شرح الموطأ عبد الكريم الخضير

ـ[شرح الموطأ]ـ
مؤلف الأصل: مالك بن أنس الأصبحي المدني (المتوفى: 179هـ)
الشارح: عبد الكريم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن حمد الخضير
دروس مفرغة من موقع الشيخ الخضير
[الكتاب مرقم آليا، رقم الجزء هو رقم الدرس - 187 درسا]

(/)


الموطأ (كتاب وقوت الصلاة) (1)

الكلام على كتاب الموطأ ثم شرح أحاديث أوقات الصلوات ...
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:
فلا يخفى على أحد ممن ينتسب لهذا الدين أهمية ومنزلة سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولسنا بصدد الحديث عنها، وعن حجيتها والتدوين فيها، كما أننا أيضاً لسنا بحاجة إلى الحديث عن مؤلف الكتاب الذي نحن بصدد شرحه -إن شاء الله تعالى-.
والإمام مالك بن أنس بن مالك بن أبي عامر الأصبحي إمام دار الهجرة، نجم السنن كما قال الشافعي وغيره، ولد -رحمه الله- بالمدينة سنة ثلاثة وتسعين، وتوفي سنة تسع وسبعين ومائة، من الأئمة المعروفين المتبوعين أصحاب المذاهب الباقية إلى يومنا هذا، لمذهبه انتشار واسع في بلاد المغرب والأندلس، وله أيضاً وجود في العراق وفي مصر وغيرهما،
ولسنا بحاجة إلى الكلام عن موطئه الذي اشتهر، وطبقت شهرته الآفاق، وعن سبب تأليفه، وما قيل في ذلك مما ذكره ابن خلدون وغيره أن المنصور -أبا جعفر- قال للإمام مالك -رحمه الله تعالى-، وذكره بالعلم، وذكَّره بما عليه من تبعه، وقال له: إنه يطلب منه أن يؤلف كتاباً في العلم يوطئه للناس ويمهده ويسهله، وذكر أنه ينبغي أن يجتنب فيه -على ما ذكر- تساهل ابن عباس، وتشديدات ابن عمر، وشواذ ابن مسعود، حتى قيل: إن الإمام مالك قال: إنه علمني كيفية التأليف.
على كل حال هذا الكتاب ثابت النسبة، مستفيض مشهور إلى مؤلفه، روي بروايات متعددة، تحمله عن الإمام مالك جمع غفير، قرأه عليه العدد الكثير الجم، حفظت بعض الروايات عن الإمام مالك، وبقي كثير منها إلى يومنا هذا منها:
رواية يحيى بن يحيى المصمودي التي عليها أكثر الشراح، واعتماد أهل العلم عليها في الغالب، ومنها رواية محمد بن الحسن الشيباني، وقد انفردت ببعض الزيادات على رواية يحيي.

(1/1)


ومنها: رواية أبي مصعب الزهري، وفيها أيضاً زيادات، ومنها .. ، روايات كثيرة ذكر منها صاحب الحِطة ست عشرة رواية، وأثبت بعض الزيادات التي في بعضها على بعض، وعني أهل العلم بالموطأ وشرحوه، حتى ذكر من شروحه أكثر من مائة شرح مما هو موجود الآن في خزائن الكتب، وطبع كثير منها، لكن طالب العلم وهو في غمار هذه الأعداد الهائلة من المؤلفات من كتب السنة وشروحها، لا يمكنه الإحاطة بجميع ما كتب حول هذا الكتاب أو غيره، لكن إذا اقتصر طالب العلم على شرحي ابن عبد البر (التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد) وهذا كتاب عظيم، ومؤلفه إمام من أئمة المسلمين، حافظ المغرب أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري، المتوفى سنة ثلاث وستين وأربعمائة، مكث في تأليفه ثلاثين عاماً وهو يحرره وينقحه، خرج الكتاب محرراً منقحاً مضبوطاً متقناً حتى قال ابن حزم وغيره: "إنه لا يعرف في الكلام على فقه الحديث كتاباً مثله، ولا ما يقاربه ولا يدانيه".
على كل حال هذا الكتاب كتاب عظيم ينبغي لطالب العلم أن يعنى به، والكتاب مرتب على شيوخ مالك، وأسماؤه مرتبة على حروف التهجي عند المغاربة، وهي تختلف عن ترتيب المشارقة، وكانت الأمنية أن يرتب الكتاب على ترتيب الكتاب الأصلي على الأبواب، ثم حصلت هذه الأمنية آخراً.
من شروحه التي لا يستغني عنها طالب علم (الاستذكار) لابن عبد البر المذكور، ومنها: (المنتقى) للباجي، وهو مختصر من كتاب له كبير اسمه: (الاستيفاء) و (المنتقى) للباجي كتاب نفيس ونافع، وهو مطبوع في سبعة مجلدات كبار.
من شروحه: شرح القاضي أبي بكر بن العربي (القبس شرح موطأ الإمام مالك بن أنس) وله شروح أخرى على الموطأ.
من شروحه: شرح للزرقاني، شرح متوسط مفيد نافع، وهناك شرح مختصر جداً للسيوطي اسمه: (تنوير الحوالك) والشروح مثلما ذكرنا ذكر منها أكثر من مائة شرح.

(1/2)


وهناك شرح مطول اسمه: (أوجز المسالك) للكندهلوي في خمسة عشر جزءاً طبع في خمسة عشر مجلداً، وهو كتاب طيب نافع، يمتاز بعنايته بنقول المذاهب من كتب أصحابها؛ لأنكم تعرفون أن المذاهب فيها روايات، وفيها أقوال، ولكل إمام في كثير من المسائل أكثر من قول، يختلف قوله في هذا الوقت عن قوله في وقت لاحق، كما يختلف قوله في بلد عن قوله في بلد آخر وهكذا؛ لأن الاجتهاد يتجدد.
ميزة هذا الكتاب أنه نقل هذه المذاهب من كتب أربابها المعتمدة عندهم، ولذا تلاحظون في نقول الشراح عن الأئمة ينقل عنهم أقوال تستغربونها، ينقل عن الإمام أحمد أقوال في فتح الباري وفي عمدة القاري وفي غيرها من الشروح تستغرب لماذا؟ لأنها ليست الرواية المشهورة التي عليها العمل عند الحنابلة، فينبغي أن يعنى بهذا الجانب؛ لئلا ينسب إلى الإمام ما لم يقله، بل هو مخرج على أقواله، وقد يشهر عن الإمام ما لم يشتهر من قوله بهذا السبب، هذه مهمة جداً، ولو تثبت طالب العلم بالرجوع إلى كتب المذاهب بنفسه كان هو الأحرى والأليق.
هناك شرح للدهلوي شرح مختصر جداً، وهو ماتع ونفيس، لكنه أخل بترتيب الكتاب، رتبه على الطريقة المعتادة عند أهل العلم في تقديم الطهارة على ما قدمه الإمام مالك من الوقوت على ما سيأتي؛ لكنه كتاب طيب وفيه نفع، الأصل الكتاب في مذهب مالك، وأضاف الشارح الدهلوي مذهب أبي حنيفة، ومذهب الشافعي، وأهمل مذهب الإمام أحمد، أقول: يعنى به ويضاف إليه مذهب الإمام أحمد، وكتاب فيه نكات ولطائف وفوائد على اختصاره، وهو مطبوع في مجلدين صغيرين.

(1/3)


الشروح لا يمكن الإحاطة بها، ولا بيان مناهجها تبعاً لأهمية هذا الكتاب، فهو سادس الكتب عند جمع من أهل العلم، وإن كان متقدم عليها في الزمان، وفي إمامة مؤلفه ومكانته، لكنه في الترتيب عند أهل العلم ثالث الكتب لما فيه من البلاغات والمراسيل والموقوفات والمقطوعات والمقاطيع فيه شيء كثير، فتأخرت رتبته عن الصحيحين والسنن، على خلاف بين أهل العلم في السادس، وقد جعله بعضهم هو السادس كما فعل ابن الأثير في جامع الأصول، ورزين العبدري في تجريد الأصول، وبعضهم جعل السادس الدارمي، ومنهم من جعل السادس ابن ماجه، وأول من أضافه إلى الخمسة ابن طاهر، الفضل بن طاهر في شروط الأئمة، وفي أطرافه، ثم جرى العمل على ذلك لكثرة زوائده من الأحاديث المرفوعة.
ذكرنا أن الرواية التي تشرح من بين الروايات الكثيرة هي رواية يحيى بن يحيى، وعليها أكثر الشراح، عليها أكثر الشراح، وقد سمعه أو قرأه على الإمام مالك؛ لأن الإمام مالك -رحمه الله تعالى- كان من منهجه ألا يقرأ على أحد، ولا يحدث أحد، بل ينكر على من طلب منه أن يقرأ عليه، بل يسمع الإمام مالك ممن يقرأ، فجميع من روى الكتاب عن الإمام مالك فبطريق العرض، بعضهم يأتي ممن لا يرى العرض من أهل العراق إلى الإمام مالك ليسمع من الإمام مالك فيزجره الإمام مالك -رحمه الله تعالى-، ويقول: "العرض يكفيك في القرآن ولا يكفيك في الحديث؟! " ومعلوم أن القرآن يقرأ على المقرئ، وعلى كل حال العرض طريق معتبر من طرق السماع عند أهل العلم، وحصل الإجماع على صحة ما نقل بواسطته، وإن كان الأصل في الرواية السماع.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد على آله وصحبه.
قال الإمام يحيى بن يحيى الليثي: عن مالك بن أنس: كتاب وقوت الصلاة، باب وقوت الصلاة:

(1/4)


قال: عن مالك بن أنس عن ابن شهاب أن عمر بن عبد العزيز أخر الصلاة يوماً، فدخل عليه عروة بن الزبير فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوماً وهو بالكوفة، فدخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال: ما هذا يا مغيرة أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم صلى فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم صلى فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم صلى فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم صلى فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ ثم قال: ((بهذا أمرت)) فقال عمر بن عبد العزيز: "اعلم ما تحدث به يا عروة، أو إن جبريل هو الذي أقام لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقت الصلاة؟ قال عروة: "كذلك كان بشير بن أبي مسعود الأنصاري يحدث عن أبيه".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، كما سمعتم الإمام -رحمه الله تعالى- بدأ بوقوت الصلاة.
يقول شيخ الإسلام -رحمه الله- في قواعده التي تسمى النورانية في أول الكتاب فصل: "أما العبادات فأعظمها الصلاة، والناس إما أن يبتدئوا مسائلها بالطهور، إما أن يبتدئوا مسائلها بالطهور"، يعني بكتاب الطهارة، لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((مفتاح الصلاة الطهور)) وهذا عليه الأكثر، وإما بالمواقيت التي تجب بها الصلاة كما فعله مالك.
وعلى كل حال كل من الطهارة والوقت والأوقات، كل منهما شرط لصحة الصلاة، والشرط لا بد أن يتقدم المشروط، فتقدم هذه الشروط على ما اشترطت له من المقصد وهو الصلاة، ولا شك أن التقديم في الذكر له نصيب من الترجيح فالأولية كما يقولون: لها دخل في الأولوية، الأولية لها دخل في الأولوية، إيش معنى هذا الكلام؟ الإمام مالك -رحمه الله تعالى- لما قدم الوقوت على الطهارة يفهم منه أن المحافظة على الوقت أولى من المحافظة على الطهارة عند التزاحم، والأكثر -الجمهور- على العكس، إذا ضاق الوقت وصار المرء بين أمرين: إما أن يتطهر ولو خرج الوقت أو يصلي في الوقت ولو من غير كمال الطهارة، ولو بطهارة ناقصة هذا عند التزاحم، فيفهم من صنيع الإمام مالك أنه يقدم الوقت، والأكثر على خلافه، والأكثر على خلافه.

(1/5)


افترضنا أن شخصاً أستيقظ من النوم وقد بقي على طلوع الشمس خمس دقائق، وهي كافية لأداء ركعتين بالتيمم، وحينئذ يكون مدركاً للوقت، أو يتطهر طهارة كاملة ولو خرج الوقت؟ صنيع الإمام مالك في تقديمه الوقت على الطهارة يدل على أنه يعنى بالوقت أكثر من الطهارة، وكل منهما شرط في صحة الصلاة، وصنيع الأكثر على عكس ذلك، ولا يقللون من شأن الوقت، فالصلاة لا تصح قبل وقتها اتفاقاً، وهل تصح بعد خروج وقتها فتقضى؟ والمسألة مفترضة في غير عذر، لو فرط وأخر الصلاة عن وقتها، جمع من أهل العلم، بل نقل عليه ابن حزم الاتفاق أنها لا تجزئ، ولذا يقول: لا تقضى، ونقل بعضهم الاتفاق على خلافه، قالوا: يجب القضاء مع الإثم، فتقديم الطهارة لا يعني الاستخفاف بالوقت كما أن تقديم الوقت عند الإمام مالك لا يعني الاستخفاف بشأن الطهارة، فكل منهما شرط، لكن عند التزاحم ويفترض هذا في المسألة التي ذكرناها.
وقوت: جمع وقت كما أن الوقت يجمع على أوقات، والوقت والأوقات والمواقيت بمعنىً واحد، إلا أن الفرق بين .. ، المواقيت جمع ميقات تطلق على الزمانية والمكانية، كما هو معروف من مواقيت الحج، والوقوت والأوقات جمع وقت، إلا أن الوقوت جمع كثرة، والأوقات جمع قلة، الوقوت جمع كثرة، والأوقات جمع قلة وأوقات الصلوات كثيرة وإلا قليلة؟ ثمة أفعال جموع قلة، نعم، الأوقات الخمسة قليلة، فعلى هذا الجمع بأوقات أولى من الجمع بوقوت هنا، وإن كان أكثر رواة عن مالك قالوا: وقوت، في رواية ابن بكير قال: أوقات الصلاة، جمع قلة، وأكثر الروايات على جمع الكثرة وقوت، تكلم أهل العلم في إيثار جمع الكثرة على جمع القلة هنا، فقال بعضهم: إنه ينوب كل منهما عن الآخر، ومنهم من يقول: باعتبار هذه الأوقات الخمسة تتكرر كل يوم فنظراً إلى تعدد هذه الأيام جمعت جمع كثرة، وإن كانت في الأصل قليلة، منهم من قال بالتناوب، ينوب جمع الكثرة عن جمع القلة والعكس، ومنهم من قال: جمعت جمع كثرة باعتبار تكررها في الأيام، كما يقال: شموس وأقمار، شموس وأقمار، هي قمر واحد وشمس واحدة لكن باعتبارها تتكرر جمعت.

(1/6)


والكتاب: مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة، وهذا بيتكرر علينا كثيراً فيشرح في هذا الموضع، ونستغني عنه في المواضع اللاحقة، الكتاب مصدر كتب يكتب كتاباً وكتابة وكتباً، وأصل الكتب المادة يراد بها الجمع، كما يقال: تكتب بنو فلان، جماعة الخيل كتيبة، والحريري يقول:
وكاتبين وما خطت أناملهم حرفاً ... ولا قرءوا ما خط في الكتبِ
يقصد بذلك الخرازين الذين يجمعون بين صفائح الجلود فيكتبونها، يعني يجمعونها بالخياطة والخرز.
باب وقوت الصلاة:
الأصل الكتاب، والكتاب يراد به المكتوب الجامع لأبواب، والأبواب تجمع فصول، والفصول تجمع مسائل، هذا الترتيب العرفي عند أهل العلم، لكن قد يوجد كتب دون أبواب، وقد توجد أبواب دون كتب، وقد توجد أبواب دون فصول، وهكذا، والمسألة اصطلاح، ولا مشاحة في الاصطلاح، ولذا فرع على ذلك بقوله: باب وقوت الصلاة.
الباب في الأصل: ما يدخل وما يخرج منه، وفي الاستعمال العرفي في الاصطلاح الخاص عند أهل العلم ما يضم مسائل علمية وفصول غالباً، فاستعماله عند أهل العلم من باب استعمال الحقيقية العرفية، ومن يقول مجاز يقول: استعماله في المحسوسات حقيقة، واستعماله في المعنويات مجاز، لكنها حقيقة عرفية، واصطلاح خاص.
"قال: حدثنا يحيى بن يحيى الليثي عن مالك"، (قال) من القائل هنا؟ القائل هو الراوي عن يحيى، ثم قال بعد ذلك: "حدثني يحيى بن يحيى الليثي عن مالك بن أنس"، قد يقول قائل: المؤلف من المؤلف؟ مؤلف الكتاب؟ مؤلف الموطأ من هو؟ الإمام مالك، مؤلف المسند من؟ الإمام أحمد، في المسند حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي، هل يتصور أن الإمام أحمد يقول: حدثنا عبد الله قال: حدثني أبي؟ أو هنا الإمام مالك يقول: حدثنا يحيى بن يحيى عن مالك؟ نعم، إذاً كيف؟
طالب:. . . . . . . . .

(1/7)


في كتب الشافعي قال الربيع: أخبرنا الشافعي، وهكذا في كتب المتقدمين كلها، الراوي للكتاب يثبت اسمه في الكتاب، وعلى هذا حذف الراوي تصرف لا يليق بأهل التحري والتحقيق حذفه أبداً، كما فعل الشيخ أحمد شاكر في المسند، حذف الإمام أحمد ومن روى عن الإمام أحمد، سواءً كان من رواية عبد الله أو من الزوائد، هذا تصرف، نعم قد يتطاول على المتقدمين من لا يعرف طرائقهم في التصنيف فيتكلم ويشكك في نسبة الكتب وهذا جهل، شخص لا علاقة له بالعلم الشرعي، وليست حياته على طريق الاستقامة أيضاً، ولا يمت إلى العلم بصلة، يكتب مؤلف اسمه: (إصلاح أشنع خطأ في تاريخ التشريع الإسلامي الأم ليست للإمام الشافعي) لأنه ما يفهم، ما يعرف، إذاً الموطأ ليس للإمام مالك، والمسند ليس للإمام أحمد وهكذا، إذا أردنا أن نطرد هذا الكلام.
يعني شخص يقول: إن الحياة تفقد حيويتها حينما تكون هدىً خالص، ويذهب إلى أن بعض الغي رشد، مثل هذا يتكلم في كتب العلم؟ وينفي ما نسبته إلى مؤلفه أشهر من نسبة هذا الرجل إلى أبيه، (إصلاح أشنع خطأ في تاريخ ... الأم ليست للإمام الشافعي) إذاً الموطأ ليس للإمام مالك، والمسند ليس للإمام أحمد وهكذا.
نعم جرت عادتهم –أعني رواة الكتب- إثبات أسمائهم في كل حديث وفي كل خبر في الكتاب، إلا ما كان من غير طريقهم، إذا كان في الكتاب ما هو من غير طريق صاحب الرواية يحذف، من له عناية بالمسند يعرف هذا الأمر.

(1/8)


"حدثنا يحيى بن يحيى الليثي"، وهو غير يحيى بن يحيى التميمي الذي أكثر الإمام مسلم من الرواية عنه، هذاك من رجال الكتب الستة، وهذا ذكره في كتب رجال الكتب الستة من أجل تمييزه عن ذاك، ليست له رواية في الكتب الستة "عن مالك بن أنس" الإمام المؤلف "عن ابن شهاب" محمد بن مسلم بن شهاب الزهري الإمام العلم "أن عمر بن عبد العزيز" الخليفة الراشد "أخر الصلاة يوماً" يعني صلاة العصر أخرها مرة، مرة واحدة كما في بعض روايات البخاري، وليس هذا عادة له، وليس ديدناً له وإن عرف ذلك في بني أمية، يؤخرون الصلوات، وأخر الصلاة عمر بن عبد العزيز الخليفة الراشد عن الوقت الأفضل، ولم يخرجها عن وقتها، أخرها حتى خرج الوقت، لم يؤخرها حتى خرج الوقت بالكلية، إنما آخرها عن الوقت المستحب، "أخر الصلاة يوماً فدخل عليه عروة بن الزبير" بن العوام "فأخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوماً وهو بالكوفة، فدخل عليه أبو مسعود" أنكر عليه بالنقل، ولم ينكر عليه بالرأي، أنكر عليه بالدليل، "أخبره أن المغيرة بن شعبة أخر الصلاة يوماً" صلاة العصر أيضاً كما في بعض الروايات، وهو بالكوفة أميراً عليها من قبل معاوية -رضي الله عنه- فدخل عليه أبو مسعود عقبة بن عمرو البدري الأنصاري، نزل بدراً فنسب إليها، ولم يشهد الوقعة عند جمهور العلماء، إنما نزلها فنسب إليها، وإن أثبته البخاري فيمن شهدها "دخل عليه أبو مسعود الأنصاري فقال: ما هذا -التأخير- يا مغيرة"، ما هذا يعني ما هذا التأخير يا مغيرة؟ "أليس" وهكذا جاءت الرواية: "أليس" يقول الحافظ ابن حجر: "وهو استعمال صحيح، وإن كان الأكثر في مخاطبة الحاضر (ألست) وفي مخاطبة الغائب (أليس) وهنا حاضر خاطبه بما يليق بالغائب وهو استعمال صحيح، "أليس قد علمت أن جبريل نزل فصلى" الصلاة الأولى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- وهي إيش؟ الظهر، هي الصلاة الأولى، فصلى يعني جبريل، "فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصلاته- ثم صلى" يعني العصر "فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم - بصلاته- ثم صلى -المغرب- فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصلاته، ثم صلى -العشاء- فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم -، ثم صلى -الخامسة

(1/9)


الفجر- فصلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قال: ((بهذا أمرت)) " ((بهذا أمرت)) في بعض الروايات: ((بهذا أمرتَ)) والآمر على الحالتين هو الله -جل وعلا-، "أمرتُ" إن كان القائل جبريل أمرتُ أن أبين لك بالفعل بهذا، أو أمرتَ يا محمد أن تصلي الصلوات في هذه الأوقات.

(1/10)


جاء حديث إمامة جبريل مفسراً في السنن، وأنه صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الصلاة الأولى -صلاة الظهر- حين زالت الشمس في اليوم الأول، وصلى العصر حينما صار ظل الشيء مثله في اليوم الأول، ثم صلى المغرب بعد أن وجبت الشمس –غابت- ثم صلى العشاء لما غاب الشفق، ثم صلى الصبح بطلوع الفجر، وفي اليوم الثاني صلى الصلوات الخمس في آخر أوقاتها، فصلى الظهر حينما صار ظل الشيء مثله، وصلى العصر حينما صار ظل الشيء مثليه، ثم صلى المغرب في الوقت الذي صلاها فيه بالأمس، ثم صلى العشاء ثلث الليل، فأول الوقت على إمامة جبريل بالنسبة للظهر زوال الشمس، وآخره مصير ظل الشيء مثله، وأول وقت صلاة العصر مصير ظل الشيء مثله إلى مصير ظل الشيء مثليه، هناك أحاديث معارضة لهذا تجدر الإشارة إليها، في حديث عبد الله بن عمرو -وهو في الصحيح-: "أن صلاة الظهر من الزوال إلى مصير ظل الشيء مثله، ما لم تحضر صلاة العصر"، في حديث إمامة جبريل: "صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- الظهر في اليوم الثاني حينما صار ظل الشيء مثله، وصلى به العصر في اليوم الأول حينما صار ظل الشيء مثله" وفي حديث عبد الله بن عمرو قال: "ما لم تحضر -أو ما لم يحضر- وقت العصر" في حديث إمامة جبريل يدل على أن هناك قدر مشترك في آخر وقت صلاة الظهر، مشترك يصلح أن تؤدى به صلاة الظهر أداءً وصلاة العصر أداءً بنفس الوقت؛ لأنه صلى الظهر في اليوم الثاني حينما صار ظل الشيء مثله، وصلى به العصر في اليوم الأول حينما صار ظل الشيء مثله، دل على أنه وقت واحد، يصلح لصلاة الظهر يعني مقدار أربع ركعات يصلح لصلاة الظهر أداءً ولصلاة العصر أداءً، وبهذا يقول المالكية وهناك قدر مشترك يصلح لصلاتين، لكن حديث عبد الله بن عمرو فيه: "ما لم يحضر وقت صلاة العصر" فدل على ألا اشتراك، فدل على أنه لا اشتراك في الوقتين ما لم يحضر وقت صلاة العصر، وعلى هذا يكون معنى حديث إمامة جبريل أنه فرغ من صلاة الظهر حينما صار ظل الشيء مثله في اليوم الثاني وشرع في صلاة العصر حينما صار ظل الشيء مثله، وحينئذٍ لا يكون هناك اشتراك، هناك حد فاصل رقيق دقيق يكون هذا الحد هو نهاية وقت صلاة الظهر وهو أيضاً في الوقت نفسه

(1/11)


هو بداية وقت صلاة العصر في الاشتراك، ثم وقت صلاة العصر يستمر إلى غروب الشمس وإن دل حديث إمامة جبريل إلى أنه ينتهي قبل ذلك، لكنه في أول الأمر، ولذا جاء في الحديث الصحيح: ((ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من آخر الصلاة حتى يدخل وقت الصلاة الأخرى)) فدل على أن وقت صلاة العصر يستمر إلى غروب الشمس، وأصرح من هذا الحديث الآتي: ((من صلى -أو من أدرك من- الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) فدل على أن وقت صلاة العصر يستمر إلى .. ، إلى إيش؟ إلى غروب الشمس، ووقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثله، كما في حديث عبد الله بن عمرو، وفي حديث أيضاً إمامة جبريل والاختلاف بينهما، وإن كان الحنفية يرون أن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، من مصير ظل الشيء مثليه، ومحمد بن الحسن في موطئه يعني في روايته لموطأ الإمام مالك في موطئه يقول: إن العصر سميت عصر لأنها تعتصر فيضيق عليها، ولا يمكن تعتصر إلا إذا قلنا: إن وقتها يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه؛ لأنها إذا بدأ وقتها من مصير ظل الشيء مثله ما اعتصرت ولا ضيق عليها، لكن هل مثل هذا الكلام تعارض به النصوص الصحيحة الصريحة؟ يستدل الحنفية بدليل فيه إغراق في العموم والبعد على أن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، يعني هو نظر من استدل بقوله -عليه الصلاة والسلام- لعائشة: ((افعلي ما يفعل الحاج)) من استدل بهذا على أن الحائض تقرأ القرآن؛ لأن الحاج يقرأ القرآن، إغراق، البعد عن المراد.

