شرح الموطأ عبد الكريم الخضير

الموطأ - كتاب قصر الصلاة في السفر (1)
شرح: باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر، وباب: ما يجب فيه قصر الصلاة، وباب: صلاة المسافر ما لم يجمع مكثاً

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
تفاجئ بعض الإخوة بتغيير الجدول، وهذا مطلب له أكثر من خمس سنوات؛ لأننا عندنا كتب درس واحد في الأسبوع منها ما له بضع عشرة سنة، يعني بدون مبالغة إذا كان بعض الدروس له ثلاثة عشر سنة، ومنها ما له عشر سنوات، ومنها ما له ثمان سنوات، فعلى سبيل المثال: صحيح البخاري له الآن ثمان سنواتـ ولا أنجزنا الثلث، صحيح مسلم كذلك ولا أنجزنا إلا الثمن من صحيح مسلم، نعم الروض المربع قطعنا فيه شوط كبير، ما بقي إلا الشيء اليسير، المتون الصغيرة أنهينا عدد كبير منها ولله الحمد، يبقى أن الكتب المطولة تحتاج إلى تركيز، والطلب منذ خمس سنوات أن يقتصر في الجدول كله على كتابٍ واحد بحيث ينتهي هذا الكتاب خلال سنة أو سنتين أو ثلاث مهما كان طوله، فالطالب الذي يأتي إلى الرياض، ويدرس أربع سنوات يحضر كتاب كامل، إنما على الطريقة القديمة التي سلكناها يأتي ويجلس أربع سنوات ويذهب ببابٍ أو كتاب من صحيح البخاري وأبواب من صحيح مسلم ونصف سورة من تفسير القرطبي، ونصف جزء من الروضة وهكذا، فكونه يذهب بكتابٍ كامل أفضل بكثير من كونه يذهب بأبواب أو ورقات من عدة كتب.
وكان الطلب منذ خمس سنوات أو أكثر ملح، لكني متردد نظراً للإخوة الذين ارتبطوا معنا بكتب معينة لاحظناهم حقيقة، لا سيما المتقدمين منهم، ثم لما أخذنا شهر كامل في الموطأ، وقطعنا فيه شوط كبير سدس الكتاب شجعنا على أن نسلك الطريقة التي طلبت سابقاً، فالآن نركز على الموطأ خلال هذا الفصل -إن شاء الله- ننهي المجلد الأول -إن شاء الله تعالى-، المقرر أن ينتهي المجلد الأول في نهاية الفصل الأول -إن شاء الله تعالى-.

(23/1)


المجلد الثاني الفصل الذي يليه مع شهر بعد .. ، مثل الشهر الذي فات بعد رمضان -إن شاء الله تعالى- وبهذا ينتهي كتاب، كتاب أصل من أصول السنة، بعد ذلك إذا انتهينا منه نبدأ بالبخاري، البخاري من ثمان سنوات ولا أنهينا إلا الثلث، وإذا قلت: إن الربع ما سجل فلم أبالغ، نعم سجل تسجيلات فردية لا ندري أين أصحابها؟ لكن ما سجل، الإيمان ما سجل، العلم ما سجل، الطهارة والصلاة ما سجلت، من أهم الأبواب، وعلى هذا سيكون البدء -بإذن الله تعالى- بعد الموطأ من صحيح البخاري من أوله -إن شاء الله تعالى-، وسوف يكون له جميع الأيام ما عدا العصر يوم الاثنين وعصر الجمعة وعشاء الجمعة.
لا شك أنه لا بد من التضحية في مثل هذه التصرفات، قد يقول شخص: أنا لي كتاب في عشاء الاثنين وين راح؟ أنا لي كتاب في عشاء الجمعة أين ذهب؟ قد لاحظنا النقص في أعداد الطلاب لا سيما في الكتب التي طال أمدها، سبل السلام على سبيل المثال بدأنا بجمعٍ غفير استمر سنتين ثلاث، ثم بعد ذلك أخذوا ينقصون، ولذلك المقرر أن لا يقرأ شرح مطلقاً في الدروس، نقتصر على المتون، يبقى عاد النظر في المتون الصغيرة التي وقتها يوم الثلاثاء المغرب يسأل عنها في وقتها -إن شاء الله تعالى- إذا انتهت الآجرومية.
هل نستمر على هذه الطريقة أو نجعل الكتاب الذي هو محور الدروس بديلاً عن هذه المختصرات، فأرجو أن لا أكون قد أسأت إلى أحد في هذا التصرف، والطلب مثل ما ذكرت قديم، واستشرنا بعض الإخوان لا سيما الكبار من الطلاب، وقالوا: هذا إجراء طيب، والحاجة ملحة، واستشرنا أيضاً بعض الشيوخ؛ لأنه كونه ينتهي كتاب واحد كامل مثل الموطأ أفضل بكثير من أن نجلس سنين ننهي باب أو بابين من كل كتاب.

(23/2)


الروض المربع -إن شاء الله- ينتهي، ويبقى النظر في البديل في وقته -إن شاء الله تعالى-، ثم بعد الموطأ -بمشيئة الله تعالى- نبدأ بصحيح البخاري يسجل من أوله، الأبواب الأخيرة من صحيح البخاري التي هي في نظر كثيرٍ من طلاب العلم ليست أهميتها مثل الأبواب الأولى سوف تكمل بدورات -إن شاء الله-، وفي أوقات تكون دروس طارئة، وقد أنهينا كتاب الرقاق فيما يقرب من عشرين شريط، وكتاب الفتن في ثمانية أشرطة، وسوف نسير على هذا المنوال -إن شاء الله تعالى- في هذه الأبواب ليختصر علينا الوقت، ليبقى الإيمان وهو من أهم المهمات، العلم وحاجة طالب العلم إليه لا تخفى، الأبواب العبادات الطهارة والصلاة والزكاة والحج والصيام إلى آخره، ثم المعاملات أيضاً تشرح شرح في شيء من البسط والتوضيح ويسجل -إن شاء الله تعالى- ليكون الكتاب كاملاً، وعلى هذا -إن شاء الله تعالى- سوف نسير، وأعتذر مرةً ثانية للإخوة الذين ارتبطوا بكتب ولم يتيسر إدراجها في الجدول، بقي عندنا كتاب واحد وهو مهمٌ جداً هو زاد المعاد في عشاء الجمعة إن كان له حضور مناسب يحضر صاحبه ويقرأ -إن شاء الله تعالى- إضافة إلى الموافقات وسبل السلام لتكون ثلاثة كتب في عشاء الجمعة -إن شاء الله تعالى-.
نعم وجهة نظر بعض المشايخ أن العلم يحتاج إلى صبر، ويحتاج إلى طول نفس، والكتاب لو أنجز في عشرين ثلاثين سنة ويش المانع؟ لكن مشكلة الآن الملل، الملل يدب إلى النفوس، يعني إيش معنى أن كتاب ينهى بثلاثة عشر سنة، كم يتعاقب عليه من جيل هذا؟ هذا ممل.
تفضل.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى عن الإمام مالك: "كتاب: قصر الصلاة في السفر، باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر:
عن مالك عن داود بن الحصين عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك.

(23/3)


ع ن مالك عن أبي الزبير المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبره أنهم خرجوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام تبوك فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال: فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً، ثم قال: ((إنكم ستأتون غداً -إن شاء الله- عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار، فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئاً حتى آتي)) فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان والعين تبض بشيء من ماء، فسألهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل مسستما من مائها شيئاً؟ )) فقالا: نعم، فسبهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال لهما: ما شاء الله أن يقول، ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلاً قليلاً حتى اجتمع في شيء ثم غسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه وجهه ويديه، ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير، فأستقى الناس، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يوشك يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جناناً)).
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عجل به السير يجمع بين المغرب والعشاء.
عن مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر، قال مالك -رحمه الله-: أرى ذلك كان في مطر.
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم.
عن مالك عن ابن شهاب أنه سأل سالم بن عبد الله: هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ فقال: نعم، لا بأس بذلك ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة؟.
عن مالك أنه بلغه عن علي بن حسين أنه كان يقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يسير يومه جمع بين الظهر والعصر، وإذا أراد أن يسير ليله جمع بين المغرب والعشاء".

(23/4)


يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "كتاب: قصر الصلاة في السفر" قَصْر مصدر قصَر تقول: قصرتُ الصلاة كما تقول: قصرتَ الصلاة بفتحتين مخففاً قصراً، وقصرتها بالتشديد تقصيراً، وأقصرتها إقصاراً، والأول الأشهر في الاستعمال، الذي هو القصر مصدر قصرتَ وقصرتُ، والمراد به التخفيف من الصلاة الرباعية والاقتصار منها على ركعتين، وهذا خاصٌ بالرباعية: الظهر والعصر والعشاء، ونقل ابن المنذر وغيره الإجماع على أن القصر لا يدخل صلاة الصبح ولا صلاة المغرب، وقد جاء استثنائهما في حديث عائشة الآتي: "فرضت الصلاة ركعتين وأقرت صلاة السفر وزيد في الحضر، إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة" وسيأتي -إن شاء الله تعالى-.
وشذ من شذ فقال: بقصر المغرب، وهذا ينسب لابن دحية، لأبي الخطاب بن دحية، ينسب له هذا القول، وهو قولٌ شاذ لا يعول عليه، فالإجماع منعقد على أن المغرب لا يدخلها القصر وكذلك الصبح.
يقول النووي: ذهب الجمهور إلى أنه يجوز القصر في كل سفرٍ مباح، وذهب بعض السلف إلى أنه لا يشترط في القصر الخوف في السفر، وبعضهم .. ، ذهب بعض السلف إلى أنه يشترط؛ لأن قول عامة أهل العلم على أنه لا يشترط، فكيف يخصه ببعض السلف؟ على ما سيأتي، وذهب بعض السلف إلى أنه .. ، كأنه يرى إلى أنه اشترط الخوف في السفر لجواز القصر، وهو منطوق الآية: {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] وهذا الكلام سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
يقول: وذهب بعضهم إلى اشتراط كون السفر سفر حج أو عمرة أو جهاد، وكأنه أخذ ذلك من أسفاره -عليه الصلاة والسلام-، وأنه لم يسافر إلا هذه الأسفار حج أو عمرة أو جهاد.

(23/5)


واشترط بعضهم كونه سفر طاعة، على كل حال السفر المباح جماهير أهل العلم على جواز القصر فيه، سفر نزهة مثلاً، وسفر تجارة يجوز القصر فيه، لكن لا بد أن يكون مباحاً على أقل الأحوال، وإذا كان سفر طاعة فمن باب أولى، الإمام أبو حنيفة وسفيان الثوري يقولون: يجوز القصر في كل سفر سواءً كان سفر طاعة أو مباح أو معصية، والجمهور لا يجيزون القصر في سفر المعصية؛ لأن القصر وجميع الرخص رخص السفر إنما شرعت للتخفيف على المسافر، فهذا المسافر العاصي في سفره ينبغي أن لا يعان على معصيته؛ لأن شخص خرج قاطع طريق مثلاً أو خرج إلى انتهاك محرمات وجرائم مثل هذا ينبغي أن يشدد عليه ويضيق عليه.
الله -جل وعلا- لما ذكر تحريم الميتة {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [(3) سورة المائدة] هذا الأصل، ثم أباحاها للمضطر {فَمَنِ اضْطُرَّ} لكن بقيد، هل الكلام فمن اضطر فليأكل كذا؟ {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} [(173) سورة البقرة] فدل على أن العاصي لا يترخص، وإذا كان هذا في الأكل من الميتة عند الضرورة فالمنع من الترخص بقصر الصلاة والجمع بين الصلاتين والمسح ثلاثة أيام من باب أولى ألا يرخص له، لا يخفف عليه من أجل أن يرتكب أكبر قدر ممكن من معصيته في سفره هذا، هذا عاصي يضيق عليه ولا يرخص له، هذا قول جمهور أهل العلم، ويرى أبو حنيفة والثوري إلى أن القصر وجميع الرخص مرتبطة بوصف مؤثر وهو السفر، وجد الوصف إذاً يوجد الحكم.
القصر رخصة؛ لأن الأصل في الصلاة الإتمام، والجمع أيضاً رخصة؛ لأن الأصل التوقيت، والرخصة عند أهل العلم ما ثبت على خلاف دليلٍ شرعي لمعارض راجح، الأصل أن الصلاة في أوقاتها التي حددت بالنصوص الصريحة {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] جاز تقديم إحدى الصلاتين أو تأخيرها لمعارض راجح وهو السفر الذي من لازمه المشقة في الأصل، لكن هذا اللازم ليس بلازم؛ لأن النصوص علقت ذلك بالسفر، ولذا لو سافر شخص من غير مشقة نقول: يترخص، يجمع ويقصر ويفطر ويمسح ثلاثة أيام بلياليها ولو لم يدرك مشقة.

(23/6)


ولذا أهل العلم الفقهاء لما حددوا المسافة قالوا: ولو قطعها في ساعة هو مستحيل يقطعها في ساعة في وقتهم لكن في وقتنا تقطع في أقل، بعض الناس. . . . . . . . . نصف ساعة، لكنها رخصة، اقبلوا من الله رخصته.
يختلف أهل العلم في الأفضل هل القصر أو الإتمام؟ الجمع أو التوقيت؟ والأكثر على أن القصر أفضل من الإتمام ((صدقة تصدق الله بها فاقبلوا صدقته)) يرى أبو حنيفة أن قصر الصلاة في السفر واجب وعمدته في ذلك حديث عائشة وسيأتي.
يقول -رحمه الله-: "باب: الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر" الجمع بين الصلاتين في الحضر والسفر، الجمع بين الصلاتين في الحضر يأتي فيه حديث ابن عباس، النبي -عليه الصلاة والسلام- جمع بالمدينة بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء من غير خوفٍ ولا سفر هذا في الحضر، والجمع في السفر بقية النصوص، بقية أحاديث الباب.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن داود بن الحصين -المدني- عن الأعرج -عبد الرحمن بن هرمز- عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك" يجمع بين الظهر والعصر في سفره إلى تبوك، تبوك في الجهة الشمالية من جزيرة العرب، ممنوع من الصرف لوزن الفعل وزنها: تقول، تبوك زنتها تقول، إضافة إلى التأنيث إن أردنا البقعة والعلمية أيضاً، اللي هو علمٌ على تلك البقعة.

(23/7)


في سنن أبي داود ومسند أحمد وغيره في هذا الحديث أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يجمع بين الظهر والعصر جمع تقديم إن ارتحل بعد زوال الشمس، وجمع تأخير إن ارتحل قبل الزوال، وهذا الحديث كما يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- اختلف فيه على يحيى بن يحيى في إسناده، فروي عنه مرسلاً، وكذلك هو عند جمهور رواة الموطأ مرسل، وقد روي عن يحيى مسنداً عن الأعرج عن أبي هريرة، هو عند أكثر رواة الموطأ مرسل وابن عبد البر يقول: حتى في رواية يحيى اختلف فيه عليه، منهم من رواه مرسل، ومنهم من رواه مسنداً، يقول: وقد روي عن يحيى مسنداً عن الأعرج عن أبي هريرة، والذي يظهر أنه في الأصل في رواية يحيى مسند، لكن بعض الرواة لما رآه في أكثر الروايات مرسل أرسله في رواية يحيى كما قال بعض الشراح، وعلى كل حال الحديث لا إشكال فيه.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن أبي الزبير -محمد بن مسلم بن تدرس- المكي عن أبي الطفيل عامر بن واثلة" ولد عام أحد، وله رؤية وهو صحابي، وعمّر إلى أن مات سنة عشرٍ ومائة على الصحيح، وهو آخر من مات من الصحابة فيما قاله الإمام مسلم وغيره.
حديث: ((ما من نفسٍ منفوسة على وجه الأرض يأتي عليها مائة عام))، ((رأيتكم ليلتكم هذه فإنه ما من نفسٍ منفوسة على وجه الأرض يأتي عليها مائة عام)) وهذا قاله النبي -عليه الصلاة والسلام- في آخر عمره، وكان آخر من مات من الصحابة سنة عشر ومائة، يعني بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- بعد مقولته تلك بمائة سنة عمر طويلاً.
وبعضهم يضعف حديث الجساسة بهذا الحديث، وأن الدجال موجود على عهده -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث تميم عند مسلم، ويبي يأتي عليه مئات الأعوام حتى يخرج في آخر الزمان، ولا شك أن هذا الحديث صحيح في صحيح مسلم، ولا أدنى إشكال فيه، وهو خاص، وأيضاً هو في البحر ليس على وجه الأرض، ويرد أيضاً وجود الخضر في قول الأكثر أنه باقي، وإن كان القول المحقق الصحيح عند المحققين من أهل العلم أنه قد مات.

(23/8)


"عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن معاذ بن جبل أخبره" معاذ بن جبل الأنصاري من أعيان الصحابة من أعلمهم بالحلال والحرام "أنهم" يعني الصحابة "خرجوا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام تبوك، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، قال: فأخر الصلاة يوماً ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً -يعني جمع تأخير- ثم دخل"، "ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً ثم دخل" خرج من إيش؟ ودخل أي شيء؟ الخباء؟ خرج من خبائه ودخل فيه بعد الصلاة، وهو من أقوى الأدلة على جواز الجمع في السفر ولو كان نازلاً لم يجد به السير، خلافاً لمن يشترط ذلك "ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً" بعضهم حمل هذا الجمع على الجمع الصوري، وتعقبه الخطابي، يعني رأي الحنفية في الجمع أنه لا يجوز إلا في عرفة ومزدلفة، ويحملون ما جاء من النصوص مما يدل على جواز الجمع بين الصلاتين أنه جمع صوري، الخطابي وابن عبد البر تعقبا من قال بالجمع الصوري بأن الجمع رخصة وتيسير وتسهيل على الأمة لوجود هذا السبب، فلو كان الجمع صورياً لكان أعظم ضيقاً، وأشد حرجاً من الإتيان بكل صلاةٍ في وقتها، يقولان: لأن العلم بأوائل الأوقات وأواخرها بدقة مما يخفى على كثير من الخاصة فضلاً عن العامة، يعني مراقبة أوائل الأوقات وأواخر الأوقات أمرٌ شاق، ولا يكلف عموم الناس بمثل هذا الشيء الدقيق؛ لأن الفاصل شيء دقيق، ومسألة .. ، الصلاة تؤدى بخمس دقائق، ولا شك أن الفاصل بين الوقتين يحصل في زمنٍ يسير جداً، فكون المكلف يراقب هذه الأوقات أشق عليه من أن يصلي كل صلاة في وقتها، والمراد بالجمع الصوري أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها، ويقدم الصلاة الثانية إلى أول وقتها.

(23/9)


فمثلاً: صلاة المغرب اليوم وصلاة العشاء، يؤذن لصلاة العشاء في السابعة وبضع عشر دقيقة، يعني يبونك تصلي الآن صلاة المغرب فإذا انتهيت منها وقد انتهى وقت المغرب تصلي مباشرة العشاء، وتكون حينئذٍ صليت كل صلاة في وقتها، عملت بأدلة التوقيت، وأنت من جهة أخرى باعتبارك جمعت الصلاتين في مدة واحدة يسيرة وتأهبت للصلاتين تأهباً واحداً فيه تيسير من هذه الحيثية، خروجك إلى محل الصلاة واحد، تأهبك للصلاة واحد، فالحنفية يحملون ما جاء من نصوص الجمع على هذا، لكن هذا فيه .. ، لا نتصور أن جميع الظروف وجميع الأحوال وجميع الأزمان عندهم مثل ما عندنا من الساعات الدقيقة، ومن التقاويم التي تحدد الأوقات بدقة، يعني افترض نفسك من غير ساعات ومن غير توقيت تقويم كيف تصنع؟ وأنت مطالب بأن توقع المغرب في وقتها في آخر وقتها كما أنك مطالب بأن تكون تكبيرة الإحرام لصلاة العشاء بعد دخول وقتها، فلو تأخرت يسيراً أو تقدمت يسيراً وقع إشكال كبير على هذا القول، ولا شك أن هذا القول فيه من الحرج ما فيه، والنصوص تدل على أنه جمع بين الصلاتين، التأخير لا إشكال فيه في الصحيحين، والتقديم ثبت عند الحاكم والإسماعيلي وغيرهما، وإن تكلم الحاكم نفسه في روايته.
على كل حال إذا أمكن حمل جمع التأخير على الجمع الصوري فإنه لا يمكن بحال جمع التقديم على الجمع الصوري، وعلى هذا فالمرجح قول الجمهور في جواز الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما تقديماً وتأخيراً، والأوزاعي يجيز جمع التأخير دون جمع التقديم وهو رواية في مذهب أحمد، من غير أن يجد به السير؛ لأن عندنا في هذا الحديث نص: "ثم خرج ثم دخل" وين خرج؟ وين دخل؟ كونه يكون له خباء يدخل فيه ويخرج منه هذا جادٌ به السير؟ فلا يلزم أن يجد به السير، وإن كان القول بأنه لا يجمع إلا إذا جد به السير كما قرره ابن القيم وقبله شيخ الإسلام ورواية عن مالك -رحمه الله تعالى-، وعلى كل حال المسافر بصدد أن يرخص له، وقد جاء الترخيص له دون المقيم الحاضر.

(23/10)


من الرخص الجمع كما سمعنا، القصر، المسح ثلاثة أيام، الفطر في رمضان، المسألة التي أثيرت في الدروس السابقة من جواز التيمم للمسافر ولو كان واجداً للماء استدلالاً بآية المائدة: {وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} [(6) سورة المائدة] قالوا: القيد يعود إلى الجملة الأخيرة، مع أنه نقل الإجماع أكثر من واحد على أنه لا يجوز لواجدِ الماء القادر على استعماله أن يتمم حاضراً كان أو مسافراً نقل الإجماع على هذا، فلا وجه لمن فهم من الآية جواز التيمم مع وجود الماء للمسافر.
ثم قال -عليه الصلاة والسلام-: ((إنكم ستأتون غداً -إن شاء الله-)) هذا الاستثناء للتبرك من جهة، وامتثالاً لقول الله -جل وعلا-: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَن يَشَاء اللَّهُ} [(23 - 24) سورة الكهف] ((إنكم ستأتون غداً -إن شاء الله- عين تبوك، وإنكم لن تأتوها حتى يضحى النهار)) حتى يضحى النهار يعني: يرتفع ارتفاعاً قوياً ((فمن جاءها)) يعني قبله -عليه الصلاة والسلام- ((فلا يمس من مائها)) ((فمن جاءها فلا يمس من مائها شيئاً حتى آتي)) يعني حتى يجيء النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقول: "فجئناها" معاذ "فجئناها وقد سبقنا إليها رجلان" في قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((من جاءها فلا يمس من مائها شيئاً)) يقول الباجي: فيه أن للإمام أن يمنع من الأمور العامة إذا ترتب على هذا المنع مصلحة، يعني كالماء والكلأ إذا ترتب على هذا المنع مصلحة جاز له ذلك.

(23/11)


"وقد سبقنا إليها رجلان والعين تبص" بالصاد، أو تبضُ بالضاد، وتبص من البصيص وهو البريق واللمعان، وتبض بالضاد يعني تقطر وتسيل، ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- يقول: الرواية الصحيحة المشهورة في الموطأ بالضاد المنقوطة، يعني المعجمة، وعليها الناس، "بشيء -يعني قليل- من ماء، فسألهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل مسِستما -بكسر السين على الأفصح- من مائها شيئاً؟ )) فقالا: نعم" يقول الباجي: الاحتمال أنهما لا يعلما بنهيه -عليه الصلاة والسلام-، أو نسياه، أو حملاه على الكراهة، هذا إن كانا مؤمنين، وروي أنهما كانا من المنافقين، فسبهما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال لهما ما شاء الله أن يقول من ألفاظ السب لمخالفتهما أمره -عليه الصلاة والسلام-، ولا شك أن مخالف الأمر النبوي متعرض أو معرضٌ نفسه للعقوبة {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [(63) سورة النور] فينتبه الإنسان لمثل هذا، لا يستخف بالأوامر الشرعية "ثم غرفوا بأيديهم من العين" يعني بعد أن أذن لهم النبي -عليه الصلاة والسلام- "غرفوا بأيديهم من العين قليلاً قليلاً"
طالب:. . . . . . . . .

(23/12)


يعني الجاهل ما يمكن أن يسب؟ طيب وإذا حمله على الكراهة ما يستحقون السب؟ لأن الأمر المواجه غير الأمر غير المواجه، وقد فوّتا أمراً يعلمه النبي -عليه الصلاة والسلام- "ثم غرفوا بأيديهم من العين قليلاً قليلاً حتى اجتمع -يعني الماء الذي غرفوه- في شيء -يعني من الأواني- ثم غسل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيه -أي في الماء المجتمع- وجهه ويديه" لتنزل البركة في هذا الماء التي جعلها الله -جل وعلا- في نبيه -عليه الصلاة والسلام- "ثم أعاده فيها فجرت العين بماء كثير" في صحيح مسلم: "بماءٍ منهمر" أو قال: غزير "فأستقى الناس" شربوا، وسقوا دوابهم، وهم جيش كبير "ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((يوشك -أي يقرب ويسرع- يا معاذ إن طالت بك حياة أن ترى ما هاهنا قد ملئ جناناً)) معاذ -رضي الله عنه- مات سنة ثمان عشرة بالشام في طاعون عمواس، يعني إن طالت بك حياة يا معاذ هو طول نسبي بعده -عليه الصلاة والسلام- أقام سبع سنوات، ((ورأيت)) يعني هذا المكان، ولا شك أن معاذ استوطن الشام ومات بها، وقد رأى ما أخبره به النبي -عليه الصلاة والسلام- ((أن ترى ما هاهنا قد ملئ جناناً)) تمييز جمع جنة، أي يخصب المكان فيكون بساتين ذات أشجار كثيرة، وثمار، وفيه معجزة وعلم من أعلام النبوة حيث أخبر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن ذلك المكان الذي لا شيء فيه، وما يكون فيه بعد سنين، والآن تبوك وضعها الزراعي هاه؟ في أحد من أهل تبوك؟ أقول: فيها شركات زراعية نعم، فيها شركات زراعية، فيها بساتين، وفيها جنان، فهذا من معجزاته -عليه الصلاة والسلام-، وقد أدخل مسلم -رحمه الله تعالى- هذا الحديث في كتاب الفضائل في معجزات النبي -صلى الله عليه وسلم-.

(23/13)


ثم قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا عجل به السير" والمراد في السفر كما صرح بذلك في رواية البخاري "يجمع بين المغرب والعشاء" وقد تعلق بهذا الحديث من اشترط الجد في السير، لكن ابن عبد البر -رحمه الله تعالى- يقول: هذه حكاية حال في سفرةٍ من السفرات، أو في حالٍ من الأحوال، أو في ظرفٍ من الظروف، المقصود أنه تقدم ما يدل على جواز الجمع للمسافر وإن كان نازلاً.
طالب:. . . . . . . . .
نعم الأولى عدم الجمع، الأولى تركه لوجود الخلاف فيه، وإن قيل بأن الأولى الأرفق بالمسافر تحقيقاً للهدف الشرعي من الترخيص له كان أجود.
ثم قال: "حدثني عن مالك عن أبي الزبير المكي عن سعيد بن جبير عن عبد الله بن عباس أنه قال: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الظهر والعصر جميعاً والمغرب والعشاء جميعاً في غير خوف ولا سفر" في رواية: "صلى ثمانياً وسبعاً بالمدينة من غير خوفٍ ولا سفر" يقول مالك -رحمه الله تعالى-: أُرى -يعني أظن- أن ذلك كان في مطر، مع أنه في صحيح مسلم من طريق الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: جمع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة من غير خوفٍ ولا مطر، فما يظنه مالك -رحمه الله تعالى- جزم غيره بأنه غير موجود، فإذا انتفى الخوف والمطر والسفر فما المبرر للجمع بالمدينة؟ يعني هل نقول: إن المدينة أصيبت بوباء فمرض الناس كلهم فصلى النبي -عليه الصلاة والسلام- جمعاً؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- كما قال ابن عباس ألا يحرج أمته، هذا في جميع الروايات -روايات الحديث- يسأل ابن عباس عن السبب فقال: أراد ألا يحرج أمته -عليه الصلاة والسلام-.

(23/14)


بعضهم حمل الجمع في هذا الحديث على الجمع الصوري، حمل بعضهم الجمع في هذا الحديث على الجمع الصوري، ويؤيد ذلك ما ذكره مسلم عن أبي الشعثاء قال: أظنه أخر الظهر وعجل العصر وأخر المغرب وعجل العشاء هذه هي حقيقة الجمع الصوري، ولا بد منه في مثل هذا الحديث؛ لأنه لا يوجد سبب للجمع إذا انتفى الخوف والمطر والسفر لا مبرر للجمع، فيحمل هذا على الجمع الصوري، وقاله بعض رواة الحديث، النووي ضعف هذا الجمع، لكن قواه غيره، ويلجأ إليه لتوجيه مثل هذا النص.
الترمذي في علل جامعه أخبر أنه لا يوجد في جامعه حديث اتفق العلماء على ترك العمل به إلا هذا الحديث وحديث قتل مدمن الخمر حديث معاوية ((فإن شرب في الرابعة فاقتلوه)) لا يوجد حديث أجمع العلماء على ترك العمل به إلا هذا وحديث قتل من تكرر منه شرب الخمر مع أنه وجد من يقول بمفاد هذا الحديث ويحمله على الجمع الصوري، ويحمله أو يحمله على وجود المشقة، قد يوجد مشقة في الحضر تدعو إلى الجمع مثل المطر ومثل زحام شديد يمسك الناس لا يستطيعون أن يتركوا سياراتهم ولا يستطيعون أن يؤدوا الصلاة في وقتها، الحرج لا شك أنه منفي في شريعة الإسلام.
وجد أيضاً من يقول بقتل المدمن مطلقاً إذا شرب في الرابع يقتل، ومنهم وهو قول شيخ الإسلام ويرجحه ابن القيم والسيوطي منهم من يقول: له تعزير إذا رأى الإمام الناس لا يردعهم الحد -حد الشرب- يقتل، حتى يقطع دابر هذه الجريمة، يقول: هذا تعزير وليس بحد، هذا كلام شيخ الإسلام وابن القيم والسيوطي وجمع من أهل العلم.

(23/15)


يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم" عبد الله بن عمر كان إذا جمع الأمراء بين المغرب والعشاء في المطر جمع معهم، ابن عمر من أهل التحري، والمعروف عنه أنه لا بد أن يخرج من عهدة الواجب بيقين، والأمراء لا سيما أمراء بني أمية لهم وضعٌ خاص في تأخير الصلوات، والتساهل في الأوقات، كان يجمع معهم -رضي الله عنه-؛ لأنه يرى أن الخلاف في مثل هذه الأمور شر، ولا يترتب عليه المصلحة؛ ولأن الجماعة تحقق من المصلحة أكثر ما يحققه انفراده، لكن لا يعني هذا أنه إذا جمع إمام المسجد لأدنى سبب وقد لا يكون السبب مبرراً للجمع أن الناس يوافقونه على هذا، نعم إذا نزلت الرخصة عمت، لكن يبقى التحقق من نزول هذه الرخصة ويحصل تساهل كثير من بعض الأئمة، مجرد ما يأتي رش خفيف مع أنه لا يشق الحضور إلى المساجد يجمعوا، أما إذا وجد الحرج فالشريعة مبناها على التيسر، ((إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه)).

(23/16)


ثم قال -رحمه الله-: "وحدثني عن مالك عن بن شهاب أنه سأل سالم بن عبد الله -يعني ابن عمر أحد الفقهاء السبعة-: هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ فقال: نعم لا بأس بذلك" يعني يجوز هذا بلا كراهة "ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة؟ " يعني يجمعون بين الظهر والعصر جمع تقديم "ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة؟ " ابن شهاب سأل سائل هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ قد يقول قائل: كيف يخفى على ابن شهاب ما ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- أنه جمع وهو الإمام الحافظ المكثر من الرواية يسأل ابن عمر "هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ فقال: نعم لا بأس بذلك" وهل استدل له سالم استدل لما ذهب إليه بفعل النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ إنما قال له: "ألم تر إلى صلاة الناس بعرفة؟ " أقول: الإشكال في كون ابن شهاب وهو إمام مكثر حافظ يسأل عن الجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ يعني هذا الاحتمال أن يكون قبل أن يطلع على الأحاديث، قبل أن يروي ما يروي من الأحاديث؟ يعني في مبدأ أمره؟ هذا احتمال؟ إذاً كيف يسأل عن الجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ وهل يخفى مثل هذا على ابن شهاب؟ أو على الخوف؟ لا سيما إذا كان في بلدٍ يكثر فيه من لا يجيز الجمع، إذا وجد في بلد من ينكر أمر ولو كان مستفيض بين الناس يرد مثل هذا السؤال، ما كان السؤال يرد إطلاقاً قبل سنين على التكبير المطلق والمقيد، ثم صار الناس يسألون، يعني لو واحد سأل قبل عشرين سنة عن التكبير المقيد هو بدعة وإلا سنة؟ يمكن يضحكون عليه الناس؛ لأنه ما يوجد من ينكره، لكن لما وجد صار الناس يسألون، فإذا وجد في بلد ينكر أو مثلاً يخالف أهله ما تقرر عند الشخص يسأل ((شفاء العي السؤال)).
طالب:. . . . . . . . .
هو يقول: هل يجمع بين الظهر والعصر في السفر؟ لو الجواب: نعم، الجواب في جمع تقديم، لكن الإحالة على جمع لصلاة الناس بعرفة.
طالب:. . . . . . . . .

(23/17)


أنا أقول: إحالة سالم –السائل- ودعمه الجواب بفعل الناس بعرفة لماذا لم يحله إلى النصوص الثابتة؟ ليبين أن هذا الحكم باقٍ بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهذا مما يتفق عليه الناس كلهم الجمع بعرفة، لا سيما مع وصف السفر، يعني للمسافرين، والخلاف في جمع المكي بعرفة ومزدلفة معروف سيأتي -إن شاء الله تعالى-، يعني بعضهم يجعله للنسك، وهذا قول أبي حنيفة، فعلى هذا الذي لم يتلبس بنسك لا يجوز له أن يجمع، وبعضهم يقول: سببه السفر وهو قول الأكثر، وعلى هذا من كان مسكنه دون مسافة قصر من عرفة أو مزدلفة لا يجوز له أن يجمع، ستأتي في بابها -إن شاء الله تعالى-.
قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن علي بن حسين -زين العابدين بن علي بن أبي طالب- أنه كان يقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا أراد أن يسير يومه جمع بين الظهر والعصر" واللفظ محتمل لأن يكون جمع تقديم، لا سيما إن سار بعد الزوال، أو جمع تأخير إن سار قبله "وإذا أراد أن يسير ليله جمع بين المغرب والعشاء"، "عن علي بن حسين أنه كان يقول: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هذا مرسل؛ لأن زين العابدين تابعي -رحمه الله-، يقول ابن عبد البر: وهذا الحديث يتصل برواية مالك من حديث معاذ بن جبل وابن عمر، وهو عند جماعة من الصحابة مسنداً.
على كل حال الجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء لوجود الوصف الذي علق عليه الجمع وهو السفر محل اتفاق بين أهل العلم باستثناء الحنفية الذين لا يجيزونه إلا بعرفة ومزدلفة، أو يجيزونه جمعاً صورياً على ما ذهبوا إليه.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: قصر الصلاة في السفر" هذه الرخصة الثانية للمسافر، وهذا من التيسير والتسهيل؛ لأن المسافر الذي الأصل في سفره المشقة، السفر قطعة من العذاب كما في الحديث الصحيح، بصدد أن يخفف عنه أردف القصر بالجمع لما يجمعهما من أن كل منهما رخصة للمسافر.

(23/18)


قال: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد" هو أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بفتح الهمزة وكسر السين على الأفصح، وضبط بالتصغير "أنه سأل عبد الله بن عمر فقال: يا أبا عبد الرحمن -وهذه كنيته- إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر" نجد صلاة الخوف في القرآن: {وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ} [(102) سورة النساء] هل المراد بها صلاة الخوف أو صلاة المسافر الخائف فيقصر؟ {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] يعني قصر الصلاة للمسافر الخائف هذا موجود في القرآن، ولا نجد صلاة السفر بالنسبة للمسافر الآمن، صلاة الحضر موجودة في القرآن: {إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا} [(103) سورة النساء] يعني مفروضاً في الأوقات المحددة "ولا نجد صلاة السفر" يعني قصر الصلاة في السفر الآمن {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} [(101) سورة النساء] يعني رفع الجناح هل هذا يفهم منه وجوب القصر أو إباحة القصر؟ {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ}؟ الوجوب؟
طالب:. . . . . . . . .

(23/19)


إيه لا المسألة طرد وعكس، ما تجي، طرداً وعكساً ما تجي، الحنفية يقولون: بالوجوب، وجاء في القصر هذا الأسلوب، ولا يقولون بوجوب السعي وجاء فيه نظير هذا الأسلوب: {فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [(158) سورة البقرة] الجمهور يقولون: بأن السعي ركن من أركان الحج والعمرة، وجاء فيه: {فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ} [(158) سورة البقرة] ولا يقولون بوجوب القصر وجاء فيه: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} [(101) سورة النساء] ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ يعني المحاورة التي حصلت بين عائشة -رضي الله عنها- وعروة واحتجاج عائشة بسبب النزول على أن السعي لا بد منه للحاج والمعتمر معروف، لكن لفظ الآيتين هل يؤخذ منهما وجوب السعي؟ رأيها أنها لو كانت تدل على ما ذهب إليه عروة من رفع الإثم فقط أن يكون التعبير قد جاء "فلا جناح عليه أن لا يطوع" لكن رفع عنه الجناح لأنه تأثم، الجناح: هو الإثم الذي تصوره من مشابهة الكفار في سعيه بين الصفا والمروة؛ لأنهم كانوا يسعون بين الصفا والمروة للصنمين المعروفين، فهذا الجناح وهذا التأثم رفع بالآية، ويبقى أن الاستدلال المرجِح هو الأدلة الأخرى، يعني لو لم يكن في الموضعين إلا هاتين الآيتين احتجنا إلى المرجح؛ لأن مجرد رفع الجناح لا يقتضي الوجوب.

(23/20)


نأتي إلى آيةٍ قريبة من هذا: {وَاذْكُرُواْ اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ} خلوكم معي يا الإخوان {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] كيف؟ أيهما الأولى بأن يذكّر بالتقوى المتعجل وإلا المتأخر؟ أيهما أكمل؟ المتأخر، كيف المتأخر يقال له: {لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] والمتعجل لا يقال له: {لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة]؟ أو لمن اتقى راجعة إلى الاثنين؟ وهل يكتفي الحاج الذي تردد على بيت الله الحرام مراراً يرجو المغفرة وأن يعود كما ولدته أمه ((الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة)) هل يكتفي بأن يكون لا إثم عليه سواءً تقدم أو تأخر؟ يكفيه أنه لا إثم عليه؟ ما يكفيه لأنه إذا ربطنا {فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ} [(203) سورة البقرة] في التقدم والتأخر في الموضوعين.
طالب:. . . . . . . . .
هو يقول: لا إثم سواء بقيت زيادة يوم أو تعجلت. . . . . . . . . تعجل؛ لأنه لا مزية للتأخر، نقول: التأخر له مزية لفعله -عليه الصلاة والسلام-، و {لِمَنِ اتَّقَى} [(203) سورة البقرة] راجع إلى الأمرين، ويكون المعنى حينئذٍ لا إثم عليه ارتفع عنه الإثم بالكلية، يعني مما اقترفه في عمره إن اتقى في حجه، ويكون نظير حديث: ((رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه)) لأن الحاج الذي تجشم المتاعب والمصاعب يعني هل ذهب ليكون لا إثم عليه في حجه؟! لا، ليرجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وتكون دلالة الآية مثل دلالة الحديث، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟

(23/21)


يقول: "إنا نجد صلاة الخوف وصلاة الحضر في القرآن ولا نجد صلاة السفر -يعني مع الأمن- فقال ابن عمر: يا ابن أخي إن الله -عز وجل- بعث إلينا محمداً -صلى الله عليه وسلم- ولا نعلم شيئاً، فإنما نفعل كما رأيناه يفعل" لا شك أن لهم {فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [(21) سورة الأحزاب] فبين له أن القصر في سفر الأمن ثابت بالسنة؛ لأنه في الآية مشروط بالخوف {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] والقصر في سفر الأمن ثابت بالسنة كما بينه ابن عمر، فبين له أن القصر في سفر الأمن ثابت بالسنة لا بالقرآن، ويكون هذا الحكم حينئذٍ مما شرع لعلة، هذا الحكم شرع لعلة ارتفعت العلة وبقي الحكم.
الرمل في الطواف سببه وعلته قول المشركين: يأتي محمد وأصحابه وقد وهنتهم حمى يثرب، فرمل النبي -عليه الصلاة والسلام- في الأشواط الثلاثة الأولى لكي يخلف ظن المشركين، ويريهم خلاف ما اعتقدوا، ولذا لما رأوهم يرملون قالوا: شبهوهم بالغزلان، الآن الرمل مشروع وإلا غير مشروع؟ مشروع، في أحد يقول: إن المسلمين يأتون وإلا ما فيه؟ ما فيه، ارتفع السبب وبقي الحكم.

(23/22)


السبب في القصر السفر مع الخوف، ارتفع الخوف وبقي الحكم، في صحيح مسلم عن يعلى بن أمية قال: قلتُ لعمر: إنما قال الله {إِنْ خِفْتُمْ} [(101) سورة النساء] وقد أمن الناس، فقال: عجبتُ مما عجبت منه فسألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((صدقه تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته)) يقول ابن عبد البر -رحمه الله-: لم يقم مالك إسناد هذا الحديث، يعني لإبهام الرجل المذكور؛ ولأنه أسقط منه راوٍ من الرواة، يقول أيضاً. . . . . . . . .: هكذا يروي مالك هذا الحديث عن ابن شهاب عن رجل من آل خالد بن أسيد، وسائر أصحاب ابن شهاب يروونه عن ابن شهاب عن عبد الله بن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد عن ابن عمر، يقول: وهذا هو الصواب في إسناد هذا الحديث، ومن طريق الليث أخرجه النسائي وابن ماجه، المقصود أن الحديث متصل، واستدلال ابن عمر -رضي الله عنه- في مكانه، ما دام فعله النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو آمن، والسنة حجة ومصدر تشريعي مستقل لا يطلب لها موافقة القرآن، ففيها كثير من الأحكام التي لا توجد في القرآن، ولولا السنة لما عرفنا كيف نحج؟ ولا كيف نصلي؟ إنما عرفنا الصلاة من فعله -عليه الصلاة والسلام- وقوله: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)) والحج عرفناه ببيانه -عليه الصلاة والسلام- قولاً وفعلاً وقوله: ((خذوا عني مناسككم)).
يقول:: "وحدثني عن مالك عن صالح بن كيسان" المدني مؤدب ولد عمر بن عبد العزيز، طلب العلم متأخر جداً وأدرك خيراً كثيراً، يروي "عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين" وعائشة أدركت الفرض وإلا ما أدركت؟ أدركت الإسراء وإلا ما أدركت؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لم تدرك الإسراء، فهذا مرسل صحابي، مرسل الصحابي حجة عند العلماء، بل نقل عليه الاتفاق.
أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ

(23/23)


ولذا خرجه الشيخان البخاري ومسلم "أنها قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين في الحضر والسفر" وكررت ركعتين لتفيد عموم التثنية لكل صلاة، ركعتين ركعتين، لكل صلاة ركعتين، لأنها لو قالت: فرضت الصلاة ركعتين في الحضر والسفر لفهم منه أنها في اليوم والليلة ركعتين، لكن لما قالت: ركعتين ركعتين .. ، لو قال مثلاً: أعطِ الطلاب ألفاً، جاب ألف ووزع على الطلاب، لكن لما يقال: أعطِ الطلاب ألفاً ألفاً مقتضاه أن يكون كل طالب له ألف، وهنا فرضت الصلاة ركعتين، لو قالت: ركعتين يعني في اليوم والليلة، لكن لما قالت: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين يعني الخمس فرضت إلا ما استثني في رواية أحمد وغيره: "إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الفجر فإنها تطول فيها القراءة"، في الحضر والسفر يعني إلا ما استثني، يبقى الظهر والعصر والعشاء ركعتين ركعتين "فأقرت صلاة السفر" يعني على الفرض الأول أبقيت على ما فرضت عليه ركعتين "وزيد في صلاة الحضر" حتى صارت أربعاً، وجاء الاستثناء في رواية أحمد وغيره: "إلا المغرب فإنها وتر النهار، وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة".
"فرضت" الجمهور على أن معنى (فرضت) قدرت صلاة السفر أو الصلاة عموماً في أول الأمر عموماً ركعتين ركعتين أقرت صلاة السفر على الفرض الأول وزيد في صلاة الحضر حتى صارت أربعاً، فمعنى (فرضت) قدرت على رأي الجمهور الذين لا يقولون بوجوب القصر على خلافٍ بينهم في الأفضل من القصر والإتمام، وعلى هذا فالقصر في السفر رخصة، وعرفنا فيما تقدم الفرق بين الرخصة والعزيمة، وعند الحنفية معنى (فرضت) وجبت، فالقصر عندهم واجب قصر الصلاة في السفر القصر واجب، وعند الجمهور رخصة وليس بواجب، هو أفضل من الإتمام عند أكثر من يقول بقول الجمهور، والإتمام عند بعضهم أفضل، وعلى كل حال ما دام رخصة الله -جل وعلا- يحب أن تؤتى رخصه، وكلٌ من الفريقين يتمسك بالحديث "فرضت" ويؤيد تأويله بأدلة أخرى.
طيب هل القصر فرض عند الحنفية أو واجب؟ واجب وليس بفرض، إذاً كيف يتم لهم الاستدلال بقول عائشة: "فرضت" لماذا لا يقولون: إنه فرض؛ لأنه ثبت بدليل ظني وليس بدليل قطعي فليس بفرض، وإن كان لفظ الصحابي: "فرضت".

(23/24)


مما يرد على الحنفية أن عائشة خالفت هذا الحديث فأتمت في السفر، وتأولت كما تأول عثمان -رضي الله عنه-، والحنفية عندهم إذا اختلفت الرواية مع الرأي إذا اختلفت رواية الراوي مع رأيه فالعبرة بما رأى لا بما روى، وهنا رأي عائشة -رضي الله عنها- أن القصر ليس بواجب، وهي التي تقول: "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين" فخالف الحنفية قاعدتهم في هذا، وإن كان الجمهور عندهم أن العبرة بما روى، العبرة بما ثبت مرفوعاً إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، وقول الصحابي فرض كذا أو أوجب أو أبيح لنا أو رخص لنا أو حرم علينا كذا له حكم الرفع؛ لأن الذي يفرض والذي يوجب، والذي يبيح، والذي يرخص هو الشارع، يعني من له ذلك، فإذا قال الصحابي: فرض علينا، أو أبيح لنا، أو رخص لنا فله حكم الرفع.
عائشة هل أدركت فرض الصلاة لما فرضت الصلاة ليلة الإسراء؟ عائشة لم تدرك فرض الصلاة، وعلى كل حال الاحتمال أنها سمعت ذلك من النبي -عليه الصلاة والسلام- كما سمعت خبر بدء الوحي، ولو قدر أنها لم تسمعه من النبي -عليه الصلاة والسلام- فهو مرسل صحابي، ومرسل الصحابي حجة عند جماهير أهل العلم، ونقل عليه الاتفاق.
أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ

(23/25)


وعرفنا لماذا كررت: "ركعتين ركعتين" تقول: "في الحضر والسفر" وقد ثبت في صحيح مسلم عن ابن عباس قال: "فرضت الصلاة في الحضر أربعاً وفي السفر ركعتين" ويمكن التوفيق بينهما بأن كلام عائشة في أول الأمر وكلام ابن عباس في آخر الأمر "إلا المغرب فإنها وترُ النهار" وتر لأنها تقع في آخر جزء من النهار بل بعده، وتختم بها صلوات النهار فكانت كالوتر "وإلا الصبح فإنها تطول فيها القراءة" هذه سمتها، ولطولها أطلق على الصلاة -صلاة الفجر- قرآن الفجر؛ لأنه أطول أركانها، {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [(78) سورة الإسراء] يعني صلاة الفجر، ومعنى هذه الشهادة وأهميتها وقيمتها مما يجعل المسلم يحرص على إدراك جميع صلاة الفجر، واستماع قراءة الصلاة من أولها بحضور قلب، هذا الشهود الذي يجعل المسلم لا سيما طلب العلم يحرص على هذا أشد الحرص بينه ابن القيم -رحمه الله تعالى- في طريق الهجرتين، ابن القيم -رحمه الله- لما بين المنهج الذي يسير عليه أصحاب اليمين أو المنهج الذي يسير عليه المقربون هذه خطة لهؤلاء، وهذا منهج يسير عليه هؤلاء، وعلى طالب العلم أن يطلع على الطريقتين في طريق الهجرتين وباب السعادتين لابن القيم كتاب لا يستغني عنه طالب علم.
صلاة الصبح تطول فيها القراءة ومع الأسف نجد أو نسمع من يقرأ بقصار السور في صلاة السبح.
على كل حال الخلاف في مسألة القصر وحكمه خلافٌ معروف مشهور عند أهل العلم، يقول الحنفية بوجوبه، والجماهير على أنه رخصة على خلافٍ بينهم في الأفضل، وعرفنا أن المسافر هو المتلبس بالسفر بعد مفارقة عامر البلد له أن يترخص فيجمع بين الصلاتين ولو كان نازلاً، وإن كان الأفضل بالنسبة للجمع أن يصلي كل صلاة في وقتها كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- في منى، وأما بالنسبة للقصر فالأفضل له أن يقصر ما دام مسافراً ما لم يجمع الإقامة على ما سيأتي.

(23/26)


ثم قال: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال لسالم بن عبد الله: ما أشد ما رأيت أباك أخر المغرب في السفر؟، "عن يحيى بن سعيد أنه قال لسالم بن عبد الله -يعني ابن عمر-: ما أشد ما رأيت أباك أخر المغرب في السفر؟ " لأن المغرب ينبغي أن تعجل، والمقصود في الحضر، وفي السفر إذا لم يرد الجمع؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها لما غاب القرص في اليومين في حديث إمامة جبريل، فالأفضل تعجيلها "فقال سالم: غربت الشمس ونحن بذات الجيش فصلى المغرب بالعقيق" وبين ذات الجيش والعقيق اثنا عشر ميلاً، يعني كم كيلو؟ عشرين، عشرين كيلو بين غروب الشمس وبين صلاة المغرب، والعشرين الكيلو تقطع في؟ الكيلو الواحد يحتاج إلى عشر دقائق على الأقدام، جري وإلا مشي؟ لا، لا، أنتم ما شاء الله عليكم عاد متعودين على المشي لا يحتاج إلى وقت، على كل حال هي على الدواب، والعشرين الكيلو ربع مسافة القصر التي تقطع في يومين، على كل حال الواحد يختلف ظرفه عن ظرف الجماعة، فإذا كان جماعة محملة تسير فوضعها يختلف عن وضع الواحد، والدواب تختلف، والأشخاص يختلفون.
في بعض الشروح شروح الموطأ نقلاً عن ابن وهب أن السبب في تأخير ابن عمر لصلاة المغرب أنه أخرها ليلتمس الماء التماساً للماء، وهذا يدل على أن ابن عمر لا يتيمم في أول الوقت إذا رجا الماء، هل يحتمل أن يكون ابن عمر مسافر وأراد أن يجمع المغرب مع العشاء؟ أذن المغرب غربت الشمس وهو بذات الجيش على بريد من المدينة، البريد قريب من عشرين كيلو، ثم أخرها عشرين أخرى هل هذا الاحتمال قائم"
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو يبعد عن المدينة الآن هو ليس .. ، في هذا لا يقرب من المدينة إذا غربت الشمس وهو بذات الجيش صلى المغرب بالعقيق؛ لأنه إذا قلنا: ذات الجيش بعيدة عن المدينة والعقيق أقرب وذات الجيش على بريد من المدينة عشرين كيلو والعقيق بينها وبين ذات الجيش اثنا عشر ميل عشرين كيلو إذاً دخل المدينة، ذات الجيش بين العقيق وبين المدينة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم قد يكون هذا في جهة وهذا في جهة، وكلها قرب المدينة ما يبعد هذا.
سم.
"باب: ما يجب فيه قصر الصلاة:

(23/27)


حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا خرج حاجاً أو معتمراً قصر الصلاة بذي الحليفة.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه ركب إلى ريم فقصر الصلاة في مسيره ذلك، قال مالك: وذلك نحو من أربعة برد.
حدثني عن مالك عن نافع عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة في مسيره ذلك، قال مالك: وبين ذات النصب والمدينة أربعة برد.
وحدثني عن مالك عن نافع عن بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يسافر إلى خيبر فيقصر الصلاة.
وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقصر الصلاة في مسيره اليوم التام.
وحدثني عن مالك عن نافع أنه كان يسافر مع ابن عمر -رضي الله عنهما- البريد فلا يقصر الصلاة.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- كان يقصر الصلاة في مثل ما بين مكة والطائف، وفي مثل ما بين مكة وعسفان، وفي مثل ما بين مكة وجدة، قال مالك: وذلك أربعة برد، وذلك أحب ما تقصر إلي فيه الصلاة، قال مالك: لا يقصر الذي يريد السفر الصلاة حتى يخرج من بيوت القرية، ولا يتم حتى يدخل أول بيوت القرية أو يقارب ذلك".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما يجب فيه قصر الصلاة" باب: ما يجب، المعروف من قول مالك أن القصر سنة وليس بواجب، والمراد بالوجوب هنا تأكد الاستحباب، تأكد أن يقرب من الواجب.
قال: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا خرج حاجاً أو معتمراً قصر الصلاة بذي الحليفة" اقتداءً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، خرج حاجاً أو معتمراً، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى الظهر بالمدينة أربعاً، وصلى العصر بذي الحليفة ركعتين، وابن عمر يقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام- في ذلك فيصلي بالمدينة صلاةً تامة ثم يقصر إذا وصل ذي الحليفة كما فعل -عليه الصلاة والسلام-.

(23/28)


قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أنه ركب إلى ريم فقصر الصلاة في مسيره ذلك، قال مالك: وذلك نحو من أربعة برد" من المدينة، ولعبد الرزاق عن مالك: ثلاثون ميلاً، ثلاثون ميلاً من المدينة، الثلاثون الميل يعني قريب من خمسين كيلو، وهنا أربعة برد يعني ثمانين كيلو، الاحتمال أن ريم هذه أرض متسعة جداً بحيث يكون أدناها ثلاثين ميلاً وأقصاها أربعة برد احتمال، وما روى عبد الرزاق عن مالك صحيح، والذي هنا قول مالك: نحواً من أربعة برد أيضاً صحيح، فالاحتمال أن ريم هذه أرضٌ أو مكانٌ أفيح واسع أدناه مسافته ثلاثون ميلاً، وأقصاه أربعة برد.
ثم قال: "حدثني عن مالك .. " الآن قصر بذي الحليفة يعني مجرد ما فارق المدينة قصر، وليس معنى هذا أن هذا نهاية السفر، نهاية السفر هو قاصد مكة حاج أو معتمر هذه نهاية السفر، فلا يقول قائل: إنه يقصر بذي الحليفة لأن مسافة القصر بضعة أميال، لا، إنما هذه بداية السفر، ما ذكره عن ابن عمر أنه يقصر أربعة برد ثمانين كيلاً.
وقال: "حدثني عن مالك عن نافع عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر ركب إلى ذات النصب فقصر الصلاة في مسيره" ذات النصب موضع قرب المدينة، فقصر الصلاة في مسيره ذلك "قال مالك: وبين ذات النصب والمدينة أربعة برد" وكذا رواه الشافعي عن مالك، وروى عبد الرزاق عن مالك قال: بينهما ثمانية عشر ميلاً، وهذه أقرب من المسافة السابقة في كلام عبد الرزاق، وعلى كل حال التنصيص هنا وتأكيد مالك على أربعة برد يدل على أنه يرى هذه المسافة، التحديد بأربعة برد قول مالك كما هنا، وهو أيضاً قول الشافعي وأحمد، فالأئمة الثلاثة على أن المسافة أربعة برد.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع عن ابن عمر أنه كان يسافر إلى خيبر فيقصر الصلاة" وبين خيبر والمدينة ستة وتسعون ميلاً، يعني مائة وستين كيلو تقريباً.
ثم قال: "حدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يقصر الصلاة في مسيره اليوم التام" مسيرة اليوم التام تقدر بأربعين كيلاً.

(23/29)


الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم في صحيحه بابٌ: في كم تقصر الصلاة؟ يعني كم المسافة التي تقصر فيها الصلاة؟ وسمَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً وليلة سفراً، هذا كلام البخاري: "وسم النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً وليلاً سفراً، وكان ابن عمر وابن عباس -رضي الله عنهما أو عنهم- يقصران ويفطران في أربعة برد، وهي ستة عشر فرسخاً، هذا كله في الصحيح، يقول ابن حجر: مسألة مسافة القصر من المسائل التي انتشر فيها الخلاف جداً، فحكى ابن المنذر وغيره فيها نحواً من عشرين قولاً، فأقل ما قيل في ذلك يومٌ وليلة هذا كلامه، أقل ما قيل في ذلك يومٌ وليلة، وأكثره ما دام غائباً عن بلده، وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام، وأورد ما يدل على أن اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة؛ لأنه قال: في كم تقصر الصلاة؟ على سبيل الاستفهام، والعادة أنه إذا لم يجزم بالحكم وأردف الاستفهام بأثر فاختياره مقتضى ذلك الأثر، اختيار البخاري ما يقتضيه ذلك الأثر، وهذا الأثر أن المسافة ما نقله عن ابن عمر وابن عباس أنهما يقصران ويفطران في أربعة برد أن هذا اختياره، أربعة برد ثمانين كيلو، وقبل ذلك قال: وسمَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- يوم وليلة سفراً، يوم وليلة، وابن عمر وابن عباس يفطران ويقصران في أربعة برد، يعني هل يتفق فعل ابن عمر وابن عباس مع يوم وليلة؟ هنا يقول: وقد أورد المصنف الترجمة بلفظ الاستفهام وأورد ما يدل على اختياره أن أقل مسافة القصر يوم وليلة، هم يقولون: إذا أردف الترجمة التي لم يجزم فيها بحكم بأثر فاختياره مقتضى ذلك الأثر، هنا أورد خبراً مرفوعاً وأثرين عن ابن عمر وابن عباس، وجعل الحافظ ابن حجر اختيار البخاري مقتضى الخبر المرفوع، سمى النبي -صلى الله عليه وسلم- يوماً وليلة سفراً، ويوم وليلة سفر يوم وليلة نصف أربعة البرد؛ لأن الأربعة البرد مسافة يومين قاصدين.

(23/30)


وعلى كل حال المعروف من اختيار البخاري أنه يرى أن أقل المسافة يوم وليلة، النووي حكى أن أهل الظاهر ذهبوا إلى أن أقل مسافة القصر ثلاثة أميال، وكأنهم احتجوا بما رواه مسلم من حديث أنسٍ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو فراسخ اختصر الصلاة، لكنه محمولٌ على ابتداء المسافة لا غاية السفر، محمول على ابتداء المسافة أنه لا يقصر حتى يبلغ هذه المسافة ثلاثة أميال، المقصود من ذلك أن يفارق عامر البلد، ويتلبس بالوصف الذي علق عليه الترخص وهو السفر، وإذا فارق السفر وسافر مسيرة ثلاثة أيام يكون سافر بالفعل وإن كانت المسافة لا تسمى مسافة قصر؛ لأنها ليست هي النهاية.
قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أنه كان يسافر مع ابن عمر البريد فلا يقصر الصلاة" عن نافع أنه كان يسافر مع ابن عمر البريد فلا يقصر الصلاة، نافع سمى هذا الخروج سفراً يقولون: توسعاً وإلا في الحقيقة لا يطلق اسم السفر في كلام العرب، ولا يفهم من قولهم: سافر فلان الخروج إلى الميل والميلين والثلاثة، مع أن هذا لفظ نافع، ونافع معروفٌ أنه ليس من العرب، نافع ليس من العرب، فقوله: سافر لا يدل على أنه السفر الذي جاءت حقيقته في لغة العرب.

(23/31)


"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عباس كان يقصر الصلاة في مثل ما بين مكة والطائف" مسافة قصر ثمانين كيلو "وفي مثل ما بين مكة وعسفان -كذلك- وفي مثل ما بين مكة وجدة" كذلك بين مكة وجدة أكثر من ثمانين كيلو، لكن الآن بعد التوسع العمراني قصرت المسافة، "قال مالك: وذلك أربعة برد، وذلك أحب ما تقصر إلي فيه الصلاة" أربعة برد المسافة متقاربة بين مكة والطائفة مكة وعسفان مكة وجدة متقاربة وكلها أربعة برد "يقول مالك: وذلك أحب ما تقصر إلي فيه الصلاة" وهذا هو اختيار الإمام -رحمه الله-، وبه قال الشافعي وأحمد وجماعة، وعن مالك مسيرة يوم وليلة، وهو اختيار الإمام البخاري -رحمه الله-، وقال أبو حنيفة: لا تقصر الصلاة في أقل من ثلاثة أيام، والمقصود بهذا مسافة القصر لا المدة التي إذا أجمع المسافر وعزم على الإقامة فيها، المدة ستأتي لكن هذه هي المسافة، وقال أبو حنيفة: لا تقصر في أقل من ثلاثة أيام، ثلاثة أيام بالكيلوات تقارب مائة وعشرين كيلو؛ لحديث: ((لا تسافر المرأة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم)) فسمى ثلاثة أيام سفراً، وأجيب بأنه لم يسق لبيان مسافة القصر، بل لنهي المرأة عن الخروج وحدها، ولذا اختلفت ألفاظ الخبر، جاء النهي عن السفر مطلق بدون محرم من غير تحديد، وجاء النهي مقيد بيوم وليلة، وجاء النهي مقيداً بثلاثة أيام، واختلاف هذه المدد تجعل مفهوم العدد غير مراد، يعني اختلاف المدد الإطلاق: ((لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم))، ((لا تسافر يوم وليلة إلا مع ذي محرم)) ((لا تسافر ثلاثة أيام بلا محرم)) هذا التفاوت يدل على أن هذه الأحاديث وقائع عينية كأنه قيل للنبي -عليه الصلاة والسلام-: امرأة سافرت ثلاثة أيام بدون محرم، فقال: ((لا تسافر المرأة ثلاثة أيام من غير محرم)) كأنه قيل له: لو سافرت امرأة يوم وليلة؟ قال: ((لا تسافر المرأة يوم وليلة من غير محرم)) وقيل له: إن امرأة سافرت من دون محرم، فقال: ((لا تسافر المرأة بدون محرم)) بإطلاق، وهذا يدل على أن السفر -سفر المرأة- من غير محرم حرام.

