قَالَ: «وَمَا
ذَاكَ»؟ قَالُوا: صَلَّيْتَ خَمْسًا فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ
بَعْدَ مَا سَلَّمَ.
وبه قال: (حدّثنا حفص بن عمر) بن غياث قال: (حدّثنا شعبة)
بن الحجاج (عن الحكم) بفتحتين ابن عتيبة بضم العين وفتح
الفوقية مصغرًا (عن إبراهيم) النخعي (عن علقمة) بن قيس (عن
عبد الله) بن مسعود -رضي الله عنه- أنه (قال: صلّى بنا
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الظهر خمسًا)
أي خمس ركعات (فقيل) له لما سلّم يا رسول الله (أزيد في
الصلاة) ركعة؟ (قال) عليه الصلاة والسلام:
(وما ذاك)؟ أي وما سؤالكم عن الزيادة في الصلاة (قالوا:
صليت خمسًا فسجد) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
(سجدتين) للسهو (بعدما سلّم) لتعذر السجود قبله لعدم علمه
بالسهو وعبّر هنا بقوله: قالوا صليت بلفظ الجمع، وفي باب
إذا صلّى خمسًا من طريق أبي الوليد هشام عن شعبة قال: صليت
خمسًَا بلفظ الإفراد، وبهذا تحصل المطابقة بين الحديث
والترجمة هنا إذ الحديثان حديث واحد عن صحابي واحد في
حادثة واحدة، وقد صدقه النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وعمل بإخباره لكونه صدوقًا عنده، ولم يقف
الحافظ ابن حجر على تسمية من واجهه -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بذلك.
7250 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ
أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
انْصَرَفَ مِنِ اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ:
أَقَصُرَتِ الصَّلاَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ نَسِيتَ؟
فَقَالَ: «أَصَدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ»؟ فَقَالَ النَّاسُ:
نَعَمْ. فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثُمَّ
سَلَّمَ، ثُمَّ كَبَّرَ، ثُمَّ سَجَدَ مِثْلَ سُجُودِهِ
أَوْ أَطْوَلَ ثُمَّ رَفَعَ ثُمَّ كَبَّرَ، فَسَجَدَ
مِثْلَ سُجُودِهِ ثُمَّ رَفَعَ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني)
بالإفراد (مالك) الإمام الأعظم ابن أنس الأصبحي (عن أيوب)
السختياني (عن محمد) أي ابن سيرين (عن أبي هريرة) -رضي
الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- انصرف من انثتين) ركعتين أي من إحدى صلاتي
العشيّ كما في الرواية الأخرى (فقال له ذو اليدين):
الخرباق وكان في يديه طول (أقصرت الصلاة) بهمزة الاستفهام
الاستخباري وفتح القاف وضم الصاد المهملة (يا رسول الله أم
نسيت؟ فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للناس:
(أصدق ذو اليدين)؟ فيما قاله والهمزة للاستفهام (فقال
الناس: نعم) صدق (فقام رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) أي أحرم ثم جلس ثم قام (فصلّى ركعتين أخريين)
بتحتيتين بعد الراء فنون (ثم سلّم ثم كبّر ثم سجد) وكان
سجوده (مثل سجوده) الذي للصلاة (أو أطول) منه شك من الراوي
(ثم رفع ثم كبَّر فسجد) سجودًا (مثل سجوده) للصلاة فهو نعت
لمصدر محذوف أو هو حال أي سجد السجود في حال كونه مثل
سجوده فهو حال من المصدر بعد إضماره (ثم رفع) من سجوده ثم
سلّم من غير أن يتشهد.
ومطابقته ظاهرة لأنه عمل بخبر ذي اليدين وهو واحد وإنما
قال: أصدق ذو اليدين لاستثبات خبره لكونه انفرد دون من
صلّى معه لاحتمال خطئه في ذلك ولا يلزم منه ردّ خبره
مطلقًا، وهذا على قول من يرى رجوع الإمام في السهو إلى
إخبار من يفيد خبره العلم عنده وهو رأي البخاري، ولذلك
أورد الخبرين هنا بخلاف من يحمل الأمر على أنه تذكر فلا
يتجه إيراده في هذا المحل قاله في الفتح، وسبق في السهو في
باب من لم يتشهد في سجدتي السهو.
7251 - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، حَدَّثَنِى مَالِكٌ، عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ
عُمَرَ قَالَ: بَيْنَا النَّاسُ بِقُبَاءٍ فِى صَلاَةِ
الصُّبْحِ إِذْ جَاءَهُمْ آتٍ فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَدْ
أُنْزِلَ عَلَيْهِ اللَّيْلَةَ قُرْآنٌ، وَقَدْ أُمِرَ
أَنْ يَسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةَ فَاسْتَقْبِلُوهَا،
وَكَانَتْ وُجُوهُهُمْ إِلَى الشَّأْمِ فَاسْتَدَارُوا
إِلَى الْكَعْبَةِ.
وبه قال: (حدّثنا إسماعيل) بن أبي أويس قال: (حدّثني)
بالإفراد (مالك) الإمام (عن عبد الله بن دينار) المدني
(عن) مولاه (عبد الله بن عمر) -رضي الله عنهما- أنه (قال:
بينا) بغير ميم (الناس بقباء) بالهمز والمدّ منصرف على أنه
مذكر ويجوز المنع من الصرف بتأويل البقعة ويجوز فيه القصر
وبين ظرف والناس مبتدأ أو بقباء متعلق بالخبر أي مستقرون
بقباء (في صلاة الصبح) ولأبي ذر عن الحموي والمستملي:
الفجر (إذ جاءهم آت) هو عباد بن بشر وإذ هنا للمفاجأة كإذا
وآت اسم فاعل من أتى يأتي صفة لموصوف محذوف أي رجل (فقال:
(10/288)
إن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قد أنزل عليه الليلة قرآن) يريد قوله تعالى:
{قد نرى تقلُّب وجهك في السماء} [البقرة: 144] الآيات.
(وقد أُمر) بضم الهمزة فيهما عليه الصلاة والسلام (أن
يستقبل الكعبة فاستقبلوها) بكسر الموحدة فيهما على الأمر
في الثاني وتفتح فيه على الخبر وضمير الفاعل على كسرها
لأهل قباء وعلى فتحها عليهم أو على أصحاب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المصلّين معه (وكانت وجوههم
إلى الشأم فاستداروا إلى الكعبة) بأن تحوّل الإمام من
مكانه في مقدم المسجد إلى مؤخره ثم تحولت الرجال حتى صاروا
خلفه وتحولت النساء حتى صرن خلف الرجال ولم تتوالَ خطاهم
عند التحويل بل وقعت مفرقة.
والحديث سبق في الصلاة ومطابقته في قوله: إذ أتاهم آتٍ لأن
الصحابة قد عملوا بخبره واستداروا إلى الكعبة.