(1/12)


استدل الحنفية على أن وقت صلاة العصر يضيق عليها وتؤخر إلى مصير ظل الشيء مثليه بمثل هذه الأمة مع الأمم السابقة: ((إنما مثلكم ومثل من قبلكم من الأمم كمثل رجل استأجر أجيراً إلى منتصف النهار بدينار، ثم استأجر أجيراً آخر إلى وقت صلاة العصر بدينار، ثم استأجر آخر إلى غروب الشمس بدينارين)) فالأجير الذي عمل إلى منتصف النهار هذا مثل اليهود، والأجير الثاني الذي عمل إلى وقت صلاة العصر هذا مثل للنصارى، والذي عمل إلى غروب الشمس هم المسلمون بدينارين، فاحتج اليهود والنصارى فقالوا: "نحن أكثر عملاً وأقل أجراً" ولا يكون النصارى أكثر عمل إلا إذا قلنا: إن العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثليه، يستدلون بمثل هذا في مقابل النصوص الصحيحة الصريحة، يعني هل في الحديث ما يدل على أن وقت صلاة الظهر نعم لا يكون أطول من وقت صلاة العصر إلا إذا امتد إلى مصير ظل الشيء مثليه؟ حتى على القول بأن وقت صلاة الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثله، نعم هو أطول من وقت صلاة العصر في كل عصر وفي كل مصر، حتى على قول الجمهور، فليس للحنفية في هذا أي مستمسك، يعني لو نظرنا إلى اليوم مثلاً كم يستغرق وقت صلاة الظهر من الوقت؟ من اثنا عشر إلا ربع إلى ثلاث إلا ربع، طيب كم ساعة؟ ثلاث ساعات، والعصر من ثلاث إلا ربع إلى خمس وخمس، ساعتين وثلث، والتقويم ماشي على القول بأن وقت صلاة العصر يبدأ من مصير ظل الشيء مثله وهكذا، لذا ابن حزم يرد عليهم بقوة، ويقول: حتى على القول بأن وقت صلاة الظهر ينتهي بمصير ظل الشيء مثله ففي كل عصر وفي كل مصر يكون وقت صلاة الظهر أطول، يعني مع إبعادهم وإنجاعهم في الدليل والاستدلال إلا أنه لا يتم لهم أيضاً الاستدلال بهذا.

(1/13)


يستمر وقت صلاة العصر إلى غروب الشمس، وهناك أوقات عند أهل العلم وقت اختيار ووقت اضطرار، وقت صلاة المغرب دل الحديث -إمامة جبريل- أنه واحد، وقت واحد غير متسع لأكثر من أداء الصلاة والتهيؤ لها، يعني بعد غروب الشمس بمقدار ربع ساعة خلاص ينتهي وقت المغرب؛ لأنه صلى بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الثاني صلاة المغرب بنفس الوقت الذي صلى به في اليوم الأول، ولو كان لها متسع لصلاها في أول الوقت وفي آخره في اليوم الثاني كغيرها من الصلوات، بهذا يقول الشافعية، والجمهور على أن لها وقتين كغيرها أول وآخر، يستمر الوقت من غروب الشمس إلى مغيب الشفق الأحمر كما في حديث عبد الله بن عمرو.
ووقت صلاة العشاء يبدأ من مغيب الشفق والخلاف في الشفق معروف عند أهل العلم الجمهور على أنه الأحمر، وقال الحنفية: الأبيض، ولو ذهبنا نستفصل في مثل هذه الأمور ونستطرد ونذكر المذاهب والأدلة والعلل أظن ما يكفينا شيء.
يستمر الوقت إلى ثلث الليل على ما في إمامة حديث جبريل، وفي حديث عبد الله بن عمرو إلى نصف الليل الأوسط، إلى نصف الليل الأوسط، حديث عبد الله بن عمرو لا شك أنه في الصحيح فهو أرجح، وهو أيضاً متأخر عن حديث إمامة جبريل، ومن أهل العلم من يرى أن وقت صلاة العشاء يستمر إلى طلوع الفجر، ويستدلون بالحديث العام: ((ليس في النوم تفريط، إنما التفريط على من يؤخر الصلاة حتى يجيء وقت الصلاة الأخرى)) هذا مجمل بينه أو من العام المخصوص، مخصوص بالإجماع في صلاة الصبح، فإنه لا يستمر وقتها إلى وقت الظهر، ومخصوص بحديث عبد الله بن عمرو إلى منتصف الليل الأوسط، فالقول المرجح في صلاة العشاء أنه ينتهي وقتها بنصف الليل، وقوله: أوسط؛ لأنه لا يقال: أوسط إلا إذا كان للشيء طرفان ووسط، لكن باعتبار النصف وقع في أوسط الليل قيل له .. ، في وسط الليل قيل له: أوسط، يعني لو قدامك اثنين تقدر تقول: هذا الأوسط وإلا هذا .. ؟ نعم، زيد وعمرو أمامك فيقول لك واحد: أيهما زيد؟ تقول: الأوسط، تجي؟ ما تجي إلا لاهم ثلاثة، إذاً الليل مكون من نصفين فكيف يقال: نصف الليل الأوسط؟ نعم الثلث الأوسط في ثلث أوسط، لكن لوقوع هذا النصف في وسط الليل قيل: أوسط.

(1/14)


وقت صلاة الفجر من طلوع الفجر الصادق الثاني إلى طلوع الشمس، وفي حديث عبد الله بن عمرو ذكر أوله وهو من طلوع الفجر ما لم تطلع الشمس، ما لم تطلع الشمس، وبهذا نكون أتينا على الأوقات كلها.
"ثم قال: ((بهذا أمرت)) ثم قال عمر بن عبد العزيز: "اعلم ما تحدث به يا عروة" يعني تثبت من كلامك "أو أن جبريل هو الذي أقام لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقت الصلاة؟! " نعم، إيش المانع؟ ينزل بالوحي، وهو مؤتمن على ما هو أهم من ذلك، فأم النبي -عليه الصلاة والسلام- في يومين، وبين له الأوقات بالفعل.
"قال عروة: كذلك كان بشير بن أبي مسعود الأنصاري -ابن الراوي- يحدث عن أبيه"، أسند، أسند الخبر إلى من قاله، من أسند فقد برئ من العهدة، والحديث مخرج في الصحيحين، أخرجه الإمام البخاري من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي أحد الرواة عن مالك، عن مالك به، وخرجه مسلم من طريق قتيبة بن سعيد، وله رواية للموطأ، ومن طريق يحيى بن يحيى التميمي، وله رواية أيضاً عن مالك للموطأ.
سم.
قال عروة: "ولقد حدثتني عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر".
نعم كذا في البخاري أردف الحديث السابق بقوله: "قال عروة: ولقد حدثتني عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- .. " وتردد الكرماني الشارح كعادته في مثل هذا أنه هل هذا معلق تعليق من البخاري، أو من مقول ابن شهاب؟ هل هو من مقول ابن شهاب أو تعليق من البخاري؟ إيش الفرق بينهما؟ ما الفرق بينهما؟ يقول: إما مقول ابن شهاب أو تعليق من البخاري؟ الإمام البخاري كيف يصل إلى مقول ابن شهاب؟ معنى هذا أنه بالسند السابق؟ نعم؟ بالسند السابق، إذا كان من مقول ابن شهاب فهو بالإسناد السابق، وإذا كان معلقاً يعني هل عادة البخاري إذا أراد التعليق أن يثبت الواو أو يحذف الواو؟ نعم، العادة عادة عند البخاري منهج إذا جاء بالخبر أصل موصول ثم أردفه بمثل هذا: "قال عروة" هل يختلف هذا عما لو قال: "وقال عروة" حيث يريد التعليق نعم يأتي بالواو، وإذا حذف الواو فهو بالإسناد السابق.

(1/15)


"قال عروة: "ولقد حدثتني عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر" قبل أن تظهر هذا الخبر أخرجه البخاري متصلاً عن إبراهيم بن المنذر قال: حدثنا أنس بن عياض عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أنها قالت .. إلى آخره، وأخرجه أيضاً عن قتيبة قال: حدثنا الليث عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة، وهو صحيح لا تردد في صحته.
وهذا يقول: هل ستنهون الموطأ في الوقت المعلن؟

(1/16)


أما النهاية ليست غرض وليست مقصد، والمقصود الفائدة، وهذا الشرح الذي سمعتموه للحديث الأول على طريق التوسط في الشرح، ما هو بعلى طريق التطويل ولا الاختصار، نعم وهذا شرح متوسط وأعرف أن كثير من الإخوان ودهم أن نمشي يعني على أي حال كانت، هذا طلب في الدروس كلها ودهم أن الكتب تنتهي على أي وجه، لكن أنا أنظر إلى أن بعض الإخوان يحب مثل هذه التفصيلات وهذه الاستطرادات التي ينتفع بها -إن شاء الله- من ينتفع، أما إنهاؤه في الوقت المعلن هذا إحنا نقول: بداية، وهي أيضاً بداية قوية ومشجعة على النهاية -إن شاء الله تعالى-، ما يلزم أن ينتهي في الوقت المعلن والمحدد في أربعين درس، ما يمكن، يعني لو قسمنا .. ، هم يقولون: الأحاديث الموصولة المرفوعة ستمائة، والبلاغات والمقاطيع مثلها، وأقوال الإمام مالك ومن قبله من شيوخه مثلها، فهو يقرب من الألفين من الأخبار، فلو قسمنا الألفين على أربعين درس يعني بصير كل يوم خمسين خبر وهذا لا يمكن، وفي الأخبار ما يستوعب درس كامل على ما سيأتي، ومثلما سمعنا هذا على أنه ما هو بشرح ذا، شرح الحديث هذه الذي هو في مواقيت الصلاة ترى يحتاج إلى .. ، حديث الحديث الآتي هذا: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس، وركعة من صلاة العصر قبل أن تغرب الشمس)) أنا سمعت شخص شرحه بدقيقة، وفي الجامعة شرحته بخمس محاضرات، فالشروح تتفاوت، كل شيء له ضريبة، كل شيء له ضريبة، هناك فوائد لا بد من الوقوف معها وعندها، يحتاجها طالب العلم وإلا المسألة سهل، يعني تعليقات فؤاد عبد الباقي على الكتاب يعني لو الواحد يقتصر عليها ما كفاه شهر، وحينئذ الحضور ما يصير له قيمة، وإحنا نحرص أن يستفيد طالب العلم، وأقل الأحوال أن يعرف طريقة ومنهج؛ لأن كل شيخ من الشيوخ مدرسة يفاد من طريقته ومنهجه، تجلس عند فلان وعند فلان ثم تستقر أنت على ما تختاره لنفسك، والله المستعان، أما إنها الكتب هذا ما هو بمقصد ولا غاية، نعم هو مشجع، هو مشجع لكنه ليس بغاية، ينهى الكتاب على أي حال ما هو بصحيح، وأيضاً بعد الاستطرادات التي تمل السامع وتقل فائدتها ينبغي تخفيفها بقدر الإمكان وهذا ما يحصل -إن شاء الله تعالى-، ونسلك -إن شاء

(1/17)


الله- مسلك وسط لعلنا نأخذ أكبر قدر ممكن، أما الطلبات كثيرة، بعضهم يقول: ننهي الكتاب، وبعضهم يقول: نختصر في الشرح، وبعضهم يقول: نستطرد ونستفيد، وبعضهم .. ، ولن يتفق الإخوان على شيء، جربناه في الدروس الأخرى، الدروس الثابتة تأتي الملاحظات كثيرة، ما من يوم إلا ويقول بعض الطلاب: إلى متى؟ وبعض الإخوان يقول: ميزة الدرس بها الاستطرادات، واللي .. ، الشروح موجودة مبذولة ولله الحمد، وأكثر الحاضرين فيما أعرف عنهم ليسو بحاجة إلى أن توضح لهم هذه الشروح واضحة، لكن هم يريدون شيء لا يوجد في الشروح، والله المستعان.

(1/18)


نأتي إلى حديث عروة عن خالته عائشة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي العصر والشمس في حجرتها قبل أن تظهر، يعني تظهر تعلو، وتصير على ظهر الحجرة، كما في قوله -جل وعلا-: {فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ} [(97) سورة الكهف] يعني يعلو ويصعدوا فوقه، الحجرة: كل ما أحاط به حائط واحتجر فهو حجرة وحجيرة، حجرة عائشة -رضي الله عنها- أولاً: الجدار بقدر القامة والمساحة صغيرة، على عادتهم في التقلل من الدنيا، يعني من تأمل عيش النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف أنه في وادٍ ونحن في واد، إلى وقت قريب والناس لم تكن الدنيا عندهم مقصد ولا هدف، بل هي ممر، ومثل المسلم فيها كمثل قائل قال تحت ظل شجرة، ((كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل)) كان ابن عمر -رضي الله عنه- يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح"، ولا أضر على المسلم من طول الأمل والتسويف الذي يعوقه عن المبادرة والمسارعة والمسابقة لكن لو صار الإنسان كأنه غريب تقلل من الدنيا بقدر الإمكان، وشمر للآخرة، وسعى فيما يرضي الله -جل وعلا-، هذا واقعهم، هذا عيشهم، بالنسبة للمسكن كما سمعتم، السقف بقدر القامة، والعرض بقدر ما يمد الإنسان رجليه إذا نام، كان الناس .. ، كانت العوائل أدركناهم حتى في الرياض عائلة كبيرة تسكن في بيت مساحته ستين متر وما زالت هذه البيوت قائمة الآن، بسطت الدنيا فتوسع الناس وخرجوا إلى القصور وصاروا يعمرون أربعمائة متر، خمسمائة متر، ثم بعد ذلك زاد الشره والاستشراف للدنيا، كان صاحب الخمسمائة والستمائة يقول: هذا قبر، أنا أعرف أسرة تسكن في بيت واحد لما توفي والده خرجوا إلى ثلاثة وعشرين بيت، نعم ثلاثة وعشرين بيت، كانوا يسكنون في بيت واحد، لا شك أن أمور الدنيا نعمة، لكن إن استغلت فيما يرضي الله -جل وعلا- فهذا شكرها، وإلا جاء في الصحيح في بيان عيشه -عليه الصلاة والسلام- أنه يرى الهلال ثم الهلال ثم الهلال وما أوقد في بيوته -عليه الصلاة والسلام- نار، ولذا كان ابن عمر يقول: "إذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح" فلسان حالنا ماذا يقول؟ نعم، إذا تغديت لا تنتظر العشاء، كل أكل شخص ما هو بمدرك

(1/19)


عشاء، وإذا تعيشت لا تنتظر الفطور وهكذا، همنا في الأكل، والله المستعان.
إذا تصورنا بيت عائشة على ما ذكر فمقتضى كلامها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي العصر والشمس في حجرتها، أنها بقدر إذا قلنا: إن الجدار طول قامة، والمساحة قريبة منه، فإذا كانت في حجرتها في الأرض بمعنى أن ظل الشيء مثله، أو بعده قليلاً، أطول منه قليلاً، فكان يصلي على هذا الصلاة في أول وقتها، صلاة العصر.
"وعن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنه قال: "جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن وقت صلاة الصبح، قال: فسكت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر، ثم صلى الصبح من الغد بعد أن أسفر، ثم قال: ((أين السائل عن وقت الصلاة؟ )) قال: هاأنذا يا رسول الله، فقال: ((ما بين هذين وقت)) ".
الحديث يرويه الإمام مالك عن زيد بن أسلم، وهو ثقة عالم، عن عطاء بن يسار ثقة أيضاً إلا أنه لم يدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- فالخبر مرسل.
"عن عطاء بن يسار قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن وقت صلاة الصبح" الخبر مرسل والمرسل يحتج به الإمام مالك -رحمه الله-، حجة عند الإمام مالك، وكذا أبو حنيفة، يقول الحافظ العراقي -رحمه الله تعالى-:
واحتج مالك كذا النعمانُ ... به وتابعوهما ودانوا
يحتجون بالمرسل، لكن الجمهور على رد المراسيل.
ورده جماهر النقادِ ... للجهل بالساقط في الإسنادِ
على كل حال الحديث مروي موصول عن أنس عند النسائي وغيره، بإسناد صحيح، بإسناد صحيح، فالخبر صحيح، والخبر إذا روي مرسلاً وروي موصولاً فيه ما يسمى بتعارض الوصل مع الإرسال، وهل يعل الموصول بالمرسل أو يعضد به؟ نعم، أو لا يحكم بحكم عام؟ بل منه ما يعل به ومنه ما يعضد به، نعم.

(1/20)


"جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسأله عن وقت صلاة الصبح" يعني بداية ونهاية، قال: "فسكت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني ما أخبره، ما أجابه بالقول -عليه الصلاة والسلام-، وإنما أجابه بالفعل، والفعل أبلغ، "فسكت عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى إذا كان من الغد صلى الصبح حين طلع الفجر"، يعني في أول وقتها "ثم صلى الصبح من الغد بعد أن أسفر، ثم قال: ((أين السائل عن وقت الصلاة؟ )) قال: هاأنذا يا رسول الله، قال: ((ما بين هذين وقت)) " الحديث يدل على أن أول وقت صلاة الصبح طلوع الفجر، والمراد به الفجر الثاني، الصادق، المنتشر في الأفق إلى الإسفار، هذا ما يدل عليه الحديث، وحديث عبد الله بن عمرو ما لم تطلع الشمس يدل على أنه يستمر إلى أن تطلع الشمس، نعم هذا المذكور في الحديث وهو وقت الاختيار، أما وقت الاضطرار إلى طلوع الشمس، وإن كان الوقت المفضل عند الحنفية هو الإسفار، والجمهور وقتها المفضل التغليس على ما سيأتي.
في الحديث الآتي -إن شاء الله تعالى-: ((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) دليل على أن وقت صلاة الصبح يستمر إلى أن تطلع الشمس، وأن صلاة من أدرك ركعة واحدة وأضاف إليها أخرى ولو بعد طلوع الشمس تكون في وقتها وأداءً، وإن كان هذا وقت وقت اضطرار، لكنه وقتها، نعم لا ينبغي للمسلم أن يتعمد أن يؤخر الصلاة إلى هذا الحد بحيث لا يدرك منها إلا جزء عليه أن يقتدي به -عليه الصلاة والسلام-، يصلي الصبح بغلس على ما سيأتي.
فالوقت المذكور في الحديث من طلوع الصبح إلى الإسفار هذا وقت الاختيار، والاستمرار إلى طلوع الشمس هذا وقت الاضطرار، وكله وقت، وما فعل بين طلوع الصبح إلى طلوع الشمس كله أداء، نعم نعود إلى شرح الأحاديث أحاديث الكتاب.
سم.
"قال الإمام يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي الصبح فينصرف النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغلس".

(1/21)


يقول الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "عن يحيى بن سعيد عن عمرة بنت عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليصلي الصبح فينصرف النساء -ممن حضر الصلاة- متلفعات" كذا في الطبعة الموجودة، كذا عندك؟
طالب: إي نعم.
بالعين؟
طالب: نعم.
رواية يحيى كما في الاستذكار لابن عبد البر: "متلففات" بفائين، وإحنا نعتمد على رواية يحيى، فالرواية: "متلففات"، ورواية غير يحيى: "متلفعات" بالعين، والمعنى واحد، لكن العبرة بما في الرواية الموافقة للمشروح؛ لأن أهل العلم يؤكدون على اعتماد رواية يعتمدها الإنسان لنفسه ويرجع إلى ما عداها، ما يترجح له من الروايات يعتمد عليه، ويرجع إلى ما عدا هذه الراوية من الروايات الأخرى ليأخذ ما فيها من زيادات، إيش معنى الروايات؟ روايات الكتب، مثلما أشرنا أن الموطأ له روايات، منها: رواية يحيى التي بأيدينا، ولفظها: "متلففات"، الروايات الأخرى: "متلفعات" والمعنى واحد، التلفع والتلفف بمعنى واحد.
طالب: أحسن الله إليك: من وين جاء الإشكال؟
نعم؟
طالب: من وين جاء الإشكال على صاحب النسخة مع أنه اعتمد على مخطوطات؟
الصورة واحدة، الصورة قريبة، الصورة مع بعد العهد واحدة، خل الأمر يسير؛ لأن عندهم النقط ما يعتنون به، العناية بالنقط متأخر.

(1/22)


المروط: جمع مرط، أكسية من صوف أو من خز، معروفة عندهم، والمراد يتلففن بذلك، بهذه المروط، بهذه الأكسية، وهي قريبة مما يستعمل في العصور المتأخرة من العباءات التي تحيط بالبدن كله، المراد بالعباءة التي تغطي البدن كله، هذا هو المطلوب، وهناك: يتلففن ويتلفعن بمروطهن، يعني من تمام الاحتجاب، ولا أعني بالعباءات هذه العباءة التي يلبسها بعض النساء مما عدمها خير من وجودها مما يثير الفتنة، هذه خطوة من خطوات الشيطان التي يتبعها بعض الناس إما لتساهل ورقة في الدين، أو لكونه مغلوباً على أمره من قبل النساء، أو من باب التقليد، لكن قد يوجد من يقصر مثل هذا الفعل ومن هذا الأمر ممن وظيفته سلخ الناس من أديانهم، وما يحمي هذه الأديان، فهذه العباءات التي يلبسها بعض النساء الرقيقة التي تبين وتوضح ما تحتها من الثياب، وحجم البدن أيضاً بما تشتمل عليه من أحزمة، وما أشبه ذلك، ليأتي من يأتي من المنافقين –وهذه وظيفتهم- من يقول: لا داعي لهذه العباءة هذه لا فرق بينها وبين الثوب، وهذه خطوة أيضاً من خطوات الشيطان.