(23/32)


والسفر: هو أصله البروز والخروج من البلد، من الإسفار وهو الوضوح، فلا يجوز لامرأة أن تسافر تخرج من البلد ولا ميل واحد إلا مع ذي محرم؛ لأن مفهوم العدد غير مراد بدليل اختلاف الأعداد.
"قال مالك: لا يقصر الذي يريد السفر حتى يخرج من بيوت القرية" كلها، يعني يفارق عامر البلد، وعلى هذا جماهير العلماء أنه لا يخرج ما لم يتلبس بالسبب الذي يقتضي القصر، ولا يترخص إلا إذا باشر السبب الذي من أجله شرعت هذه الرخص، فالمرء في بيته لا يسمى مسافراً، المرء في بلده لا يسمى مسافراً، إذاً لا يجوز له أن يترخص، ومن ضمن البلد المطارات، فلا يجوز له أن يترخص وهو في مطار البلد؛ لأنه تابع للبلد، ولا يفارق البلد إلا إذا فارق المطار، فإذا طارت الطائرة من مطار الرياض قيل: غادرنا الرياض، والمغادرة لها صالات معروفة، وإذا وقعت الطائرة في مطار الرياض قيل: وصلنا الرياض، فالمطار من الرياض لا يجوز لأهل الرياض أن يترخصوا فيه، وهو من عامر البلد لا يجوز لهم أن يترخصوا فيه بحال، لم يتلبسوا بالسفر، نعم إذا غادروا المطار تلبسوا بالوصف، فجاز لهم الترخص.
أقول: ذهب بعض السلف إلى أنه إذا أراد السفر قصر ولو في بيته استناداً إلى حديث أنس وأنه أفطر وهو في بيته، لكن الحديث لا يسلم من مقال، والنصوص علقت الرخص على وصف إذا وجد هذا الوصف ثبتت هذه الرخص، ما وجد الوصف ما تثبت الرخص.

(23/33)


"قال مالك: ولا يقصر الذي يريد السفر في الصلاة حتى يخرج من بيوت القرية، ولا يتم حتى يدخل أول بيوت القرية أو يقارب ذلك" الإمام مالك كما ترون أكثر من ذكر أقوال الصحابة في مسافة القصر، أكثر من ذكر أقوال الصحابة في ذكر المسافة التي تقصر فيها الصلاة، وركز -رحمه الله- على قضية أربعة برد رددها مراراً فدل على أن هذا رأيه، ولو صح عنده في المسافة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- شيء لو صح في تحديد المسافة عنده عن النبي -عليه الصلاة والسلام- شيء لما تركه، فدل على أنه لم يثبت عنده شيء مرفوع في مسافة القصر، نعم فهمهم من نهي المرأة عن أن تسافر مسيرة ثلاثة أيام، أو مسيرة يوم وليلة أو .. ، على كل حال جمهور الصحابة على هذا، على التحديد بأربعة برد، وكونه ينهض أقوال الصحابة هذه تنهض للإلزام بالأربعة البرد لا تنهض، لا تنهض للإلزام بهذا، وعلى كل حال جمهور أهل العلم على التحديد، ويرون أن فيه احتياطاً للصلاة، وأكثر من يرى التحديد بما فيهم الأئمة الثلاثة التحديد بأربعة برد يعني ثمانين كيلاً، فهذا هو قول الجمهور، يبقى قول البخاري يوم وليلة أربعين، وقول الإمام أبي حنيفة ثلاثة أيام مائة وعشرين، لكن الأئمة الثلاثة على أنه أربعة برد، يعني ثمانين كيلاً.
والأصل ما يطلق عليه السفر مطلق في النصوص، فينبغي أن يفسر بالنصوص إن وجدت وإلا فبلغة العرب؛ لأن النصوص جاءت بلغة العرب، والنصوص جاءت مطلقة، ولذا يقول جمعٌ من أهل التحقيق: إنه يجمع ويقصر ويفطر ويترخص في كل ما يطلق عليه سفر لغةً، وهكذا الشأن في مدة الإقامة في مكانٍ واحد على ما سيأتي، ويقول بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية، ويرجحه بعض أهل العلم.

(23/34)


وكان الشيخ ابن باز -رحمه الله- يفتي به، يفتي بالإطلاق في مسألة المسافة، وفي مسألة الإقامة، مدة الإقامة، ثم رأى أن المصلحة في اعتماد قول الجمهور؛ لأنه أبرأ للذمة وأحوط للصلاة ((دع ما يريبك إلا ما لا يريبك)) يعني هذا بيقين أنك مسافر، وهو قول جمهور أهل العلم، ويرى الشيخ أنه أحوط للصلاة، وأبرأ للذمة فتخرج من عهدة هذا الواجب بيقين، أما لو تُركت المسافة وتركت المدة لتقدير الناس الناس لا يستطيعون التقدير، والقول بإطلاق السفر كما جاء في النصوص وترك ذلك لتقدير الناس لا شك أنه أوقع في محظورات، ولا يمكن تحديده، ولو أمكن تحديده بشيء يضبطه لما ترك الخلاف إلى وقتنا هذا لم يحسم، عامة أهل العلم على التحديد في المسافة وفي المدة، والنصوص جاءت مطلقة، والصحابة حددوا، والجمهور حددوا من باب الاحتياط للعبادة لهذه الشعيرة العظيمة للصيام للصلاة لهذه الشعائر التي هي أركان الإسلام، والقول بالإطلاق والفتوى به لا شك أنه أوقع في محظورات، فتجد الطالب يسافر السنين، ويبقى يترخص خمس ست عشر سنين يترخص مسافر النصوص مطلقة، وأنا مسافر، وسوف أرجع إلى بلدي، وأيضاً لو خرج ميل أو ميلين أو ثلاثة برز عن البلد يقول: مسافر ترخص، ولا شك أن مثل هذا يفتح باب للمتلاعبين، وهذا هو الذي جعل الشيخ -رحمه الله- يرجع عن قول شيخ الإسلام إلى قول الجمهور.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو يريد أن يطبق ما أثره عن النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحج والعمرة والقصر بذي الحليفة، هذا من تمام اقتدائه، وإلا يخرج قوله ما. . . . . . . . . ما يوجد قيد.
لو قلنا بهذا الإشكال أن الأمور تضيع، هم عندهم مسافات محددة في أوقات معينة ومنضبطة، وإلا فأهل العلم يقولون: لو قطع هذه المسافة بساعة له أن يترخص، يعني هذا موجود في كتب الفقهاء، المسألة افتراضية في زمنهم، لا يمكن أن تقطع في ساعة، لكن الآن وقعت تقطع في ساعة، بل أقل من ساعة، هو لو قلنا: إن يومين قاصدين أربعة برد ثمانين كيلاً فاليوم الواحد نصف، وإذا قلنا: اليوم أربعين كيلو واليومين ثمانين والثلاثة على مذهب أبي حنيفة مائة وعشرين.

(23/35)


أسئلة مهمة يعني حول الموضوع يقول: هل مسافة القصر تحسب من المنزل أم من أطراف المدينة؟
لا، هي من أطراف المدينة تحسب.
وهذا يقول: هل يستحب في السفر تخفيف الصلاة أو تقصير الصلاة؟
النبي -عليه الصلاة والسلام- قرأ في السفر سورة الزلزلة في الركعتين، وعلى كل حال إذا .. ، المسألة تتبع النشاط إذا كان الإنسان متعب ويواجه مشقة لا بأس أن يخفف، والله المستعان.
يقول: أعمل بعيداً عن مكان سكني مائة وعشرة كيلو هل يجوز جمع وقصر صلاتي الظهر والعصر بوقت الظهر؟
نعم المسافة كافية مائة وعشرة كيلو.
هل صحيح أن الذهاب إلى البدو بعد السكن في الحضر من الكبائر أم أن هذا خاص بالمهاجرين؟
التبدي الذي يترتب عليه ترك الواجبات كالجمع والجماعات لا يجوز، اللهم إلا في أوقات الفتن التي يخشى فيها الإنسان على نفسه، فيوشك أن يكون غير مال المسلم غنم يتبع بها شعف الجبال.
هذا سؤال يقول: بعض طلاب العلم يتناقلون أشرطة فيديو وسيديهات بما تسمى بالجهادية -إيش معنى جهادية؟ - يحتفظون بها، وفيها ما أخرجه أصحاب بعض أصحاب التفجير، وكفروا فيها ... كلام يقوله؟
المقصود أن اعتقاد مثل هذا العمل جهاد هذا ضلال، وفهم خاطئ لنصوص الكتاب والسنة، يعني الإفساد في الأرض يسمى جهاد، هذا إفساد وليس بجهاد، الجهاد شعيرة من شعائر الدين، معلومة في الدين لا يستطيع أحد أن يوقفها فهي ماضية إلى قيام الساعة، لكن ليس هذا هو الجهاد.
نعم، سم.
"باب: صلاة المسافر ما لم يجمع مكثاً:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: أصلي صلاة المسافر ما لم أجمع مكثاً، وإن حبسني ذلك اثنتي عشرة ليلة.
وحدثني عن مالك عن نافع أن ابن عمر -رضي الله عنهما- أقام بمكة عشر ليالٍ يقصر الصلاة إلا أن يصليها مع الإمام فيصليها بصلاته.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: صلاة المسافر ما لم يجمع .. " يجمع: أي يعزم على المكث والإقامة.

(23/36)


قال: "حدثني يحيى عن مالك .. " يعني صلاة المسافر ما دام مسافراً ما لم يجمع يعزم على الإقامة في مكانٍ معين مدة حددها الجمهور بأربعة أيام، يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يقول: أصلي صلاة المسافر ما لم أجمع مكثاً" يعني ما لم أعزم على الإقامة "وإن حبسني -منعني ذلك- اثنتي عشرة ليلة" لأن حكم السفر لم ينقطع بل أكثر، وبقي ابن عمر ستة أشهر يترخص؛ لأنه حبسه الثلج، فإذا لم يعزم على الإقامة في هذا المكان أربعة أيام فأكثر فإن له أن يترخص إذا كان لا يدري متى يخرج؟ له أن يترخص، ولو أقام في مكان من غير طوعه ولا اختياره كما حصل لابن عمر لما حبسه الثلج له أن يترخص، الإشكال فيما إذا لو عزم على المقام في مكانٍ بطوعه واختياره مدة أربعة أيام فأكثر فإنه حينئذٍ لا يترخص في قول الأكثر.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن ابن عمر أقام بمكة عشر ليالٍ يقصر الصلاة إلا أن يصليها مع الإمام فيصليها بصلاته" تامة، أقام بمكة عشر ليال يقصر الصلاة، إقامته بمكة محددة بعشرين صلاة فقط، يقول الشيخ ابن باز -رحمه الله- في تعليقه على فتح الباري: المحفوظ أنه -صلى الله عليه وسلم- صلى بمكة قبل التوجه إلى منى عشرين صلاةً فقط، أولها ظهر اليوم الرابع وآخرها فجر اليوم الثامن، وأما فجر اليوم الرابع فمختلفٌ فيه، فأهل العلم أخذوا من هذه العشرين الصلاة التي أقامها النبي -عليه الصلاة والسلام- أنها حد فاصل في الفرق بين السفر والإقامة، وأن من عزم على الإقامة بمكة أربعة .. ، بأي مكان في مكانٍ ما أربعة أيام فأكثر أنه لا يترخص، ومن أقوى أدلتهم إذنه -صلى الله عليه وسلم- للمهاجرين بالإقامة بعد تمام نسكهم ثلاثة أيام، مع أنه لا يجوز للمهاجر أن يقوم في البلد الذي هاجر منه، فإذنه ثلاثة أيام يدل على جواز المكث ثلاثة أيام، وأن حكم الثلاثة الأيام تختلف عن الأربعة فدل على أن الأربعة ممنوعة بالنسبة للمهاجر، مع أنه ممنوع من الإقامة إذاً الأربعة إيش؟ إقامة.

(23/37)


"أقام بمكة عشر ليالٍ يقصر الصلاة إلا أن يصليها مع الإمام" أن ابن عمر أقام بمكة عشر ليال يقصر الصلاة؛ لأنه لم ينوِ إقامة، لماذا؟ لأنه لو نوى الإقامة دخل في الممنوع؟ لأنه لا يجوز له أن يقيم في البلد الذي هاجر منه أكثر من ثلاث "إلا أن يصليها مع الإمام فيصليها" تامة بصلاة الإمام؛ لأن المسافر إذا ائتم بمقيم لزمه الإتمام، إذا ائتم المسافر بمقيم لزمه الإتمام، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(23/38)


الموطأ – كتاب قصر الصلاة في السفر (2)
شرح: باب: صلاة الإمام إذا أجمع مكثاً، وباب: صلاة المسافر إذا كان إماماً أو كان وراء إمام، وباب: صلاة النافلة في السفر بالنهار والليل والصلاة على الدابة، وباب: صلاة الضحى، وباب: جامع سبحة الضحى، وباب: التشديد في أن يمر أحدٌ بين يدي المصلي
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
نعم، سم.
"باب: صلاة الإمام إذا أجمع مكثاً:
حدثني يحيى عن مالك عن عطاء الخرساني أنه سمع سعيد بن المسيب قال: "من أجمع إقامة أربع ليال وهو مسافر أتم الصلاة" قال مالك: "وذلك أحب ما سمعت إلي" وسئل مالك عن صلاة الأسير، فقال: "مثل صلاة المقيم إلا أن يكون مسافراً".
يقول: "باب: صلاة الإمام إذا أجمع مكثاً" أي عزم على المكث، إذا أجمع مكثاً، وهناك الترجمة التي قبلها: "ما لم يجمع مكثاً" فهذه الترجمة تؤكد مفهوم الترجمة السابقة.
قوله: "حدثني يحيى عن مالك عن عطاء -بن أبي مسلم- الخرساني" وثقه ابن معين، وتكلم بل أدخله الإمام البخاري في الضعفاء، خرّج له الإمام مسلم، على كل حال فيه كلام، لكنه أقل ما يقال فيه: إنه صدوق "أنه سمع سعيد بن المسيب قال: "من أجمع إقامة أربع ليالٍ وهو مسافر أتم الصلاة" لأن من أجمع يعني عزم ونوى على الإقامة أربع ليالٍ وهو مسافر أتم الصلاة؛ لأن ذلك قطع حكم السفر.
"قال مالك: "وذلك أحب ما سمعت إلي" من الخلاف في ذلك، وبهذا قال الشافعي وأحمد، يعني أربع ليالي هو قول مالك، أحب إلي يعني قوله واختياره، وهو أيضاً قول الشافعي وأحمد ودود وجماعة، وحجتهم حديث: ((يمكث المهاجر بعد قضاء نسكه بمكة ثلاثاً)) ومعلومٌ أن مكة لا يجوز لمهاجرٍ أن يتخذها دار إقامة فدل على أن ما زاد على الثلاثة كالأربع تسمى إقامة.

(24/1)


وقال الثوري وأبو حنيفة: إذا نوى إقامة خمسة عشر يوماً أتم الصلاة ودونها يقصر، على كل حال التحديد بمدة هو قول الأئمة الأربعة التحديد بالمدة، وهو قولٌ أيضاً التحديد بالمسافة، الخلاف في المسافة تقدم، الثلاثة يرون أربعة برد، أبو حنيفة يرى ثلاثة أيام يعني ستة برد.
بالنسبة للإقامة الأربعة على التحديد، الثلاثة على أربعة أيام، وأبو حنيفة يرى خمسة عشر يوماً، وعلى كل حال التحديد هو قول الأئمة الأربعة سواءً في المسافة وفي المدة، والقول بالإطلاق كما هو مقتضى النصوص هو الأصل، لكن يبقى أنه وإن كان هو الأصل إلا أن عمل السلف على خلافه، فدل على أنهم فهموا من هذا الإطلاق أن مراد الشارع هذا التقييد، وذلكم باللوازم التي ترتبت على الإطلاق.
"وسئل مالك عن صلاة الأسير، فقال: مثل صلاة المقيم" يعني يتم، يعني إذا كان في بلده، إذا كان في بلد وهو أسير "مثل صلاة المقيم إلا أن يكون مسافراً" هو أسير وماكث، لكنه من غير طوعه ولا اختياره، فهل يمكن أن يكون أسيراً وهو في بلده؟ يصير أسير وهو في بلده؟ يعني أسروه في بلده، وحينئذٍ يصلي صلاة مقيم، إذا كان مسافر يعني أسر في غير بلده وإن زادت المدة على أربعة أيام فإنه يصلي صلاة مسافر فيقصر؛ لأن إقامته ليست باختياره، وقل مثل هذا فيمن صار عليه حادث مثلاً في بلدٍ ما وسجن، ارتكب مخالفة وسجن شهر شهرين ثلاثة لا يزال مسافراً؛ لأن إقامته من غير عزمٍ منه، ولا من طوعه ولا من اختياره، وحينئذٍ له أن يترخص.

(24/2)


الآن الآثار التي ساقها الإمام مالك عن الصحابة وعند غيره أضعاف ما ذكره الإمام مالك من تقدير المسافة بأربعة برد دل على أن المسافة بهذا التقدير معتبر عند أهل العلم عند السلف على وجه الخصوص، وهي أربعة برد، والأربعة برد معروفة هي ثمانين كيلو، فدل على أن المسافة تحديدها بالكليوات أو بالبرد أو بالأميال أو بالفراسخ معروف عندهم، وإن كان جاء بعض النصوص تقديرها بالمدة باليوم والليلة والثلاثة أيام وباليومين؛ لأن هذه أمور منضبطة عندهم، فاليوم والليلة مسافة ما يقطع في يوم وليلة عندهم منضبط في يومين منضبط وهم يحددون بهذا، بين مكة وجدة يومان، بين مكة والطائف يومين، بين مكة وعسفان يومين، بين مكة و .. إلى آخره، هم يحددون بين مكة وذي الحليفة عشر مراحل، يعني عشر ليال منضبطة عندهم، نعم، سم.
"باب: صلاة المسافر إذا كان إماماً أو كان وراء إمام:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه -رضي الله عنه- أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا قدم مكة صلى بهم ركعتين، ثم يقول: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر.
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- مثل ذلك.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعاً فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن صفوان أنه قال: جاء عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يعود عبد الله بن صفوان فصلى لنا ركعتين ثم انصرف فقمنا فأتممنا.

(24/3)


يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: صلاة المسافر إذا كان إماماً أو كان وراء إمام" يريد -رحمه الله تعالى- أن يقرر أن العبرة بالإمام، فإن كان مسافراً صلى قصراً، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- لما صلى بمكة وقال: ((أتموا)) واقتدى به عمر -رضي الله عنه-، كما في الخبر الذي ساقه الإمام مالك، هذا بالنسبة للإمام لا يلزمه الإتمام إذا أمَّ مقيمين، لكن إذا كان وراء إمام المسافر وراء إمام فإن كان الإمام مسافراً فلا إشكال يقصر الصلاة كلٌ من الإمام والمأموم، لكن إذا كان الإمام مقيم والمأموم مسافر فمن ائتم بمقيم فإنه يلزمه الإتمام، وقد أورد الإمام مالك ما يدل على الشقين، إن ائتم بمقيم لزمه الإتمام هذا قول عامة أهل العلم، إن ائتم المسافر بمقيم لزمه الإتمام.
لكن هل الملاحظ في وصف الإمام شخص الإمام أو صلاة الإمام؟ هل الملاحظ صلاته أو شخصه؟ زيد مقيم من الناس وهو إمام دخل مسافر ليصلي العشاء وهذا الإمام المقيم في صلاة الترويح يصلي ركعتين، نقول: يا مسافر أنت ائتممت بمقيم يلزمك الإتمام؟ أو دخل هذا المسافر وراء زيد وهو يصلي العشاء أربع ركعات نقول: يلزمك الإتمام لأنك صليت خلف مقيم، هذه ما فيه إشكالية ائتم بمقيم لزمه الإتمام، لكن هل المنظور وصف الإمام الشخصي أو وصفه الحكمي المرتبط بالصلاة؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الثاني، وعلى هذا لو دخل مسافر وصلى خلف مقيم يصلي التراويح صلى العشاء ركعتين يلزمه الإتمام وإلا ما يلزمه؟ ما يلزمه، لكن لو صلى خلفه العشاء يصليها أربع ركعات يلزمه يأتي بركعتين، إن ائتم بمقيم لزمه الإتمام.
لكن من الصور النادرة أن يأتي شخص مسافر ويؤم مقيمين، مسافر يؤم مقيمين، ويدخل مسافر ولا يدري هل الإمام مسافر أو مقيم فيصلي خلف هذا، أدرك ركعة الإمام صلى ركعتين وسلم، وهذا أدرك ركعة من هاتين الركعتين وقام الناس يقضون وعلى اعتبار أن هذا الإمام مقيم يصلي كم ركعة هذا المسافر؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .

(24/4)


لا، هذا ظهر وإلا عصر، بناءً على أن المكان مكان إقامة، الغالب أن الإمام مقيم، يعني في مسجد في داخل أحياء مكة، جاء شاب من الشباب وتقدم وصلى بهم ركعتين -هذا حاصل- فلما سلم قال: أتموا فإنا قومٌ سفر، وليست له أي صفة تميزه بين هؤلاء المأمومين، فقاموا بدءً من المؤذن إلى آخر واحد في المسجد يتمون، وواحد من المسافرين لحق بهم وصلى معهم أربع ركعات والإمام مسافر مثله، مثل هذه التصرفات لا شك أنها توقع المصلين في حرج، المسجد كله عشرة صفوف يقضون للصلاة؟!
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذه حصلت في مسجد داخل مكة، وشاب ليست له أي صفة تميزه، وإلا الرسول -عليه الصلاة والسلام- صلى بمكة وقال: أتموا، عمر -رضي الله عنه- كما هنا صلى وقال: أتموا، إذا كانت له صفة تميزه لا بأس، لكن إذا لم يكن له صفة تميزه فكيف يجعل الناس كلهم في حكم المسبوقين؟!
هنا يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه أن -أباه- عمر بن الخطاب كان إذا قدم مكة صلى بهم إماماً" لأنه هو الخليفة وهو السلطان وهذا سلطانه، صلى بهم ركعتين "ثم يقول: يا أهل مكة أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر" سَفر بفتح فسكون جمع سافر كركب جمع راكب، عمر -رضي الله عنه- امتثل فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-، قال عمران بن الحصين: "شهدتُ مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الفتح فأقام مكة لا يصلي إلا ركعتين ثم يقول لأهل مكة: ((صلوا أربعاً فإنا قومٌ سفر)) فالإمام لا يلزم بالإتمام إذا أمَّ المقيمين، لكن المسافر إذا ائتم بمقيم لزمه الإتمام.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب مثل ذلك" فله طريقان كلٌ منهما صحيح.

(24/5)


"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يصلي وراء الإمام بمنى أربعاً" يصلي أربع؛ لأن الإمام متم، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقصر الصلاة بمنى وجرى على هذا أبو بكر ثم عمر وعثمان في أول أيامه ثم أتم، وتأول -رضي الله عنه- فصار الصحابة معه يتمون، ابن عمر يتم ابن مسعود يتم فيتمون لوجوب متابعة الإمام، وترك الخلاف له، وإن اعتقد أن القصر أفضل، ولذا يقول ابن مسعود: ليت حظي من أربع ركعات ركعتان متقبلتان "فإذا صلى لنفسه صلى ركعتين" يعني على أصل لأنه مسافر.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن صفوان -بن عبد الله بن صفوان بن أمية القرشي- أنه قال: جاء عبد الله بن عمر يعود عبد الله بن صفوان" جاء عبد الله بن عمر يعود عبد الله بن صفوان بن أمية "فصلى -ابن عمر- لنا" يعني صلى بنا ركعتين لأنه مسافر "ثم انصرف" يعني سلم من الصلاة "فقمنا فأتممنا" لأن المقيم يلزمه إتمام الصلاة ولو صلى خلف من يقصرها، فصلى بهم وهو مسافر ركعتين وهم مقيمون، وحينئذٍ إذا سلم يقومون لإتمام الصلاة.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، يعود عبد الله بن صفوان، ابن عمر من أين جاء؟ جاء عبد الله بن عمر يعود عبد الله بن صفوان، عبد الله بن صفوان معروف أنه بمكة، وابن عمر جاء من المدينة فجاء يعوده، عبد الله بن صفوان كان مع عبد الله بن الزبير وقتل معه وهو متعلقٌ بأستار الكعبة، وعبد الله بن عمر جاء يعوده فهو مسافر، وعبد الله بن صفوان مقيم بمكة.
طالب:. . . . . . . . .
يعني شخص مقيم لزمه صلاة نسيها، نسي صلاة ظهر وهو مقيم، ثم تذكرها حال السفر أو العكس، أهل العلم يرجحون أن تصلى صلاة مقيم لأنه أحوط.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الصلاة صلاة مقيم؛ لأنها لزمته في حال الإقامة، نعم.
"باب: صلاة النافلة في السفر بالنهار والليل والصلاة على الدابة:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه لم يكن يصلي مع صلاة الفريضة في السفر شيئاً قبلها ولا بعدها إلا من جوف الليل، فإنه كان يصلي على الأرض وعلى راحلته حيث توجهت.

(24/6)


وحدثني عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن كانوا يتنفلون في السفر، قال يحيى: وسئل مالك عن النافلة في السفر فقال: لا بأس بذلك بالليل والنهار، وقد بلغني أن بعض أهل العلم كان يفعل ذلك.
وحدثني عن مالك قال: بلغني عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يرى ابنه عبيد الله بن عبد الله يتنفل في السفر فلا ينكر عليه.
وحدثني عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه قال: رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو على حمار، وهو متوجه إلى خيبر.
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي على راحلته في السفر حيث توجهت به، قال عبد الله بن دينار: وكان عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يفعل ذلك.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: رأيت أنس بن مالك -رضي الله عنه- في السفر وهو يصلي على حمار، وهو متوجه إلى غير القبلة يركع ويسجد إيماءً من غير أن يضع وجهه على شيء.
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: صلاة النافلة في السفر بالنهار والليل والصلاة على الدابة"

(24/7)


"حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه لم يكن يصلي مع صلاة الفريضة في السفر شيئاً قبلها ولا بعدها" والنفي هذا يتناول الرواتب كما أنه يتناول النفل المطلق "لم يكن يصلي مع صلاة الفريضة في السفر شيئاً لا قبلها ولا بعدها" وهذا يشمل الرواتب ويشمل المطلق، ويشمل أيضاً ما جاء فضله بخصوصه كأربع ركعات قبل العصر، أربع ركعات قبل العصر "إلا من جوف الليل" فقيام الليل النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يترك الوتر ولا ركعتي الصبح سفراً ولا حضراً، وما عدا ذلك فلم يحفظ عنه أنه كان يتنفل إلا ما ذكرته أم هانئ، يعني في البخاري عن أم هانئ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى في بيته يوم الفتح ثمان ركعات، والعلماء يختلفون هل هذه تسمى صلاة الفتح أو تسمى سبحة الضحى؟ وثبت أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى السبحة بالليل في السفر على ظهر راحلته حيث توجهت به، فقيام الليل له شأن ينبغي ألا يترك سفراً ولا حضراً، الرواتب هي التي أثر عن كثير من السلف تركها كما قال ابن عمر -رضي الله عنهما-: "لو كنتُ مسبحاً لأتممت" وحفظ عنه أنه كان لا يصلي مع صلاة الفريضة شيئاً إلا ما كان في جوف الليل.
في البخاري عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال: "صحبت النبي -صلى الله عليه وسلم- فلم أره يسبح في السفر، وقال الله -جل ذكره-: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [(21) سورة الأحزاب] " وعلى هذا الأولى ترك التنفل في السفر لا سيما الرواتب، والسبب في ذلك أن المسافر يكتب له ما كان يعمله في إقامته كما أن المريض يكتب له ما كان يعمله في صحته، فإذا كان الله -جل وعلا- رخص للمسافر وخفف عنه صلاة الفريضة من أربع إلى ركعتين، وهذه رخصة يحب الله -جل وعلا- أن تؤتى، فلأن يترك التطوع في السفر من باب أولى، ولذا يقول ابن عمر: "لو كنتُ مسبحاً لأتممت" يعني لو كنت متنفلاً بشيء من النوافل لصليت الفريضة كاملة، الفريضة أولى بالمحافظة من النافلة.

(24/8)


يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وأبا بكر بن عبد الرحمن كانوا يتنفلون في السفر" الثلاثة كلهم من الفقهاء السبعة، وكانوا يتنفلون في السفر "قال يحيى: وسئل مالك عن النافلة في السفر فقال: لا بأس بذلك بالليل والنهار، وقد بلغني أن بعض أهل العلم كان يفعل ذلك" يعني ليس ترك النافلة في السفر من باب العزيمة ومن باب اللازم، بمعنى أن من فعل هذه النوافل يأثم، لا، النصوص العامة تشمل الإكثار من النوافل ((أعني على نفسك بكثرة السجود)) لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- من باب التخفيف والتيسير في السفر الذي الأصل فيه المشقة كان لا يتنفل في السفر.
"وحدثني عن مالك قال: بلغني عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يرى ابنه عبيد الله بن عبد الله يتنفل في السفر فلا ينكر عليه" وعلى هذا الأمر فيه سعة، والنوافل المطلقة ينبغي أن يحرص عليها، ولا سيما قيام الليل، وأما الوتر وركعتي الصبح فالنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يلازمها حضراً وسفراً.
بعضهم يفهم من قول ابن عمر: "لو كنتُ مسبحاً لأتممت" أن من يصلي الصلاة كاملة في السفر لأن الإتمام مع التسبيح مع النافلة فإذا كان يصلي خلف مقيم في السفر فالمطلوب منه أن يتنفل، ما كان يفعله مقيم لأنه يصلي صلاة مقيم إذاً يفعل ما كان يفعله مقيماً فيأتي بالرواتب، لكن كلام ابن عمر ما يفهم منه ذلك، لا يفهم منه ذلك، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
أيوه؟ بلغني عن نافع؟ أيوه؟ آخر خبر؟ وعن مالك قال: بلغني عن نافع؟ إيه وين مكانه؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني بلغني أن عبد الله بن عمر كان يرى ابنه عبيد الله بن عبد الله؟ على كل حال الذي قبله: "وسئل مالك عن النافلة في السفر قال: لا بأس، قد بلغني أن بعض أهل العلم كان يفعل ذلك" يغني عن هذا، بلغني أن عبد الله بن عمر.
طالب:. . . . . . . . .
إذاً قال: عن نافع أن عبد الله بن عمر مباشرة؟ هل المقصود حذف بلغني أو حذف عن نافع؟ الآن أعد الكلام من جديد.
طالب:. . . . . . . . .
إيه كلمة نافع.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ببلغني لكن بدون عن نافع، على كل حال الخبر لسنا بحاجة إليه؛ لأن ما قبله يغني عنه.

(24/9)


طالب:. . . . . . . . .
الرخصة: ما ثبت على خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، والعزيمة: ما ثبت على وفق دليل شرعي، مع أن الرخصة لا بد لها من دليل شرعي، لكن هذا الدليل معارض لدليل أو لقاعدةٍ مستقرة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وحدثني عن مالك عن عمرو بن يحيى المازني عن أبي الحباب سعيد بن يسار عن عبد الله بن عمر أنه قال: رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو على حمار، وهو متوجه إلى خيبر" الحديث في صحيح مسلم، لكن قال الدارقطني وغيره: هذا غلط، وهمٌ من عمرو بن يحيى المازني، قالوا: وإنما المعروف في صلاة النبي -صلى الله عليه وسلم- على الراحلة على البعير، والصواب أن الصلاة على الحمار من فعل أنس، كما ذكر ذلك البخاري ومسلم، وسيأتي في هذا الباب "يصلي على حمار أنس"، "رأيتُ أنس بن مالك في السفر يصلي على حمار وهو متوجه إلى غير القبلة" النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي على راحلته في السفر، وهذا سيأتي أيضاً وهو في الصحيحين، والثابت في الصحيحين وغيرهما أن الذي يصلي على الحمار هو أنس بن مالك -رضي الله عنه-.
"رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو على حمار وهو متوجهٌ إلى خيبر" وهو ثابتٌ عن أنس، وثبوته عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أعني الصلاة على الحمار في هذا الحديث وهو في صحيح مسلم، فالذي يرى صيانة الصحيح يقول: ما دام ثبت في صحيح مسلم فليس لأحد كلام لا للدارقطني ولا لغيره، والذي لا يرى مانع من أن يقع الوهم حتى من رواة الصحيح يحكم على هذا بأنه غلط، وهم ليسوا بمعصومين، لكن إذا أمكن حمل رواية الصحيح على وجهٍ يصح فهو الأولى.

(24/10)


وعلى كل حال هما مسلكان عند أهل العلم، منهم من يرى صيانة الصحيح عن مثل هذا الكلام، وأن جميع ما في الصحيحين صحيح، ومنهم من يرى أنه يحكم للراجح، ويحكم على المرجوح بالوهم ولو كان في الصحيح، وهنا لا يوجد ما يعارض، لا يوجد رواية تخالف هذه الرواية، يعني لم ينفِ أحدٌ من الصحابة كونه يصلي -عليه الصلاة والسلام- وهو على حمار، حتى ولو قدر بل إن وجد من ينفي قيل: هذا على حسب علمه، والمثبت مقدم على النافي، فمثل هذا الموضع الذي يحصل فيه الخلاف بين صاحبي الصحيح ومن ينتقد أحاديث الصحيح كالدارقطني الغالب أن الإصابة مع الشيخين الغالب، فإذا أمكن حمل ما في الصحيح مما حكم عليه الدارقطني أو غيره بأنه خطأ على وجهٍ يصح فلا مناص من القول به، وهنا يمكن ولا معارض ومثل ما ذكرت هما مسلكان لأهل العلم منهم من يحمل جميع ما جاء في الصحيح على أنه هو الصواب وما عداه هو الوهم، ومنهم من لا يرى مانع من القول بأنه قد يقع في الصحيح من الخطأ، ولذا استثنى ابن الصلاح من القطع بصحة ما أخرجه الشيخان قال: سوى أحرف يسيرة تكلم فيها بعض الحفاظ.
في مثل صلاة الكسوف في الصحيحين أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاها ركعتين في كل ركعة ركوعان، وفي صحيح مسلم ثلاثة ركوعات وأربعة، وفي غيره خمسة ركوعات، والحادثة لم تقع إلا مرة واحدة مما يتفق عليه أهل السير، فالذي يرى صيانة الصحيح يقول: ويش المانع أن يكون الكسوف وقع أكثر من مرة؟ والذي يرى الترجيح يحكم لما في الصحيحين بأنه الراجح وما عداه مرجوح، ولا مانع من أن يقع الراوي يقع من الراوي الحافظ الضابط المتقن الوهم.

(24/11)


في الصحيحين من حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله: ((ورجلٌ تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه)) هذا على الجادة لأن الإنفاق باليمين، في صحيح مسلم: ((حتى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله)) قالوا: هذا قلب، والمقلوب معروف أنه خطأ، والذي يرى صيانة الصحيح يقول: لا مانع من أن تصحح هذه الرواية، كيف تصحح هذه الرواية؟ نقول: يمكن أن تصحح، وأن الرجل المخلص المكثر من الإنفاق قد يحتاج أحياناً أن ينفق بيمينه وهذا هو الكثير الغالب، وقد يحتاج أن ينفق بشماله هذا لا يمنع.
وثبت في الصحيح أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لو كان عنده مثل أحد ذهب ما يسره أن تأتي عليه ثالثة يعني ليلةٍ ثالثة وعنده منه شيء إلا دينار يرصده لدين إلا أن يقول به هكذا وهكذا وهكذا وهكذا، عن يمينه وعن شماله ومن أمامه ومن خلفه -عليه الصلاة والسلام-، فيمكن تصحيحها بهذه الطريقة.
وقد تصدى الشراح لرد هذه الانتقادات وجاءوا بأوجه وكلٌ على حسب ما يسر له، وما فُتح عليه به، وبعض الأوجه الرد فيها واضح صريح، والإصابة مع الشيخين، وبعضها لا يسلم من تكلف، لكن صيانة الصحيحين أمرٌ لا بد منه؛ لأن الأمة تلقتهما بالقبول، ولذا جزم غير واحد من أهل العلم بأنه لو حلف شخصٌ بالطلاق أن جميع ما في الصحيحين صحيح لما حنث.
على كل حال إذا ثبتت هذه الرواية في صحيح مسلم لا كلام لأحد، لا الدارقطني ولا غيره، نعم إذا وجدت مصادمة صريحة لا يمكن المحيد من القول بالوهم على الراوي ما في مانع ليس بمعصوم، لكن لا نفتح ونتوسع في هذا الباب توسع يجعل صغار المتعلمين يتطاولون على الصحيح، بل لا بد من صيانة الصحيحين.
الصلاة على الدابة سواءً كانت بعير –راحلة- أو حمار أو فرس أو سيارة خاصٌ بالنافلة، لما في البخاري وغيره من حديث عامر بن ربيعة بن عمر وجابر بن عبد الله وغيرهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان لا يفعل ذلك في المكتوبة، قال ابن البطال: أجمع العلماء على اشتراط ذلك، وأنه لا يجوز لأحدٍ أن يصلي الفريضة على الدابة من غير عذرٍ حاشا ما ذكر في صلاة شدة الخوف، فالصلاة على الراحلة خاص بالنافلة دون الفريضة.

(24/12)


يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي على راحلته في السفر حيث توجهت به" استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة شرطٌ لصحة الصلاة استقبال القبلة، لكن في هذا دليلٌ على عدم الاشتراط استقبال القبلة حينئذٍ مع التيسير على هذا الوجه في النافلة كما أنها صححت النافلة من قعود مع أن القيام في الفريضة ركن من أركانها مع القدرة، حيث توجهت به {فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ} [(115) سورة البقرة] وهذا خاص بالنافلة.
"قال عبد الله بن دينار: "وكان عبد الله يفعل ذلك" يقتدي ويأتسي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-. . . . . . . . . الحديث الذي يليه.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد قال: رأيت أنس بن مالك في السفر وهو يصلي على حمار وهو متوجه إلى غير القبلة يركع ويسجد إيماءً" الحديث السابق ترجم عليه الإمام البخاري: "باب: الإيماء على الدابة" يعني للركوع والسجود لمن لم يتمكن من ذلك.
"إيماءً" يقول ابن دقيق العيد: الحديث يدل على الإيماء مطلقاً في الركوع والسجود معاً، والفقهاء قالوا: يكون الإيماء في السجود أخفض من الركوع، يكون الانحناء في السجود أخفض منه للركوع؛ ليكون البدل على وفق المبدل، على وفق الأصل؛ لأن السجود أشد وأقرب إلى الأرض من الركوع، يقول: وليس في الحديث ما يثبته ولا ينفيه، لكن وقع عند الترمذي من طريق أبي الزبير عن جابر بلفظ: فجئت وهو يصلي على راحلته نحو المشرق السجود أخفض من الركوع، وهو معروف أن في رواية أبي الزبير عن جابر بصيغة العنعنة من الكلام وهذا خارج الصحيح يتجه في هذا الكلام، وعلى كل حال البدل له حكم المبدل، وقول الفقهاء يكون السجود أخفض من الركوع له وجه، وتسنده هذه الرواية وإن أعلت بعنعنة أبي الزبير.
"من غير أن يضع وجهه على شيء" في السجود مثلاً هل يقال له: اجعل بين يديك شيء ترفعه إذا أردت السجود لتضع وجهك عليه؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- لما رأى الذي يسجد على الوسادة نزعه، وهل يقال لمن يصلي على السيارة: اسجد على الطبلون أو على الدركسون؟ ما يلزم، لكن تومئ إيماءً، يكون سجودك أخفض من ركوعك.

(24/13)


طالب:. . . . . . . . .
إيه ممكن مع القيام والقعود والسجود سهل، والاتجاه كل هذا ممكن، النافلة على الكرسي سهل إن أمكن نعم، إذا لم يمكن فلا، الحديث الأخير الموقوف على أنس: "رأيت أنس بن مالك في السفر يصلي على حمار" ترجم عليه الإمام البخاري: "باب: صلاة التطوع على الحمار" وفي الحديث الأول رفع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، عبد الله بن عمر قال: "رأيتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي وهو على حمار" وفي مسلم، وهنا من فعل أنس بن مالك -رضي الله عنه-، وترجم عليه البخاري: "باب: صلاة التطوع على الحمار".
يقول ابن حجر نقلاً عن ابن رشيد: مقصوده -يعني البخاري بهذه الترجمة- أنه لا يشترط في التطوع على الدابة أن تكون الدابة طاهرة الفضلات، التطوع على الدابة لا يشترط أن تكون طاهرة الفضلات، لكن هل يشترط أن تكون عينها طاهرة؟ طهارة الفضلات لا يشترط، حتى لو أن شخصاً حمل أباه أو أمه وأراد أحدهما أن يتطوع في سفر هو بمثابة الدابة هو طاهر لكن فضلاته ليست بطاهرة، فلا ينظر إلى الفضلات، لكن الإشكال في طهارة عين المركوب، يقول: مقصوده أنه لا يشترط في التطوع على الدابة أن تكون الدابة طاهرة الفضلات، وهذا عندهم عند الشافعية يشمل حتى الراحلة؛ لأن أبوال الإبل وما يؤكل لحمه عندهم نجس، فيستوي هذا مع الحمار، لكن الفرق بين الراحلة وبين الحمار الراحلة طاهرة إجماعاً عرقها وريقها، لكن الحمار مختلفٌ فيه.

(24/14)


يقول: بل الباب في المركوبات واحد بشرط ألا يمس النجاسة، الحمار مختلفٌ فيه هل هو نجس العين أو طاهر؟ لما حرمت الحُمر الأهلية وأمر بإطفاء القدور، وقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((إنها رجس)) أخذ من هذا جمعٌ من أهل العلم أن الحمار نجس العين، وتبعاً لذلك يكون لعابه وعرقه نجس، يقول ابن دقيق العيد: يؤخذ من هذا طاهرة عرق الحمار؛ لأن ملابسته مع التحرز منه متعذر لا سيما إذا طال الزمان في ركوبه واحتمل العرق، والمتجه أنه طاهر، طاهر العين وإن حرم أكله؛ لأنهم يلابسونه من غير نكير، والأمة جرت على هذا من عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى يومنا هذا، ولم يعهد على أحدٍ أنه أمر بغسل ما يصيبه من عرقه أو ما أشبه ذلك، لكن فضلاته نجسة مثل الآدمي، ولا يجوز أكله.
خص الإمام مالك الصلاة النافلة على الدابة، خص الإمام مالك صلاة النافلة على الدابة في السفر، في السفر الذي تقصر فيه الصلاة، لكن لو كان السفر دون مسافة قصر فإنه لا يصلي على الدابة، والجمهور على جواز ذلك في كل سفر، المسألة في صلاة النافلة وفي السفر، لكن السفر مطلق أي سفر، وهذا من باب التيسر، كأن السر في ذلك تيسير تحصيل النوافل على العباد وتكثيرها تعظيماً لأجورهم، ورحمةً من الله بهم، لكنه خاص بالنافلة وفي السفر أيضاً، وطرد أبو يوسف ومن وافقه التوسعة في ذلك، فجوزه في الحضر أيضاً، وقال به من الشافعية أبو سعيد الإصطخري، المسألة نافلة مبناها على التيسير، فإذا جازت في السفر جازت في الحضر عند هؤلاء، فإذا كان الإنسان في سرة في سيارة وإلا شيء وأراد أن يتنفل يجوز عند هؤلاء عند أبي يوسف وعند الإصطخري من الشافعية.
طالب:. . . . . . . . .
لا مانع من تطبيق السنة على الراحلة على السيارة إذا لم يترتب على ذلك ضرر عليه أو على غيره؛ لأنه يمكن أن يقود السيارة ويجعل ركوعه بانحناء وسجوده أخفض من ذلك وهو يرى.
طالب:. . . . . . . . .

(24/15)


نعم، يلزم على ذلك بعض المخالفات مما يقتضيه الحال من كونه يشخص رأسه أثناء الركوع لينظر أمامه، يعني لو خفض وطأطأ رأسه وما نظر إلى أمامه ترتب على ذلك الضرر عليه، وعلى كل حال النافلة مبناها على التيسير، وارتكبت فيها هذه المخالفات تجوز فيها تحصيلاً للأجر.
طالب:. . . . . . . . .
يكون متباعاً عن أنس شاهد هذا، شاهد شاهد، يعني حديث أنس جاء رفعه، لكن وقفه أرجح، وقفه في الصحيحين.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لا ما له علاقة بحديث ابن عمر هذا، يعني هو كيف؟ هذا يسمى شاهد؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، اختلاف هذا، نعم اختلاف في الوقف والرفع.
طالب:. . . . . . . . .
إيه إذا ثبت، يعني نحن ننظر في مخالفة الرفع والوقف، فإذا أثبتنا الرفع قلنا: إن هذا شاهد لحديث ابن عمر، قد يقول قائل: لماذا لا يترجح رواية الرفع ترجح رواية الرفع برواية ابن عمر؟ لا مانع من ترجيح الرفع لما يشهد له من حديث ابن عمر أبداً، بل هو فعل الصلاة على الدابة بلا شك، لكن هل هو على الحمار، على كل حال الاختلاف في رفعه ووقفه، وترجيح الرفع برواية ابن عمر وجه، وإلا هذا أصله اختلاف، ما يقال: إن هذا متابع، ما يقال: إن رواية الس. . . . . . . . . متابعة لما هنا لما في الصحيح من الموقوف، هذا اختلاف في الرفع والوقف فإذا أثبتنا الرفع قلنا: يشهد له حديث ابن عمر، ولا مانع من أن يرد الحديث مرفوعاً وموقوفاً، وأن يفعل الصحابي أو يقول قول يقفه على نفسه ويرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ينشط فيرفع ويكسل فيقف، ما في مانع.
لكن الأئمة نظرهم أبعد من هذا، إذا حكموا على رواية بالوهم فنظرهم أبعد من هذه القواعد التي نسلكها، يحكمون بقرائن شيء ما ندركها.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو إذا أمكن استقبال القبلة هو الأولى إذا أمكن، إذا أدرك الوقت وهو نازل أفضل بلا شك؛ لأن هذا أكمل، لكن لو أوتر على الدابة؛ لأنه لا يدرك الوقت يكفي، أوتر النبي -عليه الصلاة والسلام- على الدابة.
طالب:. . . . . . . . .

(24/16)


الصلاة على الراحلة؟ حاجة، الأكمل أن يصلي على الأرض، لكنها حاجة لبيان الجواز، والله الحجر على الصلاة على الراحلة في الحضر الأصل أن الراحلة مبناها على التيسير، فالقول بجوازه له وجه.
"باب: صلاة الضحى:
حدثني يحيى عن مالك عن موسى بن ميسرة عن أبي مرة مولى عقيل بن أبي طالب أن أم هانئ بنت أبي طالب -رضي الله عنها- أخبرته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى عام الفتح ثماني ركعات ملتحفاً في ثوب واحد.
وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن أبا مرة مولى عقيل بن أبي طالب أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب -رضي الله تعالى عنها- تقول: ذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب، قالت: فسلمت عليه فقال: ((من هذه؟ )) فقلتُ: أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفاً في ثوب واحد ثم انصرف، فقلت: يا رسول الله زعم ابن أمي علي أنه قاتل رجلاً أجرته فلان ابن هبيرة؟ فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ)) قالت أم هانئ: وذلك ضحى.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها، وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدع العمل وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم.
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- أنها كانت تصلي الضحى ثماني ركعات ثم تقول: لو نشر لي أبواي ما تركتهن".

(24/17)


يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: صلاة الضحى" الضحى معروف من ارتفاع الشمس إلى الزوال هذا الضحى، وهو وقت صلاة الضحى، صلاة الضحى، وسبحة الضحى، نافلة الضحى هي الصلاة التي تقع في هذا الوقت مؤداة غير مقضية، بمعنى أنه لو صلى ركعتي الصبح التي فاتته في هذا الوقت ما صارت صلاة ضحى، هذه سبحة الصبح مقضية، ولو قضى وتره الذي فاته بالليل في هذا الوقت لما أغنى ولا أجزأ عن صلاة الضحى؛ لأن العبادات المؤداة لا تدخل في المقضية، فإذا صلى في هذا الوقت من ارتفاع الشمس إلى قرب الزوال إلى دخول وقت النهي حين يقوم قائم الظهيرة فقد صلى الضحى ركعتان أربع ركعات ست ركعات ثمان ركعات كلها صلاة ضحى، والصلاة المسماة بصلاة الإشراق هي صلاة الضحى؛ لأنها واقعة في هذا الوقت، وسواءٌ ثبت الأجر المعلق على البقاء في المصلى بعد صلاة الصبح أو لم يثبت وهو المتجه أنه حسن فهذه الصلاة صلاة الضحى التي يصليها من يمكث في مصلاه حتى ترتفع الشمس.
المكث في المصلى حتى تنتشر الشمس من فعله -عليه الصلاة والسلام- ثابت في الصحيح، لكن الأجر المرتب على ذلك هو محل الخلاف، وابن القيم -رحمه الله- لما شرح حال الأبرار في طريق الهجرتين قال: يمكث في مصلاه حتى يصلي ركعتين، ولما شرح حال المقربين قال: ينتظر حتى تنتشر الشمس فإن شاء صلى وإن شاء خرج من غير صلاة، أيهما أكمل الأبرار أو المقربين؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم المقربون أكمل، لماذا يقول: هؤلاء يصلون ركعتين قبل أن يخرج من المسجد وهؤلاء إن شاءوا صلوا وإن شاءوا لم يصلوا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الأبرار قد ينشغلون بدنياهم فينسون ركعتي الضحى، وأما المقربون فعملهم كله عبادة.
طالب:. . . . . . . . .
لا شيء، صلاة الأوابين حين ترمض الفصال، إذا اشتد الحر، ومقتضى هذا أنهم يمكثون حتى ترمض الفصال، أو يصلون في هذا الوقت الذي رتب عليه الأجر ثم بعد ذلك يصلون حين ترمض الفصال، فإن صلوها مرتين أو مكثوا حتى ترمض الفصال فهو أكمل وأفضل.
طالب:. . . . . . . . .

(24/18)


لا، هو إذا أراد أن لا يجمع بين الأمرين، إذا كانت المفاضلة بين الصلاة في مكانه الذي صلى فيه لا سيما إذا كان لا يرى ثبوت الأجر المرتب على ذلك يقال له: انتظر حتى ترمض الفصال، وإذا كان ثبوت الأجر فلا كلام، وإن كان يريد البقاء إلى أن ترمض الفصال فهو أكمل، وإن كان يريد أن يصلي في هذا الوقت وحين ترمض الفصال فهو أكمل.
طالب:. . . . . . . . .
صلاة الضحى سنة فعلها النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في حديث أم هانئ، وأوصى بها أبا هريرة وأبا ذر وأبا الدرداء، أوصى بها بعض الصحابة، وقال: إنهما تجزيان عن الصدقة على كل عضو من أعضاء الإنسان ((يصبح على سلامى كل أحدٍ منكم صدقة)) وعدد السلامى كم؟ المفاصل (360) كل واحد منها يحتاج إلى صدقة، ويجزي من ذلك ركعتان تركعهما من الضحى، وأوصى بها أبا هريرة وأبا ذر وأبا الدرداء صلاة الضحى، وصلاها كما تقول أم هانئ ثماني ركعات عام الفتح، على الخلاف بين أهل العلم هل هذه الثمان تسمى صلاة الفتح أو صلاة الضحى؟ ومع هذا كله لا مجال بالقول بأن صلاة الضحى ليست مشروعة، وإن قال بذلك بعض الصحابة أو بعض السلف؛ لأنه إذا ثبت المرفوع لا كلام لأحد.
يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثني يحيى عن مالك عن موسى بن ميسرة -الديلي- عن أبي مرة -يزيد وقيل: عبد الرحمن- مولى عقيل بن أبي طالب" ويقال: مولى أمِّ هانئ "أن أم هانئ -مولاته فاختة- بنت أبي طالب -بن عبد المطلب ابنة عم النبي -عليه الصلاة والسلام- أخبرته أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى عام الفتح -بمكة سنة ثمان في رمضان- ثماني ركعات ملتحفاً في ثوب واحد" وسيأتي أن ذلك ضحىً، يعني في الحديث اللاحق: "وذلك ضحى" فالنبي -عليه الصلاة والسلام- صلى ثماني ركعات، يسلم من كل ركعتين كما سيأتي.

(24/19)


"وحدثني عن مالك عن أبي النضر -سالم بن أبي أمية- مولى عمر بن عبيد الله أن أبا مرة مولى -أم هانئ- عقيل بن أبي طالب أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول: ذهبت إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عام الفتح فوجدته يغتسل -يغتسل حال- وفاطمة ابنته تستره -حالٌ ثانٍ- بثوب" المغتسل عليه أن يستتر "قالت: فسلمت عليه" قالت: السلام عليك يا رسول الله "فقال: من هذه؟ " هذا الاستفهام هل يلزم مثل هذا الاستفهام لرد السلام؟ لا يلزم الاستفهام لرد السلام، وإنما مثل هذا السؤال من أجل التنزيل تنزيل الإنسان منزلته؛ ليجاب بما يليق به، وإلا من سلم لا مندوحة ولا مفر من أن تقول: وعليك السلام ورحمة الله، وليس لك أن تنظر في هذا الشخص هل هو موافق أو مخالف؟ لا، نعم إذا شككت في إسلامه قل: وعليك، لكن لا بد من الرد، أما إذا كان مسلم: {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى .. } [(94) سورة النساء] نعم، لا بد من الرد، البداءة بالسلام وهو سنة لك مندوحة فيما يغلب على ظنك أن هذا مسلم أو غير مسلم، أو هذا مبتدع أو غير مبتدع يمكن أن يردع ويهجر، البداءة بالسلام أمرها أخف من رد السلام، على أن البداءة بالسلام إذا كان الإنسان ظاهره الإسلام فقد جاء في الحديث: ((وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) وبعض الناس يسول، تسول له نفسه وشيطانه يقول: لا الحق لي، خله هو يبدأ، أنا أكبر منه، أنا عمه، أنا خاله، خله هو اللي يبدأ، نقول: لا، القاعدة الشرعية: ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)) مع أنه من جهة أخرى الطرف الآخر مطالب بأن يبدأك، لكن إذا لم يبادر والخيرية للبادئ ابدأ أنت ولا يضيرك؛ لأن بعض الناس لا سيما من العامة تأخذه العزة بالإثم يقول: أنا خاله، أنا عمه، أنا أكبر منه، لا، لا الحق لي، خله هو اللي يسلم، نعم الصغير يسلم على الكبير لكن إذا قصر نرجع إلى القاعدة العامة: ((خيرهما الذي يبدأ بالسلام)) فله ما يخصه من النصوص، ولك ما يخصك من النصوص.

(24/20)


"فقال: ((من هذه؟ )) فقلتُ: أم هانئ" ما قالت: أنا، جاء النهي عن ذلك، فمن سئل عن اسمه يخبر باسمه الصريح أو الكنية أو اللقب المفصح، المقصود أنه يخبر بوضوح "فقلتُ: أم هانئ بنت أبي طالب، فقال: ((مرحباً بأم هانئ)) ولم يذكر في شيء من الرواية أنه قال: وعليكِ السلام مرحباً بأمِّ هانئ، فأكثر أهل العلم يقولون: إنه رد السلام ولم ينقل للعلم به، رد السلام قال: وعليك السلام، لكنه لم ينقل للعلم به، امتثالاً للأمر {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا} [(86) سورة النساء] ومنهم من قال: إن كلمة مرحباً تغني عن رد السلام، ولم يذكر في رواية من الروايات أو في طريق من الطرق أنه رد السلام صراحة، لكن من رأى أن مرحباً لا تكفي قال: إنه رد السلام، ولم ينقل للعلم به، ويكفينا في ذلك النصوص الأخرى.
"فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات" في رواية ابن خزيمة: "يسلم من كل ركعتين"، "ملتحفاً في ثوب واحد" الصلاة في الثوب الواحد الساتر كافي يستر العورة ويستر المنكب يكفي، والصلاة في الثوبين أكمل، ولما سئل عن الصلاة في الثوبين قال: ((أو لكلكم ثوبان؟ )) لأن بعض الناس لا يجد إلا ثوب واحد، والصلاة في الثوب الواحد ويستر العورة والمنكب كاملة، بعض الصحابة كأبي هريرة وجابر صلوا في ثوب واحد والثياب على المشجب.
"ملتحفاً في ثوبٍ واحد، ثم انصرف من صلاته، فقلت: يا رسول الله زعم ابن أمي علي"، زعم ابن أمي علي، طيب، زعم ابن أمي شقيقٌ وإلا أخ لأم؟
طالب:. . . . . . . . .
ويش الدليل على هذا؟ أنها أم هانئ بنت أبي طالب وهو علي بن أبي طالب فهذا معلوم أنها أختٌ له من أبيه، وفي قولها: زعم ابن أمي هي أختٌ له من أمه فهو شقيقٌ لها "أنه قاتلٌ رجلاً" إعراب رجلاً؟
طالب:. . . . . . . . .
لأي شيء؟ لاسم الفاعل، مفعول به لاسم الفاعل، يجوز أن نقول: إنه قاتلُ رجلٍ يجوز؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم قاتلُ رجلٍ يصح وإلا ما يصح؟ يصح، وأيهما أرجح؟ {إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} [(45) سورة النازعات] ويجوز الوجهان على كل حال، والأفضل يختلف بحسب دلالة اسم الفاعل على الحال أو الاستقبال.

(24/21)


"زعم بأنه قاتلٌ رجلاً أجرته" زعم ابن أمي علي لبيان الشفقة؛ لأنهما يشتركان في هذه الجهة المشفقة، ومع ذلك يريد أن يقتل من أجرته، ناسياً هذه الشفقة وهذه المودة التي بيننا، تستثيره بهذا، أجارته يعني أمنته "فلان بن هبيرة" هبيرة هو إيش؟ هبيرة زوجها وفلان بن هبيرة من أولاد هبيرة ابن زوجها، مع أن المحفوظ أنه ليس لزوجها ولدٌ من غيرها، إذاً يكون من أولادها، كأن الشراح ما ارتاحوا إلى أن يكونوا من أولادها، كلام الشراح كثير في هذا، حتى أن بعضهم قدر فلان ابن عم هبيرة، وعلى كل حال هذا لا يعيننا تعينه بقدر ما يعنينا قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((قد أجرنا من أجرتِ يا أمَّ هانئ)).
طالب:. . . . . . . . .
لا أبدوا وجوه من الكلام، وجاءت روايات أنها أجارت حموين لها، وأجارت، بعيد .... تبع الروايات الأخرى.
((قد أجرنا من أجرتِ يا أمَّ هانئ)) قالت: أم هانئ: وذلك ضحى" في الحديث جواز أمان المرأة، وبهذا قال الأئمة الأربعة.
طالب:. . . . . . . . .
يعني بالتبني يعني متبنيه ابنه بالتبني، وهو في الأصل ابن أخيه أو ابن عمه مثلاً، على كل حال كلام الشراح كثير، وهذا لا يعنينا ولا أثر له، لا أثر له في متن الحديث الذي يثبت صلاة الضحى.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى -أي نافلة الضحى صلاة الضحى- قط"، "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها" في رواية: "لأستحبها" في رواية .. ، يقول الشراح: إن رواية يحيى: "لأستحبها" ورواه غيره: "لأسبحها" وهو رواية الصحيح "لأسبحها".

(24/22)


وجاء عن عائشة نفي بعض الأمور عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ونفيها على حد علمها -رضي الله عنها وأرضاها-، ولعل ما نفته وأثبته غيرها مما لا يتصور غيبتها عنه لأنها زوجته، وهي في آخر أيامه لها يومان من التسعة، فإذا نفت في مثل -عليه الصلاة والسلام- من فعله، أو نفت صيام العشر نقول: لعلها أخبرت بذلك بعد زمنٍ طويل؛ لأنها عمرت بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يقرب من نصف قرن فنسيت وحفظ غيرها، نسيت وحفظ غيرها.
"ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى قط، وإني لأسبحها، وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدع العمل -يعني يترك العمل- وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم" قد يقول قائل: حث النبي -عليه الصلاة والسلام- وبين فضل العمرة في رمضان وما اعتمر في رمضان، وبين فضل صيام داود وهو ما فعل -عليه الصلاة والسلام- جوابه هنا: "وإن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليدع العمل -يترك العمل- وهو يحب أن يعمله خشية أن يعمل به الناس فيفرض عليهم" الآن عائشة تخشى أن تفرض صلاة الضحى، وهناك خشية من أن تفرض صلاة قيام رمضان جماعة؛ لأنه تركها خشية أن تفرض عليهم، هذه الخشية ما هذه الخشية مع ما ثبت في حديث الإسراء من قوله تعالى في الحديث القدسي: ((هن خمسٌ وهن خمسون، لا يبدل القول لدي)) يعني لا تزيد على الخمس فما معنى هذه الخشية؟ فإذا أمن التبديل بالزيادة أو بالنقص فكيف يقع الخوف من الزيادة؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .

