شرح الموطأ عبد الكريم الخضير

الموطأ - كتاب صلاة الجماعة (1)
شرح: كتاب صلاة الجماعة: باب فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ.

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
كتاب: صلاة الجماعة: باب: فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ:
عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)).
عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءً)).
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عظماً سميناً أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء)).
عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد أن زيد بن ثابت -رضي الله تعالى عنه- قال: ((أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا صلاة المكتوبة)).
يقول -رحمه الله تعالى-: "كتاب صلاة الجماعة" والكتاب -الترجمة الكبرى- غير موجودة في جل النسخ، وسبق أن أشرنا إلى أن المحقق يتبع في إثباته ونفيه المعجم، خدمة لطلاب العلم، يتبع المعجم المفهرس؛ لكي تنفعه هذه الأرقام.
صلاة الجماعة: شرعت لحكم ومصالح، إذ لو لم تشرع هذه الصلاة جماعة في المساجد هذه الشعيرة العظيمة من شعائر الإسلام هي أعظم شعائر الإسلام الظاهرة، لو لم تشرع وقيل للناس: صلوا في بيوتكم كل واحد يصلي مفرد في بيته ما صار هناك فرق بين بلاد المسلمين وغيرها، وهذه الجماعة شرعت لمصالح منها: ما يعود إلى المصلي نفسه، ومنها: ما يعود إلى المجتمع كاملاً، فيها الصلة والتواصل، وفيها تحسس أخبار المسلمين، وفيها أيضاً الاقتداء بالإمام، وفيها الاصطفاف خلف الإمام كصفوف الملائكة، حكم كثيرة لمشروعية صلاة الجماعة.

(21/1)


يقول: "باب: فضل صلاة الجماعة" يعني الزيادة في الأجر "على صلاة الفذ" المنفرد، يقال: فذ الرجل من أصحابه إذا بقي منفرداً وحده.
"حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) " وفي بعض الروايات: ((كلهن مثل صلاته)) يعني كأن صلاة الجماعة عن سبعٍ وعشرين صلاة للمنفرد، تفضل تزيد على صلاة الفذ المنفرد بسبعٍ وعشرين درجة، وفي حديث أبي هريرة اللاحق بخمسة وعشرين جزءً، يقول الترمذي: عامة من رواه قالوا: خمساً وعشرين إلا ابن عمر فإنه قال: سبعاً وعشرين، وعلى كل حال روايته في الصحيحين وغيرهما، لا مجال للتردد في روايته، ولا التشكيك في قبولها.
"وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب" في البخاري: وأبي سلمة أيضاً "عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة الجماعة أفضل من صلاة أحدكم وحده بخمسة وعشرين جزءً)) " الجزء والدرجة بمعنىً واحد، اختلفوا في هذا الاختلاف في حديثين صحيحين متفق عليهما، فقال بعضهم: الراجحة الخمسة والعشرين؛ لأن عامة من روى الحديث قال: خمساً وعشرين، تبقى رواية: عبد الله بن عمر وإن كان في الصحيح إلا أنها مرجوحة، وفي الصحيح كما يقول جمعٌ من أهل العلم: صحيح وأصح، وقيل: المرجح السبع؛ لأنها زيادة والزيادة من الثقة مقبولة، ومنهم من قال: العدد لا مفهوم له، لكن الأصل أن العدد له مفهوم ما لم يعارض مفهومه بمنطوق أقوى منه، أما إذا عورض فلا عبرة بالمفهوم؛ لأن المنطوق أقوى من المفهوم.

(21/2)


هناك من جمع بين هذه الروايات وهذه الأحاديث فحمل السبعة والعشرين على أحوال والخمسة والعشرين على أحوال، قال بعضهم: لعله أخبر بالخمس أولاً، ثم زيدت زيادة درجتين تفضل من الله -جل وعلا-، ومنهم من قال: السبع للأعلم الأخشع في صلاته، والخمس لمن كانت حاله بضد ذلك، منهم من يقول: السبع لمدرك الصلاة كلها مع الجماعة، والخمس لمدرك بعضها، وقيل: السبع لجماعة المسجد والخمس للجماعة في غير المسجد، وقيل: السبع الصلاة الجهرية والخمس الصلاة السرية، المقصود أن اللفظين ثابتان عن النبي -عليه الصلاة والسلام- السبع والخمس، وإذا أمكن الجمع تعين، منهم من يقول: السبع للبعيد عن المسجد والخمس للقريب منه، المقصود أن أهل العلم أبدوا وجوهاً من الجمع كلها تدل على أن من فضّل في هذه الوجوه لا شك أنه أفضل، الأعلم الأخشع أفضل من .. ، صلاته أكثر أجر من ضده، مدرك الصلاة من أولها أكثر أجراً من مدرك بعضها وهكذا، البعيد من المسجد كثرة الخطا أفضل من القريب منه، والحديث يستدل به من يرى عدم وجوب صلاة الجماعة؛ لأن (أفضل) صيغة تفضيل، وأفعل التفضيل تقتضي أن هناك شيئين اشتركا في شيء وهو إيش هنا؟ الفضل، اشتركا في الفضل، لكن زاد أحدهما فيه على الآخر، فصلاة الجماعة فاضلة وصلاة الفذ فاضلة إلا أن فضل صلاة الجماعة أكثر من فضل صلاة الفذ المنفرد، هذه حجة من يقول بأن صلاة الجماعة ليست بواجبة، لكن هذا يرد على قول من يقول: صلاة الجماعة شرط، أما من يقول: واجبة، مسقطة للطلب ترتب عليها آثارها من الأجور الموعود بها، لكن لا يمنع أن يأثم بترك الجماعة؛ لأن الجهة منفكة للأدلة الأخرى.

(21/3)


أقول: هذا الكلام الذي أبداه من يقول بعدم وجوب صلاة الجماعة إنما يرد على قول من يقول: إن صلاة الجماعة شرط؛ لأنها إذا كانت شرط فصلاة الفذ باطلة ليس فيها فضل البتة، لكن الذي يقول: هي واجبة يأثم بتركها، وإذا صلاها منفرد أجزأته، أسقطت الطلب، وترتبت عليها آثارها من الأجور الموعود عليها، لكن أجرها أقل من أجر .. ، ولا يمنع أن يكون أيضاً مع هذه الأجور آثم؛ لأنه يكون مأجور من وجه، وآثم من وجه، يعني صلاة من صلى وفي يده خاتم ذهب صلاته صحيحة ومسقطة للطلب، وأجرها ثابت، لكن يبقى أنه آثم بسبب ما ارتكبه من المحظور، وهنا آثم بسبب ما أخل به من المأمور الواجب، فلا يرد مثل هذا على من يقول بالوجوب عند من لا يبطلها، الذي يرى أن الجهة منفكة الذي لا يبطلها؛ لأن معروف الخلاف فيها قوي.
الحديث الذي يليه: "وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((والذي نفسي بيده)) " هذا قسم من النبي -عليه الصلاة والسلام-، فيجوز الحلف على الأمور المهمة من غير استحلاف، من غير طلب لليمين إذا كان الأمر مهم يحتاج إلى تأكيد ((والذي نفسي بيده)) ((نفسي)) معناها: روحي، و ((بيده)) فيها إثبات اليد لله -عز وجل- على ما يليق بجلاله وعظمته، وأكثر الشراح يقولون: "روحي في تصرفه" ولا شك أن أرواح العباد في تصرف الله -جل وعلا-، في تصرف الله -عز وجل-، لكن بعضهم يقول ذلك فراراً من إثبات اليد لله -عز وجل-، وهي ثابتةٌ بنصوص الكتاب والسنة القطعية، لا مجال لنفيها، على ما يليق بجلاله وعظمته.
((لقد هممت)) (اللام) واقعة في جواب القسم ((لقد هممت)) الهم مرتبة من مراتب القصد.
مراتب القصد خمسٌ هاجسٌ ذكروا ... فخاطرٌ فحديثُ النفس فاستمعا
يليه همٌ فعزمٌ كلها رفعت ... إلا الأخير ففيها الأخذ قد وقعا

(21/4)


قد يقول قائل: هذا هم، ولو كان حتماً لازماً لنفذ النبي -عليه الصلاة والسلام-، يقال: النبي لا يهمُّ إلا بما يجوز له فعله، لا يهمُّ النبي بارتكاب محظور؛ لأن التحريق محظور في الأصل، ولولا أنه يجوز له فعله لما همَّ به، وعدل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن التنفيذ لولا ما في البيوت من النساء والذرية، فالأمر ليس بالسهل.
((لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب –في روايةً: يحتطب- ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ثم أخالف إلى رجال فأحرق –أخالف: آتيهم من خلفهم- فأحرق -بالتشديد للتكثير- عليهم بيوتهم)) وهذا مخصص لما جاء من النهي عن التعذيب بالنار ((أحرق عليهم بيوتهم)) وفيها أيضاً العقوبة بالمال، ((والذي نفسي بيده)) قسمٌ آخر ((لو يعلم أحدهم)) يعني أحد المتخلفين عن هذه الصلاة ((أنه يجد عظماً سميناً)) في البخاري: ((عرقاً سميناً)) والعرق: هو العظم الذي عليه لحم ((أو مرماتين حسنتين)) مرماتين قال الخليل: "هما ما بين ظلفي الشاة" لكن ظلفي الشاة ويش بينهن؟ بينهن شيء؟ في شيء بينهن؟ ويمكن أن توصف بالحسن؟ بين الظلفين شيء يمكن أكله؟ ما بينهن شيء، هذا كلام الخليل، لكن حكاه أبو عبيد عنه وقال: لا أدري ما وجهه، لكن هذا من عندي لو قال: ضلعي الشاة، ما بين ضلعي الشاة، بدل ظلفي، بينهن شيء؟ بينهن، وحسن أيضاً بعد، نعم.
طالب:. . . . . . . . .
ويش رواية؟! هو كلام الخليل ما فيه رواية، تفسير للمرماتين.
طالب:. . . . . . . . .
وين؟
طالب:. . . . . . . . .
هو تشكيك أبو عبيد يقول: كذا قال، ولا أدري ما وجهه، والواقع يشهد أنه ما له وجه، ما بين ظلفي الشاة شيء، فضلاً عن كونه بيستيقظ من النوم ولا يدفعه إلا ما بين ظلفي الشيء، ما فيه من حسن أبد، يعني لا يراد به حقيقة ما بين الظلفين، لكن إذا أمكن توجيهه، ليش أنا أربط نفسي بالظلفين؟ والتصحيف محتمل بين ظلفي وضلعي يعني المسألة يسيرة.
بعضهم يقول: المرماتين لعبة كانوا يلعبون بها، يلعبونها، ويبعد ذلك للتثنية، لو أراد ذلك قال: مرماةً حسنة تصير لعبة صحيح، لكن مرماتين لعبتين؟! إيش الفائدة من التثنية؟.