(1/23)


وإذا تأملنا ما جاء في آخر سورة الأحزاب أدركنا يقيناً أن المنافقين هذا عملهم، من عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى قيام الساعة، {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاء الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * لَئِن لَّمْ يَنتَهِ الْمُنَافِقُونَ} [(59 - 60) سورة الأحزاب] التعقيب له فائدة، ما جاءت الثانية عبث، هذه وظيفته وهذا عمله كما هو عمل سلفهم في المعصية الأولى، إبليس، هاه؟ ماذا قال بالنسبة {لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِن سَوْءَاتِهِمَا} [(20) سورة الأعراف] وهؤلاء المنافقون يتبعون خطوات الشيطان، وبعض المغفلين من المسلمين، بل بعض من تظهر عليه آثار الخير والصلاح ينساق وراء هذه الأمور من حيث لا يشعر، ونساء الصحابة ما يعرفن،. . . . . . . . . هن متلفعات متلففات بالمروط، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي بغلس، فلا يعرفن من الغلس، والغلس والدلس: هو اختلاط النور بالظلام بحيث لا يتميز المرئي، بحيث لا يتميز المرئي يعني بالنسبة لصلاة الصبح يبادر بها -عليه الصلاة والسلام- فيصليها بغلس، هذا ديدنه -عليه الصلاة والسلام-، وجاء الأمر بالإسفار، والحديث قابل للتحسين: ((أسفروا بالصبح تؤجروا)) أو ((فإنه أعظم لأجوركم)) والمراد بالإسفار هنا وإن تمسك به الحنفية في تأخير صلاة الصبح إلا أن المراد به التأكد من طلوع الفجر عند الأكثر، المراد بالإسفار هنا التأكد من طلوع الصبح لئلا يفهم أنهم يصلون بغلس فيبادر ويبالغ في المبادرة حتى يصلي الصلاة قبل وقتها، والكلام حول صلاة الصبح وحول ما في التقويم من مطابقة للواقع وعدم المطابقة سمعتموه كثيراً، وبعضهم يذكر أنه رقب طلوع الصبح وجده .. ، وجد التقويم يتقدم عليه بمدد متفاوتة حسب تفاوت فصول السنة، وأكثر ما قيل: ثلث ساعة، ربع ساعة، عشر دقائق إلى أن يقرب من الموافقة.

(1/24)


المقصود أن هذا كلام دار من سنين، والشيخ ابن باز -رحمه الله- كلف لجنة ورقبت الأمر، وكتب في الصحف أن التقويم مطابق، ومازال التشكيك موجود، مازال التشكيك موجود حتى من طلبة العلم من يرى أنه متقدم حتى الآن، بعد اللجنة التي كونها الشيخ، ورقبت فعلى هذا لو أخرت الإقامة لصلاة الصبح عن التقويم نصف ساعة أحوط، أحوط، كان الوزارة معممة أظن خمسة وعشرين دقيقة نعم، يعني لو كمل النصف أحوط، وعلى كل حال الأمر منوط بجهة، يعني تبرأ الذمة -ولله الحمد- بتقليدها من أهل العلم الكبار، والأمر معروض بين يديهم، ولو كان فيه ما فيه ما عرضوا عبادات الناس للخطر، نسأل الله -جل وعلا- أن يدلهم على الصواب، وأن يوفقهم للعمل به والأمر بين أيدهم، والله المستعان، نعم.

شرح حديث: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر))
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج كلهم يحدثونه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)).
يقول الإمام مالك -رحمه الله- يروي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار، ويروي أيضاً عن بسر بن سعيد وعن الأعرج، الثلاثة كلهم يحدثونه عن أبي هريرة، والإمام البخاري يروي الخبر من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن هؤلاء الثلاثة، عن عطاء بن يسار وعن بسر بن سعيد وعن الأعرج، كلهم عن أبي هريرة، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)).

(1/25)


((أدرك)) يعني تمكن من فعل هذه الركعة قبل طلوع الشمس، وأضاف إليها أخرى بعد طلوع الشمس أدرك صلاة الصبح في وقتها، وهل تكون كلها أداء أو يكون ما في الوقت أداء وما بعد الوقت قضاء؟ قولان لأهل العلم، والمرجح أنها أداء، مادام أدرك جزءاً منها في الوقت فهي أداء، ومثلها العصر إذا أدرك ركعة قبل غروب الشمس وأضاف إليها ثلاث ركعات بعد الغروب، يكون مدركاً للعصر، وهذا ما يدل عليه الحديث، وهذا من فضل الله -جل وعلا-، وسعة فضله ورحمته، وإلا القياس أن يكون ما أدركه في الوقت أداء وما أدركه بعد الوقت قضاء، والحديث يدل على أن من أدرك أقل من ركعة .. ، أدرك أقل من ركعة كبر للإحرام وقرأ الفاتحة ثم طلعت الشمس أو قرأ الفاتحة وما بعدها، والمراد بالركعة هنا الكاملة بقيامها وركوعها وسجدتيها، فإذا أدرك الركعة كاملة أدرك الوقت، وبهذا قال جمع من أهل العلم، وهو ما يدل عليه الحديث، جاء في الصحيح: ((من أدرك سجدة)) ((من أدرك سجدة)) بدل ركعة، وبهذا يستدل من يقول: إنه يدرك الوقت بإدراك أي جزء من الصلاة، وهذا نسبه النووي للجمهور، يعني لو كبر قبل طلوع الشمس ثم طلعت الشمس يكون مدرك، ومثله -هذا بالنسبة للصبح- ومثله بالنسبة لصلاة العصر، والحديث الذي معنا نص في الركعة، وبعد الحديث الذي ذكرناه في الصحيح: ((من أدرك سجدة)) جاء بعده عن الراوي: "والسجدة إنما هي الركعة" ومعلوم أن السجدة تطلق ويراد بها الركعة، والسجود يطلق على الركوع، {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّدًا} [(154) سورة النساء] يعني هل يتصور أن يدخلونه سجد وإلا ركوع؟ والعكس تطلق الركعة ويراد بها السجدة {وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [سورة ص: 24] يعني ساجد، والحديث صريح في الدلالة على أنه لا يدرك الوقت إلا إذا أدرك ركعة كاملة، وإن نسب النووي للجمهور أنه يدرك الوقت بإدراك أي جزء من الصلاة، فإذا صلى ركعة قبل أن تطلع الشمس ثم أضاف إليها الأخرى ولو بعد طلوع الشمس يكون مدركاً للوقت، وعرفنا أن مثل هذا العمل لا ينبغي للمسلم اعتماده، أن يعتمد مثل هذا ويؤخر الصلاة حتى لا يبقى من وقتها إلا دقيقة أو دقيقتين ثم بعد ذلك يصلي، لا، إنما يصلي الصلاة لوقتها، مقتدياً بالنبي -عليه

(1/26)


الصلاة والسلام-، حيث ينادى بها مع جماعة المسلمين هذا الأصل، لكن من غلبته عيناه أو انشغل بأمر لا يستطيع تركه، وفي تركه حرج ومشقة، مثل هذا الأمر فيه سعة ولله الحمد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- نام عن صلاة الصبح ولم يوقظه إلا حر الشمس، وهذا أيضاً من رحمة الله -جل وعلا- بعباده، وإلا لو تصورنا مثلاً أن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما حصل له هذا الموقف، ما فاتته صلاة قط، كيف يهنأ للمسلم عيش وهو يفوته ما يفوته في كل يوم أو في كل أسبوع أو في كل شهر؟ والناس يتفاوتون في حرصهم على الخير، لكن من رحمة الله -جل وعلا- بعباده أن نام النبي -عليه الصلاة والسلام- عن هذه الصلاة، فنومه -عليه الصلاة والسلام- فيه تسلية لمن يحصل له مثل هذا، وإلا كثير من الناس ما يحتمل مثل هذا الحدث، لحرصهم على الخير، ولذا لا ينبغي للمسلم أن يؤخر الصلاة إلى آخر وقتها، ويجعل صلاته على خطر، ولو أدرك الوقت بإدراك ركعة، لا يعرض صلاته للخطر، لكن لو حصل له ما يمنعه مما لا يستطيع دفعه فالدين فيه فسحة ولله الحمد، والأصل أن الصلاة تصلى في أول وقتها إلا ما استثني من صلاة الظهر في حال الحر الشديد، وصلاة العشاء الأفضل تأخيرها ما لم يشق على المأمومين وهكذا.
الإدراك: عندنا إدراك وقت كما هنا، وإدراك ركعة، يدرك الوقت بإدراك ركعة على الخلاف الذي ذكرناه، وتدرك الركعة بإدراك الركوع خلافاً لمن لا يسقط الفاتحة عن المسبوق قول أبي هريرة وقال به بعض العلماء، لكن عامة أهل العلم على أن الركعة تدرك بالركوع، والمسبوق تسقط عنه الفاتحة، إدراك تكبيرة الإحرام وإدراك الجماعة، عندنا الإدراكات: إدراك الوقت كما هنا، إدراك الركعة بإدراك الركوع، إدراك تكبيرة الإحرام بأي شيء؟ نعم؟ قبل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، قبل أن يشرع بالركن الذي يليها وهو القراءة، ومنهم من يقول: تفوت التكبيرة بفوات الركن الثاني وهو الفاتحة، ولذا جاء عن بلال أنه يقول: "لا تسبقوني بآمين"، المقصود أن .. ، لعل الإنسان أن يحرص أن يكبر قبل أن يشرع الإمام في القراءة ليدرك تكبيرة الإحرام.

(1/27)


إدراك الجماعة: إدراك الجماعة منهم من يقول: يدركها إذا أدرك أي جزء من الصلاة، وهذا قول الأكثر، ولذا عند الفقهاء من كبر قبل سلام إمامه التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس، وجمع من أهل التحقيق يرون أنه لا يدرك الجماعة إلا إذا أدرك ركعة؛ لأن ما دون الركعة لا يسمى صلاة، وهذا يأتي -إن شاء الله تعالى-، لكن استطراد بمناسبة الإدراك، نعم.

(1/28)


هنا ملاحظة: مذهب الحنفية له ارتباط في هذا الحديث، عند الحنفية أنه إذا كبر لصلاة الصبح ثم طلعت عليه الشمس ما الحكم عندهم؟ ها؟ تبطل الصلاة عندهم، إذا طلعت عليه الشمس تبطل صلاته، بينما الشق الثاني من الحديث لو كبر قبل غروب الشمس ثم غربت عليه الشمس ما تبطل صلاته، ما الفرق بين المسألتين؟ نعم هو في صلاة الصبح دخل وقت النهي، وفي صلاة العصر خرج وقت النهي والفرق ظاهر، ولذا لا يصححون حتى الفريضة عندهم في وقت النهي اللي هو المضيق، ويستدلون بكونه -عليه الصلاة والسلام- لما انتبه وقد طلعت عليه الشمس أخر الصلاة حتى انتقل إلى مكان آخر، هم يقولون: لكي يخرج وقت النهي وترتفع الشمس، لكن إذا عرفنا أنه لم يوقظه -عليه الصلاة والسلام- إلا حر الشمس يكون حينئذ وقت النهي قد خرج بلا شك، وقت النهي قد خرج، وكونه -عليه الصلاة والسلام- انتقل لأن قضاء الفوائت يجب فوراً، كونه انتقل من المكان إلى مكان آخر بينت العلة في النص "لأنه مكان حضر فيه الشيطان" وعلى هذا من فاتته الصلاة في مكان نام عن صلاة هل ينتقل إلى غيره لأنه مكان حضر فيه الشيطان؟ هل يشرع له أن ينتقل أو نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف أنه حضر الشيطان؟ نعم، أنت افترض أن شخص ما عنده إلا غرفة واحدة وين ينتقل؟ يصلي في الشارع وإلا وين يروح؟ نعم، وإذا تصورنا أن مع الأسف الشديد بيوت كثير من المسلمين لا تفارقها الشياطين، وين بيصلي هذا؟ البيت الذي فيه كلب أو صورة هذا لا تدخله الملائكة، وإذا كان المكان يخلو من الملائكة من يخلفه، البيت الذي تستعمل فيه المنكرات من معازف ومزامير ورقية الشيطان، يعني المسألة تحتاج إلى إعادة نظر، كثير من المسلمين تساهل، تسامح إلى حد غير مرضي، ولا تجد فرق في حياته بينه وبين غيره، مع الأسف أنه يوجد بين .. ، عند بعض طلاب العلم مثل هذه الأشياء، توسعوا توسعاً غير مرضي، وعللوا لأنفسهم، واسترسلوا في استعمال المباحات حتى وقعوا في الشبهات ثم المحرمات، والله المستعان، فعلينا أن نحرص الحرص الشديد أن نطهر بيوتنا من هذه الآلات الجالبة للشياطين، الطاردة للملائكة، والله المستعان، نعم.

(1/29)


شرح حديث: عن مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله: "إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ثم كتب أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعاً إلى أن يكون ظل أحدكم مثله، والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة قبل غروب الشمس، والمغرب إذا غربت الشمس، والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، والصبح والنجوم بادية مشتبكة".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن نافع مولى عبد الله بن عمر أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله: "إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ثم كتب أن صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعاً إلى أن يكون ظل أحدكم مثله، والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة قبل غروب الشمس، والمغرب إذا غربت الشمس، والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه، والصبح والنجوم بادية مشتبكة".

(1/30)


يقول -رحمه الله تعالى-: "عن مالك عن نافع مولى ابن عمر أن عمر بن الخطاب -الخليفة الراشد- كتب إلى عماله: "إن أهم أمركم عندي الصلاة" وهي كذلك في الشرع؛ لأنه يخاطب من يقول: لا إله إلا الله، فأهم الأركان بعد لا إله إلا الله، بعد الشهادتين الصلاة، الركن الثاني، "إن أهم أمركم عندي الصلاة فمن حفظها وحافظ عليها"، حفظها وأتقنها، وجاء بها على مراد الله -عز وجل- على ما بينه رسوله -عليه الصلاة والسلام- حافظ عليها، سارع إلى فعلها في وقتها، "حفظ دينه"، وجاء في الحديث أن المقياس الصلاة في الحساب، فإذا قبلت صلاته قبل سائر عمله، وإذا ردت رد سائر عمله، "فمن حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وآخر ما تفقدون من دينكم الصلاة"، نعم الصلاة ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، فالشيء الذي يفقد آخره نعم يفقد كله، إذا شربت آخر دفعة في الإناء، يكون فيه شيء؟ ما يكون فيه شيء، ويوجد في بيوت المسلمين من يضيع الصلاة عن وقتها، ويجمع الصلوات من غير عذر، بل وجد من لا يصلي بالكلية، مع الأسف الشديد، ومعروف حكم تارك الصلاة، القول المفتى به والذي تدل عليه النصوص أنه يكفر، بعض علماء المغرب في القرن السابع يقرر أن الخلاف في حكم تارك الصلاة كلام نظري، كلام نظري يمرن عليه الطلاب، ما هو بكلام عملي، يتصور أن يقع، لا، يعني كما تقرءون في كتب الفرائض: توفي شخص عن مائة جدة كلام نظري ما يمكن يقع، لكن يمرن عليه الطلاب فقط، يعني لا يتصور أن مسلم يترك الصلاة، يقول: نعم، إن وجد في عند شرار الناس في آخر الزمان بعد الدجال وبعد .. ، يمكن، أما في وقت استقامة الحال في ظل دولة مسلمة تأطر الناس على الحق ما يتصور هذا، والله المستعان. "ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، ثم كتب أن صلوا الظهر" يبين -رضي الله عنه وأرضاه- المواقيت "صلوا الظهر إذا كان الفيء ذراعاً" يعني بعد الزوال، وبعد فيء الزوال إلى أن يكون ظل أحدكم مثله، بين وقت الظهر بداية ونهاية، "والعصر والشمس مرتفعة بيضاء نقية"، يعني قبل أن تصفر الشمس "قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة قبل غروب الشمس" الفرسخ كم كيلو؟ خمسة؟ كم كيلو؟
طالب:. . . . . . . . .

(1/31)


أو خمسة؟ ها؟ قريب من الخمسة، خمسة كيلو، "قدر ما يسير الراكب فرسخين أو ثلاثة" يعني كم كيلو فرسخين أو ثلاثة؟ خمسة عشر كيلو، خمسة عشر كيلو تمشي على الأقدام بكم؟ الكيلو في المشي المتوسط عشر دقائق، لكن الراكب يقطعها بمدة أقل، المقصود أنا إذا نظرنا إلى هذه المسافة إلى غروب الشمس عرفنا أن الصلاة تصلى والشمس بيضاء نقية، لم تصفر في أول وقت، "والمغرب" يعني: وصلوا المغرب إذا غربت الشمس، لا بد من تحقق الغروب، "والعشاء إذا غاب الشفق إلى ثلث الليل" كما صلى جبريل بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في اليوم الثاني إلى ثلث الليل، ويبقى أن الوقت يمتد إلى نصفه على ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو، وفيما قررناه سابقاً، "فمن نام فلا نامت عينه، فمن نام فلا نامت عينه" ثلاثاً، إيش معنى من نام؟ نام متى؟ نعم، نام عن صلاة العشاء، كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يكره النوم قبلها، كما أنه -عليه الصلاة والسلام- يكره الحديث بعدها، "من نام" يعني قبل صلاة العشاء يدعو عليه ألا ينام، أن يصاب بالأرق، "فمن نام فلا نامت عينه" أو يبتلى بأمر يشغله عن النوم في بدنه أو ماله أو ولده، يدعى عليه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يكره النوم قبلها.
"والصبح –يعني: وصلوا الصبح- والنجوم بادية مشتبكة" يعني في الظلام، قبل الإسفار الذي تختفي بسببه النجوم، ومفاده أن تصلى الصبح في أول وقتها على ما تقدم من فعله -عليه الصلاة والسلام-، نعم.

شرح حديث: "عن مالك عن عمه أبي سهيل عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى: "أن صل الظهر إذا زاغت الشمس، والعصر والشمس بيضاء نقية، قبل أن يدخلها صفرة، والمغرب إذا غربت الشمس، وأخر العشاء ما لم تنم، وصل الصبح والنجوم بادية مشتبكة، واقرأ فيها بسورتين طويلتين من المفصل".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن عمه أبي سهيل عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى: "أن صل الظهر إذا زاغت الشمس، والعصر والشمس بيضاء نقية، قبل أن يدخلها صفرة، والمغرب إذا غربت الشمس، وأخر العشاء ما لم تنم، وصل الصبح والنجوم بادية مشتبكة، واقرأ فيها بسورتين طويلتين من المفصل".

(1/32)


يقول: "وعن مالك عن عمه أبي سهيل" عن عمه أبي سهيل بن مالك اسمه نافع، نعم، "عن أبيه" مالك بن أبي عامر "أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: أن صلِ الظهر إذا زاغت الشمس" يعني إذا مالت إلى جهة المغرب، "والعصر والشمس بيضاء نقية"، يعني في أول وقتيهما "قبل أن يدخلها صفرة" على ما تقدم، "وصلِ والمغرب إذا غربت الشمس" إذا تأكدت من سقوط الشمس ومغيبها صلِ المغرب ولا تؤخرها عن ذلك لأن تعجيلها أفضل، "وأما العشاء فأخرها ما لم تنم" يعني لا تعرض صلاتك للخطر، من السنة في صلاة العشاء أن تؤخر، ((إنه لوقتها)) يعني ثلث الليل ((لولا أن أشق عليكم)) لكن إذا وجدت المشقة فيبادر بها؛ لئلا يشق على الناس، لكن لو اجتمع مجموعة واتفقوا على أن يخروا صلاة العشاء إلى ثلث الليل أفضل بلا شك، أما إذا وجد من يشق عليه التأخير فصلاتها في أول الوقت أفضل، ولذا قال: "وأخر العشاء ما لم تنم" لأنه إذا غالبه النوم شق عليه التأخير، كما أنه لو ارتبط بجماعة واضطرهم إلى التأخير شق عليهم، الأفضل فعل الأرفق بالمأمومين.
"وصل الصبح والنجوم بادية مشتبكة" يعني قبل الإسفار الذي يذهب بسببه .. ، تذهب بسببه النجوم، "واقرأ فيها –يعني في صلاة الصبح- بسورتين طويلتين من المفصل" من المفصل: والمفصل من ق إلى آخر القرآن، ومنهم من يقول: من الحجرات إلى آخر القرآن، لكن التحزيب المعروف عن الصحابة يدل على أنه المفصل من ق؛ لأنهم يجعلون القرآن سبعة أحزاب، ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاثة عشرة، ثم المفصل، ثلاث سور، التي هي إيش؟ البقرة وآل عمران والنساء، ثم خمس: المائدة والأنعام والأعراف والأنفال والتوبة، ثم سبع: يونس وهود ويوسف والرعد، إبراهيم، الحجر، النحل، ثم تسع: من الإسراء إلى يس، من الإسراء إلى إيش؟ إلى قبل، نعم إلى الشعراء، ثم إحدى عشرة: من الشعراء إلى يس، ثم ثلاثة عشرة من يس إلى الحجرات، ثم المفصل من ق، دل على أن المفصل يبدأ من ق إلى آخر القرآن، ويقرأ في صلاة الصبح من طواله، نعم.
طالب:. . . . . . . . .

(1/33)


إيه هذا هو، هذا هو، فمن طوال المفصل هذه السنة في صلاة الصبح، وجاء في وصفها أنها تطول فيها القراءة، ففي حديث عائشة: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين فأقرت صلاة السفر وزيد في الحضر، وزيد في الحضر، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة" تطول فيها القراءة، وحفظ عنه -عليه الصلاة والسلام- تطويل صلاة الصبح، وتطويل صلاة الظهر بما لا يشق على المأمومين، بما لا يشق على المأمومين، فإذا شق عليهم كره التطويل ((أفتانٌ يا معاذ؟ )) وأهل العلم يقررون شيء مطرد في صلاة الصبح تطول القراءة من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره، وما عدا ذلك من أوساطه، لكن هذا أغلبي وليس بكلي بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قرأ في المغرب بالطور، وقرأ فيها الأعراف، لكن الغالب أن هذه صفة صلاة المغرب القصر، وصفة صلاة الصبح الطول، قرأ في صلاة الصبح الزلزلة، فدل على أن التطويل والتقصير أغلبي لا كلي، نعم.

شرح حديث: "عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: "أن صلِ العصر والشمس بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب ثلاثة فراسخ، وأن صلِ العشاء ما بينك وبين ثلث الليل، فإن أخرت فإلى شطر الليل، ولا تكن من الغافلين".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى الأشعري: "أن صلِ العصر والشمس بيضاء نقية قدر ما يسير الراكب ثلاثة فراسخ، وأن صلِ العشاء ما بينك وبين ثلث الليل، فإن أخرت فإلى شطر الليل، ولا تكن من الغافلين".
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عمر بن الخطاب كتب إلى أبي موسى" عاملة على إيش؟ أبو موسى؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .

(1/34)


نعم عامله على الكوفة "أن صلِ العصر والشمس بيضاء نقية –كما تقدم- قدر ما يسير الراكب ثلاثة فراسخ" خمسة عشر كيلو قبل غروب الشمس، "وأن صلِ العشاء ما بينك وبين ثلث الليل"، يعني من بين مغيب الشفق إلى ثلث الليل، والأصل التأخير، إلا إذا اعترى هذا الأصل ما يعارضه من مشقة، ولذلك قال في الرواية السابقة: "ما لم تنم" "فإن أخرت فإلى شطر الليل" فدل على أن وقت صلاة العشاء ينتهي بمنتصف الليل، "فإن أخرت فإلى شطر الليل" يشهد له حديث عبد الله بن عمرو الذي ذكرناه آنفاً، "ولا تكن من الغافلين" يعني إن أخرتها عن هذه الأوقات فأنت من الغافلين، والغفلة والسهو بمعنى واحد، فالذي يؤخر الصلاة عن وقتها ساهٍ عنها، {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ} [(1) سورة الماعون] نعم، {فَذَلِكَ الَّذِي} [(2) سورة الماعون] نعم، {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [(4 - 5) سورة الماعون] {الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} هم الغافلون، الذين يؤخرون الصلوات عن أوقاتها، هؤلاء لهم ويل، كلمة عذاب، نسأل الله العافية، أو وادٍ في جهنم، الأمر ليس بالسهل، ليس بالهين، بعض الناس ديدنه تأخير صلاة الصبح إلى أن يخرج للدوام، الدوام يبدأ سبع يركب الساعة ست ونصف ويأتي بركعتين ويخرج للدوام، هذا جمع من أهل العلم يقولون: لا يصلي، خلاص إذا تعمد تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها لا يصلي، وابن حزم كما ذكرنا آنفاً نقل الإجماع على أنه لا يصلي، وإن كان عدا الإجماع نقل عن الطرف الأخر أنه يلزمه القضاء، وعليه الإثم الشديد، ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب، نسأل الله العافية، نعم.

شرح حديث: "عن مالك عن يزيد بن زياد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سأل أبا هريرة عن وقت الصلاة فقال أبو هريرة: "أنا أخبرك صلِ الظهر إذا كان ظلك مثلك، والعصر إذا كان ظلك مثليك، والمغرب إذا غربت الشمس، والعشاء ما بينك وبين ثلث الليل، وصلِ الصبح بغبش، يعني الغلس".
أحسن الله إليك:

(1/35)


"عن مالك عن يزيد بن زياد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سأل أبا هريرة عن وقت الصلاة فقال أبو هريرة: "أنا أخبرك صلِ الظهر إذا كان ظلك مثلك، والعصر إذا كان ظلك مثليك، والمغرب إذا غربت الشمس، والعشاء ما بينك وبين ثلث الليل، وصلِ الصبح بغبش، يعني الغلس".