7252 - حَدَّثَنَا يَحْيَى، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ، عَنْ
إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ
قَالَ: لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمَدِينَةَ صَلَّى نَحْوَ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا،
وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يُوَجَّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ،
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ
وَجْهِكَ فِى السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً
تَرْضَاهَا} [البقرة: 144] فَوُجِّهَ نَحْوَ الْكَعْبَةِ
وَصَلَّى مَعَهُ رَجُلٌ الْعَصْرَ، ثُمَّ خَرَجَ فَمَرَّ
عَلَى قَوْمٍ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَالَ: هُوَ يَشْهَدُ
أَنَّهُ صَلَّى مَعَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وَأَنَّهُ قَدْ وُجِّهَ إِلَى الْكَعْبَةِ
فَانْحَرَفُوا وَهُمْ رُكُوعٌ فِى صَلاَةِ الْعَصْرِ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى) بن موسى البلخي قال: (حدّثنا وكيع)
هو ابن الجراح (عن إسرائيل) بن يونس (عن) جده (أبي إسحاق)
عمرو بن عبد الله السبيعي (عن البراء) بن عازب -رضي الله
عنه- أنه (قال: لما قدم رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- المدينة) في الهجرة من مكة (صلّى نحو)
أي جهة (بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهرًا) من الهجرة
(وكان) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (يحب أن يوجه)
بضم التحتية وفتح الجيم مشددة مبنيًّا للمفعول أي يؤمر
بالتوجه (إلى الكعبة فأنزل الله تعالى: {قد نرى تقلّب وجهك
في السماء}) أي تردد وجهك وتصرف نظرك في جهة السماء وكان
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يتوقع من ربه أن
يحوله إلى الكعبة موافقة لإبراهيم ومخالفة لليهود لأنها
أدعى للعرب إلى الإيمان لأنها مفخرتهم ومطافهم ومزارهم
({فلنولينك}) فلنعطينك ولنمكننك من استقبالها أو فلنجعلنك
تلي سمتها دون سمت بيت المقدس ({قبلة ترضاها}) تحبها وتميل
إليها لأغراضك الصحيحة التي أضمرتها ووافقت مشيئة الله
وحكمته (فوجه) بضم الواو وكسر الجيم (نحو الكعبة وصلى معه
رجل) اسمه عباد بن بشر كما عند ابن بشكوال أو عباد بن نهيك
(العصر). ولا تنافي بين قوله هنا العصر وقوله في السابقة
الصبح بقباء لأن العصر ليوم التوجه بالمدينة والصبح لأهل
قباء في اليوم الثاني (ثم خرج فمرّ على قوم من الأنصار)
يصلّون العصر نحو بيت المقدس (فقال: هو يشهد أنه صلّى مع
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهذا على طريق
التجريد جرّد من نفسه شخصًا أو على طريق الالتفات أو نقل
الراوي كلامه بالمعنى (وأنه) عليه الصلاة والسلام (قد وجه)
بضم الواو وكسر الجيم (إلى الكعبة فانحرفوا وهم ركوع في
صلاة العصر). نحو الكعبة.
والحديث سبق في باب التوجه نحو القبلة من الصلاة ومطابقته
ظاهرة. وقال في مصابيح الجامع فإن قلت: إن كان مقصود
البخاري أن يثبت قبول خبر الواحد بهذا الخبر الذي هو خبر
الواحد فإن ذلك إثبات الشيء بنفسه. وأجاب: بأنه إنما
مقصوده التنبيه على مثال من أمثلة قبولهم خبر الواحد ليضم
إليه أمثالاً لا تحصى فثبت بذلك القطع بقبولهم لخبر الواحد
قال: ثم مما يتعلق بالكلام على هذا الحديث وهو استقبال أهل
قباء إلى الكعبة عند مجيء الآتي لهم وهم في صلاة الصبح
لأنه عليها السلام أمر أن يستقبل الكعبة أن نسخ الكتاب
والسُّنَّة المتواترة بخبر الواحد هل يجوز أولاً الأكثرون
على المنع لأن المقطوع لا يزال بالمظنون فنقل عن الظاهرية
به جواز ذلك واستدلّ للجواز بهذا الحديث، ووجه الدليل أنهم
قد عملوا بخبر الواحد ولم ينكر عليهم النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
قال ابن دقيق العيد: وفي هذا الاستدلال عندي مناقشة فإن
المسألة مفروضة في نسخ الكتاب والسُّنَّة المتواترة بخبر
الواحد ويمتنع في العادة أهل قباء مع قربهم منه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وإتيانهم إليه وتيسر مراجعتهم
له أن يكون مستندهم في الصلاة إلى بيت المقدس خبرًا عنه
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مع طول المدة ستة عشر
شهرًا من غير مشاهدة لفعله أو مشافهة من قوله. قال البدر
الدماميني: ليس الكلام في صلاتهم إلى بيت المقدس مع طول
المدة
(10/289)
وإنما هو في الصلاة التي استداروا في
أثنائها إلى الكعبة بمجرد إخبار الصحابي الواحد لهم بتحويل
القبلة، ولم ينكر عليهم ذلك النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وهذا هو الذي
استدلوا به فيما يظهر والشيخ أي ابن دقيق العيد لم يدفعه
ثم أطال الكلام -رحمه الله- في ذلك بما هو مسطور في شرح
العمدة فليراجع.
7253 - حَدَّثَنِى يَحْيَى بْنُ قَزَعَةَ، حَدَّثَنِى
مَالِكٌ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِى
طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رضى الله عنه -
قَالَ: كُنْتُ أَسْقِى أَبَا طَلْحَةَ الأَنْصَارِىَّ
وَأَبَا عُبَيْدَةَ بْنَ الْجَرَّاحِ وَأُبَىَّ بْنَ
كَعْبٍ شَرَابًا مِنْ فَضِيخٍ وَهْوَ تَمْرٌ فَجَاءَهُمْ
آتٍ فَقَالَ: إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ فَقَالَ
أَبُو طَلْحَةَ: يَا أَنَسُ قُمْ إِلَى هَذِهِ الْجِرَارِ
فَاكْسِرْهَا قَالَ أَنَسٌ: فَقُمْتُ إِلَى مِهْرَاسٍ
لَنَا فَضَرَبْتُهَا بِأَسْفَلِهِ حَتَّى انْكَسَرَتْ.
وبه قال: (حدّثني) بالإفراد، ولأبي ذر: حدّثنا (يحيى بن
قزعة) بفتح القاف والزاي والعين المهملة المكي المؤذن قال:
(حدّثني) بالإفراد (مالك) الإمام (عن إسحاق بن عبد الله بن
أبي طلحة عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-) أنه (قال: كنت
أسقي أبا طلحة) زيد بن سهل (الأنصاري وأبا عبيدة بن
الجراح) عامر بن عبد الله بن الجراح (وأبيّ بن كعب)
الأنصاري (شرابًا من فضيخ) بفاء مفتوحة فضاد معجمة مكسورة
فتحتية ساكنة فحاء معجمة (وهو) أي الفضيخ (تمر) مفضوخ أي
مكسور يتخذ منه ذاك الشراب (فجاءهم آتٍ) فاعل وعلامة الرفع
ضمة مقدرة ولم يقف الحافظ ابن حجر على اسم هذا الآتي
(فقال: إن الخمر قد حرمت فقال أبو طلحة) لي: (يا أنس قم
إلى هذه الجرار) التي فيها شراب الفضيخ (فاكسرها. قال أنس)
-رضي الله عنه- (فقمت إلى مهراس لنا) بكسر الميم وسكون
الهاء آخره سين مهملة (فضربتها بأسفله حتى انكسرت) وفي باب
نزل تحريم الخمر فأهرقها فأهرقتها.
ومطابقته للترجمة ظاهرة وفي بعض طرق الحديث فوالله ما
سألوا عنها ولا راجعوها بعد خبر الرجل. قال في الفتح: وهو
حجة قوية في قبول خبر الواحد لأنهم أثبتوا به نسخ الشيء
الذي كان مباحًا حتى أقدموا من أجله على تحريمه والعمل
بمقتضى ذلك.
