شرح الموطأ عبد
الكريم الخضير شرح: الموطأ -
كتاب الطهارة (4)
باب العمل في الوضوء - باب: وضوء النائم إذا قام إلى
الصلاة
الشيخ: عبد الكريم الخضير
كتاب الطهارة:
باب العمل في الوضوء:
عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبيه أنه قال لعبد
الله بن زيد بن عاصم وهو جد عمرو بن يحيى المازني، وكان من
أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، هل تستطيع أن تريني
كيف كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ؟ فقال عبد
الله بن زيد بن عاصم: نعم، فدعا بوَضوء فأفرغ على يده فغسل
يديه مرتين مرتين ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً، ثم غسل وجهه
ثلاثاً، ثم غسل يديه مرتين مرتين إلى المرفقين، ثم مسح
رأسه بيديه، فأقبل بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب
بهما إلى قفاه، ثم ردهما حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه،
ثم غسل رجليه.
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله
تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا
توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر، ومن استجمر
فليوتر)).
عن مالك عن ابن شهاب عن أبي إدريس الخولاني عن أبي هريرة
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من توضأ
فليستنثر، ومن استجمر فليوتر)).
قال يحيى قال: سمعت مالكاً يقول في الرجل يتمضمض ويستنثر
من غرفة واحدة: إنه لا بأس بذلك.
عن مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن أبي بكر قد دخل على
عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم مات سعد بن أبي
وقاص فدعا بوضوء فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن أسبغ
الوضوء فإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
((ويل للأعقاب من النار)).
عن مالك عن يحيى بن محمد بن طحلاء عن عثمان بن عبد الرحمن
أن أباه حدثه أنه سمع عمر بن الخطاب يتوضأ بالماء لما تحت
إزاره.
قال سئل مالك عن رجل توضأ فنسي فغسل وجهه قبل أن يتمضمض أو
غسل ذراعيه قبل أن يغسل وجهه فقال: أما الذي غسل وجهه قبل
أن يتمضمض فليمضمض، ولا يعد غسل وجهه، وأما الذي غسل
ذراعيه قبل وجهه فليغسل وجهه ثم ليعد غسل ذراعيه حتى يكون
غسلهما بعد وجهه إذا كان ذلك في مكانه أو بحضرة ذلك.
(4/1)
قال: وسئل مالك عن رجل نسي أن يتمضمض
ويستنثر حتى صلى قال: ليس عليه أن يعيد صلاته وليمضمض
ويستنثر ما يستقبل، إن كان يريد أن يصلي.
بعد أن أنهى الإمام -رحمه الله تعالى- الكلام على شرط من
شروط الصلاة، وهو الوقت شرع في بيان شرط آخر وهو الطهارة،
فقال:
كتاب الطهارة:
باب العمل في الوضوء:
يقول:
كتاب الطهارة:
عرفنا أن أكثر المصنفين يبدؤون بكتاب الطهارة؛ لأهميتها،
وهي مفتاح الصلاة، و ((لا يقبل الله صلاة من أحدث حتى
يتوضأ)) و ((لا تقبل صلاة بغير طهور)) النصوص كثيرة في
هذا، الطهارة شرط بالإجماع.
باب العمل في الوضوء:
الطهارة أعم من أن تكون بالماء أو ببدله، أو أن تكون عن
حدث أكبر أو أصغر، المقصود أن الطهارة شرط في صحة الصلاة.
باب العمل في الوضوء:
(4/2)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عمرو بن يحيى
المازني عن أبيه أنه قال لعبد الله بن زيد بن عاصم" هذا
راوي صفة الوضوء، وهو غير عبد الله بن زيد بن عبد ربه راوي
الأذان غيره، عبد الله بن زيد بن عاصم يقول: وهو جد عمرو
بن يحيى المازني، يقول الحافظ ابن حجر: هذا فيه تجوز،
لماذا؟ لأن عبد الله بن زيد بن عاصم عم لأبيه، وليس جداً
له، وسماه جداً لكونه في منزلته، في منزلة جده "وكان من
أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال لعبد الله بن
زيد بن عاصم: هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يتوضأ؟ " هل تستطيع؟ ماذا يفهم من هذا
الأسلوب؟ هل تستطيع؟ نعم هو تطبيق عملي لكن إيش معنى هل
تستطيع؟ يعني ما قال: صف لي، أو توضأ لي، أرني كيف كان
يتوضأ؟ هل تستطيع؟ نعم، هم يقولون: فيه ملاطفة، لكن
الاستعمال الآن لمثل هذا الأسلوب فيه ملاطفة وإلا فيه .. ؟
نعم كأن فيه شيء من التعجيز، وإلا فالشروح كلهم يقولون:
هذا فيه ملاطفة، لا سيما مع كبر سنه، وطول عهده، مع طول
العهد، وهذا عم أبيه بمنزلة جده، هل تستطيع؟ يعني هل
تستطيع أن تصف كما رأيت أو نسيت شيئاً من ذلك، أو اختلط
عليك الأمر؟ لا شك أن الطلب المقرون بالاستطاعة فيه تخفيف
للطلب، يعني كونك تقول لشخص: أعطني هذا فيه مشقة، لكن إن
كنت تقدر يا أخي أعطني هذا، أو تستطيع إن كان ما يشق عليك،
هذا فيه ملاطفة لا شك "هل تستطيع أن تريني كيف كان رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- يتوضأ؟ فقال عبد الله بن زيد بن
عاصم: نعم، فدعا بوَضوء" الوَضوء بفتح الواو الماء الذي
يتوضأ به، وبضمها الوُضوء الفعل "فأفرغ على يده فغسل يديه
مرتين مرتين، واستنثر ثلاثاً، وغسل وجهه ثلاثاً، وغسل يديه
مرتين" ثبت في صفة وضوئه -عليه الصلاة والسلام- أكثر من
كيفية، فتوضأ -عليه الصلاة والسلام- مرة مرة لكل عضو، وثبت
عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه توضأ مرتين مرتين، وثلاثاً
ثلاثاً، وثبت عنه كما في هذا الحديث أنه توضأ، يقول أهل
العلم: ملفقاً، يعني بعض الأعضاء مرة، وبعض الأعضاء مرتين،
وبعضها ثلاث، كل هذا جائز.
(4/3)
هنا يقول: "فأفرغ على يده فغسل يديه مرتين
مرتين" والمراد بغسل اليدين هنا غسل الكفين، وليس المراد
غسل اليدين الذي هو من فرائض الوضوء "فغسل يديه مرتين
مرتين، ثم تمضمض واستنثر ثلاثاً" غسل اليدين سنة ما لم يكن
الشخص قائم من النوم على ما سيأتي، يستيقظ من النوم على
خلاف ذلك، أو يكون عليهما نجاسة فلا بد من غسلهما، وما عدا
ذلك غسلهما قبل الوضوء سنة "فأفرغ على يده فغسل يديه مرتين
مرتين" بعض من ذكر صفة وضوئه -عليه الصلاة والسلام- قال:
فأفرغ على يديه من الإناء ثلاثاً، في حديث عثمان وغيره: ثم
تمضمض واستنثر ثلاثاً، ويأتي ما في المضمضة والاستنشاق من
بيان للحكم.
والمضمضة إدخال الماء في الفم مع التحريك، وهل المج وإخراج
الماء من الفم من مسمى المضمضة أو قدر زائد عليها؟ يقول:
ثم تمضمض إدخال الماء في الفم مع تحريكه هذه مضمضة، لكن مج
الماء بعد ذلك هل هو من مسمى المضمضة وإلا لا؟ بمعنى أنه
لو أدخل الماء ثم حركه فابتلعه نقول: تمضمض وإلا ما تمضمض؟
نعم؟ بعض كتب اللغة يدخل المج في مسمى المضمضة، وعلى هذا
لا تتم المضمضة إلا بعد مج الماء، وإخراجه من الفم، ومنهم
من يقتصر على إدخاله في الفم وتحريكه، والتحريك من مقتضى
الصيغة، المضمضة التي هي كالخضخضة تحريك.
"واستنثر ثلاثاً" استنثر عندنا استنشاق واستنثار، هذا
الاستنشاق جذب الماء بالنفس إلى داخل الأنف هذا استنشاق
والاستنثار إخراج الماء من الأنف بالنفس، وعندنا في الحديث
اقتصر على الاستنثار من باب الاكتفاء، فالاستنثار لا بد أن
يتقدمه استنشاق، وإن قال بعضهم: إن الاستنثار هو
الاستنشاق، لا، نقول: من لازمه الاستنشاق بدليل الجمع
بينهما في بعض النصوص، في بعض النصوص استنشق واستنثر
ثلاثاً، فيحمل الاستنشاق على إدخال الماء وجذبه إلى داخل
الأنف بالنفس، والاستنثار يحمل على إخراجه من الأنف
بالنفس.
(4/4)
"ثم غسل وجهه ثلاثاً" فيه تقديم غسل الكفين
قبل إدخالهما الإناء، ثم المضمضة والاستنشاق، ثم بعد ذلك
غسل الوجه ثلاثاً "ثم غسل وجهه" العطف عطف الوجه على
المضمضة والاستنشاق، العطف يقول أهل العلم: إنه يدل على
إيش؟ على المغايرة، إذاً الاستنشاق والاستنثار غير غسل
الوجه، ويأتينا في بيان حكم المضمضة والاستنشاق أن الفم
والأنف داخلان في الوجه مع خلاف في ذلك، كما سيأتي -إن شاء
الله تعالى-، وعطف الوجه عليهما دال على المغايرة.
"ثم غسل وجهه ثلاثاً، ثم غسل يديه إلى المرفقين" وإلى هنا
غاية والغاية داخلة بدليل ما جاء في وصف وضوئه -عليه
الصلاة والسلام- وأنه أدار الماء على مرفقيه، وغسل يديه
حتى أشرع في العضد، فدل على أن المرفقين داخلان، وإن كان
دخول الغاية في المغيا ليس مطرداً.
"ثم مسح رأسه بيديه" يعني بالماء الذي بيديه، المبلولتين
بالماء "فأقبل بهما وأدبر" أقبل وأدبر، بدأ بمقدم رأسه،
الجملتان الثانية توضيحية للأولى، لكن هل بينهما اتفاق
وإلا بينهما اختلاف؟ ذكرت الثانية لتوضيح الأولى، أقبل
بهما وأدبر، بدأ بمقدم رأسه، يعني لو لم يقل بدأ بمقدر
رأسه، نفهم من قوله: فأقبل بهما وأدبر أنه بدأ بإيش؟ بمؤخر
رأسه، لو لم تأتِ الثانية لبيان الحال، بيان الواقع، لبيان
الجملة الأولى لقلنا: إن البداءة بالمؤخر، أقبل، والإقبال
يكون إلى جهة الوجه، والإدبار إلى جهة القفا، وللتوفيق بين
الجملتين أما أن نقول: إن الواو لا تقتضي الترتيب، نعم،
فيكون الأمر فيه سعة، لا تقتضي الترتيب الواو، كما هو
الأصل فيها، أو نقول -مع أن فيه تكلف لما قاله دقيق
العيد-: فأقبل بهما إلى قفاه، وأدبر بهما عنه، يعني عن
القفا، أقبل بهما إلى قفاه كذا قال ابن دقيق العيد، وفيه
تكلف، لكن كون الواو لا تقتضي ترتيب ينحل الإشكال.
(4/5)
"بدأ بمقدم رأسه، ثم ذهب بهما إلى قفاه، ثم
ردهما" واضح "حتى رجع إلى المكان الذي بدأ منه، وهو مقدم
الرأس، ثم غسل رجليه" هكذا وصف عبد الله بن زيد وضوء النبي
-عليه الصلاة والسلام-، وفيه غسل اليدين قبل الوضوء، ثم
المضمضة والاستنشاق، ثم غسل الوجه، ثم غسل اليدين إلى
المرفقين، ثم بعد ذلك مسح الرأس، ثم بعد ذلك غسل الرجلين،
هذا صفة الوضوء إجمالاً.
وذكرنا في أول الكلام أن النبي توضأ مرة مرة، ومرتين
مرتين، وثلاثاً ثلاثاً، وتوضأ ملفقاً كما هنا، بمعنى أنه
غسل بعض الأعضاء مرتين، وبعضها ثلاثاً، والمسح بالرأس مرة
واحدة؛ لأنه لم يذكر معه عدد، وسيأتي بيان ذلك كله -إن شان
الله تعالى-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي
هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ
أحدكم فليجعل في أنفه ماء، ثم لينثر، ومن استجمر فليوتر))
".
إذا توضأ أحدكم: توضأ فعل ماضي، ومقتضى الفعل الماضي أن
يكون بعد الفراغ؛ لأنه أمر مضى، يعني كأنه قال: إذا توضأ
وانتهى من الوضوء فليجعل في أنفه ماء، لكن هل هذا الظاهر
مراد؟ ليس مراداً؛ لأن الماضي يطلق ويراد به الفراغ من
الشيء كما هو الأصل، ويطلق ويراد به إرادة الشيء، ويطلق
ويراد به الشروع في الشيء، يعني إذا قال شخص: إذا جاء زيد
أكرمتك، هل يكفي في ذلك إرادة زيد المجيء؟ نعم لا يكفي، هل
يكفي في ذلك شروع زيد في المجيء؟ إذا ركب الدابة من بلده،
والمسافة تحتاج إلى أيام، نقول: خلاص جاء زيد، يعني شرع في
المجيء؟ أو إذا فرغ وحصل المجيء كاملاً؟ هذا الأصل، لكن
ماذا عن مثل قوله تعالى: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ}
[(6) سورة المائدة] {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ
فَاسْتَعِذْ بِاللهِ} [(98) سورة النحل] المراد بذلك إذا
أردت، فإذا قرأت القرآن إذا أردت القراءة، خلافاً لأهل
الظاهر، حملوه على أصله، وقالوا: الاستعاذة بعد الفراغ من
القراءة.
(4/6)
((إذا كبر فكبروا)) يعني إذا فرغ من
التكبير كبر، لكن ماذا عن قوله: ((وإذا ركع فاركعوا))؟ إذا
فرغ من الركوع نركع؟ نعم؟ لا، إذا أراد الركوع نركع، لا
إذا شرع في الركوع نركع ((إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه
ماء)) يعني إذا شرع في الوضوء فليجعل في أنفه ماء ((ثم
فلينثر)) هذا أمر، فليجعل الآم لام الأمر، هذا دليل على
وجوب الاستنشاق، وجاءت فيه نصوص، هذا وغيرها، والنصوص فيه
أقوى مما جاء في المضمضة، والحاجة إلى تنظيفه أدعى إلى
الحاجة من تنظيف الفم، نعم، وهو مفتوح، نعم، أم الفم الأصل
أنه مغلق، يعني إذا توضأ، ولذا جاء في تنظيفه من النصوص
أكثر مما جاء في المضمضة ((فليجعل في أنفه ماء ثم لينثر))
فهذا الحديث يدل على وجوب إيش؟ الاستنشاق، وجاء أيضاً ما
يدل وجوب المضمضة ((إذا توضأت فمضمض)) ويستدل بالوجوب، أو
يستدل من قال بالوجوب أن الفم والأنف داخلان في الوجه؛ لأن
الذي لا يقول بالوجوب يقول: المضمضة والاستنشاق لم تذكر في
أية الوضوء، نعم، الواجب غسل الوجه، يقول من يقول بالواجب
أن الفم والأنف من مسمى الوجه، وداخلان فيه، ومن يقول بعدم
الوجوب يقول: إن الوجه ما تحصل به المواجهة، والمواجهة لا
تحصل بالفم ولا بالأنف، على كل حال الحكم في هذا النصوص
فجميع من وصف وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام- ذكر أنه
تمضمض واستنشق، وفعله -عليه الصلاة والسلام- بيان للواجب
المأمور به، إضافة إلى ما جاء من الأوامر الخاصة بالمضمضة
والاستنشاق، وفيها الأمر أوضح وأكثر.
(4/7)
((فليجعل في أنفه ماء)) يعني يستنشق ((ثم
لينثر)) يخرج هذا الماء ((ومن استجمر فليوتر)) استجمر
استعمل الحجارة لإزالة الأثر الخارج ((استجمر فليوتر))
استعمل الحجارة، يقطع هذا الاستعمال على وتر، وأقل المجزي
على ما سيأتي ثلاث أحجار، لكن إن احتاج إلى رابع يستحب له
أن يوتر فيزيد خامس، وهذا هو التفسير المعتمد للاستجمار
هنا عند الأكثر، وإن زعم بعضهم أن المراد به استعمال
المجمرة البخور الطبيب، استجمر يعني استعمل المجمرة يتطيب
مرة أو ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً، أو ما أشبه ذلك، يقطعه
على وتر، لكن المعتمد في تفسيره عند عامة أهل العلم أن
المراد به استعمال الحجارة في إزالة الأثر الخارج من
السبيلين، والله المستعان.
عن مالك عن زيد بن أسلم أنه قال: عرس رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- ليلة بطريق مكة، ووكل بلال أن يوقظه للصلاة،
فرقد بلال ورقدوا، حتى استيقظوا وقد طلعت عليهم الشمس،
فاستيقظ القوم وقد فزعوا، فأمرهم رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- أن يركبوا حتى يخرجوا من ذلك الوادي وقال: ((إن هذا
وادٍ به شيطان)) فركبوا حتى خرجوا من ذلك الوادي، ثم أمرهم
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينزلوا، وأن يتوضئوا،
وأمر بلال أن ينادي بالصلاة أو يقيم، فصلى رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- بالناس، ثم انصرف إليهم، وقد رأى من
فزعهم، فقال: ((يا أيها الناس إن الله قبض أرواحنا ولو شاء
لردها إلينا في حين غير هذا، فإذا رقد أحدكم عن الصلاة أو
نسيها، ثم فزع إليها فليصلها كما كان يصليها في وقتها)) ثم
التلفت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أبي بكر فقال:
((إن الشيطان أتى بلالاً وهو قائم يصلي فأضجعه، فلم يزل
يهدئه كما يهدّأ الصبي حتى نام)) ثم دعا رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- بلالاً، فأخبر بلال رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- مثل الذي أخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
أبا بكر، فقال أبو بكر: أشهد أنك رسول الله.
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أنه قال: عرس رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-" وعرفنا التعريس النوم في آخر
الليل، وزيد بن أسلم أدرك النبي -عليه الصلاة والسلام-؟
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(4/8)
لا، فالخبر مرسل في جميع روايات الموطأ،
كما قال ابن عبد البر وغيره "أنه قال: عرس رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- ليلة بطريق مكة" وهناك إيش؟ نعم؟ حين قفل،
رجع من خيبر، القصة واحدة أو متعددة؟ نعم؟ هناك قفل من
خيبر، وهنا في طريق مكة، نعم، يعني إحنا متصورين المواقع
موقع المدينة ومكة في جهة، يعني تختلف الجهة وإلا ما
تختلف؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
جميع، الآن وإلا قبل؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن الآن، تتكلم بعلم؟ تعرف هذا الطريق أنه يؤدي إلى مكة
وخيبر.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، غيره؟
طالب:. . . . . . . . .
المعروف أن القصة واحدة، لكن هناك قال: حينما قفل من خيبر،
وهناك بطريقة مكة، يقول ابن عبد البر على هذا الحديث: هذا
لا يخالف ما في الحديث الذي قبله؛ لأن طريق مكة وطريق خيبر
من المدينة واحد، نعم يلتقيان في نقطة ويصير الطريق واحد،
يعني لو قال واحد شخص: قابلت زيد وهو جائي من القصيم
مثلاً، وقال الثاني: قابلته وهو جائي من مكة، في طريق واحد
قابلوه في نقطة واحدة، فأخبر عنه أحدهم أنه جائي من
القصيم، والثاني أخبر عنه أنه جائي من مكة، كلام صحيح وإلا
ما هو بصحيح؟ صحيح، إذا كان جائي من طريق مكة على المدينة
على القصيم هذا ممكن ويش المانع؟ فتلتقي الطرق في نقاط
معينة، ثم تتفرق، وهنا تكون القصة واحدة.
(4/9)
يقول: "ووكل" ضبط بالتخفيف والتشديد، "ووكل
بلال أن يوقظهم للصلاة، فرقد بلال ورقدوا، حتى استيقظوا
وقد طلعت عليهم الشمس، فاستيقظ القوم وقد فزعوا" ومعروف ما
هو السبب؟ الأسف على فوات الوقت، وإن قال بعض الشراح: إنهم
فزعوا من أن يلحق بهم العدو؛ لأنهم في قفولهم من خيبر،
والرواية الأخرى: من حنين، خافوا من العدو، لكن هذا لا حظ
له من النظر، إنما كان فزعهم أسفاً على فوات الوقت، فأمرهم
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يركبوا حتى يخرجوا من
ذلك الوادي، وقال: ((إن هذا وادٍ به شيطان)) هل نأخذ من
هذا أنه كل ما فاتت الصلاة أن هنا شيطان؟ مثل ما نقول في
كل من فاتته الصلاة ونام عن الصلاة أنه بال الشيطان في
إذنيه؟ أو نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف أن
هذا الوادي فيه شيطان، ولا يلزم أن كل من فاتته الصلاة
بعذر أو بغير عذر أنه في شيطان؟ نعم الثاني، ولذا كثير من
أهل العلم لا يستحبون أن ينتقل الإنسان من مكانه؛ لأنه
كونه في شيطان الأمر مغيب ما يدرى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يدرى قال: ((إن هذا وادٍ فيه شيطان)) "فركبوا حتى خرجوا
من ذلك الوادي" يعني غير بعيد، ما أبعدوا، "ثم أمرهم رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- أن ينزلوا، وأن يتوضئوا" هذا
يدل على أن الوضوء لا بد منه، ولو خرج الوقت "وأمر بلالاً
أن ينادي بالصلاة أو يقيم" وعرفنا أنه في رواية أحمد: أذن
وصلى الركعتين، ثم أقام، والفقهاء يختلفون في الأذان
والإقامة للفوائت، فيقول مالك والشافعي والأوزاعي: من
فاتته الصلاة أقام ولم يؤذن، بناء على أن الأذان إعلام
بدخول الوقت، والوقت انتهى، وقال أحمد: يؤذن ويقيم، بناء
على ما جاء في هذا الخبر، أذان وإقامة، والأذان كما يكون
للإعلام بدخول الوقت يكون لإعلام القوم للاجتماع للصلاة،
لا سيما إذا كان فيهم كثرة، نعم، لو افترض أن مجموعة
برحلة، طلاب قاموا برحلة من أجل أن يجتمعوا للصلاة، ولو
فات وقتها يؤذن، كما حصل له -عليه الصلاة والسلام-، لكن لو
واحد، شخص واحد يؤذن وإلا ما يؤذن؟ العلة مرتفعة، لا يعلم
بدخول الوقت، ولا يعلم غيره أيضاً للاجتماع للصلاة.
طالب:. . . . . . . . .
(4/10)
معروف هذا قول عند أهل العلم، لكن العلة
عندهم من يقول به معقولة، وقال أحمد: يؤذن ويقيم لكل صلاة،
وقال الثوري: ليس عليه في الفوات أذان ولا إقامة.
"وأمر بلال أن ينادي للصلاة أو يقيم، فصلى رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- بالناس، ثم انصرف إليهم، وقد رأى من
فزعهم، فقال -عليه الصلاة والسلام-" مسلياً لهم ومؤنساً
بأن هذا الأمر ليس في أيديهم؛ لأنه لم يتعمدوه، قال:
((أيها الناس إن الله قبض أرواحنا)) {اللَّهُ يَتَوَفَّى
الْأَنفُسَ} [(42) سورة الزمر] فالنوم وفات ((إن الله قبض
أرواحنا ولو شاء لردها إلينا في غير هذا)) في حين غير هذا،
يعني قبل هذا، بساعة بحيث ندرك الوقت ((فإذا رقد أحدكم عن
الصلاة أو نسيها ثم فزع إليها)) قام إليها ((فليصلها كما
كان يصليها في وقتها)) لا يقول: الآن خرج الوقت أخفف، لا،
القضاء يحكي الأداء ((فليصلها كما كان يصليها في وقتها))
ولذا -عليه الصلاة والسلام- أذن وصلى ركعتين، ثم أقام ولم
يعجل -عليه الصلاة والسلام- "ثم التفت رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- إلى أبي بكر فقال: ((إن الشيطان أتى بلالاً وهو
قائم يصلي فأضجعه ثم لم يزل يهدئه كما يهدأ الصبي حتى
نام)) " شيء ملاحظ، الصبي تجعله أمه في حجرها وتضربه ضرباً
خفيفاً حتى ينام، هذه تهدئة، فجاء الشيطان إلي بلال وفعل
به هكذا حتى نام، الشيطان ماذا يستفيد؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم لأغوينهم، يريد الناس كلهم ينصرفون عن هذه العبادة.
"ثم دعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بلالاً، فأخبر
بلال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل الذي أخبر" قال
له: إنه أضجعه وهدئه كما يهدأ الصبي، كما أخبر النبي -عليه
الصلاة والسلام- أبا بكر، "فقال أبو بكر: أشهد إنك رسول
الله -عليه الصلاة والسلام-".
اللهم صل عليه، والله المستعان.
((من توضأ فليستنثر، ومن استجمر فليوتر)) هذا بمعنى ما
تقدم.
(4/11)
"قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: في الرجل
يتمضمض ويستنثر من غرفة واحدة أنه لا بأس به" لا بأس به
يتمضمض ويستنشق من غرفة واحدة، سواء كان مرة واحدة، أو
مرتين، أو ثلاثاً، وقوله: "لا بأس به" يدل على أنه جائز
عنده، وإن لم يكن أرجح؛ لأن المضمضة والاستنشاق إما أن
يكون بكفة واحدة، أو كل منهم بكف مستقل، فالصور محتملة في
المضمضة والاستنشاق: إما أن يتمضمض ويستنشق بثلاث غرفات،
كل غرفة للمضمضة والاستنشاق معاً، أو يتمضمض بغرفة واحدة
ثلاث مرات، ويستنشق ثلاث مرات في غرفة واحدة، أو يتمضمض
ثلاث مرات بثلاث غرفات، ويستنشق كذلك، يعني بست، وأرجحها
أن يتمضمض ويستنشق من غرفة واحدة؛ لأنها التي قال فيها
الإمام مالك: إنه لا بأس به.
ترجم الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-: "باب: من مضمض
واستنشق من غرفة واحدة" وذكر حديث عبد الله بن زيد في صفة
وضوء النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفيه: "ثم غسل أو مضمض
واستنشق من كف واحدة فعل ذلك ثلاثاً" وهذه أرجح الصفات.
(4/12)
ثم قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد
الرحمن بن أبي بكر" بلغه هذا موصول في صحيح مسلم من طرق
كثيرة "أن عبد الرحمن بن أبي بكر دخل على عائشة زوج النبي
-صلى الله عليه وسلم- يوم مات سعد بن أبي وقاص فدعا بوضوء"
يعني دعا بماء يتوضأ به "فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن"
هل لهذا الوضوء وهذا الدخول علاقة بموت سعد؟ إما أن يكون
عبد الرحمن احتاج الوضوء، وحينئذٍ لا يلزم أن يكون هناك
ارتباط بين موت سعد بن أبي وقاص وبين هذا الوضوء، وإما أن
يكون توضأ ليصلي ليستعين بالصلاة على هذه المصيبة
{وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ} [(45) سورة
البقرة] لا شك أن مثل موت هذا الصحابي الجليل الذي شُهد له
بالجنة مصيبة يستعان عليها بالصبر والصلاة، كما أمر الله
-جل وعلا-، ولا يبعد أن يكون هذا هو المراد، وعلى كل حال
هو دعا بوضوء "فقالت له عائشة: يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء"
يعني بحيث تغسل ما أمرت بغسله، ولا تترك منه شيئاً مع
إمرار ما يكفي من الماء للعضو "فإن سمعت رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يقول: ((ويل للأعقاب من النار)) " أسبغ
الوضوء وإسباغ الوضوء أتمامه واستيعاب العضو المأمور بغسله
أو مسحه بالماء "فإن سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
يقول: ((ويل للأعقاب من النار)) " الويل جاء تفسيره بأنه
الهلاك أو الحزن والمشقة كما في النهاية لابن الأثير، وجاء
أنه كلمة عذاب أو وادٍ في جهنم، كما روى الترمذي من حديث
أبي سعيد، والأعقاب: جمع عقب، مؤخر القدم، والحديث له سبب،
جاء النبي -عليه الصلاة والسلام- والناس قد أرهقتهم صلاة
العصر، يعني ضاق وقتها يعني وقتها الاختياري، فجاء النبي
-عليه الصلاة والسلام- ووجدهم يتوضئون، وكأنه لاحظ عليهم
عدم الإسباغ، لا سيما في العقب، فقال لهم: ((ويل للأعقاب
من النار)) ثلاثاً، فلا بد من إيصال الماء إلى جميع العضو
المفروض غسله ((ويلٌ للأعقاب من النار)) فهذا يدل على أن
العقب لا بد من غسله، وهو مؤخر القدم، وهل المتوعد العقب
أو صاحبه الذي قصر في غسله؟ يعني ويل للعقب نفسه أو ويل
لصاحب هذا العقب لتقصيره في غسله؟ يعني يتصور هذا؟ ((ويلٌ
للأعقاب من النار)) إذا قارناه بما تحت الكعبين من
(4/13)
الإزار في النار، كل ضلالة في النار، هل
المراد الجزء من الثوب الذي تحت الكعبين ((ما أسفل من
الكعبين ففي النار)) هل المتوعد الثوب وإلا صاحب الثوب؟
صاحب الثوب ((كل ضلالة في النار)) هل المراد الضلالة نفسها
أو صاحبها؟ صاحبها، وهنا ((ويل للأعقاب من النار)) المتوعد
صاحب العقب أو العقب نفسه؟ هل هذا يختلف عن النصين
السابقين وإلا مثلها؟ نعم يختلف؛ لأنه إذا عذب العقب تعذب
صاحبه، بخلاف الضلالة إذا انفردت، بخلاف الثوب إذا انفرد،
وسواء قلنا: إن العقب يعذب في النار، أو صاحبه يعذب في
النار فالمسألة واحدة، لا يقول الإنسان: تعذيب جزء من
البدن لا يؤثر، كما يقول بعضهم: إن الذنوب والمعاصي
والكبائر متوعد عليها في النار، لكن المسلم يرجى له خير لا
يخلد في النار، يعني هل يطيق الإنسان ويصبر على العذاب ولو
لحظة؟ أبو طالب خفف عنه العذاب، لكن إيش معنى التخفيف؟ هو
في ضحضاح من نار، وفي رواية: ((نعلان من نار يغلي منهما
دماغه)) الأمر ليس بالهين، ليس بالسهل، إذا قلت له: ما
أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار بعض الناس ما يتصور
يقول: بصره، يحسب اللي يعذب الثوب، يقول بالنص بعضهم قال
ذلك، بالنار بالنار، الأجساد لا تقوى على النار.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو المعذب صاحبه بلا شك، من الإزار، جاء بيانه ((من
أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار)) لا، الأمر ليس
بالسهل بحيث يتساهل ويقول: النار النار لا تطاق، الجبال
تذوب، الله المستعان.
(4/14)
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن محمد
طحلاء" تميمي مولاهم "عن عثمان بن عبد الرحمن" التيمي
المدني ثقة "عن أبيه أن أباه حدثه" عبد الرحمن بن عثمان
التيمي صحابي قتل مع ابن الزبير "أنه سمع عمر بن الخطاب
يتوضأ بالماء لما تحت إزاره" سمع عمر يتوضأ فالمسموع
القول، فلا بد أن نقدر: سمع عمر بن الخطاب يقول: يتوضأ،
يعني المتوضئ بالماء لما تحت إزاره، هو كناية عن موضع
الاستنجاء تأدباً، توضأ بالماء لما تحت إزاره، توضأ يعني
تتطهر، ويستنجي بالماء لما تحت الإزار، يعني الفرجين
تأدباً، وهذا لبيان أن الماء أفضل وإلا مجزئ؟ السياق يدل
على إيش؟ توضأ بالماء لما تحت إزاره نعم؟ لكن هل ظاهره
يقتضي تفضيله على الاستجمار أو أنه مثل الاستجمار يجزئ؟
يتطهر بالماء لما تحت إزاره، الشراح يقولون: إن هذا بيان
لأن الماء أفضل من الحجارة، لا شك أن الماء يزيل ما لا
تزيله الحجارة، الماء يقطع الأثر بالكلية، بينما الاستجمار
بالحجارة لا بد أن يبقى شيء، والقدر المجزئ منه ألا يبقى
إلا أثر لا يزيله إلا الماء، والاستجمار أو الاستنجاء
بالماء ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وهو مجزئ
بالاتفاق، وإن منع بعضهم الاستنجاء بالماء لأنه مطعوم، لكن
ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وثبت الإجماع على ذلك،
ومن خالف انقرض مع قوله، وكذلك الاستنجاء ثبت من فعله
-عليه الصلاة والسلام-، وهو مجزئ أيضاً حتى مع وجود الماء
يجزئ، وهل إزالة الخارج بأحد المطهرين أفضل كما ثبت من
فعله -عليه الصلاة والسلام-، أو الجمع بينهما أفضل وأكمل؟
نعم؟ في القصة -وإن كان فيها مقال- قصة آل قباء {فِيهِ
رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ} [(108) سورة
التوبة] نعم هو ما ثبت أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع
بينهما، لكن في قصة قباء مع ما فيها من، أو ما قيل فيها من
كلام، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال .. ، إنه مدحهم،
نعم، فقالوا: إنا نتبع الحجارة الماء، وقالت عائشة: مرن
أزواجكن فإني أستحييهم، أن يتبعوا الحجارة الماء، لكن
الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- استعمال الماء فقط أو
الحجارة فقط، فهل نقول: الأفضل الجمع بينهما؛ لأنه أكمل؟
أو نقول: الأفضل الاقتصار على ما ثبت
(4/15)
عنه -عليه الصلاة والسلام-؟ نفترض أن شخص
استجمر وانتهى، ما بحضرته ماء، ثم وجد الماء نقول: خلاص
أنت استجمرت يكفيك أفضل من أن تجمع بينهما؟ نعم، الآن هل
نقول: إن الاستجمار حاجة، أو نقول: إنه رافع مطهر تطهير
كامل مثل الماء؟ لأن عندنا التيمم ثابت بالنص القطعي، لكن
ما هو كالوضوء قطعاً؛ لأنه جاء في الحديث: ((فإذا وجد
الماء فليتقِ الله وليمسه بشرته)) والاستجمار مع ثبوته،
ومع ما جاء فيه إلا أنه لا يزيل الأثر بالكلية، فهل نقول
لمن استجمر ثم وجد الماء -اقتصر على الاستجمار لعدم وجود
الماء ثم وجد الماء- هل نقول: الأفضل أن تزيل الأثر
بالكلية بالماء فتتبع الماء الحجارة أو الحجارة الماء؟
طالب:. . . . . . . . .
لا لا من قال: أنا عندي ماء أبستجمر ويكفي، يكفي ما أحد
بيقول له: ما يكفي، نعم، ما في أحد يقول: إنه ما يكفي، لا
يكفي، لكن هل يقول: الأفضل لي أنتم تقولون: إن الاستجمار
ما يزيل الأثر بالكلية، وأنا أريد أن أزيله بالكلية، نقول
له: لا، نحن متفقين أن الاستجمار ما يزيل بالكلية؟ نعم؟
يعني هل هو مثل الماء؟ ينازع في هذا أحد؟ ما ينازع في هذا
أحد، لكن قال: أنتم تقولون: أبداً أن الاستجمار ما يزيل
الأثر بالكلية، وأنا استجمرت ووجدت ماء فأزيله بالكلية،
نقول له: لا، لا تزيله، لا تجمع بينهما؛ لأن الرسول -صلى
الله عليه وسلم- ما جمع؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
معفوٌ عنه، لكن يبقى أنه أثر، كونه يتعبد بهذا شيء، يتعبد
بهذا ويقول: أنا لا يكفيني ما كفى الرسول، هذا أمر مفروغ
منه أنه دخل في حيز البدعة، لكن يقول: من باب التنظف أنتم
تقولون .. ، أنا أقول: استجمرت في الفرض السابق، ووجدت في
السراويل أثر صفرة، إحنا نتفق على أنه لا يزيل الأثر
بالكلية، نعم، أنا لا أريد مثل هذا يتكرر، تقول له: لا، ما
يجوز، هو لا يتعبد بهذا، ما يقول: إن الاستجمار ما يجزئ،
يقول: يجزئ لكن يقول: هذا الأثر الباقي لا بد أن أزيله.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا هو ما يعتقد شيء قدر زائد على ما فعله -عليه الصلاة
والسلام-، نعم، أما إذا قال: ما يجزئ نقول: لا يا أخي كفى
من أهو أتقى منك وأورع، وأحرص منك على الامتثال.
اللهم صل على محمد ...
(4/16)
"قال يحيى: سئل مالك عن رجل توضأ فنسي فغسل
وجه قبل أن يتمضمض" يعني سئل عن شخص غسل وجهه ثم تمضمض،
"أو" وهذا للتقسيم لا للشك "أو غسل ذراعيه قبل أن يغسل
وجهه" يعني سئل مسألتين، الأولى: شخص غسل وجهه قبل أن
يتمضمض، وسئل عن شخص آخر غسل ذراعيه قبل أن يغسل وجهه،
يعني ما الحكم؟ فقال -رحمه الله-: "أما الذي غسل وجهه قبل
أن يتمضمض فليمضمض" يعني فاه، "ولا يعيد غسل وجهه" لأن
المضمضة مع غسل الوجه في حكم العضو الواحد، نعم، في حكم
العضو الواحد، لو جاءك واحد وقال: أنا غسلت شق وجهي الأيسر
قبل الأيمن، تقول: أعد؟ نعم، لا، فالمضمضة والاستنشاق مع
الوجه في حكم العضو الواحد، ولذا يقولون: الأول غسل الوجه،
ومنه المضمضة والاستنشاق، في فرائض الوضوء، فعلى هذا لا
يعيد؛ لأنه ما هو بفرض مستقل، المضمضة والاستنشاق، ولذا
قال: "فليمضمض ولا يعيد غسل وجه" وأيضاً المضمضة عنده سنة،
ولا يعاد الواجب من أجل سنة.
(4/17)
"وأما الذي غسل ذراعيه قبل وجهه" شخص غسل
ذراعيه اللي هو الفرض فرض الوضوء، "ثم غسل وجه" ماذا كان
الجواب؟ يقول: "فليغسل وجهه، ثم ليعد غسل ذراعيه" وهذا يدل
على أن الترتيب عنده واجب، ويأتي ما فيه "حتى يكون غسلهما
بعد وجهه" يعني كما أمر الله -جل وعلا-، وكما بينه رسوله
-عليه الصلاة والسلام-، يقول: "إذا كان ذلك في مكانه، أو
بحضرة ذلك" يعني بقربه "فإن بعد فإن جفت أعضاؤه أعاد
المنكس وحده" يعني المغسول قبل الذي ينبغي أن يغسل بعده
"أعاد المنكس وحده فيغسل وجهه ولا يعيد غسل ذراعيه سواء في
ذلك العامد والساهي" لأن ترتيب الفرائض عنده سنة، عنده
تريب الفرائض صرحوا بأنه سنة، في المنتقى للباجي يقول:
مقتضى هذه المسألة أن الترتيب ليس بشرط لصحة الطاهرة، يعني
عند مالك، مقتضى ذلك، مقتضى هذه المسألة أن الترتيب ليس
بشرط لصحة الطاهرة، من أين فهم هذا؟ "ثم ليعد غسل ذراعيه،
حتى يكون غسلهما بعد وجهه" يعني لو وقفنا على هذا قلنا: إن
مالك يوجب الترتيب "إذا كان ذلك في مكانه" طيب إذا لم يكن
في مكانه مفهوم الكلام أنه لا يعيد خلاص انتهى ولذا من هذا
فهم الباجي في المنتقى مقتضى هذه المسألة أن الترتيب ليس
بشرط لصحة الصلاة عنده، ويكون أمره للإعادة على وجه
الاستحباب، وصرحوا بهذا أن الترتيب ليس بشرط لصحة الطهارة،
وبه قال أبو حنيفة، وروي عن مالك أنه شرط، وبه قال الشافعي
وأحمد.
(4/18)
هل هناك ما يدل على الاشتراط أو عدم
الاشتراط؟ ترتيب الوضوء جاء في كتاب الله -جل وعلا-:
{إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ} [(6) سورة
المائدة] ... إلى آخره، ورتبت هذه الأعضاء بعضها على بعض
بالواو عُطف نُسقت على بعض بالواو، والواو لا تقتضي
الترتيب، الواو لا تقتضي الترتيب، وهذه حجة من يرى عدم
وجوب الترتيب، يقول: الأعضاء نسق بعضها على بعض بالواو،
والواو لا تقتضي الترتيب، فالمطلوب أن نغسل هذه الأعضاء
على أي وجهٍ كان، وعرفنا أن هذا مذهب الإمام مالك، وبه
يقول أبو حنيفة، يروى عن مالك وهو قول الشافعي وأحمد: أن
الترتيب شرط لصحة الوضوء، فلا يصح الوضوء إذا غسل قدم وأخر
بأن غسل اليدين قبل الوجه، أو الرجلين قبل اليدين، وما
أشبه ذلك، وعرفنا أن دليل القول الأول أن العطف جاء
بالواو، وهي لا تقتضي الترتيب، وحجة القول الآخر قول
الشافعي وأحمد وراوية عن مالك أن جميع من وصف وضوء النبي
-عليه الصلاة والسلام- وصفه مرتباً، وفعله بيان للواجب
المأمور به في الآية، وبيان الواجب واجب، ولو لم يجب لأخل
به ولو مرة -عليه الصلاة والسلام-، أيضاً أهل العلم يلحظون
أن السياق في الآية فيه ما يدل على وجوب الترتيب، وهو
إدخال الممسوح بين المغسولات، قالوا: في الآية قطع النظير
عن نظيره، وإدخال الممسوح بين المغسولات يدل على وجوب
الترتيب؛ لأن العرب لا تفعل ذلك إلا لحكمة، يعني لو لم يجب
الترتيب نعم لنسق المغسولات على بعض، ثم أردف الممسوح
والعكس، لكن قطع النظير عن نظيره وأدخل الممسوح بين
المغسلات فدل على أنه لا بد من مراعاة هذا الترتيب، وعلى
كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرتباً، فعل ذلك
ولم يخل به، ولم يعرف على أحد من أصحابه أنه أخل بهذا
الترتيب، وفعله بيان للواجب، وأهل العلم يقولون: بيان
الواجب واجب، نعم؟
. . . . . . . . .
(4/19)
"قال يحيى: وسئل مالك عن رجل نسي أن يتمضمض
ويستنثر حتى صلى قال: ليس عليه أن يعيد الصلاة، وليمضمض
ويستنثر ما يستقبل من الصلوات إن كان يريد أن يصلي" يعني
إذا كان يريد أن يصلي، "فسئل عن رجل نسي أن تمضمض ويستنثر
حتى صلى قال: ليس عليه أن يعيد صلاته" هذا يدل على أن
المضمضة والاستنشاق عنده سنة، وجاء عنه -عليه الصلاة
والسلام- أنه قال: ((توضأ كما أمرك الله)) وما أمر الله به
-جل وعلا- في كتابه ليس فيه المضمضة والاستنشاق، لكن جاء
الأمر منه -عليه الصلاة والسلام- بالاستنشاق، وهذا كثير
وصحيح، في الصحيحين وغيرهما: "ثم ليستنثر" ((وبالغ في
الاستنشاق)) وجاء أيضاً بالمبالغة، المضمضة جاء فيها لكن
أقل، وبهذه الأوامر يستدل من يقول بالوجوب، لا شك أن
المنصوص عليه في آية المائدة {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ
بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6)
سورة المائدة] هذا المنصوص عليه في الآية، وزيد عليها
الأوامر التي سمعنها، الأمر بالمضمضة والاستنشاق، والسنة
وحي يجب العمل بما فيها، ولو كان مزيداً على ما جاء في
الكتاب، خلافاً لمن يزعم أن الزيادة على النص نسخ، فجاءت
هذه الأوامر منه -عليه الصلاة والسلام-، وبها يستدل من
يقول: بوجوب المضمضة والاستنشاق، ومع ذلكم يستدلون على
وجوب المضمضة والاستنشاق بوجوب غسل الوجه، وهما داخلان في
مسمى الوجه، وإن نازعهم أصحاب القول الأول بأن الوجه ما
تحصل به المواجهة والمواجهة لا تحصل بالفم والأنف، بدليل
أنه إذا استقبل أحد لا يحسن أن يفغر فاه في وجهه يستقبله
به، وعلى كل حال الحكم في ذلك والمرد عند التنازع إلى
النصوص، وعرفنا ما في المسألة، وليمضمض يعني في وضاء ثاني،
يعني ما يلزم أن يكون في نفس الوضوء، ما يلزم، وإن كان
بعضهم يقول: إن كان يريد أن يصلي بهذا الوضوء، وعلى كل حال
المضمضة والاستنشاق عنده سنة، لا أثر لهما على الصلاة، ثم
قال -رحمه الله تعالى-.
اقرأ اقرأ.
سم.
أحسن الله إليك
باب: وضوء النائم إذا قام إلى
الصلاة
(4/20)
عن مالك عن أبي الزناد الأعرج عن أبي هريرة
-رضي الله عنه-: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في
وضوئه فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟ )).
عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال: "إذا نام
أحدكم مضطجعاً فليتوضأ".
عن مالك عن زيد بن أسلم أن تفسير هذه الآية: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ
فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى
الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ
إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6) سورة المائدة] أن ذلك إذا قمتم
من المضاجع يعني النوم.
قال مالك: الأمر عندنا أنه لا يتوضأ من رعاف ولا من دم ولا
من قيح يسيل من الجسد ولا يتوضأ إلا من حدث يخرج من ذكر أو
دبر أو نوم.
وعن مالك عن نافع أن ابن عمر كان ينام جالساً ثم يصلي ولا
يتوضأ.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب وضوء النائم إذا قام إلي الصلاة:
"حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا استيقظ
أحدكم من نومه فليغسل يده قبل أن يدخلها في وضوئه)) " وجاء
في بعض الروايات والحديث في الصحيحين كما هو معلوم:
((ثلاثاً)) والعلة في ذلك ((فإن أحدكم لا يدري أين باتت
يده؟ )) ((إذا استيقظ أحدكم من نومه فليغسل)) اللام هذه
لام الأمر، عند الجمهور هذا الأمر للندب، وهو عند الإمام
أحمد للوجوب؛ لأنه هو الأصل في الأمر.
((من نومه)) حمله الشافعي على عمومه، وهو على أصله في أن
الغسل للندب، فقال: يستحب غسل اليد لكل مستيقظ من أي نوم
كان في ليل أو نهار، وخصه الإمام أحمد -رحمه الله- بنوم
الليلة، وانتزع ذلك من العلة ((فإن أحدكم لا يدري أين باتت
يده؟ )) والبيتوتة لا تكون إلا بالليل، فعندنا النوم محمول
على العموم عند الشافعي، استحبه عقب كل نوم، وعند الإمام
أحمد محمول على نوم الليل؛ لأنه لا يدري أين باتت يده؟
والغسل للندب عند الجمهور، وهو على أصله للوجوب عند الإمام
أحمد؛ لأن اللام لام الأمر، والأصل في الأمر الوجوب.
(4/21)
((فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده؟ )) لا
يدري كونه لا يدري هذا شك، لا يدري أين باتت يده؟ يده قبل
النوم طاهرة بيقين، لما نام سواء كان بالليل كما يقول
الإمام أحمد أو مطلق النوم عند غيره، لا يدري أين باتت
يده؟ هل باتت يده في فرجه؟ اليد تطيش يمين وشمال، النائم
ما يدري عن شيء، لا يدري أين باتت يده؟ هل وقعت على نجاسة
أو وقع عليها نجاسة لا يدري، وهذا شك، والمقرر عند أهل
العلم، بل من القواعد عندهم: أن الشك لا يزيل باليقين،
فكونه لا يدري انتبه من نوم الليل وهو شاك هل وقعت يده على
نجاسة أو لا، يجب عليه أن يغسل يده امتثالاً لهذا الأمر،
بعض الشراح يستروح إلى أن هذا محمول على غلبة الظن، لا
سيما في البلاد الحارة، في البلاد الحارة وفي عصره -عليه
الصلاة والسلام- وفي الحجاز الثياب فيها شح وقلة والغالب
الاستجمار، والاستجمار لا يزيل الأثر كاملاً، والصيف يحصل
معه العرق والرطوبات، فإذا وقعت يده في الغالب أنها تقع
يده وين؟ ولذا الحكم مبني على الغالب، فالغسل لهذا الأمر،
ولا تصير المسألة شك، تصير المسألة غلبة ظن، هكذا قال
بعضهم، لكن ماذا عما لو تيقن أن يده طاهرة؟ نام وهي طاهرة
واستيقظ وهي طاهرة بيقين، بأن وضعها في كيس، أو ربطها بحيث
لا تصل إلى المواضع التي فيها النجاسات، هل نقول: إن العلة
ارتفعت، والعلة منصوصة، ومعلوم أن العلل المنصوصة يدور
معها الحكم عند أهل العلم، يعني لو وضعها في كيس وربطها
ويجزم جزماً أنها ما تأثرت، هم يقولون: تعبدي إذا لم تعرف
العلة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إي، لكن هذا يدري رابط يده ربط محكم، وهو لا يدري. . . . .
. . . . ما هم بيقولون: لا يدري أين باتت يده؟ والاحتمال
أنها وصلت إلى مواضع نجاسة وكذا، وقبل أن ينام دخل الحمام
وتنظف نظافة كاملة.
طالب:. . . . . . . . .
مثل إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
(4/22)
طيب قيل: إن العلة لا يدري عنها أحد، على
كل حال الحديث يستشكله كثير من أهل العلم بالنسبة لإجرائه
على القواعد التي قعدوها، لكن إذا تضاربت أو اختلفت هذه
القواعد مع النصوص فالعبرة بالنص؛ لأن الأصل أن القواعد
مبنية على النصوص، فإذا خالفت نص لا عبرة بها، لا نجري
القواعد ونحكم القواعد على النصوص، لا، النص هو المرد
والمرجع والمصير إليه متحتم ((إذا استيقظ أحدكم من نومه
فليغسل يده قبل أن يدخلها وضوئه)) بعض الناس وهذا من شؤم
مخالفة السنة قال: أنا أدري أين باتت يدي، أدري، يقول: هو
يدري أين باتت يده، فوضعها في كيس وربطها وأحكمها وأوثقها،
يدري، ماذا حصل له؟ وجد يده في دبره داخل، وهذا له نظائر
ذكر الحافظ ابن كثير وغيره ابن العماد في الشذرات وجمع من
المؤرخين قالوا: إن شخص إستاك في دبره، ماذا حصل له؟ مع
الأسف أنه قد يوجد مع وجود مثل هذا القصص، نعم، من يحكم
على نفي مثل هذه القصص، بقول لك: ما هو بمعقول أبداً، ما
حصل، ولو حكاه ابن كثير، ولو حكاه فلان أوعلان وبعدين؟
إستاك في دبره، ما يدري أن الله -سبحانه وتعالى- يغار،
فالحاصل أنه أحس بشيء في بطنه كالحمل ويزيد مع الوقت، فلما
مضى مدة أشهر وضع شيئاً هو عبارة عن قطعة لحم، ويحدث منه
صوت مزعج، فجاءت ابنته فرضتها بالحجر، والقدرة الإلهية
صالحة، فالله -سبحانه وتعالى- يغار، أيضاً الشخص الذي سمع
الحديث: ((وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم)) جاء
وضع المسامير في نعليه، تضع أجنحتها، خسف به هذا، في قصص
كثيرة وحوادث ووقائع سببها الاستخفاف بالسنة، وكثير من
الناس يحصل منه شيء من هذا الاستخفاف، ولا شك أن عقوبة
الدنيا أهون من عقوبة الآخرة، عقوبة الدنيا أسهل من عقوبة
الآخرة، كما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام-، يعني جاء في
بعض الأخبار أن اثنين يكون في أخر الزمان، أن اثنين يعني
مما يكون في آخر الزمان، اثنان يمضيان إلى معصية فيمسخ
أحدهما خنزير -نسأل الله العافية- والثاني ماذا يحصل له؟
يستمر إلى معصيته، هذا مسخ جسده، وذلك ممسوخ القلب، أيهما
أشد؟ مسخ القلب أشد، نسأل الله العافية هذه عقوبة دنيا،
وأمره في الآخرة إلى الله، لكن مثل هذا نسأل الله العافية.
(4/23)
((إذا استيقظ أحدكم من نومه)) يعني انتبه
من نومه ((فليغسل يده)) وعرفنا حكم الغسل قبل أن يدخلها في
وضوئه في الماء، لكن إذا أدخلها في الإناء غمسها في الإناء
قبل غسلها، فما الحكم؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب، إن الحكم .. ، وما أثر هذا الغمس على الماء؟ إذا
قلنا: فليغسل يده إذا غمس يحرم، والجمهور على أنه للندب،
إذاً الغمس مكروه عندهم، وما أثر هذا الغمس على الماء؟ عند
الجمهور الذين يقولون: للندب لا أثر له، ما يؤثر على
الماء، والمعروف عند الحنابلة أنه ينقله من كونه طهور مطهر
إلى كونه طاهر غير نجس، لأنه لا يتنجس الماء إلا بيقين،
ولا يقين هنا، طاهر لا يرفع الحدث، وقال إسحاق وداود:
ينجس؛ لأنه لا يمنع من إدخالها في الإناء إلا لوجود أثر،
ولا أثر مؤثر إلا النجاسة، وعلى كل حال هذا أمر لا يدركه
عقل البشر، العقل البشري لا يدرك مثل هذه الأمور، فنقف، لا
يجوز لنا أن ندخل اليد في الإناء في الوضوء قبل أن نغسلها
ثلاثاً، كما جاء في الرواية الأخرى، وأما إذا حصل ارتكب
المحظور، وأثم بذلك، ويبقى الماء على طهوريته؛ لأنه الأصل،
((إن الماء طهور لا ينجسه شيء)) يبقى على هذا.
(4/24)
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن
عمر بن الخطاب قال: "إذا نام أحدكم مضطجعاً فليتوضأ" يعني
وجوباً لانتقاض وضوئه بالنوم، والخلاف في النوم عند أهل
العلم معروف، وما جاء به من نصوص، النبي -عليه الصلاة
والسلام- كان ينام قبل صلاة الصبح وهو ينتظرها، والصحابة
ينتظرون صلاة العشاء حتى تخفق رؤوسهم، النوم الذي لا
يستغرق صاحبه فيه، بحيث يحس ويشعر بما يدور حوله، هذا لا
ينقض الوضوء، لا سيما من الجالس، وهنا يقول: "إذا نام
أحدكم مضطجعاً" الاضطجاع مظنة لخروج ما ينقض الوضوء، ولذا
جاء في الحديث: ((العين وكاء السه، فمن نام فليتوضأ))
وحديث صفوان بن عسال: "أمرنا ألا ننزع خفافنا" نعم، فعطف
النوم على البول والغائط، فدل على أنه ناقض، فالنوم
المستغرق ينقض الوضوء، وعليه يحمل مثل هذه النصوص، والذي
لا يستغرق من المتمكن غير المضطجع وغير المستند بحيث يخرج
منه شيء وهو لا يشعر مثل هذا لا ينقض الوضوء، وعليه يحمل
ما جاء عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وعن الصحابة، النبي
-عليه الصلاة والسلام- تنام عينه ولا ينام قلبه بحيث لو
خرج منه شيء يشعر به، ولا يقاس عليه غيره.
(4/25)
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم"
العدوي من أعرف الناس بالتفسير، بتفسير القرآن "أن تفسير
هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا
قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ
وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ
بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ} [(6)
سورة المائدة] أن ذلك إذا قمتم من المضاجع يعني النوم"
يعني إذا قمتم من النوم فاغسلوا، فدل على أن النوم ناقض،
وهذا التفسير موافق لقول بعض السلف، يوافقه على ذلك جمع من
أهل العلم، وبعضهم قال: إذا قمتم محدثين، إذا قمتم إلى
الصلاة محدثين، يعني سواء كان بنوم أو بغير نوم، إذا قمت
إلى الصلاة، وبعضهم يقول: الأمر فاغسلوا على عمومه لكل من
أراد الصلاة، لكن المحدث على سبيل الوجوب، وغير المحدث على
سبيل الاستحباب، لكن هذا يلزم عليه إيش؟ يلزم عليه استعمال
اللفظ الواحد في معنييه، استعمال اللفظ في معنييه حقيقته
ومجازه عند أهل العلم عند الأكثر ممنوع، نعم، استعمال
اللفظ في معنييه ممنوع في آن واحد، في سياق واحد، عند
الشافعية يجوز، لكن عند غيرهم يمنعون ذلك، كيف نقول:
اغسلوا محمول على الوجوب بالنسبة لقوم، ومحمول على
الاستحباب بالنسبة لآخرين، وهو لفظ واحد، لو افترضنا أن
أمامك شخصين كل منهما اسمه محمد، أنت تريد واحد منهم، لا
تريد الثاني، تريد أحدهما بينك وبينه معاملة، وبينك وبينه
ارتباط، فقلت: يا محمد، التفت الثاني الذي لا تريده، هل هو
مراد بلفظك يا محمد؟ نعم؟ هل هو مراد بلفظك؟ يعني لو حفلت
مثلاً لا تنادي فلان محمد من الناس، ثم في صورتنا التي
ذكرناها قلت: يا محمد تريد ذاك، فلتفت هذا الثاني، هل يكون
الثاني مراد لك بمجرد قولك يا محمد؟ مراد المتكلم شيء
واحد، نعم إذا كان اللفظ يتناول بعمومه، إذا كان اللفظ
بعمومه يتناول أشياء هذا أمر آخر، وليس معهما معاً، اغسلوا
إما أن يحمل على الوجوب أو يحمل على الاستحباب، ولا يحمل
عليهما في آن واحد عند الأكثر، وإن أجازه الشافعية، منهم
من يقول: كان هذا في أول الأمر، كل من قام إلى الصلاة
يتوضأ، ولا صلاة إلا بوضوء، ولو كان على طهارة، وفي عام
الفتح جمع النبي -عليه الصلاة والسلام-
(4/26)
الصلوات في وضوء واحد، وعمداً صنع ذلك؛
ليبن لهم هذا الحكم، على كل حال التفسيرات هذه كلها محتملة
ومقبولة، إذا قمتم إلى الصلاة محدثين فاغسلوا، إذا قمتم من
النوم وأردتم الصلاة فاغسلوا، كلها مقبولة، وإذا قلنا: إن
هذا في أول الأمر، وأن كل من قام إلى الصلاة محدثاً أو غير
محدث يتوضأ، فهو منسوخ بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وأنه
لا يلزم الوضوء إلا من أحدث، ((لا يقبل الله صلاة من أحدث
حتى يتوضأ)) مفهومه أن من لم يحدث فصلاته مقبولة، ولو لم
يتوضأ، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى
آله وصحبه وسلم.
(4/27)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح الموطأ – كتاب الطهارة (6)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصبحه أجمعين.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين، محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى:
باب: جامع الوضوء
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- سئل عن الاستطابة، فقال: ((أو لا يجد أحدكم
ثلاثة أحجار؟ )).
عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى المقبرة، فقال:
((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإن إن شاء الله بكم
لاحقون، وددت إني قد رأيت إخواننا)) فقالوا: يا رسول الله
ألسنا بإخوانك؟ قال: ((بل أنتم أصحابي، وإخواننا الذين لم
يأتوا بعد، وأنا فرطهم على الحوض)) فقالوا: يا رسول الله
كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ قال: ((أريت لو كان لرجل
خيل غر محجلة في خيل دهم بهم ألا يعرف خيله؟ )) قالوا: بلى
يا رسول الله، قال: ((فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين
من الوضوء، وأنا فرطهم على الحوض، فلا يذادن رجال عن حوضي
كما يذاد البعير الضال، أناديهم: ألا هلم، ألا هلم، ألا
هلم، فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: فسحقاً فسحقاً
فسحقاً)).
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن حمران مولى عثمان بن
عفان أن عثمان بن عفان جلس على المقاعد، فجاء المؤذن فآذنه
بصلاة العصر، فدعاء بماء فتوضأ، ثم قال: والله لأحدثنكم
حديثاً لولا أنه في كتاب الله ما حدثتكموه، ثم قال: سمعت
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((ما من امرئ يتوضأ
فيحسن وضوءه ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينه وبين
الصلاة الأخرى حتى يصليها)).
قال مالك: أرواه يريد هذه الآية {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ
طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ
الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى
لِلذَّاكِرِينَ} [(114) سورة هود].
(5/1)
عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن
عبد الله الصنابحي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت الخطايا من فيه، وإذا
استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت الخطايا
من وجه حتى تخرج من تحت أشفار عينيه، فإذا غسل يديه خرجت
الخطايا من يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح
برأسه خرجت الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه، فإذا غسل
رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت أظفار
رجليه)) قال: ((ثم كان مشية إلى المسجد وصلاته نافلة له)).
عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ العبد المسلم
أو المؤمن فغسله وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها
بعينيه مع الماء، أو مع أخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت
من يديه كل خطيئة بطشتها يداه مع الماء، أو مع أخر قطر
الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع
الماء، أو مع أخر قطر الماء، حتى يخرج نقياً من الذنوب)).
عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك
أنه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وحانت صلاة
العصر، فالتمس الناس وضوءاً فلم يجدوه، فأتي رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- بوضوء في إناء، فوضع رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- في ذلك الإناء يده، ثم أمر الناس يتوضئون
منه، قال أنس: فريت الماء ينبع من تحت أصابعه، فتوضأ الناس
حتى توضأ من عند آخرهم.
عن مالك عن نعيم بن عبد الله المدني المجمر أنه سمع أبا
هريرة يقول: من توضأ فأحسن وضوءه، ثم خرج عامداً إلى
الصلاة فإنه في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة، إنه يكتب له
بإحدى خطوتيه حسنة، ويمحى عنه بالأخرى سيئة، فإذا سمع
أحدكم الإقامة فلا يسع، فإن أعظمكم أجراً أبعدكم داراً،
قالوا: لم يا أباه هريرة؟ قال: من أجل كثرة الخطى.
عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب يسأل عن
الوضوء من الغائط بالماء، فقال سعيد: إنما ذلك وضوء
النساء.
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا شرب الكلب في إناء
أحدكم فليغسله سبع مرات)).
(5/2)
عن مالك أنه بلغه أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قال: ((استقيموا ولن تحصوا، واعلموا أن خير
أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع الوضوء
الباب الذي يجمع الأحاديث الواردة في صفة الوضوء،
والأحاديث أعم من أن تكون مرفوعة أو موقوفة.
يقول -رحمه الله تعالى-:
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- سئل عن الاستطابة" الاستطابة السين
والتاء للطلب، أي طلب الطيب والإطابة، والمراد بها: إزالة
الأذى عن المخرج بالحجارة أو بالماء، قال: استطاب الرجل
إذا استنجى أو استجمر، وإزالة الأقذار والطهارة والنظافة
والنزاهة من محاسن الدين، من محاسن هذا الدين العظيم، ومما
يبين أن هذا الدين وسط بين الأديان، مثل هذا الباب فقد كان
النصارى يزاولون النجاسات، واليهود يشددون في أمرها، ولا
يكفيهم إزالة الأثر بالماء، بل تقرض بالمقاريض، فديننا وسط
ولله الحمد، بين آصار وأغلال اليهود، وبين مباشرة النصارى
لهذه القاذورات والنجاسات.
(5/3)
ومما يذكر أن غسالاً يغسل الثياب في بلاد
الحضارة في أمريكا -والله المستعان- أسلم من غير دعوة، من
غير أن يدعى، فسئل عن السبب غسال، يقول: تأتينا الثياب من
قومه من النصارى، فلا يطيق رائحتها، وتأتيه الثياب من
المسلمين وليست لها رائحة، والسبب في ذلك هو الاستنجاء
والاستطابة، فأسلم بهذا السبب، فالدين -ولله الحمد- هو دين
النظافة من غير مبالغة؛ لأن بعض الناس يزيد في هذا الباب،
ولذا جاء تنظيف وتسريح الشعر والترجل غباً؛ لأن بعض الناس
يبالغ سواء كان في نظافة بدنه، أو في نظافة ثيابه مبالغة
تعوقه عن تحصيل الأهم، بعض الناس يمكث وقتاً طويلاً، يمكث
الساعات ينظف، ويصفف، ووجد من كان عنده من الثياب بقدر عدد
أيام السنة بحيث إذا لبس ثوباً لا يعود إليه، مثل هذا سرف
وتبذير، فالدين وسط لا يرضى لأتباعه أن يزدروا ويستقذروا،
ولذا أبواب الطهارة تتصدر الكتب لأهميتها، وأيضاً لا تكون
هذه الطهارة على حساب ما هو أهم منها، ولذا صح في الخبر:
((البذاذة من الإيمان)) من أجل أن تكسر سورة حب الظهور
بالمظهر الذي يغري بعض الناس فيعوقه عن تحصيل ما هو أهم من
ذلك، فالدين وسط، فالاستطابة مطلوبة، لكن لا يبالغ
الإنسان، ولذا نهي المسلم عن الإسراف، يعني غسل العضو عشرة
مرات أبلغ في التنظيف من غسله ثلاث مرات، لكن يجوز أن
يغسله عشر مرات؟ لا، فالدين والله الحمد وسط، يطلب هذه
النظافة وهذه النزاهة، لكن لا يكون على حساب ما هو أهم
منه.
تجد بعض الناس يصرف يضيع عليه من الوقت في تصفيف شعره
والنظر في عطفيه وملابسه الشيء الكثير هذا مذموم هذا يدخل
في حيز السرف.
"فقال: ((أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار؟ )) " ثلاثة أحجار،
أولاً: ما حكم الاستطابة؟ لو شخص بال ولم يستنج، توضأ وصلى
صلاته صحيحة وإلا باطلة؟
(5/4)
الاستنجاء عند مالك أبو حنيفة سنة وليس
بواجب، وعند الشافعي وأحمد واجب لا تصح الصلاة بدونه،
والتأكيد في أمر الاستنجاء وأن لا يقل العدد عن ثلاث دليل
على وجوب إزالة هذا الخارج، وإذا أمر الإنسان بتطهير ثيابه
{وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [(4) سورة المدثر] فلئن يؤمر
بتطهير بدنه من باب أولى، فالراجح هو القول بالوجوب، ويصرح
الفقهاء بأنه لا يصح قبل الاستنجاء أو الاستجمار وضوء ولا
تيمم، بل لا بد من إزالة الأثرى الخارج قبل الوضوء.
((أو لا يجد أحدكم ثلاثة أحجار؟ )) هذا أقل ما يجزئ في
العدد، ولذا لما جيء له -عليه الصلاة والسلام- بحجرين
وروثة ألقى الروثة، وقال: ((أبغني ثالثة)) فدل على أنه لا
بد من ثلاثة أحجار، وبهذا أيضاً قال الشافعي وأحمد وعند
مالك وأبي حنيفة الاستجمار يجزئ بأقل من ثلاثة أحجار؛
لحديث: ((من استجمر فليوتر)) والوتر يقع على الواحد، لكنه
محمول عند الشافعية والحنابلة على الحديث الأخر المفسر؛
لأن ((فليوتر)) مجمل، الوتر كما يطلق على الواحد يطلق على
الثلاثة وعلى الخمسة وعلى السبعة يفسره طلب الحجر الثالث،
ولو كان الحجر أو الاثنين تجزئ لما طلب ثالثاً -عليه
الصلاة والسلام-.
الخشن الذي يزيل الأثر من خشب أو ورق خشن أو تراب، أو ما
أشبه ذلك هو في حكم الأحجار.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا بد من الوتر، لا بد من قطعه على وتر، وأقله ثلاث
مسحات يكفي؛ لأن الحكم حكم الثلاثة.
يقول: "وحدثني عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه"
الحديث السابق حديث مرسل، قالوا: مرسل، ابن عبد البر وغيره
يقولون: مرسل، هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- مرسل، وهو موصول عند أبي داود والنسائي عن
عائشة -رضي الله عنها-، وتجدون المراسيل بكثرة في هذا
الكتاب؛ لأن الإمام مالك كما أشرنا سابقاً يحتج في
المراسيل، وعلى كل حال الحديث موصول، ولا إشكال فيه.
الحديث الذي يليه يقول:
"وحدثني عن مالك عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة أن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى المقبرة" والباء مثلثة،
مقبُرة، مقبَرة، مقبِرة ولذا قالوا في النسبة إليها: أبو
سعيد المقبُري.
(5/5)
"فقال: ((السلام عليكم دار قوم مؤمنين)) "
بهذه الصيغة بالتعريف (السلام) لكن لو قال: سلام عليكم دار
قوم مؤمنين يجزئ وإلا ما يجزئ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني ما مر عليكم في كتب الحنابلة: ويُخيّر بين تعريفه
وتنكيره في سلام على الحي؟ ما مر هذا؟ مر وإلا ما مر؟ إذاً
السلام على الميت يخير وإلا ما يخير؟ هنا السلام عليكم،
يعني هل ورد سلام عليكم دار قومٍ مؤمنين بالتنكير؟ أما
بالنسبة للحي واحد بلا إشكال، قالوا: سلاماً، قال: سلام،
وأما بالنسبة إلى الميت فلم يرد، ولذا لا يخير، وليس معنى
أنهم لا يخيرون إذا خيروا فمعناه الأمران على حد سواء،
وإذا لم يخيروا فليس معناه اللزوم والوجوب، وإنما يكون على
الأرجح، بحيث لا يكون التخيير على سبيل التسوية، الأرجح
لزوم ما ورد وهو التعريف.