(24/23)


ليست بمنزلة الصلوات الخمس، وهذا جواب من يوجب الوتر وصلاة العيد بدليل أن الإنسان قد يوجب على نفسه شيء فيلزمه، ينذر أن يصلي فيقال له: إن الصلاة ليست بواجبة بالنذر؛ لأن الصلوات خمس، وجاء في حديث الأعرابي: "هل علي غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) هذا إخبار عن الواقع، على كل حال هذا من خشيته وشفقته -عليه الصلاة والسلام- على أمته، وهذا أيضاً يستشف منه المبالغة في هذه الشفقة حتى خشي على أمته أن تكلف بما أمن منه -عليه الصلاة والسلام- ظاهر؟ عليه الصلاة والسلام، خشي -عليه الصلاة والسلام- شفقةً على أمته أن يفرض عليهم ما أمن من فرضه، وهذا من تمام شفقته -عليه الصلاة والسلام-، والحديث مخرجٌ في الصحيحين.
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عائشة -رضي الله عنها- أنها كانت تصلي الضحى ثماني ركعات ثم تقول: لو نشر لي أبواي" تصلي الضحى ثمان ركعات عائشة -رضي الله عنها-، مستندها في هذا العدد ما ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهناك تقول: "ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي سبحة الضحى" نعم هي ما رأت، لكنها بلغها أنه صلى الضحى ثماني ركعات.
"لو نشر لي أبواي" يعني أحيي أبواها بعد أن ماتا، وهما أبو بكر -رضي الله عنه- الصديق أفضل هذه الأمة بعد نبيها، وأمها أم رومان "ما تركتهن"، "لو نشر لي أبواي ما تركتهن" هذا مبالغة في المحافظة على هذه الصلاة، أسلوب المبالغة مطروق "لو نشر لي أبواي" أحياناً يقول الإنسان: لو تنزل السماء على الأرض مبالغة يبالغ ويريد بذلك لزوم هذا العمل مهما كلفه من مشقة، مهما خرقت له به العادة.
الحاكم روى عن عقبة بن عامر قال: "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نصلي الضحى بسورٍ منها: والشمس وضحاها، والضحى" مناسبة السورتين للوقت وضحاها والضحى، ظاهرة جداً المناسبة، لكن يبقى النظر في ثبوت الخبر "أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن نصلي الضحى بسورٍ منها: والشمس وضحاها والضحى" أحد يعرف عنه شيء؟
طالب:. . . . . . . . .
سكت عنه الحافظ، ما أحد بحثه على وجه الخصوص؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب جزاك الله خيراً.
إذا أعطى المسلم والمسلمون يسعى بذمتهم أدناهم العهد ... ؟

(24/24)


إذا كان الحق لله -جل وعلا- في غير حقوق العباد، أما إذا أجير الإنسان في حقوق العباد ما ينفع، لا بد من أخذها منه مهما كلف الأمر، أما إذا كان في حقٍ من حقوق الله وأجير ما لم يترتب على ذلك تعطيل للحدود، ورأى الإمام الإجارة، ولم يرَ أن الاقتصاص من هذا الشخص متعين؛ لأنه أحياناً يفسد في الأرض ثم يستجير، يفسد في الأرض ويلجأ إلى الحرم.
النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((قد أجرنا من أجرتِ يا أمَّ هانئ)) إذا كان الحق الذي عليه لله -جل وعلا- يعمل بهذه الإجارة، أما حقوق العباد لو قتل شخص واستجار بك يعفى؟ ما يعفى حقوق العباد لا، لو سرق ولجأ إلى شخص فأجاره تترك هذه السرقة ويعطل الحد من أجله؟ لا.
طالب:. . . . . . . . .
إجارة الكافر إذا .. ، لكن لو استجار جمعٌ كبير من الكفار بشخص من المسلمين فأجارهم، وهم محاربون إيش حكم إجارتهم؟ على كل حال المسألة إذا لم يترتب فيها حق من حقوق العباد المبنية على المشاحة فلا مانع من الإجارة.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال ثبتت من فعله -عليه الصلاة والسلام-، وحث عليها، وبين ما يدل على الدوام عليها، ذكر ما يدل .. ، لأنه يصبح، في أحد يمكن يصبح ويمكن ما يصبح يصلي ضحى؟ ((يصبح على كل سلامى أحدٍ منكم صدقة)) يعني كل يوم، مقتضاه أنها كل يوم.
"باب: جامع سبحة الضحى:
حدثني يحيى عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- أن جدته مليكة -رضي الله تعالى عنها- دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطعام فأكل منه، ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قوموا فلأصلى لكم)) قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس فنضحته بماء، فقام عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وصففت أنا واليتيم وراءه والعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتين ثم انصرف.
وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه قال: دخلت على عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- بالهاجرة فوجدته يسبح فقمت وراءه فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه، فلما جاء يرفأ تأخرت فصففنا وراءه".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: جامع سبحة الضحى"

(24/25)


"حدثني يحيى عن مالك عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة -زيد بن سهل الأنصاري- عن أنس بن مالك أن جدته" جدة من؟ يقولون: إنه يعود على إسحاق جزم به ابن عبد البر وعياض وصححه النووي، وجزم ابن سعد بأنها جدة أنس، وهو ظاهر السياق أن الضمير يعود إلى أقرب مذكور، وإذا قلنا: إنها جدة أنس كانت أيضاً جدةً لإسحاق، مليكة دعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لطعام أي لأجله صنعته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، فأكل منه، في رواية: "ثم دعا بوضوء فتوضأ"، "ثم قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((قوموا فلأصلى لكم)) " أي لأجلكم، هنا أكل ثم توضأ ثم صلى، يعني الصلاة بعد الأكل، هنا قدم الأكل على الصلاة، وفي حديث عتبان في قصة عتبان بدأ بالصلاة قبل الطعام، بدأ -عليه الصلاة والسلام- بما دُعي له، هنا دُعي لطعام فبدأ بالطعام ثم صلى، وهناك دعي للصلاة فبدأ بالصلاة ثم أكل -عليه الصلاة والسلام-.
"قال أنس: فقمت إلى حصير لنا قد أسود من طول ما لبس" يعني من كثرة الاستعمال، ولبس كل شيء بحسبه، لبس الفرش بافتراشه، لبس الثوب باستعماله، لبس الآلات باستعمالها، جاب سيارة قديمة يقول لك: هذه تعبانة منتهية من كثرة ما لبست، فلبس كل شيء بحسبه "فنضحته" معلوم أن هذا للنظافة لا للنجاسة، "فنضحته بماء" فقد يقول قائل: إن هذا الذي طال استعماله واسود من طول ما لبس هل نضح هذا ما ينفعه، قد يكون بدون نضح أولى، لكنه نضح يحقق الهدف من النضح؛ لأنه منهم من قال: إن هذا النضح من أجل أن يلين، وإلا لو كان أسود من طول ما لبس مجرد النضح الذي هو الرش ما يكفي يزيد، وينقل هذا السواد من مكان إلى مكان.

(24/26)


"فنضحته بماءٍ، فقام عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني يصلي "وصففت أنا واليتيم وراءه" أنا واليتيم من اليتيم؟ أخوه ولد لأبي طلحة "وصففت أنا واليتيم وراءه، والعجوز من ورائنا" العجوز من هي؟ مليكة، العجوز من ورائنا في هذا صحة مصافة الصبي؛ لأن اليتيم لم يبلغ سن التكليف، إذ لو بلغ سن التكليف ما سُمي يتيم، لأنه لا يُتم بعد احتلام، فمصافة الصبي صحيحة، ومن هذا الحديث أيضاً صحة صلاة المرأة خلف الصف وإن كانت وحدها، وأما ما ثبت من حديث: ((لا صلاة لمنفردٍ خلف الصف)) هذا خاصٌ بالرجال الذين تلزمهم الجماعة، أما هذه المرأة في الأصل لا يلزمها جماعة فهي سواءً صفت بمفردها أو معها نساء لا يختلف.
"والعجوز من ورائنا، فصلى لنا ركعتين" قوله: صلى لنا يعني صلى بنا ركعتين "ثم انصرف".
هل نحن بحاجة إلى أن نقول: في الحديث جواز الصلاة على الحصير كما قاله أهل العلم؟ جواز الصلاة على الحصير، الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- ترجم: "باب: الصلاة على الحصير" يحتاج إلى ترجمة؟ كره الصلاة على الحصير، يقول الحافظ: النكتة في ترجمة الباب "باب: الصلاة على الحصير" الإشارة إلى ما رواه ابن أبي شيبة وغيره من طريق شريح بن هانئ أنه سأل عائشة: أكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي على الحصير والله يقول: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [(8) سورة الإسراء]؟ فقالت: لم يكن يصلي على الحصير، فالبخاري -رحمه الله- أراد بهذه الترجمة أن مثل هذا الخبر لا يثبت، وأنه لا أثر لكون جهنم حصير فعيل، حصير بمعنى اسم الفاعل وإلا اسم المفعول؟ يعني محصورة وإلا حاصرة؟ فعيل بمعنى مفعول أو بمعنى فاعل؟ قتيل بمعنى مقتول، جريح بمعنى مجروح {لِلْكَافِرِينَ حَصِيرًا} [(8) سورة الإسراء] ما هي لنفسها، نحن عندنا جهنم الآن هل هي حصير بمعنى حاصرة؟ حاصرة لمن يدخلها مانعةٌ له من الخروج منها؟ أو هي محصورة ومحددة؟ يعني هل يمكن أن نقول: إن حصير هنا بمعنى اسم الفاعل واسم المفعول باعتبارين، فنستعمل اللفظ الواحد في معنييه، أو لا بد أن نرجح أحد المعنيين؟
طالب:. . . . . . . . .

(24/27)


لا، هو إذا نظرنا باعتبار أصل المادة كل مادة يجتمع فيها هذا وهذا أصل المادة، تأتي حاصرة وتأتي محصورة، لكن إذا نظرنا وربطناها بما جعلت له {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ} [(8) سورة الإسراء] هل تحتمل معنيين؟ واحد، لا بد من معنى واحد، استعمال اللفظ في معنييه لا يجيزه جمهور أهل العلم، يجوز عند الشافعية لكنه لا يجوز عند الجمهور.
"فصلى لنا ركعتين ثم انصرف -عليه الصلاة والسلام-" وهذا من حسن خلقه وتواضعه -عليه الصلاة والسلام- تدعوه امرأة عجوز يجيب الدعوة، الآن لو يدعى شخص من أوساط الناس فضلاً عن الملأ والأعيان وغيرهم، يدعوه شخص أقل منه في المنزلة قد يستنكف عن إجابة دعوته، قد يستنكف، والنبي -عليه الصلاة والسلام- تدعوه المرأة، ويدعوه الصغير، ويدعوه القريب، ويدعوه البعيد ويجيب الدعوة -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
هي باعتبار أنها مجعولة للكفار بهذا الاعتبار حاصرة لهم، حاصرة.
يقول -رحمه الله تعالى-: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة -بن مسعود- أنه قال: دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة" وهو في موضع لا يعتاد فيه الاستئذان، أو بعد الإذن "بالهاجرة -يعني وقت الحر- فوجدته يسبح أي يتنفل- فقمت وراءه" قام وراءه صف واحد، وراء المصلي، وموقف الواحد عن يمين الإمام لا وراءه "فقربني حتى جعلني حذاءه" يعني إزاءه في مصافته سواءً بسواء، وهذا هو اختيار الأكثر، والشافعية عندهم أنه لا بد أن يتقدم الإمام على المأموم بمقدار ما يتميز به المأموم عن الإمام "حتى جعلني حذاءه عن يمينه" لأن مقام الواحد عن يمين الإمام "فلما جاء يرفا -وهو حاجب عمر- تأخرت" وعلى هذا الذي يصاف الإمام إذا كان وحده وصف عن يمين الإمام ثم جاء ثاني يتأخر المأموم أو يتقدم الإمام، يتأخر المأموم أو يتقدم الإمام، فيقول: "فصففنا وراءه" يعني وقفنا خلفه خلف عمر -رضي الله عنه وأرضاه-.

(24/28)


مسألة: وهي تبعاً لكون المأموم عن يمين الإمام وهي واقعة ومسؤول عنها، أظنها عرضت مراراً في الدروس، لكن لا مانع من ذكرها، اثنان يصليان إمام ومأموم فدخل شخص مسبوق ودفع المأموم وتقدم وصلى بهم، دفع الإيمن وكمل الصلاة هذا وصف، صف هذا جنبه، هذه صورة لها حكم، لكن لو اثنين يصليان ودخل ثالث فتقدمهم وصار إماماً لهم، هذه ما وقعت، لكن لو وقعت، ما يستغرب أن يقع مثل هذه الأمور أبداً، ما يستغرب إطلاقاً، يعني هذا الشخص الذي دخل ودفع المأموم وتقدم المأموم ما خالف وافق على طول وكمل الصلاة، والإمام صار مأموم، يعني مثل هذه الصور مع الجهل يعني كون الإمام ينقلب إلى مأموم في صلاة النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد أن شرع أبو بكر الصلاة بالناس، إمام أبو بكر صار مأموم فيما بعد، والعكس المأموم يصير إمام في مسألة الاستخلاف يجوز، لكن الصورة الثانية جاء شخص مسبوق يمكن أنه ما أدرك إلا الركعة الأخيرة فتقدم وكمل، جاء وتقدم عليهم أو متأول يقول: أنا أقرأ وهم ولا يمكون يصلون بي، قد يتصور مثل هذا، له ميزة عليهم فجاء وتقدم وصلى بهم، يعني الأصل كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- لما سبق في تبوك صلى خلف عبد الرحمن بن عوف وقضى ركعة التي فاتته، تصحح صلاته وإلا ما تصحح؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لا هم ما هم زايدين، ذا كملوا ركعتين ينوون الانفراد ...
طالب:. . . . . . . . .
أبد يطاوعون ما يخالفون الناس.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ترى أمور الناس .. ، كثير الناس في أمور الدين سمح، يعني سهل يؤثر وسهل يعني ... ، ولذلك بعض الناس يجي والصف الأول فيه أماكن شاغرة فيجلس في آخر المسجد، لكن لو تقول له:. . . . . . . . . عند خباز أقل الأحوال تقول له: اجلس آخر الناس ما رضي، يعني هل تنفك. . . . . . . . .، هل هناك ارتباط بين المأموم والإمام في صلاته؟ نعم.
طالب:. . . . . . . . .
لا هم يقولون تابعوه فيما بقي لهم من صلاتهم، إيه ينوون الانفراد هم زايدين على الصلاة المفروضة.
طالب:. . . . . . . . .

(24/29)


هذا الشخص الذي تقدم وصلى بهم هو لا شك إن تابعوه في جميع صلاته صلاتهم باطلة هذا لا إشكال فيه، لكن إن لم يتابعوه صلى بهم ركعة ونووا الانفراد وسلموا، أو جاءهم ما فات ركعات، أنا أقول: انتقال الإمام إلى مأموم أو العكس له أصله.
طالب:. . . . . . . . .
أبو بكر شرع قبل النبي -عليه الصلاة والسلام- ما في أدنى خصوصية، ترى بعض المذاهب ما يصحح الصلاة مع الافتئات على الإمام، واحد من القضاة دخل فإذا الصلاة قد أقيمت وهو الإمام الراتب انتظر حتى سلموا، قال: يالله صلوا، أعيدوا، أعيدوا الصلاة، لكن مثل هذا لو دخل من خارج المحراب وأخر الإمام وصلى بهم، يعني مثل هذا له وجه، هو الإمام الراتب و ...
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو الكلام على أن المسألة مفترضة ومسألة واقعة وانتهت، ومع الجهل يمكن تصحح، لكن يبقى أن الصلاة المحافظة عليها على هيئتها والاتباع فيها هو الأصل، الاتباع فيها هو الأصل، ولا يترك التلاعب إلى هذا الحد في الصلاة، لا يترك المجال للمتلاعب أن يتلاعب إلى هذا الحد في الصلاة، يعني المسألة لو أمروا بالإعادة من باب التأديب والتعليم له وجه.
سم.
"باب: التشديد في أن يمر أحدٌ بين يدي المصلي:
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان)).
وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد أن زيد بن خالد الجهني أرسله إلى أبي جهيم يسأله: ماذا سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المار بين يدي المصلي؟ فقال أبو جهيم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)).
قال أبو النضر: لا أدري أقال: أربعين يوماً أو شهراً أو سنة؟
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار قال: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يخسف به خيراً له من أن يمر بين يديه.

(24/30)


وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يكره أن يمر بين أيدي النساء وهن يصلين.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- كان لا يمر بين يدي أحد ولا يدع أحداً يمر بين يديه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: التشديد في أن يمر أحدٌ بين يدي المصلي" يعني بينه وبين سترته تشديد لما جاء في ذلك من الوعيد، كما في الأحاديث الصحيحة: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين)) يعني بدلاً من أن ينتظر خمس دقائق كان أن يقف أربعين من شدة ما رتب على ذلك من الإثم ((أربعين خريفاً)) في بعض الروايات، في خبر كعب: "لكان أن يخسف به" هذا تشديد في أن يمر بين يدي المصلي.

(24/31)


يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم -العدوي- عن عبد الرحمن بن أبي سعيد -سعد بن مالك- الخدري -الأنصاري الخزرجي- عن أبيه -أبي سعيد- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا كان أحدكم يصلي)) في رواية: ((إلى شيء يستره)) في رواية: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحدٌ أن يجتاز فليدفعه)) هنا يقول: ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع)) إذا كان أحدكم يصلي هذه الرواية تدل على أنه يستوي في ذلك من اتخذ السترة ومن صلى إلى غير سترة ((فلا يدع أحد يمر بين يديه)) لكن تبين ذلك الروايات الأخرى: ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحدٌ أنه يجتاز بين يديه فليدفعه)) يعني لا يتركه يمر بينه وبين سترته، فإذا لم يتخذ سترة مفهوم الحديث أنه ليس له أن يدفعه، وليس له أن يدرأ، لكن المار بين يديه مخاطب بنصوص أخرى؛ لأن كلاً من المصلي والمار له ما يخصه من النصوص، المصلي يستتر، والجمهور على أن اتخاذ السترة سنة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى بمنىً إلى غير جدار، يقول الشافعي وغيره: يعني إلى غير سترة، وهي مروية عن ابن عباس، فالجماهير على أن اتخاذ السترة سنة، فالمصلي مخاطب باتخاذ السترة، وقال بعضهم بوجوبها ((ليستتر أحدكم ولو بسهم)) هذا بالنسبة للمصلي فإذا صلى إلى غير سترة إذا صلى إلى سترة لا يجوز لأحدٍ أن يمر بين يديه، وعليه أن يدفع من أراد أن يجتاز بينه وبين سترته.

(24/32)


لكن إذا صلى إلى غير سترة هنا يقول: ((إذا أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر)) يعني سواءً استتر أو لم يستتر، لكن هذا مقيد بما في الروايات الصحيحة التي فيها التصريح بالاستتار، إذا لم يستتر المصلي فالمار بين يديه مأمور بأن لا يمر، منهيٌ عن المرور بين يديه، وهذا ما يخصه من النصوص ((إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحداً يمر بين يديه)) لا يترك أحد يمر بين يديه وعبر باليدان لكونه أكثر الشغل إنما يكون باليدين، لا يدع أحد يمر أمامه بالقرب منه، فإن استتر فما وراء السترة لا بأس به، ويبقى ما دونه هو محل الدفع، وإذا لم يستتر فليس له أن يدفع، إنما إذا أشار إشارة لا تضر بصلاته؛ لأنه فرط في الأمر باتخاذ السترة، كما دلت على ذلك الروايات الأخرى، وليس للمار أن يمر بين يديه بالقرب منه ولو لم يستتر.
((فلا يدع أحداً يمر بين يديه، وليدرأه ما استطاع)) يدفعه حسب استطاعته بالإشارة ولطيف العبارة، يعني بالإشارة المفهمة إلى أنه لا ينبغي أن يمر بين يديه ((فإن أبى فليقاتله)) يزيد في دفعه الأسهل فالأسهل، ثم بعد ذلك إن احتاج إلى الأشد فعل يدفعه إن لم يندفع إلا بقوة دفعه بقوة، حتى قال بعض أهل العلم: إنه لو مات من هذا الدفع دمه هدر، وليس معنى هذا أن يتخذ الإنسان السلاح يتوشح بسيف من مر بين يديه قاتله بالسيف أو بمسدس لا، لا، هذا ينافي مقتضى الصلاة، إنما يدفعه بالأسهل فالأسهل، إن أصر على المرور بين يديه مع هذا الدفع لا شك أنه ليست له حرمة؛ لأنه شيطان يريد أن يفسد عليه صلاته، فالإجماع قائم على أنه لا يجوز المقاتلة بالسلاح، وزعم بعضهم أن قوله: ((فإن أبى فليقاتله)) معناه بالسب والشتم واللعن، قال بعضهم، قاتل الله فلاناً، قاتل الله اليهود والنصارى يعني لعن، فالمقاتلة من هذا الباب، وهذا القول لا شيء كيف يسبه وهو في صلاته؟ كيف يلعنه وهو في صلاته؟ إذا كان ممنوع من الكلام المباح فكيف بالفحش والمحرم من الكلام؟! هذا كلام ليس بصحيح {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ} [(10) سورة الذاريات] يعني لعنوا، فهم يريدون أن يكون من هذا الباب.

(24/33)


بعض المالكية لهم تفاصيل بعض المالكية يفصلون حول هذا الموضوع، ويجعلون الإثم على المفرط من المصلي أو المار، إذا استتر المصلي وللمار مندوحة يعني له طريق آخر فمر بين يديه فالإثم على المار والمصلي لا إثم عليه، إذا لم يستتر المصلي والمار ليست له مندوحة فالإثم على المصلي، إذا استتر المصلي والمار ليست له مندوحة من هذا الطريق فلا إثم عليهما، إذا لم يستتر المصلي والمار له مندوحة وهناك طريق آخر يمكن أن يسلكه فالإثم عليهما، هذا التفصيل يذكره بعض المالكية.
لكن في حديث أبي سعيد في الصحيح وهو يصلي إلى سترة فجاء شابٌ من بني أبي معيط فأراد أن يجتاز فدفعه أبو سعيد، فنظر فلم يجد مساغاً لم يجد طريقاً يسلكه فدفعه أبو سعيد، هذا الحديث يرد هذا التفصيل وأورد الحديث، فدل على أن هذا الإثم المذكور، وهذه المدافعة، وهذه المقاتلة، والوصف بأنه شيطان مع كونه لم يجد مساغاً، فهذا التقسيم لا يوجد ما يدعمه ولا يشهد له.
وهو لو تقدم المصلي إلى سترته ومر من خلفه كان أولى؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- تقدم للسترة لو فعل لك فمر دونها لا بأس، المقصود أنه لا يمر بين المصلي وبين سترته.
((فإنما هو شيطان)) أي فعله فعل الشيطان، ولا يمنع أن يراد به حقيقة الشيطان، وفي هذا الحال يكون من شياطين الإنس، وكما أنه في الجن شياطين أيضاً في الإنس شياطين {شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ} [(112) سورة الأنعام] فهو منهم الذي يريد أن يفسد الصلاة على المصلي.
طالب:. . . . . . . . .

(24/34)


نعم، الحد الذي هو بين يدي المصلي عند أهل العلم يقدر بثلاثة أذرع، فإذا اجتاز من وراء ثلاثة أذرع لا يضر، الأمر الثاني: أن المشقة تجلب التيسير، إذا وجد في أماكن زحام شديدة في الحرمين في مواسم، ولم يستطع رد الناس لكثرتهم المشقة تجلب التيسير، ولذا صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى غير سترة؛ لأنه صلاته إلى سترة توقع الناس في حرج، وتقدر في حال القيام لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أراد أن يتجاز تقدم حتى صار بينه وبين سترته ممر الشاة، وهم يقدرون ثلاثة الأذرع، فإن قلنا: إنه في حال القيام ممر الشاة وفي حال السجود موضع ثلاثة أذرع كان العكس أولى؛ لأنه يبعد من موضع سجوده ثلاثة أذرع معناه يحتاج إلى أكثر من أربعة أذرع من موضعه، فلعله من موضع قيامه من قدميه ثلاثة أذرع من قدميه.
طالب:. . . . . . . . .
وتخطي الرقاب لا يجوز، لا شك أن هذا امتهان وهذا تعدي، وتخطي الرقاب لا يجوز، نعم جاء في الجمعة التشديد في ذلك، لكن هو في الجملة امتهان للمسلم من غير مبرر، نعم إذا وجد فرجة وأراد أن يصلها من غير أن يؤذي أحداً لا بأس، نعم بعض الناس بقصد أو بغير قصد يؤذي الناس في الصلاة في مكان الطواف وفي مواضع الزحام، هذا لا حرمة له، لا ينتظر حتى يسلم مثل هذا لا ينتظر حتى يسلم.
طالب:. . . . . . . . .
نعم والخط ((إذا صلى أحدكم فلينصب شيء يستره)) يضع عصا ((فإن لم يجد فليخط خطاً)) هذا الحديث مخرج في السنن، وأورده ابن الصلاح -رحمه الله- مثالاً للمضطرب، مثال للمضطرب، والمضطرب من قسم الضعيف، وإن حاول ابن حجر أن ينفي عنه الاضطراب، ويحكم عليه بالحسن، واستدل به الشافعية والحنابلة على أن الخط يكفي، الخط يكفي، ولا شك أنه إذا لم يوجد غيره فيرجى به، أما إذا وجد غيره فلا يكفي.
طالب:. . . . . . . . .

(24/35)


إيه النساء أولى بالرد، النساء أولى بالرد؛ لأنه هو المنصوص على أنهن يقطعن الصلاة، لا هو المشقة تجلب التيسير، كونه يصلي والناس يطوفون بين يديه فيهم الرجال وفيهم النساء دل على أن هذا الأمر إذا ترتب عليه مشقة شديدة ودفع الناس فيه أذية لهم وله أمر يتسع -إن شاء الله-، وطرف السجادة حكمها حكم الخط إذا لم يوجد غيره يرجى أن يكفي على أن الحديث قابل للتحسين، وإذا وجد غيره فلا بد أن يكون شاخصاً ماثل بين يديه، مثل مؤخرة الرحل.
طالب:. . . . . . . . .
لا، ما يلزم الخط فيه نزول ما فيه بروز، الخط في الرمل فيه بروز وإلا نزول؟ لا، لا، المقصود أن حكم هذه حكم هذه.
طالب:. . . . . . . . .
لا لا، إذا وجد فيها خط من الأصل، إذا وجد فيها خط من الأصل يكفي، عند القول بأن حديث الخط يصلح للاحتجاج.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الحذاء لا ينبغي أن يكون في قبلة المصلي، ينبغي أن يكون عن يساره أو بين قدميه، لا ينبغي أن يكون في قبلة المصلي.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الأصل أن تكون مثل مؤخرة الرحل، لها شيء يَشخص مرتفع، لكن إذا لم يوجد إلا الخط أو حكم الخط طرف السجادة مثلاً، وقلنا: بأن حديث الخط يصلح للاحتجاج، وأمكن ترجيح بعض طرقه على بعض كما قال الحافظ ابن حجر، وانتفى عنه الاضطراب يصلح؛ لأن المار يعرف أنك ما دامك تصلي إلى سجادة فيمر من ورائها.
على كل حال ما يقوم مقامه من طرف السجادة كافي، ومثله لو قصد هذا الخط يكفيه، وله أن يدفع من أراد أن يجتاز دونه.
طالب:. . . . . . . . .
إذا صلى إلى حائط أو إلى عمود سارية، جاء في الحديث عند أبي داود وغيره: أن لا يصمد إلى هذه السترة يجعلها عن يمينه أو عن شماله، لكن الحديث ضعيف، فيه ثلاثة علل، لا يثبت به حجة.
يقول: هل يختلف التعامل مع الكافر أو المشرك أو الكتابي؟
الكافر والمشرك .. ، الكتابي من يدفع الجزية، ويقر على البقاء بالجزية، والكافر والمشرك إن لم يكن معاهداً أو مستأمناً فهو حربي.
يقول بالنسبة للخروج للبراري هل يكون الثمانين كيلو ضابطاً للقصر والجمع ولو كان سيرجع من يومه؟
عند الجمهور نعم.
يقول: إذا خلع الرجل خفيه بعد أن مسح عليهما هل يكون لا زال على أصل الوضوء؟

(24/36)


لا؛ لأنه ليس متوضئاً وضوءاً شرعياً، هو الآن باقي على طهارة ناقصة، يعني هو بقدمٍ لا مغسولة ولا ممسوحة، يعني كمن توضأ وضوءاً ونسي غسل رجليه.
يقول: ما هو الراجح في التيمم من تراب أم بغيره؟ وما هو غير التراب؟
كل ما على وجه الأرض يجوز التيمم به.
هل الجدار يعتبر من الصعيد؟
نعم إذا كان فيه غبار يعلق باليد إذا ضرب، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(24/37)


الموطأ – كتاب قصر الصلاة في السفر (3)
شرح: باب: الرخصة في المرور بين يدي المصلي، وباب: سترة المصلي في السفر، وباب: مسح الحصباء في الصلاة، وباب: ما جاء في تسوية الصفوف، وباب: وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة، وباب: القنوت في الصبح، وباب: النهي عن الصلاة والإنسان يريد حاجته، وباب: انتظار الصلاة والمشي إليها.
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي النضر -سالم بن أبي أمية- مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد أن زيد بن خالد الجهني أرسله إلى أبي جهيم" بن الحارث بن الصمة، في بعض الروايات العكس أبو جهيم أرسل بسر بن سعيد إلى زيد بن خالد "يسأله ماذا سمع من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في المار بين يدي المصلي؟ " يعني أمامه بالقربٍ منه "فقال أبو جهيم: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو يعلم المار بين يدي المصلي -يعني بالقرب منه- ماذا عليه)) في رواية الكشميهني في صحيح البخاري: ((من الإثم)) وانتقد الحافظ -رحمه الله- انتقد الحافظ ابن حجر صاحب العمدة حينما أدخل هذه اللفظة في الحديث ونسبه إلى الصحيحين، هو لا يوجد إلا من رواية الكشميهني هذه، وهذه الزيادة التي لا توجد في شيء من الروايات وأدخلها الحافظ عبد الغني في العمدة، وانتقده الحافظ ابن حجر، ووقع فيما انتقده فيه في البلوغ أدخلها، أدخلها في البلوغ: ((من الإثم)) وقال: متفق عليه.

(25/1)


الانتقاد إذا كان مع الأدب، والمراد منه بيان الحق أمر مطلوب، ولا يعني هذا أن الإنسان الذي ينتقد غيره ليترفع عليهم ويتعالم، ويظهر نفسه، أو يريد الحق من الآخرين، لا، له أن ينتقد لكن يستصحب الإخلاص في ذلك، وأن مراده من ذلك بيان الحق، وأنه كلٌ يؤخذ من قوله ويترك إلا المعصوم -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا صحب ذلك ازدراء المنتقد أو ترفع وتعاظم المنتقد لا بد أن يقع منه مثل هذا الخطأ وأشد، وليس معنى هذا أننا نشير إلى أن الحافظ حينما انتقد صاحب العمدة أنه يقصد بذلك هضم صاحب الكتاب أو الترفع عليه والتعالم عليه، لا، قد يحصل هذا من غير قصد كما حصل للأول.
طالب:. . . . . . . . .
هي في رواية الكشميهني والكشميهني معروف أنه مجرد راوي، ليس من الحفاظ، فإذا اختلف مع غيره من الرواة يقدم غيره عليه.
((لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه)) يعني بين يدي المصلي "قال أبو النضر" سالم بن أبي أمية: "لا أدري أقال" بسر بن سعيد: "أربعين يوماً أو" أربعين "شهراً أو" أربعين "سنة" جاء في الرواية عند البزار: ((أربعين خريفاً)) فتعين المتردد فيه، وترجح بأنه أربعين سنة، أربعين خريف كل سنة فيها خريف واحد إذاً أربعين سنة، وهذا الحديث متفق عليه، وفيه الوعيد الشديد الذي سمعناه لمن أراد أن يجتاز بين يدي المصلي وعليه أن ينتظر.
وبعض الناس من السرعان مجرد ما يسلم الإمام ينفر وينصرف من المسجد ويترتب على ذلك ما يترتب من الإخلال بصلاة الآخرين، فعلى مثل هؤلاء أن ينتظروا ولا يعرضوا أنفسهم لمثل هذا الوعيد.

(25/2)


يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن كعب الأحبار قال: لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يخسف به خيراً له من أن يمر بين يديه" نعم الخسف عقوبة وعذاب لكنه عذابه في الدنيا، وعذاب الدنيا مهما عظم أسهل من عذاب الآخرة، ولذا في قصة اللعان حينما ينصح الزوج يبين له أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، يتحمل الحد حد القذف وهو عذاب خيرٌ من أن يثبت عليه عذاب الآخرة بقذفه زوجته وهو كاذب، ثم بعد ذلك تنصح المرأة أن اعترافها بالزنا ورجمها أسهل لها من عذاب الآخرة، ولا شك أن مثل هذا كونه عليه من الإثم ما يكون دون الوقوف أربعين خريفاً لا شك أن الخسف أسهل منه، والله المستعان.
وهذا الخطاب متجه لمن يريد المرور بين يدي المصلي، أما بالنسبة لخطاب المصلي الذي يريد أن يدفع فهو مقيد باتخاذ السترة، الذي لم يتخذ سترة ليس له أن يدفع ((إذا صلى أحدكم إلى شيء يستره فأراد أحدٌ أن يجتاز بين يديه فليدفعه)) لكن الطرف الآخر الذي هو المار مخاطب بهذه النصوص.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يكره أن يمر بين أيدي النساء وهن يصلين" إذا كان مرور المرأة بين يدي المصلي من الرجال مبطل لصلاته وذلك لانشغال قلبه بها فمرور الرجل بين يدي المرأة وبين أيدي النساء مثله أو قريبٌ منه لانشغال قلب المرأة بالرجل، يعني مرور المرأة بين يدي المرأة والرجل بين يدي الرجل أسهل من مرور المرأة بين يدي الرجل والعكس؛ لتعلق قلب أحد الطرفين بالآخر، لا شك أن تعلق قلب الرجل بالمرأة أشد من تعلق قلبه برجل؛ لأن مرور الرجل مجرد انشغال يعرض ويزول، لكن قد يترتب على مرور المرأة بين يديها أمرٌ أعظم يقر في قلبه شيء، وكذلك الرجل إذا مر بين يدي النساء.
يقول الباجي: "خص النساء لأنهن في آخر الصفوف" فابن عمر يكره أن يمر بين يدي النساء وهن يصلين.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يمر بين يدي أحد" يصلي سواءً كان من الرجال أو من النساء، وكان -رضي الله عنه- "لا يدع أحداً يمر بين يديه" وهو يصلي، لا يترك أحد؛ لأنه مأمورٌ بالدفع.
طالب:. . . . . . . . .

(25/3)


إيه، ما في شك أن عبيد الله بن عمر لم يدرك عمر، فبينهما واسطة، الداخل غير عبيد الله.
طالب:. . . . . . . . .
يتخلل الصفوف، يتخلل الصفوف ولا يمر بين يدي المصلي هذا أسهل، وإن كان فيه إشغال للمصلين، لكنه أسهل، يتجاوز عنه عند الحاجة، ليس بمرور، هو ليس بالمرور؛ لأن المرور من يأتي من اليمين إلى والشمال أو العكس.
"باب: الرخصة في المرور بين يدي المصلي:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: أقبلت راكباً على أتان وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي للناس بمنى، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت فأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعد بن أبي وقاص -رضي الله تعالى عنه- كان يمر بين يدي بعض الصفوف والصلاة قائمة.
قال مالك -رحمه الله-: وأنا أرى ذلك واسعاً إذا أقيمت الصلاة وبعد أن يحرم الإمام ولم يجد المرء مدخلاً إلى المسجد إلا بين الصفوف.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب -رضي الله تعالى عنه- قال: لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- كان يقول: "لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: الرخصة في المرور بين يدي المصلي" في الترجمة السابقة التشديد في أن يمر أحدٌ بين يدي المصلي، وهنا الرخصة، والتشديد محمول على حال، والترخيص محمول على أحوال، وليس هناك تعارض، وليس هناك تشديد في أول الأمر ثم ترخيص وتسهيل في آخره، بل الحكم الذي في الباب الأول من التشديد باقي، والحكم الذي في الباب الذي يليه من الترخيص باقي، فهذا محمول على حال وذاك محمولٌ على أحوال أخرى.

(25/4)


يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس أنه قال: أقبلت راكباً على أتان" الأتان: هي أنثى الحمار "وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام" يعني قاربت الاحتلام، قاربت الاحتلام، في البخاري في كتاب فضائل القرآن: قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم" يعني المفصل، توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. ، القصة التي في حديث الباب في حجة الوداع، يعني في آخر أيامه -عليه الصلاة والسلام-، ابن عباس كما في الصحيح في فضائل القرآن يقول: "توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ابن عشر سنين، قد قرأتُ المحكم" يعني المفصل، والمفصل كما هو معروف من (ق) إلى سورة الناس في قول الأكثر، وإن قال بعضهم: إنه من الحجرات، لكن ابن عباس عمره عشر سنين قرأ المحكم، فهل قوله: ناهزتٌ الاحتلام عمره عشر سنين أو أقل من عشر سنين؟ هذا في الصحيح في البخاري قال: "توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأنا ابن عشر سنين، وقد قرأت المحكم" يعني قرأت المحكم وأنا ابن عشر سنين؟ قيل بهذا.
على كل حال الاختلاف في سنه عند وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- معروف عند أهل العلم، وفي المسألة ستة أقوال، وأشهر هذه الأقوال وأقواها: أنه ابن ثلاثة عشر سنة، هم يقولون: يجاب عن قوله: "وأنا ابن عشر سنين" يعني حال قراءته المحكم، لا حال وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، فقوله: "وأنا ابن عشر سنين" إشارةً لوقت حفظه المفصل لا إلى وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-.

(25/5)


على كل حال قد ناهز الاحتلام يعني قاربه، وقد جاء راكباً على أتان، فمرت هذه الأتان بين يدي بعض الصف، يقول: "ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي للناس بمنى" وهذا عند أكثر الرواة أن الصلاة كانت بمنىً، ووقع عند مسلم من رواية ابن عيينة: "بعرفة" قال النووي: يحمل ذلك على أنهما قضيتان، يعني مرتين، مرة بعرفة ومرة بمنى، وهذه طريقة النووي إذا اختلف الرواة ولو كان الخلاف مرده إلى الرواة، ولو كان اختلاف بعض الرواة غير مؤثر يقول بتعدد القصة، وذلك صيانةً للصحيح، وتعقب بأن الأصل عدم التعدد لا سيما مع اتحاد مخرج الحديث، فالحق أن قول ابن عيينة: "بعرفة" شاذ، شاذ كما قال ذلك ابن حجر وغيره.
يقول: "فمررت بين يدي بعض الصف" في كتاب الحج من صحيح البخاري: "الصف الأول"، "فنزلت فأرسلت الأتان ترتع ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك علي أحد" الأتان مرت بين يدي بعض الصف، نزل ابن عباس ودخل في الصف فلم ينكر ذلك عليه، استدل ابن عباس بترك الإنكار على الجواز، استدل بترك الإنكار، فلم ينكر ذلك عليه أحد، وترك الإنكار يدل من باب أولى عدم إعادة الصلاة، كونه لم ينكر عليه، هل يفهم من هذا أنهم أعادوا الصلاة؟ ما ينكر، لكن لو قال: فلم يعيدوا الصلاة نفى ذلك إعادة الصلاة لا يمكن، يبقى أنه احتمال أنكر عليه، الاحتمال أنه أنكر عليه لكن يبقى أن الصلاة لم تعد، فاستدلاله بكون ذلك لم ينكر عليه، ولم يستدل بترك إعادتهم الصلاة لأن ترك الإنكار أكثر فائدة؛ لأنه يتضمن ترك إعادة الصلاة وترك الإنكار أيضاً.

(25/6)


الإمام البخاري خرج الحديث في كتاب الصلاة في باب سترة الإمام سترة لمن خلفه، من أهل العلم من استدل بهذا الحديث على أن الحمار لا يقطع الصلاة، استدل بهذا الحديث على أن الحمار لا يقطع الصلاة، واستدل بحديث عائشة وأنها كانت تصلي بين يدي .. ، تنام بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام- فإذا سجد غمزها فكفت رجلها، واستدل به على أن مرور المرأة لا يقطع الصلاة، والحديث الثابت في الصحيح أن الصلاة يقطعها المرأة والحمار والكلب الأسود من حديث أبي ذر مخرج في الصحيح، وهو أيضاً عن أبي هريرة التنصيص على أنه يقطعها الثلاثة، فمن أهل العلم من يرى أن الثلاثة كلها تقطع الصلاة، ومنهم من يرى أن الذي يقطع الصلاة هو الكلب الأسود فقط والمعروف هذا عند الحنابلة، يخرجون الحمار بحديث ابن عباس، يخرجون المرأة بقصة عائشة، وأنها كانت تنكر ذلك وتقول: ساويتمونا بالكلاب والحُمر، فيبقى الكلب الأسود؛ لأنه خرج من مفردات الحديث الحمار من حديث ابن عباس والمرأة من حديث عائشة، ومنهم من يرى أنه لا يقطع الصلاة شيء على ما سيأتي ((وادرأوا ما استطعتم)) لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي، والصواب أن مرور هذه الثلاثة يقطع الصلاة، بمعنى أنه يبطلها، وإن قال بعضهم: إن معنى القطع تقليل الأجر نقص الأجر، ولا يلزم من ذلك الإعادة، لكن الأصل في القطع الإبطال، والحديث صحيح صريح في ذلك.
تبقى الإجابة عن حديث ابن عباس أن المرور بين يدي الصف والصف خلف الإمام، وسترة الإمام سترة لمن خلفه لا أثر له، لا أثر لمرور هذا الحمار بين يدي الصف؛ لأنه لم يمر بين يدي الإمام، ولم يمر بين يدي المنفرد، والمأموم سترته سترة إمامه، فلا دليل في استثناء الحمار.

(25/7)


عائشة -رضي الله عنها- وهي تنام بين يدي الرسول -عليه الصلاة والسلام- إذا سجد غمزها، عائشة قارة وليست مارة، القار ليس حكمه حكم المار، المحظور من ذلك والذي يقطع الصلاة هو مرور المرأة بين يدي المصلي، لا أنها تكون قارة بين يديه، باقية جالسة ماكثة أو مضطجعة هذا لا أثر له، على أن بعضهم يقيد المرأة بإيش؟ عائشة حائض إيش معنى حائض؟ الحائض: البالغة، بعضهم قيد المرأة بالأجنبية لتعلق القلب بها دون الزوجة، وعائشة زوجة، فلا تدخل في الحديث، والمراد مرور المرأة يعني الأجنبية، لكن هذا القيد لا يوجد ما يدل عليه، فإذا عرفنا أن حديث: ((يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب الأسود)) صحيح وصريح وإخراج الحمار بحديث ابن عباس لا يتجه؛ لأن الحمار لم يمر بين يدي الإمام ولا بين يدي المنفرد، وإنما مر بين يدي بعض المأمومين وسترة الإمام سترة لمن خلفه، وحديث عائشة .. ، إخراج المرأة بحديث عائشة أيضاً لا يتجه؛ لأن عائشة قارة وليست مارة، والكلام في المرور.
. . . . . . . . . الجمهور على أن الصلاة لا يقطعها شيء، هنا الإمام البخاري -رحمه الله- يقول: "باب: سترة الإمام سترةٌ لمن خلفه" هذا واضح في أن الإمام إذا استتر سترته سترة لمن خلفه، إذا لم يستتر ومر أحد الثلاثة بين يديه بين يدي الإمام بطلت صلاته وصلاة من وراءه، من أهل العلم من يقول: الإمام نفسه سترة لمن خلفه، الإمام سترة لمن خلفه، .... ما يلزم أن يكون هذا، ولذا ترجم عليه الإمام البخاري مع دقته وتحريه: "باب: سترة الإمام سترة لمن خلفه".
على كل حال استدل بحديث ابن عباس على أن مرور الحمار لا يقطع الصلاة، فيكون ناسخاً لحديث أبي ذر الذي رواه مسلم في كون مرور الحمار يقطع الصلاة، وكذا مرور المرأة والكلب الأسود وتعقب بأنه مرور الحمار متحقق في حال مرور ابن عباس وهو راكبه، وقد تقدم أن ذلك لا يضر لكون سترة الإمام سترة لمن خلفه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو الكلام في المرور هو الذي يؤثر، أما القرار لا يؤثر.

(25/8)


يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعد بن أبي وقاص كان يمر بين يدي بعض الصفوف" يعني قدام بعض الصفوف أمامها ولا يؤثر ذلك والصلاة قائمة، فدل على جواز ذلك، لكن لا شك أن المرور وإن كان بين يدي الصفوف يشوش فينبغي اتقاؤه بقدر الإمكان، يعني إذا كان الخيار بين أن يدخل الإنسان مع الباب الأمامي أو مع الباب الخلفي يدخل مع الباب الخلفي؛ لئلا يمر بين يدي بعض الصفوف؛ لأنه يشوش على المصلين، وإن كان لا أثر له في صلاتهم من حيث القطع.
"قال مالك: وأنا أرى ذلك واسعاً -أي جائزاً- إذا أقيمت الصلاة وبعد أن يحرم الإمام ولم يجد المرء مدخلاً إلى المسجد إلا بين الصفوف" يجوز ذلك أن يدخل مع الباب الأمامي لكن كلام مالك "ولم يجد المرء مدخلاً" يدل على أن ذلك مقيد بما إذا لم يكن هناك مدخل غير ما يتطلب المرور بين يدي الصف، فالأفضل أن لا يمر بين أيديهم إذا وجد غير ذلك الطريق.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب قال: لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي" هذا موقوف، وهو أيضاً روي هذا البلاغ بإسناد صحيح عن علي -رضي الله عنه- وعثمان موقوف عليهما في سنن سعيد بن منصور، بأسانيد صحيحة، موقوفٌ عليهما، لا يقطع الصلاة شيء.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر كان يقول: لا يقطع الصلاة شيء مما يمر بين يدي المصلي" شيء نكرة في سياق النفي فتعم كل الأشياء، بما في ذلك ما نص على أنه يقطع كالمرأة والحمار والكلب الأسود.

(25/9)


فمالك رواه موقوفاً على ابن عمر، وأخرجه الدارقطني من وجهٍ آخر عن سالم عن أبيه مرفوعاً، يعني إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، لكن إسناده ضعيف، وجاء أيضاً مرفوعاً عن أبي سعيد عند أبي داود وعن أنس وأبي أمامة عند الدارقطني وعن جابر عند الطبراني في الأوسط، وكلها ضعيفة، والصواب أن الصلاة يقطعها المرأة والحمار والكلب الأسود لحديث أبي ذر مرفوعاً: ((إذا قام أحدكم يصلي فإنه يستره مثل مؤخرة الرحل))، ((فإنه يقطع صلاته الحمار والمرأة والكلب الأسود)) [رواه مسلم] وله عن أبي هريرة مرفوعاً: ((يقطع الصلاة المرأة والحمار والكلب)) وجاء تقييد المرأة بالحائض، والمراد بالحائض المكلفة، وعرفنا أن الحنابلة أخرجوا الحمار بحديث ابن عباس والمرأة بحديث عائشة، وعرفنا الجواب عما قالوه، والجمهور على عدم القطع لما ذكر من حديث ابن عمر الموقوف والمرفوع، فيكون ناسخاً لحديث أبي ذر.
طالب:. . . . . . . . .
المسبوق إذا قام يقضي ما فاته من الصلاة حكمه حكم المنفرد لا يجوز المرور بين يديه، حكمه حكم المنفرد.
"باب: سترة المصلي في السفر:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يستتر براحلته إذا صلى.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان يصلي في الصحراء إلى غير سترة".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: سترة المصلي في السفر" السفر قد لا يتيسر له شيء يستتر به في الفضاء، فالأمر فيه إذا لم يجد أخف.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يستتر براحلته إذا صلى" خيفة أن يمر بين يديه أحد.
وفي الصحيحين من رواية عبيد الله عن نافع عن ابن عمر أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يعرض راحلته فيصلي إليها، يعرض راحلته فيصلي إليها، والراحلة هي الناقة التي تصلح لأن يوضع عليها الرحل، وقال الأزهري: الراحلة المركب النجيب ذكراً كان أو أنثى، والهاء للمبالغة، فمثل هذا يصلح أن يكون سترة، ومثله السيارة لو صلى إلى السيارة وهي واقفة صلحت سترة، وأي شيء شاخص يصلح أن يكون سترة.

(25/10)


يقول -رحمه الله تعالى-: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان يصلي في الصحراء إلى غير سترة" قد يكون لعدم تيسر السترة، ولأنه لا يخشى مرور أحد بين يديه، حديث ابن عباس إن جاء الحديث الذي سبق الذي أورده في الحديث السابق بعض الإخوان، حديث ابن عباس في البخاري قال: "أقبلت راكباً حمارٍ أتان وأنا يومئذٍ قد نهزت الاحتلام، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي بمنى إلى غير جدار" هذا الذي استشكلناه سابقاً، وقلنا: يحتمل أن يكون قصة أخرى، هذه الرواية تدل على أنها نفس القصة، فدل على أن القصة واحدة، ويبقى أن الإمام عند بعض أهل العلم سترة للمأموم، ويبقى أن الإمام في مكانه لو مر أحدٌ بين يديه من الثلاثة قطع صلاته وهو لم يستتر، فالمرور من ابن عباس بين يدي الصف والإمام سترة لهذا الصف؛ لأن في بعض الروايات أنه الصف الأول، فالإمام سترة للصفوف، ويبقى أن عدم استتار الإمام هنا لبيان الجواز، وقول الإمام البخاري -رحمه الله-: "باب: سترة الإمام سترةُ من خلفه" هذا إذا استتر، فإذا لم يستتر كان الإمام نفسه سترة لمن خلفه، فالمطالب بالاستتار ودفع المرور هو الإمام والمنفرد.
طالب:. . . . . . . . .
معنى القطع يعني البطلان، يعيد الصلاة.
طالب:. . . . . . . . .
إلى غير جدار جاء مفسراً يعني إلى غير سترة، وإذا قلنا: إلى غير جدار وهو ناصبٌ عصا أو رمح أو شيء من هذا هذا إلغاء، إلغاء للخبر.
طالب:. . . . . . . . .
جعل الخبر عاري عن الفائدة.
طالب:. . . . . . . . .
عند جمع من أهل العلم أن صلاة المأموم مرتبطة بصلاة الإمام من جهة، والأمر الثاني: أنه ما دام مر بين يدي هذا الإمام وسترته سترة لمن خلفه كأنه مر بينه وبين سترته.
"باب: مسح الحصباء في الصلاة:
حدثني يحيى عن مالك عن أبي جعفر القارئ أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- إذا أهوى ليسجد مسح الحصباء لموضع جبهته مسحاً خفيفاً.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن أبا ذر -رضي الله تعالى عنه- كان يقول: مسح الحصباء مسحة واحدة، وتركها خير من حمر النعم".

(25/11)


"باب: مسح الحصباء في الصلاة" الحصى المشوش على الساجد، وفي حكمه ما على وجه الأرض مما يشوش على الساجد صلاته، من رمل وتراب وحشيش وثيل، وما أشبه ذلك، كل ما يشوش على المصلي هل يمسح أو لا يمسح؟ هل يهيأ المكان؟ ينبغي أن يهيأ المكان قبل الدخول في الصلاة، وإذا كان مما على وجه الأرض يذهب الخشوع ينبغي أن يفرش على هذه الأرض ما يحصل الخشوع ويكمله.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي جعفر القارئ" بالهمز المدني المخزومي "أنه قال: رأيت عبد الله بن عمر إذا أهوى للسجود" أهوى وهوى بمعنىً واحد يعني نزل "للسجود مسح الحصباء لموضع جبهته مسحاً خفيفاً" مسحاً خفيفاً ليزيل شغله عن الصلاة؛ لأن هذا الحصى يشغله عن صلاته؛ ليزيل شغله عن الصلاة بما يتأذى به، وبما يحصل على جبهته من التراب مما يؤذيه، قد يدخل في عينيه أو ما أشبه ذلك، وإن كان الاختيار تركه.
وحكى النووي اتفاق العلماء على كراهة مسح الحصباء وغيرها في الصلاة، أولاً: لأنه حركة في الصلاة، الأمر الثاني: جاء معللاً بأن الرحمة تواجهه.
"عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه بلغه أن أبا ذر كان يقول: مسح الحصباء مسحة واحدة" أي تسوية الموضع الذي يسجد عليه إنما يجوز مسحة واحدة في الصلاة "وتركها" والإقبال على الصلاة يعني ولا واحدة "خيرٌ من حمر النعم" والحمر من الإبل هي أحسن ألوانها، فهي المفضلة عند العرب، فترك هذا أعظم أجراً مما لو كان عند الإنسان هذا النوع من الإبل، وتصدق به، أو حمل عليها في سبيل الله.
روى الخمسة عن سفيان عن الزهري عن أبي الأحوص أنه سمع أبا ذر يرويه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((إذا قام أحدكم إلى الصلاة فإن الرحمة تواجهه فلا يمسح الحصى)) ((فلا يمسح الحصى)) هذا نهي، والأصل في النهي التحريم، لكنه محمولٌ على الكراهة بدليل الإذن بالواحدة؛ لأن ما كان نهيه نهي تحريم لا يؤذن منه بشيء، ما دام أذن بواحدة دل على أن النهي محمولٌ على الكراهة.
وعند أحمد عن أبي ذر: ((واحدة أو دع)) وروى الشيخان وأصحاب السنن عن معيقيب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال في الرجل يسوي التراب حيث يسجد قال: ((إن كنت فاعلاً فواحدة)) وهذا يصرف النهي من التحريم إلى الكراهة.

(25/12)


"باب: ما جاء في تسوية الصفوف:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- كان يأمر بتسوية الصفوف، فإذا جاءوه فأخبروه أن قد استوت كبر.
وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه قال: كنت مع عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- فقامت الصلاة وأنا أكلمه في أن يفرض لي فلم أزل أكلمه وهو يسوي الحصباء بنعليه، حتى جاءه رجال قد كان وكلهم بتسوية الصفوف فأخبروه أن الصفوف قد استوت، فقال لي: استو في الصف ثم كبر".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في تسوية الصفوف" والمراد تعديل الصفوف لتكون على سمتٍ واحد، والمقياس في هذا المناكب والأقدام، فإذا تساوت المناكب وتساوت الأقدام هذه هي التسوية، وإلا فقد يكون الشخص نضو الخلقة نحيفاً وبجانبه شخصٌ ممتلئ الجسم يساويه بأمامه وإلا بآخره؟ إن تساوى معه في مقدمته تأخر عنه، تأخر عن الصف، وإن ساواه بمؤخرته تقدم عن الصف، فالمنظور إليه والمرد هو المناكب والأقدام، يبقى أنه قد يطلع مثل هذا البدين شيء منه قدام وشيء خلف هذا أمرٌ غير مقدور عليه، ولا ينظر إليه، ولا يرتب عليه حكم، إنما المطلوب التسوية والمحاذاة في المناكب والأقدام، وأن تكون على سمتٍ واحد، ويراد أيضاً سد الخلل في الصفوف هذا من تسويتها قبل الدخول في الصلاة.
روي في هذا الباب أحاديث كثرة من أجمعها حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله)) رواه أبو داود وصححه ابن خزيمة والحاكم، ((أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكب -وفي رواية: الأقدام- وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات للشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله)).

(25/13)


قد يتطلب الأمر التنبيه على شيء مخل بالخشوع، أو مخل بكمال الصلاة مما يغلب على الظن وجوده، قد ينبه على أمور لم يرد بها سنة بعينها وإنما التنبيه بمثل هذا الكلام يدل عليها، فلو كان شخص معه طفل يؤذي الناس لا ينضبط بالصف، ولا يحسن يصلي فمثل هذا يقال له: هذا الطفل أبعده عن الصف؛ لأنه إذا صف أبوه مثلاً ودخل في الصلاة وتقدم هذا الطفل أمام المصلين وآذاهم وعبث بالمصاحف، يعني ينبه على الأب قبل ذلك، وهذا يحصل كثير.
أيضاً مسألة الجولات كونها تشغل المصلين، وتفتنهم عن صلاتهم، لا سيما إذا كان منبهها محرماً كالأنغام، النغمات الموسيقية هذه فيها فتوى من اللجنة الدائمة بتحريمها، ومما يؤسف له أن بعض المساجد التي يكثر فيها الناس أشبه ما تكون بالكنائس، يصلون الناس وينتهون والموسيقى هذا يشتغل وهذا يطفي، وبعض الناس يتخذ هذه النغمات المحرمة ومع ذلك ينتظر حتى تنتهي على حد زعمه حفظاً لصلاته؛ لئلا يتحرك في صلاته يغلق .. ، لا يا أخي هذا العبث يسير بالنسبة إلى ما ارتكبته من محرم، وشغلت الناس به، وأشغلت نفسك به، فالذي ينبه على هذه الآلات مأجور -إن شاء الله-، ويشهد له ما جاء في معناه من الأحاديث، الناس بحاجة إلى أن ينبهوا، كثير من الناس يأتي وهو غافل، يأتي إلى المسجد والجوال مفتوح فيرن، غافل ينبغي أن ينبه مثل هذا، مع أن الأصل أن الإنسان إذا دخل في المسجد يغلق الجوال، خلاص يقبل على عبادته، ويترك مشاغل الدنيا وأمور الدنيا، فإذا نبه الناس إلى أمرٍ يحتاجونه دخل فيما يشهد له من هذه الجمل التي ذكرناها.
يعني مجرد التنبيه الجرس لمجرد التنبيه وليس فيه إطراب ما يدخل في هذا؛ لأن المحظور في الجرس جهته المطربة لا جهته المنبهة، ولذا جاء تشبيه الوحي به؛ لأنه لو كان مذموماً من كل وجه ما شبه به المحمود وهو الوحي.
طالب:. . . . . . . . .
النغمات الموسيقية تمنع لأدلة كثيرة، واللجنة أفتت بتحريمها.
طالب:. . . . . . . . .
هو إذا كان صوتها مشبه لصوت الجرس المطرب اتجه ما قلت، وبعض الناس يدخل بصور للمسجد نسأل الله العافية.
طالب:. . . . . . . . .
إيه مطرب، إيه نعم مطرب، وجاء النهي عنه.

(25/14)


يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عمر بن الخطاب كان يأمر بتسوية الصفوف، فإذا جاءوه فأخبروه أن قد استوت كبر" مقتضاه أن عمر كان يوكل من يسوي الناس في الصفوف وهذا مندوب، لا سيما إذا كثرت الصفوف، ولا يوصلهم صوت الإمام يوكل بهم من يسوي صفوفهم.
روى البخاري وغيره عن أنس أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة)) ولمسلم: ((من تمام الصلاة)) وتوعد على ترك ذلك بقوله: ((لتسون صفوفكم أو ليخالفنا الله بين وجوهكم)) الحديث مخرج في الصحيح، فتسوية الصف من تمام الصلاة، والذي يخل بهذه التسوية معرض نفسه لهذا الوعيد ((لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)).
((من وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله)) أوردنا سابقاً في درسٍ مضى أن من يأتي من المسبوقين ولا يجد مكاناً في الصف لو آثره أحد ورجع صف معه قلنا: هذا أنه من الإيثار ليصحح صلاة أخيه وهو محتاجٌ إليه فتصدق عليه، لكن قد يترتب على هذا قطع للصف، وجاء الوعيد على ذلك: ((من قطع صفاً قطعه الله)) فعلى هذا لا ينبغي لشخصٍ أن يؤثر بمثل هذا لهذا الحديث: ((من قطع صفاً قطعه الله)) الذي يتأخر عن مكانه يوجد قطع في الصف، ويوجد خلل في الصف، على هذا لا ينبغي أن يحسن على أخيه ولو كان من باب الإيثار ومن باب الإحسان إلى أخيه بمثل هذا الذي يترتب عليه قطع للصف.
طالب:. . . . . . . . .
الطرف أمره أسهل، لكن يبقى أنه أيضاً قطع، ولذا لَمّن يكون الصف متصل يصير فيه قطع.

(25/15)


"وحدثني عن مالك عن عمه أبي سهيل نافع بن مالك عن أبيه -مالك بن أبي عامر- أنه قال: كنت مع عثمان بن عفان فقامت الصلاة وأنا أكلمه في أن يفرض لي" يعني في العطاء يعطيه من بيت المال، يخصص له مبلغ من بيت المال، يفرض له مبلغ معين من بيت المال "فلم أزل أكلمه وهو يسوي الحصباء بنعليه" ليسجد عليها من غير تشويش "حتى جاءه رجال كان قد وكَلهم -أو وكَّلهم- بتسوية الصفوف" يعني كما كان يصنع عمر -رضي الله عنه- "فأخبروه أن الصفوف قد استوت، فقال لي: استو في الصف" يعني قم في مكانك مع الصف، يعني واترك ما أنت بصدده حتى تنتهي الصلاة "استو في الصف ثم كبَّر" وفي بعض النسخ: "ثم كبِّر" يعني كبر عثمان بعد أن قال لهذا: استو في الصف، بعد أن جاءه هؤلاء الوكلاء الذين وكَلهم أو وكَّلهم بتسوية الصفوف قال له: استو في الصف، يعني قف مع الناس، واترك الموضوع إلى بعد الصلاة، ثم كبَّر عثمان -رضي الله عنه- بعد أن أخبر بتسوية هذه الصفوف.

(25/16)


والتراص جاء: ((ألا تصفون كما تصف الملائكة؟ )) ثم سئل: كيف تصف الملائكة؟ قال: ((يتراصون في الصف)) التراص، في الصحيح معلق عن الصحابة أنهم كانوا يلزق بعضهم كعبه بكعب أخيه، وهذه سنة تنبغي المحافظة عليها، ولا تترك فرجات للشيطان، وليس معنى هذا أنه إذا كان بينك وبين أخيك فرجة أو خلل أن تمد رجلك وهو يمد رجله إلى أن يصل بعضكم إلى بعض، ما هو بالحل في سد الخلل وسد هذه الفرج أن الإنسان يمد رجليه ويباعد ما بينهما حتى يصل إلى رجل أخيه لا؛ لأنه إذا حصلت المحاذاة بالأقدام في هذه الصورة لم تحصل المحاذاة بالمناكب، والمطلوب المحاذاة بالمناكب والأقدام، فالإنسان عليه أن يأخذ من الصف بقدر جسمه لتتم المحاذاة، وإلا إذا فحج بين رجليه ومد وباعد ما بينهما الفرج موجودة، ولا يتم امتثال المحاذاة محاذاة الرجلين فقط، بل لا بد أن تكون المحاذاة بالأقدام وبالمناكب أيضاً، وبعض الناس يحرص على تطبيق السنة ويؤذي الناس برجليه، وبعض الناس لا يحتمل مثل هذه التصرفات، بعضهم يصير حساس، قد يترك الصلاة إذا مست رجله، بعض الناس حساس، فالإنسان يختبر جاره إذا كان يرتب على تطبيق هذه السنة محظور أعظم يترك هذا، يترك بينه وبينه فرجة يسيرة جداً بحيث لا تكون خلل في الصف، ولا يؤثر على صلاة أخيه، ولا شك أن الالتصاق بين الصفوف والتراص أمرٌ مطلوب، لكن بحيث لا يترتب عليه أثر أشد منه.
طالب:. . . . . . . . .