(21/5)


((لشهد العشاء)) يعني مع الجماعة، هذا فيه تهديد لمن ترك صلاة الجماعة، والتحريق عليهم بالنار ليس بالسهل، والعدول عن هذا التحريق لا يعني أنه نسخٌ له، وإنما هو معلل ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية)) هؤلاء ما لهم ذنب، كيف تحرق البيوت؟ فدل على وجوب صلاة الجماعة، وتأكد الوجوب والاهتمام بشأنها.
الإمام البخاري ترجم: "باب: وجوب صلاة الجماعة، وقال الحسن: إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقةً لم يطعها" تخاف على ولدها، لا تصورون أن الشوارع الآن في الليل مثل النهار، لا، هناك مصابيح، العشاء والفجر مخيف، الوضع مخيف للصغار وبعض الكبار، ما يختص بالصغار، لكن لو قالت له أمه: إني أخاف عليك يطيعها وإلا ما يطيعها وهي أمه؟ فكيف يطيع غيرها؟ لا يطيعها، لكن هو إذا خشي على نفسه أن يجن مثلاً؛ لأن الظلام بعض الناس من شدة الخوف قد يصاب بشيء، نقول: هذا عذر له في ترك الجماعة؟ هو ما في شك أن المخوف مظنون وليس بمقطوعٍ به، إذا خشي أن يتعرض لسبع مثلاً، هنا مستجدات الآن إذا قالت الأم أو قال الأب: لا يطلع الولد، ما لازم يصلي بالمسجد؛ لأن هناك رفقة سوء يبي يجتالونه في الشارع، لا سيما وقد لوحظ أنه يتخلف مع كل فرض نصف ساعة وين يروح؟ نقول: هذا مبرر لترك صلاة الجماعة؟ لا تظن أنت أن الناس كلهم على حدٍ سواء يصلون في المساجد اللي .. ، اللي بيروح ويجي ويشرق ويغرب، ما يلزم أن يكون في نفس المسجد، ولا شك أن الوضع في هذا الزمان، التربية في غاية الصعوبة، فهل له أن يمنع ولده من الخروج لصلاة الجماعة ارتكاباً لأخف الضررين؟ لأن هذا يغلب على الظن، .... الشباب ما هم تاركينه، تعرفون عاد وضع الناس اليوم، الإنسان يحرص أن يربي أولاده وبيته نظيف ما فيه شيء، لكن الجيران عندهم ما عندهم، ومن أيسر الأمور أن يقول له زميله في المدرسة: أنت الآن كبرت يا أخي إلى متى يتصرفون بك؟ صحيح، وعلى شوية شوية يروح للبقالة يروح كذا يمين يسار، حتى .. ، الله المستعان.

(21/6)


يعني لوحظ بعض الأشياء من هذه، فهل هذا مبرر لترك الجماعة؟ يعني من باب ارتكاب أخف الضررين، إن كان شفقة عليه على بدنه لا ليس مبرر، أبداً ما على. . . . . . . . .، وإن كانت شفقة الأم قد تصل إلى هذا الحد كما في الأثر الذي ذكره البخاري، أما والله خوف على دينه وخوف على سلوكه وعلى كذا، لا سيما إذا لم يبلغ حد التكليف، إذا غلب على الظن أنه. . . . . . . . . يقال: صل في البيت، والله المستعان.
طالب:. . . . . . . . .
هين القول بأنها سنة كثير، ويستدلون بالحديث السابق، وهو المعروف عند الحنفية والمالكية، الشافعية يقولون: فرض كفاية، أما الحنابلة يقولون بوجوبها، وابن عباس وجمعٌ من أهل العلم يرون أنها أشد من ذلك شرط، الظاهرية وشيخ الإسلام يقولون: شرط لصحة الصلاة، ورواية عن أحمد.
وعلى كل حال شأنها عظيم، وما ورد في التشديد فيها شيء يجعل الإنسان لا يتردد في إثم من تركها.
"وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله عن بسر بن سعيد أن زيد بن ثابت قال: "أفضل الصلاة صلاتكم في بيوتكم إلا صلاة المكتوبة" يعني الصلاة في البيت للنافلة ((أفضل الصلوات صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة)) وظاهره يشمل جميع النوافل بما في ذلك التراويح، وقد مضى في خبر عمر في الصحيح أنه مرَّ بهم وهم يصلون، فالمظنون به أنه يصلي في بيته في آخر الليل، وظاهر هذا يشمل جميع النوافل؛ لأن المراد بالمكتوبة المفروضة، فيبقى ما عداها داخلٌ في عموم هذا الحديث، لكنه محمولٌ على ما إذا لم تشرع، أو ما لم يشرع فيه التجميع كصلاة الكسوف مثلاً، صلاة الكسوف ومثلها التراويح؛ لأنها سنة عمر -رضي الله عنه- الخليفة الراشد، وهو مقتدٍ بفعله -عليه الصلاة والسلام-، ومثلها أيضاً الاستسقاء كل ما شرع له الجماعة مخصوصٌ من هذا الحديث، يعني من باب أولى، أو ما يتصور في خلاف ركعتي المسجد؟ جمهور أهل العلم على أنها نافلة، جماهير أهل العلم على أنها نافلة، ونقل عليها الاتفاق، يعني هل تدخل في هذا الحديث: ((إلا المكتوبة))؟ هي ليست مكتوبة، والبيت أفضل إذاً صلِ تحية المسجد في البيت، يتصور هذا؟ يا أخي عموم الحديث مخصوص بأمور من أوضحها تحية المسجد.

(21/7)


طالب:. . . . . . . . .
ويش فيها؟ النبي -عليه الصلاة والسلام- قاله في المدينة.
طالب:. . . . . . . . .
تفضيل الصلاة في البيت لحكم ومصالح، يعني النوافل هي أخفى وأبعد عن الرياء، وفيها أيضاً تعليم للنساء والصبيان كيفية الصلاة، فينبغي أن يهتم الإنسان لصلاته في بيته؛ لأن بعض الناس إذا كان في المسجد قد يحسن صلاته أكثر من إحسانه وتحسينه إياها في بيته، ومعروف أن الإنسان إذا دخل البيت طرح الكلفة من كل شيء، نقول: لا يا أخي الصلاة أنت ماثلٌ بين يدي الله -عز وجل-، سواءً كنت في بيتك، في مسجدك، في مكتبك، في أي مكان، حيث ينادى بها، الأصل حيث ينادى بها، لكن إذا ترتب على ترك العمل .. ، في مدرسة وطلعوا المدرسين كلهم والشباب من اللي بيرجعهم، أو مصالح تفوت، أو يخشى عليها من تحريف وتزوير ومشكلة يعني، الحراسة عندهم نصوا على أنها في أقل من هذه الأمور عذر، أما إذا كان مسجد بمعالمه، بمحرابه، بمنارته، بسوره هذا ولو لم يصلَ فيه إلا بالسنة مرة واحدة كنمرة مسجد نمرة مسجد، لكن كونه يصلى فيها الصلوات الخمس أو مرة في اليوم أو مرتين هذا ما له دخل، المقصود أنه مسجد، والله المستعان.
سم.
"باب: ما جاء في العتمة والصبح:
عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح، لا يستطيعونهما)) أو نحو هذا.
عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي صالح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما رجل يمشي بطريق إذ وجد غصن شوك على الطريق فأخره فشكر الله له فغفر له)) وقال: ((الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله)) وقال: ((لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا)).

(21/8)


عن مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن عمر بن الخطاب -رضي الله تعالى عنه- فقد سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح، وأن عمر بن الخطاب غدا إلى السوق ومسكن سليمان بين السوق والمسجد النبوي فمر على الشفاء أم سليمان فقال لها: لم أر سليمان في الصبح، فقالت: إنه بات يصلي فغلبته عيناه، فقال عمر -رضي الله عنه-: لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إلى من أن أقوم ليلة.
عن مالك عن يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم عن عبد الرحمن بن أبي عمرة الأنصاري أنه قال: جاء عثمان بن عفان -رضي الله تعالى عنه- إلى صلاة العشاء فرأى أهل المسجد قليلاً فأضطجع في مؤخر المسجد ينتظر الناس أن يكثروا، فأتاه ابن أبي عمرة فجلس إليه فسأله من هو؟ فأخبره، فقال: ما معك من القرآن؟ فأخبره، فقال له عثمان: من شهد العشاء فكأنما قام نصف ليلة، ومن شهد الصبح فكأنما قام ليلة"
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في العتمة" التي هي العشاء "والصبح" الفجر يعني من مزيد الفضل والتأكيد.
"حدثني يحيى عن مالك عن عبد الرحمن بن حرملة -بن عمر- الأسلمي -المدني- عن سعيد بن المسيب أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بيننا وبين المنافقين شهود العشاء والصبح)) " وجاء أيضاً: ((أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والصبح)) ((بيننا وبين المنافقين)) علامة، علامة فارقة بين المخلص والمنافق، وهي شهود العشاء والصبح، لما فيهما من المشقة؛ لأنهم يقومون إلى الصلاة كسالى، وإذا وجدت المشقة امتنع القيام إليها مع الكسل، لكن من يقوم بهمة وعزيمة ونشاط لا تعوقه هذه المشقة ((لا يستطيعونهما)) لأن المسألة فيها تعارض قيام مع ضعف ومشقة، تعارض بين هذا القيام مع الضعف {لاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى} [(54) سورة التوبة] مع وجود المشقة، فإذا تعارض هذا القيام الضعيف مع وجود المشقة ترجحت المشقة، وتركوا الصلاة، لكن القيام بهمة وعزيمة لمن قلبه معلق بالمساجد، أو لمن يرى أنه يرتاح بالصلاة.

(21/9)


"وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن -بن الحارث بن هشام- عن أبي صالح -ذكوان السمان- عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((بينما)) بالميم، وأصلها بين فأشبعت بالنون وزيدت الميم ((بينما رجل يمشي بطريق إذ وجد غصن شوك على الطريق فأخره -أزاله نحاه عن الطريق- فشكر الله له)) شكر أثنى عليه رضاً بفعله، وإزالة الأذى عن الطريق صدقة، وهي أيضاً شعبة من شعب الإيمان، إزالة الأذى عن الطريق ((فغفر له)) جازاه بالمغفرة بعد أن أثنى عليه بصنيعه، ورضي عن فعله جازاه بالمغفرة "وقال" يعني من تتمة الخبر: ((الشهداء خمسة: المطعون والمبطون والغرق)) المطعون الميت بالطاعون، والمبطون الذي علته سبب موته في بطنه، والغرق من مات في الماء، ((وصاحب الهدم)) من مات تحت الأنقاض ((والشهيد في سبيل الله)) وهو من قاتل لإعلاء كلمة الله، صاحب الهدم بعضهم يلحق حوادث السيارات بالهدم، يعني كأن السيارة تهدمت عليه، ولا شك أنه إذا لم يفرط وحصل له مثل الحادث الذي يموت بسببه لا سيما إذا كانت السيارة انطبقت عليه، أو ما أشبه ذلك فهو مثل الهدم، في معناه ((وصاحب الهدم، والشهيد في سبيل الله)) يعني من قاتل لإعلاء كلمة الله، وكلهم شهداء، لكن الشهيد أو الشهداء أنواع، فمنهم شهيد الدنيا، ومنهم شهيد الآخرة، ومنهم شهيد الدنيا والآخرة، فشهيد الدنيا تجرى عليه الأحكام في الدنيا، فلا يغسل، يدفن بثيابه، لكن ليس له ما وعد به الشهداء من الأجر؛ لكونه ارتكب مخالفاً، لكونه غل أو .. ، ارتكب مخالف، الشهيد في الآخرة مثل هؤلاء: المطعون والمبطون والغرق وصاحب الهدم يغسلون ويكفنون ويصلى عليهم كغيرهم من الأموات، شهيد الدنيا والآخرة من مات في سبيل الله لإعلاء كلمة الله.
وجاء في فضل الشهادة في سبيل الله أحاديث، وأنها تكفر كل شيء إلا الدين، وجاء في الترغيب في تقديم النفس والمهجة لله -عز وجل- ما جاء من النصوص من نصوص الكتاب والسنة ما لا يخفى.

(21/10)


"وقال: ((لو يعلم الناس ما في النداء)) " الذي هو الأذان، يعني عند المشاحاة، أو عند استواء الأوصاف كما تقدم ((والصف الأول)) يعني لو دخل اثنين دفعة مثلاً، وفي فرجة تسع واحد ((ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا -يقترعوا- عليه لاستهموا)) اقترعوا، تصير القرعة مرجح ((ولو يعلمون ما في التهجير -البدار والمبادرة إلى الصلاة- لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح -أي العشاء والفجر- لأتوهما ولو حبوا)) على اليدين والركبتين، كما يفعل الصبي، وقد أدركنا أناس كبار السن ليس عندهم من يخدمهم، وليست هناك آلات تيسر عليهم وصولهم إلى المسجد يجيئون إلى المسجد حبواً، والآن الإنسان ممتع بكامل القوى، منعم بأنواع النعم، ويتأخر عن الصلاة، وكثرت الشكاوى عن ترك الصلاة من النساء المتزوجات، أسئلة لا يكاد يمر يوم وإلا وامرأة تشتكي أن زوجها لا يصلي.
ذكرنا مراراً أن شخصاً من علماء المغرب يقول: إن الخلاف في حكم تارك الصلاة مسألة نظرية، لا واقع لها، وقال: مثل ما يقول أهل الفرائض: مات شخص عن مائة جدة وألف جدة يعني لتمرين الطلاب عليها فقط، والله المستعان.