((السلام عليكم دار قوم ٍمؤمنين)) السلام على من على الدار
أو على سكانها؟ كيف يقول: دار قوم مؤمنين؟ ((خير دور
الأنصار بنو الأشهل)) أما لو قال: ديار رجعنا إلى الإشكال،
نعم، فتطلق الدار ويراد بها القبيلة.
والمساجد في الدور المراد بها المساجد في القبائل، وليس
معنى أن كل واحد يبني لنفسه مسجداً قي بيته ويصلي فيه، نعم
أمر ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتتطيب، معناه أنه
في القبائل كل قبيلة تبنى مسجداً، وتصلى فيه.
((السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإن إن شاء الله بكم
لاحقون)) هذا الاستثناء إن شاء الله هل مرده الشك في
اللحاق، أو أن اللحاق بهم مؤكد؟ مؤكد، لا أحد يشك في
الموت، لكن إما أن يكون التردد اللحوق بهم في هذا المكان،
أو أن يكون هذا الاستثناء ليس على بابه، وإنما كما يقول
جمع من الشراح: إنه للتبرك، في قوله -جل وعلا-:
{لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ}
[(27) سورة الفتح] هل هذا مرده إلى التردد؟ ليس ذلك أبداً.
(5/6)
((وددت إني قد رأيت إخواننا)) يقوله الرسول
-عليه الصلاة والسلام-، تمنى أن رأى من يأتي بعده من
أتباعه، كما أن المسلم في أي عصر يتمنى أن لو رأى النبي
-عليه الصلاة والسلام-، وخدم النبي -عليه الصلاة والسلام-،
وهذا التمني هل يدخل في النهي الوارد {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ
مَا فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(32)
سورة النساء]؟ الصحابة فضلوا علينا، فهل تمنينا الصحبة
ورؤية النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخدمة النبي -عليه
الصلاة والسلام- من المنهي عنه {وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا
فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ} [(32) سورة
النساء]؟ الآية ليست على عمومها، الرسول -عليه الصلاة
والسلام- تمنى الشهادة، تمنى أنه يقتل في سبيل الله، ثم
يحيا، ثم يقتل، تمنى الخير، ولو تمنى الإنسان أن لو كان
مثل فلان الذي يعمل بعمل الخير صار له مثل أجره، لكن على
الإنسان أن يرضى ويسلم بما كتب الله له، وما يدريك أن لو
عاش في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- وصار في عداد
المنافقين، ما يدريك؟ لكن على الإنسان أن يرضى ويسلم
ويعمل.
((وددت أني قد رأيت إخواننا)) قالوا: يا رسول الله ألسنا
بإخوانك؟ قال: ((بل أنتم أصحابي)) يعني أنتم لكم مرتبة
وشرف ومزية غير مزية وشرف الإخوان، فالصحبة شرف لا يدانيه
شرف، وفضل لا يلحقه فضل، فأدنى الصحابة خير من أفضل من
يأتي بعدهم ((خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم)) وهذا
معروف قول عامة أهل العلم أن الصحابة أفضل من غيرهم
مطلقاً، وإن كان ابن عبد البر يرى أنه قد يأتي بعد الصحابة
ممن هو أفضل من بعض الصحابة، هذا رأي له، ويستدل بأحاديث
منها تفضيل العمل في آخر الزمان، وأن العامل له أجر خمسين،
ومنها .. ، نصوص، لكن وجه التفضيل في العمل، العمل في آخر
الزمان مع قلة الأعوان، وكثرة الصوارف والملهيات والمشغلات
والفتن أفضل منه في الوقت الذي يكثر فيه المعين والمساعد،
ويبقى فضل الصحبة لا يدانيه أي عمل، ولا يقرب منه أي عمل.
(5/7)
((بل أنتم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا
بعد، وأنا فرطهم على الحوض)) وأنا فرطهم يعني متقدمهم،
والأصل في الفرط الذي يتقدم القوم بحثاً عن مكان النزول
المناسب، وعن أماكن الماء والموارد، هذا يسمونه فرط،
والطفل إذا تقدم أبويه يقال له: فرط.
((وأنا فرطهم على الحوض)) والحوض معروف للنبي -عليه الصلاة
والسلام- جاء وصفه في صحيح السنة {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ
الْكَوْثَرَ} [(1) سورة الكوثر] وتواترت الأخبار بثبوت
الحوض، ومن يشرب منه.
"فقالوا: يا رسول الله كيف تعرف من يأتي بعدك من أمتك؟ "
كيف تعرف؟ يعني أشخاص لم ترهم، كيف تعرفهم؟ "قال:
((أرأيت)) " "فقالوا: يا رسول الله ... " "قال: ((أرأيت))
" قالوا، قال: ((أرأيت)) الأصل أن يقول: أرأيتم، لكن كأن
السائل واحد مع سكوت الجميع، فينسب إليهم، ولذا خص
بالخطاب: أرأيت.
((أرأيت لو كان لرجل خيل غر محجلة في خيل دهم بهم)) غر: في
نواصيه البياض، محجلة: في أطرفها بياض، في خيل دهم، لا
يخالطها لون أخر، والدهمة: السواد، أو ما يقرب منها من
الألوان، فهذه الخيل السوداء، أو ما يقرب منها إذا لم
يخالطها بياض، إذا وجد معها ما خالطه البياض تميزت عن
غيرها.
((ألا يعرف خيله؟ )) قالوا: بلى يا رسول الله، قال:
((فإنهم يأتون يوم القيامة غراً محجلين من الوضوء)) غراً
محجلين، الغرة: البياض في الوجه، الجبهة، والتحجيل: في
الأطراف في اليدين والرجلين من الوضوء، أخذ منه بعضهم أن
الوضوء من خصائص هذه الأمة؛ لأنه إذا كان غيرهم يتوضؤون ما
صار لهذه الأمة مزية يعرفون بها، مع أنه ثبتت الأحاديث بأن
الأمم السابقة كانت تتوضأ، في قصة جريج توضأ، في قصة سارة
زوجة إبراهيم -عليه السلام- توضأت، وفي الحديث: ((هذا
وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي)) فعلى هذا تكون خصيصة هذه
الأمة في الغرة والتحجيل من أثر الوضوء، مع أنه لم تأت، أو
لم يأت بيان صفة وضوء الأمم السابقة، قد يكون وضوؤهم ليس
على الصفة التي فرضت علينا.
(5/8)
((غراً محجلين من الوضوء)) يعني بسببه
((وأنا فرطهم على الحوض)) متقدمهم ((فلا يذادن رجال عن
حوضي كما يذاد البعير الضال)) هكذا رواية يحيى ((فلا
يذادن)) وأكثر الرواية على أنه نعم؟ ((فليذادن)) تأكيد
((فليذادن)) الآن ما في فرق؟ نعم؟ ما في فرق من حيث
المعنى؟ ما في فرق بين {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ
عَنِ النَّعِيمِ} [(8) سورة التكاثر] وبين لا تسألن يومئذٍ
عن النعيم؟ ينقلب المعنى، نعم، وقد سمعت إماماً يقرأها
هكذا بالنفي، هذا لحن قبيح شنيع، هنا يقول: ((فلا يذادن))
هذه رواية يحيي التي معنا، أكثر الرواة على أنه باللام،
اللام المؤكدة مع نون التوكيد الثقيلة، كأنها وقعت في جواب
قسم محذوف، والله ليذادن، وهذا خبر، فإذا كانت فلا يذادن،
يقول ابن عبد البر -رحمه الله-: قوله: فليذادن معناه
فليبعدن وليطردن، وأما رواية يحيى: ((فلا يذادن)) على
النهي كيف ينهى؟ الآن لا يذادن أنت تستطيع أن تنهى شخص ألا
يذود الإبل الواردة على حوضك، تنه شخص ألا يذود، لكن كيف
يتجه النهي هنا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يكون سبباً لطرده عن الحوض، نعم، لا يفعل فعل يكون سبباً
لطرده، يقول ابن عبد البر: "خرج بعض شيوخنا معنىً حسناً
لرواية يحيى أن يكون على النهي أن لا يفعل أحد فعلاً يطرد
بسببه عن الحوض.
((فلا يذادن رجال عن حوضي كما يذاد البعير الضال)) البعير
الضال الضائع، نعم إذا وردت الإبل على حوض شخص لا شك أنه
سوف يمكن إبله من الشرب، إذا انضم إليها غيرها ذادها
وطردها، إثبات للذود، هذه نهي؛ لئلا يفعل فعلاً يكون سبباً
للذود، فيكون كأنه طرد نفسه؛ لأنه هو المتسبب، والتسبب
أحياناً يكون بقوة المباشرة، أنت الآن لما يقتل زيد عمرو،
أو يأمر زيد شخصاً غير مكلف بقتل عمرو، الآن إذا قتله زيد
باشر القتل هل لزيد أن يقول: أنا ما قتلت قتله السلاح، نعم
باشر القتل، لكن لو أمر شخص غير مكلف أو ربط عمراً، وأرسل
عليه أسداً، هو ما باشر القتل، لكنه تسبب بسبب في قوة
المباشرة، فإذا فعل فعلاً يكون بسببه مطرود عن الحوض هو
الذي طرد نفسه، كما يقال: على نفسها جنت براقش، فينهى عن
هذا الفعل الذي يكون سبباً وهذا السبب في قوة المباشرة.
(5/9)
يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((أناديهم ألا
هلم، ألا هلم، ألا هلم)) هلم: يعني أقبلوا، ويستوي فيه
المفرد والجمع والمذكر والمؤنث هذا الأصل فيه، وتجوز فيه
المطابقة، ألا هلم الأصل أنهم جمع، ولذا قال: ((ولا يذادن
رجال)) جمع، ما قال: ألا هلموا، ألا هلموا، ألا هلموا؛
لأنه يستوي فيه الجمع والمفرد، ويستوي فيه المذكر والمؤنث،
وتجوز المطابقة، ألا هلموا، ألا هلما، ألا هلمي، لكنه
مفضول، المطابقة مفضولة، الإفراد لزوم الإفراد أفصح.
((فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك)) النبي -عليه الصلاة
والسلام- لا يدري ماذا يحدث الناس بعده، لا يعلم الغيب،
ماذا يقول عيسى: {وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ
فِيهِمْ} [(117) سورة المائدة] أما بعد وفاته -عليه الصلاة
والسلام- لا يعلم ماذا أحدثوا بعده، والغلاة يزعمون أن
علمه بعد وفاته كعلمه في حياته، بل ينفون أنه مات، مصادمة
لما جاء في القران، ويزعمون أنه يحضر في اجتماعاتهم
وموالدهم، الضلال نسأل الله العافية.
((فيقال: إنهم قد بدلوا بعدك، فأقول: فسحقاً، فسحقا،
فسحقاً)) يعني بعداً بعداً، بدلوا وأحدثوا في الدين ما ليس
منه، بدلوا في الدين فابتدعوا، بدلوا وغيروا في التشريع،
يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: "كل من أحدث في
الدين ما لا يرضاه الله فهو من المطرودين عن الحوض" ويقول
أيضاً في الاستذكار: "وأشدهم من خالف جماعة المسلمين
كالخوارج والروافض وأصحاب الأهواء، وكذالك الظلمة المسرفون
في الجور، وطمس الحق، والمعلنون بالكبائر، فكل هؤلاء يخاف
عليهم أن يكونوا ممن عنوا بهذا الخبر" يقول ابن القاسم:
"قد يكون في غير أهل الأهواء من هو شر من أهل الأهواء"
يقول ابن عبد البر: "وصدق ابن القاسم" قد يكون في غير أهل
الأهواء من هو شر من أهل الأهواء، نعم قد يتسلط على
المسلمين من هو منهم، ومن جلدتهم، من لا يخالفهم في
المعتقد، ومع ذلك يكون شر من المخالفين لتعدي ضرره على
الآخرين، هذا كلام ابن القاسم -رحمه الله-.
(5/10)
على كل حال على الإنسان أن يحرص أن يكون
عمله مطابقاً لما جاء به النبي -عليه الصلاة والسلام-،
موافقاً له، متبعاً لا مبتدعاً، ومن شرط قبول العمل أن
يكون مع إخلاص عامله صواباً على سنة رسوله -عليه الصلاة
والسلام-، فإذا حرص على أن يكون عمله خالصاً لله -عز وجل-؛
لأن العمل وإن كانت صورته مطابقة لما جاء به النبي -عليه
الصلاة والسلام- إن لم يكن خالصاً فإنه ليس بمطابق لفعله
-عليه الصلاة والسلام-؛ لأن فعله مع الإخلاص، فيحرص المسلم
لا سيما طالب العلم أن يعرف من سنته -عليه الصلاة والسلام-
ومن سيرته ما يمكنه من الإقتداء به، ولذا يقول بعض السلف:
"إن استعطت ألا تحك رأسك إلا بسنة فافعل" هنا تكون
المتابعة، أما أن يعرض عن سنته وسيرته -عليه الصلاة
والسلام- ويزعم أنه من أهل العلم أو من طلابه، فضلاً عن
كونه يعرف السنة ويخالف السنة، فالأسوة والقدوة هو الرسول
-عليه الصلاة والسلام-، ولا يتم الإقتداء والائتساء إلا
بالعلم، والله المستعان مثلما يأتي المنافق ومعه شيء من
النور، ثم فجأة يفقده، لكن العمل وإن كان مشروعاً، إذا لم
تتوافر شروطه، فلا يقبل ما تترتب آثاره عليه، وأهل الأهواء
متفاوتون، منهم من بدعته مكفرة، فمثل هؤلاء هم على خطر
عظيم، نعم عندهم شيء من التأويل، وقد يكون اعتمادهم على
نصوص وعلى متشابه من النصوص، لكن يبقى أن البدع المكفرة
خطر عظيم، ومن البدع ما هو دونه.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن حمران"
حمران بن أبان، مولى عثمان، من سبي عين التمر، من خيار
التابعين، وهذه الغزوة أو الوقعة في عين التمر، حصل فيها
خير عظيم في السبي، ابن سيرين إمام من أئمة المسلمين منهم،
من سبي عين التمر، وحمران بن أبان منهم، المقصود أنها غزوة
مباركة.
"مولى عثمان بن عفان أن عثمان بن عفان جلس على المقاعد"
المقاعد شيء مرتفع، مبني من الطين يقعد عليه، إما بجوار
المسجد، أو بجوار بيت عثمان -رضي الله عنه-، يجلس فيه
للفصل بين الناس.
(5/11)
يقول: أستشكل: لا تدري ماذا أحدثوا بعدك؟
أستشكل هذا مع قولهم -عليه الصلاة والسلام- ((حياتي خير
لكم، ومماتي خير لكم، تعرض علي أعمالكم، فما كان حسن حمدت
الله عليه، وما كان من شيء استغفرت الله لكم))؟
على كل حال هذا إن صح، خرجه البزار بإسناد جيد، إن صح
فكونه يعرض شيء من الأعمال، ولا يقتضي أن يكون الجميع، لا
يعني أنه يدري عن كل شيء، أو أنه لا يدري ماذا أحدثوا
بعده؟ حتى يخبر بذلك -عليه الصلاة والسلام-.
(5/12)
"جلس على المقاعد، فجاء المؤذن فآذنه"
الإذن غير الأذان، المؤذن أذن ليُعلم الناس بدخول الوقت،
ثم يأتي فيؤذنه، فالخلفاء محتاجون إلى الإذن بعد الأذان؛
لما كانوا فيه من الشغل في أمور المسلمين، يغفل الإنسان،
الإنسان يسمع الأذان، ثم يغفل ينشغل، فيؤذن يعني يخبر بأن
الإقامة قربت "فجاء المؤذن فأذنه بصلاة العصر، فدعا بماء
فتوضأ، ثم قال: ولله لأحدثنكم حديثاً لولا أنه في كتاب
الله ما حدثتكموه" لولا أنه كذا عند مالك لولا أنه، وتفسير
الإمام مالك الذي عقب به الخبر يدل على أنه يقصد، يعني ما
وهم فيها، لولا أنه في كتاب الله ما حدثتكموه، ولذلك أورد
بعد الخبر الآية: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ
النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}
[(114) سورة هود] هذا تأويل مالك، فيكون مفاد الخبر في
كتاب الله، لولا أنه يعني ما يدل عليه هذا الحديث موجود في
كتاب الله، يقول: ما حدثتكم، والذي في البخاري: لولا أية
في كتاب الله ما حدثتكم، قال عروة كما في الصحيح: والآية:
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ
الْبَيِّنَاتِ} [(159) سورة البقرة] ما دام عنده خبر يؤثره
عن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يجوز له كتمانه، فبذل
العلم ونشر العلم فرض، فرض كفاية وقد يتعين على الشخص إذا
لم يقم به غيره، فلولا هذه الآية: {إِنَّ الَّذِينَ
يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ} [(159)
سورة البقرة] ما اخبر عثمان -رضي الله عنه- بهذا الخبر؛
لأنهم يتحرزون، ويشددون في الرواية عن النبي -عليه الصلاة
والسلام- مخافة أن يزل اللسان أو يخطئ الفهم بشيء ما قاله
النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيقعون في الوعيد الشديد،
أهل تحري وتثبت، ولولا هذا الوعيد الوارد في الآية ما حدث
{إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ
الْبَيِّنَاتِ} [(159) سورة البقرة] والذي عندنا في
الكتاب: "لولا أنه في كتاب الله" يعني مفاد الحديث أنه
موجود في كتاب الله، وسنرى مطابقة الآية لمضمون الحديث.
(5/13)
حصل تصحيف نظير هذا التصحيف الذي معنا
((آية الإيمان حب الأنصار)) روي لكنه تصحيف بالاتفاق ((إنه
الإيمان حب الأنصار)) فالرسم بين آية وأنه متقارب.
"لولا أنه في كتاب الله" يعني تصديق مفاد الخبر في كتاب
الله "ما حدثتكموه، ثم قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- يقول: ((ما من امرئٍ يتوضأ فيحسن وضوءه)) " يحسنه
يسبغه يتممه يأتي به على الوجه الأكمل، بدليل الرواية
الثانية: ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم صلى الصلاة إلا غفر
له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها)) ((من توضأ نحو
وضوئي هذا، ثم قال: أشهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة))
نعم؟ من إيش؟ نعم، ثم جاء في الخبر في الصحيح: ((ولا
تغتروا))، ((من توضأ نحو وضوئي هذا، ثم قال: أشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له دخل الجنة من أي أبوابها
الثمانية ولا تغتروا)) يعني ما هو معناه أن الإنسان يضمن،
يضمن أنه إذا حصل منه هذا الشيء دخل الجنة.
هناك أسباب، وهذا سبب بلا شك، وهناك موانع، قد يكون عند
الإنسان ما يمنع من قبول العمل، فعليه حينئذٍ أن يكون
خائفاً وجلاً مع عمله بما ورد -عليه الصلاة والسلام-
{وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ
وَجِلَةٌ} [(60) سورة المؤمنون] إلا غفر له ما بينه وبنين
الصلاة الأخرى حتى يصليها، غفر له ما بينه وبين .. ،
الصلوات الخمس إلى الصلوات الخمس، ورمضان إلى رمضان،
والعمرة إلى العمرة أيضاً كفارة لما بينهما.
والمراد بما يكفر هنا الصغائر، بدليل: ((ما اجتنبت
الكبائر)) ((ما لم تغشَ كبيرة)) قد يقول قائل: إذا لم توجد
صغائر، إذا لم توجد صغائر فهل تكفر الكبائر؟ وهذا الافتراض
يمكن أن يقع؟
شخص يرتكب كبائر، وليس عنده صغائر، لا يمكن، لا يمكن؛ لأن
مقدمات هذه الكبائر صغائر؛ لأنهم يفترضون أن الشخص الذي
ليس عنده صغائر يخفف من الكبائر، لكن هذا ليس بوارد أصلاً،
ليس بوارد إلا على قول من يقول: إنه يجب على الزاني أن يغض
بصره، فلا يرتكب الصغيرة وإن ارتكب الكبيرة، لكن هذا ليس
بصحيح أبداً.
((إلا غفر له ما بينه وبين الصلاة الأخرى حتى يصليها))
ومعروف أن هذا سبب للمغفرة، والسبب قد يتخلف أثره لوجود
مانع.
(5/14)
"قال يحيى: قال مالك: أراه" يعني أظنه يعني
عثمان "يريد هذه الآية: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ
النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ
يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ}
[(114) سورة هود] " يعني هذا الوضوء والصلاة هذه الحسنات
أذهبت ما بين هذه الصلاة والتي تليها من السيئات {إِنَّ
الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ} [(114) سورة هود]
لكن هل يكون العكس السيئات يذهبن الحسنات، يعني شخص فعل
حسنات وعنده سيئات لا شك أن الشرك {لَئِنْ أَشْرَكْتَ
لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [(65) سورة الزمر] هذا أمر مفروغ
منه الشرك، لكن ما دون الشرك عنده سرقة، عنده ربا، عنده
زنا، وعنده صلاة وزكاة وصيام، يعني شخص له حسنات وله
سيئات، يعني صلى ثم زنا.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو باب المقاصة والموازنة، توضع الحسنات في كفة الحسنات
والسيئات ثم .. ، هذا أمر آخر، هذا مفلس، هذا في باب
المقاصة، الحسد يأكل الحسنات، قالوا في بعض الأعمال له أثر
في الحسنات، كما أن بعض الحسنات لا أثر لغيرها فيها، ولذا
يقولون: الصيام لا يدخل في المقاصة، ((الصوم لي، وأنا أجزي
به)) لا يدخل في المقاصة.
طالب:. . . . . . . . .
قذف محصنة إن صح الخبر يحبط عبادة ستين سنة، نعم يبقى،
المسألة على النصوص ثم بعد ذلك لم تقبل معروف أن القبول
هنا نفي الثواب المرتب على العبادة، لا يحبطها من أصلها هو
الحسنات باقية والسيئات، لكن أنت لو عندك مليون ريال، وأنت
مدين بمليون، كأن ما عندك شيء، هذا قول المعتزلة، ويسمون
الإحباطية، ينسبون إليه، وفي بعض الخطب، ما أدري خطب
المخضوبي أو غيره، كانت تقرأ على الناس في يوم الجمعة، في
أول خطبة من شهر شوال، يقول: الحمد لله الذي افتتح أشهر
الحج بشهر شوال ... إلى أن قال: فكما أن الحسنات يذهبن
السيئات كذلك السيئات يذهبن صالح الأعمال، وهذا ليس على
إطلاقه.
طالب:. . . . . . . . .
توثر في باب المقاصة، وما ورد فيه بالخصوص، صلاة العصر
أمرها عظيم، الحسد يأكل الحسنات وغيرها من الأعمال اللي ..
؛ لأنه قد يعمل الإنسان عملاً يكون سبباً أو مانعاً من
قبول الأعمال الأخرى.
(5/15)
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن
عطاء بن يسار عن عبد الله الصنابحي أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قال: ((إذا توضأ العبد المؤمن فتمضمض خرجت
الخطايا من فيه، وإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه، فإذا
غسل وجهه خرجت الخطايا من وجهه حتى تخرج من تحت أشفار
عينيه)) " ومعروف أن الخطايا معاني وليست بأجسام، ولذا لا
يستقيم استدلال من يستدل بهذا الحديث على أن الماء
المستعمل لا يرفع الحدث؛ لأن الخطايا ليست لها أجسام
محسوسة تنتقل من العين إلى الماء إلى كذا، لا.
وعلى كل حال يكفر عنه ما اجترحه من سيئات بهذه الجوارح،
والجماهير على أنه محمول على الصغائر، ((وإذا استنثر خرجت
الخطايا من أنفه، فإذا غسل وجهه خرجت من وجهه حتى تخرج من
أشفار عينيه)) والأشفار كما يقول ابن قتيبة: حروف العين،
يعني أطرافها التي هي منابت الشعر، وإن كان بعض الناس
يطلقه على الشعر نفسه ((فإذا غسل يديه خرجت الخطايا من
يديه حتى تخرج من تحت أظفار يديه، فإذا مسح برأسه خرجت
الخطايا من رأسه حتى تخرج من أذنيه)) يستدل بهذا من يقول:
إن الأذنين من الرأس ((فإذا مسح برأسه خرجت الخطايا من
رأسه حتى تخرج من أذنيه)) فدل على أن الأذنين من الرأس،
وهذا قول الأكثر، وابن شهاب الزهري يرى أنهما من الوجه،
ويستدل بحديث: ((سجد وجهي للذي خلقه وشق سمعه وبصره))
فأضاف السمع إلى الوجه، قال الشعبي: ما أقبل منهما من
الوجه، وما أدبر من الرأس، لكن الأكثر على أنهما من الرأس،
وجاء الدليل بأن الأذنين من الرأس حديث: ((الأذنان من
الرأس)) وهو صحيح وإلا ضعيف؟ الأقرب ضعفه.
((فإذا غسل رجليه خرجت الخطايا من رجليه حتى تخرج من تحت
أظفار رجليه)) الآن ويش بقي من الذنوب والخطايا؟ من
الجوارح التي يمكن أن تزاول بها الذنوب غير ما ذكر؟
طالب:. . . . . . . . .
والوضوء يشمل الفرجين؟ أما عند الزيدية فنعم من الوضوء.
طالب:. . . . . . . . .
(5/16)
نعم أعمال القلوب الحقد والحسد والغل، لكن
قوله في الحديث: ((ثم كان مشيه إلى المسجد وصلاته نافلة
له)) دليل على أن جميع الذنوب كفرت، لكن هذا ليس على
إطلاقه عند الجمهور الذين يحملون الحديث وما جاء في معناه
على الصغائر، هذا بالنسبة لمن لم يرتكب الكبائر، أما
بالنسبة للكبائر فلا بد من التوبة، وأيضاً حقوق العباد، لا
بد من إيصالها إلى مستحقيها، البدل يقولون: له حكم المبدل.
يقول الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى-: "سألت محمد بن
إسماعيل -يعني البخاري- عن هذا الحديث، فقال لي: وهِمَ
مالك في قوله: عن عبد الله الصنابحي، وإنما هو أبو عبد
الله، واسمه عبد الرحمن بن عسيلة، ولم يسمع من النبي -صلى
الله عليه وسلم-، فهو مرسل، قال أبو عمر بن عبد البر في
الاستذكار: هو كما قال البخاري، لكن الحافظ ابن حجر في
الإصابة ذكر في ترجمة عبد الله الصنابحي، وأنه غير أبي عبد
الله، وأنه يروي عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وذكر له
أربعة أحاديث.
أهل العلم يقولون: "إذا قالت حذام فصدقوها" البخاري إمام
الصنعة، وأقره ابن عبد البر على سعة إطلاعه، نعم واتباعه
لمالك، يعني لو وجد أدنى مدخل لنقد كلام البخاري ما تردد،
... رجح قول البخاري -رحمه الله-.
ثم بعد هذا يقول: "وحدثني عن مالك عن سهيل بن أبي صالح عن
أبيه عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن)) " شك من مالك أو من
غيره، والشك في جميع جمل الحديث، أو مع آخر قطر الماء، أو
مع آخر قطر الماء، أو مع ...
وبعض الرواة يأتي بمثل هذا الشك، وإن كان لا أثر له
((المسلم أو المؤمن)) لتحري اللفظ النبوي، تحرج من أن يطلق
لفظاً مع أنه لم يجزم به، هل قال النبي كذا أو قال كذا؟
ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- في قوله: ((إذا توضأ العبد
المسلم أو المؤمن)) يقول: المؤمن والمسلم عندنا واحد.
(5/17)
يعني الإيمان والإسلام شي واحد عنده، وهو
قول الإمام البخاري ومحمد بن نصر المروزي وجمع من أهل
العلم، والجمهور على التفريق بينهما، يقول: "المؤمن
والمسلم عندنا واحد؛ لقوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَن
كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا
فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ} [(35 - 36)
سورة الذاريات] فما وجدنا دل على أن المسلمين هم المؤمنون،
والمسألة مبسوطة في مواضع أخرى، النصوص تدل على أن هناك
فرقاً بين الإسلام والإيمان، لا سيما إذا اجتمعا كما في
حديث جبريل وغيره.
((فغسل وجهه خرجت من وجهه كل خطيئة نظر إليها بعينيه مع
الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل يديه خرجت من يديه كل
خطيئة بطشتها يداه مع الماء، أو مع آخر قطر الماء)) ...
إلى آخر الحديث، حتى يخرج نقياً من الذنوب، وهو مخرج في
صحيح مسلم، وهو شاهد للحديث السابق.
(5/18)
"وحدثني عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن
أبي طلحة عن أنس بن مالك أنه قال: رأيت رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- وحانت صلاة العصر" يعني الواو هذه حالية
على تقدير (قد) وقد حانت "فالتمس الناس وضوءاً فلم يجدوه"
التمس الناس وهم بالزوراء وضوءاً يعني ماءً يتوضؤون فيه،
وكان العدد ثمانين، فلم يجدوا ماءً، وفي قصة الحديبية أكثر
"فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بوضوء في إناء"
صغير، وفيه ماء يسير، والدليل على صغر الإناء أن النبي
-عليه الصلاة والسلام- لم يستطع بسط أصابعه في الإناء،
إناء صغير، فيه ماء يسير "فوضع رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- في ذلك الإناء يده، ثم أمر الناس أن يتوضؤون منه،
قال أنس: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه -عليه الصلاة
والسلام-" هذه معجزة، علم من أعلام نبوته -عليه الصلاة
والسلام-، ومعجزة من معجزاته، يقول أهل العلم: هي أعظم مما
أعطي موسي من المعجزة، حينما أمر بضرب الحجر بعصاه، ما وجه
كونها أعظم؟ من الحجارة ما يخرج منه الماء، وإن منها .. ،
لكن هل عُرف، يعني عرف أن من الحجارة ما يخرج منه الماء،
لكن هل عرف أن اليد يخرج منها الماء؟ ينبع من بين الأصابع؟
ولذا يقرر أهل العلم أن هذه المعجزة أعظم مما أعطي موسى
-عليه السلام-، على كل حال هم يجتمعان في شيء وهو أن كلاً
منهما خارق للعادة.
(5/19)
"فوضع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في
ذلك الإناء يده" فيه دليل على إن إدخال اليد وغمسها في
الماء قبل غسلها لا يؤثر فيه "ثم أمر الناس يتوضؤون منه،
قال أنس: فرأيت الماء ينبع من تحت أصابعه -عليه الصلاة
والسلام-" توضأ الناس "حتى توضئوا من عند أخرهم، وكان
عددهم ثمانين رجلاً" في إناء صغير، وماء يسير، توضئوا من
عند آخرهم كيف توضئوا من عند آخرهم؟ (من) هذه و (عند) توضأ
الناس حتى توضئوا، يقول الكرماني: (حتى) للتدريج، يعني
واحداً بعد الأخر، يعني حتى وصلت النوبة إلى آخرهم، (حتى)
للتدريج، و (من) للبيان، أي: توضأ الناس حتى توضأ الذي عند
آخرهم، وهو كناية عن جميعهم، قال: و (عند) بمعنى (في) وقال
التيمي: المعنى توضأ القوم حتى وصلت النوبة إلى الآخر،
والحديث شهده جمع من الصحابة، يعني في هذه القضية شهده
ثمانون، وفي قضية أخرى ثلاثمائة، لكنه لم يرو إلا من طريق
أنس بن مالك -رضي الله عنه- لم يرو إلا من طريق أنس، مع
أنه شهده جمع غفير من الصحابة، هل هذا يقدح في الخبر؟
(5/20)
حديث: الأعمال بالنيات خطب به على المنبر،
مع ذلك ما نقل إلا من طريق عمر، وما نقله عنه .. ، خطب به
عمر على المنبر، وما نقله عنه إلا علقمة، وهكذا، فهم
يكتفون براوية من تقوم به الحجة، أنس بن مالك -رضي الله
عنه- طال عمره، عاش بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- أكثر
من ثمانين سنة، فاحتيج إلى ما عنده، والناس يطلبون العلو،
قد يوجد عند بعض التابعين عن بعض الصحابة، لكن موجود أنس،
فليسوا بحاجة إلى أن يرووه عن بعض التابعين عن بعض
الصحابة، ممن تقدمت وفياتهم، فالعلو مطلوب، ولا يقول قائل:
إن هذا مما تتوفر الدواعي على نقله، كيف لا ينقل إلى من
جهة شخص واحد؟ نقول: لا، أبداً، إذا نقله من تقوم به الحجة
كفى، وبهذا نعرف أن الدين محفوظ؛ لئلا يقول قائل: إنه عرف
عن الأئمة أنهم يحفظون مئات الألوف من الأحاديث، الإمام
أحمد يحفظ سبع مائة ألف حديث وين راحت؟ هل فرطت الأمة بشيء
من دينها؟ الدين محفوظ، ما يمكن تفرط بشيء، الأمة بمجموعها
معصومة من التفريط بالدين، لكن بعضها يغني بعض، هذه
الأحاديث بغضها يغني عن بعض، فنقل البعض المغني عن البعض
الأخر كافي، يعني كون الحديث يصل من طريق، أو من طريقين،
هل يلزم أن ننقله من مائة طريق؟ رب حديث واحد له أكثر من
مائة طريق، فلا يلزم أن ينقل من هذه الطرق كلها.
(5/21)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نعيم بن عبد لله
المدني المجمر" مجمر بالتخفيف من الإجمار، وبالتشديد من
التجمير، مجمّر وصف بذلك هو وأبوه لأنهما كانا يبخران مسجد
النبي -عليه الصلاة والسلام- "أنه سمع أبا هريرة يقول: "من
توضأ فأحسن وضوءه" إحسان الوضوء يكون بالإتيان بالفرائض
والسنن "ثم خرج عامداً إلى المسجد" يعني قاصداً إلى المسجد
ليؤدي الصلاة "فإنه في صلاة ما دام يعمد إلى الصلاة" ما
دام ما ينهزه للخروج إلا الصلاة فهو في صلاة، فالوسائل
تشترك مع المقاصد، ما الذي أخرجه إلى المسجد؟ الصلاة، إذاً
هو في صلاة، ولذا ينهى عن تشبيك الأصابع؛ لأنه في حكم
المصلي، هذا خرج احتسب له الأجر من خروجه ما دام قاصد
الصلاة، فهل نقول مثل هذا في حقوق الآدميين؟ يعني المقرر
أن الدوام يبدأ سبع ونصف، نقول: ما دام خرجت من بيتك سبع
ونصف فأنت في دوام لو ما وصلت إلا عشر، نقول مثل هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، يطلع ثمان، الذي ما عنده إلا ثمان يطلع ثمان على هذا،
لكن حقوق العباد مبنية على المشاحة، وأنت أجير لتشغل هذه
المدة، وهذه المدة لا تتم .. ، الواجب أداؤها هذه المدة لا
تتم إلا بأن تخرج قبلها بوقت يكفي.
"فإنه في صلاة ما دام يقصد ويعمد إلى الصلاة، وإنه يكتب له
بإحدى خطوتيه حسنة" يقول بعضهم: باليمنى برجله اليمنى تكتب
حسنة، وبالخطوة اليسرى يمحى عنه سيئة، ولا شك أن اليمنى
مناسبة للحسنة لشرفها، واليسرى مناسبة للسيئة، لكنه
استنباط هذا.
"فإذا سمع أحدكم الإقامة للصلاة فلا يسعى" يعني لا يسرع كي
يدرك تكبيرة الإحرام، أو يدرك الركعة، بل يمشي وعليه
السكينة والوقار، فما يدركه يصليه، وما يفوته يقضيه، خرج
غير متوضئ "من توضأ فأحسن وضوءه" لكن إن كان هناك مانع من
أن يتوضأ في بيته، فتح الماء وما وجد ماء، ثم خرج لا بأس
عليه إن شاء الله، لكن الوضوء موجود في بيته وخرج بدون
وضوء ما يترتب عليه هذا.
طالب:. . . . . . . . .
التشبيه، هذا من باب التشبيه إن صح الخبر، الخبر فيه كلام،
نعم هذا من باب التشبيه، والتشبيه لا يلزم أن يكون من كل
وجه.
(5/22)
"فإن أعظمكم أجراً أبعدكم داراً" نعم
أبعدكم داراً؛ لأنه واضح في الحديث كل خطوة حسنة وخطوة
تمحى سيئة، فإذا كان أبعد كثرت الخطى فكثرت الأجور، وكثر
تكفير السيئات.
"قالوا: لما يا أبا هريرة؟ " لأي شيء كان هذا الحكم؟
أعظمكم أجراً أبعدكم داراً؟ قال: "من أجل كثرة الخطى".
قال النبي -عليه الصلاة والسلام- لبني سلمة، وقد أرادوا
الانتقال من بيوتهم إلى قرب المسجد، قال لهم -عليه الصلاة
والسلام-: ((دياركم تكتب آثاركم)) دياركم، يعني ألزموا
دياركم، تكتب آثاركم، المقصود الخطى ولذلك .. ، أما
بالنسبة لكتابة الحسنات ومحو السيئات ما. . . . . . . . .
ولذلك في الصحيح لما أراد أن يشتري حماراً يذهب إلى
الصلاة؟ قالوا ... ، في صحيح مسلم، فدل على أن الكتابة
إنما تكون لمن يمشي على رجليه.
طالب:. . . . . . . . .
هو قد يعتري، تكون هناك مفاضلة بين أمور، نعم، شخص أراد أن
يشتري بيت، هل يكون في ذهنه أن يشتري بيت بعيد عن المسجد
من أجل الخطى، أو يشتري قريب من المسجد؛ لكي يعينه على
حضور جميع الصلوات؟ المسألة. . . . . . . . .، كل إنسان
يعرف همته، فإن كان إذا أبعد المسجد خطر على صلاة الجماعة
يمكن بعض الأوقات ما يصلي. . . . . . . . .، وإذا كان عنده
من الهمة والحرص على الخير، نقول: لا بأس، دياركم تكتب
آثاركم.
وقد تتضافر المكفرات من أكثر من وجه، عندك الوضوء، الصلوات
الخمس إلى الصلوات الخمس، العمرة إلى العمرة، ما اجتنبت
الكبائر، أمور مكفرات كثيرة، وفضل الله واسع، أوسع مما
نتصور ونتخيل، لكن ذنوب العباد أيضاً لا نهاية لها، لا
سيما مع انفتاح الدنيا على الناس.
"سمع أبا هريرة يقول: من توضأ فأحسن ... " إلى أخره، هذا
ظاهره أنه موقوف على أبي هريرة، لكنه لا يقال من قبل
الرأي، وهو أيضاً يروى مرفوعاً من حديث أبي هريرة -رضي
الله عنه-.
(5/23)
ويقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد
أنه سمع سعيد بن المسيب يُسأل عن الوضوء من الغائط بالماء
فقال: إنما ذلك وضوء النساء" ثبت أن النبي -عليه الصلاة
والسلام- استنجى بالماء، يقول أنس: فأحمل أنا وغلام نحوي
إداوه فيها ماء، فثبت الاستنجاء من فعله -عليه الصلاة
والسلام- بالماء، وسعيد يقول: إنما ذلك وضوء النساء، يعني
سعيد يخفى عليه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- استنجى
بالماء؟ ما يمكن، لكن المتوقع أن شخص قال: على طريقة
النساء، وعلى أسلوب النساء ما تسمح نفسه أنه يكتفي
بالحجارة، نعم هذا الشعور طريقة النساء وأسلوب النساء،. .
. . . . . . . هذا أسلوب النساء، فكأن سعيداً -رحمه الله-
ينكر على هذا الذي لا يكتفي بالحجارة، نعم، الرسول -عليه
الصلاة والسلام- ثبت أنه استنجى بالماء، ولا يظن أن سعيد
يخفى عليه مثل هذا، أبداً، لكن شخص قال له: أنا ما تكفيني
الحجارة، الآن كل واحد من نفسه لو أعطى أمه أو أخته حجارة
أو مناديل، قال: خلاص يكفيكِ، يكفي؟ هو يجزئ، يجزئ
بالإجماع، ما يكفيهن، يعني بعض النساء من حرصهم على الخير
مع الجهل يصدر مثل هذا الأفعال، هل يمكن أن تحج إمرة وترجع
ما حبت الحجر؟ كأنه ركن من الأركان، مع أنها ترتكب من
المحظورات أكثر مما قصدته، فلو يقول لك واحد من زملائك:
أنا والله ما يهناني إلا إذا حبت الحجر، تقول: هذه طريقة
النساء مع الزحام ومع .. ، في حج مثلاً، ما يمكن تجيبه
بهذا؟ نعم النساء هي اللي يصدر منها هذا، وإن كان في الأصل
خير، في الأصل طلب خير، لكن أيضاً الخير المعارض بما هو
أقوى منه يعني تركه خير، ولذا نهي ابن عمر من المزاحمة،
عمر نهي عن المزاحمة، وابن عمر -رضي الله عنه وأرضاه- لشدة
اقتدائه وائتسائه كان يزاحم، حتى يرعف، الدم يخرج من أنفه
مراراً ويرجع، لكن هذا خير وإلا يُترك؟ يُترك، يمكن يفهم
منه أن سعيد يرى أن النساء لا تكتفي بالحجارة؟ إن كان
بياناً للواقع فهو صحيح، النساء ما تكتفي بالحجارة، لكن
نظن أن سعيد يرى أنه لا يكفي الحجارة بالنسبة للنساء؟ ما
نظن به، ما دام يكفي النبي -عليه الصلاة والسلام-، وفعله
هو ونساؤه ما يظن به ذلك.
(5/24)
يقول: "وحدثني مالك عن أبي الزناد عن
الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال: ((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبع مرات)) "
إذا شرب، يقول ابن حجر: كذا هو في الموطأ، والمشهور عن أبي
هريرة من رواية جمهور أصحابه: "إذا ولغ" وهو المعروف في
اللغة، يقال: ولغ يلغ بالفتح فيهما إذا شرب بطرف لسانه، أو
أدخل لسانه فيه فحركه هذا بالنسبة للمائع، كالماء ونحوه،
يلغ فيه، وفي غير المائع يقال: لعقه، وفي الإناء الفارغ
يقال: لحسه، والأكثر على قياس بقية البدن على اللسان
والفم؛ لأنه إذا أمر بالغسل مباشرة من الفم وهو أشرف ما
فيه فلأن يؤمر بالغسل من بقية الأعضاء من باب أولى، وإن
كان بعضهم يرى أن التسبيع والتشديد إنما هو للفم فقط على
جهة التعبد، ويضاف أيضاً إلى التسبيع التتريب، وإن لم يقع
في رواية مالك التتريب، لكنه ثابت من حديث ابن سيرين عن
أبي هريرة، وإن اختلفت الرواية في محله، هل هو في الأولى،
أولهن، أو إحداهن، أو أخراهن، أو عفروه السابعة، عفروه
الثامنة، اختلاف بين الرواة في محله، والمرجح من حيث كثرت
الرواة وضبطهم أولاهن، وهو الموافق للمعنى؛ لأنه إذا وضع
التراب في الغسلة الأولى أزال أثره ما بعده من غسلات، لكن
لو جعلته في الأخيرة؟ احتجت إلى غسلة زائدة لتنظيف الإناء
من أثر التراب.
((إذا شرب الكلب في إناء أحدكم)) إناء أحدكم هذا الإضافة
مقصودة وإلا غير مقصودة؟ إذا قلنا: مقصودة ما تغسل إلا
إناءك أنت، اللي تملكه أنت، بحيث لو استعرت إناء من جارك،
وولغ فيه كلب تعطيه إياه، وتقول له: ترى والله ولغ الكلب
فيه، ما تغسله أنت، تصير مقصودة وإلا غير مقصودة؟ غير
مقصودة لكن المسألة أغلبية، الغالب أن الإناء الذي عنده هو
في ملكه، فيكون إناؤه، جاء في رواية مسلم: ((إذا ولغ الكلب
في إناء أحدكم فليرقه)) الأمر بالإراقة، بعضهم يقول: إنها
غير محفوظة، لكن إذا قلنا: إن الأمر بالغسل من أجل
النجاسة، فالماء قد تنجس، فلا بد من إراقته، لا سيما إذا
كان مائعاً، أما إذا كان جامداً وولغ فيه الكلب أو لعقه
كما تقدم يلقى ما لعقه وما حوله، كالفأرة تقع في السمن.
(5/25)
((إذا شرب الكلب -أو ولغ- في إناء أحدكم
فليغسله سبع مرات)) والأمر بالغسل للنجاسة عند الأكثر،
وللتعبد عند مالك؛ لأنه يرى أن الكلب طاهر، فالأمر بغسله
سبعاً للتعبد، والحنفية يقولون: بغسله ثلاثاً كغيرها من
الأنجاس، تغسل ثلاثاً ما يحتاج إلى غسله سبعاً، ويؤيدون
فتواهم بقول أبي هريرة وفتواه، ويقولون: الراوي أعرفه بما
روى، والجمهور يقولون: لا، العبرة بما روى لا بما رأى، مع
أنه ثبت عنه أنه أفتى بالغسل سبعاً، ففتواه الموافقة للنص
أولى بالعمل بفتواه المخالفة.
عرفنا أن الغسل للنجاسة عند الجمهور وعند المالكية تعبد؛
لأن الكلب طاهر عندهم.
إذا ولغ في الإناء يجب غسله، ماذا عن الصيد؟ إذا صاد بفمه
ولا يصيد إلا بفمه؟ يغسل سبعاً ويترب وإلا ما يحتاج؟
المالكية من أقوى أدلتهم الصيد، وأنه لا يؤمر بغسله ولا
بتتريبه؛ لأنه إذا كان للنجاسة ما اختلف الأمر من إناء ولا
صيد ولا غيره، إذا كانت العلة معه، لكن. . . . . . . . .
تطرد، لكن هل الذين يقولون: إن الغسل للنجاسة يأمرون بغسل
الصيد سبع مرات والتراب؟ لكن جوابهم عن هذا أن الصيد يأتي
عليه ما هو أشد من هذا، وهو الطبخ، لكن لو قدر أن إنسان
يريد أن يأكل الصيد نيئ بدون طبخ، قيل له: اغسله، إيه، لا
بد أن يغسله.
التتريب أولاهن بالتراب، ثم عفروه الثامنة، هم يقولون:
يجعل في أحدى الغسلات تراب، فكأن الغسلة المصاحبة للتراب
عن غسلتين، ولذا لا تخالف هذا الرواية رواية السبع.
(5/26)
والمرجح أنه يكون في الغسلة الأولى، لما
سمعنا به، والتتريب لا بد منه، ولا يغني عن التراب غيره من
المنظفات، قد يقول قائل: أنا عندي صابون يكفي عن التراب،
أبلغ من التراب، يكفي وإلا ما يكفي؟ ما يكفي، وقد أظهر ذلك
الطب، قالوا: إن في لعاب الكلب دودة أو جرثومة لا يقضي
عليها إلا التراب، لكن مع الغلي تموت قطعاً، لكن مع صابون
لا تموت، هذا يقول: نغلي القدر، نطبخ القدر، نضعه على
النار، يكفي عن التراب، أو يكفي عن الماء والتراب؟ لماذا؟
النجاسة لا تزول إلا بالماء، لكن التراب؟ ما هو قلنا: إن
الغلي يقوم مقام التراب؟ يقتل هذا الجرثومة؟ على كل حال
مثلما قلنا مراراً: الحكم في ذلك النص، فالصيد له وضعه،
والإناء له وضعه.
طالب:. . . . . . . . .
وهذا هو الظاهر، وقول عامة أهل العلم، لكن يابس تلمسه، وهو
يابس ما ينجس، اليابس ما ينجس اليد، لكن لو رطب أو باشر
شيئاً رطباً ينجس.
ترى المسألة .. ، نحتاج إلى الآن خمسة أحاديث.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بغله أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قال: ((استقيموا ولن تحصوا، واعملوا، وخير
أعمالكم الصلاة، ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)) " في
الحديث مفاوز بين مالك والنبي -عليه الصلاة والسلام-، لكنه
موصول عند ابن ماجه من طرق، وهذه الطرق كلها لا تسلم من
ضعف، لكن بمجموعها تدل على أن له أصلاً.
((استقيموا)) على الجادة، وعلى الطريق، وعلى المنهج
والمحجة، والأمر بالاستقامة، والخبر عن أصحابها مستفيض في
الكتاب والسنة {فَاسْتَقِمْ} [(112) سورة هود] أمر للنبي
-عليه الصلاة والسلام-، {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا
اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [(30) سورة فصلت] ((قل: آمنت
بالله، ثم استقم)) فعلى المسلم أن يستقيم، ويلزم الطريقة
والمحجة، متبعين في ذلك خطى القدوة والأسوة النبي -عليه
الصلاة والسلام-، ممتثلين ما أمرتم به، مجتنبين ما نهيتم
عنه.
(5/27)
((ولن تحصوا)) يعني لن تطيقوا أن تعملوا
بجميع ما أمرتم به ((لن تحصوا)) لكن سددوا وقاربوا، قد
يقول قائل: ما دمنا لن نحصي، ولن نطيق كيف نعمل؟ جاء الأمر
بعد ذلك بقوله: ((واعملوا)) لا تيأسوا، أنتم لن تحصوا، لكن
لا تيأسوا، والإحصاء كما يفهم منه عدم الإطاقة أيضاً أن
الإحصاء بدقة غير ممكن، يعني المحاسبة والمراقبة أمر مطلوب
{اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ
لِغَدٍ} [(18) سورة الحشر] يقول عمر -رضي الله عنه-:
"حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا" فعلى الإنسان أن يحاسب
نفسه، ويراقب، ويديم النظر في عمله، ويصحح خطأه، لكن مع
ذلكم قد يراقب نعم من اتقى الله -جل وعلا- حسب استطاعته
وقدرته لن يخيب الله رجاءه، لكن قد تكون عند الإنسان دسيسة
في قلبه تقوم {وَبَدَا لَهُم مِّنَ اللَّهِ مَا لَمْ
يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ} [(47) سورة الزمر] الإنسان جالس
في المسجد يقرأ القران، وعنده أنه مع السفرة الكرام
البررة، وفي قلبه شيء يمنع من ترتب الآثار، شخص يعلم الناس
وعنده أنه تصلي عليه كل شيء، ويدعو له ... إلى آخره، وفي
النهاية يتمنى السلامة كفاف، لا له ولا عليه؛ لأن هذا
العلم أمره وشأنه خطير، يعني من علوم الآخرة المحضة، لا
يجوز فيه التشريك، وأول من تسعر بهم النار يوم القيامة
ثلاثة، ومنهم العالم نسأل الله العافية، فلن تحصوا،
الإنسان يظن يعني المسألة .. ، أمور الدنيا يمكن إحصاؤها،
تحسب الأرباح والخسائر وعندك آلات وعندك من يساعدك على
هذا، لكن أمور الآخرة، ولذا هذا الأمر مقلق بالنسبة
للمخلصين الصادقين. ((وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى
ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل
بعمل أهل النار فيدخلها)) يعني هل السلف قالوا هذا حديث
مطلق، يقيد بالحديث الآخر، فيما يبدو للناس، ويظهر للناس،
وعملنا صحيح، وناس مخلصين، وموافق لما جاء به النبي -عليه
الصلاة والسلام-، لا، الخوف يساورهم، وجاء الخبر عنهم أنهم
جمعوا بين إتقان العمل وإحسانه الخوف والوجل، بخلاف من جاء
بعدهم ممن يغلب عليه إساءة العمل مع الأمن.
(5/28)
((وعملوا، وخير أعمالكم الصلاة)) خير
الأعمال الصلاة؛ لأنها أهم أركان الإسلام، والخطاب لمن
يلفظ بالشهادتين، أهم الأعمال وخيرها وأكثرها أجراً
وأعظمها الصلاة.
((ولا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)) نعم الذي ليس بمؤمن لا
يحافظ على الوضوء، وأشد منه الغسل، لا سيما مع المشقة
والمكاره.
نواصل؟
طيب.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في المسح بالرأس والأُذنين
حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يأخذ
الماء بأصبعيه لأذنيه.
عن مالك أنه بلغه أن جابر بن عبد الله الأنصاري سئل عن
المسح على العمامة، فقال: لا، حتى يمسح الشعر بالماء.
عن مالك عن هشام بن عروة أن أبا عروة بن الزبير كان ينزع
العمامة، ويمسح رأسه بالماء.
عن مالك عن نافع أنه رأى صفية بنت أبي عبيد امرأة عبد الله
بن عمر تنزع خمارها، وتمسح على رأسها بالماء، ونافع يومئذٍ
صغير.
وسئل مالك عن المسح على العمامة والخمار، فقال: لا ينبغي
أن يمسح الرجل ولا المرأة على عمامة، ولا خمار، وليمسحا
على رؤوسهما.
وسئل مالك عن رجل توضأ فنسي أن يمسح على رأسه حتى جف وضوؤه
قال: أرى أن يمسح برأسه، وإن كان قد صلى أن يعيد الصلاة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المسح بالرأس والأُذنين
المسح بالرأس والأذنين، يعني دون الحوائل من عمامة وخمار
ونحوهما، وهذا رأيه -رحمه الله-.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان
يأخذ الماء بأصبعيه لأذنيه" بأصبعيه لأذنيه يعني كل أذن
أصبع وإلا كل أذن أصبعين؟ شوف النص كان يأخذ الماء بأصبعيه
لأذنيه، كل أصبع لها أذن، يعني مقابلة التثنية بالتثنية
مثل الجمع بالجمع؟ كل أذن لها أصبعاً، إيه، لكن اللفظ،
اللفظ ما فيه ما يدل على هذا، هو المراد، هو المراد بلا
شك، نعم.
وسبق الكلام على الأذنين، وأنهما من الرأس؛ لقوله في
الحديث السابق: ((فإذا مسح رأسه خرجت الخطايا من أذنيه))
والخلاف في ذلك معروف، وتقدم الكلام فيه.
(5/29)
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن جابر بن
عبد الله سئل عن المسح على العمامة، فقال: لا، حتى يمسح
الشعر بالماء" هذا رأي جابر -رضي الله عنه- أنه لا يرى
المسح علي العمامة، بل لا بد أن يمسح الشعر بالماء،
امتثالاً للآية {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ} [(6) سورة
المائدة].
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أبا عروة بن
الزبير كان ينزع العمامة، ويمسح على رأسه بالماء" والمسح
على العمامة مسألة خلافية بين أهل العلم، فروي عن جماعة من
الصحابة والتابعين أنهم أجازوا المسح على العمامة، وهو
ثابت مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، من حديث
عمرو بن أمية وبلال والمغيرة وأنس، وهذا مذهب أحمد -رحمه
الله-، المسح على العمامة، وذهب الجمهور إلى أن الاقتصار
على مسح العمامة لا يكفي، ولا يجزئ حتى يمسح جزء من الرأس
مع العمامة.
عندنا الخبر عن جابر ما جاء أيضاً عن أبي عروة بن الزبير
أنه كان ينزع العمامة، مذهب الجمهور أن المسح على العمامة
لا يكفي وحده، بل لا بد أن يمسح معها جزء من الرأس، ومذهب
الإمام أحمد أنه يكفي المسح على العمامة، وهو مروي عن جمع
من الصحابة والتابعين، وفيه أحاديث كما سمعنا، وقياساً على
الخُف، العمامة إذا كانت محنكة يشق نزعها هي بمثابة الخُف،
مع ما جاء فيها من الأخبار المرفوعة، ولا يعني هذا أن
الإنسان يتوسع فيمسح على كل ما غطاء الرأس –كما زعم بعضهم-
يمسح على الطاقية، يمسح على الشماغ، يسمح على .. ، لا بد
أن تكون على طهارة.
يقول: "وعن مالك عن نافع أنه رأى صفية بنت أبي عبيد امرأة
عبد الله بن عمر" العابد الناسك، زوجته صفية بنت أبي عبيد
الثقفية، أخت المختار بن أبي عبيد الذي ادعى النبوة، وليس
في هذا مستمسك لأحد، يقصد البيوت التي ليست على شرطه،
احتجاجاً بأن صفية أخت المختار، بعض الناس ما يهمه أن يكون
البيت بيت استقامة وفضل وخير صلاح، يقول: مهما كان ما هم
صايرين مثل المختار، والدافع لذلك؟ ويش الدافع له؟
طالب:. . . . . . . . .
(5/30)
إيه، الدافع ما هو بنفس البيت، لا؛ لأن هذه
على وجه الخصوص تعجبه، نعم، فيقال له: انتظر يا أخي، ابحث
عن أهل خير وفضل واستقامة، يعينونك على صلاح امرأتك، وصلاح
ذريتك، هؤلاء يقول: ما هم صايرين أردئ من المختار، والسبب
الباعث له على ذلك كون هذه المرأة أعجبته، أو مدحت له،
نقول: يا أخي هذا خطر، تعرض أنت نفسك للخطر، فضلاً عن
زوجتك وأولادك، فعلى الإنسان إذا أراد أن يتزوج أن يختار
المرأة الصالحة من البيت الصالح الذي يعينه على نفسه، وعلى
أسرته، يسافر وهو مرتاح مطمئن، إذا ذهب الأولاد إلى بيت
محفوظ، ولا يقول: هذه خيار الأمة فعل، وما يدريك أن
المختار إنما حصل منه ما حصل بعد الزواج، يعني أنت إذا
تزوجت وحرصت على أن تختار، ثم بعد ذلك انحرف من انحرف من
إخوة الزوجة، ما أنت بمسئول عنهم، لكن الكلام لما يكون
الخيار بيدك، عليك أن تحتاط لنفسك ولنسلك، وما تبرأ به
ذمتك، وما يعينك على خير الدنيا والآخرة.
"أنه رأى صفية بنت عبيد امرأة عبد الله بن عمر تنزع خماره
وتمسح على رأسها بالماء" ولا شك أن الخمار خمار المرأة لا
سيما إذا شق نزعه ملحق بالعمامة، وإن كان بعضهم يرى أن
الأصل غسل الرأس والعمامة على خلاف الأصل، فلا يقاس عليها
الخمار.
"وتمسح على رأسها بالماء، ونافع يومئذٍ صغير" صغير دون سن
التكليف، ولا مانع من أن يروي الصغير لكن لا تقبل روايته
وهو صغير حتى يكبر، إذا ضبط وأتقن وهو صغير، ثم أدى ما
حفظه وضبطه وأتقنه بعد البلوغ قبل، فتقبل رواية الصغير،
وتقبل رواية الفاسق إذا أدى بعد الاستقامة، تقبل رواية
الكافر إذا أدى بعد الإسلام، ففي حال التحمل لا يشترط شيء،
إنما الشروط في حال الأداء.
"وسئل مالك عن المسح على العمامة والخمار، فقال: لا ينبغي
أن يمسح الرجل والمرأة على عمامة ولا خمار، وليمسحا على
رؤوسهما" وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي.
(5/31)
"وليمسحا على رؤوسهما" يمسح الرجل والمرأة
على رؤوسهما "وليمسحا على رؤوسهما" ما قال: على رأسيهما،
توالي التثنية ثقيل، ولذ جاء: {صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [(4)
سورة التحريم] ما قال: قلباكما، توالي التثنيات ثقيل، ولذا
قال: على رؤوسهما، إذاً ما الأصح في التخريج أن نقول: رواه
البخاري ومسلم في صحيحيهما، أو في صحاحهما؟ هذا الأصل
صحيحين، لكن توالت التثنية، إذا أردنا أن نطبق {صَغَتْ
قُلُوبُكُمَا} [(4) سورة التحريم] قلنا: في صحاحهما، نعم
يعني تستثقل في بعض الكلمات دون بعض؟ ويش الفرق بين
صحيحيهما ورأسيهما؟ نعم {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [(9) سورة الحجرات] يعني أنت
نظرت إلى الأفراد، أفراد الرجال كثير، وأفراد النساء نعم،
فالرؤوس كثيرة، والقلوب للمرأتين كثيرة وإلا قليلة؟
يعني إذا وجهنا ما جاء عندنا، لن نستطيع توجيه الآية، على
كل حال الأصل التثنية صحيحيهما، هذا الأصل نعم يعني إذا
أوقع خلاف الأصل في لبس فالمعتمد الأصل، نعم؛ لأنه لن
يلتبس بغيره، لكن لو قلنا: في صحاحهما يمكن للبخاري أكثر
من صحيح ولمسلم أكثر من صحيح محتمل، لكن القلوب لا يمكن أن
يفهم منها أكثر من هذا.
"وسئل مالك عن رجل توضأ فنسي أن يمسح على رأسه، حتى جف
وضوؤه، فقال: أرى أن يمسح برأسه" يعني وحده يقول المالكية:
لأن الفور إنما يجب مع الذكر لا مع النسيان، وإن كان قد
صلى يعيد الصلاة، لماذا؟ لأنه ترك فرض من فرائض الوضوء،
فلا يجزئه كما لو ترك غسل الوجه أو غسل الرجلين، لا بد من
الإعادة.
هذا يقول: من ما عمت به البلوى في عصرنا، وافتتن به الكثير
من طلاب العلم، فكيف بعامة الناس هو الإنترنت، يقول: خلاصة
المسألة من المعلوم أنه من خلال هذه الشبكة وعبر مواقع
معروفة تطرح مسائل للنقاش بحجة التدارس، وغالباً المسائل
تكون من الغرائب، يعني مسائل غربية، أو تطرح من جهة واحدة
كحلق اللحية والتصوير وسماع الأغاني والحجاب، وغالب من
يشارك هم من المتطفلة على مواد العلم.
(5/32)
أقول: طرح مثل هذه القضايا الهامة الشرعية
التي لا يستفتى فيها غوغاء الناس، بل مردها إلى أهل العلم
الراسخين فيه، الذين عرفوا بالعلم والعمل والورع، لا يكفي
أن يكون الإنسان عنده شيء من العلم، بل لا بد أن يقترن
بذلك العلم العمل، الدين، الورع.
وليس في فتواه مفتٍ متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع
وكون مسائل الدين تطرح للاستفتاء، وتحشد لها الأصوات، هذه
كارثة، وبهذا يتخذ الناس الرؤساء أو الرؤوس الجهال، كما
أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- يسألون فيفتون بغير علم،
مثل هؤلاء لا ينبغي أن يسألوا، بل لا يجوز سؤالهم، إنما
السؤال لمن هو من أهل العلم والعمل، إذا كانت المسائل
العلمية تطرح للاستفتاء، أو لحشد الأقوال والأصوات يقع ما
أخبر به النبي -عليه الصلاة والسلام- من كونه يسأل من لا
علم له، فيَضل ويُضِل بهذه الطريقة، والله المستعان.
هذا قريب من، يقول: إنه يشتغل أو يعمل في مقهى إنترنت،
ولكن بعض الشباب نصحني ألا أعمل فيه؛ لأنه لا يجوز شرعاً،
فما قولك؟
الإنترنت معروف أنه فيه الشر وهو الكثير الغالب، وفيه
الخير، الدروس العلمية تنشر من قبل أو عبر الإنترنت، لكن
غالبه الشر، نعم إذا كان الإنسان يضمن نفسه بأن لا يستعمله
إلا فيما ينفع في الدروس فقط، لكن أنى له ذلك، والمواقع
وما يقذف فيها يستهويه بعضها، ويجر بعضها إلى بعض، وكثير
من الناس اليوم يمضي الساعات الطوال أمام هذه الشبكات، وهي
حبائل، ضل بسببها كثير من أهل الخير والاستقامة، بسبب ما
يقذف فيها من الشبهات، وفيها أيضاً ما يثير الشهوات، لا شك
أن ضررها أكثر من نفعها، لكن إذا كان الإنسان من أهل
الحزم، وقال: إنه يقتني هذه الآلة من أجل سماع الدروس فقط،
ويعرف مواعيدها، ويعرف كيف يصل إليها، دون أن يعترضه في
طريقه شيء مما يكدر صفو العلم، هذا قد يتجاوز في حقه، لكن
الغالب أنها شر، والله المستعان.
يقول: ما رأيك بمن إذا مر بآية تسبيح رفع سبابته حال
القيام؟
معروف أن رفع الأصبع من أجل الشهادة، أو من أجل الدعاء
يدعى بها.
(5/33)
يقول: إذا كان عند الشخص كبائر وصغائر فهل
تكفر عنه الصغائر مع وجود الكبائر، أو يشترط لتكفير
الصغائر عدم وجود الكبائر؛ لعوم قوله: {إِن تَجْتَنِبُواْ
كَبَآئِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ} [(31) سورة النساء] إلى آخره.
إذا كان عند الشخص كبائر وصغائر فالصغائر تكفرها الصلوات
الخمس، ورمضان، والعمرة، وما جاء في النصوص من المكفرات،
وأما الكبائر فلا يكفرها إلا التوبة، كما أن الصغائر تكفر
بمجرد اجتناب الكبائر، فاجتناب الكبائر مفكر من المكفرات
كالصلوات الخمس.
يقول: هل هناك عدد كبير من الأحاديث تجاوزت طرقه الخمسين
طريقاً؟
نعم في عدد كبير جداً، نعم تجاوزت الخمسين طريق، بدليل أنك
تسمع مئات الألوف مما يحفظه الأئمة، سبع مائة ألف، ولو
أردت أن تحصي ما جاء من غير تكرار ما جاوزت العشرين
والثلاثين ألف، وكثير منها غرائب، فدل على أن البقية لها
طرق كثيرة، وإذا نظرت في كتب الرجال، وجمعت جميع ما في كتب
التراجم لا تتجاوز الثلاثين أو الأربعين ألف، مع أنه وجد
في بعض البرامج من رواة الأحاديث، يعني بالتكرار أكثر من
ثلاثة ملايين راوٍ، فهذا يدل على أن هناك طرق كثيرة جداً
للحديث الواحد، بل ذكر أبو إسماعيل الهروي أنه روى حديث
الأعمال بالنيات عن يحيى بن سعيد أكثر من سبعمائة راوٍ، مع
أنه وجد أيضاً ما هو أكثر من ذلك.
يقول: سبق أن سمعنا عنك أن مسألة التنشيف خاصة بالغسل دون
الوضوء، فإنه لم يرد فيه شيء، فما هو الصواب؟
مسألة التنشيف عند الحاجة سواءً كان في الغسل أو في
الوضوء، إذا احتيج إلى ذلك لبرودة الجو لا بأس مع أنه يجوز
التنشيف مطلقاً، عرض عليه -عليه الصلاة والسلام- المنشفة
لم يردها؛ لأنه ليس بحاجة إليها، لكن لو قامت الحاجة إليها
فلا مانع منها، وإلا فالأصل أن يترك الماء كما هو لتخرج
الذنوب مع أخر قطر الماء.
يقول: الإخوة يسألون فيما هو من الإبل، وليس بلحم مثل
الكبد وغيره والكرش والمصران والمرق؟
(5/34)
أما بالنسبة للمرق فليس بداخل أصلاً، ولم
يقل به أحد، أما عدا ذلك مما حواه الجلد فيدخل في مسمى
اللحم، وإن كان من غير اللحم كالكبد والطحال والمصران
والكرش بدليل أن المحرم لحم الخنزير المنصوص عليه لحم
الخنزير، ويراد به جميع ما حواه جلده، فكذلك الإبل مع أن
المعروف عند الحنابلة أنه خاص باللحم، اللبن ما فيش، اللبن
والمرق ما في.
هناك أسئلة خاصة لا يستفيد منها السامع، هذه لو تركت يعني
إلى وقت أخر.
هل ورد دليل خاص لدعاء سجود التلاوة؟
نعم في سنن أبي دواد وغيره أذكار خاصة لسجود التلاوة.
يقول: كيف الرد على من يحتج بقوله: ((فإنك لا تدري ما
أحدثوا بعدك)) على أن الصحابة منهم من أحدث خصوصاً اليوم
الطعن في الصحابة في الصحف على أشده؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، معروف لا تدري ما أحدثوا بعدك، لكن في كلام ما هو
بواضح لسوء الخط.
على كل حال بالنسبة للصحابة من ثبت على إسلامه وهم الأصل
وهم الأكثر هؤلاء لا كلام لأحد فيهم؛ لأن الله -جل وعلا-
عدلهم في كتابه، وجاءت النصوص القطعية عن النبي -عليه
الصلاة والسلام- أنهم خير الناس، وهم حملة الدين، فالطعن
فيهم طعن في الدين، والمقاصد واضحة جلية، ولذا تجد من يطعن
يعمد إلى شخص تجده أكثر الناس حملاً للدين، أكثر من تعرض
للنقد أبو هريرة -رضي الله عنه وأرضاه- في القديم والحديث
من المبتدعة، وليس المراد شخص أبي هريرة، الذي دعا النبي
-عليه الصلاة والسلام- أن يحببه الله إلى الناس، ويحبب
الناس إليه، إنما المقصود ما يحمله أبو هريرة من دين وشرع،
ولذا لا تجدون من يطعن في أبيض بن حمال، أبداً، الذي لم
يرو إلا حديث واحد، هذا يتعبهم إن بغوا يتتبعون مثل هذا،
ولذا الذي يظهر من صنيعهم وتفوح الروائح من خلال كلامهم أن
المراد الطعن في الدين، وليس المراد الطعن في الأشخاص، نعم
ارتد بعض الصحابة بعده -عليه الصلاة والسلام-، والردة
أمرها معروف، لكن لم يردنا شيء من الدين من طريق أحد قد
أرتد، ولا عن طريق أحد ممن وصف بالنفاق، ولله الحمد
والمنة.
يقول: ما معنى حديث أن الأنبياء أحياء في قبورهم؟ وأن روحه
ترد عليه إذا سلم عليه شخص؟ وما دام أن روحه ترد فهو حي؟
(5/35)
على كل حال هو حياته -عليه الصلاة والسلام-
.. ، حياة الأنبياء أكمل من حياة الشهداء بلا شك، لكنها
حياة برزخية، فارقت الروح البدن، وحياة الله أعلم
بكيفيتها، حياة تختلف عن حياة الأحياء، وهي فوق حياة
الشهداء، حياة برزخية الله أعلم بكيفيتها، ومن المقطوع به
أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد مات {إِنَّكَ مَيِّتٌ
وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ} [(30) سورة الزمر] "من كان يعبد
محمداً فإن محمداً قد مات" ولا شك أن روحه فارقت جسده
-عليه الصلاة والسلام-، وفاة حقيقة، لكن كونه ترد عليه
روحه يبلغه سلام من يسلم عليه، هذا حياة الله أعلم
بكيفيتها، لم يرد تفصيلها.