(25/17)


الأسئلة كثيرة عن هذه الخطوط، وأنها بدعة، ويجب أن تزال، وقام سببها في عصر النبي -عليه الصلاة والسلام- ولم تفعل، كل ما قام سببه ولم يفعل يكون بدعة، نقول: لا شك أن هذه الصفوف تحقق مصلحة، ولا يترتب عليها أدنى مفسدة، يعني إذا كان الخط الذي بمحاذاة الركن ترتب عليه مفاسد فيتنازعه أمران: المصلحة والمفسدة، هنا ليس فيه أدنى مفسدة، كون السبب قائم في عهده -عليه الصلاة والسلام-، نعم يقال: نعم السبب قائم، لكن ليس قيام السبب في عهده -عليه الصلاة والسلام- بالمستوى الذي هو السبب الموجود الآن، وإن كان تنفيذ الخط في عهده -عليه الصلاة والسلام- ليس بمستوى إمكان التنفيذ في هذا الوقت، أولاً الصفوف ليست طويلة بمسجده -عليه الصلاة والسلام- مثل ما هو موجود في بعض المساجد الآن، الأمر الثاني: أن مسجد الرسول -صلى الله عليه وسلم- مفروش بالرمل فكيف يتسنى خط على الرمل؟ أيضاً وجود حرص الناس في عهده -عليه الصلاة والسلام- أنهم بمجرد ما يأمرهم أن يستووا يستووا، لكن الآن في المساجد الكبيرة التي لا يوجد فيها مثل هذه الصفوف .. ، لو تشوف الناس في الحرمين مثلاً في مكة والمدينة لبعد ما بين الصفوف، تجد الخلل كبير وهذا متقدم وهذا متأخر وهذا .. ، وأخيراً ما وجد الحل إلا أن يوجد فرش فيها هذه الخطوط، وإلا الحرم المدني تعرفون وضعه في طول الصفوف، ثم بعد ذلك الآن يجهزونه بالفرش التي فيها هذه الخطوط التي تحقق هذه المصلحة، فلا شك أن إبقاءها فيه مصلحة، ولا يترتب عليه مفسدة، نعم السبب موجود في عهده -عليه الصلاة والسلام- لكنه ليس بمستوى السبب الداعي في وجودها في عصرنا، وإمكان تحقيقها وإيجادها وإن كان موجوداً في عصره -عليه الصلاة والسلام- إلا أنه ليس بنفس المستوى، فالمنازعة فيها أمرها سهل -إن شاء الله-.
"باب: وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة:
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق البصري أنه قال: من كلام النبوة: إذا لم تستحي فأفعل ما شئت، ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة، يضع اليمنى على اليسرى، وتعجيل الفطر، والاستيناء بالسحور.

(25/18)


وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار عن سهل بن سعد أنه قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة.
قال أبو حازم: "لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: وضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة" جمهور أهل العلم على ما دلت عليه الأحاديث أحاديث الباب من وضع اليد اليمنى على اليسرى على ما سيأتي شرحه وبيانه، ولم يقل بالإرسال -إرسال اليدين- ممن يعتد بقوله إلا ما يروى عن مالك، وعمل به بعض المالكية، وكثيرٌ منهم، وإلا فهو معروف عند طوائف البدع عند الروافض والإمامية وغيرها، ولذا لما دخل ابن بطوطة نيسابور في رحلته الشهيرة ذكر هذا، أرسل يديه وهو مالكي المذهب، فشك فيه أهلها أنه رافضي، وهم سنة في ذلك الوقت، شكوا فيه واتهموه بالرفض، فدعوه إلى وليمة فيها أرنب؛ لأن الروافض لا يأكلون الأرانب كاليهود فأكل، فتعجبوا قالوا: هذه أرنب، قال: نعم نأكل أرنب، الأرنب حلال بالإجماع، اتهموه بالرفض؛ لأنه أرسل يديه، ثم بين لهم أن هذا قول عند المالكية، وهو معتبر عندهم، فبرئ الرفض بأكله الأرنب عندهم، وهو وإن سلم من هذا المذهب القبيح إلا أنه مبتلىً بأمور يصل بعضها إلى حدِّ الشرك الأكبر، من قرأ رحلته وجد الأمثلة المتوافرة لجميع ما ذكره الشيخ محمد -رحمه الله- وأحفاد الشيخ من أنواع الشرك في توحيد الألوهية، نسأل الله السلامة والعافية.
"باب: وضع اليدين إحداهما على الأخرى" يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الكريم بن أبي المخارق" البصري وهو ضعيف بالاتفاق، والإمام مالك معروفٌ بتحريه وتثبته لا يروي إلا عن ثقة كيف روى عن هذا الضعيف بالاتفاق؟ اغتر الإمام مالك بسمته وكثرة وطول جلوسه في المسجد، فخرج حديثه، الإمام مالك -رحمه الله- من أهل التحري والتثبت والتشديد في انتقاء الرواة إلا أنه اغتر بظاهر هذا الرجل حسن السمت طويل المكث في المسجد، ولا يلزم من هذا أن يكون ثقة في الرواية؛ لأن الرواية مطلوبٌ لها أمران: العدالة في الدين، والحفظ والضبط والإتقان، لا يكفي أن يكون الإنسان عدل في دينه، صالحاً تقياً، بل لا بد من الشرط الثاني وهو الحفظ والضبط والإتقان.

(25/19)


أجمع جمهور أئمة الأثر ... والفقه في قبول ناقل الخبر
بأن يكون ضابطاً معدلاً ... أي يقظاً ولم يكن مغفلاً
لا بد أن يكون يقظ في الرواية يضبط، يحفظ ما سمع ويؤدي كما سمع، والإمام مالك بشر ليس بالمعصوم، هو نجم السنن ومعروفٌ بتحريه وتثبته لكن لا يعني أنه معصوم في كل ما يقول -رحمه الله- وكل ما يفعل.

(25/20)


"أنه قال: من كلام النبوة الأولى" يعني مما أدركه الناس من كلام النبوة الأولى، كما في الحديث: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى)) أي مما اتفقت عليه النبوات والشرائع السابقة، وهذا مخرج في الصحيح، ((إذا لم تستحي فأفعل ما شئت)) الحديث مخرج في البخاري في كتاب الأنبياء، في كتاب الأدب أيضاً: "بابٌ: إذا لم تستح فاصنع ما شئت" الترجمة بدون ياء لأكثر الرواة، والحديث بالياء ((تستحي)) أيهما الصواب؟ على كل حال هما لغتان: لغة تميم بياءٍ واحدة، أصل الفعل بياءٍ واحدة {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحِي} ولغة قريش بياءين: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي} [(26) سورة البقرة] فعلى هذا إذا دخل الجازم على المضارع حذف الياء التي هي إيش؟ لام الكلمة، فإذا حذفت على لغة تميم ما يبقى شيء هي ياء واحدة، وإذا حذفت على لغة قريش حذف واحدة وبقي واحدة، فالنص بالياء: ((إذا لم تستحي)) والترجمة بدون ياء على لغة تميم في بعض النسخ، ((فافعل ما شئت)) هذا لفظه لفظ الأمر (افعل) ومعناه الخبر، يعني أن الذي لا يستحي من الناس يصنع ما شاء، هذا خبرٌ عنه، لا أنه يجوز له أن يفعل ذلك، ومنهم من يقول: إنه أمر تهديد كما في قوله تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ} [(40) سورة فصلت] تهديد، ومنهم من يرى أن العمل إذا كان لا يستحيا منه فإنه مباح، لا يستحيا من إظهاره فإنه مباح، والمقصود من ذلك الشخص السوي الذي ما زال على الفطرة، ليس المراد به الشخص الذي اجتالته الشياطين، وأعجب بالمخالفين، لا، هذا لا يستحي، الذي على الفطرة حياؤه موافق لما يجيء في الشرع إن كان على الفطرة، وعلى كل حال المعنى منه واضح، إما إن كان هذا العمل لا يستحيا منه دل على جوازه فافعله، أو يكون هذا المراد به التهديد والوعيد إذا وصلت إلى هذا الحد بحيث نزع منك الحياء فاصنع ما شئت، يعني لا حيلة فيك.

(25/21)


"ووضع اليدين إحداهما على الأخرى في الصلاة اليمنى على اليسرى -يضع اليمنى على اليسرى-" هذا من قول مالك وليس من الحديث "يضع اليمنى على اليسرى" هذا من قول مالك، وهذا يضعف الرواية التي تنقل عنه من القول بإرسال اليدين في الصلاة، إنما يضع اليمنى على اليسرى، يقول عبد الوهاب -وهو من أئمة المالكية-: المذهب وضعهما تحت الصدر وفوق السرة، وهو من أئمة المالكية، وقال الحنفية والحنابلة: تحت السرة، والحكمة في هذه الهيئة أنها مناسبة للمثول لمثول العبد الضعيف بين يدي الجبار، صفةٌ للسائل الذليل الخائف الوجل المنكسر بين يدي خالقه -جل وعلا-، وهي أيضاً أقرب إلى الخشوع؛ لأنه إذا لم تقبض اليد اليسرى باليمنى تحركت اليدان يميناً وشمالاً.
"وتعجيل الفطر" هذه هي السنة، ((ولا تزال الأمة بخير ما عجلت الفطر، وأخرت السحور)) وهو معنى الاستيناء، يعني تأخير السحور، ومن المخالفين من لا يفطر حتى تشتبك النجوم، وهؤلاء من كان ديدنهم مخالفة السنة الثابتة عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويوجد الآن بين أهل السنة مع الأسف الشديد بالنسبة لتأخير السحور توجد مخالفات، كثير من الناس يسهر حتى إذا بقي على الفجر ساعة أو ساعتين تسحر ونام، هذا طبق السنة؟ لا، هذا ما أخر السحور، فخالف السنة في صنيعه هذا.
والشاهد من الحديث وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة، وهذا عن الإمام مالك بدون واسطة، يعني ما هو بنقل بالوسائط عن الإمام مالك هذا كتابه، وكثير ما ينسب إلى الأئمة ما لا يوجد في كلامهم، يعني يوجد في كتب المذاهب ما لم يقله الأئمة صراحة، وإنما يخرج على أقوالهم وعلى قواعدهم من قبل أصحابهم.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟ لا هو ثابت في البخاري: ((إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت)) هذا ما فيه إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟ الإمام مالك -رحمه الله تعالى- لا يرى أدنى إشكال في الإرسال، وبينا هذا مراراً أن المرسل عنده مثل المرفوع ويحتج به، وبعض من تقدم يفضل الإرسال على الوصل، فمثل هذا لا إشكال فيه عند المالكية.
واحتج مالكٌ كذا النعمانُ ... به وتباعوهما ودانوا
به -يعني بالمرسل- وتباعوهما ودانوا

(25/22)


ورده جماهر النقادِ ... للجهل بالساقط في الإسنادِ
فرأي المالكية واضح في هذا.
هذا يقول: ينقل الزرقاني -رحمه الله- عن ابن عبد البر ويعزوه أحياناً لكتاب التقصي فهل هو شرحٌ للموطأ؟
لا، ما هو بشرح، هذا أطراف الموطأ، يعني كأنه مجرد أو هو تجريد للتمهيد، هو تجريد للتمهيد، أشبه ما يكون بالفرس للتمهيد، يعني ترتيبه لأحاديث الموطأ هو مجرد ترتيب على طريقة التمهيد، وعرفنا سابقاً أن التمهيد مرتب على شيوخ الإمام مالك.
طالب:. . . . . . . . .
يطلق القول ويراد به الفعل والعكس، يعني في التيمم فقال بيديه هكذا، يعني ضرب بهما الأرض، فهذا فيه شيء من التوسع.
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي حازم بن دينار" سلمة بن دينار الزاهد العابد المعروف الثقة، وهو الذي يروي عن سهل بن سعد الساعدي الأنصاري، أما الذي يروي عن أبي هريرة غيره، عن أبي حازم عن أبي هريرة.
طالب:. . . . . . . . .
سلمان نعم، وهذا سلمة.
"أنه قال: كان الناس يؤمرون" هذا صحابي، وهذه الصيغة لها حكم الرفع عند أهل العلم؛ لأن الصحابي لا يطلق مثل هذه الصيغة لا سيما في مثل هذا الحكم الشرعي إلا ويريد بذلك من له الأمر والنهي وهو النبي -عليه الصلاة والسلام-، فهذا له حكم الرفع "قال: كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة، قال أبو حازم: لا أعلم إلا أنه ينمي ذلك" وهذه من صيغ الرفع، ينمي ذلك ينميه، بعض النسخ يُنمى، على كل حال ينمي يرفع، يبلغ به، كل هذا دليلٌ على رفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-.
قوله: لا أعلم اعترض الداني في أطراف الموطأ على هذا، فقال: هذا معلولٌ لأنه ظنٌ من أبي حازم، وردَّ بأن أبا حازم لو لم يقل: لا أعلمه، لو لم يأتِ بهذه الجملة لكان في حكم المرفوع من قوله: "كان الناس يؤمرون" والآمر في الأحكام الشرعية والناهي هو النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا المرجح في قول الراوي الصحابي: أمرنا أو نهينا أنه مرفوع.

(25/23)


"كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة" يقول الحافظ ابن حجر: أبهمَ موضعه من الذراع على ذراعه يعني في أوله، في آخره، في أثنائه مبهم، وفي حديث وائل عند أبي داود والنسائي: "ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد" يعني يضع اليد اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، يعني يكون الرسغ في وسط كفه اليمنى، وطرفها على الكف، وطرفها الثاني على الساعد، والرسغ أين الرسغ؟ هو الكوع؟ أي العظام؟ هذا العظم الناتئ أو .. ؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني هو وسط بينهما، أين الكوع من الكرسوع؟
طالب:. . . . . . . . .
الذي يلي الإبهام.
فعظمٌ يلي الإبهام كوعٌ وما يلي ... لخنصره الكرسوع والرسغ ما وسط
يقول أيضاً: هذا حديث موجود عند أبي داود والنسائي وصححه ابن خزيمة وغيره، ولم يذكر محلهما من الجسد، محل اليدين من الجسد، وقد روى ابن خزيمة من حديث وائل أنه وضعهما على صدره، وللبزار: "عند صدره" وفي زيادات المسند من حديث علي أنه وضعهما تحت السرة، وإسناده ضعيف، ضعيف وضعهما تحت السرة.
طالب:. . . . . . . . .
ويش يخالف؟ من الذي يخالف؟ يخالفه أقوى منه؟
طالب:. . . . . . . . .
طيب والرواية الراجحة ويش هي؟ يعني الزيادة غير مخالفة، صححه ابن خزيمة ما له وجه. . . . . . . . . لو عورضت بما هو أقوى منها ....
طالب:. . . . . . . . .
يضع على ذراعه، على الإطلاق عندنا الذي في حديث الباب، وعلى كفه كأنه قابضها، المقصود أن المسألة فيها سعة "أنه وضعهما على صدره" يعني في القيام من الصلاة في حال القراءة واضح وظاهر، لكن في حال القيام من الركوع الأمر كذلك؛ لأنه في حديث أبي حميد رفع من ركوعه حتى عاد كل فقار إلى مكانه، حتى عاد كل فقار إلى مكانه، ومكانه الأقرب هو ما كان قبل الركوع من القبض، يعني ما هو بعاد كل فقار إلى مكانه قبل الدخول في الصلاة، لا.
"باب: القنوت في الصبح:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان لا يقنت في شيء من الصلاة".

(25/24)


يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: القنوت في الصبح" القنوت: هو الدعاء في الصلاة في محلٍ مخصوص من القيام، من بين معاني القنوت العشرة التي ذكرها ابن العربي، ونظمها الحافظ العراقي، على كل حال القنوت يطلق ويراد به عشرة معانٍ، وهنا المراد به الدعاء، الدعاء في المحل المخصوص من الصلاة، يعني قبل الركوع أو بعده على ما جاء في الروايات، وليس المراد به الدعاء المطلق في الصلاة الذي يشمل دعاء السجود، واختيار من المسألة بعد الفراغ من التشهد، ليس المراد، إنما يراد به الدعاء في حال القيام في الوتر وفي الفرائض عند حصول النوازل.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يقنت في شيء من الصلاة" وهذا يتناول الفرائض، في شيء من الصلاة، لا الفرائض الخمس ولا الجمعة ولا النوافل بما في ذلك الوتر، بل روي عن ابن عمر أنه بدعة، أن القنوت بدعة.
أما القنوت في الفرائض فقد ثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قنت شهراً يدعو على رعلٍ وذكوان في الصبح وفي المغرب، وجاء في غيرهما من الصلوات في غير الصحيح، هذا القنوت في الفرائض، وهو محمولٌ عند الأكثر على النوازل، وما عدا ذلك لا قنوت، والشافعية يرون استمرار القنوت في صلاة الصبح، ويذكرون في هذا الحديث المعروف: "فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا" وفي الصحيح: "قنت شهراً ثم تركه" ثم تركه -عليه الصلاة والسلام-، وهذا أصح، هذا بالنسبة للقنوت في الفرائض.
طالب:. . . . . . . . .
نعم إذا وجد سببه والنازلة التي تنزل بالمسلمين من عدوٍ أو مرض، تفشي مرض، يستثني من ذلك أهل العلم الطاعون لأنه لا يقنت لرفعه لأنه شهادة، فإذا نزل بالمسلمين نازلة شرع القنوت قنوت النوازل في الفرائض، وأيضاً القنوت في الوتر ما ذكر عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قنت، لكن في السنن مما صححه الترمذي وغيره أن النبي -عليه الصلاة والسلام- علم الحسن ما يقوله في القنوت: ((اللهم اهدنا فيمن هديت، وعافنا فيمن عافيت)) .. إلى آخره، وهذا مصحح عند الترمذي وغيره.

(25/25)


يقول ابن عبد البر -رحمه الله تعالى-: لم يُذكر في رواية يحيى، أو لم يَذكر في رواية يحيى غير ذلك، يعني ما ذكره عن ابن عمر، وفي أكثر الموطآت بعد حديث ابن عمر: مالك عن هشام بن عروة أن أباه كان لا يقنت في شيء من الصلاة ولا في الوتر، إلا أنه كان يقنت في صلاة الفجر قبل أن يركع الركعة الأخيرة إذا قضى قراءته، ثبت أن النبي كما ذكرنا -عليه الصلاة والسلام- قنت شهراً يدعو على رعلٍ وذكوان، وهذا في الصحيح، وثبت أيضاً أنه تركه، فلا ينبغي فعله في الفرائض إلا عند حصول سببه وهو النازلة، وأما بالنسبة للنوافل فلا قنوت في شيء منها إلا الوتر استدلالً بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- علم الحسن ما يقوله في قنوته، والمداومة على القنوت أيضاً خلاف السنة، ما ذُكر شيء بس إنه علم الحسن ما يقوله في قنوت الوتر، وهذا بالنسبة للأمة يكفيهم الاستدلال بهذا، ما دام شرعه لواحدٍ من الأمة إذاً حكمه حكم الجميع، لكن يبقى أنه هل يداوم عليه أو لا يداوم؟ الأولى أن لا يدوام عليه، بعض السلف بعض الصحابة ينقل عنه أنه لا يقنت إلا في النصف الثاني من رمضان، وعلى كل حال ما دام وجد أصله وجدت المشروعية، فالقنوت في الوتر مشروع.
طالب:. . . . . . . . .
في تعليمه القنوت؟ إيه.
على كل حال الذي يضعفه ما عاد له أي دليل يدل على القنوت في الوتر، يصلي ركعات ويقطعها على وتر ولا يدعو في هذا المكان، المقصود أنه ما في شيء مرفوع، ما يذكر في شيء مرفوع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
المرفوع ما فيه شيء، ما فيه شيء مرفوع.
طالب:. . . . . . . . .
"فلم يزل يقنت حتى فارق الدنيا" يصححونه بعض الشافعية صححوه، ونص بعض السلف أنه محدث أي بدعة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا طالت النازلة ونسيها الناس فنسي الناس هي حكمها حكم المصيبة، يعني ما يذكر بها، والدعاء لا شك أنه سلاح ينبغي أن يكون ديدن المسلم سواءً كان منفرداً أو مع جماعة، هو سلاح لا ينبغي أن يغفل، لكن النبي -عليه الصلاة والسلام- قنت شهر، فلعل هذا هو الحد، وإذا تطلب الأمر الزيادة على ذلك فيرجى أنه لا بأس به عندما يستلزم ذلك.
طالب:. . . . . . . . .

(25/26)


نعم هو فسر القنوت في صلاة الصبح أنه لم يزل يقنت حتى فارق الدنيا بطول القيام، وهذا من معاني القنوت العشرة.
طالب:. . . . . . . . .
جاء هذا وهذا، يلتمسون لهذا موضع ولهذا موضع، يلتمسون لهذا موضع ولهذا موضع، الدعاء للرفع له موضع، والدعاء للطلب له موضع، المقصود أنه ما في ما يدل على التفريق، في ما يدل على أن الأمر فيه سعة.
"باب: النهي عن الصلاة والإنسان يريد حاجته:
حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن الأرقم -رضي الله تعالى عنه- كان يؤم أصحابه فحضرت الصلاة يوماً فذهب لحاجته ثم رجع، فقال: إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة)).
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- قال: "لا يصلين أحدكم وهو ضام بين وركيه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: النهي عن الصلاة والإنسان يريد حاجته" يريد حاجته والحاجة يكنى بها عن الألفاظ المستبشعة التي ينبغي للمسلم أن يترفع عن ذكرها، وقضاء الحاجة معروف، الحاجة المقضية معروفة، فلا يحتاج أن يصرح بها، فإذا احتاج الإنسان إلى قضاء هذه الحاجة وصارت حاجته إلى ذلك قوية بحيث ينشغل بها عن صلاته فالأولى أن ينصرف ويقضي حاجته ثم يقبل على صلاته بالخشوع التام، يفرغ قلبه لصلاته، ويتفرغ من كل ما يشغل باله عن صلاته، سواءً كان من حاجة أو غيرها، حتى لو جاء وذهنه مشغول بأمور الدنيا ينبغي أن يطرح ذلك وراءه فيقبل على صلاته، وقل مثل هذا في كل ما يذهب الخشوع حر شديد، برد شديد، جوع شديد كل هذا ينبغي أن يتخلص منه ويقبل على صلاته، ويؤديها كما أمر.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه" نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا وصل إلى حدٍ بحيث يتشوش ذهنه ولا يحضر قلبه في صلاته الحكم واحد العلة معقولة.

(25/27)


"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن عبد الله بن الأرقم" القرشي الزهري الصحابي المعروف مات في خلافة عثمان "كان يؤم أصحابه فحضرت الصلاة يوماً فذهب لحاجته ثم رجع" كثيرٌ من الناس يحمل على نفسه من أجل أن لا تفوته الصلاة، ويصلي وهو يدافع الأخبثين، والجمهور على أن صلاته .. ، جماهير العلماء على أن صلاته صحيحة، لكن ليس له من صلاته إلا ما عقل، ليس له من صلاته إلا ما عقل، يذهب بعضهم إلى إبطالها إلى إبطال الصلاة؛ لأنه تعارض الأمر بالصلاة والنهي عن الصلاة وهو يدافع الأخبثين، إذا تعارض الأمر مع النهي وكل نهي يبطل العبادة عند أهل الظاهر.
((إذا أراد أحدكم الغائط فليبدأ به قبل الصلاة)) والغائط المعروف المكان المطمئن المنخفض الذي تقضى فيه الحاجة، ثم نقل إلى الحاجة نفسها من باب: إطلاق المحل وإرادة الحال، وفي الحديث: أنه لا يصلي وهو حاقن، فإن فعل فقال ابن القاسم عن مالك: أحبُّ أن يعيد في الوقت وبعده، وقال أبو حنيفة والشافعي وهو المعروف عند الحنابلة: إنه لا إعادة عليه إذا لم يترك شيئاً من فرائضه، من فرائض الصلاة، أحياناً قد يضطر في آخر الصلاة أن يترك ركن، ويتجوز في صلاته بحيث يترك ما لا تتم الصلاة إلا به فهذا لا بد من الإعادة، لكن إذا أتى بها بأركانها وشروطها وواجباتها صلاته صحيحة، ويبقى أنه ليس له من ثوابها إلا ما أدركه بعقله.

(25/28)


وقال أبو حنيفة والشافعية: لا إعادة إن لم يترك شيئاً من فرائضه، وقال الطحاوي: لا خلاف أنه لو شغل قلبه بشيء من أمور الدنيا أنه لا تستحب له الإعادة فضلاً عن أن تجب إذا شغل قلبه عن أمور الدنيا، وكذا لو شغله أي شاغل سواءً كان من أمور الدنيا أو من أمور الآخرة، نعم ليس له من صلاته إلا ما أعقل، جاء عن عمر أنه كان يجهز الجيوش وهو في الصلاة -رضي الله عنه وأرضاه-، وكما قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل] كلٌ يشتغل بما يهمه، فمن الناس من يهتم بأمور الدين، وقد تشغله حتى في صلاته وهذا ملاحظ، الذي يشتغل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو بصدد قضية معينة، ثم يدخل في صلاته تشغله هذه القضية، وهو خير على خير -إن شاء الله-، كما أن عمر يجهز الجيوش في الصلاة، وقد ينشغل بمباح وهذا كثير، وقد ينشغل بمحظور بمحرم.
من الصور التي تقع: الانشغال بأمرٍ مشروع، بما يشبه عمل المصلي، يعني افترض أن شخص خلف الإمام والإمام يقرأ بآيات مؤثرة فيبكي لا من قراءة الإمام، ولا من الآيات التي يقرأها، ولا بسبب الآيات التي يقرأها الإمام وهذا حصل، شخص في الدور الثاني في المسجد الحرام يطل على المطاف وفي أوقات الزحام، رأى الناس في المطاف يموج بعضهم في بعض فبكى من هذا المنظر، والإمام يقرأ آيات مؤثرة وبعض الناس يبكون بسبب القراءة هذا انشغال بأمر خير، لكن الأولى أن يقبل الإنسان على صلاته، ولا ينشغل بأي أمر ولو كان خيراً؛ لأن الأجر المرتب على الصلاة غير الأجر المرتب على غيرها، فضلاً على أن ينشغل بمباح، فضلاً على أن ينشغل بمحرم، بعض الناس تشغله أموره العادية المباحة، وبعض الناس ممن -نسأل الله العافية- يشتغل بالمحرمات بالمنكرات تشغله هذه المحرمات حتى في صلاته.

(25/29)


ثم قال -رحمه الله تعالى-: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب قال: لا يصلين أحدكم وهو ضام بين وركيه" يعني من شدة الحقن والاحتقان والحصر، بعض الناس إذا أصيب بهذا ضم وركيه لئلا يخرج منه شيء، وقلنا: ثبت النهي من حديث عائشة وغيرها قال: ((لا يصلين أحدٌ بحضرة طعام، ولا وهو يدافع الأخبثان)) المقصود أن مثل هذا ينبغي أن يتقى بقدر الإنسان، ويفرغ الإنسان نفسه وقلبه ويقبل على صلاته بقلبٍ فارغ، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني صارت عادته مطردة أو احتاج إليه في هذا الوقت؟ الكلام على الحاجة؛ لأن المسألة فيما يشغل القلب عن الصلاة بحيث لو صلى وهو محتاجٌ إلى طعامه، أو محتاجٌ إلى قضاء حاجته، أو محتاج إلى ما يلبسه ليدفع البرد أو الحر لم يعقل من صلاته شيء، هنا يشرع أن يفرغ من هذا الشاغل ثم يلتفت إلى صلاته.
طالب:. . . . . . . . .
عاد هنا مسألة المفاضلة بين الصلاة في وقتها وبين تحصيل الخشوع، والخشوع عند الجمهور سنة وليس بواجب، الخشوع عند الجمهور سنة وليس بواجب، وأوجبه جمعٌ من أهل العلم ابن رجب والغزالي وغيرهما أوجب الخشوع في الصلاة.
"باب: انتظار الصلاة والمشي إليها:
وحدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث: اللهم أغفر له، اللهم أرحمه)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة)).
قال مالك: لا أرى قوله: ((ما لم يحدث)) إلا الإحداث الذي ينقض الوضوء.
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال أحدكم في صلاة ما كانت الصلاة تحبسه لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة)).

(25/30)


وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر أن أبا بكر بن عبد الرحمن كان يقول: من غدا أو راح إلى المسجد لا يريد غيره ليتعلم خيراً أو ليعلمه، ثم رجع إلى بيته كان كالمجاهد في سبيل الله رجع غانماً.
وحدثني عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أنه سمع أبا هريرة -رضي الله تعالى عنه- يقول: إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه: اللهم أغفر له، اللهم أرحمه، فإن قام من مصلاه فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة حتى يصلي.
وحدثني عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا ويرفع به الدرجات؟ إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطا إلى المساجد، وانتظار الصلاة بعد الصلاة، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب قال: يقال لا يخرج أحد من المسجد بعد النداء إلا أحد يريد الرجوع إليه إلا منافق.
وحدثني عن مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس)).
وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال له: ألم أر صاحبك إذا دخل المسجد يجلس قبل أن يركع، قال أبو النضر: يعني بذلك عمر بن عبيد الله، ويعيب ذلك عليه أن يجلس إذا دخل المسجد قبل أن يركع.
قال يحيى: قال مالك -رحمه الله-: "وذلك حسن وليس بواجب".

(25/31)


يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: انتظار الصلاة والمشي إليها" انتظار الصلاة: يعني في مكانها، يعني في المسجد، والمشي إليها مما يرتب عليه الحسنات بعدد الخطى، انتظار الصلاة قد يقول قائل: إن بعض الناس يفرغ نفسه للصلاة لكنه جالس في بيته ينتظر الأذان ثم يخرج إلى الصلاة هل نقول: إنه في صلاة وهو في بيته؟ لا، والمشي إليها رتب عليه أجر، وفيه: ((بني سلمة دياركم تكتب آثاركم)) ومعلومٌ أن هذا للبعيد من المسجد وهو أعظم أجراً من القريب إذا كان المشي مما تطلبه العبادة، ليس معنى هذا أن الإنسان إذا خرج من بيته وبيته قريب من المسجد أنه يدور الحي لتكثير الخطى، نقول: لا يا أخي هذا ما فيه أجر؛ لأن الأجر الذي يرتب عليه الثواب ما تطلبه العبادة؛ لأن المشقة لذاتها ليست من مقاصد الشرع، لكن لو كان البيت بعيد قلنا: نعم.
"باب: انتظار الصلاة" يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الملائكة تصلي)) " المعنى اللغوي: تدعو، تدعو لمن؟ لمن مكث في مصلاه ((تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه)) ما دام في مصلاه يعني ينتظر الصلاة، والمصلى يحتمل أن يراد به البقعة التي أدى فيها الصلاة، ويحتمل أن يكون المسجد الذي صلى فيه هذان احتمالان، فالمسجد مصلى وقد صلى في هذا المسجد كما أن البقعة التي أدى فيها هذه الصلاة مصلى أيضاً، والحديث هل يتناول الاحتمالين أو يتناول أحدهما دون الآخر؟ لا شك أن الإنسان إذا مكث في البقعة التي أدى فيها الصلاة دخل في النص دخولاً قطعياً، لكن إذا انتقل إلى مكانٍ آخر في المسجد ينتظر الصلاة أو جلس يذكر الله -جل وعلا- صلى بطرف المسجد أو في الصف الثاني الذي ليس فيه تكأة، وجلوسه في هذا المكان يتعبه، وانتقل إلى سارية أو إلى جدار أو إلى شيء يرتاح فيه، نقول: فضل الله واسع، ما دام ما يحبسه إلا الصلاة والذكر فضل الله واسع، وإن قال بعضهم: إن هذا لا يشمله لكن فضل الله واسع.

(25/32)


ولو أن امرأة قعدت في مصلاها جلست في مصلاها في بيتها تنتظر الصلاة الثانية ((تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه)) ومعروف أن الخطاب للرجال يتناول النساء، فإذا جلست المرأة في مصلاها التي صلت فيه تذكر الله -جل وعلا- تنتظر الصلاة اللاحقة فالنص يتناولها -إن شاء الله تعالى-؛ لأنها حبست نفسها عن التصرف رغبةً في الصلاة.
يقول -عليه الصلاة والسلام-: ((الملائكة تصلي على أحدكم ما دام في مصلاه الذي صلى فيه ما لم يحدث)) وهناك: ((فجلس في المسجد ينتظر الصلاة)) ((جلس في مصلاه)) مما يدل على أن الجلوس مقصود، وهل المراد به حقيقة الجلوس أو المراد به المكث في المسجد متعبداً لله -جل وعلا- بصلاة؟ لأنه إذا قلنا: إنه جلس معناه أنه لا يقوم ولا يصلي، المكث متعبداً لله -جل وعلا- بصلاة أو ذكر أو تلاوة أو حضور درس كل هذه أمور مطلوبة، لكن لو غلبه النعاس مثلاً وأخذ يذكر الله وهو يمشي في المسجد مستحضراً قول الله -جل وعلا-: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] فبدلاً من أن يجلس وينعس ولا يستحضر من قراءته ولا ذكره شيء يمشي في المسجد، أو كان محتاج إلى المشي مثلاً منصوح بأن يمشي فقال: بدلاً من أن أمشي في شوارع أو غيرها أجلس في المسجد أنتظر الصلاة وأذكر الله -جل وعلا- وأقرأ القرآن وأنا أمشي، نقول: يؤجر -إن شاء الله تعالى- على هذه النية، وعلى هذا البقاء، وعلى هذا المكث وإن نقص أجره عن أجر الجلوس، المقصود أنه ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) يعني لو جلس من غير قصد المكان بارد. . . . . . . . . الشموس، نعم أو دافيء. . . . . . . . .، هذا ما يؤجر عليه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما يؤجرون إلا على إجابة أمرها بس.
طالب:. . . . . . . . .
لا جلوسه ما له قيمة، المقصود أن يجلس الشخص في مصلاه متعبداً لله -جل وعلا- بذلك.
طالب:. . . . . . . . .
لو قام إيش؟ يطوف؟ إيه نعم هذه عبادة من أفضل العبادات.
طالب:. . . . . . . . .

(25/33)


وهو معد للصلاة؟ هذا المكان الذي جلس فيه معد للصلاة التي تلي هذه؟ هو مصلى، ما دام مصلى معد للصلاة التي صليت وما يصلى بعدها هو ينتظر الصلاة في مصلاه جلس في مصلاه مثل المرأة في مصلاها ما يلزم أن يكون المسجد ((ما لم يحدث)) هو ما دام في مصلاه ولو لم ينتظر الصلاة، المقصود أنه في مصلاه يذكر الله -جل وعلا- الذي صلى فيه ((ما لم يحدث)) سئل أبو هريرة -رضي الله عنه- عن الحدث فقال: إيش؟ "فساءٌ أو ضراط".
((اللهم أغفر له، اللهم أرحمه)) يعني هذا تفسير لقوله: ((تصلي على أحدكم)) يعني تستغفر له وتدعو له بالرحمة، وتمامه في البخاري: ((لا يزال أحدكم في صلاةٍ ما دامت الصلاة تحبسه، ولا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة)) وسيأتي هذا عند الإمام مالك مفصولاً عن الحديث، وهو في البخاري سياقه عند البخاري على أساس أنه حديث واحد.
طالب:. . . . . . . . .
مكث في مصلاه في بيته فاتته الصلاة وصلى في بيته، يكتب له -إن شاء الله- الملائكة تصلي عليه، لكن فاته من الأجر بقدر ما فاته من الجماعة إذا كان منفرداً.
" ((ما لم يحدث، اللهم اغفر له، اللهم ارحمه)) قال مالك: لا أرى قوله: ما لم يحدث إلا الإحداث الذي ينقض الوضوء" وجاء في بعض الروايات: ((ما لم يحدث، ما لم يؤذِ)) ولا شك أن الحدث باليد واللسان أشد مما أشير إليه في الكتاب؛ لأن الأذى من اليد واللسان أشد من الأذى بالحدث، نعم الحدث فيه أذى، وفيه رائحة كريهة، لكن الأذى باليد واللسان أبلغ فهو أولى، والحديث مطابقٌ لقوله تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ} [(7) سورة غافر] لمن؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم {لِلَّذِينَ آمَنُوا} [(7) سورة غافر].

(25/34)


يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((لا يزال أحدكم في صلاة)) " في ثوابها لا في حكمها أنه يحرم عليه أن يتكلم ليس المراد به أنه في صلاة من جميع الوجوه، لكن يمنع مما يمنع منه المصلي من بعض الوجوه فلا يشبك بين .. ما دام ينتظر الصلاة، الآن الذي في طريقه إلى الصلاة في صلاة لا يشبك بين أصابعه، لكن بعد الفراغ من الصلاة وانتظار الصلاة الأخرى يشبك بين أصابعه أو لا يشبك؟ وهو ينتظر الصلاة الأخرى؟ ما يشبك، لكن لو كان لا ينتظر يريد أن يخرج يشبك كما في حديث ذي اليدين.
((ما كانت الصلاة تحبسه، لا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة)) وهذا جزءٌ من الحديث السابق، وصنيع مالك يجعلهما حديثين، وأكثر الرواة ضم هذا إلى الأول فجعلوه حديثاً واحداً، يقول ابن حجر: "ولا حجر في ذلك" يعني يجوز هذا وهذا.
طالب:. . . . . . . . .
ينتظر صلاة إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
مطلقة مطلقة، حتى ولو كان في وقت نهي مثلاً وينتظر خروج وقت النهي ليصلي فضل الله واسع، إذا كانت الصلاة تحبسه ولا يمنعه أن ينقلب إلى أهله إلا الصلاة، ويقتضي أنه إذا صرف نيته عن ذلك صارفٌ آخر انقطع عنه الثواب المذكور، وكذلك إذا شارك نية الانتظار أمرٌ آخر صار عنده موعد، طيب لو انقطعت هذه النية هو جالس ينتظر الصلاة صلى الظهر وجلس ينتظر العصر ثم اتصل عليه واحد من التلفون قال: أنا أريد أن أقابلك، قال: خلاص حدد موعد قال: موعدك المكان الفلاني، وهو يتأهب للخروج اتصل عليه مرة ثانية قال: لا، اجلس في المسجد أنا أجيك، هذا قطع النية.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكنه قطع هذه النية، قطعها، أراد أن يخرج لمقابلة هذا الذي اتصل عليه، من نوى الإفطار أفطر.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا نوى يخرج خلاص تكلم بيقابله بالمكان الفلاني وبيطلع، قبل أن يخرج من المسجد اتصل عليه مرة ثانية قال: اجلس في المسجد أنا أجيك، هذا انتهى هذا، قطع نيته، لكن تستمر نيته لو قال: لا، أنا والله ما أقدر أطلع، تجيني في المسجد وإلا الموعد بعد الصلاة هذا يستمر أجره.
طالب:. . . . . . . . .

(25/35)


عاد الضرورات تقدر بقدرها ما منعه إلا أمرٌ ضروري الضرورة تقدر بقدرها معروف.
يقول الناظم -رحمه الله- ابن عبد القوي:
وخير مقامٍ قمت به وحلية ... تحليتها ذكر الإله بمسجدِ
وكثيراً ما يرد في الأحاديث أنه دخل على النبي في المسجد، فجاء إلى المسجد، المقصود أن هذا ديدنه -عليه الصلاة والسلام-.
"وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر أن أبا بكر" يعني مولاه ابن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام أحد الفقهاء السبعة "كان يقول: من غدا -الغدوة في أول النهار- أو راح -يعني في آخره من الزوال- إلى المسجد لا يريد غيره" غدا أو راح لا يريد غير المسجد، لكنه غدا هذا خرج من بيته غدوةً، أو راح من بيته يريد البقالة مثلاً ليقضي حاجة، ثم قابله ولده وقال له: روح اقض الحاجة أنت أنا بأروح المسجد، هذا ما غدا إلى المسجد، لكن عدوله عن هذا الأمر المباح إلى هذا الأمر الفاضل لا يحرم أجره -إن شاء الله تعالى-.
"إلى المسجد لا يريد غيره ليتعلم خيراً -من غيره قاصد درس مثلاً- أو ليعلمه -يعلم غيره الخير- ثم رجع إلى بيته كان كالمجاهد في سبيل الله رجع غانماً" يقول ابن عبد البر: وهذا لا يدرك بالرأي والاجتهاد؛ لأنه قطعٌ على غيبٍ من حكم الله وأمره في ثوابه، المقصود أنه يريد ابن عبد البر أن يقرر أن مثل هذا لا يقال بالرأي فله حكم الرفع.
طالب:. . . . . . . . .
هو بعيد من وجه باعتبار أن من أهل العلم من يجعل العلم باباً من أبواب الجهاد، وأجرى عليه بعض أحكام الجهاد في جواز السفر، المقصود أنه باب من أبواب الجهاد، لكن هل يرجع كالمجاهد في سبيل الله الذي ذهب ليقاتل الأعداء، المقصود فضل الله واسع.
جاء في الخبر أيضاً المرفوع من حديث سهل بن سعد عن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((من دخل مسجدي هذا ليتعلم خيراً أو ليعلمه كان كالمجاهد في سبيل الله)) هذا مرفوع، حديث أبي أمامة عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيراً أو يعلمه كان كأجر حاجٍ تاماً حجه)) أخرجهما الطبراني وإسناد كلٍ منهما حسن كما قال السيوطي.

(25/36)


المقصود أن التعلم والتعليم من أفضل أبواب الجهاد، وأجره عظيم لمن أخلص فيه؛ لأن تعلم العلم الشرعي من أمور الآخرة المحضة التي لا يجوز فيها التشريك، فإذا أخلص العبد لربه فليبشر وليؤمل خيراً ((ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة)).
"وحدثني عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر أنه سمع أبا هريرة يقول: إذا صلى أحدكم" فرضاً أو نفلاً؛ لأن حذف المفعول يدل على التعميم، إذا قلت: لا تعط زيداً أنت ما ذكرت لا تعطه ريال ولا عشرة ولا مائة ولا ألف، مقصوده لا تعطيه شيئاً من هذا كله، فحذف المفعول يدل على التعميم "إذا صلى أحدكم ثم جلس في مصلاه لم تزل الملائكة تصلي عليه" يعني تدعو له "اللهم أغفر له، اللهم أرحمه، فإن قام من مصلاه -يعني البقعة التي صلى فيها- فجلس في المسجد ينتظر الصلاة لم يزل في صلاة -حكماً- حتى يصلي" هناك لم تزل الملائكة تصلي عليه هذا إذا جلس في البقعة التي جلس فيها، إن انتقل إلى مكانٍ آخر فهو في صلاة ما دام ينتظر الصلاة.
يقول ابن عبد البر أيضاً: هذا مثل حديثه المرفوع إلا أنه يشمل الاحتمالين السابقين ذكرهما في المراد بالمصلى، وعند النسائي مرفوعٌ من طريق مالك أيضاً؛ لأنه هذا موقوف على أبي هريرة، لكن مثله لا يقال بالرأي فحكمه حكم الرفع.
على كل حال من جلس في المصلى البقعة التي صلى فيها دخل في هذه النصوص دخولاً قطعياً، فإن انتقل من هذا المكان إلى مكانٍ آخر في المسجد لمبررٍ واضح لا يستطيع أن يجلس بدون تكأة هذا يرجى له أن يكون كما لو جلس في المصلى.
إذا انتقل إلى مكانٍ آخر من دون قصدٍ صحيح وغرضٍ صحيح بل انتقل من مكان إلى آخر لمجرد الانتقال فهذا لا شك أن ثوابه أقل، ومثله لو لم يجلس يعني انتقل من مكان ثم إلى ثالث إلى رابع وهكذا، ولو استغرق الوقت مشياً وهو يذكر الله ويقرأ القرآن أو يصلي فإنه يرجى له الخير العظيم -إن شاء الله تعالى- ما دام جالس في المسجد في بيتٍ من بيوت الله ينتظر الصلاة فهو على خير -إن شاء الله تعالى-.

(25/37)


"وحدثني عن مالك عن العلاء بن عبد الرحمن بن يعقوب -المدني- عن أبيه -عبد الرحمن بن يعقوب الجهني المدني- .... أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ألا -هذا حرف تنبيه- ألا أخبركم بما يمحو الله به الخطايا)) كناية عن غفران الذنوب والعفو عنها، أو محوها من كتب الحفظة ((بما يمحو الله به الخطايا، ويرفع به الدرجات)) المراد بها المنازل العالية في الجنة ((إسباغ الوضوء عند المكاره)) يعني في المشقات والشدائد كشدة الحر وشدة البرد ((إسباغ الوضوء عند المكاره، وكثرة الخطى -جمع خطوة- إلى المساجد)) ويكون ذلك ببعد الدار عن المسجد، وجاء في الحديث الصحيح: ((بني سلمة دياركم تكتب آثاركم))، ((وانتظار الصلاة بعد الصلاة فذلكم الرباط)) هذا رباط ومرابطة، وامتثال للأمر {وَرَابِطُواْ} [(200) سورة آل عمران] وإن كان الأصل في الرباط حقيقته الشرعية ملازمة الثغور، لكن الذي لا يتيسر له ذلك فليحرص على هذا؛ لأن المرابطة مأمور بها ((فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط)) يعني المرغب فيه، والحصر يدل على أن هذا النوع أفضل الرباط، وإذا قلنا: إن قوله: ((فذلكم الرباط)) من باب التشبيه يعني كالرباط اقتضى أنه دون الرباط في الثغور لكنه نوعٌ مرغبٌ فيه من أنواع الرباط.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن سعيد بن المسيب قال: يقال: لا يخرج أحد من المسجد بعد النداء إلا أحد يريد الرجوع إليه" حيث خرج لحاجة لضرورة أحدث وأراد أن يجدد الوضوء هذا في حكم من بقي في المسجد، لو كان في درس مثلاً ومكث فيه إلى أن انتهى الدرس وخرج إلى مسجدٍ آخر فيه درس آخر، وأراد أن يدرك الدرس من أوله هذا أيضاً عذر في الخروج، وإن كان الأولى أن يخرج قبل الأذان.

(25/38)


"إلا أحدٌ يريد الرجوع إليه إلا منافق" يريد أن ذلك من أفعال المنافقين، يقول ابن عبد البر: مثل هذا لا يقال من جهة الرأي، ولا يكون إلا توقيفاً، مع أن بعض الصحابة حكم على بعض الناس من خلال بعض التصرفات بأنه منافق، فدل على أن الصحابي قد يجتهد في تطبيق هذه الصورة، ويرى أنها من عمل المنافقين وإن لم تكن كذلك، فيمكن أن يقال هذا من جهة الرأي؛ لأن المنافق هو الذي يرغب عن الصلاة ويخرج عنها بعد أذانها هذا من أفعال المنافقين.
فروى مسلم وأبو داود وأحمد عن أبي الشعثاء قال: كنا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة، فأذن المؤذن فقام رجلٌ من المسجد يمشي فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-، فالخروج من المسجد بعد الأذان بغير عذر لا يجوز، بل هو محرم، والصحابي صرح بأن هذه معصية.
طالب:. . . . . . . . .
علشان؟ هو إمامه مثلاً؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما هو مبرر هذا، ما هو مبرر لمخالفة هذه النصوص.
هناك خبر ذكروه عن سعيد قال: بلغنا أن من خرج بين الأذان والإقامة لغير الوضوء أنه يصاب، يعني يصاب بما يكره، وهذا من باب الترهيب من مثل هذا العمل، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(25/39)


الموطأ – كتاب قصر الصلاة في السفر (4)
شرح: باب: وضع اليدين على ما يوضع عليه الوجه في السجود، وباب: الالتفات والتصفيق عند الحاجة في الصلاة، وباب: ما يفعل من جاء والإمام راكع، وباب: ما جاء في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-، وباب: العمل في جامع الصلاة.

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول هذا يستفسر عن الذي يصير خلال شهر محرم من لطمٍ ونياح وغيره من الكثير من الناس يقصد يوم عاشوراء؟
هذا أمر محرم مخالف للشرع أمرٌ مبتدع والنياحة جاءت النصوص الصحيحة الصريحة بتحريمها على الميت الذي يوجد سببه قائم محرم فكيف بما عدم سببه؟!
هذا يسأل عن أدب الطالب أثناء حضوره إلى الدرس؟
وكأنه يشير إلى ما حصل بالأمس من مكالمة طالت في جوال من أحد الإخوان بصوتٍ مسموع وطالت مرة، سكت سكت أريد أن يقطع ما أفاد، ما نفع، استمرت المكالمة، هذا ليس من الأدب أبداً، إذا ما عنده استعداد يتفرغ لحضور الدرس يريح نفسه لماذا يحضر؟ إذا أراد أن يستغرق جزء كبير من الوقت للمكالمات مثل هذا لا يحضر، ييسر عليه الأمر يأخذ الأشرطة ويسمع ويستفيد -إن شاء الله تعالى-، وإذا حضر الدرس يتفرغ للسماع والإفادة والسؤال عما يشكل لا بأس كل هذا مطلوب في الدرس.
عنده سؤال ثاني يقول: تبيين أحسن طبعات شروح الموطأ، يقول: وقعنا في حيرة فلا ندري أي الطبعات أفضل لا سيما الشروح المطولة كالتمهيد والاستذكار؟
الأصل في الطبعات بالنسبة للتمهيد هي الطبعة المغربية في أربعةٍ وعشرين جزءً، وظهر طبعة أخيرة ذكرها بعض الإخوان، وأنها مقابلة على نسخ لم يطلع عليها من حقق الكتاب من المغاربة، وأنا ما رأيت هذه الطبعة، وأما بالنسبة للاستذكار فالطبعة التي أعتمد عليها هي طبعة القلعجي في ثلاثين جزءً، فيها عناية وفيها تخريج لبعض النصوص، إلا أنه كبرها بالتعليقات المنقولة بحروفها من التمهيد، والتمهيد موجود لو أحال مجرد إحالة على موضع البحث من التمهيد واكتفى به اختصر.

(26/1)


من الشروح التي ينبغي لطالب العالم أن يعنى بها: المنتقى للباجي، وهذا كتاب نفيس، والباجي من أئمة المالكية، وشرحه مطبوع في سبعة مجلدات كبار طبع السعادة طبعة قديمة، ومن الشروح المهمة التي انتقى فيها من جميع الشروح شرح الزرقاني وعمدته بالدرجة الأولى على فتح الباري، كتاب طيب نفيس، وأيضاً أخذ من الاستذكار وغيره من الشروح.
ومن الشروح شرح أوجز المسالك للكندهلوي مطبوع في خمسة عشر جزءً، الطبعة الهندية القديمة في ستة مجلدات، لكنه طبع طبعة بالحروف العربية، الطبعة الأولى بالحروف الفارسية الخط الفارسي، وإن كانت اللغة عربية، وكثير من طلاب العلم لا يطيق ولا يصبر على قراءة الخط الفارسي، هو طبع في خمسة عشر جزءً وهو كتابٌ طيب، وفيه نقول نافعة، مما يتميز به هذا الكتاب نقل المذاهب من كتب أصحابها، والشروح كثيرةٌ جداً، ذكرنا منها جملة في بداية الشرح، وأشرنا إلى أنه يوجد من المخطوطات الكم الهائل من شروح الموطأ المطولة والمختصرة، فالموطأ شرح بأكثر من مائة شرح، وهذا مذكور في الكتب التي تعتني بالكتب وشروحها.
يقول: أنا كنت مأموم وصليت خلف الإمام فلما سجد رأيتُ في قدمه لصقه هذا في صلاة المغرب، فلما صلى بنا العشاء كنت خلفه أيضاً ورأيتُ نفس اللصقة في نفس مكانها –مما يعني أنه لم يزلها- وأنا لا أدري إن كان يصلي هذه الصلاة بنفس وضوء المغرب أم لا؟ ولكن تبين لي أنه توضأ لها وضوءً خاصاً، فماذا علي؟ وماذا علي؟ ثانية لعله يريد: فماذا عليه؟ وماذا علي؟

(26/2)


إن كانت في باطن القدم يعني كانت اللصقة التي تستعمل للجروح فهذه في الغالب يكون على علمٍ بها، وتكون لحاجة وبقدر الحاجة ويمسح عليها ويكفي، هذه إذا كانت هي اللصقة المعدة للجروح، وإذا كانت مما يلصق بالقدم من غير قصد فهذه لا بد من إعادة الوضوء، الوضوء لا يصح كثيراً ما يوجد مما يلقى على الأرض على سبيل المثال: التسعيرات التي تلصق في البضائع والسلع والكتب وغيرها ينزعها ثم يرميها، ثم تلصق بالقدم هذا كثير هذا، وإذا كانت في باطن القدم في الغالب أنه لا يحس بها فيغسل قدمه .. ، لا بد من إعادة الوضوء في هذه الحالة، وإذا كانت اللصقة المعدة للجروح فالذي يغلب على الظن أنه استعملها للحاجة، ولا شيء عليه إذا مسح عليها.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وحدثني عن مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس)) " وهذا الحديث متفق عليه، حديث أبي قتادة في تحية المسجد: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس)) يركع ركعتين وهذا العدد لا مفهوم لأكثره، فلو صلى أربع ركعات، ست ركعات، ثمان ركعات، أوتر بثلاث، أوتر بخمس، أوتر بسبع لا بأس، صلى الفريضة أربع ركعات، أو ثلاث ركعات، أو ركعتين لا بأس؛ لأن المقصود من تحية المسجد كما يقول أهل العلم شغل البقعة، وتتأدى هذه التحية بأي صلاة، ولا مفهوم لأكثره، بمعنى أنه يصلي ركعتين فما زاد، واختلف في أقله بمعنى أنه لو دخل شخص في مثل هذا الوقت وحرصاً منه على الدرس قال: إذا صليت ركعتين فات دقيقتان على الأقل، أوتر بواحدة وتكون هي تحية المسجد وأوفر دقيقة، هذا على أقل الأحوال تتأدى ركعة مجزئة بدقيقة، يقولون: بالنسبة لأقله المفهوم معتبر، بمعنى أنه لو صلى ركعة واحدة ما امتثل هذا الأمر ((فليركع ركعتين)) وحينئذٍ لا تتأدى هذه السنة بأقل من ركعتين، واتفق الأئمة على أن هذا الأمر ((فليركع)) في قوله: ((فلا يجلس حتى يصلي ركعتين)) أنه على الندب، بهذا قال عامة أهل العلم.

(26/3)


وذكر ابن حجر وغيره أن الظاهرية قالوا بوجوب الركعتين ركعتي تحية المسجد، وإن صرح ابن حزم بعدم الوجوب، لا يمنع أن يكون واحد من أئمة المذهب يخالف المذهب.
وثبت عن جمعٍ من الصحابة أنهم يدخلون المسجد ثم يخرجون ولا يصلون، ومن أقوى ما يستدل به على عدم الوجوب قول الأعرابي لما سأل عن الخمس قال: هل علي غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) هذا يدل على أنه لا يجب غير الخمس على خلافٍ بين أهل العلم في مثل الوتر، مثل صلاة العيد، وصلاة الكسوف عند من يقول بوجوبها، والمسألة استدلال بالعموم يلجأ إليه إذا لم يعارضه ما هو أخص منه، وعلى كل حال الأدلة كثيرة على عدم الوجوب، وإليه ذهب عامة أهل العلم.
ثم قال: "وحدثني عن مالك عن أبي النضر -عن سالم بن أبي أمية أبي النضر- مولى عمر بن عبيد الله عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه قال له" أبو سلمة بن عبد الرحمن قال لأبي النضر: "ألم أر صاحبك" يعني مولاه عمر بن عبيد الله المذكور "إذا دخل المسجد يجلس قبل أن يركع" ينتقد، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين)) وعمر بن عبيد الله يدخل المسجد ولا يركع ركعتين "قال أبو النضر يعني بذلك عمر بن عبيد الله، ويعيب ذلك عليه أن يجلس إذا دخل المسجد قبل أن يركع" يعني التحية، فإذا كان حكمها الاستحباب والندب فلا يعني أن الإنسان إذا لم يصل هاتين الركعتين يأثم، لكن هذا ليس بمبرر للشخص أن يفرط بمثل هذه السنة المأمور بها وإن لم يأثم، يعاب إذا كان ديدنه ذلك، هذا لا شك أنه حرمان، وعدم اكتراث بالسنة، وأهل العلم يقدحون بالمواظبة على ترك السنن، والذي يترك الوتر وإن كان سنة يقول الإمام أحمد: هذا رجل سوء ينبغي أن لا تقبل شهادته، لكن هل يأثم؟ لا يأثم.

(26/4)


((فليركع ركعتين)) هذه تسمى تحية المسجد، وهي من ذوات الأسباب عند أهل العلم، هذا الأمر يتعارض مع قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس))، ((ولا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس)) في الأوقات الخمسة المعروفة التي منها هذان، ومنها الثلاثة التي جاءت في حديث عقبة بن عامر: "ثلاث ساعات كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينهانا أن نصلى فيهن، وأن نقبر فيهن موتانا" فإذا دخل المسلم المسجد في هذه الأوقات فهل يترك لما ثبت من النهي أو يمتثل هذا الأمر فيصلي ركعتين؟ ((إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس)) وهذا عامٌ في جميع الأوقات، عام في جميع الأوقات خاص بهذه الصلاة، وأحاديث النهي خاصة في هذه الأوقات عامة في جميع الصلوات، فلو سأل سائل قال: دخلت بعد العصر أو بعد الصبح أو قبيل الغروب أو مع طلوع الشمس أو حين يقوم قائم الظهيرة أصلي وإلا ما أصلي؟ ماذا نقول له؟ نقول له: يصلي وإلا ما يصلي؟ الأئمة الثلاثة يقولون: لا يصلي، أبو حنيفة ومالك وأحمد يقولون: لا يصلي، لماذا؟ يقولون: مثل هذا الحديث عام في جميع الأوقات، وأحاديث النهي خاصة في الأوقات المذكورة والخاص مقدم على العام، يقابل هذا القول قول الشافعية، يقولون: يصلي امتثالاً لمثل هذا الأمر، طيب ماذا عن أحاديث النهي؟ يقولون: أحاديث النهي عامة في جميع الصلوات في جميع الصلوات وهذا خاص بهذه الصلاة، والخاص مقدم على العام، وأنتم تسمعون هذا كثير في كلام من يتصدى للفتوى، أحاديث النهي عامة وحديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، هذا يسلم وإلا ما يسلم؟ يعني ليس قبول هذا القول بأولى من قبول القول الآخر؛ لأن أولئك يقولون: أحاديث النهي خاصة بهذه الأوقات، وحديث ذوات الأسباب عامة في جميع الأوقات ((إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين)) يعني في غير الأوقات المنهي عنها، فبين النصوص الواردة في ذوات الأسباب ومن أوضح هذه الصلوات تحية المسجد، النصوص الواردة في ذوات الأسباب مع أحاديث النهي عن الصلاة في الأوقات الخمسة بينها إيش؟ عموم وخصوص من وجه، عموم وخصوص وجهي، يعني الثلاثة حينما قالوا: بين هذه النصوص عموم وخصوص مطلق والخاص

(26/5)


مقدم على العام فلا يصلي الداخل، وقابلهم الشافعية فقالوا: أحاديث النهي عامة وأحاديث ذوات الأسباب خاصة، والخاص مقدم على العام، نقول: كلاكما مصيب، فبين هذه النصوص عمومٌ وخصوص وجهي، بمعنى أن أحاديث النهي أعمُّ من وجه وأخص من وجه، وأحاديث ذوات الأسباب أعم من وجه وأخص من وجه، وهل حينئذٍ يتسنى أن نقول: الخاص مقدم على العام؟ لا، ما يمكن، ما يمكن أن نقول: الخاص مقدم على العام.
إذا كان التعارض بهذه المثابة التكافؤ في الدلالة لا بد حينئذٍ من مرجحٍ خارجي، تجد كثير من طلاب العلم يعني بعد الثورة على التقليد التي حصلت قبل ربع قرن يسخر من شخص يدخل العصر ويجلس، وين هذا؟ هذا مقلد جامد هذا يسخر منه، ومعه من النصوص مثل ما معك التي تمثل الطرف الآخر، فلا شك أن بين النصوص عموم وخصوص وجهي، أحاديث النهي أعم من وجه وأخص من وجه، وحديث ذوات الأسباب أعم من وجه وأخص من وجه، وحينئذٍ لا نستطيع أن نرجح من النصوص أنفسها بينها، إنما نرجح بأمور خارجية.
أنت قرأت ما كتبه البخاري في صحيحه في الطواف بعد الصبح وبعد العصر؛ لأنه أورد أحاديث النهي تحت هذه الترجمة، وأورد خبر عمر أنه طاف بعد الصبح ولم يصل الركعتين إلا بذي طوى، وأورد أحاديث النهي عن الصلاة، والشارح حشد الأدلة على هذا حديث جابر في المسند: "لم نكن نطوف مع النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد الصبح ولا بعد العصر" طالب العلم إذا بحث مسألة ينبغي أن يستوعبها ويستقصيها، لماذا أخر عمر -رضي الله عنه- ركعتي الطواف إلى أن خرج إلى ذي طوى؟ حتى يخرج وقت النهي، والأمر ليس من السهولة بحيث يأتي آحاد الطلبة ويرجحون ولأن المسألة أعظم من ذلك، هذه يقول أهل العلم: إنها من عضل المسائل، حتى قال بعضهم: لا تدخل المسجد في أوقات النهي، يعني حرج شديد.
طالب:. . . . . . . . .