(21/11)


"وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن أبي بكر بن سليمان بن أبي حثمة أن عمر بن الخطاب فقد -أباه- سليمان بن أبي حثمة في صلاة الصبح، وأن عمر بن الخطاب غدا إلى السوق ومسكن سليمان بين السوق والمسجد النبوي" يعني قريب جداً، قريب جداً المسجد، فقده في صلاة الصبح، يعني ما يقال: هذا بعيد احتمال أنه راح يمين يسار صلى بمسجد .. ، لا، هذا قريب من المسجد "فمر" عمر "على الشفاء" بنت عبد الله بنت عبد شمس العدوية "أم سليمان" المذكور "فقال لها: لم أر سليمان في الصبح" فيه أن الإمام يتفقد الرعية، وليس هذا ببدعة كما يقول بعضهم يتفقد الرعية، المتخلف يزار، وينظر في سببه تخلفه، ولو سلكت هذه السنة لخف الأمر إلى حدٍ كبير؛ لأن معرفة المتخلف لا تمكن إلا بالعدد أحياناً مع كثرة العدد "فقال لها: لم أر سليمان في الصبح، فقالت: إنه بات يصلي" بات يصلي كل الليل أو جل الليل فتعب "فغلبته عيناه، فقال عمر -رضي الله عنه-: لأن أشهد صلاة الصبح في الجماعة أحب إلى من أن أقوم ليلة" لماذا؟ لأن القيام سنة والجماعة واجبة، ولا مفاضلة بين السنة والواجب.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد –الأنصاري- عن محمد بن إبراهيم -بن الحارث التيمي- عن عبد الرحمن بن أبي عمرة -بشير- الأنصاري -الخزرجي- أنه قال: جاء عثمان بن عفان إلى صلاة العشاء فرأى أهل المسجد قليلاً -ما اكتملوا- فأضطجع في مؤخر المسجد ينتظر الناس أن يكثروا" رفقاً بهم لئلا يفوتهم هذا الفضل العظيم، فعلى الإمام أن يلحظ حال الجماعة إذا اكتملوا أقيمت الصلاة، إذا لم يجتمعوا انتظر، لكن لا يكون هذا دافع لبعضهم على التخلف إذا عرف من حالهم الحرص، أما إذا تأخر هذا اليوم ينتظرهم وتأخروا مرة ثانية من الغد وبعده زادوا في التأخر وهم يتبعون هذه الإقامة هذه إعانة لهم على الكسل، وصنيع عثمان -رضي الله عنهم- رفقاً بهم خشية أن تفوتهم صلاة الجماعة فيفوتهم ثوابها.

(21/12)


"فأتاه ابن أبي عمرة فجلس إليه فسأله" فأتاه ابن أبي عمرة الأصل أن يقول: فأتيتُ إليه لأنه هو المتحدث هو الراوي، فهذا فيه التفات، وقد يقال: فيه تجريد، يعني جرد من نفسه شخصاً تحدث عنه يسمونه إيش؟ تجريد "فجلس إليه فسأله من هو فأخبره، فقال: ما معك من القرآن؟ " أيضاً هذا تفقد لأفراد الرعية، حث على حفظ القرآن، وهذا أولى ما ينبغي السؤال عنه "ما معك من القرآن؟ فأخبره" بما معه "فقال له عثمان: من شهد" يعني صلى العشاء، وإلا أنت حين حضرت لصلاة العشاء فأبشر فإن من شهد العشاء "فكأنما قام نصف ليلة، ومن صلى الصبح" يعني في جماعة والعشاء في جماعة "فكأنما قام ليلة" وهو مرفوع أيضاً في الصحيح، في صحيح مسلم وغيره، والله المستعان، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(21/13)


الموطأ - كتاب صلاة الجماعة (2)
شرح: باب: العمل في صلاة الجماعة، وباب: إعادة الصلاة مع الإمام، وباب: صلاة الإمام وهو جالس، وباب: فضل صلاة القائم على صلاة القاعد، وباب: ما جاء في صلاة القاعد في النافلة، وباب: الصلاة الوسطى، وباب: الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد، وباب: الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار.

الشيخ/ عبد الكريم بن عبد الله الخضير
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نعم، سم.
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء.
قال الإمام يحيى -رحمه الله تعالى-: "باب: إعادة الصلاة مع الإمام:
عن مالك عن زيد بن أسلم عن رجل من بني الديل يقال له: بسر بن محجن عن أبيه محجن -رضي الله تعالى عنه- أنه كان في مجلس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأذن بالصلاة، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى ثم رجع ومحجن في مجلسه لم يصلِ معه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما منعك أن تصلي مع الناس ألست برجل مسلم؟ )) فقال: بلى يا رسول الله، ولكني قد صليت في أهلي، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا جئت فصل مع الناس وإن كنت قد صليت)).
عن مالك عن نافع أن رجلاً سأل عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- فقال: إني أصلي في بيتي ثم أدرك الصلاة مع الإمام أفأصلي معه؟ فقال له عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما-: نعم، فقال الرجل: أيتهما أجعل صلاتي؟ فقال له بن عمر: أو ذلك إليك؟ إنما ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء.
عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً سأل سعيد بن المسيب فقال: إني أصلي في بيتي ثم آتي المسجد فأجد الإمام يصلي أفأصلي معه؟ فقال سعيد: نعم، فقال الرجل: فأيهما صلاتي؟ فقال سعيد: أو أنت تجعلهما إنما ذلك إلى الله.

(22/1)


عن مالك عن عفيف السهمي عن رجل من بني أسد أنه سأل أبا أيوب الأنصاري -رضي الله تعالى عنه- فقال: إني أصلي في بيتي ثم آتى المسجد فأجد الإمام يصلى أفأصلي معه؟ فقال أبو أيوب: نعم فصل معه، فإن من صنع ذلك فإن له سهم جمع، أو مثل سهم جمع.
عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: من صلى المغرب أو الصبح ثم أدركهما مع الإمام فلا يعد لهما، قال مالك -رحمه الله-: ولا أرى بأساً أن يصلي مع الإمام من كان قد صلى في بيته إلا صلاة المغرب فإنه إذا أعادها كانت شفعاً".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: إعادة الصلاة مع الإمام" يعني لمن صلى منفرداً، صلى منفرداً إما ظاناً أن الصلاة قد انتهت ثم وجدهم يصلون، أو مخالفاً متكاسلاً صلاها ثم ندم على ذلك يصلي مع الجماعة.

(22/2)


يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن رجل من بني الديل" بكسر الدال وسكون الياء، قال بعضهم: بضم الدال وكسر الهمزة دُئل الدئل أو الديل قولان معروفان عند أهل العلم "يقال له: بسر بن محجن" الديلي تابعي صدوق "عن أبيه محجن" بن أبي محجن الديلي صحابي "أنه كان في مجلس مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأذن بالصلاة، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى ثم رجع" فأذن المراد بالأذان هنا الإقامة للعطف بالفاء، فقام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فصلى، ولأنه لو كان الأذان للزم من ذلك أن يكون محجن قد صلى قبل الوقت "ثم رجع ومحجنٍ في مجلسه لم يصل معه، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما منعك أن تصلي مع الناس .. )) " يعني اللي صلوا معه -عليه الصلاة والسلام-، ((ألست برجل مسلم؟ )) ألست برجل؟ لأن المرأة لا يلزمها جماعة، ومسلم لأن الكافر لا تصح منه صلاة ((ألست برجلٍ مسلم؟ )) وهذا الاستفهام يحتمل معناه الأصلي وهو أنه يسأله عن حقيقة حاله أمسلمٌ هو أم لا؟ لأنه لا يعلم عن حاله شيئاً وهذا احتمال، والاحتمال الآخر: أنه أراد بذلك التوبيخ وهو أظهر "فقال: بلى يا رسول الله ولكني قد صليت في أهلي" ظناً منه أن الجماعة لا تعاد، ولم يبلغه ما ورد في فضل الإعادة "فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا جئت فصل مع الناس)) " فصلِ مع الناس، وظاهر هذا الأمر يشمل جميع الصلوات، ويأتي الخلاف في ذلك ((فصلِّ مع الناس وإن كنت قد صليت)) وهذا فيه دليلٌ على أن من قال: صليت أنه يدين بذلك ولا يستحلف، إذا قلت: صل يا فلان قال: قد صليت، يدين بذلك، لكن إذا غلب على الظن أنه لم يصل لا بد أن يتثبت في أمره، وإلا لو قبلت هذه الحجة على إطلاقها تنصل كثير من الناس من هذه العبادة العظيمة الشعيرة، ركن الإسلام الأعظم بعد الشهادتين، فإذا غلب على الظن أنه لم يصل يتثبت من أمره، أما إذا كان ظاهره الصلاح وأنه صادق في دعواه يدين.

(22/3)


كذلك الأولاد إذا قيل له: هل صليت؟ يتثبت من أمره، لا سيما إذا عرف من حالهم أنهم قد يكذبون، قد يقصرون في أداء هذه الشعيرة، ((وإن كنت قد صليت)) يعني أثبت صلاته الأولى، وأنها صلاة مجزئة صحيحة مسقطة للطلب، وعلى هذا فالصلاة الثانية نافلة والأولى هي الفريضة، وقال بعضهم بالعكس، وابن عمر -كما سيأتي في الخبر الذي يليه- رد ذلك إلى الله -عز وجل-.

(22/4)


لذا قال: "وحدثني عن مالك عن نافع أن رجلاً سأل عبد الله بن عمر فقال: إني أصلي في بيتي ثم أدرك الصلاة مع الإمام أفأصلي معه؟ فقال له عبد الله بن عمر: نعم" يعني صل معه "فقال الرجل: أيتهما أجعل صلاتي؟ " يعني الفريضة فريضة الوقت "فقال له ابن عمر: أو ذلك إليك؟ إنما ذلك إلى الله يجعل أيتهما شاء" هذا جوابه، فيه توقف من ابن عمر ثم جزم بعد ذلك على ما سيأتي، فهل مثل هذا الكلام سائغ؟ يمكن أن يستدل به على مسائل إذا تردد فيها الإنسان أو قوي فيها الخلاف، مثلاً: يقرأ القرآن ويهدي ثوابه إليه، فيقال له مثلاً يقول له من لا يرى ذلك يقول: هذا يا أخي لم يرد به أثر، يقال له: هذا لم يرد به أثر، فيقول: الأمر إلى الله إن شاء صرف الثواب له وإلا رده إلي، حكمٌ عدل لن يضيع الثواب، فهل يمكن أن يقال مثل هذا؟ أو نرجع إلى القواعد الثابتة المقررة في الشرع ونجزم بالحكم الشرعي؟ يعني لو شخص قرأ القرآن وأهدى ثوابه لوالديه، فقال له من لا يرى ذلك؛ لأن من أهل العلم من يرى أن أي قربة فعلها وأهدى ثوابها لحيٍ أو ميت وصلت، هذا قول عند أهل العلم معروف، ومنهم من يقصر ذلك على الوالد، الوالد فقط، وليس منه قراءة القرآن، وهذه مسألة واقعة، فأهدى ثواب القراءة لوالديه وقال .. ، فقيل له فقال: الله -جل وعلا- لن يضيع السعي والعمل، إن قبلها للمهدى له وإلا ردها علي لن تضيع، هذه نظير مسألتنا، أو نقول: نرجح من خلال ما وردنا من أدلة والراجح هو الذي يعمل به ويفتى به، أيتهما شاء إن شاء جعل الأولى فريضة وإن شاء جعل الثانية، لكن يترتب على هذا أمور، التردد هذا لو تبين أن الأولى التي صلاها باطلة مثلاً صلاها بدون طهارة ناسياً هل نقول: إن الله -سبحانه وتعالى- جعل الثانية مكانها؟ أو نقول: الأولى هي الفريضة باطلة والثانية نافلة أو العكس؟ يعني رد .. ، كونك تكل الأمر إلى الله -عز وجل- في أمرٍ متردد فيه بين أمرين ومحسوم بالشرع، قال ابن حبيب: معناه أن الله يعلم التي يتقبلها، فأما على وجه الاعتداد بها فهي الأولى التي هي الفريضة، ومقتضاه أن يصلي الصلاتين بنية الفرض، مقتضى كلام ابن عمر أنه يصلي الصلاتين بنية الفرض، ولو صلى إحداهما بنية النفل لم يشك