7254 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ، عَنْ صِلَةَ، عَنْ
حُذَيْفَةَ أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قَالَ لأَهْلِ نَجْرَانَ: «لأَبْعَثَنَّ
إِلَيْكُمْ رَجُلاً أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ» فَاسْتَشْرَفَ
لَهَا أَصْحَابُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فَبَعَثَ أَبَا عُبَيْدَةَ.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الإمام أبو أيوب الواشحي
البصري قاضي مكة قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي
إسحاق) عمرو بن عبد الله السبيعي (عن صلة) بكسر الصاد
المهملة وفتح اللام مخففة ابن زفر العبسي (عن حذيفة) بن
اليمان -رضي الله عنه- (أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- قال لأهل نجران) بفتح النون وسكون الجيم بلد
باليمن وقد كانوا سألوه أن يبعث معهم رجلاً أمينًا:
(لأبعثن إليكم رجلاً أمينًا حق أمين). فيه توكيد والإضافة
نحو: إن زيد العالِم حق عالِم
وجدّ عالِم أي عالِم حقًّا وجدًّا يعني عالِم يبالغ في
العلم جدًّا (فاستشرف) أي تطلع (لها) ورغب فيها حرصًا على
الوصف بالأمانة (أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فبعث) لهم (أبا عبيدة) بن الجراح والوصف
بالأمانة وإن كان في الكل لكنه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- خصّ بعضهم بوصف يغلب عليه كما في وصف عثمان
بالحياء.
والحديث سبق في مناقب أبي عبيدة وفي المغازي.
7255 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ خَالِدٍ، عَنْ أَبِى قِلاَبَةَ، عَنْ
أَنَسٍ - رضى الله عنه - قَالَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ، وَأَمِينُ
هَذِهِ الأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
شعبة) بن الحجاج (عن خالد) هو ابن مهران الحذاء البصريّ
(عن أبي قلابة) عبد الله بن زيد (عن أنس -رضي الله عنه-)
أنه قال (قال النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(لكل أمة أمين وأمين هذه الأمة) المحمدية (أبو عبيدة) بن
الجراح.
والحديث سبق في مناقبه أيضًا وأوردهُ هنا مناسبة لسابقه
فيكون مناسبًا للترجمة لأن المناسب للمناسب للشيء مناسب
لذلك الشيء.
7256 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا
حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ
عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ
- رضى الله عنهم - قَالَ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ
إِذَا غَابَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدْتُهُ أَتَيْتُهُ بِمَا
يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-، وَإِذَا غِبْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَشَهِدَ أَتَانِى بِمَا
يَكُونُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
حماد بن زيد) بفتح الحاء وتشديد الميم وزيد من الزيادة ابن
درهم الإمام أبو إسماعيل الأزدي الأزرق (عن يحيى بن سعيد)
الأنصاري (عن عبيد بن حسين) بضم العين والحاء المهملتين
فيهما مصغرين مولى زيد بن الخطاب (عن ابن عباس عن عمر -رضي
الله عنه-) أنه (قال: وكان رجل من الأنصار) اسمه أوس بن
خولى (إذا غاب عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وشهدته) أي حضرته (أتيته بما يكون من رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) من أقواله وأفعاله
وأحواله (وإذا غبت عن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وشهد) هو ولأبي ذر عن المستملي والكشميهني
وشهده أي حضر ما يكون عنده (أتاني بما يكون من رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-).
والحديث سبق بتمامه في تفسير سورة التحريم، وفي باب
التناوب في العلم من كتاب العلم، ويستفاد
(10/290)
منه أن عمر -رضي الله عنه- كان يقبل خبر
الشخص الواحد.
7257 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ،
حَدَّثَنَا غُنْدَرٌ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
زُبَيْدٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ
عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ
عَلِىٍّ - رضى الله عنه - أَنَّ النَّبِىَّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ جَيْشًا وَأَمَّرَ
عَلَيْهِمْ رَجُلاً، فَأَوْقَدَ نَارًا وَقَالَ:
«ادْخُلُوهَا فَأَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا وَقَالَ
آخَرُونَ: إِنَّمَا فَرَرْنَا مِنْهَا فَذَكَرُوا
لِلنَّبِىِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فَقَالَ لِلَّذِينَ أَرَادُوا أَنْ يَدْخُلُوهَا:
«لَوْ دَخَلُوهَا لَمْ يَزَالُوا فِيهَا إِلَى يَوْمِ
الْقِيَامَةِ». وَقَالَ لِلآخَرِينَ: «لاَ طَاعَةَ فِى
مَعْصِيَةٍ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِى الْمَعْرُوفِ».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن بشار) بالموحدة والمعجمة
المشددة المعروف ببندار قال: (حدّثنا غندر) محمد بن
جعفر قال: (حدّثنا شعبة) بن الحجاج (عن زبيد) بضم
الزاي وفتح الموحدة ابن الحارث اليامي (عن سعد بن
عبيدة) بإسكان العين في الأول وضمها في الثاني ختن أبي
عبد الرحمن السلمي (عن أبي عبد الرحمن) السلمي (عن علي
-رضي الله عنه- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بعث رجلاً) لأجل ناس تراءاهم أهل جدة
(وأمّر عليهم رجلاً) اسمه عبد الله بن حذافة السهمي
المهاجري. زاد في الأحكام من الأنصار ويؤوّل بأنه
أنصاري بالمحالفة أو بالمعنى الأعم من كونه ممن نصر
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في الجملة
(فأوقد) بالإفراد ولأبي ذر فأوقدوا (نارًا وقال):
بالواو ولأبي الوقت فقال (ادخلوها فأرادوا أن يدخلوها.
وقال آخرون: وإنما فررنا منها فذكروا) ذلك (للنبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقال للذين
أرادوا أن يدخلوها):
(لو دخلوها لم يزالوا فيها إلى يوم القيامة) أي لماتوا
فيها ولم يخرجوا منها مدة الدنيا وفي الأحكام: لو
دخلوا فيها ما خرجوا منها أبدًا، ويحتمل أن يكون
الضمير النار الآخرة والتأبيد محمول على طول الإقامة
على البقاء (وقال) عليه الصلاة والسلام (للآخرين):
الذين لم يريدوا دخولها (لا طاعة في معصية) ولأبي ذر
عن الحموي والمستملي في المعصية (إنما) تجب (الطاعة في
المعروف) قال السفاقسي: لا مطابقة بين الحديث وما ترجم
له لأنهم لم يطيعوه في دخول النار.
وأجاب في الفتح: بأنهم كانوا مطيعين لهُ في غير ذلك
وبه يتم الغرض.
والحديث سبق في أوائل الأحكام في باب السمع والطاعة
للإمام.
7258 - 7259 - حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ،
حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا
أَبِى، عَنْ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ أَنَّ
عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ أَخْبَرَهُ
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَزَيْدَ بْنَ خَالِدٍ
أَخْبَرَاهُ أَنَّ رَجُلَيْنِ اخْتَصَمَا إِلَى
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وبه قال: (حدّثنا زهير بن حرب) بضم الزاي مصغرًا أبو
خيثمة النسائي الحافظ نزيل بغداد قال: (حدّثنا يعقوب
بن إبراهيم) قال: (حدّثنا أبي) إبراهيم بن سعد بن
إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف (عن صالح) هو ابن كيسان
(عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أن عبيد الله) بضم
العين (ابن عبد الله) بن عتبة (أخبره أن أبا هريرة
وزيد بن خالد) الجهني -رضي الله عنهما- (أخبراه أن
رجلين اختصما إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-).