(26/6)


هذا الذي ذكره الأخ الآن، ما يلزم يا أخي، أنت لا تنظر للمسألة بعينٍ واحدة، انظر عليها بالعينين معاً، فإذا نظرنا إلى أن هذا إمام عارضه ثلاثة أئمة لكنها صادفت وقت، هذه المسألة من المسائل التي صادفت وقت في ثورة على التقليد، فصار بعض الناس يسخر ممن يجلس ولا يصلي، يقول: هذا مقلد؛ لأنه ما يعرف إلا مذهب الحنابلة هذا، وكلام شيخ الإسلام:
إذا قالت حذام فصدقوها ... . . . . . . . . .
ولا ينظر في النصوص مع قول شيخ الإسلام، شيخ الإسلام إمام ولا أحد يتطاول على أن يناقش شيخ الإسلام فضلاً على أن ينال منه وليس بالمعصوم، المقصود أن هذه المسألة يقول أهل العلم: إنها من عضل المسائل، ليست بالمسألة السهلة التي تقول فيها: خاص وعام ومقدم .. ، ما هو بصحيح.
يعني إذا نظرنا إلى من قال بالقولين عندنا أئمة ثلاثة، ثلاثة من الأئمة يقولون: لا تصلِ في هذا الوقت وواحد يقول: صل تمسكاً بما جاء في أحاديث ذوات الأسباب، وأولئك عملوا بأحاديث النهي وجعلوها خاصة في هذه الأوقات، وما عدا ذلك صل كيفما شئت، حتى الظاهرية الذين أوجبوا تحية المسجد ماذا يقولون؟ يقولون: تجب تحية المسجد على كل من دخل المسجد طاهراً في وقت تجوز فيه النافلة، أهل الظاهر هذا المذهب نفسه، تبي تقول لي: وين قالوه؟ ما أدري وين قالوه؟ هذا كلام أهل العلم نقلاً عنهم، عندك له كتاب داود؟ إحنا ما عندنا من كتب الظاهرية إلا ابن حزم، ابن حزم صرح بعدم الوجوب، يعني على القول بالوجوب يقولون: وقت النهي لا تصلِّ وهي واجبة عندهم.
نعود إلى أصل المسألة لما قلنا: نطلب مرجح خارجي، الجمهور بم رجحوا قولهم؟ الجمهور قالوا: الحظر مقدم على الإباحة ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) ((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) إذاً أيهما أقوى الأمر وإلا الحظر؟ الحظر أقوى، ونحن إذا قال لنا الرسول -عليه الصلاة والسلام-: ((فليركع ركعتين)) في وقت النهي لا نستطيع؛ لأنه نهانا عن هذه الصلاة، الذي أمرنا بهذا هو الذي نهانا على أن نصلي في هذا الوقت، إذاً لا نستطيع أن نخالف نهيه، ونهيه مقدم على أمره، بهذا يرجح الجمهور.
طالب:. . . . . . . . .

(26/7)


أنا ودي أن نكمل المسألة ثم بعد ذلك نشوف الإخوان، واضح وإلا ما هو بواضح كلامهم؟
طيب الشافعية عندهم مرجحات، الشافعية يتفقون مع الجمهور بأن الحظر مقدم على الإباحة، وهم يعبرون بالإباحة بما هو أعم من ذلك بما يشمل السنة، الشافعية بما يرجحون قولهم، أنا ودي الإخوان يصيرون على علم من قول البخاري -رحمه الله-: "باب: الطواف بعد الصبح وبعد العصر" وأورد أحاديث النهي عن الصلاة بعد الصبح وبعد العصر في الباب، وأورد خبر عمر -رضي الله عنه- أنه طاف بعد الصبح ولم يصلِّ إلا بذي طوى، يمكن أن يقول هذا ويصح عنده حديث: ((يا بني عبد مناف))؟ يمكن؟ ما يمكن أن يقول هذا.
فالحاصل أن الشافعية عندهم مرجحات، مقرر عند أهل العلم عند الشافعية وغيرهم أن قوة الخبر بقدر حفظه من المخصصات، وضعفه بقدر ما يدخله من المخصصات، فالعموم الذي يدخله من المخصصات أكثر أضعف من العموم الذي يدخله من المخصصات أقل فضلاً عن العموم المحفوظ، نأتي إلى عموم: ((إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين)) هذا عموم دخله من مخصصات .. ، ما فيه إلا خصوص الأوقات الذي مرَّ بنا، الخصوص الموجود في أحاديث النهي في هذه الأوقات، وإذا نظرنا إلى أحاديث النهي دخلها من المخصصات خصوص أحاديث ذوات الأسباب، دخلها فعل الفرائض الفائتة في أي وقت، فإذا تذكر الإنسان الفائتة نسيها أو صلاة تبين له بطلانها يصليها في أي وقت حتى أوقات النهي، إذاً دخل عموم أحاديث النهي من التخصيص أكثر مما دخل أحاديث ذوات الأسباب، فالشافعية يرجحون بهذا.

(26/8)


إذا نظرنا إلى أوقات النهي وجدناها قسمين: قسم موسع وقسم مضيق، اثنان موسعان وثلاثة مضيقة، النبي -عليه الصلاة والسلام- أقر من صلى ركعتي الصبح بعد صلاة الصبح، هذا مخصص، النبي -عليه الصلاة والسلام- قضى ركعتي الظهر بعد صلاة العصر هذا مخصص، لكن أن نلاحظ أن مثل هذه النصوص إنما هي في الأوقات الموسعة، والنهي عن الصلاة في الوقتين الموسعين عند بعض أهل العلم كابن عبد البر وابن رجب وغيرهما النهي عن الصلاة فيه من باب سد الذريعة لا لذاته؛ لئلا يتمادى الإنسان في الصلاة حتى يصلي في الوقت المضيق، فإذا كان الأمر كذلك فالصلاة فيهما أخف من الصلاة في الأوقات الثلاثة المضيقة، وعلى هذا فالمرجح عندي -أنتم سمعتم أقوال الأئمة- أن من دخل المسجد في الوقتين الموسعين يصلي، ومن دخل في الأوقات الثلاثة المضيقة لا يصلي، وشاهدنا من أهل العلم الذين تبرأ الذمة بتقليدهم، بل من أهل النظر والتحري من يدخل المسجد قبل أذان المغرب بخمس دقائق ويصلي ولا يعاب عليه هذا، فمن صلى لا يعاب عليه، له سلف ومعه نصوص، والذي لا يصلي له سلف ومعه نصوص، لكن هذا المتوجه عندي أنه إذا دخل في الوقتين الموسعين الأمر فيه سعة؛ لأن النهي عن الصلاة في هذين الوقتين إنما هو من باب سد الذريعة، بينما الأوقات الثلاثة المضيقة لذاتها فلا يصلي، وهي أيضاً وقت يسيرة يعني يحتمل الوقوف، يحتمل أدنى شيء، لو ما صلى جلس ما عليه شيء، امتثل هذا النهي تقرب بذلك إلى الله -جل وعلا-، الذي نهاه من يملك النهي، ولو انتظر واقف الأمر فيه سعة.
الظاهرية وهو اللائق بمذهبهم ولا أدري هل قالوه بالفعل أو هو من باب الإلزام قالوا: إذا دخل في وقت النهي يضطجع، إذا دخل المسجد في وقت النهي يضطجع؛ لأنه ما جلس قبل أن يجلس هو ما جلس، يعني مثل ما يقال له: انتظر واقف، عندك خمس دقائق أوقف ما يضرك علشان ما تقع في الحرج، الوقوف بالفعل ما جلس، لكن إذا اضطجع؟ يقول الظاهرية: ما عليه خلاص المقصود أنه ما جلس قطعاً ما خالف النص، يعني لو دخل واحد يبي يدخل المسجد يأخذ له حاجة وإلا شيء نقول له: صل ركعتين ما جلست وهو ما هو بجالس، وفيه النهي أيضاً، فيه النهي.

(26/9)


ماذا تستشف من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) ((إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه))؟ يعني النهي فيه قوة، يعني مخالفة النهي لا شك أنها أعظم من مخالفة الأمر في الجملة، وإن كان شيخ الإسلام يرجح العكس -رحمه الله- يرجح العكس؛ لأن معصية آدم فعل محظور، ومعصية آدم ترك مأمور، على كل حال من أهل العلم من يرى أنه لا يدخل المسجد في أوقات النهي.
طالب:. . . . . . . . .
حينما تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تزول، وحين تتغيب الشمس للغروب حتى تغرب هذه الأوقات المضيقة.
طالب:. . . . . . . . .
لا الإنسان عليه أن يرجح ويفعل ما يدين الله به؛ لأن هذا تعارض ما هو بتنوع أبداً، هذا تعارض.
طالب:. . . . . . . . .
هم بعد يستدلون بمن دخل وتخطى رقاب الناس فقال له: ((اجلس فقد آذيت)) ما قال له: اركع ركعتين.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، الأدلة كثيرة على عدم وجوبها، أيضاً الثلاثة النفر الذين أقبلوا، فأقبل اثنان وأدبر الثالث، ما حفظ أنهم صلوا تحية مسجد، جلسوا على الحلقة على طول.
طالب:. . . . . . . . .
لا الأدلة متظافرة على عدم وجوبهما، مصلى العيد النبي -عليه الصلاة والسلام- ذهب إلى المصلى وصلى وخطب ولم يصل قبلهما ولا بعدهما.
أقول: مصلى العيد، المصلى له أحكام تخصه، والمسجد له أحكامه، فإذا كانت صلاة العيد بالمسجد وهما يشتركان في بعض الأمور ويختلفان في بعض الأمور، المقصود أنه إذا كانت صلاة العيد في المسجد، ومثلها في حكمها عند أهل العلم الاستسقاء إذا كانت في المسجد فالمسجد له أحكامه تصلي ركعتين، ويكون حتى في مسجد مصلى العيد الذي أمر الحيض باعتزاله حكمه حكم المسجد، وعلى هذا إذا دخل المأموم يصلي ركعتين، وكونه -عليه الصلاة والسلام- لم يصلِّ ركعتين إيه دخل إلى الجمعة وما صلى ركعتين، المسجد الذي أمر الناس .. ، الذي أمر الداخل بأن يصلي ركعتين وهو ما صلى ركعتين، فالإمام له ما يخصه من الأحكام، والمأموم له ما يخصه من الأحكام.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم

(26/10)


الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اجز شيخنا عنا خير الجزاء.
قال الإمام أبو عبيد الله فيما يرويه عن أبيه في روايته لموطأ مالك -رحمهم الله أجمعين-:
"باب: وضع اليدين على ما يوضع عليه الوجه في السجود:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا سجد وضع كفيه على الذي يضع عليه جبهته، قال نافع: ولقد رأيته في يوم شديد البرد وإنه ليخرج كفيه من تحت برنس له حتى يضعهما على الحصباء.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: من وضع جبهته بالأرض فليضع كفيه على الذي يضع عليه جبهته، ثم إذا رفع فليرفعهما فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: وضع اليدين على ما يوضع عليه الوجه في السجود" من سجد على فراش أو حصير أو على الخمرة يضع اليدين على ما وضع عليه الوجه، فإذا كان الوجه مباشراً للأرض تباشر اليدان، وإذا كان هناك حائل فليكن للجميع؛ لأن حكم الوجه واليدين واحد بخلاف بقية أعضاء السجود السبعة ((أمرت أن أسجد على سبعة أعضاء)) ما هي؟ الجبهة وأشار إلى نفه، واليدين والركبتين وأطراف القدمين، فاليدان حكمهما حكم الوجه، تباشر ما يباشره الوجه وهذا على سبيل الوجوب وإلا الاستحباب؟ يعني إذا كان يشق عليه إخراج اليدين من برد شديد مثلاً وسجد وهما في ثوبه أو في بشته.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان إذا سجد وضع كفيه على الذي يضع عليه جبهته" لأن حكم اليدين حكم الوجه بخلاف سائر أعضاء السجود، فيستحب أن يباشر بجبهته ويديه الأرض؛ لأن السجود يكون عليهما "قال نافع: ولقد رأيته في يوم شديد البرد وإنه ليخرج كفيه من تحت برنس له حتى يضعهما على الحصباء" تحصيلاً لهذه السنة، وكان سالم وقتادة وغيرهما يباشرون بأكفهم الأرض، وأمر بذلك عمر -رضي الله عنه-، وأما حديث: "صلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مسجد بني عبد الأشهل فرأيته واضعاً يديه في ثوبه إذا سجد" هذا إيش؟ ضعيف؛ لأن فيه إسماعيل بن أبي حبيبة قال الحافظ: فيه ضعف.

(26/11)


حديث وائل عن إيش؟ عن ابنه: أنه رآهم يسجدون وعلى أيديهم جل الثياب، يسجدون وأيديهم في ثيابهم، هذا المثال الذي يمثل به لرواية الأكابر عن الأصاغر، المقصود أن هذا ليس على سبيل اللزوم والوجوب، إنما هي كراهة والكراهة تزول بأدنى حاجة، لكن إذا تحمل الإنسان المشقة وأبرز يديه في وقت البرد الشديد له أجره كما كان ابن عمر يفعل، وهو من أصحاب العزيمة -رضي الله عنه وأرضاه-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: من وضع جبهته في الأرض فليضع كفيه على الذي يضع عليه جبهته" يعني لأن حكمهما واحد "ثم إذا رفع فليرفعهما" يعني إذا رفع من السجود يرفع يديه، ما يبقي يديه في مكانهما حتى يسجد السجدة الثانية، لماذا؟ لأنه لا يتم الاعتدال من السجود إلا برفع اليدين، ما هو معنى رفع اليدين أنه يرفعهما كما يرفع إذا كبر للإحرام أو إذا ركع أو إذا رفع من الركوع، لا، يرفعهما عن الأرض؛ لأنه لا يتم الاعتدال من السجود إلا برفعهما عن الأرض "فإن اليدين تسجدان كما يسجد الوجه" وهذا تعليلٌ للأمر بوضعهما على الأرض، وفي الصحيحين وغيرهما: ((أمرت أن أسجد على سبعة أعظم)) ومعلومٌ أن الركبتين يجب سترهما والصلاة بالخفين أمرها مستفيض معروف، فلا يلزم لها كشف القدمين، وأما الركبتان فهما تبعاً للعورة في قول كثير من أهل العلم.
طالب:. . . . . . . . .
هم يفرقون بين الحائل المتصل والحائل المنفصل، الحائل المنفصل ما يرون فيه بأس، تفرش سجادة ما في بأس، لكن تسجد على شماغك وإلا على شيء متعلق بك ينفصل بانفصالك مثل هذا متصلٌ بك يكرهونه، لكن إذا وجدت الحاجة تزول هذه الكراهة، فإذا كان هناك حر شديد أو برد شديد، أو شيء يذهب الخشوع غبار أو الفرشة قديمة وفيها روائح وإلا فيها شيء بعض الناس ما يتحمل.
نعم اقرأ.
"باب: الالتفات والتصفيق عند الحاجة في الصلاة:

(26/12)


حدثني يحيى عن مالك عن أبي حازم سلمة بن دينار عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذهب إلى بني عمرو بن عوف ليصلح بينهم وحانت الصلاة فجاء المؤذن إلى أبي بكر الصديق -رضي الله تعالى عنه- فقال: أتصلي للناس فأقيم؟ قال: نعم، فصلى أبو بكر فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس في الصلاة فتخلص حتى وقف في الصف فصفق الناس، وكان أبو بكر لا يلتفت في صلاته، فلما أكثر الناس من التصفيق التفت أبو بكر فرأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن أمكث مكانك، فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذلك، ثم استأخر حتى استوى في الصف، وتقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى ثم انصرف، فقال: ((يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ )) فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((مالي رأيتكم أكثرتم من التصفيح، من نابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه وإنما التصفيح للنساء)).
وحدثني عن مالك عن نافع أن بن عمر -رضي الله عنهما- لم يكن يلتفت في صلاته.
وحدثني عن مالك عن أبي جعفر القارئ أنه قال: كنت أصلي وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- ورائي ولا أشعر فالتفت فغمزني".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: الالتفات والتصفيق عند الحاجة في الصلاة" الالتفات والتصفيق عند الحاجة، الالتفات بالوجه عند أهل العلم مكروه، وهو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد، والكراهة تزول عند الحاجة، وأما التصفيق فقد فعلوه وأنكر عليهم وبين أن الرجال لهم التسبيح -عليه الصلاة والسلام-، والتصفيق هو اللائق بالنساء.

(26/13)


يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن أبي حازم سلمة بن دينار عن سهل بن سعد" قلنا مراراً: إن أبا حازم الذي يروي عن سهل بن سعد هو سلمة بن دينار الزاهد المعروف "عن سهل بن سعد" الأنصاري الخزرجي "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذهب إلى بني عمرو بن عوف -بن مالك بن الأوس- ليصلح بينهم" لخلافٍ وقع وشجار ونزاع "وحانت الصلاة" وهي صلاة العصر "فجاء المؤذن" وهو بلال "إلى أبي بكر الصديق" لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له -لبلال-: ((إن حضرت الصلاة ولم آتك فمر أبا بكر فليصلِّ بالناس)) فجاء بلال امتثالاً لهذا الأمر "إلى أبا بكر الصديق، فقال: أتصلي للناس؟ " عنده أمر من النبي -عليه الصلاة والسلام- ((فمر أبا بكر فيصلّ بالناس)) ثم بعد ذلك حضرت الصلاة وحانت فجاء بلال امتثالاً لهذا الأمر "فقال: أتصلي للناس؟ " وهكذا ينبغي أن يكون إذا كان الخطاب من الصغير إلى الكبير أن يكون على سبيل العرض لا على سبيل الإلزام، هو عنده أمر من النبي -عليه الصلاة والسلام-، ما قال: قم يا أبا بكر صل بالناس "أتصلي للناس فأقيم؟ " يعني لو قال أبو بكر: لا، ابحث عن غيري، بين له أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أمره، فإذا فعل ما عرض عليه من غير مرادة ولا محاورة ذلك المطلوب، ويكون هذا هو الأسلوب المناسب في مثل هذه الظروف.

(26/14)


"أتصلي للناس فأقيم؟ -على سبيل العرض- قال: نعم، فصلى أبو بكر" صلى أبو بكر (صلى) فعل ماضي، والأصل في الماضي أنه يراد به الفراغ من الفعل، لكن المراد به هنا شرع في الصلاة وأخذ فيها، دخل في الصلاة "فصلى أبو بكر، فجاء رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والناس في الصلاة -جملةٌ حالية- فتخلص حتى وقف في الصف -عليه الصلاة والسلام-" تخلص: شق الصفوف، وفي رواية مسلم: "فخرق الصفوف" يعني لأنه -عليه الصلاة والسلام- جاء من الخلف "حتى وقف في الصف" ولا شك أن النبي -عليه الصلاة والسلام- له من الخصوصية مما جعله يستثنى من بعض الأحكام، وإلا لو فعل غيره تخلخل الصفوف خمسة صفوف ستة صفوف حتى وقف بجانب الإمام، هو الإمام الراتب وكلف شخص يصلي بالناس، ثم قال: لا، أنا أقتدي بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، وآذى الناس، وتخلخل الصفوف، ووقف بجوار الإمام، وصلى هو، يكون حينئذٍ أحسن وإلا أساء؟ هذا من النبي -عليه الصلاة والسلام- مقبول؛ لأنه له ما يخصه،. . . . . . . . . مبرر في كونه يؤم الناس، هو الإمام الأعظم، هو القدوة والأسوة.
"فصفق الناس" والتصفيق والتصفيح ضرب إحدى اليدين بالأخرى "وكان أبو بكر -رضي الله عنه- لا يتلفت في صلاته" لا يلتفت في صلاته هذه مما يعد في مناقب أبي بكر -رضي الله عنه وأرضاه-، لكن إذا سمعها الصغير من طلاب العلم يقول: أبو بكر أفضل الأمة بعد نبيها يقال: إنه لا يلتفت في صلاته، آحاد الناس لا يلتفت في صلاته فكيف مما يذكر من مناقب أبي بكر أنه لا يلتفت في صلاته؟! أنت طيب لو يصلي عندك بزر ويتلفت كنت تلومه، ما تلومه وتقول له: ليش تلفت يا أخي اخشع والتفت إلى صلاتك؟ حتى لو حدث أمرٌ عظيم، لو قدر أن هناك جيش غازي لا يمكن أن يلتفت أبو بكر -رضي الله عنه-، لا يمكن أن يلتفت في صلاته أبو بكر مهما عظم الأمر.

(26/15)


"فلما أكثر الناس من التصفيق" فظن أبو بكر أن هذا لخلل في صلاته، ولم يقدر هذا الخلل، "التفت -رضي الله عنه وأرضاه-" على خلاف المعتاد "فرأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن امكث مكانك" امكث: فعل أمر "فرفع أبو بكر يديه فحمد الله على ما أمره به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" ظاهره أنه تلفظ بالحمد، وادعى بعضهم أنه أشار بيده بما يدل على الحمد ولم يلفظ، لكن ظاهر اللفظ أنه تلفظ به "فحمد الله على ما أمره به رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من ذلك" لا شك أن هذه مزية ومنقبة لأبي بكر أن يأمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يستمر إماماً ويصلي خلفه.
"ثم استأخر حتى استوى في الصف" أبو بكر -رضي الله عنه- امتثل الأمر وإلا خالف الأمر؟ خالف الأمر، النبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: "امكث مكانك" وأبو بكر أفضل الأمة خالف هذا الأمر "حتى استوى في الصف" لأنه فهم من هذا الأمر إيش؟ التكريم له، فعندنا أمر نبوي ومخالفة لهذا الأمر من أجل احترام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وننتبه لهذا؛ لأن بعض المبتدعة يستمسك بمثل هذا، وعنده أوامر صريحة يقول: لا، أنا ما .. ، أبو بكر قدوة، الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم)) نقول: لا، نطريه ونغلو فيه من باب احترامه؛ لأن أبا بكر خالف، خالف الأمر احتراماً للنبي -عليه الصلاة والسلام-، نقول: فعل أبي بكر اكتسب الشرعية من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام- هل لأحدٍ أن يخالف أمره، من أين يكتسب الشرعية في المخالفة بعد وفاته -عليه الصلاة والسلام-؟ فهمنا أن فعل أبي بكر صحيح من إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن إذا جاءنا أمر صريح وقلنا: لا، نحترم الرسول -عليه الصلاة والسلام- لأننا أمرنا بنصوص قطعية: تعزروه وتوقروه.

(26/16)


المقصود أن عندنا أمر: امكث مكانك، يعني الزم مكانك، خالف أبو بكر هذا الأمر احتراماً للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وبعض المبتدعة يقول: إن الاحترام مقدم على امتثال الأمر، فإذا قيل له: لماذا تقول في التشهد: "اللهم صلِّ على سيدنا محمد" والعبادات توقيفية؟ يقول: هذا من باب الاحترام، أبو بكر خالف الأمر الصريح وهذا ما فيه أمر ولا نهي، نقول: العبادات توقيفية، أبو بكر خالف وأقر على المخالفة، واكتسبت مخالفته الشرعية بإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-، فمن أين لعملك ما يدل على الشرعية؟ لأن هذا مدخل لبعض المبتدعة فلا بد من الوقوف عنده.
"استأخر أبو بكر حتى استوى في الصف، وتقدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى ثم انصرف، فقال: ((يا أبا بكر ما منعك أن تثبت إذ أمرتك؟ )) فقال أبو بكر: ما كان لابن أبي قحافة" تواضع ما قال: ما كان لي، ما كان لأبي بكر، لا، "ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، وفي رواية: "أن يؤم النبي -صلى الله عليه وسلم-" "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- .. " يعني لم يستدرك ولم يثرب ولم يعتب على أبي بكر، إنما اتجه إلى المصلين "فقال: ((مالي رأيتكم أكثرتم من التصفيح)) " هذا الإنكار متجه إلى أصل التصفيح والتصفيق أو هو متجه إلى كثرته؟ بمعنى أنهم لو صفقوا مرة واحدة ما يثرب عليهم؟ ظاهر اللفظ أن الإنكار للإكثار، من الإكثار، لكن التعليل في ختام الحديث يدل على أن التصفيح والتصفيق بالنسبة للرجال مما ينبغي أن ينكر {وَمَا كَانَ صَلاَتُهُمْ عِندَ الْبَيْتِ إِلاَّ مُكَاء وَتَصْدِيَةً} [(35) سورة الأنفال] فالمكاء: هو الصفير، والتصدية: أي التصفيق.
((من نابه شيء في صلاته فليسبح)) (من) من صيغ العموم ((من نابه شيء في صلاته فليسبح، فإنه إذا سبح التفت إليه، وإنما التصفيح للنساء)) من نابه من صيغ العموم، لكن النساء يخرجن بقوله: ((وإنما التصفيح للنساء)) طيب لو وجد خنثى في المصلين يسبح وإلا يصفق؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
يجمع؟ لا، هذا مشكل، ما في غالب ولا مغلوب.
طالب:. . . . . . . . .

(26/17)


شلون أدرى بحاله؟ هو يسأل يسأل يقول: ويش أسوي؟ أسبح وإلا أصفق؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو الخنثى المشكل هو لا بد أن يصير لا مع الرجال ولا مع النساء، في صفٍ متوسط، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يسكت؟ ما في غيره، ما انتبه غيره إيش يسوي؟
طالب:. . . . . . . . .
اللي هو إيش؟ لا ما هو بالأصل الذكورة هو مشكل، لا هو عندنا ما يشمله في النص، عندنا ما يشمله في النص ((من نابه)) يشمل الجميع ((من نابه شيء في صلاته فليسبح)) يشمل الجميع الرجال والنساء والخناثى وكل المصلين، لكن خرج من هذا النص النساء بالنص، يبقى من عداهم على التسبيح.
طالب:. . . . . . . . .
على الأصل أنه يسبح هذا الأصل أن يسبح ((من نابه شيء)) شيء نكرة في سياق الشرط تعم.
طالب:. . . . . . . . .
الأصل أن يسبح، لكن إذا جهر بالذكر فلا شيء فيه، إذا ما عرف المطلوب يلتفت.
طالب:. . . . . . . . .
ما يدري إيش يسوي يلتفت إيش المانع؟ لأن هذا مكروه والكراهة تزول بمثل هذا.
طالب:. . . . . . . . .
عندك هنا وهي في الصحيحين: "فحمد الله على ما أمره به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
على كل حال في الحديث فضل الإصلاح بين الناس، وتوجه الإمام بنفسه لهذا الإصلاح وتقديم هذه المصلحة على مصلحة إقامة الإمامة بالناس؛ لأنها مصلحة عظمى، وجواز الصلاة الواحدة بإمامين، واستحباب حمد الله -جل وعلا- والشكر له سبحانه لمن تجددت له نعمة، وجواز ذلك في الصلاة؛ لأنه ذكر، هكذا قال أهل العلم، لكن هل هذا الكلام يقبل على إطلاقه؟ بمعنى أن للإنسان أن يذكر الله في أي موضع من مواضع صلاته؟ بين السجدتين عطس فحمد الله مشروع وإلا غير مشروع؟ هذا ذكر يعني حديث أبي بكر يدل على جوازه، موطن دعاء ما هو بموطن ذكر، ((من شغله ذكري عن مسألتي))؟
طالب:. . . . . . . . .
دعاء عبادة، يعني دعاء عبادة ما هو بدعاء مسألة، على كل حال إذا عرض له مثل هذا يحمد الله في نفسه في سجود، بين السجدتين وهكذا، في التشهد يحمد الله في نفسه.
طالب:. . . . . . . . .
لا ينكر عليه.
طالب:. . . . . . . . .

(26/18)


جواز إمامة المفضول للفاضل من أين يؤخذ هذا؟ "امكث"؛ لأن الأصل لو مكث صلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وراءه، فدل على جواز ذلك، وجواز العمل اليسير في الصلاة كونه تأخر هذا عمل لكنه يسير.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن ابن عمر لم يكن يلتفت في صلاته" لشدة اتباعه -رضي الله عنه وأرضاه-، ولا ننظر إلى الظروف التي بعد وقته -عليه الصلاة والسلام- لما استتب الأمن، لظرف وقتهم قد يكون الالتفات تستدعيه الحاجة، تطلبه الحاجة، أما الإنسان يدخل المسجد يصلي ويطلع الأشهر بل السنين ما نابه شيء ولله الحمد، لكن في وقتهم هناك أعداء يتربصون بهم، وحروب قائمة.
طالب:. . . . . . . . .
المهم لا يلتفت بشيء من بدنه غير الوجه.
طالب:. . . . . . . . .
إيه إذا انحرف عن جهة القبلة بطلت صلاته.
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي جعفر القارئ أنه قال: كنت أصلي وعبد الله بن عمر ورائي ولا أشعر فالتفتَ فغمزني" يعني من جهة قفاه، أو فالتفتُ فغمزني فالتفتُ هذا هو الشاهد، فغمزني من جهة الخلف، إشارة إلى نهيه عن ذلك، وسببه كراهة الالتفات لنقص الخشوع أو لترك الاستقبال ببعض البدن، يعني اللي هو الوجه، "ولا أشعر" يعني ما علم به هو وراه، يقول: "وعبد الله بن عمر ورائي ولا أشعر" ومعروف أنه "به" هو موجود عندكم؟ هو المقصود ظاهر يعني، هو لا يشعر به، لم يعلم به، بوجوده.
سم.
"باب: ما يفعل من جاء والإمام راكع:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه قال: دخل زيد بن ثابت المسجد فوجد الناس ركوعاً فركع ثم دب حتى وصل الصف.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- كان يدب راكعاً.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(26/19)


يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما يفعل من جاء والإمام راكع" يفعل ما أمر به ((إذا جاء أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام)) فإذا جاء والإمام راكع يركع، فإن كان في الصف فهذا هو الأصل، وإن كان قبل وصوله إلى الصف وأراد إدراك الركعة وركع دون الصف ثم لحق في الصف ففي إخبار الباب ما يدل على جوازه، وهو ثابت من فعل أبي بكرة -رضي الله عنه-، وإقرار النبي -عليه الصلاة والسلام- له، جاء أبو بكرة والنبي -عليه الصلاة والسلام- راكع فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، لما سلم النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له: ((زادك الله حرصاً ولا تَعُد)) أو ((لا تُعِد)) كما في بعض الروايات، أو هي اختلافٌ في ضبط لفظٍ واحد "تَعُد وتُعِد وتَعْدُ" على كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- لم يأمره بالإعادة، فدل على أن فعله صحيح، لكن هل هو الأولى أو الأولى أن ينتظر إلى الصف ويركع دون حركة أثناء الصلاة؟
هنا يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أبي أمامة -أسعد أو سعد- بن سهل بن حنيف -الأنصاري- أنه قال: دخل زيد بن ثابت المسجد فوجد الناس ركوعاً فركع ثم دب حتى وصل الصف" يعني راكعاً، فعل زيد بن ثابت يوافق فعل أبي بكرة، الذي أقره عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن مسعود كان يدب راكعاً" يقول ابن عبد البر: لا أعلم لهما مخالفاً من الصحابة، وهذا موقوف على زيد بن ثابت وابن مسعود -رضي الله عنهما-، والاستدلال بخبر أبي بكرة أولى وأقوى؛ لأن فيه إقرار النبي -عليه الصلاة والسلام-.
أبو هريرة -رضي الله عنه- يقول: لا يركع حتى إيش؟ أو يقول: "لا تركع حتى تأخذ مقامك من الصف" لكن مثل هذا الكلام لا يعارض به ما جاء في حديث أبي بكرة، وإن كان الأولى أن ينتظر الإنسان إلى أن يصل إلى الصف، وما أدركه يصليه، وما فاته يتمه.
ويقول: لا أعلم مخالفاً إلا ما يذكر عن أبي هريرة، يعني لو جاء والإمام راكع وبينه وبين الصف عشرين متر مثلاً في آخر المسجد يركع عند باب المسجد ويدب يمشي عشرين خطوة حتى يصل إلى الصف ولو أدرك الإمام ساجد؟ يعني إيش المقدار المتجاوز عنه في مثل هذا؟ سؤال.

(26/20)


طالب:. . . . . . . . .
أهل العلم وضعوا ضوابط للحركة في الصلاة، وأنها إذا كانت أكثر من ثلاث حركات في ركنٍ واحد أن لها أثر في الخشوع والطمأنينة، وثلاث حركات فما دون أو دون ثلاث حركات على خلاف بينهم لا يؤثر، فعلى هذا إذا قلنا: ثلاث خطى فما دون لا بأس، وأكثر من ذلك يكون حركة داخل ركن واحد، يمكن أن نرجع ما أطلق إلى مثل هذا؟
أهل العلم قيدوا هذا قيدوا، يكادون يتفقون على أن الحركات إذا كثرت .. ، إذاً ما يكون الضابط في الحركة في الركن الواحد؟ هل نقول: أي حركة مبطلة للصلاة أو بدون تقييد أو العرف إذا رآه شخص قال: هذا يصلي أو لا يصلي؟ يكفي هذا؟ يعني لو تحرك عشر مرات في ركنٍ واحد، ومن رآه يقول: يصلي، واضعٍ يديه
على صدره ويحك رجله برجله مثلاً عشر مرات أو أكثر، من رآه قال: يصلي؛ لأن بعضهم جعل الضابط أن يكون من رآه قال: يصلي أو لا يصلي، إذا رؤي قيل: يصلي هذا حركته لا تبطل صلاته، لكن لا يكفي هذا، معلوم أهل العلم قدروا ذلك بالحركات الثلاث في كل ركن، فعلى هذا إذا كانت ثلاث خطوات يتجاوز فيه وأكثر من ذلك .. ؛ لأن مثل هذا لا ينضبط لو أطلق، لو مثلاً شخص دخل مع باب المسجد الحرام مع أحد الأبواب ووجد الإمام راكع ركع فما وجد ناس يصف معهم إلا تحت الكعبة، هذا ينضبط ذا؟ ما ينضبط، أو في مسجد من المساجد الكبيرة يحتاج إلى عشرين ثلاثين خطوة أحياناً.
إذاً لا بد من ضابط، لا بد من شيء يضبطه، وضبطه بما يراه أهل العلم؛ لأن أيضاً تحديد أهل العلم عرف لكنه عرف خاص، والتقييد بعرف أهل العلم أولى من التقييد بعرف غيرهم.
طالب:. . . . . . . . .
يعني إذا أدرك الركوع يعني.
طالب:. . . . . . . . .
إيه بس يحتاج هذا أيضاً، هو ما انفرد، هو نوى الائتمام به من أول لحظة، من أول ركوع.
طالب:. . . . . . . . .
لا يصير ما أدرك الركعة ستبطل ركعته، يعني لو سجد الإمام ورفع ثم سجد ثانية والمأموم ما سجد السجدة الأولى بطلت صلاته، ركعته.
طالب:. . . . . . . . .
هو الآن دخل مع الإمام، ويصنع كما يصنع الإمام، يبي يركع مع الإمام وهو يمشي، ويبي يرفع مع الإمام وهو يمشي، ويبي يدرك الإمام في السجود يسجد معه ويش نقول؟

(26/21)


طالب:. . . . . . . . .
إيه المسألة تحتاج إلى ضابط تحتاج، المسألة تحتاج إلى ضابط.
طالب:. . . . . . . . .
إلا دليل حديث أبي بكرة لكن ما فيه بيان لعدد الخطى.
طالب:. . . . . . . . .
إيه هذا يدركهم في الرفع لو مشى خطوتين احتمال، طيب بيدركهم بالتهجد، بيدركهم، بالتهجد بيدرك، أو بالكسوف بيدرك، أقول: المسألة تحتاج إلى ضابط، نعم النص جاء مطلق ما فيه تقيد بشيء، ومثلها الطمأنينة ما لها حد محدود، الحركة ليس لها حد محدود فتقيد بالعرف، عرف من؟ عرف أهل العلم، عرف أهل العلم أقرب من فهم النصوص من عرف عامة الناس.
طالب:. . . . . . . . .
يبقى أنه ما أمر بالإعادة، أبو بكرة ما أمر بالإعادة.
طالب:. . . . . . . . .
لا غيره ثابت عن الصحابة قاطبة، ثابت عن الصحابة كلهم إلا ما يذكر عن أبي هريرة، فوجد الناس ركوعاً فركع ثم دب حتى وصل الصف، هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
وجد الناس ركوع فركع ثم دب حتى وصل الصف، بس ما يدري هل رفع وإلا ما رفع؟ ما ذكر شيء.
على كل حال فعله صحيح، ومنقول عن الصحابة كلهم إلا ما يذكر عن أبي هريرة، يعني لا يعرف لهؤلاء مخالف، فلا إشكال في كون الإنسان يركع قبل الصف، لا إشكال في ذلك، لكن هل هو فاضل أو مفضول؟ أو ينتظر حتى يصل إلى الصف بطمأنينة ثم يركع؟ ((ما أدركتم فصلوا)) إذا المجيء هذا إلى المسجد أو لمكان الصلاة الذي هو الصف؟ ((فليصنع كما يصنع الإمام)) وعلى هذا هل نقول: هل الأفضل أن يركع دون الصف أو ينتظر إلى أن يصل إلى الصف ولو فاتت الركعة؟ لا شك أن هذا من حرص أبي بكرة، وحرص كثير من الناس يدعوهم إلى مخالفة السنة، أبو بكرة أسرع وأخذه البهر يعني النفس عنده يتردد بسرعة، وهذا مكروه، فلا شك أن عمله وإن كان صحيحاً مجزئاً مسقطاً للطلب لا يؤمر بالإعادة إلا أنه خلاف الأولى، لا سيما مع ثبوت رواية: ((ولا تَعُد)).
طالب:. . . . . . . . .
لا لا،. . . . . . . . . زيد بن ثابت دخل وجد الناس ركوعاً فركع، وأيضاً ابن مسعود، ولا يعرف لهما مخالف من الصحابة، هذا ما فيه إشكال -إن شاء الله تعالى-.
طالب:. . . . . . . . .

(26/22)


وشلون نضبطها هذه الحالة؟ ما يضبطها إلا الذي رأى أبا بكرة ومقدار ركوعه بينه وبين الصف، أما الذي يسمع كلام ولا يعرف المقدار ما يستطيع أن يضبط.
طالب:. . . . . . . . .
الصلاة خلف الصف دون ركعة أقل من ركعة إذا لم تتم الركعة، ولذلك استثني ما دون الركعة من أمر من صلى خلف الصف بالإعادة.
طالب:. . . . . . . . .
تفوت الجماعة على قول، هل يدرك؟ الحديث ((ما أدركتم فصلوا)) والأمر بالسكينة والوقار والطمأنينة يجعل الإنسان ينتظر حتى يقف في الصف، ويكبر مطمئن خاشع مخبت، وما يدركه يصليه، وما فاته يقضيه.
تشوف بعض الناس من طلبة العلم، ويعرف ما جاء من النهي عن الإسراع، وتجده إذا سمع الإقامة وخشي فوت الركعة يجري، هذا من الحرص بلا شك، عاد إما من الحرص أو من الخجل من الناس لئلا يراه الناس يقضي هذا يمكن، يمكن هذا، المقصود أن مثل هذا مفضول، الأمر بالطمأنينة والسكينة والوقار هو الأصل.
"باب: ما جاء في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-:
حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي أنه قال أخبرني أبو حميد الساعدي -رضي الله تعالى عنه- أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال: ((قولوا: اللهم صلّ على محمد وأزواجه وذريته، كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)).
وحدثني عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن محمد بن عبد الله بن زيد إنه أخبره عن أبي مسعود الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مجلس سعد بن عبادة -رضي الله عنه- فقال له بشير بن سعد -رضي الله عنه-: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تمنينا أنه لم يسأله، ثم قال: ((قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، والسلام كما قد علمتم)).

(26/23)


وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار قال: رأيت عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- يقف على قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى أبي بكر وعمر".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في الصلاة على النبي -صلى الله عليه وسلم-" جاء الأمر بها في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] ولذا اختلف أهل العلم في حكم الصلاة عليه، ذكر أهل العلم في المسألة عشرة مذاهب، وجاء الترهيب من سماع اسمه وذكره -عليه الصلاة والسلام- من غير صلاة ولا سلام، أهل العلم يختلفون في هذه المسألة ونقل الإجماع، ادعى ابن جرير الإجماع على أن الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- مستحبة، ونقل ابن القصار وغيره أنها واجبة الإجماع على أنها واجبة، وعلى كل حال لا هذا ولا هذا، المسألة خلافية، من أهل العلم من أوجبها، والجمهور على أنها مستحبة في الجملة، وإن وجبت في بعض الأحوال، ومنهم من أوجبها في العمر مرة، ومنهم من أوجبها في التشهد بعد التشهد، بل من الحنابلة يقولون بركنيتها في الصلاة، وفي خطبة الجمعة، المقصود أن المسألة خلافية، ولا شك أن من سمع ذكره -عليه الصلاة والسلام- ولم يصل عليه أنه محروم.
الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- مقرونة بالسلام بها تتأدى السنة المتفق عليها، ويتم بها امتثال الأمر في آية الأحزاب، ولا يتم امتثال الأمر بإفراد الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- أو بالسلام فقط، وصرح النووي بكراهة إفراد الصلاة دون السلام والعكس، وإن خصه ابن حجر وخص الكراهة بمن كان ديدنه ذلك، يعني عمره كله يصلي ولا يسلم، أو يسلم ولا يصلي، هذا لا شك أنه صرح بالكراهة من كان ديدنه ذلك لا شك أنه لم يمتثل الأمر، لكن من كان يجمع بينهما تارة ويفرد الصلاة تارة ويفرد السلام تارة أنه ممتثل للأمر، أنه ممتثل للأمر ولا يدخل في الكراهة.

(26/24)


الرمز للصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- لا يكفي ولا يحصل به الأجر، ولا يتم به الامتثال، فلا يتم الامتثال بكتابة "ص" ولا اختزال حرف من كل كلمة "ص ل ع م" ويذكر في كتب أهل العلم أن أول من كتبها قطعت يده، وما زال الناس يكتبونها ويكتبون الصاد، لكن لا يتم بذلك الامتثال، ولا يترتب عليه الأجر حتى يلفظ بالصلاة والسلام، -عليه الصلاة والسلام-.
معنى الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- من الله -جل وعلا- ومن عباده {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ} [(56) سورة الأحزاب] جاء في البخاري يقول: قال أبو العالية: صلاة الله ثناؤه عليه عند الملائكة وصلاة الملائكة الدعاء، وقال ابن عباس: يصلون يبركون، وفي البخاري أيضاً عن ابن عباس أن معنى صلاة الرب الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار، يعني معنى الصلاة صلاة الرب على النبي -عليه الصلاة والسلام- الرحمة وصلاة الملائكة الاستغفار.
جاء الأمر بالصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام-: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] ويتم الامتثال بقولك: "صلى الله عليه وسلم" أو "عليه الصلاة والسلام" بهذا فقط يتم امتثال الأمر بالآية.
وسئل النبي -عليه الصلاة والسلام- كما في هذا الحديث سألوه يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن عمرو بن سليم الزرقي قال: أخبرني أبو حميد -المنذر بن سعد بن المنذر- الساعدي" شهد أحد وما بعدها "أنهم -يعني الصحابة- قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ " الصحابة جاء ذكرُ بعضهم في بعض الطرق، منهم أبي بن كعب وبشير بن سعد وزيد بن خارجة وطلحة بن عبيد الله، منهم أبو هريرة وكعب بن عجرة وغيرهم هؤلاء قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ أي ما اللفظ اللائق بك؟ كيف نصلي عليك امتثالاً لما أمرنا به؟ "قال: ((قولوا: اللهم صلّ على محمد وأزواجه وذريته)) في بعض الروايات كما سيأتي: ((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد)) وفي هذا دليل على أن الأزواج والذرية تدخل دخولاً أولياً في الآل، الأزواج والذرية من الآل دخولها قطعي للتنصيص عليها.

(26/25)


ويختلف أهل العلم في المراد بـ (الآل) على أقوال، منهم من قال: الذين تحرم عليهم الصدقة ((أنها لا تحل لمحمد ولا لآل محمد)) فمن حرمت عليه الصدقة من بني هاشم وبني المطلب هم الآل، ومنهم من قال: إن الأهل أعم من ذلك، بل هم الأتباع على الدين، وجاء ما يدل على ذلك، ومنهم من قصر الآل على الأزواج والذرية كما في هذه الرواية، ورأى أن هذه الرواية مفسرة للرواية الأخرى، وعلى كل حال ما جاء في تفسير الآل والاختلاف فيه اختلافه اختلاف تنوع فكلهم داخلون في الآل، والآل كما يطلق على الأهل كما هو الأصل الأهل ومن يرجع إليهم الإنسان ويؤول إليهم، ولذا يصغرون الآل على أهيل فأصل (آل) أهل، ومنهم من يقول: أصلها أَوْل من الأَوْل وهو الرجوع، وقلبت الواو ألف، وأهل اللغة يختلفون في الأصل، وكلٌ منهم يضعُ هذه المادة على حسب اختياره؛ لأن أهل توضع في غير موضع أَوْل في كتب اللغة وترتيبها.
((صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم)) وفي بعض الروايات: ((على إبراهيم وعلى آل إبراهيم)) وعلى كل حال ذكر إبراهيم أو لم يذكر -عليه الصلاة والسلام- هو يدخل دخولاً أولياً في آله، فإذا ذكر الآل دخل الشخص من باب أولى الذي هم في آله، {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [(46) سورة غافر] يعني فرعون يدخل معهم وإلا ما يدخل؟ هو أولى منهم.
((كما صليت على آل إبراهيم وبارك)) من البركة وهي الزيادة من الخير والكرامة ((على محمد وأزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد)) حميد: فعيل بمعنى المفعول، وهو المحمود على كل حال وكل لسان، ومجيد: فعيل أيضاً من الجود بمعنى ماجد، والمجد هو الشرف.
جاء هذا الكلام منه -عليه الصلاة والسلام- تفسيراً لما أمروا به من الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام-، وتفسير النبي -عليه الصلاة والسلام- للنص على وجوه:

(26/26)


فمنه: ما يفسره -عليه الصلاة والسلام- يفسر به النص أو يفسر النص ببعض أفراده؛ اهتماماً بهذا الفرد الذي نص عليه، وقد يفسر النص بجميع مدلوله، ببعض أفراده يفسر النص بالمثال، ولا يعني هذا أن النص لا يتناول غير هذا المثال، كما سمعنا أن الصيغة المجزئة المسقطة للطلب إذا قال الإنسان: صلى الله عليه وسلم، أو عليه الصلاة والسلام امتثل الآية، ولا يلزم في غير هذا الموضع في غير الصلاة أن يقول: صلى الله عليه وآله وأزواجه وذريته لا يلزم، إنما امتثال الآية، الآية تتناول الصلاة عليه -عليه الصلاة والسلام- داخل الصلاة وخارج الصلاة، فكون النبي -عليه الصلاة والسلام- يفسر الآية ببعض أفرادها، بعض ما تتناوله لا يعني أنها لا تتناول غيره، النبي -عليه الصلاة والسلام- فسر الظلم بالشرك، وهل يعني هذا أنه لا يوجد نوع من أنواع الظلم غير الشرك؟ بل جاءت النصوص ما يدل على أن هناك ظلمٌ من العبد لنفسه، وظلمٌ منه لغيره، لولده، لزوجه، لوالديه، لجيرانه، فالظلم أعم من الشرك، لكن يفسر ببعض أفراده للاهتمام بهذا الفرد، بشأنه.

(26/27)


((ألا إن القوة الرمي)) {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ} [(60) سورة الأنفال] فسر النبي -عليه الصلاة والسلام- القوة بالرمي، هل يعني أننا لا نستعد ولا نعد للعدو قوة سوى الرمي؟ أو التفسير ببعض الأفراد لا يقتضي الحصر وقصر العموم على هذا الفرد؟ نعم الاهتمام بشأن هذا الفرد واضح، وعلى هذا نقول: لا يلزم امتثالاً لقوله -جل وعلا-: {صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] أن نلتزم بهذه الصيغة في غير موضعها الذي هو الصلاة، ونتمثل الآية بقولنا: صلى الله عليه وسلم، لكن لا يقول قائل: إن الآية يتم امتثالها بقولنا: صلى الله عليه وسلم، ونكتفي بهذا في الصلاة، الصلاة جاءت فيها الصيغة الواردة المتعبد بلفظها، فلا يجوز الزيادة عليها ولا النقصان منها، فلا نقول: صلى الله على سيدنا محمد أو على محمد دون آله، لا بد من الصلاة على الآل، وإن قال جمهور أهل العلم أن الصلاة على الآل .. ، جمهور من يقول: بأن الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- واجبة الصلاة على الآل مستحبة حتى في الصلاة؛ لأن السياق واحد، السياق سيق مساقاً واحداً، فالحكم واحد ((قولوا)) وهذا الأمر للوجوب وهذا في الصلاة.

(26/28)


يقول: "أنه أخبره عن أبي مسعود .. " يقول: "حدثني عن مالك عن نعيم بن عبد الله المجمر عن محمد بن عبد الله بن زيد -بن عبد ربه الأنصاري- أنه أخبره عن أبي مسعود -عقبة بن عمرو بن ثعلبة- الأنصاري" البدري، الأكثر على أنه لم يشهد بدراً، وإنما نزل بها فنسب إليها، وعده الإمام البخاري من البدريين "أنه قال: أتانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في مجلس سعد بن عبادة -سيد الخزرج- فقال له بشير بن سعد -بن ثعلبة الأنصاري-: أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله" يعني بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [(56) سورة الأحزاب] "أمرنا الله أن نصلي عليك يا رسول الله فكيف نصلي عليك؟ قال: فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"، سكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كثيراً ما يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- فيسكت، والاحتمال أنه ينتظر ما يوحى به إليه، واحتمال أنه يربي من يجيء بعده ممن يتولى إرشاد الناس وتوجيههم وإفتاءهم أن لا يستعجلوا بالجواب قبل تأمل السؤال "فسكتنا" ويحتمل أن يكون أيضاً حياءً وتواضعاً لأن هذا الأمر يخصه -عليه الصلاة والسلام-، "فسكت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى تمنينا –وددنا- أنه لم يسأله" مخافة أن يكون كره ذلك، أو شق عليه -عليه الصلاة والسلام- "ثم قال: ((قولوا)) " الأصل في الأمر الوجوب ((اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد، والسلام كما عَلِمْتم)) يعني عرفتم أو ((عُلِّمتم)) بالتشديد، في التشهد وهو: ((السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته .. )).

(26/29)


((قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد)) وبهذا يستدل من يرى وجوب الصلاة على الآل معه -عليه الصلاة والسلام- باطراد، يعني لا يصلى عليه إلا ومعه آله؛ لأن الأمر ((قولوا: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد)) وعرفنا أن هذا التفسير من النبي -عليه الصلاة والسلام- فرد من أفراد العام، وفي محلٍ خاص وهو التشهد، ولا يقتضي أن يعمم مثل هذا الكلام لنقدح في أئمة الإسلام؛ لأن من يعنى بهذا الشأن يقول: تجب الصلاة على الآل تبعاً له كل ما ذكر؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((قولوا: اللهم صلّ على محمد)) أولاً: هذه الصيغة صيغة التشهد، وعرفنا أن الآية ليس فيها أكثر من الصلاة والسلام عليه -عليه الصلاة والسلام- وبذلك يتم الامتثال.
((وعلى آل محمد)) الصنعاني ويتبعه صديق وحسن خان يتهمون أئمة الإسلام بأنهم تركوا الصلاة على الآل مداراة للولاة، كيف؟! يعني كتب السنة كلها ما فيها: "اللهم صلّ على محمد وآله وسلم" يقول: لا، تركوها مداراة للولاة، التصنيف متى؟ في عهد من؟ في عهد بني العباس، وبنو العباس من الآل، فكيف تترك الصلاة المأمور بها على الآل مداراة للولاة وهم من الآل؟
صديق استطرد وقال: إن هذا وإن كان في عصر بني العباس إلا أنهم من باب محادة علي وآل علي -رضي الله عن الجميع-، من باب: اقتلوني ومالكاً معي، يعني نتهم أئمة الإسلام قاطبة بهذا على أساس أننا عشنا في بيئة تأثرت بمثل هذا الكلام؟ نقول: هذه الصيغة فرد من أفراد العام المأمور به، هكذا فهم أئمة الإسلام، فهموا الصلاة على الآل في التشهد، ويتم الامتثال بقولنا -صلى الله عليه وسلم- كما هو مطلوب الآية، والصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- في التشهد فرد من أفراد العام، ولا يقتضي قصر العام عليه كما مثلنا ونظرنا في تفسير الظلم وفي تفسير القوة وتفسير ...
طالب:. . . . . . . . .

(26/30)


الصلاة على الآل لا شك أن الآل هم وصية النبي -عليه الصلاة والسلام-، {قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى} [(23) سورة الشورى] وإذا كان الآل لهم حق والأمر كذلك بلا شك، وهم يستحقون أن يصلى عليهم تبعاً له -عليه الصلاة والسلام-، لكن ماذا عن صحابته -رضوان الله عليهم-، إذا صلينا على الآل في خارج الصلاة نصلي على الصحب؛ لأن لهم من الحق مثل ما للآل؛ لأنهم بواسطتهم وصل إلينا الدين بالكلية، وهم الذين حملوا رايات الدين معه -عليه الصلاة والسلام- وبعده إلى أن وصلنا صافياً نقياً، فإذا قلنا: صلى الله عليه وآله نقول: وصحبه وسلم ويش المانع؟ ولا يعني هذا أننا نقول: لا نصلي على الآل، نصلي على الآل نصلي عليهم تبعاً خارج الصلاة، أما في الصلاة لا بد من هذه الصيغة داخل الصلاة، خارج الصلاة إذا صلينا على الآل نصلي على الصحب، ولا نقتصر على الآل ولا نقتصر على الصحب، لماذا؟ لأن الاقتصار على الآل صار شعاراً لبعض المبتدعة، والاقتصار على الصحب صار شعاراً لمبتدعةٍ آخرين "النواصب"، فإذا صلينا على الآل خارج الصلاة نصلي على الصحب، ولا نتهم أئمة الإسلام بأنهم تركوا الصلاة على الآل مداراة للولاة ما هو بصحيح هذا.
وعلى كل حال ما جاء في هذه الصيغة فرد من أفراد العام، وهو خاصٌ بالصلاة، في بعض الروايات: "كيف نصلي عليك يا رسول الله إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ " كما في بعض الروايات، ولا يعني هذا أننا لا نصلي، نحذر، لا أبداً، نصلي على الآل ولهم الحق العظيم علينا، كما نصلي على الصحب وحقهم وعظم حقهم ظاهر، وإذا كنا نصلي على الآل من باب السياسة في الدعوة، وما أشبه ذلك فنصلي على الصحب، الذي لا يرضى بالصلاة على الصحب لا يرضى أبد، الذي لا يرضيه الصلاة على الصحابة لا يرضى أبداً، حق الصحابة علينا أعظم من حق هؤلاء -لا أعني الآل- أعني من يتشبث بدعوى محبة الآل.

(26/31)


يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار قال: رأيت عبد الله بن عمر .. " يعني اللي يسمع تهويل الصنعاني في هذه المسألة، وتهويل صديق من بعده يعني يظن المسألة كل أئمة الإسلام من عصر التابعين إلى يومنا هذا كلهم داروا الحكام، كلهم حذفوا الصلاة على الآل عمداً مداراة للولاة، هذا اتهام خطير للأئمة، كيف وفيهم العلماء، وفيهم العباد، فيهم الأتقياء، فيهم البررة ونتهمهم بأنهم يطبقون على هذا الأمر، المقصود أننا لا نخلط أن هذه الصيغة إنما هي في الصلاة، ولا يمنع أن تكون هذه الصيغة في الصلاة أن يصلى على الآل خارج الصلاة لا يفهم هذا، لكن إذا صلينا على الآل خارج الصلاة نصلي على الصحب، هؤلاء لهم حق وهؤلاء لهم حق.
يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار قال: رأيت عبد الله بن عمر يقف على قبر النبي -صلى الله عليه وسلم- فيصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى أبي بكر وعمر" يصلي على النبي -صلى الله عليه وسلم- وعلى أبي بكر وعمر، رواه القعنبي وابن بكير وسائر الرواة، رواة الموطأ: فيصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام- ويدعو لأبي بكر وعمر، وهنا عندنا في رواية يحيى: "وعلى أبي بكر وعمر" يعني يصلي عليهما، ففرقوا -يعني غير يحيى- بين أن يصلي وبين أن يدعو، ولا خلاف في جواز الصلاة على غير النبي -عليه الصلاة والسلام- على سبيل التبعية، تقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه، وصلِّ على محمد وعلى أبي بكر وعمر تبعاً، فعلى سبيل التبعية لا خلاف في جواز ذلك.
لكن محل الخلاف الصلاة على غيره -عليه الصلاة والسلام- استقلالاً، فهل تقول: أبو بكر -صلى الله عليه وسلم-، أو عمر -صلى الله عليه وسلم-، أو علي -صلى الله عليه وسلم-، الجمهور على أن هذا مكروه كراهة شديدة، وإن جاء قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((اللهم صلِّ على آل أبي أوفى)) وجاء الأمر بالصلاة على من دفع الزكاة {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} [(103) سورة التوبة] لكن أطبق أهل العلم على أن الصلاة على غيره -عليه الصلاة والسلام- مكروهة على سبيل الاستقلال من غيره -عليه الصلاة والسلام-.

(26/32)


فهناك عرف عند أهل العلم فيخصون الله -جل وعلا- بـ (عز وجل) مثلاً، فلا يقال: محمد -عز وجل-، اللي يسمع هذا الكلام يستسيغ مثل هذا الكلام محمد -عز وجل-؟ وإن كان عزيزاً جليلاً -عليه الصلاة والسلام-، يعني من حيث المعنى ما في إشكال، لكن العرف عند أهل العلم من السلف فمن بعدهم خصوا (عز وجل) بالله -جل وعلا-، وخصوا (الصلاة والسلام) به -عليه الصلاة والسلام-، كما أنهم خصوا الصحابة بالترضي، ومن دونهم بالترحم، وهذا عرف خاص عند أهل العلم.
والخلاف في الصلاة على غيره -عليه الصلاة والسلام- مسألة طويلة جداً، استوفاها ابن القيم -رحمه الله تعالى- في جلاء الأفهام، وهناك بحوث ينبغي لطالب العلم أن يقف عليها في هذه المسألة.
طالب:. . . . . . . . .
طيب المبتدعة الآخرين وليه ما نألفهم بعد؟ نصلي على الصحب ولا نصلي على الآل، كلهم موجودون، وفيهم كثرة، ولكل قومٍ والٍ، هؤلاء حقهم علينا يعني الآل والأصحاب أعظم من حق هؤلاء الذين نماريهم ونداريهم أبداً، نعم المداراة مطلوبة، وسلوك الأسلوب المناسب للدعوة، وعدم الإثارة أيضاً مطلوب، لكن يبقى أننا علينا حقوق، حملوا الدين إلى شرق الأرض وغربها، ونهملهم من أجل أن يستجيب فلان أو علان أبداً، يا أخي نصلي على الآل ولا أحد يتردد من أهل السنة في الصلاة على الآل أبداً، ما في أحد من أهل السنة يتردد في الصلاة على الآل، لكن أيضاً الصحب لهم حق.
طالب:. . . . . . . . .
بهذا المعنى الأعم لكن أنت بهذا توافق هذا الأسلوب المتبع عند بعض المبتدعة، وكأنك توافقهم في عدم الصلاة على الصحب، وإذا احتمل اللفظ معنىً صحيحاً وغير صحيح يجتنب.
طالب:. . . . . . . . .
الإمام أحمد -رحمه الله- ذكر عنه أنه يصلي في نفسه، إما لضيق الورق، أو لضيق الوقت، أو ما أشبه ذلك.
طالب:. . . . . . . . .
الأفضل أن تثبت كتابةً لئلا .. ، قد يبيض لها ويرجع إليها في وقت السعة، لكن قد ينساها، نعم إذا كان الدرس درس إملاء، ويخشى أن يفوته شيء من الكلام وبيض لها ثم رجع إليها بعد نهاية الدرس مباشرة، وسدد هذه الفراغات وصلى في نفسه يتم ذلك -إن شاء الله تعالى-.
"باب: العمل في جامع الصلاة:

(26/33)


حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد صلاة العشاء ركعتين وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيركع ركعتين.
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أترون قبلتي هاهنا فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم، إني لأراكم من وراء ظهري)).
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأتي قباء راكباً وماشياً.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن النعمان بن مرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما ترون في الشارب والسارق والزاني؟ )) وذلك قبل أن ينزل فيهم، قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((هن فواحش وفيهن عقوبة، وأسوأ السرقة الذي يسرق صلاته)) قالوا: وكيف يسرق صلاته يا رسول الله؟ قال: ((لا يتم ركوعها ولا سجودها)).
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم)).
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: إذا لم يستطع المريض السجود أومأ برأسه إيماء، ولم يرفع إلى جبهته شيئاً.
وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان إذا جاء المسجد وقد صلى الناس بدأ بصلاة المكتوبة ولم يصل قبلها شيئاً.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- مر على رجل وهو يصلي فسلم عليه فرد الرجل كلاماً فرجع إليه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- فقال له: إذا سلم على أحدكم وهو يصلي فلا يتكلم وليشر بيده.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فإذا سلم الإمام فليصل الصلاة التي نسي ثم ليصل بعدها الأخرى.

(26/34)


وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان أنه قال: كنت أصلي وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- مسند ظهره إلى جدار القبلة، فلما قضيت صلاتي انصرفت إليه من قبل شقي الأيسر، فقال عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: ما منعك أن تنصرف عن يمينك؟ قال: فقلت: رأيتك فانصرفت إليك، قال عبد الله: فإنك قد أصبت إن قائلاً يقول: انصرف عن يمينك فإذا كنت تصلي فانصرف حيث شئت إن شئت عن يمينك وإن شئت عن يسارك.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل من المهاجرين لم ير به بأساً أنه سأل عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-: أأصلي في عطن الإبل؟ فقال عبد الله: لا، ولكن صل في مراح الغنم.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: ما صلاة يجلس في كل ركعة منها؟ ثم قال سعيد: هي المغرب إذا فاتتك منها ركعة، وكذلك سنة الصلاة كلها".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: العمل في جامع الصلاة" جامع الصلاة يعني أحاديث وأخبار تضم أو تدل على مسائل يجمعها مسمى الصلاة، لا ترتبط برابط واحدٍ.
يقول: حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين في بيته وبعد العشاء ركعتين، وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيركع ركعتين" دلالة على الصلاة الراتبة، الرواتب جاء في حديث ابن عمر وغيره أنها عشر، وهنا قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب ركعتين وبعد العشاء ركعتين بقي منها ركعتا الصبح فتكون عشراً، وجاء أيضاً من حديث أم المؤمنين أن الرواتب اثنتى عشرة، أربع قبل الظهر وركعتان بعدها وركعتان بعد المغرب وركعتان بعد العشاء وركعتان قبل الصبح ثنتا عشر ركعة من حافظ عليها كان أجره وثوابه إيش؟ يبنى له قصرٌ في الجنة، فإذا داوم على هذه الركعات الاثنتي عشرة مع الفرائض وهي سبع عشرة ركعة مع الوتر إحدى عشر ركعة يكون المجموع أربعين.