(22/5)


في أن إيش؟ أن الأخرى فرض، مقتضاه أن يصلي الصلاتين بنية الفرض ولو صلى إحدهما بنية النفل، أن الأخرى فرض، قاله الباجي كيف؟ يعني لو صلى الأولى بنية النفل ثم صلى ثانية هي فرض بلا شك هذه، لكن صلى الأولى بنية الفرض والنية الثانية بنية النفل تكون الأخرى هي الفرض؟ كيف يقول الباجي: "لم يشك أن الأخرى فرض؟ "
طالب:. . . . . . . . .
الثانية ما هي بالأخيرة، الأخرى يعني مقابل النافلة ليس مقابل الأولى.
وروى ابن أبي ذئب عن نافع أن ابن عمر قال: إن صلاته الأولى يعني الفرض، صلاته الأولى إيش معنى صلاته؟ فريضته الأولى، صلاته صلاة الوقت، وظاهره مخالفٌ لرواية مالك فيحمل على أنه تغير اجتهاده.
"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً سأل سعيد بن المسيب فقال: إني أصلي في بيتي ثم آتي المسجد فأجد الإمام يصلي أفأصلي معه؟ فقال سعيد: نعم، فقال الرجل: فأيهما صلاتي؟ فقال سعيد: أو أنت تجعلهما إنما ذلك إلى الله -عز وجل-" أجاب بما أجاب به ابن عمر -رضي الله عنه-، في المسألة خلاف بين أهل العلم، وهما مبنيان على صحة رفض الصلاة بعد فراغها، بعد الفراغ منها، بعد الفراغ منها هل يمكن رفضها أو لا يمكن؟ على كل حال على القول بأن الصلاة لا ترفض فالأولى فرضه شاء أم أبى، وإن قلنا: ترتفض جاز أن يقال بالقول الأول، وهو أن فريضته الثانية، وهو قول طائفة من أصحاب مالك وغيره.

(22/6)


يقول: "وحدثني عن مالك عن عفيف بن عمرو السهمي عن رجل من بني أسد أنه سأل أبا أيوب -خالد بن زيد بن كليب- الأنصاري -البدري- فقال: إني أصلي في بيتي ثم آتى المسجد فأجد الإمام يصلى أفأصلي معه؟ فقال أبو أيوب: نعم فصل معه، فإن من صنع ذلك فإن له سهم جمع، أو مثل سهم جمع" والخلاف في هذا الكلام كثير، فمنهم من يقول: إن المراد به أنه يضعف له الأجر، يعطى الأجر مرتين، يجمع له أجرٌ آخر مع أجره السابق، وقيل: إنه يكون له مثل أجر المجاهد؛ لأن الجمع الجيش {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ} [(45) سورة القمر] {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ} [(61) سورة الشعراء] فيكون له مثل أجر المجاهد، يعني واحد من أفراد الجمع الذي هم الجيش، أغرب بعضهم فقال: له مثل أجر من بات بمزدلفة؛ لأنها جمع، بُعد إغراب، يعني الأقرب أن له سهم جمع، يعني يدرك الجماعة في ذلك كمن صلى في جماعة، هذا أقرب ما يمكن؛ لأن الموضوع كله في إدراك الجماعة وعدمها، وهو صلى منفرد، وأعاد الصلاة مع الجماعة مريداً بذلك أجر الجماعة لن يحرمه الله -جل وعلا- من أجر الجماعة، نعم صلاته الفريضة التي يطلب لها الجماعة صلاها منفرداً، لكن إعادته لها تدل على أنه حريصٌ على الجماعة، فلن يحرمه الله -جل وعلا- عن ثواب الجماعة -إن شاء الله تعالى-.
"وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان يقول: من صلى المغرب أو الصبح ثم أدركهما مع الإمام فلا يعد لهما" من صلى المغرب أو الصبح يعني منفرداً ثم أدركهما مع الإمام فلا يعد لهما للنهي عن الصلاة بعد الصبح لأنه صلى الصبح، وهو منهي أن يصلي بعد صلاة الصبح حتى تطلع الشمس؛ ولأن النافلة لا تكون وتراً وصلاة المغرب وتر، وإلى هذا ذهب الأوزاعي والحسن والثوري، ولم يذكر ابن عمر العصر، وإن كان النهي عن الصلاة بعدها مثل النهي عن الصلاة بعد الصبح، قالوا: لأن ابن عمر يرى أن النهي بعد العصر إنما يكون بعد الاصفرار.

(22/7)


"قال مالك -رحمه الله-: "ولا أرى بأساً أن يصلي مع الإمام من كان قد صلى في بيته -أو في غيره في دكانه في عمله- إلا صلاة المغرب -فإنه لا يعيدها- فإن إذا أعادها كانت شفعاً" فينافي ما يتقدم من أنها وترُ النهار، كيف تكون شفع؟ ست ركعات والست شفع، علل محمد بن الحسن عدم إعادة المغرب بأن الإعادة نافلة ولا تكون النافلة وتراً، علل محمد بن الحسن عدم إعادة المغرب بأن الإعادة نافلة والتنفل لا يكون بوتر، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
عموماً ما في وتر إلا الوتر المعروف، يعني لو صلى ثلاث الضحى ما هو في ليل في نهار، ولذلك الوتر إذا قضي يقضى شفع، فلا وتر إلا الذي يعقب صلاة التهجد المعروف وصلاة المغرب فقط، طيب هل يقضي على هذا لو قيل له: زد ركعة؟ تعليل محمد بن الحسن لئلا تكون نافلته وتراً إما يزيد ركعة أو ينقص ركعة يقضي على هذا؟ لو شخص دخل المسجد فاتته الصلاة وأراد من يتصدق عليه صلاة المغرب، صلاة المغرب فاتته، وأراد من يتصدق عليه، من يتصدق علي؟ قال شخص: أنا، هل يصلي ثلاث أو ينقص واحدة أو يزيد واحدة لئلا تكون وتراً؟ لئلا يدخل في مخالفة: ((صلاة الليل مثنى مثنى))؟ قال أبو عمر: هذه العلة أحسن من تعليل مالك؛ لأن مالك يقول: فإنه إذا أعادها كانت شفعاً، وتعليل محمد بن الحسن يقول: إنه أحسن من تعليل مالك، وهذا من إنصاف ابن عبد البر -رحمه الله-، وحفظ عنه مسائل خالف فيها الإمام مالك، مسائل معروفة من المسائل الكبار، يعني أقول: منها أو من أوضحها تفضيل المدينة على مكة عند مالك، ابن عبد البر يرى العكس قول الجمهور، هذا معروف عند المالكية.
وقال الشافعي: تعاد الصلوات كلها لعموم حديث محجن، حديث محجن الذي تقدم ما فيه تنصيص على صلاة بعينها ((إذا جئت فصلِّ مع الناس وإن كنت قد صليت)) صل مع الناس أي صلاة مقتضاه، أيضاً حديث: ((من يتصدق على هذا؟ )) في صلاة الصبح، وإن كان بعد صلاة الصبح نهي لكن هذا سبب للإعادة.

(22/8)


قال الشافعي: تعاد الصلوات كلها لعموم حديث محجن السابق إذ لم تخص صلاة من غيرها، وقال أبو حنيفة: لا يعيد الصبح ولا العصر ولا المغرب لما تقدم؛ لأن الصبح بعدها وقت نهي، والعصر بعدها وقت نهي والمغرب وتر، وهو مذهب الحنابلة أن الصبح لا تعاد، والعصر لا تعاد، وكذلك المغرب.
طالب:. . . . . . . . .
الوقتان الموسعان فيهما مندوحة، والنهي عن الصلاة فيهما إنما هو من باب النهي عن الوسائل لا المقاصد، فالأمر فيه. . . . . . . . .، لكن لو جاء هذا الذي فاتته صلاة العصر بعد اصفرار الشمس أو بعد ضيق الوقت أو مع بزوغ الشمس لصلاة الصبح نقول له: لا يا أخي لا نتصدق عليك.
"باب: العمل في صلاة الجماعة:
عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير، وإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)).
عن مالك عن نافع أنه قال: قمت وراء عبد الله بن عمر -رضي الله تعالى عنهما- في صلاة من الصلوات وليس معه أحد غيري فخالف عبد الله بيده فجعلني حذاءه.
ع ن مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً كان يؤم الناس بالعقيق فأرسل إليه عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فنهاه، قال مالك: وإنما نهاه لأنه كان لا يعرف أبوه".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: العمل في صلاة الجماعة:

(22/9)


حدثني يحيى عن مالك عن أبي الزناد -عبد الله بن ذكوان- عن الأعرج -عبد الرحمن بن هرمز- عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إذا صلى أحدكم بالناس -يعني إماماً- فليخفف)) " مع التمام، يخفف مع التمام، ليس معناه أنه يخفف يترك شيء من الواجبات، أو شيء من أركان الصلاة، لا، يخفف مع الإتيان بالصلاة على القدر المطلوب، ومن المعلوم أن التخفيف والتطويل أمور نسبية، يعني إذا قرأ في صلاة الصبح بالسجدة وسورة الإنسان قلنا: طول؟ في عرف كثير من الناس أنه طول، لكن هذا تخفيف؛ لأن الذي قال: ((فليخفف)) قرأ بهما -عليه الصلاة والسلام-، ((فإن فيهم الضعيف -يعني خلقةً- والسقيم -المريض- والكبير -في سنه- وإذا صلى أحدكم لنفسه -منفرداً- فليطول ما شاء)) ((فإذا صلى أحدكم لنفسه فليطول ما شاء)) الضعيف الذي لا يحتمل التطويل لضعف خلقته، والمريض السقيم، وقد كان الصحابة الواحد منهم يؤتى به يهادى بين رجلين ولا يترك الجماعة، والكبير في سنه، من المؤسف أن نجد الكبار أحرص على التطويل من الصغار، بل صلاتنا في عرف كثير من الكبار تلاعب في الصلاة، وسبب ذلك أن الذي يقف بين يدي الله -عز وجل- هو القلب وليس البدن، الآن الشباب إذا زاد الإمام آية أو آيتين تذمروا وتكلموا بعد الصلاة، وقصة رددتها في مناسبات، شخص أدركته جاز المائة، جاز المائة سنة ويصلي خلف إمام قراءته ليس جميلة بمعنى أنه يتلذذ بالقراءة، لا، ويطيل القراءة جداً، يقرأ في التسليمة الواحدة في صلاة التهجد جزء كامل، في يوم من الأيام سمع هذا الإمام شخص يؤذن، يؤذن الأذان الأول كما هو معروف، والأذان علامة إلى أنهم انتهوا من الصلاة، هذا الإمام لما سمع المسجد المجاور يؤذن خفف، فلما سلم ماذا قال له هذا الشيخ الكبير وهو يصلي واقف قائم يصلي؟ تكلم عليه بكلام قوي، وقال: يوم جاء وقت النزول بعبارته، يعني وقت النزول الإلهي تخفف، هي ليالي معدودة، والشباب الله المستعان، انظر ترى، فالذي يقف بين يدي الله -عز وجل- هو القلب، الأقدام آلات، ولذلك تجد هذا الشاب في المواطن التي يرتاح لها عنده استعداد يقف ساعة ساعتين ما يضر، يقف عند باب المسجد يتحدث مع أحد ما يضره ساعة ساعتين ما

(22/10)