يقول: قلتم: إن من لم يستجمر فلا يصح وضوؤه، وعلى هذا فلا
تصح صلاته، فعلى ماذا يحمل حديث عذاب القبر؟ ((إنهما
ليعذبان، وما يعذبان في كبير)) فالظاهر أن الحديث بقائهما
على الدين؟
كونه لا يستنزه من بوله، أو لا يستبرئ من بوله، لا يلزم أن
يكون البول باقٍ في محله، إنما قد يكون عدم الإستبراء من
رشاش ونحوه، على أن ما سمعتم في مذهب أبي حنيفة ومالك أن
الاستنجاء ليس بشرط، نعم الرشاش مهما كان حتى قال أهل
العلم: حتى ما يشبه رؤوس الإبر هذا لا يعفى عنه بالنسبة
للبول، على كل حل المشقة تجلب التيسير هذا الأصل، لكن يبقى
أن على الإنسان أن يحتاط، وأن يستنزه وأن يستبرئ.
يقول: هل لفظ: صاحبي أفضل من لفظ أخي؟ وليس المقصود بذلك
الصاحب المعروف في هذا الوقت؟
هو يريد أن يقرن هذا بالحديث: "ألسنا أخوانك؟ قال: ((أنتم
أصحابي)) الصحبة والصحابة بالنسبة لمن عاصره، ورآه -عليه
الصلاة والسلام-، هذا اصطلاح، اصطلاح شرعي، قد يختلف عن
الاصطلاح الآخر، ما قال: إنما المؤمنون صحابة، قال:
{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} [(10) سورة الحجرات]
فلا شك أن الأخوة في الدين أعظم من مجرد الصحبة.
هذه يقول: امرأة تقول: إنها عند الاغتسال من الجنابة
تتنظف، ولكن يستمر معها خروج الموجب طول ذلك اليوم، فيخرج
باستمرار كلما توضأت وتطهرت؟
هذا حكمه حكم السلس، تصلي على حسب حالها، إذا اغتسلت، ثم
توضأت في كل صلاة لا يضرها ما يخرج بعد ذلك.
(5/36)
يقول: هل أسماك الأنهار والبحيرات العذبة
وما يعيش في البرك الصناعية حكمها حكم ميتة البحر؟
إذا كانت لا تعيش إلا في الماء فحكمها حكم ميتة البحر.
متى يبدأ وقت تكبيرة الإحرام؟
من شروع الإمام فيها، يبدأ من شروعه، وإذا شرع فيها وانقطع
نفسه تابعه المأموم على ذلك، وينتهي وقتها بشروع الإمام في
الركن الثاني، الذي هو بقراءة الفاتحة.
يقول: عليه صيام شهرين متتابعين كفارة، هل له أن يصوم الست
من شوال قبل قضاء الكفارة؟
نعم، له أن يصوم الست من شوال، وله أن يصوم عشر ذي الحجة،
ويؤخر ذلك إلى ما تيسر، على أن يغلب على ظنه أنه يعيش إلى
ذلك الوقت، أما إذا كان قد قرر أنه فيه مرض يستطيع معه
الصيام، وأنه على خطر، أو يغلب على الظن أنه لا يدرك
الصيام فعليه أن يصوم الكفارة، ويقدمها على غيرها من
النوافل.
هل الترتيب شرط من شروط الصلاة عند مالك أم سنة؟
ترتيب إيش؟ شرط من شروط الصلاة؟ ترتيب الفوائت وإلا إيش؟
هل الترتيب شرط من شروط الصلاة عند مالك أم سنة؟
ما أعرف ترتيب إيش؟ إن كان المقصود الفوائت فالترتيب لا بد
منه، وواجب عند عامة أهل العلم، ولا يسقط إلا بالنسيان،
نكتفي بهذا، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
(5/37)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الطهارة
(7)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
هذا له طلب يقول: يأمل أن يكمل الكتاب بعد الحج؟
قلنا: هذا طلب لكثير من الإخوان والإشكال أنه بعد الحج
تبدأ الدروس دروس المسجد اللي هي على الجدول فيصير فيه
مشقة يعني إذا أقمنا دروس غير اللي في الجدول ثانية، يصعب،
وإلا تكميل الكتاب طيب، طيب، وأما بالنسبة لكتاب الحج
مناسك من هذا الكتاب -إن شاء الله- في آخر الأسبوع من
الشهر الحادي عشر، ذي القعدة، والأسبوع الأول من ذي الحجة
-إن شاء الله-، هذا على العادة يعني -إن شاء الله-.
هذا يقول: مسألة ذيل المرأة رأيت أنه لا يجزئ فيه إلا
الغسل، وذلك لضعف الحديث، لكن ألا يمكن أن يطهره التراب؛
لأن الحديث صححه بعض أهل العلم، يقول: المشهور من مذهب
الإمام أحمد أنه لا يطهر شيء بغير الماء، والرواية الأخرى
عنه يطهر الخف بالدلك؟
معروف أن مسألة الخف يطهره الدلك، إذا وطئ أحدكم الأذى
بخفيه فطهورهما التراب، ومعلوم أن الخف لا يشرب النجاسة
مثل ذيل المرأة، مثل الثوب.
يقول: قال شيخ الإسلام: لم يأمر النبي --صلى الله عليه
وسلم- بأن تزال النجاسات بالماء، وقد أذن بإزالتها بغير
الماء في مواضع: الاستجمار، والنعلين، وذيل المرأة، وهذا
القول هو الصواب؟
على كل حال الحكم في هذا هو الخبر والحديث، وإذا كانت
العلة معقولة أيضاً صارت مرجحة لما يختلف فيه أهل العلم من
تصحيح وتضعيف، ومن ترجيح أيضاً بين الأقوال، فيختلف موضع
الاستجمار؛ لأنه ينقى إلى حد، بينما ذيل المرأة قد لا يصنع
فيه التراب شيئاً إذا شرب النجاسة، التراب لا يصنع فيه
شيئاً، وجاء في حديث أبي هريرة: "فطهورهما التراب" ولا ينص
على الدلك، كيف ما ينص على الدلك؟ يقول: إن ذلك مما يشق
التحرز منه، فيخفف فيه كما خفف النعل، على كل حال المسألة
مسألة ترجيح، وهذا الذي يظهر، والله أعلم.
(6/1)
يقول: ما صحة حديث معناه أن من صلى قبل
الظهر أربع، وبعد الظهر أربع؟ وكيف تصلى الأربع ركعات التي
بعد الظهر؟
المعروف أن الرواتب بالنسبة لصلاة الظهر القبلية أربع،
والتي بعدها ركعتان هذا الأصل، وهذا هو الأكثر، وجاء
الأربع قبل الظهر، والأربع بعدها، فتفعل أحياناً هكذا
وهكذا.
طالب:. . . . . . . . .
لا، عاد المسألة في صحة اللفظ ((صلاة الليل والنهار مثنى
مثنى)) فإن صح هذا اللفظ فتصلى بسلامين وإلا يجوز صلاتها
بسلام واحد.
يقول: ما الراجح في حيوان البحر إذ خرج منه في وقت يمكن
فيه تذكيته؟
إن كان مما استثني بالنص كالسمك فلو مات حتف أنفه بعد
خروجه من البحر فهو حلال، أما ما عداه فإن أمكنت تذكيته
فهي الأصل، إذا عاش بعد خروجه، أو بعد إخراجه من البحر،
وكانت حياته مستقرة فلا بد من تذكيته.
يقول: ما حكم أكل التمساح والضفدع وسرطان البحر وسمك
القرش؟
التمساح والضفدع تعيش في البر فلا تحل، ليست من ميتة
البحر، سرطان البحر وسمك القرش كلها بحرية، تؤكل.
يقول: امرأة نذرت أن تصوم لله كل يوم خميس واثنين إذا سهل
الله لها ما تريد، ثم سهل لها، فهي الآن لا تستطيع الصوم
بسبب شغل البيت، وأطفالها صغار، فماذا تعمل؟
على كل حال يجب عليها أن تفي بالنذر إلا إذا عجزت، إذا
عجزت عن الوفاء بالنذر فإنها تكفر كفارة يمين.
يقول: هل من آداب طالب العلم الاتكاء في الدرس، ومد
الرجلين وغير هذا، وما أثر التأدب لطالب العلم في تحصيل
العلم، وحصول البركة فيه؟ يقول: وكذا مقاطعة الشيخ أثناء
الإلقاء؟
الاتكاء أثناء الدرس إن قامت الحاجة إليه فالأصل فيه
الجواز، إن كنت الحاجة داعية إلى ذلك، ومثله مد الرجلين،
بعض الناس إذا أطال كف الرجلين تؤلمه، ولا يستطيع المشي
عليها إلا بمشقة، فمثل هذا الحاجة، إذا دعت الحاجة إلى ذلك
فلا بأس، وإلا فالأصل أن مد الرجلين بين الناس خلاف
الأولى.
يقول: أثر التأدب بآداب طالب العلم في تحصيل العلم وحصول
البركة فيه؟
(6/2)
على كل حال لزوم الأدب .. ، النبي -عليه
الصلاة والسلام- جاء ليتمم مكارم الأخلاق، والآداب
التزامها من المكارم، فهي شرعية، وكل ما عمل الإنسان بما
علم أورثه الله علم ما لم يعلم، بركة العلم العمل به،
فائدته العمل به، وإلا علم بلا عمل لا قيمة له، بل هو وبال
على صاحبة.
يقول: هو رجل له أم ومتزوج والزوجة لا تنجب، ولكن ليس هو
السبب، السبب هو أن أم الرجل قالت: إنها سمعت كلام على
الزوجة في الشرف والعياذ بالله، وطلبت من ابنها أن يطلق
الزوجة، أو تغضب عليه، والرجل محتار بين أن يرضي أمه، أو
يرضي زوجته التي قال عنها: إنه لم ير منها أي شيء مخل
للشرف، والرجل محتار بين أن يرضي أمه أو يرضي زوجته التي
... إلى آخره؟
تكرر هذا.
لا شك أن طاعة الأم من البر، لكن الطاعة بالمعروف، إذا لم
يكن هناك سببٌ ومبرر شرعي للفراق والطلاق فلا طاعة لها في
هذا، وجاء في حديث بن عمر أن عمر -رضي الله عنه- أمره أن
يطلق زوجته، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((أطع
أباك)) ومن مثل عمر؟ من يقدر مثل عمر المصالح والمفاسد؟
فبعض الآباء -هداهم الله- وبعض الأمهات لأدنى سبب يوجد مثل
هذا الطلب، والطاعة بالمعروف، إذا لم يوجد مبرر للطلاق فلا
طاعة في مثل هذا.
يقول: رجل أقسم بأن يصوم يوماً، وأن يفطر يوماً، ولم يشترط
وأصيب بمرض، فماذا يفعل؟
إذا لم يستطع الصيام يكفر وإلا فالأصل أن من نذر أن يطيع
الله فليطعه.
يقول: بالنسبة لحديث: غسل اليدين قبل الوضوء، هل هو ثابت؟
أيضاً بالنسبة للوضوء من الماء الجاري أم خاص بالوضوء من
الإناء؟
هذا عام كل من أرد أن يتوضأ يغسل يديه قبل أن يشرع في
الوضوء على سبيل الاستحباب وليس بواجب إلا إذا قام من
النوم.
حكم من نسي الله أكبر، أو توهم أنه نسيها في الصلاة غير
تكبيرة الإحرام؟
معلوم أن تكبيرة الإحرام ركن من أركان الصلاة، لا تنعقد
بدونها، أما تكبيرات الانتقال فالجمهور على أنها سنن،
والحنابلة يقولون بالوجوب، على كل حال من نسي تكبيرة غير
تكبيرة الإحرام يجبر ذلك بسجود سهو.
يقول: كيف نحل تعارض أبي هريرة -رضي الله عنه- في قوله:
فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل، ونهي
العلماء عن الزيادة عن ثلاث؟
(6/3)
إطالة التحجيل ثابتة من فعله -عليه الصلاة
والسلام-، حتى أشرع في العضد، حتى شرع في الساق، فهذا
مطلوب، وهذا لا يعارض الغسل، غسل كل عضو ثلاثاً ثلاثاً.
يقول: هل يطلق الرزق نسبته إلى الله الرزق الحلال والحرام؟
نعم هو من الله -جل وعلا-، الرزق كله من الله حلاله
وحرامه، خلافاً للمعتزلة الذين يرون أن الحلال من الله،
وأما الرزق غير الحلال فلا تجوز نسبته إلى الله -جل وعلا-،
والمسألة معروفة عند أهل العلم.
يقول: هل لبس العمامة والإزار سنة؟ إذا كان ليس بسنة فكيف
نرد على من قال: إن السنة هي فعل النبي -عليه الصلاة
والسلام- وقوله تقريره، فقال: ولبس العمامة والإزار من
السنة؟
على كل حال اللباس عند أهل العلم من الأعراف، اللباس عرفي،
فإذا تعارف الناس على لباس لم يرد فيه نص بخصوصه بمنعه أو
استحبابه فلهم ذلك، فاللباس عرفي ما لم يكن من ألبسة
الكفار، أو من ألبسة الرجال فيلبسه النساء أو العكس، فيمنع
من أجل المشابه.
يقول: يسأل عن قناة المجد، وهل تنصح بها؟
بالنسبة لقناة المجد هي أفضل الموجود الآن، فمن ابتلي
بالآلات فهي خير موجود، ومن عافاه الله منها فالسلامة لا
يعدلها شيء.
النهي في قوله: فلا يسرع، يعني إذا سمع الإقامة فعليه أن
يمشي وعليه السكينة والوقار؟
هذا كله على سبيل الاستحباب عند أهل العلم.
يقول: ورد أنه يقتص من الصيام فأتى بصلاة وصيام؟
على كل حال إن ثبت هذا اللفظ فهو نص، وإلا فأهل العلم
عندما يتكلمون على قوله في الحديث القدسي: ((الصوم لي،
وأنا أجزي به)) قالوا: من وجوه اختصاصه أنه لا تدخله
المقاصة، فإن كان ثبتت هذه أتى بصلاة وصيام ... إلى آخره،
فهي نص في الموضوع.
أفضل كتاب في بلاغة القرآن؟
الكتب التي تحدثت عن بلاغة القرآن كثيرة، ومنها بعض
التفاسير، مثل: تفسير أبي السعود، وحواشي البيضاوي، فيها
مباحث كثيرة تتعلق بهذا.
ثم قال ... ، ضرب .. ، أعلم من جاء أعلم بمن جاء؟
على كل حال الفروق الدقيقة بزيادة الواو في بعض المواضع
دون بعض، وزيادة الباء أو الفاء هذه هناك كتاب اسمه: "درة
التنزيل وغرة التأويل" للخطيب الإسكافي، هذا كتاب نافع في
هذا الباب.
(6/4)
يقول: هل يكتب له الرجوع؟ وهل يكتب له
الأجر بالمجيء إلى السيارة؟
الرجوع في صلاة الجمعة منصوص عليه، وما عداها إما بطريق
الإلحاق على الجمعة، أو يختص بالذهاب إلى الصلاة، المجيء
بالسيارة لا يثبت فيه أجر الخطى.
يقول: مسألة التشريك فصل القول في مسألة التشريك، ولو خصص
لها درس لأهميتها؟
هي مسألة مهمة جداً، وهي مسألة ذات صور وفروع، تشريك عبادة
بعبادة، وتشريك عبادة بمباح، وتشريك عبادة بمحظور، ولها ..
، جرى تفصيلها في مناسبات كثيرة، فيرجع إلى التسجيل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، وزده علماً،
وانفعنا بما علمتنا يا ذا الجلال والإكرام.
قال الإمام يحيى:
باب: ما جاء في المسح على
الخفين
عن مالك عن ابن شهاب عن عباد بن زياد عن ولد المغيرة بن
شعبة عن أبيه عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- ذهب لحاجته في عزوة تبوك، قال المغيرة: فذهبت
معه بماء، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فسكبت عليه
الماء، فغسل وجهه، ثم ذهب يخرج يديه من كمي جبته فلم يستطع
من ضيق كمي الجبة، فأخرجهما من تحت الجبة، فغسل يديه، ومسح
برأسه، ومسح على الخفين، فجاء رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- وعبد الرحمن بن عوف يؤمهم، وقد صلى بهم ركعة، فصلى
رسول -صلى الله عليه وسلم- الركعة التي بقيت عليهم، ففزع
الناس، فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال:
((أحسنتم)).
عن مالك عن نافع وعبد الله بن دينار أنهما أخبراه أن عبد
الله بن عمر قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص، وهو أميرها،
فرآه عبد الله بن عمر يمسح على الخفين، فأنكر ذلك عليه،
فقال له سعد: سل أباك إذا قدمت عليه، فقدم عبد الله فنسي
أن يسأل عمر عن ذلك حتى قدم سعد، فقال: أسألت أباك؟ فقال:
لا، فسأله عبد الله فقال عمر: إذا أدخلت رجليك في الخفين
وهما طاهرتان، فامسح عليهما، قال عبد الله: وإن جاء أحدنا
من الغائط؟ فقال عمر: نعم، وإن جاء أحدكم من الغائط.
(6/5)
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر بال في
السوق، ثم توضأ، فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه، ثم دعي بجنازة
ليصلي عليها حين دخل المسجد، فمسح على خفيه، ثم صلى عليها.
عن مالك عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش أنه قال: رأيت أنس
بن مالك أتى قباء فبال، ثم أوتي بوضوء فتوضأ، فغسله وجهه
ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه، ومسح على الخفين، ثم جاء
المسجد فصلى.
قال يحيى: وسئل مالك عن رجل توضأ وضوء الصلاة، ثم لبس
خفيه، ثم بال، ثم نزعهما، ثم ردهما في رجليه، أيستأنف
الوضوء؟ فقال: لينزع خفيه، وليغسل رجليه، وإنما يمسح على
الخفين من أدخل رجليه في الخفين وهما طاهرتان بطهر الوضوء،
وأما من أدخل رجليه في الخفين وهما غير طاهرتين بطهر
الوضوء فلا يمسح على الخفين.
وسئل مالك عن رجل توضأ وعليه خفاه فسها عن المسح على
الخفين حتى جف وضوؤه وصلى؟ قال: ليمسح على خفيه وليعد
الصلاة، ولا يعيد الوضوء.
وسئل مالك عن رجل غسل قدميه، ثم لبس خفيه، ثم استأنف
الوضوء؟ فقال: لينزع خفيه ثم ليتوضأ وليغسل رجليه.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في المسح على الخفين
المسح على الخفين متواتر عنه -عليه الصلاة والسلام-، رواه
وأفتى به وعمل به الكافة عن الكافة، والجماعة الذين لا
يحصون، فلا يحصى عددهم، نقله عن النبي -عليه الصلاة
والسلام- جمع غفير من الصحابة، فهو متواتر عنه -عليه
الصلاة والسلام-، ولم ينكر شرعية ذلك إلا المبتدعة، ولذا
يذكر أهل السنة مسألة المسح على الخفين في كتب العقائد؛
لأن الخلاف في المسح على الخفين صار مع بعض أهل البدع فصار
حينئذٍ من الأصول.
(6/6)
روي عن الإمام مالك -رحمه الله- أنه أنكر
المسح على الخفين، وأنكرت هذه الرواية، أنكرها أكثر
القائلين بقوله، والروايات عنه بإجازة المسح على الخفين في
الحضر والسفر أكثر وأشهر، وعلى ذلك بنى موطأه وهو مذهبه
كما قرر ابن عبد البر، ومذهب كل من سلك سبيله، لا ينكره
منهم أحد، الإشارة إلى مذهب الإمام مالك هذا المنقول عنه؛
لأنه تداوله بعض من ينقل الخلاف، فلا بد من تفنيد هذه
الرواية، وهذا كلام ابن عبد البر، أنكر ذلك أكثر القائلين
بقوله، والروايات عنه بمشروعية المسح على الخفين، والقول
بجوازه وإجزائه أكثر وأشهر، وعلى ذلك بنى الموطأ كما ترون،
بل هذا قوله المعتمد، وقول جميع من سلك سبيله -رحمه الله-
من الحجازيين والعراقيين وغيرهم، فهذه الراوية ضعيفة
مرذولة عند المالكية، وليس بمعتمدة، والإشارة إليها مثلما
ذكرت؛ لأنها يتداولها بعض من يعنى بذكر الخلاف، فلا يعرف
عند أهل السنة القول بعدم مشروعية المسح على الخفين.
نعم قد يفهمون، قد يفهمون، أقول: يفتى في مسألة أو في صورة
لا يصح فيها المسح، فيطرد القول، هذا موجود، يعني مثل فهم
بعض العلماء للنصوص يفهمون أقوال الأئمة على نحو من هذا،
ومعروف أن الأتباع أتباع المذاهب يعاملون النصوص المروية
عن أئمتهم معاملة النصوص الشرعية، يتعاملون معها كما
يتعاملون مع النصوص الشرعية، فإذا ذكر عن الإمام أكثر من
قول كما لو ورد في المسألة أكثر من دليل متعارض، مع
التعارض، يقولون: فإن أمكن العمل بجميع الأقوال، ولو بمحمل
المطلق على المقيد، أو العام على الخاص، يعني في نصوص
الأئمة تعين، وإلا إن عرف المتقدم والمتأخر فالمتأخر قوله،
وإلا فأقرب القولين أو الأقوال إلى أصوله، هكذا يقولون في
التعامل مع ما يروى عن الأئمة.
يقول -رحمه الله-:
(6/7)
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عباد
بن زياد من ولد المغيرة بن شعبة عن أبيه" في هذا الإسناد
وهمان، الأول في قوله: "من ولد المغيرة بن شعبة" يقول ابن
عبد البر -رحمه الله-: وهم مالك في زعمه أن عباداً من ولد
المغيرة، يقول: وأظنه من ثقيف، نعم، يقول: أظنه من ثقيف،
من ولد أبي سفيان بن حارثة، وليس ذلك عندي بعلم حقيقة،
يعني لم يجزم ابن عبد البر في هذا، وقد قيل: إنه عباد بن
زياد بن أبي سفيان بن حرب، وعلى كل حال هو ليس من ولد
المغيرة بن شعبة.
"عن أبيه" هذا أيضاً وهم ثانٍ، يقول: وهو وهم من يحيى وابن
مهدي، لم يقل عن أبيه غيرهما، ومع ذلكم فالحديث حديث
المغيرة صحيح، مخرج في الصحيحين وغيرهما.
"عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
ذهب لحاجته في غزوة تبوك" ذهب لحاجته ففيه البعد عن الناس
عند قضاء الحاجة، وهذا معروف أنه عند إرادة الغائط؛ لما
فيه من رائحة، ويصاحبه صوت، أما بالنسبة للبول فأمره أخف،
نعم إذا أراد المذهب أبعد إذا أراد الغائط، أما إذا أراد
البول ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث حذيفة أن النبي
-عليه الصلاة والسلام- انتهى إلى سباطة قوم، فبال -عليه
الصلاة والسلام- يقولون بالنسبة للبول أمره أخف.
هذا يقول: ورد في نسخة محمد بن الحسن قوله: "وبهذا كله
نأخذ، وهو قول أبي حنيفة، مسألة المسح، وما يروى عن مالك
فيه، وبهذا كله نأخذ، وهو قول أبي حنيفة، ونرى المسح
للمقيم يوم وليلة، وثلاثة أيام ولياليها للمسافر، وقال
مالك بن أنس -هذا قول محمد بن الحسن-: "لا يمسح المقيم على
الخفين، وعامة هذه الآثار التي روى مالك في المسح إنما هي
في المقيم، ثم قال: لا يمسح المقيم على الخفين.
كيف؟ النسخة موجودة؟ رواية الموطأ، رواية محمد موجودة؟
صاحب الورقة هذه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا من قول محمد بن الحسن، وليس من أتباع مالك، وإن
روى الموطأ، وليس من أتباع مالك وإن روى الموطأ، وإن روى
عن مالك، فأتباعه القائلون بقوله هم أولى بالقبول من غيرهم
في نقلهم لمذهبه.
(6/8)
"أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذهب
لحاجته في غزوة تبوك" في رجب سنة تسع من الهجرة، تبوك
ممنوعة من الصرف للعلمية، علم على البقعة المعروفة،
والتأنيث إن أردنا البقعة، وإن أردنا المكان فهو مذكر،
منهم من يقول: إنه ممنوع لوزن الفعل، تبوك مثل تقول، فهو
ممنوع لوزن الفعل.
"قال المغيرة: فذهبت معه بماء" فيه خدمة الحر للكبير، وأنه
لا غضاضة عليه في ذلك، بل خدمته -عليه الصلاة والسلام- شرف
"قال المغيرة: فذهبت معه بماء، فجاء رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- فسكبت عليه الماء" فذهبت معه بماء فجاء رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- فسكبت عليه الماء، السياق يدل
على أنه استنجى بالماء أو لم يستنج به؟ "فذهبت معه بماء
فسكبت عليه الماء فغسل وجهه، فجاء رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- فسكبت عليه الماء" مقتضاه أنه ذهب إلى حاجته
-عليه الصلاة والسلام- منفرداً، فلما قضى حاجته واستجمر صب
عليه المغيرة من الماء الذي ذهب به، فغسل وجهه ... إلى
أخره، إذاً ما فائدة قوله: "فذهبت معه بماء"؟ ذهب لحاجته،
فذهبت معه بماء، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
ذهبت معه! الاستجمار لا ذكر له هنا، بل هو مجرد فهم،
واللفظ محتمل، فذهبت معه بماء، فاستنجى به في مكانه
بالماء، ثم جاء -عليه الصلاة والسلام- فصببت عليه، ولذا
يقولون: فيه الاستنجاء بالماء، في الحديث، في الخبر، نعم
الأسلوب لا يعطي هذا بصراحة، التركيب لا يعطي هذه الفائدة
بصراحة، لكن قوله: فذهبت معه بماء، ذهب إلى حاجته فذهبت
معه بماء يدل على أنه استنجى به، كونه -عليه الصلاة
والسلام- قام من مكانه الذي قضى فيه حاجته، فجاء إليهم
ليتوضأ عندهم لا يمنع أن يكون ذهب معه، فاستنجى، ثم رجع
إلى مكانه الأول، فسكب عليه الماء.
(6/9)
"فسكبت عليه الماء، فغسل وجهه" فيه دليل
على جواز إعانة المتوضئ، المتوضئ يعان، ولا بأس بذلك، تجوز
إعانته ولو كان قادراً أن يزاول الوضوء بنفسه "فسكبت عليه
الماء فغسل وجهه، ثم ذهب يخرج يديه من كم جبته فلم يستطع
من ضيق كمي الجبة" هذا بخلاف ما يصنعه بعض الناس من توسيع
الأكمام، قدر زائد على المطلوب على الحاجة، نعم قد يكون
الداعي لضيق الكمين قلة الثياب، نعم عندهم، لا شك أن عندهم
قلة في الملبوس، وفي المأكول، وفي عيشهم، وهذه حاله -عليه
الصلاة والسلام-.
هل تضييق الكم بحيث لا يستطيع إخراج اليد معه هل هو مشروع؟
أو أن نقول: المطلوب الوسط، وهذا من أجل الحاجة، وأما
الزيادة على القدر الكافي إسراف؟ بعضهم يقول أو يستنبط من
ضيق كمي الجبة أن هذا الذي يوضع في الأكمام ليضيق الأكمام
اللي يسمونه الكبك، هذا الحديث أصل في مشروعيته، هل هذا
صحيح؟ وهل في الكبك ضيق؟ نعم؟
هذا ليس بصحيح، بل المعروف عن أم سلمة وغيرها أنهم اتخذوا
الأزرار للأكمام؛ لئلا يبدو شيء من الذراع هذا بالنسبة
لمن؟ للنساء.
على كل حال هذا وصف حالة واقعة، هذه الجبة التي عليه في
هذا الوقت كانت ضيقة الكمين "فلم يستطع من ضيق كمي الجبة،
فأخرجهما من تحت الجبة، فغسل يديه" غسل يديه، المراد بذلك
الكفان والذراعان، مع المرفقين "ومسح برأسه، ومسح على
الخفين" وهذا هو الشاهد من الحديث، والحديث مخرج في
الصحيحين وغيرهما، فالمسح ثابت من فعله -عليه الصلاة
والسلام-.
"فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد الرحمن بن عوف
يؤمهم، وقد صلى بهم ركعة" النبي -عليه الصلاة والسلام- هو
الإمام، لكن لما تأخر عليهم، ولا يدورن ولا يعرفون متى
يحضر بادروا بإقامة الصلاة، وقدموا عبد الرحمن بن عوف
يؤمهم، وقد صلى بهم ركعة، ولا شك أن الإمام أملك بالإقامة،
لكن إذا عرف من حاله أنه لا يتأثر إذا قدم الجماعة غيره،
وخشي أن يتأخر تأخراً يعوق عن أداء الصلاة في أول وقتها،
أو يشق على المأمومين في الانتظار، فلا مانع حينئذٍ من أن
يقدموا غيره، ما لم يترتب على ذلك مفسدة، وإلا فالأصل أن
الإمام أملك بالإقامة.
(6/10)
"فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعبد
الرحمن بن عوف يؤمهم، وقد صلى بهم ركعة، فصلى رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- الركعة التي بقيت عليهم" يعني صلى
معهم ركعة، وقضى ما فاته "ففزع الناس" فزع الناس كأنهم ما
استوعبوا أن يتولى الإمامة غير النبي -عليه الصلاة
والسلام-، مع وجوده في حال حياته، ومع قدرته واستطاعته
"ففزع الناس، فلما قضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال: ((أحسنتم)) " أحسنتم باستغلال الوقت، وأداء الصلاة في
أول وقتها، ولم يثرب عليهم، في هذا دليل على جواز مثل هذا
الصنيع، إذا عرف من حال الإمام أنه يرضى بذلك، لكن إذا عرف
من حاله أنه يغضب ولا يرضى أن ينوب عنه غيره، فهو أملك
بالإقامة، لكن لو حصل هل يؤثر هذا على الصلاة؟ الصلاة
صحيحة، وإن أثموا، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المشقة، المشقة إذا شق على المأمومين، والمشقة تجلب
التيسير.
ثم قال بعد ذلك: "وحدثني عن مالك عن نافع عبد الله بن
دينار أنهما أخبراه" أي أخبرا مالك "أن عبد الله بن عمر
قدم الكوفة على سعد بن أبي وقاص، وهو أميرها" من قبل عمر
-رضي الله عنه- "فرآه عبد الله بن عمر يمسح على الخفين
فأنكر ذلك عليه" فأنكر ذلك عليه ابن عمر صحابي طالت صحبته
للنبي -عليه الصلاة والسلام-، مؤتسي، مقتدي، حريص على
السنة، روى جملة كبيرة من الأحاديث، وأنكر على سعد حينما
مسح على الخفين، فالصحابي قديم الصحبة قد يخفى عليه من
الأمور الجلية الظاهرة ما يعلمه غيره، خفي على عمر -رضي
الله عنه- خبر الاستئذان، وخفي على أبي بكر أخبار فضلاً عن
غيرهما، فابن عمر أنكر المسح على سعد المسح على الخفين، مع
قدم صحبته وكثرة روايته، والاحتمال الثاني أنه رأى أن
المسح على الخفين منسوخ بالمائدة، كما فهمه بعضهم، بعض
الصحابة فهم ذلك، ثم بعد ذلكم انقرض الخلاف، وثبت الإجماع
على جواز المسح على الخفين.
(6/11)
جرير بن عبد الله البجلي روى المسح على
الخفين، وإسلامه متأخر جداً بعد نزول سورة المائدة "فقال
له سعد: سل أباك" عمر -رضي الله عنه- "سل أباك إذا قدمت
عليه، فقدم عبد الله على عمر بالمدينة، ونسي أن يسأل أباه
عن ذلك، حتى قدم سعد من الكوفة إلى المدينة، فقال له:
أسألت أباك؟ فقال: لا، فسأله عبد الله، فقال عمر: إذا
أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان فامسح عليهما" وفي
الصحيح أن عمر -رضي الله عنه- قال لعبد الله: إذا حدثك سعد
شيئاً فلا تسأل عنه أحداً "فقال عمر: إذا أدخلت رجليك في
الخفين وهما طاهرتان" والحال أنهما طاهرتان، يعني وأنت على
طهارة تامة؛ لأن الرجلين آخر ما يغسل، والحال أنهما
طاهرتان معاً، فامسح عليهما، وهما طاهرتان، حال كونهما
طاهرتين معاً، ماذا نستفيد من هذا؟ نعم، ما تلبس أحداهما
قبل غسل الأخرى، فمن غسل رجله اليمنى ثم أدخلها في الخف ثم
غسل اليسرى فأدخلها في الخف لا يصدق عليه أنه أدخلهما يعني
معاً حال كون القدمين طاهرتين، إذاً ماذا يصنع من غسل
الرجل اليمنى ثم أدخلها في الخف ثم غسل اليسرى فأدخلها في
الخف؟ يخلع اليمنى ثم يلبسها، وبعضهم يقول: هذا عبث، نقول:
أبداً ليس بعبث، هذا تمام الامتثال، يقول بعضهم: هذا عبث،
يعني مجرد يخلع ويلبس، إذا طردنا مثل هذا الكلام يمكن أن
يقال مثل هذا في أعظم العبادات، إيش معنى أن الإنسان يقف
ويركع ويرفع رأسه من السجود؟ يبي يقول: عبث، أعظم العبادات
التي هي الصلاة، المسألة مسألة امتثال، عندنا شرع على
المسلم أن يدور معه حيثما دار، نعم هذا الأصل، الأصل في
المسلم وغير المسلم أنه عبد، وخلق للعبادة، فعليه أن يدور
مع النصوص حيثما دارت، وأن يتجه حيثما وجه.
(6/12)
"وهما طاهرتان فامسح عليهما، قال عبد الله:
وإن جاء أحدنا من الغائط؟ قال عمر: نعم" يعني من الحدث
الأصغر، غائط بول نوم ريح، كل هذا يمسح، إلا الجنابة، فلا
بد من غسل الرجلين، قال: نعم وإن جاء أحدكم من الغائط،
يعني فليمسح على الخفين إذا لبسهما والقدمان طاهرتان، بشرط
الخف أن يكون ساتراً للمحل المفروض؛ لأن ما خرج، أو ما برز
من المحل المفروض يجب غسله، ولا يجمع بين الغسل والمسح إلا
في العمامة، كما جاء بذلك النص، وأما بالنسبة للخف فإما
غسل، وإما مسح، وما ظهر من القدم من الرجل فرضه الغسل، فلا
بد أن يكون ساتراً للمحل المفروض.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر بال في
السوق" البول عرفنا أنه لا يلزم فيه البعد عن الناس؛ لأنه
لا يصاحبه صوت، وليس فيه رائحة، وعرفنا أن النبي -عليه
الصلاة والسلام- انتهى إلى سباطة قوم، فبال قائماً،
والحديث مخرج في الصحيحين وغيرهما من حديث حذيفة.
"بال في السوق، ثم توضأ، فغسل وجهه ويديه، ومسح رأسه" بقي
عليه غسل الرجلين، أو البدل المسح على الخفين "غسل وجهه
ويديه ومسح رأسه، ثم دعي إلى جنازة ليصلي عليها" حين دخل
المسجد النبوي "فمسح على خفيه ثم صلى عليها" الآن فيه
موالاة وإلا ما في موالاة؟ لكن هل السوق بعيد عن المسجد
بحيث تنشف الأعضاء؟ "توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح على رأسه،
ثم دعي لجنازة ليصلي عليها حين دخل المسجد فمسح على خفيه
ثم صلى عليها" مسح على خفيه؛ لأنه لبسهما على طهارة، ثم
صلى على الجنازة.
(6/13)
يقول ابن عبد البر: تأخيره مسح خفيه محمول
عند أصحابنا محمول على النسيان، محمول على النسيان، وقال
غيره: لأنه كان برجليه علة، كان برجليه علة فلم يمكنه
الجلوس في السوق، يقول: لأنه محمول عند أصحابنا على
النسيان، وقال غيره: لأنه كان برجليه علة فلم يمكنه الجلوس
في السوق، هذا كله التماس، لكن ما الدليل على أنه نسي؟ نعم
لما جاءت الجنازة، تذكره الجنازة أنه ناسي المسح؟ نعم؟
ظاهر، ظاهر صنيعه يدل على أن الموالاة ليست واجبة، هذا
ظاهر صنيعه، ظاهر صنيعه أن الموالاة ليست بواجبه عنده
"فمسح على الخفين ثم صلى عليها، ثم توضأ فغسل وجهه ويديه
ومسح رأسه" احتمال أنه لا يريد بذلك الوضوء الشرعي، لكن
لما حضرت الجنازة وخشي أن ترفع اكتفى بمسح الخفين؛ لأن من
أهل العلم من يخفف في الطهارة عند خشية الفوات، الشيء الذي
يفوت يخفف في طهارته، ولذا يجيز شيخ الإسلام -رحمه الله-
التيمم لصلاة الجنازة إذا خشي أن ترفع، ابن عمر لو رجع
ليتوضأ وضوءاً كاملاً يحتمل أن ترفع الجنازة، يصلون عليها
وتنتهي، فاكتفى على المسح على الخفين تحصيلاً لأجر الصلاة
على الجنازة هذا احتمال.
يقول: "وحدثني عن مالك عن سعيد بن عبد الرحمن بن رقيش"
الأشعري المدني ثقة من صغار التابعين "أنه قال: رأيت أنس
بن مالك أتى قباء فبال ثم أتي بوضوء فتوضأ فغسل وجهه ويديه
إلى المرفقين، ومسح برأسه ومسح على الخفين ثم جاء المسجد
فصلى" الإمام مالك -رحمه الله- حينما ذكر صنيع ابن عمر
حينما مسح على الخفين، وصنيع أنس -رضي الله عنه- القصد من
هذا أن المسح على الخفين معمول به عند الصحابة بعد النبي
-عليه الصلاة والسلام- بالمدينة، الإمام مالك -رحمه الله-
إنما قصد بذكر ما ذكره عن ابن عمر وأنس ليبرهن أن المسح
على الخفين ليس بمنسوخ، بل ثبت من فعل الصحابة بعد وفاة
النبي -عليه الصلاة والسلام- فليس منسوخاً كما زعمه
المبتدعة.
(6/14)
"قال يحيى: وسئل مالك عن رجل توضأ وضوء
الصلاة، ثم لبس خفيه، ثم بال، ثم نزعهما، ثم ردهما في
رجليه أيستأنف الوضوء؟ فقال: لينزع خفيه وليغسل رجليه" رجل
توضأ وضوءه للصلاة، ثم لبس خفيه، ثم نقض وضوءه بعد نقض
الوضوء نزع الخفين، ثم ردهما في رجليه، أيستأنف الوضوء؟
قال: لينزع خفيه، لماذا؟ وليغسل رجليه؛ لأنه لم يلبسهما
على طهارة، لم يلبس الخفين على طهارة كاملة، ومن شرط جواز
المسح على الخفين أن تكون الطهارة كاملة.
قال: "لينزع خفيه، وليغسل رجليه" لأن المسح عليهما بطل
بنزعهما، وإنما يمسح على الخفين من أدخل رجليه في الخفين
وهما طاهرتان بطهر الوضوء بهذا الشرط، وأما من أدخل رجليه
في الخفين وهما غير طاهرتين بطهر الوضوء فلا يمسح على
الخفين؛ لأن في الحديث جعل الطهارة قبل لبس الخفين شرطاً
لجواز المسح، أهوى المغيرة لينزع الخفين، فقال: ((دعهما
فإني أدخلتهما طاهرتين)).
"قال عمر: إذا أدخلت رجليك في الخفين وهما طاهرتان"
فالطهارة شرط، فإذا نزع الخفين بعد نقض الوضوء لا بد أن
يتوضأ من جديد ليسوغ له المسح، لكن لو استمر على طهارته
فنزع الخفين، ثم لبسهما يمسح وإلا ما يمسح؟ يمسح، على
طهارته الأولى، لكن لو توضأ، ثم لبس الخفين، ثم مسح، مسح
على الخفين، ثم نزعهما من غير حدث، ثم لبسهما ثانية، يمسح
بعد ذلك وإلا ما يمسح؟ نعم؟ يا إخوان هذا تختلف عن المسألة
السابقة، عندنا صور، الصورة التي ذكرها الإمام -رحمه
الله-: توضأ وضوء الصلاة ثم لبس خفيه ثم بال ثم نزعهما، ثم
رداهما إلى رجليه هذا لا بد أن يخلع ينزع خفيه، لماذا؟
لأنه لم يأت بالشرط، وهو إدخال الخفين في القدمين وهما
طاهرتان.
الصورة الثانية: توضأ وضوءه للصلاة، وضوءاً كاملاً غسل
رجليه فأدخلهما في الخفين، ثم نزع الخفين هو ما يزال على
طهارة، ثم ردهما، هذا ما في إشكال كما لو لم يلبسهما إلا
المرة الأخيرة.
(6/15)
الصورة الثالثة: طهارة كاملة ثم لبس خفيه،
ثم أحدث ثم مسح، واستمر على طهارته بالمسح لا بالغسل، مسح
الخفين لا بغسل الرجلين، ثم نزع ثم أراد أن يعيد طهارته
مستمرة، ومثله لو أراد أن يستمر على طهارته ولا يلبس
الخفين، هذا الوضوء ما حكمه؟ مسح على الخفين ثم نزعهما،
واستمر على طهارته، نعم، نحن بين أمور، أن نقول: هو على
طهارته، وخلع الخفين مثل حلق الرأس الممسوح لا يؤثر في
الطهارة، وهذا قول، نعم أو نقول: إن الطهارة بطلت، ثم يأتي
من يقول: إنه ليس في نواقض الوضوء خلع الخفين، لم يذكر في
نواقض الوضوء خلع الخفين، ليس بناقض، ليس بغائط ولا بول
ولا نوم ولا ريح، ويش يصير؟ والصواب أنه؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
الآن أراد أن يصلي هو غسل الوجه واليدين ومسح الرأس هذا
الفرض، هل هو ممسوح وإلا مغسول الآن بعد أن نزع الخفين؟ لا
مغسول ولا ممسوح، نعم هو غسل رجليه؟ ما غسل رجليه، نعم ولا
ممسوح، ليس في خفان يمسح عليها، فنقول: ليست طهارة أصلاً
هذه، طهارة ناقصة، فيصلي بقدم برجل ليست مغسولة ولا
ممسوحة، فلا يحتاج أن نقول: هذا من النواقض، ما في طهارة
أصلاً، كما لو ترك عضو آخر، لو ترك غسل الوجه أو مسح
الرأس، فيصلي برجل ليست مغسولة ولا ممسوحة، ظاهر وإلا ليس
بظاهر؟ الشعر نقول: الشعر طهارة أصلية وهذه فرعية، ولا
يقاس الفرع بالأصل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما له علاقة، الآن هذا شخص أراد أن يصلي بعد أن مسح الخفين
فنزعهما، أران أن يصلي برجل ليست مغسولة ولا ممسوحة، ناقص
من فروض الوضوء غسل الرجلين، أو مسح الحائل ولا حائل، ظاهر
وإلا ما هو بظاهر؟ لأنه الآن يريد أن يزاول عبادة برجل
ليست مغسولة ولا ممسوحة، ويش بقي الآن؟
طالب:. . . . . . . . .
(6/16)
لا باقي لو كان غسل رجليه، لو غسل رجليه
وأدخلهما في الخف، ثم نزع الخف قبل الحدث طهارته باقية،
طهارة الرجل باقية، لكن الآن ما غسل رجليه، مسح على الخفين
وأزال الخفين، لا رجل مغسولة، ولا خف ممسوحة، إذاً الطهارة
ليست بكاملة ناقصة؛ لأنه يصلي برجل ليست مغسولة ولا
ممسوحة، ما هي بمسألة إلزام، المسألة بيان وجهة نظر، يعني
كونها تقبل أو ما تقبل، يعني يعارض كلام شيخ الإسلام، وشيخ
الإسلام على العين والرأس، شيخ الإسلام ما هي بمسألة
إلزام، على شان ما يطول النقاش، هذا رأينا في المسألة، وهو
المذهب عند الحنابلة، وما يطول النقاش في هذه المسألة على
شأن شيخ الإسلام، شيخ الإسلام على العين والرأس، ما تخرجنا
إلا على علم شيخ الإسلام، وكتب شيخ الإسلام، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو المذهب عند الحنابلة، وهو الراجح عندي؛ لأنه يصلي برجل
لا مغسولة ولا ممسوحة، طهارته ناقصة، ولا نقول: هذا ناقض،
لا ليس بناقض، لكن ما في طهارة أصلاً، طهارة ناقصة.
يقول: "وسئل مالك عن رجل توضأ وعليه خفاه، فسها عن مسح
الخفين حتى جف وضوؤه" نعم لو كان العهد قريب، وما نشفت
الأعضاء، وغسل رجليه يمديه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بطهر الوضوء، نعم هذه مسألة، لو شخص تيمم، تيمم ولبس
الخفين، تيمم لعدم الماء، شخص تيمم لعدم الماء، ونحن نقول:
البدل له حكم المبدل، ثم لبس الخفين، هل يمسح الخفين؟ إذا
لبسهما على تيمم ما هو بعلى وضوء؟ هذه المسألة مفرعة عن
مسألة التيمم، وهل هو مبيح وإلا رافع؟ بدل من كل وجه، أو
رافع رفعاً مطلقاً، أو رافع رفعاً مؤقتاً؟ وهذا بيجي -إن
شاء الله-.
(6/17)
يقول: "وسئل مالك عن رجل توضأ وعليه خفاه،
فسها عن المسح على الخفين حتى جف وضوؤه وصلى، قال: ليمسح
على خفيه، وليعد الصلاة" يعني ليمسح على خفيه، ولا يعيد
غسل الوجه واليدين ومسح الرأس يمسح على خفيه فقط، ويعيد
الصلاة وجوباً؛ لأن صلاته كانت بوضوء ناقص، ما مسح على
الخفين، ولا يعيد الوضوء؛ لأن الموالاة عند المالكية إنما
تشرع مع التعمد والذكر، وهذا سها عن المسح على الخفين،
وأما بالنسبة لمن لا يرى الموالاة فهذا ما عنده مشكلة، حتى
في الصورة التي ذكرناها عند نزع الخف يكمله بغسل الرجلين،
الذي لا يرى الموالاة، توضأ ومسح على الخفين وبعد ساعتين
ثلاث هو على وضوء نعم خلع الخفين، يقولون: بس اغسل رجليك
وخلاص انتهى الإشكال؛ لأن الموالاة ليست بواجبة.
"وسئل مالك عن رجل غسل قدميه، ثم لبس خفيه، ثم استأنف
الوضوء" قدم غسل الرجلين على بقية الأعضاء "عن رجل غسل
قدميه، ثم لبس خفيه، ثم استأنف الوضوء، فقال: لينزع خفيه،
ثم ليتوضأ وليغسل رجليه" لماذا؟ لأنه لبس الخفين حتى على
قول من يقول بعدم الترتيب، لا بد أن ينزع الخفين ثم يتوضأ
وضوءاً كاملاً سواءً كان مرتباً أو منكساً، عند من يقول
بعدم الترتيب، نعم؛ لأن الطهارة ليست كاملة، هذا غسل رجليه
فأدخلهما الخف، ثم غسل وجهه ويديه، ومسح برأسه.
يقول: "لينزع خفيه، ثم ليتوضأ، وليغسل رجليه" ثم بعد ذلك
يدخلهما في الخفين؛ لأنه لم يلبس الخفين على طهارةٍ كاملة،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
البدل له حكم المبدل، ما دام يغسل رجل ثم يغسل الثانية
يمسح خف ثم يمسح الثانية، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: العمل في المسح على
الخفين
عن مالك عن هشام بن عروة أنه رأى أباه يمسح على الخفين،
قال: وكان لا يزيد إذا مسح على الخفين على أن يمسح
ظهورهما، ولا يمسح بطونهما.
عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن المسح على الخفين كيف هو؟
فأدخل ابن شهاب أحدى يديه تحت الخف والأخرى فوقه ثم
أمرهما.
قال مالك: وقول ابن شهاب أحب ما سمعت إلي في ذلك.
باب: العمل في المسح على الخفين
أي صفة المسح على الخفين، كيف يمسح على الخفين؟ هل يمسح
الظاهر والباطن؟ الأعلى والأسفل؟ أو يكتفي بالظاهر فقط؟
(6/18)
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة أنه
رأى أباه عروة بن الزبير يمسح على الخفين، قال هشام: وكان
عروة" يعني أباه "لا يزيد إذا مسح على الخفين على أن يمسح
ظهروهما، ولا يمسح بطونهما" لأن ظهر الخف هو محل الوجوب.
قال علي -رضي الله عنه-: لو كان الدين بالرأي لكان أسفل
الخف أولى بالمسح من أعلاه، لماذا؟ لأنه هو الذي يباشر،
الذي يباشر ما يقتضي المسح أسفل الخف، هو الذي يباشر
الأوساخ والقاذورات التي تقتضي المسح، لو كان الدين بالرأي
لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه، وقد رأيت يقول علي
-رضي الله عنه-: وقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
يمسح ظهر الخفين، وهذا عروة لا يزيد إذا مسح على الخفين أن
يمسح على ظهورهما، ولا يمسح بطونهما.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن المسح على
الخفين كيف هو؟ فأدخل ابن شهاب إحدى يديه تحت الخف والأخرى
فوقه، ثم أمرهما" يعني مسح إيش؟ أعلى الخف وأسفله.
"قال يحيى: قال مالك: وقول ابن شهاب أحب ما سمعت إليه في
ذلك" لأن المسألة مسألة مسح خف، والخف يطلق على الأعلى
والأسفل، يطلق على الجميع، إذاً مقتضى ذلك أن يمسح
الجانبين أيضاً، جانبي الخف؛ لأنه يطلق من جملة الخف.
يقول ابن عبد البر -رحمه الله-: لم يختلف قول مالك أن
المسح على الخفين على حسب ما وصف ابن شهاب، يعني يمسح أعلى
الخف وأسفله، إلا أنه لا يرى الإعادة على من أقتصر على مسح
ظهور الخفين إلا في الوقت، يعني من اقتصر على ظهر الخف إن
كان في الوقت أعاد، وإن كان بعد خروج الوقت لم يعد، والوقت
له شأن عند الإمام مالك كثيراً، ما يلزمون بالإعادة بالوقت
دون ما بعده.
(6/19)
يقول ابن عبد البر: ولم يختلف قول مالك أن
المسح على الخفين على حسب ما وصفه ابن شهاب إلا أنه لا يرى
الإعادة على من اقتصر مسح ظهور الخفين إلا في الوقت، ومن
فعل ذلك وذكر في الوقت مسح أعلاهما وأسفلهما، ثم أعاد تلك
الصلاة في الوقت، وهو قول ابن القاسم، وجمهور أصحاب مالك،
إلا ابن نافع فإنه يرى الإعادة مطلقاً على من فعل ذلك في
الوقت وبعده، يعني أشد من قول مالك، وأما الشافعي فقد نص
على أنه لا يجزئ المسح على أسفل الخف، ويجزئه على ظهره
فقط، لا يجزئ المسح على أسفل الخف، يعني الاقتصار عليه لا
يجزئ ويجزئ المسح على ظهره فقط، ويستحب أن لا يقتصر أحد
على ظهور الخفين دون باطنهما كقول مالك وابن شهاب، إلا أنه
عند الشافعي استحباب، وعند مالك وجوب، وقال أبو حنيفة
وأحمد وإسحاق وداود وجمع غفير من أهل العلم يمسح ظاهر
الخفين دون باطنهما، وهذا هوة الراجح، هذا هو الراجح؛ لأنه
هو الثابت عنه -عليه الصلاة والسلام- من حديث علي وغيره،
نعم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء من الرعاف
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا رعف انصرف
فتوضأ، ثم رجع فبنى ولم يتكلم.
عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يرعف فيخرج
فيغسل الدم عنه، ثم يرجع فيبني على ما قد صلى.
عن مالك عن يزيد بن عبد الله بن قسيط الليثي أنه رأى سيعد
بن المسيب رعف وهو يصلي فأتى حجرة أم سلمة زوج النبي -صلى
الله عليه وسلم- فأتي بوضوء فتوضأ، ثم رجع فبنى على ما قد
صلى.
يقول -رحمه الله-:
باب: ما جاء في الرعاف
الرعاف مصدر رعف كنصر رعف يرعف كنصر ينصر، ومنع يمنع، رعف
يرعَف، وكرم رعُف، أي خرج الدم من أنفه رعفاً ورعافاً،
والرعاف هو الدم بعينه، الرعاف كما يطلق على الخروج خروج
الدم يطلق أيضاً على الدم نفسه.
(6/20)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد
الله بن عمر كان إذا رعَف -أو رعُف- انصرف من صلاته" يعني
إذا رعف وهو في الصلاة أنصرف منها فتوضأ، والأصل أن الوضوء
يحمل على حقيقته الشرعية، لكن سيأتي ما يدل على أن الإمام
مالك يريد به الوضوء اللغوي، يعني مجرد غسل الدم؛ لأن
الرعاف لا ينقض الوضوء عنده "ثم رجع فبنى على صلاته"
السابقة، صلى ركعة ثم رعف ينصرف ويغسل الدم ويرجع فيصلي ما
بقي من صلاته، إذا لم يتكلم، يبني، أما إذا تكلم فقد بطلت
صلاته، والكلام في البناء على ما مضى من صلاته خاص بالرعاف
عند الإمام مالك دون غيره من الأحداث، على أن الرعاف ليس
بحدث عند مالك، إنما يخرج ويغسل الدم ويعود فيبني على ....
، وهذا خاص بالرعاف عند مالك؛ لما جاء عن من ذكر، ابن عمر
وابن عباس وسعيد كلهم رأوا البناء في الرعاف خاصة.
وقال أبو حنيفة: يبني في سائر الأحداث، ودليله حديث؟ ها؟
عائشة، دليله حديث عائشة، لكنه ضعيف، ولذا يرى كثير من أهل
العلم أنه إذا أحدث يستأنف، يستأنف صلاته، ولا يبني على ما
مضى، من أحدث وهو في صلاته فليتوضأ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
وليبني على ما مضى، حديث عائشة معروف .... ، أكثر أهل
العلم وكثير من أهل العلم لا يرون البناء، بل لا بد من
الاستئناف؛ لأنه من بانصرافه وبحدثه فعل ما يبطل الصلاة،
يعني إذا كانت الحركة الكثيرة تبطل الصلاة، فالمشي والذهاب
والوضوء يبطل الصلاة، أيضاً الحدث: ((لا يقبل الله صلاة من
أحدث حتى يتوضأ)) ومعلوم أن حديث عائشة ضعيف، مضعف عند أهل
العلم، فإذا أحدث الإنسان يستأنف صلاته من جديد.
(6/21)
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد
الله بن عباس كان يرعف ويخرج فيغسل الدم عنه" والمراد
بقوله: فتوضأ في خبر ابن عمر "فيغسل الدم عنه، ثم يرجع
فيبني على ما قد صلى" لأن وضوءه لم ينتقص عند مالك، ولم
يحصل منه مناف، الرعاف ليس بناقض، لكن ذهابه إلى محل
الغسل، مكان الوضوء لا شك أنه مناف، وبعضهم يقول: إذا
استدبر القبلة بطلت صلاته، يعني رعف أو أحدث على القول
الآخر، ثم ذهب فغسل الدم أو توضأ ثم عاد إلى صلاته يلزم من
ذلك استدبار القبلة وإلا ما يلزم؟ يلزم منه وإلا ما هو
بلازم؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم، لكن إن فعل بطلت صلاته، إن استدبر القبلة بطلت
صلاته، وإلا ليس بلازم، تكون أماكن الوضوء في جهة القبلة
فيذهب إليها، ثم ينحرف عنها يميناً أو شمالاً وهو مستقبل
القبلة، ويكمل صلاته، وعرفنا أن القول المرجح أنه لا يبني
على صلاته، بل يستأنف، وهذا أحفظ للصلاة، وأحوط في إبراء
الذمة، وخروج من عهدة الواجب بيقين.
(6/22)
يقول: "وحدثني عن مالك يزيد بن عبد الله بن
قسيط الليثي أنه رأي سعيد بن المسيب رعف وهو يصلي فأتى
حجرة أم سلمة" لأنها أقرب موضع إلى المسجد؛ ليقل المشي في
أثناء الصلاة "زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فأتي بوضوء
فتوضأ" أي غسل الدم، وهذا هو رأي الإمام مالك، أن الوضوء
المذكور في هذه الأخبار كله وضوء لغوي وليس بشرعي، يعني
توضأ وضوءاً لغوياً يعني بمجرد غسل الدم "ثم رجع فبنى على
ما قد صلى" فأفاد فعل هؤلاء أن الرعاف ليس بناقض للوضوء،
وأنه إذا خرج لغسله ولم يتكلم، ولم يجاوز أقرب مكان، يعني
صارت حركته ومشيه وذهابه ومجيئه بقدر الحاجة، أفاد فعل
هؤلاء ابن عمر وابن عباس وسعيد أن الرعاف ليس بناقض
للوضوء، وهذا كله على ما جرى عليه الإمام مالك -رحمه
الله-، وإلا انصرف وتوضأ ابن عمر، وسيعد أيضاً أتي بوضوء
فتوضأ الاحتمال قائم أنه الوضوء الشرعي أو اللغوي، لكن هذا
ما فهمه الإمام مالك أنه وضوء لغوي، وأنه إذا خرج لغسله
ولم يتكلم ولم يجاوز أقرب مكان يبني على ما صلى، ومسألة
نقض الوضوء بالرعاف مسألة تقدمت عند الإمام مالك -رحمه
الله-، ولا يتوضأ إلا من حدث يخرج من ذكر أو دبرٍ أو نوم،
وعلى هذا ما يخرج من البدن من غير السبيلين، ولو كان
فاحشاً فإنه لا ينقض الوضوء عنده، مالك والشافعي لا ينقض
الوضوء إلا ما خرج من السبيلين، وذهب أبو حنيفة وأحمد
وإسحاق والثوري وغيرهم إلى أن الرعاف والفصد والحجامة، وكل
نجس يخرج من الجسد يرونه حدث ينقض الطهارة، وهذا سبق
الكلام فيه، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: العمل في الرعاف
عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي أنه قال: رأيت
سعيد بن المسيب يرعف فيخرج منه الدم حتى تختضب أصابعه من
الدم الذي يخرج من أنفه، ثم يصلي ولا يتوضأ.
عن مالك عن عبد الرحمن بن المجبر أنه رأى سالم بن عبد الله
يخرج من أنفه الدم حتى تختضب أصابعه ثم يفتله، ثم يصلي ولا
يتوضأ.
باب: العمل في الرعاف
ما تقدم محمول على ما إذا كان الرعاف كثير، هذا يغسل، لكن
إذا كان يسيراً؟
(6/23)
يقول: "حدثني يحيى مالك عن عبد الرحمن بن
حرملة الأسلمي أنه قال: رأيت سعيد بن المسيب يرعُف" هذا
على أساس أن رعف من باب نصر "يرعُف فيخرج منه الدم حتى
تختضب أصابعه من الدم الذي يخرج من أنفه ثم يصلي ولا
يتوضأ" وهناك رعف وهو يصلي فأتى حجرة أم سلمة فأتي بوضوء
فتوضأ، هذاك محمول على الكثير، وهذا محمول على القليل،
واليسير معفوٌ عنه "فيخرج منه الدم حتى تختضب أصابعه من
الدم الذي يخرج من أنفه ثم يصلي ولا يتوضأ" وعرفنا أن هذا
محمول على اليسير من الدم، والدم والقيح على القول
بنجاستهما يعفى عن يسيرهما، والقيء يعفى عن اليسير بخلاف
البول الذي لا يعفى عن يسيره "ثم يصلي ولا يتوضأ" لا وضوء
شرعي ولا لغوي، ما دام حلمنا الوضوء في الخبر الأول على
اللغوي، فهنا نقول: المنفي ليس المنفي هو الوضوء الشرعي
واللغوي، وإذا أردنا أن نقول: إن هذا مطابق للخبر السابق
فالإثبات للغوي، والنفي للشرعي، فتوضأ يعني وضوءاً لغوياً،
ولم يتوضأ ولا يتوضأ هنا وضوءاًَ شرعياً فيتحد الخبران.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الرحمن بن المجبر أنه رأى
سالم بن عبد الله" أحد الفقهاء السبعة من التابعين، مثله
سيعد أيضاً "أنه رأي سالم بن عبد الله يخرج من أنفه الدم
حتى تختضب أصابعه ثم يفتله ثم يصلي ولا يتوضأ" يفتله:
يحركه مراراً حتى ييبس وينزل من أصابعه من دون غسل، وعلى
كل حال اليسير معفوٌ عنه، ثبت عن الصحابة أن الواحد منهم
يعصر الحبة والبثرة وما أشبه ذلك ولا يتوضأ، ولا يغسله،
هذا شيء يسير معفوٌ عنه، أما الكثير فعرفنا الخلاف فيه عند
أحمد وأبي حنيفة وإسحاق وداود أن هذا ناقض؛ لأنه نجس فاحش،
يخرج من البدن مقيس على البول والغائط ومالك والشافعي لا
ينقض، وإن كان نجساً، وأنه لا ناقض إلا ما يخرج من
السبيلين.
أحسن الله إليك
باب: العمل فيمن غلبه الدم من
جرح أو رعاف
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن المسور بن مخرمة أخبره
أنه دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طعن فيها، فأيقظ
عمر لصلاة الصبح، فقال عمر: نعم، ولا حظ في الإسلام لمن
ترك الصلاة، فصلى عمر وجرحه يثعب دماً.
(6/24)
عن مالك عن يحيى بن سيعد أن سعيد بن المسيب
قال: ما ترون فيمن غلبه الدم من رعاف فلم ينقطع عنه؟ قال
مالك: قال يحيى بن سيعد: ثم قال سعيد بن المسيب: أرى أن
يومئ برأسه إيماء.
قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك.
يقول -رحمه الله-:
باب: العمل فيمن غلبه الدم ...
يقول: ذكرتم أن سالم بن عبد الله أحد الفقهاء السبعة، مع
أنه لم يذكر في البيت؟
السابع مختلف فيه على ثلاثة أقوال بين أهل العلم، منهم
سالم.
باب: العمل فيمن غلبه الدم من جرح أو رعاف
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن
المسور بن مخرمة أخبره أنه دخل على عمر بن الخطاب من
الليلة التي طعن فيها، فأيقظ عمر لصلاة الصبح" عمر -رضي
الله عنه- طعن في صلاة الصبح، دخل على عمر بن الخطاب من
الليلة التي طعن فيها لما طعنه أبو لؤلؤة غلام المغيرة
طعن، دخل عليه من الليلة التي طعن فيها، بهذا يستدل من يرى
أن الصبح أن صلاة الصبح من الليل، الصبح من الليل وإلا من
النهار؟ الأكثر على أن النهار يبدأ من طلوع الصبح إلى غروب
الشمس، ومنهم من يرى أن النهار يبدأ من طلوع الشمس إلى
غروبها، والليل من غروب الشمس إلى طلوعها.
الآن الشمس كما في سورة الإسراء آية الليل وإلا أية
النهار؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا {فَمَحَوْنَا آيَةَ اللَّيْلِ وَجَعَلْنَا آيَةَ
النَّهَارِ مُبْصِرَةً} [(12) سورة الإسراء] فآية النهار
الشمس، وآية الليل القمر، فالنهار مرتبط بالشمس، والليل
مرتبط بالقمر، وهذه عمدة الفلكيين وأصحاب الهيئة كلهم
يقولون: إن النهار يبدأ من طلوع الشمس إلى غروبها، والليل
من غروب الشمس إلى طلوعها، وهذا الخبر كأنه من هذا الباب،
من الليلة التي طعن فيها عمر، هو طعن في صلاة الصبح،
المتشرعة والفقهاء يرون أن النهار يبدأ من طلوع الفجر،
يبدأ من طلوع الفجر، وعلى كل حال الأدلة من أقواها مسألة
الصيام، الصيام في الليل وإلا في النهار؟ في النهار ويبدأ
من طلوع الفجر، الرواح إلى الجمعة في الليل وإلا في
النهار؟ في النهار، لكن هل يبدأ من طلوع الفجر؟ الساعة
الأولى تبدأ من طلوع الفجر وإلا من طلوع الشمس؟ من طلوع
الشمس.
(6/25)
يقول: "من الليلة التي طعن فيها، فأيقظ
عمر" كيف أيقظ عمر؟ عمر -رضي الله عنه- لما طعن حمل إلى
منزله مغمىً عليه، فقال رجل: لن تفزعوه بشيء إلا بالصلاة،
ينادى يا عمر، يا عمر، ما يرد، ولا يجيب، فقلنا: الصلاة يا
أمير المؤمنين، فمسح عينيه، ثم قال: أصلى الناس؟ قلنا:
نعم، هذا همه، همه الصلاة، النبي -عليه الصلاة والسلام- في
اللحظات الأخيرة ((الصلاة الصلاة)) وكل شخص وما يهمه، ومن
شاهد المحتضرين رأى العجب، كل من علق قلبه بشيء حضره عند
المعاينة.
لن تفزعوه بشيء إلا بالصلاة، هناك أخبار معروفة عند
العناية ببعض الأمور، من له اهتمام بالأذان، يهمه دخول
الوقت، يختم له بذلك، ورئي في أماكن العناية مع الإغماء
بعض الأشخاص الذين أذنوا سنين طوال، إذا حضر وقت الصلاة
تغير وضعه، بل سمع من بعضهم الآذان، من كانت له عناية
بالقرآن واحد من شيوخنا -رحمه الله- صار عليه حادث فأدخل
العناية، ولا يعرف أحد إطلاقاً، ولا يتكلم بكلمة، ويسمع
منه القرآن واضح، نعم ومن له اهتمام بشيء من أمور الدنيا
أو بالمعاصي أو بالمنكرات يحضره في مثل هذه اللحظة، ولذا
تجدون من يخرف ويختلط يكرر بعض الأشياء؛ لأنه علق قلبه بها
في حالة الصحة، فلنعلق قلوبنا بما يسرنا أن يسمع منا؛ لأن
هناك أمور ما يسرك أن تسمع أنك تقولها، أمور تخفيها عن
الناس، لكنها تبدو إما عند الاحتضار، أو قبل ذلك عند
الخرف.
لن تفزعوه بشيء إلا بالصلاة، فقلنا: الصلاة يا أمير
المؤمنين، فمسح عينيه، ثم قال: أصلى الناس؟ قلنا: نعم.
(6/26)
الآن بعض الأطباء يزاول شيء من هذا، يسأل
أقارب المريض في شيء في حال صحته يهمه، فإذا ذكروا له ذلك
ذكره به فتذكر "فأيقظ عمر لصلاة الصبح فقال عمر: نعم، ولا
حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة، فصلى عمر وجرحه يثعب دماً"
لأنه أخر ما يفقد من الدين الصلاة، فالشيء إذا فقد آخره لم
يبق منه شيء، ينتهي، ولا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة،
هذا مما يعتمد عليه من يقول بكفر تارك الصلاة، إضافة إلى
ما روي من المرفوع والموقوف ((العهد الذين بيننا وبينهم
الصلاة فمن تركها فقد كفر)) ((بين العبد وبين الكفر أو
الشرك ترك الصلاة)) وغير ذلك من النصوص التي تدل على كفره،
وإن لم يجحد الوجوب، أما إذا جحد الوجوب كفر إجماعاً "فصلى
عمر وجرحه يثعب دماً" يجري يتفجر دماً، والحديث الخبر أصل
فيمن لا يرقى دمه ولا ينقطع، أنه لا بد أن يصلي على حسب
حاله، كمن به سلس واستحاضة، يصلي ولو كان الحدث جارياً،
إذا كان لا ينقطع ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
يقول: "وحدثني عن مالك يحيى بن سعيد أن سعيد بن المسيب
قال: ما ترون فيمن غلبه الدم من رعاف فلم ينقطع عنه؟ قال
يحيى بن سعيد" الأنصاري: ثم قال إيش؟ "سعيد بن المسيب: أرى
أن يومئ برأسه إيماءً" سيعد بن المسيب قال: ما ترون فيمن
غلبه الدم من رعاف فلم ينقطع عنه؟ قال يحيى بن سعيد الراوي
عن سعيد بن المسيب: ثم قال سعيد: أرى أن يومئ برأسه
إيماءً، سأل سعيد ثم أجاب، ما ترون فيمن غلبه الدم من رعاف
فلم ينقطع؟ يعني وهو يصلي؟ ألقى وطرح المسألة على أصحابه،
ألقى المسألة عليهم، لم يجيبوا، فأجاب أرى أن يومئ برأسه
إيماءً، وطرح الإمام أو العالم المسألة على أصحابه مشروع،
في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- سأل أصحابه
مسائل، لكن من أبرزها سؤالهم عن النخلة.
"يومئ برأسه إيماءً" مخافة أن يلوث ثيابه، وموضع صلاته
بالدم؛ لأنه ما دام جالس فيخف خروج الدم، لكن إذا تحرك قام
وجلس وسجد زاد خروج الدم.
(6/27)
"قال يحيى: قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي
في ذلك" لأن الإيماء إذا جاز في الطين، لو إنسان أراد أن
يصلي في وحل، ما في مكان غير هذا، نزلت الأمطار فصارت
الأرض كلها وحل طين، يومئ ولا يسجد على هذا الطين، فهذا من
باب أولى، من غلبه الدم من باب أولى، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
والله الجمهور، جماهير أهل العلم على أنه نجس، جمهور أهل
العلم على أنه نجس، وأنا لا أعرف دليل ينهض على تنجيسه،
لكن عامة أهل العلم على هذا، حتى نقل الإجماع عليه.