7260 - وَحَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنَا
شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِىِّ، أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ
اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ
مَسْعُودٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: بَيْنَمَا
نَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ قَامَ رَجُلٌ مِنَ
الأَعْرَابِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ لِى
بِكِتَابِ اللَّهِ فَقَامَ خَصْمُهُ فَقَالَ: صَدَقَ
يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْضِ لَهُ بِكِتَابِ اللَّهِ
وَأْذَنْ لِى فَقَالَ لَهُ النَّبِىُّ: «قُلْ».
فَقَالَ: إِنَّ ابْنِى كَانَ عَسِيفًا عَلَى هَذَا،
وَالْعَسِيفُ: الأَجِيرُ، فَزَنَى بِامْرَأَتِهِ
فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى ابْنِى الرَّجْمَ،
فَافْتَدَيْتُ مِنْهُ بِمِائَةٍ مِنَ الْغَنَمِ
وَوَلِيدَةٍ، ثُمَّ سَأَلْتُ أَهْلَ الْعِلْمِ
فَأَخْبَرُونِى أَنَّ عَلَى امْرَأَتِهِ الرَّجْمَ،
وَإِنَّمَا عَلَى ابْنِى جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ
عَامٍ، فَقَالَ: «وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ
لأَقْضِيَنَّ بَيْنَكُمَا بِكِتَابِ اللَّهِ، أَمَّا
الْوَلِيدَةُ وَالْغَنَمُ فَرُدُّوهَا وَأَمَّا
ابْنُكَ فَعَلَيْهِ جَلْدُ مِائَةٍ وَتَغْرِيبُ عَامٍ،
وَأَمَّا أَنْتَ يَا أُنَيْسُ -لِرَجُلٍ مِنْ
أَسْلَمَ- فَاغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ
اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا»، فَغَدَا عَلَيْهَا
أُنَيْسٌ فَاعْتَرَفَتْ فَرَجَمَهَا.
وبه قال المؤلّف: (وحدّثنا أبو اليمان) الحكم بن نافع
قال: (أخبرنا شعيب) هو ابن أبي حمزة (عن الزهري) أنه
قال: (أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن
عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة) رضي الله عنه
(قال: بينما) بالميم (نحن عند رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وفي رواية ابن أبي ذئب
عند البخاري وهو جالس في المسجد (إذ قام رجل من
الأعراب فقال: يا رسول الله اقضِ لي بكتاب الله) الذي
في حكم به على عباده أو المراد ما تضمنه القرآن (فقام
خصمه) زاد في رواية أخرى وكان أفقه منه (فقال: صدق يا
رسول الله اقض له بكتاب الله) وفي رواية أخر فاقض له
بزيادة الفاء وفيه جزاء شرط محذوف يعني اتفقت معه بما
عرض على جنابك فاقضِ موضع كلمة التصديق موضع الشرط
(وائذن لي) زاد ابن أبي شيبة عن سفيان حتى أقول (فقال
له النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-):
(قل. فقال): أي الثاني كما هو ظاهر السياق (إن ابني)
زاد في باب الاعتراف بالزنا هذا وفيه أن الابن كان
حاضرًا فأشار إليه ومعظم الروايات ليس فيها لفظ: هذا
(كان عسيفًا) بفتح العين وكسر السين المهملة آخره فاء
(على هذا) إشارة لخصمه وهو زوج المرأة. قال الزهري أو
غيره (والعسيف الأجير) وسمي به لأن المستأجر يعسفه في
العمل والعسف الجور وقوله على هذا ضمن على معنى عند
وكأن الرجل استخدمه فيما تحتاج إليه امرأته من الأمور
فكان ذلك سببًا لما وقع له معها (فزنى بامرأته) أي
يعرف الحافظ ابن حجر اسمها ولا اسم الابن (فأخبروني أن
على ابني الرجم فافتديت) بالفاء (منه) أي من الرجم
(بمائة من الغنم ووليدة) جارية وكأنهم ظنوا أن ذلك حق
له يستحق أن يعفو عنه على
(10/291)
مال يأخذه منه وهو ظن باطل (ثم سألت أهل
العلم فأخبروني أن على امرأته الرجم) لأنها محصنة
(وإنما على ابني جلد مائة وتغريب عام) فيه جواز
الإفتاء في زمانه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وبلده (فقال) صلوات الله وسلامه عليه: (والذي نفسي
بيده لأقضين بينكما بكتاب الله) وفي رواية عمرو بن
شعيب عن ابن شهاب عند النسائي: لأقضين بينكما بالحق
وذلك يرجح الاحتمال الأول في قوله اقضِ لي بكتاب الله
(أما الوليدة والغنم فردوها) على صاحبها (وأما
ابنك فعليه جلد مائة وتغريب عام) لأنه اعترف وكان
بكرًا (وأما أنت يا أنيس -لرجل من أسلم-) قال ابن
السكن في كتاب الصحابة: لا أدري من هو ولا وجدت له
رواية ولا ذكرًا إلا في هذا الحديث، وقال ابن عبد البر
هو ابن الضحاك الأسلمي (فاغد على امرأة هذا) بالغين
المعجمة الساكنة أي فاذهب إليها (فإن اعترفت) بالزنا
(فارجمها. فغدا عليها) فذهب إليها (أنيس) فسألها
(فاعترفت فرجمها) بعد استيفاء الشروط الشرعية وعُدِّي
غدا بعلى لفائدة الاستعلاء أي متأمرًا عليها وحاكمًا
عليها. وقد عديت بعلى في القرآن الكريم. قال تعالى:
{أن اغدو على حرثكم} [القلم: 22] وقال الشاعر:
وقد أغدو على ثبة كرام ... نشاوى واجدين لما نشاء
ومباحث هذا الحديث سبقت في مواضع كالمحاربين فلتراجع
من مظانها، وفي الحديث أن المخدرة التي لا تعتاد
البروز لا تكلف الحضور لمجلس الحكم، بل يجوز أن يرسل
إليها من يحكم لها وعليها.
ومطابقته للترجمة قيل من تصديق أحد المتخاصمين الآخر
وقبول خبره.
2 - باب بَعْثِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- الزُّبَيْرَ طَلِيعَةً وَحْدَهُ
(باب بعث النبي) بإضافة باب لتاليه وإسكان العين وفي
نسخة باب بالتنوين بعث النبي (-صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) بفتح عين بعث فعلاً ماضيًا
والنبي رفع فاعل (الزبير) بن العوّام حال كونه (طليعة
وحده). ليطلع يوم الأحزاب على أحوال العدوّ.
7261 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ،
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُنْكَدِرِ
قَالَ: سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ:
نَدَبَ النَّبِىُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يَوْمَ الْخَنْدَقِ فَانْتَدَبَ
الزُّبَيْرُ ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ
ثُمَّ نَدَبَهُمْ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرُ فَقَالَ:
«لِكُلِّ نَبِىٍّ حَوَارِىٌّ، وَحَوَارِىِّ
الزُّبَيْرُ». قَالَ سُفْيَانُ: حَفِظْتُهُ مِنِ ابْنِ
الْمُنْكَدِرِ وَقَالَ لَهُ أَيُّوبُ: يَا أَبَا
بَكْرٍ حَدِّثْهُمْ عَنْ جَابِرٍ فَإِنَّ الْقَوْمَ
يُعْجِبُهُمْ أَنْ تُحَدِّثَهُمْ عَنْ جَابِرٍ فَقَالَ
فِى ذَلِكَ الْمَجْلِسِ: سَمِعْتُ جَابِرًا فَتَابَعَ
بَيْنَ أَحَادِيثَ سَمِعْتُ جِابِرًا قُلْتُ
لِسُفْيَانَ: فَإِنَّ الثَّوْرِىَّ يَقُولُ يَوْمَ
قُرَيْظَةَ: فَقَالَ كَذَا حَفِظْتُهُ كَمَا أَنَّكَ
جَالِسٌ يَوْمَ الْخَنْدَقِ قَالَ سُفْيَانُ: هُوَ
يَوْمٌ وَاحِدٌ وَتَبَسَّمَ سُفْيَانُ.