(1/36)


يقول: "وحدثني عن مالك عن يزيد بن زياد" أو ابن أبي زياد؟ غير يزيد بن أبي زياد، "عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه سأل" عبد الله بن رافع مولى أم سلمة "سأل أبا هريرة عن وقت الصلاة فقال أبو هريرة: أنا أخبرك صلِ الظهر إذا كان ظلك مثلك، والعصر إذا كان ظلك مثليك، والمغرب إذا غربت الشمس" صلِ الظهر إذا كان ظلك مثلك، كلام صحيح؟ مقبول؟ أو مراده إلى أن يصير؟ يعني لا تؤخرها عن هذا؟ يعني كأنه يفترض أن الرجل يريد أن يؤخر الصلاة، يعني لا تؤخرها عن هذا الحد، فهذه نهاية وقت صلاة الظهر، لا أنه يأمره ابتداءً أن يصلي أو يؤخر الصلاة إلى هذا الحد، كأنه عرف من حاله أنه لا يتمكن من الصلاة في أول وقتها، فيقول: أقل الأحوال أن تصلي إذا صار ظلك مثلك، وهو نهاية وقت صلاة الظهر وإلا في حال السعة ووقت الاختيار لا، لا يرقب الإنسان آخر الوقت، بل عليه أن يبادر، أو يكون الوقت والظرف الذي يعيشه وقت السؤال وقت حر شديد، وحينئذ يأمره بأن يصلي صلاة الظهر في آخر وقتها، للأمر بالإبراد، "والعصر" يعني وصلِ العصر "إذا كان ظلك مثليك" مثليك، وعرفنا أن الحنفية يقولون: يبدأ وقت صلاة العصر إذا صار ظل الشيء مثليه، والجمهور على أنه يبدأ إذا صار ظل الشيء مثله، وعلى كل حال إذا كان ظله مثليه يكون انتصف الوقت، وهو في الوقت ولم تصفر الشمس بعد، "والمغرب" يعني: وصل المغرب "إذا غربت الشمس، والعشاء ما بينك وبين ثلث الليل" وهذا كله تقدم، في موطأ محمد زيادة في هذا الخبر: "فإن نمت إلى نصف الليل فلا نامت عينك" "وصلِ الصبح بغبش، يعني الغلس"، كما هو في رواية محمد، يقول: "وصلِ الصبح بغلس" وهنا: "بغبش" والغبش: هو الغلس كما جاء تفسيره في الخبر، يعني الغلس، وإن قال الخطابي: "الغبش قبل الغبس وبعده الغلس" غلس وغبش وغبس، مرتبة، الغبش قبل الغبس، والغبس قبل الغلس، وهي متقاربة، كلها في أول وقت صلاة الصبح، نعم، والجمهور على تقويته. . . . . . . . .

شرح حديث: "عن مالك عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: "كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر".

(1/37)


أحسن الله إليك:
"عن مالك عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: "كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر".
قوله: "لا يتابع على حديثه ما دام الجمهور على توثيقه" يحتمل أنه على حديث معين، على حديث معين، خالف فيه غيره من الثقات فلا يتابع عليه، وهنا يقول أيضاً: "وحدثني عن مالك عن إسحق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: "كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر"، "كنا نصلي" وهذا من باب قول الصحابي: كنا نفعل، كنا نفعل، فإن أضافه إلى عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- فلا إشكال في كونه مرفوع، لكن إن لم يضفه كما هنا "كنا نصلي"؟ فالخلاف بين أهل العلم في كونه مرفوع أو موقوف معروف، لكن ظاهر من قوله أو من السياق أنه في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-، "كنا نصلي العصر ثم يخرج الإنسان إلى بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون العصر" كانت منازلهم خارج المدينة، وهم يؤخرون الصلاة عن أول وقتها ولا يخرجونها عن الوقت المختار، يعني إلى منتصف الوقت، فهذا يدل على أن النبي -عليه الصلاة والسلام- يبادر بصلاة العصر، فيخرج الخارج إلى مسافة ميلين من المدينة إلى منازل بني عمرو بن عوف فيجدهم يصلون، وهم يصلون في الوقت، فدل على أن السنة المبادرة بصلاة العصر، وعدم تأخيرها، والحديث مخرج في البخاري من طريق عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن إسحاق عن أنس، ففيه دليل على مشروعية المبادرة بصلاة العصر، نعم.

شرح حديث: "عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أنه قال: "كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك أنه قال: "كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة".

(1/38)


وهذا مثله يقول: "كنا نصلي العصر ثم يذهب الذاهب إلى قباء فيأتيهم والشمس مرتفعة"، ما زالت بيضاء مرتفعة لم تصفر، بعد هذه المسافة من مسجده -عليه الصلاة والسلام- إلى قباء على ثلاثة أميال، من بعيد ولا يتصور أنهم على هذه الوسائل التي تقطع المسافات بالسرعة، لا، يعني إما على الأقدام أو على الدواب، وكلها بطيئة السير، ثلاثة الأميال تحتاج إلى ثلاث كيلو تبي نصف، ثلاثة كيلو تبي نصف، إيه، تبي ساعة، إيه ساعة إلا عشر، ساعة إلا .. ، قريب من الساعة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
على إيش؟ الكيلو كم تقطعه أنت؟ الكيلو عشر دقائق صح، هذا متوسط، وهذه ثلاثة أميال، إيه في عشرة، إيه ساعة إلا ربع، ساعة إلى عشر، نعم، الحديث مخرج في البخاري من طريق عبد الله بن يوسف التنيسي، وله رواية عن مالك، عن مالك عن ابن شهاب به، نعم.

شرح حديث: "عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد أنه قال: "ما أدركت الناس إلا وهم يصلون الظهر بعشي".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد أنه قال: "ما أدركت الناس إلا وهم يصلون الظهر بعشي".
عن مالك، يقول: حدثني "عن مالك عن ربيعة -الرأي- بن أبي عبد الرحمن عن القاسم بن محمد" أحد الفقهاء السبعة:
فخذهم عبيد الله عروة قاسم ... سعيد أبو بكر سليمان خارجة
فالقاسم أحد الفقهاء السبعة أنه قال: "ما أدركت الناس -يعني من التابعين، هو من التابعين- قال: "ما أدركت الناس –يعني الصحابة وكبار التابعين، وهم خيار الأمة- إلا وهم يصلون الظهر بعشي" بعشي: يعني بعد تمكن الوقت، والعشي يبدأ من الزوال إلى الغروب، فمراده أنهم لا يصلون حتى يتأكدون من دخول الوقت، وقد يفهم منه أنهم يؤخرون الظهر حتى يتمكن العشي من الدخول، وكأنه يلمح بذلك إلى الإبراد في الصلاة في وقت الحر، نعم.
يقول: نحن الآن عندنا في المدينة مطر والمسجد أمام بيتي مباشرة، والناس في المسجد يجمعون بالصلاة فهل يجوز لي أن أجمع معهم؟ مع أن المسجد قريب جداً؟
نعم يجوز أن تجمع؛ لأن الرخصة إذا نزلت أو أتيحت عمت، ولا يفترض أن الناس يستوون في المشقة، لكن إذا وجد أصل المشقة فتوجد الرخصة فتعم الجميع -إن شاء الله تعالى-، والدين -ولله الحمد- فيه فسحة لمثل هذا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(1/39)


الموطأ - شرح كتاب وقوت الصلاة (2)
شرح: باب: وقت الجمعة وباب: من أدرك ركعة من الصلاة، وباب: ما جاء في دلوك الشمس وغسق الليل
وباب: جامع الوقوت، وباب: النوم عن الصلاة"

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
سم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.

باب وقت الجمعة:
"باب وقت الجمعة: عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال: "كنت أرى طنفسة لعقيل بن أبي طالب يوم الجمعة تطرح إلى جدار المسجد الغربي فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب وصلى الجمعة، قال مالك -والد أبي سهيل-: ثم نرجع بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحاء".

(2/1)


نعم، وقت الجمعة: يقول الإمام، يروي الإمام مالك عن عمه أبي سهيل نافع بن مالك عن أبيه مالك بن أبي عامر أنه قال: "كنت أرى طنفسة" طنفسة بكسر الطاء والفاء على ما في النهاية، وفي المطالع -مطالع الأنوار لابن قرقول- يقول: الأفصح كسر الطاء وفتح الفاء طِنفَسة، ويجوز ضمها وكسرها، وهي بساط يبسط يقال له: خمل رقيق، بساط يبسط "لعقيل بن أبي طالب" في المسجد، وهو أخ لعلي بن أبي طالب، وجعفر بن أبي طالب، أكبر منهما، تأخرت وفاته إلى الستين، في "يوم الجمعة تطرح" هذه الطنفسة "إلى جدار المسجد -النبوي- الغربي" يعني الواقع في الجهة الغربية، "فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب وصلى الجمعة"، هل في هذا الحديث ما يدل على أن الصلاة تصلى -صلاة الجمعة- قبل الزوال أو بعده؟ الأكثر والجمهور على أن صلاة الجمعة وقتها وقت صلاة الظهر، تبدأ من بعد الزوال إلى نهاية وقت صلاة الظهر، والحنابلة عندهم يجوز فعلها قبل الزوال، فأول وقتها عندهم أول وقت صلاة العيد، وآخره آخر وقت صلاة الظهر، فالحديث ظاهر كما قال ابن حجر: بأن عمر كان يخرج بعد زوال الشمس وفهم بعضهم العكس أنه يخرج قبل زوال الشمس، لكن هل هذه الطنفسة .. ؟ هذه الطنفسة تطرح إلى الجدار الغربي، إلى جدار المسجد الغربي؟ هل معنى هذا أنها خارج المسجد أو داخل المسجد؟ هل يمكن أن يقول من يستدل بهذا الحديث على أن صلاة الجمعة تصلى قبل الزوال يكون الطنفسة تبسط داخل المسجد؟ على كلامه لا بد أن تكون خارج المسجد؛ لأنه إذا قلنا: الجدار الغربي إذا كان له ظل داخل المسجد فقطعاً بعد الزوال، إذا كان له ظل خارج المسجد فالمقطوع به أنه قبل الزوال، متصور يا إخوان؟. . . . . . . . . هذا الجدار الغربي، المسجد مكشوف وإلا مسقوف؟ لا تتصوروا أنه -يا إخوان- أن الأئمة يعني أغبياء يبي يقول: تبي يغشاها الظل وهي داخل المسجد نعم، ويقول: لا أن الخطبة .. ، أن عمر دخل قبل الزوال، نعم، الآن هذا جدار المسجد الغربي، إن كانت داخل المسجد فلن يغشاها ظل الجدار إلا بعد الزوال، إذا كانت خارج المسجد فيكون غشيان الظل لها قبل الزوال، ابن حجر يقول: النص أو الخبر ظاهر في أن عمر كان يخرج بعد زوال

(2/2)


الشمس، وفهم بعضهم العكس، يعني بناءً على أن هذه الطنفسة خارج المسجد، وإذا قلنا نظرنا إلى أن المسجد مكشوف أو ما هو مكشوف يعني إذا كان ما هو بمكشوف كيف يغشاها الظل؟ إذا كان مسقوف كيف يغشاها الظل؟ إلا أن تكون خارج المسجد، أو في رحبة المسجد وساحاته، وفهم بعضهم العكس ولا يتجه إلا إن حمل على أن الطنفسة كانت تفرش خارج المسجد وهو بعيد، والذي يظهر أنها تفرش له داخل المسجد، وعلى هذا فكان عمر -رضي الله عنه- يتأخر قليلاً بعد الزوال.
أولاً: كونها تفرش داخل المسجد أو خارجه أو في رحبة المسجد وساحاته، وفهم بعضهم العكس ولا يتجه إلا إن حمل على أن الطنفسة كانت تفرش خارج المسجد وهو بعيد، والذي يظهر أنها تفرش له داخل المسجد، وعلى هذا فكان عمر -رضي الله عنه- يتأخر قليلاً بعد الزوال.
أولاً: كونها تفرش داخل المسجد أو خارج المسجد، دلالة النص عليهما على حد سواء، نعم، هي تبسط إلى الجدار الغربي، لا أكثر ولا أقل، داخل أو خارج، يرجح كونهما خارج كون المسجد مسقوف، ويرجح كونها داخل ماذا يستفيد كونه يفرش له طنفسة خارج المسجد؟ على كل حال الحديث يستدل به المخالف ومخالفه على الاحتمالين، فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار فهمنا إيش يقول الشيخ؟ يقول: إذا كانت خارج المسجد هي ما تزال في ظل، ولو أراد أن يتحدث عن هذه الطنفسة وعلاقتها بالظل نعم إذا انكشف عنها الظل يحتاج إلى الكلام وإلا الأصل فهي في ظل، الكلام صحيح، لكن إذا أراد أن يقرر أن عمر يدخل إذا كان ظل الجدار بقدر هذه الطنفسة، يعني تقلص الظل حتى صار بقدرها، احتمال، نعم.

(2/3)


على كل حال النص المرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في البخاري عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي الجمعة حين تميل الشمس، حين تميل الشمس، (كان) تدل على الاستمرار، وتميل يعني تزول، ولذا القول المرجح قول الأكثر وأن وقت صلاة الجمعة هو وقت صلاة الظهر، وأنها لا تصح قبل الزوال، والحنابلة يجوزون صلاة الجمعة قبل الزوال، والقاعدة عندهم أن ما كان له سبب وجوب ووقت وجوب، ويذكرون هذه المسألة تحت هذه القاعدة: سبب وجوب ووقت وجوب، عندهم لا يجوز الفعل قبل السبب اتفاقاً، ويجوز بعد الوقت اتفاقاً، والخلاف فيما بينهما، فعندنا سبب وجوب لصلاة الجمعة وهو طلوع الشمس من يومها، هذا سبب الوجوب، ووقت الوجوب من الزوال، لا تجوز قبل طلوع الشمس اتفاقاً، وتجوز بعد الزوال اتفاقاً، والخلاف فيما بين طلوع الشمس إلى زوالها، وعرفنا أن مذهب الجمهور أنها لا تصح.
من أمثلة هذه القاعدة: التكفير لليمين، انعقاد السبب، سبب الكفارة اليمين، ووقت وجوبها ولزومها الحنث، لا يجوز أن يكفر ولا يجزئ أن يكفر الإنسان قبل أن يعقد اليمين، ويجزئ أن يكفر اتفاقاً إذا حنث، لكن بينهما يجوز وإلا ما يجوز؟ يكفر ثم يحنث، ((إلا كفرت عن يميني ثم أتيت الذي هو خير)) بعض الروايات العكس، وهذا مستمسك من يقول: يجوز أن يكفر قبل أن يحنث.

(2/4)


نأتي إلى مسألتنا، على كل حال جاء عن بعض السلف، جاء عن بعض السلف صلاة الجمعة قبل الزوال، لكنه معارض بما جاء عن من هو أكثر وأجل منه أنهم صلوها ولم يصلوها قبل الزوال، صلوها بعده ولم يثبت عن أحداً منهم أنه -من الكبار- أنه صلاها قبل الزوال، نعم ذكر عن بعضهم أنه صلاها قبل الزوال، جاء في الحديث: "أن هذا يوم جعله الله عيداً للمسلمين" هذا يوم -الجمعة- جعله الله عيداً للمسلمين، قالوا: ما دام عيد وصلاة الجمعة صلاة عيد يكون وقتها وقت صلاة العيد، لكن هل يعارض هذا مثل قول أنس: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي الجمعة حين تميل الشمس" يعني التشبيه، تشبيه هذا اليوم الذي هو يوم الجمعة بالعيد هل يقتضي المشابهة من كل وجه؟ يعني هل لو قلنا مثلاً: يجوز صوم يوم العيد إذا صام يوماً قبله أو بعده مثل الجمعة يمكن أن يقال هذا؟ لا يمكن، والتشبيه من وجه لا يقتضي التشبيه من جميع الوجوه، فكون يوم الجمعة يوم عيد للمسلمين لا يعني أن صلاة الجمعة تصلى مثل صلاة العيد، فالمرجح في هذه المسألة هو قول الجمهور، وهو أن صلاة الجمعة لا تصح إلا بعد الزوال.
يقول: "فإذا غشي الطنفسة كلها ظل الجدار خرج عمر بن الخطاب وصلى الجمعة، قال مالك" والد أبي سهيل جد الإمام مالك: "ثم نرجع بعد صلاة الجمعة فنقيل قائلة الضحاء" الضحاء: يعني نقيل القائلة، نستريح الراحة، نرتاح الراحة التي كنا نقيلها في وقت الضحى؛ لأنه في يوم الجمعة لا يتمكنون من القيلولة؟ هم بصدد الاستعداد لصلاة الجمعة، وهم مأمورون بالتبكير لصلاة الجمعة، فيقيلون القائلة التي كانوا يقيلونها في الضحاء يقيلونها بعد صلاة الجمعة؛ لأنهم لا يتمكنون من القيلولة قبل صلاة الجمعة، نعم الحديث الذي يليه.

شرح حديث: "عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن ابن أبي سليط أن عثمان بن عفان صلى الجمعة بالمدينة، وصلى العصر بملل، قال مالك: "وذلك للتهجير وسرعة السير".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن ابن أبي سليط أن عثمان بن عفان صلى الجمعة بالمدينة، وصلى العصر بملل، قال مالك: "وذلك للتهجير وسرعة السير".

(2/5)


نعم عثمان بن عفان -رضي الله عنه- صلى الجمعة بالمدينة، يعني يستدل الحنابلة بفعل عمر وعثمان، يعني في الحديث السابق على القول بأن الطنفسة خارج المسجد في مستمسك للحنابلة، نعم، وفي حديث .. ، الحديث اللاحق أن عثمان بن عفان صلى الجمعة بالمدينة، وصلى العصر بملل، وهو موضع بين مكة والمدينة على سبعة عشر ميلاً من المدينة، خمسة وعشرين أو سبعة وعشرين كيلو أو أكثر من ذلك، "صلى العصر بملل وذلك للتهجير" يعني للتبكير بصلاة الجمعة وسرعة السير، يعني تقطع هذه المرحلة وهي المفازة الطويلة في الوقت الذي بين صلاة الجمعة وصلاة العصر، الحنابلة يقولون: ما يمكن أن تقطع هذه المسافة إلا إذا صلى الجمعة قبل الزوال، لكنه ليس بمفسر، النص ليس بمفسر، النص مجمل يعتريه ما يعتريه من الاحتمالات، وهناك أيضاً استدلال بخبر عمر أيضاً فيه ما فيه من الاحتمال، والنص الصحيح الصريح المرفوع أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصليها بعد أن تميل الشمس.
سم.

شرح: باب من أدرك ركعة من الصلاة:
أحسن الله إليك:
باب من أدرك ركعة من الصلاة:
عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب من أدرك ركعة من الصلاة" ترك الجوب جواب الشرط اكتفاءً بما في الحديث المترجم عليه، ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) لأنه لو أتى به كاملاً، لو قال: "باب من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة" هذا مستساغ في التأليف؟ يعني في التصنيف يأتي بترجمة مطابقة من كل وجه بحروفها للنص المترجم به؟ إذاً ما فائدة الاستنباط؟ ويأتي هذا كثير في البخاري، يأتي بالترجمة على سبيل التردد أو الاستفهام، أو يأتي بالشرط دون جوابه، لكي يشحذ ذهن الطالب، طيب من أدرك ركعة من الصلاة وبعدين؟ لأن بعض الناس قد يكتفي بالترجمة، ثم بعد ذلك يطلع على الحديث فيجد الجواب.

(2/6)


يقول: "حدثنا يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) " والحديث مخرج في الصحيحين في البخاري من طريق عبد الله بن يوسف التنيسي أحد رواة الموطأ، وفي مسلم من طريق يحيى بن يحيى، ومن طريق حرملة بن يحيى التجيبي، ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)) سبق حديث: ((من أدرك من الصبح ركعة قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح، ومن أدرك من العصر ركعة قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر)) فهل مفاد هذا الحديث هو مفاد الحديث السابق أو أن هذا محمول على أمر آخر؟ فذاك في إدراك الوقت ((من أدرك ركعة من الصلاة)) هل المراد من وقتها أو مع الإمام فيدرك فضل الجماعة؟ المقصود أن المسألة محتملة، ففي قوله: ((فقد أدرك الصلاة)) في النسائي زيادة لا بد منها؛ لأن ظاهر الحديث دونها متروك بالاتفاق، كالحديث السابق: ((من أدرك ركعة من الصبح قبل أن تطلع الشمس فقد أدرك الصبح)) يعني أدرك الوقت، وهل يكتفي بهذه الركعة أو لا بد من إضافة ركعة أخرى؟ لا بد من إضافة ركعة أخرى، وهذه جاءت مبينة عند البيهقي وغيره، وهنا زاد النسائي: ((من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة كلها إلا أنه يقضي ما فاته)) هذه الزيادة لا بد منها؛ لأن الحديث ظاهره يدل على أنه يكتفي بهذه الركعة، جاء والإمام في الركعة الثانية من صلاة الصبح صلى يسلم معه فقد أدرك الصلاة انتهى، قد يقول قائل: هذا الكلام، لكنه غير مراد بالإجماع، لا بد أن يضيف إليها أخرى.

(2/7)


الإدراك هنا، إدراك الفضل، فضل الصلاة، وإدراك الجماعة، وإدراك الوقت، ويدخل في ذلك صلاة الجمعة؛ لأنها صلاة، فتدرك صلاة الجمعة بإدراك ركعة، تدرك الجماعة بإدراك ركعة، ويحصل له الأجر المرتب على حضور الجماعة، وهي تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة أو بخمس وعشرين درجة، إلا أن هذه الدرجات متفاوتة، فمدرك الصلاة كلها يختلف أجره عن مدرك بعضها، ولذا قال بعضهم للتوفيق بين الروايات السبع والعشرين والخمس والعشرين: أن السبع والعشرين لمدرك الجماعة كلها، الصلاة كلها مع الإمام، والخمس والعشرين لمدرك البعض، وهناك أجوبة أخرى تأتي في محلها -إن شاء الله تعالى-.
المقصود أن الحديث يشمل ما يحتمله لفظ الإدراك من معنى، أو من معاني، فقد أدرك الصلاة، أدرك فضلها أدرك وقتها، أدرك الجماعة، أدرك الجمعة لأنها صلاة، في صحيح مسلم من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة زيادة مع الإمام: ((من أدرك ركعة من الصلاة مع الإمام)) وهذه الرواية ترجح أن المراد إدراك الجماعة، وإدراك الجماعة محل خلاف بين أهل العلم، والأكثر على أنها تدرك بإدراك أي جزء منها، وأشرنا إلى ذلك بالأمس، حتى قالوا: إن من كبر تكبيرة الإحرام قبل سلام الإمام التسليمة الأولى أدرك الجماعة ولو لم يجلس؛ لأنه أدرك جزءاً منها، لكن هذا الحديث صريح في أن الجماعة لا تدرك إلا بإدراك ركعة، والركعة لا تدرك إلا بإدراك الركوع قد يقول قائل: إذا فاتت الجماعة جئت والإمام جالس في التشهد الأخير أو في السجود في الركعة الأخيرة، إذاً فاتت الجماعة، نقول: لا تدرك الجماعة إلا بإدراك ركعة؛ لأن الركعة أقل ما يطلق عليه صلاة، وهنا: ((من أدرك ركعة)) وجاء في صحيح مسلم: "سجدة"، والسجدة إنما هي الركعة كما أشرنا بالأمس.
يقول: أدخل مع الجماعة أو أصلي منفرد أو أنتظر لعل الله أن يأتي بجماعة لأدرك الجماعة بيقين؟ فماذا يقال له؟ ينتظر ليدرك الجماعة بيقين أو يصلي ما أدرك ويقضي ما فاته ((وما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا))؟ نعم يعني يغلب على ظنه، ليدرك الجماعة بيقين، وإن غلب على ظنه أنه لا يوجد جماعة أخرى يدخل مع الإمام.

(2/8)


حديث: ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام))، وأيضاً: ((ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) يدل على أنه يدخل مع الجماعة الأولى على أي حال، وقد يستروح بعضهم أنه ينتظر ما دام يغلب على ظنه وجود جماعة أخرى ليدرك الجماعة بيقين, والمسألة اجتهادية، فأهل العلم يقولون: ظاهره متروك بالإجماع، سم.