(26/35)


ويقول ابن القيم: "إن من طرق الباب أربعين مرة في اليوم والليلة يوشك أن يفتح له" فأربعين ركعة كم تستغرق من عمر الإنسان؟ فإذا أضاف إليها أربع قبل العصر التي جاء الحث عليها، وأيضاً الصلوات المرغب فيها عند وجود أسبابها، نعم الضحى على الخلاف في عددها وقد تقدمت، وجاء أيضاً الترغيب في بعض الصلوات، وأهل العلم من سلف هذه الأمة وخلفها لا زالوا يكثرون التنفل امتثالاً لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أعني على نفسك بكثرة السجود)).
وذكر عن بعضهم أعداد قد تكون في حساباتنا مبالغات، فذكر عن الإمام أحمد أنه كان يصلي في اليوم والليلة ثلاثمائة ركعة، والحافظ عبد الغني -رحمه الله- ذكر عنه أنه يصلي كذلك، لكن هناك ما يقبله العقل وما لا يقبله العقل ولا يستوعبه الوقت، ذكر ابن المطهر الرافضي عن علي -رضي الله عنه- أنه كان يصلي في اليوم والليلة ألف ركعة، هل يستوعب الوقت ألف ركعة؟ ألف ركعة، يعني الركعة كم دقيقة؟ أقل شيء دقيقة واحد، والوقت لا يستوعب ألف ركعة.
وعلى كل حال الدين يسر، ولن يشاد الدين أحدٌ إلا غلبه، فعلى الإنسان أن يأخذ منه بقدر طاقته، وما لا يجعل النفس تمل الدين وتمل العبادة، يأخذ منه بقدر ما يمتثل به ((اعني على نفسك بكثرة السجود)) ويحرص أشد الحرص على ما جاء فيه النص الخاص ويزيد من ذلك ما شاء.

(26/36)


فإذا استغل أوقات الفراغ لا سيما في الليل بالصلاة، فهذا من خير ما تفنى فيه الأعمار {أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاء اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [(9) سورة الزمر] هذه إشارة إلى أن أهل هذه الصلاة التي هي قيام الليل هم أهل العلم {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} [(16) سورة السجدة] وجاء الحث: ((عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين))، ((نعم الرجل عبد الله لو كان يقوم من الليل)) ومع الأسف كثير من طلاب العلم بل بعض من ينتسب إلى العلم لا نصيب له من قيام الليل، وهذا لا شك أنه تقصير وخلل، والإنسان مأمور بالفرائض بلا شك ويأثم بتركها، ولا يأثم بترك النوافل، لكن هذه الفرائض يعتريها ما يعتريها من خلل ونقص فيجبر من هذه النوافل ((انظروا هل لعبدي من تطوع)) يجبر، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قام -عليه الصلاة والسلام- حتى تفطرت قدماه، ولا شك أن هذا من شكر النعمة، ولذا قال -عليه الصلاة والسلام-: ((أفلا أكون عبداً شكوراً)) هذا شكر النعمة، وبهذا تقر النعمة، والله المستعان.
وكان لا يصلي بعد الجمعة حتى ينصرف فيركع ركعتين يعني في بيته، وثبت عنه أنه يصلي أربع ركعات بعد الجمعة، وهو محمولٌ على ما إذا صلاها في المسجد، وإذا صلاها في البيت فركعتان، وإن قال بعضهم بالجمع بينهما، فيصلي ركعتين في المسجد وأربع في البيت.
وأما ما قبل الجمعة فالمعروف عن الصحابة أنهم يصلون، يصلون قبل الجمعة ويغتنمون مثل الوقت حتى يدخل الإمام، وأما بالنسبة له -عليه الصلاة والسلام- فلم يحفظ عنه أنه صلى قبل الجمعة، وإنما كان ينشغل بالخطبة أول ما يدخل المسجد يصعد المنبر وينشغل بالخطبة ثم الصلاة ...

(26/37)


الموطأ – كتاب قصر الصلاة في السفر (5)
تابع شرح: باب العمل في جامع الصلاة، وباب: جامع الصلاة.

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
هذا يقول: إذا دعا الإمام إلى صلاة الاستسقاء وكنتُ مقيماً في بلدٍ الأمطار فيه غزيرة هل يستحب لنا إقامة صلاة الاستسقاء؟
نعم يستحب لكم صلاة الاستسقاء؛ لأن الاستسقاء ليس لبلدٍ واحد من بلدان المسلمين بل لعموم البلدان، فإذا احتيج إلى نزول المطر في بلدٍ من البلدان شرعت صلاة الاستسقاء، وإذا دعا إليها الإمام تأكدت، وقد يكون نزول المطر في بلد أو في منطقة من المناطق لا يعني اكتفاء هذه المنطقة من المخزون من المياه الجوفية لا سيما وأن المخزون من المياه مهدد فيه نقصٍ كبير، فالمطر يطلب نزوله للخصب، وأيضاً ليدخر في الأرض عند الحاجة إليه.
يقول: هل يجوز قول: الله أخفى قدرته خلف إبداعه؟ وقول: شاءت الأقدار؟
الله أخفى قدرته .. ، الله أيضاً أظهر قدرته، الله -جل وعلا- أظهر قدرته، وأخفى منها ما شاء، فيظهر لبعض المخلوقين ما لا يظهر لغيره، كل شيء من هذه المخلوقات يدل على قدرة، على قدرة الخالق -جل وعلا-، فأظهر منها ما شاء، وأخفى منها ما شاء.
قول: "شاءت الأقدار" المشيئة من صفات الله -جل وعلا-، فالله -سبحانه وتعالى- هو الذي يشاء، والأقدار إن كان المراد بها ما قدره الله وقضاه فنسبة المشيئة إليها تجوز، وإلا فالذي يشاء هو الله -جل وعلا- مقدر هذه الأقدار.
يقول: هل جهاد الدفع يسقط عند تمكن العدو من الدولة؟
هو يسقط عند العجز يعني، فإذا تمكن العدو من الدولة من بلد من بلدان المسلمين، وإذا نوزع هذا العدو خشي منه أن يقضي على المسلمين بالكلية هذا عجز بلا شك.
هل الإسبال حرام أم مكروه؟
الإسبال حرام، الإسبال حرام، فإن كان من غير خيلاء ففي النار، وإن كان مع الخيلاء فالأمر أشد، نسأل الله العافية.

(27/1)


"وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((أترون قبلتي هذه؟ )) " وهذا استفهام إنكاري لما يلزم منه أنهم يظنون أن النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يراهم، بدليل: ((أترون قبلتي هاهنا)) أتظنون قبلتي هنا فقط؟ ((فوالله ما يخفى علي خشوعكم)) يعني في جميع الأركان من الصلاة، وقال بعضهم: إن هذا العلم وعدم الخفاء إما بوحي وإما بإلهام، لكن هذا فيه نظر، للتصريح الآتي بأنه -عليه الصلاة والسلام- يراهم من وراء ظهره ((فوالله ما يخفى علي خشوعكم ولا ركوعكم إني لأراكم)) رؤية حقيقية خاصة به -عليه الصلاة والسلام- من باب خرق العادة له -صلى الله عليه وسلم- ((من وراء ظهري)) يراهم -عليه الصلاة والسلام- من وراء ظهره، ومن المعلوم المقطوع به أن عينيه كغيره في وجهه، لكن خرق الله له العادة فجعل ينظر مَن وراءه مِن وراء ظهره كما ينظر من هو أمامه، وهل هذا خاص بالصلاة أو في جميع الأوقات؟ النص يدل على أنه في الصلاة، بعضهم يقول: إنه كان له -عليه الصلاة والسلام- عين خلف ظهره، وبعضهم يقول: بين كتفيه، لكن لم يدل على هذا دليل، ويستغل بعض المبتدعة مثل هذا النص ويجعل أن الإبصار غير متعلق بالبصر، أن البصر مجرد سبب والسبب لا قيمة له عند هذا المتكلم، ولا أثر له، وإنما الله -جل وعلا- يجعل الأثر عنده لا به، يعني لا فرق في الإنسان بين وجهه وقفاه ما في فرق، ولذا يقررون وهذا مذكور عندهم بالحرف ما هو بإلزام أنه يجوز أن يرى أعمى الصين بقة الأندلس، هذا عندهم عند الأشاعرة، الأسباب لا أثر لها، ولا قيمة لها، وإنما توجد المؤثرات والمسببات عندها لا بها، ويستدلون بمثل هذا الحديث: "يراهم من وراء ظهره" لكن هل يوجد عند غيره مثل هذا، هل هو مطرد؟ غير مطرد، هذا خاص به -عليه الصلاة والسلام- إكراماً له، وخرقاً للعادة من أجله -عليه الصلاة والسلام-، فمثل هذا الكلام لغو لا قيمة له.
طالب:. . . . . . . . .

(27/2)


لكي يقبلوا على صلاتهم، هذا من باب التخويف لهم أن لا ينشغلوا بغير الصلاة، لكي يقبل الصحابة على صلاتهم بكليتهم، ومن لازم الإقبال بالقلب الإقبال بالجوارح، وإلا انصراف القلب لا يُرى بمثل هذا النص لكن إذا أقبل القلب لا شك أن الجوارح تبع له، ولذا ترجم الإمام البخاري على هذا: "باب: عظة الإمام للناس في إتمام الصلاة وذكر القبلة"، ومسلم: "باب: الأمر .. " يعني في صحيح مسلم، وإن كانت الترجمة لغيره: "باب: الأمر في تحسين الصلاة وإتمامها والخشوع فيها" على كل حال الخشوع سبق الكلام فيه، وهو عند جمهور أهل العلم سنة، وأوجبه بعضهم، وأطال ابن رجب والغزالي في تقرير وجوبه.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يأتي قباء راكباً وماشياً" يأتي قباء راكباً تارةً وماشياً، وقباء بضم القاف وبالموحدة الباء وهو ممدود (قباء) بالهمز عند أكثر اللغويين، وأنكر بعضهم القصر، وهو موضع على ميلين أو ثلاثة من المدينة، موضع معروف فيه المسجد مسجد قباء، وهو أول مسجد بناه النبي -عليه الصلاة والسلام- بعد هجرته قبل دخوله المدينة، ولذا يختلف أهل العلم في المسجد الذي أسس على التقوى، أول مسجد أسس على التقوى، وكثيرٌ بل أكثر أهل العلم على أنه قباء، وإن كان النص في مسجده -عليه الصلاة والسلام- أصح، لكن إذا نظرنا إلى الواقع هل نقول: قباء أسس على التقوى وإلا ما أسس على التقوى؟ أسس على التقوى، هل هو قبل مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- أو بعده؟ قبله، ولا يمنع أن يكون هناك أول وأول، أول أولية مطلقة، وأول أولية نسبية، وإلا فالنص في كون المسجد الذي أسس على التقوى ولعله المراد به المنصوص عليه في الآية في سورة التوبة، ولا ينفي أن يكون مسجد قباء أول مسجد أسس على التقوى؛ لأن هذا وصفه، أسسه النبي -عليه الصلاة والسلام- ومن المحال أن يكون على غير تقوى، ووجوده في الأعيان قبل مسجده -عليه الصلاة والسلام-.

(27/3)


"راكباً وماشياً" راكباً تارة وماشياً أخرى، جاء في البخاري من طريق عبد الله بن دينار عن ابن عمر أن ذلك كل سبت، فليحرص المسلم على هذه السنة إذا انتشرت الشمس يوم السبت يذهب إلى مسجد قباء، ويصلي فيه ركعتين، وليس في ذلك شدٌ للرحل وإن كان راكباً، كان يأتي قباء راكباً، ليس في هذا شد رحل؛ لأنه ليس بسفر، فلا معارضة بين هذا وبين قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد)) لأن هذا ليس بسفر، وليس فيه شدٌ للرحل.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه هل نقول: إن هذا الأمر مشروع الذهاب إلى قباء وإلا غير مشروع؟ كونه كل سبت منه -عليه الصلاة والسلام-، يعني الاتفاق يحصل مرة، لكن كونه يتكرر منه مراراً يدل على أنه مقصود، فالسبت أولى من غيره.

(27/4)


يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد –الأنصاري- عن النعمان بن مرة" الأنصاري الزرقي، ثقةٌ من كبار التابعين، وهم من عده في الصحابة "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما ترون في الشارب؟ )) " هذا تابعي من كبار التابعين يقول: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال، فهو مرسل، لكنه حديث صحيح مسند من وجوه عن أبي هريرة وعبد الله بن مغفل وأبي قتادة وأبي سعيد وعمران بن حصين، المقصود أن له طرق كثيرة يصح بها "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما ترون في الشارب؟ )) من الخمر؛ لأن هذا أمر يتعاظمونه ((والسارق والزاني؟ )) كل هذه من الفواحش، ما ترون في مثل هذا؟ ويريد أن يقرر شيء كأن شأنه عندهم أخف، يعني مثل ما قرر الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- قال لشخص خرج من المسجد يوم الجمعة فوقع على أمه بين الناس، ما رأيكم في هذا؟ أمر عظيم في غاية السوء والقبح، لكن ما رأيكم في شخص نزل بيت جديد فذبح كبش على عتبته أيهم أشد؟ الشرك، الشرك أكبر، فإذا أراد أن يقرر الإنسان شناعة أمرٍ فليقرنه بل يجعله أشد مما يستبشعه الناس في حياتهم، هنا سأل قال: ((ما ترون في الشارب والسارق والزاني؟ )) وذلك قبل أن ينزل فيهم، قالوا: الله ورسوله أعلم" هذا من أدب الصحابة حيث ردوا العلم إلى الله -جل وعلا-، وإلى رسوله، إلى عالمه "قال: ((هن فواحش، وفيهن عقوبات)) لا شك أنها فواحش وكبائر ((وأسوأ السرقة)) بكسر الراء، ويضبط بفتحها السرَقة، السرِقة المعروفة، وهي أخذ الشيء خفية هذه سرقة، والسرَقة جمع سارق، أسأ هؤلاء السرَقة جمع سارق مثل كتبة ومثل حفظة ومثل فسقة جمع فاسق وحافظ وكاتب ((أسوأ السرَقة الذي يسرق صلاته)) قالوا: وكيف يسرق صلاته يا رسول الله؟ " كيف يسرق صلاته؟ يعني هل يتصور أن الصلاة تسرق يعني بالمعنى الحسي؟ لا، الذي يسرق صلاته .. ، حقيقتها الشرعية بينها النبي -عليه الصلاة والسلام-، الذي يسرق صلاته يا رسول الله .. ، "قالوا: وكيف يسرق صلاته يا رسول الله؟ قال: ((لا يتم ركوعها ولا سجودها)) يعني كأنه يبخس منها ما وجب عليه، وهذه حقيقة شرعية للسرقة، سرقة الصلاة، طيب سرقة الأحاديث كيف تكون سرقة الأحاديث؟ هل يأتي شخص

(27/5)


إلى بيت شخص ويجد أحاديثه مكتوبة فيسرقها منه هذه المكتوبة في الصحف وفي الكتب؟ هذه سرقة حسية معروفة، لكن هل السرقة التي يرمى بها الرواة؟ السرقة واضحة هذه ولا يسرقها راوي بهذه الطريقة، الرواة ما يسرقون يسرقها السراق يأخذ كتاب يسرقه من بيته يبيعه، لكن سرقة الأحاديث بالرواية غير هذه، يعني تركيب إسناد أو ..
طالب:. . . . . . . . .
نعم، نعم، بلا شك، فهذه حقائق خاصة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم)) وجاء النهي عن تشبيه البيوت بالقبور، وجاء أيضاً بيان أن أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة ((اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم)) لأن هذا أبعد عن الرياء، وأقرب إلى الإخلاص، وليقتدي بالمصلي عوامر البيوت من نساء وأطفال، ولا شك أن المراد بذلك النافلة، أما الفريضة فالنسبة للرجال لا بد أن تؤدى في المساجد حيث ينادى بها، فلا يسوغ لمن يسمع النداء أن يصلي في بيته أو في دكانه أو في مقر عمله إلا أن يصليها في المسجد حيث ينادى بها.
قد يعرض لبعض الأماكن كمحل العمل مثلاً أو محل حراسة بحيث يضيع ما وكل إليه حفظه يسوغ له أن يصلي في مكانٍ في مقر عمله، وإذا كان بعيداً عن المسجد فالأرض جعلت مسجداً وطهوراً، كما في حديث الخصائص، يستثنى من ذلك ما جاءت النصوص باستثنائه.
وذكرنا أن التخصيص لحديث: ((جعلت لي الأرض مسجداًَ وطهوراً)) هو قول جمهور أهل العلم، فمما تخص به هذه الجملة من حديث الخصائص المقبرة، فالنهي عن تشبيه البيوت بالمقابر دليلٌ على أن المقابر لا يصلى فيها ((لا تصلوا إلى القبور)) وإن قال بعضهم: إن حديث الخصائص لا تقبل التخصيص كابن عبد البر، لكن قوله مرجوح، وبينا ذلك في مناسبات كثيرة.

(27/6)


يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: إذا لم يستطع المريض السجود أومأ برأسه إيماء" يعني إلى الأرض، يومئ برأسه، وكذلك إذا لم يستطع الركوع والسجود أومأ بهما، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه، ومر بنا هذا "ولم يرفع إلى جبهته شيئاً" يعني يسجد عليه من وسادة أو تكأة أو شيء من ذلك، ولا يضع يده أيضاً يسجد عليها؛ لأن بعض الناس يرفع يده هكذا ليسجد عليها، هذا ليس بمشروع، النبي -عليه الصلاة والسلام- رأى الذي يسجد على وسادة فرمى بها، وأمره بالإيماء، فبعض الناس إذا أجرى عملية في عينيه أو في إحداهما، ونهاه الطبيب عن السجود وعن الركوع يومئ إيماءً، بقدر ما يستطيع، ولا يلزمه أن يرفع شيئاً يسجد عليه، لكن إذا كان هذا الشيء الذي يمكن السجود عليه ما يحتاج إلى رفع ولا وضع ولا حمل بأن يكون شخص يقرأ على مكتب يقرأ القرآن، يقرأ القرآن على مكتب ثم مر بآية سجدة هل يلزمه أن ينزل على الأرض أو يسجد على نفس المكتب لأنه مناسب يعني كأنه على الأرض ولم يرفع شيئاً ولا يعوقه هذا على السجود الكامل؟ أما كونه يرفع شيئاً يسجد عليه فهذا مكروه عند جمهور العلماء.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن عبد الله بن عمر كان إذا جاء المسجد وقد صلى الناس بدأ بصلاة المكتوبة ولم يصل قبلها شيئاً" جاء في وقتٍ الاحتمال أن يكون متسع، وأن يكون الاحتمال الآخر أن يكون قد ضاق عليه الوقت، ابن عمر النقل عنه بهذا الإسناد الصحيح أنه كان يبدأ بالمكتوبة، يعني يأتي وقد صلى الناس الظهر، وبقي على خرج وقتها ساعتان يبدأ بالمكتوبة، ثم بعد ذلكم يقضي الرواتب القبلية والبعدية.

(27/7)


أقول: ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا جاء المسجد والناس قد انتهوا من صلاة الفريضة، كان إذا جاء المسجد وقد صلى الناس (كان) هذه تدل على إيش؟ على استمرار، وهل هذا من ديدن ابن عمر أنه يجيء والناس قد صلوا؟ أو قد تقال هذه الكلمة مع أنه لم يحصل إلا مرة واحدة مثلاً؟ ولا يظن بابن عمر أن حاله مثل حالنا وحال كثير من طلاب العلم الذين لا تجد فرقاً بينهم وبين عوام الناس في كونه ركعة ركعتين أحياناً الصلاة كلها وأحياناً يركب السيارة ويصلي قدام، وتفوته الصلاة بهذه الطريقة هذا كثير في أوساط طلاب العلم، مع الأسف الشديد يوجد هذا، فكان ابن عمر -رضي الله عنهما- "إذا جاء إلى المسجد وقد صلى الناس بدأ بصلاة المكتوبة" يعني لا فرق بين أن يدرك الإمام وقد أقيمت الصلاة يصلي مع الإمام وبين أن تفوته الصلاة فيبدأ بالمفروضة اهتماماً بشأنها، اهتماماً بالفريضة قبل النافلة مع سعة الوقت، ومع هذا لم يصلِّ قبلها شيء، هذا رأي ابن عمر، لكن لو بدأ بالنافلة القبلية مع سعة الوقت، لا سيما وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- لما فاته وقت صلاة الصبح بدأ بالنافلة، يعني مع فوات الوقت، فعندنا صور لهذه المسألة، يأتي الإنسان وقد صلى الناس وبقي من الوقت ما يستوعب النوافل كلها مع الفريضة ويزيد عليها، هل الأولى أن يأتي بالنوافل القبلية ويبدأ بالفريضة؟ نعم الأولى أن يأتي بالنوافل؛ لأن الوقت فيه متسع، وكون النوافل تؤدى أفضل من كونها تقضى؛ لأن الإتيان بها بعد الصلاة قضاء، ولذا تقدم عليها النافلة البعدية، يعني لو شخص جاء والصلاة قد أقيمت صلاة الظهر مثلاً، والقبلية أربع ركعات وبعدها ركعتان، إذا سلم وجاء بالأذكار الموقوتة في هذا الوقت يصلي النافلة البعدية أداءً، ثم بعد ذلك يقضي النافلة القبلية، الراتبة القبلية، هنا إذا جاء والوقت فيه متسع يبدأ بالنوافل القبيلة ثم الفريضة ثم البعدية، ومثله لو نام عنها حتى خرج وقتها يأتي بها على هذا الترتيب؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى ركعتي الصبح قبل صلاة الصبح وقد طلعت الشمس، لكن إذا انتبه من نومه وقد بقي من الوقت ما يكفي للفريضة فقط نقول: يبدأ بالفريضة؛ لأنه يؤدي الفريضة أفضل من أن ينشغل

(27/8)


بنافلة، فلو قدم النوافل القبلية مع اتساع الوقت كان أولى، وعلى كل حال هذا اجتهاد ابن عمر، وابن عمر صحابي من أهل التحري والاقتداء والائتساء لكن لا يعني أن قوله راجح في كل شيء.
طالب:. . . . . . . . .
يعني هو مصلي النافلة في بيته أو يبي يؤجلها إلى أن ينتهي؟ هاه؟
طالب:. . . . . . . . .
مصليها ومنتهي؟ طيب ويشلون يصليها والناس يصلون؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما يمكن أن ينشغل ابن عمر يصلي النافلة في بيته ويعرف وقت الإقامة، طيب الآن إذا عرف جزم يقيناً أن الصلاة انتهت يذهب إلى المسجد ليؤدي الفريضة أو يصليها في بيته؟
طالب:. . . . . . . . .
فله مثل أجرهم، هذا إذا جاء لكن إذا عرف يقيناً جزم يقيناً أن الناس قد صلوا ما يلزم إتيان المسجد؛ لأن المسجد إنما جعل لأجل الجماعة والجماعة انتهت، صلاة في المسجد مشروعيتها لأجل الجماعة، والصلاة قد انتهت.
على كل حال هذا اجتهاد ابن عمر حرصاً على الفريضة ومبادرة ومسارعة لإبراء الذمة من عهدتها، لكن لا يعني أنه هو الراجح.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لعله من باب التأديب، إنك طالع طالع، كونك تتأخر ما ينفعك هذا، نعم؟
ابن عمر -رضي الله عنهما- إذا تأخر عن أول الوقت وجاء والناس قد صلوا هو يفترض أن الناس لم يصلوا، فأول ما يبدأ به الفريضة حرصاً عليها، فكأن الناس لم يصلوا فينشغل بالفريضة، فكما أنه ينشغل بالفريضة لو لم يسلم الإمام فكذلك ينشغل بالفريضة إذا سلم الإمام.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر مر على رجل وهو يصلي فسلم عليه فرد الرجل كلاماً" يعني قال: "وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته" وهو يصلي بكلامٍ يسمع "فرجع إليه عبد الله بن عمر فقال له: إذا سلم على أحدكم وهو يصلي فلا يتكلم" يعني برد السلام؛ لأنه مفسد للصلاة عند الجمهور، هذا كلام، والصلاة لا يصلح فيها كلام الناس، رجع إليه عبد الله بن عمر فقال له: إذا سلم على أحدكم وهو يصلي فلا يتكلم، يعني هل ابن عمر خاطب هذا الرجل قبل أن يسلم من صلاته أو بعد السلام؟ فرجع إليه عبد الله بن عمر فقال له: إذا سلم على أحدكم وهو يصلي فلا يتكلم.
طالب:. . . . . . . . .

(27/9)


إيه رجع، مشى خطوتين ورجع، يوم سمعه يرد كلام رجع عليه، على كل حال هو احتمال؛ لأنه ما يدرى هل هو بالركعة الأولى باقي عليها ثلاث ركعات، أو قبيل السلام هذا احتمال، وفي مثل هذه الحالة إذا احتيج إلى تنبيه المصلي إذا احتيج إلى تنبيه المصلي يكلم بكلام وإلا ما يكلم؟ لأنه احتمال يجي واحد ثاني يسلم عليه ويرد -عليه السلام- وهو بالصلاة، فيكلم وهو في الصلاة؟ يعني نظير لما حولت القبلة وجاء إلى أهل قباء وهم يصلون كلمهم لمصلحة الصلاة.
يقول: "وهو يصلي فلا يتكلم" طيب لو قدر أن واحد سلم رد عليه وقال له مثل هذا الكلام، إذا سلم على أحدكم وهو يصلي فلا يتكلم فقال: جزاك الله خير، ويش بيقال له. . . . . . . . .؟ هذا ترى يصير، ويش نقول: بطلت صلاته وإلا .. ؟
طالب:. . . . . . . . .
فلا يتكلم يا أخي، هو ينهاه، الآن أخبره بالحكم، لمَ .. ؟
طالب:. . . . . . . . .
رد السلام مبطل للصلاة يعني مع العلم به، رد السلام مبطل للصلاة، لكن هذا جاء له قال له: لا ترد على أحد، لا تتكلم، فقال له: جزاك الله خير.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، عرف الحكم.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا عرف الحكم قيل له: إذا سلم على أحدكم وهو يصلي فلا يتكلم، وليشر بيده، النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يرد السلام بالإشارة، ثم بعد هذا هل يشرع السلام على المصلي وعلى قارئ القرآن أو لا يشرع؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- يسلمون عليه ويرد بالإشارة ولم ينكر عليهم، نعم يحصل بعض التصرفات من بعض الناس من لا شعور، واحد دخل المسجد فلما وصل الصف قال: كما صلوا؟ يسأل واحدٍ جنبه. . . . . . . . .، يعني ما أدري، يعني مسبوق مثله ما يدري، هذه إشارة مفهمة، هذه لها أثر في الصلاة أو لا أثر لها؟ هذا من لا شعور يعني ما يشعر.

(27/10)


على كل حال إذا كان مغلوب على أمره من غير .. ، أقول: تكلم من لا شعور أو مغلوب، يعني مثل لو جاء واحد وضربه، ضربه بيده فتكلم كلاماً مثل ما يقول أي مضروب قال: أح مثلاً، هذا يحصل لا سيما من المراهقين يحصل كثير هذا، المراهقين يحصل منهم كثير، هل تقول له: أعيد الصلاة؟ الصلاة لما نزل قوله -جل وعلا-: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] أمروا بالسكوت ونهوا عن الكلام، وهذه الصلاة لا يصلح فيها كلام الناس، فالكلام الذي ليس من أصل الصلاة يبطلها، تبطل الصلاة بالكلام، لكن الكلام المقصود المراد به المقصود، ولذا مر علينا في درس الآجرومية في تعريف الكلام: هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، يعني بالقصد، فغير المقصود لا يسمى كلام ككلام النائم مثلاً، وبعض الشراح يقول: بالوضع يعني بالوضع العربي، فيخرج كلام الأعاجم، لكن هل كلام الأعاجم تبطل به الصلاة أو لا تبطل؟ تبطل به الصلاة بلا إشكال.
طالب:. . . . . . . . .
في النافلة؟ والله الفريضة يجب الاحتياط لها، لكن إذا كان هناك هلكة خطر من النار أن تحرق من حولها أو ذهب إليها طفل أو شخص هذا لا بد منه حتى في الفريضة.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
والله حسب علمها وجهلها، إذا كانت جاهلة تنبه إلى أن مثل هذا لا يصلح.
على كل حال رد السلام مفسد للصلاة عند الجمهور، وقال قتادة والحسن وطائفة: يجوز رده كلاماً، وأما النبي -عليه الصلاة والسلام- فكان يرد السلام بالإشارة.
يقول: "وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام" نسي صلاة الظهر ثم لما دخل مع الإمام في صلاة العصر ذكر أنهم ما صلوا الظهر، هل تجزئه هذه الصلاة عن الظهر؟ تجزئ؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ لأنه دخلها بنية العصر؛ لأنه المسألة مفترضة فيمن نسي الظهر لكن من فاتته الظهر وعرف أنها فاتته ورأى الناس يصلون العصر دخل معهم بنية الظهر تجزئ على القول الراجح، وإن كان المسألة خلافية.

(27/11)


شخص دخل المسجد فوجدهم يصلون العشاء، وفي ظنه أنهم يصلون المغرب، هو صلى المغرب مع الجماعة ونسي أنه صلى المغرب فدخل والناس يصلون العشاء، وفي ظنه أنهم يصلون المغرب، لما قاموا إلى الرابعة جلس وسبح -هذه واقعة- وقبيل ركوع الإمام تذكر أنها العشاء فقام ليأتي معهم بالرابعة، صلاته صحيحة وإلا غير صحيحة؟
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ النية هو ما نوى صلاة العشاء.
هنا يقول: "من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام" يعني نسي الظهر فصلى العصر مع الإمام بنية العصر مقتضى كلامه أنه لا يقطع الصلاة "فإذا سلم الإمام فليصل الصلاة التي نسي" يصلي الصلاة التي نسي، يصلي الظهر إذا سلم الإمام "ثم ليصل بعدها الأخرى" يعني يعيد الصلاة الأخرى، لماذا؟ لأن الترتيب واجب، بهذا قال الأئمة الثلاثة والشافعي -رحمه الله- يقول: يعتد بالصلاة التي صلاها مع الإمام، وكتب الفقه لبيان أن الترتيب واجب، يقولون: ولا يسقط الترتيب إلا بنسيانه أو بخشية فوات وقت اختيار الحاضرة، فإذا نسي وصلى العصر قبل الظهر ناسياً صحت صلاة العصر ولا يلزمه إعادتها، وهنا في الصورة التي معنا نسي لكن هل نسي حتى صلى العصر أو ذكرها في أثناء الصلاة؟ فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام، هنا ذكرها وهو مع الإمام، طيب إذا نسي صلاة الظهر ودخل مع الإمام في صلاة العصر وصلى ركعتين مع الإمام ثم تذكر، هل يقطع الصلاة أو يكملها؟ مقتضى كلامه أنه يتمها، لا يقطع صلاته، لكن هل يعتد بها عن الظهر أو العصر؟ لا، لا يعتد بها عن شيء، لكن يلزمه متابعة الإمام، وهذا اجتهاد من ابن عمر -رضي الله عنه-، لكن لو قطعها وأدرك ركعتين بنية الظهر وأكملها ثم جاء بالعصر يدرك الجماعة أولى وإلا ما هو بأولى؟ إي نعم كان هذا هو المتجه.
طالب:. . . . . . . . .
الحاجة، الحاجة، الحاجة نعم.
طالب:. . . . . . . . .
وهي نافلة؟ أنت افترض أن المسألة ما هو مع إمام هو نفسه المأموم، ناوٍ يصلي يوتر بإحدى عشرة، ضاق عليه الوقت وخشي أن يطلع عليه الصبح زاد ركعة توتر له ما قد صلى من غير سلام تصح صلاته وإلا ما تصح؟ ((فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل ركعة توتر له ما قد صلى)).
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟

(27/12)


طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، من باب متابعة الإمام لا بأس، لا سيما وأنها المسألة صلاة الليل يعني فصلها عن الوتر والوتر جزءٌ منها، ويجوز وصله وفصله الأمر فيه سعة.
يقول: "وحدثني .. " نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيش في؟
طالب:. . . . . . . . .
والله إذا خشي أن يكون سبباً في بطلان صلاته لا يسلم عليه، إذا ما خشي وعرف أن هذا يعرف الحكم وأنه سوف يرد بالإشارة يجوز.
طالب:. . . . . . . . .
إن في الصلاة لشغلاً، هو منشغل بصلاته، هو منشغل بصلاته، يعني كون النبي -عليه الصلاة والسلام- ما أنكر عليه دليل على الجواز، وإلا فالأصل ((إن في الصلاة لشغلاً)).
طالب:. . . . . . . . .
والله إن كان يترتب عليه انشغال المصلي يبي ينشغل الأحسن الترك، لكن السلام عليه جائز بلا شك.
طالب:. . . . . . . . .
هذه لا تجزئ لا ظهر ولا عصر؛ لأن الترتيب واجب ولا يسقط إلا بنسيانها، الآن هو نسي إيش؟ نسي أنه ما صلى الظهر حتى فرغ منها؟
طالب:. . . . . . . . .
حتى فرغ منها هذه منصوص عليها، النسيان يسقط الترتيب، ثم يأتي بالظهر، ما في إشكال، منصوص عليها إلا بنسيانها.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد -يعني الأنصاري- عن محمد بن يحيى بن حبان عن عمه واسع بن حبان قال: كنت أصلي وعبد الله بن عمر مسند ظهره إلى جدار القبلة" كنت أصلي هذا واسع بن حبان بن منقذ المازني قال: "كنت أصلي وعبد الله بن عمر مسندٌ ظهره إلى جدار القبلة، فلما قضيت صلاتي انصرفت إليه من قبل شقي الأيسر، فقال عبد الله بن عمر: ما منعك أن تنصرف عن يمينك؟ قال: فقلت رأيتك فانصرفت إليك، قال عبد الله: فإنك قد أصبت" الآن ابن عمر وين وجهه؟ وعبد الله بن عمر مسندٌ ظهره إلى جدار القبلة، ما هو بمسألة جهة الغرب، القبلة غير الغرب، خلونا لجهة القبلة أنه مستدبر أو مستقبل إيش يصير؟
طالب:. . . . . . . . .

(27/13)


ابن عمر؟ ابن عمر مستدبر القبلة، لو كان مستقبل أو مستدبر ابن عمر كان هذا ينصرف يمين وإلا شمال ما يفرق، يقول: "كنت أصلي وعبد الله بن عمر مسندٌ ظهره إلى جدار القبلة" ما في ما يدل على أنه يسار ولا يمين إلا من خلال انصراف المصلي، يقول: "كنتُ أصلي وعبد الله بن عمر مسندٌ ظهره إلى جدار القبلة" مسندٌ ظهره متكئ إلى جدار القبلة "فلما قضيتُ -يعني أتممت الصلاة- انصرفت إليه من قبل شقي الأيسر" من جهة الشق الأيسر، انصرف إليه هكذا.
طالب:. . . . . . . . .
كيف مستقبل القبلة؟ هذا الخبر يقول: "انصرفت إليه من قبل شقي الأيسر" فقال: "ما منعك .. "
طالب:. . . . . . . . .
لا، إذا كان خلفه؟ يستوي؛ لأن الحركة واحدة، الدورة واحدة، هو إن كان ابن عمر في الجهة هذه مستقبل الشام، وينصرف إليه هكذا، لكن هو بالنسبة للمدينة يستقبل مصر إيه، نفترض أنه هذا المسجد؛ لأن هذا ما له أثر في تغيير المكان، نفترض أنه في هذا المسجد، إذا أراد أن ينصرف إلى جهته اليسرى يكون بالجهة هذه، إلى الجهة هذه يسار القبلة يكون، لكن هل يمكن أن يسمى جدار القبلة ذاك؟ لأنه لو كان في جدار القبلة الذي هو أمامه ما احتاج إلى الانصراف أصلاً، وإن كان خلف ظهره يستوي يمين وإلا يسار الدورة واحدة.
طالب:. . . . . . . . .
نحن نريد تحليل نص أمامنا الآن "فلما قضيت الصلاة انصرفت إليه من قبل شقي الأيسر" يعني استدار إليه من جهة شقه الأيسر "فقال عبد الله بن عمر: ما منعك أن تصرف عن يمينك؟ قال: فقلت رأيتك فانصرفت إليك، قال عبد الله: فإنك قد أصبت، إن قائلاً يقول: انصرف عن يمينك، فإذا كنت تصلي فانصرف حيث شئت، إن شئت عن يمينك، وإن شئت عن يسارك" وهذا يخاطب به الإمام والمنفرد، إن شئت عن يمينك وإن شئت عن يسارك، وجاء في حديث أنس: "كان النبي -صلى الله عليه وسلم- ينصرف عن يمينه" وجاء في حديث ابن مسعود: "أكثر ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ينصرف عن شماله" فدل على أن المسألة فيها سعة، انصرف عن يمينه أو عن شماله لا إشكال -إن شاء الله تعالى-.
الآن ظهر موقع ابن عمر من المصلي؟
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .

(27/14)


كان ينصرف عن يمينه ويساره. . . . . . . . . أنت تقول. . . . . . . . . هو خلفه مباشرة؟ إذا كان عن يساره سواءً على الجدار ذا أو الجدار ذاك ما يفرق.
طالب:. . . . . . . . .
ها؟ ويش تقول؟. . . . . . . . . على كل حال هذاك جدار القبلة، هو جدار القبلة، ويمكن أنه عن يساره فانحرف إليه قليلاً من أجل أن يستقبله، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الانصراف الاستدارة عن جهة القبلة، ليس المراد به السلام، السلام اليمين قولاً واحداً، الانصراف عن جهة القبلة الاستدارة، أو مجرد الانحراف المهم أنه لا. . . . . . . . . إلى جهة القبلة إذا سلم، يعني نفترض أن هذا المسجد، المسجد الأصلي جيد، والتوسعة من أمامه، طيب ابن عمر الأظهر على جهة القبلة وإلا جهة الشرق الجهة المعاكسة؟ وجهه وجهه، وجهه إلى جهة الشمال لا إلى جهة القبلة، وهذا بينه وبينه جدار، طيب وشلون يشوفهم؟ ويشلون يستدير ليراهم؟ يعني بالباب الذي يدخل في التوسعة؟ على كل حال الصورة ما هي بواضحة إلا أنه عن يساره، ابن عمر يقع عن يسار واسع بن حبان، ولذا انصرف إليه سواءً كان خلفه أو أمامه، المقصود أن الانحراف إليه من جهة اليسار أقرب من الانحراف إليه من جهة اليمين، هذا كل ما في المسألة، والمقصود من سياق الخبر واضح، وهو أنه يستوي أن ينصرف المصلي عن يمينه أو عن شماله، وثبت عنه -عليه الصلاة والسلام- كان ينصرف عن يمينه وثبت عنه أنه كان ينصرف عن شماله.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن رجل من المهاجرين لم ير به بأساً" من المهاجرين يعني صحابي وإلا من أبنائه؟ شلون لم ير به بأساً يحتاج أن يقال هذا؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم؟ يقول عن رجل من المهاجرين: "إنه لم ير به بأساً" أنه سأل عبد الله بن عمرو بن العاص .. وين المهاجرين الأولين .. ؟ نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
احتمال أن تكون الهجرة غير الهجرة الأولى، احتمال أنه هاجر بعد ذلك، وقد يحتمل أن يكون بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام- ويش المانع؟
طالب:. . . . . . . . .

(27/15)


من المهاجرين، لا ما يلزم من مكة، من البوادي، من البوادي مهاجر، إيه ما يلزم؛ لأن قوله: "لم يرَ به بأساً" يدل على أنه لو كان من المهاجرين الأولين ما يحتاج إلى أن يقال فيه مثل هذا، وإن كان أبو حاتم الرازي قال في بعض الرواة: من المهاجرين الأولين مجهول.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، عاد أبو حاتم يطلق الجهالة بإزاء إطلاقات كثيرة.
طالب:. . . . . . . . .
لم يرَ به بأساً لا سيما وأن الإمام مالك من أهل التحري، على كل حال يأتينا .. ، الخبر يقول: "أنه سأل عبد الله بن عمرو بن العاص: أأصلي في عطن الإبل؟ " يعني موضع بروكها عند الماء خاصة، وقيل: مأواها مطلقاً "فقال عبد الله: لا" يعني لا تصلي فيها "ولكن صل في مراح الغنم" والمراد مجتمعها في آخر النهار وموضع مبيتها، والنبي -عليه الصلاة والسلام- سئل عن الصلاة في مرابض الغنم وعن الصلاة في مبارك الإبل، فمنع من الصلاة في مبارك الإبل وأذن في الصلاة في مرابض الغنم، فدل على أن هناك فرق بين مبارك الإبل ومرابض الغنم، وأرواثها وأبوالها طاهرة، الجميع أبوالها وأرواثها طاهرة، لكن أهل العلم يلتمسون حكم من هذا التفريق، منهم من يقول: إن الإبل لا تكاد تهدأ فإذا صلى في مباركها وبقربها خشي عليه أن يتضرر إذا نفرت، ومنهم من يقول: إن مباركها مأوى للشياطين بخلاف مرابض الغنم، المقصود أنها استنباطات من أهل العلم، ويبقى أن الحكم في هذا هو النص، الحكم في هذا هو النص، وأما العلة الحقيقية فتحتاج إلى نقل، لا سيما وأن مثل هذه الأمور مما يخفى، يعني ظاهراً فيما يظهر للناس هل هناك فرق؟ المكان طاهر سواءً كان في مبارك الإبل أو في مرابض الغنم كلها طاهرة، والذين يقولون: بنجاسة أبوال وأرواث الإبل يقولون بنجاسة أرواث وأبوال الغنم لا فرق، والذين يقولون بطهارة هذه يقولون بطهارة هذه، فالأمر الحسي لا فرق.
يعني جاء في بعض الأخبار مثل ما قيل في الوضوء من لحم الإبل وعدم الوضوء من لحم الغنم، التمسوا قيل: فيهن شياطين أو جن خلقت من جن، أو أمور يعني .. ، كلام، استنباطات من أهل العلم، الدسومة زائدة أو الدهونة تخفف بالوضوء.

(27/16)


على كل حال الكلام كثير لأهل العلم في هذا، والأصل والمعول عليه هو النص الذي فرق بين الأمرين.
جاء في بعض الأخبار أنها -لا أعلم صحته الآن- أنها جن خلقت من جن، لكن .. ، جنٌ خلقت من جن بهذا اللفظ، لكنه لا أخاله يثبت، ولا يمكن أن ترد الشريعة بالتفريق بين المتماثلات أو الجمع بين المختلفات، لكن قد يكون عدم إدراكنا هذا لقصورنا أو تقصيرنا، ما ننسب هذا للشريعة، فيبقى الحكم المعقولة مؤثرة، بولها طاهر وروثها طاهر ويش المانع من الصلاة؟ يعني كونها في باب الهدي والأضحية ملحقة بالإبل هذا أمر ثاني.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: ما صلاة يجلس في كل ركعة منها؟ " سعيد بن المسيب يطرح هذه المسألة، وطرح العالم للمسألة على جلسائه وطلابه له أصل، ترجم البخاري -رحمه الله-: "باب: طرح الإمام المسألة" وأورد حديث النخلة من حديث ابن عمر تشبيه النخلة بالمؤمن، على كل حال هذا له أصل لكن لا يقصد بذلك التعنيت والتعجيز، ولا يبالغ في التعمية، إنما يقصد بذلك معرفة قدرات الطلاب ومدى استيعابهم، وشحن هممهم أيضاً، وهنا يقول سعيد بن المسيب: "ما صلاة يجلس في كل ركعة منها؟ " يعني بعد كل ركعة تشهد، وأقول: "ما صلاةٌ التشهد فيها أكثر من عدد الركعات؟ " هو جوابها المغرب، وفي سؤالنا أيضاً المغرب، يعني جلس مع الإمام التشهد الأول، فاته ركعتان وأدرك التشهد الأول يتشهد معهم، ثم يتشهد معه ثانية، ثم يأتي بركعة فيتشهد ثم يأتي بالثانية فيتشهد فيكون أربع تشهدات في ثلاث ركعات، وهنا يقول: "هي المغرب إذا فاتتك منها ركعة" تتشهد ثلاث مرات، ونقول: يمكن أن تصور بأربع تشهدات كما سمعنا "وكذلك سنة الصلاة كلها" الثنائية ما فيها إشكال إذا فاتك ركعة، الثنائية ما فيها إشكال، لكن الرباعية كيف يتصور أن تجلس في كل ركعة في الرباعية؟
طالب:. . . . . . . . .
إذا أدركت الرابعة؟ أيوه؟ يجلس مع الإمام هذا أول تشهد، ثم يأتي بركعة .. ، ثم يأتي بركعتين ويتشهد، صح؟ ثلاث تشهدات، والركعات أربع، أقول: كيف نتصور أن الرباعية يأتي فيها أربع تشهدات؟ يعني الثلاثة متصور أن تأتي أربع تشهدات.
طالب:. . . . . . . . .
يعني يسهو ويتشهد؟

(27/17)


طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، يطرح المسألة على أساس أنها تشهد مع الذكر، مقصود وإلا مع السهو بعد .. ، الله المستعان، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن ما يجلس في كل ركعة منها، تشهدين متواليين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، الآن بيجي يتشهد في كل ركعة منها هي المغرب إذا فاتتك، وكذلك سنة الصلاة كلها، الفجر، الفجر كذلك.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا أنا الإشكال عندي في الرباعية، يقول: "وكذلك سنة الصلاة كلها".
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا يعني طريقتها، طريقة الصلاة كلها.
طالب:. . . . . . . . .
ذكرنا تو في السهو يعني متصور أنه يتشهد ما لا نهاية هين، لكن يبقى أنه في الذكر هنا وهو ذاكر، وهذا مما يثبت تبعاً، لكن لو صلى شخصٌ المغرب استقلالاً بثلاثة تشهدات بطلت صلاته، أما هذا يثبت تبعاً.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو المغرب انتهينا منها، يعني وفي حكمها جميع الصلوات، في حكمها جميع الصلوات، في من الشراح ذكر شيء؟ أظن إذا سبقه الحدث من الضرورة، ثم خرج بعد الثالثة ثم عاد.
طالب:. . . . . . . . .
نعم أدرك مقيم من صلاة مسافر ركعة هذه مسألة مستقلة هذه غير ذيك، طيب أدرك مقيم من صلاة مسافر ركعة، الآن المقيم يلزمه الإتمام وإلا يكفيه القصر؟ مقيم يلزمه الإتمام أدرك ركعة يجلس معه للتشهد، ثم يأتي بركعة ويجلس للتشهد، ما في فرق، ما في فرق، لكن خلونا في مسألة الرعاف كيف يتصور في الرعاف أن يتشهد أربع تشهدات؟ طيب يبني كيف يبني؟ كيف يتصور أربع تشهدات؟ يعني يتشهد معهم التشهد الأول، ثم سبقه الحدث فذهب ليتوضأ وبنى على ما مضى، وأدركهم في التشهد الثاني، تشهد معهم التشهد الأول، هو فاته كم ركعة الحين؟
طالب:. . . . . . . . .
ها؟ كيف؟ يعني ما نستفيد، لا، ترى أهل العلم ما هو من فراغ يتكلمون، لا سيما الباجي ترى في غاية الدقة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، تأملوها جيداً، قد يختلف تصويرها في مذهبهم عن المالكية عن بقية المذاهب، لكن لا بد من أن يكون لها أصل، يعرفون يعني كيف يحررون المسائل ويضبطونها.

(27/18)


فإذا أدرك التشهد الأول معهم، يعني ما أدرك شيء أبد إلا التشهد الأول، جاء والإمام جالس أو فاتته الركعة الثانية فلحق بهم فأدرك التشهد الأول، تشهد معهم، ثم سبقه الحدث، ثم جاء وقد فاتته الرابعة.
طالب:. . . . . . . . .
أعد أعد.
طالب:. . . . . . . . .
يعني ما أدرك شيء من الأولات الثنتين؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، إذا أدرك طاحت عنه و. . . . . . . . . تشهد، الثانية أولى تشهد معهم ثم لما أنهى التشهد الأول سبقه الحدث وذهب، ثم رجع وهم في التشهد الأخير، طيب هي أربع تشهدات، لكن ما يتسنى أن تكون يجلس في كل ركعة.
طالب:. . . . . . . . .
لا،. . . . . . . . . بين كل ركعتين يرعف ويطلع يتوضأ إذا جلس للتشهد أرعف وطلع ثم. . . . . . . . . ما هو بتصوير مسائل علمية.
طالب:. . . . . . . . .
أولى بالنسبة له، ويبقى له ثنتين، إذا سلموا يجيبهن؟ يجيب ثنتين؟ يبقى له ثنتين بيجيبهن سرد بدون تشهد، ما يصلح، ويقول: تجلس في كل ركعة، يعني ما يتم هذا التصوير أبداً.
طالب:. . . . . . . . .
طيب الآن فاته ركعة وإلا أدرك ركعة؟ فاته ركعة رباعية ترى.
طالب:. . . . . . . . .
إيه بيدرك الثالثة والرابعة ما بينهن تشهد مع الإمام.
طالب:. . . . . . . . .
ما يلزم لا، لا، ما في أحد يقول: يلزمه الجلوس حتى عند من يقول: إن ما يدركه المسبوق آخر صلاته، ما يلزمه الجلوس.
طالب:. . . . . . . . .
هاته.
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . من غير تعرض لصورة ما يدركه مع الإمام؛ لأنه بيدرك مع الإمام الثالثة والرابعة ما بينهن تشهد، ثم ينخرم كلامه.
طالب:. . . . . . . . .
طيب، بدون ركعة، طيب.
طالب:. . . . . . . . .
لكن يصير ركعتين متواليتين بدون تشهد، فما ينفع، ما يجي على كلامه يجلس في كل ركعة، يجلس في كل ركعة منها، على كل حال ما هو بنص هذا، أقول: ما هو بنص هذا.
طالب:. . . . . . . . .
إيه ما هو بنص هذا.
طالب:. . . . . . . . .
هذا ما هو بنص.
طالب:. . . . . . . . .
الظاهر أن سعيد قاصداً أهل الكلام هذا.
طالب:. . . . . . . . .
الثاني، ثم قام قضى ركعة فجلس، ثم عاد ثنتين متواليات، يبقى الإشكال هو هو.

(27/19)


طالب:. . . . . . . . .
أربع تشهدات.
طالب:. . . . . . . . .
أربع تشهدات، لكن لا ما يفصل بينهم بالتشهد، ما يمكن تصويره هذا.
طالب:. . . . . . . . .
ويش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
أعد يا شيخ أبو عبد الرحمن.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا إحنا ما تصورنا أن المسألة في السهو، وإلا السهو اللي بيفتح باب السهو ما ينتهي.
طالب:. . . . . . . . .
مسائل صور السهو ما تنتهي إطلاقاً.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال تصورها صعب، يعني تصور أربع تشهدات في المغرب سهل، يعني سهل، لكن الرباعية تصور تشهد بعد كل ركعة فيه صعوبة.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول: ما رأيكم فيمن يقول بأفضلية صيام أربعة أيام ليتحقق من عاشوراء يوم الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء، ولو أضف فيها السبت والخميس تصير خمسة أو ستة؟
المسألة عبادة، إن كان يتعبد بهذا وهو على .. ، هو مخالف، إذا كان يتعبد بهذا في عبادة مؤقتة بوقتها هذه مخالفة، المنصوص عليه يوم عاشوراء، ثم في الأخير قال -عليه الصلاة والسلام-: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) يعني مع العاشر، ولولا رواية: ((صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده)) لما قلنا: إن الأحوط أن ينظر في هلال محرم، فإن لم يرَ الهلال فليكمل ذي الحجة، أو يصوم إن كان الشهر مكملاً ولو بالتقويم يصوم التاسع والعاشر، وإن كان ناقصاً يصوم العاشر والحادي عشر ليصيب العاشر بيقين، يعني في مثل شهرنا هذا إذا صام الاثنين والثلاثاء أصاب عاشوراء بيقين، لكن لو كان ذي الحجة كاملاً يعني في التقويم أو في عرف الناس لقلنا: يصام الأحد والاثنين، ونكون حينئذٍ أصبنا العاشر بيقين، وذلك بإكمال شهر ذي الحجة؛ لأنه لم يرد عليهم من يثبت رؤيته فأكملوه، وهذا هو الأصل، وهذا هو الأصل في الأشهر الشرعية إن رؤي الهلال وإلا فأكملوا، كما في هلال رمضان، لا يحصل. . . . . . . . .، على كل حال على الإنسان أن يتحرى يتحرى، وإذا أمكنه صيام العاشر بيقين فلا مفر منه، لا بد من هذا.
طالب:. . . . . . . . .

(27/20)


لا هو إذا تردد كما لو قال: إن كان غداً من رمضان فهو فرضي؛ لأنه ليس بإمكانه أكثر من هذا، ولن يكلف أكثر من هذا.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: جامع الصلاة.
حدثني يحيى عن مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وهو حاملٌ أمامة بنت زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس: فإذا سجد وضعها وإذا قام حملها.
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون)).
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مروا أبا بكر فليصل للناس)) فقالت عائشة: إن أبا بكر يا رسول الله إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمُر عمر فليصل للناس، قال: ((مروا أبا بكر فليصل للناس)) قالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي له إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء فمر عمر فليصل للناس، ففعلت حفصة فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكن لأنتن صواحب يوسف، مروا أبا بكر فليصل للناس)) فقالت حفصة لعائشة -رضي الله عنهما-: "ما كنت لأصيب منك خيراً".

(27/21)


وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار أنه قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس بين ظهراني الناس إذ جاءه رجل فساره فلم يدر ما ساره به حتى جهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا هو يستأذنه في قتل رجل من المنافقين، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين جهر: ((أليس يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؟ )) فقال الرجل: بلى، ولا شهادة له، فقال: ((أليس يصلي؟ )) قال: بلى ولا صلاة له، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((أولئك الذين نهاني الله عنهم)).
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد، اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)).
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع الأنصاري أن عتبان بن مالك -رضي الله عنه- كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنها تكون الظلمة والمطر والسيل وأنا رجل ضرير البصر، فصل يا رسول الله في بيتي مكاناً أتخذه مصلى، فجاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((أين تحب أن أصلي؟ )) فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عباد بن تميم عن عمه أنه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستلقياً في المسجد واضعاً إحدى رجليه على الأخرى.
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان -رضي الله عنهما- كانا يفعلان ذلك.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال لإنسان: إنك في زمان كثير فقهاؤه، قليل قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن، وتضيع حروفه، قليل من يسأل، كثير من يعطي، يطيلون فيه الصلاة، ويقصرون الخطبة، يبدون أعمالهم قبل أهوائهم، وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه، كثيرٌ قراؤه، يحفظ فيه حروف القرآن، وتضيع حدوده، كثير من يسأل، قليل من يعطي، يطيلون فيه الخطبة ويقصرون الصلاة، يبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم.

(27/22)


وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه قال: بلغني أن أول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة فإن قبلت منه نظر فيما بقي من عمله، وإن لم تقبل منه لم ينظر في شيء من عمله.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كان أحب العمل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يدوم عليه صاحبه.
وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه -رضي الله تعالى عنه- أنه قال: كان رجلان أخوان فهلك أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلة، فذكرت فضيلة الأول عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ألم يكن الآخر مسلماً؟ )) قالوا: بلى يا رسول الله، وكان لا بأس به، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وما يدريكم ما بلغت به صلاته؟ إنما مثل الصلاة كمثل نهر غمر عذب بباب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات، فما ترون ذلك يُبقي من درنه؟ فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عطاء بن يسار كان إذا مر عليه بعض من يبيع في المسجد دعاه فسأله ما معك؟ وما تريد؟ فإن أخبره أنه يريد أن يبيعه قال: عليك بسوق الدنيا، وإنما هذا سوق الآخرة.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- بنى رحبة في ناحية المسجد تسمى البطيحاء، وقال: من كان يريد أن يلغط أو ينشد شعراً أو يرفع صوته فليخرج إلى هذه الرحبة".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: جامع الصلاة" والترجمة التي قبلها: "باب: العمل في جامع الصلاة" وهذه الترجمة: "باب: جامع الصلاة" يقول الشراح في الفرق بين الترجمتين: إن الأحاديث التي أوردها في تلك -الترجمة الأولى- تتعلق بذات الصلاة، والأحاديث التي أوردها في هذه الترجمة لا تتعلق بذاتها، وإنما تتعلق بأمورٍ خارجةٍ عنها كحمل الصبية، وتعاقب الملائكة، وتقديم الأفضل للإمامة وما أشبه ذلك.

(27/23)


يقول -رحمه الله تعالى-: "حدثني يحيى عن مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير -بن العوام- عن عمرو بن سليم الزرقي –الأنصاري- عن أبي قتادة الأنصاري -الحارث بن ربعي الأنصاري- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي وهو حاملٌ أمامة بنت زينب بنت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أمامة: إعرابها؟ مفعول لاسم الفاعل، والإضافة ما يمكن؟ حاملُ أمامةَ {مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا} [(45) سورة النازعات] بالإضافة، أو "منذرٌ من يخشاها؟ " {إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ} [(3) سورة الطلاق] طيب والقراءة الثانية؟ بالغٌ ..
طالب:. . . . . . . . .
أو أمرُهُ؟ يجوز الوجهان، وهناك صور يترجح فيها الإضافة، وصور يترجح فيها العمل، وبنت: نعت أو بدل أو بيان من أمامة، وعلى رواية العمل تكون بنتَ، وعلى الإضافة تكون بنتِ، زينبَ بنتِ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نسبت لأمها لشرف النسبة إليه -عليه الصلاة والسلام-، وإلا فأبوها معروف، ولذا قال: "ولأبي العاص بن ربيعة بن عبد شمس" ذكر أبوها أمامة بنت أبي العاص "لأبي العاص بن ربيعة" أبو العاص أبوها أسلم قبل الفتح وهاجر، وأسلمت قبله زينب وبقيت، وردها النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه بالعقد الأول "ولأبي العاص بن ربيعة" وهذه رواية الجمهور عن مالك، ورواه يحيى بن بكير ومعن بن عيسى القزاز وأبو مصعب الزهري وغيره من الرواة عن مالك فقالوا: (ابن الربيع) "ولأبي العاص بن الربيع" وهو الصواب، وزعم الكرماني أن المخالفة من البخاري، في البخاري: "ولأبي العاص بن ربيعة" يعني إذا تسنى للكرماني أن يقول: إن المخالفة من البخاري في كتابه هل يتسنى له أن يقول: إن المخالفة من البخاري في الموطأ؟ ما يمكن، هذا وهم زعم الكرماني أن المخالفة من البخاري، والصواب أنه ممن روى عن مالك ممن ذكر، وزعم بعضهم أنه منسوبٌ إلى جده، وأنه ابن الربيع بن ربيعة، ورده عياض والقرطبي وغيرهما لإطباق النسابين على خلافه، هو أبو العاص بن ربيعة بن عبد العزى بن عبد الشمس، النسابون يتفقون على هذا.

(27/24)


أمامة هذه تزوجها من؟ علي -رضي الله عنه- بعد وفاة فاطمة "فإذا سجد وضعها" وهذا صريح في كون العمل منه -عليه الصلاة والسلام-، وأنه هو الذي يحملها، وهو الذي يضعها "وإذا قام حملها" لأن منهم من زعم كالخطابي أنها تعلق به من غير عملٍ منه، تتعلق به، ألفته -عليه الصلاة والسلام- فكانت تتعلق به إذا قام وإذا .. ، فصريح الرواية تردها "فإذا سجد وضعها، وإذا قام حملها".
وأشكل مثل هذا العمل على بعض العلماء لا سيما من المالكية؛ لأن هذا العمل لا يجوز عندهم في الصلاة أشكل عليهم مثل هذا، فمنهم من قال: هذا في النافلة لا في الفريضة، جاء في رواية: أنه يؤم الناس، وفي رواية: كنا ننتظر النبي -عليه الصلاة والسلام- صلاة الظهر أو العصر إذ خرج علينا وهو حاملٌ أمامة، هذه نافلة وإلا فريضة؟ فريضة، روى أشهب عن مالك أن ذلك للضرورة لعدم وجود من يكفيه أمرها، وهذا الكلام ليس بصحيح؛ لأن بيوته -عليه الصلاة والسلام- معمورة.
روى عبد الله بن يوسف التنيسي عن مالك أن الحديث منسوخ، يقول ابن عبد البر: لعله نسخ بتحريم العمل في الصلاة، لكن لا داعي للقول بالنسخ، لا داعي إلى القول بالنسخ؛ لأن هذا العمل عند جمهور أهل العلم لا إشكال فيه، صحيح فيه حركة لكنها غير متوالية، والآدمي طاهر، وما في جوفه معفوٌ عنه، فالنبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل مثل هذا الفعل لبيان الجواز، الطمأنينة موجودة، ولولا مثل هذا العمل منه -عليه الصلاة والسلام- الذي فعله لبيان الجواز لتحرج كثيرٌ من الناس حينما يحتاجون إلى مثل هذا العمل، يعني لولا وجود هذا الأصل الذي يبيح مثل هذا العمل لوجد الحرج والمشقة من كثيرٍ من الناس، لا سيما أهل التحري والحرص؛ لأنه قد يوجد الحاجة إلى مثل هذا العمل، وإذا لم يوجد له أصل لا شك أنهم سوف يتحرجون.
على سبيل المثال قد لا يوجد من يقرأ القرآن عن ظهر قلب، لكن يوجد من يقرأ القرآن نظر، وأراد أن يصلي بالناس ومعه المصحف نقول: الحديث أصل في جواز القراءة في المصحف وحمله ووضعه عند الحاجة؛ لأن مثل هذه الأمور تقدر بقدرها، ولا يتوسع فيها.