وبه قال: (حدّثنا عليّ بن عبد الله) ولأبي ذر: ابن
المديني قال: (حدّثنا سفيان) بن عيينة قال: (حدّثنا
ابن المنكدر) محمد (قال: سمعت جابر بن عبد الله)
الأنصاري -رضي الله عنهما- (قال: ندب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الناس) أي دعاهم وطلبهم
(يوم الخندق) أن يأتوه بأخبار العدوّ (فانتدب الزبير)
أي أجاب فأسرع (ثم ندبهم) عليه الصلاة والسلام (فانتدب
الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير) بتكرار ثم مرتين وزاد
في رواية أبي ذر ثلاثًا أي كرر ندب الناس فانتدب
الزبير ثلاث مرات (فقال) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-:
(لكل نبي حواري) بفتح الحاء المهملة وفتح الواو وكسر
الراء وتشديد التحتية ناصر (وحواري) ناصري (الزبير).
والمراد أنه كان له اختصاص بالنصرة وزيادة فيها على
سائر أقرانه لا سيما في ذلك اليوم وإلاّ فكل أصحابه
كانوا أنصارًا له عليه الصلاة والسلام.
(قال سفيان) بن عيينة (حفظته) أي الحديث (من ابن
المنكدر) محمد (وقال له) أي لابن المنكدر (أيوب)
السختياني (يا أبا بكر) هي كنية محمد بن المنكدر
(حدّثهم) بكسر الدال (عن جابر فإن القوم يعجبهم أن
تحدّثهم عن جابر) كلمة أن مصدرية (فقال) ابن المنكدر
(في ذلك المجلس: سمعت جابرًا فتابع) بفوقية واحدة
ولأبي ذر عن الحموي والمستملي فتتابع بفوقيتين (بين
أحاديث) ولأبي ذر عن الكشميهني بين أربعة أحاديث (سمعت
جابرًا) قال علي بن المديني (قلت لسفيان) بن عيينة
(فإن الثوري) سفيان (يقول يوم قريظة) يعني بدل قوله
يوم الخندق (فقال) ابن عيينة: (كذا حفظته منه) من ابن
المنكدر ولفظه منه ثابتة لأبي الوقت (كما أن جالس يوم
الخندق. قال سفيان) بن عيينة (هو يوم واحد) يعني يوم
الخندق ويوم قريظة (وتبسم سفيان) بن عيينة. قال في
الفتح: وهذا إنما يصح على إطلاق اليوم على الزمان الذي
يقع فيه الكثير سواء قلّت أيامه أو كثرت كما يقال يوم
الفتح ويراد به الأيام التي أقام فيها -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بمكة لما فتحها، وكذا وقعة الخندق
دامت أيامًا آخرها لما انصرفت الأحزاب، ورجع -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأصحابه
(10/292)
إلى منازلهم فجاءه جبريل بين الظهر والعصر
فأمره بالخروج إلى بني قريظة فخرجوا ثم حاصرهم أيامًا
حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ. وقال الإسماعيلي: إنما
طلب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم
الخندق خبر بني قريظة، ثم ذكر من طريق فليح بن سليمان
عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: ندب رسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يوم الخندق من
يأتيه بخبر بني قريظة فمن قال يوم قريظة أي الذي أراد
أن يعلم فيه خبرهم لا اليوم الذي غزاهم فيه وذلك مراد
سفيان والله أعلم.
والمطابقة في قوله ندب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فانتدب الزبير وسبق في الجهاد في باب هل
يبعث الطليعة وحده.
3 - باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {لاَ تَدْخُلُوا
بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ}
[الأحزاب: 53] فَإِذَا أَذِنَ لَهُ وَاحِدٌ جَازَ
(باب قول الله تعالى: {لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن
يؤذن لكم} [الأحزاب: 53]) أن يؤذن لكم في موضع الحال
أي لا تدخلوا إلا مأذونًا لكم أو في معنى الظرف تقديره
وقت أن يؤذن لكم (فإن أذن له واحد جاز) له الدخول لعدم
تعيين العدد في النص فصار الواحد من جملة ما يصدق عليه
الإذن. قال في الفتح: وهذا متفق على العمل به عند
الجمهور حتى اكتفوا فيه بخبر من لم تثبت عدالته لقيام
القرينة فيه بالصدق.
7262 - حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ،
حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِى
عُثْمَانَ، عَنْ أَبِى مُوسَى أَنَّ النَّبِىَّ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَخَلَ حَائِطًا،
وَأَمَرَنِى بِحِفْظِ الْبَابِ، فَجَاءَ رَجُلٌ
يَسْتَأْذِنُ فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ
بِالْجَنَّةِ»، فَإِذَا أَبُو بَكْرٍ، ثُمَّ جَاءَ
عُمَرُ فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ
بِالْجَنَّةِ»، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ فَقَالَ:
«ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ».
وبه قال: (حدّثنا سليمان بن حرب) الواشحي قال: (حدّثنا
حماد) ولأبي ذر حماد بن زيد أي الأزرق (عن أيوب)
السختياني (عن أبي عثمان) عبد الرحمن النهدي (عن أبي
موسى) عبد الله بن قيس الأشعري -رضي الله عنه- (أن
النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دخل
حائطًا) يعني بستان أريس (وأمرني بحفظ الباب) ولا
مغايرة بين قوله هنا وأمرني وقوله في السابقة ولم
يأمرني بحفظه لأن النفي كان في أول ما جاء ودخل
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الحائط وجلس أبو
موسى بالباب وقال لأكونن اليوم بواب النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقولى ولم يأمرني بحفظه
كان في تلك الحالة ثم لما جاء أبو بكر واستأذن له
وأمره أن يأذن له أمره حينئذٍ بحفظ الباب تقريرًا له
على ما فعله ورضي به تصريحًا أو تقريرًا فيكون مجازًا
(فجاء رجل يستأذن) في الدخول عليه فذكرت له (فقال)
عليه الصلاة والسلام:
(ائذن له) في الدخول (وبشره بالجنة، فإذا أبو بكر ثم
جاء عمر فقال: ائذن له وبشره بالجنة، ثم جاء عثمان
فقال: ائذن له وبشره بالجنة).
والحديث سبق في مناقب أبي بكر ومناقب عمر طويلاً وهذا
مختصر منه.
7263 - حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ، عَنْ
يَحْيَى، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ حُنَيْنٍ. سَمِعَ ابْنَ
عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ - رضى الله عنهم - قَالَ:
جِئْتُ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِى مَشْرُبَةٍ لَهُ وَغُلاَمٌ
لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- أَسْوَدُ عَلَى رَأْسِ الدَّرَجَةِ
فَقُلْتُ: قُلْ هَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ
فَأَذِنَ لِى.
وبه قال: (حدّثنا عبد العزيز بن عبد الله) العامري
الأويسي الفقيه قال: (حدّثنا سليمان بن بلال) أبو محمد
مولى الصديق (عن يحيى) بن سعيد الأنصاري (عن عبيد بن
حنين) بالتصغير فيهما أنه (سمع ابن عباس عن عمر) بن
الخطاب (-رضي الله عنهم- قال: جئت) أي بعد أن أخبره
صاحبه أوس بن خولي أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- اعتزل أزواجه (فإذا رسول الله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- في مشربة) بفتح الميم وضم
الراء بينهما معجمه ساكنة أي غرفة (له وغلام لرسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أسود) اسمه
رباح (على رأس الدرجة) قاعد (فقلت) له (قل) لرسول الله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (هذا عمر بن
الخطاب) يستأذن في الدخول فدخل الغلام واستأذن (فأذن
لي) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فدخلت ففيه
الاكتفاء بالواحد في الخبر فهو حجة لقبول خبر الواحد
والعمل به.