شرح حديث: "عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر بن الخطاب كان يقول: "إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر بن الخطاب كان يقول: "إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة".

(2/9)


يقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: "إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة" لأنه قد يقول قائل: إيش فائدة هذا الكلام؟ هل لهذا الكلام فائدة؟ معلوم أنه إذا فاتك الركوع تأتي بركعة كاملة، لكن قد يتوهم أحد بل يفهم من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا)) أنه إذا أدرك سجدة مع الإمام لماذا يأتي بالركعة كاملة، يأتي بالركوع، ويسجد سجدة ويكفي؛ لأنه أدرك سجدة من هذه الركعة، لماذا تؤمر بإعادة هذا؟ يقول ابن عمر -رضي الله عنهما-: "إذا فاتتك الركعة فقد فاتتك السجدة" نفياً لهذا الفهم الذي قد يفهمه بعض الناس وإن كان بعيداً، فلا يكون بإدراك السجدة مدركاً لشيء من الركعة لا ركعة كاملة ولا جزء من ركعة، وإذا ضممنا هذا الكلام للحديث السابق أنك إذا فاتتك الركعة وفاتك تبعاً لذلك السجدة أنك لا تكون بهذا مدركاً للصلاة، يعني مع الإمام كما في الحديث السابق، إذا فاتك الركوع فاتتك الركعة، وهذا هو الذي استقر عليه الاتفاق، يوجد خلاف قديم من بعض السلف أنك إذا كبرت للركوع بعد رفع الإمام ووافقت أحداً من المصلين وهو راكع تكون مدرك للركعة، وبعضهم يقول: إذا كبرت ولو لم تركع يعني كبرت والإمام راكع ولو لم تركع أدركت الركعة، المقصود أن كل هذه أقوال ضعيفة مهجورة، والذي استقر عليه الاتفاق أنك لا تكون مدركاً للركعة حتى توافق الإمام، تركع وتطمئن راكعاً قبل أن يرفع، وهنا مسألة وهي: فيما إذا زاد الإمام عن القدر الواجب من الركوع هل تدرك معه الركوع أو لا تدركه؟ القدر الواجب من الركوع معلوم، لكن إذا زاد، إذا قال: سبحان ربي العظيم مرة انتهى الواجب، لكن إذا زاد ثلاث، خمس، سبع، ثم أدركته في التسبيحات الأخيرة هل تكون مدركاً للركوع معه باعتبار أن الواجب انتهى وما عدا ذلك زيادة على القدر الواجب، وهو في هذا القدر الزائد على الواجب متنفل وليس بمفترض؟ فهل يرد مثل هذا على من لا يجيز إمامة المتنفل بالمفترض؟ هم يقولون: القدر الزائد على الواجب لا يخلو إما أن يكون متميزاً عن الواجب أو غير متميز، يعني أنت مأمور بزكاة الفطر تخرج صاع عن نفسك، كلت صاعاً وربطه في كيس، ثم جئت بصاع آخر بكيس مستقل نقول: هذا كله واجب؟ أو

(2/10)


نقول: هذه متميزة هذا واجب وهذا مستحب؟ لكن إذا لم تتميز قالوا: الحكم واحد، الأصل أن الإمام صوته للانتقال فيكون معه من أوله إلى آخره هذا الأصل، لكن بعض الأئمة أو كثير من الأئمة ما يراعي هذا، يرفع قبل أو يكبر قبل ويوقع الناس في حرج.

شرح حديث: "عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت كانا يقولان: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة".
أحسن الله إليك:
"عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت كانا يقولان: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة"، نعم هذا من البلاغات بلاغات الإمام مالك، "عن مالك أنه بغله" الانقطاع ظاهر، مالك لم يدرك ابن عمر -رضي الله عنهما-، فلا بد من واسطة، وهذه البلاغات كلها موصولة، وصلها الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر سوى أربعة، وهذه الأربعة وصلها ابن الصلاح في جزء مستقل وهو مطبوع أيضاً، ووصلها الغالب أنه من طريق مالك، وقد وصل بعضها من غير طريقه، استغلق الأمر على ابن عبد البر فوصلها من غير طريق الإمام مالك، على طريقة الاستخراج.
"بلغه أن عبد الله بن عمر" والغالب أن المبلغ –نعم- نافع، "وزيد بن ثابت كانا يقولان: "من أدرك الركعة" في أكثر روايات الموطأ: "من أدرك الركعة قبل أن يرفع الإمام رأسه فقد أدرك السجدة"، هل يتصور إدراك ركوع دون إدراك سجود؟ ونربط الكلام الماضي بالحاضر؟ هل يتصور إدراك ركوع بدون إدراك سجود؟ لو أخذنا الكلام على عموم: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة"، واستحضرنا الحديث السابق: ((من أدرك ركعة من صلاة الصبح قبل أن تطلع الشمس -نعم- فقد أدرك الصبح)) هنا يمكن يدرك ركعة ولا يدرك سجدة، يركع فإذا رفع من الركوع طلعت الشمس، يرفع من الركوع ثم غربت الشمس في صلاة العصر، أدرك سجدة وإلا ما أدرك هناك؟ معروف هذا موجود في الصحيح من كلام الراوي، إحنا ما ذكرنا بالأمس أنه يطلق الركوع ويراد به السجود، ويطلق السجود ويراد به الركوع، {خَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص: 24]، هذا إيش؟ ساجد، {ادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً} [(58) سورة البقرة] سجود وإلا ركوع؟ ركوع.

(2/11)


وفي الصحيح يعني من كلام الراوي: "والسجدة إنما هي الركعة" لكن هنا من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة، لو أخذنا بهذا الكلام على إطلاقه واستحضرنا الحديث السابق: ((من أدرك من صلاة الصبح أدرك الصبح)) هذا أدرك ركعة، لكن هل يعني هذا أنه بالفعل يدرك سجدة؟ قد لا يدرك سجدة، لكن في مسألة الجماعة لا يرد مثل هذا الكلام، وفي الروايات أكثر الروايات: ((من أدرك الركعة قبل أن يرفع الإمام)) إذا أدرك الركعة. . . . . . . . . قطعاً سوف يدرك السجدة، قد يقول قائل: ما فائدة هذا الكلام؟ لماذا يورد مثل هذا الكلام؟ يعني إذا قلت: فلان بلغ سن الشيخوخة هل يعني هذا أنه تجاوز مرحلة الشباب ما مر بها؟ يمكن؟ ما يمكن، لا يمكن أن يصل إلى مرحلة الشيخوخة إلا وقد مر بالمراحل السابقة، وهنا لا يمكن أن يدرك الركوع مع الإمام إلا ويدرك السجود، لكن قد يقول قائل: على القول بأن من أحدث نعم في صلاته يتوضأ ويبني على ما مضى على ألا يتكلم، نقول: هذا مأموم لما رفع الإمام من الركوع أحدث وذهب وتوضأ وما تكلم وجد الإمام رفع من السجود هذا أدرك الركوع لكن أدرك السجود؟ هذا على التسليم بصحة الخبر والقول بمفاده، وإلا فالخبر ضعيف، وعلى هذا لو فاتت السجدة على القول بمفاد الخبر يعني يعفى عن السجود.
يا الإخوان قد نعرض بعض المسائل التي ليست راجحة عندنا، لكن من باب الزيادة في فهم الخبر وإفهامه، يعني الإمعان في فهم الخبر وإفهامه لا بد أن نتعرض لمثل هذه المسائل، والله المستعان، على كل حال الخبر ما في شك أنه على ظاهره، وأن من أدرك الركوع مع الإمام لا بد أن يدرك السجود، لكن لا يعني هذا أنه يكتفى بالركوع عن السجود، يعني لو قال: ما دام اثنان من جلة الصحابة قالوا: "من أدرك الركوع أدرك السجود" ليش أسجد؟ أنا ركعت إذاً أدركت الركعة ليش أسجد؟ نقول: هذه الأمور مرتب بعضها على بعض فإذا أدركت الأول أدركت الآخر من باب أولى، نعم.

شرح حديث: "عن مالك أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة، ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير".
أحسن الله إليك:

(2/12)


"عن مالك أنه بلغه أن أبا هريرة كان يقول: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير".
نعم هذا أبو هريرة وهو أيضاً بلاغ بلغه أن أبا هريرة كان يقول: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة" مثل ما قال ابن عمر وزيد بن ثابت، فقد أدرك السجدة، لماذا لم يقل: إن عبد الله بن عمر وزيد بن ثابت وأبا هريرة كانوا يقولون: "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة" أفرده عنهما للزيادة: "ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير"، وقد يكون الواسطة بينه وبين أبي هريرة غير الواسطة بينه وبين ابن عمر، فإذا جمع الثلاثة اقتضى أن يكون الطريق واحد، فأفرده عنهما لهذين الأمرين، "فقد أدرك السجدة"، "من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة"، هل يفهم من هذا أن أبا هريرة يرى أن الركعة تدرك بالركوع؟ من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة، ومن فاته قراءة أم القرآن فقد فاته خير كثير، لما يتبعها من التأمين، وما يترتب عليه من غفران ما تقدم من الذنوب، "إذا وافق تأمينه تأمين الملائكة"، يفوته أيضاً خير كثير بفوات الفاتحة؛ لأنه فاته قبلها تكبيرة الإحرام يعني من باب أولى، لكن هل كلام أبي هريرة -رضي الله عنه- يفيد أن الركعة تدرك بإدراك الركوع؟ من أدرك الركعة فقد أدرك السجدة، الفاتحة لا تسقط عن المسبوق، وهو المرجح عند البخاري والشوكاني وجمع من أهل العلم، لكن عامة أهل العلم على أن المسبوق تسقط عنه قراءة الفاتحة، فهل مثل هذا الكلام "عن أبي هريرة -رضي الله عنه-" يفهم منه أن الركعة تدرك بالركوع ولو فاتته قراءة الفاتحة؟ هذا ظاهر، هو رتب .. ، رتب الجزاء على الشرط، "فمن أدرك الركعة فقد أدرك السجدة" الظاهر في أنه يقول بهذا، والمعروف عنه أن الركعة لا تدرك بالركوع إنما لا بد من إدراك وقت كاف لقراءة الفاتحة، وعرفنا أن عامة أهل العلم على أن الركعة تدرك بالركوع، وحديث أبي بكرة ظاهر في هذا.

(2/13)


على كل حال الأمر كما قال أبو هريرة: "من فاتته قراءة أم القرآن فاته خير كثير" كما أن إدراك تكبيرة الإحرام خير من الدنيا وما فيها، الله المستعان، يعني لو الإنسان ينظر في حال الناس بما فيهم من ينتسب إلى العلم وطلبه وجد التفريط في هذا الباب، ونعم الجماعة تدرك بركعة، وهذا هو القدر الواجب وما عدا ذلك سنة يثاب عليه ولا يعاقب، ولاحقين على خير وأنا .. ، ويعلل لنفسه بأنه مشغول بتحصيل علم أو تعليمه ويفرط في هذا الخير الكثير، والله المستعان نعم.

شرح: باب: ما جاء في دلوك الشمس وغسق الليل:
أحسن الله إليك:
"باب ما جاء في دلوك الشمس وغسق الليل:
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "دلوك الشمس ميلها".
"باب ما جاء في دلوك الشمس" يعني ما جاء في تفسير دلوك الشمس وغسق الليل المذكور في قوله تعالى: {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [(78) سورة الإسراء] {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ} اللام هذه نعم، اللام {فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ} [(1) سورة الطلاق] جاء زيد لثلاث خلون، يقولون: هذه للتوقيت، هذه الآية {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} ثم بعد ذلك إيش؟ {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ} [(78) سورة الإسراء] يقولون: هذه الآية إحدى الآيات التي تشير إلى الصلوات الخمس، تشير إلى الصلوات الخمس، فدلوك الشمس يشير إلى صلاتي العشي، وغسق الليل إلى العشاءين، وقرآن الفجر إلى صلاة الفجر، ومثلها: {فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ} [(17) سورة الروم] {وَلَهُ الْحَمْدُ ... وَعَشِيًّا} [(18) سورة الروم].
يقول: "عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "دلوك الشمس ميلها" يعني إلى جهة المغرب، ويراد به الزوال، هذا مروي أيضاً عن أبي هريرة وابن عباس وأبي برزة وخلق من التابعين، فسروا الدلوك بالزوال، وروى ابن أبي حاتم عن علي أن دلوك الشمس غروبها، والذي في كتب اللغة كالأساس للزمخشري وغيره أن الدلوك هو الزوال، سمي بذلك لماذا؟ لأن الناظر إلى الشمس في هذا الوقت تؤلمه عينه بسبب النظر إليها فيضطر إلى دلكها، فيضطر إلى دلك عينه، نعم.

(2/14)


شرح حديث: "عن مالك عن داود بن الحصين قال: أخبرني مخبر أن عبد الله بن عباس كان يقول: "دلوك الشمس إذا فاء الفيء، وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته".
"عن مالك عن داود بن الحصين قال: أخبرني مخبر أن عبد الله بن عباس كان يقول: "دلوك الشمس إذا فاء الفيء، وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته".
يقول الإمام مالك -رحمه الله تعالى-: "عن داود بن الحصين قال: أخبرني مخبر" والطرق كلها تدل على أنه عكرمة مولى ابن عباس، أبهمه الإمام مالك لما نسب إليه من القول برأي الخوارج، ومعلوم أنه مجرد نسبة، نفاه جمع من أهل العلم كالذهبي وابن حجر، وأفاضوا في تفنيد هذه الشبهة، وهذه التهمة التي ألصقت به، هذا هو السبب في إبهامه؛ لأن الإمام مالك -رحمه الله تعالى- عرف من منهجه أنه لا يروي عن مبتدع، وأبهمه هنا لشكه فيما نسب إليه، وإلا الجادة عنده أنه لا يروي عن مبتدع، ثم تبين له بعد ذلك براءة عكرمة من هذه التهمة، فصرح باسمه في كتاب الحج، وقدم روايته على غيره، يعني في نفس الجزء ثلاثمائة وأربعة وثمانين، روى عنه، هنا يقول: وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس، قال: لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس .. إلى آخره، فهنا هي مجرد تهمة وإلا لو ثبت عند الإمام مالك ما نسب إليه لما روى عنه؛ لما عرف من مذهبه وشدة تحريه في ذلك، أبهمه ثم بعد ذلك صرح باسمه لما ترجح عنده براءته من هذه التهمة، والبخاري احتج به، لذا يقول الحافظ العراقي:
وفي البخاري احتجاجاً عكرمة ... مع ابن مرزوق وغير ترجمة
المقصود أن عكرمة ثقة لا إشكال فيه -إن شاء الله تعالى-.
قال: "أخبرني مخبر" هذه طريقة ومنهج عند أهل العلم في الإبهام، إذا وجدت الفائدة عند شخص يلاحظ عليه ما يلاحظ إما في اعتقاد أو في عمل فلا تضيع الفائدة ولا تهدر الفائدة ولا يصرح باسمه؛ لئلا تظن الموافقة، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- روى عن عمرو بن عبيد وأبهمه، وروى عن الذهلي وأهمله، أهمل اسمه ما صرح باسمه لما بينهم من الاختلاف في مسألة اللفظ.

(2/15)


وهكذا ينبغي أن يكون طالب العلم يحرص على الفوائد ممن جاء بها، ثم إذا كانت ممن يتشرف بالتصريح باسمه ممن لا ملاحظة عليه يصرح باسمه، وجدت فائدة في كتاب تقول: وجدت في كتاب كذا، لكن إذا كان هذا الكتاب يخشى من إشهاره بين طلاب العلم أن يتأثر الطلاب بما فيه من مخالفات، يكفي أن تقول: قال بعضهم، قال بعضهم، إذا كان القائل أيضاً عليه ما يلاحظ يبهم، كم من الفوائد التي توجد في كتب بعض من تلبس ببدعة مثل هذه الفوائد تستفاد، والحكمة ضالة المؤمن، لكن لا يصرح باسمه لئلا يفتتن به من لا يميز، من لا يميز بين الغث والسمين، هذا مسلك، والإبهام مفيد في مثل هذه الصورة، قد يبهم القائل للترويج، ترويج الكلام، ابن أبي العز لما نقل النقول الكثيرة عن شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم ولم يصرح بهما لا يقال: إن هذا خلل في التصنيف وهذه سرقة لا أبداً؛ لأنه ما نسب الكلام لنفسه، أحياناً يبهم، وأحياناً يأتي به بما يميزه، لكن السبب في ذلك ليروج الكتاب، والمسألة مسألة موازنة بين المصالح والمفاسد، فإذا أريد ترويج هذا الكلام وهذا العلم النافع ولو ترتب عليه مثل هذه الأمور التي الأصل فيها العدم.

(2/16)


قال: "أخبرني مخبر أن عبد الله بن عباس كان يقول: "دلوك الشمس إذا فاء الفيء" يعني فاء رجع، رجع إلى جهة المشرق، كان الفيء من طلوع الشمس إلى أن يقوم قائم الظهيرة في جهة المغرب، فإذا فاء الفيء ورجع إلى جهة المشرق هذا هو الدلوك الذي هو الزوال، وغسق الليل اجتماع الليل وظلمته، ما معنى اجتماع الليل؟ اجتماع الليل وظلمته؟ هم لما قالوا: إن الآية تشير إلى الأوقات الخمسة، قالوا: دلوك الشمس وقت للظهر والعصر، لصلاتي العشي، يعني إذا كانتا مجموعتين أو قيل باستمراره من الزوال إلى الغروب، وغسق الليل إذا قلنا: إنه من الغروب إلى طلوع الصبح فهو وقت لصلاتي الليل المغرب والعشاء، يقول: غسق الليل اجتماع الليل وظلمته، يقول: غسق الليل اجتماعه، وظلمته، {أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ} [(78) سورة الإسراء] يعني أقم الصلاة في هذه الأوقات، فالمراد بالظلمة هنا التأكد من غروب الشمس، وبهذا يدخل الليل، ثم يأخذ في صفته التي هي الظلام، نعم أقرأ.

شرح: باب: جامع الوقوت:
أحسن الله إليك:
"باب جامع الوقوت:
عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله)).

(2/17)


يقول -رحمه الله-: "عن نافع عن عبد الله بن عمر" وهذا أصح الأسانيد عند الإمام البخاري مالك عن نافع عن ابن عمر، فالحديث مروي بأصح الأسانيد على رأي الإمام -رحمه الله تعالى-، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله)) " تفوته صلاة العصر: الفوات هذا هل المراد به فوات الجماعة أو فوات الوقت؟ الجماعة؛ لأن فوات الوقت أعظم من ذلك: ((فقد حبط عمله))، ((كأنما وتر أهله وماله)) قد يكون لكل إنسان يعني جماعة على خلاف بين أهل العلم فيها في وجوبها واستحبابها، هل تصل إلى حد وتر أهله وماله؟ نقول: نعم، أهله وماله شيء من هذه الدنيا، والدنيا كلها لا تعدل شيئاً بالنسبة للآخرة وأمورها، تكبيرة الإحرام خير من الدنيا وما فيها، ومعلوم أن الأهل والمال جزء من هذه الدنيا، ((ركعتا الصبح –وهما سنة- خير من الدنيا وما فيها))، الذي تفوته صلاة العصر كأنما وتر أهله وماله، بنصب الأهل والمال، وبرفعهما أيضاً، والنصب هو المرجح عند الأكثر، بل قال جمع من أهل العلم: إنه هو الصحيح، وهو الذي عليه الجمهور.
((وتر أهله وماله)) وتر فعل ماض مبني للمجهول، وتر أهله، نائب الفاعل هو، وتر هو، الذي هو في الأصل إيش؟ المفعول الأول، وأهله وماله المفعول الثاني، فالفعل يتعدى إلى مفعولين كما في قوله تعالى: {وَلَن يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ} [(35) سورة محمد] والرفع: "وتر أهلُه ومالُه" على أساس أن الأهل نائب الفاعل والمال معطوف عليه، الإمام مالك -رحمه الله تعالى- يميل إلى التفسير الثاني، وتر .. ، {لَن يَتِرَكُمْ} لن ينقصكم، وتر نقص أهله وماله، سلب أهله، سلب الأهل والمال، كأنما سلب الأهل والمال، فنقول: كأنه سلب أهلَه ومالَه، فيكون المسلوب الأهل والمال، والسالب؟ والسالب هو الله -جل وعلا-، والمسلوب هو الذي فاتته صلاة العصر، فكأنه بقي بلا أهل ولا مال.

(2/18)


على رواية الرفع سلب أهلُه ومالُه، يعني أخذ منه أهله وماله، هل يختلف المعنى؟ هل يختلف المعنى أو لا يختلف؟ إذا قلت: أعطيت زيداً درهماً، هل هذا أصح أو تقول: أعطيت درهماً زيداً؟ هو مفعول، كلها مفاعيل، زيد؛ لأنه فاعل في المعنى؛ لأنه آخذ والدرهم مأخوذ، نأتي إلى ما عندنا وتر زيد نفترض المسألة في زيد فاتته صلاة العصر، وما أكثر من مثل زيد، يأتي من الدوام وقد بقي على الأذان ربع ساعة، يقول: بس آخذ لي غفوة وأقوم للصلاة، ثم لا ينتبه إلا المغرب، ما أكثر هذا النوع، ومعلوم ما جاء في المحافظة على صلاة العصر مع الفجر، واقتران ذلك برؤية الباري -جل وعلا- في الآخرة، الحديث الصحيح، فالمسألة ليست بالسهلة، "كأنما وتر أهله" يعني وتر الله زيداً أهله وماله، يعني عندنا موتور، مسلوب، هل المسلوب الموتور زيد وإلا الأهل والمال، يعني كلهم كأنهم قتلوا أو ماتوا وانتهوا زيد وأهله وماله وإلا بقي زيد بدون أهل ولا مال؟ أو بقي الأهل والمال بدون زيد؟ على رواية الرفع المسلوب زيد نفسه، وبقي الأهل والمال، وعلى رواية النصب العكس.
يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في الاستذكار: "معناه عند أهل اللغة: الذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب فيها ثأراً، فيجتمع عليه غمان، غم ذهاب أهله وماله، وغم ما يقاسي من طلب القهر"، شخص له ولد خرج مع الباب فقتله مكلف، أو خرج مع الباب فأكله سبع، أيهما أسهل على الإنسان؟ السبع أهون، خلاص انتهى، ارتاح، وهنا يقول ابن عبد البر في الاستذكار: "معناه عند أهل اللغة: الذي يصاب بأهله وماله إصابة يطلب فيها ثأراً" يعني الذي سلبه إياهم مكلف، يبحث عنه يحتاج إلى مدة للبحث عنه، ثم بعد هذه المدة يحتاج إلى مقاضاة ومطالبة وخصومات، المسألة تختلف، ويزداد الأمر غماً وهماً إذا لم يعلم بالوفاة، خرج مع الباب ولا .. ، خلاص ولا عثر له على أثر، ألا يزداد الأمر غماً على أغمام؟ نعم، فيتعب وراءه أكثر، نعم.