فيه إشكال، هذا الحاصل يا الإخوان، لكن هذه المسألة تحتاج إلى علاج، هذا مرض قلبي، إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى، فيه مشابهة بالمنافقين، نسأل الله العافية، ومجانبة عن سنة سيد المرسلين الذي يقول: ((أرحنا بالصلاة)) ولسان حال هؤلاء: "أرحنا من الصلاة" الناس ينتظرون متى يسلم؟.
((وإذا صلى أحدكم لنفسه)) منفرداً من شفقة النبي -عليه الصلاة والسلام- على أمته؛ ولئلا ينفر الناس من الصلاة لا بد من الإتيان بها على الوجه المطلوب المجزئ، وأما التطويل الذي ينفر المأمومين أو يشق عليهم ليس بمطلوب، قال بعضهم: لا يزيد في التسبيح على ثلاث في الركوع والسجود؛ لئلا يشق على المؤمنين، لكن هو يعرف حال المؤمنين، من كان لا يشق عليهم السبع فعل، وإذا كان يشق عليهم يزيد أو ينقص بقدر الحاجة، ويلاحظ حال المأمومين.
((فليطول ما شاء)) ولمسلم: ((فليصلِّ كيف شاء)) يعني مخففاً أو مطولاً، الأمر متروك إليه، لكنه إذا طول وهو منفرد أفضل بلا شك؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قام بالمئين، وقرأ في ركعة البقرة ثم النساء ثم آل عمران، وقام حتى تفطرت قدماه -عليه الصلاة والسلام-.
ابن حجر أشار إلى مسألة: ((فليطول ما شاء)) ليس فيه حد محدد، يعني لو صلى لنفسه وهو منفرد ولا تلزمه جماعة لا يسمع النداء بعد طلوع الصبح مثلاً ((فليطول ما شاء)) هذا الإطلاق يقتضي أنه لو قرأ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام في ركعة والثانية مثل حتى طلعت الشمس إيش الحكم؟ ابن حجر ماذا يقول؟ يقول: استدل به على جواز إطالة القراءة ولو خرج الوقت، وهو مصحح عند بعض أصحابنا، أصحابهم من؟ الشافعية، وفيه نظر لأنه يعارضه عموم قوله في حديث أبي قتادة: ((إنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى)) يسمى تفريط، وبعمومه يشمل ما قبل الدخول وما بعده، ما قبل الدخول في الصلاة وما بعده، إنما التفريط أن يؤخر الصلاة حتى يدخل وقت الأخرى بعمومه يتناول هذه الصورة.

(22/11)


واستدل بعمومه أيضاً على جواز تطويل الاعتدال بعد الركوع وبين السجدتين ((فليطول ما شاء)) يشمل الاعتدال، ومعروف أنهم ينصون على مثل هذه المسألة؛ لأنه عندهم -عند الشافعية- يكره التطويل، تطويل الاعتدال هذا، لا سيما بعد الركوع، بل بعضهم يمنعه، وهو ثابت بلا شك، قام قياماً طويلاً معروف.
"وحدثني عن مالك عن نافع أنه قال: قمت وراء عبد الله بن عمر في صلاة من الصلوات وليس معه أحد غيري" قام وراءه الإمام في صف ثم قام وراءه "فخالف عبد الله بيده فجعلني حذاءه" أي محاذياً له عن يمينه؛ لأنه موقف المأموم الواحد بالنسبة للإمام، يعني جره، خالف بيده جعل يده من خلفه فقدمه وصار بإزائه، كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- بابن عباس، إلا أن موقف ابن عباس في جهة اليسار، وهذا خلف.
طالب:. . . . . . . . .
"أنه قال: قمت وراء عبد الله" ما يلزم أن يكون دخل، لكن الأصل أنه دخل في الصلاة؛ لأنه لو لم يدخل لكان التنبيه بالكلام تقدم، هذا الظاهر وإن كان لا يمنع أيضاً من أن يقدمه بالفعل، على كل حال العموم وارد، يعني كونه يشق على الناس، الناس فيهم الضعيف وفيهم وفيهم .. ، ((أفتانٌ يا معاذ؟ )) فإذا كان يشق عليهم التطويل حتى في النافلة، لكن النافلة القيام له بدل عند العجز، ما هو بالعجز اللي .. ، العجز المشقة، والقيام كما سيأتي في الفريضة ركن من أركانها، فإذا أطال اضطر الناس إلى الجلوس، ووقعوا في المخالفة.

(22/12)


"وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن رجلاً كان يؤم الناس بالعقيق" موضع معروف بالمدينة، أو هو الوادي المعروف وادي العقيق "أن رجلاً كان يؤم الناس بالعقيق فأرسل إليه عمر بن عبد العزيز -رحمه الله- فنهاه عن الإمامة" نهاه عنها لماذا ينهى عن الإمامة؟ نعم إذا لوحظ على الإمام الإخلال بالصلاة أو بما يشترط للإمامة ينهى عنها، هذا إيش ذنبه؟ "قال مالك: وإنما نهاه لأنه كان لا يُعرف أبوه" يقول: فيكره أن يتخذ إماماً راتباً، وجاء في ذمه نصوص، وأنه شر الثلاثة، لكن ما ذنبه في الحقيقة؟ هو لا ذنب له، لا ذنب له، هو شر الثلاثة إن عمل بعمل والديه وإلا إن سلك الجادة، واستقام على دين الله فلا يضير ذلك، لا ذنب له، ولذا من المعروف عند الحنابلة بل بالحرف عندهم يقولون: تصح إمامة ولد الزنا، ويقولون أيضاً: والجندي إذا سلم دينهما بهذا القيد، أما إذا لم يسلم الدين فلا تصح لا لهما ولا لغيرهما على خلافٍ بين أهل العلم في إمامة الفاسق.
على كل حال الخلاف في إمامة الفاسق معروفة، عند الحنابلة لا تصح إمامة الفاسق، ولا تصح خلف فاسق يقولون إيش؟ كملوا؟ "ولا تصح خلف فاسقٍ ككافر" لا تصح الصلاة خلف فاسق عندهم، وإن كان المرجح أن من صحت صلاته صحت إمامته، على كل حال هذا ليس بالعيب ولا قادح؛ لأنه لا علاقة له بما صنع أبواه.
طالب:. . . . . . . . .
لا، هذا حقيقة واقعة ولد زنا، أما أنه قد قيل هين، لكن كونه إمام قد يلفت أنظار الناس من إمامكم؟ ويش ها الإمام؟ ويش اللي عندكم؟ ثم يصير مجال للكلام، وكونه مأموم يعني أستر له.
طالب:. . . . . . . . .
لعل عمر بن عبد العزيز سياسة من هذا الباب، وإلا صلاته صحيحة، وإمامته صحيحة ولا ذنب له، نعم.
"باب: صلاة الإمام وهو جالس:
عن مالك عن بن شهاب عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركب فرساً فصرع فجحش شقه الأيمن، فصلى صلاة من الصلوات وهو قاعد، وصلينا وراءه قعوداً، فلما انصرف قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا ركع فأركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون)).

(22/13)


عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو شاك، فصلى جالساً، وصلى وراءه قوم قياماً فأشار إليهم: أن اجلسوا، فلما انصرف قال: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا ركع فاركعوا، وإذا رفع فارفعوا، وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً)).
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج في مرضه فأتى فوجد أبا بكر وهو قائم يصلي بالناس فاستأخر أبو بكر، فأشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن كما أنت، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنب أبي بكر، فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو جالس، وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: صلاة الإمام وهو جالس" وأورد في ذلك حديث أنس وحديث عائشة أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى جالساً، وصلوا وراءه جلوساً، وفي آخره: ((وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً -أجمعين أو- أجمعون)) وأورد فيه أيضاً إمامة أبي بكر في مرض النبي -عليه الصلاة والسلام-، وخروجه إليهم، وصلاة أبي بكر بصلاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصلاة من خلفه بصلاة أبي بكر.

(22/14)


يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أنس بن مالك" هكذا في جلِّ الروايات روايات الموطأ "يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن أنس" في رواية سويد بن سعيد: عن مالك عن الزهري عن الأعرج عن أبي هريرة، قال أبو عمر: وهو خطأ لم يتابعه عليه أحد "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركب فرساً" قال ابن حبان: في ذي الحجة سنة خمس، الحِجة أو الحَجة؟ عكس القَعدة "ركب فرساً فصرع -أي سقط عن الفرس- فجحش شقه الأيمن" جحش، جرح، خدش "الأيمن" ساقه الأيمن "فصلى صلاةً من الصلوات -المفروضة- وهو قاعد" قال عياض: يحتمل أنه أصابته من السقطة، أو أصابه من السقطة ربضٌ في الأعضاء، يعني مجرد جرح ما يمنع من القيام، لكن لعله أصابه كما قال عياض: ربض، بحيث لا يستطيع القيام، منعه من القيام، قال ابن حجر: "وليس كذلك وإنما كانت قدمه منفكة -عليه الصلاة والسلام-" كما جاء في بعض الروايات، ولا مانع من اجتماع الأمور الثلاثة، لما سقط أصيب برضوض، وانفكت قدمه، وجرح، لا سيما وأن الروايات فيها قوة.
"وهو قاعد، وصلينا وراءه قعوداً، فلما انصرف -من الصلاة- قال: ((إنما جعل الإمام)) إمامً لماذا؟ ((ليؤتم به -ليقتدى به- فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً)) وجوباً؛ لأن القيام ركن من أركان الصلاة ((فإذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا ركع فأركعوا)) يعني إذا شرع في الركوع انقطع صوته اركعوا ((وإذا رفع فارفعوا -مثله- وإذا قال: سمع الله لمن حمده)) سمع فيه إثبات السمع لله -عز وجل-، ومن لازم هذا السمع الإجابة، ولذا يفسر بعض العلماء سمع الله: أجاب ((فقولوا: ربنا ولك الحمد)) تقدم أن الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، ويقول أيضاً: ربنا ولك الحمد، والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد، ولا يقول: سمع الله لمن حمده، وتقدم الصيغ الواردة في هذا، والخلاف في المسألة ((وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون)) وفيه صحة إمامة الجالس، وسيأتي الخلاف فيها.

(22/15)


"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: صلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وهو شاك - اسم فاعل من الشكاية وهي المرض- فصلى جالساً وصلى وراءه قوم قياماً -قياماً حال- فأشار إليهم" وفي رواية: "فأشار عليهم"، "فأشار إليهم: أن اجلسوا" هل هناك فرق بين الروايتين: "فأشار إليهم" أو "فأشار عليهم"؟ كيف؟ أشار إليهم من الإشارة، وأشار عليهم من المشورة، وفرقٌ بين الإشارة يعني أشار إليهم هكذا، والإشارة المفهمة لها حكم القول: "أن اجلسوا" ولذا فسرت: بأن اجلسوا، وهي إشارة ما فيها كلام، لكن أشار عليهم يعني من باب المشورة، والمشورة ليست بلازمة، لا يلزم قبولها "فأشار -عليهم أو- إليهم أن اجلسوا، فلما انصرف من الصلاة قال: ((إنما جعل الإمام -إماماً- ليؤتم به -يعني ليقتدى به- فإذا ركع -شرع في الركوع- فاركعوا وإذا رفع -مثله- فارفعوا، وإذا صلى جالساً -حال- فصلوا جلوسا)) حال أيضاً، يعني ولو كنتم قادرين على القيام، لماذا؟ لما صدر به الخبر ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) حتى في هذا، فلا بد من الاقتداء والائتمام بالإمام ولو في مثل هذه الصورة صلاة القائم خلف القاعد.