طالب:. . . . . . . . .
نقل، نقل، لا ما إخاله يثبت.
يقول: رجل صام يوم الجمعة لأنه من الست من شوال، لكنه لم
يصم يوماً قبله ولا بعده؟
ما دام حصل هذا يجزئ -إن شاء الله تعالى- لكن يكره إفراد
الجمعة بالصيام.
هذا يقترح أن يكون هناك فاصل في منتصف الدرس للإجابة على
الأسئلة بمقدار عشر دقائق أكثر أو أقل، وذلك لتجديد
النشاط، والاستفادة من الأسئلة؟
اقتراح طيب.
هذا طلب أيضاً آخر إكمال الكتاب بعد الحج بعد العشاء إلى
أن ينتهي فالوقت كافي؛ لأنه قرابة ثلاثة أشهر؟ يريدون بعد
الحج بعد يعني ....
طالب:. . . . . . . . .
يعني إلى الاختبارات، طيب ودروس المسجد إيش نسوي بها؟
معها؟
طالب: يصير سبت واحد واثنين مو بلازم كل يوم، يومين، مو
بلازم كل يوم إذا كان يشق عليك.
والله المشقة مع الجدول إن كان يوقف الجدول بس ما أدري
الإخوان بيرضون وإلا ... ، الاقتراح أنه يستمر درس الموطأ
بعد الحج بعد صلاة العشاء إلى الاختبارات، يعني شهرين أو
ثلاثة.
طالب: والله مهم يا شيخ، الإخوان نشطوا.
هو إكمال الكتاب ينشط بلا شك.
يقول: ما هي أسباب استجابة الدعوة؟
على كل حال هناك أسباب، وهناك موانع، الأسباب منها بل من
أهمها طيب المأكل والمشرب والملبس؛ لأن النبي -عليه الصلاة
والسلام- ذكر الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، وهذه أيضاً
أسباب لكنها وجد المانع، مطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه
حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك، فعلى الإنسان أن
يطيب مطعمه ((أطب مطعمك تكون مستجاب الدعوة)) إضافة إلى
حسن الظن بالله -جل وعلا-، وألا يستعجل ويستبطئ الإجابة،
والله المستعان، ولا يدعو بإثم ولا قطيعة رحم.
(6/28)
طالب:. . . . . . . . .
إن شاء الله بيكمل بإذن الله، لكن عاد ندرس وضعنا.
أحسن الله إليك.
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا الجاري الآن، أنه بيصير فيه دورة في أحد المساجد
القريبة، مدة أسبوع قبل العشر، قبل عشر ذي الحجة، والسبعة
الأيام الأولى من ذي الحجة، العصر على العادة في المسجد
عندنا.
طالب: في غير الموطأ يعني؟
هو بيسجل، الموطأ، إيه على شان يخفف شويه؛ لأن الكتاب كبير
ما هو ... ، إلا إذا أردتم أن نغير في الشرح نسرع فلا باس،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الله المستعان، الله يعفو ويسامح عندنا كتب، نعم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، إن شاء الله ما يكون إلا خير -إن شاء الله-، بإذن
الله.
طالب: نغير الشريط؟
نعم؟
طالب: نغير الشريط؟
أحسن الله إليك
سم.
أحسن الله إليك.
باب: الوضوء من المذي
عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سليمان بن
يسار عن المقداد بن الأسود أن على بن أبي طالب أمره أن
يسأل له رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الرجل إذا دنى
من أهله، فخرج منه المذي، ماذا عليه؟ قال: علي فإن عندي
ابنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأنا أستحي أن
أسأله، قال المقداد: فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
عن ذلك، فقال: ((إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح فرجه بالماء،
وليتوضأ وضوءه للصلاة)).
عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر بن الخطاب قال:
"إني لأجده ينحدر مني مثل الخريزة، فإذا وجد ذلك أحدكم
فليغسل ذكره وليتوضأ وضوءه للصلاة" يعني المذي.
عن مالك عن زيد بن أسلم عن جندب مولى عبد الله بن عياش أنه
قال: سألت عبد الله بن عمر عن المذي فقال: "إذا وجدته فغسل
فرجك وتوضأ وضوءك للصلاة".
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: الوضوء من المذي
المذي بفتح الميم وسكون الذال المعجمة، وتخفيف الياء على
الأصح، ماء أبيض رقيق لزج، يخرج عند الملاعبة، أو تذكر
الجماع، وما أشبه ذلك، أو تكرار النظر.
(6/29)
"حدثني يحيى عن مالك عن أبي النضر" سالم بن
أبي أمية القرشي مولاهم "مولى عمر بن عبيد الله" التيمي
"عن سليمان بن يسار" وهو أحد الفقهاء "عن المقداد بن
الأسود أن علي بن أبي طالب" أمير المؤمنين "أمره أن يسأل
له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" والسبب في ذلك أن
ابنته -عليه الصلاة والسلام- كانت تحته، تحت علي والصهر
يستحي من صهره أن يسأله، يباشر السؤال لا سيما فيما يخص
العشرة، وما يتعلق بذلك، يستحي فعلي -رضي الله عنه- كان
رجل مذاءً، كثير المذي، وليس هذا بعيب إن لم يكن من مرض،
وإلا كما قيل كل فحل يمُذي.
"كنت رجلاً مذاءً فأمرت المقداد أن يسأل النبي -عليه
الصلاة والسلام-" وذلكم لمكان ابنته -عليه الصلاة والسلام-
منه "عن الرجل إذا دنى" يعني قرب "من أهله" زوجته "فخرج
منه المذي" ماذا عليه؟ "قال علي: فإن عندي ابنة رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- وأنا أستحي" وجاء في بعض الروايات:
أن علياً سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المذي، فإما
أن يكون أطلق عليه أنه سأل لأنه أمر، أو لأنه أمر المقداد،
ثم سأل ليتأكد، قال علي: "فإن عندي ابنة رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-، وأنا أستحي أن أسأله" أستحي أو أستحيي
بياء وحدة أو ياءين؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، ياء واحدة وإلا ياءين؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب: لغة قريش.
نعم، لغة قريش بياءين، وتميم؟ بياء واحدة {إِنَّ اللَّهَ
لاَ يَسْتَحْيِي} [(26) سورة البقرة] فإذا أدخلت الجازم
على المضارع قلت: إيش؟ بياء واحدة ((إذا لم تستحي فاصنع ما
شئت)) صح وإلا لا؟ أو إذا لم تستح نعم على لغة قريش تثبت
ياء واحدة، تحذف واحدة وتبقى واحدة ((إذا لم تستحي فاصنع
ما شئت)) وعلى لغة تميم بدون ياء ((إذا لم تستح)) بكسر،
نعم، في كتاب الأدب من صحيح البخاري: باب إذا لم تستحِ
-بدون ياء- فاصنع ما شئت، وأورد الخبر بالياء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إمام، على شان تبحث ويش السبب؟ وتعرف صحيح، إيش؟
يقول: ما حكم الزوجة عند ما تكون مريضة ويأمرها الزوج
بالقيام بالواجبات المنزلية؟
(6/30)
إذا كانت لا تستطيع فلا يكلف الله نفساً
إلا وسعها، لا يجوز له أن يكلفها ما يشق عليها، لا يجوز
للزوج أن يكلف زوجته ما يشق عليها، إذا كانت مريضة لا
تستطيع القيام بالواجبات المنزلية، لا يجوز له أن يكلفها
ما يشق عليها، لكن أيضاً هو من قبله له بديل شرعي، له أن
يتزوج ثانية تقوم بحاجاته، نعم.
واحدة تسأل تقول: أنا لا أستطيع الإنجاب في كل سنة، امرأة
تقول: أنا ضعيفة، نضوة الخلقة، ذكرت أن وزنها ما أدري؟
ثلاثين أو خمسة وثلاثين؟ نضوة الخلقة، ولا تستطيع أن تحمل،
قلت: تستطيعين إحضار تقرير طبي؟ قالت: نعم، أستطيع إحضاره،
قلت: لا يجوز له أن يكلفك ما لا تستطيعين، لكن له بديل
شرعي، له أن يتزوج امرأة تقوم بما يحتاجه وتنجب له، قالت:
لا، أنا أستطيع، تستطيع، الحمد لله، الآن الحلول الشرعية،
الشرع لا يضيق بمثل هذه الأمور أبداً، ترى لا يضيق بمثل
هذه الأمور، والتعدد -ولله الحمد- أمر مشروع، ويحل كثير من
الإشكالات.
يقول: نحن مجموعة ضباط من خارج الرياض عندنا دورة بالرياض
تنتهي بنهاية ذي القعدة، وقد اتفقنا على حضور هذا الدرس؛
لأنه يناسب برنامجنا وقدرتنا، أرجو أن يبقى الأمر على ما
هو معلن؟
لكن لا بد من إكمال الكتاب؛ لأن البحث في إكمال الكتاب،
وإلا هو بيبقى على ما هو معلن، بيستمر -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يمكن، ما يمكن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو بيسجل بإذن الله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا شأنهم، أقول: بيسجل إن شاء الله، ويتاح للجميع.
(6/31)
يقول: "قال المقداد: فسألت رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- عن ذلك، فقال: ((إذا وجد ذلك أحدكم فلينضح
فرجه بالماء)) " والنضح الأصل فيه الرش، يعني دون الغسل
((فلينضح فرجه بالماء، وليتوضأ وضوءه للصلاة)) دل على أن
المذي نجس، لكن نجاسته مخففة، ليست كنجاسة البول، ويكفي
فيه النضح، فإذا نضح فرجه، ونضح سراويله لقطع الوسواس،
فإذا أحس بخروج شيء بعد ذلك أحاله إلى هذا الماء الذي رشه
على ثيابه وعلى فرجه ((فلينضح فرجه بالماء، وليتوضأ وضوءه
للصلاة)) فهو ناقض، ناقض للوضوء وهو نجس نجاسة مخففة، لكن
هل يجزئ فيه الاستجمار أو لا يجزئ؟ يعني هل يجزئ فيه
الاستجمار كالبول أو لا يجزئ؟ لأنه قال: ((فلينضح فرجه
بالماء)) النص على الماء، والاستجمار لا يقطع الوسواس في
مثل هذا، نعم، وإذا أردنا أن نستعمل قياس الأولى، قلنا:
البول أشد نجاسة من المذي، ويكفي فيه الاستجمار إذاً يكفي
في الماء.
أما بالنسبة لمن ينقطع المذي عنده بالاستجمار القول بأنه
يكفي واضح، قياساً على البول، أما من لا ينقطع عنده المذي
مصاب بكثرته، ويخرج معه لأدنى سبب، مثل هذا النضح ونضح
السراويل لئلا يبتلى بوسواس، مثل هذه الأمور من مداخل
الشيطان، وكم من شخص يسأل، يقول: لا ينقطع، أصلي بنجاسة؟
نقول: صل بنجاسة، ما دام لا ينقطع يترك الصلاة؟! من أعظم
أبواب أو مداخل الشيطان على الحريص؛ لأنه إذا وجد الحرص مع
شيء من الجهل يحصل مثل هذا، فعلى الإنسان أن يستعمل ما جاء
في الحديث، ينضح فرجه، وجاء في بعض الروايات: أنه ينضح
فرجه وأنثييه وسراويله وخلاص ينتهي بحيث لو خرج منه شيء
بعد ذلك يحيله على هذا الماء المنضوح.
(6/32)
ولذا جاء عن عمر -رضي الله عنه- كما في
قوله: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه" أسلم
العدوي، مولى عمر -رضي الله عنه- "أن عمر بن الخطاب قال:
إني لأجده ينحدر مني مثل الخريزه" تصغير خرزة، الخرز
معروف، وفي رواية: مثل الجمان، ينحدر مني مثل الخريزة
"فإذا وجد أحدكم ذلك فليغسل ذكره وليتوضأ وضوءه للصلاة"
لأنه ناقض "يعني المذي" هذا تفسير لقوله: إني لأجده، يعني
المذي، فإذا وجد ذلك توضأ وضوءه للصلاة؛ لأنه ناقض، وقبل
ذلك يغسل ذكره بالصفة التي تقدمت، وهو مجرد نضح، ينضح
سراويله أيضاً، وما خرج من ذلك ليقطع الوسواس، بعدما يغسل
ذكره وينضح فرجه خلاص ينضح سراويله.
"وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن جندب مولى عبد الله بن
عياش المخزومي أنه قال: سألت عبد الله بن عمر عن المذي
فقال: "إذا وجدته فغسل فرجك وتوضأ وضوءك للصلاة" يستدل
بهذا على وجوب الوضوء على من به سلس المذي للأمر به "توضأ
وضوءك للصلاة" وعلى من ابتلي بذلك أن يلهو عنه، كما سيأتي
فينقطع؛ لأن المسالك مثل الثدي، إذا حصل هناك حرص نعم على
الخروج، أو على عدمه الحاصل العكس، هذه محالب تدر بالنسبة
للثدي يدر اللبن، والمسالك تدر غيره، مما يخرج منها، ولذا
تجدون أكثر من يبتلى من هو حريص على ألا يخرج منه شيء، لكن
إذا لها عنه وغفل خلاص ينتهي، تجدون بعض النساء تنزل عليها
العادة أو الدورة إذا حرصت على عدم نزولها إما لاغتنام
الأوقات الفاضلة كالعشر من رمضان، أو في الحج لعدم المشقة،
وفوات الرفقة تجدها تبتلى بهذا.
أيضاً الشخص إذا أراد أن يجلس في المسجد مثلاً مدة أطول،
ثم خاف أن يخرج منه شيء تجده على أعصابه هذه الأعصاب لا بد
أن ترتخي إذا شدها فيخرج منه شيء، فعلى كل حال إذا لها عنه
وغفل عنه في الغالب أنه لا يخرج منه شيء، ولذا سيأتي في
الخبر الأخير: انضح ما تحت ثوبك بالماء واله عنه، وهذا
علاج، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
جاءت في بعض الروايات: ينضح فرجه وسراويله، نعم؟
طالب: أحسن الله إليك.
جاءت في بعض طرق الحديث: اغسل فرجك وأنثييك، نعم.
طالب: أحسن الله إليك.
(6/33)
والله فيها كلام، الأمر مضعف عند بعض أهل
العلم، لكن هم يبدون علة أنها إذا نضحت بردت، فقل إفرازها
لهذه المادة، نعم.
أحسن الله إليك
باب: الرخصة في ترك الوضوء من
المذي
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب أنه سمعه ورجل
يسأله، فقال: إني لأجد البلل وأنا أصلي أفأنصرف؟ فقال له
سعيد: لو سال على فخذي ما انصرفت حتى أقضي صلاتي.
عن مالك عن الصلت بن زييد أنه قال: سألت سلميان بن يسارٍ
عن البلل أجده، فقال: انضح ما تحت ثوبك بالماء، واله عنه.
يقول:
باب: الرخصة في ترك الوضوء من المذي
في ترك الوضوء من المذي إذا خرج منه لأول مرة لا بد أن
يصنع ما تقدم، توضأ وضوءه للصلاة، لكن إذا استمر معه يكون
حكمه حكم السلس وحكم الاستحاضة، ولهذا هذه الترجمة ليست
على إطلاقها.
يقول ابن عبد البر في الاستذكار: "ترجمة هذا الباب بالرخصة
بترك الوضوء من المذي ليست من الباب في شيء؛ لأنه لا رخصة
عند أحد من علماء المسلمين في المذي الخارج على الصحة،
كلهم يوجبون الوضوء، وهي سنة مجمع عليها، لا خلاف في ذلك،
فلم يبق إلا أن تكون الرخصة في خروجه من فسادٍ وعلة".
إيش معنى هذا الكلام؟ أنه إذا خرج لأول مرة يغسل ينضح،
ويفعل ما تقدم، ويتوضأ منه، لكن إذا تكرر خروجه، وشق غسله،
صار حكمه حكم السلس، وصار علة، نعم علة، حكمه حكم السلس،
وحكم الاستحاضة.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن
المسيب أنه سمعه" يحيى بن سعيد سمع سعيد بن المسيب "سمعه
ورجل يسأله، فقال: إني لأجد البلل وأنا أصلي أفأنصرف؟ فقال
له سعيد: لو سال على فخذي ماانصرفت حتى أقضي صلاتي" يعني
هو حضر للصلاة بطهارة، بطهارة كاملة ثم بعد ذلك استمر معه.
يقول ابن عبد البر: "معنى قول سعيد أنه يلزم من فحش سلس
بوله أو مذيه أو لم يرقى دم جرحه أو دمله أن يغسله من ثوبه
ولا يدخل في صلاته حتى يغسل ما فحش منه وكثر، فإذا دخل في
صلاته لم يقطعها ولو سال على فخذيه" يعني يأتي إلى الصلاة
متطهراً فإذا خرج بعد ذلك بعد أن فعل ما أمر به لا يلتفت
إليه.
(6/34)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن الصلت بن زييد،
أنه قال: سألت سلميان بن يسارعن البلل أجده، قال: انضح ما
تحت ثوبك بالماء، واله عنه".
هذا من باب العلاج لينقطع، إذا لهوت عنه انقطع، وهل يتوضأ
لكل صلاة باعتبار أن هذا الوضوء مبيح للصلاة وليس برافع
للحدث؟ لأن الحدث جارٍ، فكيف نقول: إنه يرفع الحدث؟ جاء
أمر المستحاضة بأن تتوضأ لكل صلاة، وحكم من به سلس بول أو
مذي، أو ما أشبه ذلك حكمه حكم من لا ينقطع حدثه.
على كل حال المسألة مسألة خلافية، هل يتوضأ لكل صلاة؟ فذهب
مالك إلى أنه لا يجب عليه الوضوء لكل صلاة، خلاص فعل ما
أومر به، وهذا الوضوء الذي فعله لا ينتقض إلا بناقض جديد،
ولكن يستحب كالمستحاضة، وقال الشافعي: يتوضأ لكل صلاة؛ لأن
وضوءه هذا لم يرفع الحدث، لكنه أباح له فعل الصلاة، وأما
الحدث متصف به كالمستحاضة، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه
أجمعين.
(6/35)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الطهارة
(8)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يقول هذا: كيف يتم حساب نصف الليل وثلثه؟ هل يبدأ من غروب
الشمس أو من غياب الشفق؟
الأصل أن الليل يبدأ من غروب الشمس، لكن في حديث قيام داود
كان ينام نصف الليل، ويقوم ثلثه، ثم ينام سدسه، لا بد أن
يحسب من النوم الممكن، من صلاة العشاء، الحساب على هذا
يكون من صلاة العشاء؛ لأنه لا يمكن أن ينام من المغرب إلى
منتصف الليل، ولكي يكون القيام في الثلث الأخير؛ لأنه لو
نام من غروب الشمس، أو حسبنا نصف الليل من غروب الشمس،
لكان جل قيامه قبل الثلث الأخير، ففي مثل هذا النص يحسب من
صلاة العشاء الذي يتسنى فيه النوم؛ لينام نصف المدة، ثم
يقوم ثلثه، ثم ينام سدسه، وإلا فالأصل أن الليل يبدأ من
غروب الشمس.
يقول: ما القول في مسألة من نام عن صلاة فينتقل إلى مكان
آخر كما فعل الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟
لو انتقل من مكان إلى مكان اقتداءً به -عليه الصلاة
والسلام-، وطلب التأسي به، مع أنه مسألة مكان حضر فيه
الشيطان مسألة اطلع عليها النبي -عليه الصلاة والسلام-،
ولا يلزم أن كل إنسان يطلع أن هذا المكان حضر فيه والمكان
الثاني ليس فيه شيطان، لكن لو انتقل لا بأس، إذا لم يشق
عليه، وقد يكون في بعض الأماكن لا يمكن الانتقال منها إلى
مكان آخر، إذا كان البيت ضيق مثلاً، أو مثلاً الغرف الأخرى
مسكونة من قبل أناس آخرين، وما أشبه ذلك، فيصلى على حسب
حاله.
يقول: يقيمون في جانب المساجد، ويؤخرون صلاة العصر وكذلك
الفجر يقول: لأنهم على مذهب أبي حنيفة وخصوصاً في الصيف
حتى يصل الفرق إلى ... يقول: إلى ثلاث ساعات، يمكن يصلون
الفجر قبل الشروق بحوالي ربع ساعة.
يعني هل المساجد كلها بهذه الصفة التي يقيم بجانبها؟ نعم
متصور هذا، متصور في الشرق، لكن ثلاث ساعات؟ على كل حال هو
أفضل الأعمال الصلاة في أول وقتها، فإذا كانت هذه عادتهم
وديدنهم يتفق مع من يصلي معه في أول الوقت ولا يؤخر الصلاة
إلى مثل هذا التأخير.
واحد يسأل عن طبعات الموطأ وشروحه؟
(7/1)
على كل الطبعات من أفضلها طبعة محمد فؤاد
عبد الباقي، طبعة فيها عناية ومرقمة ومفهرسة ومخدومة
ومصححه ومتقنة.
وأما التمهيد طبع معروف كما هو الأصل في المغرب طبعة محققة
على نسخ، وإن كان فيها شيء من الإعواز على ترتيب التمهيد
الأصلي على شيوخ مالك تمهيد ابن عبد البر، هذا فيه صعوبة
على الطلاب باعتبار أنه رتب الكتاب على الشيوخ، والشيوخ
على الحروف، والحروف أيضاً على طريقة المغاربة، وليست على
طريقة المشارقة، فطالب العلم يعنى بالتمهيد المرتب، وترتيب
التمهيد للشيخ عطية محمد سالم طيب جداً، من أفضل ما خرج.
الاستذكار طبع مراراً، والطبعة الأولى التي تقع في ثلاثين
جزءاً لولا كبر الحجم طبعة مناسبة لولا أن حجمها كبير.
يقول: أي الشروح التي ينصح بها لهذا الدرس؟
شروح ابن عبد البر لا يعدل بها غيرها، لكن فيها شيء من
الطول، إذا ضاق الوقت فشرح الزرقاني شرح متوسط.
يقول: كثير ممن يعمل في الإسعاف يدخل وقت الصلاة ويخرج وهم
في عمل إسعاف أو إسعافي يستغرق كل الوقت؟
على كل حال إذا كان تأخير الصلاة بسبب إنقاذ حياة مسلم فلا
بأس؛ لأن الصلاة تؤخر لما هو دون ذلك، للسفر، تؤخر للمطر،
يسوغ الجمع في بعض الحالات لوجود المشقة، وابن عباس يقول:
"أراد ألا يحرج أمته" فإذا ترتب على عملهم إنقاذ مسلم من
هلكة، أو مما يقرب منها، لا بأس أن يؤخر الصلاة عن وقتها
على ألا يكون ذلك ديدن لهم.
يقول: لو تخبرنا بصحة الأحاديث كما فعلت في الأمس؟
الأحاديث غالبها موجود في الصحيحين، وما فيه شيء من
الانقطاع والبلاغ يبين في وقته، لكن ما مر علينا من
الأحاديث جلها في الصحيحين، أعني الأحاديث التي هي الأصول
المرفوعة.
هذا سؤال يقول: نحن مجموعة من الشباب في فرنسا نعمل في
معامل أو شركات لا تتيح لنا أداء صلاة الجمعة في المساجد
البعيدة عن المعمل بعشرين كيلو، ونتيجة لهذا انقسمنا
فريقين، فريق ترك العمل وبدأ يعيش على مساعدات الدولة،
والفريق الثاني واصل العمل، ويتمكن من أدائها مرة كل
أسبوعين، مع جمع الأموال الضرورية للهجرة في غضون سنوات،
فماذا نصنع؟
(7/2)
الجمعة لازمه لكل مستوطن مقيم في بلد، فإذا
كانوا يستوطنون ويقيمون في هذا البلد تلزمهم الجمعة، وهي
من فرائض الدين وشعائره، ولا يجوز تركها بحال، لا بد من
إقامة الجمعة، ولو تأخر فعلها إلى آخر وقت الظهر، المقصود
أنها لا تترك بأي حال، ولا يقدم عليها أي أمر من أمور
الدنيا، والله المستعان.
هذا يقول: ابن عمر أعاد صلاته بعد طلوع الشمس عند تذكره
أنه مس ذكره بعد وضوئه، فهل يحمل هذا على من وجد بعد
الصلاة شيء من المذي أو الودي أن يعيد صلاته؟
إذ تأكد أن هذا حصل قبل الصلاة يعيد الصلاة، لكن إذا وجده
وجد البلل في ثيابه، ولا يعرف هل حصل ذلك قبل الصلاة أو
بعده فإنه لا يعيد.
يقول: هل وقت صلاة العصر يمتد إلى غروب الشمس؟
نعم يمتد إلى غروب الشمس، من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل
أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر.
في قوله تعالى: {وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ
وَأَرْجُلَكُمْ} [(6) سورة المائدة] من يقول: الأرجل تمسح
فيكف يرد على هذا القول؟
يرد عليه بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ويل للأعقاب من
النار)) ((أسبغوا الوضوء، ويل للأعقاب من النار)) والمسح
لا يتناول عند من يقول به لا يتناول الأعقاب، وأورده
الطبري، أورد هذا الحديث يقول: يكفي المسح ومراده بالمسح
هنا الغسل؛ لأنه أورد هذا الحديث في تفسير الآية، فما ينسب
إلى الطبري من أنه يرى جواز المسح كقول الرافضة ليس بصحيح،
نعم هو يقول: قراءة الجر تدل على المسح؛ لكنه مسح يراد به
الغسل بدليل أنه فسر الآية بالحديث، وأما ما يذكر في كتب
أهل العلم أن الطبري يوافق الروافض، فالمراد به ليس الإمام
محمد بن جرير الطبري، صاحب التفسير والتاريخ الإمام
المعروف لا، في شخص يقال له: محمد بن جرير بن رستم الطبري،
وهو من الشيعة، ولا يستبعد أنه يوجد مثل هذا.
من نسي ومسح رأسه قبل غسل ذراعيه فهل وضوؤه صحيح؟
عند من يقول بوجوب الترتب ليس بصحيح، بل عليه أن يعيد غسل
الذراعين، يعني غسل اليدين.
يقول: هل إحساس الناس بفيح جهنم دليل وجودها في الأرض؟
لا يلزم، لا يلزم؛ لأن الأثر لا يقتضي قرب المؤثر، قد يؤثر
الشيء بقوته من بعيد.
وكيف نجمع بين كون الحرارة مصدرها الشمس وهذا الحديث؟
(7/3)
هذا الحديث ثابت صحيح لا إشكال فيه ولا
مراء، ولا يمنع أن تكون هذا الحرارة من الأمرين معاً، من
الشمس ومن فيح جهنم.
هل جاء حديث في فضل من أذن وهو وحده؟
نعم عموم حديث: ((لا يسمع صوت المؤذن)) يشمل المنفرد لا
سيما إذ كان في مكان لا يؤذن فيه.
يقول: أتمنى أن أسمع منكم توجيه حول طلب العلم، وأخلاق
طالبه، ولو بإيجاز عل الله أن يحي بها قلوبنا؟
هذا المسألة طرقت كثيراً، والأشرطة موجودة، ولله الحمد.
يقول: نرجو توضيح بالتفصيل كيف التمضمض والاستنشاق من غرفة
واحدة بكف واحد؟
المضمضة مع الاستنشاق أرجح ما فيها .. ، مما يدل عليه
الدليل أن المضمضة والاستنشاق بكف واحد، بغرفة واحدة،
فيأخذ بيده الماء فيدخل بعضه في فمه، والبعض الآخر في
أنفه، ثم يمج ما في فمه، وينثر ما في أنفه، هذه واحدة، ثم
الثانية كذلك، والثالثة كذلك، وإن فصل بينهما بأن جعل
للمضمضة غرفة، والاستنشاق غرفة، مضمض واستنشق ثلاثاً
ثلاثاً فلا بأس، وإن مضمض ثلاثاً بغرفة واحدة، واستنشق
ثلاثاً بغرفة واحدة فلا بأس، وإن جعل الست كلهن من غرفة
واحدة، إذا كانت اليد كبيرة، وتستطيع ذلك فلا بأس، فالصور
كلها جائزة عند أهل العلم، لكن أرجحها أن تكون المضمضة
والاستنشاق بكف واحدة بثلاث غرفات.
يقول: ما وجه من يقول: إن المطهرون في قوله تعالى: {لَّا
يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ} [(79) سورة الواقعة]
لا أخطأ هذا، ولا يريد ما كتب، يقول: إن المقصود بهم
الكفار، لعله يريد المقصود بهم الملائكة، نعم، رجح شيخ
الإسلام وابن القيم أن المقصود بهم الملائكة؛ لأنه قال:
{الْمُطَهَّرُونَ} [(79) سورة الواقعة] ولم يقل:
المتطهرون، ومع ذلكم شيخ الإسلام يرى أن هذه تدل على أنه
لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف، من هذه الآية، وأن كان من
المقصود بها الملائكة، ظاهر؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، يقول: لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف من هذه الآية،
وإن كان المقصود بها الملائكة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني إذا كان هذا، هذا الكلام العظيم المحفوظ بين الدفتين
لا يمسه إلا الملائكة الذين وصفهم الطهارة، فينبغي ألا
يمسه من البشر إلا من اتصف بهذا الوصف.
طالب:. . . . . . . . .
(7/4)
والسعودي من يجي، وغير السعودي، كل الدنيا
عالة، الله المستعان رحم الله الجميع.
يقول: هل صحيح أن من توضأ ثم نجست ملابسه ثم طهرها يبطل
وضوء؟
لا، ما له دخل، النجاسة لا علاقة لها بالوضوء.
يقول: هل ورد شيء في السنة للمتوضئ من حيث القيام والجلوس
أثناء الوضوء؟
يستوي في ذلك الجلوس والقيام، والمسألة مسألة الأريح
للإنسان، إذا كان يرتاح للوضوء وهو جالس صار أفضل بالنسبة
له، ومثله لو كان القيام أنسب له.
يقول: ما الواجب في الخف المشقوق وإن بدا بعض محل الفرض؟
بعض العلماء ويرجحه شيخ الإسلام أنه ما دام يسمى خف يمسح
عليه ولو كان مخرقاً، والمعروف عند جمهور أهل العلم أنه
إذا كان مخرقاً لا يمسح عليه؛ لأن ما بدا من القدم فرضه
الغسل، ولا يجمع بين الغسل والمسح.
طالب:. . . . . . . . .
هو الظاهر إن شاء الله، الأخير نعم، المقصود أن ما ظهر
فرضه الغسل بالنص، ما ظهر فرضه الغسل بالنص.
هل الذي يقع في عمل بعض المعاصي ثم يقول: سوف أتوب ثم يعود
إلى الوقوع فيها منافق أم لا؟
إذا عاهد الله على أن لا يعود أو عاهد الله على أن يفعل
ولم يفعل هذا يخشى عليه، لكن مجرد العود لا يقدح في التوبة
الأولى، وتوبته تقبل -إن شاء الله- بشروطها.
يقول: هل صحيح أن الإنسان يجب أن يغسل يديه من كل نوم
طويل؟
سُقنا الخلاف سابقاً، وأن الشافعي يحمله على النوم المطلق،
والإمام أحمد يقول: من نوم الليل؛ لمقتضى قوله: ((أين
باتت؟ )) والمبيت لا يكون إلا بالليل.
وهل يتنجس الماء الذي في الإناء إذا لم يغسل يديه؟
لا يتنجس؛ لأن اليد الأصل فيها الطهارة، وما عداه مشكوك
فيه، فلا يتنجس الماء، لكن الخلاف في هذ الماء هل يرفع
الحدث أو لا يرفعه؟ معروف يأتي ذكره -إن شاء الله تعالى-.
يقول: كيف تخرج الأحاديث التي تدل على أن المس كان بحائل،
ومع ذلك أمر بإعادة الوضوء؟
ما في أبداً إعادة وضوء مع المسح بحائل.
يقول: حديث طلق فيه علة لا يمكن أن تنسخ، وهي الإخبار بأنه
بضعة من الإنسان، ما رأي الشيخ؟
(7/5)
هذا لا شك أنه علة، علة لحكم، فإذا ارتفع
الحكم تبعته العلة، يعني لو قيل مثلاً في أول الأمر لحوم
الحمر الإنسية تؤكل، لماذا؟ لأنها طيبة، وقد جاء أن النبي
-عليه الصلاة والسلام-، يحل لهم الطيبات، فهي طيبة نعم لما
حرمت هذا الوصف الملازم للحل وهو كونها طيبة ألا يرتفع مع
ارتفاع حكمها؟ يرتفع، فالعلة ترتفع بارتفاع الحكم بلا شك.
يقول: نحن في دولة السويد، ونجد بعض اللحوم المذبوحة كما
يقولون على الطريقة الإسلامية، وعند تقصي الأمر وجدنا أنهم
يطلقون عليها الرصاص أولاً، ثم يتبعون ذلك بتذكيتها قبل أن
تموت؟
نعم إذا أمكن ذبحها وهي حية حياة مستقرة ولو أطلق عليها
الرصاص، فإذا ذكيت حلت.
حيث أنه يمنع هذا الذبح بالسكين فيتم إطلاق الرصاص عليها
أولاً، كما أننا نجد دجاج وجدنا أن الشركة التي تقوم عليها
للرافضة، فهل يجوز أكل هذا الدجاج الذي يذبحه الروافض؟
يقول: نجد بعض اللحوم المذبوحة كما يقولون على الطريقة
الإسلامية، وعند تقصي الأمر وجدنا أنهم يطلقون عليها
الرصاص أولاً، ثم يتبعون ذلك بتذكيتها ...
إن أدركوها حية حياة مستقرة ثم ذكوها فلا شيء في ذلك، لكن
إطلاق الرصاص تعذيب.
قبل أن تموت حيث أنه يمنع هنا الذبح بالسكين، فيتم إطلاق
الرصاص عليها أولاً، ثم ....
هم على أساس أن النظام يمنع التذكية بالسكين، فليقولوا
للنظام: إننا ذبحناها بالرصاص، ولكي تحل للمسلمين يذبحونها
بالسكين؛ ليجمعوا بين هذا وذاك.
أما ذبائح المبتدعة فلا شك أن من بدعته مكفرة لا تحل
ذبيحته، ومن كانت بدعته دون ما تصل إلى حد الكفر فذبيحته
حلال.
طالب:. . . . . . . . .
لأنه في الغالب أن المتعمد يصاحبه شهوة، لكن عموم حديث
بسرة: ((إذا مس أحدكم ذكره)) والمس يقع على المتعمد وغير
المتعمد، وفي الرواية الأخرى: ((من مس)) و (من) من صيغ
العموم ((من مس ذكره فليتوضأ)) يشمل المتعمد وغير المتعمد
((فرجه)) ((من مس فرجه)) في بعض الروايات.
طالب:. . . . . . . . .
إلا والتنصيص عليه، التنصيص على الدبر وارد في بعض
الألفاظ، ولذا الترجمة عندكم ماذا يقول الإمام؟ باب الوضوء
من مس الفرج، والفرج أعم من أيكون قبلاً كان أو دبراً.
(7/6)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن سالم بن
عبد الله أنه قال: كنت مع عبد الله بن عمر في سفر فرأيته
بعد أن طلعت الشمس توضأ ثم صلى" يعني صلاة الصبح "وقد كان
صلاها، قال سالم: فقلت له: إن هذه لصلاة ما كنت تصليها،
قال: إني بعد أن توضأت لصلاة الصبح مسست فرجي، ثم نسيت أن
أتوضأ فصليت الصبح، فتوضأت وعدت لصلاتي" أي أعدت الصلاة؛
لأنها بطلت، الصلاة الأولى باطلة لبطلان طهارتها بمس الفرج
بعد الوضوء.
الأصل ((من مس ذكره)) النص فيمن مس ذكره، أما ما كان بشهوة
فهو في حكم ملامسة المرأة، إذا كان بشهوة فهو في حكم
ملامسة المرأة على ما سيأتي.
يقول: في مسألة صلاة المسافر إذا خرج الوقت؟
صلاة المسافر إذا خرج الوقت قول مالك وأبي حنيفة والشافعية
والحنابلة في إيش؟
يعني إذا قضاها صلاة المسافر إذا قضاها في الحضر أو العكس،
هل هذا هو المراد؟ لأنه يقول: ما الراجح والصحيح في مسألة
الصلاة للمسافر إذا خرج الوقت.
نعم يمكن إذا وصل إلى بلده، وانقطع الوصف الذي علق به
الترخص، فإذا عاد إلى بلده وانقطع الوصف عند مالك وأبي
حنيفة يصليها قصراً؛ لأن القضاء يحكي الأداء، وعند
الشافعية والحنابلة يصليها تامة؛ لأن الوصف انتهى، الترخص
مرتبط بوصف والوصف انتهى.
يقول: هل يمكن الجمع بأن يكون منع دخول المسجد لمن أكل
ثوماً لعموم المساجد وقت الصلاة وفي غير وقت الصلاة يكون
خاصاً بمسجد الرسول -عليه الصلاة والسلام-؟
نحن ذكرنا من خلال النصوص المجتمعة أن العلة مركبة من حضور
المسجد ومن الأذى، فأحدهما لا يستقل بالحكم، مجرد حضور
المسجد لا يكفي، فلو كان المسجد خالي ما فيه أحد لا مانع
من أن يدخله من أكل الثوم أو البصل؛ لأنه لا يوجد من يتأذى
به، كما أنه لو وجد من يتأذى في غير المسجد لا مانع فيه؛
لأن العلة مركبة من الأمرين، والله المستعان.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى:
باب: الوضوء من مس الفرج
(7/7)
عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن
عمرو بن حزم أنه سمع عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان
بن الحكم فتذاكرنا ما يكون منه الوضوء، فقال مروان: من مس
الذكر الوضوء، فقال عروة: ما علمت هذا، فقال مروان بن
الحكم: أخبرتني بسرة بنت صفوان أنها سمعت رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- يقول: ((إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ)).
عن مالك عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن مصعب بن
سعد بن أبي وقاص أنه قال: كنت أمسك المصحف على سعد بن أبي
وقاص فاحتككت، فقال سعد: لعلك مسست ذكرك، قال: فقلت: نعم،
فقال: قم فتوضأ، فقتم فتوضأت ثم رجعت.
عن مالك عن نافع أن عبد الله عمر كان يقول: "إذا مس أحدكم
ذكره فقد وجب عليه الوضوء".
عن مالك عن هاشم بن عروة عن أبيه أنه كان يقول: "من مس
ذكره فقد وجب عليه الوضوء".
عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أنه قال: رأيت
أبي عبد الله بن عمر يغتسل ثم يتوضأ، فقلت له: يا أبتي أما
يجزيك الغسل من الوضوء؟ قال: بلى، ولكني أحياناً أمس ذكري
فأتوضأ.
عن مالك عن نافع عن سالم بن عبد الله أنه قال: كنت مع عبد
الله بن عمر في سفر فرأيته بعد أن طلعت الشمس توضأ ثم صلى،
قال فقلت له: إن هذه لصلاة ما كنت تصليها، قال: إني بعد أن
توضأت لصلاة الصبح مسست فرجي، ثم نسيت أن أتوضأ، فتوضأت
وعدت لصلاتي.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الوضوء من مس الفرج
والفرج أعم من أن يكون قبلاً أو دبراً، من ذكرٍ أو أنثى،
وفي الباب ما ذكره مالك –رحمه الله-.
"عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أنه سمع
عروة بن الزبير يقول: دخلت على مروان بن الحكم فتذاكرنا ما
يكون منه الوضوء، فقال مروان: ومن مس الذكر الوضوء، فقال
عروة: ما علمت هذا، فقال مروان بن الحكم: أخبرتني بسرة بنت
صفوان أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
((إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ)) ".
(7/8)
حديث بسرة في نقض الوضوء من مس الذكر صححه
جمع من أهل العلم، صححه أحمد وابن معين والترمذي والحاكم
والدارقطني والبيهقي، وجمع من أهل العلم صححوه، وطعن فيه
بعضهم بسبب مروان؛ لأنه هو قاتل طلحة، لكن قال عروة الراوي
عنه: أنه لا يتهم في الحديث، وعلى كل حال الخلاف في
المسألة بسبب ما ورد فيها هنا في حديث بسرة فيه الوضوء
((إذا مس أحدكم ذكره فليتوضأ)).
وفي حديث طلق بن علي سئل عن مس الذكر، فقال: ((إنما هو
بضعة منك)) يعني كما لو مسست رأسك أو رجلك أو صدرك أو ظهرك
فهو جزء منك، ولذا اختلف أهل العلم في ترجيح أحد الحديثين
على الآخر، والأكثر على أن حديث بسرة أرجح من حديث طلق بن
علي؛ لأن له شواهد من حديث أم حبيبة وأبي هريرة وغيرهما.
وقال بمقتضاه أعني حديث بسرة الأئمة الثلاثة مالك والشافعي
وأحمد، ورأوه ناسخاً لحديث طلق بن علي؛ لأنه متأخر عنه،
بسرة أسلمت عام الفتح، وطلق بن علي قدم على النبي -عليه
الصلاة والسلام- وهو يبني المسجد، يعني في أول الهجرة،
فحديث بسرة ناسخ، هذا قول الأئمة الثلاثة.
والإمام أبو حنيفة يرى أن مس الفرج أو الذكر لا ينقض
الوضوء مطلقاً؛ لحديث طلق بن علي، منهم من يرى أن حديث طلق
بن علي صارف لحديث بسرة، حديث بسرة ((إذا مس أحكم ذكره
فليتوضأ)) وفي رواية ((من مس ذكره فليتوضأ)) الأمر الأصل
فيه الوجوب، وحديث طلق ((إنما هو بضعة منك)) صارف لهذا
الأمر عن الوجوب إلى الاستحباب، وكأن شيخ الإسلام يميل إلى
هذا -رحمه الله-.
فحديث بسرة أرجح من حيث الصناعة، وهو متأخر أيضاً، فإذا
أردنا الترجيح، فحديث بسرة أرجح، والعمل بالآخر من قوله
-عليه الصلاة والسلام-، وحديث بسرة متأخر على حديث طلق،
لكن المقرر عند أهل العلم أنه إذا أمكن الجمع بين النصوص
تعين على القول بالترجيح، قدم عليه، وقدم على القول
بالنسخ؛ لأنه إذا أمكن الجمع فمعناه أننا نعمل بالنصين
معاً، وأما الترجيح فهو عمل بأحد النصين، ومثله النسخ هو
إهدار للنص الآخر.
(7/9)
لكن الصارف والمخصص والمقيد يتصور .. ، هل
يتصور تقدم الصارف والمخصص والمقيد على المصروف والمخصوص
والمطلق؟ يتصور هذا وإلا ما يتصور؟ تأملوا يا إخوان ما هو
بالأصل أن يأتي اللفظ العام ثم يأتي ما يخصصه، الأصل أن
يأتي المطلق ثم يأتي ما يقيده، الأمر بالحزم والجزم أو
النهي ثم يأتي ما يصرفه، مو بهذا المتصور؟ هذا الأصل في
الباب؟ نعم؟ ولذا يمنع بعضهم القول بالتخصيص إذا كان الخاص
هو المتقدم على العام، هذا قول معتبراً عند جمع من أهل
العلم، فيكون العام ناسخ؛ لأنه متأخر؛ لأن المتكلم حينما
تكلم باللفظ الخاص، ثم أردفه باللفظ العام ما مراده باللفظ
العام؟ هل المراد به الخصوص فيكون من العام المخصوص بما
تقدم؟ أو يكون من العام الذي أريد به الخصوص؟ يعني لا يكون
عام .. ، وإذا قلنا: ننظر إلى الخاص وإن كان متقدماً نقول:
هذا عام مخصوص بما تقدم، والأكثر على أنه لا مانع أن يتقدم
الخاص.
(7/10)
حينما أمر النبي -عليه الصلاة والسلام-
بقطع الخفين في المدينة لمن لا يجد النعلين، ((وليلبس
الخفين وليقطعهما أسفل من الكعبين)) هذا مقيد بالقطع، وفي
عرفة بعد ذلك وقد شهدها من لم يشهد ما قاله -عليه الصلاة
والسلام- من لم يحضر قوله -عليه الصلاة والسلام- بالمدينة،
جاء بلفظ مطلق: ((من لم يجد النعلين فليلبس الخف)) فهل
نقول: بالقطع أو نقول: بالإطلاق؟ وحينئذٍ يكون القطع
منسوخ، عندنا مطلق ومقيد، لكن المقيد متقدم على المطلق،
يعني هل قاعدة حمل المطلق على المقيد في جميع الصور ولو
تقدم المقيد؟ حمل العام على الخاص في جميع الصور، ومثله ما
عندنا، الصارف والمصروف، نقول في مثل هذه المسائل وإن كان
التقعيد عند الجمهور لا ينظر إلى التقدم والتأخر إلا أنه
في فروع المسائل قد يلجئون إلى مثل هذا الكلام، لا يختلف
الحنابلة عن غيرهم في حمل المطلق على المقيد في مثل قطع
الخف إذا لم نعرف تاريخ، لكن الآن عرفنا التاريخ، الأمر
بالقطع في المدينة قبل خروجه -عليه الصلاة والسلام- منها،
وعدم ذكر القطع بعرفة بعد ذلك، يعني لو لم نعرف التاريخ
لقلنا: يحمل المطلق على المقيد على الجادة؛ للاتحاد في
الحكم والسبب، لكن عرفنا المتقدم والمتأخر، ولذا اختلف
الأئمة في القطع، هل يقطع الخف أو لا يقطع؟ حتى عند من
يقول بحمل المطلق على المقيد، بل لا أعرف من يخالف لو لم
نعرف التاريخ في مثل هذه الصورة؛ لأنه اتحد الحكم والسبب،
فإذا اتحد الحكم والسبب حمل المطلق على المقيد بالاتفاق،
لكن الآن وجد خلاف، لماذا وجد خلاف؟ لتأخر المطلق، لتأخر
المطلق وجد الخلاف، فيرى جمع من أهل العلم أنه لا بد من
القطع، وآخرون يقولون: لا ما يحتاج إلى القطع، طيب ما يحمل
المطلق على المقيد؟ قالوا: لا، لو وجد التقييد لما جاء
النص المطلق متأخر بحيث شهده من لم يشهد ولم يحضر النص
المقيد، الآن ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟
(7/11)
عندنا الآن صورة حمل المطلق هذا صورة من
أربع صور، يعني اتحدا في الحكم والسبب يحمل المطلق على
المقيد اتفاقاً، لكن لما عرف التاريخ وأن أحدهم متأخر،
يعني لا سميا مع تأخر المطلق وجد الخلاف، ومثله لو تأخر
العام عن الخاص، ونصوا على هذا في باب العام والخاص، من
أهل العلم من لا يحمل العام على الخاص إذا تأخر العام،
وهنا تأخر إيش؟ المصروف وتقدم الصارف، الإجراء الطبيعي
الأصل في المسألة أن يتقدم المصروف ويتأخر الصارف، مثل
العام والمطلق مع الخاص والمقيد، إحنا الآن عرفنا التاريخ،
وأن حديث طلق بن علي متقدم على حديث بسرة، ها فكيف العلم
حينئذٍ؟ هو يُعرف تاريخ ورود النص بتاريخ إسلام الراوي،
مما يعرف به تأخر إسلام الراوي وتقدمه، لا سيما وأن طلقاً
ما لزم المدينة لما أسلم، جاء وقت بناء المسجد وذهب إلى
قومه، ما يقال: إنه تحمله بعد ذلك، لا أبداً.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو الأصل عند الجمهور أنه للوجوب إلا أن يوجد صارف، شيخ
الإسلام يرى أن مثل حديث طلق صارف للأمر، ولو تقدم عليه،
والأئمة الثلاثة كما سمعتم مالك والشافعي وأحمد يرون
النقض.
طالب:. . . . . . . . .
هو مرجح من المرجحات، من المرجحات، يعني مما يرجح به حديث
بسرة أنه ناقل عن الأصل، وحديث طلق مبقي على الأصل، هذا من
المرجحات، وهو أرجح من كل وجه، حديث بسرة أرجح من كل وجه،
وهو متأخر، وهو أقوى من حيث الصناعة والعمل عمل به جمهور
أهل العلم، نعم.
ولذا الأئمة الثلاثة كلهم على العمل بحديث بسرة، الأئمة
الثلاثة كلهم على العمل به، وأبو حنيفة يرى ترجيح حديث
طلق؛ لأنه مبق على الأصل.
يقول: "دخلت على مروان بن الحكم فتذاكرنا ما يكون منه
الوضوء، فقال مروان: من مس الذكر الوضوء، قال عروة: ما
علمت هذا" ما علمت هذا، الآن أيهم أعلم مروان وإلا عروة؟
عروة بلا شك، دل على أن الجهل ببعض المسائل لا يدخل
النقيصة على العالم ولا يُنبز به، ولا يتنقص بسببه، إذ
الإحاطة بجميع العلم لا سبيل إليها، وقد يكون عند المفضول
ما لا يوجد عند الفاضل، كما هو معروف، وليس في هذا نقيصة
على عروة بوجه.
(7/12)
"فقال مروان بن الحكم: أخبرتني بسرة بنت
صفون أنها سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:
((إذا مس أحدكم ذكره)) " يعني بلا حائل، وبباطن كفه؛ لحديث
((إذا أفضى)) والإفضاء إنما يكون بباطن الكف، كما قرر ذلك
أهل اللغة، على كل حال الاحتياط الوضوء من مس الذكر، بعض
الروايات: ((من مس فرجه فليتوضأ)) من حديث أبي هريرة
وغيره، فيلحق به الدبر، فإذا مس القبل أو الدبر يتوضأ.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما في المسألة مفترضة أن في أنه مغسول ونظيف وهو بضعة
منك، كما في حديث طلق، لكن سداً لذريعة مسه بشهوة فيخرج
منه شيء، بعضهم يقيد ذلك بالشهوة، فيرى أنه لا ينقض الوضوء
إلا إذا مس بشهوة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في فرق بين رجله وذكره في حديث طلق ما في فرق؛ لأن كلها
بضعة منك، ومعلوم أن المس ما يمكن أن يسأل عنه إذا كان
بحائل.
طالب:. . . . . . . . .
في الصلاة نعم في الصلاة لا بد أن يكون بحائل، نعم الرجل
يمس ذكره في الصلاة بحائل، وهذا يستدل به من يقول بنقض
الوضوء من مس الذكر، ويمكن حمل حديث طلق على مسه بحائل،
وعلى كل حال مسه بحائل لم يقل أحد من أهل العلم بنقض
الوضوء به، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
مس ذكره إذا لم يكن نجس باقي على طهارته، مس ذكر الطفل
كقبلة الطفل، وقبلة المحرم، وما أشبه ذلك ما في شهوة على
ما سيأتي بالقبلة، هذا الذي يظهر من كلامه -رحمه الله-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي
وقاص عن مصعب" عمه "مصعب بن سعد بن أبي وقاص أنه قال: كنت
أمسك المصحف على سعد بن أبي وقاص" يعني أباه "حال قراءته
للقرآن" يعني أضبط عليه، يتبع "فاحتككت" المقصود بذلك تحت
الإزار "فقال سعد: لعلك مسِست" بكسر السين الأولى هو أفصح
"بكفك ذكرك" يعني بلا حائل "قال مصعب: فقلت: نعم، قال: قم
فتوضأ، فقمت فتوضأت ثم رجعت" هذا يدل على أن سعداً -رضي
الله عنه- يرى النقض بمس الذكر، وسعد أحد العشرة المبشرين
بالجنة، وفيه أيضاً أن سعد يرى أنه لا يمس القرآن إلا
طاهر، ولذلك قال له: قم فتوضأ.
(7/13)
الخبر الذي يليه: "وحدثني عن مالك عن نافع
أن عبد الله بن عمر كان يقول: "إذا مس أحدكم ذكره فقد وجب
عليه الوضوء" والبزار روى الخبر عن بن عمر مرفوعاً، فقد
وجب عليه الوضوء، والمراد به الوضوء الشرعي، لماذا؟ لأنه
لا موجب للوضوء اللغوي، الوضوء اللغوي اللي بمجرد غسل
اليدين إنما يستلزمه قذر، يعني وسخ أو نجس ولا موجب له،
فدل على أن المراد الوضوء الشرعي.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هاشم بن عروة عن أبيه أنه كان
يقول: "من مس ذكره فقد وجب عليه الوضوء" عروة الذي قال في
الخبر السابق: ما علمت هذا، لكنه بعد أن علم، وبلغه الخبر
مرفوعاً عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أفتى به، "من مس
ذكره فقد وجب عليه الوضوء" وهذا كسابقه، رواه البزار
مرفوعاً عن عائشة -رضي الله عنها-.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله
أنه قال: "رأيت أبي -عبد الله بن عمر- يغتسل ثم يتوضأ،
فقلت له: يا أبتي أما يجزيك؟ -يكفيك- الغسل من الوضوء؟ "
يغتسل ثم يتوضأ "فقلت له: يا أبتي أما يجزيك -يكفيك- الغسل
من الوضوء" لأن الغسل وضوء وزيادة، وعبادتان من جنس واحد،
والتداخل في مثل هذا معروف، فتدخل الصغرى في الكبرى.
"أما يجزيك الغسل من الوضوء؟ قال: بلى" يجزي ويكفي "ولكن
أحياناً أمس ذكري" سهواً أو عمداً لتنظيف أو دلك، وما أشبه
ذلك "فأتوضأ" أثناء الغسل، والمسألة مفترضة في شخص توضأ
وضوءه للصلاة كما هو في الغسل الكامل، ثم اغتسل فوقعت يده
على فرجه مثل هذا يعيد الوضوء، كصنيع ابن عمر.
يقول الباجي: إنما كان سؤال سالم أباه لما رآه يتوضأ بعد
غسله الذي افتتحه بالوضوء؛ لأنه معروف أن الوضوء الكامل أن
يغسل يديه وذكره وما لوثه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، الوضوء
الكامل أو يؤخر غسل الرجلين، كما جاء في بعض الروايات،
نعم، المقصود أنه يتوضأ، ثم يعمم بدنه بالماء على ما
سيأتي، بعد هذا لا يحتاج إلى وضوء.
(7/14)
الباجي يرى أن سؤال سالم لأبيه عن إعادة
الوضوء كيف يعيد وضوء والوضوء تقدم قبل الغسل؟ فأجابه بأنه
"ولكني أحياناً أمس ذكري فأتوضأ" لأنه بمس ذكره انتقض
وضوؤه الذي حصل قبل الغسل، والأصل الوضوء قبل الغسل، هذا
السنة، فإذا مس ذكره نقض وضوءه السابق فيعيده بعد الغسل.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هذا هو عنده وضوء، وضوء طهارة شرعية، نقضت بمس
الذكر، فيعاد، الحدث الأكبر ما يرتفع إلا بالغسل، معروف،
لكن حتى الغسل إذا مضى بعضه، نضح الماء على رأسه، وافترض
أنه ما هو متوضئ يقول: تكفيني الطهارة الكبرى، فنضح الماء
على رأسه، وغسل شقه الأيمن، ثم شقه الأيسر، على ما جاء، ثم
مس فرجه، نقول: مس الذكر ناقض، لكن كونه ناقض، الآن
المسألة دقيقة جداً، المسألة دقيقة، الآن هل مس الذكر ناقض
للوضوء أو ناقض للغسل؟
طالب:. . . . . . . . .
ولا ينقض الغسل؟
الآن افترضنا أن شخصاً أفاض الماء على رأسه، ثم غسل شقه
الأيمن وشقه الأيسر قبل أن يكتمل الغسل مس ذكره، نقول: كمل
الغسل، الغسل ما عليه، لكن عليك أن تتوضأ؛ لأن الوضوء
الداخل في هذا الغسل انتقض.
طالب:. . . . . . . . .
يستوي، وكلام الباجي ما له داعي.
طالب:. . . . . . . . .
ما يشق، ما يشق، لا هو المسألة مفترضة فيمن يغتسل الغسل
الكامل يغسل فرجه وما لوثه، ويتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض
الماء على بدنه ولا يحتاج إلى مسه، فإذا مس ذكره بعد ذلك
يعيد الوضوء على خلاف في المستحب، يعني تدخل الصغرى في
الكبرى؟ الطهارة الصغرى في الكبرى؟ بكمالها، معروف، نعم.
أحسن الله إليك
باب: الوضوء من قبلة الرجل
امرأته
وحدثنا عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه
عبد الله بن عمر أنه كان يقول: "قُبلة الرجل امرأته وجسها
بيده من الملامسة، فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه
الوضوء".
عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يقول: "من
قُبلة الرجل امرأته الوضوء".
عن مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول: "من قُبلة الرجل امرأته
الوضوء".
قال نافع: قال مالك: وذلك أحب ما سمعت إلي.
(7/15)
مقلوب، مقلوب هذا، على أنه لا يوجد في أكثر
النسخ، هذا الكلام كله التعقيب هذا ما هو موجود في أكثر
النسخ، لا يوجد.
هذا يسأل يقول: هل في قول ابن عمر: إن هذه لصلاة ما كنت
تصليها، يقول: هل كان ابن عمر يحافظ على صلاة الضحى أو لا
يحافظ؟
الصلاة بعد طلوع الشمس، بعد أن طلعت الشمس وقضاء الفرائض
لا يدخل في النهي، لكنه ما كان يصلي مع طلوع الشمس، ولو
افترضنا أن الشمس قد طلعت وارتفعت، فمسألة الصلاة بعد طلوع
الشمس وارتفاعها لمن جلس في المسجد مسألة مختلف فيها تبعاً
لثبوت الخبر: ((من جلس في المصلى حتى تطلع الشمس، ثم صلى
ركعتين)) ... إلى أخره.
فالذي يثبت هذا الخبر يقول: هناك صلاة بعد ارتفاع الشمس،
وعليها الثواب المرتب، والحديث لا يسلم من كلام لأهل
العلم، لذا ابن القيم -رحمه الله- لما شرح حال الأبرار،
وأنهم يجلسون بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس، ثم يصلون
ركعتين، نعم، يصلون ركعتين، ثم انتقل إلى وصف حال
المقربين، فقال: إنهم يجلسون بعد صلاة الصبح ثم إن شاءوا
صلوا وإن شاءوا انصرفوا، هل هناك ملحظ وإلا ما في ملحظ؟
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
أيهم أرفع درجة؟ المقربون أرفع، إذاً كيف يقول بالنسبة
للأبرار أنه إذا طلعت الشمس صلوا ركعتين، ثم انصرفوا،
وبالنسبة للمقربين إن شاءوا صلوا وإن شاءوا انصرفوا بدون
صلاة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
بالنسبة لصلاة الضحى تأخيرها أفضل بلا شك، وكون الأبرار
يصلون صلاة الضحى في أول الوقت، لا يعني أن المقربين لا
يصلونها، الأمر الثاني: أن الأبرار يزاولون من أعمال
الدنيا ما يزاولون، فهم ينصحون بأن يصلوا صلاة الضحى قبل
أن يخرجوا من المسجد؛ لئلا ينشغلوا بأمور دنياهم عنها،
فيتركوها، بينما المقربون تفرغوا لهذا الأمر، ولا يتصور
منهم أنهم سوف ينسون صلاة الضحى.
طالب:. . . . . . . . .
أقل الأحوال تصلى بنية الضحى وخلاص، تصلى بنية الضحى، وإن
ثبت الخبر ففضل الله واسع، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
الله المستعان.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: الوضوء من قبلة الرجل امرأته
(7/16)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن
سالم بن عبد الله عن أبيه عبد الله بن عمر أنه كان يقول:
"قُبلة الرجل امرأته وجسها بيده من الملامسة" الملامسة:
يعني الواردة في آية الوضوء {أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء}
[(43) سورة النساء] لامس ملامسةً، وهذه الصيغة تقتضي صيغة
المفاعلة، أن تكون بين طرفين بين طرفين، هذا الأصل في صيغة
المفاعلة، لكن قد ترد من طرف واحد، فقيل: سافر، سافر فلان
هذا من طرفين أو من طرف واحد؟ من طرف واحد، طارق النعل
كذلك، المقصود أنها ترد هذه الصيغة ويراد بها وقوعها من
طرف واحد.
الملامسة تختلف عن اللمس والمس أو لا تختلف؟ هناك في الذكر
قال: مسستُ، فهو مس ومسيس، وهنا: لمس وملامسة، فهل المس
غير اللمس والملامسة وإلا هو هو؟ نعم؟ وإلا الملامسة إيش؟
أعم من أن تكون باليد ((إذا مس أحدكم امرأته)) وفي: {أَوْ
لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] فهل يختلف
اللمُس والمس والملامسة؟ طيب "نهي عن بيع الملامسة" لأن من
أهل العلم من يرى تخصيص الملامسة بالجماع، في قوله: {أَوْ
لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] لتكون الآية
مشتملة على الحدثين الأصغر والأكبر، من باب المقابلة.
(7/17)
يقول ابن عبد البر في الاستذكار: "اختلف
العلماء من الصحابة فمن بعدهم في معنى الملامسة التي أوجب
الله بها الوضوء لمن أراد الصلاة، بقوله {أَوْ لاَمَسْتُمُ
النِّسَاء} [(43) سورة النساء] فقيل: الجماع، وقيل: ما
دونه مما يجانسه، مثل القبلة وشبهها، ثم هل الُلمس خاص
باليد أو بسائر البدن؟ وهل يشترط فيه اللذة أو لا؟
الملامسة المسألة مختلف فيها، هل تطلق أو تختص بالجماع كما
قاله بعضهم، وهو مقتضى مذهب أبي حنيفة، الذي لا يرى النقض
-نقض الوضوء- بالمس، واللُمس مطلقاً، أو تتناول المس
باليد، واللمُس وما هو أعظم من ذلك، كما يقوله الثلاثة
مالك وأحمد والشافعي، ثم يختلف هؤلاء فيشترط مالك وأحمد
الشهوة، وأما الشافعي فيرى أن اللمُس ناقض للوضوء مطلقاً
بشهوة وبغيرها، ولذا يؤكدون أعني الشافعية في على الاحتياط
في المطاف، المالكية والحنابلة ما عندهم مشكلة في المطاف؛
لأنهم يشترطون الشهوة، الشافعية ولو من غير شهوة، حصل
الُلمس ولو من غير شهوة انتقض الوضوء، ثم بعد ذلكم يتبعه
عدم صحة الطواف، والطواف تتسلسل المسألة قد يكون ركن لركن
من أركان الإسلام فهم يشددون في هذا.
هنا يقول ابن عمر: "قبلة الرجل امرأته وجسها بيده من
الملامسة، فمن قبل امرأته أو جسها بيده فعليه الوضوء" ومع
ذلكم خص ذلك باليد دون سائر البدن، لو لمسها برجله عليه
وضوء وإلا ما عليه وضوء؟ وخص ذلك باليد، لو لطم زوجته عليه
وضوء وإلا ماعليه وضوء؟ نعم مقتضى قول الشافعية أن عليه
الوضوء، وعند مالك وأحمد لا وضوء عليه، طيب إذا مس الشعر
والظفر ينتقض الوضوء أو لا ينتقض؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ لأنها في حكم المنفصل، الشعر والظفر على الخلاف بين
أهل العلم، لكن الأكثر على أنها في حكم المنفصل؛ لأنها في
حكم المنفصل.
طيب إذا أقسم حلف ألا يمس شاة مثلاً، ووضع يده على ظهرها
يحنث وإلا ما يحنث؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ ما قلنا: الشعر في حكم المنفصل؟ إذا حلف ألا يمس
امرأته فوضع يده فوق رأسها، لماذا؟ ما قلنا: في حكم
المنفصل؟ نعم الأيمان والنذر مبنية على الأعراف عند الأكثر
خلافاً لمالك.
(7/18)
بعد هذا يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن
عبد الله بن مسعود كان يقول: "من قبلة الرجل امرأته
الوضوء" امرأته مفعول للمصدر، وهذا من باب إضافة المصدر
إلى فاعله "من قبلة الرجل امرأته الوضوء" لأنه من مشمول
{أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء} [(43) سورة النساء] يشترط في
القبلة اللذة وإلا ما يشترط؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا العكس عند الشافعية، ما يحتاج لذة ولا شهوة، لكن هل
يتصور قبلة بدون لذة؟ امرأته، تكون ... ، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . لا هو أقرب ما يكون إذا كانت مريضة هي،
أما إذا قدمت من سفر الشوق موجود، نعم يتصور أن يقبل الرجل
امرأته بلا شهوة جبراً لخاطرها، أو في حالة مرض، أو ما
أشبه ذلك، نعم.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أنه كان يقول: "من قبلة
الرجل امرأته الوضوء" لأنه ملامسة وزيادة، هذا بالنسبة
للامس فما حكم الملموس؟ اللامس عرفنا حكمه، وعرفنا أقول
أهل العلم، وأنه عند الثلاثة اللمس ينقض الوضوء على خلاف
بينهم في اعتبار الشهوة، وعند أبي حنيفة لا ينقض، وأن
الملامسة يراد بها الجماع، هذا بالنسبة للامس، فماذا عن
الملموس؟
اللامس والملموس عند مالك سوى، يعني إذا وجدت شهوة من
الملموس انتقض وضوؤه، إذا وجدت الشهوة من اللامس انتقض
الوضوء، يعني الملموس يمكن يشتهي وإلا ما يمكن؟ ممكن، فإذا
وجدت الشهوة من الملموس صار حكمه حكم اللامس عند الإمام
مالك، وعند الحنابلة، نعم، ولا ينتقض ملموس عند أحمد ولو
وجد منه شهوة، وعند الشافعي قولان كالمذهبين، هذا أقوال
أهل العلم في هذه المسألة.
فلا شك أن الاحتياط مطلوب، والخروج من عهدة الواجب بيقين
هو الأحوط، والأبرأ للذمة، والنص محتمل، وأقوال الصحابة
مثل ما سمعتم.
(7/19)
النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل بعض
نسائه، نعم، وخرج للصلاة، هل نقول: إن هذا مرجح لقول أبي
حنيفة؟ أما كونه قاضياً على مذهب الشافعي يقضي على مذهب
الشافعي، الذي يقول: ينتقض باللمس بشهوة أو بغير شهوة،
وبالنسبة لقول مالك وأحمد احتمال، وهو ظاهر في الانتصار
لمذهب أبي حنيفة، وعلى كل حال الاحتياط واللفظ -لفظ الآية-
محتمل، وفهمه كثير من الصحابة على أنه مجرد اللمس، وإن كان
ابن عباس يرى أنه الجماع، ابن عمر وغيره يرون أنه مجرد
اللمس، وهو قول الأكثر، فالاحتياط للعبادة مطلوب، لكن لو
قدر أن شخص قال: إنه صلى وانتهى، وقد قبل زوجته قبل ذلك أو
مسها، أمره بالإعادة يحتاج إلى نص قاطع للعذر، والأدلة
محتملة، فلا يؤمر بالإعادة حينئذٍ إلا من باب الاحتياط، إن
كان يستروح إلى هذا، أما إلزامه فلا، لكن تقبيل النبي
-عليه الصلاة والسلام- بعض نسائه.
طالب:. . . . . . . . .
مسألة الاحتياط شيء، والإلزام شيء آخر، الإلزام لا بد من
شيء يقطع العذر، يقطع الكلام، والآية محتملة، والنص أيضاً
لا يسلم من مقال أيضاً كونه قبل.
طالب:. . . . . . . . .
فيه كلام، النص فيه كلام، ما يلزم أن يكون من غير حائل، ما
يلزم، وكونها مست قدمه، وهو يصلي بعد كذلك، نعم، المقصود
يا إخوان أن المسألة محتملة مثلما سمعتم، وأقوال الأئمة
مثلما ذكرنا، أما الأمر بإعادة الصلاة فلا بد فيه من نص
قاطع، ولا نص قاطع، والنصوص كما سمعتم محتملة، والآية
تحتمل الأمرين، والاحتياط وإبراء الذمة، والخروج من عهدة
الواجب بيقين هذا أمر مطلوب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يصير فهم من الآية، مثلما فهم ابن عباس.
يقول: سائل يسأل عن صيام ست من شوال هل لا بد فيها من
النية؟ أم تعتبر مثل التطوع؟
أما بالنسبة للتبييت لا يلزم كغيره من التطوعات، أما تمييز
كونه من الست مطلوب؛ لأن هذا شيء خاص.
ثم إذا كان الشخص يصوم يوماً ويترك يوماً قبل رمضان،
واستمر على ذلك ولله الحمد، فكيف يصوم ستاً من شوال؟
(7/20)
الست تدخل في هذا، الست تدخل في صيام داود،
وهي أيضاً تدخل في صيام البيض، تدخل في صيام الاثنين
والخميس، هذه أمور من جنس واحد، كلها مؤدات، ليس بعضها
مقضٍ وبعضها مؤدى، فهي عبادات متداخلة، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: العمل في غسل الجنابة
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان إذا اغتسل من الجنابة
بدأ بغسل يديه، ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة، ثم يدخل أصابعه
في الماء، فيخلل بها أصول شعره، ثم يصب على رأسه ثلاث
غرفات بيديه، ثم يفيض الماء على جلده كله.
عن مالك عن بن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة أم
المؤمنين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يغتسل من
إناء هو الفرق من الجنابة.
عن مالك عن نافعٍ أن عبد الله بن عمر كان إذا اغتسل من
الجنابة بدأ فأفرغ على يده اليمنى فغسلها، ثم غسل فرجه، ثم
مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه، ونضح في عينيه، ثم غسل يده
اليمنى ثم اليسرى، ثم غسل رأسه، ثم أغتسل وأفاض عليه
الماء.
عن مالك أنه بلغه أن عائشة سئلت عن غسل المرأة من الجنابة،
فقالت: لتحفن على رأسها ثلاث حفنات من الماء، ولتضغث رأسها
بيديها.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: العمل في غسل الجنابة
يقول الله -جل وعلا-: {وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا
فَاطَّهَّرُواْ} [(6) سورة المائدة] يعني اغتسلوا، بدليل
قوله تعالى: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ
حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ} [(43) سورة النساء].