(2/19)


شرح حديث: "عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب انصرف من صلاة العصر فلقي رجلاً لم يشهد العصر فقال عمر: "ما حبسك عن صلاة العصر؟ " فذكر له الرجل عذراً، فقال عمر: "طففت" قال يحيى: قال مالك: "ويقال: لكل شيء وفاء وتطفيف".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عمر بن الخطاب انصرف من صلاة العصر فلقي رجلاً لم يشهد العصر فقال عمر: "ما حبسك عن صلاة العصر؟ " فذكر له الرجل عذراً فقال عمر: "طففت"، قال يحيى: قال مالك: "ويقال لكل شيء وفاء وتطفيف".
يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب" مفاوز، مفاوز بين يحيى بن سعيد المتوفى سنة أربع وأربعين ومائة وبين عمر -رضي الله عنه-، فيحيى يحكي قصة لم يشهدها، فالخبر متصل وإلا منقطع؟ منقطع، وهل مرد هذا إلى الصيغة؟ لأن بعضهم يرد هذا إلى الصيغة، ويقول: إن ما جاءنا بصيغة (أن) يحكم له بالانقطاع مطلقاً، بخلاف ما جاء بصيغة (عن) هل مرد هذا إلى هذه الصيغة، ولاختلاف الصيغة؟ يعني لو قال لو افترضنا أن يحيى بن سعيد قال: عن عمر بن الخطاب، إما أنه سيكون مدلس وإلا كاذب، المسألة مفترضة في ثقة إذاً لا بد من التدليس، وهل نقول: هذا تدليس؟ أو نقول: انقطاع ظاهر؟ انقطاع ظاهر وليس بخفي، هنا الصيغة أن عمر بن الخطاب، نأتي بمثال قريب: عن محمد بن الحنفية عن عمار بن ياسر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مر به، رواية أخرى: عن محمد بن الحنفية أن عمار بن ياسر مر به النبي -عليه الصلاة والسلام-، قالوا: الصيغة منقطعة "أن عماراً" هذا منقطع، و"عن عمار" هذا متصل، ونقل ابن الصلاح عن الإمام أحمد وعن يعقوب بن شيبة أن السبب في ذلك اختلاف الصيغة؛ لأن هذا جاء بصيغة (أن)، وهذا جاء بصيغة (عن)، وما جاء بصيغة (أن) فهو منقطع، وما جاء بصيغة (عن) فهو متصل، لكن كما قال الحافظ العراقي:
. . . . . . . . . ... كذا له ولم يصوب صوبه

(2/20)


ليس الأمر في ذلك اختلاف الصيغة، لا، سببه الرواية الأولى عن محمد الحنفية عن عمار أن محمد بن الحنفية يروي قصة عن صاحبها، صاحب الشأن، وفي الصيغة الثانية محمد بن الحنفية يحكي قصة لم يشهدها، كما هنا يحيى بن سعيد الأنصاري يحكي قصة عن عمر بن الخطاب لم يشهدها وحينئذٍ لا يكون مرد ذلك الانقطاع إلى الصيغة، في حديث عمار يعني لو أن محمد بن الحنفية قال: إن عمار بن ياسر قال: مر بي النبي -عليه الصلاة والسلام-،. . . . . . . . . اتصلت القصة، ولا صار هناك فرق بين (أن) و (عن).
. . . . . . . . . ... . . . . . . . . . فالجلُ
سووا وللقطع نحا البرديجي ... حتى يبين الوصل في التخريجِ
المقصود أن القصة هنا منقطعة.
"أن عمر بن الخطاب انصرف من صلاة العصر فلقي رجلاً لم يشهد العصر" الرجل المذكور قال بعضهم: إنه عثمان لكنه ليس بصحيح؛ لأن القائل التبست عليه هذه القصة بالقصة الأخرى حينما دخل عثمان وعمر -رضي الله عنه- يخطب في الجمعة، جاء متأخر إلى أن قال له: إنه .. ، بين له أنه حتى الغسل ما اغتسل، ثم قال له: والوضوء أيضاً هذه قصة أخرى، الصواب أنه رجل من الأنصار من بني حديدة، كما ذكر ذلك ابن عبد البر وغيره.
"أن عمر بن الخطاب انصرف من صلاة العصر فلقي رجلاً لم يشهد العصر" الرجل المذكور قال بعضهم: إنه عثمان لكنه ليس بصحيح؛ لأن القائل التبست عليه هذه القصة بالقصة الأخرى، حينما دخل عثمان وعمر -رضي الله عنه- يخطب في الجمعة، جاء متأخر، بين له أنه حتى الغسل ما اغتسل، ثم قال له: والوضوء أيضاً؟ هذه قصة أخرى، الصواب أنه رجل من الأنصار من بني حديدة، كما ذكر ذلك ابن عبد البر وغيره،
"أن عمر بن الخطاب انصرف من صلاة العصر فلقي رجلاً لم يشهد العصر، فقال عمر: "ما حبسك عن صلاة العصر؟ فذكر له الرجل عذراً، فقال عمر: طففت" ذكر له عذر، هل هذا العذر مقبول أو ليس بمقبول؟ طففت، يعني نقصت نفسك وبخستها حظها ونصيبها من الأجر العظيم بتأخرك عن هذه الصلاة، طففت، نعم، كأنه ما قبل عذره، كأنه لم يذكر عذراً مقبولاً، وقد يكون العذر مقبول، لكن من باب التشديد، ومن باب الحث على الاهتمام بهذه الصلاة.

(2/21)


"قال يحيى: قال مالك: ويقال لكل شيء وفاء وتطفيف" والتطفيف قالوا: هو الزيادة على العدل والنقصان منه، الزيادة على العدل والنقصان منه، متى تكون الزيادة تطفيف؟ ومتى يكون النقصان تطفيف؟ نعم، إذا زاد لنفسه طفف، إذا زاد لغيره ما طفف، إذا نقص لنفسه ما طفف، إذا نقص لغيره طفف، {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ} [(1 - 3) سورة المطففين] هل نقول لشخص إذا وزن لشخص قال: أريد كيلو من هذه البضاعة فأعطاه كيلو وزاده، نقول: هذا مطفف؟ هذا فضل وليس بالتطفيف، إنما الزيادة إذا كانت لنفسه، والنقص إذا كان لغيره هذا كله تطفيف، كما في قوله -جل وعلا-: {وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ} وويل كلمة عذاب، وجاء في الترمذي عن أبي سعيد أنه واد في جهنم، المقصود أن التطفيف ثبت فيه هذا الوعيد الشديد فهو من الكبائر، وإذا كان هذا الوعيد في الكيل والوزن في الأمور التي هي في حقيقتها يسيرة لو بخس قبضة من طعام من صاحبها دخل في هذا الوعيد، فكيف بمن طفف فيما خلق من أجله في العبادة؟ إذا نقر صلاته، إذا تكاسل عن أدائها مع جماعة المسلمين الأمر أشد، وإن كانت القاعدة أن الحقوق العباد مبنية على المشاحة، وحقوق الله -جل وعلا-، حقوق الله -جل وعلا- مبنية على التسامح والتساهل، ولا يخفى ما جاء في سعة رحمة الله -جل وعلا-، لكنه قرن ذلك بالعقاب الشديد لمن خالف وانتهك، واجترأ على حدود الله ومحارمه، فعلى الإنسان أن يحتاط لنفسه في حقوق الله وحقوق العباد، يحرص على إبراء ذمته، والخروج من عهدة الواجبات بيقين، سواءً كانت هذه الواجبات لله -جل وعلا- ودين الله أحق أن يقضى، أو كانت لعباده وفيها المقاصة من الحسنات والسيئات يوم القيامة، والله المستعان.

شرح حديث: قال الإمام يحيى بن يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه كان يقول: "إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته وقتها ولما فاته من وقتها أعظم أو أفضل من أهله وماله .... "
أحسن الله إليك:
بسم الله الرحمن الرحيم.

(2/22)


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الإمام يحيى بن يحيى: عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه كان يقول: "إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته وقتها، ولما فاته من وقتها أعظم أو أفضل من أهله وماله"، قال مالك: "من أدرك الوقت وهو في سفر فأخر الصلاة ساهياً أو ناسياً حتى قدم على أهله أنه إن كان قدم على أهله وهو في الوقت فليصلِ صلاة المقيم، وإن كان قد قدم وقد ذهب الوقت فليصل صلاة المسافر؛ لأنه إنما يقضي مثل الذي كان عليه" قال مالك: "وهذا الأمر هو الذي أدركت عليه الناس وأهل العلم ببلدنا"، وقال مالك: "الشفق: الحمرة التي في المغرب، فإذا ذهبت الحمرة فقد وجبت صلاة العشاء وخرجت من وقت المغرب".

(2/23)


يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "يقول الإمام يحيى بن يحيى: وحدثني مالك عن يحيى بن سعيد أنه كان يقول –يحيى بن سعيد الأنصاري- أنه كان يقول: "إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته وقتها" مازال في الوقت، يصليها أداءً في وقتها، يعني في آخره، "ولما فاته من وقتها" من أوله أو أوسطه وأثنائه أعظم، ولا شك أن الصلاة في أول الوقت أفضل، الصلاة في أول الوقت أفضل، وأفضل الأعمال الصلاة لوقتها، نعم الوقت الموسع تجوز الصلاة فيه في أوله وأوسطه وآخره، لكن الأول أفضل، ولذا يقول: "ولما فاته من وقتها -أفضل- أعظم أو أفضل" وهذا شك "أفضل من أهله وماله"، لماذا؟ لأن الأهل والمال من متاع الدنيا، والدنيا كلها ليست بشيء بالنسبة لما يتعلق بالآخرة، موضع سوط من الجنة خير من الدنيا وما فيها، الدنيا كلها لا تزن عند الله جناح بعوضة، لا تزن عند الله جناح بعوضة، هذه الدنيا التي يؤثرها كثير من الناس، بل يؤثرون ما قل منها على الآخرة، وما جاء فيها وما بين بالنصوص، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، شيء، شيء لا يخطر على البال، ومع ذلكم كثير من الناس لا يلقي لها بالاً، همه دنياه، ولم يعلق بقلبه من آخرته إلى الشيء اليسير، إن جاء إلى الصلاة فبدون قلب، ولذا لا يدري ماذا قرأ الإمام؟ وكم صلى؟ وكم بقي؟ لا يذكر من صلاته شيء، والله المستعان، ولذا يقول: "ولما فاته من وقتها أعظم من أهله وماله" يقول قائل: المسألة فيها سعة، يقول: فيها سعة، لكن الدنيا إيش؟ ماذا تعدل؟ يعني الدنيا بمتعها بجميع ما تحويه من متع لا شيء بالنسبة للآخرة، ولذا جاء في الحديث: ((من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)) هنا نكتة يعني في الجمل ((ستر الله عليه في الدنيا والآخرة)) والتنفيس ((نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)) لأن كرب الدنيا كلها بالنسبة ليوم القيامة لا شيء، الدنيا كلها لا تسوى من يعد بها، ويجعلها ثواباً لأدنى جزء من الآخرة؛ لأن بعض الناس قد يستعظم ما تقدم ((كأنه وتر أهله وماله)) الأهل عنده شيء عظيم، إذا أصيب الولد أو الزوجة بأدنى شيء مع تقلبات الجو تجد الإنسان يهتم لذلك اهتماماً عظيماً، وأما

(2/24)


ما يتعلق بآخرته كأنه لا يعنيه، من يعرف حقيقة هذه الدنيا؟ يعرفها من كان بالله أعرف، ومن تبعهم بإحسان.
سعيد بن المسيب لما خطبت ابنته -سعيد سيد التابعين- من قبل ابن الخليفة، والسفير يقول: جاءتك الدنيا بحذافيرها، إيش كان الجواب؟ الجواب يقول الإمام سعيد -رحمه الله-: إذا كانت الدنيا لا تزن عند الله جناح بعوضة فما الذي يقص لي من هذا الجناح؟ " يعني إذا كانت الدنيا كلها لا تزن .. ، التي بأيدي المسلمين وأيدي الكفار وأيدي الناس كلهم لا تزن، ما الذي يصل ويناله سعيد من هذه الدنيا التي جاءته بحذافيرها، ثم بعد ذلك يزوجها طالب فقير معدم لا يملك شيئاً، هؤلاء هم الذين يعرفون قدر الدنيا، من تأمل في حاله -عليه الصلاة والسلام- وفي عيشه عرف حقيقة هذه الدنيا، والله المستعان.
والخبر معروف أنه في الاصطلاح يسمى مقطوع، مقطوع وإلا منقطع؟ نعم، مقطوع، "وعن يحيى بن سعيد أنه كان يقول" إيش الفرق بين المقطوع والمنقطع؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
طيب، من أقسام المنقول عنه، فما جاء عن التابعين فمن دونهم يسمى مقطوع، نعم، يسمى مقطوع، صحيح، كلامك صحيح، هذا مقطوع، لكن أهل العلم يقولون: له حكم الرفع، ابن عبد البر وغيره يقولون: له حكم الرفع، لماذا؟ لأنه لا يقال من قبل الرأي، لا يقال من قبل الرأي، لكن ما المانع أن يقال مثل هذا الكلام من قبل الرأي استناداً إلى ما ثبت من حقارة الدنيا كلها؟ نعم، يروى مرفوع لكنه من وجوه ضعيفة، ضعيفة الأسانيد.
"قال يحيى: قال مالك: "من أدرك الوقت وهو في سفر فأخر الصلاة ساهياً أو ناسياً" إيش الفرق بين السهو والنسيان؟ نعم، السهو ..
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ السهو الآن عندنا ألفاظ: سهو، وغفلة، ونسيان، هل هذه مترادفة وإلا فيها فروق؟ ولذا يقول: "ساهياً أو ناسياً" يعني يسهو بمشغل، يسهو بسبب شاغل، وينسى ولو لم يوجد شاغل، السهو يكون بشاغل، بسبب، وأما النسيان قد يكون سببه غفلة من غير شاغل، أو آفة تطرأ على الإنسان.

(2/25)


يقول: "من أدرك الوقت وهو في سفر فأخر الصلاة ساهياً أو ناسياً حتى قدم على أهله" يعني قدم بلده، يعني ولو لم يكن له أهل، لما قدم إلى بلده محل إقامته، "فإن كان قدم على أهله في الوقت فليصل صلاة المقيم" لماذا؟ لأنه إنما يصلي صلاة السفر بسبب الوصف الذي تلبس به، والوصف ارتفع والوقت باق وحينئذ يصلي صلاة مقيم، أذن لصلاة الظهر وقد بقي على البلد خمسين كيلو، أو مائة كيلو أو أكثر، ووصل إلى البلد في الوقت، نعم، هذا يصلي صلاة مقيم على كلام الإمام مالك، لكن لو أخر الظهر إلى أن وصل إلى بلده بعد أن خرج وقتها؟ على كلام الإمام مالك "وإن كان قد قدم وقد ذهب الوقت فليصلِ صلاة المسافر" لأنها وجبت عليه في السفر، وصلاتها بعد انقضاء وقتها قضاء، والقضاء على كلامه كما هو مقرر يحكي الأداء، صلاة مقصورة يصليها قصراً، وجبت عليه في السفر وصلاة المسافر أقرت على التشريع الأول ركعتين، يصليها كما وجبت عليه؛ لأن القضاء يحكي الأداء، هذا رأي الإمام مالك -رحمه الله-، وهو قول أبي حنيفة -رحمه الله-، المسألة متصورة، يعني شخص وجبت عليه صلاة الظهر أو صلاة العصر، وصل البلد بعد أن خرج وقت الظهر، إذا وصل البلد قبل أن يخرج الوقت هذا ما فيه إشكال يصلي الصلاة تامة، صلاة مقيم، إذا وصل البلد بعد أن خرج وقتها على كلام الإمام مالك وهو قول أبي حنيفة يصليها قصراً؛ لأنها إنما وجبت عليه في السفر، وهي هنا في هذه الحالة قضاء والقضاء يحكي الأداء، فيصليها ركعتين.

(2/26)


مذهب الشافعية في هذه المسألة والحنابلة أنه يصليها تامة أربع ركعات، ولو خرج وقتها، لماذا؟ لماذا هم أيضاً يقررون هذه القاعدة في بعض المسائل القضاء يحكي الأداء؟ أولاً: عموماً الشافعية والحنابلة يغلبون جانب الحضر، يغلبون جانب الحضر؛ لأنه أحوط من جهة، الأمر الثاني: أن الرخصة ارتبطت، الرخصة مرتبطة بوصف وقد زال الوصف، نعم نرجع إلى العزيمة، الرخصة التي هي القصر والتخفيف من أربع ركعات إلى ركعتين مربوطة بوصف وهو السفر، وقد زال هذا الوصف إذاً نرجع إلى الأصل، قال مالك: "وهذا الأمر هو الذي أدركت عليه الناس" هو أدرك من؟ أدرك الصحابة؟ أدرك التابعين، أدركت عليه الناس يعني من التابعين "وأهل العلم من أتباعهم ببلدنا" يعني المدينة، والعمل عند أهل المدينة له شأن عند الإمام مالك يحتج به، ويرد بعض النصوص التي تخالف عمل أهل المدينة، عمل أهل المدينة أصل عند المالكية.
وقال مالك: "الشفق الحمرة التي في المغرب -يعني في جهة المغرب- فإذا ذهبت الحمرة فقد وجبت صلاة العشاء -يعني دخل وقت وجوبها- وخرجت -أيها المصلي- من وقت المغرب" يعني انتهى، الحد الفاصل بين المغرب والعشاء هو الشفق الأحمر، والمراد بالشفق الحمرة التي في جهة المغرب من أثر الشمس، وهذا قول الجمهور، هذا قول الجمهور، وأن المراد بالشفق الأحمر، وقال أبو حنيفة: المراد بالشفق البياض، الذي يلي هذه الحمرة، الذي يلي هذه الحمرة، والمرجح هو قول الجمهور؛ لأنه لا يعرف في لغة العرب أن الشفق إلا الحمرة، ولذا يقولون: ثوب أحمر كالشفق، وبذا فسره ابن عمر -رضي الله عنه-، والخليل ابن أحمد يقول: "رقبت البياض الذي يلي هذه الحمرة فوجدته يبقى إلى ثلث الليل" وقال غيره: يبقى إلى نصف الليل، إذا قلنا: إن وقت صلاة العشاء من مغيب الشفق، والشفق الذي هو البياض لا يغيب إلا ثلث الليل أو نصف الليل معناه أن وقت صلاة العشاء لا يبدأ إلا بعد نصف الليل، وهذا الكلام يمشي مع النصوص الأخرى؟ ما يمشي، نعم فالمرجح في هذه المسألة هو قول الجمهور، نعم.

(2/27)


شرح حديث: "عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أغمي عليه فذهب عقله فلم يقض الصلاة، قال مالك: "وذلك فيما نرى -والله أعلم- أن الوقت قد ذهب، فأما من أفاق في الوقت فإنه يصلي".
أحسن الله إليك:
"عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر أغمي عليه فذهب عقله فلم يقض الصلاة، قال مالك: "وذلك فيما نرى -والله أعلم- أن الوقت قد ذهب فأما من أفاق في الوقت فإنه يصلي".
المغمى عليه، وهذه مسألة مهمة؛ لأن مسائل الإغماء، ومسائل التخدير، ومسائل .. ، يعني مسائل قائمة وعملية، والخلاف فيها كبير بين أهل العلم، والحد الفاصل فيما يقضى وما لا يقضى محل خلاف بين أهل العلم، هنا يقول: "إن عبد الله بن عمر أغمي عليه فذهب عقله فلم يقض الصلاة" يعني بعد الإفاقة، وحرف المسألة في الإغماء وهو فرع متردد بين أصلين هما مناط للتكليف، بين النوم والجنون، هل المغمى عليه ملحق بالنائم أو ملحق بالمجنون؟ ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)) يعني إذا استيقظ يصلي، يلزمه القضاء، هل نقول: هذا ارتفع عنه التكليف نام خمسة أوقات نقول: لا يقضي النائم؟ ((رفع القلم عن ثلاثة)) والنائم منهم، هل معنى هذا أنه لا يقضي ما فاته؟ المجنون حتى يفيق هل يؤمر بالقضاء؟ نعم، لا يؤمر بالقضاء، ما وجه التفريق بين المجنون والنائم؟ لا يؤمر بالقضاء المجنون، ما يؤمر بالقضاء، ارتفع عنه التكليف، ما الفرق بين النائم والمجنون والسياق واحد؟ النائم يؤمر بالقضاء، لو نام ثلاثة أيام يقضي، المجنون لا يؤمر بالقضاء، نعم.
طالب:. . . . . . . . .

(2/28)


نعم، وهذا آفة، نعم، هذا من جهة، ومن جهة أخرى النائم عاقل، هل هو عاقل بالفعل أو بالقوة القريبة من الفعل؟ يعني النائم قد يتصرف تصرفات لا تليق بالعقلاء، نعم قد يتصرف تصرف لا يليق بالعقلاء، لكنه عاقل وإن لم يكن عاقل بالفعل لكنه عاقل بالقوة القريبة من الفعل، نعرف الفرق وإلا ما نعرف؟ نعم، فرق ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ الآن إذا قلنا: فلان فقيه بالفعل، وفلان فقيه بالقوة، في فرق وإلا ما في فرق؟ نعم في فرق، فقيه بالفعل المسائل بأدلتها، بجميع ما يتعلق بها في ذهنه حاضرة، لكن فقيه بالقوة المسائل ليست حاضرة في ذهنه، لكنه مجرد ما يحتاج المسألة يرجع إليها في أقرب وقت ويعرف ويحرر ويوازن، وأهل لهذه المسائل هذا فقيه وإن لم يكن بالفعل فهو بالقوة القريبة من الفعل.

(2/29)


هذا النائم عاقل وهو في عداد العقلاء، وإن تصرف تصرفات حال نومه لا تليق بالعقلاء قد يتلف والإتلاف ليس من شأن العقلاء، يمد يده يكسر له شيء ثمين، وإلا يقتل نفس وهو لا يشعر، كم من طفل ذهب ضحية نوم أمه واستغراقها في النوم، هل نقول: إنها مجنونة ما عليها تكليف؟ نعم مكلفة مؤاخذة، لكن الإثم مرتفع؛ لأنه رفع القلم عنها وهي عاقلة، هنا فرق بين الجنون والنوم لئلا يقول قائل: السياق واحد، ((رفع القلم عن ثلاثة)) حكمهم واحد، ليش نقول: النائم يقضي والمجنون لا يقضي؟ من هذه الحيثية، الأصل عندنا، الفرع عندنا الإغماء، وهذا الفرع متردد بين أصلين بين النوم وبين الجنون، بجامع ارتفاع العقل، لكن هل هو ارتفع عقله بالكلية كالمجنون أو ارتفع عقله حكماً كالنائم، فعندنا فرع متردد بين أصلين، وهذا يسمى قياس إيش؟ قياس الشبه، فيلحق الفرع بأقرب الأصلين وأقوى الشبه بأحدهما يلحق به، فأيهما أقرب إلى المغمى عليه النائم أو المجنون؟ عندنا ابن عمر لم يقضِ الصلاة حينما أفاق؛ لأن العقل مناط للتكليف، العقل مناط للتكليف، فهو بهذا ألحق الإغماء بالجنون، نعم، والإغماء إحنا بحاجة الإغماء، النوم والجنون ما إحنا بحاجتها، معروف حكمها، نعم الإغماء لا يدرى، لكن عندنا التخدير، وإيش تسوي بالتخدير؟ يقول الطبيب: خلاص خدروه مدة العملية مدة ساعة ساعتين، ويغلب على الظن أنه يفيق، يرتفع العقل هو يحس؟ هل هو نائم؟ يعني تكليف السكران هل هو تكليف أصلي بمعنى أنه مؤاخذ مؤاخذة العقلاء أو معاملة له لأنه هو الذي تسبب لارتفاع عقله؟ نعم، يعني لو طلق السكران يقع طلاقه وإلا ما يقع؟ المقصود أن هذه المسألة أنا أقول: الإغماء يرتفع فيه العقل والإحساس، وهو متردد بين هذين الأصلين، النائم لا يدري ما يدور حوله، والمجنون يتصرف تصرفات لا يعيها، ابن عمر -رضي الله عنه- لم يقضِ باعتبار أن مناط التكليف العقل وقد زال، قال مالك: "وذلك فيما نُرى" أي نظن، فيما نَرى كما ضبطه بعضهم، أي نعلم، والله أعلم، تجي فيما نَرى والله أعلم؟ الآن عندكم مضبوطة بإيش؟ والله أعلم تجي أو نُرى والله أعلم؟ الإتيان بمثل .. ، بقوله: والله أعلم دليل على إيش؟ التردد، واللائق بهذا السياق أن

(2/30)


يقول: نُرى، يعني نظن، نظن والله أعلم، ولذا لم يجزم بذلك؛ لأنه لم يعلم حقيقة مذهب ابن عمر، ابن عمر ما قضى لكن ما يدري. . . . . . . . . هل هو يطرد هذا في كل من أغمي عليه لا يقضي، أو أن هذه حالة وصورة يمكن أن يحتف بها ما احتف فلم يقضِ، ولذلك جاء بقوله: "والله أعلم".
"وذلك فيما نرى -أي نظن- والله أعلم" ولم يجزم بذلك لأنه لم يعلم حقيقة مذهب ابن عمر أن الوقت قد ذهب، أن الوقت قد ذهب، فأما من أفاق في الوقت فإنه يصلي وجوباً، وبقول ابن عمر -يعني بعدم القضاء- قال مالك والشافعي، وخالف ابن عمر عمار وعمران بن حصين، فعمار أغمي عليه يوم وليلة فقضى، ومثله عن عمران بن حصين، وقال أبو حنيفة: إن أغمي عليه يوم وليلة قضى ولا يقضي أكثر من ذلك، وقال الإمام أحمد: المغمى عليه كالنائم يقضي كل صلاة في إغمائه، نعود إلى المسألة، عرفنا الآن المذاهب من أهل العلم من يقول: يقضي، وبه قال بعض الصحابة، ومنهم من قال: ما يقضي، مالك والشافعي قالوا بقول ابن عمر: لا يقضي، أبو حنيفة يفرق بين طول المدة وقصرها وعلقه باليوم، وأما أحمد جعل المغمى عليه كالنائم يقضي، ومقتضى كلامه مطلقاً ولو طالت المدة، وبعض أهل العلم، المسألة اجتهادية، بعض أهل العلم وهو استرواح يميل إلى أن الحد الفاصل الثلاث، فمن أغمي عليه ثلاثة أيام لا يقضي، ثلاثة أيام فأكثر لا يقضي، وثلاثة أيام فما دون، أقل من ثلاثة أيام يقضي؛ لأن النائم لا يمكن أن ينام أكثر من ثلاثة أيام، فكيف نلحق المغمى عليه بالنائم والنائم لا يتصور منه ذلك؟ أما إذا أغمي عليه أكثر من ثلاثة أيام ارتفع عقله، وتكليفه ما هو بوارد، هل يتصور أن شخص ينام أكثر من ثلاثة أيام؟ يذكر في بعض الصحف أحياناً أنه وجد في بلد كذا من نام .. ، والله أعلم بحقائق الأمور، هل هو نوم وإلا إغماء وإلا .. ؟ وإلا يرد أحياناً في بعض الصحف شيء من الغرائب، كل الكلام على عموم الناس يعني هل يكثر فيهم من ينام هذه المدة؟ لا، المسألة ليس فيها شيء مرفوع، ليس فيها شيء مرفوع، وعرفنا أنها من باب قياس الشبه، وهذا الفرع متردد بين الأصلين الذين ذكرناهما.