(22/16)


"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج في مرضه" هناك في الحديث الأول سنة كم؟ سنة خمس، يعني في آخر سنة خمس، وهنا في مرضه سنة إحدى عشرة، أيهما المتقدم؟ الأول، والمتأخر الحديث هذا "عن أبيه -المعروف أنه عن عائشة- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما في الصحيحين- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج في مرضه فأتى فوجد أبا بكر وهو قائم يصلي بالناس" بأمره -عليه الصلاة والسلام- ((مروا أبا بكرٍ فليصلِ بالناس)) نعم بأمره -عليه الصلاة والسلام-، وليس من تصرف أبي بكر "فوجد أبا بكر وهو قائم يصلي بالناس فاستأخر أبو بكر" تأخر يترك الإمامة للنبي -عليه الصلاة والسلام-، معللاً ذلك بقوله: "ما كان لابن أبي قحافة أن يصلي بين يدي النبي -عليه الصلاة والسلام-"، "استأخر أبو بكرٍ فأشار إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أن كما أنت" يعني اثبت كما أنت في مكانك "فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنب أبي بكر" إلى جنبه الأيمن وإلا الأيسر؟ "فأشار: أن كما أنت، فجلس رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جنب أبي بكر"؟
طالب:. . . . . . . . .
الأيسر، من الإمام؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، "فكان أبو بكر يصلي بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وهذا يمنع أن يكون النبي -عليه الصلاة والسلام- جلس بجانبه الأيمن؛ لأن أبا بكر يصلي بصلاة رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، "وهو جالس، و ... الناس يصلون بصلاة أبي بكر" الآن إمامة أبي بكر إمامة حقيقية أم هي مجرد تبليغ؟ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- جالس ما يرى؟ نعم لأن هذه الصورة .. ، الرسول -عليه الصلاة والسلام- هو الإمام الحقيقي، يعني مثل ما نقول: يقتدي أصحاب الصف الثاني بأصحاب الصف الأول لأنهم ما يرون الإمام، أو من تأخر بمن تقدم ممن لا يرى الإمام ولا يسمع صوته، وهو ليس بإمام في الحقيقة، لكن هو يقتدي بالإمام والإمام لا يمكن النظر إليه، ولا معرفة الحال التي هو عليها يقتدى بمن خلفه "وكان الناس يصلون بصلاة أبي بكر".

(22/17)


نأتي إلى المسألة: وهي صلاة القاعد ممن يستطيع القيام في مثل هذه الصورة متابعةً لإمامه، المسألة خلافية: المعروف عند المالكية أن إمامة القاعد لا تصح مطلقاً، بل هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، يبي يصلي قاعد يالله تصير مأموم لا تصير إمام، هذا خاص بالنبي -عليه الصلاة والسلام-، الحنفية والشافعية يجيزون إمامة القاعد، لكنهم لا يجيزون إمامة المستطيع من المأمومين أن يصلي قاعداً، استدلالاً بالحديث الأخير، ويقولون: إنه ناسخ للحديث السابق؛ لأنه متأخر في مرض موته -عليه الصلاة والسلام-، وصلوا من قيام، عرفنا مذهب المالكية؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .

(22/18)


إمامة القاعد لا تصح مطلقاً، وهذا قول معروف عندهم، وإن كان عن الإمام مالك -رحمه الله- رواية أخرى توافق قول الحنفية والشافعية، يقولون: تصح إمامة الجالس، كما فعل الرسول -عليه الصلاة والسلام- هنا، لكن من خلفه لا بد أن يصلون قياماً؛ لأن القيام ركن لا تصح الصلاة بدونه، وما حدث منه -عليه الصلاة والسلام- من فعله وقوله سابقاً منسوخ؛ لأنه متقدم، الحنابلة ماذا يقولون؟ إذا صلى إمام الحي الذي يرجى بُرؤه، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما صلى جالس وقال لهم: ((صلوا جلوساً)) يرجى برؤه -عليه الصلاة والسلام-؛ كان ما يرشح الناس إلا إمام مقعد لو المسألة على إطلاقها، إذا صلى إمام الحي وهو يرجى برؤه قاعداً وابتدأت الصلاة من قعود، لماذا؟ ليخرجوا الصورة الأخيرة التي تمسك بها الحنفية والشافعية، إذا ابتدأ إمام الحي الذي يرجى برؤه الصلاة من قعود صلوا خلفه قعوداً، لكن إذا افتتحت الصلاة من قيام يتمون قياماً حتى ولو عجز، أو في مثل هذه الصورة الآن الإمام في أول الصلاة قائم أبو بكر فافتتحت الصلاة من قيام، إذاً إذا افتتحت الصلاة من قيام اختل شرط فلا بد من الصلاة من قيام، فهم يحملون ((وإذا صلى -قاعداً أو- جالساً فصلوا جلوساً)) على إمام الحي إذا افتتح الصلاة وهو يرج برؤه وصلى من قعود فإنهم يصلون قعوداً، لكن إذا كان لا يرجى برؤه فإما أن يصلوا خلفه قياماً، أو يبحث عن غيره، وإذا افتتحت الصلاة من قيام لا بد أن تكمل قيام كما هنا، فهم بهذا يوفقون بين النصوص، ويعملون بجميعها.

(22/19)


فهل نقول: بالنسخ كما قال الحنفية والشافعية ورواية عن مالك؟ أو نقول: بالتخصيص مع قوله: ((وإذا صلى)) ((إنما جعل الإمام))؟ كيف نقول بالتخصيص مع أن الحديث ليس فيه ما يدل على الخصوصية؟ ((إنما جعل الإمام ليؤتم به)) هل النبي -عليه الصلاة والسلام- في هذا يعني نفسه أو أي إمام؟ أي إمام، ففي كلام الشافعية القول بالنسخ يعني لأن هذا متأخر وذاك متقدم، أما التخصيص كما قال المالكية لا وجه له، فنحن بين إما أن نقول: إنه حكم منسوخ بدليل أن النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى وهو قاعد وصلوا خلفه قيام بغض النظر عن كونه الصلاة افتتحت بكونه يرجى أو لا يرجى هذه مسألة ثانية، يعني أوصاف غير مؤثرة عندهم، وهي عند الحنابلة أوصاف مؤثرة، أو نقول: تحمل النصوص الواردة بالأمر بالقعود خلف القاعد بالقيود التي ذكروها وبهذا نعمل بجميع النصوص؟ هنا الرسول -عليه الصلاة والسلام- أشار إلى أبي بكر أن يثبت كما هو، فهل قبل هذه الإشارة أو لم يقبل؟ قبل وإلا ما قبل؟ يعني ثبت كما هو؟
"اثبت كما أنت".
طالب:. . . . . . . . .

(22/20)


لا، في بعض الروايات: "فاستأخر" فيها ما يدل على أنه لم يقبل، وهذا يتمسك به من يقدم الاحترام على امتثال الأمر، يتمسكون بمثل هذا، الرسول -عليه الصلاة والسلام- قال له: اثبت وما ثبت، والدافع لذلك إيش؟ الاحترام، لكن الرسول -عليه الصلاة والسلام- إنما اكتسب فعل أبي بكر الشرعية من إيش؟ من الإقرار، ولا يمكن أن يحمل هذا على إطلاقه، ولذلك يطردون مثل هذا، يقولون: وأنت في الصلاة تقول: اللهم صلِّ وسلم على سيدنا محمد هذا احترام، ولا يقال مثل هذا ابتداع هذا كلامهم، لكن شرعية هذا الفعل من أبي بكر -رضي الله عنه- كونه ما قبل نعم، شرعية هذا إنما اكتسبت من إقراره -عليه الصلاة والسلام-، وليس لمن يأتي بعد ذلك أن يقول: أنا أحترم الرسول -عليه الصلاة والسلام- ولا أمتثل أمره في هذا، نقول: لا، ليس لك مستمسك في هذا أبداً، المقصود أنه .. ، الأصل الإشارة تقتضي أنه يريد أن يستمر في الإمامة، كما فعل عبد الرحمن بن عوف، لكنه ما قبل هذه المشورة، فجلس النبي -عليه الصلاة والسلام- وصار هو الإمام الحقيقي، وليس معنى هذا أننا ترد علينا الأوامر الشرعية ونخالفها، ونقول: إننا نحب الرسول ونحترم الرسول -عليه الصلاة والسلام- ونخالف أوامره، لا، مخالفة أبي بكر لهذا الأمر نقول: اكتسبت الشرعية من إقراره -عليه الصلاة والسلام-، وحينئذٍ لا يكون فيها أي دليل، تنتفي المسألة من أصلها؛ لأن المبتدعة فتحوا أبواب من خلال هذا الحديث، ولجوا إلى مسائل كثيرة من خلال هذا الحديث، بكل بساطة نحن نحترم الرسول ونفعل ما يخالف أوامره -عليه الصلاة والسلام-، هذا ما يصح.
. . . . . . . . . ... إن المحب لمن يحبُّ مطيعُ
{فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ} [(31) سورة آل عمران].
طالب:. . . . . . . . .

(22/21)


هو أراد أن يستأخر الإمام الطارئ هذا ويفعل مثل ما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام-؟ الصورة التي معنا ليس فيها ما يدل على أنه ركع أو أكثر أو أقل، واللفظ يحتمل، ما دام كبر للصلاة، ودخل الإمام بعد الشروع في الصلاة فما فات قل أو كثر، يعني ما له أثر، ما يؤخذ من النص وإنما يؤخذ من نصوص أخرى، وهي المحافظة على الصلاة، المحافظة على كيفية الصلاة فقط، أما الحديث ما يدل على أنه أنهوا ما أنهوا.
على كل حال الحديث ليس فيه ما يدل إلا من باب المحافظة على كيفية الصلاة لا أكثر ولا أقل، يعني أهل العلم يستنبطون أحكام وإن لم يدل عليها اللفظ، وإنما يعملون الأحوط للصلاة، يعملون بالأحوط للصلاة، نظراً إلى عموم النصوص التي تدل على المحافظة على الصلاة في كيفيتها ووقتها وغير ذلك.
طالب:. . . . . . . . .
مجرد الالتفات اختلاس ما يضر، لكن بعد إن كان لحاجة فأهل العلم يطلقون الكراهة، والكراهة تزول بالحاجة.
شخص يسأل يقول: دخل مسبوق فوجد اثنين يصليان إمام ومأموم، فجاء هذا المسبوق ودفع الأيمن المأموم قدام، هذا ما تردد فصار إماماً صف جنب الإمام وكمل، فما حكم الصلاة في مثل هذه الصورة؟ ما حكم الصلاة في هذه الصورة؟
الصورة اثنين يصلون إمام ومأموم دخل ثالث فدفع المأموم تقدم المأموم فكمل الصلاة، هذه واقعة يعني ما هي بافتراضية، واقعة، لكن إذا وقع مثل هذه الأمور، إذا وقع مثل هذه الصورة لا سيما مع الجهل، الجهل مطبق للثلاثة كلهم واضح ترى، واضح أنهم جهال، إذا وقع مثل هذه الصورة تلتمس لها وجوه صحيحة، كون الإمام يكون مأموم الإمام انتقل إلى مأموم، إمام ينتقل مأموم مثل قصة أبي بكر، مأموم ينتقل إمام في قصة الاستخلاف تصح على وجه، يعني مأموم تبطل صلاة إمامه أو يسبقه الحدث أو يشعر بحدث يخلي المأمون يصلي، فكون المأموم يصير إمام في الاستخلاف، وكون الإمام يصير مأموم في قصة أبي بكر، ومع الجهل تصحح مثل هذه الصورة.