(7/21)
فيقول بعد هذا: "حدثني يحيى عن مالك عن
هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- كان إذا اغتسل" هل نقول: إذا أراد،
أو إذا فرغ، أو إذا شرع؟ شرع اغتسل، يعني شرع بالغسل من
الجنابة، يعني بسبب الجنابة فـ (من) سببية "بدأ بغسل يديه"
بدأ بغسل يديه ثم بعد ذلكم يغسل فرجه، كما عند مسلم
والترمذي والشافعي وغيرهم "ثم توضأ كما يتوضأ للصلاة" مخرج
للوضوء اللغوي "ثم يدخل أصابعه في الماء فيخلل بها" أي
بالأصابع "أصول شعر رأسه" والتخليل مستحب، ولا يجب اتفاقاً
"ثم يصب على رأسه ثلاث غرفات" ففيه استحباب التثليث في
الغسل، قال النووي: ولا نعلم فيه خلافاً، يعني التثليث،
يعني كونه يفرغ على رأسه ثلاثاً، يغسل شقه الأيمن ثلاثاً،
والأيسر كذلك، مستحب، فيقول النووي: لا نعلم فيه خلافاً
إلا ما تفرد به الماوردي، فقال: لا يستحب التكرار في
الغسل، يعني يعمم البدن بدون تكرار "بيديه، ثم يفيض" يعني
يُسيل الماء على جلده كله، استدل بهذا من لا يشترط الدلك
"يفيض" يعني يُسيل "الماء على جلده" فيستدل بهذا الجمهور
على أن الدلك لا يدخل في مسمى الغَسل ولا الغُسل، المالكية
يقولون: الدلك من مسمى الغسل، بينما الجمهور لا يقولون:
الدلك، يعني لا يقولون بلزومه ولا أشتراطه لصحة الغسل،
ومثله الوضوء، واللغة فيها ما يدل على ذلك، يقال: غسله
العرق، غسله المطر يعني إذا وصل إلى بدنه، ولو لم يحصل معه
دلك.
يقول ابن عبد البر: هذا أحسن حديث روي في ذلك، يعني الغسل،
يعني حديث عائشة -رضي الله عنها-.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن
عائشة أم المؤمنين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان
يغتسل من إناء هو الفرق من الجنابة" يعني بسببها، الفرق
قال ابن التين: بتسكين الراء، يكون إيش؟ الفرْق، ورويناه
بفتحها، وجوز بعضهم الأمرين، قال النووي: الفتح أفصح
وأشهر، وزعم الباجي أنه الصواب، يعني الفتح.
(7/22)
ولعل مستنده ما حكاه الأزهري عن ثعلب وغيره
الفرَق بالفتح والمحدثون يسكنونه، وكلام العرب بالفتح، يدل
على أنه لا يوجد سكون، يعني أيهما أولى أن يقال: أفصح وإلا
هو الصواب؟ يعني كونه أفصح لا ينفي أن يوجد لغة غير فصيحة
بالسكون، وكونه هو الصواب يدل على أن ما عداه خطأ.
حكى ابن الأثير أن الفرَق بالفتح ستة عشر رطلاً، والفرْق
بالإسكان مائة وعشرون رطلاً، وهو غريب، كلام غريب، وعند
مسلم قال سفيان: الفرق ثلاثة آصع، قال النووي: وكذا قال
الجماهير، ثلاثة آصع، يعني كم رطل؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لكنه إذا كان من مادة واحدة ما يتغير، نعم الماء، الماء
وزنه واحد، فإذا قورن وزنه بكيله، نعم ما تقول: الفرق
ثلاثة آصع من كل شيء، أو ستة عشر رطلاً من كل شيء، لكن من
الماء ما يتغير، الماء وزنه واحد، فما الفرق بين ثلاثة آصع
كما قال سفيان في صحيح مسلم، وهو قول الجماهير كما قال
النووي، وما ذكره أهل العلم من أنه ستة عشر رطلاً؟ لأن
الصاع خمسة أرطال، نعم، وإيش؟ وثلث، إذاً الثلاثة الآصع
ستة عشر رطلاً.
ما جاء عنه -عليه الصلاة والسلام- من أنه كان يغتسل
بالصاع، وهنا يغتسل من إناء هو الفرَق من الجنابة، يعني
جاء في الحديث حديث في الصحيح، في البخاري وغيره أنه يغتسل
هو وعائشة من إناء هو الفرق، فلا إشكال، وأيضاً كونه يغتسل
من هذا الإناء الذي فيه ثلاثة آصع لا يختلف مع كونه يغتسل
بالصاع؛ لأنه لا يلزم أن يستوعب جميع ما في هذا الإناء،
فلا اختلاف بين هذا وذاك.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا
اغتسل من الجنابة" يعني بسببها "بدأ فأفرغ على يده اليمنى"
أفرغ صب على يده اليمنى، يعني يكفئ الإناء باليسرى، فيصب
على اليمنى "فيغسلها، ثم غسل فرجه" المعلوم أنه بشماله "ثم
مضمض واستنثر" وقد مضى الكلام على حكم المضمضة والاستنشاق،
وما قيل في حكمهما من قبل أهل العلم، وبعض من يقول
بالاستحباب في الوضوء يقول بالوجوب في الغسل "ثم غسل وجهه"
هذا من؟ ابن عمر "ثم نضح في عينيه" يعني رش الماء في
عينيه، وهذا من اجتهاداته وشذائذه واحتياطه وتحريه.
(7/23)
يقول ابن عبد البر: لم يتابع ابن عمر على
النضح في العينين أحد، وله شذائذ حمله عليها شدة التحري،
ولا شك أن الزيادة على ما جاء عن النبي -عليه الصلاة
والسلام- ولو كان الحامل عليها التحري والتثبت والاحتياط،
نعم، هذا لا يبرر الزيادة على ما جاء في الشرع، يعني بعض
أهل العلم أثر عنهم أنهم يزيدون في الوضوء على الثلاث، بل
على الأربع إلى أن يصلون إلى حد العشر مرات.
جاء في ترجمة ابن دقيق العيد، وترجمة الحافظ العراقي أنهم
يزيدون، ويقول المترجمون: إن ذلك لا يخرجهم إلى حيز
الابتداع، بل الحامل على ذلك الاحتياط، لكن هل الاحتياط في
مثل هذا؟! يعني شيخ الإسلام -رحمه الله- فيما نقله عنه ابن
القيم يقول: الاحتياط إذا أدى إلى ترك مأمور، أو فعل
محظور، فالاحتياط في ترك هذا الاحتياط، يقول: هذا لا
يدخلهم إلى حيز الوسوسة والابتداع، لا، هذا احتياط، ما هو
بصحيح، يعني كون الشخص أعمى هل يبرر له العمى وعدم الإبصار
أن يغسل العضو أكثر من ثلاث مرات، يقول: أنا ما بقي شيء،
بقي بقعة، أنا استوعبت العضو ما استوعبت، فأنا با احتاط،
المبصر معروف الذي يرى العضو وأنه استوعبه بالماء، لكن
الكفيف يقول: أنا با أغسل يدي، إلى أن أجزم أني عممت العضو
بالماء، له ذلك أو ليس له ذلك؟
الذي يقول: أنا لا أدري وأنا با أغسل حتى أقطع أني غسلت
العضو كاملاً؛ لأنه يقول: احتمال في بقعة أنا ما أدري
عنها، هل استوعبت أو ما استوعبت؟
طالب:. . . . . . . . .
(7/24)
إيه، لكن هل تعتبر غسلة وهو شاك في استيعاب
العضو؟ هذا الذي ينبهنا إلى مثل هذا أني حضرت وضوء بعض
الكبار، الكبار يعني، مكفوفي البصر، ويزيد على المشروع
بحجة أنه أعمى، ومع ذلكم إذا خشي ألا يسبغ فقطعاً سوف يسبغ
بالثلاث، وإذا كان التردد بين الثلاث، وما زاد عليها،
فليقتصر على الثلاث، ولو افترضنا أنه ما أتم غسله في
الأولى والثانية، ثم عممه في الثالثة؛ لأنه إذا شك هل غسل
العضو مرتين أو ثلاث يجعله مرتين أو ثلاث؟ يجعلها ثلاث،
لماذا؟ نعم؛ لأنه إن كان في الحقيقة غسلها ثلاثاً ثم أراد
أن يزيد رابعة من باب قطع الشك خرج إلى حيز البدعة، لكن إن
كان في الحقيقة غسلها اثنتين ولم يزد على ذلك فهو ما زال
في دائرة السنة، هذا في الصلاة في التردد ركعتين وإلا ثلاث
يبني على ما استيقن، لكن الوضوء ليش؟ لماذا نفرق بين
الوضوء والصلاة؟ نعم؟ هذا تردد هل صلى ركعتين وإلا ثلاث؟
نعم؟ نقول: يبني على الأقل لأنه متيقن، لماذا؟ لأن الأقل
ليس بشرع، لو تبين في الحقيقة أنه استيقن على الأقل، لكن
لو توضأ مرتين أو ثلاث لا شك أنه مرتين، اجعلها ثلاث؛ لأنه
لو فرض أنها مرتان شرعية، النبي -عليه الصلاة والسلام-
توضأ مرتين مرتين، لكن لو فرض أنها في الحقيقة ثلاث وزدت
رابعة خرجت إلى حيز البدعة، فكونك تتردد بين بدعة وسنة
الزم السنة ولو كانت أقل.
طالب:. . . . . . . . .
أي يبني على الأقل لأنه مستيقن؛ لأن الصلاة باطلة لو نقص
ركعة، لكن الوضوء لو نقص مرة ما بطل.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لو. . . . . . . . . الصلاة فيها نصوص؛ لأنك لو
نقصت من العدد بطلت صلاتك، الوضوء لو نقصت من ثلاث ما بطل،
وسنة النبي -عليه الصلاة والسلام- توضأ مرتين مرتين، فكونك
تتردد بين سنة وبدعة غير كونك تتردد بين صلاة صحيحة وصلاة
باطلة، فهمت القصد؟ إيه.
ويبقى أنه هذا الشك يبني عليه شك آخر، ثم بعد ذلك يخرج عن
حيز السنة إلى الوسوسة؛ لأن مثل هذا الاحتياط في القدر
اللي دونه مجزئ، لا سيما إذا تكرر مع الإنسان عليه أن
يقطع؛ لئلا يوسوس، كل بدايات الموسوسين من هذا، بدايات
الموسوسين كلها بسبب هذا.
(7/25)
نعم هذه تسأل تقول: عليها قضاء من رمضان،
هل تصوم ست من شوال قبل القضاء أم بعده؟
لا، تصوم ما عليها من واجب، ثم تتنفل بما شاءت، هذا هو
المرجح وإن كان ....
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، خلاص خرج وقتها، خرج وقتها.
يقول: إذا احتاج العضو إلى غسل أكثر لوجود أوساخ تحتاج إلى
إزالتها؟
الأولى أن يغسل هذه الأوساخ قبل شروعه في الوضوء؛ لئلا
يلتبس المشروع بغيره.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، غسل يده اليمنى، قبل .. ، ما هو بغسل الوضوء، الغسل
من أجل إدخالها في الإناء، أفرغ على يده اليمنى أمال
الإناء فغسل يده اليمنى، ثم اللي ... ، قبل الشروع في
المطلوب، ما هو بغسل الوضوء هذا، ما هو بغسل الذراع، غسل
الكف، إيه.
"ثم غسل فرجه، ثم مضمض واستنثر، ثم غسل وجهه، ونضح في
عينيه " يعني رش الماء في عينيه، وهذا من احتياطه، ولم
يتابعه عليه أحد "ثم غسل يده اليمنى ثم اليسرى" مع
المرفقين، هذا الوضوء، معروف هذا الوضوء الذي يتقدم على
الغسل "ثم اليسرى، ثم غسل رأسه" يعني مسح برأسه "ثم اغتسل"
ولم يذكر غسل الرجلين؛ لأنه جاءت السنة بتقديم غسل الرجلين
مع الوضوء، توضأ وضوءه للصلاة، وجاء تأخير غسل الرجلين بعد
الغسل والانتقال من المكان، لا سميا إذا كان المكان فيه
طين وما أشبهه.
"وأفاض عليه الماء" هذا تفسير لـ (اغتسل) "ثم اغتسل وأفاض
عليه الماء" هذا عطف تفسيري.
ثم قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عائشة سئلت عن غسل
المرأة من الجنابة، فقالت: لتحفن على رأسها ثلاث حفنات من
الماء، ولتضغث رأسها بيديها".
عن مالك أنه بلغه، في شرح الزرقاني قال: بلاغاته صحيحة،
قال سفيان: إذا قال مالك: بلغني فهو إسناد قوي.
(7/26)
"أن عائشة سئلت عن غسل المرأة من الجنابة،
فقالت: تحفن على رأسها ثلاث حفنات" والحفنات جمع حفنة مثل
سجدة وسجدات، والحفنة ملئ اليدين من الماء، الحفية والحثية
بمعنى واحد "ولتضغث رأسها" قال ابن الأثير: الضغث: معالجة
الشعر باليد عند الغسل، كأنها تخلط بعضه ببعض؛ ليدخل فيه
الماء، يعني تحركه تخلط بعضه ببعض، لكي يدخل الماء إلى
أصوله "بيديها" "قال مالك: ليداخله الماء، وليصل إلى
البشرة" ليصل إلى بشرة الرأس، لكن هل يلزم نقض الشعر؟ يقول
الإمام مالك: اغتسال المرأة من الحيض كاغتسالها من
الجنابة، فلا يلزمها نقض الشعر، وقد أنكرت عائشة على عبد
الله بن عمرو أمره النساء أن ينقضن رؤوسهن عند الغسل،
وشددت النكير عليه في ذلك، حتى قالت: فليأمرهن بإيش؟ بحلق
رؤوسهن، وجاء الأمر بنقض الشعر، لكنه مصروف على سبيل
الاستحباب، وقد أنكرت عائشة على عبد الله بن عمرو، جاء
النقض في حديث لعائشة، وجاء عدمه في حديث لأم سلمة، ولذا
يحمل بعضهم النقض على الشعر الكثيف الكثير، وعدمه على
الشعر الخفيف؛ لأن هذه صغيرة السن شعرها كثير، وهذه كبيرة
شعرها خفيف فلا يحتاج إلى نقض، لكن إنكار عائشة على عبد
الله بن عمرو يدل على أنه غير لازم، نعم.
باب: واجب الغسل إذا التقى
الختانان
عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب
وعثمان بن عفان وعائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-
كانوا يقولون: "إذا مس الختان الختان فقط وجب الغسل".
عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة
بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: سألت عائشة زوج النبي -صلى
الله عليه وسلم- ما يوجب الغسل؟ فقالت: هل تدري ما مثلك يا
أبا سلمة؟ مثل الفروج يسمع الديكة تصرخ فيصرخ معها، إذا
جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل".
(7/27)
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب
أن أبا موسى الأشعري أتى عائشة زوج النبي -صلى الله عليه
وسلم- فقال لها: لقد شق علي اختلاف أصحاب النبي -صلى الله
عليه وسلم- في أمر، إني لأعظم أن أستقبلكِ به، فقالت: ما
هو؟ ما كنت سائلاً عنه أمك عنه فسلني عنه، فقال: الرجل
يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل، فقالت: إذا جاوز الختان
الختان فقد وجب الغسل، فقال أبو موسى الأشعري: لا أسأل عن
هذا أحداً بعدكِ أبداً.
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الله بن كعب مولى عثمان بن
عفان أن محمود بن لبيد الأنصاري سأل زيد بن ثابت عن الرجل
يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل، فقال زيد: يغتسل، فقال له
محمود: إن أبي بن كعب كان لا يرى الغسل، فقال له زيد بن
ثابت: إن أبي بن كعب نزع عن ذلك قبل أن يموت.
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "إذا جاوز
الختان الختان فقط وجب الغسل.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: واجب الغسل إذا التقى الختانان
ختان الرجل وختان المرأة.
(7/28)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن
سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعائشة
زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانوا يقولون: "إذا مس
الختان الختان فقد وجب الغسل" يعني وإن لم يحصل إنزال "إذا
مس الختان" موضع القطع من الرجل من ذكر الرجل "الختان"
يعني موضعه من الأنثى "فقد وجب الغسل" وإن لم يحصل إنزال،
والمراد بالمس والإلقتاء المجاوزة، وفي رواية الترمذي
بلفظ: "إذا جاوز" وستأتي هذه الراوية "فقالت: "إذا جاوز
الختان الختان" والمراد بذلك الإيلاج، ليس المراد به حقيقة
المس؛ لأنهم يقولون: لو حصل المس من غير إيلاج لا يلزم منه
الغسل، وهذا أمر مجمع عليه، فإذا حصل الإيلاج وجب الغسل
حينئذٍ ولو لم يحصل إنزال، ومثل هذا الخبر مع قوله -عليه
الصلاة والسلام-: ((إذا جلس بين شعبيها الأربع ثم جهدها
فقد وجب الغسل)) يعني وإن لم ينزل، فعلى هذا هو ناسخ
للحديث الصحيح: ((الماء من الماء)) يعني الماء الذي هو
الغسل من الماء الذي هو الإنزال، ومفهومه أنه لا غسل بغير
إنزال، لكن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا جلس بين
شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل)) يعني وإن لم ينزل،
وإن لم يحصل إنزال، فحديث ((الماء من الماء)) منسوخ كما نص
على ذلك عامة أهل العلم، الجمهور نصوا على ذلك، والترمذي
أيضاً نص على ذلك في سننه.
وجاء التصريح، جاء أيضاً التنصيص عليه أن الماء من الماء
كان رخصة، مفهومها أنه نسخ بعد ذلك، ونص على ذلك الترمذي
وغيره.
والترمذي لما روى الحديث في جامعه بين أنه منسوخ، وفي علل
الجامع قال: "بينا علته في الكتاب" فالترمذي سمى النسخ
علة، ولا شك أنه علة من حيث العمل، لا من حيث الثبوت،
الحديث ثابت، لكنه من حيث العمل به النسخ علة.
(7/29)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن أبي النضر"
سالم بن أبي أمية "مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة بن
عبد الرحمن بن عوف أنه قال: سألت عائشة زوج النبي -صلى
الله عليه وسلم- ما يوجب الغسل؟ فقالت" تلاطفه أو تعاتبه
"هل تدري ما مثلك يا أبا سلمة؟ " كأنه قال: لا؛ لأنه ما
يدري ويش السبب؟ نعم، ثم أجابت "مثلك مثل الفروج" الفروج
على زنة تنور، فرخ الدجاج "مثلك مثل الفروج يسمع الديكة"
على زنة عنبة، جمع ديك، ذكر الدجاج "الفروج يسمع الديكة
تصرخ فيصرخ معها" يصيح معها، ولا يدري ما السبب؟ "إذا جاوز
الختان الختان فقد وجب الغسل" هذا مستفتٍ، جاء يسأل، فهل
يحسن أن يقال لكل مستفتٍ: أنت مثلك مثل كذا؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني كون الإنسان لا يحتاج إلى السؤال، خلونا نتنزل إلى
هذا الحد، إنسان لا يحتاج إلى السؤال، هل يجاوب عن سؤاله
إذا عرف منه أنه يتعلم، أو يقال: هذا السؤال لا يهمك؟ و
((من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)) نعم، هنا قضية
عين حصلت لطالب في الابتدائي، في المرحلة الابتدائية، عمره
لا يجاوز العاشرة، سأل شيخ كبير من أهل العلم، لكن في أول
التعليم الكبار يدرسون حتى في الابتدائية، فقال له: يا شيخ
ما حكم حلق شعر الصدر؟ هذا عمره عشر سنين، صدره فيه شعر
وإلا ما فيه؟ استدعاه الشيخ وضربه، بكى الصبي، ثم قال
الشيخ: كان الإمام أحمد يطلي جسده بالنورة، قال: أنا أريد
هذا ما أريد الضرب.
(7/30)
هذه قصة واقعة، أنا أريد مثل هذا، أنا أريد
هذا، ما أريد الضرب، فما يمنع أن يأتي الصغير يسأل سؤال
الكبار، لكن السبب في ذلك، يقول ابن عبد البر -رحمه الله-:
"عائشة تعاتب أبا سلمة بهذا الكلام؛ لأنه قلد من لا علم له
به، والعلم عندها لمكانها من النبي -صلى الله عليه وسلم-،
فكان أبو سلمة لا يغتسل من التقاء الختانين؛ لراويته عن
أبي سعيد حديث: ((الماء من الماء)) هذا سبب المعاتبة، هذا
قول، ويحتمل أن يكون هذا العتاب لأن سؤاله كان قبل بلوغه،
هذا قاله الباجي، الأول قاله ابن عبد البر، وهذا قاله
الباجي، وهو واحتمال وجيه، ما زال صغير، لا يحتاج إلى مثل
هذا، فعاتبته، أنت مثلك مثل .. ، وهذا يحصل، الآن تسمعونه
كثيراً من بعض المفتين، يجي واحد يسأل، "من حسن إسلام
المرء تكره ما لا يعنيه" يجاب بمثل هذا، ولا شك أن إذا غلب
على الظن أن السائل له مقصد أو له هدف من سؤاله غير العمل،
وغير العلم يصرف عن الجواب، بل لو وجه بكلام يردعه عن مثل
هذا، كان من الأدب المطلوب، لكن إذا خفي الأمر على المفتي
يجيب، هذا الأصل، فضلاً عن كونه يعرف أن هذا يريد أن
يتعلم، أو له حاجة إلى هذا السؤال، جمع بعضهم بقوله:
((الماء من الماء)) بأنه إذا حصل في المنام أنه لا غسل إلا
من الإنزال ((نعم إذا هي رأت الماء)) كما سيأتي، هل على
المرأة من غسل إذا احتلمت؟ قال: ((نعم إذا رأت الماء)) فلا
غسل إلا من الماء، هذا قال به جمع من أهل العلم.
(7/31)
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد
الأنصاري عن سعيد بن المسيب أن أبا موسى" عبد الله بن قيس
الأشعري "أتى عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال
لها: لقد شق" يعني صعب علي "اختلاف أصحاب النبي -صلى الله
عليه وسلم- في أمر إني لأعظم أن أستقبلك به" يعني المواجهة
في مثل هذه الأسئلة صعبة، لا سيما من رجل لامرأة أو العكس،
ومع الأسف نسمع بعض الأسئلة فيها من التصريح ما لا يصرح به
الرجال مع الرجال، يعني من بعض النساء، نعم الحياء في
العينين، إذا كان السؤال في الهاتف الناس يأخذون راحتهم
شوي، لكن يبقى أن الحياء له نصيبه من الإيمان، الحياء من
الإيمان، شعبة من شعب الإيمان، فإذا أمكنت التكنية فلا
داعي للتصريح، يعني يأتي أحياناً أسئلة وكثيرة ما هي
بقليلة، لا يحتمل سماعها، الرجل مع تكرر ما يرد عليه من
هذه الأسئلة أحياناً والله يخجل لا يستطيع أن يقول الجواب،
وهذا يقول: "إني لأعظم أن أستقبلك به" نعم هي أم المؤمنين
على كل حال، وهي مأمورة بالحجاب، والسؤال من وراء حجاب،
ولا في أي إشكال، ما في إشكال -إن شاء الله-، يسألون،
يقفون عند الباب ويسألون، ويش يصير؟ نعم عند الحاجة إذا
دعت الحاجة إلى ذلك لا بد منه، لكن ما هناك حاجة، يعني
مسألة لها لفظان كلاهما يدل على هذه القضية، واحد صريح
جداً، يعني شيء يستحيا من النطق به، والآخر يقوم مقامه،
يعني من الأدب أن يكنى على الألفاظ المستبشعة، وهذا معروف
في الشرع، وأن لا ينسب الإنسان لنفسه شيئاً قبيحاً، نعم،
لكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك لا مانع، يعني عندنا في قصة
أبي طالب، قال: هو على ملة عبد المطلب، الراوي ما يمكن
يقول: أنا على ملة عبد المطلب، يسوق الكلام بلفظه، لكن
الرواة كلهم في قصة ماعز كلهم قالوا: إني زنيت، للحاجة
الداعية للتصريح، فإذا قامت الحاجة، ولا يوجد لفظ يقوم
مقام هذا اللفظ المستبشع الحمد لله شفاء العي السؤال.
(7/32)
"فقالت: ما هو؟ " لأن الحياء الشرعي لا
يمنع من مثل هذا عند الحاجة إليه "ما كنت سائلاً عنه أمك
فسلني عنه" وفي صحيح مسلم: "فإنما أنا أمك" ولا شك أن
زوجات النبي -عليه الصلاة والسلام- أمهات المؤمنين "فقال
أبو موسى: الرجل يصيب أهله" يعني يجامع زوجته "ثم يكسل"
يفتر "ولا ينزل، فقالت: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب
الغسل".
يقول ابن عبد البر: "هذا وإن لم ترفعه عائشة إلى النبي
-عليه الصلاة والسلام- ظاهر، لم ترفعه في الصيغة ظاهراً
إلا أن له حكم الرفع بالمعنى؛ لأنه من المحال أن ترى عائشة
أن قولها حجة على الصحابة المختلفين؛ لأنه شق عليه اختلاف
أصحاب النبي -عليه الصلاة والسلام-، فكيف تفصل بين خلاف
الصحابة برأيها؟ يقول: له حكم الرفع؛ لأنه من المحال أن
ترى عائشة أن رأيها وقولها حجة على الصحابة المختلفين،
وورد عنها مثل هذا مرفوع عند أحمد والترمذي وغيرهم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا يمكن ألا يوجد عندها نص، وقد عاشت مع النبي -عليه
الصلاة والسلام-، وحصل معها ومعه غسل باجتماع وانفراد، ما
يمكن، لا يمكن أن نتصور أن عائشة ليس عندها شيء في الغسل.
طالب:. . . . . . . . .
لا فيما يخفى، لا في المعاشرة، فيما يخفى، يعني ترجح قول
عائشة وإلا قول أبي بكر في المغازي مثلاً؟ فيما يخفى ترجح
قول عائشة، فيما يظهر فيما يخص الرجال يرجح قول الرجال.
"فقال أبو موسى: لا أسأل عن هذا أحداً بعدك أبداً" ولا شك
أنها أعرف.
(7/33)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد
عن عبد الله بن كعب" الحميري المدني "مولى عثمان بن عفان
أن محمود بن لبيد الأنصاري" صحابي صغير "سأل زيد بن ثابت
عن الرجل يصيب أهله ثم يكسل ولا ينزل فقال زيد: يغتسل،
فقال له محمود: إن أبي بن كعب كان لا يرى الغسل، فقال له
زيد بن ثابت: إن أبي بن كعب نزع عن ذلك" يعني رجع "قبل أن
يموت" هذا فيه دليل على أن الناسخ قد يخفى على بعض
الصحابة، فيعملون بالمنسوخ، ثم إذا بلغهم الناسخ رجعوا
إليه، وعلى هذا يحمل ما جاء في آية الرضاعة، عشر رضعات، كن
فيما يتلى من القرآن، فنسخن بخمس، وتوفي رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- وهن مما يتلى، يعني يتلوهن من خفي عليه
نسخ اللفظ، فيدل على أن بعض الصحابة قد يخفى عليهم الناسخ،
فيعملون بالمنسوخ، وقد أحسن من انتهى إلى ما سمع، وفي
رجوعه دليل على أنه صح عنده أنه منسوخ، ولولا ذلك لما رجع.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول:
"إذا جاوز الختان الختان فقد وجب الغسل" رواه عن النبي
-صلى الله عليه وسلم- أربعة من الصحابة، وذكر الشافعي أن
كلام العرب يقتضى أن الجنابة تطلق حقيقة على الجماع، ما
يلزم أن يكون هناك إنزال، وإن لم ينزل، فإن كل من خوطب بأن
فلاناً أجنب من فلانة عقل أنه أصابها وإن لم ينزل، يعني أن
الإنزال ليس من مسمى الجماع، يعني الجماع هو مجرد الإيلاج،
وليس من مسماه الإنزال.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، نعم إذا أولج؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، ولو لم ينزل يجب عليه الغسل، ويجب عليه جميع الآثار
المترتبة على الجماع، يجب فيه الحد، يجب فيه الجلد، يجب
فيه الرجم، كل هذا إذا حصل الإيلاج، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
(7/34)
السابق نعم، ثم غسل فرجه، ثم مضمض، ثم غسل
وجهه، ثم غسل رأسه، ثم اغتسل، مقتضى هذا أن غسل رأسه
للوضوء، نعم، يعني هل هو غسل وإلا مسح؟ لأن قوله: ثم اغتسل
غير غسل رأسه، أو نقول: إنه اقتصر على بعض الوضوء، ثم أفاض
الماء على رأسه فغسله، ثم اغتسل في سائر بدنه، يعني باقيه،
ما في فرق، بدليل أنه لم يغسل رجله، دل على أنه لم يمسح،
ما دام بيغسل رأسه نعم بيحصل له غسل لا داعي لمسحه؛ لأنه
لم يغسل رجليه أيضاً، فاقتصر على بعض الوضوء.
التثليث ذكرنا أن النووي نقل الاتفاق، إلا ما يروى عن
الماوردي، الاتفاق على أنه مستحب، نعم على كل حال يفيض على
رأسه ثلاثاً، يغسل شقه الأيمن ثلاثاً، الأيسر ثلاثاً
وهكذا، يستحب عند عامة أهل العلم، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: وضوء الجنب إذا أراد أن
ينام أو يطعم قبل أن يغتسل
عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أنه قال:
ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه
يصيبه جنابة من الليل، فقال له رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((توضأ واغسل ذكرك ثم نم)).
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى
الله عليه وسلم- ما كانت تقول: إذا أصاب أحدكم المرأة، ثم
أراد أن ينام قبل أن يغتسل، فلا ينم حتى يتوضأ وضوءه
للصلاة".
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا أراد أن ينام
أو يطعم وهو جنب غسل وجهه ويديه إلى المرفقين، ومسح برأسه
ثم طعم أو نام"
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: وضوء الجنب إذا أراد أن ينام أو يطعم قبل أن يغتسل
يطعم يعني يأكل الطعام، والطعام يطلق على كل ما يساغ حتى
الماء، وفي التنزيل: {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ
مِنِّي} [(249) سورة البقرة] فأطلق الطعام على شرب الماء
{فَإِنَّهُ مِنِّي} [(249) سورة البقرة] وفي زمزم أنها
طعام طعم، والطعم هو الطعام.
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن دينار" هكذا رواه مالك
في الموطأ باتفاق رواته كلهم يقولون: عن مالك عن عبد الله
بن دينار، ورواه مالك خارج الموطأ عن نافع بدل عبد الله بن
دينار.
(7/35)
قال ابن عبد البر: "الحديث لمالك عنهما
جمعياً، لكن المحفوظ عن عبد الله بن دينار، وحديث نافع
غريب" هكذا قال ابن عبد البر، لكن الحافظ ابن حجر قال:
"رواه عن نافع خمسة أو ستة فلا غرابة" على كل حال هو ثابت
من طريق نافع، كما أنه ثابت من طريق عبد الله بن دينار.
"عن عبد الله بن عمر أنه قال: ذكر عمر بن الخطاب" فالحديث
من مسند من؟ ابن عمر، من مسند ابن عمر، وفي بعض الروايات:
عن عبد الله بن عمر عن عمر، ومقتضاه أنه من مسند عمر "أنه
قال: ذكر عمر بن الخطاب لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-
أنه يصيبه جنابة من الليل، فقال له رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: ((توضأ)) " مراد الوضوء الشرعي ((واغسل ذكرك))
لأنه الأصل ((توضأ واغسل ذكرك)) الواو هذه تفيد ترتيب وإلا
ما تفيد؟ نعم؛ لأن غسل الذكر قبل الوضوء، إلا إذا قلنا:
إنه وضوء لغوي، يعني تنظف ((ثم نم)) والجمهور على أن هذا
الأمر بالوضوء للاستحباب، وذهب أهل الظاهر إلى إيجابه، وهو
شذوذ، جماهير أهل العلم على أنه للاستحباب، والأصل في
الأمر الوجوب، الأصل في الأمر الوجوب، لكن لم يقل بالوجوب
إلا أهل الظاهر، حكم أهل العلم على قولهم بالشذوذ، ومعروف
الاعتداد بقول أهل الظاهر الأكثر على أنه لا يعتد بقولهم،
كما صرح بذلك جمع من أهل العلم، يقول النووي: ولا يعتد
بقول داود؛ لأنه لا يرى القياس الذي هو أحد أركان
الاجتهاد، بينما آخرون يرون أنهم من أهل العلم، ولهم عناية
بالنصوص فينبغي أن يعتد بقولهم.
الصارف لهذا الأمر من الوجوب إلى الاستحباب؛ لأن الأصل في
الأمر الوجوب، ما الصارف؟
طالب:. . . . . . . . .
هو لا يمس ماءاً، لكن هذا ضعيف، ضعيف، نعم ما هو بغسل،
الآن يبي ... ولا يمس ماءاً، هذه فيها كلام، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يدركه الفجر، لكن هل معنى هذا أنه نام وأكل؟ غير لازم،
اللي جنبه؟
طالب:. . . . . . . . .
(7/36)
((ثم نم)) طيب يعني الأمر بالنوم ليس
بواجب، وإذاً الأمر بالوضوء ليس بواجب، هذا يسمونه دلالة
الاقتران، ودلالة الاقتران ضعيفة وإلا قوية؟ ضعيفة، هم
ينظرون إلى المعنى والعلة، يقولون: هذا الوضوء هل يرفع
حدث؟ الوضوء المأمور به يرفع حدث؟ لا يرفع حدث، نعم هو
يخفف، أيضاً رفع الحدث متى يطلب؟ نعم؟ عند أداء ما لا تصح
إلا به، فالجمهور نظروا إلى المسألة من حيث المعنى، وإلا
فالأمر ضاهر في الوجوب.
"وحدثني عن مالك" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن ورد في بعض الألفاظ ما يخفف: "إن شئت" أو فيه
"كان لا يمس ماءاً" ينام من غير أن يمس ماءاً.
طالب:. . . . . . . . .
إيه توضأ إن شئت، كما في بعض الألفاظ، المقصود أن المسألة
خفيفة يعني، ما هي .... ، وهم يصرفون بأقل من هذا.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج
النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها كانت تقول: "إذا أصاب
أحدكم المرأة، ثم أراد أن ينام قبل أن يغتسل فلا ينام حتى
توضأ وضوءه للصلاة" هذا بين أن المرد بالوضوء في الحديث
السابق الوضوء الشرعي، طيب يتوضأ وضوءه للصلاة، توضأ وضوءه
للصلاة ثم أحدث، نقول: أعد الوضوء؟ إذاً ما فائدة هذا
الوضوء؟ لكن الآن خف بالوضوء، وانتقض هذا الوضوء، صار
وجوده مثل عدمه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا معروف، الوضوء يخفف، لكن قلنا: الوضوء رفع لبعض
الحدث، انتقض هذا الوضوء أحدث.
"قال مالك: لا يبطل هذا الوضوء ببول ولا غائط ولا بشيء إلا
بمعاودة الجماع" يعني ما يؤمر بالوضوء مرة ثانية إذا أحدث
إلا إذا عاود الجماع.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا
أراد أن ينام أو أن يطعم وهو جنب غسل وجهه ويديه إلى
المرفقين ومسح برأسه ثم طعم أو نام" نعم ما غسل رجليه، بقي
عليه غسل الرجلين.
يقول ابن عبد البر: "أتبع ما تقدم بفعل ابن عمر أنه كان لا
يغسل رجليه إعلاماً بأن هذا الوضوء ليس بواجب" نعم هو
يقول: "أتبع ما تقدم بفعل بن عمر أنه كان لا يغسل رجليه
إعلام بأن هذا الوضوء ليس بواجب، ولم يعجب مالكاً فعل ابن
عمر، وقال بعضهم: إن ابن عمر كان يضره غسل رجليه لعلة كانت
بهما" والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
(7/37)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الطهارة
(9)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يقول: إنه لم يفهم استنباط ابن دقيق العيد من حديث عائشة،
وأنها كانت ترجل رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو
في حجرها، وهو يقرأ القرآن وهي حائض؟
كأن قوله: وهي حائض لولا أن الحائض ممنوعة من قراءة القرآن
على حسب فهم ابن دقيق العيد، ويش الفائدة من التنصيص؟
لتستدل أن الحائض مع كونها لا تقرأ القرآن لا تمنع من لمس
والقرب ممن يقرأ القرآن، هذا فهمه -رحمه الله-، وهو فهم له
وجه.
يقول: آمل إعادة أقوال العلماء في القليل من الماء إذا
أصابته نجاسة وقول مالك على وجه الخصوص؟
الماء لا يخلو إما أن يكون قليلاً أو كثيراً، فالقليل ما
لم يبلغ القلتين على قول، أو ما لا يتحرك طرفه إذا حرك
الطرف الآخر، أو الغدير الذي لا يبلغ عشرة في عشرة، وكل
على مذهبه في الحد الفاصل بين القلة والكثرة، عند من يقول
بالتفريق بين القليل والكثير، وهم الجمهور، الإمام مالك
-رحمه الله- يرى أنه لا فرق بين القليل والكثير، وأن المرد
بذلك هو تغير الماء، فإن تغير بالنجاسة فهو نجس، وإن لم
يتغير فهو طاهر، قل أو كثر.
الجمهور يقولون: إذا زاد عن القلتين -وهذا مذهب الحنابلة
والشافعية- ولم يتغير فهو طاهر، وإن تغير فهو نجس
بالإجماع، تغير بالنجاسة، ولو كثر، أما إذا قل وصار قليلاً
دون القلتين فبمجرد ملاقاة النجاسة ينجس، ولو لم يتغير عند
الحنابلة والشافعية والحنفية أيضاً.
رأي مالك لا ينجس إلا بالتغير قل أو كثر، وهذا الرأي هو
الموافق ليسر الشريعة، نعم استدل الجمهور بأدلة من أبرزها
حديث: ((إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث)) على القول
بتصحيحه والكلام فيه كثير، والقول باضطرابه سنداً ومتناً
أيضاً معروف عند أهل العلم، ومن أهل العلم من يصححه كشيخ
الإسلام ابن تيمية، ويوافق مالك على أنه لا ينجس إلا
المتغير، فيعمل بمنطوقه، ويلغي مفهومه المعارض لحديث أبي
سعيد أن ((الماء طهور لا ينجسه شيء)).
(8/1)
وكم من شخص تمنى أن لو كان مذهب إمامه مثل
مذهب مالك، ومن راجع أبواب الطهارة في كتب الفقه عند
الحنابلة والشافعية، لا شك أنه سوف يتمنى أن مذهب إمامه
مثل مذهب مالك، وقد تمنى ذلك الغزالي، تنمى أن لو كان مذهب
الشافعي مثل مذهب مالك، لكن ما الذي يربطك بالشافعي؟ وأنت
تبين لك أن الراجح هو مذهب مالك؟! ما الذي يلزمك بمذهب
الشافعي؟!
من الصور التي ذكرها النووي -رحمه الله-، ونجزم أن الشرع
لا يأتي بمثلها تبعاً للقول بالتفريق بين الماء القليل
والكثير، أنه لو وجد ماء بمقدار القلتين لا يزيد ولا رطل
واحد، ولا ينقص ولا رطل، وقعت فيه نجاسة لم تؤثر فيه، ولم
تتحلل فيه، بمعنى أنها باقية، هو طاهر، لكن لو جئت بدلو
فأخذت منه ما ينقصه عن القلتين يقول النووي على مذهبهم: ما
في داخل الدلو طاهر، وما يتناثر من خارجه نجس، لماذا؟ نعم،
ما بداخل الدلو حيز قبل النقص عن القلتين، وما بخارجه لصق
بالدلو بعد نقصه عن القلتين، فهل مثل هذه الفروع يأتي بها
الشرع، الذي رفعت فيه الآصار والأغلال، أن الدين يسر،
فهمها يصعب ويعسر في كثير من الأحوال، فضلاً عن تطبيقها،
والله المستعان.
يقول: إذا أوتر الإمام بثلاث سرداً، والمأموم لم ينو
الوتر، ظناً منه أنه سيسلم من اثنتين، فما حال صلاة
المأموم؟
لا بأس بها، صلاته صحيحة، كما لو ظن أن الإمام يقصر ثم
يتم، أو العكس، والكل مسافرون، فالصلاة صحيحة -إن شاء
الله-، لا يؤثر مثل هذا الاختلاف.
يقول: هل نغمات الجوال تدخل في الأذى الذي في الحديث،
خصوصاً إذا كان لا يستطيع أن يرد على المتصل؟
أما بالنسبة للنغمات المحرمة التي أفتى أهل العلم بتحريمها
فهي محرمة سواء تأذوا أو تلذذوا، محرمة لذاتها، تبقى محرمة
في كل مكان وفي مواطن العبادة أشد، مع الأسف الشديد أن
كثير من المساجد الآن حولت إلى شبه كنائس.
(8/2)
النصارى عبادتهم على الموسيقى، واليهود
كذلك، فتوجد هذه الأمور المحرمة أثناء العبادة، لا شك أن
الجهة منفكة، الصلاة صحيحة مع التحريم، هذا أمر مفروغ منه،
وإن قال بعض أهل العلم كالظاهرية: إن الصلاة إذا اشتملت
على شيء محرم، ولو كان خارجاً عنها أنها تبطل، فالأمر ليس
بالسهل، يعني تعرض صلاتك لمثل هذا الخلاف، في فتوى من
اللجنة الدائمة بتحريم هذا النغمات، وأنها داخلة في
المعازف والمزامير التي جاء الشرع بمحقها، وشدد في أمرها،
المقصود أن الإنسان يحتاط لذلك، فلا يجوز له .. ، ومع
الأسف أنه يوجد مع بعض من لا يفهم ما ينصح به من لغة
العرب، عمال أحياناً يأتي ومعه الجوال ويتركه حتى ينتهي ما
يطفيه أيضاً، حفاظاً على الصلاة، لا يريد أن يخل بشيء من
صلاته، وتنصحه أو ما تنصحه ما يفهم من لغة العرب شيء، فهذه
مشكلة، لكن الله المستعان.
يوجد آلات مضادة لهذه الجوالات، واستعملت في بعض المساجد،
ونجحت في كف مثل هذا الأذى، لكنها قالوا: إنها مؤثرة على
مرضى القلب، فمنعت من بعض الجهات، لكن يبقى لماذا الإنسان
يضطر إخوانه المصلين والمسلمين إلى مثل هذه الأفعال؟ ومثل
هذه التصرفات؟ وحضرت أنا في مسجد وحصل منه هذه النغمة في
التشهد، وحصل الإنكار اللازم، يعني شارك في الإنكار جميع
الجماعة بدون استثناء، بدءاً من الإمام إلى آخر واحد، كلهم
أنكروا، ومع الأسف الشديد يوجد مثل هذا في بعض المساجد،
ولا تجد أحد يتكلم ولا أحد ينكر، لا شك أن هذا منكر يجب
تغييره على أي حال، إن أمكن تغييره باليد هو الأصل، وإلا
باللسان أقل الأحوال اللسان، ما في أحد يمنع الإنكار
باللسان الآن.
يقول -رحمه الله تعالى- بعد ذلك: "وحدثني عن مالك عن ابن
شهاب عن أبي إدريس الخولاني" عائذ الله بن عبد الله، عالم
الشام بعد أبي الدرداء، من الحفاظ العباد المعروفين، يلتبس
بأبي مسلم الخولاني، اسمه عبد الله بن ثُوب "عن أبي هريرة
أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من توضأ
فليستنثر، ومن استجمر فليوتر)) ".
هذا يقول: يلاحظ أن بعض المساجد تطرح وتناقش مع القريبين
من الطلبة، ثم يسقط شيء من الكلام، وأحياناً تطرح أقوال
ولا يبن الراجح؟
(8/3)
إن شاء الله يراعى هذا، يراعى هذا -إن شاء
الله-.
يقول هنا: ما حكم امرأة مات زوجها ولم تفعل شيئاً مما أمر
الله به من الحداد، وبعد فترة تزوجت من آخر، فماذا عليها؟
هي تأثم بتركها الإحداد على زوجها، فإذا مضت المدة أربعة
أشهر وعشرة أيام، أو وضع الحمل إن كانت حامل، ثم تزوجت
زواجها صحيح، ولو لم تحد، المقصود أن المدة لا بد أن تمضي
مدة العدة.
طالب: إذا ما مضت؟
إذا ما مضت فالزواج باطل، لا بد من إعادة العقد بعد تمام
المدة.
يقول: أنا رجل ابتليت بالوسواس في الطهارة، وقد اشتد علي
الأمر جداً، وأنا خائف من ألا يقبل عملي وصلاتي، فنرجو
الدعاء بالعافية؟
الله يعافيه، الله يشفيه.
يقول: أنا مسلم وبلدي في حرب، هل يجوز أن أسافر إلى بلد
الكفار؟
تجاهد؟ إذا كانت الحروب بين مسلمين وكفار، إما إذا كانت
مسلمين وحال فتنة، ولم يترجح إليك أحد الطرفين، فعليك أن
تعتزل، وحينئذٍ إن أمكنك أن تعتزل في بلدك فهو أولى، وإن
لم تستطع الاعتزال في بلدك، وترتب على بقائك في بلدك
إقحامك في هذه الحرب، التي لا تعرف المصيب من المخطأ،
فعليك أن تخرج ولو لبلد كفار، إذا لم تستطع الخروج إلى
غيرها؛ لأن الخروج رغم ما فيه من مفسدة أسهل من المساهمة
في إراقة دم مسلم، والله المستعان.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم وفق شيخنا لما تحب وترضى.
قال -رحمه الله تعالى-:
باب: إعادة الجنب الصلاة وغسله
إذا صلى ولم يذكر وغسله ثوبه
عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم أن عطاء بن يسار أخبره أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كبر في صلاة من الصلوات،
ثم أشار إليهم بيده: أن امكثوا، فذهب ثم رجع وعلى جلده أثر
الماء.
عن مالك عن هشام بن عروة عن زبيد بن الصلت أنه قال: خرجت
مع عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- إلى الجرف، فنظر
فإذا هو قد احتلم، وصلى ولم يغتسل، فقال: والله ما أراني
إلا احتملت، وما شعرت، وصليت وما اغتسلت، قال: فاغتسل،
وغسل ما رأى في ثوبه، ونضح ما لم يره، وأذن أو أقام، ثم
صلى بعد ارتفاع الضحى متمكناً.
(8/4)
عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن سليمان
بن يسار أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- غدا إلى
أرضه بالجرف، فوجد في ثوبه احتلاماً، فقال: لقد ابتليت
بالاحتلام منذ وليت أمر الناس، فاغتسل وغسل ما رأى في ثوبه
من الاحتلام، ثم صلى بعد أن طلعت الشمس.
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار أن عمر بن
الخطاب -رضي الله تعالى عنه- صلى بالناس الصبح، ثم غدا إلى
أرضه بالجرف، فوجد في ثوبه احتلاماً، فقال: إن لما أصبنا
الودك لانت العروق، فاغتسل، وغسل الاحتلام من ثوبه، وعاد
في صلاته.
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد الرحمن بن
حاطب أنه اعتمر مع عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- في
ركب فيهم عمرو بن العاص، وأن عمر بن الخطاب عرس ببعض
الطريق، قريباً من بعض المياه، فاحتلم عمر، وقد كاد أن
يصبح، فلم يجد مع الركب ماءاً، فركب حتى جاء الماء، فجعل
يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام، حتى أسفر، فقال له عمرو بن
العاص: أصحبت ومعنا ثياب، فدع ثوبك يغسل، فقال عمر بن
الخطاب: واعجباً لك يا عمرو بن العاص لئن كنت تجد ثيابنا
فكل الناس يجد ثياباً، والله لو فعلتها لكانت سنة، بل أغسل
ما رأيت، وأنضح ما لم أره.
قال مالك -رحمه الله- في رجل وجد في ثوبه أثر احتلام، ولا
يدري متى كان؟ ولا يذكر شيئاً رأي في منامه، قال: ليغتسل
من أحدث نوم نامه، فإن كان صلى بعد ذلك النوم فليعد ما كان
صلى بعد ذلك النوم، من أجل أن الرجل ربما أحتلم ولا يرى
شيئاً، ويرى ولا يحتلم، فإذا وجد في ثوبه ماءاً فعليه
الغسل، وذلك أن عمر أعاد ما كان صلى لآخر نوم نامه، ولم
يعد ما كان قبله.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: إعادة الجنب الصلاة
(8/5)
يعني إذا صلى قبل أن يغتسل "وغسله إذا صلى
ولم يذكر وغسله ثوبه" إذا صلى ولم يذكر يقول الشراح: من
الذُكر بضم الذال، وإن كان المتبادر أنه من الذِكر بكسرها،
من الذِكر أو من الذُكر؟ الذُكر التذكر، والذِكر معروف
باللسان، والتذكر بالعقل والقلب، مقتضى قوله: ولم يذكر من
الذكر، يعني إذا كان ناسياً، فعليه أن يعيد الصلاة، وعليه
أن يغتسل إذا كان ناسياً، وعليه أن يغسل ثوبه، ومقتضى
الكسر الذِكر أنه يعيد ولو ذكر، ولو صلى كونه يعيد إذا نسي
مع قوله -جل وعلا-: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن
نَّسِينَا} [(286) سورة البقرة] وقال: قد فعلت، الناسي
يعيد، لماذا؟ لأن القاعدة المقررة عند أهل العلم أن
النسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، لكنه لا ينزل المعدوم
منزلة الموجود {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا}
[(286) سورة البقرة] يعني لا ترتب الإثم على ما حصل منا
حال النسيان، أما ما نسي فعله أو فعل على غير الوجه
المشروع نسياناً فلا بد من إعادته، النسيان ينزل الموجود
منزلة المعدوم.
شخص صلى خمس ركعات ناسياً صلاته صحيحة؛ لأن النسيان نزل
الركعة الخامس منزلة المعدوم، لكن لو صلى في رباعية
ثلاثاً؟ لا بد من الإعادة لماذا؟ لأن النسيان لا ينزل
المعدوم منزلة الموجود.
وغسله ثوبه، أي غسل ما يراه فيه من الماء، من أثر
الاحتلام، ونضح ما شك فيه، والغسل إن كان الأثر مني فهو
طاهر على سبيل الاستحباب، وإن كان مذي وما أشبهه فهو نجس،
ينضح على ما تقدم.
"حدثني يحيى عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم القرشي أن
عطاء بن يسار مولى ميمونة أم المؤمنين أخبره أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-" مرسل، هذا تابعي يحكي قصة لم
يشهدها، فهو مرسل، والخبر موصول في الصحيحين وغيرهما، فهو
صحيح لا إشكال فيه.
(8/6)
"أخبره أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"
ترون الإمام مالك يكثر من ذكر المراسيل؛ لأنها لا فرق
بينها وبين الموصلات عنده، فالكل حجة "أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- كبر في صلاة من الصلوات" هي صلاة الصبح،
كما في رواية أبي داود وابن حبان عن أبي بكرة، ثم أشار
إليهم بيده: أن امكثوا، في الصحيحين: أشار إليهم مكانكم،
أي: الزموا مكانكم، وهم قيام بعد إقامة الصلاة "أن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- كبر" هنا كبر، وفي الصحيحين أنه
لم يكبر، بل انتظروا تكبيره فأشار إليهم وانصرف، أشار
إليهم وانصرف، فدل على أنه لم يبكر، وهنا قال: كبر في صلاة
من الصلوات، ثم أشار بيده: أن امكثوا، "فذهب" يعني فاغتسل
"ثم رجع وعلى جلده أثر الماء" وفي الصحيحين: ثم رجع
فاغتسل، ثم رجع إلينا ورأسه يقطر، فكبر، الذي في الصحيحين
يدل على أنه لم يكبر، لم يشرع في الصلاة، وما هنا "فكبر في
صلاة من الصلوات" وهي الصبح "ثم أشار إليهم: أن اثبتوا"
يعني بعد تكبيره، اثبتوا، وهم قيام في صلاة، فذهب ثم اغتسل
ورجع، وأتم فهيم صلاتهم، ولم يستخلف، ولم يستأنف على هذا،
لكن الذي في الصحيحين أنه لم يبكر وحينئذٍ لا إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟
طالب:. . . . . . . . .
ما دام معارض بما هو أصح منه، مما في الصحيحين لا، لكن
فكبر محمول على أنه أراد أن يكبر؛ لأن الفعل الماضي يطلق
ويراد به الإرادة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا هي قصة واحدة، قصة واحدة، نعم.
الحديث فيه فوائد كثيرة، أطال العلماء في شرحه، فيه جواز
النسيان على الأنبياء، في أمر العبادة للتشريع، الرسول
-عليه الصلاة والسلام- ينسى، وسها في صلاته من أجل
التشريع، لكن هل الذي يسهو في صلاته أفضل أو الذي لا يسهو؟
أيهما أكمل؟ نعم؟ يعني نفترض المسألة في إمام راتب يسهو في
الشهر مرتين، ثلاث، وآخر في السنة مرة أو مرتين، أيهما
أفضل؟
(8/7)
ما في شك أن الذي لا يسهو دليل على أنه
مهتم لصلاته، ومحضر قبله فيها، وهذا عليه الأكثر، وبعضهم
يقول: إن الذي يسهو في صلاته مستغرق فيها، غافلٌ عن صورتها
فهو أفضل وأكمل عن صورتها، يعني همه المعاني، هذا قول عند
بعضهم، لكن الأكثر على أن الذي يحضر قبله في صلاته في
شكلها وصورتها ومضمونها أفضل من الذي يستغرق في شيء، ويترك
الشيء الآخر، هو مطالب بالعدد، كما أنه مطالب بروحها
ولبها.
مما ذكره أهل العلم من فوائد هذا الحديث: الطهارة الماء
المستعمل، من أين؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم رأسه يقطر، ولولا أنه طاهر نشفه قبل أن يدخل المسجد.
جواز الفصل بين الإقامة والصلاة، في الصحيح أن الصلاة
أقيمت ثم ذهب واغتسل ورجع وهم قيام، ولم تعد الإقامة،
فالفصل بين الأذان والصلاة جائز، فلا تلزم إعادتها، وقال
مالك: إذا بعدت الإقامة عن الإحرام تعاد.
يقول النووي: ما في الحديث محمول على قرب الزمان، فإن طال
فلا بد من إعادة الإقامة، يعني أقيمت الصلاة ثم ذهب وخلال
خمس دقائق رجع زمن قريب، لكن ذهب إلى بيته وجد الماء
مقطوع، ما في ماء، ثم ذهب يبحث عن الماء، أو الماء بارد،
ثم ذهب يسخن الماء، وطال الوقت على رأيهم تعاد الإقامة.
فيه أيضاً أنه لا يجب التيمم للخروج من المسجد، لا يجب
التيمم لخروج الجنب من المسجد، خلافاً للثوري وإسحاق، نعم
المسألة مفترضة في شخص جالس في مسجد ثم احتلم، نام في
المسجد واحتلم، يقولون: ما يخرج من المسجد، يستطرق المسجد
إلا بطهارة {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ} [(43)
سورة النساء] لخروجه من المسجد يتيمم ليكون عبوره المسجد
على طهارة ولو ناقصة، هنا الرسول -عليه الصلاة والسلام-
تذكر أنه عليه غسل ولم يتيمم، ففيه رد على من يقول بذلك
كالثوري وإسحاق.
يقولون: في الحديث أيضاً تخصيص للنهي عن الخروج من المسجد
بعد الأذان، ومعلوم أن مثل هذا عذر، عذر، بل يلزمه أن
يخرج.
يقول: "حدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن الزبير بن الصلت
الكندي أنه قال: خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف" الجرف
بضم الجيم والراء، قال الرافعي: على ثلاثة أميال من
المدينة، من جانب الشام، وقال المجد: بسكون الراء، من
المجد هذا؟
(8/8)
طالب:. . . . . . . . .
احتمال، احتمال ثاني؟ صاحب القاموس احتمال أيضاً، لكن الذي
يغلب على الظن أنه مجد الدين أبو السعادات ابن الأثير،
قال: "خرجت مع عمر بن الخطاب إلى الجرف فنظر في ثوبه فإذا
هو قد احتلم" فإما أن يكون مع عدم شعوره بالاحتلام أثناء
النوم، أو يكون شعر بذلك ثم نسيه "فلما رأى الثوب تذكر"
"فنظر في ثوبه فإذا هو قد احتلم، وصلى ولم يغتسل" صلى ولم
يغتسل بعد النظر وإلا قبله؟ صلى ولم يغتسل، ثم نظر، صلى
ولم يغتسل؛ لأنه لم ير ذلك الأثر قبل الصلاة، فلما نظر في
ثوبه، ورأى أنه قد احتلم، قال: "والله أنه ما أُراني إلا
احتلمت، وما شعرت" أي علمت "وصليت، وما اغتسلت" قال:
فاغتسل، ورأى ما رأى في ثوبه، من أثر الاحتلام "فاغتسل
وغسل ما رأي في ثوبه من أثر الاحتلام، ونضح ما لم ير" يعني
الشيء المؤكد غسله، والمشكوك فيه نضحه، يعني رش عليه الماء
"وأذن أو أقام" شك، شك هل حصل الأذان أو الإقامة؟ "ثم صلى
بعد ارتفاع الضحى متمكناً" متمكناً حال، أين صاحب الحال؟
صلى عمر متمكناً أو ارتفاع الضحى متمكناً؟ وهل التمكن
للارتفاع أو للضحى؟ نعم يا الإخوان؟ الآن عندنا ثلاث
احتمالات لصحاب الحال: الاحتمال الأول: أنه عمر متمكناً
متيقناً من طهارته، وبراءة ذمته في هذه الصلاة.
الثاني: الارتفاع، المتمكن أو الضحى متمكن، إذا قلنا:
الضحى، الضحى إعرابها إيش؟ مضاف إليه، مضاف إليه، يجوز أن
يأتي الحال من المضاف إليه؟ نعم؟ يجوز وإلا ما يجوز؟ نعم
يا الإخوان؟ يا الله الذي يجيب الصور الثلاث التي يجوز
فيها يأخذ أشرطه، يجوز في ثلاث صور، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
قضينا، ذلحين أنا اسأل سؤال، هل يجوز إتيان الحال من
المضاف إليه وإلا ما يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .
يجوز في ثلاث صور، الذي يذكرها يأخذ الألبوم هذا؟ وين
الألفية يا إخوان؟ نعم؟ أين الألفية؟ أين العربية؟ هاه؟
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب.
ولا تجز حالاً من المضاف له ... إلا إذا اقتضى المضاف عمله
الذي يذكر الأخر.
أو كان جزء ما له أضيفا ... أو مثل جزئه فلا تحيفا
(8/9)
لكن الثلث والثلث كثير، جاب صورة وهو
يستحق، وهنا يقتضى المضاف عمله في المضاف إليه، ارتفع
الضحى يقتضي، على كل حال الاحتمال قائم أن التمكن للارتفاع
الذي هو المضاف والمضاف إليه، كما أنه يحتمل أن يكون أيضاً
لعمر -رضي الله عنه وأرضاه-.
طالب:. . . . . . . . .
هنا؟ هنا ويش فيه وجه المعارضة؟ هنا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا الذي في الصحيح أنه ما كبر أصلاً، وعمر صلى صلاة كاملة،
ثم أعاد، حديث أبي هريرة الذي في الصحيحين انتظروا تكبيره
فلم يكبر.
طالب:. . . . . . . . .
أيه معروف عند أبي داود وابن حبان كبر، لكن يحمل قوله كبر
على أنه أراد التكبير وانتهى الإشكال؛ لأنه يطلق الفعل
الماضي كما ذكرنا مراراً على إرادة الفعل {إِذَا قُمْتُمْ
إِلَى الصَّلاةِ} [(6) سورة المائدة] أردتم القيام،
{فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ} [(98) سورة النحل] إذا أردت
القراءة، كما أنه يرد الفعل الماضي ويراد به الشروع، ويرد
ويراد به الفراغ من الشيء.
"وحدثني عن مالك عن إسماعيل بن أبي حكيم عن سليمان بن
يسار" أخي عطاء الذي تقدم، وكلهم من موالي ميمونة أربعة
إخوة، وكلهم ثقات، لكن عطاء أكثرهم، أحفظهم للحديث،
وسليمان أفقههم، سلميان هذا أحد الفقهاء السبعة.
"عن سليمان بن يسار أن عمر بن الخطاب غدا إلى أرضه بالجرف"
يعني ذهب إلى أرضه في أول النهار "فوجد في ثوبه احتلاماً،
فقال: لقد ابتليت بالاحتلام منذ وليت أمر الناس" في هذا أن
الولايات لا تمنع الإنسان من مزاولة أمور دنياه التي لا
تعوقه عن مراعاة مصالح الناس، المصالح التي أنيطت به، فإذا
كانت أعماله الخاصة تحول دونه، تحول بينه وبين القيام بأمر
العامة لا يجوز له أن ينشغل بها، وحينئذٍ يفرض له من بيت
المال ما يكفي، فلا يكون بحاجة إلى مزاولة عمل تجاري، لكن
إذا كان عمله الخاص لا يعارض ما أنيط به يجوز له ذلك.
أبو بكر -رضي الله عنه- لما تولى صار يجمع بين الخلافة
والتجارة، فرأى أن ذلك يشغله عن أمر الناس فرض له من بيت
المال ما يكفيه، فتفرغ لأمر المسلمين.
(8/10)
يقول: "لقد ابتليت باحتلام منذ أن وليت أمر
الناس" يقول ابن عبد البر: ذلك -والله أعلم- لاشتغاله
بأمرهم ليلاً ونهاراً عن النساء، فكثر عليه الاحتلام، وقال
الباجي: يحتمل ذلك، ويحتمل أن ذلك كان وقت لابتلائه به
لمعنى من المعاني، ووقته بما ذكر من الولاية، يعني لا
ارتباط للولاية، لكن هذا الأمر إنما يحصل في هذا الوقت، لا
بسبب الولاية، لكن الولاية مشغلة، صار ينشغل بأمور الناس
ليل نهار، وهذا له أثر على البدن، متعب للبدن، ومعروف أن
التعب سبب من أسباب الاحتلام، تعب البدن لا شك أنه مرخٍ
للأعصاب، وحينئذٍ يبتلى بالاحتلام، تجدون أكثر ما يحتلم
الإنسان إذا جاء من سفر مثلاً مرهق، أو مرض ثقل بدنه.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار
أن عمر بن الخطاب صلى بالناس الصبح" هناك في الرواية
الأولى ما في تصريح بأنه كان إمام، وهنا: "صلى بالناس
الصبح ثم غدا إلى أرضه بالجرف، فوجد في ثوبه احتلاماً" أي
أثر احتلام "فقال: إنا لما أصبنا الودك لانت العروق،
فاغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه، وعاد لصلاته" لبطلانها، هو
إمام صلى بالناس، لكن هل أمر الناس أن يعيدوا الصلاة
لارتباط صلاة المأموم بأمامه؟
الحنابلة تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة إمامه، يعني إذا
بطلت في أثنائها، لكن إذا صلى الصلاة كاملة وهم على غير
علم هو لا يعلم أنه على غير طهارة، وهم لا يعلمون صلاتهم
صحيحة، ولذا عمر -رضي الله عنه- لم يأمرهم بالإعادة، وعاد
لصلاته لبطلانها، وفي إعادته وحده دون من صلى خلفه دليل
على أنه لا إعادة على من صلى خلف جنب، أو محدث إذا لم يعلم
بذلك.
"لما أصبنا الودك لانت العروق" الودك معروف أنه الدسم، دسم
الشحم "لما أصبنا الودك لانت العروق" لما لانت العروق نشأ
عن ذلك الاحتلام، هل هذا له ارتباط بالولاية؟ نعم؟ يعني
قبل الولاية ما يأكل دسم؟ ثم بعد أن تولى توسع في المعيشة؟
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني قبل الولاية ما يأكل ودك وبعدها صار يأكل الودك فلانت
العروق؟ توسع يعني؟ نعم؟
(8/11)
"إنا لما أصبنا الودك لانت العروق" تعرفون
أنه في وقته توسعت البلاد، كثرت الفتوحات، كثرت الغنائم،
وحصلت توسعة على الناس، كانوا لا يصيبون من الودك شيء؛
لقلة ذات اليد، ثم توسع الناس، فصار يصيب من الودك غيره
كواحد من المسلمين، نعم المقصود أنه في عصره -رضي الله عنه
وأرضاه- بالفتوحات وكثرة الغنائم توسع الناس يعني اختلف
الوضع عن عهده -عليه الصلاة والسلام-، وعهد أبي بكر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
فيكرمهم ويطعم معهم، نعم يكرم الوفود ويطعم معهم، هذا قيل،
لكن الناس كلهم توسعت عليهم الدنيا في عصره؛ لكثرة
الفتوحات وكثرة الغنائم، فصاروا يصيبون مثل هذا، لا شك أن
كثرة الأكل، يعني إذا أكل الإنسان كثيراً ثم نام سوف يحتلم
الحلم العام أو الخاص، يرى ما يراه النائم إما مجرداً أو
مع فعل بالاحتلام الذي هو الجماع، رؤية الجماع، والأكل له
مدخل في هذا، كما قال: لما أصبنا الودك لانت العروق، ثم
بعد ذلك اغتسل وغسل الاحتلام من ثوبه، وعاد لصلاته، ولم
يأمر من صلى خلفه بالإعادة.
يقول: "وحثني مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن يحيى بن عبد
الرحمن بن حاطب" بن أبي بلتعة "أنه اعتمر مع عمر" "عن يحيى
بن عبد الرحمن بن حاطب أنه اعتمر مع عمر" نعم؟ يحتمل؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عروة عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، تعرف حاطب بن أبي
بلتعة، صحابي، فهل يمكن أن يدرك حفيده عمر؟
على كل حال أهل العلم يقولون: هذا مما وهم فيه مالك؛ لأن
أصحاب هشام قالوا: عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عن أبيه،
فسقط لمالك قوله: عن أبيه.
"عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب -عن أبيه هذا الصواب- أنه
اعتمر مع عمر بن الخطاب في ركب" يعني مع ركب "فيهم عمرو بن
العاص" والأصل في العاص منقوص، اقترنت به (أل) الأصل أنه
بالياء العاصي، مثل القاضي والوالي والهادي، لكن لكثرة
الاستعمال تحذف الياء، وإلا فالأصل أنه بالياء.
(8/12)
"وأن عمر بن الخطاب عرس ببعض الطريق"
التعريس نزول آخر الليل للاستراحة "عرس ببعض الطريق قريباً
من بعض المياه" رفقاً بالركب "فاحتلم عمر -رضي الله عنه-"
قد كاد أن يصبح "فلم يجد مع الركب ماء يغتسل به" ويرفع به
حدثه، ويغسل ثوبه "فركب حتى جاء الماء الذي عرس بقربه،
فجعل يغسل ما رأى من ذلك الاحتلام حتى أسفر" يعني دخل في
الإسفار "فقال له عمرو بن العاص أصبحت" دخلت في الصباح وهو
الإسفار الذي سبق "أصبحت ومعنا ثياب، فدع ثوبك يغسل" يعني
على مهل، ولا تؤخر الصلاة من أجل ثوبك؛ لندرك أول الوقت،
يعني خذ ثوب من أي واحد "معنا ثياب، فدع ثوبك يغسل" يعني
كاملاً، والبس ثوباً من ثيابنا "فقال عمر -رضي الله عنه-:
واعجباً لك يا عمرو بنَ" يا عمرو بنَ، عمر منادى مفرد مبني
على الضم، في محل نصب، وابن تابع لعمر، يعني لمحله لا
للفظه؛ لأن الأصل في المنادى أنه منصوب، لكنه يبنى إذا كان
مفرداً.
"يا عمرو بن العاص، لئن كنت تجد ثياباً أفكل الناس تجد
ثياباً، ثم قال: والله لو فعلتها لكانت سنة" لو فعلتها
رميت هذا الثوب، واستعرت ثوباًَ آخر، أو لبست ثوباً من
ثيابي، غير هذا الذي احتلمت فيه، لكانت سنة، لماذا؟ تكون
طريقة تتبع؛ لأن عمر -رضي الله عنه- أمرت الأمة باتباع
سنته، فكان كل من يحتلم يرمي هذا الثوب، ويلبس غيره، سواء
كان له أو بالإعارة، فلا شك أن هذا يشق على الناس، الذي لا
يجد إلا ثوب واحد، وعمر استعار يروح يطرق على الجيران يبحث
عن ثوب ثاني؛ لأن عمر استعار، وأنت مأمور بإتباع سنة عمر
((عليكم بسنتي وسنت الخلاف الراشدين المهديين من بعدي))
((اقتدوا بالذين من بعدي)) وهو أحدهم وهذا سوف يشق على
الناس "لكانت سنة، بل أغسل ما رأيت، وأنضح ما لم أر" أي
أرشه دفعاً للوسوسة، واكتفاءً بالنضح فيما يشك فيه.