(27/25)


على كل حال النبي -عليه الصلاة والسلام- فعل هذا لبيان الجواز، ولرفع الحرج والمشقة عن أمته، هو فعله -عليه الصلاة والسلام- لبيان الجواز، فإذا وجد الشخص في مجتمعٍ أو بين أناس يشددون في هذا الأمر، وأن الإنسان إذا تحرك ظنوا به الظنون، أو يعني ممن يراد تخفيف مثل هذا الأمر عندهم، وبيان السنة لهم لا بأس من فعله، نقول: هذا من باب التعليم؛ لأن هذه النصوص وينبغي أن يعنى بها طلاب العلم والعلماء في تطبيقها علاجاً لمشاكل الناس، يعني لو رأيت واحدٍ يتحرك قلت: قوموا لله قانتين، والحركة .. ، وتكلم عن الحركة، وأنها مؤثرة في الصلاة، لكن لو وجدت شخص يبالغ في هذا الأمر، ويرى أن كل حركة مبطلة للصلاة، لا مانع أن تحمل طفل وتقول. . . . . . . . .، والنبي -عليه الصلاة والسلام- حمل.
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج" حدثني عن مالك عن أبي الزناد اسمه؟ ها؟ عبد الله بن ذكوان، عن الأعرج عبد الرحمن بن هرمز لا نخلط بينهما "عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار)) يتعاقبون فيكم: أي تأتي طائفة عقبت الطائفة الأخرى، يتعاقبون فيكم بمعنى أن الطائفة الثانية تأتي عقب الطائفة الأولى، وهذا يرد عليه قوله: ((ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر)) كيف يتعاقبون وهم يجتمعون؟! أن عددهم كبير بحيث يكون بعضهم يأتي عقب ذهاب البعض، وبعضهم يجتمع مع بعض الدفعات ((يتعاقبون فيكم ملائكة)) من يعرب يتعاقبون؟ ملائكة: بدل، لكن من قال: إن الملائكة هم الفاعل، يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار على لغة بلحارث التي يسمونها لغة: أكلوني البراغيث، وهذه لها ما يشهد لها من النصوص، وفي لغة العرب أيضاً.
الحديث في بدء الخلق من صحيح البخاري: ((الملائكة يتعاقبون ملائكة بالليل وملائكة بالنهار)) وفي مسلم: ((والملائكة يتعاقبون فيكم)) وحينئذٍ لا يكون فيه شاهد لهذه اللغة، لكن هذا المثال يذكر في كتب النحو على هذه اللغة "يتعاقبون فيكم" بل بعضهم جعل هذه اللغة منسوبة إلى هذا الحديث، على لغة: يتعاقبون فيكم، وعلى كل حال هي لغة قبيلة من العرب، ولها شواهدها من النصوص ومن الشعر.

(27/26)


يلومونني في اشتراء النخيل أهلي ... . . . . . . . . .
ولها الشواهد موجودة في شروح الألفية وغيرها.
((ملائكة بالليل وملائكة بالنهار)) وهل هؤلاء الملائكة هم الحفظة أو غيرهم؟ خلافٌ بين أهل العلم، لكن المرجح أنهم هم وإلا غيرهم؟ غيرهم، لماذا؟ لأن الحفظة لا يفارقون.
((ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر)) يجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر، صلاة الفجر لا إشكال فيها لأنها مشهودة، هذا مع كون صلاة الفجر مشهودة {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [(78) سورة الإسراء] والمراد بقرآن الفجر صلاة الفجر، وهي مشهودة يشهدها الملائكة ملائكة الليل والنهار، لكن ماذا عن صلاة العصر؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن هل هي مشهودة وإلا غير مشهودة؟ ويش معنى تخصيص الفجر بكونها مشهودة والمعنى الموجود فيها موجود في العصر على هذا الحديث؟ هو المقصود بالقرآن الصلاة، القرآن المقصود به الصلاة، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
ما تكون مشهودة على هذا؟ إذا صارت سرية ما تكون مشهودة؟! ها النص، الحديث اللي عندنا: ((يجتمعون)) معنى الشهود في صلاة الصبح موجود في صلاة العصر إيش معنى كون الفجر مشهودة والعصر غير؟ يعني ما جاء في صلاة العصر معروف ومحفوظ، وكونها إحدى البردين معروف مع الصبح، لكن إشكالنا واضح ومحدد، صلاة الفجر مشهودة إيش معنى مشهودة؟ يجتمع فيها ملائكة الليل والنهار، إذاً لمَ خصت بكونها مشهودة دون العصر؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، إيه، يعني كون العصر تجمع جمع تقديم في أول صلاة الظهر مثلاً إذا زالت الشمس، يعني هل تشهد والنهار باقٍ فيه؟ لأن معنى التعاقب هذا ملائكة ليل وملائكة نهار، فإذا جمعت صلاة العصر في منتصف النهار يحصل هذا التعاقب وإلا ما يحصل؟ يعني باقي على النهار نصفه.

(27/27)


على كل حال النص الذي بين أيدينا يدل على أنها مشهودة، ويبقى أن كونها مشهودة يعني على أصلها في وقتها، يعني كون من يشهدها أكثر، وتسمية صلاة الفجر بقرآن الفجر يدل على أن القراءة لها لها مزية، وجاء أيضاً مقروناً بمثل هذا الحديث: ((فإن استطعتم أن لا تضاموا عن صلاةٍ -أن لا تغلبوا- على صلاةٍ قبل طلوع الشمس وصلاةٍ قبل غروبها)) ولذا جاء في الخبر أن الرؤية للباري -جل وعلا- في طرفي النهار، وأن أسعد الناس بها من يحافظ على هاتين الصلاتين، وهما البردان، وذكرنا أن ابن القيم -رحمه الله تعالى- في طريق الهجرتين وهو يصف حال المقربين، ويصف حرصهم على القرب من الإمام في صلاة الصبح، وتدبرهم لقراءته له أثرٌ كبير في صلاح القلب؛ لأن هذه الصلاة مشهودة.
يقول: ذكر السيوطي استدراكاً على ابن حجر أن الحفظة يفارقون الإنسان وذكر على ذلك أحاديث.
هم لا يفارقونه إلا في حال غير كمال، لا يفارقونه إلا حال غير كمال، يعني في قضاء حاجة، وهو جنب، لكنه مع ذلك هؤلاء يتعاقبون بمعنى أنهم يفارقون، ملائكة ينزلون، وملائكة يصعدون.
لو قلنا: إنهم هم الحفظة لما صار لصلاتي الصبح والعصر مزية، الحفظة موجودين في الظهر، موجودين في صلاة المغرب، موجودين في صلاة العشاء، لو قلنا: إنهم هم الحفظة، موجودون في كل الصلوات، موجودون في النوافل.
((ثم يعرج الذين باتوا فيكم)) هذا دليلٌ على أنهم الذين شهدوا صلاة الفجر، الذين باتوا فيكم ثم شهدوا صلاة الفجر يعرجون، الذين شهدوا صلاة الفجر، يعني هل يمكن أن يقال مثل هذا في الذين شهدوا صلاة العصر باتوا؟ نعم؟ كيف؟ البيتوتة بالليل ((ثم يعرج الذين باتوا فيكم)) هم قالوا: تخصيص الذين باتوا دون الآخرين من باب الاكتفاء، كما في قوله تعالى: {سَرَابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ} [(81) سورة النحل] يعني والبرد، ومراده بهذا أن الذين يعرجون الذين باتوا هذا بالنسبة لصلاة الصبح، ويعرج الذين شهدوا صلاة العصر، ممن وجد في النهار غير الذين باتوا، الذين كانوا هذه أشمل.

(27/28)


على كل حال تخصيص هؤلاء يقول أهل العلم: إن الليل مظنة معصية؛ لأن فيه استتار، وفيه خفاء، اختفاء عن الأنظار، فالتنصيص على هؤلاء الذين باتوا؛ لتحذير العصاة، تظنون أنكم ما كتب عليكم شيء في هذا الليل لخفاء فعلكم؟ هؤلاء الذين باتوا فيكم يعرجون، مسجلين ما صنعتم، ومع ذلكم يسألهم الله -جل وعلا- وهو بهم أعلم لإظهار الحكمة في خلق الإنسان ((يسألهم وهو أعلم بهم)) يسأل الملائكة ((كيف تركتم عبادي؟ )) ليظهر في عالم الشهود للملائكة، ويبين لهم أن قولهم السابق {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء} [(30) سورة البقرة] أنه له حقيقة وإلا ما له حقيقة؟ نعم؟ ليس على إطلاقه؛ لأنهم عمموا {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا} [(30) سورة البقرة] لأنه وإن وجد من يفسد إلا أنه وجد ((تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون)) فيوجد من يفسد، ويوجد من يتعبد، كما قال الله -جل وعلا-: {إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى} [(4) سورة الليل].
((كيف تركتم عبادي؟ )) كيف تركتموهم؛ لأن الأعمال بالخواتيم، ولم يقل: كيف وجدتموهم، يعني لما وصلتم إليهم كيف وجدتموهم؟ المقصود كيف تركتموهم في آخر الأمر؛ لأن الأعمال بالخواتيم ((فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون)) فبدأوا بالترك؛ لأن ختم العمل أولى من بدايته، وإن كانت البداية من حيث الزمن متقدمة، لكن من حيث الأهمية الختم أولى من البداية.
هذا يسأل يقول: هل يسن الخروج إلى المسجد إذا تيقن فوات الجماعة الأولى، وكان يرجو أن يدرك جماعة أخرى بعدها؟
نعم، إذا كان يرجو جماعة أخرى فالخروج له مبرر؛ لأن صلاة الرجل مع آخر أزكى من صلاته وحده، وفيه تحصيل لأجر الجماعة، ولا شك أن هذا هدفٌ صحيح، ومقصدٌ شرعي.
يقول: أفضل الكتب لإعراب القرآن؟

(27/29)


ذكرنا مراراً أن المتقدمين لهم كتب لإعراب القرآن للنحاس وللعكبري، وللمتأخرين أيضاً مساهمات جيدة، كتب مبسوطة في إعراب القرآن، يحسن أن يتمرن عليها طالب العلم، ولعل من أجودها: (إعراب القرآن) لمحي الدين درويش معاصر، هناك كتب منها ما يبلغ العشرات المجلدات، ومنها ما يزيد، فهذه الكتب نافعة كتاب محي الدين درويش هذا إعراب تفصيلي لكل كلمة من كلمات القرآن.
هناك كتب من كتب التفسير تعنى بإعراب القرآن ووجوهه العربية والبلاغية منها: (البحر المحيط) لأبي حيان، عنايته بالنحو فائقة والإعراب، هناك أيضاً: (بيان وجوه المعاني والبيان) في تفسير أبي السعود، والكتب في هذا كثيرةٌ جداً، وحريٌ بطالب العلم أن يعنى بها؛ لأنه بهذه الطريقة يضبط العربية، ويستعين بذلك على فهم كتاب الله -عز وجل-.
هذا يقول: أنا طالب في الهند وعائش مع عائلة يقول: مسيحية يعني نصارى؛ ليتعلم اللغة الإنجليزية، ويأكل ويشرب معهم فما الحكم الشرعي؟
هذا شخص عائش في بيت فيه رجال ونساء ليسوا من محارمه لا يجوز له البقاء معهم ولا لحظة، إلا إذا كان في قسم الرجال فقط، ولا يدخل على النساء؛ لأنهن لسن من محارمه.
يقول: قناة فضائية تبث مجموعة من البنات يعرضن أنفسهم للزواج على التلفاز، وتقوم القناة بعرض تصرفاتهن من أكلٍ وشرب ولبس، ومعظم الناس تتحدث عنهم، السؤال: هل متابعة مثل هذه القناة حرام؟
أقول: عرض هذه الصور صور النساء في مثل هذه القنوات لا شك أنه يتيح النظر إليهن من قبل الرجال الأجانب، وهذا بحد ذاته حرام، فضلاً على أن تعرض هذه النساء على أوضاعٍ تغري بهن، المقصود أن مثل هذا لا يجوز النظر إليه بحال، والله المستعان.
يقول: هل يجوز للفتاة نصح الشباب من المسلمين للدين الإسلامي عبر الإنترنت بحيث يسمعون صوتها؟ تقول: تدخل مواضع الدردشة وتنصحهم بما يفيدهم في دينهم؟

(27/30)


هذه يخشى عليها من أن تفتن، فخيرٌ لها أن لا تكلم الرجال، وكلامُ المرأة للرجال الأجانب لا يجوز إلا بقدر الحاجة، إذا لم يوجد لها من يقضي حاجتها، وكان صوتها طبيعياً، بمعنى أنه ليس فيه خضوع تقضي حاجتها، تشتري ما تضطر إلى شرائه، المقصود أن مثل هذا التوسع غير مرضي في الشرع، ويفتح أبواب من الشرور لا يمكن السيطرة عليها، فعليها أن تقتصر بالدعوة على محيطها من النساء.
يقول: هل الذي ملك على خطيبته وسجل المبلغ في العقد، ومن ثم طلبوا الزيادة هل الزيادة تكتب في العقد أم لا؟ الزيادة تكتب في العقد؟
يعني الآن عقد على مهرٍ معين على مبلغ معين هو المهر والصداق لا يجوز لهم أن يطلبوا الزيادة بعد ذلك، وإذا طلبوا وألحقها بالمهر وأراد كتابتها بالعقد من أجل أن تحفظ له حقوقه فيما لو طلبوا الفراق فهي جزءٌ من المهر، إذا كانت هذه الزيادة بقصد المهر لا على سبيل الإهداء، إذا كانت تبعاً للمهر فإذا أرادوا حل هذا العقد بخلع يلزمهم دفع جميع ما دفعه إليهم.
يقول: امرأةٌ تأخذ حبوب منع الحمل من وراء زوجها، يعني خفيةً عليه لتمنع الإنجاب وذلك لتضررها منه، وتسأل هل يجوز لها ذلك؟
لا يجوز لها إلا بموافقته؛ لأن الولد حقٌ للطرفين، لا يجوز له أن يجبرها، ولا يجوز لها أن تأخذ هذه الحبوب من غير علمه؛ لأنه حقٌ للجميع، لكن إذا ثبت أنها تتضرر بتقريرٍ طبي من طبيبٍ ثقة لا يجوز له أن يلزمها بما يضرها، لكن الشرع لم يتركه دون حل، لم يتركه الشرع دون حل، له أن يتركها حتى تنظم إنجابها بما لا يتعارض مع صحتها وقدرتها، وله أن ينظر إلى زوجةٍ أخرى للإنجاب، على كل حال الشرع ما ترك مثل هذه الأمور دون حل ولا ....
يقول: امرأة منفصلة عن زوجها ولديها طفلين منه طفلان، لكنه يهددها بأنه سيأخذ - الظاهر - أبناءه منها؛ لأنهم تعلمهم الدين الإسلامي وهو لا يرديهم أن ينشأوا على الدين فكلما يذهب هذا الولد إلى أبيه -أخطاء مطبعية كثيرة- كلما يذهب هذا الولد إلى أبيه يعود وقد تغير تفكيره ويقول: لوالدته لا أريدك والدي اشترى لي جوال وسأتحدث معه، وسأذهب إليه، فما نصيحتكم؟

(27/31)


إذا خشي على الولد ومن أعظم ما يخشى عليه في أمر دينه إذا خشي عليه من والده أو من والدته فللطرف الآخر المطالبة عند القضاء برفع يده عن الحضانة، وحينئذٍ لها ذلك، لها أن تطالب برفع يد الأب إذا كان غير موثوق في تربيته لولده فالحضانة تنتقل منه، وكذلك الأم إذا خشي على الولد أو على البنت منها فإنها ترفع يدها عن الحضانة.
يقول: في هذا الوقت ارتفعت أسعار الحديد وأنا أريد بناء بيت في المستقبل القريب -إن شاء الله تعالى- فهل يجوز لي دفع عربون لحجز كمية الحديد التي أريد على أن أدفع بقية الثمن عند الطلب حتى يكون شرائي للحديد بالسعر المعتاد؟
على كل حال إذا اشتريت من الآن عقدت الصفقة مع صاحب الحديد من الآن ودفعت له عربون، ورضي بتأجيل الثمن، ورضيت بتأجيل المثمن على أن يكون دفع الثمن عند استلام البضاعة ما فيه شيء، وأهل العلم يختلفون في العربون هل هو ملزم بمعنى أنه يضيع على الدافع في مقابل حجز السلعة أو هو من أكل أموال الناس بالباطل؟ على كل حال الحديث الوارد فيه ضعيف، والقضاة كلٌ له اجتهاده في هذه المسألة؛ لأنها اجتهادية، لا شك أن من أمضاه له حظٌ من النظر باعتبار حبس السلعة وتفويت الزبائن، ومن قال: إنه أخذٌ مالٍ من غير عوضٍ مقابل أيضاً له وجه، فالمسألة اجتهادية.
يقول: شاب عمره تسعة عشرة سنة، يقول: إن أمه تكون معه بوجهين، إذا أرادت مني شيء تستلطفني وتدلنني، وإذا رأت مني شيئاً لا تريده تصيح علي وتغضب، علماً بأن هذا الشاب يريد أن يقيم بعداً عن والدته ومقصر في الصلاة ولا يعلم عن الدين الإسلامي كثيراً؟
على كل حال الأم لها حقوق، وبرها واجب، بل من أوجب الواجبات بعد حق الله -جل وعلا- حقها أعظم من حق الأب، فإذا طلبت منك شيئاً تستطيعه لا تتردد في تلبية طلبها بما لا يضرك، وعليها أن تغير من أسلوب معاملتها، ولا يلزم أن تصيح وتغضب؛ لأن المؤمن ليس على هذه الشاكلة، بل عليه أن يسلك الأسلوب المناسب للطلب، والأسلوب المناسب للتربية، فالرفق الرفق، والرفق ما دخل في شيء إلا زانه، والعنف لا يأتي بخير، والغضب مذموم، وهو من الشيطان.

(27/32)


يقول: أنا لا أحضر من العمل إلا مع أذان المغرب، فأصلي وأنام لآخذ قسطاً من الراحة، وأوصي أهلي بإيقاظي إلى أذان العشاء للصلاة وحضور الدرس فهل عليه شيء؟
لا هم قالوا: كراهية النوم قبلها لمن يخشى عليه فوات الصلاة.
يقول: من أحس بأنه سب نفسه ثم انتبه لما قال واستغفر فهل يمحو ذلك ما سب من نفسه؟
إن شاء الله تعالى.
هل معنى ذلك وجود بدعة حسنة وبدعة سيئة؟
ذكرنا أنه ليس في البدع ما يمدح ولا يستحسن؛ لأن الحديث يقول: ((وكل بدعة ضلالة)).
ما حكم من يسب الله أو الدين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- .. يقول: وماذا أعمل إذا كنتُ واقفاً عنده؟
سب الدين وسب الله -جل وعلا- هذا نسأل الله العافية خطرٌ عظيم، وكفر عند أهل العلم، وبعضهم يقول: إنه لا تقبل توبته، لا تقبل من سب الله وسب الرسول -عليه الصلاة والسلام- وسب الدين، نسأل الله العافية، وإذا كنت واقفاً عنده عليك الإنكار.
ما حكم من تأخر عن الصلاة ثم لم يدرك الإمام إلا في الركعة الأخيرة، ثم سلم الإمام وقام ليكمل ما تبقى عليه من الصلاة، ثم عاد الإمام ليسجد سجود السهو، فهل يجب عليه أن يسجد مع الإمام أو يكمل ما تبقى عليه من الصلاة؟
إذا كان قد انفصل عن الإمام وشرع في الركعة ركعة القضاء فيسجد بعد ما يسلم هو.
يقول: أنا على أبواب الزواج -هذا من امرأة- تقول: أنا على أبواب الزواج من خطيبي الذي دامت خطبتنا سنة كاملة، وخطبتها ... ، وكان لا زال أبوها على قيد الحياة، وتوفاه الله قبل فترة قصيرة، قبل أن يتم العقد بيننا، وليس لها إخوة نهائياً سوى أربع أخوات كلهن متزوجات، ولها خال وأبناء الخال ولها أبناء العم فمن الأولى؟
الأولى أبناء العم، لكن بعد أن يعينوا من قبل القاضي والحاكم؛ لأن السلطان ولي من لا ولي له، فإذا عين الحاكم أحداً وليكن ابن العم؛ لأنه عاصب، أما الخال ليست له ولاية إلا بالوصية، إذا أوصى الأب.
يقول: هل ورد شيء في السنة عن صيام يوم عاشوراء وأنه يجب أن تصوم يوماً قبله ويوماً بعده؟

(27/33)


جاء في السنة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية)) هذا بالنسبة ليوم عاشوراء، ثم من باب مخالفة اليهود قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) يعني مع العاشر، وجاء أيضاً قوله: ((صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده)) أما وجوب أن يصام يوم هو الصيام هو ليس بواجب فضلاً عن اليوم قبله أو يوماً بعده.
امرأة تسأل وتقول: بأنه كان لديها أربع خواتم فضية لم تكن تعرف قيمتها، ومكثت معها قرابة الخمس والثلاثين عاماً لم تخرج زكاتها، وتقول: أنها لم تكن تلبسها وتحتفظ بها، بل كانت مهملة مما أدى لضياعها، وقبل سبع سنين وجدت شبيهاً لها في السوق وكانت قيمتها ستون ريالاً؟
أربع خواتم من ستين مائتين وأربعين ريال أقل من النصاب فلا زكاة فيها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(27/34)


الموطأ - كتاب قصر الصلاة في السفر (6)
تابع شرح: باب: جامع الصلاة.

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول: "وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال -يعني في مرضه-: ((مروا أبا بكر فليصل للناس)) يصلي لهم إماماً، يأتمون به وإلا فصلاته له بهم "فقالت عائشة: إن أبا بكر يا رسول الله إذا قام في مقامك لم يسمع الناس" في رواية: "رقيق" يعني رقيق القلب، وفي رواية: "أسيف" يعني شديد الحزن "لم يسمع الناس من البكاء، فمُر عمر فليصل للناس" نعم هذا الكلام صحيح أبو بكر رجل رقيق القلب، لكن هل هذا مما يمدح به ويستحق به التقديم في الإمامة أو هذا يقال: لا غيره أولى منه؟ الرجل الذي ليس برقيق القلب أولى منه؟ هذا مما يستحق به التقديم، هذا مما يستحق به أبا بكر التقديم وفي حكمه غيره، إذا وجد شخص يتأثر بالقراءة ويؤثر بالناس هو أولى منه، أولى من يؤم الناس، وهل معنى هذا أن عمر -رضي الله عنه- قاسي القلب؟ لا، عمر -رضي الله عنه- إذا قام في مصلاه له أزيز، لا يكاد يسمع الناس من البكاء، هذا الرجل الجلد القوي الأمين إذا وقف بين يدي خالقه -جل وعلا- تغير وضعه.

(28/1)


"فمر عمر فليصل للناس" وهي في البخاري كلها: "فليصلِّ" بدون ياء؛ لأن اللام لام الأمر تجزم المضارع، "فليصل للناس، قال: ((مروا أبا بكر فليصل للناس)) تأكيد ((مروا أبا بكر فليصل للناس)) قالت عائشة: فقلت لحفصة: قولي له" يعني كأنها رأت أن قولها لا يقبل في أبيها "قولي له: إن أبا بكر إذا قام في مقامك لم يسمع الناس من البكاء، فمر عمر فليصل للناس، ففعلت حفصة" قالت للنبي -عليه الصلاة والسلام- ما قالت لها عائشة "فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إنكن لأنتن صواحب يوسف)) يعني كصواحب يوسف، مثل صواحب يوسف في إظهار خلاف ما في الباطن، يعني عائشة لما قالت هذا الكلام هل العلة الحقيقية في كلامها كون أبيها أسيف لا يسمع الناس من البكاء، أو لأنها ترى أنه إذا قام مقام النبي -عليه الصلاة والسلام- يتشاءم الناس به، هذا موجود عند الناس، إذا عزل شخص كفؤ من منصبه وعين مكانه بدله ممن لا يقاربه ولا يدانيه لا شك أنه يكون محل تشاءم من الناس، محل يعني ازدراء، فأبدت عائشة -رضي الله عنها- هذه العلة وأظهرت غيرها، فشبه النبي -عليه الصلاة والسلام- بصواحب يوسف، وجه المشابهة ((إنكن لأنتن صواحب يوسف)) المخاطب به حفصة، وتدخل فيه عائشة؛ لأنها قالت ذلك قبل ذلك، وجه المشابهة كما قال ابن حجر: أن زليخة استدعت النسوة، وأظهرت لهؤلاء النسوة الإكرام للضيافة، ومرادها أن ينظرن إلى يوسف فيعذرنها، وعائشة أظهرت أن السبب كون أبيها رقيقاً، ومرادها أن لا يتشاءم به الناس فأظهرت خلاف ما تبطن، نظير ما فعلته امرأة العزيز، قال: ((صواحب)) ما قال: صاحبة يوسف ((لأنتن صواحب يوسف)) وهذا من التشبيه البليغ، حذفت فيه الأداة فكأن المشبه عين المشبه به.

(28/2)


((مروا أبا بكر فليصل للناس)) فقالت حفصة لعائشة: "ما كنت لأصيب منك خيراً" هذا يحتمل في حال الغضب وإلا أصابت منها خيراً كثيراً، وإن كانت ضرتها، لكن في حال الغضب وفي حال المواقف التي .. , في مثل هذه المواقف يتجوز في مثل هذه العبارة، والنساء عموماً هذا الأسلوب مطروق عندهن، كثير من النساء ما رأيتُ خيراً قط، ومع الأسف أنه يوجد كثير في الرجال، وقد يكون في مواجهة مخلوق، وقد يكون أعظم من ذلك في مواجهة الخالق، قد يتبرم الإنسان من القدر، ويبدي للناس أنه ما أصاب خيراً، وهو يشكو بذلك ربه -جل وعلا-.
على كل حال على الإنسان أن يشكر النعمة التي هو فيها؛ لأنه ما من نقمة إلا ويوجد عند غيره ما هو أعظم منها، يعني لو نظرت إلى أبأس الناس في الوجود، من تراكمت عليه الديون، وغزته الأمراض، لا بد أن تجد في بعض الجوانب من حياته من هو أسوأ منه في هذا الجانب، وإن كان أسوأ من غيره في بعض الجوانب، فإذا نظر الإنسان إلى الجوانب المشرقة في حياته شكر الله على ذلك، والشكر لازم للعبد، وإن كان يعيش حياةً دون غيره، ومبتلىً بأمراض لا توجد عند غيره؛ لأن هذا الشكر في مقابل نعم لا تعد ولا تحصى، يعني إن ابتلي الإنسان بنقم معدودة فالله -جل وعلا- أسبغ عليه من النعم ما لا يعده ولا يحصيه.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عطاء بن يزيد الليثي عن عبيد الله بن عدي بن الخيار -بن عدي بن نوفل القرشي من كبار التابعين، وعده بعضهم في الصحابة- قال: بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس بين ظهراني الناس" هذا مرسل، هل يختلف في تسميته مرسل؟ هل يختلف في تسميته مرسل؟ لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، اترك كونه من الصحابة، يعني على أنه تابعي وهذا قول الأكثر، يختلف في كونه مرسلاً؟ هذا مرفوع تابعي، وتابعي كبير؛ لأن من أهل العلم من لا يرى مراسيل صغار التابعين مراسيل، لا يدخلها في حد المرسل.
مرفوع تابع على المشهورِ ... فمرسلٌ أو قيده بالكبيرِ
فما يرفعه التابعي الكبير مرسل اتفاقاً، متفق على تسميته مرسلاً، ويختلفون فيما عدا ذلك من مراسيل الصغار، وما يكون فيه سقطٌ في إسناده -في أثنائه- بعضهم يسميه مرسلاً.

(28/3)


أو سقط راوٍ ذو أقوالِ ... والأول الأكثر في استعمالِ
أنه قال: "بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" أصلها بين، وأشبعت النون، وأضيفت إليها الميم بينما، وقد يقال: بين بدون ميم "بينما رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جالس بين ظهراني الناس" بين ظهراني الناس يعني هم محيطون به "إذ جاءه رجل -هو عتبان بن مالك- فساره -ناجاه بكلام- فلم يدر ما ساره به -لأنه لم يجهر به- حتى جهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يعني بقوله: ((أليس يشهد أن لا إله إلا الله؟ ... أليس يصلي؟ )) لما جهر النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف ما ساره به "فإذا هو يستأذنه في قتل رجلٍ من المنافقين" يقول ابن عبد البر والباجي هو: مالك بن الدغشم، يجعلون مثل هذه القضية هي في .. ، لما دعا عتبان بن مالك النبي -عليه الصلاة والسلام- ليصلي له في مكان -في موضع- من بيته، وحصل كلام عن مالك بن الدغشم، لكن ليس في سياق القصة ما يدل على أنها هي تلك القصة، يقول ابن حجر: وليس فيه دليلٌ على ما ادعاه من أن الذي سار هو عتبان، ولم يختلف في شهود مالك بن الدغشم بدراً، بدري فكيف يقال: إنه من المنافقين؟

(28/4)


"فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حين جهر: ((أليس يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ )) فقال الرجل: ((بلى)) " قد يكون وصفه بالنفاق على حدِّ زعم من ساره، يعني توقع أنه منافق؛ لأن ميله وهواه كما قالوا في قصة عتبان ووجهه إلى المنافقين، فحكموا عليه بالنفاق من خلال هذا الميل، لكن مثل هذا لا يكفي إلى أن يحكم عليه وهو يشهد أن لا إله إلا الله، ويصلي مع الناس، ويقول: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه "فقال الرجل: بلى، ولا شهادة له" تصور أنه يقولها في الظاهر من غير اعتقاد، ويستدل بذلك يستدل على ذلك بفعله؛ لأن ميله إلى المنافقين "بلى، ولا شهادة له، فقال: ((أليس يصلي؟ )) قال: بلى، ولا صلاة له" لأنه ارتكب أمراً عظيماً محبطاً للعمل على حد توهمه "فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((أولئك الذين نهاني الله عنهم)) لأنه نهي عن قتل المصلين، النبي -عليه الصلاة والسلام- نهي عن قتل المصلين، وكلِّم مراراً في قتل المنافقين المعلوم نفاقهم فامتنع -عليه الصلاة والسلام-، معللاً بأن لا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه.
ما موقف الأعرابي البعيد عن مخالطة النبي -عليه الصلاة والسلام- إذا بلغه أنه قتل أناس يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويصلون معه ولو كانوا لا يعتقدون ذلك، في هذا صد عن دين الله، فإذا تحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، قال: لا، ندخل في دينٍ يقتل أصحابه! فيكون في هذا صد عن الدين.
يعني على سبيل التنزل أنك قلت: لا شهادة له، والشهادة أمرٌ قلبي، وأنت لا تعرف عن حقيقة قوله، وعلى سبيل التنزل لو افترضنا أنه منافق، هؤلاء الذي لا أقتلهم؛ لئلا يتحدث الناس أن محمداً يقتل أصحابه، وما دام يصلي فقد نهيت عن قتل المصلين.
هذا المنافق ما دام يشهد أن لا إله إلا الله ويصلي مع الناس، ونفاقه في قلبه، وبين قومه من مثله ممن لا يشهد عليه بالنفاق، وبما ينقض الشهادة يترك، لكن إذا شهد عليه أنه جاء بمكفر، ارتكب مكفراً، أو بما ينقض شهادة أن لا إله إلا الله بالبينة يستتاب ثلاثاً إن تاب وإلا قتل، تكون ردة نعم.

(28/5)


وفي نصوص: "دعني أضرب عنق فلان فإنه مقاتل" قيلت في بعض البدريين، في بعض الظروف يحتمل من الشخص ما لا يحتمل منه في وقت سعة مثلاً بلا شك، هذا في حديث عتبان معروف، وعقب ذلك بأن ((من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه دخل الجنة)) هو اعتذر اعتذر، لولا العذر كان عمله خطير.
طالب:. . . . . . . . .
بلا شك بلا شك، لكنه اعتذر، ويشفع له كونه بدرياً، وهذه العلة لا توجد في غيره، يعني لو فعل شخص مثل فعل حاطب، وقال بالعلة التي ذكر حاطب، أنى له أن يكون من أهل بدر؛ لأن السبب الذي درأ عنه الحد كونه من أهل بدر ((وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر)).
طالب:. . . . . . . . .
لكن الأمور بمقاصدها، لماذا يتحدث؟ هو إذا كان يتحدث لولي أمر يملك إنفاذ الحدود لا بأس، تدعي دعوى على شخص، ولي الأمر يسمعها ويوقعها موقعها من الشرع، إن كانت لها حظ من النظر استدعاه، وطلب منك البينة، وطلب منه ما يدرأ عنه، وإن كان ليس لها حظ من النظر أقنعك، وإلا لو قيل: إنه لا يتحدث في أحد ما ثبت دعوى، فمثل هذا يغتفر من أجل إقامة الحدود.
يقول: "وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)) وثناً ((اللهم)) أصلها: يا الله، حذفت ياء وعوض عنها بالميم ((لا تجعل)) يعني لا تصير ((قبري وثناً يعبد)) قلنا: هذا وصف كاشف؛ لأن الوثن هو الذي يعبد من دون الله، لا تجعل قبري وثناً، ومعلوم أن الوثن هو الذي يعبد من دون الله سواءٌ كان مصوراً أو غير مصور.
هذه الدعوة: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)) مع النظر إلى واقع قبره -عليه الصلاة والسلام-، وما يفعل حوله من مخالفات هل أجيبت الدعوة أو لم تجب؟ يعني إذا وجدنا شخص يسجد تجاه القبر والقبلة في قفاه ويش نقول؟ هذا موجود ومرئي يعني، يعني هل هذا مبرر أن نقول: القبر ليس بمسجد؟ يعني هذا مبرر؟ يعني إذا وجد غيره، كقبر الحسين وإلا غيره محوطٌ بجدران أخرى يصير فيه شيء؟
طالب:. . . . . . . . .

(28/6)


شلون لا؟ المسألة تقرير مسألة شرعية؛ لأنها معضلة، ما هي بمسألة سهلة، يعني لولا أنه وجد هذا الفعل من عصر سلف الأمة من القرن الأول إلى يومنا هذا وتواطئ عليه العلماء والعباد وخيار الأمة من الصحابة، من صغار الصحابة والتابعين ومن دونهم كان الوضع غير.
على كل حال ابن القيم -رحمه الله تعالى- يرى أن الله أجاب دعاءه، قال:
فأجاب رب العالمين دعاءه ... فأحاطه بثلاثة الجدرانِ
يعني وضعه على هذا الشكل كون الجدران مثلثة، يقول أهل العلم: إنه لا يمكن استقبالها، على كل حال كلام أهل العلم في المسألة طويل، والقبر لن يصل إليه أحد، الحجرة الأولى والجدران الثلاثة والشبوك الحديدية، لن يصل إلى القبور أحد، ولن يستطيع أحد أن يعبد هذه القبور؛ لأنها محاطة بأمورٍ كثيرة.
لكن من يصلي في الدكة التي يستقبل فيها الحجرة ويش وضعه؟ دعونا يا الإخوان ممن يقصد الاتجاه إلى هذه الجهة معتقداً ذلك؛ لأنه لو قصده وهو بالهند أو بالسند أثر على صلاته، ولو قصد ولو كان في الصفوف الأولى والحجرة خلفه أثر في صلاته، لكن من لا يقصد، وصارت هذه القبور وهذه الحجرة بينه وبين القبلة، لا شك أن عمل سلف الأمة بعد إدخاله في عهد الوليد بن عبد الملك من المائة الأولى من أواخر المائة الأولى إلى يومنا هذا من غير نكير، يعني أنكر في أول الأمر ثم انقطع الإنكار، هذا يدل على أن الأمر فيه سعة، وتواطئ الأمة على هذا وهي لا تجتمع على ضلالة، لا تجتمع على ضلالة.
قد يقول قائل: إن في هذا مستمسك من توجد القبور في مساجدها، ويتذرعون بهذا، ويقول: إن مسجد النبي -عليه الصلاة والسلام- فيه قبور، وما دامت هذه القبور في سور المسجد إذاً المسجد فيه قبور؟ كيف يجاب عنهم؟ كيف يرد عليهم؟ أنت مقتنع من هذا الكلام وإلا مدري؟ يا أخي كلام.
شوفوا يا الإخوان المسألة ويش هي؟ المسألة وجود هذا العمل من سلف الأمة إلى يومنا وكافي، أنكر في أول الأمر ثم تواطئ الناس عليه وسكتوا.
طالب:. . . . . . . . .

(28/7)


لا، داخل مائة بالمائة وفيه، بعض المسجد وراه بعد، بينه وبين السور، هو من جهة البقيع فيه، فيه، فيه، لكن هو مغلق لئلا يتم الطواف عليه، هو مغلق لئلا يتم الدوران عليه كامل، وإلا الحجرة داخل المسجد.
نتفق جميعاً على أن القبور لن يصل إليها أحد، ولن يسجد إليها أحد؛ لأنها محاطة بأسوار وليست بسور ولا سورين.
الأمر الثاني: أن القبور في غير هذه البقعة لا تخلو من أحد أمرين: إما أن تكون طارئة على المسجد أو متقدمة على المسجد، والحكم عند أهل العلم في هذا أنه إذا كان المسجد متقدم تنبش القبور، وإذا كانت القبور متقدمة يهدم المسجد، فماذا نقول حينئذٍ؟ الحلول سهلة، ما تصير ملعبة، ما تصير معلبة للملوك، واحد يوسع من اليمين واحد يوسع من اليسار، وواحد يهدم وواحد يعمر، وعندنا الإمام أحمد ما صلى في هذا المسجد بعد دخول القبور، على سبيل المثال، مالك ما صلى في المسجد بعد دخول هذه القبور، أئمة الإسلام كلهم، المقصود المسجد ها الحين المسجد كله المسجد الإشكال في المسجد، ما صلى خيار الأمة في هذا المسجد بعد إدخالها في عهد الوليد؟ إلا صلوا، فتواطؤ هؤلاء الأئمة والأمة معصومة عن وقوعها في مثل هذا الخطأ يدل على تصحيح الصلاة، يدل على تصحيح الصلاة في هذه البقعة، أما كون الإنسان يعتقد أن يتجه إلى هذه الجهة معتقداً عبادة هذه القبور هذه مسألة ثانية؛ لأن لو اعتقد وهو بالهند أو بالسند خلاص صلاته باطلة.
أقول: أئمة الإسلام مالك وأحمد والشافعي الأمة كلها تواردت على هذا المكان وصلت فيه.
طالب:. . . . . . . . .
ويش تقول بشخص مستقبل القبور يسجد والقبلة في ظهره؟
طالب:. . . . . . . . .
صحيح، هذه مشكلة لا بد من تجليتها، يعني شراح كتاب التوحيد من أئمة الدعوة لا شك أنهم من أشد الناس غيرة على التوحيد فيما نحسبهم والله حسيبهم، والشيخ محمد -رحمه الله- يعني جلَّى هذه المسائل بأجلى صورها، وغار عليها، ودافع عنها، وصلى في المسجد النبوي -رحمه الله- فضلاً عن الأئمة المتقدمين أحمد ومالك وشيخ الإسلام ابن تيمية، يعني الأمة كلها.
طالب:. . . . . . . . .

(28/8)


لا، لا، لا، لا، هذه مساجد إما أن تكون مؤسسة على قبور، أو تكون القبور مدفونة في مساجد، وفي كلا الحالتين إما أن يهدم المسجد أو ينبش القبر، القبر ومكانه ليست له خصوصية بالنسبة لغير النبي -عليه الصلاة والسلام-، إنما النبي -عليه الصلاة والسلام- إنما يدفن في البقعة التي مات فيها.
وكونه ما يجوز وجد الإنكار في أول الأمر، ثم درءً للمفاسد سكت الناس، مسألة ثانية ذي، لكن نحن نقرر أن الصلاة في المسجد الذي فيه قبر باطلة، ما هو هذا المعروف عند أئمة الدعوة؟ هذا المعروف، ويتذرع المسلمون في الأخطار بما في مسجده -عليه الصلاة والسلام-، وعرفنا أن هذا مع الفارق، في فارق يعني، وهذا ما حصل؟
المقصود ابن القيم -رحمه الله تعالى- يقول:
فأجاب رب العالمين دعاءه ... فأحاطه بثلاثة الجدرانِ
وأولى ما يقال: إنه يسعنا ما وسعهم، أقول: يسعنا ما وسعهم.
هنا مسألة وهي مسألة الروضة: ((ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة)) الحديث في البخاري، من أهل العلم من يرى أنه لا مزية لها، أن هذا مجرد خبر، وهذا الكلام لا شك أنه يعري الخبر من فائدته، يعني بعض الناس يحرص على أن يصلي في الروضة، يحرص على أن يمكث في الروضة، ينتظر الصلاة في الروضة، يقرأ القرآن في الروضة؛ لأنها روضة من رياض الجنة بالنص الصحيح، وبعضهم يقول: هذا مجرد خبر، الصف الأول أفضل منها، يمين الصف أفضل منها، وهذا مجرد خبر، هذه بقعة من رياض الجنة وبعدين؟
نقول: إن كونها لا مزية لها هذا إعراء للخبر عن فائدته، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا)) قد يقول قائل: رياض الجنة فسرت بأنها حلق الذكر، نقول: تفسير العام ببعض أفراده لا يقتضي الحصر، مثل ما قلنا سابقاً في تفسير القوة بالرمي، وتفسير الظلم بالشرك وغيرها.

(28/9)


يقول قائل مثلاً: إن النيل والفرات من أنهار الجنة نروح نسبح هناك؟ له وجه وإلا ما له وجه؟ ويش معنى كون النيل والفرات من أنهار الجنة؟ هل لها مزية؟ هل نقول: إن مزية هذه الأنهار مثل مزية الروضة؟ لا، لأن الأنهار ما هي محل عبادة أصلاً، ولا مما يتقرب إلى الله -جل وعلا- بالانغماس فيها، هذا محل عبادة، فهناك فرق بين هذا وهذا، إيه ما يخالف هذا كونها أبرك من غيرها، نعم.
نعم يقول بعضهم: إنه لا يتسنى السلام عليه من وراء الجدران، وثبت عن ابن عمر أنه يأتي إليه ويصلي ويدعو كما سيأتي هنا في الحديث الذي يليه أو تقدم؟ لا، تقدم، ابن عمر كان يأتي، وما زال عمل الأئمة على هذا، أنهم يأتون ويسلمون عليه، اللهم صلِّ وسلم على محمد، وعلى صاحبيه.
طالب:. . . . . . . . .
بعد، بعد، بعد القرون الأخرى التي تليه، يسلمون بلا شك.
وفي هذا ردٌ على من يقول: إذا مررت بمقبرة لا تسلم حتى تدخل المقبرة، وعلى هذا إذا مررت بالحجرة لا تسلم حتى تدخل الحجرة، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ الحجرة هي بمثابة المقبرة، فإن كنت لا تسلم إذا مررت به -عليه الصلاة والسلام- فلا تسلم على القبور إذا مررت بالمقبرة.
طالب:. . . . . . . . .
إذا دخل المسجد لكن ما دخل الحجرة من وراء السور، نظير لو وقفت على الرصيف عند المقبرة هذه، وقلت: السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين، أنت ما دخلت المقبرة إنما وقفت عليها.
طالب:. . . . . . . . .
درءً للمفسدة، نعم بلا شك، وإلا هذه البناية منهي عنها، قالوا: هذا في مقابلة الغلاة، وإلا لو جاء شخص ومر على القبور قال: السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك يا أبا بكر، السلام عليك .. ، ينكر عليه وإلا ما ينكر؟ ما ينكر.

(28/10)


((اشتد غضب الله على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) أي جعلوها مساجد، بالبناء عليها، والصلاة عندها، ((اشتد)) يعني عظم غضبه، فيه إثبات صفة الغضب لله -جل وعلا-، جاءت بها نصوص الكتاب والسنة على ما يليق بجلاله وعظمته ((اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) وفي حديث: ((قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)) وفي رواية: ((وصالحيهم)) و ((لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة)) ووجد من يتخذ قبور الصالحين مساجد، وهذا كثيرٌ في الأمة، ووجد ضريح يقال له: ضريح الشعرة، من أكبر الأضرحة في العالم، ضريح الشعرة، وله سدنة، ويباع الماء والتراب بالتولة، وهي شعرة، شعرة من من؟ من عبد القادر الجيلاني، وهذا لا شك أنه من اتباع سنن اليهود والنصارى.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟ كشمير.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن محمود بن الربيع -بن سراقة- الأنصاري" صحابي صغير أدرك النبي -عليه الصلاة والسلام- "أن عتبان بن مالك -بن عمرو صحابي شهير- كان يؤم قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" العطف هذا عطف جملة على جملة، جملة من حيث الترتيب الزمني أيهما الأولى؟ "كان يؤمُّ قومه وهو أعمى، وأنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إنها تكون الظلمة والمطر" إلى آخره، يعني يستأذن النبي -عليه الصلاة والسلام- في أن يصلي في بيته، هل كان هذا بعد أن كان يؤمُّ قومه أو قبل ذلك؟ قبل ذلك، فعلى هذا يكون قوله: "كان يؤمُّ قومه وهو أعمى" يعني حين لقيه محمود، بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- "وأنه قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-" مشافهةً قبل ذلك؛ لأنه كان يصلي مع النبي -عليه الصلاة والسلام- قبل ذلك، قبل هذا القول "إنها تكون الظلمة والمطر" وقد أنكر بصره كما في بعض الروايات: "تكون الظلمة والمطر والسيل وأنا رجل ضرير البصر" وفي رواية: "أنكرت بصري" ضرير البصر هل يعني هذا أنه أعمى عمىً مطبق أو أنكر بصره بمعنى أنه ضعف بصره فصار لا يسعفه في تجاوز ما يعترضه في طريقه وقت الظلمة والمطر ووقت السيل؟

(28/11)


"فصلِّ يا رسول الله في بيتي مكاناً أتخذه مصلى" يعني موضعاً للصلاة، أتخِذُه أو أتخذْه؟ بالوجهين، الجزم ظاهر، أتخذْه جواب الطلب "فصل يا رسول الله مكاناً أتخذْه" وأتخذُه جملة صفة لإيش؟ للمكان، مكاناً يكون وصفه أني أتخذُه مصلى "أتخذُه مصلىً -يعني موضعاً للصلاة- فجاءه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- -في بيته- فقال: ((أين تحب أن أصلي؟ )) فأشار له إلى مكان من البيت فصلى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" بدأ بالصلاة، هنا بدأ بالصلاة؛ لأن الدعوة كانت للصلاة.
في حديث مليكة السابق من حديث أنس: "دعي للطعام فبدأ بالطعام ثم صلى" هنا قدم الصلاة في حديث عتبان لأن الدعوة كانت من أجل الصلاة، وبدأ بالأكل في حديث أنس في قصة مليكة، ثم صلى؛ لأن الدعوة كانت للأكل.
((أين تحب أن أصلي؟ )) فأشار إلى مكانٍ من البيت فصلى فيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" والحديث متفق عليه، وفيه قصة تأتي الإشارة إلى بعضها، قصة طويلة.
لما اعتذر عتبان بأنه أنكر بصره، وأنه تعترضه في طريقه ما يعترضه في وقت الظلمة والمطر والسيل، أيهما أشد عذر هذا وإلا ابن أم مكتوم؟ أيهما أقوى في العذر عتبان أو ابن أم مكتوم؟ ابن أم مكتوم في طريقه إلى المسجد -هو رجلٌ أعمى- وفي طريقه إلى المسجد وادٍ فيه هوام وفيه سباع، وله قائد لا يلازمه، فلم يعذره النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهنا جاء إليه النبي -عليه الصلاة والسلام- محققاً رغبته، وعذره وصلى في بيته مكاناً، فما الفرق بينهما؟ لأن من لا يرى وجوب صلاة الجماعة إذا أورد عليه حديث ابن أم مكتوم قال النبي -عليه الصلاة والسلام- عذر عتبان وهو أقل منه في العذر، فما الفرق بينهما؟ لا شك أن العميان يتفاوتون، منهم في الدلالة وعدم المشقة من هو أشد من المبصرين، أو من بعض المبصرين، ومن العميان لا سيما من فقد البصر وهو كبير من يعثره أدنى شيء، ويضل الطريق مهما قصر أو طال.

(28/12)


ومن وجهٍ آخر لعل عتبان لا يسمع النداء، النبي -عليه الصلاة والسلام- يعرف مكان عتبان، وأنه من البعد بحيث لا يسمع فيه النداء، النبي -عليه الصلاة والسلام- أراد أن يعذر ابن أم مكتوم، بل عذره لما ولى دعاه: ((أتسمع النداء؟ )) قال: نعم، قال: ((أجب، لا أجد لك رخصة)) فلعل عتبان من بعد المكان بحيث يغلب على الظن أنه لا يسمع النداء، وحينئذٍ لا يلزمه الإجابة، ولذا في صحيح مسلم الترجمة: "باب: الرخصة في التخلف عن الجماعة".
طالب:. . . . . . . . .
لا، في الفريضة معروف، وهو من أدلة من يرى عدم وجوب صلاة الجماعة.
طالب:. . . . . . . . .
هو كبر، كبرت سنه فضعف بصره، ومعلومٌ أن من ضعف البصر أو فقد البصر في آخر عمره يتكلف كثيراً، ما هو مثل الأعمى من الصغر، أو من ولد أكمه أعمى، لا، على كل حال عذره واضح، ومن كان ظرفه مثل ظرف عتبان له أن يصلي في بيته.
طالب:. . . . . . . . .
هو اتخذ الجماعة بعد أن عذر عن حضور جماعة النبي -عليه الصلاة والسلام-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن عباد بن تميم عن عمه -عبد الله بن زيد بن عاصم المازني- أنه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مستلقياً في المسجد، واضعاً إحدى رجليه على الأخرى" الحديث مخرج في الصحيحين من طريق مالك "مستلقياً في المسجد، واضعاً إحدى رجليه على الأخرى" جاء النهي عن الاستلقاء في المسجد، في صحيح مسلم في كتاب اللباس من صحيح مسلم جاء النهي عن الاستلقاء في المسجد، والنهي محمولٌ على ما إذا خشي من انكشاف العورة، وما جاء في الحديث من كونه -عليه الصلاة والسلام- مستلقياً، واضعاً إحدى رجليه على الأخرى إذا أومن انكشاف العورة، إذا أومن انكشاف العورة، وإن كان الخطابي يرى أن النهي منسوخ بهذا الحديث، لكن إذا أمكن الجمع لا يصار إلى النسخ، إذا أمكن الجمع لا يصار إلى النسخ، والجمع ممكن، بأن يحمل النهي على ما إذا خشي من انكشاف العورة، ويحمل الجواز فيما جاء في هذا الحديث على ما إذا أومن انكشافها.

(28/13)


النبي -عليه الصلاة والسلام- مستلقي في المسجد، المكث في المسجد تقدم، وأنه إن كان لانتظار الصلاة هو لا يزال في الصلاة، وإذا مكث في مصلاه الذي صلى فيه صلت عليه الملائكة، ودعت له، واستغفرت له، فهل ينقطع انتظاره للصلاة واستغفار الملائكة له والدعاء له بمثل هذا التصرف الاستلقاء ووضع رجل على رجل على الأخرى؟ هل يمكن أن ينتظر الإنسان الصلاة ويمكث في مصلاه مستلقياً واضعاً إحدى رجليه على الأخرى؟ أو نقول: إنه ارتاح لحاجته إلى الراحة، والتزم ما ترتب على هذه الراحة؟ يعني قطع انتظار الصلاة بهذا الاستلقاء، أو قطع المكث في مكانه في مصلاه بهذا الفعل.
أو نقول: إنه يجري له ما وعد به ولو كان مستلقياً، ما دام في مصلاه الذي صلى فيه وهو المسجد، وبعض الناس يحتاج إلى مثل هذا مع طول الوقت، يحتاج إلى أن يرتاح، فهل نقول له: إذا أردت الراحة اذهب إلى بيتك خلاص انقطع عنك الأجر؟ هذا ثبت من فعله -عليه الصلاة والسلام- وهو القدوة وهو الأسوة، فإذا تعب الإنسان وهو جالس يذكر الله، يقرأ القرآن، وأراد أن يرتاح يرتاح، وأجره جارٍ -إن شاء الله تعالى- إذا قصد بهذا الاستلقاء وهذه الراحة الاستعانة بها على متابعة هذا العمل من طاعة الله -عز وجل-، والأمور بمقاصدها، والوسائل لها أحكام المقاصد.
طالب:. . . . . . . . .
يكتب له أجره -إن شاء الله تعالى- على أن في قوله -جل وعلا-: {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] ما يشمل هذه الصورة، وعلى هذا إذا مكث في المسجد ينتظر الصلاة يذكر الله -جل وعلا- سواءٌ كان جالساً أو مستلقياً عند الحاجة إلى الاستلقاء والجلوس أكمل، أو واقفاً {قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] وقد جاء مدحهم مع اختلاف أحوالهم، ولا شك أنه كلما كانت الجلسة أهيب وأكمل كان الأجر أعظم.

(28/14)


لكن لا يحرم الأجر لأنه استلقى وأراد أن يرتاح، وواصل عمل الطاعة من ذكر وتلاوة، أو خشي من النوم إن طال مكثه في المكان، فأخذ يدور في المسجد مع احترام المكان، وعدم إصدار شيء يخل بقدسية المكان، {الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ} [(191) سورة آل عمران] والماشي قائم بحكم القائم، والأمور بمقاصدها، فإذا قصد بمشيه طرد النوم مثلاً، وقصد باستلقائه في مثل هذا الحديث قصد الاستعانة به على استمرار الطاعة يؤجر على ذلك -إن شاء الله تعالى-، فأجر اللابث في المسجد والماكث فيه الذاكر التالي لا ينقطع بهذا الفعل -إن شاء الله تعالى-.
طالب:. . . . . . . . .
النوم في المسجد جائز، جائز لكن ينقطع أجر المكث وأجر الانتظار بالنوم، فإن أراد أن يستعين بهذه الغفوة أو النوم اليسير على الاستمرار في العمل يؤجر على هذه النية، لكن أجرها غير أجر الانتظار، كل عملٍ له أجره.
"وحدثني عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يفعلان ذلك" قد يقول قائل: النبي -عليه الصلاة والسلام- نهى عن ذلك، وفعله فيحمل هذا على أنه من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- أن يفعل هذا، من خصائصه أن يفعل هذا، لكن في الخبر الذي يليه أن عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان كانا يفعلان ذلك، فدل على أن هذا ليس خاصاً بالنبي -صلى الله عليه وسلم-، بل هو جائزٌ مطلقاً حيث يؤمن انكشاف العورة.
لو لم يرد مثل هذا هل نستطيع أن نوفق بين الحديثين بما ادعاه بعضهم أن هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-؟ أو نقول: الفعل لبيان الجواز والنهي يحمل على الكراهة وخلاف الأولى؟ أو يحمل هذا على أمنِ انكشاف العورة وذاك على خوف انكشافها؟ وهل لقائلٍ يقول: إن هذا من خصائصه -عليه الصلاة والسلام- والنهي للأمة؟
طالب:. . . . . . . . .
الأصل عدم الخصوصية، لكن يلجأ إليها إذا استغلقت وجوه التوفيق بين النصوص، إذا استغلق الجمع بين النصوص، ما وجدنا جمع إلا بهذا.

(28/15)


حينما ندعي أن هذا من الخصائص لا بد أن ننظر إلى هذا العمل الذي نريد أن نخص به النبي -عليه الصلاة السلام- هل هو أكمل أو تركه أكمل؟ يعني هل الاستلقاء أكمل من الجلوس أو الجلوس أكمل؟ الجلوس أكمل، إذاً كيف نقول: النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أكمل الخلق يليق به هذا العمل المفضول ولا يليق بأمته؟ يعني كل كمال يطلب من الأمة فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به، لا نقول: إن هذا العمل المفضول خاص به -عليه الصلاة والسلام-، هو أكمل الخلق يليق به أكمل الأعمال وأصدقها، يعني نظير ما قيل في أن كشف العورة كشف الفخذ خاص به -عليه الصلاة والسلام-، و ((غطِّ عورتك)) هذا عام للناس كلهم، نقول: تغطية الفخذ أكمل، ولا نقول: إن النبي -عليه الصلاة والسلام- يطلب منه الأقل، ويطلب من الأمة الأكمل.
هذا يقول: ما حكم مد الرجل في المسجد إلى القبلة؟
لا بأس به، لا بأس به، لا سيما عند الحاجة إليه، لكن إذا كان في جهة القبلة مصاحف مسامتة للرجل فلا يجوز مد الرجل إلى المصحف، لكن لو كان هذا المصحف على كرسي مرتفع فوق مستوى الرجل فلا بأس -إن شاء الله تعالى-.
يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عبد الله بن مسعود قال لإنسان -لم يسمِّ هذا الإنسان- إنك في زمان كثيرٌ فقهاؤه" أو "كثيرٍ فقهاؤه" يجوز الجر والرفع، إذا قلنا: كثيرٌ فقهاؤه يكون كثير خبر مقدم، وفقهاؤه مبتدأ مؤخر، والجملة وصف للزمان، وإذا قلنا: "كثيرٍ" صارت وصف للزمان، في زمانٍ كثيرٍ، "فقهاؤه" نعت حقيقي وإلا نعت سببي؟ إذا قلت: جاء زيدٌ القائم أبوه، جاء زيدٌ القائم أبوه المنعوت زيد، لكن في الحقيقة هل هو وصف لزيد القائم أبوه؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الإسناد للأب ما هو له، الإسناد للأب، وهنا الكثرة للزمان أو للفقهاء؟ الكثرة للفقهاء، فهو نعت سببي، هذه صفةٌ جرت على غير من هي له.

(28/16)


"كثيرٌ فقهاؤه" يعني العلماء "كثيرٌ فقهاؤه -كثير أهل العلم- قليل قراؤه" مثل كثير فقهاؤه من حيث الإعراب، هذه جملة مدح وإلا ذم؟ كلاهما "كثيرٌ فقهاؤه" واضح أنها مدح، والثاني: "قليلٌ قراؤه" مدح وإلا ذم؟ يعني قلة القراءة قلة القراء في الزمان وفي المكان مدح وإلا ذم؟ ذم، مدح وإلا ذم؟ الآن الحملة على مكافحة الأمية هذه مما يمدح بها أو يذم؟
طالب:. . . . . . . . .
"قليلٌ قراؤه" يعني إذا وجدنا من يقرأ وهذا موجود مع الأسف في صفوف القراء بكثرة، يقرؤون ويكتبون وتقوم عليهم الحجة، لكنهم لا يتعلمون، بمعنى أنهم قد يحفظون القرآن، ويقرؤون القرآن، ويمهرون بقراءة القرآن، لكنهم من حيث العمل بدون عمل، فإذا كثر القراء بهذه الصفة كثر القراء مع عدم العمل والاستنباط والتفقه هذا ذم بلا شك؛ لأنه تقوم عليه الحجة ولا يستفيد من هذه القراءة.
فالمطلوب من القراءة الفائدة العظمى من القراءة التفقه، فإذا وجد التفقه تبعاً لهذه القراءة صار مدح، إذا خلت هذه القراءة عن التفقه والاستنباط والتدبر والاعتبار والعمل صارت ذم، وحينئذٍ تكون هذه من النعم التي لم تشكر، فإذا وجدت النعمة وخلت عن الشكر صارت وبالاً على صاحبها.
"كثيرٌ فقهاؤه، قليلٌ قراؤه، تحفظ فيه حدود القرآن" بإقامتها، لكن ما الفائدة أن يكثر القراء ويقل الفقهاء ولا تحفظ فيه حدود القرآن؟ يعني إذا كان الشخص من أمهر الناس بالقرآن، وإذا نظرت إليه في مظهره ومخبره مخالف تماماً لما يقرأ، يتأكل بالقرآن، يجعل هذا القرآن للمآتم والمناسبات، ويخالف ما يقرأ، وهذا موجود مع الأسف الشديد في هذه الأزمان، وقبل هذه الأزمان، مثل هذا يكون مذموم؛ لأن القرآن لم ينزل لأن يقرأ مجرد قراءة مجردة عن الفائدة والانتفاع بها، فضلاً عن كونه يتأكل به؛ أنزل دستور عمل، تحفظ فيه حدود القرآن بإقامتها.