(2/31)


وهذا صحابي جليل مقتدي مؤتسي ابن عمر، وثبت عنه أنه أغمي عليه فلم يقضِ الصلاة، لكن هل علمت المدة؟ مدة الإغماء علمت؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ مسألة ساعتين ثلاثة، نصف يوم، أكثر، إيش؟ يعني إيش الحد الذي نقول به؟ ابن عمر ما قضى، لكن يعتريه ما يعتريه، يمكن أغمي عليه أسبوع، ما هو باحتمال؟ أو أكثر، فلا يكفي مثل هذا الفعل لطرد جميع صور الإغماء وإلحاقها بالجنون، حتى نعلم المدة، عمار أغمي عليه يوم وليلة فقضى، مثله عن عمران بن حصين، نقول: الإغماء اليسير يشبه النوم، والإغماء الكثير يلحق بالجنون، الإغماء الذي لا يوجد نظيره في النوم يلحق بالجنون، والإغماء الذي يوجد نظيره في النوم يلحق بالنوم، وإذا تتبعنا أو أردنا أن نتتبع أحوال الناس في النوم نجد من ينام يومين هذا كثير موجود نعم، يوجد، أنا أعرف شخص جاء للمراجعة ليلة الأربعاء عنده مراجعة، ونام ليلة الأربعاء ما فاق إلا السبت، ثلاثة أيام، راح المستشفى قالوا. . . . . . . . .، الله المستعان.
فالنوم يوجد يعني يومين ثلاث ينام، وإن كان قليل لكنه موجود، والثلاث يوجد لها نظير في المسائل الشرعية، نعم، الحيض مثلاً متى تكون المرأة معتادة عند أهل العلم؟ إن تكرر ثلاثاً، نعم، غيرها أحد يذكرنا بمسائل أخرى؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
الطلاق ثلاثاً، ها غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . تلقى أربعة بعد، لا، لا، لا، نريد أمور ترد إلى الثلاث، يكون ...
طالب:. . . . . . . . .
العادة ما فيها شك أنها نظير مسألتنا، نعم، الاستئذان ثلاثاً، ومسح المسافر ثلاثاً،. . . . . . . . . وليشهد أربع شهادات،. . . . . . . . . تجيبون مثل هذا تلقون في النصوص مثل الأعداد، لكن المطابق لما نحن فيه تكرر ثلاث، في العادة هذه مطابقة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
يستتاب ثلاثاً، بعد شهود الزنا كم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هذه صعبة، ما هي بمحل إلحاق، نعم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .

(2/32)


لا ما يمكن، ما تصلح للرد هذه، ما تصلح لأن يرد إليها، أقول: يستروح بعضهم إلى أن يجعل الثلاث هي الحد الفاصل فما دونها يعتبر ملحق بالنوم، وما فوقها يعتبر ملحق بالجنون؛ لأنه لا يمكن أن يوجد من ينام أكثر من ثلاثة أيام، على كل حال المسألة اجتهادية، المسألة اجتهادية، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا هم يفرقون من جهة بين المغمى عليه وبين النائم من وجوه، ويفرق بينه وبين المجنون أيضاً من وجوه، نعم، هناك نقاط يلتقي فيها هذا مع هذا، ولذلك قلنا: إنه من باب قياس الشبه.
طالب: أحسن الله إليك: المريض الذي يصاب -نسأل الله العافية- الذي يصاب بجلطة ثم يصحى، ليس مغمى عليه فيخدره الطبيب أسبوع أو أسبوعين، لأنه يخاف من حركته ويخاف من أمر قلبه ما استقر؟
المقصود أنه ارتفع عقله.
طالب: إيه لكن غيبه الطبيب، هو ارتفع عقله، أفاق. . . . . . . . . الجلطة مثلاً بعد يوم غاب يوم، ثم أفاق، ثم الطيب استمر في تخديره يقول: أخاف عليه من الحركة، وهذا كثير الآن كل غرف الإنعاش مثله.
إيه هذا ما يمنع أنه مغماً عليه.
طالب: مغمى عليه؟
مغمى عليه، إيه.
طالب: ولو كان بسبب؟
ولو كان، هذا مغمى عليه، نعم.

شرح: باب: النوم عن الصلاة:
أحسن الله إليك:
"باب النوم عن الصلاة:

(2/33)


عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قفل من خيبر أسرى حتى إذا كان من آخر الليل عرس، وقال لبلال: ((اكلأ لنا الصبح)) ونام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وكلأ بلال ما قدر له، ثم استند إلى راحلته وهو مقابل الفجر فغلبته عيناه، فلم يستيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا بلال ولا أحد من الركب حتى ضربتهم الشمس، ففزع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال بلال: يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اقتادوا)) فبعثوا رواحلهم، واقتادوا شيئاً، ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالاً فأقام الصلاة فصلى بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبح، ثم قال حين قضى الصلاة: ((من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها، فإن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه])).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب النوم عن الصلاة" أي ما حكمه؟ ما حكم النوم عن الصلاة؟ هل هو مثل الإغماء الذي سبق ذكره أو يقضي؟ هذه مسألة محسومة، نعم محسومة بالنص بخلاف المسألة السابقة.

(2/34)


يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا مرسل، وأصح المراسيل مراسيل سعيد، وهو حجة عند الشافعية، حتى جمع مراسل سعيد لأنها وجدت موصولة، ومن باب أولى من يحتج بمطلق المراسيل، لكنه موصول في صحيح مسلم "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قفل –يعني رجع- من خيبر " وجاء في بعض الروايات: "من حنين" ولعلها مصحفة، خيبر أصح، وخيبر في الصورة مثل حنين، "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين قفل من خيبر أسرى" أسرى وسرى بمعنى واحد، يعني سار ليلاً، ولذا يقولون: عند الصباح يحمد القوم السرى، "حتى إذا كان من آخر الليل عرس" والتعريس: النوم في آخر الليل، أو في الليل مطلقاً، "وقال لبلال: ((اكلأ لنا الصبح)) " يعني احفظ لنا الوقت فلا يفوتنا، {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم} [(42) سورة الأنبياء] يعني يحفظكم، "ونام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وكلأ –يعني حفظ- بلال ما قدر له"، يعني ما استطاع، يعني قاوم بلال -رضي الله عنه- مدة الذي استطاع مقاومته من الليل، ثم عجز "استند إلى راحلته ... فغلبته عيناه"، "وكلأ بلال ما قدر له"، في رواية مسلم: "فصلى بلال ما قدر له"، استغلال للوقت، وخير ما يستغل به الوقت العبادة، وأثقل ما يمر على الإنسان ساعة الانتظار، إذا كان ينتظر، الدقيقة أشق من ساعة في الانتظار، والساعة عن يوم، والسبب في ذلك ما السبب؟ أننا ما عودنا أنفسنا على عمارة هذه الأوقات بطاعة الله -عز وجل-، وإلا ساعة هذه الانتظار بعض الناس يتمنى أن تكون ساعتين، وهو بصدد عمل يقربه من الله -عز وجل- يتلذذ به أفضل من مجيء هذا المنتظَر، إنسان جالس في بيته ينتظر زيد من الناس، قال: أمر عليك بعد صلاة العصر، تأخر ساعة نصف ساعة تجده يخرج إلى الشارع ويرجع مراراً انتظاراً لهذا الشخص، لكن لو عود نفسه يقول: بدل ما أنتظر يسبح ويهلل ويكبر، سبحان الله وبحمده، سبحان العظيم،. . . . . . . . . إيش. . . . . . . . . صحيح، نعم، أو بيده المصحف كل حرف عشر حسنات، الإشكال أننا ما عودنا أنفسنا على هذا، لكن لو تعود الإنسان عمارة الوقت بما يرضي الله -عز وجل- ما أثر عليه هذا التأخير،

(2/35)


ولذلكم في بعض الأوقات والظروف يصير عنده موعد وينتظر أحد، لكن يتمنى أنه ما يجي لأنه مشغول بما هو أهم من أمور الدنيا، لكن لو كان ارتباطنا بالأمور التي تقربنا إلى الله -عز وجل- وترضيه عنا وثيق مثل ارتباطنا ببعض أمور الدنيا ما تأثرنا من تأخر المتأخر، نعم على من وعد أن يفي، ومن ربط أن يرتبط هذا الأصل، لكن مع ذلك لماذا نضيق ذرعاً بالتأخير؟ مثلما ذكرت، يعني لو قال: تأخر عشر دقائق يقول: لا إله إلا الله مائة مرة تسوى الدنيا كلها، ولا حزن على خير، في عشر دقائق يقول: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، مائة مرة، كم يبي يقول: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم من مرة فيما لو تأخر عليه ربع ساعة؟ سبحان الله وبحمده تقال مائة مرة بدقيقة واحدة، يستغفر مائة مرة، مائة مرة بدقيقة واحدة، يقرأ جزء من القرآن بربع ساعة، لكن الإنسان اللي ما يحسب لهذه الأمور نعم وينتظر هذا الموعد يضيق ذرعاً بالوقت.

(2/36)


بلال -رضي الله عنه- صلى ما كتب له كما في رواية مسلم، انتظاراً للوقت؛ لأنه عندنا في الكتاب: "وكلأ" في رواية مسلم: "وصلى بلال ما قدر له، ثم استند إلى راحلته" انتهى، كل شيء له حد، المقاومة لها حد، "وهو مقابل الفجر -أي الجهة التي يطلع منها الفجر- فغلبته عيناه" والنوم ليس فيه تفريط، النوم القسري القاهر ليس فيه تفريط، ليس معنى هذا أن الإنسان يسمع "النوم ليس فيه تفريط" ثم إذا أذن قال: أنا والله تعبان والنوم ليس فيه تفريط، أو إذا كلف بعمل أو شيء قال .. ، تجده في الدوام يضع رأسه على الماسة وينام، والنوم سلطان وليس في النوم تفريط، نقول: لا يا أخي، ليس هذا بصحيح، لا يتذرع بهذا إلى ترك الواجبات، نعم إذا عجزت حاولت وقاومت وعجزت نعم، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولذا قال بلال على ما سيأتي: "أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك" شيء لا يملكه بلال، "فغلبته عيناه –يعني نام- فلم يستيقظ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا بلال ولا أحد من الركب -الذين مع النبي -عليه الصلاة والسلام- حتى ضربتهم الشمس" يعني: "أيقظهم حر الشمس" كما في الروايات الأخرى، وبهذا يرد على الحنفية الذين قالوا: إن سبب الانتقال ليخرج وقت النهي، " ففزع رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" انتبه -عليه الصلاة والسلام- فزعاً، أسفاً على ما فاته من وقت الصلاة، "فقال بلال: يا رسول الله أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك" وهو الله -جل وعلا-.

(2/37)


ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه كان ينام .. ، تنام عيناه ولا ينام قلبه، تنام عيناه ولا ينام قلبه، في هذه الحالة هل نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- ما نام قلبه؟ ما نام قلبه في هذه الحالة؟ ليش فوت الصلاة؟ ماذا نقول؟ لكن هل نام قلبه وإلا ما نام؟ نام قلبه، نام قلبه، يقول ابن عبد البر -رحمه الله-: "خرق نومه عادته -عليه الصلاة والسلام- ليسن لأمته"، حتى لو قدر أنه .. ، افترض أن إنسان مغمض عينيه نقول: والله ما يشوف الصبح، الذي فيه إحساس، ويهتم للأمور، والنبي -عليه الصلاة والسلام- لا يهتم لصلاته قرة عينه؟! نعم يهتم لصلاته، إذاً كيف ينام ويؤخر الصلاة وقلبه صاحي؟ نعم ما يمكن، فهذه المرة نام -عليه الصلاة والسلام-، وإن كان في العادة المطردة أنه لا ينام قلبه لمصلحة عظيمة، ليسن لأمته أن من نام بعد أن احتاط لعبادته ولدينه أنه لا شيء عليه، وأنه يصنع كما صنع النبي -عليه الصلاة والسلام-، يكل أمر الإيقاظ إلى من يثق به، ويعمل كافة الاحتياطات، ويدفع الموانع، بعض الناس يوجد موانع تمنعه من القيام، ولا يبذل الأسباب المعينة على القيام، ويقول: ليس في النوم تفريط، نقول: لا، هذا تفريط، إذا سهر مثلاً في ليلة الصيف، وبقية ساعة، ثم نام مركباً الجوال وموقته، رن الجوال، إيش بيدري بجوال وإلا ساعة؟ لا يحس، لا سيما من نومه ثقيل، نقول: هذا عليه أن يبذل الأسباب وأن ينفي جميع الموانع التي تمنعه من أداء الصلاة في وقتها، فإذا كان السهر يعوقه ويمنعه من صلاة الصبح نقول: السهر بالنسبة له إيش؟ حرام، إذا كان السهر يعوقه عن قيام الليل قلنا: السهر مكروه، قلنا: إن في هذا، في مثل هذا الحديث فيه تسلية للأمة؛ لأن بعض الناس عندهم حرص شديد على أمور دينهم، ولو لم يفرط، لو وضع كافة الاحتياطات ثم نام وعجز عن أداء الصلاة في وقتها تجده يتقطع قلبه أساً وحزناً، لكن بمثل وجود هذا الخبر تسلية -ولله الحمد- تسلية، فأفضل الخلق وأحرص الناس على الخير وأعلمهم وأخشاهم وأتقاهم فاتته الصلاة، فاتته الصلاة الحمد لله.

(2/38)


"أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" قد يقول قائل: إن مثل هذا التعبير من بلال هل يحسن أن يقول ولد لأبيه قال له أبوه: لماذا أنت نمت عن الصلاة؟ قال له مثل هذا الكلام "أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك" أو ما قال هذا قال: أخذ بنفسي الله، الله اللي منومنا، هل في مثل هذا حجة؟ يعني الأسلوب، وأسلوب أيضاً ما يدرى ما يعتريه من فعل؛ لأن الكلام قد يقبل في حال ولا يقبل في حال، لو قدر مثلاً أن الأب قال لابنه: أنت نمت عن الصلاة، لماذا نمت عن الصلاة؟ فجاء إليه معترفاً بما ارتكب، قال: يا والدي بذلت الأسباب ونمت مبكر، وركبت الساعة، وأخذ بنفسي الله -جل وعلا-، يختلف عما لو قال: أخذ بنفسي الله، وانتهى الإشكال، يعني الحال يقبل فيها كلام قد لا يقبل، يعني هل الاستدلال بمثل هذا من بلال مثلاً وهو رد على النبي -عليه الصلاة والسلام- بمثل هذا الكلام والنبي -عليه الصلاة والسلام- فزع، قام فزعاً، فقال له: أين الحفظ؟ أين كذا يا بلال؟ قال: أخذ بنفسي الذي أخذ بنفسك بأسلوب وبحال يبين منها أنه ما فرط، لكن ما يقبل هذا الأسلوب على إطلاقه، إلا إذا اقترن بحاله ما يدل عليه.

(2/39)


"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اقتادوا)) " قَبِل، ((اقتادوا)) يعني اقتادوا رواحلكم، وارتفعوا عن هذا المكان، وارتحلوا عنه، "فبعثوا رواحلهم واقتادوا شيئاً" يعني انتقلوا من الوادي إلى مكان مجاور له، "ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالاً فأقام الصلاة" وهكذا في أكثر روايات الموطأ، في بعضها: "فأذن أو أقام"، وفي المسند: "أذن" من غير شك، "وصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- الركعتين قبل الصبح"، وهو غير عجل، ثم أمره فأقام الصلاة، بعض الناس وهذا يلمسه كل إنسان من نفسه إذا انتبه في هذه الحالة تجده يضيف إلى هذا التأخير أحياناً ما يخل بصلاته من عجلة، وهذا قد يكون الباعث عليه الفزع، والفزع يبعث على مثل هذا، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- متأني في أموره -عليه الصلاة والسلام-، حتى في الظروف التي تقتضي الفزع مثل هذا، ومثل قوله لعلي -رضي الله عنه- يوم خيبر: ((امضِ على رسلك)) يعني في حال حرب، والحرب تقتضي عجلة ((امضِ على رسلك)) ولا شك أن التأني هو المطلوب، والعجلة من الشيطان. . . . . . . . .، ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أمره بالأذان فأذن، ثم صلى الركعتين هذا يدل على أن الرواتب القبلية تصلى قبل الفائتة، ثم يصلى بعدها البعدية، لكن لو ضاق الوقت عن الفريضة تقدم الفريضة لإدراك الوقت، ثم تقضى الرواتب القبلية، "فأقام" يعني من الطرائف إنه وأنا داخل بعد صلاة المغرب للدرس واحد يسأل يقول: فاتتنا الصلاة فأقمت، فقال لي واحد من الطلاب اللي يحضرون: ما علينا إقامة، عامي عامي يسأل قابلني في الباب، وهنا يقول: "ثم أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالاً فأقام الصلاة، فصلى بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصبح، ثم قال حين قضى الصلاة: ((من نسي الصلاة فليصلها إذا ذكرها)) وفي الرواية الأخرى: ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك)) ((فإن الله -تبارك وتعالى- يقول في كتابه: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي} [(14) سورة طه] وهذا أمر لمن؟ لموسى -عليه والسلام-، وشرع من قبلنا شرع لنا ما لم يأتِ شرعنا بخلافه، {لِذِكْرِي} يعني لذكرك إياي

(2/40)


أو لذكرك إياها؟ أيهما المناسب؟ والياء هذه لذكري هل المقصود لذكري؟ لذكرك إياها ذكر الصلاة؟ أو لذكرك إياي فإذا ذكرتني ذكرت ما أوجبت عليك؟ يعني الذكر مصدر، والمصدر مضاف إلى ياء المتكلم، لذكري يعني لذكرك إياي، فإذا ذكرتني ذكرت ما أوجبت عليك، وقال بعضهم: لذكرك إياها، أقم .. ، هذا الناسي يصلي إذا ذكر، والنائم كذلك، والعامد ترك الصلاة حتى خرج وقتها متعمداً، الجمهور على أنه يقضي مع الإثم، وقال بعضهم: بعدم القضاء، وابن حزم نقل الاتفاق عليه، لكن نقل الاتفاق على ضده كما ذكرنا بالأمس.
يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في الاستذكار: "العامد والناسي في القضاء والصلاة والصيام سواءً، العامد والناسي في القضاء والصلاة والصيام سواءً" يعني إذا لم يعذر الناسي فالعامد من باب أولى، يقول: "وإن اختلفا في الإثم" الناسي، {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا} [(286) سورة البقرة] مرتفع عنه الإثم وإن وجب عليه القضاء، بخلاف العامد عليه الإثم، تأخير الصلاة عن وقتها موبقة، و ((من أفطر يوماً من رمضان من غير عذر لم يقضه صيام الدهر وإن صامه)) والمعتمد عند عامة أهل العلم أنه يلزمه القضاء، يقول: "وإن اختلفا في الإثم فهما دين ثابت، وفرض واجب وإن خرج الوقت، وقد شذ بعض أهل الظاهر وأقدم على خلاف جمهور العلماء، وأقدم على خلاف جمهور علماء المسلمين، وسبيل المؤمنين، فقال: ليس على المتعمد لترك الصلاة في وقتها أن يأتي بها في غير وقتها؛ لأنه غير نائم ولا ناسي" يعني الحديث خاص بالنائم والناسي ((من نام عن صلاة أو نسيها فليصليها إذا ذكرها)) مفهومه أن من تعمد لا. . . . . . . . .، والجمهور يقولون: إن هذا من باب قياس الأولى، القياس الجلي، من باب مفهوم الموافقة الذي هو القياس الجلي، إذا قيل هذا في الناسي والنائم مع العذر فمع عدم العذر من باب أولى، نأخذ الحديث الذي يليه، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
من؟ المقصود أن الاستدلال سواءً كان منه -عليه الصلاة والسلام- أو من أبي هريرة استدلال في محلة، وبآية والنص صريح في القضاء، من نسي الصلاة، من نام عن صلاة أو نسيها، الأمر ما فيه إشكال، نعم.
طالب:. . . . . . . . .

(2/41)


إيه، ما عليه إثم، لكن إذا فوت صلاة الجماعة أثم لأنه ترك واجب على ما سيأتي، بس الإثم يختلف، إثم ترك الجماعة ما هو مثل إثم خروج الوقت.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، الخلاف بين أهل العلم هل هو للصلاة أو لوقتها؟ حديث الباب يدل على أنه للصلاة، فعلى هذا يؤذن في أي وقت، وهل هو للجماعة أو للمنفرد فقط؟ للمنفرد أو للجماعة فقط؟ من أجل إعلامهم واجتماعهم؟ نعم، الأصل أنه للجماعة المنفرد لا يؤذن، لا، هو أوسع من ذلك، نعم.
أحسن الله إليك:
"عن مالك ... "
لأنه مكان حضر فيه الشيطان.
طالب:. . . . . . . . .
إيه من باب أولى، من باب أولى، العلة أن الصلاة دين في ذمته وهو مكلف عاقل فاهم ذاكر، فالعلة زائدة بلا شك.
طالب:. . . . . . . . .
لا العلة أنه مدين بهذه الصلاة فخرج وقتها، وارتفاع الإثم لأنه نائم، نعم، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(2/42)


الموطأ - شرح كتاب وقوت الصلاة (3)
شرح باب: النهي عن الصلاة في الهاجرة، وباب النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين،
أما بعد:

(3/1)


في الحديث السابق الحديث الوارد في قصة نومه -عليه الصلاة والسلام- عن صلاة الصبح، قال -عليه الصلاة والسلام- في آخره مسلياً لهم ومؤنساً؛ لأن هذا الأمر ليس في أيديهم، وما خرج عن اليد والاختيار خرج عن دائرة التكليف، فقال: ((يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في حينٍ غير هذه -يعني قبل ذلك- فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها)) يعني قام إليها وهذا هو الأصل أن يقوم إليها فزعاً مذعوراً لما فاته وإن لم يكن الأمر بيده، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، ((فليصلها كما كان يصليها في وقتها)) كما كان يصليها في وقتها، كما لو أداها في أول وقتها كالمعتاد، فيأتي بها كاملة تامة، من قيامها وركوعها وسجودها وأذكارها وغير ذلك، ولا يحمله التأخر عن أدائها في أول وقتها حتى لو خرج وقتها إلى أن يخل بشيء من أركانها، "ثم التفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكر فقال: ((إن الشيطان أتى بلالاً وهو قائم يصلي فأضجعه)) " يحرص الشيطان على مثل هذا، يحرص على أن يصرف المسلم عن صلاته بالكلية، فإن تيسر له ذلك فهو المطلوب وإلا شغله عنها، أو شغله فيها إن لم يستطع أن يشغله عنها، فأتى إلى بلال لأمر .. ، لتحقق أمر يريده الله -جل وعلا-، فنام -عليه الصلاة والسلام-، والسبب الذي جعله النبي -عليه الصلاة والسلام- للاستيقاظ أيضاً تخلف أثره ليقضي الله أمراً كان مفعولاً؛ ليعمل الناس الحكم في مثل هذه الحالة، ((إن الشيطان أتى بلالاً وهو قائم يصلي فأضجعه فلم يزل يهدئه)) يعني كطريقة الأمهات في تهدئة الصبيان من أجل النوم، وأهل الحديث يروونه بلا همز: "يهديه" وإن كان الأصل من الهدوء والتهدئة فهو مهموز، ((كما يهدأ الصبي حتى نام)) يعني حتى ينام، ومعروف أن الصبي يضرب على ظهره برفق حتى ينام، وهذا أمر مأثور معروف متوارث ولا ضرر فيه، وإن قال بعضهم بعض المعاصرين والمتأخرين ممن يزعم أنه يتصدى للتربية يقول: إن النوم سببه التعب الحاصل من هذه التهدئة، يقول: إن الطفل يتعب من هذه التهدئة فينام، وهذا ليس بصحيح، "ثم دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالاً فأخبر بلال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل الذي

(3/2)


أخبر أبا بكر"، الرسول -عليه الصلاة والسلام- أخبر أبو بكر بما حصل لبلال قبل أن يخبره بلال، وهذه معجزة له -عليه الصلاة والسلام- حيث أطلعه الله على ذلك، فقال أبو بكر: "أشهد أنك رسول الله"، مع أنه مؤمن مسلم قبل ذلك، لكن استدامة لإيمانه وإظهاراً لما تجدد في نفسه مما يزيد في إيمانه -رضي الله عنه وأرضاه-.
طالب:. . . . . . . . .
يبقى على إرساله، مرسل باتفاق الرواة، ولا يوجد في الصحيحين، نعم، إيه لا بأس.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.