(22/22)


نعود إلى المسألة الكبرى وهي أنه إذا صلى الإمام وهو جالس هل يصلي المأموم بالجلوس عملاً بقول الحنابلة إذا توافرت الشروط التي اشترطوها وأفادوها من النصوص مجتمعة؟ أو نقول بقول الحنفية والشافعية وهو أحوط؟ وأن فعل الأخير الحديث متأخر عن الأحاديث المتقدمة، ولا شك أنه أحوط بالنسبة لصلاة المأموم، ماذا نقول؟ ما الذي يرجح؟ قول الحنابلة؟ فإما أن نقول بقول الحنفية والشافعية والنسخ مطروق عند أهل العلم وواضح، وهو أحوط لصلاة المأموم، وإما أن نقول بقول الحنابلة مع قيودهم، والمسألة مسألة سعة وجاء الإمام مريض ويش المانع أن يصير مأموم إذا بغينا الاحتياط الكامل؟ لكن إذا بغينا الاقتداء كما هنا والإمام له شأن في الشرع الإمام ما هو بفضلة، ولذلك أمر جميع الصفوف يصلون جلوس؛ لأن له شأن في الشرع، فالمسألة كما ترون، يعني قول الحنفية والشافعية وحجتهم قوية، وأن الأمر بالجلوس منسوخ للقصة الأخيرة، أو بالشروط والقيود التي وضعها الحنابلة، على كل حال المسألة كلٌ على مذهبه، وإذا أردنا أن نطبق الحكم بدقة، ونجليه على القواعد قلنا بقول الحنابلة؛ لأنه يمكن الجمع بين النصوص، وإذا قلنا: بالأحوط لصلاة المأموم، والنسخ بابه مطروق عند أهل العلم، ما في شك أن الأحوط إعمال النصوص، لكن إذا صلى مأموم وهو مستطيع القيام من قعود صلاته خطر عند الحنفية والشافعية.
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن هم عندهم قواعد، عندهم النسخ، النسخ معروف بالشرع، النسخ عندهم معروف بالشرع، عندهم وعند غيرهم، على كل حال ..
اتفضل اقرأ.
"باب: فضل صلاة القائم على صلاة القاعد:
عن مالك عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن مولى لعمرو بن العاص أو لعبد الله بن عمرو بن العاص عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة أحدكم وهو قاعد مثل نصف صلاته وهو قائم)).

(22/23)


عن مالك عن بن شهاب عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله تعالى عنهما- أنه قال: لما قدمنا المدينة نالنا وباء من وعكها شديد، فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على الناس وهم يصلون في سبحتهم قعوداً، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم)) ".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: "باب: فضل صلاة القائم على صلاة القاعد"
"حدثني يحيى عن مالك عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص" مالك عن الزهري "عن مولى لعمرو بن العاص -شك- أو لابنه عبد الله بن عمرو عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((صلاة أحدكم وهو قاعد مثل نصف صلاته وهو قائم)) " لما في القيام من المشقة، وهذا مع القدرة على القيام في النفل في النافلة بالنسبة للقادر على القيام صلاته علي النصف، أراد أن يتنفل وهو يستطيع القيام فصلى قاعد نقول: لك نصف الأجر، لكن لو كانت فريضة وهو مستطيع القيام يقول: يكفينا النصف، نقول: لا يا أخي صلاتك باطلة؛ لأنه في حديث عمران بن حصين: ((صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب)).
الذي يليه: "حدثني عن مالك عن بن شهاب عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال –منقطع-: لما قدمنا المدينة نالنا وباء" يعني مات بسببه أناس "من وعكها شديد" والوعك لا يكون إلا من الحمى كما يقولون، "فخرج رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. . . . . . . . . وهم يصلون في سبحتهم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم)) " المراد الأجر مثل نصف أجر صلاة القائم، لا نقول: إن من صلى قاعداً ما صلى إلا نصف الصلاة يضيف إليها مثلها بالكمية، إنما المقصود الأجر يثبت له نصف الأجر، وهذا محمولٌ على النافلة لمن يستطيع القيام، أما بالنسبة للفريضة فلا تصح بالنسبة لمن يستطيع القيام إلا من قيام، صلاته باطلة لأن القيام ركن، إذا صلى قاعداً وهو غير مستطيع أجره كامل سواء كانت نافلة أو فريضة.

(22/24)


طيب النصوص عامة ليس فيها قيد: ((صلاة أحدكم وهو قاعد مثل نصف صلاة القائم)) ((صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم)) ((صل قائماً)) يشمل النافلة والفريضة، وحديث الباب يشمل النافلة والفريضة، يشمل المستطيع وغير المستطيع، حديث عمران بن حصين: ((صل قائماً)) أي صلاة نافلة وإلا فريضة ((فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع)) مفاده أن من صلى قاعداً وهو يستطيع القيام أن صلاته باطلة سواءً كانت نافلة أو فريضة، حديث الباب: ((صلاة القاعد على نصف من أجر صلاة القائم)) يشمل النافلة والفريضة المستطيع وغير المستطيع، كيف نحمل؟ أو كيف نخرج من هذا الاعتراض؟ حديث عمران يجعل الصلاة باطلة، وحديث الباب يجعل الصلاة صحيحة، وعموم حديث عمران يشمل النافلة والفريضة، وعموم حديث الباب يشمل النافلة والفريضة، وفي المسند له شاهد من حديث أنس عند أحمد وغيره: أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قدم المدينة وهي محمة فدخل المسجد فوجدهم يصلون من قعود، فقال -عليه الصلاة والسلام-: ((صلاة القاعد مثل نصف صلاة القائم)) فتجشم الناس الصلاة قياماً، فدل على أنها نافلة، بدليل أنهم صلوا قبل حضوره -عليه الصلاة والسلام-، ودل على أنهم يستطيعون القيام بدليل أنهم لما تجشموا صلوا، لكن الذي لا يستطيع أجره كامل في الفريضة والنافلة، المستطيع له النصف في النافلة ولا تصح فريضته لأنه مستطيع، وحديث عمران مقيد بغير المستطيع.
هذا مثال لما يخرج عن القاعدة العامة التي نقل عليها الاتفاق، وهي: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، طيب في الحديث هذا عملنا بخصوص السبب ما عملنا بعموم اللفظ لماذا؟ لأن عموم اللفظ معارضٌ بعمومٍ أقوى منه، فنحتاج إلى أن نرجع إلى خصوص السبب لدفع التعارض كما هنا، العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب هذا قول عامة أهل العلم بل نقل عليه الاتفاق، كيف رجعنا إلى خصوص السبب وقلنا: إنه دخل المدينة وهي محمة ووجد الناس يصلون فقال: ((صلاة القاعد))؟ لأن عموم الخبر معارض بما هو أقوى منه، فنحتاج إلى أن نقصر الحكم على سببه ليندفع التعارض.
سم.
"باب: ما جاء في صلاة القاعد في النافلة:

(22/25)


عن مالك عن بن شهاب عن السائب بن يزيد عن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها- أنها قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى في سبحته قاعداً قط، حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلي في سبحته قاعداً، ويقرأ بالسورة فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها.
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها- أنها أخبرته أنها لم تر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي صلاة الليل قاعداً قط، حتى أسن فكان يقرأ قاعداً، حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحواً من ثلاثين أو أربعين آية ثم ركع.
عن مالك عن عبد الله بن يزيد المدني وعن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة -رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي جالساً فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأ وهو قائم، ثم ركع وسجد، ثم صنع في الركعة الثانية مثل ذلك.
عن مالك أنه بلغه أن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب كانا يصليان النافلة وهما محتبيان".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: ما جاء في صلاة القاعد في النافلة"
"حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد -الكندي- عن المطلب بن أبي وداعة السهمي عن حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-" ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض، ثلاثة من الصحابة يروي بعضهم عن بعض، وهذا الحديث بالنسبة لأسانيد مالك نازل، جل أحاديث مالك ثنائيات، وهذا كم؟ خماسي، هذا نازل، "عن حفصة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- .. " نعم يجتمع مجموعة من الطبقة الواحدة يروي بعضهم عن بعض، وأكثر ما وجد من ذلك ستة من التابعين يروي بعضهم عن بعض، في حديثٍ يتعلق في فضل سورة الإخلاص، وهو أطول إسناد في الدنيا كما يقول النسائي.

(22/26)


"عن حفصة زوج النبي صلى الله عليها وسلم أنها قالت: ما رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صلى في سبحته نافلته قاعداً قط، بل قام -عليه الصلاة والسلام- حتى تورمت قدماه، حتى كان قبل وفاته بعام" لضعفه -عليه الصلاة والسلام- "فكان يصلي في سبحته قاعداً ويقرأ بالسورة فيرتلها" يقرأها بتمهل وترسل وتدبر كما أمر -عليه الصلاة والسلام- "حتى تكون أطول من أطول منها"، "فيرتلها حتى تكون أطول من أطول منها" هل في هذا الحديث دليل على جواز الحدر في القراءة والإسراع فيها وترك الترتيل؟ فيه وإلا ما فيه؟ الحديث هذا؟ الآن النص الذي معنا فيه وإلا ما فيه؟ "حتى تكون أطول من أطول منها" كيف نعرف أنها صارت أطول؟ يعني يمكن يرتل آل عمران حتى تكون أطول من البقرة؟ إذا رتل البقرة صارت عمران أطول منها؟ لا ما صارت مثلها صارت أقصر، لكن إذا رتل آل عمران وصارت أطول من البقرة كيف نعرف أنها أطول من البقرة؟ إذا قرئت البقرة بسرعة، يعني إذا قرئت بلا ترتيل حتى تكون أطول من أطول منها إذا قرئت بلا ترتيل، والحدر والهذ جاء ما يدل على جوازه ((اقرأ وارق كما كنت تقرأ في الدنيا هذاً كان أو ترتيلاً)) في المسند وسنن الدارمي بإسناد حسن.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها أخبرته أنها لم تر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي صلاة الليل قاعداً -حال- قط" يعني أبداً "حتى أسن" أي دخل في السن وهو الكبر "فكان يقرأ في صلاته قاعداً، حتى إذا أراد أن يركع قام فقرأ نحواً من ثلاثين أو أربعين آية" قائماً -عليه الصلاة والسلام- "ثم ركع" ويفعل مثل ذلك في الركعة الثانية، وهو نفس الحديث اللاحق.

(22/27)


يقول: "وحدثني عن مالك عن عبد الله بن يزيد المدني وعن أبي النضر عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان يصلي جالساً فيقرأ وهو جالس فإذا بقي من قراءته قدر ما يكون ثلاثين أو أربعين آية قام فقرأ وهو قائم" وفي هذا إشارة إلى أن الذي كان يقرأه قبل أن يقوم أكثر؛ يعني لأن الأصل في صلاته أنه جالس، حتى إذا بقي القليل وهو قدر ثلاثين أو أربعين آية قام، وفي هذا إشارة إلى أن الذي كان يقرأه قبل أن يقوم أكثر؛ لأن البقية تطلق في الغالب على الأقل، يعني الآن إذا كان إناء فيه ماء فشرب منه شيئاً يسير تقول: أعطني باقيه؟ لكن إذا بقي شيء يسير تقول: هات باقيه، الغالب أن البقية إنما تطلق على الأقل.
قال ابن حجر: وفيه دليلٌ على جواز القعود في أثناء الصلاة لمن افتتحها قائماً، فيه وإلا ما فيه؟ الآن افتتحت الصلاة من قيام وإلا من قعود؟ هو كان يصلي قاعد كان يصلي جالس ثم يقوم، ابن حجر يقول: فيه دليلٌ على جواز القعود في أثناء الصلاة لمن افتتحها قائماً، كما يباح له أن يفتتحها قاعداً ثم يقوم إذ لا فرق بين الحالتين، كونك تقوم أول أو تقوم آخر، نفترض أنه أراد أن يقرأ مائة آية يفتتح وهو جالس يضر؟ لكن التي معنا هي ثابتة بلا شك، وفيه ردٌ على من إيش؟ وفيه ردٌ على من اشترط على من افتتح النافلة قاعداً أن يركع قاعداً، بعضهم يقول: ما دام افتتحها قاعداً فلا تركع وأنت قائم، اركع وأنت قاعد، أو قائماً أن يركع قائماً، وحكي عن أشهب وبعض الحنفية.
وفيه أيضاً حديث لكنه لا يدل على لزوم ذلك، بل فيه ما يدل على التخيير، وهو في صحيح مسلم لا الإلزام.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب كانا يصليان النافلة وهما محتبيان" يعني إذا صلى الإنسان قاعد، كيفية القعود، هل يفترش؟ هل يتورك؟ هل يتربع؟ هل يحتبي؟ يعني إذا صلى وهو قاعد يتربع؟ يعني هيئة خارجة عن هيئة الصلاة، يحتبي كذلك، لا توجد في جلسات الصلاة، أو يفترش كالجلسة بين السجدتين والتشهد الأول؟ أو يتورك إذا أراد أن يطيل كالتشهد الثاني؟
طالب:. . . . . . . . .