(28/17)


"وتضيع حروفه" يعني في الصدر الأول تضيع حروف القرآن؟ نعم تحفظ حدوده مدح، لكن تضيع حروفه المقصود به التضييع النسبي ما هي بتضيع حروفه بالكلية؛ لأنه كيف تحفظ حدوده مع تضييع الحروف بالكلية؟ لأن الشخص أو المجموعة بكاملها إنما يحكم عليها بالأغلب، يحكم عليها بالأغلب، فإذا وجدت قوم يعنون بالقرآن بفهم القرآن وتدبر القرآن، والاستنباط من القرآن، والعمل بالقرآن، وجدت من هذا ديدنهم لكنهم لا يتيسر لهم أن يقرؤوا القرآن في الشهر مرة مع هذه العناية، وتجد شخص يقرأ القرآن في الشهر عشر مرات مثلاً بدون الوصف الأول، هؤلاء القوم الأول هؤلاء يوصفون بأنهم قراء للقرآن؟ نعم ما يوصفون بأنهم، إنما يوصفون بأنهم ممن يحفظ حدود القرآن، ويعمل بالقرآن، ويتفقه بالقرآن، في الوصف الممدوح هنا، بينما القوم الآخرين الذين يعنون بمجرد التلاوة المجردة عن تدبر عن استنباط عن فهم هؤلاء يكونون قراء حروف، قراء حروف.
أيضاً هؤلاء ذمهم نسبي إذا خلوا عن المخالفات الشرعية فذمهم نسبي بالنسبة لمن قرنوا معه، وإلا فهناك أجر مرتب على مجرد قراءة الحروف؛ لأن القرآن متعبد بتلاوته، لو شخص من عوام المسلمين يقرأ القرآن بكثرة، ديدنه قراءة القرآن، وليس متفرغاً للفهم والتدبر والاستنباط، هذا إذا قارناه فالذم نسبي، إذا قارناه بمن تفرغ لتدبر القرآن، وفهم القرآن، والتفقه في القرآن، والعمل بالقرآن صار ناقصاً، ونقصه نسبي، لكن إذا كان لا يقرأ إلا الحروف ولا يلتفت إلى المعاني، ومع ذلك يرتكب مخالفات كما هو واقع بعض القراء اليوم حينئذٍ يذم.
يوجد في بعض البلدان الإسلامية من يحفظ القرآن، ويقرأ القرآن ليل نهار، لكن بالأجرة في المآتم والأفراح، وإذا نظرت إلى عمله وجدته من أقل عوام المسلمين في العمل، الذين لا يقرؤون ولا يكتبون.
هناك قصص وأخبار عن ويش يسمونه الفقيه وإلا .. ؟ الذي يقرئ الناس القرآن وعنده مخالفات وعنده، يوجد هذا، ويوجد قراء على الطريقة المعهودة الشرعية الذين هم أهل الله وخاصته موجودون ولله الحمد، لكن النوع الثاني هو المذموم.
في قصة شخص من كبار الأدباء وليست بثقة فيما ينقل، حينما حفظ القرآن على واحد يسميه فقيه، ويش يسمون القارئ فقيه؟

(28/18)


طالب:. . . . . . . . .
هو مقرئ لكن في بعض .. ، هو يسميه فقيه، وهو ليس بفقيه، ليس عنده من الفقه شيء البتة، ولا من العمل بالقرآن، فيقول: إنه حفظ عليه القرآن، وكان أبو هذا الشخص من الحريصين على حفظ القرآن وضبطه وإتقانه، فقال له: خلاص أنت انتهيت من حفظ القرآن، الولد فرح، شاب في تسع سنوات، بدل من أن يرتدد على هذا الشخص قال: خلاص حفظ القرآن، اختبره أبوه وجده ما حفظ شيء، فاستدعى هذا المقرئ أو اللي يسميه الفقيه فحلف بالطلاق الثلاث أنه حفظ القرآن، نعم يريد الأجرة كاملة ولا عليه حفظ ما حفظ، اختبروه وجدوه ما حفظ شيء، ويذكر من حاله ومن أفعاله مخالفات كثيرة، وهذا مع الأسف أنه قد يوجد في هذا المحيط.
لكن مع ذلك في الأصل أن أهل القرآن هم أهل الخير والفضل والاستقامة، لا يصير هذا مدخل إلى ذمهم أو .. ، لكن هذا موجود لكنه نادر.
طالب:. . . . . . . . .
المسألة مسألة تخصص، لو نظرنا إلى الأقسام العلمية مثلاً، وجدنا أهل قسم القرآن أهل ضبط للحروف وقراءات وتجويد، وهم في هذا العمل على خيرٍ عظيم، ومنهم أيضاً من يعنى بالفهم والاستنباط هذا موجود ولله الحمد، وهؤلاء هم أهل القرآن وخاصته، لكن من يأخذ القرآن على أساس أنه وظيفة، دخل هذا القسم ليتعيش على ما يقولون، هذا قد يوجد في بعض الجهات.
مثل هذا لا شك أنه بالنسبة لأهل العمل والاستنباط يذم باعتبار أن التبعة عليه أكثر، نعم قد يكون مبعث ذلك الخلاف العقدي، نعم يكون مبعث ذلك ناشئ عن مذهب عقدي، وأيضاً تسويل الشيطان وتزيينه في بعض الأمور، والعمل بلا شك شاق.
المقصود أنه لا يعني هذا أننا ما جاء في هذا الخبر من الإخبار بأنه في الصدر الأول أهل عمل، مع العلم عمل، في العصور المتأخرة وجد العلم، ووجدت القراءة وانتشرت، وكادت أن تنمحي الأمية بالكلية، لكن العمل أين؟ العمل تخلف، والعلم بلا عمل لا شك أنه لا قيمة له، العلم من غير عمل العمل هو الثمرة من العلم، فإذا تخلف العمل عن العلم صار لا قيمة له، بل صار وبال على صاحبه.
طالب:. . . . . . . . .

(28/19)


بلا شك مع السفرة الكرام البررة ما لم يوجد مانع من إلحاقه بهم، لكن قد يكون بارع بقراءة القرآن وماهر فيه لكن مع ذلك يرتكب محرمات.
طالب:. . . . . . . . .
هو معصوم؟ لا، لكن يرتكب محرمات ظاهرة، مثل هذا لا يستحق مثل هذا الوصف، ينطبق عليه الوصف الذين يأتون فيما بعد، بعد كلام ابن مسعود، أما من وجد في عهد ابن مسعود وفي الصدر الأول كما قال أبو عبد الرحمن السلمي: حدثنا الذين يقرئوننا القرآن، وسمى منهم من سمى، قال: كانوا لا يتجاوزون عشر آيات حتى يتعلموا ما فيها من علم وعمل، هذه طريقتهم، لكن في السنين الأخيرة العصور المتأخرة تجد ابن سبع ابن ثمان سنوات يقرأ القرآن قد يعرضه من أوله إلى آخره ولا يخطئ خطأ واحد، ومع ذلك لسنه ما يعرف شيء من المعاني أو من العمل به، وقد يستمر على هذه الطريقة فيتخلف العمل كثيراً كما هو موجود.
طالب:. . . . . . . . .
أولاً: القرآن نزل على الصحابة في الصدر الأول، على النبي -عليه الصلاة والسلام- في عصر الصحابة، وكثيرٌ منهم قد تقدمت به السن، ولذا من حفظ القرآن في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- كاملاً نفرٌ يسير، جمع القرآن في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- أربعة، المقصود أنهم نفرٌ يسير، لكن فيما بعد والحمد لله يعني بعد جمع القرآن وضبط القرآن بين الدفتين تيسر حفظه وضبطه، وكثر في عصر صغار الصحابة والتابعين ومن بعدهم كثر، ولذا يندر أن يوجد في ترجمة شخص أنه لا يحفظ القرآن من أهل العلم، ما ذكر إلا عن ابن أبي شيبة، ونصوا عليه أنه لا يحفظ القرآن، كيف ينص على هذا الشخص؟ إلا أنه لا يوجد غيره في التراجم.
طالب:. . . . . . . . .
وأيضاً إذا نسبت من يحفظ القرآن في عهد ابن مسعود إلى من جاء بعدهم، أنت لو تنظر إلى نسبة من يحفظ القرآن الآن إلى من يحفظ القرآن قبل ثلاثين سنة، تجد نسبة؟ ما في نسبة، الآن أكثر بكثير، أضعاف مضاعفة، لا سيما في بلدنا.

(28/20)


لا شك أن حفظ القرآن من نعم الله -جل وعلا- على المسلمين، هو كلام الله، كلام الله وفضله على سائر الكلام كفضل الله على خلقه، والجوف الذي ليس فيه شيء من القرآن كالبيت الخرب، و ((مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن والمؤمن الذي لا يقرأ القرآن .. )) معروف، و ((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))، و ((من قرأ القرآن كان له بكل حرف عشر حسنات)) هذه أمور مفروغ منها، لكن المسألة ما هي بمفترضة في حافظ عارف بالقرآن وبحدود القرآن عامل بالقرآن هذا خارج عن النزاع، المسألة مفترضة بين شخصٍ عالم عامل ونصيبه من ضبط القرآن وإتقانه أقل ممن يقيم الحروف ويمهر فيه دون عمل، المفاضلة بين هذا، ما هي مفاضلة بين شخص جمع الأمرين، لا، الحفظ مع المهارة في درجات.
بعض الإخوان اللي لهم عناية بهذا الشأن ذهبوا إلى بعض البلاد الإسلامية، فجيء بعشرة أطفال لا يتجاوزون السابعة والثامنة من العمر، تفتح المصحف وتقول صفحة كذا السطر كذا منتصف السطر كلمة إيش؟ يجيبها لك، آخر السطر الثالث قبل الأخير يجيب لك الكلمة، هذا موجود، لكن هل يوجد مثل هذا في عصر الصحابة؟ وهل يذم الصحابة بمعرفة هذه الأمور بدقة؟ لكن إذا وجد مثل هذا مع العمل نظير عمل الصحابة بالقرآن هذا نورٌ على نور.
فلا شك أن العلم مطلوب، لكن ثمرته العمل، ثمرته العمل، لكن قد يحفظ القرآن، ويحفظه من أوله إلى آخره، لكن لو تسأله عن أول الصفحة كذا ما يدري، أو تسأله عن دليل هذه المسألة وهو في القرآن ولا يدري، فعلى هذا المطلوب مع الحفظ الضبط والإتقان والتدبر والاستنباط والفهم والعمل، هذه الثمرة العظمى من القراءة، وإلا ما الفرق بين شخص قرأ كتب الدنيا كلها ولا يعمل بين عامي من العوام؟ ويش الفرق؟ ما في فرق، بالعكس العامي الذي ما قامت عليه الحجة في كثيرٍ من الأمور أفضل من مثل هذا، والتبعة على ذلك أعظم.
طالب:. . . . . . . . .
وجد من يقرأ القرآن منكس، حتى هؤلاء الشباب الصبيان اللي ذكرت قرؤوه منكس.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .

(28/21)


هذا الاختبار اختبار ضبط وجودة الحفظ لا للتعبد، لا التعبد بهذا، إنما يختبرونه بهذا، ما هو بيتعبد بهذا، من أجل أن يختبر ضبطه وإتقانه؛ لأنه إذا اختبر عكساً ليس بحاجة إلى أن يختبر طرداً، زيادة في الضبط والإتقان، وعلى كل حال التوسط في الأمور والاعتدال فيها هو المطلوب.
على طالب العلم أن يفعل الأنفع له علماً وعملاً، لو قيل لشخص: أنت الآن سوي مثل ابن عمر، ثمان سنين في البقرة، بحيث إذا انتهيت من البقرة وأنت كثرت عليك العائلة ومشاكل الدنيا وطلب العيش أردت أن تحفظ آل عمران عجزت، أو نقول: احفظ القرآن في أقرب مدة ممكنة ثم بعد ذلك اضمن الحفظ، ثم عد إلى الفهم والتدبر والاستنباط؟ لأن الحفظ له وقت، الحفظ في الصغر غير الحفظ في الكبر، نعم الحفظ ينبغي أن يساند هذا الحفظ حفظ الحروف فهم للمعاني بواسطة تفسير من التفاسير الميسرة المبسطة الموثوقة التي تخلو عن مخالفات، أو على أقل الأحوال كلمات القرآن تمر عليك (جرزا) وتمر عليك كلماتٍ ما تدري ويش معناها؟ فإذا ضبطتها وأنت تحفظ خلاص أتقنتها، وهذا يعينك على الفهم والتدبر.
على كل حال الكلام حول القرآن كثير جداً، لكنه هو أول وآخراً هو شرف هذه الأمة {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ} [(44) سورة الزخرف] لا يكون مثل هذا الكلام الذي نقرأه مجال أو باب ينفتح على الأمة يستغله بعض المغرضين وبعض المفسدين، وبعض الذين .. ، بعض المنافقين الذين يغيظهم وجود -ولله الحمد- هذه النابتة التي تعنى بحفظ كتاب الله -جل وعلا-، وجود هؤلاء المجاهدين الذين يتولون تحفيظ هذه الناشئة لكتاب الله -جل وعلا-، لا يكون مثل هذا الكلام مدخل لبعض المنافقين أن يلبس على الناس أو يشوش، لا.
لكن المسألة مفاضلة بين علم وعمل، العمل ولو كان قليلاً، العمل بالعلم ولو كان قليلاً أفضل من العلم الكثير المجرد هذا مفاده.

(28/22)


"قليل من يسأل" من يسأل: إما يكون قليل من يسأل المال تعففاً، أو قليل من يسأل أهل العلم تعنتاً، أو قليل من يسأل عما يشكل عليه؛ لأنه لا يقرأ شيء يشكل عليه ويتجاوزه، لكنك إذا قرأت مثلاً خمس آيات من القرآن وحفظتها وتعلمت ما فيها من معاني وفهمتها وتدبرتها، وعملت ما فيها لست بحاجة إلى أن تسأل، لكن لما تقرأ جملة كبيرة من المقروء سواءً من القرآن أو من غيره تضل عندك الإشكالات كثيرة، وكلما هذه الإشكالات تزداد فتكثر من السؤال عن الإشكالات والثاني كذلك والثالث كذلك، ثم يكثر من يسأل.
"كثير من يعطي" يعطي إما أن يعطي المال، يعني يبذل المال لمن يسأل ومن لم يسأل {لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [(25) سورة المعارج] أو يعطي يعني يبذل العلم لمستحقه.
"يطيلون فيه الصلاة" وليست الإطالة المنهي عنها في حديث معاذ: ((أفتانٌ يا معاذ؟ )) ((من أَمَّ الناس فليخفف)) لكنها الإطالة التي تشبه إطالة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتقرب منها، لا يسمع أحدٌ هذا الكلام ويقول: يطيلون الصلاة ثم يشرع بالبقرة وهو إمام يؤم الناس، وحينئذٍ يقع في مخالفة نهيه -عليه الصلاة والسلام-.
"ويقصرون الخطبة" وهذا من فقه الرجل، من علامات فقهه إطالة الصلاة وقصر الخطبة، ولا شك أن الإطالة إطالة الصلاة نسبية، وقصر الخطبة أيضاً نسبية، ما يصعد للمنبر يقول له جملتين ثلاث وينزل، يقول: من فقه الرجل أن يقصر الخطبة، يأتي بخطبته ما ينفع الناس، وينبه على الأخطاء التي يقع فيها الناس، ويحرك القلوب بالموعظة الصالحة والخالصة، ثم لا يملِّ الناس، ولا يضجر الناس بحيث كل إنسان ينظر ساعته، منهم من ينعس، ومنهم من يتغافل، لا هذا ولا هذا.
"يبدأون أعمالهم قبل أهوائهم" ...
طالب:. . . . . . . . .
نعم، أمور نسبية، يعني متصور أن خطيب يخطب ساعة هذا أطال الخطبة، لكن الذي اعتاد الناس على هذا فالذي يخطب بربع ساعة ثلث ساعة قصيرة الخطبة، فهذه أمور نسبية، لكن الصلاة -الصلاة العادية- تكون بربع ساعة، هذه صلاة متوازنة، فالذي يزيدها إلى نصف هذا أطال الناس، وهو مأمورٌ بالتخفيف، لكن الذي يصلي صلاته الرباعية بخمس دقائق هذا صلاته طويلة؟ .... فهذه أمور نسبية.

(28/23)


"يبدأون أعمالهم قبل أهوائهم" يقدمون العمل الصالح المستند على الدليل قبل الهوى، فيقدمون أعمالهم قبل أهوائهم ورغباتهم.
"وسيأتي على الناس زمان قليل فقهاؤه" عكس الزمان الأول؛ لاشتغالهم بحظوظ أنفسهم، واكتفائهم بالعلم دون العمل، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
يبدون أي يقدموا، يبدأون يبدون ما في إشكال.
"وسيأتي على الناس زمانٌ قليلٌ فقهاؤه -بخلاف الزمان الأول- كثيرٌ قراؤه" يعني لو نظرنا في واقعنا الذي أدركناه، يعني قبل ثلاثين سنة يعني زمن أدركناه، القراء في البلد عددهم قليل، لكن أهل العلم، العلم، أهل الفتوى، العلم المؤصل المقعد المضبوط المتقن فيهم كثرة بالنسبة لعدد الناس، بينما القراء عددهم قليل، وأهل العمل حتى من عوام المسلمين وأهل العبادة وأهل الزهد والورع، ويوجد قبل خمسة وعشرين سنة وثلاثين سنة من .. ، أناس لا نستبعد ولا نستغرب إذا قرأنا في ترجمة سفيان أو الفضيل أو غيره، والله ما نستبعد إذا رأيناهم، الآن كثر القراء، وكثر من يقرأ، وكثر من يطلع على الخلاف، وتوسعوا في العلم، لكن العمل قلَّ، العمل قلَّ، انشغل الناس كثير من الناس لا أقول يوجد -ولله الحمد- أهل خير، والعلماء والعباد موجودين ولله الحمد، والخير في أمة محمد، لكن انشغل كثيرٌ من الناس بالمفضول عن الفاضل، واقتصر كثيرٌ من الناس على العلم دون العمل، فهذا مثال شيء أدركناه.
"وسيأتي على الناس زمانٌ قليلٌ فقهاؤه، كثيرٌ قراؤه، يحفظ فيه حروف القرآن" يقيمون حروف القرآن كما تقام الأقداح، يضبط ضبط بحيث يقرأ القارئ من أول القرآن إلى آخره لا يوجد عليه خطأ "يحفظ فيه حروف القرآن، وتضيع حدوده" لا يعمل بالقرآن، ومن نظر واقع المسلمين اليوم في كثيرٍ من الأقطار تضيع حدود القرآن، وهذا لا يحتاج إلى تمثيل الظاهر.

(28/24)


"وتضيع حدوده، كثير من يسأل" لقلة الصبر والتعفف، أو لقلة العلم "كثيرٌ من يسأل، قليل من يعطي" لانتشار الشح بالمال وبالعلم أيضاً، يعني على كثرة ما عندنا وعند غيرنا ما انتشر من طلاب العلم ومن أهل العلم تجد الإنسان لا يجد من يفتيه مع الأسف الشديد، وتجد من ينتسب من أهل العلم -وهذا يوجد- من إذا دخل جدع السماعة، التبعة ليست بالسهلة، هذه أمانة أمانة حملت إياها، وهذه هبة من الله -جل وعلا-، ونعمة تحتاج إلى شكر، والعلم يحتاج إلى زكاة، ونماؤه بزكاته.
"قليلٌ من يعطي، يطيلون فيه الخطبة" يوجد من يخطب ساعة الآن يوجد، والنصف ساعة كثير، خطبة نصف ساعة هذا كثير، لكن يوجد من يخطب ساعة "ويقصرون الصلاة -مخالفةً للسنة- يبدون فيه أهواءهم قبل أعمالهم" حباً لاتباع الهوى ورغبات النفس، وإذا لاح لهم أمرٌ من أمور الدنيا ضيعوا العلم، تجد الإنسان يسمع المؤذن وبيده شيء من عمل الدنيا، ثم يسمع الإقامة وتفوته الصلاة وهو في شيء يسير من أعمال الدنيا، وقد يكون لا يعود عليه بالنفع لا في دينه ولا في دنياه، يوجد الآن من يعكف على بعض الآلات ليل نهار، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
نعم؛ لأنه خبرٌ عن مستقبل، خبر عن مستقبل لا يقوله ابن مسعود برأيه، يعني إذا ساغ له أن يتحدث عن زمانه فلن يتيسر له أن يتحدث عن المستقبل.

(28/25)


وفي خبر ابن مسعود -رضي الله عنه-: الحث على العمل بالعلم، وليس مراده التقليل من شأن العلم أبداً، ولا من شأن التعلم، ولا من شأن القراءة، لا يعني الأمة إذا كثر فيها طلاب العلم والقراء أنها تصرف البقية عن طلب العلم، لا، بل الجميع مطالب بأن يتعلم، الجميع مطالب بأن يتعلم ليعبد الله على بصيرة، لا على جهل، لكن مع ذلكم مطالبون بالعمل، فلا يفهم من كلام ابن مسعود أنه إذا كثر القراء مع وجود -ولله الحمد- الإقبال على حفظ كتاب الله وحفظ السنة، والتعلم العلم الشرعي على الجواد المعروفة عند أهل العلم، هذا شيء -ولله الحمد- كثير، وشيء محسوس، فلا يقال: إن هذا التعلم على ضوء ما أخبر به ابن مسعود -رضي الله عنهما- أنه من وصف الزمان اللاحق، والزمان الأول بخلافه، ابن مسعود يريد أن يحث طالب العلم على العمل، وأن لا يقتصر على التعلم، لا يقتصر على القراءة فقط دون فهم وتدبر واستنباط وعمل، لكن قد يكون الواقع هكذا، قد يكون يحكي واقع، لكن هل حكاية الواقع تعني الذم من كل وجه؟ نعم الواقع المخالف مذموم، والواقع الموافق ممدوح.
فلا يقال: إن كثرة القراء صفة ذم، نعم هي صفة ذم إذا تجردت هذه القراءة عن العمل، أما إذا اقترن العلم بالعمل فهو من أفضل ما يتقرب به إلى الله -جل وعلا-، وتعلم العلم الشرعي من أعظم أبواب الجهاد.

(28/26)


يقول: "وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد –الأنصاري- أنه قال: بلغني أن أول ما ينظر فيه من عمل العبد الصلاة" يعني الصلوات الخمس المفروضة، وإذا كان فيها شيء من نقص كملت من النوافل، كما جاء في الخبر من عمل العبد والمراد به الإنسان حراً كان أو رقيقاً، ذكراً كان أو أنثى، أول ما ينظر من عمله في الصلاة "فإن قبلت" بأن صارت مسقطة للطلب، ترتبت آثارها عليها، مكتملة الشروط والأركان، أديت بنية خالصة لله -جل وعلا- قبلت "نظر فيما بقي من عمله" لأن الصلاة أم العبادات "وإن لم تقبل منه لم ينظر في شيء من عمله" ما دامت أم العبادات إذا قبلت نظر في العمل الثاني، لكن إذا رد الأعظم هل ينظر في الذي يليه، لا ينظر في الذي يليه، لا سيما وأن هذه الصلاة ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، الذي لا يرى الصحابة من الأعمال شيء تركه كفر إلا الصلاة، وهذا يدل مما يقوي القول بأن تارك الصلاة كافر؛ لأنه ما دام كافر ويش الفائدة بأن ينظر إلى زكاته؟ إلى صيامه؟ إلى حجه؟ ما في فائدة، لكن إذا قبلت وضمن إسلامه نظر في بقية الأعمال، ومثل هذا لا يقال بالرأي، وهو أيضاً ورد معناه في حديثٍ مرفوع عن أبي هريرة مخرجٌ عند أصحاب السنن الأربعة.

(28/27)


"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كان أحب العمل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الذي يدوم عليه صاحبه" ترجم الإمام البخاري في كتاب الإيمان من صحيحه: "باب: أحب الدين إلى الله أدومه" ثم ذكر حديث عائشة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- دخل عليها وعندها امرأة، قال: ((من هذه؟ )) قالت: فلانة، جاءت تسميتها في بعض طرق الحديث أنها: الحولاء بنت تويت، تذكر من صلاتها يعني تذكر أنها تصلي، وتطيل الصلاة، وتكثر الصلاة، وأنها تقوم الليل كله، تذكر من حرصها على عمل الخير لا سيما الصلاة، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((مه)) بمعنى: كفوا، ((عليكم بما تطيقون)) أما مثل هذا العمل الذي لا يطاق الذي يؤدي إلى الانقطاع مثل هذا مفضول ((عليكم بما تطيقون، فوالله لا يمل الله حتى تملوا، وكان أحب الدين إلى الله ما دام عليه صاحبه)) والأحب هنا يقول: "قالت: كان أحب العمل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وفي حديث البخاري: ((وكان أحب الدين إلى الله)) ولا تنافي بينهما؛ لأن المحبوب إلى الله هو المحبوب إلى الرسول -عليه الصلاة والسلام-.
يقول النووي: بدوام العمل القليل تستمر الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله -جل وعلا-، يعني من عمل طول الأربعة والعشرين ساعة، طول اليوم والليلة عمل مناسب لا يشق عليه، ولا يكلفه ولا يحمله على الترك لا شك أنه أفضل من أن يعمل هذا العمل في وقتٍ قصير بحيث تكون العبادة عليه مكروهة وثقيلة، ثم يؤديه ذلك إلى تركها.

(28/28)


بخلاف الكثير الشاق، يقول النووي: بدوام العمل القليل تستمر الطاعة بالذكر والمراقبة والإخلاص والإقبال على الله -جل وعلا-، بخلاف الكثير الشاق، بحيث ينمو العمل القليل الدائم حتى يزيد على الكثير المنقطع، يعني لو ضربنا مثال بحفظ القرآن، شخص يقول: أريد أن أحفظ في هذا اليوم جزء كامل وأرتاح عشرة أيام، وآخر يريد أن يحفظ هذا الجزء في العشرة الأيام كل يوم ورقة، أيهم أفضل؟ هذا الذي يريد أن يحفظ خلال العشرة الأيام يكرر النظر في عهد الله وفي كتابه، ويحمله ذلك على الارتباط بهذا الكتاب، لكن الذي يجلس يوم ويحفظ جزء، ثم عشرة أيام يغفل، أولاً: مكثه الساعات الطوال لحفظ الجزء في يومٍ في وقتٍ ينضغط فيه لا شك أن هذا يولد كراهية لهذا العمل؛ لأنه حمل على نفسه أمر ثقيل، فيمل ويسأم ويترك، بينما الذي يأخذ الأمر بالتوقيت والتدريج مثل هذا يستمر ولا ينقطع.
يقول: بحيث يزيد على الكثير المنقطع أضعافاً كثيرة، يقول ابن الجوزي: إنما أحب الدائم لمعنيين: أحدهما: أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل، إيش معنى هذا؟ كأنه بلسان حاله هذا الذي يقول: أنا أحفظ جزء في يوم وأرتاح عشرة أيام وإن لم يقل بلسان مقاله، يقول: دعنا نرتاح من ها الجزء ونتفرغ عشرة أيام لأمورنا الأخرى، هذا أقبل ثم أدبر، لكن الذي عمله دؤوب، كل يوم يحفظ ورقة بالراحة مثل هذا عمله متواصل لا ينقطع، فالتارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل فهو متعرض للذم، ولهذا ورد الوعيد في حق من حفظ آيةً ثم نسيها، وإن كان قبل الحفظ لا يتعين عليه.

(28/29)


ثانيهما: أن مداوِم الخير ملازمٌ للخدمة، وليس من لازم الباب في كل يومٍ وقتاً ما كمن لازم يوماً كاملاً ثم انقطع، كمن لازم يوماً كاملاً ثم انقطع، يعني شخص عنده عمال، خصص اثنين منهم للقهوة مثلاً، واحدٍ منهم في يوم من الأيام سوى له عشر قلال وعشر برقان وقال: خلاص ارتاح عشرة أيام، والثاني كل يوم دلة وإبريق هذا يقولون: هذا مداوم للخدمة، مداوم للخدمة وليس من لازم الباب في كل يوم وقتاً ما يعني بالتدريج ليس كمن لازم يوماً كاملاً ثم انقطع، هذا مثال محسوس، لكن من حفظ هذا الجزء في هذا اليوم وأسعفته الحافظة وضبطه وأتقنه، وانصرف بعد ذلك لأعمالٍ أخرى شرعية لا يذم، وقل مثل هذا فيمن لزم علماً واحداً وترك العلوم الأخرى حتى ضبطه وأتقنه، يختلف وضعه عمن أدخل علوم كثيرة في يومٍ واحد، ونوعها وأخذها بالتدريج.
على كل حال كلام ابن الجوزي مفاده أولاً: أن من عمل عمل خير ثم تركه لا شك أنه يشبه ولو لم يقع في هذا يشبه من خدم ثم أعرض وترك، وسئم ومل، مثل هذا مذموم، وأيضاً: قسمة الخدمة على الوقت بحيث يلازم الخدمة الوقت كله أفضل ممن يخدم مقدار ما خدمه الآخر في وقتٍ يسير ثم ينقطع.
وعلى كل حال العمل الذي يشق على الإنسان بحيث يحمله على الترك عمله مفضول، بخلاف العمل الذي يؤخذ بالتدريج ومع الوقت لكنه يستمر، فالاستمرار بالخدمة مطلوب بقدر ما يتحمله الإنسان ويطيقه.

(28/30)


يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أنه قال: كان رجلان أخوان فهلك أحدهما" هلك يعني مات، وهذه اللفظة هلك في النصوص مستعملة {حَتَّى إِذَا هَلَكَ} [(34) سورة غافر] في حق من؟ في حق يوسف نبي من الأنبياء {حَتَّى إِذَا هَلَكَ} [(34) سورة غافر] لكن في عرف الناس اليوم لو يذكر لك شيخ من كبار العلماء المسلمين، تقول: هلك فلان، استعمالها العرفي منكرة، في استعمالها العرفي منكرة، هل تستطيع أن تقول لشخصٍ من أهل العلم والعلم: هلك فلان، أو فلان الهالك، في كتب التراجم بالنسبة للمخالفين الذين عندهم مخالفات كبيرة يقال: هلك فلان، هلك، هلك الجهم سنة كذا، لا مانع، لكن تقول: هلك أحمد بن حنبل لا يمكن، فاستعمالها الشرعي في مقابل مات، واستعمالها العرفي إنما تطلق في حق من عنده مخالفات، لا سيما إذا كانت كبيرة، هلك هالكٌ، لكن هل تستطيع أن تقول: هلك أبي عن زوجة وثلاثة أبناء؟ تستطيع تقول هكذا؟ إيه ما تستطيع، لكن شخص مجهول أمره سهل.
المقصود أنها تستعمل في النصوص بإزاء مات، وجاء استعمالها في القرآن بحق نبي، لكن استعمالها العرفي خصها بمن عنده مخالفات كبيرة.

(28/31)


"فهلك أحدهما قبل صاحبه بأربعين ليلة، فذكرت فضيلة الأول" يعني جاء في بعض الروايات ما يدل على أنه مات شهيداً، يعني قتل في سبيل الله، ذكرت فضيلته ومدح، هنيئاً له مات في سبيل الله "فذكرت فضيلة الأول عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ألم يكن الأخر؟ )) أو الآخِر أو الآخَر، الآخِر يعني المتأخر، والآخَر يعني الثاني الذي تأخر عن أخيه ((ألم يكن مسلماً؟ )) قالوا: بلى يا رسول الله، وكان لا بأس به" يعني هذا اللفظ يفهم أن هذا الرجل من أوساط المسلمين لا بأس به، رجل لا بأس به، يعني من أوساط المسلمين "وكان لا بأس به، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وما يدريكم ما بلغت به صلاته؟ )) يعني خلال مدة الأربعين يوماً، كم صلى في الأربعين؟ صلى من الفرائص مائتي صلاة، ومن النوافل ما الله به عليم، هذه في ميزان حسناته إذا فعلها مخلصاً لله -جل وعلا- ((وما يدريكم ما بلغت به صلاته؟ )) يعني خلال المدة التي قضاها بعد أخيه ((إنما مثل الصلاة كمثل نهرٍ غمرٍ -يعني كثير الماء- عذبٍ بباب أحدكم)) كمثل نهر غمر كثير الماء وصف، لا شك أن له أثره في إزالة الدرن والأوساخ، لكن عذب يعني هل العذب أبلغ في إزالة الأوساخ والأدران من غيره؟ مقتضى الخبر نعم ((كمثل نهرٍ غمرٍ عذبٍ باب أحدكم يقتحم فيه كل يوم خمس مرات)) هذا الشخص الذي يغتسل خمس مرات في اليوم يبقى من وسخه شيء؟ لا ((فما ترون ذلك يُبقي من درنه؟ )) الدرن: المقصود به الوسخ ((فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته)) والجواب: لا، ما يبقى من درنه شيء ولا من وسخه شيء إذا كان يغتسل في اليوم والليلة خمس مرات ((فإنكم لا تدرون ما بلغت به صلاته)) أعاده زيادة تأكيد في البعد عن التفضيل بلا علم، يعني كونك تجزم بأن هذا مات، نعم هو على خير -إن شاء الله تعالى-، لكن لا يلزم منه أن يكون أفضل ممن بقي بعده.

(28/32)


بقي حديثان، يقول: "وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عطاء بن يسار كان إذا مرَّ عليه بعض من يبيع في المسجد دعاه فسأله ما معك؟ " يبيع في المسجد "دعاه فسأله ما معك؟ وما تريد؟ فإن أخبره أنه يريد أن يبيعه قال: عليك بسوق الدنيا، وإنما هذا سوق الآخرة" نعم المسجد ما بنيت المساجد للبيع والشراء، إنما بنيت لذكر الله، الصلاة، لتلاوة القرآن، للذكر، لتعليم العلم، هذا سوق الآخرة، فينبغي أن تخصص لما يبتغى به وجه الله -جل وعلا-؛ أخذاً من قول الله تعالى: {يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [(29) سورة فاطر] هذه تجارة الآخرة، وتجارات الدنيا أبوابها مشرعة، لكن في غير المساجد، فمن أراد تجارة الآخرة فليحضر إلى المسجد، من أراد تجارة الدنيا يذهب إلى الأسواق.
والصلاة من أفضل ما تلتمس به وتبتغى تجارة الآخرة كما في آية فاطر، وكذلك التلاوة والإنفاق في سبيل الله، وكذلك انتظار الصلاة {إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ} [(29) سورة فاطر] هذه التجارة، يعني لو إنسان حسب ووزان بين تجارة الدنيا وتجارة الآخرة قال: يا أخي الختمة الواحدة ثلاثة ملايين حسنة، وإذا ذهبنا سوق التجارة وضاربت في الأسهم وما الأسهم افترض أنك كسبت المكاسب كم تكسب؟ الجزء الواحد بربع ساعة فيه مائة ألف حسنة، هل يستطيع أرباب الدنيا أن يكسبوا .. ؟ دعنا من الذين يتاجرون بأمورٍ الله أعلم بها، لكن الذين يطلبون التجارة من وجهها بحقوقها وحدودها الشرعية بربع ساعة يكسبون مائة ألف؟ ما يمكن إلا في القليل النادر، عاد إذا كان هناك صفقات كبرى، الله أعلم.

(28/33)


لكن عموم الناس إذا وازنا بين تجارة الدنيا وتجارة الآخرة صارت تجارة الدنيا كلا شيء بالنسبة لتجارة الآخرة، ولذا جاء في الحديث: ((من نفس عن مسلمٍ كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربةً من كرب الآخرة)) ما قال: كرب الدنيا والآخرة؛ لأن كرب الدنيا كلا شيء بالنسبة لكرب الآخرة، بينما الشق الآخر من الحديث: ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) الستر مطلوب في الدنيا، لكن الكرب -كرب الدنيا- لا شيء بالنسبة لكرب الآخرة، وهكذا نقول: إن تجارة الدنيا كلا شيء بالنسبة لتجارة الآخرة.
وجاء في الحديث: ((إذا رأيتم الرجل يبيع ويشتري في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك)).
ثم قال: "وحدثني عن مالك أنه بلغه" كذا ليحيى ولغيره: مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن سالم بن عبد الله عن أبيه "أن عمر" يعني متصل "بنى رحبة في ناحية المسجد تسمى البطيحاء" تصغير بطحاء "وقال: من كان يريد أن يلغط" يعني مكان ألحقه بالمسجد وإن لم يكن منه، لمن أراد أن يلغط، ويتحدث فيما لا ينفع، ومن يريد أيضاً تجارة الدنيا أو من تريد المكث فيه من أهل الأعذار ممن يمنع دخوله في المسجد "من كان يريد أن يلغط" يتكلم بكلامٍ فيه لغط وجلبة واختلاط "أو ينشد شعراً" والمراد به الشعر غير المباح، أما الشعر المباح فقد كان ينشد بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولذا أنكر حسان على عمر -رضي الله عنهما- لما أنكر عليهم إنشاد الشعر، فقال: أنشدته بين يدي من هو خيرٌ منك، يعني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "أو ينشد شعراً، أو يرفع صوته فليخرج إلى هذه الرحبة" تعظيماً للمسجد؛ لأن المساجد إنما بنيت للصلاة، وإقامة ذكر الله -جل وعلا-.
يقول: نرجو أن تتحدثوا عن الهدي النبوي في قنوت النوازل، وهل ينبغي أن يستفتح الداعي الثناء على الله أو يبدأ بالدعاء مباشرة؟ وهل يجوز تسمية الأشخاص والدعاء على جميع الكفرة بالهلاك؟

(28/34)


أما قنوت النوازل فهو مشروع، قد قنت النبي -عليه الصلاة والسلام- شهراً يدعو على أحياء من العرب، ثم تركه، ودعا لأقوام مستضعفين ثم تركه؛ لأنهم قدموا، فقنوت النوازل مشروع بلا شك، خلافاً لمن لم يره من أهل العلم كالحنفية مثلاً، لكن تقدر هذه النوازل بقدرها، ويستفتح الدعاء بالثناء -وهو من آدابه- على الله -جل وعلا-، ويصلي على النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويدعو بكشف هذه النازلة ويسميها، يسمي هذه النازلة التي يراد كشفها، ويدعو على من أراد الدعاء عليهم من قبائل ومن أفراد، ويدعو على عموم الكفرة بالهلاك.
وقد مرَّ بنا في الموطأ قول التابعي: "أدركتُ الناس وهم يدعون على اليهود والنصارى بالهلاك" مرَّ بنا هذا في هذا الكتاب، والله المستعان، ومراده بالناس الصحابة، لكن على وجه الخصوص من زاد شره وطغى وبغى وتجبر.
طالب:. . . . . . . . .
هي نازلة، كلها نوازل، الأمة ما زالت في نوازل، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
لعن المعين، النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: اللهم العن فلاناً وفلاناً، ثم نزل قوله -جل وعلا-: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} [(128) سورة آل عمران] لأن منهم من أسلم.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال من آداب الدعاء الصلاة على النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو أدعى للقبول.
يقول هذا: وعليكم السلام ورحمة الله هل ورد شيء في السنة عن صيام يوم عاشوراء وأنه يجب أن تصوم يوماً قبله ويوماً بعده؟
جاء في السنة أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أحتسب على الله أن يكفر السنة الماضية)) هذا بالنسبة ليوم عاشوراء.
ثم من باب مخالفة اليهود قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: ((لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) يعني مع العاشر، وجاء أيضاً قوله: ((صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده)) أما وجوب أن يصام يوم .. ، هو الصيام هو ليس بواجب فضلاً عن يوم قبله أو يوماً بعده.
امرأة تسأل وتقول: بأنه كان لديها أربع خواتم فضية، ولم تكن تعرف قيمتها، ومكثت معها قرابة الخمس والثلاثين عاماً لم تخرج زكاتها، وتقول: أنها لم تكن تلبسها وتحتفظ بها، بل كانت مهملة مما أدى لضياعها، وقبل سبع سنين وجدت شبيهاً لها في السوق وكانت قيمتها ستون ريالاً؟
أربع خواتم من ستين مائتين وأربعين ريال أقل من النصاب، فلا زكاة فيها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(28/35)


الموطأ - كتاب قصر الصلاة في السفر (7)
شرح: باب: جامع الترغيب في الصلاة.
الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سم.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا واجزه عنا خير الجزاء.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: جامع الترغيب في الصلاة:
حدثني يحيى عن مالك عن عمه أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله -رضي الله تعالى عنه- يقول: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل نجد ثائر الرأس يسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خمس صلوات في اليوم والليلة)) قال: هل علي غيرهن؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وصيام شهر رمضان)) قال: هل علي غيره؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) قال: وذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزكاة فقال: هل علي غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) قال: فأدبر الرجل وهو يقول: "والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفلح الرجل إن صدق))
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب مكان كل عقدة عليك ليل طويل فارقد، فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة، فإن توضأ انحلت عقدة، فإن صلى انحلت عقده، فأصبح نشيطاً طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)).
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(29/1)


يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: جامع الترغيب في الصلاة" المراد بالترغيب الحث على فعل الشيء المرغب فيه، ووجه الترغيب في الحديث الأول أن هذه الصلوات الخمس مكتوبة مفروضة، ولا أعظم في الترغيب في الشيء من كونه مفروضاً على المكلف، محذر من تركه، رتب على تركه العقوبة، وأيضاً الترغيب في القيام من النوم ظاهر في الحديث الثاني من أجل الصلاة، لأن مثل هذا الحديث لا يدرجه -أو مثل هذه الأحاديث- لا يدرجها من يصنف في الترغيب والترهيب؛ لأن مفهوم الترغيب والترهيب عند المتأخرين أخص مما يفهمه المؤلف هنا، قد يقرأ القارئ ترجمة يذكر بعدها أحاديث يظنها هذا القارئ أنها لا مناسبة بينها وبين هذه الترجمة، لكن إذا أمعن النظر إذا أمعن النظر وجد ولو من وجه بعيد.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن عمه أبي سهيل -بن أبي عامر الأصبحي حليف طلحة بن عبيد الله- عن أبيه أنه سمع طلحة بن عبيد الله يقول: جاء رجل" هذا الحديث رواه الإمام البخاري من طريق إسماعيل بن أبي أويس عن خاله مالك عن عمه عن أبيه عن حليفه، هذا من الطرائف.
يقول طلحة بن عبد الله أحد العشرة يقول: "جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" زعم ابن بطال وغيره أنه ضمام بن ثعلبة، وقصته في الصحيحين، وهذه القصة أيضاً في الصحيحين، نعم ضمام جاء يتثبت، سمع هذه الشرائع قبل أن يسلم، فجاء يعرضها على النبي -عليه الصلاة والسلام-، زعم رسولك أنك تقول كذا، آالله بعثك بكذا؟ المقصود أنه جاء يتثبت، يعرض ما سمعه عن النبي -عليه الصلاة والسلام- عليه، وهو حجة أهل العلم في جواز الرواية بالعرض.
هذه القصة التي معنا رجلٌ من أهل نجد ثائر الرأس لم يسم، فزعم بعض الشراح منهم ابن بطال لتشابه القصتين من وجه أنها قصةٌ واحدة، وأن الرجل في هذا الحديث هو ضمام بن ثعلبة، والصواب أنه غيره؛ لأن سياق القصتين مختلف، والأسئلة فيها شيء من التباين، وإن اتفقت في بعض الأشياء، فالصواب أنه غيره.

(29/2)


"جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل نجد ثائرُ الرأس" أو ثائرَ الرأس، يجوز فيه الرفع والنصب، الرفع على إيش؟ على أنه صفة لرجل، والنصب على أنه حال، الآن رجل معرفة وإلا نكرة؟ نكرة، هل يجوز مجيء الحال من الصاحب النكرة أو لا يجوز؟ وهل الفاعل أو .. ، الفاعل هنا وهو نكرة بحاجة إلى وصف أو بحاجة إلى معرفة بيان الهيئة؟ النكرة هل هو بحاجة إلى وصف أو بحاجة إلى بيان هيئته؟ بحاجة إلى وصف، ولذا يقول أهل العلم: إن الجمل بعد المعارف أحوال، وبعد النكرات صفات، فالنكرة بحاجة إلى صفة، وهنا "جاء رجلٌ إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أهل نجد" هذا أيضاً صفة، هذا وصفٌ له، فهو نكرةٌ موصوفة، نكرة موصوفة، والنكرة الموصوفة نعم لا تكون هذه الصفة تجعلها بمنزلة المعرفة، لكنها لا تبقى على هيئتها نكرة محضة، ولذا يجيز بعضهم مجيء الحال من النكرة الموصوفة كما هنا.
"ثائر الرأس" المراد به أن شعره متفرق من ترك الرفاهية، وهذه حال من يأتي من بعيد، حال المسافر ((فذكر الرجل أشعث أغبر يطيل السفر)) هذا وصفه، الغالب أن المسافر تختلف هيئته عن هيئة المقيم.
في حديث جبريل: ((إذ طلع علينا رجلٌ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يعرفه منا أحد، ولا يرى عليه أثر السفر)) ما يعرف وليس بمسافر، هذا محل استغراب من الجميع، استغربوا من هذه الشخصية اللي طلعت عليهم، لا تعرف وليس عليها أثر السفر، فالمسافر له هيئة تخصه وتميزه عن المقيمين.
"يسمع دوي صوته" الدوي: صوتٌ مرتفع متكرر لا يفهم؛ لأنه في الغالب يكون من بعد "ولا نفقه ما يقول" في بعض الروايات: "نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول" بـ (النون) في الموضعين، وفي بعضها: "يسمع دوي صوته، ولا يفقه ما يقول" بـ (الياء) في الموضعين، وعلى كل حال الأمر سهل "حتى دنا" يعني من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "فإذا هو -هذا الصوت- فإذا هو يسأل عن الإسلام" يسأل عن الإسلام يعني يسأل عن شرائع الإسلام، هل هو يسأل عن حقيقة الإسلام وتعريف الإسلام؟ لا، يسأل عن شرائع الإسلام بدليل التفصيل.

(29/3)


"فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((خمس صلوات في اليوم والليلة)) يعني المطلوب منك خمس صلوات في اليوم والليلة "قال: هل علي غيرهن؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) " يعني لا يجب في اليوم والليلة إلا خمس صلوات، وبهذا يستدل من يقول بعدم وجوب صلاة غير هذه الصلوات الخمس، فماذا عن صلاة العيد؟ ماذا عن صلاة الكسوف؟ ماذا عن صلاة الجنازة؟ الصلوات كثيرة، صلاة الوتر قيل بوجوبها، وحينئذٍ يحمل هذا الحديث على أن الصلاة الثابتة الدائمة المتكررة في كل يوم خمس صلوات، ولا يمنع أن يزاد على هذه الخمس شيء غير ثابت ولا متكرر، أو يزاد عليها من الواجب ما لا يكون وجوبه كوجوب هذه الصلوات الخمس، خمس صلوات في اليوم والليلة وجوبها على سبيل الفرض والتأكيد بخلاف ما يجب من الصلوات غير الخمس عند من يقول بالوجوب، قال الحنفية بوجوب الوتر ووجوب صلاة العيد، وقال بعضهم بوجوب صلاة الكسوف للأمر بها، وصلاة الجنازة معروفة واجب على الكفاية عند عامة أهل العلم.
"قال: هل علي غيرهن؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) إلا أن تطوع استثناء منقطع وإلا متصل؟ ما معنى الاستثناء المتصل والمنقطع؟ المتصل من جنس المستثنى به، والمنقطع من غير جنسه، كما تقول: قام القوم إلا زيداً هذا متصل، وقام القوم إلا حماراً منقطع، هنا ((لا، إلا أن تطوع)) استثناء متصل وإلا منقطع؟ هل التطوع من جنس ما أوجب الله على المسلم في اليوم والليلة؟ إذاً الاستثناء؟ منقطع، بعضهم يقول: هو استثناء متصل، الخمس مكتوبة مفروضة، وما عداها تطوع فكيف نقول: واجب من أجل أن يكون الاستثناء متصل؟ بعضهم قال هذا، قال: إن الاستثناء متصل "قال: ((لا، إلا أن تطوع)) أصلها تتطوع، قال بعضهم: الاستثناء متصل، وهذا التطوع واجب؛ لأنه استثني من الواجب، ومتى يجب من التطوع؟ بالشروع، بمعنى أنه إذا شرع في نافلة لزمه إتمامها، إذا دخل في نافلة تطوع لزمه إتمامها، فيكون في الأصل تطوع لكنه إذا شرع فيه وجب عليه، ولا يجوز له حينئذٍ الخروج منه إلا بعذر، فيكون هذا التطوع واجباً بالشروع، وعلى هذا يكون الاستثناء متصلاً.

(29/4)


الشروع في غير الحج والعمرة للأمر بإتمامهما هل هو ملزم أو غير ملزم؟ هل كل العبادات يمكن أن يقال فيها: المتطوع أمير نفسه، إن شاء أتم وإن شاء انصرف، جاء في الصوم ما يدل على ذلك، جاء في الصيام ما يدل على ذلك، لكن الصلاة شرع في صلاة نافلة ثم قال تذكر شيء ليس بذي بال، قال: الصلاة لاحقين بعدين، نصلي بعدين وقطعها، جاء النهي عن إبطال العمل {وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [(33) سورة محمد] فهل هذا يتناول ما هو في أصله تطوع أو نقول: إنه ما دام شرع في العبادة لا يجوز له أن يبطلها، وحينئذٍ يكون التطوع هذا واجب بالشروع ويشمل جميع العبادات، أما الصيام فجاء فيه ما يدل على أنه يجوز قطعه.
طالب:. . . . . . . . .
تغيير النية في إيش؟ ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) هذا الأصل ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) لكن أهل العلم يقولون: إذا قلب المنفرد فرضه نفلاً في وقته المتسع يجوز، يجوز إذا كان هناك غرض صحيح، كبر فاتته الصلاة فكبر منفرداً، ثم سمع أحد دخل المسجد فأراد أن يصلي معه جماعة قلبها إلى نفل وصلى معه؛ لأنه لو صلاها منفرداً صارت هي الفريضة والجماعة نافلة، على هذا القول: كل ما تشرع فيه من نوافل يجب عليك إتمامها على هذا الكلام، لكن القاعدة عند أهل العلم أن المتطوع أمير نفسه، ولا يلزم إلا بالحج والعمرة التي جاء الأمر بإتمامهما.
طالب:. . . . . . . . .
حتى الصلاة هو في نفل.
طالب:. . . . . . . . .
هذا إذا قلنا: إن النوافل كلها تلزم بالشروع صار متصل، استثنى واجب من واجب، وإذا قلنا: إنها لا تلزم هذه النوافل بالشروع قلنا: الاستثناء منقطع.
طالب:. . . . . . . . .
هو الاستدلال باللفظ تَطَوع أو تطَّوع على أن الاستثناء منقطع، هو الاستدلال به على أن الاستثناء منقطع.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، لا أزيد عليه فلا أشرع فألزم به، ما يزال يعني الإشكال قائم، لكن واضح من لفظ التطوع أنه يختلف عن الواجب.

(29/5)


"قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وصيام شهر رمضان)) قال: هل علي غيره؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) مثله، وعلى هذا لا يجب من الصيام غير رمضان، نعم ما يجب لعارض مما يوجبه الإنسان على نفسه بنذر أو ارتكاب ما يوجب كفارة بالصيام هذا أمره يختلف عما وجب في أصل الشرع "وذكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الزكاة فقال: هل علي غيرها؟ قال: ((لا، إلا أن تطوع)) نظير ذلك، وبقي الحج لم يذكر، لما لم يذكر الحج؟ لم يفرض بعد، وعلى القول بأنه فرض يجيب بعضهم بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- عرف من حاله أنه غير مستطيع.
"قال: فأدبر الرجل وهو يقول: "والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه" هذا رجلٌ مقتصد، والمقتصد من يفعل الواجبات ويترك المحرمات ولا يتطوع بقدرٍ زائد على الواجبات، هذا يسمى إيش؟ مقتصد، ويقابله السابق السابق: وهو الذي يزيد على الواجبات النوافل، ويزيد على ترك المحرمات المكروهات، هذا سابق، ودونهما الظالم لنفسه الذي قد يترك بعض الواجبات ويفعل بعض المحظورات، وهو في دائرة الإسلام، وهذا الخلل قابل للغفران، والثلاثة الأقسام كلهم من المصطفين، كلهم من المصطفين {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ} [(32) سورة فاطر] ومنهم ومنهم، كلهم من المصطفين، يعني حتى الظالم لنفسه مصطفى؛ لأن مآله إلى الجنة، وهؤلاء المصطفون الأصناف الثلاثة جزاؤهم إيش؟ كمِّل {جَنَّاتُ عَدْنٍ} [(33) سورة فاطر] لا سورة فاطر {مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ} [(33) سورة فاطر] إذا كان هؤلاء الأصناف الثلاثة بما فيهم الظالم لنفسه يحلون بالذهب، فجنات الفضة لمن؟ ما فيه جنات من ذهب وجنات من فضة؟ لمن جنات الفضة؟ أو أن الحلية غير بناء الجنة؟
إيه، ابن القيم -رحمه الله- له كلامٌ طويل في هذه المسألة ينبغي مراجعته في: (طريق الهجرتين) وهو كتابٌ نفيس لا يستغني طالب علم عن مطالعته ومراجعته وإدامة النظر فيه، في كلامٍ طويل له حول هذا.
طالب:. . . . . . . . .
مطبوع، طبعة منير فاخرة.
طالب:. . . . . . . . .

(29/6)


لا فاخرة طبعة منير، طبعة منير، تعرف منير؟ الطبعة السلفية أيضاً طيبة، الطبعة السلفية لطريق الهجرتين جيدة، لكن المسألة يبقى مسألة الذوق في اختيار الكتب مسألة ثانية.
"فأدبر الرجل وهو يقول: "والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أفلح الرجل إن صدق)) " هكذا في الموطأ وفي البخاري أيضاً، وفي مسلم وقع عند مسلم: ((أفلح –وأبيه- إن صدق)) الفلاح: البقاء، والمراد به في الشرع: البقاء في الجنة؛ لأنه هو البقاء الدائم في الخير الدائم، ومن معاني الفلاح الفوز والسعادة، ولا شك أن من فعل ما أمر به، وترك ما نهي عنه فإنه مفلح، يعني فائز وباقٍ في النعيم الدائم -إن شاء الله تعالى-.
((أفلح الرجل إن صدق)) وقع عند مسلم: ((أفلح –وأبيه- إن صدق)) أو ((دخل الجنة –وأبيه- إن صدق)) هل نستطيع أن نقول: إن الواو عاطفة؟ هي قسم بلا شك، هي قسمٌ بلا شك، أجيب عن هذا بأن مثل هذا القسم إنما وقع قبل النهي عن الحلف بالآباء، الحلف بغير الله، وأن ((من حلف بغير الله فقد أشرك)) في رواية: ((كفر وأشرك)) المقصود أن هذا أمرٌ عظيم الحلف بغير الله -عز وجل-، فهذا كان قبل النهي عن الحلف بالآباء، أو أنها كما يقول بعض الشراح كلمة تجري على اللسان ولا يراد معناها، لا يراد بها التعظيم، لكن هذا الجواب ضعيف؛ لأن كل من حلف بغير الله قال: إنه يجري على لسانه ولا يتسنى لأحدٍ الإنكار؛ لأنه يجري على اللسان والذي في القلوب في القلوب.
حكى السهيلي عن بعض مشايخه أن ((وأبيه)) تصحيف أصلها: "والله"، "أفلح والله إن صدق" فقصرت اللامان فتصحفت الكلمة؛ لأن الكتابة قريبة وأبيه قريبة من والله، إلا أن أبيه كلمة قصيرة اللام أطول من ضرس أو سنة الباء والياء، فصرت اللامان فتصورت هكذا.
طيب لفظ الجلالة ما تحته نقط وأبيه تحتها ثلاث نقط.
طالب:. . . . . . . . .
نعم قبل النقط، هذا قبل النقط.

(29/7)


المقصود أن الذي نهى عن الحلف بالآباء ((لا تحلفوا بآبائكم)) يخالف نهيه، المشرّع ينبغي أن يكون هو القدوة هو الأسوة، فكيف يقال لما حرم الربا وعصم الدماء في حجة الوداع قال -عليه الصلاة والسلام-: ((وأول رباً أضعه ربا العباس)) ربانا، ربا العباس بهذا تكون القدوة، أما ينهى ويكون ما في تعظيم ليس له نفاذ.
طالب:. . . . . . . . .
يقال بالنسخ؛ لأن هذا حكم من الأحكام ينسخ، هو حكم وإن كان متصل بالعقيدة، يعني مثل ما قيل في العطف، قال: بئس الخطيب .. ، ومن يعصهما، يعني جمع ضمير النبي -عليه الصلاة والسلام- قيل: إن هذا خاصٌ به -عليه الصلاة والسلام-، لكن مثل هذا ما .. ، النبي -عليه الصلاة والسلام- أولى الناس بالابتعاد عن مثل هذه الألفاظ الموهمة، على كل حال عندنا نصٌ محكم وهو النهي عن الحلف بالآباء، نصٌ محكم، والاحتمال قائم أن هذا قبل النهي.
يقول: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((يعقد الشيطان)) يعقد الشيطان، الشيطان جنس يشمل الشيطان الأكبر الذي هو إبليس، ويحتمل أنه من الشياطين غير إبليس من جنود إبليس، نسأل الله العافية ((يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم)) أي مؤخر عنقه، وقافية كل شيء مؤخره، ومنه قافية القصيدة آخرها ((أحدكم)) أحدكم: عموم المخاطبين من الصحابة فمن جاء بعدهم ممن يمكن أن يوجه إليه الخطاب فهو شامل، وهو من العام؛ لأنه مفرد مضاف، عام، لكن يراد به الخصوص، فيخص منه الأنبياء، يخص منه من يتناوله قوله -جل وعلا-: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ} [(42) سورة الحجر] يخص منه أيضاً من قرأ آية الكرسي، من قرأ آية الكرسي لا يقربه شيطان ((إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب مكان كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد)) يضرب بيده على العقدة تأكيداً وإحكاماً ((يضرب مكان كل عقدة)) إذا عقد انتهى ضرب العقدة من أجل إيش؟ أن تتأكد ((عليك ليلٌ طويل)) وكل إنسان إذا انتبه في أثناء الليل لا سيما مع برودة الجو أو الحرارة وقصر الليل يكاد أن يسمع بهذا الكلام، يكاد أن يسمع مثل هذا الكلام، تونا، باقي، عليك ليلٌ طويل، ولو لم يكن طويلاً لو بقي ... نعم؟

(29/8)


طالب:. . . . . . . . .
إيه بعد الأذان أو بقي شيء يسير بحيث لا يدرك إلا شيء يسير من الوتر ويقول: تونا، عليك ليلٌ طويل، واللذة فيما بقي من الوقت ولو كان يسيراً أعظم من كل ما مضى، يعني إذا انتبه الإنسان وباقٍ على الوقت نصف ساعة، هذه النصف الساعة هذه هي اللذة والمتعة، والله المستعان، بينما لذة تجار الآخرة بخلاف ذلك، والله المستعان ((عليك ليلٌ طويل فارقد، فإن استيقظ)) خالف هذا الأمر ((استيقظ فذكر الله انحلت عقدة)) واحدة من الثلاث ((فإن توضأ انحلت عقدة -الثانية- فإن صلى انحلت عقده)) بلفظ الجمع، أو انحلت عقدة وهي الثالثة، وتكون العقد انتهت، فإذا صلى انحلت العقد الثلاث، وإن كانت الأولى والثانية قد انحلتا قبل ذلك لكن بقيت الثلاث انحلت ((فأصبح نشيطاً طيب النفس)) مسروراً بما وفقه الله -جل وعلا- له من الطاعة ((طيب النفس)) يقول ابن حجر: "والذي يظهر أن في صلاة الليل سراً في طيب النفس" أن في صلاة الليل سراً في طيب النفس "وإن لم يستحضر الإنسان –المصلي- الثواب" سر مودع في صلاة الليل، كما قال بعضهم أنها علاجٌ مجرب لبعض الأمراض المستعصية صلاة الليل ((وإلا أصبح خبيث النفس كسلان)) لترك ما طلب منه من فعل الخير ((خبيث النفس)) وقد جاء النهي عن قول الإنسان خبثت نفسي، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يخبر عن هذا الشخص أنه خبيث النفس، وفرقٌ بين أن ينسب الإنسان الخبث لنفسه، والخبث: فساد الدين، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يصف بذلك من هذه حاله للتنفير، للتنفير من هذا العمل.
البخاري -رحمه الله تعالى- خرج الحديث من طريق عبد الله بن يوسف في كتاب التهجد: "باب: عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصلِّ بالليل" فيها إشكال الترجمة وإلا ما فيها إشكال؟ يعني هل العقد عقد الشيطان على قافية الرأس خاص بالذي لم يصلِّ أو عام للجميع ومن قام وتوضأ انحلت عقدة، ومن ذكر الله انحلت عقدة، ومن توضأ انحلت عقدة، ومن صلى انحلت العقد؟ يعني هل هو خاصٌ بمن لم يصلِّ بالليل؟

(29/9)


يقول: "باب: عقد الشيطان على قافية الرأس إذا لم يصلِّ بالليل" هو الإشكال في كون البخاري ربط عقد الشيطان على قافية الرأس بعدم الصلاة، مفهومه أن الذي يصلي بالليل لا يعقد عليه الشيطان أصلاً، ما هو مفهوم الحديث أن كل نائم يعقد على قافيته؛ لأن أحدكم مفرد مضاف يفيد العموم إلا ما استثني، يعقد على الجميع، لكن استمرار هذه العقد لمن لم يصلِّ، لكن من قام فذكر الله انحلت عقدة، من توضأ انحلت عقدة، صلى انحلت العقد، فدل على أن الشيطان يعقد على الجميع من يصلِّ ومن لم يصلِّ، لكن الفرق بينهما أن الذي يصلي تنحل العقد، والذي لا يصلي لا تنحل العقد.
قال ابن التين وغيره: قوله: إذا لم يصل مخالفٌ لظاهر حديث الباب؛ لأنه دالٌ على أنه يعقد على رأس من صلى ومن لم يصلِّ؛ لأنه دالٌ على أنه يعقد على رأس من صلى ومن لم يصلِّ، لكن من صلى تنحل عقده بخلاف من لم يصل.
وأجاب ابن رشيد: بأن مراد البخاري: باب بقاء عقد الشيطان بالنسبة لمن لم يصلِّ، ابن رشيد السبتي الفهري له عناية بتراجم البخاري، وكتابه من أنفع ما كتب في بيان التراجم، والكتاب ناقص ما كمُل، لكنه لو كمل لأغنى عن غيره، أشار إليه ابن حجر ونقل منه كثيراً، مراده مراد البخاري بـ (باب: بقاء عقد الشيطان) لأن البقاء بالنسبة لمن لم يصلِّ ظاهر، لكن من قام وذكر الله وتوضأ وصلى انتهت العقد، لكنه يعقد عليه قبل ذلك.
طالب:. . . . . . . . .
لكنه يبقى خبيث النفس، الشخص الذي ينام إلى طلوع الصبح هذا جاء وصفه بأنه بال الشيطان في أذنه.
طالب:. . . . . . . . .
هو تظن أن هذه العقد أثرها أثر المحرمات؟ بدليل أنه استيقظ فذكر الله، الذكر واجب؟ ذكر الله واجب؟ ليس بواجب، انحلت عقدة، فدل على أن هذه العقد تنحل بالتطوع بما فيها الذكر، والوضوء للتطوع، وتنحل كلها بالتطوع، الكلام إلى أن يصبح، يصبح خبيث النفس لكن إذا صلى الصبح مع الجماعة، وقدم انتهت يا أخي، إذا قرأ آية الكرسي طرد الشيطان، لأنه إذا أصبح طلع عليه الصبح، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .

(29/10)


صلى أول الليل؟ قلنا: إنه إذا قرأ آية الكرسي لا يقربه شيطان، ومن صلى أول الليل وهذا صنيع الخليفة الصديق يكفيه -إن شاء الله-، لكن هذا مفاده الحث على قيام الليل الحث على قيام الليل، لا أن مثل هذا الفعل محرم.
طالب:. . . . . . . . .
لا يقربه شيطان هذه أسباب، هذه أسباب، والأسباب تترتب عليها آثارها إذا انتفت الموانع، لكن قد يوجد مانع أيضاً من قبول هذه الأسباب، فلا تترتب عليها آثارها.
طالب:. . . . . . . . .
أصبح خبيث النفس هذا قبل الصلاة، قبل صلاة الصبح، يعني دخل في الصباح طلع الصبح عليه، لا أصبح يعني دخل في الصباح طلوع الفجر ....

(29/11)