وسبق الحديث بطوله في تفسير سورة التحريم وهذا طرف منه
وبالله المستعان.
4 - باب مَا كَانَ يَبْعَثُ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مِنَ الأُمَرَاءِ
وَالرُّسُلِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَعَثَ النَّبِىُّ -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دِحْيَةَ الْكَلْبِىَّ
بِكِتَابِهِ إِلَى عَظِيمِ بُصْرَى أَنْ يَدْفَعَهُ
إِلَى قَيْصَرَ.
(باب ما كان يبعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- من الأمراء) كعتاب بن أسيد على مكة، وعثمان
بن أبي العاص على الطائف (والرسل) إلى الملوك كحاطب بن
أبي بلتعة إلى المقوقس صاحب الإسكندرية وشجاع بن وهب
إلى الحارث بن أبي شمر الغساني ملك البلقاء (واحدًا
بعد واحد).
(وقال ابن عباس) -رضي الله عنهما- فيما وصله مطولاً في
بدء الوحي: (بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- دحية) بن خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن
امرئ القيس (الكلبي) من كلب وبرة الخزرج بفتح الخاء
المعجمة وسكون الزاي وآخره جيم (بكتابه إلى عظيم) أهل
(بصرى) بضم الموحدة وفتح الراء بينهما صاد مهملة ساكنة
الحارث بن أبي شمر (أن يدفعه إلى قيصر). ملك الروم
وهذا التعليق ثابت في رواية الكشميهني دون غيره.
(10/293)
7264 - حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ بُكَيْرٍ،
حَدَّثَنِى اللَّيْثُ، عَنْ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ
شِهَابٍ أَنَّهُ قَالَ: أَخْبَرَنِى عُبَيْدُ اللَّهِ
بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ أَنَّ عَبْدَ
اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَعَثَ
بِكِتَابِهِ إِلَى كِسْرَى، فَأَمَرَهُ أَنْ
يَدْفَعَهُ إِلَى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِ، يَدْفَعُهُ
عَظِيمُ الْبَحْرَيْنِ إِلَى كِسْرَى فَلَمَّا
قَرَأَهُ كِسْرَى مَزَّقَهُ فَحَسِبْتُ أَنَّ ابْنَ
الْمُسَيَّبِ قَالَ: فَدَعَا عَلَيْهِمْ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أَنْ
يُمَزَّقُوا كُلَّ مُمَزَّقٍ.
وبه قال: (حدّثنا يحيى بن بكير) هو يحيى بن عبد الله
بن بكير المخزومي مولاهم المصري قال: (حدّثني)
بالإفراد (الليث) بن سعد الإمام المصري (عن يونس) بن
يزيد الأيلي (عن ابن شهاب) محمد بن مسلم الزهري (أنه
قال: أخبرني) بالإفراد (عبيد الله) بضم العين (ابن عبد
الله بن عتبة) بن مسعود (أن عبد الله بن عباس أخبره أن
رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث
كتابه إلى كسرى) أبرويز بن هرمز مع عبد الله بن حذافة
السهمي (فأمره) أي أمر عليه الصلاة والسلام عبد الله
بن حذافة (أن يدفعه) أي الكتاب (إلى عظيم البحرين)
المنذر بن ساوى (يدفعه عظيم البحرين إلى كسرى) ملك
الفرس فدفعه إليهه (فلما قرأه كسرى مزقه) قال ابن شهاب
الزهري: (فحسبت أن ابن المسيب) سعيدًا (قال فدعا
عليهم) على كسرى وجنوده (رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أن يمزقوا كل ممزق) أي يتفرقوا
وقد استجاب الله تعالى دعاء نبيه عليه الصلاة والسلام
فقد انقرضوا بالكلية في خلافة عمر رضي الله عنه، وقد
قرأت في تنقيح الزركشي ما نصه عن ابن عباس أن رسول
الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بعث بكتابه
إلى كسرى ثم قال كذا وقع الحديث في الأمهات ولم يذكر
فيه دحية بعد قوله بعث والصواب إثباته، وقد ذكره
البخاري فيما رواه الكشميهني معلقًا. وقال ابن عباس:
بعث النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دحية
بكتابه إلى عظيم بصرى أن يدفعه إلى قيصر وهو الصواب
اهـ.
ونقله عنه صاحب المصابيح ساكتًا عليه. قال في الفتح
بعد أن ذكره: فيه خبط وكأنه توهم أن القصتين واحدة
وحمله على ذلك كونهما من رواية ابن عباس، والحق أن
المبعوث لعظيم بصرى هو دحية والمبعوث لعظيم البحرين
عبد الله بن حذافة وإن لم يسم في هذه الرواية فقد سمي
في غيرها ولو لم يكن في الدليل على المغايرة بينهما
إلا بعد ما بين بصرى والبحرين فإن بينهما نحو شهر
وبصرى كانت في مملكة هرقل ملك الروم، والبحرين كانت في
مملكة كسرى ملك الفرس قال: وإنما نبهت على ذلك خشية أن
يغترّ به من ليس له اطّلاع على ذلك والله الموفق.
7265 - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، حَدَّثَنَا يَحْيَى،
عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ، حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ بْنُ الأَكْوَعِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ لِرَجُلٍ
مِنْ أَسْلَمَ: «أَذِّنْ فِى قَوْمِكَ -أَوْ فِى
النَّاسِ- يَوْمَ عَاشُورَاءَ أَنَّ مَنْ أَكَلَ
فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ
أَكَلَ فَلْيَصُمْ».
وبه قال: (حدّثنا مسدد) هو ابن مسرهد قال: (حدّثنا
يحيى) بن سعيد القطان (من يزيد بن أبي عبيد) بضم العين
مولى سلمة بن الأكوع قال: (حدّثنا سلمة بن الأكوع)
-رضي الله عنه- (أن رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قال لرجل من أسلم) اسمه هند بن
أسماء بن حارثة:
(أذّن في قومك أو) قال: (في الناس يوم عاشوراء) بالهمز
والمد (أن من أكل) في أول اليوم (فليتم) أي فليمسك عن
المفطر (بقية يومه) حرمة لليوم (ومن لم يكن أكل فليصم)
زاد في كتاب الصوم فإن اليوم يوم عاشوراء.
والحديث سبق في الصوم ثلاثيًّا وهو هنا رباعي،
ومطابقته لما ترجم له في قوله قال لرجل من أسلم أذن في
قومك فإنه من جملة الرسل الذين أرسلهم، وقد سرد محمد
بن سعد كاتب الواقدي في طبقاته أمراء السرايا مستوعبًا
لهم فلا أطيل بذكرهم.
5 - باب وَصَاةِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- وُفُودَ الْعَرَبِ أَنْ يُبَلِّغُوا مَنْ
وَرَاءَهُمْ
قَالَهُ مَالِكُ بْنُ الْحُوَيْرِثِ.