(8/13)
"قال مالك -رحمه الله- في رجل وجد في ثوبه
أثر احتلام، ولا يدري متى كان، ولا يذكر شيئاً" رأي في
منامه ما يذكر شيء، لكنه تأكد أن هذا من أثر احتلام الذي
في الثوب، هو ما يذكر متى صار؟ الآن الأثر ألا يدل على
وجود المؤثر؟ الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على
البعير، دل على أنه محتلم، إذا وجد هذا الأثر ولا يدري هذا
الأثر من نوم الليلة القريبة، أو التي قبلها، ما يدري، أو
من القائلة، يقول: ليغتسل، هذه اللام لام الأمر، من أحدث
نوم نامه، يعني من أقرب وآخر نوم؛ لأنه هو المتيقن، وما
عداه مشكوك فيه، فإن كان صلى بعد ذلك النوم، يعني إذا وجد
الماء لزم الغسل، هذا بالنسبة للنائم، أما لو كان وجود
الماء في حال اليقظة، وهنا محمول على النوم، لماذا؟ لأنه
هو الذي لا يحس به، قد يوجد الأثر من غير إحساس، النائم قد
يجد في ثيابه بللاً ولا يشعر بذلك؛ لأنه نائم، قد يشعر،
وقد يحصل له ذلك مع شعوره ثم ينساه، لكن في اليقظة يحصل له
ذلك ولا يشعر به؟ نعم؟ ما يحصل إلا من مرض لا من احتلام،
ولذا يفرقون بين المتيقظ والنائم، إذا وجد أثر البلل في
ثيابه، خرج منه وهو في اليقظة يغتسل وإلا ما يغتسل؟ ما
يغتسل؛ لأنهم يشترطون في المتيقظ الدفق واللذة، أما في
النائم فلا يشترط له ذلك، لاحتمال أن يكون حصل له ثم نسيه،
أما في اليقظة فلا بد أن توجد اللذة.
(8/14)
قال: "ليغتسل من أحدث نوم نامه، فإن كان
صلى بعد ذلك النوم الأخير، فليعد ما كان صلى بعد ذلك
النوم" افترض أنه وجد البلل بعد صلاة المغرب، وجد الأثر
بعد صلاة المغرب، وأحدث نوم نامه بعد صلاة الظهر، نقول:
يعيد صلاة العصر والمغرب، لو افترضنا أنه ما نام بعد
الليل، يعيد الصبح والظهر والعصر والمغرب، وهكذا "من أجل
أن الرجل ربما احتلم" أي رأى أنه يجامع "ولا يرى شيئاً" أي
لا يرى ماءً، وحينئذٍ يلزمه الغسل وإلا ما يلزمه؟ لا يلزمه
الغسل، يرى أنه يجامع لكن ما خرج شيء، وسيأتي في حديث
عائشة وأم سلمة: ((نعم إذا رأت الماء)) في قصة أم سليم،
((نعم إذا رأت الماء)) قريب عندنا الآن، فعلق الغسل برؤية
الماء "ربما احتلم" يعني رأى أنه يجامع ولا يرى شيئاً، لا
يرى أثراً، وحينئذٍ لا غسل عليه، ويرى الماء ولا يحتلم، أي
لا يرى أنه يجامع، لكن يجد الأثر، وحينئذٍ يلزمه الغسل؛
لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- علق الاغتسال برؤية الماء
"فإذا وجد في ثوبه ماء فعليه الغسل وجوباً، وذلك أن عمر
أعاد ما كان صلى" وذلك أن عمر -رضي الله عنه- أعاد ما كان
صلى "لآخر نوم نامه، ولم يعد ما كان قبله" نعم.
هل يختلف الأمر فيما إذا لم يكن له إلا ثوب واحد أو عنده
ثياب كثيرة؟ يلبس هذا، ويخلع هذا؟ يختلف وإلا ما يختلف؟
يقول: لا فرق بين أن يكون لا ينام إلا في ذلك الثوب الذي
رأي فيه الماء، أو كان ينام فيه بعض الأوقات؛ لأن الذي
ينام فيه تيقن أن ما صلى بعد آخر نومة على حدث، وشك فيما
قبل، والشك لا أثر له، وكذلك حال ما نام فيه مرة، وفي غيره
أخرى، قاله الباجي.
(8/15)
المقصود أنه ينظر إلى النوم ولا ينظر إلى
الثوب، يعني هو هذا الشخص عنده عشرة ثياب، المسألة واضحة
وإلا ما هي بواضحة؟ فيها غموض وإلا خفاء؟ نعم؟ يعني عارف
أن هذا الثوب خلعه لصلاة الجمعة، ولبس غيره، نعم، لما أراد
غسله في يوم الاثنين مثلاً رأى فيه أثر، ماذا نقول؟ نعم؟
هو خلعه لصلاة الجمعة، ولبس غيره أنظف منه، ما غسله
مباشرة، ما غسله في يوم الجمعة ليرى أثر فيه مباشرة، انتظر
في غسله ثلاثة أيام إلى يوم الاثنين، فرأى الأثر، أخر نومة
قبل خلعه، نعم، ليلة الجمعة هذه أخر نومة، إذاً يصلي صلوات
الجمعة والسبت والأحد والاثنين، اغتسل غسلاً مسنوناً، ثم
رأى هذا الأثر من نوى غسل مسنون أجزأ عن واجب، هذا عند
الحنابلة، من رأى غسلاً مسنوناً أجزأ عن واجب، هذا عند
الحنابلة، أن يكون عليه جنابة ونسيها، واغتسل للجمعة يكفي
وغيرهم يقول: لا، لا يكفي، نعم، لو نوى الواجب أجزأ عن
المسنون؛ لأن الأصغر يدخل في الأكبر ولا عكس، والأحوط في
مثل هذه الصورة أن يعيد الغسل، ويعيد الصلوات.
طالب:. . . . . . . . .
المسألة مسألة الغسل، خل طهارة غسل الثوب ما غسله، هذه
مسألة على سبيل الاستحباب، على كل الحال القول المرجح أن
المني طاهر، لا يجب غسله، إنما يغسل كما يغسل غيره من
الأشياء المستقذرة كالمخاط، ولذا جاء حكه بالظفر إذا كان
يابساً، وإزالته ولو بإذخرة أو بالظفر، وما أشبه ذلك، دل
على طهارته، نعم. سم.
أحسن الله إليك.
باب: غسل المرأة إذا رأت في
المنام مثلما يرى الرجل
عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن أم سُليم -رضي
الله تعالى عنها- قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
المرأة ترى في المنام مثلما يرى الرجل أتغتسل؟ فقال لها
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((نعم فلتغتسل)) فقالت
لها عائشة: أف لك وهل ترى ذلك المرأة؟ فقال لها رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((ترتبت يمينك، ومن أين يكون الشبه؟
)).
(8/16)
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب
بنت أبي سلمة عن أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي
-صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: جاءت أم سُليم امرأة أبي
طلحة الأنصاري إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت:
يا رسول الله إن الله لا يستحي من الحق، هل على المرأة من
غسل إذا هي احتلمت؟ فقال: ((نعم إذا رأت الماء)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: غسل المرأة إذا رأت في المنام مثلما يرى الرجل
يعني رأيت أنها تُجامع، احتلمت، النساء شقائق الرجال،
ويلزمهن من الأحكام ما يلزم الرجال، في الأمور المشتركة،
إلا ما خصت به المرأة وخص به الرحل.
"حدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير أن أم سُليم
قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا موجود في رواة
الموطأ، كذا لراوة الموطأ، ولابن أبي أويس عن أم سُليم،
ويرد في هذا ما يقال من الفرق بين (عن) و (أن) وما يذكر عن
الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة من التفريق بينهما، وأن (عن)
تقتضي الاتصال دون (أن) وذكرنا سابقاً ما ذكره ابن الصلاح
من خبر ابن الحنفية عن عمار أن النبي -عليه الصلاة
والسلام- مر به، وما ذكره عن ابن الحنفية أن عماراً مر
بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال: الأول متصل، والثاني
منقطع، والسبب اختلاف الصيغة، لكن ليس الأمر كذلك، ولذا
قال الحافظ العراقي:
. . . . . . . . . ... كذا له ولم يصوب صوبه
(8/17)
يعني ما أصاب السبب الحقيقي للتفريق بينهما
عند الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة، وهنا عندنا "عن عروة بن
الزبير عن أم سُليم أنها قالت لرسول الله -صلى الله عليه
وسلم-" هذا متصل، لكن عن عروة بن الزبير أن أم سُليم قالت
للنبي -صلى الله عليه وسلم-، هذا منقطع، والسبب أنه في
روايته عنها يروي عن صاحبة الشأن نفس القصة، وقد أدركها،
إذاً الخبر متصل، وفي الراوية التي معنا: "أن أم سُليم
قالت" عروة يحكي قصة لم يشهدها، فهي منقطعة، عروة يحكي قصة
لم يشهدها فهي منقطعة، ورواه بعضهم عن عروة عن عائشة أن أم
سُليم، وحينئذٍ يكون الخبر متصلاً أم سُليم بنت ملحان،
والدة أنس بن مالك، واسمها سهلة، أو رميثة، وهي الرميصاء
"قالت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: المرأة ترى في
المنام مثلما يرى الرجل" ترى أنها تُجامع كما أن الرجل يرى
أن يجامِع "أتغتسل؟ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((نعم فلتغتسل)) " يعني إذا رأت الماء، كما في
الراوية اللاحقة، هنا إطلاق، وذاك تقييد، والمطلق يحمل على
المقيد، يعني إذا رأت الماء كما في الراوية المفسرة كما
سيأتي "فقالت لها عائشة: أُف لك" وفي رواية مسلم: "فضحتي
النساء، تربت يمينك" "أُف لك" التأفف والتأفيف إنما يكون
في حال الأمر المكروه المستقبح المستقذر، تستعمل في
الاستحقار والاستقذار، وضبطت على وجوه كثيرة، الكلمة مركبة
من حرفين، كم يتصور في ضبطها من وجه؟ هاه؟ زيدوا زيدوا يا
الإخوان، كم يتصور؟ يعني حرفين، وجوه الضبط في هذه الكلمة،
كلمة تخرج من بين الشفتين، وقد لا يسمع معها صوت.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، ضاعف زد، أكثر أكثر، أربعين وجهاً في حرفين، أربعين
وجه، من أرادها يراجع: "البحر المحيط" لأبي حيان.
(8/18)
"فقالت لها عائشة: أف لك" وفي رواية مسلم:
"فضحتي النساء، تربت يمينك" يعني هذا شيء جبل الناس على
الاستحياء منه، الرجال فضلاً عن النساء "وهل ترى ذلك
المرأة؟ " الآن إنكار عائشة بعد جواب النبي -عليه الصلاة
والسلام- أو قبله؟ انظروا في النص "فقال رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: ((نعم فلتغتسل)) " فقالت، العطف بالفاء
"فقالت لها عائشة: أف لك، وهل ترى ذلك المرأة؟! " نعم الآن
العطف بالفاء، ويش يقتضي؟ نعم؟ الترتيب، التعقيب، بعد ما
سألت، وأجابها النبي -عليه الصلاة والسلام-، قالت لها
عائشة: أُف لك، وهل ترى ذلك المرأة؟!
يقول الحافظ أبو زرعة ابن حافظ العراقي -رحمهما الله-:
أنكرت عليها بعد جواب النبي -صلى الله عليه وسلم- لها؛
لأنه لا يلزم من ذكر حكم الشيء تحقق وقوعه، فالفقهاء
يذكرون الصور الممكنة؛ ليعرفوا حكمها، وإن لم تقع، بل قد
يصورون المستحيل لتشحيذ الأذهان، يعني هي سألت النبي -عليه
الصلاة والسلام- فأجابها بالحكم وعائشة -رضي الله عنها-
أنكرت عليها، يعني مقتضى إنكار عائشة أنه يقع أو لا يقع؟
وهل ترى ذلك المرأة؟ نعم؟ أنه لا يقع، ومقتضى جواب النبي
-عليه الصلاة والسلام- أنه يقع؛ لأن الشخص الذي يسأل عن
شيء لا يقع، نعم، لو قال شخص مثلاً: ما الحكم إذا كسفت
الشمس بالليل؟ إيش تقول؟ نعم؟ مباشرة بتقول له إيش؟ هذا
أمر ... ، نعم؟ صحيح، لكن لو حصل مثل هذا السؤال مباشرة،
المسئول يبي ينكر وقوعه، فلو كان على ما فهمه الحافظ أبو
زرعة ابن الحافظ العراقي، وهو إمام في هذا الباب ليس
بالشخص العادي، نعم، لا شك الفقهاء يذكرون بعض الأشياء
الممكنة، لا يذكرون أشياء، قد يذكرون بعض الأشياء
المستحيلة، يعني توفي شخص عن مائة جدة، عن ألف جدة، نعم،
هذه مستحيلة عادة؛ لتشحيذ الأذهان مثلاً، وتفتيق الأذهان،
يعني كما قال بعضهم أن مسألة الخلاف في حكم تارك الصلاة
مسألة نظرية، لا حقيقة لها، مسألة نظرية لا حقيقة لها، هذا
بعض علماء المغرب في المائة السابعة قال: أبداً، يعني
يذكرها الفقهاء نعم لمجرد تمرين الطلاب على مثل هذا الحكم،
وإلا لا يقع مثل هذا أبداً، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(8/19)
أنه يحصل؟ وهل ترى ذلك المرأة؟ إنكار هو من
هذا الحديث فقط، هو من هذا الحديث هو فهم أن إنكار عائشة
أن ذلك لا يقع، إنكار عائشة أن ذلك لا يقع، وأن جواب النبي
-عليه الصلاة والسلام- عن هذا الذي لا يقع، إنما هو مجرد
بيان للحكم، وإن لم يكن واقع، على كل حال كلام الحافظ ضعيف
-رحمه الله-.
"وهل ترى ذلك المرأة؟ فقال لها رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((تربت يمينك)) " وقالت عائشة أيضاً لها: تربت
يمينك، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام- لعائشة: ((تربت
يمينك)) تربت: افتقرت ولصقت بالتراب، من الفقر، وشاع
استعمالها من غير إرادة لحقيقة المعنى ((ومن أين يكون
الشبه؟ )) الشَبه والشِبْه والمثل والنظير واحد، من أين
يكون الشبه للولد لأبيه وأعمامه أو لامه وأخواله، وجاءت
الروايات مفصلة، إن ماء الرجل لونه كذا، غليظ أبيض، وماء
المرأة كذا رقيق أصفر، فإذا علا ماء الرجل ماء المرأة
أذكر، وإذا علاء ماء المرأة ماء الرجل آنث، المقصود أن
الحديث مفصل موضح، نعم.
إنكار عائشة قالوا: فيه دليل على أنه ليس كل النساء
يحتلمن، يحصل لهن الاحتلام، فيه دليل على أن الاحتلام لا
يحصل لجميع النساء، نعم حصل لأم سُليم، لكن إنكار عائشة دل
على أنه لم يحصل لها، هي إنكارها للوقوع أو إنكارها
للسؤال؟ وهل ترى ذلك المرأة؟ الوقوع، اسمع كلام أهل العلم،
يقول: وفيه دليل على أنه ليس كل النساء يحتلمن، قاله ابن
عبد البر، وإلا لما أنكرت عائشة وأم سلمة ذلك.
يقول السيوطي: وقد يكون عدمه بالنسبة لعائشة وأم سلمة من
خصوصيات نساء النبي -عليه الصلاة والسلام-، يعني الرسول
-عليه الصلاة والسلام- لا يحتلم؛ لأن الاحتلام من تلاعب
الشيطان، وكذلك نساؤه لا يحتلمن إكراماً له -عليه الصلاة
والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
(8/20)
عن كلام لعائشة هنا، يقول: وقد يكون عدمه
من خصوصيات نساء النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما أنه
-عليه الصلاة والسلام- لا يحتلم؛ لأنه من تلاعب الشيطان،
لكن من المعلوم أن الخصائص لا تثبت إلا بدليل، وإلا
فالأمور الخلقية الجبلية يشترك فيها الناس كلهم، وكونه
-عليه الصلاة والسلام- لا يحتلم لدليل خاص، الرسول -عليه
الصلاة والسلام- لا يحتلم بلا شك، الرسول لا يحتلم، لكن من
جماع، من جماع، من جنابة، جنابة جماع، نسي هذا.
طالب:. . . . . . . . .
للتشريع، يقول: ((إني لا أنسى، ولكن أنسى لأسن وأشرع))
نعم.
يقول: "حدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت
أبي سلمة" عبد الله بن عبد الأسد المخزومي "عن أم سلمة
أمها زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: جاءت أم
سُليم" بنت ملحان امرأة أبي طلحة زيد بن سهل الأنصاري "إلى
سول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إن
الله لا يستحيي من الحق" لا يستحيي من الحق يعني لا يمتنع
منه، بل يصدر منه الحق، وفيه إثبات الحياء لله –عز وجل-
على ما يليق بجلاله وعظمته كما هو المقرر عند أهل السنة
والجماعة، ولا يستحي بياءين هي لغة الحجازيين، وبياء واحدة
هي لغة تميم.
"هل على المرأة من غسل" من زائدة "من غسل إذا هي احتلمت"
إذا هي احتلمت يعني رأت في النوم أنها تُجامع، قال: ((نعم
إذا رأت الماء)) يذكر عن ابن سيرين: "أنه لا يحتلم ورع إلا
مع أهله" لماذا؟ لأن الاحتلام نتيجة فكر، والورع لا يفكر
إلا بأهله.
"قال: ((نعم إذا رأت الماء)) " في البخاري بعد ذلك: "وغطت
أم سلمة وجهها، وقالت: يا رسول الله وهل تحتلم المرأة؟
أيضاً هذا استفهام إنكاري، قال: ((نعم تربت يمينك، فبما
يشبهها ولدها)).
((نعم إذا رأت الماء)) وهذا يدل على تحقق وقوع ذلك، وجعل
رؤية الماء شرطاً للغسل، ففيه دليل على أنها إذا لم تر
الماء لا غسل عليها، وفيه رد على من زعم أن ماء المرأة لا
يبرز.
(8/21)
الحديث خرجه البخاري ومسلم، وفيه استفتاء
المرأة بنفسها فيما يخصها، لا مانع منه، لكن مع لزوم
الأدب، وعدم التصريح إلا بما يقتضيه السؤال والحاجة، فإذا
أمكنت التكنية عن شيء لا يلزم التصريح به، فهي أولى من
التصريح، وهذا هو المناسب لحياء المسلم رجل كان أو امرأة،
الحديث خرجه الإمام البخاري في كتاب العلم، في باب الحياء
في العلم، وأردف الترجمة بقول مجاهد: "لا يتعلم العلم
مستحي ولا مستكبر" وقالت عائشة -رضي الله عنها-: "نعم نساء
الأنصار" أو "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن
يتفقهن في الدين" نعم النساء نساء الأنصار، وأم سُليم
واحدة منهن، فالسؤال لا شك أنه شفاء العي، وكون الإنسان
يستحي أن يسأل، يستحي أن يناقش، يستحي أن يستفهم هذا لا
يتعلم، وكذلك إذا تكبر واستكبر على السؤال لئلا يظن به أنه
كيف يخفى عليه مثل هذا السؤال؟ مثل هذا في الغالب أنه لا
يفلح في طلب العلم، والله المستعان، نعم.
أحسن الله إليك
باب: جامع غسل الجنابة
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: "لا بأس أن
يغتسل بفضل المرأة ما لم تكن حائضاً أو جنباً".
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يعرق في الثوب وهو
جنب ثم يصلي فيه.
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يغسل جواريه
رجليه، ويعطينه الخمرة وهن حيض.
وسئل مالك عن رجل له نسوة وجواري، هل يطأهن جميعاً قبل أن
يغتسل؟ فقال: لا بأس أن يصيب الرجل جارتين قبل أن يغتسل،
فأما النساء الحرائر فيكره أن يصيب الرجل المرأة الحرة في
يوم الأخرى، فأما أن يصيب الجارية ثم يصيب الأخر وهو جنب
فلا بأس بذلك.
وسئل مالك عن رجل جنب ووضع له ماء يغتسل به فسها، فأدخل
أصبعه فيه ليعرف حر الماء من برده، قال مالك: إن لم يكن
أصاب إصبعه أذى فلا أرى ذلك ينجس عليه الماء.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع غسل الجنابة
"حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول:
"لا بأس أن يغتسل بفضل المرأة" يعني يغتسل الرجل بفضل
المرأة، تغتسل المرأة بفضل المرأة، لا بأس بذلك "ما لم تكن
حائضاً أو جنباً" فيكره هذا عند من؟ ابن عمر -رضي الله
عنهما-.
(8/22)
وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى الجواز
بلا كراهة، ولو كانت حائضاً أو جنباً، وأنه لا أثر
لاغتسالها منه، ولا لخلوتها به على الماء، وأنه يبقى طهور
يرفع الحدث للرجل وللمرأة على حد سواء، إلا الحنابلة
فعندهم أن الماء إذا خلت به المرأة لطهارة كاملة من حدث
فإنه لا يرفع حدث الرجل؛ لحديث النهي عن أن تغتسل المرأة
بفضل الرجل، والرجل بفضل المرأة، لكن المرجح في هذه
المسألة هو قول الجمهور؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام-
ثبت أنه كان يغتسل مع أزواجه، وثبت أنه اغتسل بفضل بعض
نسائه -عليه الصلاة والسلام-، والحنابلة الذين يقولون: إن
الرجل لا يغتسل أو لا يرفع حدثه الماء الذي خلت به المرأة
لطهارة كاملة لا يقولون بالعكس، والدليل واحد، الدليل الذي
يستدلون به على أن الماء الذي تخلو به المرأة لرفع حدثها
لا يرفع حدث الرجل، ما يقولون بالعكس أن المرأة لا تتوضأ
ولا تغتسل بالماء الذي خلا به الرجل، مع أن المسألتين
سيقتا مساقاً واحداً في نص واحد.
هذا يقوي القول وإلا يضعف القول؟ يضعف القول، هذا يضعف
القول، والحيض والجنابة لا أثر لهما على الماء، فلا يكره،
وهو قول جمهور العلماء.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يعرق"
يرشح جلده، من باب فرح، عرق يعرق "في الثوب وهو جنب ثم
يصلي فيه" لماذا؟ لأن الجنب سؤره وعرقه طاهر باتفاق.
في حديث أبي هريرة أنه لما رآه النبي -عليه الصلاة
والسلام- انخنس ثم اغتسل ورجع، فقال النبي .. ، سأله النبي
-عليه الصلاة والسلام- فقال: إني كنت جنباً، فقال النبي
-عليه الصلاة والسلام-: ((سبحان الله إن المؤمن لا ينجس))
يعني ولو كنت جنباً فالجنب طاهر.
وهنا يقول: قال المعلق على الموطأ في قولها: إن الله لا
يستحيي من الحق أي لا يأمر بالحياء، هذا فيه حيد عن إثبات
صفة الحياء، هذا ليس بصحيح، فالجنب طاهر وسؤره وعرقه طاهر،
وثوبه طاهر، وما باشره من الثياب الداخلية والخارجية كلها
طاهرة.
(8/23)
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله
بن عمر كان يغسل جواريه رجليه" إعانة المتوضئ لا إشكال
فيها، تباح معونته، ويباح أيضاً تنشيف أعضائه، ومن لازم
غسل الرجلين اللمس يلمسن رجليه، والمسألة كما قرر سابقاً
أن الملموس لا ينتقض وضوؤه ولو وجد منه شهوة "ويعطينه
الخمرة" مصلى صغير يصنع من سعف النخل، وسمي بذلك لأنه يكفي
الوجه، يخمر الوجه والكفين، يعني ما يباشر الأرض، يخمر ما
يباشر الأرض "وهن حيض" يعطينه، يغسلن رجليه، يباشرن غسل
الرجلين مع البلل، لا يقال: إن الحائض طاهرة؛ لأنها يابسة
فلا تنجس، لا، يغسلن رجليه فيوجد البلل، ومع ذلكم الحائض
طاهرة.
"وسئل مالك عن رجل له نسوة وجواري: هل يطأهن جميعاً قبل أن
يغتسل؟ فقال: لا بأس" يعني ثبت أن النبي -عليه الصلاة
والسلام- كان يطوف على نسائه بغسل واحد، لا بأس أن يصيب
الرجل جاريتيه أو جواريه ثنتين ثلاث عشر أكثر قبل أن
يغتسل، لكن قالوا: يستحب أن يغسل فرجه قبل الوطء الثاني،
وإذا كان هناك أمور تنتقل من واحدة إلى أخرى بواسطته تعين
عليه أن يغسل فرجه، نعم.
إذا كان هناك التهابات، أو شيء من هذا، تعين عليه أن يغسل
"قبل أن يغتسل، فأما النساء الحرائر فيكره أن يصيب الرجل
المرأة الحرة في يوم الأخرى" المراد بالكراهة هنا كراهة
التحريم، كراهة تحريم، يصيب امرأة في نوبة غيرها، لا يجوز
له ذلك بحال، فلكل واحدة منهما نوبتها، إلا إذا اصطلحوا
على شيء من هذا، فأما كونه -عليه الصلاة والسلام- يطوف على
نسائه هذا خاص به، لكن إذا عرف يوم هذه ويوم هذه لا يجوز
بحال أن يطأ هذه في يوم هذه.
"فأما أن يصيب الجارية، ثم يصيب الأخرى وهو جنب فلا بأس
بذلك" لكن مثلما ذكرنا يستحب له أن يغسل ذكره قبل العود أو
يتوضأ.
"وسئل مالك عن رجل جنب وضع له ماء يغتسل به، فسها فأدخل
أصبعه في الماء ليعرف حر الماء من برده، قال مالك: إن لم
يكون أصاب أصبعه" أو أصبعه في الأصبع لغات التثليث، وأصبوع
"فلا أرى ذلك ينجس عليه الماء".
(8/24)
تأمل في كلام مالك: "وسئل مالك عن رجل جنب
وضع له ماء يغتسل به فوضع أصبعه" يتأكد هل هو حار أو بارد؟
قوله: "فسها" هل له مفهوم؟ أنه إذا كان عن علم وتيقظ أن له
أثر على الماء، ينجس الماء؟ إذاً قوله: فسها لا مفهوم له
"فسها فأدخل أصبعه فيه ليعرف حر لماء من برده" معناه أنه
لو كان ذاكر متيقظ أنه يؤثر فيه "قال مالك: إن لم يكن أصاب
أصبعه أذىً" يعني نجاسة "فلا أرى ذلك ينجس عليه الماء، بل
هو طهور باتفاق، وإن أصابه أذىً والماء كثير ولم يتغير
فكذلك" باتفاق طهور، وإن قل الماء ولم يتغير فكذلك عند
مالك.
الماء الذي يضع فيه أصبعه من غير أذى يتأثر وإلا ما يتأثر؟
قلنا: إن بدن الجنب والحائض طاهر فلا أثر له في الماء، هو
طهور باتفاق، لكن إن أصاب أصبعه نجاسة قذر فادخلها في
الإناء، وهو كثير أكثر من قلتين نعم طهور باتفاق، وإن كان
قليلاً أقل من القلتين ولم يتغير طهور عند مالك، خلافاً
لغيره من الأئمة، فالأئمة يرون أن ما وقع فيه نجاسة وهو
قليل وكل على مذهبه في الحد بين القليل والكثير يتأثر ولو
لم يتغير، ورأي مالك هو المرجح في هذه المسألة، ويختاره
شيخ الإسلام وغيره.
يقول: ما حكم مس المصحف للمحدث حدثاً أصغر؟
لا يجوز للمحدث أن يمس المصحف من غير حائل، لكن إذا مسه
بحائل لا بأس حينئذٍ.
يقول: ما حكم مس الحائض للمصحف بحائل؟
لا بأس، بحائل لا بأس.
وما حكم قراءتها له عن ظهر قلب؟
المشايخ يفتون أنه عند الحاجة لا بأس به، والمرجح عندي
أنها لا تقرأ شيئاً من القرآن، لا تقرأ القرآن، نعم ابن
دقيق العيد عنده استنباط دقيق، من حديث أن النبي -عليه
الصلاة والسلام- يقرأ القرآن ورأسه في حجر عائشة وهي حائض،
يقرأ القرآن، تقول: يقرأ القرآن ورأسه في حجري، وأنا حائض،
ويش يستفاد منه؟ نعم؟ يعني لو كانت الحائض تقرأ القرآن هل
يشكل على أحد أنه يجوز أن يقرأ غيرها القرآن ورأسه في
حجرها؟ استنباط في غاية الدقة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(8/25)
مس المصحف بحائل لا بأس به -إن شاء الله-،
تحضر المصحف في كيسه في علاقته، وهذا ترجم به الإمام
البخاري -رحمه الله تعالى-، واستنبطه من دليل في غاية
الدقة والعمق، أنه لا مانع من أن يُمس المصحف، يمسه المحدث
والحائض من وراء حائل، نعم، من الحديث السابق أن القرآن في
جوفه -عليه الصلاة والسلام- وهي تمس بدن النبي -عليه
الصلاة والسلام-، وهي حائض، فدل على أن مس المصحف من وراء
حائل لا بأس به، هذا استنباط فيه شيء من الدقة والبعد.
يقول: إذا كنت معتكفاً في مسجد واحتلمت في المسجد وخرجت من
الاعتكاف والسبب أني احتلمت؟
لا، تغتسل وتعود إلى اعتكافك، هذا ما يقطع الاعتكاف، لا،
الاحتلام لا يقطع الاعتكاف، كما أنه لايقطع ولا يؤثر على
الصوم.
جاء في حديث أنس -رضي الله عنه- في وفاة ابنة الرسول -عليه
الصلاة والسلام-: ((من منكم الليلة لم يقارف أو يجامع؟ ))
فقال طلحة: أنا، فأمره رسول الله -عليه الصلاة والسلام- أن
ينزل القبر، السؤال هل عدم الجماع في تلك الليلة له أثر في
النزول للقبر؟
هذا أمر لا شك أنه الحديث صحيح بلا إشكال، وهو في الصحيح؛
لكن العلة يختلف فيها أهل العلم كثيراً، أن من جامع وقرب
عهده بالنساء، لا يزال تذكر النساء على باله، بخلاف من لم
يجامع إلا منذ أمد بعيد مثلاً، أو لم يجامع ألبتة، فإن ذكر
النساء ليس علي باله فهو أقرب أن ينزل المرأة في قبرها.
سم.
أحسن الله إليك.
هذا باب: في التيمم
(8/26)
عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه
عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله تعالى عنها- أنها قالت:
خرجنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره،
حتى إذا كنا بالبيداء، أو بذات الجيش انقطع عقد لي، فأقام
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على التماسه، وأقام الناس
معه، وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فأتى الناس إلى أبي
بكر الصديق فقالوا: ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول
الله -صلى الله عليه وسلم- وبالناس وليسوا على ماء، وليس
معهم ماء، قالت عائشة: فجاء أبو بكر ورسول الله -صلى الله
عليه وسلم- واضع رأسه على فخذي، قد نام، فقال: حبستِ رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- والناس وليسوا على ماء وليس
معهم ماء، قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر، فقال ما شاء الله
أن يقول، وجعل يطعن بيده في خاصرتي، فلا يمنعني من التحرك
إلا مكان رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذي،
فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح على غير
ماء، فأنزل الله -تبارك وتعالى- آية التيمم
{فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء] فقال أسيد بن حضير:
ما هي بأول بركاتكم يا آل أبي بكر، قالت: فبعثنا البعير
الذي كنت عليه فوجدنا العقد تحته.
وسئل مالك عن رجل تيمم لصلاة حضرت ثم حضرت صلاة أخرى
أيتيمم لها أم يكفيه تيممه ذلك؟ فقال: بل يتيمم لكل صلاة؛
لأن عليه أن يبتغي الماء لكل صلاة، فمن ابتغى الماء فلم
يجده فإنه يتيمم.
وسئل مالك -رحمه الله تعالى- عن رجل تيمم أيؤم أصحابه وهم
على وضوء؟ قال يأمهم غيره أحب إلي، ولو أمهم هو لم أر بذلك
بأساً.
قال مالك في رجل تيمم حين لم يجد ماءاً، فقام وكبر ودخل في
الصلاة، فطلع عليه إنسان معه ماء، قال: لا يقطع صلاته، بل
يتمها بالتيمم، وليتوضأ لما يستقبل من الصلوات.
وقال مالك -رحمه الله تعالى-: من قام إلى الصلاة فلم يجد
ماءاً، فعمل بما أمره الله به من التيمم، فقد أطاع الله،
وليس الذي وجد الماء بأطهر منه، ولا أتم صلاة؛ لأنهما أمرا
جمعياً، فكل عمل بما أمره الله به، وإنما العمل بما أمره
الله به من الوضوء لمن وجد الماء والتيمم لمن لم يجد الماء
قبل أن يدخل في الصلاة.
(8/27)
وقال مالك -رحمه الله تعالى- في الرجل
الجنب: إنه يتيمم ويقرأ حزبه من القرآن، ويتنقل ما لم يجد
ماء، وإنما ذلك في المكان الذي يجوز له أن يصلي فيه
بالتيمم.
يقول -رحمه الله تعالى-:
هذا باب في التيمم
والتيمم في الأصل في اللغة: القصد، وفي الشرع: القصد إلى
الصعيد الطيب الطاهر لمسح الوجه والكفين بنية رفع الحدث أو
استباحة الصلاة ونحوها.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن القاسم بن
محمد بن أبي بكر عن عائشة عن أبيه القاسم بن محمد" عن
عائشة عمته عائشة أم المؤمنين "أنها قالت: خرجنا مع رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- في بعض أسفاره" قال ابن عبد
البر: في غزوة بني المصطلق وهي المريسيع، وفيها وقعت قصة
الإفك "حتى إذا كنا بالبيداء" الشرف القريب من ذو الحليفة
"أو بذات الجيش" موضع قريب من المدينة "انقطع عقد لي"
العٍقد بكسر المهملة ما يعقد ويعلق في العنق، ويسمى قلادة،
جاءت في بعض الروايات: قِلادة "فأقام رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- على التماسه" أي طلب العقد "وقام الناس معه،
وليسوا على ماء" يعني لا يوجد في المكان ماء "وليس معهم
ماء" منقول، واستدل به بعضهم على جواز الإقامة في المكان
الذي لا ماء فيه، وكذلك سلوك الطريق الذي لا ماء فيه، وهذا
معلوم أنه فيما إذا غلب على الظن وجود الماء عند الحاجة
إليه، أما إذا غلب على الظن الهلاك سواء كان في الإقامة في
المكان الذي لا ماء فيه، أو في سلوك الطريق الذي لا ماء
فيه، غلب على الظن الهلاك، فإنه لا يجوز حينئذٍ أن يقيم في
ذلك المكان، ولا أن يسلك ذلك الطريق.
وعلى كل حال الحديث ليس فيه التفريط الذي قد يفهمه بعض
الناس من الحديث "ليسوا على ماء، وليس معهم ماء" ليس معنى
هذا أن الإنسان يقيم في مفازة، أو يسلك طريقاً ولا يحمل
معه ماءاً، فيعرض نفسه للخطر؛ لأن هذا المكان قريب جداً من
المدينة، الذي أقاموا فيه بحيث لو اشتدت حاجتهم إلى الماء
فإحضاره من المدينة قريب.
(8/28)
والاحتمال الثاني: أنهم ليسوا على ماء وليس
معهم ماء يعني قدر زائد على ما يحتاج إليه في الشرب، يعني
ليسوا على ماء للوضوء، وليس معهم ماء يتوضئون به "فأتى
الناس إلى أبي بكر الصديق" يشكون عائشة ابنته عليه، وفيه:
شكوى المرأة إلى أبيها، وأن كانت كبيرة ومتزوجة، إذا حصل
منها ما يقتضي ذلك الشكوى، لو جاء يشكونها إلى النبي -عليه
الصلاة والسلام- والأمر لا يخفى عليه، نعم الرسول -عليه
الصلاة والسلام- أقام بطوعه واختياره، نعم، وأقرها على
ذلك، فالإقامة تنسب إليه، وإن كانت هي السبب، لكن أبو بكر
-رضي الله عنه- كواحد من أفراد الناس الذي يترجح عنده ترك
هذا المكان الذي أقيم فيه بسبب العقد، يعني عقد ما يستحق
ولا أن يقيم الناس من أجله، هذا في النظر العادي، لكن
{لِّيَقْضِيَ اللهُ أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} [(42) سورة
الأنفال] عقد لا يستحق لا يسوى شيء {لِّيَقْضِيَ اللهُ
أَمْراً كَانَ مَفْعُولاً} [(42) سورة الأنفال] هو سبب لما
حدث من مشروعية التيمم.
(8/29)
"فأتى الناس إلى أبي بكر الصديق، فقالوا:
ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول الله -صلى الله عليه
وسلم- وبالناس وليسوا على ماء" لو أن المشكي غير عائشة،
شخص آخر، لقال أبو بكر كعادته: "الله ورسوله أعلم" نعم
يرضى ويسلم باختيار النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن لما
كانت ابنته هي السبب لو قال مثل هذا لعده الناس تقصير منه
من أجل ابنته، تقصير لو ما أزال هذه الشكوى، أو امتثل هذه
الشكوى، وعمل بموجبها "ألا ترى ما صنعت عائشة؟ أقامت برسول
الله -صلى الله عليه وسلم- وبالناس وليسوا على ماء، وليس
معهم ماء، قالت عائشة: فجاء أبو بكر ورسول الله -صلى الله
عليه وسلم- واضع رأسه على فخذي" في هذا دخول الرجل على
ابنته وإن كان زوجها عندها، نعم، إذا علم رضاه بذلك، أما
إذا علم أن الزوج لايرضى فإنه لا يدخل إلا بإذنه "قد نام،
قال: حبست رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس وليسوا
على ماء، وليس معهم ماء، قالت عائشة: فعاتبني أبو بكر" لم
تقل: أبي، ما قالت: عاتبني أبي، فعاتبني أبو بكر، لماذا؟
لأن ما حصل منه ينافي مقتضى الأبوة، الأبوة مقتضاها تقتضي
الحنو والعطف والشفقة، وهو سبها بكلام، وبفعل طعنها في
خاصرتها، فلم تقل: أبي؛ لأن الأبوة تقتضي الحنو، وما وقع
من القول والتأديب بالفعل مغاير لذلك في الظاهر، فلذلك
أنزلته منزلة الأجنبي، هذا التماس لكونها عدلت من أبي إلى
أبي بكر، وإن كان مثل هذا التأديب هو في ظاهره ينافي
الحنو، وينافي الرحمة التي جبل عليها الأب في الظاهر، لكن
القسوة على المرحوم لتأديبه في حقيقة الأمر لا تنافي .. ،
ولذلك أمرنا بضرب الأبناء على الصلاة، أو الأولاد على
الصلاة لعشر، وأمرنا بتأديبهم، كذلك الزوجة
{وَاضْرِبُوهُنَّ} [(34) سورة النساء] كذلك المعلم، كل من
وكل إليه أمر التأديب له أن يؤدب، وللحاكم والوالي أن
يعزر، ويقيم الحدود، وهذا من الرحمة بالناس.
"فقال ما شاء الله أن يقول" في بعض الروايات: قال لها:
حبست الناس في قلادة أي بسببها "وجعل يطعن بيده في خاصرتي"
يطعُن بضم العين في الحسيات، وبفتحها في المعنويات، لو كان
الطعن في النسب مثلاً أو في العلم أو في الرأي قلنا:
يطعَن، لكن في المحسوس "يطعُن".
(8/30)
وفيه تأديب الرجل ابنته وإن كانت كبيرة
ومزوجة "في خاصرتي" هي الشاكلة شاكلة الإنسان، خاصرته، وهي
ما .. ، جانبي وسطه، جانبي وسط الإنسان "فلا يمنعني من
التحرك إلا مكان رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على
فخذي" وفيه استحباب الصبر والتصبر لمن ناله ما يوجب
الحركة، أو يحصل به تشويش على نائم، أو مصلٍ، أو قارئ، أو
مشتغل بعلم أو ذكر، يصبر، والآن لأدنى سبب كثير من الناس
ما يكترث بمن حوله، بعض الناس وهو نائم يوقظه أدنى حركة،
لو أشعلت النور استيقظ، ثم بعد ذلك ما عاد عليه النوم،
فتحت الباب استيقظ، مثل هذا ينبغي أن يراعى.
مثله القارئ التالي بعض الناس لأدنى حركة ما يدري ويش
يقول؟ مثل هذا يراعى، والآن تجد الإنسان في مسجد والناس
يقرؤون أو مشتغلين بعلم يرن الجوال بأعلى صوته نعم نعم،
ويسرد من القصص والأخبار ما يشوش به على الناس لأدنى سبب،
يا أخي الأمر يتم بدون ذلك، انتقل إلى مكان آخر، أو اخفض
صوتك بما يحقق المصلحة ولا يترتب عليه مفسدة.
"إلا مكان رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فخذي،
فنام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى أصبح" يعني دخل
في الصباح "على غير ماء" ومتعلق الجار والمجرور على غير
ماء، إما أصبح أو نام، نام على غير ماء، أو أصبح إلى غير
ماء، فأنزل الله -تبارك وتعالى- ... ، نام حتى أصبح.
يقول أهل العلم: في مثل هذا النص ترك أو الرخصة بترك
التهجد لا سيما في حال السفر ومع التعب، يترك التهجد إذا
كان في حال التعب؛ لأن الإنسان يكتب له ما كان يعمله
مقيماً، ولا يعني ترك التهجد ترك الوتر؛ لأن الوتر لم يحفظ
عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه تركه في سفر ولا حضر.
(8/31)
"فأنزل الله -تبارك وتعالى- آية التيمم
{فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء] " الآن
{فَتَيَمَّمُواْ} حكاية للآية أو حكاية لما حصل؟ هل الخبر
عنهم أنهم تيمموا؟ أو حكاية لبعض الآية والشاهد منها؟
{فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء]
نعم الاحتمال قائم، في قوله تعالى في ثلاثة مواضع: في
النحل، وفي الروم: {فَتَمَتَّعُوا} [(34) سورة الروم -
(55) سورة النحل)] وفي آخر العنكبوت: {وَلِيَتَمَتَّعُوا}
[(66) سورة العنكبوت] هل هذا خبر وإلا تهديد؟ أمر تهديد؟
وقد يتضمن الخبر التهديد.
نعود إلى ما نحن فيه: "فأنزل الله -تبارك وتعالى- آية
التيمم {فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة النساء] " يحتمل أن
يكن خبر، وأن يكون حكاية لبعض النص "فقال أسيد بن حضير ...
"
"فأنزل الله -تبارك وتعالى- آية التيمم" آية التيمم في
النساء وفي المائدة، المراد منهما أيُ الآيتين؟
طالب: المائدة.
أو النساء؟ قال ابن العربي: هذه ما وجدت لدائها من داء؛
لأنا لا نعلم أي الآيتين عنت عائشة، آية النساء أو آية
المائدة؟ تريد آية النساء وإلا آية المائدة؟ أولاً: آية
النساء ليس فيها إلا التيمم، وآية المائدة فيها الوضوء
والتيمم، فتخصيصها بالتيمم يرجح كون المراد .. ، يعني آية
النساء ليس فيها وضوء، ليس فيها إلا التيمم، وفي آية
المائدة وضوء وتيمم.
قال القرطبي: هي آية النساء؛ لأن آية المائدة تسمى آية
الوضوء، وآية النساء لا ذكر للوضوء فيها، فيتجه تخصيصها
بآية التيمم، لكن جاء في رواية عمرو بن الحارث ما يصرح
بالمراد، فأنزل الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ
وُجُوهَكُمْ} [(6) سورة المائدة] دل على أن المراد آية
المائدة، هنا يقول: "فقال أسيد بن حضير" وهو من كبار
الأنصار "ما هي بأول بركتكم" بل هي مسبوقة ببركات "يا آل
أبي بكر، قال: فبعثنا" أي أثرنا "البعير الذي كنت عليه"
حال السفر "فوجدنا العقد تحته" ظاهر، فوجدنا العقد تحته،
ظاهر في أن الذين توجهوا لطلبه لم يجدوه؛ لأنه وجد تحت
البعير، فالظاهر أن الذين بعث أناس يبحثون عنه، لكن الظاهر
أنهم لم يجدوه، نعم.
(8/32)
وفي البخاري: فبعث رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- رجلاً فوجدها، تعني القلادة، مرة وجد تحت
البعير لما أثير، ومرة بعث رجلاً فوجدها، وهذا يرجح أن
القصة حصلت مرتين، أولاهما في غزوة بني المصطلق، والأخرى
مختلف فيها، حتى قيل: إنها في عام الفتح.
"سئل مالك عن رجل تيمم لصلاة حضرت، ثم حضرت صلاة أخرى
أيتيمم لها أم يكفيه تيممه ذلك؟ فقال: بل يتيمم لكل صلاة؛
لأن عليه أن يبتغي الماء لكل صلاة، فمن ابتغى الماء فلم
يجده فإنه يتيمم" هذا يدل على أن الإمام مالك يرى أن
التيمم مبيح لا رافع، الإمام مالك يرى أن التيمم على قوله
هذا مبيح وليس برافع للحدث؛ لأنه يلزمه أن يتيمم لكل صلاة،
فهل التيمم مبيح وإلا رافع؟ أو نتم كلامه بعدين يتبين لنا
شيء؟ نتم الكلام، ونعود إلى المسألة.
" سئل مالك عن رجل تيمم أيؤم أصحابه وهم على وضوء؟ " يعني
إمامة المتيمم بالمتوضئين؟ "فقال: يأمهم غيره أحب إلي" لأن
طهارة الماء الأصلية أكمل من طهارة البدلية، الفرع "ولو
أمهم هو لم أر بذلك بأساً " لأن الصلاة أبيحت له، ومن صحت
صلاته صحت إمامته.
"قال يحيى: قال مالك في رجل ماءاً، فقام وكبر" شرع في
الصلاة، ودخل في الصلاة "فطلع عليه إنسان معه ماء، فقال:
لا يقطع صلاته" يعني: اتقى الله ما استطاع، تيمم وشرع في
الصلاة بعد أن اتقى الله ما استطاع ولا يلزمه أن يجمع بين
البدل والمبدل، فطلع عليه إنسان معه ماء، قال: لا يقطع
صلاته، بل يتمها بالتيمم، وليتوضأ لما يستقبله من الصلوات،
وغيره يقول: يقطع صلاته؛ لأن طهارته طهارة حاجة، وارتفعت
الحاجة، ويلغزون بهذا يقولون: نهق حمار فبطلت الصلاة، نهق
حمار فبطلت الصلاة الحمار الذي يحمل الماء.
(8/33)
"قال يحيى: قال مالك: من قام إلى الصلاة
فلم يجد ماء فعمل بما أمره الله به من التيمم فقد أطاع
الله، وليس الذي وجد الماء بأطهر منه" وهناك قال: يؤمهم
غيره أحب إلي "ليس غيره بأطهر منه، ولا أتم صلاته؛ لأنهما
أمرا جميعاً، فكلٌ عمل بما أمر الله به" واتقى الله حسب
استطاعته {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [(16)
سورة التغابن] "وإنما العمل بما أمر الله به من الوضوء لمن
وجد الماء، والتيمم لمن لم يجد الماء، قبل أن يدخل في
الصلاة" يعني فإذا دخل في الصلاة عليه أن يتمها، ولا يجوز
له أن يبطلها؛ لأنه عمل بما أمر به، وقد نهي عن إبطال
العمل.
"وقال مالك في الرجل الجنب أنه يتيمم، ويقرأ حزبه من
القرآن" إذا كان اعتاد نصيب معين من القرآن، إذا كان يقرأ
القرآن في سبع يقرأ السبع في هذه الليلة، وإن كان متيمماً
"ويتنفل ما شاء، ما لم يجد ماءاً، وإنما ذلك في المكان
الذي يجوز له أن يصلي فيه بالتيمم" يعني إذا جاز له أن
يصلي والصلاة أعظم جاز له أن يقرأ.
طيب امرأة ما وجدت ماء وطهرت من الحيض وتيممت وصلت هل
يقربها زوجها أو لا يقربها؟ يقول ابن عباس: الصلاة أعظم،
إذاًَ يقربها وإلا ما يقربها؟ يقربها، بعض أهل العلم يقول:
يقتصر على الواجب في التيمم، ما وجد ماء لا يقرأ إلا بقدر
الواجب، لا سيما إذا كان حدثه يمنعه من القراءة، بأن كان
حدث أكبر.
نأتي إلى التيمم هل هو مبيح وإلا رافع؟ مقتضى قول مالك أنه
مبيح، ولذا قال: يتيمم لكل صلاة، وليس برافع، وهو المعروف
عند الحنابلة، قال غيرهم: رافع، شيخ الإسلام وغيره يقول:
رافع، إيش معنى رافع؟ لأنه بدل عن الطاهرة الكاملة عن
الوضوء، طهارة الماء والوضوء يرفع، والبدل له حكم المبدل،
وهل رفعه رفع مطلق أو رفع مؤقت؟ بمعنى أنه جلس عشرة أيام
في مكان ليس فيه ماء، تيمم مرة واحدة، ودخل عليه وقت صلاة
الظهر صلى، صلاة العصر صلى، المغرب صلى، ما لم ينتقض
تيممه، بناقض من نواقض الوضوء.
(8/34)
نام في الليل وأجنب وقام وتيمم، وصلى اليوم
الثاني والثالث والرابع .. إلى آخره، في اليوم العاشر وجد
الماء، ويش نقول؟ نعم، الصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم
يجد الماء عشر سنين، فإذا وجد الماء فليتق الله، وليمسه
بشرته.
مقتضى كون التيمم رافع رفعاً مطلقاً أنه يمسه بشرته لما
يستقبل من أحداث، هذا أجنب، ويتيمم عشرة أيام بعد الجنابة،
ثم وجد الماء، نقول له: اغتسل وإلا خلاص الجنابة ارتفعت
بالتيمم؟ يعني على الخلاف الرفع هو مطلق ما يغتسل خلاص
الجنابة لا أثر لها، وإذا قلنا: رفع مؤقت حتى يجد الماء
قلنا: عليه أن يغتسل.
نعود إلى الحديث "فليتق الله وليسمه بشرته" "فليتق الله
وليسمه بشرته" لما مضى من أحداث أو لما يستقبل؟ يعني إذا
قلنا: "فليتق الله وليمسه بشرته" لما يستقبل من الأحداث،
وقلنا: إن التيمم رافع كالماء صار الحديث فيه فائدة وإلا
ما فيه فائدة؟ ما فيه فائدة، يكون الحديث مؤكد لنصوص
الطهارة.
وإذا قلنا: فليتق الله وليمسه بشرته عن الجنابة الماضية
صار مؤسس لحكم جديد، وعندهم عند عامة أهل العلم أن الخبر
إذا دار بين التأسيس والتأكيد فالتأسيس أولى من التأكيد،
وعلى هذا يتقي الله ويمسه بشرته عن الجنابة التي مضت -إن
شاء الله-.
يعني لو قلنا: رفع مطلق يا إخوان، لو قلنا: رفع مطلق ما
يغتسل، ومثله لو صلى الظهر بالتيمم، ثم حضر صلاة العصر وهو
على تيممه وعنده ماء، هل يقول أحد: بأنه لا يتوضأ؟ مع أنه
إذا قلنا: رفع مطلق خلاص ماعليه حدث، مقتضاه أنه لا يتوضأ
العصر خلاص حدثه مرتفع، لكنه رفع مؤقت حتى يجد الماء،
والله أعلم. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله
وصحبه أجمعين.
(8/35)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الطهارة
(10)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
هذا اقتراح من بعض الإخوان فيه أمور، يطلب فيه أن يكلف بعض
الإخوان ببحث بعض المسائل، يقول: لإفادة الجميع، وتنشيط
الناحية التعليمية، وأن يكلف بعض من يطيق بشرح باب ما من
أبواب الموطأ، يعني من باب التمرين، وتعويد الطالب على
الشرح.
هذه طريقة طيبة لو كان الدرس مستمر، لكن درس لمدة شهر ما
أظن يتسنى فيه مثل هذه الأمور.
يقول: يلفت النظر هنا إلى أن الأصل إلى ألا ينظر طالب
العلم للوقت عند تحصيله العلم، بمعنى أنه لا يستعجل في طلب
العلم، فلا يكن همك يا طالب العلم أن تنهي الموطأ في شهر،
وأنت لم تحصل منه شيئاً، فالعبرة بالتحصيل.
يقول: كثيراً ما سمعنا من بعض الإخوان عدم السؤال أثناء
الشرح، وهذا فيه مخالفات واضحة، منها رد أصل من أصول
التعليم حثت عليه الشريعة في الكتاب والسنة {فَاسْأَلُواْ
أَهْلَ الذِّكْرِ} [(43) سورة النحل] يقول: منافاة جبلة في
الإنسان إذ لا يتسنى للطالب الفهم إلا إذا سأل عما أشكل
عليه.
يقول: إخراج الدرس عن حقيقته إذ نحن في درس علم وليس
إلقاء، نحن نتذاكر العلم، ولا نسمع من شريط.
على كل حال اقتراحات طيبة لو كانت المدة كافية، لا شك أن
إنهاء الكتب فيه تنشيط للطلاب من جهة، وفيه أيضا المرور
على أبواب الدين كلها، يلاحظ في الدروس في الأزمنة
المتأخرة أنها تنقطع، تقرأ الأبواب الأولى في سنوات، ثم
يمل الشيخ والطالب من الكتاب، أو ينتهي الطلاب القدامى من
الرياض، وينتقلون إلى بلدانهم، أو غيرها من البلدان، تبعاً
لوظائفهم، ثم يأتي دفعات جديدة من الطلاب، ويطلبون البدء
من جديد، أو بكتاب آخر، لا شك أن إكمال الكتب مطلب منشط،
وفيه أيضاً المرور على أبواب الدين كلها، كم شرح كتاب
الطهارة وأوائل الصلاة من الزاد والبلوغ والعمدة وغيرها،
لكن كم شرح كتاب كتب الجنايات والقضاء والحدود وغيرها، هذا
يندر الوصول إليها.
(9/1)
في البخاري مثلاً تنقطع الأعناق على
طريقتنا في الأزمان المتأخرة، ونحن ما وصلنا إلى
المعاملات، فضلاً عن الأبواب الأخرى من أبواب الدين
المهجورة، مثل الدعوات، والرقاق، والفتن، والأحكام،
والتعبير، والاعتصام، وغيرها من الكتب المتأخرة في
الجوامع.
يقول: الكلام .... -وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته-
المشهور عن إسحاق بن راهويه قوله: أخبرنا في سند الحديث،
وهناك عشرة مواضع في مسلم قال فيها: حدثنا، هل هذا خطأ في
نسختي أم ماذا؟
نعم المعروف عن إسحاق أنه لا يكاد يحدث إلا بأخبرنا، ومر
علينا في مواضع، ونبهنا عليها في درس مسلم، في أول كتاب
الصلاة، قال: حدثنا، فهذا يرد على من أطلق أنه لا يحدث إلا
بأخبرنا، مع أنه لو جمعت النسخ ونظر فيها وما فيها من
اختلاف بين حدثنا وأخبرنا؛ لأن بعض الناس من الناسخين أو
الطابعين يجري على الجادة، كما فعل في سنن النسائي، يقول
الإمام: أخبرنا الحارث بن مسكين قراءة عليه، وأنا أسمع،
أخبرنا هذه لا توجد في نسخ النسائي، لكن الطابع على الجادة
مشى، كل الأحاديث أخبرنا، إذاً هذا أخبرنا.
طريقة النسائي -رحمه الله- أنه يقول: الحارث بن مسكين بدون
صيغة أداء، الحارث بن مسكين فيما قرئ عليه وأنا أسمع،
والسبب معروف، ما يحكم عليها بالخطأ إلا إذا تأكدنا أن
جميع النسخ الأصلية المقروءة على الأئمة، المقابلة على
الأصول أثبتت خلاف ما في المطبوع، وحينئذٍ نحكم على
المطبوع بأنه خطأ، وإلا إن أثبتت النسخ الأصلية أنه على
الصواب حدثنا، هذا يورد على من يطلق أن إسحاق لا يقول: إلا
أخبرنا.
هذا يقترح لو تغلق أجهزة الجوال أثناء الدرس لأنها مشغلة.
هذا كلام صحيح.
يقول: إذا كنت مسافراً، ثم دخلت مع جماعة يصلون صلاة
رباعية، وكان الإمام في الركعة الثالثة، هل لي أن أسلم معه
لكوني مسافراً، فأكون قصرت الصلاة؟
عامة أهل العلم يقولون: إن إتم بمقيم لزمه الإتمام، ولا
يعرف مثل هذا إلا عن الشعبي، هو الذي يرى أنه يصلي ما
عليه، ويترك ما زاد على المطلوب.
يقول: بعض الناس يتوضؤن، وعندما يصلون إلى غسل اليدين لا
يدخلون الكفين في الغسل، فهل يجزئ الوضوء؟
(9/2)
لا الوضوء ليس بصحيح؛ لأن غسل الكفين قبل
غسل الوجه هذا سنة، واليد من أطراف الأصابع المطلوب غسلها
بعد الوجه، وقبل مسح الرأس اليد من أطراف الأصابع إلى
المرفقين.
هذا يقول: من صلى وعلى ثيابه مني، وهو يعلم ذلك، لكنه يابس
تماماً؟
صلاته صحيحة؛ لأنه طاهر على القول الراجح.
يقول هذا: حديث سلمة في الصحيحين أنهم يصلون الجمعة، ثم
ينصرفون وليس للجدال ظل؟
الجمهور يقولون: ليس له ظل كافي، يستظل به الماشي، دليل
على أنهم يصلونها في أول وقتها، واستدل به من يقول بجواز
صلاة الجمعة قبل الزوال.
النهي عن صيام يوم السبت؟
معروف، حديثه حسن، لكن المقصود به التطوع مع الإفراد،
والقضاء لا يدخل في هذا، وكذا من اعتاد صيام داود يصوم يوم
ويفطر يوم؛ لأنه لم يقصد هذا اليوم على وجه الخصوص بعينه
في بالصيام.
يقول: امرأة صائمة صوم قضاء لرمضان وجامعها زوجها فيما دون
الفرج، وهو ليس بصائم، فما الحكم عليها؟
إن لم تنزل فلا شيء عليها، لكنها لا ينبغي أن تطاوع زوجها،
وتختار مثل هذا العمل إلا إن أكرهها فلا بأس، وصيامها
صحيح.
يقول: هل تصح الصلاة إذا إنسان نضح فرجه وتوضأ، ولكن نسي
النية؟
النية شرط لصحة الوضوء، وشرط لصحة الصلاة، فلا بد منها.
ما حكم من يحج وعليه دين؟
الأصل أن يستأذن من صاحب الدين، أو يبادر بإبراء ذمته،
والمدين لا يجب عليه الحج؛ لأنه غير قادر.
وهل تصح حجته مع أنه قد أنهى فرضه؟
نعم حجه صحيح؛ لأن الجهة منفكة.
الدم الكثير أو القليل ناقض للوضوء، يقول الشيخ بن سعدي
-رحمه الله- في كتاب (منهاج السالكين) ذكر أنه ناقض، وفي
المختارات الجلية ذكر أنه لا ينقض؟
منهاج السالكين على طريقة المتون، والمتون تسلك فيها
الجادة، والجمهور من أهل العلم أنه ينقض، لكن كتابه
(المختارات الجلية) هذا اختيارات له، فإذا ألف الإنسان على
طريقة معينة، أو على مذهب معين يلتزم بما في هذا المذهب،
وإذا سئل أفتى بما ترجح عنده، والاختيارات من هذا القبيل،
ومثلها نقض الوضوء بتغسيل الميت، أنه يجب الوضوء في كتاب
المختارات لا يجب، مثل ما قلنا.
يقول: ما حكم قول: الإصرار على الصغائر يجعلها كبائر؟
(9/3)
هذا قول معتبر عند أهل العلم، والإصرار على
المعصية لا شك أن سببه الاستخفاف بها، والاستخفاف إذا قارن
المعصية عظمت، نسأل الله العافية.
هل من المنهج في طلب الحق أن تؤخذ أقوال من يشارك في
المسائل التي تطرح أم لا يؤخذ منهم لجهالتهم، ومعلوم عند
أهل الحديث أن الجهالة في حالات.
على كل حال لا يعتد بقول المجاهيل، ولا ممن لا يعرف بعلم
ولا عمل، ولو نمق الكلام، وشقق الكلام، ورتب الكلام، كما
هو حال كثير ممن يضلون الناس في هذه القنوات، نسأل الله
العافية، فالعلم دين العلم، فانظر عمن تأخذ دينك، والفتوى
توقيع عن الله -عز وجل-، فليحذر الذين يفتون بغير علم أن
يكونوا ممن عنوا بقوله -جل وعلا-: {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ
تَرَى الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم
مُّسْوَدَّةٌ} [(60) سورة الزمر] من أعظم الكذب على الله
–عز وجل- القول عليه بلا علم {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا
تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا
حَرَامٌ} [(116) سورة النحل] نسأل الله العافية، فعلى طالب
الحق أن يأخذ العلم من أهله الذين عرفوا به تحصيلاً وعملاً
وورعاً، كما قال الناظم:
وليس في فتواه مفتٍ متبع ... ما لم يضف للعلم والدين الورع
لأن بعض الناس يصير عنده علم، لكن ليس عنده ورع، يقحم نفسه
في كل شيء، خشية أن يقال: جاهل، والجهل خير من القول على
الله بلا علم بلا شك، والله المستعان.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-:
باب: العمل في التيمم
عن مالك عن نافع أنه أقبل هو وعبد الله بن عمر من الجرف
حتى إذا كان بالمربد نزل عبد الله فتيمم صعيداً طيباً،
فمسح ووجهه ويديه إلى المرفقين، ثم صلى.
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتيمم إلى
المرفقين.
وسئل مالك كيف التيمم؟ وأين يبلغ به؟ فقال: يضرب ضربة
للوجه، وضربة لليدين، ويمسحهما إلى المفرقين.
(9/4)
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم
وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: العمل في التيمم
يعني كيف يعمل من أراد أن يتيمم؟ فإذا قصد الصعيد الطيب
ماذا يصنع؟
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أنه أقبل هو وعبد الله
بن عمر" يعني مولاه عبد الله بن عمر "من الجرف" بضم الجيم
والراء موضع على ثلاثة أميال من المدينة، قد تقدم "حتى إذا
كان بالمربد" المربد كمنبر على ميل أو ميلين من المدينة،
وفي طريقهم "نزل عبد الله فتيمم صعيداً طيباً" قصد الصعيد
الطيب "فمسح –به- وجهه، ويديه إلى المرفقين، ثم صلى" حفظاً
للوقت، وإلا فالمدينة على ميل واحد أو ميلين يصلها في
الوقت، فتيمم حفظاً للوقت، مع إمكانه أن يصلي الصلاة في
وقتها بالطهارة كاملة التي هي الوضوء.
قال بعضهم: كان ابن عمر على وضوء سابق، ولا يمكن أن يتيمم
مع حصول الماء في وقت الصلاة؛ لأنه روي أنه كان -رضي الله
عنه وأرضاه- يتوضأ لكل صلاة، هو على وضوء وأراد تجديد
الوضوء، فلم يجد ماءاً فقصد الصعيد فتيمم، جرياً على
قاعدته، ومشياً على جادته، في أنه يتوضأ لكل صلاة، وهذا
التماس وتوجيه لصنيع ابن عمر؛ لأنه يربأ به أن يصلي
بالتيمم مع إمكان الصلاة بالوضوء في الوقت، فجعل التيمم
عوضاً عن الوضوء، يعني تجديد الوضوء لا أصل الوضوء الرافع
للحدث، إذ لا حدث عليه على هذا القول.
وقال الباجي: يؤخذ من الحديث جواز التيمم في الحضر؛ لأن
المربد في حكم الحضر، ميل أو ميلين، في حكم الحضر، وإلى
جوازه ذهب الجمهور.
التيمم في الحضر، يعني مع عدم وجود الماء، وقال أبو يوسف
وزفر: لا يجوز التيمم في الحضر بحال، ولو خرج الوقت، طيب
{فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} [(43) سورة
النساء] هذا يشمل الحضر والسفر، لكن لو قرأنا الآية من
أولها، نعم؟
طالب: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [(43)
سورة النساء]
(9/5)
{وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ}
[(43) سورة النساء] فالآية فيها التقييد بالسفر، فالسفر
سبب للتيمم، وعلى قول الجمهور أنه سببٌ أغلبي، بمعنى أنه
يغلب فقدان الماء في السفر لا في الحضر، وليكن هذا الحكم
مما شرع لعلة وارتفعت العلة، وبقي الحكم.
مثال ذلك القصر، القصر شرعيته الأولى من أجل الخوف، نعم من
أجل الخوف، ثم ارتفع الخوف، ثم صار صدقة تصدق الله بها،
مثاله الرمل في الطواف، الرمل في الطواف إنما شرع مراغمة
للكفار الذين قالوا: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى
يثرب، فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- ليراغمهم بذلك،
الآن ما يوجد كفار يقولون هذا الكلام، يشرع الرمل وإلا ما
يشرع؟ يشرع، شرع لعلة ارتفعت العلة وبقي الحكم.
على كل حال عامة أهل العلم على جوازه حضراً وسفراً.
طالب:. . . . . . . . .
يعني ولو وجد ماء؟ ولو وجد ماء يتيمم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(43) سورة النساء]
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا بد من فقدان الماء، وفي الآيتين التنصيص على فقدان
الماء، وهي طهارة بدل، والأصل لا يعدل عنه إلا مع فقده، لا
يعدل البدل مع وجود الأصل.
"فنزل عبد الله وتيمم صعيداً طيباً، فمسح وجهه ويديه إلى
المرفقين، ثم صلى" يديه إلى المرفقين، وفي الذي يليه:
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يتيمم إلى
المرفقين" قالوا: ليجمع بين الفرض والسنة؛ لأن الفرض الكف
إلى الكوع، وإلى المرفقين سنة عند بعض أهل العلم، أو أن
مذهبه أن الفرض في التيمم إلى المرفقين كالوضوء.
"وسئل مالك كيف التيمم؟ وأين يبلغ به؟ قال: يضرب ضربة
للوجه وضربة لليدين، ويمسحهما إلى المرفقين" تحصيلاً للسنة
عند مالك، ولو مسحه من الكوع صح.
(9/6)
الآن عندنا الآية آية الوضوء اليد فيها
مقيدة بإيش؟ إلى المرفقين، وآية التيمم اليد مطلقة، فمقتضى
ما ذكر من صنيع ابن عمر، وما أشار إليه الإمام مالك، وهو
المعروف عند الشافعية أن المسح إلى المرفقين حملاً للمطلق
على المقيد، وقد جاء في راوية عند أبي داود لكنه خبر ليس
بالقوي، معارض بحديث عمار في الصحيحين، وفيه قوله -عليه
الصلاة والسلام-: ((إنما يكفيك هكذا)) فضرب بكفه الأرض،
ونفخ، وضرب بكفيه الأرض، ونفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه
وكفيه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
ولو حسنه وهو معارض بما في الصحيحين ما يكفي، معارض بما في
الصحيحين، حمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورة متجه
وإلا غير متجه؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
للاختلاف في إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الحكم مختلف، وإن كان السبب واحداً، السبب واحد، هنا اتفق
السبب واختلف الحكم، فالحكم مختلف، والمعول عليه في حمل
المطلق على المقيد هو الحكم، فإذا اختلفا في الحكم لم يحمل
المطلق على المقيد، ولو اتحد السبب.
السبب هو الحدث، والحكم هذا غسل وهذا مسح، وإن اختلفا في
الحكم والسبب لم يحمل المطلق على المقيد اتفاقاً، كاليد في
آية الوضوء مقيدة، وفي آية السرقة مطلقة، السبب والحكم
مختلفان ولا يحمل المطلق على المقيد في مثل هذه الصورة،
بخلاف ما لو اتحدا في الحكم والسبب، فإنه يحمل المطلق على
المقيد، وبعضهم يحكي الإجماع على ذلك، كالدم {حُرِّمَتْ
عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [(3) سورة المائدة]
هذا مطلق وقيد في آية أخرى {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا
أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ
إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا}
[(145) سورة الأنعام].
(9/7)
في أربع صور: إما أن يتحدا في الحكم
والسبب، أو يختلفا في الحكم والسبب، أو يتحدا في الحكم دون
السبب كالرقبة في كفارة الظهار وفي كفارة القتل، ففي كفارة
الظاهر مطلقة، وفي كفارة القتل مقيدة، الحكم واحد وهو وجوب
العتق، والسبب مختلف، هذا سببه الظهار، وهذا سببه القتل،
فيحمل المطلق على المقيد في هذه الصورة، والذي معنا لا
يحمل فيه المطلق على المقيد للاختلاف في الحكم.
عرفنا أن الراجح في هذه المسألة، قال: يضرب ضربة للوجه
وضربة لليدين، وفي حديث عمار ضربة واحدة، قال له: إنما
يكفيك هكذا، فضرب بكفيه الأرض، يعني ضربة واحدة، ونفخ
فيهما ثم مسح بهما وجه وكفيه، فعلى هذا القول المرجح في
التيمم أنه ضربة واحدة للوجه والكفين، نعم.
أحسن الله إليك
باب: تيمم الجنب
عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة أن رجلاً سأل سيعد بن
المسيب عن الرجل الجنب يتيمم ثم يدرك الماء؟ فقال سعيد:
إذا أدرك الماء فعليه الغسل لما يستقبل.
قال مالك: فيمن احتلم وهو في سفر ولا يقدر من الماء إلا
على قدر الوضوء، وهو لا يعطش حتى يأتي الماء؟ قال: يغسل
بذلك فرجه، وما أصابه من ذلك الأذى ثم يتيمم صعيداً طيباً
كما أمره الله.
وسئل مالك عن رجل جنب أراد أن يتيمم فلم يجد تراباً إلا
تراب سبخة، هل يتيمم بالسباخ وهل تكره الصلاة في السباخ؟
قال مالك: لا بأس بالصلاة في السباخ والتيمم منها؛ لأن
الله -تبارك وتعالى- قال: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا
طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] وكل ما كان صعيداً فهو يتيمم
به سباخاً كان أو غير سباخاً كان أو غيره.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: تيمم الجنب
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة أن رجلاً سأل
سعيد بن المسيب عن الرجل الجنب يتيمم ثم يدرك الماء" يعني
بعد أن تيمم، وارتفع حدثه بالتيمم "فقال سعيد: إذا أدرك
الماء فعليه الغسل لما يستقبل" يعني لما يستقبل من إيش؟ من
الأحداث أو من الصلوات؟
طالب:. . . . . . . . .