شرح باب: النهي عن الصلاة في الهاجرة:
قال الإمام يحيى: باب النهي عن الصلاة في الهاجرة:
عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن شدة الحر من فيح جهنم فإذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، وقال: اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا رب أكل بعضي بعضاً فأذن لها بنفسين في كل عام، نفس في الشتاء ونفس في الصيف)).
وحدثنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم، وذكر أن النار اشتكت إلى ربها فأذن لها في كل عام بنفسين نفس في الشتاء ونفس في الصيف)).
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(3/3)


يقول الإمام -رحمه الله تعالى-: "باب النهي عن الصلاة بالهاجرة" باب النهي عن الصلاة بالهاجرة، هكذا جاءت الترجمة، والنهي مأخوذ من ضد الأمر بالإبراد، فالأمر بالشيء .. ، الأمر بالإبراد ((إذا اشتد الحر فأبردوا)) النهي عن الشيء أمر بضده، والأمر بالشيء نهي عن ضده، فإذا أمرنا بالإبراد نهينا عن الصلاة بالهاجرة، والنهي هنا يراد به الكراهة، وعند جمهور أهل العلم أن الأمر كـ (أبردوا) للاستحباب، والهاجرة المراد بها نصف النهار عند اشتداد الحر.

(3/4)


يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إن شدة الحر من فيح جهنم)) " فيح: ومنه المكان الأفيح المراد به الواسع، ففيح جهنم سعة انتشارها وتنفسها في ذلك الوقت، ((فإذا اشتد الحر)) في أيام الصيف، ((فأبردوا عن الصلاة)) يعني أخروها عن أول وقتها التي كنتم تفعلونها فيه حتى يبرد الجو، ((أبردوا)) أي ادخلوا في الوقت البارد، كما يقال: أنجد وأتهم وأظلم، دخل نجد، ودخل تهامة، ودخل في الظلام، وهنا ((أبردوا)) وأبرد فلان يعني دخل في الوقت البارد، فأبردوا عن الصلاة: المراد تأخير صلاة الظهر إلى أثناء وقتها، وإذا اقتضى الأمر أن تؤخر إلى آخر وقتها فلا بأس للحاجة، من أجل أن يكون للحيطان ظل يستظل به الناس ذهاباً إلى الصلاة وإياباً منها، وإلا لو فعلت في أول وقتها ما صار للحيطان ظل كافي يستظل به الناس، فإذا أخرت عن أول الوقت استظل الناس بالحيطان، ومنهم من يقول: تأخيرها المأمور به إلى آخر وقتها لكي يقرب من ذلك وقت العصر فيخرج الناس إلى الصلاتين مرة واحدة، بهذا يكون كالجمع الصوري، تصلى صلاة الظهر في آخر وقتها والعصر في أول وقتها، وفي هذا تيسير على الناس بلا شك، لكن الأمر بالإبراد لا يصل إلى حد آخر الوقت، بل إذا كان للحيطان ظل يستظل به الناس ويقيهم شر الشمس وضربتها، والحر الشديد الذي يؤذيهم يكفي امتثالاً لهذا الأمر، وقال: ((اشتكت النار إلى ربها)) وقال: يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإسناد السابق ((اشتكت النار إلى ربها فقالت: يا ربِ أكل بعضي بعضاً)) "فقالت" قد يقول قائل: هل النار تتكلم؟ نعم تتكلم، الذي يثبت المجاز يقول: قالت مجازاً؛ لأن الجمادات لا تتكلم حقيقة، والصواب أنها تتكلم حقيقة بلسان المقال وليس بلسان الحال، والقدرة الإلهية صالحة لذلك، كما في قوله تعالى: {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} [(11) سورة فصلت] {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ} إيش؟ {هَلْ مِن مَّزِيدٍ} [(30) سورة ق] نعم تتكلم، نعم، المقصود أنه نسب إليها الكلام في نصوص كثيرة، ((أكل بعضي بعضاً)) وذلك لشدة حرها ولعدم وجود ما تأكله فيعود بعضها على بعض، فيأكل بعضها

(3/5)


بعضاً، ((فأذن الله لها ... بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف)) ولا شك أن النفس وهو المتنفس للشيء المكتوم، وهذا أمر محسوس، فيخرج منها هذا الحر الشديد من نفس الصيف، والبرد الشديد من نفس الشتاء من باب التنفيس عليها، فيكون نفساً، ومنه نفس الإنسان، ومنه تنفيس الكرب لأنها تخفف، ((فأذن لها بنفسين في كل عام، نفس في الشتاء ونفس في الصيف)) ويبينه الحديث الذي يليه، يقول: "وحدثنا مالك عن عبد الله بن يزيد مولى الأسود بن سفيان عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وعن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) " والأمر بالإبراد خاص بصلاة الظهر التي هي في شدة الحر، يعني لو قدر أنه في وقت صلاة المغرب مثلاً صار الجو مكتوم وهذا يوجد أحياناً النفس يا الله يدركه الإنسان هل نقول: إن المغرب مثل الظهر أو العشاء مثلاً؟ وقد يقول قائل: أحياناً العصر يكون حر شديد، تكون الأرض والحيطان قد تشربت هذه الحرارة، لا سيما بعد وجود مواد ليست من طبيعة البلد، إذا وجد في البلد مواد ليست من طبيعته تشربت الحرارة، يعني في البلدان الحارة يناسبها الطين أكثر مما يناسبها الإسمنت والحديد، الناس الذين أدركوا العمارة القديمة بالطين واللبن ما يحسون بمثل هذه الحرارة التي توجد الآن، مع ما كسيت به الأرض من مواد تمتص الحرارة، فلا شك أن العصر في شدة الصيف حار، لكن هل معنى هذا أننا نؤخر العصر؟ هذا الأمر خاص بصلاة الظهر، الأمر خاص بصلاة الظهر، ولا يصل التأخير لصلاة الظهر المأمور به إلى أن يخرج وقتها؛ لأنه قد يقول قائل: إن العصر حر شديد أيضاً لماذا لا نؤخر؟ المغرب قد يوجد كتمة مثلاً، في بعض البلدان لا سيما الساحلية في شدة الحر المغرب والعشاء أشد من النهار، هل معنى هذا أننا نؤخر؟ لا، لا نؤخر، هذا الأمر خاص بصلاة الظهر، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
شوف الترجمة، الترجمة من الإمام، هذا بابه نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا جاء ما يخصصه، جاء: ((فأبردوا عن الظهر)) نعم جاء في بعض الروايات، المقصود به شدة الحر، وهو المراد.

(3/6)


وذكر –أي النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإسناد المذكور، وما جاء بالأمر في الإبراد مخصص لما جاء من نصوص المبادرة والمسارعة، وبيان أن أفضل الأوقات أولها، أوائل الأوقات أفضل، الصلاة على أول وقتها، فيكون هذا النص مخصص لما جاء، مع أنه مخصوص أيضاً بصلاة العشاء، وذكر -يعني النبي -عليه الصلاة والسلام- بالإسناد السابق-: ((أن النار اشتكت إلى ربها فأذن لها في كل عام بنفسين، نفس في الشتاء ونفس في الصيف)).
ثم بعد ذلك قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا اشتد الحر فأبردوا عن الصلاة، فإن شدة الحر من فيح جهنم)) ".
هذا يقول: إذا استيقظ للصلاة في وقت طلوع الشمس فماذا يفعل؟
يصلي فوراً، الفوائت تقضى فوراً، يجب قضاء الفوائت فوراً، والفرائض لا تدخل في النهي، نعم.
سم.

شرح: باب النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم:
أحسن الله إليك:
باب: النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم:
عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أكل من هذه الشجرة فلا يقرب مسجدنا يؤذينا بريح الثوم)).
عن مالك عن عبد الرحمن بن المجبر أنه كان يرى سالم بن عبد الله إذا رأى الإنسان يغطي فاه وهو يصلي جبذ الثوب عن فيه جبذاً شديداً حتى ينزعه عن فيه.

(3/7)


يقول -رحمه الله تعالى-: "باب النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم" ثم ذكر حديث سعيد بن المسيب أرسله وإلا هو موصول في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من أكل من هذه الشجرة)) يعني شجرة الثوم، وإطلاق الشجرة على مثل الثوم هل يقال لها: شجرة؟ {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} [(6) سورة الرحمن] ابن عباس فسر الشجر بما له ساق، والنجم ما لا ساق له، فالثوم له ساق؟ لا ساق له، ومن الذي قال هذا الكلام ((من أكل من هذه الشجرة؟ )) الرسول -عليه الصلاة والسلام-، وهو عربي، يتكلم بلسان العرب، فابن عباس -رضي الله عنه- فسر الشجر بما له ساق، والنجم ما لا ساق له، ولا يمنع أن يكون إذا ذكر الاثنان اختص كل واحد بتعريف، وإذا أفرد أحدهما نعم عن الآخر جاز إطلاق الاسمين عليه، فيطلق النجم على ما ساق له، والشجر على ما لا ساق له، هذا إذا أفردا، أما إذا اجتمعا فلكل واحد منهما تعريفه، كالإسلام والإيمان، والفقير والمسكين وما أشبه ذلك.
((من أكل من هذه الشجرة)) الإشارة إلى حاضر في الأعيان، ويشير إليها "من هذه الشجرة" أو إلى حاضر في الأذهان؟ نعم، الآن هل أمامه مزرعة ثوم؟ ((من أكل من هذه الشجرة)) هل حضور المشار إليه حضور عيني أو حضور ذهني؟ يعني افترضنا أن مؤلفاً يقول: أما بعد: فهذا كتاب نشرح فيه أو نبين فيه كذا، "هذا كتاب" يشير إلى الكتاب الموجود أمامه أو الموجود في ذهنه؟ هذا إن كانت المقدمة قبل التأليف فيشير إلى ما في ذهنه، وإن كانت المقدمة بعد التأليف فيشير إلى شيء حاضر في الأعيان، هنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((من أكل من هذه الشجرة)) يشير إلى حاضر في الأعيان إذا كان في مزرعة ثوم، يقول: ((من أكل من هذه الشجرة)) ممكن، لكنه يشير على حاضر في الذهن.

(3/8)


((فلا يقربن)) أو ((فلا يقرب مساجدنا)) في رواية: ((مسجدنا)) والعلة: ((يؤذينا بريح الثوم)) ما في ما يمنع أن يكون يوجد فص من الثوم أو شيء من هذا مع أحد، ما يمنع، لكن اللي يظهر -والله أعلم- من السياق سياق الروايات كلها أنه لما تأذى برائحة الثوم قال هذا الكلام، فتكون الإشارة إلى حاضر في الذهن يقربه ويحدده الرائحة التي تأذوا بها، وفي رواية: ((فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان)) ((الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الإنسان)) قد يقول قائل: هل لمن أكل من هذه الشجرة أن يدخل المسجد وما فيه أحد؟ خالي؟ يقول: ما في إنسان يتأذى؟ النهي عن قربان المسجد، نعم، أقول: قد يقول قائل: إذا خرج الناس من الصلاة رحت صليت، نعم، قد يوجد إنسان إذا كان الناس يتأذون برائحة الثوم لكن لو اتفق مجموعة من الناس أو جميع جماعة المسجد وأكلوا ثوم، حينئذ لا يتأذون ارتفعت العلة، هل معنى هذا أنه يسوغ لهم أن يدخلوا المسجد؟ أو تبقى العلة المنصوصة في بعض الروايات: ((فإن الملائكة تتأذى))؟ فعلى هذا لا يقرب المسجد ولو لم يكن فيه أحد، ولو أكلوا كلهم الثوم.
ويلتحق بالثوم كل ما له رائحة كريهة من .. ، كالبصل، والكراث، ومن باب أولى المحرم كالدخان مثلاً، أو شخص تنبعث منه روائح كريهة من بخر، أو ما أشبهه مثل هذا لا يؤذي الناس.
طالب:. . . . . . . . .
لا البرا أمره سهل ما هو بمسجد، ما هو بمسجد، من باب: نصر، قرب من باب إيش؟ عظم، عظم يعظم، نعم، أقول: يلتحق به كل ما له رائحة، سواءً كانت بفعل الإنسان، أو خارجة عن فعله إلا إذا خفف ذلك بزيادة في التنظيف، أو روائح طيبة من طيب وشبهه تكسر هذه الرائحة الخبيثة التي تنبعث منه.

(3/9)


وأيضاً يمنع -قياساً على ذلك- إرسال الروائح الكريهة في المسجد، الروائح الكريهة إرسالها كالفساء والضراط والجشاء يجوز وإلا ما يجوز؟ نعم، شخص جالس في المسجد احتاج إلى أن يرسل شيئاً من ذلك، نعم، يجوز وإلا ما يجوز؟ ما لم يحدث، ما لم يحدث أو يؤذي، هو يقول: أنا باجلس في المسجد أقرأ القرآن عن ظهر قلب، وهذا لا يؤثر، واحتاج إلى أن رسل شيئاً من ذلك، أما مع الحاجة فقد قال أبو بكر بن العربي في شرح الترمذي على حديث: ((فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً)) قال: فيه جواز إرسال ذلك للحاجة، للحاجة، ومعلوم أن بقاء الإنسان طاهراً في المسجد ذاكراً تالياً مصلياً هذا هو الأكمل.

(3/10)


إذا كان أكل هذه الأشياء ذوات الروائح الكريهة مثل الثوم والبصل والكراث يمنع من دخول المسجد، ويمنع من حضور الجماعة فما حكمه؟ حضور الجماعة واجب، وصلاة الجماعة واجبة، فهل نقول: إن ما يمنع منها حرام؟ نعم، نعم إن تعمد الأكل ليترخص بذلك، لكن أكل لحاجة هو ما قصد الأكل من أجل ألا يصلي مع الجماعة، لم يقصد التحايل بذلك، لكن الحاجة، الحاجة لا تصل إلى حد يقاوم الواجب، أقول: هذه الحاجة قد يكون يأكله تلذذاً مثلاً، جاء وصفها بأنها خبيثة في قوله -جل وعلا-: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [(157) سورة الأعراف] وجاء وصفها: ((من أكل من هاتين الشجرتين الخبيثتين)) يقول أهل الظاهر: بأن الأكل منهما حرام ولو لم يرد في صحيح مسلم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عنهما أحرام هما؟ قال: ((أنا لا أحرم ما أحل الله)) فهما حلال خلافاً لأهل الظاهر، لكن الحلال الذي يمنع من الواجب، الحلال الذي يمنع من الواجب حكمه يعني لا لذاته، لا يحرم لذاته، إنما لما يؤدي إليه، وعلى هذا يحمل حال من يأكله تحايلاً لإسقاط الواجب، أما من أكله لحاجة فلا، بأن يوصف علاج مثلاً إذا قيل: ينفع لك مثلاً علاج ثوم وإلا .. ، وفي منافع كبرى يذكرها الأطباء وتذكر في كتب الطب، لا سيما الثوم ويقرب منه البصل في كثير من خصائصه، يذكرون أشياء، منافع عظيمة فيها، لكن مع ذلك تحصيل أمور الدنيا لا يعني أنه تهدر بسببها أمور الآخرة، نعم إذا وصف علاج لمرض موجود فالأمر -الحمد لله- الدين في سعة لمثل هذا.
إيش في؟
طالب: الرجل. . . . . . . . .
المقصود أنه للحاجة لا بأس به، إذا أكله تحايل من أجل إسقاط الجماعة، لكن بعض الناس يأكله لحاجة ويصعب عليه أن يتخلف عن شهود الجماعة، نعم، بلا شك إذا خفف ذلك، إذا انتفت العلة، إذا انتفت العلة وتطيب وخفت هذه الرائحة، فالعلة معقولة، فإذا ارتفعت ارتفع معها حكمها.

(3/11)


يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن المجبر" عبد الرحمن بن عبد الرحمن بن عمر بن المجبر سقط تكسر فجبر قيل له: مجبر، ومنهم من يقول: إنه مات أبوه وهو في بطن أمه حمل، فقيل: لعل الله -جل وعلا- أن يجبره ويعوضه عن أبيه فسمي مجبر، كل من رآه قال: الله يجبره، نعم، هذا قول، "أنه كان يرى سالم بن عبد الله" التابعي الجليل الفقيه أحد الفقهاء السبعة "إذا رأى الإنسان يغطي فاه وهو يصلي جبذ الثوب عن فيه"، "إذا رأى الإنسان يغطي فاه وهو يصلي جبذ الثوب عن فيه جبذاً شديداً"، نعم أبلغ في التعليم، وفي الإنكار باليد مع الاستطاعة، "حتى ينزعه عن فيه"، والسبب في ذلك أمور:
منها: أن يباشر الأرض بأنفه كجبهته.
منها أيضاً: ما قاله بعض أهل العلم أن التلثم ينافي الخشوع، ينافي الخشوع، يقول: لما فيه من الكبر، وأيضاً: قد يظن بعض الناس أنه .. ، أن هذا الذي تلثم وغطى أنفه يظن بعض الناس أنه من أجله؛ لئلا يشم رائحته أو يستنكف أن يشم رائحة في المسجد أو من أحد المصلين فيقع في نفسه ما يقع، وفي الاستذكار يقول: "تغطية الفم والأنف في الصلاة مكروه لمن أكل ثوماً"، وبهذا نعمل الفائدة من إرداف حديث الثوم بالتلثم، نعم، يقول: "تغطية الفم والأنف في الصلاة مكروه لمن أكل ثوماً، وأصل الكراهية لأنهم كانوا يتلثمون ويصلون على تلك الحال فنهوا عن ذلك" يعني ما يكفي أن يتلثم إذا أكل ثوماً أو بصلاً ثم حضر المسجد تلثم، نعم قد لا تشم منه الرائحة، لكنه لا يكفي ذلك.
طالب:. . . . . . . . .
التطيب، نعم هو إذا وجد الطيب الذي له رائحة قوية بحيث تقاوم رائحة الثوم فالعلة معقولة، يعني ارتفعت هذه الرائحة فلا بأس حينئذ.
طالب:. . . . . . . . .
لا اللثام لأمور، يعني ما هو لأمر واحد، ما هو من أجل الثوم فقط؛ لأنه ينافي الخشوع، وفيه كبر، وفيه أيضاً يمنع من مباشرة الأرض، فيه أمور مجتمعة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا في مقاومة يعني، الذي يشم الرائحة، إذا تطيب مثلاً الإنسان شماغه ولحيته وذا، تقاوم يعني، فالرائح تشم، نعم.

(3/12)


مناسبة الباب في أكثر الموطئات بين هذا الباب وبين كتاب الوقوت، باب: النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر، باب: النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر في أكثر الموطئات، لكن في موطأ يحيى تأخر هذا الباب، وضعه في آخر كتاب الصلاة، مع أن ابن عبد البر يقول: ليس له هناك مدخل، ولذا قدمه، ابن عبد البر في الاستذكار قدم الباب إلى هنا، وضعه قبل النهي عن دخول المسجد بريح الثوم وتغطية الفم، نعم، ما المناسبة؟ من يذكر المناسبة بين هذا الباب وكتاب الوقوت؟ نعم، في مناسبة؟ هذا إذا كان ينقطع، إذا كان ينقطع قبل وقت الصلاة، هو يحتمل على بعد أن النهي عن قربان المساجد يعني في أوقات الصلاة، النهي عن قربان المساجد في أوقات الصلاة التي يوجد فيها من يتأذى، يعني لو جاء شخص يصلي ركعتي الضحى في المسجد وآكل ثوم يمنع وإلا ما يمنع؟ أو جاء في منتصف الليل بيوتر في المسجد يمنع وإلا ما يمنع؟ لا يوجد من يتأذى، ((يؤذينا بريح الثوم)) يقال: ما في إنسان يتأذى إذاً الملائكة لا تتأذى، إذاً كلامك هذا يلزم منه أنه لا يؤكل مطلقاً؛ لأن الملائكة يوجد القرين بعد، بدون. . . . . . . . .، القرين معه باستمرار ويتأذى في غير وقت صلاة وفي غير مزاولة صلاة ما يؤكل؟ أنت إذا قرنت بين المساجد المساجد، النهي عن قربان المساجد إذا قرنت بها ((يؤذينا)) المسجد مع الأذى، العلة مركبة ما هي بمفردة، العلة مركبة من كونه أذى وكونه في المسجد، ولذا في مجامع الناس مثلاً في الأسواق أكل ثوم نقول: لا تروح تؤذي الناس؟ نعم، الآن لو شخص أكل ثوم وطلع السوق نقول: حرام عليك؟ نقول: العلة مركبة، العلة مركبة من قربان المسجد والأذى؛ لأن غير المسجد اللي تأذى يؤخر، يطلع يا أخي، نعم، الذي يتأذى -الحمد لله- الأمر فيه سعة، لكن المسجد الذي هو مورد الناس كلهم هذا الذي ما يقدر يتركه الإنسان لأنه محل العبادة، لكن العلة المنصوصة الآن في الحديث مركبة وليست مفردة من قربان المسجد ومن الأذى، فعلى هذا إذا مسألة قربان المسجد هل تستقل بالتعليل؟ والأذى وحده هل يستقل بالتعليل؟ محل نظر، ما يمكن يسلم به، فالعلة مركبة، فإذا اجتمع الأمران منع، وعلى هذا إذا جاء في منتصف الضحى قال:

(3/13)


أنا أريد أصلي ركعتي الضحى والمسجد ما فيه أحد، نقول: لا يقرب مسجدنا؟ نعم؟ كيف؟ لأنه ما يوجد من يتأذى، لا يوجد من يتأذى، وهذا هو الظاهر لأن العلة إذا كانت مركبة من أمرين لا يستقل أحد الأمرين بترتيب الحكم، فعلى هذا من أراد أن يصلي الضحى، من أراد أن يوتر لا مانع أن يدخل المسجد ولو أكل إذا لم يوجد من يتأذى؛ لأن العلة المنصوصة مركبة من أمرين.
هنا في مسألة في الحديث -في الخبر الثاني- رأى إنسان يغطي فاه وهو يصلي، الحال أنه يصلي، تغطية الفم أو التلثم خارج الصلاة خارج الصلاة لغير حاجة، أما إذا وجدت حاجة برد مثلاً شديد، أو حساسية عند الإنسان يتأثر بأدنى شيء هذه الحاجة معروف حكمها، لكن بغير حاجة دائماً يمشي بين الناس وهو متلثم، بعض أهل العلم يطلق الكراهة، يطلق الكراهة، لماذا؟ نعم، لا شك أنه يحدث ريبة ونفرة أيضاً، الناس ينفرون من مثل هذا المتلثم، لا سيما إذا لم يعرفوا السبب الباعث له على ذلك.
جبذ الثوب وجذبه لغتان بمعنى، وإن قال بعضهم: إنه مقلوب، لكن الفيروزآبادي أنكر أن يكون مقلوباً، إنما هو لغة أصلية في جذب الثوب، وهنا فيه الإنكار باليد مع الاستطاعة، ((من رأى منكم منكراً فليغيره بيده)) هذا هو الأصل، هذا إذا استطاع، إن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، والله المستعان.

(3/14)