(باب وصاة النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-)
بفتح الواو وقد تكسر من غير همز أي وصية النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (وفود العرب أن يبلغوا)
بفتح الموحدة وكسر اللام المشدّدة أي بأن يبلغوا ما
سمعوه من العلم (من وراءهم) في موضع نصب على المفعولية
(قاله مالك بن الحويرث) بضم الحاء المهملة مصغرًا فيما
سبق قريبًا أوائل باب ما جاء في إجازة خبر الواحد.
7266 - حَدَّثَنَا عَلِىُّ بْنُ الْجَعْدِ،
أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنِى إِسْحَاقُ،
أَخْبَرَنَا النَّضْرُ، أَخْبَرَنَا شُعْبَةُ، عَنْ
أَبِى جَمْرَةَ قَالَ: كَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ
يُقْعِدُنِى عَلَى سَرِيرِهِ فَقَالَ: إِنَّ وَفْدَ
عَبْدِ الْقَيْسِ لَمَّا أَتَوْا
رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
قَالَ: «مَنِ الْوَفْدُ»؟ قَالُوا: رَبِيعَةُ قَالَ:
«مَرْحَبًا بِالْوَفْدِ وَالْقَوْمِ غَيْرَ خَزَايَا
وَلاَ نَدَامَى». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ: إِنَّ
بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ كُفَّارَ مُضَرَ، فَمُرْنَا
بِأَمْرٍ نَدْخُلُ بِهِ الْجَنَّةَ وَنُخْبِرُ بِهِ
مَنْ وَرَاءَنَا، فَسَأَلُوا عَنِ الأَشْرِبَةِ
فَنَهَاهُمْ عَنْ أَرْبَعٍ وَأَمَرَهُمْ بِأَرْبَعٍ
أَمَرَهُمْ بِالإِيمَانِ بِاللَّهِ، قَالَ: «هَلْ
تَدْرُونَ مَا الإِيمَانُ بِاللَّهِ»؟ قَالُوا:
اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: «شَهَادَةُ أَنْ
لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ
لَهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامُ
الصَّلاَةِ وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ. وَأَظُنُّ فِيهِ -
صِيَامُ رَمَضَانَ وَتُؤْتُوا مِنَ الْمَغَانِمِ
الْخُمُسَ وَنَهَاهُمْ عَنِ الدُّبَّاءِ وَالْحَنْتَمِ
وَالْمُزَفَّتِ وَالنَّقِيرِ». وَرُبَّمَا قَالَ:
الْمُقَيَّرِ. قَالَ: «احْفَظُوهُنَّ وَأَبْلِغُوهُنَّ
مَنْ وَرَاءَكُمْ».
وبه قال: (حدّثنا علي بن الجعد) بفتح الجيم وسكون
العين بعدها دال مهملتين الجوهري البغدادي قال:
(أخبرنا شعبة) بن الحجاج (ح) للتحويل.
قال البخاري: (وحدّثني) بالإفراد (إسحاق) بن راهويه
قال في الفتح كما في رواية أبي ذر قال: (أخبرنا النضر)
بالنون المفتوحة والضاد المعجمة الساكنة ابن شميل أبو
الحسن المازني البصري النحوي شيخ مرو ومحدّثها قال:
(أخبرنا شعبة) بن الحجاج (عن أبي جمرة) بالجيم والراء
نصر بن عمران الضبعي أنه (قال: كان ابن عباس) -رضي
الله عنهما- (يقعدني) بضم أوّله وكسر ثالثه (على
سريره) وفي مسند إسحاق بن راهويه أنبأنا النضر بن شميل
وعبد الله بن إدريس قالا:
(10/294)
حدّثنا شعبة فذكره وفيه فيجلسني معه على
السرير فأترجم بينه وبين الناس (فقال: إن) ولأبي ذر
والأصيلي في نسخة فقال لي إن (وفد عبد القيس) بن أفصى
(لما أتوا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-) عام الفتح (قال) لهم:
(من الوفد)؟ وفي كتاب الإيمان بكسر الهمزة من القوم أو
من الوفد بالشك (قالوا) نحن (ربيعة) بن نزار بن معدّ
بن عدنان (قال: مرحبًا بالوفد والقوم) مرحبًا مأخوذ من
رحب رحبًا بالضم إذا وسع منصوب بعامل مضمر لازم إضماره
والمعنى أصبتم رحبًا وسعة ولأبي ذر أو القوم بزيادة
همزة قبل الواو بالشك من الراوي (غير خزايا ولا ندامى)
جمع نادم على لغة ذكرها القزاز وغير حال من الوفد أو
القوم والعامل فيه الفعل المقدّر (قالوا: يا رسول الله
إن بيننا وبينك كفار مضر) بضم الميم وفتح الضاد
المعجمة مخفوض للإضافة بالفتحة للعلمية والتأنيث وكانت
مساكنهم بالبحرين وما والاها من أطراف العراق (فأمرنا
بأمر) زاد في الأيمان فصل بالصاد المهملة والتنوين في
الكلمتين على الوصفية (ندخل به الجنة) إذا قبل منا
برحمة الله (ونخبر به من وراءنا) من قومنا الذين
خلفناهم في بلادنا (فسألوا) النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن الأشربة) أي عن ظروفها
(فنهاهم عن أربع وأمرهم بأربع أمرهم بالإيمان بالله)
أي وحده (قال: هل تدرون ما الإيمان بالله؟ قالوا: الله
ورسوله أعلم. قال) عليه الصلاة والسلام: هو (شهادة أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدًا رسول الله
وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة. وأظن فيه) في الحديث
(صيام رمضان وتؤتوا) وفي
الإيمان وأن تعطوا وهو معطوف على قوله بأربع أي أمرهم
بالإيمان وبأن يعطوا (من المغانم) بلفظ الجمع (الخمس).
قال في شرح المشكاة: قوله بأمر فصل يحتمل أن يكون
الأمر واحد الأوامر وأن يكون بمعنى الشأن، وفصل يحتمل
أن يكون بمعنى الفاصل وهو الذي يفصل بين الصحيح
والفاسد والحق والباطل وأن يكون بمعنى المفصل أي مبين
مكشوف ظاهر ينفصل به المراد عن الاشتباه، فإذا كان
بمعنى الشأن والفاصل وهو الظاهر يكون التنكير للتعظيم
بشهادة قوله ندخل به الجنة كما قال -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "سألتني عن عظيم" في جواب معاذ
أخبرني بعمل يدخلني الجنة. فالمناسب حينئذٍ أن يكون
الفصل بمعنى المفصل لتفصيله صلوات الله وسلامه عليه
الإيمان بأركانه الخمسة كما فصله في حديث معاذ وإن كان
بمعنى واحد الأوامر فيكون التنكير للتقليل، فإذا
المراد به اللفظ والباء للاستعانة والمأمور به محذوف
أي مُرْنا بعمل بواسطة الفعل وتصريحه في هذا المقام أن
يقال لهم آمنوا أو قولوا آمنّا هذا هو المعنى يقول
الراوي أمرهم بالإيمان بالله وعلى أن يراد بالأمر
الشأن يكون المراد معنى اللفظ ومؤدّاه وعلى هذا الفصل
بمعنى الفاصل أي مرنا بأمر فاصل جامع قاطع كما في قوله
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (قل آمنت بالله
ثم استقم) فالمأمور هاهنا أمر واحد وهو الإيمان
والأركان الخمسة كالتفسير للإيمان بدلالة قوله -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أتدرون ما الإيمان بالله
وحده ثم بينه بما قال فإن قيل: على هذا في قول الراوي
إشكالان. أحدهما أن المأمور واحد وقد قال أربع،
وثانيهما أن الأركان خمسة وقد ذكر أربعًا. والجواب عن
الأول أنه جعل الإيمان أربعًا باعتبار أجزائه المفصلة،
وعن الثاني أن من عادة البلغاء أن الكلام إذا كان
منصوبًا بالغرض من الأغراض جعلوا سياقه له وتوجهه إليه
كأن ما سواه مرفوض مطروح ومنه قوله تعالى: {فعززنا
بثالث} [يس: 14] أي فعززناهما ترك المنصوب وأتى بالجار
والمجرور لأن الكلام لم يكن مسوقًا له، فهاهنا لما لم
يكن الغرض في الإيراد ذكر الشهادتين لأن القوم كانوا
مؤمنين مقرّين بكلمتي الشهادة بدليل قولهم الله ورسوله
أعلم. وترحب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- بهم ولكن كانوا يظنون أن الإيمان مقصور
عليهما وإنهما كافيتان لهم، وكان الأمر في صدر الإسلام
كذلك لم يجعله الراوي من الأوامر وقصد به أنه -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- نبههم على موجب توهمهم
(10/295)
بقوله: أتدرون ما الإيمان؟ ولذلك خصص ذكر
أن تعطوا من المغانم الخمس حيث أتى بالفعل المضارع على
الخطاب لأن القوم كانوا أصحاب حروب بدليل قولهم وبيننا
وبينك كفار مضر لأنه هو الغرض من إيراد الكلام فصار
أمرًا من الأوامر اهـ.