(9/8)
"فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته"
لما مضى؟ كلام سعيد لا يدل عليه، إلا إذا قلنا: إنه يغتسل
فعليه الغسل لما يستقبل من الصلوات، ولو لم يجنب مرة
ثانية، وإذا حملنا كلامه فعليه الغسل لما يستقبل من
الأحداث قلنا: إنه جار على أن التيمم رافع رافعاً مطلقاً،
فإذا كان رأيه أن التيمم يرفع الحدث رفعاً مطلقاً، قلنا:
يغتسل لما يستقبل من الأحداث، أما الحدث الذي سبق ارتفع،
وإذا قلنا: إن التيمم رافع رفع مؤقت، قلنا: يتقى الله
وليمسه بشرته عن الجنابة السابقة، ولو حمل على أنه لما
يستقبل من الأحداث لأخلينا النص من فائدته؛ لأنه حينئذٍ
يكون مؤكداً لجميع ما جاء من أحاديث الطهارة.
طالب:. . . . . . . . . .
هو الصلاة ما فيها إعادة، لكن هل يغتسل إذا وجد الماء
للجنابة السابقة أولا يغتسل؟ هذا الكلام، أما الصلاة ما
فيها إعادة.
"قال مالك فيمن احتلم وهو في سفر ولا يقدر من الماء إلا
على قدر الوضوء وهو لا يعطش حتى يأتي الماء" يعني لا
يحتاجه لما هو أهم من الوضوء من الشرب، قال: يغسل بذلك
الماء فرجه، وما أصابه من الأذى، ثم يتيمم صعيداً طيباً
طاهراً، كما أمره الله، إذ ليس معه ما يكفيه لغسله، يستعمل
هذا الماء الذي معه، فيما يكفيه، فإذا انتهى صدق عليه
حينئذٍ أنه لم يجد ماءاً، فيتيمم، وهذه القاعدة معروفة عند
أهل العلم أن من قدر على بعض العبادة وعجز عن بعضها لزمه
أن يأتي بما قدر عليه، يأتي بما يقدر عليه، وأما ما لا
يقدر عليه لا يأتي به.
وهنا عنده ما يكفي لبعض الأعضاء عليه حدث أصغر، وعنده ماء
يسير يكفيه لغسل وجهه ويديه، لكنه لا يكفيه للمسح وغسل
الرجلين، نقول: استعمله فيما تقدر به على استعماله، وتيمم
عن الباقي، ومثله لو كان عليه جنابة، اغسل بذلك فرجك؛ لأن
الشيء المحسوس رفعه أهم من الشيء المعنوي غير المحسوس،
عندك قذر حاصل، نعم، والحدث معنوي، وصف لا حقيقة له حسية،
فترفع المحسوس الذي هو ما أصاب الفرج ولوثه، ثم تتيمم
صعيداً طيباً كما أمرك الله بذلك، إذا انتهى ما معك من
الماء.
(9/9)
"وسئل مالك عن رجل جنب أراد أن يتيمم فلم
يجد تراباً إلا تراب سَبَخَةٍ" بفتحات، الأرض المالحة التي
لا تكاد تنبت "هل يتيمم بالسباخ؟ وهل تكره الصلاة في
السباخ؟ قال مالك: لا بأس بالصلاة في السباخ" يجوز أن تصلى
في الأرض السبخة ((جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) وهذا
منها من الأرض، والتيمم منها، وبهذا قال الجمهور أنه يصح
التيمم بالأرض السبخة، خلافاً لإسحاق، وهو مروي عن مجاهد
أن السبخة لا يجزئ التيمم منها؛ لأن الله -تبارك وتعالى-
قال: {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة
النساء] والصعيد وجه الأرض، وما تصاعد عليه.
ابن خزيمة يستدل بالنص على جواز التيمم بالأرض السبخة،
استدل ابن خزيمة على جواز التيمم بالأرض السبخة بقوله
-عليه الصلاة والسلام-: ((أُريت دار هجرتكم سبخة، ذات
نخل)) يعني المدينة، سبخة ذات نخل، مع تسميته -عليه الصلاة
والسلام- لها "طيبة" والطيبة من الطيب {فَتَيَمَّمُواْ
صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة النساء] إذاً طيبة طيّبة،
وهي في الوقت نفسه سبخة، نعم، المدينة سبخة، المدينة طيبة
إذاً السبخة طيبة، معادلة، استدلال، فدل على أن السبخة
داخلة في الطيبة.
هنا النص {فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا} [(43) سورة
النساء] وفي حديث الخصائص: ((جعلت لي الأرض مسجداً
وطهوراً)) وفي بعض رواياته: ((وجعلت تربتها لنا طهوراً))
تربتها، الآن في الحديث العام حديث الخصائص المعروف:
((وجعلت لي الأرض مسجد وطهوراً)) والحديث الخاص: ((وجعلت
تربتها لنا طهوراً)) فهل يحمل العام على الخاص فنقتصر على
التراب الذي له غبار يعلق باليد دون ما سواه مما على وجه
الأرض، أو يبقى العام على عمومه والتنصيص على بعض أفراده
لا يقتضي القصر والتخصيص؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب: إخراج بعض أجزائه.
إذاً ما تيمم إلا بتراب.
طالب: لا يا شيخ، التخصيص المراد به بعض أفراد العام ليس
موافق.
(9/10)
الحكم موافق، حكم الخاص موافق لحكم العام،
يعني التنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق لحكم العام
لا يقتضي التخصيص عند أهل العلم، وهذا إذا قلنا: إن ما بين
الحديثين عموم وخصوص، لكن إذا قلنا: إنه إطلاق وتقييد،
وكثير من الشراح خلطوا بين الأمرين، أنتم تعرفون أن
المعروف عند الحنابلة، وهو قول الشافعية أنه لا يتيمم إلا
بالتراب، ومع عدا ذلك مما على وجه الأرض لا يتيمم به،
خلافاً لمالك وأبي حنيفة، يعني قول الإمامين ما هو بعبث،
أولاً: التربة فرد من أفراد الأرض، أو وصف من أوصافها؟
طالب:. . . . . . . . .
الظاهر أن كله خلاص ما هو شيء. . . . . . . . .، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
وتقييد، فرد، يصير عموم وخصوص، نعم يا إخوان؟ فإذا قلنا:
إن التربة وصف من أوصاف الأرض اتحدا في الحكم والسبب،
حملنا المطلق على المقيد، وقلنا: لا يجوز أن نتيمم بغير
التراب، وإلى هذا يذهب من يقول بعدم جواز التيمم بغير
التراب، وعرفنا أنه مذهب الحنابلة والشافعية، إذا قلنا: إن
التراب فرد من أفراد الأرض، نعم، إذا قلنا: إنه فرد من
أفراد الأرض، قلنا: تنصيص على بعض أفراد العام بحكم موافق
لا يقتضي التخصيص هذا من جهة، ومن جهة أخرى ابن عبد البر
يرى أن أحاديث الخصائص لا تقبل التخصيص، لا تقبل التخصيص،
لماذا؟ يعني: ((وجعلت لي الأرض مسجد وطهوراً)) هذا من حديث
الخصائص، فلا يدخله التخصيص أبداً، لماذا؟ لأن الخصائص
تشريف وتكريم للنبي -عليه الصلاة والسلام- والتخصيص تقليل
لهذا التشريف، ولذا تجدون الصلاة في المقبرة مثلاً عند ابن
عبد البر جائزة، لماذا؟ طيب ((لا تصلوا للقبور، ولا تجلسوا
عليها)) وأمور يعني جاءت في المقبرة خاصة، لا أحاديث
الخصائص، ما تقبل التخصيص؛ لأن هذا تقليل لهذا التشريف،
مقبول وإلا غير مقبول الكلام؟ لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
النص الآخر، لكن هو يقول: هذا الخصائص إنما ذكرها النبي
-عليه الصلاة والسلام- لبيان شرفه، ويقول: ((جعلت لي الأرض
مسجداً وطهوراً)) فإذا قلت: لا تصل في هذا المكان لحديث
كذا، قال: أنت قللت هذا التشريف للنبي -عليه الصلاة
والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟
(9/11)
طالب:. . . . . . . . .
ابن عبد البر ما هو بواضح، أنا أقول: الخصائص ويش معنى هذه
الأمور اختص بها النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ تشريفاً له
-عليه الصلاة والسلام-، فإذا قللت لأن التخصيص تقليل بلا
شك، التخصيص إخراج بعض الأفراد تقليل، حينما يقول: ((جعلت
لي الأرض مسجداً وطهوراً)) يعني كل الأرض مسجداً وطهوراً،
فأنت تقول: المقبرة لا تصح الصلاة فيها، إذاً قللت هذا
التشريف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم ذا كانت المعارضة بين حقوقه -عليه الصلاة والسلام- مع
حقوق الله -عز وجل- تقدم حقوق الله -جل وعلا-، والنهي عن
الصلاة في المقبرة إنما هو رعاية وحماية لحق الله -جل
وعلا-.
هنا إذا قصرنا التيمم بالتراب قللنا هذه الخصيصة، فعلى رأي
ابن عبد البر ((جعلت لي الأرض)) كل ما على وجه الأرض يتيمم
به، ولا يجوز التخصيص بمثل هذا، كما أنه لا يجوز التقييد،
التربة، راوية التربة من الناحية الاصطلاحية هي مخرجة في
إيش؟ في مسلم، مخرجة في مسلم، فهي صحيحة؛ لأنها مخرجة في
كتاب تلقي بالقبول، لكن هل فيها مخالفة لما رواه الأكثر؟
هل تتضمن مخالفة أو لا تتضمن مخالفة؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني تنصيص على فرد؟
طالب:. . . . . . . . .
مثل هذا يذكر في الزيادة، زيادة الراوي الموافقة من وجه،
مخالفة من وجه، موافقة من وجه باعتبار التربة جزء من أجزاء
الأرض، والمخالفة من جهة التنصيص عليها دون ما عداها، على
كل حال المرجح في هذا قول من يقول بجواز التيمم على جميع
ما على وجه الأرض، والتنصيص على التراب في رواية مسلم فرد
من أفراد العام، لا يقبل التخصيص.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
طالب:. . . . . . . . .
على كلامه ما في شيء يمنع من الصلاة، صل في كل مكان، هذا
كلام ابن عبد البر.
طالب:. . . . . . . . .
ولو ورد النهي؛ لأنه جعلت له تربة وطهور خلاص صل.
طالب:. . . . . . . . .
لا قوله مرجوح -رحمه الله-.
نعم.
طالب:. . . . . . . . .
إيه.
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما يحل للرجل من امرأته
وهي حائض
(9/12)
عن مالك عن زيد بن أسلم أن رجلاً سأل رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي
حائض؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لتشد عليها
أزارها، ثم شأنك بأعلاها)).
عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي
-صلى الله عليه وسلم- كانت مضطجعة مع رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- في ثوب واحد، وإنها قد وثبت وثبة شديدة، فقال
لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مالك؟ لعلك نفستِ))
يعني الحيضة، فقالت: نعم، قال: ((شدي على نفسك إزارك، ثم
عودي إلى مضجعك)).
عن مالك عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله بن عمر أرسل إلى
عائشة يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي حائض؟ فقالت:
"لتشد إزارها على أسفلها، ثم يباشرها إن شاء".
عن مالك أنه بلغه أن سالم بن عبد الله وسليمان بن يسار
سئلا عن الحائض هل يصيبها زوجها إذا رأت الطهر قبل أن
تغتسل؟ فقالا: "لا حتى تغتسل".
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض
يعني ما يحل للرجل أن يستمع به من زوجته حال حيضها، الرجل
ممنوع من قربان الزوجة حتى تطهر، بل حتى تتطهر، والنهي عن
قربانها، هل النهي عن قربانها مثل النهي عن قربان الصلاة
حال السكر أو النهي عن قربان الفواحش؟ {وَلاَ تَقْرَبُواْ
الْفَوَاحِشَ} [(151) سورة الأنعام] {لاَ تَقْرَبُواْ
الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى} [(43) سورة النساء] {فَلاَ
تَقْرَبُوهَا} [(187) سورة البقرة] أو يختلف؟ لأن مفهوم
الاقتراب من الشيء والقرب منه نعم يقتضي المباعدة عنه، فهل
الرجل مأمور بمباعدة المرأة؟ لا ليس مأمور بمباعدتها، بل
النصوص كما عندنا هنا "في ثوب واحد" ينام مع زوجته في ثوب
واحد، فراش واحد، لحاف واحد، وبدنها طاهر، ويباشرها في غير
موضع الحرث، والتعبير بالنهي عن القرب للتنفير من معاشرتها
حال حيضها في موضع الحرث، أما إذا ضمن الإنسان من نفسه أنه
لن يقارف ما حرم عليه فلا مانع؛ لأن بعض الناس مجرد ما
تكون زوجته بجواره، لا يملك نفسه، مثل هذا يأمر بالابتعاد
عنها، حتى عن مضاجعتها، إذا كان لا يملك نفسه.
(9/13)
"حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم أن
رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" عن زيد بن أسلم
تابعي "أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يحكي
قصة لما يحضرها، فهو مرسل، ولذا يقول ابن عبد البر: لا
أعلم أحداً رواه بهذا اللفظ مسنداً، يعني متصلاً، فالمسند
عند ابن عبد البر المتصل، ومنهم من يقول: المسند المرفوع،
ومنهم من يجمع بينهما، لا يطلق على الخبر مسنداً إلا إذا
كان مرفوعاً متصلاً "أن رجلاً" في سنن أبي داود عن عبد
الله بن سعد، قال: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فعرفنا المبهم عبد
الله بن سعد الأنصاري "فقال: ما يحل لي من امرأتي وهي
حائض؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لتشهد عليها
إزارها، ثم شأنك بأعلاها)) " ((ثم شأنك)) أي دونك
((أعلاها)) فاستمتع به، وجعل المئزر من باب سد الذريعة،
واتقاء الشبهة، وإلا لو باشرها فيما دون الممنوع، ولو لم
تشد المئزر، يجوز وإلا ما يجوز؟ لكن شد المئزر من باب سد
الذريعة.
مقتضى هذا الخبر ((لتشد عليها أزارها، ثم شأنك بأعلاها))
مع قوله -عليه الصلاة والسلام- ((اصنعوا كل شيء إلا
النكاح)) هذا الخبر يدل على أن ما فوق الإزار وتحت الإزار
وهو محدد بما بين السرة والركبة عند كثير من أهل العلم،
فيستدلون بمثل هذا على أنه لا يجوز الاستعمال، أو مباشرة
ما بين السرة والركبة، لكن أباح كثير من السلف من الصحابة
والتابعين، وهو مذهب أحمد والثوري أن يستمتع من زوجته بما
دون الفرج، ولو كان تحت السرة وفوق الركبة، المقصود أنه لا
يكون في موضع الحرث، وأما ما جاء في مثل هذا الخبر أن ما
دون الإزار هو المستمتع به، هذا محمول عند أحمد ومن معه
أنه على الاستحباب والاحتياط؛ لئلا يحوم حول الحمى، فيقع
فيه، وهذا هو الظاهر رجحه النووي وغيره.
(9/14)
ثم بعد هذا قال: "وحدثني عن مالك عن ربيعة
بن أبي عبد الرحمن أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه
وسلم- كانت مضطجعة نائمة مع رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- في ثوب واحد" وفيه جواز ذلك لمن أمن من الوقوع في
المحرم "وأنها وثبت وثبة شديدة" قفزت خوفاً من وصول شيء من
الأذى إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو تقذرت نفسها،
ورأت أن ظرفها لا يناسب مضاجعة النبي -عليه الصلاة
والسلام- "وثبت وثبة شديدة، فقال لها رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: ((ما لك؟ )) " أي أيُ شيء حدث لك؟ ((لعلك
نفست)) بفتح النون وكسر الفاء، أي حضتِ، وأما الولادة فبضم
النون، يعني نُفست، وقال الأصمعي وغيره: بالوجهين فيهما،
في الولادة والحيض، نَفستِ ونُفستِ.
وأصل النفاس خروج الدم الذي هو يسمى نفس، نعم تسيل النفوس،
يعني تسيل الدماء، ومنه قول الفقهاء: ما لا نفس له سائلة،
يعني لا دم له سائل.
((لعلك نفست)) يعني الحيضة، وهذا تفسير من بعض الرواة
"فقالت: نعم" نفستُ، يعني حضتُ "قال: ((شدي على نفسك
إزارك، ثم عودي إلى مضجعك)) " شدي على نفسك أزارك؛ لئلا
تلوث الفراش، وتلوث الضجيع، ثم عودي إلى موضع النوم
والضجوع.
يقول ابن عبد البر: لم يختلف رواة الموطأ في إرسال هذا
الحديث، ولا أعلم أنه روي بهذا اللفظ من حديث عائشة ألبتة،
ويتصل معناه من حديث أم سلمة، نعم القصة حصلت لأم سلمة،
كما في الصحيحين وغيرهما، في الصحيحين وغيرهما أن أم سلمة
نُفست أو نَفست حاضت، وهي مضطجعة معه -عليه الصلاة
والسلام- فانسلت، المقصود أن القصة حصلت لأم سلمة، وهنا عن
عائشة، والخبر مرسل، ولا يضر الإرسال عند مالك وأبي حنيفة،
ويضر عند غيرهم.
والحديث فيه جواز النوم مع الحائض في ثيابها والاضطجاع
معها في لحاف واحد، فما جاء في ديننا وسط بين ما كان عليه
اليهود والنصارى، فاليهود لا يضاجعونها ولا يساكنونها ولا
يجالسونها، والنصارى يباشرونها في موضع الحرث، وديننا منع
موضع الأذى {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ
أَذًى} [(222) سورة البقرة] يعني قذر، الحائض ممنوعة من
الصلاة والصيام على ما سيأتي؛ لما تلبست به من هذا الأذى،
ومقتضى منعها، والحيضة ليست بيدها كما هو معلوم.
(9/15)
هل يكتب لها ما كانت تعمله قبل حيضها أو لا
يكتب؟ نعم، وكونها أمر خارج عن إرادتها، وهي تنوي
الاستمرار في العبادة والطاعة لولا هذا المانع القسري، وهو
أذى ابتليت به، والمسألة خلافية بين أهل العلم، هل يكتب
لها أو لا يكتب؟
لو جئنا إلى التائب من الذنب توبة نصوح، بدلت سيئاته
حسنات، فكيف بمن لا ذنب له؟ نعم؟ فكيف بمن لا ذنب له؟ من
امتنع عن فعل الطاعة وترك الصلاة والصيام ثم تاب، نعم،
تبدل سيئاته حسنات، فيكف بمن منعت مع نية .. ، مع أن في
نيتها وقرارة نفسها أن لو مكنت لفعلت، قالت: هذا شيء كتبه
الله على بنات آدم.
طالب:. . . . . . . . .
ويش فيه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هو ما يشكل على هذا إلا وصف الحائض -المرأة عموماً-
بأنها ناقصة عقل ودين، ونقص الدين كون الحيض يأتيها،
يأتيها العذر فتمكث الأيام لا تصوم ولا تصلي، فلو كان يكتب
لها لما وصفت بالنقص.
طالب:. . . . . . . . .
قيام إيش؟ يعني نظير من عجز عن الفعل، على كل حال المسألة
خلافية، ومن قصد الخير أصابه -إن شاء الله تعالى-، فلن
يحرمه، لكن مع ذلك من قصد الخير صادقاً لم يحرمه -إن شاء
الله تعالى-.
طالب:. . . . . . . . .
امتثالاً، الامتناع امتثالاً، على كل حال المسألة لن ينحسم
الخلاف فيها.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبيد الله بن عبد الله
بن عمر أرسل إلى عائشة يسألها هل يباشر الرجل امرأته وهي
حائض؟ فقالت: يشد إزارها -تربطه على أسفلها- ثم يباشرها
فيما دون الجماع إن شاء" فأفتته بما كان يصنعه -عليه
الصلاة والسلام- مع نسائه، تقول: "كان يأمرني فأتزر
ويباشرني وأنا حائض".
(9/16)
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سالم بن عبد
الله" أحد الفقهاء السبعة على قول، وسليمان بن يسار أيضاً
منهم "سئلا عن الحائض هل يصيبها زوجها إذا رأت الطهر قبل
أن تغتسل؟ " رأت الطهر، رأت علامة الطهر، إما بالقصة
البيضاء أو بالجفاف قبل أن تغتسل "فقالا -أي كل منهما-:
لا" أي: لا يصيبها "حتى تغتسل" {حَتَّىَ يَطْهُرْنَ
فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [(222) سورة البقرة] حتى يطهرن، أي:
انقطع الدم {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ} [(222)
سورة البقرة] الآن {وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ
يَطْهُرْنَ} [(222) سورة البقرة] هذا الغاية، ومقتضى ذلك
أنها تقرب ولو لم تتطهر؛ لأن الغاية حتى يطهرن، لكن دخول
الغاية وعدم دخوله ليس بقطعي، فجاء في النصوص ما يدل على
الدخول، وجاء في النصوص ما يدل على عدمه، فجاء التوضيح بعد
ذلك، {فَإِذَا تَطَهَّرْنَ} [(222) سورة البقرة] نعم يعني
تطهرن بعد أن طهرن، هذا قدر زائد على مجرد الطهر، وهو
التطهر من فعلها بالغسل فأتوهن، فالجملة الثانية مفسرة
للمراد من الجملة الأولى "لا حتى تغتسل؛ لقوله -جل وعلا-:
{وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىَ يَطْهُرْنَ فَإِذَا
تَطَهَّرْنَ} [(222) سورة البقرة] " وبهذا قال مالك
والشافعي وأحمد، وجمهور الفقهاء، وقال أبو حنيفة: إذا
انقطع الدم لأكثر الحيض وهو عشرة أيام عنده جاز وطؤها قبل
الغسل، لكن إن انقطع الدم قبل أكثر الحيض ستة أيام، سبعة،
ثمانية، تسعة، حتى تغتسل، دليله على ذلك؟ ابن عبد البر
–رحمه الله تعالى- لما ذكر كلام أبي حنيفة قال: هذا تحكم
لا وجه له، على كل حال هو قول مرجوح، فلا يجوز للزوج أن
يقرب زوجته حتى تطهر، تغتسل، الكفارة ما ورد فيها الخبر
ضعيف دينار أو نصفه، ضعيف، نعم.
أحسن الله إليك.
باب: طهر الحائض
عن مالك عن علقمة بن أبي علقمة عن أمه مولاة عائشة أم
المؤمنين أنها قالت: كان النساء يبعثن إلى عائشة أم
المؤمنين بالدرجة فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيضة
يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن: لا تعجلن حتى ترين القصة
البيضاء، تريد بذلك الطهر من الحيضة.
(9/17)
عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر عن عمته عن
ابنة زيد بن ثابت أنه بلغها أن نساءاً كن يدعون بالمصابيح
من جوف الليل ينظرن إلى الطهر، فكانت تعيب ذلك عليهن،
وتقول: ما كان النساء يصنعن هذا.
وسئل مالك عن الحائض تطهر فلا تجد ماء هل تتيمم؟ قال: نعم
لتتيمم فإن مثلها مثل الجنب إذا لم يجد ماءاً تيمم.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: طهر الحائض
"حدثني يحيى عن مالك عن علقة بن أبي علقمة" المدني "عن
أمه" مرجانة "مولاة عائشة أم المؤمنين أنها قالت: كان
النساء" يعني من نساء الصحابة والتابعين "يبعثن إلى عائشة
بالدِرَجة" بكسر الدال وفتح الراء جمع درج، وهكذا، يرويه
أصحاب الحديث، وضبطه ابن عبد البر بالضم، ثم السكون،
الدرجة، وقال: إنه تأنيث درج، الدرج معروف، والدرجة
تأنيثه، وضبطه الباجي بفتحتين الدرجة، على كل حال هو وعاء،
يجعل "فيه الكرسف" الذي هو القطن، الذي اختبر فيه المحل،
فيها الكرسف فيه الصفرة من دم الحيض، يعني يؤتى بالكرسف
الذي هو القطن فيدخل في موضع الخارج من الدم لاختبار
الطهر، هل انقطع نزول الدم أو ما زال؟ "فيه صفرة من دم
الحيض، يسألنها عن الصلاة" شيء يسير لا يكاد يذكر، هل مثل
هذا يمنع من الصلاة؟ مثل هذا لا بد فيه من الحزم،
والاحتياط فيه غير ممكن؛ لأنها إن تركت الصلاة وقد طهرت
ارتكبت أمراً عظيماً، وإن صلت حال حيضها ارتكبت محرماً بلا
شك، وكثير من النساء الآن في حيرة شديدة، وعادات النساء
يحصل فيها الاضطراب الكثير، مع ما يتناوله النساء من طعام
أو علاج، أو أي تصرف يتصرفنه في أنفسهن، الموانع وغيرها
توجد الاضطراب، تقديم وتأخير وتغير في اللون، واضطراب
كبير.
هنا يبعثن بهذا الوعاء، فيه قطن، هذا القطن اختبر فيه
المحل، لكن ما وجد إلا الصفرة من دم الحيض، يسألنها عن
الصلاة "فتقول عائشة لهن: لا تعجلن" لأنه مع حرص النساء
على فعل الخير، وعلى أداء هذه العبادة العظيمة يرون أن هذا
الشيء اليسير ما يمنع من إقامة هذا الركن العظيم؛ لأن هذا
لو كان الدين بالرأي إذا كانت الاستحاضة مع أن الدم يجري
لا يمنع من الصلاة فكيف بهذا الشيء اليسير صفرة وإلا كدرة.
(9/18)
"يسألنها عن الصلاة، فتقول لهن: لا تعجلن
حتى ترين القصة البيضاء" يعني إذا رأيتن القصة البيضاء
صلوا، وأما قبل ذلك فلا، تريد بذلك الطهر من الحيضة، القصة
بفتح القاف وتشديد الصاد، القصة بفتح القاف وتشديد الصاد
المهملة ماء أبيض، يدفعه الرحم عند انقطاع الحيض، وهو
معلوم عند النساء يعرفنه ويدركنه، "تريد بذلك الطهر من
الحيضة" شبهت ما يخرج من ذلك لبياضه القص، وهو الجص، الجص
معروف بياضه، ومنه قصص داره بالجيل، يعني جصصه، فالمرأة
عليها أن تنتظر حتى تجزم أن الدم قد انقطع، إما برؤية
القصة إن كانت ممن ترى -وهذا هو الكثير الغالب- وبعض
النساء لا توجد عندها قصة بيضاء، هذه إذا جفت تماماً،
وانقطع عنها نزول الدم فإنها تكون قد انتهت عادتها.
"وحدثني عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر" بن محمد بن عمرو
بن حزم "عن عمته" قال ابن الحذّاء: هي عمرة بنت حزم، عمة
جده، لكن عبد الله لم يدركها؛ لأنها صحابية قديمة، والصوب
أنها عمته أخت أبيه، أم كلثوم أو أم عمرو "عن عمته عن ابنة
زيد بن ثابت" اسمها أيضاً أم كلثوم، وهي زوجة سالم بن عبد
الله بن عمر "أنه بلغها أن نساءاً كن يدعون بالمصابيح"
يطلبن المصابيح وهي السرج "من جوف الليل، ينظرن إلى ما يدل
على الطهر، فكانت تعيب ذلك عليهن، وتقول: ما كان النساء
يصنعن هذا" يعني التكلف من الإتيان بالسرج في جوف الليل،
والمراد بالنساء نساء الصحابة اللاتي أدركتهن.
(9/19)
وأم كلثوم هذه بنت زيد بن ثابت أبوها
معروف، وزوجها أحد الفقهاء أدركت الصحابيات، وأنكرت على من
يصنع هذا الصنيع، إذا كان الباعث على مثل هذا الصنيع الحرص
على الخير، والحرص على أداء العبادة في وقتها، والحرص على
إبراء الذمة ينكر على ما فعله؟ يعني ما يظهر من حال هؤلاء
التابعيات من هؤلاء النسوة إلا أنه حرص وعابت عليهن ذلك،
فهل من حرص على الخير يعاب عليه؟ الحرص الزائد على المطلوب
شرعاً، والاحتياط الذي لا يدل عليه الدليل هذا غير مطلوب،
لذاته ولما يفضي إليه؛ لأنه قد يفضي إلى شيء من التشديد
على النفس والتعمق الذي يقطع ويعوق عن تحصيل بعض ما طلبه
الشارع، الإنسان لو حمل نفسه على العزيمة في كل أبواب
الدين ما استطاع، فعليه أن يحرص على أن يعمل بما سمع، وقد
أحسن من انتهى إلى ما سمع، ولا شك أن الباعث هو الحرص على
الخير، وأداء هذه العبادة العظيمة، لكن لم يكن النساء في
عهد الصحابة يفعلن هذا، والخير في اتباع من سلف، وكل خير
في إتباع من سلف.
"وسئل مالك عن الحائض تطهر فلا تجد ماءاً هل تتيمم؟ قال:
نعم تيمم، فإن مثلها مثل الجنب" لا فرق بينهما، بين الحائض
والجنب، فكل منهما متلبس بالحدث الأكبر، فإذا جاز للجنب
الذي وجب عليه الغسل أن يتيمم عند عدم الماء جاز للحائض أن
تتيمم بدلاً من غسلها لفقد الماء إذا لم تجد ماء، أو إذا
لم يجد ماء تيمم وهذا قياس، قياس على الجنب المنصوص عليه
في الآية، على الخلاف في المراد بالملامسة على ما تقدم،
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
هو ما في شك أن بعض الفقهاء ذكر تفصيلات لا دليل عليها،
وتفصيلات توقع في حرج، لكن من اقتفى أثر النصوص ارتاح، لا
شك أن هناك مسائل حادثة، ومسائل مستجدة، ونوازل تحتاج إلى
أحكام، ونسمع يومياً من الأسئلة ما يشكل على كثير من
النساء، ويأتي في باب الاستحاضة الذي هو أكثر ما يأتي فيه
الإشكالات، يأتي مثلاً استحاضة، يأتي نزيف، يأتي تقدم
وتأخر بسبب ما يؤكل أو يستعمل هذا وجد إشكالات كثيرة في
هذا العصر، وإلا كانت العادة مطردة عند النساء، ومعروف متى
تبدأ؟ ومتى تنتهي؟ نعم.
أحسن الله إليك.
باب: جامع الحيضة
(9/20)
عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى
الله عليه وسلم- قالت في المرأة الحامل ترى الدم: إنها تدع
الصلاة.
عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن المرأة الحامل ترى الدم قال:
تكف عن الصلاة.
قال مالك: وذلك الأمر عندنا.
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى
الله عليه وسلم- أنها قالت: كنت أرجل رأس رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- وأنا حائض.
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن فاطمة بنت المنذر بن
الزبير عن أسماء بنت أبي بكر الصديق أنها قالت سألت امرأة
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالت: أرأيت إحدانا إذا
أصاب ثوبها الدم من الحيضة، كيف تصنع فيه؟ فقال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((إذا أصاب ثوب أحداكن الدم من
الحيضة فلتقرصه، ثم لتنضحه بالماء، ثم لتصلي فيه)).
نعم يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: جامع الحيضة
الذي يجمع المسائل المختلفة في هذا الباب.
"حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -عليه
الصلاة والسلام- قالت في المرأة الحامل ترى الدم: إنها تدع
الصلاة" يعني هذا رأي عائشة أن الحامل تحيض.
"حدثني عن مالك أنه سأل ابن شهاب عن المرأة الحامل ترى
الدم قال: تكف عن الصلاة" يعني هذا رأي عائشة وابن شهاب.
"قال يحيى: قال مالك: وذلك الأمر عندنا" وهو اختيار مالك،
معلوم أن المرأة إذا حملت انقطع عنها الدم هذا الأصل،
ينقطع عنها الدم لأمر ولحكمة هي أن هذا الدم ينصرف لتغذية
الجنين، فلا يخرج، هذا هو الأصل، لكن إذا خرج فما الحكم؟
ووجد الدم في وقته وبلونه ورائحته من المرأة الحامل؟ هل
تحيض أو لا تحيض؟
مقتضى قول عائشة وابن شهاب وهو اختيار مالك أنها تحيض،
فإذا وجدت الدم في وقته ولونه ورائحته أنها تدع الصلاة،
وهذا كما أنه مذهب مالك هو قول الإمام الشافعي في الجديد،
استدلالاً بما ذكر، وهو أنه دم، في وقت العادة، وأيضاًً
بالوصف الذي يتصف به دم العادة.
وذهب أبو حنيفة وأحمد والثوري أنها لا تحيض، ومن أقوى ما
يستدل به هؤلاء أن الإستبراء يعتبر بالحيض، يعني الاستدلال
على براءة الرحم يكون بإيش؟ بالحيض، الاستبراء بالحيض،
الاستدلال على براءة الرحم إنما يكون بالحيض، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(9/21)
بلا شك لأنه لو كانت الحامل تحيض ما صار
للاستبراء قيمة، وهذه من أقوى ما يستدل به هؤلاء، فلو كانت
الحامل تحيض لم تتم البراءة بالحيض، براءة الرحم ما تتم
بالحيض، هذا من أقوى ما يستدل به، شوف الاستدلال الغريب
العجيب بعد ذلك يقول ابن المنير، يستدل ابن المنير على أن
ما تراه الحامل ليس بحيض؛ لأن الملك موكل بالرحم، ولا يأتي
لمثل هذه الأماكن التي يحصل فيها، يعني وقت نزول الحيض ما
يمكن يصير الملك موجود، يعني إغراب، إغراب في الاستدلال،
يعني وجه الاستدلال عنده أن الملك موكل بالرحم يعني مع
الحمل، أي نعم يمتنع وجود الملك الموكل بالرحم رحم الحامل
مع وجود هذا القذر، الذي هو الحيض، لكن يرد عليها أنها إذا
رأت الدم، هو قذر على كل حال، سواء قلنا: حيض أو ليس بحيض.
يعني المسألة مفترضة في حامل ترى الدم، نعم يعني المسألة
مفترضة في حامل ترى دم، والدم هذا قذر، سواء قلنا: حيض أو
ليس بحيض، فقول ابن المنير ضعيف، لكن قول من يستدل
بالاستبراء، وأنه إنما يكون بالحيض، العِدد تكون بالحيض،
ثلاث قروء، العدة من أجل إيش؟ العلم ببراءة الرحم، فإذا
كانت الحامل تحيض كيف نعرف براءة الرحم؟ هم قالوا هذا،
المالكية والشافعية قالوا: إن حيض الحامل نادر، ولا يعلق
به حكم، فلا يعارض الاستبراء فلا يعارض الاستبراء، لكن إذا
وجد حيض تكرر ثلاثاً تخرج من العدة أو لا تخرج وهي حامل؟
نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، على هذا على قولهم، على قولهم اعتدت ثلاثة قروء
وانتهت، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما في حد قال بأبعد الأجلين، ما في إلا علي ونفر يسير
قالوا وهو قول مردود بلا شك، هذا في حال الولادة قبل بلوغ
أربعة أشهر وعشرة أيام، قالوا: تعتد بأبعد الأجلين في هذه
الصورة، ما قالوا في مسألة الحيض أبداً، في عدة المتوفاة
هل تعتد بأربعة أشهر مطلقاً حامل أو غير حامل؟ أو تعتد
الحامل بوضع الحمل وغير الحامل بأربعة أشهر؟
(9/22)
ومنهم من قال: تعتد بأبعد الأجلين، هذا
بالنسبة لمن توفي عنها زوجها وهي حبلى، وعلى كل حال الحمل
ضد أو نقيض الحيض، لا سيما في باب العدد والاستبراء، نقيض
فلا يمكن أن يجتمع النقيض مع نقيضه شيء علق فيه حكم، يجتمع
مع شيء علق عليه حكم مخالف، ما يمكن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، المرأة الحامل ما. . . . . . . . .، هذا الحمل من
من وقوع النطفة إلى الولادة، الكل حمل، وهي مجرد ما يحصل
التلقيح انقطع، هذا هو الأصل، إذاً ما نستطيع نفرق امرأة
حامل لشهر أو لثلاثة أشهر مثلاً، أو سبعة أشهر، هذا حيض
وإلا ليس بحيض؟ ما نستطيع أن نفرق؛ لأن النصوص التي جاءت
ما فرقت.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا قولها، هذا اجتهادها، اجتهادها، وما جربت، حمل وما
جربت شيء، ما جربت -رضي الله عنها- مع فقهها.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، أنا أقول: الاحتياط لا يمكن في هذا الباب، لا يمكن
الاحتياط في هذا الباب، ما نقول. . . . . . . . . لأنها إن
صلت فعلت محرماً، وإن تركت تركت أمراً عظيماً.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، الفعل أسهل من الترك؛ لأن التحريم ....
طالب:. . . . . . . . .
إيه نأتي إلى مسألة عظمى، هل ترك الواجب أعظم أو فعل
المحرم أعظم؟
طالب:. . . . . . . . .
(9/23)
لا، الجمهور، لا تجزموا بشيء، لا تجزموا
بشيء، الجمهور على أن فعل المحظور أعظم من ترك الواجب، هذا
الجمهور ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا
نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) ما في مثنوي، وشيخ الإسلام -رحمه
الله- يرى أن ترك الواجب أعظم من فعل المحرم، استدلالاً
بقصة آدم مع إبليس، آدم معصيته في ارتكاب محظور، وإبليس
معصيته في ترك واجب، وعلى كل حال لا هذا ولا ذاك، لا يمكن
أن يقال بقول مطرد، لا يمكن أن يحكم بمثل هذا بقول مطرد
إطلاقاً، ننظر إلى عظم الواجب وعظم المحرم، يعني أنت مأمور
بالصلاة مع الجماعة، هل تترك هذا الواجب لمحذور في طريقك
إلى المسجد، محذور في طريقك إلى المسجد في شخص يدخن ولا
تستطيع تنكر عليه، تترك الواجب من أجل هذا؟ نعم؟ يعني تترك
الواجب لوجود هذا المحظور؟ نعم؟ لكن لو كان في طريقك بغي
مع وجود ظالم يلزمك بالوقوع عليها تترك الواجب وإلا ما
تترك؟
إذاً القول بالاطراد في مثل هذه المسائل لا يرد إطلاقاً،
فلا هذا ولا ذاك، ننظر إلى حجم الواجب، وننظر إلى حجم
المحظور، ننظر إلى الواجب المتروك مع المحظور المفروض،
يعني في مثل هذا الخلاف، هذا إذا قلنا: إنه يثير شبهة،
خلاف من غير مرجح، لو قلنا بهذا، خلاف من غير مرجح، أنه
أثار شبهة، فهل تفعل الصلاة وتستغفر خشية أن تقع في محظور،
أو تترك الصلاة على القول الآخر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، سهل، أنت كونك ترتكب محظوراً وتستغفر، أسهل من ترك
ركن من أركان الإسلام قد أوجبه الله عليك.
(9/24)
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه
عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كنت
أرجل رأس رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" الترجيل
التسريح، أمشط شعر، شعر رأس "وأنا حائض" هذه جملة حالية،
وفي ذلك دليل على طهارة بدن الحائض، وألحق بها الجنب،
وحديث أبي هريرة ((سبحان الله إن المؤمن لا ينجس))
والترجيل هو التسريح، وتنظيف الشعر، وتنظيف البدن أيضاً
مطلوب، تنظيف الشعر وتسريحه وتنظيمه مطلوب، وكذلك أيضاً
تنظيف الثوب والبدن وما يتعلق بالإنسان، هذا مطلوب شرعاً،
لا يليق بمسلم أن يكون على هيئة بحيث يزدرى بها، لكن
المبالغة في هذا التنظيف والترتيب والتصفيف أيضاً ممنوع.
جاء النهي عن الترجل إلا غباً، لا يعني هذا أن الإنسان لما
سمع أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يرجل شعره ينظف أنه
يفعل كما يفعل بعض الناس في بيته جناح خاص، صالون لتنظيف
الشعر وتصفيفه، يعني من الطرائف واحد من الشيوخ يتكلم عن
الإمام أحمد وأنه يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة،
قال واحد من الطلاب الحاضرين: هذا ما هو معقول، الطالب
يحلق لحيته، والشيخ من الشام قال: صحيح ليس بمعقول؛ لأن
عنده صالون يتحلق فيه ثلاث ساعات في اليوم، الإمام أحمد
عنده صالون يتحلق به ثلاث ساعات، يعني المبالغة في مثل هذه
الأمور التي تعوق عن تحصيل الواجبات، فضلاً عن المستحبات،
هذا لا يرد بها الشرع، الدين وسط، ولكسر ما قد يفهمه
ويفعله بعض الناس استناداً إلى مثل هذا النص صح الحديث:
((البذاذة من الإيمان)) البذاذة عدم المبالغة في حسن
المظهر، نعم حسن المظهر مطلوب لكن بالتوسط.
يعني لا يقال للمسلم: أبداً لا تشتري أكثر من ثوب حتى
يتقطع، إسراف تشتري ثوبين في آن واحد، ولا يقال له: أصنع
كما صنع بعض الناس، ثلاثمائة وخمسين ثوب في السنة، بحيث
إذا لبس ثوب ما يعود إليه آخر ما عليه، لا هذا ولا ذاك،
دين الله وسط، مطلوب من المسلم أن يعمل لآخرته، هذا الأصل؛
لأنه خلق للعبادة، ثم خشية أن يضيع نفسه، وأن يضيع من تحت
يده قيل له: {وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}
[(77) سورة القصص].
(9/25)
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن
أبيه" يقول: كذا ليحيى وحده، وهو خطأ وغلط؛ لأن عروة لم
يرو عن فاطمة شيئاً، هذا ليحيى وحده، في الرواية التي
معنا، وهو في الموطئات عن هشام عن زوجته فاطمة، ما هو بعن
أبيه، عن زوجته فاطمة، فاطمة بنت المنذر ابن الزبير زوجة
هشام بن عروة، وهي أسن منه بثلاثة عشر سنة، ابنة عمه "عن
أسماء بنت أبي بكر الصديق جدة هشام" وفاطمة معاً لأبويهما
"أنها قالت: سألت امرأة" هي أسماء كما في بعض طرق الحديث:
"سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" إلى أخر هـ، فدل
على أن السائل هو أسماء، وإن أبهمت هنا.
"فقالت: أرأيت" استفهام، بمعنى الأمر، أي أخبرني "أرأيت
إحدانا إذا أصاب ثوبها الدم" ثوب مفعول، والدم فاعل من
الحيضة "كيف تصنع فيه؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((إذا أصاب ثوب إحداكن الدم من الحيضة فلتقرصه ثم
لتنضحه)) " تقرصه، من الحيضة، أي من دم الحيض ((فلتقرصه))
بماء يسير، أو بدون ماء ((ثم لتنضحه)) بعد ذلك بالماء، أي
تغسله؛ لأن دم الحيض نجس، تجب إزالته بالماء، والمراد
بالنضح هنا الغسل، قاله الخطابي وابن عبد البر وابن بطال؛
لأن دم الحيض نجس، وجاء التشديد فيه بالقرص والحك، تحكه،
ولو بصلع، ثم تغسله بالماء، وقال القرطبي: النضح هنا الرش؛
لأن الغسل استفيد من قوله: ((فلتقرصه)) تقرصه يعني تغسله
بالماء.
على كل حال المقصود تنظيفه، لكن إذا فعلت ما أمرت به،
قرصته وغسلته بالماء، وبالغت في غسله فبقي أثره، فإن الأثر
يعفى عنه لا يؤثر، وإن جاء الأمر بوضع إيش؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هذا الثوب، ثوب المرأة أصابه دم حيض، قرصته وغسلته
بالماء، وبقي الأثر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يوضع عليه شيء، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(9/26)
شيء له لون، يضيع لون الدم؛ لأنه مستقذر،
وهذا على سبيل الاستحباب؛ لأنه لا يضر الأثر، ثم لتنضحه،
ثم لتصلي فيه، وفيه إشارة إلى امتناع الصلاة في الثوب
النجس، لا تجوز في الثوب النجس؛ لأنه رتب الصلاة فيه على
تطهيره، وفيه جواز استفتاء المرأة لنفسها، ومشافهتها
للرجال، فيما يتعلق بأحوال النساء، إذا أمنت الفتنة، لا بد
أن تؤمن الفتنة، أما مع وجود الفتنة فلا يجوز، وفيه تعيين
الماء لإزالة النجاسات كلها، قياساً على الدم كما هو قول
الجمهور، وقال أبو حنيفة: يجوز تطهير النجاسة بكل مائع
طاهر.
يقول هذا: صوت المرأة هل هو عورة؟ وهل يجوز أن تتحدث في
دين أمام الشباب مثال البالتوك؟
الأصل أن صوت المرأة إذا لم يحصل فيه خضوع، ودعت إليه
الحاجة، وأمنت الفتنة لا بأس، إذا دعت إليه الحاجة، وأمنت
الفتنة، وخلا من الخضوع، لا بأس، تبيع وتشتري مع أمن
الفتنة، وبمعزل عن الرجال، لا تختلط بالرجال، لا تعرض
نفسها للفتن، وتحدثها أمام الشباب في مثل هذه الآلات هذا
لا شك أنه فتنة، بل مجرده فتنة، فضلاً عما يفضي إليه، بعض
الشباب ممن في قلبه مرض يتلذذ بمثل هذا، فيفتتن بمثل هذا،
ثم بعد ذلكم يخشى ما يخشى مما يجر إليه، فعلى المرأة
المسلمة أن تكون خير مالها أن لا ترى الرجال ولا يرونها،
ولا تكلم الرجال ولا يكلمونها، أن تبقى على حيائها وعفتها،
لكن إذا دعت الحاجة بحيث لا يوجد من يقضي لها حاجتها، أو
لا يوجد لها من يسأل عنها، لا مانع بالقيود والضوابط التي
ذكرها أهل العلم.
يقول: ألا يأخذ برأي الطب في هذا المجال فقد ذكرت لي إحدى
الطبيبات أن الحامل تحيض، لكن عن طريق العروق لا عن طريق
البويضة؟
هذا ما يصير حيض، هذا لا يسمى حيض، وإنما يسمى نزيف،
فالحيض له مصدر، والاستحاضة لها مصدر، الحيض من قعر الرحم،
والاستحاضة من أدناه.
طالب:. . . . . . . . .
(9/27)
لا يجوز النظر إلى المرأة الأجنبية، لا
يجوز: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ
أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور] على أن كثيراً من هؤلاء
النسوة اللواتي يخرجن بهذه الآلات متبذلات، فاتنات،
مائلات، مميلات، وبعضهن إيش؟ مومسات، نسأل لله العافية،
وإذا تأملنا في حديث جريج، وأن أمه دعت عليه ألا يموت حتى
يرى وجوه المومسات؛ لما ارتكبه من عقوقها، فالإنسان بطوعه
واختياره ينظر إلى هذه الوجوه! نسأل الله السلامة
والعافية، هذا لا يجوز إطلاقاً.
يقول: شخص نوى صيام يوم من أيام شوال قبل الظهر فهل يحتسب
له هذا اليوم؟
نعم -إن شاء الله- يحتسب؛ لأنه نفل، والنبي -عليه الصلاة
والسلام- يسأل: ((هل عندكم شيء؟ )) فإذا قالوا: لا، نوى
الصيام.
أناس سافروا إلى البر آخر الأسبوع، فهل الأولى أن يصلوا
جمعة، أو يصلوا الظهر قصراً؟ علماً بأنه يوجد منهم قريب من
بعض القرى؟
الأولى أن يصلوا الجمعة.
هل يشرع رفع السبابة أثناء التشهد الأخير باستمرار منذ
بدايته وحتى نهايته؟
عند الشهادة يرفع وعند الدعاء.
يلاحظ أن بعض المأمومين يرفعون أصواتهم وراء الإمام
بالتسبيح والقراءة مما يشوش على غيرهم؟
نعم التشويش على المصلين ذكرناه بالأمس، وأنه ينبغي .. ،
إذا منع التشويش على النائم فالمتعبد من باب أولى.
نسأل يا إخوان.
هذا سؤال: امرأة كانت عادتها ستة أيام أو سبعة، ثم بعد
ولادتها الأخيرة اضطربت حيضتها، فأصبحت تصل إلى تسعة أيام،
مع العلم أن المرأة ترى القصة البيضاء في اليوم السادس أو
السابع، ثم يعاودها الدم قليلاً يومين أو ثلاثة؟
إذا رأت القصة انتهت عادتها، وما عدا ذلك استحاضة، فالمرأة
تصلي وتصوم ما زاد على عادتها، إذا رأت القصة انتهت
الفترة.
هذا كلام من بعض الإخوة فيه نقول عن بعض المعاصرين، يذكرون
أن التيمم للمسافر سائغ ولو مع وجود الماء.
(9/28)
يقول محمد مصطفى المراغي، هذا معروف شيخ
الأزهر سابقاً، يقول: "حكم المريض والمسافر إذا أراد
الصلاة كحكم المحدث حدثاً أصغر" يقول: "وإن كان المشهور من
المذاهب الأربعة أن شرط التيمم فقد الماء، فلا يجوز التيمم
للمسافر مع وجود الماء، وهذا بخلاف ظاهر الآية، فالمتأمل
في السفر يجد رخصاً كثيرة كإباحة قصر الصلاة، والفطر في
رمضان، فلا يستنكر ترك الوضوء والغسل للمسافر مع وجود
الماء، وهما أقل من الصلاة، والفطر في رمضان في الدين،
يقول: ووافقه الشيخ محمد عبده.
قال صديق خان: كثر الاختباط في تفسير الآية في قوله:
{وَإِن كُنتُم مَّرْضَى} [(43) سورة النساء] الآية،
فالأعذار ثلاثة: المرض والسفر وفقد الماء في الحضر، وهذا
ظاهر على قول من قال: إذا جاء قيد بعد جمل متصلة اختص
بآخرها، أما من قال: يكون قيداً للجميع إن لم يمنع مانع
فهذا سائغ هنا، إذ يمنع مانع وهو أن المرض والسفر كل منهم
عذر مستقل في باب الصيام، ويؤيد هذا أحاديث التيمم
المطلقة، وأحادث التيمم المقيدة بالحضر.
يقول شلتوت شيخ الأزهر سابقاً: السفر عارض مبيح للتيمم
بنفسه سواء مع وجود الماء أو عدم وجوده، في حال الصحة أو
المرض، وعدم وجود الماء عارض مبيح للتيمم بنفسه سواء في
حال الصحة أو المرض أو السفر أو الحضر والمريض يتيمم.
قال أبو الوفاء درويش: في الآية رخصة للمسافر أن يتيمم مع
وجود الماء.
(9/29)
أقول: النصوص -نصوص الكتاب والسنة- تفسر
بفهم السلف، ولا تفسر بأقوال المعاصرين، ولو قلنا بهذا
للزم علينا لوازم، وأحدثنا أقوالاً في الدين لم يقل بها
أحد، وكما قال علي -رضي الله عنه-: "القرآن حمال وجوه"
فليس للمعاصر أن يستقل بفهم، لا يدخل في فهم السلف الصالح،
يعني يستقل بحكم يحدثه بعد أن حصرت الأقوال، واطلع عليها
كلها، وخرج عنها، لا يجوز له ذلك، فعلى هذا ينظر في أقوال
المتقدمين إن وجد من الصحابة والتابعين والأئمة والتابعين
لهم بإحسان وجد من يقول بهذا القول، واستروح أحد من أهل
النظر أيضاً، ومال إلى القول به له ذلك، أما أن يحدث قولاً
لم يقل به من سلف، نلاحظ أن هؤلاء كلهم متأخرون، يعني
أقدمهم "صديق" متوفى سنة 1307هـ، وصديق لا يستقل بأقواله
هو، غالب أقواله من كلام الشوكاني، فإذا رجعنا إلى تفسيره
في هذه الآية، ما أدري عاد الأخ نقل من التفسير أو من
غيره، أو من الروضة الندية.
على كل حال لو رجعنا إلى تفسير الشوكاني لوجدناه بحروفه،
إن كان في تفسير صديق؛ لأن تفسير صديق مستقى منه.
(9/30)
وهنا يقول: المرض والسفر وفقد الماء في
الحضر هذا ظاهر على قول من قال: إذا جاء قيد بعد جمل متصلة
اختص بآخرها، القيد والاستثناء الوصف المؤثر، والاستثناء
إذا تعقب جملاً متعددة، فهل يعود إلى جميع الجمل أو يعود
إلى الأخيرة منها؟ أو لا يحكم بشيء حتى ينظر في القرائن
المرجحة؟ وفي قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
الْمُحْصَنَاتِ} [(4) سورة النور] حكمهم إيش؟
{فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً} [(4) سورة النور]
وأيضاً {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا} [(4)
سورة النور] وأيضاً حكم عليهم بثلاثة أحكام، بالجلد ثمانين
جلدة، وبعدم قبول الشهادة، والحكم بالفسق، ثم جاء
الاستثناء المتعقب لهذه الجمل {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا}
[(5) سورة النور] هذا الاستثناء لا يعود إلى الجملة الأولى
اتفاقاً، فلا يرتفع عنه الجلد بتوبته، ويعود إلى الجملة
الأخيرة بالاتفاق، أما الجملة المتوسطة وهي قبول الشهادة
فمسألة مختلف فيها، فالإطلاق في قوله يعود إلى الجميع، أو
يعود إلى الأخيرة فقط، لا يسوغ في مثل هذه الحالة، بل لا
بد من النظر في النصوص الأخرى وهذه مسألة في غاية الأهمية،
منهم من يطلق أنه يعود إلى الجمل كلها، وهذا ليس بصحيح،
ففي القذف لا يرتفع عنه الحد ولو تاب، يرتفع عنه وصف الفسق
اتفاقاً، لكن مع ارتفاع وصف الفسق هل تقبل شهادته مع قوله
تعالى: {أَبَدًا}؟ {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً
أَبَدًا} [(4) سورة النور]؟ يعني مع التأبيد في عدم
قبولها، مسألة خلافية بين أهل العلم، والوقت لا يستوعب
التفصيل في مثل هذا.
ونعود ونكرر أن نقول: إن النصوص تفسر بفهم السلف، ولا يجوز
لأحد أن يحدث قولاً إلا أن يأتي به على سبيل الترجي، حتى
يقف على قولٍ لأحد الأئمة، يقول لعل كذا، لعل كذا.
يقول: في وقت انقطاع الحيض، فهل لها أن تصلي الوقت الذي
قبل الوقت. . . . . . . . . عند الطهر احتياطاً؟
نعم هو قول الأكثر، إذا طهرت في وقت العصر تصلي العصر وما
يجمع إليها وهي الظهر، وإذا طهرت في وقت العشاء تصليها وما
يجمع إليها وهي المغرب، وهذا هو الأحوط، وإن كان الاستدلال
له فيه ما فيه، لكن هو الأحوط، وهو قول الأكثر، ومن أهل
العلم من يرى أنها لا تلزم إلا بالوقت الذي وقت الحاضرة،
والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى
آله وصحبه أجمعين.
(9/31)
بسم الله الرحمن الرحيم
شرح: الموطأ - كتاب الطهارة
(11)
الشيخ: عبد الكريم الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هذا يسأل يقول: هل يجوز السؤال بوجه الله -عز وجل-؟
كأن يقول السائل: "اللهم إني أسألك بوجهك كذا" جاء في
الخبر: ((لا يسأل بوجه الله إلا الجنة)) وما عدا ذلك فلا.
يقول: فهمت من كلامكم أن الغسل يغني عن الوضوء، فهل لو
اغتسل ولم يتمضمض ويستنشق فهل يكفي؟
المضمضة والاستنشاق في الغسل القول بها أقوى من القول بها
في الوضوء، فالذي لا يرى المضمضة والاستنشاق مطلقاً يكفي،
لكن الذي يرى المضمضة والاستنشاق في الوضوء يراها في الغسل
من باب أولى، والقائلون بالمضمضة والاستنشاق في الغسل أكثر
من القائلين بهما في الوضوء.
يقول: كثير من طلاب العلم إذا سمع ما يذكره العلماء من
الجهد الذي يجب أن يبذل في تحصيل العلم يصاب بإحباط، فهل
هذا الجهد المبذول في التحصيل يتفاوت من شخص لآخر حيث أن
بعض الناس يكفيه القليل من الجهد، والبعض الآخر ليس كذلك؟
لا شك أن الناس يتفاوتون، منهم القوي في الفهم والحفظ،
فهذا لا يحتاج من الجهد ما يحتاجه من هو أضعف منه فهماً
وحفظاً، على أن الجهد ينبغي أن يبذل؛ لأن العلم لا نهاية
له، حتى من رزقه الله الحافظة القوية والفهم الثاقب هذا
ينبغي أن يبذل جهد، وإذا علم النتيجة هان عليه الأمر، وعلى
كل حال المطلوب التسديد والمقاربة؛ لأن العلم عبادة، وقد
أمرنا بالتسديد والمقاربة في العبادات كلها.
فلا ينبغي أن يكون الإنسان مثل المنبت الذي لا ظهراً أبقى،
ولا أرضاً قطع، يحمل نفسه ما تطيق، وإذا عرف أن قدرته لا
تتحمل حفظ ورقة، نصف ورقة الحمد لله، ربع ورقة، آية في كل
يوم، آيتين، حديث واحد، حديثين، ومع الوقت يدرك -إن شاء
الله-، لكن الإشكال الذي يحمل نفسه ما لا تطيق، ويكون عنده
الحرص أكثر من طاقته، فيريد أن يحفظ مثلاً القرآن في شهر،
أو في شهرين، أو في ثلاثة، أو في أكثر أو أقل، والحافظة لا
تساعد مثل هذا ينقطع، يمل وينقطع، لكن لو عمل بالتدريج،
وأخذ العلم بالتوقيت شيئاً فشيئاً، حتى ينمو العلم، ويحصل
منه ما يكفيه -إن شاء الله-، ويعينه على أمور دينه ودنياه.
(10/1)
المقصود أن على الإنسان أن يتوسط في أموره
كلها، لا يبذل من الجهد ما يشق عليه، ويحمل على الترك،
((مه، عليكم من العمل ما تطيقون، إن الدين يسر، ولا يشاد
الدين أحد إلا غلبه)) والله المستعان.
يقول: هل الخاتم سنة؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- اتخذ الخاتم، اتخذه حينما قيل
له: إن فارس لا يقرءون إلا ما كان مختوماً، ولذا يرجح بعض
أهل العلم أنه سنة لمن يحتاجه، من يحتاجه من أمير وقاضي
ووالي وموظف ومدير، أو ما أشبه ذلك، يحتاجه، أما من لا
يحتاجه فيرونه من باب العادات.
ما حكم لبس الحديد؟
لبس الحديد جاء ما يدل على أنه حلية أهل النار، لكن الإمام
البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم بلبس الحديد، وأورد حديث
الواهبة: ((التمس ولو خاتماً من حديد)) فالحديث يدل على
جواز لبسه، وهو في الصحيحين، يدل على أنه يضعف الحديث
الآخر، والحديث الآخر في السنن، الحديد يشترك فيه الرجل
والمرأة، لكن حديث الواهبة وفيه: ((التمس ولو ... )) يدل
على الجواز للجميع، يطلبه من الرجل يقول: هات من أمك خاتم؟
نقول: أنت هات خاتم، يدل على أنه خاتم عنده، فلولا جواز
لبسه لما أقره في حديث الواهبة، ما شكوا في السنن ((حلية
أهل النار)) وصححه بعضهم، لكن يبقى أن هذا اختيار الإمام
البخاري، ذكرت أن الإمام البخاري ترجم بالحديث لبس خاتم
الحديد، وأورد حديث الواهبة، إيش يدل عليه هذا؟ يدل على
أنه ضعف الحديث الآخر.
يقول: هل الآن المسلمون في نازلة ويدعى لهم من قبل أئمة
المساجد؟
على كل حال مثل هذا له مرجع، له العلماء الكبار إذا أوصوا
به لا بأس -إن شاء الله-.
يقول: ما حكم الجهاد في هذا الزمان؟
الجهاد فريضة من فرائض الدين، ماضية إلى قيام الساعة، لكن
بالنسبة لمن دهمهم العدو فرضاً عليهم على الأعيان، ومن
سواهم فرض على الكفاية.
يقول: هل لمن أخلص النية وحددها للدارسة النظامية مثل
الجامعية وغيرها أفتونا مأجورين؟
(10/2)
يتقرب بها، إذا كانت دراسة العلوم الشرعية
يتقرب بها؛ لأن الأصل فيها القربة، فإذا أخلص النية في
دراسته النظامية ويش المانع؟ لكن الدارسة النظامية يعتريها
من مما يعترض في طريق النية أكثر مما يعتري غيرها، لأن
فيها شهادة في المستقبل، وفيها أمور، هذا الذي يجعل كثير
من طلاب العلم يقولون: لا نستطيع أن نخلص، لكن أذا أخلص
الحمد لله ويش المانع؟ هو علم من العلوم، وكذلك العلوم
الأخرى علوم الدنيا إذا قصد بها وجه الله -عز وجل-، وإلا
فالأصل فيها الإباحة.
يقول: هل إذا صام رجل ست من شوال وأدخل مع ذلك نية النذر
هل يجزئ؟
لا يجزئ، النذر واجب مستقل لا يدخل فيه غيره، فيفي بالنذر
إن شاء قبل الست أو بعده، المقصود أنه لا يدخل فيه.
يقول: هناك قطرات تنزل بعد التبول والوضوء بوقت ربع ساعة،
ليس كل مرة بل أحياناً، في كل يوم ... ، فما الحكم لمثل
هذا الإحساس؟
على كل حال إذا كثر وشق، واستنجى الاستنجاء المطلوب، ونضح
سراويله يكفي، ولا يلتفت إلى ما يخرج بعد ذلك، لكن إذا لم
ينضح وتأكد أنه خرج منه شيء، انتقض وضوؤه.
يقول: ما القول في الخط الذي يوضع لأجل تسوية الصفوف،
ومثله الخط الموجود بحذاء الحجر الأسود، وما الضابط لعمل
مثل هذا؟
(10/3)
السبب قالوا: إنه قائم في عهده -عليه
الصلاة والسلام-، وما قام سببه ولم يفعله -عليه الصلاة
والسلام- فهو داخل في حيز الابتداع، لكن ينبغي أن ينظر إلى
السبب هل هو بمستوى السبب القائم الآن، أو أضعف، أو أكثر،
يعني إذا قلنا مثلاً: الصفوف، ننظر إلى مسجده -عليه الصلاة
والسلام-، وهو مفروش بالرمل، تراب، فلا يتأتى فيه الخط،
الأمر الثاني: أن عرضه ما هو مثل عرض الصفوف مثل المساجد
الآن الكبيرة التي لا ينتظم فيها المصلون، فالسبب قائم،
لكنه ليس بمستوى السبب الذي عليه الناس الآن، والناس
يمتثلون أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- عند تسوية الصفوف
إذا قال: استووا، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعني
بتسوية الصفوف، لكن مع غفلة الناس اليوم وإعراضهم
وإدبارهم، الإمام يقول: استووا، وهم في الصفوف متقدم
ومتأخر، كذلك الخط الموجود في حذاء الحجر الأسود نفس الشيء
واحد يسأل يقول: إنه بدأ الطواف من رجل إسماعيل، كيف رجل
إسماعيل؟ يعني لولا وجود مثل هذا الخط، واتفاق الناس عليه
من البداءة منه لخفي على كثير من الناس من أين يبدأ؟ مع
جهل الناس وإعراضهم عن تعلم دينهم، ولا نقول: إن هذا مبرر
لبقاء مثل هذا الخط، أو هذه الخطوط، لكن هذه وجهة نظر من
يقول بأنه الأولى بقاؤها؛ لأنها تحقق مصالح، ولا يترتب
عليها مفاسد، أما في صفوف المساجد فلا مفسد ألبتة، في
محاذاة الحجر فيه مفاسد، وفيه زحام، لكن ينبغي أن توسع
دائرة هذا الخط؛ لكي تستوعب أكبر قدر ممكن، هذا عند من
يقول ببقائها، والمطالبة قائمة الآن بإزالة الخط؛ لأنه
ترتب عليه زحام، وترتب عليه أمور، وهو لا يوجد في عصر
النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولا عصر السلف الصالح، فهذا
مبرر لإزالته، لكن يترتب عليه بطلان هذا الركن من ذلك
النسك، الذي هو ركن من أركان الإسلام، الطواف ركن، والحج
ركن من أركان الإسلام، فإذا بطل هذا الركن بطل ما طلب له.
يقول: هذا المصحف من طباعة مجمع الملك فهد، وفيه إخلال في
ترتيبه، حيث تداخلت صورة البقرة وآل عمران والنساء، فهذا
الذي رأيته ولا أدري عن غيره؟
(10/4)
ما يلزم؛ لأنه ما دام ما هو بتجليد المجمع،
ما دام ما هو بتجليد المجمع، احتمال المجلد وهو العادة أن
المجلد يفك الملازم ينثرها نثر، ثم بعد ذلك يخيطها من
جديد، فاحتمال أن يكون بعضها تقدم، وبعضها تأخر، فلو وجد
من تجليد المجمع بهذا الترتيب المخل، لا شك أن هذه أمر
عظيم، والذي نعرف أن المجمع فيه عناية فائقة، يعني في
أوائل بداية الطباعة في الطبعة الأولى يقولون: إنهم وجدوا
في المراجعة مائة وأربعين شيئاً لا يمكن يعني شيء سهل
جداً، فهم تعبوا عليه، وأتقنوه وضبطوه، ولا شك أن عمل
البشر معرض للخطأ، لكن هذا الكتاب محفوظ مصون، تولى الله
-جل وعلا- حفظه والعناية به، ما وكله إلى أحد، لكن الذي
يغلب على الظن أن الترتيب هذا من المجلد، لكن لو أتي
بتجليد المجمع وهو معروف المجمع يجلد، ووجد هذا الخلل صار
له أصل.
يقول: هل مس الإلية والخصيتين يوجب الوضوء؟
أما بالنسبة للإلية فلا، وأما الخصيتين جاء فيه: ((من مس
ذكره وأنثييه)) هذه الزيادة بعضهم يرى أنها مدرجة، وبعضهم
يرى أنها من أصل الحديث، وعلى كل حال الأصل مس الذكر.
المريض والعاجز عن التيمم بنفسه أذا أردت أن أتولى هذا،
فهل أضرب بيديه التراب؟
إن أمكن أن تضرب التراب بيديه بيدي المريض فهو أفضل، وتمسح
بهما، وإن لم تستطع فاضرب بيديك وامسح وجهه ويديه، وحينئذٍ
تمسح ظاهر الكف وباطنه.
يقول: سؤالي عن الزيادة التي يأخذها بعض أصحاب المحلات في
حالة الشراء ببطاقة الائتمان، أنا أريد أن استأجر بيتاً
إذا دفعت كاش ثمانية عشر ألف، وإذا دفعت ببطاقة يأخذوا
النسبة، يقول: أنا خارج المملكة؟
(10/5)
يأخذوا النسبة في مقابل، مقابل إيش؟ أولاً:
بالنسبة لمسألة هذه الزيادة في مقابل شراء سيارة، وأجرة
بيت، هذا يجوز أن يباع به نسيئة متفاضل لا شك، لا إشكال،
لكن لا بد أن يسأل عن هذه الزيادة، هذا النسبة بسبب ايش؛
لأنها هي أولاً: لا مدخل لها في الربا؛ لأنك تستأجر إن
دفعت كاش ثمانية عشر ألف، وإذا أخرت تسعة عشر إيش المانع؟
ولو صارت مؤجلة بخمسة وعشرين ألف ويش المانع؟ لكن يُسأل عن
سبب هذه الزيادة، هل لأن الثمانية عشر مقبوضة هي المقابلة
للتسعة عشر غير مقبوضة؟ هذا شيء، وإذا كانت أجرة المحل
تزيد وتنقص تبعاً لتعجيل الدفع هذا لا إشكال فيه نهائياً.
طالب:. . . . . . . . .
لا هذا دراهم بدراهم، يعني إذا كان سؤاله عن هذا، إذا كان
يأخذ منهم ثمانية عشرة ألفاً ليستأجر بها، أنا توقعت أن
الذي يأخذ الزيادة صاحب المحل، أما إذا كان البنك الذي
يأخذ، أو المصرف الذي يأخذ هذا عين الربا.
يقول: أنا أخرج مع أمي إلى السوق طاعة لها، ولكن إذا رأيت
بعض النساء وخاصة المتبرجات يصيبني مرض وخوف، فهل أعصي أمي
في هذا، أو بعض الأحيان أذهب معها إلى المستشفى، ويحصل مثل
ما يحصل في السوق؟
طاعة الأم واجبة، برها واجب متعين، وإذا لم يكن هناك غيرك
من يقوم بحاجتها فلا بد لك من إجابتها، ومع ذلك عليك أن
تحرص على غض بصرك بقدر الإمكان.
يقول: بالنسبة لمسألة التيمم إذا صلى وهو في أثناء الصلاة
حضر الماء ما الراجح في هذه الحالة يقطع الصلاة؟
نعم يقطع الصلاة؛ لأن صحة التيمم مشروطة بفقدان الماء، وهو
الآن واجد للماء.
كنا نجد راحة وطمائنينة، ونحن نتقلب في طاعة الله في
رمضان، وبعده بأيام، ولكن بدأ الضعف والفتور يدب فينا، فهل
من أحاديث أو آيات تشحذ الهمم؟
على كل حال أهل العلم كتبوا في الباب أمور كثيرة؛ لمثل هذا
الظرف ولغيره من الظروف، والفتور لا بد أن يوجد، من كان
فتوره إلى سنة فنعم ما يفتر إليه، لكن لا يفتر عن ترك
واجب، أو يفتر بحث يفعل محرم، لا، الزواجر من القرآن
والسنة كثيرة، وأحاديث الرقاق التي يسأل الأخ السائل
الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- أبدع في هذه الأبواب،
فعلى طالب العلم أن يداوم النظر فيها.