(ونهاهم) -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- (عن)
الانتباذ في (الدباء) بضم الدال المهملة وتشديد
الموحدة والمد القرع (و) الانتباذ في (الحنتم) بالحاء
المهملة المفتوحة الجرة الخضراء (و) الانتباذ في
(المزفت) ما طلي بالزفت (و) الانتباذ في (النقير)
بالنون المفتوحة والقاف المكسورة أصل خشبة تنقر فينتبذ
فيه (وربما قال) ابن عباس (المقير) بضم الميم وفتح
القاف والتحتية المشددة ما يطلى بالقار نبت يحرق إذا
يبس تطلى به السفن كما تطلى بالزفت وهذا منسوخ بحديث
مسلم كنت نهيتكم عن الانتباذ إلا في
الأسقية فانتبذوا في كل وعاء ولا تشربوا مسكرًا، وقدره
الشيخ عز الدين بن عبد السلام في مجاز القرآن. وأنهاكم
عن شرب نبيذ الدباء والحنتم والمزفت والنقير فليتأمل.
(قال: احفظوهن) بهمزة وصل (وأبلغوهنّ) بهمزة مفتوحة
وكسر اللام (من وراءكم) من قومكم وفيه دليل على أن
إبلاغ الخبر وتعليم العلم واجب إذ الأمر للوجوب وهو
يتناول كل فرد فرد فلولا أن الحجة تقوم بتبليغ الواحد
ما حضهم عليه.
والحديث سبق أوائل الكتاب في الإيمان.
6 - باب خَبَرِ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ
(باب خبر المرأة الواحدة) هل يعمل به أم لا.
7267 - حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْوَلِيدِ،
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا
شُعْبَةُ، عَنْ تَوْبَةَ الْعَنْبَرِىِّ، قَالَ: قَالَ
لِى الشَّعْبِىُّ: أَرَأَيْتَ حَدِيثَ الْحَسَنِ عَنِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
وَقَاعَدْتُ ابْنَ عُمَرَ قَرِيبًا مِنْ سَنَتَيْنِ
أَوْ سَنَةٍ وَنِصْفٍ، فَلَمْ أَسْمَعْهُ يُحَدِّثُ،
عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
غَيْرَ هَذَا قَالَ: كَانَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
فِيهِمْ سَعْدٌ فَذَهَبُوا يَأْكُلُونَ مِنْ لَحْمٍ
فَنَادَتْهُمُ امْرَأَةٌ مِنْ بَعْضِ أَزْوَاجِ
النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
إِنَّهُ لَحْمُ ضَبٍّ فَأَمْسَكُوا فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «كُلُوا
أَوِ اطْعَمُوا فَإِنَّهُ حَلاَلٌ» أَوْ قَالَ: «لاَ
بَأْسَ بِهِ» شَكَّ فِيهِ «وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ
طَعَامِى».
وبه قال: (حدّثنا محمد بن الوليد) بن عبد الحميد
البسري القرشي البصري من ولد بسر بن أرطأة قال:
(حدّثنا محمد بن جعفر) غندر قال: (حدّثنا شعبة) بن
الحجاج (عن توبة) بفتح الفوقية والموحدة بينهما واو
ساكنة ابن كيسان (العنبري) بالنون والموحدة والراء
نسبة إلى بني العنبر بطن مشهور من بني تميم أنه (قال:
قال لي الشعبي) عامر بن شراحيل: (أرأيت) أي أأبصرت
(حديث الحسن) البصري (عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وقاعدت ابن عمر) -رضي الله
عنهما- أي جالسته (قريبًا من سنتين أو سنة ونصف فلم
أسمعه يحدّث) ولأبوي الوقت وذر روى (عن النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- غير هذا). قال في الفتح:
والاستفهام في قوله أرأيت للإنكار، وكان الشعبي ينكر
على من يرسل الأحاديث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إشارة إلى أن الحامل لفاعل ذلك
طلب الإكثار من التحديث عنه وإلاّ لكان يكتفي بما سمعه
موصولاً. وقال في الكواكب: غرضه أن الحسن مع أنه تابعي
يكثر الحديث عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- يعني جريء على الإقدام عليه، وابن عمر مع
أنه صحابي مقلّل فيه محتاط محترز مهما أمكن له، وكان
عمر -رضي الله عنه- يحض على قلة التحديث عن النبي
-صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خشية أن يحدّث
عنه بما لم يقل لأنهم لم يكونوا يكتبون، فإذا طال
العهد لم يؤمن النسيان: وقول الحافظ ابن حجر وقوله
وقاعدت ابن عمر الجملة حالية تعقبه العيني بأنه ليس
كذلك بل هو ابتداء كلام لبيان تقليل ابن عمر في
الحديث، والإشارة في قوله غير هذا إلى قوله (قال كان
ناس من أصحاب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- فيهم سعد)
بسكون العين ابن أبي وقاص -رضي الله عنه- (فذهبوا
يأكلون من لحم) وعند الإسماعيلي من طريق معاذ عن شعبة
فأتوا بلحم ضب، وسبق في الأطعمة عن ابن عباس عن خالد
بن الوليد أنه دخل مع رسول الله -صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بيت ميمونة فأتي بضب محنوذ فأهوى
إليه رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-
بيده (فنادتهم امرأة من بعض أزواج النبي -صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-) وهي ميمونة كما عند
الطبراني (أنه لحم ضب فأمسكوا) أي الصحابة عن الأكل
(فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ-):
(كلوا) منه (أو اطعموا) بهمزة وصل (فإنه حلال، أو قال)
عليه الصلاة والسلام (لا بأس به) قال شعبة (شك فيه)
توبة العنبري (ولكنه) قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ- لكن الضب (ليس من طعامي) المألوف فلذا أترك
أكله لا لكونه حرامًا وفيه إظهار الكراهة
(10/296)
لما يجده الإنسان في نفسه لقوله في الحديث الآخر
فأجدني أعافه.
وهذا آخر كتاب الأحكام وما بعده من التمني، وإجازة خبر
الواحد. وفرغت منه بعون الله وتوفيقه في يوم الأربعاء
خامس عشر شهر الله المحرم الحرام سنة ست عشرة وتسعمائة
والله أسأل الإعانة على التكميل فهو حسبي ونعم الوكيل.
|