(10/6)
يقول: ما نصيحتكم في: حفظ القرآن بعد صلاة
الفجر، أو حضور الدروس العلمية، حضور دروس الشيخ ابن جبرين
للمبتدئ، التفرغ لطلب العلم أم الاستمرار في عملي، وعملي
يأخذ الساعات الطوال؟
بعد صلاة الفجر إن كان هناك من أهل العلم من يفوت علمه ولا
يدرك في غير هذا الوقت فيقدم، وإلا فالأصل أن مثل هذا
الوقت من أنفع الأوقات لحفظ القرآن، من أنفع الأوقات
للحفظ، فلو استغل هذا الوقت إلى انتشار الشمس في الحفظ كان
أطيب، وأن كان هناك من يفوت علمه وليست له دروس إلا في هذا
الوقت فيستغل، ويعوض للحفظ وقت أخر.
حضور دروس الشيخ ابن جبرين للمبتدئ، الشيخ من العلماء
البارزين المحققين في العصر، وتحديد المبتدئ من غيره فيه
اضطراب الآن؛ لأنه الشيخ أحياناً يشرح كتب تصلح للمبتدئين،
وينزل في الأسلوب أحياناً بما يناسب المبتدئين، فحرمان
المبتدئين من حرمان الشيخ ما هو بوارد، لكن يستفاد منه
بقدر الإمكان.
التفرغ لطلب العلم أو الاستمرار في عملي، وعملي يأخذ
الساعات الطوال؟
إن كنت مضطراً إلى عملك فالزم عملك، ولا تنس العلم، اقتطع
له من وقتك ما يكفي، واجمع بين الأمرين، وإن كنت في غنية
عن هذا العمل فاستغلال الوقت في العلم والعمل أولى، {وَلَا
تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} [(77) سورة القصص].
يقول: هل تنصحني بحفظ الموطأ؛ لأني حضرت شرحه، ولم أحفظ
منه شيئاً حتى الآن، أم لا بد من حفظ الصحيحين قبل ذلك؟
الجادة المعروفة عند أهل العلم أن تحفظ المتون الصغيرة، ثم
بعد ذلكم يترقى إلى ما هو أكبر منها، وجاء في بيان معنى
الرباني مذكور في .. ، عن ابن عباس: "الرباني الذي يربي
الناس بصغار العلم قبل كباره" فتحفظ الأربعين والبلوغ أو
المحرر، وقبلهما العمدة، ثم بعد ذلكم يترقى إلى ما هو
أولى.
الموطأ فيه أقوال كثيرة من أقوال الإمام مالك، ومن الأخبار
المقطوعة الموقوفة على التابعين، فمن بعدهم، فالصحيحين
أولى منه.
يقول: في يوم الجمعة وبعد أن اغتسلت ولبست الجوارب وفي يوم
السبت بعد المغرب قمت بتبديل الجوارب، ولا أدري عند ما
نزعت الجوربين، هل توضأت أما لا؟
هاه؟
(10/7)
يقول: الجوربين الأولى هل توضأت أم لا؟
وبقيت على الجوارب الثانية؟ أيهما العليا يقول: يوم الجمعة
بعد أن اغتسلت ولبست الجوارب، وفي يوم السبت بعد المغرب
قمت بتبديل الجوارب.
بدلها غيرها.
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يصلح، يقول: "في يوم السبت بعد المغرب" احتمال أنه
ما مسح العصر، ما مسح إلا المغرب، وهنا يقول: في يوم السبت
بعد المغرب، إن كان مسح العصر فينتهي المسح بصلاة العصر،
لا يجوز له أن يمسح العصر السبت.
وبقيت علي الجوارب الثانية، ما أدري بعد ما لبست الجوارب
الثانية، ما يدري هل توضأ أم لا؟
إلى يوم الأحد في الحادية عشرة ليلاً تقريباً هذا وأنا
أعلم بأن المقيم يمسح على الجوارب يوم وليلة، ولكني نسيت
هذا الحكم، علماً بأني أسكن في الرياض للدارسة الجامعية؟
على كل حال لا يجوز لك أن تمسح أكثر من يوم وليلة، فإذا
لبستها بعد اغتسالك لصلاة الجمعة، ومسحت عليها العصر
تخلعها عصر يوم السبت، ولا يجوز لك أن تزيد على ذلك، فإذا
زدت فقد صليت بوضوء ناقص، لم يؤذن لك بالمسح على الجوارب،
وحينئذٍ تعيد الوضوء، وتعيد الصلاة.
يقول: روى الطبراني في معجمه بإسناده عن قيس بن طوق عن
أبيه مرفوعاً: ((من مس ذكره فليتوضأ)) صححه الطبراني،
وقال: ويشبه أن يكون طلق سمع الناسخ والمنسوخ؟
هذا يؤيد القول بأن مس الذكر ينقض الوضوء.
يقول: امرأة حيضتها سبعة أيام، ولها عادة أنها إذا صارت في
اليوم السادس طهرت لمدة يوم، ثم رجع إليها الدم يوماً أو
يومين؟
طهرها في اليوم السادس إن كانت ترى الطهر القصة البيضاء،
فما يأتي بعدها ليس له حكم الحيض، وإن كانت لا ترى الطهر،
ثم ينقطع عنها الدم، ثم يعود إليها فما يعود إليها إذا كان
بنفس المواصفات، مواصفات دم الحيض من اللون والرائحة فهو
حيض وإلا فلا.
الدم الذي ينزل من النفساء بعد الأربعين يوماً وليلة؟
بعدا لأربعين لا حكم له، يكون حكمه حكم الاستحاضة.
يقول: ما هي الفرقة الناجية؟
هي التي على ما كان عليه -عليه الصلاة والسلام- وأصحابه،
ممن اتبع النبي -عليه الصلاة والسلام- في أقوله وأفعاله،
على ما كان عليه -عليه الصلاة والسلام-، هي الفرقة
الناجية.
يقول: ما الضابط في الحركة التي تفسد الصلاة بها؟
(10/8)
أهل العلم يقولون: إذا تحرك ثلاث حركات في
ركن واحد بطلت الصلاة.
ما حكم تفسير الصحابي؟
تفسير الصحابي عده بعض أهل العلم من المرفوع، وإن لم يصرح
برفعه؛ لأنه لا يتصور أن يقول في كلام الله -عز وجل-
برأيه، مع علمه بالتشديد في ذلك، لكن الواقع يشهد بخلاف
ذلك، وإن قال به الحاكم، يقول: تفسير الصحابي له حكم
الرفع، لكن أهل العلم حملوا كلام الحاكم على أسباب النزول.
وعدّ ما فسره الصحابي ... رفعاً فمحول على الأسبابِ
فالصحابة أعرف الناس بتفسير القرآن.
يقول: ما حكم الحديث الذي يرويه الصحابي إذا كان صغيراً؟
إذا روى الصغير، تحمل في حال الصبا قبل البلوغ يصح تحمله
إذا أده بعد البلوغ، نعم التبليغ البلوغ، عند عامة أهل
العلم، وأما بالنسبة للتحمل التمييز، التحمل يصح بعد
التمييز، والأداء لا بد من أن يكون مكلفاً، أما بالنسبة
للصحابة -رضوان الله عليهم-، حتى ولو قدر أنهم لم يسمعوه
من النبي -عليه الصلاة والسلام- لصغر، أو لتأخر إسلام، أو
لغيبةٍ عن التحديث، فمراسيل الصحابة مقبولة عند عامة أهل
العلم، وقد نقل عليه الاتفاق، وإن خالف في ذلك أبو إسحاق
الاسفرائيني.
أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ
إذا أضاف الصحابي الفعل إلى عهد النبي -عليه الصلاة
والسلام- فهو مرفوع "كنا نعزل، والقرآن ينزل" "ذبحنا فرساً
على عهد رسول الله" عده أهل العلم من المرفوع؛ لأنه في وقت
التنزيل، وإن فرق بعضهم بين ما يخفى وما لا يخفى، على أن
قول جابر: "كنا نعزل، والقرآن ينزل" مما يخفى.
يقول: ماذا يفهم منه إن لم يضفه؟
إن لم يضفه، كنا نفعل، لم يضفه إلى عهد النبي -عليه الصلاة
والسلام-، إن كان يستدل بهذا القول على حكم شرعي، فالذي
يغلب على الظن أنه يريد عصر النبي -عليه الصلاة والسلام-،
ولم يصرح به؛ لأنه بصدد الاستدلال على حكم شرعي، وإن كان
في مسألة عادية فالأمر سهل.
سم.
أحسن الله إليك.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء
والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-:
باب: المستحاضة
(10/9)
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة
زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: قالت فاطمة بنت
أبي حبيش: يا رسول الله إني لا أطهر افأدعُ الصلاة، فقال
لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنما ذلك عرق،
وليست بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب
قدرها فاغسلي الدم عنكِ، وصلي)).
عن مالك عن نافع عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي
-صلى الله عليه وسلم- أن امرأة كانت تهراق الدماء في عهد
رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستفتت لها أم سلمة رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((لتنظر إلى عدد الليالي
والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي
أصابها، فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك
فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلي)).
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي سلمة
أنها رأت زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف،
وكانت تستحاض، فكانت تغتسل وتصلي.
عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن أن القعقاع بن
حكيم، وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله كيف
تغتسل المستحاضة؟ فقال: "تغتسل من طهر إلى طهر، وتتوضأ لكل
صلاة، فإن غلبها الدم استثفرت".
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: "ليس على
المستحاضة إلا أن تغتسل غسلاً واحداً، ثم تتوضأ بعد ذلك
لكل صلاة".
قال مالك: الأمر عندنا أن المستحاضة إذا صلت أن لزوجها أن
يصيبها، وكذلك النفساء إذا بلغت أقصى ما يمسك النساء الدم،
فإن رأت الدم بعد ذلك فإنه يصيبها زوجها، وإنما هي بمنزلة
المستحاضة.
قال مالك: "الأمر عندنا في المستحاضة على حديث هشام بن
عروة عن أبيه، وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده
ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: المستحاضة
المستحاضة هي التي لا يرقأ دم حيضتها، كما قال ابن سيدة،
وقال الجوهري: استحيضت المرأة أي استمر بها الدم بعد
أيامها، فالمستحاضة هي التي ينزل عليها الدم في غير وقت
العادة.
(10/10)
يقول الأزهري: الحيض جريان دم المرأة في
أوقات معلومة يرخيه قعر الرحم بعد بلوغها، والاستحاضة
جريانه في غير أوانه، يسيل من عرق في أدنى الرحم دون قعره،
الأزهري النقل عن ابن سيدة في الاستحاضة والمستحاضة التي
لا يرقأ دم حيضتها، والجوهري يقول: استحيضت المرأة أي
استمر بها الدم بعد أيامها.
والأزهري يقول: الحيض جريان دم المرأة في أوقات معلومة
يرخيه قعر الرحم بعد بلوغها، والاستحاضة جريانه في غير
أوانه، يسيل من عرق في أدنى الرحم دون قعره، تلاحظون النقل
مع أن هؤلاء من المتقدمين من أهل اللغة، وتنبغي العناية
بهم؛ لأن المتأخرين تأثروا بالاصطلاحات والمذاهب،
المتأخرين نعم المتأخرون من أهل اللغة تأثروا بالمذاهب
الأصلية والفرعية، فتجدون لمذاهبهم أثراً في كتبهم، وهذا
مسائل تختلف فيها المذاهب، فإذا ذهبت إلى كتاب متأخر لتبحث
عن معنى هذه الكلمة في اللغة تجد أن المذهب الفقهي له أثر
أو العقدي، فالأولى بطالب العلم أن يعني بالمتقدمين، وكثير
من طلاب العلم عنايتهم بكتب -وإن كانت محسوبة ومعدودة من
كتب اللغة- إلا أنها تخدم مذاهب بعينها، كثير من الإخوان
يرجع في تعريف الاصطلاحات الفقيه إلى المصباح المنير
مثلاً، هذا يخدم غريب الفقه الشافعي، والباحث ينبغي أن
يكون متجرداً، إذا أراد أن يبحث أصل المسألة يبحثها من
كتاب متجرد، أو يجمع بين كتب تجمع المذاهب كلها؛ ليتبين له
هذه الفروق المؤثرة؛ لأن بعض .. ، مثلاً لو أردت تعريف
الخمر، وذهبت إلى المطرزي مثلاً، وجدت أثر المذهب في تعريف
الخمر مثلاً، وإن عرفته من كتب من الطرف الآخر الذي يختلف
مع الحنيفة في حقيقة الأمر، نازعك الحنفي في التعريف، فإما
أن تذهب إلى كتب المتقدمين، وهو الأولى لك، ومن خير ما
يرجع إليه كتاب تهذيب اللغة للأزهري، الجوهري في صحاحه على
أوهام فيه فهو أولى، أولى من كتب المتأخرين.
(10/11)
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة
عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها
قالت: قالت فاطمة بنتُ أبي حبيش" القرشية الأسدية "يا رسول
الله إني لا أطهر" أي لا ينقطع عنها الدم "أفأدع الصلاة؟ "
يعني حتى ينقطع، ولو مكث سنة، سنتين؛ لأن منهن من استحيضت
سبع سنين، فهل تدع الصلاة هذا المدة الطويلة، أشكل عليها
أن تصلي والصلاة يطلب لها الطهارة، ونزول الدم ناقض
للطهارة، والحائض ممنوعة من الصلاة، بل تحرم عليها، أشكل
عليها هذا، فسألت: "أفأدع الصلاة؟ فقال لها رسول الله -صلى
الله عليه وسلم-: ((إنما ذلك عرق)) " في أدنى الرحم
((وليست بالحيضة)) يعني على اصطلاح الناس اليوم يسمونه
إيش؟ نزيف ((إنما ذلك عرق وليس بالحيضة -التي تمنع من
الصيام والصلاة- فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة))
وجوباً، فيحرم على الحائض أن تصوم، أو أن تصلي وقت حيضها،
ولذا يقول أهل العلم: "ولا يصحان منها بل يحرمان".
((فإذا أقبلت الحيضة فاتركي الصلاة، فإذا ذهب قدرها فغسلي
عنك الدم وصلي)) قدرها من إيش؟ من الوقت، نعم، يعني قدر ما
كانت تحيض قبل الاستحاضة، فإذا كانت عادتها سبعة أيام في
وقت معلوم من الشهر، إذا جاء هذا الوقت تترك الصلاة فيه.
ومقتضى هذا أنه ولو كان لون الدم واحداً لم يتغير، وهذا
يحتج به من يقول: إن المستحاضة تعمل بالعادة، بعادتها، ولا
تنظر إلى الدم؛ لأنه يقول: ((فإذا أقبلت)) إذا أقبلت
الحيضة كيف تعرف الحيضة؟ إما بالوقت أو بالتمييز، باللون
والرائحة، وجاء ما يدل على الوقت، وجاء ما يدل على
التمييز، وبكل منهما قال جمع من الأئمة.
((فإذا ذهب قدها)) أي زمنها ((فاغسلي عنك الدم وصلي)) بعد
الاغتسال من هذه العادة المقدرة، ولو لم يتحدد لها أول ولا
آخر من خلال ....
ونرى في الحديث الذي يليه، يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع
عن سليمان بن يسار عن أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه
وسلم- أن امرأة" قال أيوب السختياني: هي فاطمة بنت أبي
حبيش التي في الحديث السابق، القصة واحدة "أن امرأة كانت
تهراق الدماء".
(10/12)
روى الليث وغيره عن سليمان بن يسار أن
رجلاً أخبره عن أم سلمة، هنا يقول: عن سليمان بن يسار عن
أم سلمة مباشرة، وروى الليث عن سليمان بن يسار راويه، يكون
عندنا أن رجلاً أخبره عن أم سلمة فهو على هذا إيش؟ منقطع.
قال النووي في الخلاصة: حديث صحيح، رواه مالك والشافعي
وأحمد أبو داود والنسائي بأسانيد على شرط البخاري ومسلم،
فلم يلتفت النووي إلى رواية الليث، ولا يمنع أن يكون
سليمان رواه بواسطة مرة، ومرة بغير واسطة، مرة رواه
بالواسطة ومرة بغير واسطة، الذي يقدح إذا لم يروه إلا
بواسطة، ثم أبهم الواسطة في طريق، وأسقطها في طريق آخر،
هذا يضر، يؤثر، لكن إذا روى الخبر بغير واسطة، أو رواه
بواسطة، ثم تيسر له أن يصل إليه بغير واسطة، العلو مطلوب،
فكونه يسقط الواسطة لا بأس، وكونه يذكر الواسطة أحياناً،
ويسقطها أحياناً لا بأس، وهذا إذا غلب على الظن ذلك؛ لأنه
لا يحكم بحكم مطرد في مثل هذا، أن سليمان رواه بواسطة أو
بدون واسطة، إذا دلت القرائن على أنه رواه بغير واسطة كما
استروح إليه النووي في كلامه الذي ذكرنا، فالأمر ليس
بمستبعد، فهو ممكن، أقول: ممكن، سليمان أدرك أم سلمة.
"أن امرأة كانت تهراق الدماء" يعني من كثرته "في عهد رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-، فاستفتت لها أم سلمة" استفتت
لها بأمرها إيّاها، يعني طلبت منها أن تستفتي النبي -عليه
الصلاة والسلام-، وفي الحديث السابق هي السائلة، في الحديث
الذي قبله ماذا قالت؟ نعم؟ "يا رسول الله إني لا أطهر
أفأدع؟ " هي السائلة، فيتحمل أنها أمرت أم سلمة أن تسأل،
ثم سألت لتتأكد، أو أنها سألت أولاً، ثم نسيت، فأمرت أم
سلمة، خجلت أن تسأل ثانية، مثلما تقدم في حديث علي: "كنت
رجل مذاءً فأمرت المقداد" وفي بعض طرقه أنه سأل، ويطلق على
الآمر أنه سائل، إذا كلف أحد يسأل فقد سأل، وعلى كل حال
الأمر سهل في مثل هذا.
(10/13)
"فاستفتت لها أم سلمة رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- فقال: ((لتنظر)) " اللام لا م الأمر " ((إلى
عدد الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن
يصيبها الذي أصابها، فلتترك الصلاة)) " يعني والصيام قدر
ذلك من الشهر ((فإذا خلفت ذلك فلتغتسل)) خلفت تلك الأيام،
يعني تركتها وراء ((فلتغتسل، ثم لتستثفر)) تشد فرجها بثوب
((ثم لتصلي)) عندكم ياء وإلا ما في ياء؟ نعم؟ اللام لام
إيش؟ يأتي لام الأمر مع الياء؟ أو نقول: الياء للإشباع؟
{إنه من يتقي ويصبر} [(90) سورة يوسف].
"ألم يأتيك والأنباء تنمي" هذا إشباع.
في حديث فاطمة هذا براويتيه دليل على العمل بالعادة، وهذا
بالنسبة للمعتادة، غير المعتادة لا تخلو إما أن تكون مميزة
أو غير مميزة، فإن كانت مميزة إيش يعني مميزة؟ يعني بلغت
سن التمييز؟ أي نعم تميز الدم، تميز دم عادتها من غيره، إن
لم تكن معتادة وكانت مميزة تعمل بالتمييز، إن لم تكن
معتادة ولا مميزة تنظر إلى عادة قريباتها، لكن إذا وجد
معتادة مميزة في الوقت نفسه، يعني عادتها قبل الاستحاضة
سبعة أيام، ثم جاءتها الاستحاضة ستة أشهر مثلاً، وفي كل
شهر يأتيها الدم الأسود المنتن خمسة أيام مثلاً، هل تجلس
سبعة أيام باعتبار عادتها السابقة وهي معتادة، أو تجلس هذه
الخمسة؟ وبأسلوب آخر أو بعبارة أخرى هل المقدم العادة أو
التمييز؟
الآن عندنا في الحديث العادة، وجاء ما يدل على اعتبار
التمييز، والنظر إلى لون الدم، فإنه أسود يُعرِف، يعني له
رائحة، أو يُعرَف، فهل المقدم العادة أو التمييز؟ المسألة
خلافية بين أهل العلم، فالحديث فيه عمل المعتادة بعادتها،
وبه قال أبو حنيفة وأحمد والشافعي في أحد قوليه، سواء كانت
مميزة أو لا، تعمل بالعادة، ومذهب مالك وأصح قولي الشافعي
أن المميزة تعمل بالتمييز، وإن كانت غير مميزة دمها لا
يتغير فالعادة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني كالمبتدئة؟ يعني كالمبتدئة إذا تكرر ثلاثاً استقرت
عادتها، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(10/14)
لا هو عندنا النصوص كلها تدل على العادة أو
التمييز، أو ترد إلى نسائها، فأن كانت معتادة ومميزة في
الوقت نفسه فالخلاف يحصل، إن كانت معتادة فقط دون تمييز
ترد إلى عادتها، إن كانت مميزة دون عادة ترد على التمييز،
إن كانت معتادة مميزة فالخلاف، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا اللي يظهر أن القوة في التمييز أكثر من العادة، القوة
في التمييز أكثر من العادة، القوة في التمييز في تمييز
الدم لونه في وقت الصحة، يعني قبل الاستحاضة نعم له لون
معين، ويأتي هذا اللون في أثناء مدة الاستحاضة، لا شك أن
هذا أقوى من مسألة أيام؛ لأن جريان الدم لمدة شهر كامل
عادتها تأتي في الثلث الأول، نعم، ما الفرق بين الدم الذي
في الثلث الأول إذا كان لا يتغير عن الدم الذي في الثلث
الثاني؟ يعني لولا وجود هذه النصوص التي ترد فيها المرأة
إلى عادتها اختلطت الأمور، نعم، لكن التمييز شبه يقين،
فالذي يترجح عندي العمل بالتمييز أقوى من العمل بالعادة،
لكن إذا لم يوجد تمييز ترد إلى عادتها، والنصوص صحيحة
وصريحة في الباب، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المسألة إذا تعدت، إذا انتهت عادتها فلا تعتبر، إذا كانت
في أثناء وقت العادة تعد، والمسألة مفترضة في مستحاضة الدم
جاري فلا يرد مسألة صفرة ولا كدرة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ هذا في حيض وإلا في استحاضة يجي صفرة وكدرة؟ الدم
جارٍ باستمرار، يعني الصفرة والكدرة التي كانت تأتيها قبل
الاستحاضة هذه الكدرة والصفرة كانت تأتيها في أثناء مدة
الحيض أو بعد نهايته؟ المقصود أنها إذا رأت الطهر فلا
اعتبار بصفرة ولا كدرة، إذا لم تر الطهر فالصفرة والكدرة
حيض، قول أم عطية، ويش كانت ترى هذه الصفرة والكدرة بعد
الطهر وإلا قبل الطهر؟ قبل الطهر حيض، نعم، وفيها الصفرة
والكدرة، لكن هذه الصفرة قبل رؤية الطهر، الحد الفاصل هو
رؤية الطهر، فإذا وجد الطهر فما قبله معتبر، وما بعده غير
معتبر.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب بنت أبي
سلمة"
(10/15)
الوسواس عند النساء كما يحصل في الطهارة،
في الوضوء، في النية، وما أشبه ذلك يأتي هنا، امرأة منذ
أيام، وهي تتصل وتقول: إنه يزيد وينقص، وما أدري إيش؟ طيب
أنت ميزي، تقول: ما أدري، ترين طهر؟ تقول: أرى طهر، ويش
نوع هذه الرؤية؟ ما تدري يعني امرأة معتادة من سنين، لكن
سببه الوسواس؛ لأنها تقول: أخشى أكفر، ما هنا كفر، أنت
تأكدي بس، هل حيض وإلا ما هو بحيض؟ وإن كان حيض حرام تصلي
بعد، فالمسألة تحتاج إلى أن تتفقه النساء في هذا الباب، لا
بد أن يتفقه النساء في هذا الباب؛ لأنه مثلما ذكرنا سابقاً
أن الاحتياط فيه صعب، ما يمكن الاحتياط فيه، إن صلت في وقت
العادة ارتكبت محرم، وإن تركت الصلاة في وقت الطهر فالأمر
أعظم.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن زينب
بنت أبي سلمة أنها رأت زينب بنت جحش" التي كانت تحت عبد
الرحمن بن عوف، وكانت تستحاض، فكانت تغتسل وتصلي.
بنات جحش مبتليات، ثلاث، زينب التي هي أم المؤمنين -رضي
الله عنها-، وكانت تحت زيد بن الحارث {فَلَمَّا قَضَى
زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا} [(37) سورة
الأحزاب] ولم تكن في يوم من الأيام تحت عبد الرحمن بن عوف،
هذه واحدة، الثانية أم حبيبة، زينب هذه كان اسمها: "برة"
فغير، غيره النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى "زينب"،
الثانية أم حبيبة هي زوج "عبد الرحمن بن عوف" وهذه كنية،
ولا يبعد أن يكون اسمها: "زينب" لأن الاسم الثاني طارئ
بالنسبة لأختها، والثالثة "حمنة" وهي زوج طلحة بن عبيد
الله.
طالب:. . . . . . . . .
احتمال، لكنها بلا شك زوجة طلحة بن عبيد الله، وكلهن
مبتليات بالاستحاضة.
"أنها رأت زينب بنت جحش التي كانت تحت عبد الرحمن بن عوف،
وكانت تستحاض، فكانت تغتسل وتصلي" يعني إذا ذهبت، أو إذا
ذهب وقت عادتها، ذهبت حيضتها تغتسل وتصلي.
(10/16)
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي
بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أن القعقاع بن حكيم"
الكناني "وزيد بن أسلم أرسلاه إلى سعيد بن المسيب يسأله،
كيف تغتسل المستحاضة؟ فقال: "تغتسل من طهر إلى طهر" يعني
إذا ذهبت عادتها اغتسلت، وما عدا ذلك فلا تغتسل "تغتسل من
طهر إلى طهر" بالمهملة طهر، من الرواة من رواه: "من ظهر
إلى ظهر" بالظاء المشابهة، يعني تغتسل مرة واحدة في اليوم،
نعم تغتسل من طهر إلى طهر، يعني إذا ذهبت حيضتها اغتسلت،
وما عدا ذلك لا يلزمها أن تغتسل، بل تتوضأ لكل صلاة كغيرها
ممن حدثه دائم، كمن به سلسل بول، سلسل ريح مثلاً، من به
جرح لا يرقى، على كل حال تتوضأ لكل صلاة وجوباً عند
الأكثر.
وقال بعضهم: استحباباً، ولا يجب إلا بحدث، وهذا فرع عن ما
تقدمت الإشارة إليه، وهو أن مثل هذه الطهارة هل هي رافعة
أو مبيحة؟ فمن قال: تتوضأ وجوباً بناءً على أن هذا الطهارة
لا ترفع الحدث، بل تبيح الصلاة، ومن قال: استحباباً، قال:
إن الطهارة ترفع الحدث، والوضوء لا يجب إلا بالحدث، حدث
جديد، هذا قول الأكثر أحوط، تغتسل وجوباً "فإن غلبها الدم
استثفرت" ...
طالب:. . . . . . . . .
لكل صلاة، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
وضوء، وضوء لكل صلاة، أما الاغتسال إذا ذهبت حيضتها، إذا
ذهبت وقتها، أو تمييزها على ما تقدم تغتسل، ثم بعد ذلك
تتوضأ لكل صلاة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
على شان إيش؟ هو بينقطع عنها الدم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو لو قيل بوجوب الاغتسال لكل صلاة، قيل: يتجه الجمع،
أما مسألة الوضوء كغيرها من الأصحاء.
هنا يقول أحمد وإسحاق: إن اغتسلت لكل فرض فهو أحوط، وقد
ورد في بعض الروايات: ((اغتسلي لكل صلاة)) لكن الصواب:
"توضئي لكل صلاة" الأمر به بالوضوء لا بالغسل.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه قال:
ليس على المستحاضة إلا أن تغتسل غسلاً واحداً" يعني عند
انقضاء مدة حيضها غسلاً واحداً؛ لأنه المأمور به "ثم تتوضأ
بعد ذلك لكل صلاة" وجوباً عند الجمهور، واستحباباً عند
مالك، مالك يرى أنه يرفع.
(10/17)
"قال يحيى: قال مالك: الأمر عندنا أن
المستحاضة إذا صلت أن لزوجها أن يصيبها" وبهذا قال
الجمهور، وفي البخاري عن ابن عباس: "لزوجها أن يصيبها إذا
صلت الصلاة أعظم" وكذلك النفساء؛ لأنه لو منع منها زوجها
لحصل ضرر وعنت ومشقة لطول المدة، بخلاف الحائض التي تنقضي
مدتها بالأسبوع أو أقل أو أكثر بقليل مثل هذا لا يتضرر.
وكذلك النفساء إذا بلغت أقصى ما يمسك النساء الدم، وأقصاه
عند مالك ستون يوماً، وقال الأكثر: أربعون يوماً، وهو
المرجح، فإن رأت الدم بعد ذلك فإنه يصيبها زوجها، يعني بعد
انقضاء مدة النفاس، وكل على مذهبه، مالك الستين، والجمهور
على الأربعين، إذا رأت الدم بعد الأربعين عند الجمهور فإنه
في حكم الاستحاضة، ما لم يصادف وقت عادة، فإن لزوجها أن
يصيبها؛ لأنها في حكم المستحاضة.
"قال يحيى: قال مالك: الأمر عندنا في المستحاضة على حديث
هشام بن عروة عن أبيه، وهو أحب ما سمعت إلي في ذلك" يعني
ليس عليها إلا أن تغتسل غسلاً واحداً إذا انقضت عادتها، ثم
تتوضأ لكل صلاة.
ابن حجر في فتح الباري عد المستحاضات في عهد النبي -عليه
الصلاة والسلام- من الصحابيات وصل العدد إلى عشر بنات جحش
الثلاث، وفاطمة بنت أبي حبيش، وسودة بن زمعة، وأم سلمة،
وأسماء بنت عميس، وسهلة بنت سهيل، وأسماء بنت مرثد، وبادية
بنت غيلان، عشر، ثلاث بنات جحش، الثلاث، وفاطمة بنت أبي
حبيش، وسودة، وأم سلمة، يعني ثلاث من نساء النبي -عليه
الصلاة والسلام-، وأسماء بنت عميس، نعم وكانت تحت؟
طالب:. . . . . . . . .
قبله؟ جعفر ثم أبي بكر، ثم علي -رضي الله عن الجميع-،
وسهلة بنت سهيل، وأسماء بنت مرثد، وبادية بنت غيلان، عشر.
على كل حال هو حدث، والطهاة هذه من حدث، ووضوؤها التي
تتوضأه لا يرفع الحدث، ولو رفع الحدث لقلنا: إنه لا يلزمها
أن تتوضأ لكل صلاة، ما لم تحل بحدث آخر.
طالب:. . . . . . . . .
هو إذا خرج من مخرجه نقض بلا شك، لكن إذا خرج من غير
المخرج السبيلين، من البدن، نعم؟ هل ينقض أو لا ينقض؟ هذا
محل الخلاف، هو يخرج من عرق.
(10/18)
على كل حال ذكرنا الخلاف سابقاً، كما هو
معروف، ودون، وفي زيادة، وعرفنا أن مالك لا يرى وجوب
الوضوء لكل صلاة، إنما يستحب ذلك استحباباً، فعلى هذا يوجه
كلامه، وتوضئي لكل صلاة استحباباً.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه إذا مر عليها وقت فأكثر لا بد أن تتوضأ.
يقول في تنوير الحوالك: عن القاضي يونس بن مغيث في كتابه:
(الموعب) في شرح الموطأ، أن بنات جحش كل واحدة منهن اسمها
زينب، زينب، زينب الكبرى، زينب الوسطى، زينب الصغرى، نعم
بنات جحش كل واحدة منهن أسمها زينب، ولقب إحداهن حمنة،
وكنية الأخرى أم حبيبة، نعم هذا ما في إشكال، مثلما ذكرنا
سابقاً أنه حتى لو لم يكن هذه التسميات موجودة، فلا يمنع
أن تكون أم حبيبة اسمها زينب؛ لأن زينب كان اسمها برة.
هذا يقول، يذكر عن أبيه أنه يصلي الصلوات الخمس، ويصوم
ويصلي صلاة الليل، ويقرأ القرآن، عنده مشكلة يقول: هي أنه
أي شيء يريد أن يعمل يستشير ساحر -نسأل الله العافية- كيف
نتعامل معه؟
إن كان يستشيره ينبني على ذلك أنه يصدقه نسأل الله
العافية، وإذا كان مجرد الذهاب إلى الساحر لم تقبل صلاته
أربعين يوماً، ومن صدق الساحر كفر بما أنزل على محمد -نسأل
الله العافية-.
كيف نتعامل معه؟
ينصح إن امتثل وإلا فيُهجر ويترك.
يقول: ويأخذ مني النقود ليعمل على ما يريد الساحر؟
لا توافق على دفع النقود إليه، بل امتنع، نعم امنعه من
مالك ليرتدع ويزدجر، ولا يجوز لك أن تعينه على مثل هذا
العمل، أنت بدفعك المال إليه عون له، والله -جل وعلا-
يقول: {وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ
تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [(2) سورة
المائدة] وهذا من أعظم الإثم -نسأل الله السلامة والعافية-
الهجر لمثل هذا إذا لم يرتدع فلا بد منه؛ لأن ضرره متعدي
بمجالسته.
يقول: ابن قرقول يقول: هذا لا يقبل ولا يتلفت إليه؛ لأنه
لا يسمع إلا من هذا الوجه، وأهل المعرفة بهذا الشأن لا
يثبتونه، وإنما حمل عليه من قاله أنه إيش؟ لا ينسب إلى
مالك وهم.
(10/19)
على كل حال هو ليس بمستبعد، ليس بمستبعد أن
تكون الأسماء ثلاثة، ويتميز إحداهن باللقب، والثانية
بالكنية، أو بالوصف الصغرى، والكبرى، والوسطى، على كل حال
الأمر سهل، يعني ما هو بمعضل هذا.
ابن قرقول له كتاب نفيس في غريب الصحيحين والموطأ اسمه:
(مطالع الأنوار).
سم.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في بول الصبي
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى
الله عليه وسلم- أنها قالت: أوتي رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- بصبي فبال على ثوبه، فدعا رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- بماء فأتبعه إياه.
عن مالك عن ابن شهاب عن عبيدة بن عبد الله بن عتبة بن
مسعود عن أم قيس بنت محصنة أنها أتت بابن لها صغير لم يأكل
الطعام إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأجلسه في
حجره، فبال على ثوبه، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
بماء فنضحه ولم يغسله.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في بول الصبي
الصبي يجمع على صبيان، أي ما حكمه؟ أو ما جاء في حكمه.
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج
النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: أوتي رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- بصبي فبال على ثوبه" فبال على ثوبه،
الضمير يعود على ثوب من؟ في ثوبه ثوب النبي -عليه الصلاة
والسلام- أو ثوب الصبي نفسه؟ نعم، يقول ابن شعبان وهو من
كبار المالكية: الضمير يعود على الصبي، الصبي بال على
ثوبه، ثوب نفسه، لكن هذا قول غريب، والصواب أنه بال على
ثوب النبي -عليه الصلاة والسلام-.
"أوتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بصبي" ويأتي في
الحديث الذي يليه: لم يأكل الطعام، وهو وصف مؤثر لا بد منه
"فبال على ثوبه، فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فأتبعه إياه" أتبعه بإسكان المثناة، أي أتبع رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- البول الذي على الثوب الماء، يصبه
عليه، زاد مسلم: "فأتبعه ولم يغسله" وسيأتي في الحديث
اللاحق التصريح بأنه نضحه ولم يغسله.
(10/20)
الحديث الذي يليه يقول: "وحدثني عن مالك عن
ابن شهاب عن عبيد بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن أم قيس"
قال ابن عبد البر: اسمها جذامة، وقال السهيلي: اسمها آمنة،
وهي أخت عكاشة بن محصن الذي اشتهر بحديث السبعين الألف
"بنت محصن الأسدية، أنها أتت بابن لها صغير" يقول ابن حجر:
لم أقف على أسمه "لم يأكل الطعام" والمراد بالطعام ما عدا
اللبن الذي يرتضعه، والتمر الذي يحنك به، والدواء ونحوه،
ما عدا ذلك لا يستقل به، إذا كان يعطى مع اللبن شيء يسير
لا يغنيه عن اللبن، يلعق عسل، أو يهرص له تمر، أو ما أشبه
ذلك، لكنه لا يغنيه عن اللبن، فهو داخل فيما يدل عليه
الحديث من حكم.
"لم يأكل الطعام، إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
فأجلسه" في بعض الروايات أنه جيء به ليحنك يوم ولادته،
فأجلسه إيش معنا أجلسه؟ يجلس؟ يعني وضعه؛ لأنه في يوم
ولادته لا يجلس "في حجره، فبال على ثوبه" أي ثوب النبي
-عليه الصلاة والسلام-، وسبق أن ذكرنا قول ابن شعبان من
المالكية، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لكن ويش الفائدة من .. ؟ يعني الداعي إلى غسل الثوب؟
المقصود أن الغسل والرش إنما يطالب به المكلف للصلاة، يعني
لو استمر الصبي وثوبه نجس ويش يضر؟
على كل حال المقصود ثوب النبي -عليه الصلاة والسلام- سواء
قلنا بهذا أو ذاك.
"فدعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بماء فنضحه ولم
يغسله" عندنا صبي هل تلحق به الصبية؟ وهو صبي هل يلحق به
الكبير؟ يعني هل تلحق الأنثى بالذكر؟ وهل يُلحق الكبير
بالصغير؟ النص في الصبي، وهو الذكر الصغير، والوصف لم يأكل
الطعام المعتبر.
وأخرج الإمام أحمد وأصحاب السنن إلا النسائي بإسناد صحيح
عن علي -رضي الله عنه- مرفوعاً: "ينضح بول الغلام، ويغسل
بول الجارية" وله شاهد من حديث لُبَابَة بنت الحارث، أخرجه
أحمد وابن ماجه، وصححه ابن خزيمة وغيره، من حديث أبي السمح
عند أبي داود والنسائي، وصححه ابن خزيمة أيضاً، فالفرق
ثابت، يعني تنصيص على التفريق بين الذكر والأنثى ثابت.
(10/21)
التفريق بين الكبير والصغير أيضاً يدل عليه
قوله: "لم يأكل الطعام" والوصف بكونه صبي، وإن قال بعضهم:
يرش من بول الذكر كبيراً كان أو صغيراً، ومنهم من نظر إلى
السن فقال: يرش من بول الصغير ذكراً كان أو أنثى، لكن النص
وارد في الصبي من الذكور، الصغير من الذكور الذي لم يأكل
الطعام.
ففي الحديث فوائد عظيمة، هذا الصبي جيء به ليحنكه النبي
-عليه الصلاة والسلام-، والتحنيك حصل منه -عليه الصلاة
والسلام- مراراً، يحضر الصحابة أولادهم للنبي -عليه الصلاة
والسلام- ليحنكهم، والشُّراح يقولون: فيه مشروعية إحضار
الصبيان لأهل الخير والفضل من أجل تحنيكهم، من أجل التبرك
بهم، لكن هذا القول ليس بصحيح، أولاً: مثل هذا أو التبرك
خاص بمن جعل الله فيه البركة، وهو النبي -عليه الصلاة
والسلام-، ولذا لا يعرف أن أحداً من الصحابة أحضر ولده
لأبي بكر مثلاً ليحنكه، أو لعمر وما أشبه ذلك.
إن كان هذا التحكنيك ينفع الصبي من الناحية الطبية يتولاه
من يتولاه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم ليس بصحيح إلا إذا كان من الناحية الطبية نافع، فلا
يلزم أن يتولاه أهل الصلاح.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يلزم إن كان القصد به التبرك فهو خاص بالنبي -عليه
الصلاة والسلام-.
فيه الندب إلى حسن المعاشرة، والتواضع والرفق بالصغار،
وفيه أيضاً الفرق بين بول الغلام والجارية، كما ذكرنا فيرش
من بول الغلام، ويغسل من بول الجارية، وفي المسألة أقوال
أصحها ما ذكر، وهو قول علي وعطاء والحسن والزهري وأحمد
وإسحاق وغيرهم، وهو المصحح المرجح عند الشافعية.
(10/22)
والثاني النضح فيهما، يعني في الذكر
والأنثى، وبه قال الأوزاعي، وحكي عن مالك والشافعي، يعني
ملحظ هذا القول بغض النظر عن النصوص التي ذكرناها، وفيها
التفريق بين الذكر والأنثى، يعني من خلال نصوص الباب،
وفيها التنصيص على العلة "لم يأكل الطعام" كأنهم شموا من
هذه العلة أن الطعام له أثر في البول، وإذا كان التخفيف
الوارد في الحديث من أثر الطعام فلا فرق بين الذكر
والأنثى، نعم، إذا كان هذا التخفيف بسبب الطعام لم يأكل
الطعام إذاً الأنثى مثله، إذا لم تأكل الطعام، لكن النصوص
التي سقناها من حديث علي -رضي الله عنه- ولبابة بنت الحارث
والسمح كلها تفرق بالنص بين الذكر والأنثى، وهي كلها
مصححة.
والقول الثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وبه قال الحنفية،
وهو المعروف عند المالكية.
هنا يقول: قال محمد بن الحسن: قد جاءت رخصة في بول إذا كان
لم يأكل الطعام، وأمر بغسل الجارية وغسلهما جميعاً أحب
إلينا.
الثالث: هما سواء في وجوب الغسل، وبه قال الحنفية، يقول:
وغسلهما جميعاً أحب إلينا، وهو قول أبي حنيفة، قالوا:
وبهذا نأخذ، نتبعه إياه غسلاً حتى ننقيه، نعم؟ وهو قول أبي
حنفية.
على كل حال إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل، فالنصوص صحيحة
وصريحة، ولسنا بحاجة إلى أقوال تخالف هذا النصوص، مع أن
هؤلاء أئمة كبار، يعني لا أحد يتطاول عليهم لمجرد قول
مرجوح، أو لرأي رأوه، هم أئمة مجتهدون إن أصابوا فلهم
أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد.
بول الصبي مع كونه ينضح ما جاء من النصوص في التخفيف في
تطهيره، هل في ذلك ما يدل على طهارته؟ هو نجس على كل حال،
لكنها نجاسة مخففة، يكفي فيها النضح كالمذي، ولا يفهم من
حديثي الباب طهارته، وسبب التفريق بين بول الصبي وبول
الصبية ما ذكره بعضهم أن النفوس تتعلق بالصبي أكثر من
تعلقها بالصبية، فيكثر حمل الصبي، ويشق التحرز من بوله،
هذا قول، ومنهم من قال: إن بول الصبي ينتشر، ويشق غسل جميع
الثوب من أجله، بينما بول الصبية لا ينتشر موضعه واحد،
فغسله متيسر، وعلى كل حال هذه علل مستنبطة، والعبرة بالنص،
النضح أصله الرش، وجاء التصريح به "يرش من بول الغلام"
نعم.
أحسن الله إليك
(10/23)
باب: ما جاء في البول قائماً وغيره
عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: دخل أعرابي المسجد فكشف
عن فرجه ليبول، فصاح الناس به حتى علا الصوت، فقال رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-: ((اتركوه)) فتركوه فبال، ثم
أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذنوب من ماء فصب على
ذلك المكان.
عن مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال: رأيت عبد الله بن
عمر يبول قائماً.
وسئل مالك عن غسل الفرج من البول والغائط، هل جاء فيه أثر؟
فقال: بلغني أن بعض من مضى كانوا يتوضؤون من الغائط، وأنا
أحب أن أغسل الفرج من البول.
يقول -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في البول قائماً وغيره
"حدثني يحيى عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه قال:
دخل أعرابي" اختلف في أسمه فقيل: هو ذو الخويصرة اليماني،
وقيل: ذو الخويصرة التميمي، رأس الخوارج، يعني الذي قال
للنبي -عليه الصلاة والسلام-: اعدل، وقال بعضهم: هو عيينة
بن حصن، وقيل: الأقرع بن حابس، وعلى كل حال هي أقوال،
وجاءت بعض الآثار التي يمكن تفسير المبهم بها، مع أن بقائه
مبهماً أولى، ستراً عليه.
"دخل أعرابي" هذا الأعرابي روى الترمذي من طريق ابن عيينة
في أوله: أنه دخل المسجد فصلى، ثم قال: اللهم ارحمني
ومحمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي -عليه الصلاة
والسلام-: ((لقد تحجرت واسعاً)) فلم يلبث أن بال في
المسجد، هذه الراوية تدل على أنه لما دخل صلى، ثم قال ما
قال: اللهم ارحمني ومحمداً، وكل هذا قبل البول، ثم لم يلبث
أن بال، هذه الراوية، لكن المناسب لقوله: "اللهم ارحمني
ومحمداً" أن يكون قبل البول وإلا بعده؟ بعد البول، المناسب
أن يكون بعد البول، لما قام إليه الصحابة وكادوا أن يهموا
به، وزجروه، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: دعوه،
دعوه، اتركوه، يناسب أن يقول: اللهم ارحمني ومحمداً، لكن
راوية الترمذي على كل حال هي مقدمة على مجرد التوجيه، وإن
كان المعنى واضح.
"دخل أعرابي المسجد، فكشف عن فرجه ليبول، فصاح الناس به"
هل بال قائماً أو قاعداً هذا الرجل؟ لأن الترجمة: باب ما
جاء في البول قائماً، الحديث ليس فيه دلالة صريحة.
طالب:. . . . . . . . .
(10/24)
فكشف، طيب فكشف يعني العطف بالفاء التي
تقتضي التعقيب، دخل فكشف، يعني لو كان دخل فجلس، ثم كشف
واضح، يعني أنه .. ، يعني لو قيل: ثم كشف، يعني في فرصة في
وقت لئن يجلس وكذا، يعني العطف بالفاء يشم منه -وإن كان
ليس بصريح- أنه بال قائماً؛ لأنها تقتضي التعقيب، لكن لو
قال: ثم كشف عرفنا أنه صار في مدة بعد دخوله.
على كل حال في البول قائماً حديث حذيفة عند السبعة، من
فعله -عليه الصلاة والسلام-، ولا إشكال فيه، وسيأتي ذكره
-إن شاء الله تعالى-.
"فكشف عن فرجه ليبول، فصاح الناس به -زجراً له- حتى علا
الصوت" ارتفع، وفي راوية: فزجره الناس، وأخرى: "فتناوله
الناس" يعني تناولوه بالكلام، وشددوا عليه، فقال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((اتركوه)) لا شك أنه فعل منكراً،
واشترك الجميع في الإنكار عليه امتثالاً لقوله -عليه
الصلاة والسلام-: ((من رأي منكم منكراً فليغيره بيده))
ولذا ما أنكر عليهم إلا من جهة .. ، يعني ما أنكر عليهم
أنهم أنكروا، أنكر عليهم لما يترتب على هذا الإنكار من
منكر أعظم منه "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-:
((اتركوه)) " يعني اتركوه يبول، يعني لئلا يؤدي قطع البول
إلى ضرر كبير يحصل له، وقد يغلبه البول قبل الخروج من
المسجد فيودي إلى انتشار النجاسة، وتوسع رقعتها، اتركوه
"فتركوه، فبال في المسجد" يعني أكمل البول "ثم أمر رسول
الله -صلى الله عليه وسلم-" الآن العبارة: فكشف عن فرجه
ليبول فصاح الناس به حتى علا الصوت، فقال: ((اتركوه))
فتركوه، فبال، يعين ظاهر هذه السياق أنه لم يبل بعد،
أدركوه قبل أن يبول، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-:
اتركوه يبول، لكن الروايات الأخرى تدل على أنهم أنكروا
عليه بعد أن باشر البول؛ لأنه لو لم يباشر البول ما في أثر
مترتب على الإنكار، نعم ليس فيه أثر مترتب على الإنكار،
لكن لما باشر البول يترك، أما قبل أن يباشر لا يترك، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
(10/25)
ما هو من أجل العورة، الإنكار منصب على أنه
بال في المسجد، كما في بعض الروايات، باشر البول، "فبال،
ثم أمر سول الله -صلى الله عليه وسلم-" لما انتهى الرجل من
بوله "بذنوب" دلو ملئ من الماء "فصب" وفي رواية: فأهريق
"على ذلك المكان، ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((إنما
بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين)) " هم ما جاءوا بشيء،
يعني في بادئ الأمر أنكروا منكر، وإنكار المنكر واجب، لكن
باعتبار الأثر المترتب على هذا الإنكار من منكر أعظم منه،
اتجه الأمر بتركه، وهذه قاعدة إنكار المنكر واجب باليد مع
الاستطاعة، أو باللسان مع عدمها، أو بالقلب مع عدم استطاعة
الإنكار باللسان، هذا هو الأصل، لكن إذا كان يترتب على هذا
الإنكار منكر أعظم منه فإنه حينئذٍ عاد على حسب الأثر
المترتب عليه، أحياناً قد يصل إلى درجة التحريم، على حسب
الأثر المترتب عليه، إذا كان ينكر المنكر بيده بأعظم مما
يستحقه المرتكب، شخص فعل منكر محرم، لكن ضربه ضرباً أكثر
مما يستحق، لا يجوز له ذلك، إذا كان الضرر المترتب على
الإنكار متعدٍ للمنكِر وغيره أيضاً لا يجوز.
إذا كان الضرر والأثر المترتب على الإنكار لازم للشخص
نفسه، للمنكر، فالمسألة دائرة بين عزيمة ورخصة، له أن
يترخص، ما دام يوجد ضرر، وإن ارتكب العزيمة فالأمر إليه.
((فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين)) فالرفق الرفق،
والرفق ما دخل في شيء إلا زانه، والخبر مرسل عند الإمام
-رحمه الله تعالى-؛ لأنه يروي عن يحيى بن سعيد، ويحيى بن
سعيد يروي قصة لم يشهدها، وهو موصول عند الإمام البخاري
-رحمه الله تعالى- من طريق عبدان، عن عبد الله، عبدان اسمه
إيش؟ نعم، عبد الله بن عثمان العتكي، عن عبد الله ابن إيش؟
ابن المبارك.
قال: "أخبرني يحيى بن سعيد، قال: سمعت أنس بن مالك" ورواه
أيضاً من طريق خالد وسليمان بن بلال عن يحيى، مخرج وموصول
من طرق عند الإمام البخاري وغيره، فالحدث صحيح، وفي
الحديث: ارتكاب أخف الضررين، وتحصيل أعظم المصلحتين، وفيه
المبادرة إلى إزالة المفاسد عند زوال المانع؛ لأنه مجرد ما
انتهى صبوا عليه الماء، وهنا مبادرة إلى إزالة المفسدة عند
زوال المانع.
(10/26)
وفيه تعيين الماء لإزالة النجاسة، وأنه لا
يشترط حفر الأرض، ولا نقل تربتها، مجرد ما يصب عليها الماء
يطهر، وفيه أن غسالة النجاسة الواقعة على الأرض طاهرة،
يعني لو قيل بنجاستها لقلنا: إنه بمجرد صب الماء تتوسع
رقعة النجاسة، لكن الغسالة طاهرة، وفيه الرفق بالجاهل،
وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف، إذا لم يكن فعله على جهة
العناد والإصرار، وإذا عرف أنه فعل ذلك على جهة العناد
والإصرار فإنه يعاقب العقاب المناسب.
يعني وجد في مسجد من المساجد المصاحف -نسأل الله السلامة
والعافية- كلها مفتوحة، وقد مر عليها شخص وبال عليها،
نقول: مثل هذا يرفق بالجاهل؟ لا، ليس من هذا النوع أبداً،
على كل حال إذا حقق معه، وعرف القصد والهدف -الله
المستعان- يلقى الجزاء المناسب، والشرع لن يضيق بالحكم
المناسب له.
طالب:. . . . . . . . .
الأصل التراب، والسجاد يكرر عليه صب الماء ويفرك؛ لأنه
يتشرب أكثر.
فيه رأفة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحسن خلقه، وفيه
أيضاً تعظيم المساجد، وأنها أنما بنيت للذكر والصلاة،
وتنزيهها عن الأقذار.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار أنه قال: رأيت
عبد الله بن عمر يبول قائماً" لأن مذهبه جواز ذلك بلا
كراهة، وبذلك قال أبوه وزيد بن ثابت وسعيد بن المسيب وابن
سيرين والنخعي وأحمد.
حديث حذيفة عند السبعة أن النبي -عليه الصلاة والسلام-
انتهى إلى سباطة قوم فبال قائماً، استدل به أهل العلم على
جواز البول قائماً، شريطة أن يستتر ويأمن الرشاش ألا يرتد
إليه بوله، لا بد أن يستتر؛ لئلا تنكشف عورته أمام الناس،
ولا بد أن يأمن الرشاش، فإذا تحقق الشرطان جاز البول
قائماً.
طالب:. . . . . . . . .
ولو فرض ثبوته عنها هذا حسب علمها، لكن حذيفة رأى وحفظ قصة
معروفة عند أهل العلم، وكرهه تنزيهاً أكثر العلماء، كراهة
تنزيه، وأجابوا عن حديث حذيفة أنه لم يجد -عليه الصلاة
والسلام- مكاناً يصلح للقعود.
(10/27)
وبعضهم قال: إن هذا سببه وجع كان في مأبضه
باطن الركبة، ومنهم من يقول: إن العرب تستشفي بالبول
قائماً من وجع الصلب، على كل حال هذه علل مستنبطة، والحديث
نص في الجواز، فلا داعي للتضييق، وما في شك أن الجلوس
أستر، ويغلب على الظن أنه ما يرتد إليه بوله، ولا رشاش،
نعم، لكن فعله -عليه الصلاة والسلام- لبيان الجواز، ولا
يمنع أنه إذا فعل شيئاً لبيان الجواز أن يكون غيره أكمل
منه وأفضل.
"قال يحيى: وسئل مالك عن غسل الفرج من البول والغائط هل
جاء فيه أثر؟ " يعني لو وجه هذا السؤال لطالب في
الابتدائي، أن مالك نجم السنن، إمام دار الهجرة، إمام
متبوع، صاحب سنة وأثر، لو سئل أصغر طلاب العلم هذا السؤال:
عن غسل الفرج من البول والغائط هل جاء فيه أثر؟ ماذا يقول؟
وماذا قال مالك -رحمه الله-؟ "بلغني أن بعض من مضى كانوا
يتوضؤون من الغائط" إيش يدل؟ على أي شيء؟ "بلغني أن بعض من
مضى كانوا يتوضؤون من الغائط، وأنا أحب أن أغسل الفرج من
البول أيضاً" يعني وإن جاز في الحجر، يعني عبارة، عبارة
تدل على ورع، عبارة تدل على تمام الورع، حفظ عنه أنه سئل
عن أربعين مسألة، وأجاب عن أربع أو ثمان أكثر ما قيل، وقال
في الباقي: لا أعلم، والسائل يقول له: مالك، مالك إمام دار
الهجرة، وقد جاءه من بعيد، قال: اذهب إلى العراق وقل لهم:
إن مالك يقول: لا أدري.
وآحاد الطلاب وصغارهم يستنكف ويستكبر أن يقول: لا أدري،
والله المستعان، نعم، هات السواك على شان ما نتأخر.
أحسن الله إليك.
باب: ما جاء في السواك
عن مالك عن ابن شهاب عن ابن السباق أن رسول الله -صلى الله
عليه وسلم- قال في جمعة من الجمع: ((يا معشر المسلمين إن
هذا يوم جعله الله عيداً فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا
يضره أن يمس منه، وعليكم بالسواك)).
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول
الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن أشق على أمتي
لأمرتهم بالسواك)).
عن مالك عن ابن شهاب عن حُميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي
هريرة أنه قال: "لولا أن يشق على أمته لأمرهم بالسواك مع
كل وضوء".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب: ما جاء في السواك
(10/28)
والسِواك بكسر السين على الأفصح، مذكر،
وقيل: مؤنث، وأنكره الأزهري، مشتق من ساك إذا دلك، أو من
قولهم: جاءت الإبل تتساوك، يعني من الهزال تتمايل، ويطلق
على الفعل الذي هو التسوك، ويطلق أيضاً على الآلة التي هي
العود وجمع السواك: سُوك، بواو واحدة، مضموم.
يقول: "حدثني عن يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن ابن السباق"
عبيد بن السباق المدني من ثقات التابعين "أن رسول الله
-صلى الله عليه وسلم- قال في يوم جمعة" بضم الميم جُمُعة،
لغة الحجازيين، وفتحها لغة تميم، جمَعة كهمزة ولمزة،
وإسكانها لغة، لغة عقيل، وبها قراء الأعمش، إسكانها،
{إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمعَةِ} [(9)
سورة الجمعة].
"في يوم جمعة من الجمع" الجمع جمع جمعة ((يا معشر
المسلمين)) المعشر الطائفة الذين يشملهم وصف واحد، الشباب
معشر، والشيوخ معشر، والنساء معشر، وهكذا ((يا معشر
المسلمين)) المسلمون يشملهم وصف وهو الإسلام، واحدهم معشر،
وهم أيضاً معاشر إذا نظرنا إلى الأوصاف الجزئية.
((يا معشر المسلمين إن هذا يوم جعله الله عيداً)) يعني
لهذه الأمة ((فاغتسلوا)) ولما قال اليهودي: لو علينا نزلت
هذه الآية، يعني قوله تعلى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ
دِينَكُمْ} [(3) سورة المائدة] لاتخذنا اليوم الذي نزلت
فيه عيداً، فماذا قال عمر -رضي الله عنه-؟ قد علمت متى
نزلت؟ وأين نزلت؟ نزلت يوم جمعة، وهو عيد بالنسبة
للمسلمين، ويوم الجمعة شأنه عظيم في الإسلام، خلاف بين أهل
العلم في المفاضلة بينه وبين يوم عرفة، عامة الناس عموم
الناس بما في ذلك بعض طلاب العلم لا تجد فرق بين يوم
الجمعة ويوم السبت، ما نرى فرق.
((إن هذا يوم جعله الله عيداً فاغتسلوا)) والأمر الأصل فيه
الوجوب، ويؤيده حديث: ((غسل يوم الجمعة واجب على كل
محتلم)).
وبهذا قال بعض العلماء والجماهير على أنه سنة، جماهير أهل
العلم على أن الغسل يوم الجمعة سنة، والأمر فيه للندب؛
لحديث: ((من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت، ومن اغتسل فالغسل
أفضل)) وأيضاً صنيع عثمان -رضي الله عنه- حينما دخل وعمر
-رضي الله عنه- يخطب، وذكر أنه اقتصر على الوضوء ولم ينكر
عليه.
(10/29)
إذاً قوله في الحديث: ((غسل الجمعة واجب))
محمول عند الجمهور إلى أنه متأكد، يعني مثلما تقول: حقك
واجب علي، رضاؤك علي فرض، أحياناً تقول كذا، وليس معنى أنك
تأثم بتركه، فهو متحتم، ولا شك أن هناك اختلاف بين
الاصطلاحات، أو بعض الألفاظ الشرعية مع الاصطلاحات
العرفية، يعني الاصطلاح عند أهل العلم العرف الخاص عندهم
أن الواجب يأثم لتركه، في الإطلاق الشرعي عند عامة أهل
العلم لا يأثم لتركه.
يعني لما يقول ابن عمر: فرض رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- زكاة الفطر من رمضان، ويقول الحنفية: زكاة الفطر
ليست بفرض، نقول: عناد هذا؟ يعني لما يأتيك سؤال في
الامتحان في الفقه، في أبواب المعاملات، ويقول لك: عرف
المفلس، وتأتي ورقة الإجابة: المفلس من يأتي بأعمال أمثال
الجبال .. ويجي المدرس ويقول: خطأ، صفر، إيش نقول هذا؟ إيش
نقول: المدرس؟ هل نقول: إن المدرس ضال، الرسول يقول:
المفلس كذا، ويقول خطأ؟ نعم، إيه لأن المسالة تحتاج إلى
شيء من البسط؛ لأن بعض الناس يظن هذا عناد، الرسول يقول:
واجب، وأنت تقول: ما هو بواجب؟ إيش معنا هذا؟ ابن عمر
يقول: فرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، والحنفية
يقولون: ما هو بفرض.
يعني لو قال شخص، أقسم أنه ما رأى في يوم من الأيام جمل
أصفر، ويش تقول؟ وهو منصوص عليه بإيش؟ {كَأَنَّهُ
جِمَالَتٌ صُفْرٌ} [(33) سورة المرسلات] نعم في القرآن،
ويش تقول؟ نعم الحقائق تختلف، حقائق عرفية، وحقائق شرعية،
وحقائق لغوية، قد يكون الإطلاق اللغوي غير الإطلاق العرفي،
والإطلاق الشرعي غير الإطلاق اللغوي وهكذا.
المقصود أننا ننتبه من هذه، نضع هذه على بالنا؛ لئلا نقع
في حرج، يعني الإنسان الرسول يقول: ((غسل الجمعة واجب))
وأنت تقول: ما هو بواجب؟! ويش معنى هذا الكلام؟ يعني
الأئمة أهل علم وعمل وورع، وعرفوا ما خفي عليهم هذا
الحديث، واجب هذا إطلاق شرعي لا يقتضي مطابقته مع الاصطلاح
العرفي عند أهل العلم، يعني أهل العلم اصطلاحهم أن الواجب
يأثم بتاركه، لا يلزم أن يأثم هنا.
((فاغتسلوا، ومن كان عنده طيب فلا يضره أن يمس منه))
والطيب في الجمعة والعيد سنة عند الجمهور، وأوجبه أبو
هريرة -رضي الله عنه-.
(10/30)
((وعليكم بالسواك)) أي: الزموه؛ لتأكد
الاستحباب، وإلا فليس بواجب، وابن حجر -رحمه الله تعالى-
غمز هذا الحديث، وما جاء من معناه مما يدل على وجوب
السواك.
هذا الحديث كما ترون عند الإمام مالك عن ابن السباق، وهو
تابعي، من ثقات التابعين "أن رسول الله -صلى الله عليه
وسلم- قال" مرسل وصله ابن ماجه.
يقول ابن ماجه: حدثنا عمار بن خالد الواسطي، قال: حدثنا
علي بن غراب عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن عبيد بن
السباق عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- قال، وفي إسناده صالح بن أبي الأخضر ضعفه
الجمهور، وبقية رجاله ثقات، على كل حال هو ضعيف بسبب صالح
بن أبي الأخضر.
"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لولا أن أشق على
أمتي لأمرتهم بالسواك)) " تمامه عند البخاري: ((مع كل
صلاة)) وهو مخرج في البخاري من طريق عبد الله بن يوسف.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف
عن أبي هريرة قال: "لولا أن يشق على أمته لأمرتهم بالسواك
مع كل وضوء" "لأمرهم" نعم.
هو أصل الحديث المرفوع هذا من كلام أبي هريرة الحديث
المرفوع: ((لولا أن أشق على أمتي)) كسابقه ((لأمرتهم
بالسواك مع كل وضوء)) جاء الوضوء وجاء الصلاة، والصلاة في
الصحيحين، والوضوء عند أحمد مرفوعاً أيضاً من طريق مالك عن
ابن شهاب عن حميد عن أبي هريرة مرفوعاً، عند ابن خزيمة
والبيهقي، هو حديث صحيح، ما فيه إشكال، وأصح منه الذي
قبله؛ لأنه في الصحيحين.
(10/31)
والحديث بلفظة: ((لولا أن أشق)) (لولا) حرف
امتناع لوجود، فامتنع الأمر لوجود المشقة، والأمر الممتنع
هو أمر الوجوب، وإلا فأمر الاستحباب باق، والدلالة عليه
دلائله كثيرة، والإمام الشافعي -رحمه الله تعالى- يقول:
"الحديث فيه دليل على أن السواك ليس بواجب؛ لأنه لو كان
واجباً لأمرهم به، شق عليهم أو لم يشق" وإلى القول بعدم
وجوبه صار أكثر العلم، بل ادعى بعضهم فيه الإجماع، لكن حكى
الشيخ أبو حامد وتبعه الماوردي .. من أبو حامد هذا؟
والماوردي يتبعه؟ نعم؟ الماوردي متوفى سنة كم؟ نعم؟
أربعمائة وخمسين، يعني قبل الغزالي بخمسة وخمسين سنة، نعم
أبو حامد الإسفرائيني، وتبعه الماوردي عن إسحاق بن راهويه
قال: هو واجب لكل صلاة، فمن تركه عامداً بطلت صلاته.
وعن داود أنه قال: هو واجب لكن ليس بشرط، يعني يأثم تاركه
ولا أثر في تركه على الصلاة، واحتج من قال بوجوبه بورود
الأمر به، فعند ابن ماجه: ((تسوكوا)) وفي الموطأ: ((عليكم
بالسواك)) يعني حديث الباب، قال ابن حجر: ولا يثبت شيء
منها، فحديث الباب: ((لولا أن اشق)) و"لولا أن يشق" دلالة
على أن السواك ليس بواجب، وهو الحديث -حديث الباب- من أظهر
الأدلة على أن الأصل في الأمر الوجوب، من أظهر الأدلة على
أن الأصل في الأمر الوجوب؛ لأنه امتنع أمر الوجوب لوجود
المشقة مع ... ، نفي الأمر بالحديث مع ثبوت أمر الاستحباب،
فالمنفي في الحديث هو أمر الوجوب، فدل على أن الأصل في
الأمر الوجوب، مع قوله -جل وعلا-: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ
يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ
يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [(63) سورة النور] والسواك
سنة في كل وقت، ويتأكد عند الصلاة والوضوء، والقيام من
النوم، وتغير الفم، ولا يمنع منه الصائم ولو بعد الزوال
لعموم الأدلة؛ ولضعف ما ورد في ذلك.
يقول: ألا يمكن أن يكون تحنيك الرجل الذي يحتسب من
الصالحين أو العلماء للطفل هو من باب التفاؤل بأن يصبح
صالحاً كمن حنكه أم كله يدخل في إطار ... ؟
لا، هو تبرك على كل حال، والصلاح لا يسري بمثل هذا، نعم
بالدعاء يرجى.
يقول: هل ثبت أنه لا يقرأ في صلاة الضحى إلا الفاتحة؟
لا، لا أعرف هذا.
(10/32)
سؤال آخر: كان هناك مانع من وصول الماء صمغ
يقول: صمغ، حاولت أن أزيله ولم يذهب بشكل كامل، بل بقي منه
شيء يسير خفت أن تخرج الصلاة إن اشتغلت بإزالته، فصليت، ما
حكم صلاتي؟ وهل علي إعادة؟
على كل حال هذا اليسير، اليسير إن كان يسيراً جداً فهو
معفواً عنه، وإن كان يمنع وصول الماء إلى البشرة، وكان
كثيراً واليسر والكثرة أمور نسبية، قد يكون يسير في نظرك
وهو في الحقيقة كثير، وعلى كل حال إيصال الماء إلى البشرة
لا بد منه، فإذا وجد ما يمنع من وصول الماء إلى البشرة
وجبت إزالته.
يقول: منهم الذين لا تجوز لهم الزكاة؟
هم من عدا الثمانية الأصناف، الذين ذكروا في آية التوبة.
أليست أم حبيبة أسمها رملة؟
أم حبيبة يقصد بنت أبي سفيان أم المؤمنين، وهذه غير بنت
جحش، هي غيرها.
يقول: أنا مبتدئ في طلب العلم، فبماذا تنصحوني؟ وهل هذا
الدرس مناسب لي مع العلم أن هناك دروس مبسطة كشرح عمدة
الأحكام والروض المربع للشيخ صالح الفوزان وغيره؟
على كل حال إن تيسرت لك ملازمة الكبار فالزم.
هذا كلام يحتاج إلى وقفه.
يقول: كيف نقول: إن الأمة تلقت صحيح البخاري بالقبول، وقد
اعترض عليه الدارقطني وغيره في بعض الأحاديث؟
كونه اعترض على البخاري في أحاديث يسيرة من ألوف مؤلفة من
الأحاديث، هذا لا يعني أن البخاري محل للنقد، الأمر
الثاني: أن ما اعترض عليه في الغالب الراجح قوله، فلا يرد
مثل هذا الكلام، هذا الكلام يشم منه التقليل من شأن صحيح
البخاري، وإذا تطاولنا على أعظم كتاب في السنة فنترك فرصة
للسفهاء أن يتطاولوا على ما دونه، والله المستعان.
يقول أيضاً: يلاحظ على كثير من العلماء والمشايخ وطلبة
العلم أنهم يهتمون كثيراً بالسنة المطهرة، ويهملون كتاب
الله -عز وجل- حتى لا تكاد تجد درساً عن كتاب الله -عز
وجل- فهماً وتفسيراً وتطبيقاً -الله المستعان- يقول: حتى
لا يوجد هذا عندكم عندي يقصد أنا؟
طالب:. . . . . . . . .
(10/33)
الآن دروس التفسير لا شك، لكن هو يريد ما
كنت أنويه، وطرحته على بعض الإخوان، أننا ننشئ تفسير
إنشاء، لكن الإشكال يرد على أن الإنشاء الذي ليس له خطام
ولا زمام، ما سبق أن قررناه في تفسير الجلالين، يعني سنة
ونصف، ثلاثة فصول دراسية في ورقة من البقرة، يعني في
الفاتحة وورقة واحدة من البقرة، لكن لو وضع له ترتيب معين،
وخطة سير معينة، يكون متوسط، ليس بالطويل ولا بالقصير، لا
شك أن هذه أمنية نسعى -إن شاء الله- إلى تحقيقها، القرطبي
الآن من سنة ثلاثة عشرة، أحد عشر عاماً، وقد قطعنا نصفه،
الآن نحن في سورة الإسراء.
ويقول: نتمنى أن نكون لكم درساً في تفسير القرآن، والنظر
في هذا الموضوع نظراً جاداً؛ لئلا يصدق علينا القول:
{وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا
هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [(30) سورة الفرقان].
الهجر موجود، والتقصير حاصل، ونسأل الله -جل وعلا- العفو
والمسامحة.
اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد ...
(10/34)
|