(22/28)


إيه معروف، لكن أنا أقول: هل الأولى أن يفعل مثل ما كان يفعل في جلوس الصلاة؟ أو من غير .. ، بغض النظر عن حديث الدارقطني وفيه كلام، أو يفعل هيئة مغايرة لجلسات الصلاة؛ لأن الأصل أنه قيام ما هو بجلوس؛ لأنه لو افترش من أراد أن يأتي ويلتحق به ما يدري هو قائم وإلا قاعد وإلا .. ، ما يدري، فإذا كان متربع عرف أنه في حال قيام، وهذه حجة من يرجح التربع ..
طالب:. . . . . . . . .
وين؟ الآن لو تبي تصلي جالس فاتتك الصلاة وتقول: والله أصلي جالس ما أستطيع القيام وافترشت مثل ما تجلس للتشهد الأول، دخل داخل يبي يقتدي بك ويش بيقرأ الفاتحة وإلا التشهد؟ بيقرأ التشهد ما يدري عنك، لكن لما تصير متربع يعرف أنك ما أنت بالتشهد ولا بين السجدتين، فالبديل عن القيام يكون مغاير لما هو من أصل الجلوس.
طالب:. . . . . . . . .
لا العاجز حكمه آخر، لكن المستطيع الذي يستطيع لا .. ، السنة له أن يفترش في موضع الافتراش، ويتورك في موضع التورك، لكن إذا عجز عن القيام يأتي بجلوسٍ مغاير لما في الصلاة لتغاير الهيئات.
"وهما محتبيان" والاحتباء تقدم: الجمع بين الساقين والفخذين ونصبهما برداءٍ أو باليدين، وهو يريد وهما محتبيان في حال القيام، والأصل أن الجلوس في موضع القيام .. ، الجلوس في الصلاة في موضع القيام ليست له صورة مخصوصة لا يجزئ إلا عليها، بل تجزئ على صفات الجلوس كلها من احتباء وتربع وتورك وافتراش وغير ذلك، وأفضلها التربع قالوا: لأنه أوقر، ولما ذكرنا سابقاً.
روى الدارقطني عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يصلي متربعاً، ولا يسلم الحديث من مقال.
طالب:. . . . . . . . .
الأكمل أن يفتتحها قائماً ويستمر قائماً حتى يركع هذا الأكمل؛ لأن المسألة مفترضة في شخصٍ يستطيع، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .

(22/29)


هذا الذي يريد الأكمل؛ لأن هذا أجر كامل، لكن إذا افتتحها قائماً ثم أحس بتعب وجلس لطول القيام أجره كامل -إن شاء الله تعالى-، وكذلك إذا افتتحها جالساً كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ثم أحس بنشاط، أو أراد أن يركع من قيام، أو عرف القدر الذي يستطيعه من القيام، وترك له من القرآن بقدره كما فعل النبي -عليه الصلاة والسلام- ثلاثين أو أربعين آية، وبعض المصلين يستطيع القيام لكن إذا قام ما يستطيع السجود. . . . . . . . . ما يستطيع السجود، وبعضهم يستطيع القعود لكن إذا أراد أن ينهض عجز و {لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا} [(286) سورة البقرة].
من المناسب وهي مسألة يكثر السؤال عنها: اللي يصلي على الكرسي كيف يصاف الناس؟ هل يتقدم بحيث تكون الأقدام مع الأقدام مع الناس؟ يتأخر بحيث تكون أقدامه مع أقدام الناس؟ أو يتقدم بحيث يحاذيهم بظهره؟
طالب:. . . . . . . . .
عندكم شيء مأثور وإلا اجتهاد؟ اجتهاد وإلا مأثور؟ أو ينظر إلى الغالب؟ لأنه إذا حاذاهم بظهره وأراد أن يسجد تقدم على مصف الإمام يبي يتقدم على الكرسي إذا هو يستطيع السجود يسجد على الأرض بس ما يقدر يقف .. ، المسألة مفترضة في شخصٍ يستطيع السجود، ويستطيع الركوع يبي يقوم يركع مع الناس، فينظر في هذا إلى الغالب إن كان الغالب الذي يستطيعه محاذاتهم في حال القيام يكون محاذياً لهم بظهره، وإذا كان الغالب له الذي يفعله محاذاته لهم في حال الجلوس يكون محاذياً لهم بالأقدام، والجلوس يتبعه السجود والركوع، على كل حال لا يتضرر أحد، إذا ترتب عليه ضرر لأحد هذه مسألة أخرى، المقصود أنه إذا ترتب عليه ضرر لآخرين انتقل إلى الصورة الثانية، نعم.
"قال مالكٌ -رحمه الله-: وقول علي وابن عباس -رضي الله عنهما- أحب ما سمعت إليَّ في ذلك".

(22/30)


يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: الصلاة الوسطى" يعني التي جاء ذكرها في قوله -جل وعلا-: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] وجاءت أيضاً في النصوص: ((ملأ الله بيوتهم -أو قال: قبورهم ناراً، حبسونا عن الصلاة الوسطى)) وفيه أيضاً بيانها وهي صلاة العصر، والوسطى تأنيث الأوسط وهو الأعدل، كما في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] أي عدولاً خياراً، وإلا لو قلنا: إن الوسط الذي يقع بين الطرفين ما تأتي الآية بهذا؛ لأنه ليس بعدهم أحد، هذه الأمة ليس بعدها أحد، ليست بين طرفين هي وسط، كما تقدم تقريره في كتاب الطهارة، وسط بين الأمم، لكن المراد بالوسط {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [(143) سورة البقرة] المقصود به العدول الخيار.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم -الكناني- عن أبي يونس" لا يعرف اسمه، وهو من ثقات التابعين "مولى عائشة أم المؤمنين أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً" بتثليث الميم مِصحف ومُصحف ومَصحف، لكن الضم أشهر "ثم قالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني" أي أعلمن وأخبرني {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ} [(238) سورة البقرة] يعني الخمس {والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] من عطف الخاص على العام للاهتمام بشأن الخاص والعناية به {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] مطيعين وهو دوام الطاعة أو ساكتين؛ لأنها لما نزلت {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] نهوا عن الكلام، واللفظ محتمل.

(22/31)


"فلما بلغتها آذنتها" بلغتُ الآية أذنت عائشة أي أخبرتها "فأملت علي: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين} كذا بالواو وصلاة العصر، كذا بالواو في حديث عائشة بدون خلاف، وأما في حديث حفصة فالرواة مختلفون هل فيه واو أو بدون واو؟ طيب وصلاة العصر في النصين، يعني على فرض ثبوتها في حديث حفصة، وأما في حديث عائشة فهي ثابتة، فهل الصلاة الوسطى على هذا هي العصر أو ليست العصر؟ لماذا؟ لأن العطف يقتضي المغايرة، منهم من يقول: إن المراد من هذا النص أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، ووجود هذه الواو وحذفها على حدٍ سواء كما قرره أهل العلم، وبهذا يستدل على أن الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، ولذا ترجم في صحيح مسلم، وإن كانت الترجمة ليست من مسلم الترجمة: باب: الدليل لمن قال: الصلاة الوسطى هي صلاة العصر.
"وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عمرو بن رافع -العدوي مولاهم- أنه قال: كنت أكتب مصحفاً لحفصة أم المؤمنين فقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني -أي أعلمني- {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فلما بلغتها آذنتها" يعني كما تقدم في حديث عائشة "فأملت" من الإملاء "عليّ: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر} وفي رواية: بالواو "وصلاة العصر" يعني روي بالواو وروي بحذفها، وزعم بعضهم أن حذفها وإثباتها على حدٍ سواء، وهو له وجه، قد يقول قائل: هل لأمهات المؤمنين الزيادة في كتاب الله؟ إذا بلغتها آذنا واكتب، والحديث في الصحيح، حديث عائشة في صحيح مسلم، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه لكن. . . . . . . . . هي موجودة في المصحف الآن؟ طيب، يعني سمعتها لا على أنها قرآن، وإنما سمعتها على أنها أساس أنها تفسير وتوضيح، إذاً كيف تثبتها في أصل المصحف وهي قراءة تفسيرية؟
طالب:. . . . . . . . .

(22/32)


اكتبها يعني في الحاشية لا في أصلها، وهذا معروف أنه المصحف الذي جمع الجمع الأول في عهد أبي بكر، أما المصحف الذي اتفق عليه، وأجمع عليه الصحابة إجماعاً ملزماً قطعياً الذي لا يقبل الزيادة ولا النقصان فلا يوجد في مثل هذا التفسير، يقول الباجي: يحتمل أنها سمعتها على أنها قرآن ثم نسخت، ويحتمل أنها سمعتها على أساس أنها تفسير، وعلى كل حال القرآن المحفوظ من الزيادة والنقصان هو ما بين الدفتين الذي تولى الله -جل وعلا- حفظه، الذي تولى حفظه وصانه من الزيادة والنقصان {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر] يعني لا يقول .. ، لا يشكك في الزيادة والنقصان من القرآن إلا من يشكك في هذه الآية، {وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [(9) سورة الحجر]، الذي يشكك في الزيادة والنقصان من القرآن يشكك في هذه الآية؛ لأن الله -جل وعلا- تولى حفظه.
هناك قصة يرويها البيهقي وغيره أن يحيى بن أكثم دعا يهودياً إلى الإسلام فرفض، وبعد تمام الحول جاء مسلماً ليحيى بن أكثم، فقال له .. ، يعني ما الذي دعاك إلى هذا؟ دعوناك العام الماضي ما أسلمت، والآن جئت طائعاً مختاراً، قال: لما دعوتني ذهبت فنسخت نسخاً من التوراة وحرفت فيها وزدت ونقصت فأتيت بها إلى السوق فاشتريت مني، وصار الناس يقرؤونها على ما كتبت، ثم نسخت نسخاً من الإنجيل وفعلت مثل ما فعلت بالتوراة وجلبتها في السوق فاشتريت وصار الناس يقرؤونها على ما كتبت، فنسخت نسخاً من المصحف وغيرت تغييراً يسيراً جداً، فلما عرضتها على السوق كل من رأى المصحف رماه في وجهي ما قبل ولا نسخة منه، فلما أخبر يحيى بن أكثم وحج يحيى ابن أكثم في هذه السنة، والتقى بسفيان بن عيينة قال: يا أخي ما نحتاج إلى يهودي هذا منصوص عليه في كتاب الله، هم استحفظوا على كتبهم فما حفظوها، ونحن .. ، وكتابنا تولى الله -جل وعلا- حفظه فحفظ.

(22/33)


"وحدثني عن مالك عن داود بن الحصين عن ابن يربوع المخزومي -عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع نسب إلى جده هو تابعيٌ ثقة- أنه قال: سمعت زيد بن ثابت يقول: الصلاة الوسطى صلاة الظهر" جزم بذلك زيد لحديثٍ، لحديث: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي الظهر بالهاجرة، ولم تكن صلاة أشد على أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منها، فنزلت: {حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى} [(238) سورة البقرة] رواه أبو داود؛ ولأنها تقع في وسط النهار.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس كانا يقولان: الصلاة الوسطى صلاة الصبح" ابن جرير رواه عن ابن عباس بإسناد متصل من طريق عوف الأعرابي، عوف بن أبي جميلة عن أبي رجاء العطاردي عنه، وأما علي فالمعروف عنه أنها العصر، كما روى ذلك مسلم عنه في الصحيح "قال مالك: وقول علي وابن عباس أنها الصبح أحب ما سمعت في ذلك" وبه قال الشافعي أيضاً، والصحيح عند الحنابلة والحنفية أنها العصر، والمعروف عن أكثر الصحابة والتابعين، واختاره أكثر الشافعية أنها العصر، فالأكثر على أن الصلاة الوسطى صلاة العصر، وجاء ما يدعم ذلك من النصوص: ((حبسونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)) وحديث عائشة، حديث حفصة على الاحتمال مع وجود الواو، المقصود أن النصوص الواردة في صلاة العصر أكثر مما ورد في غيرها ((من ترك صلاة العصر حبط عمله)) ((من فاتته العصر كأنما وتر أهله وماله)) النصوص التي جاءت في صلاة العصر أكثر من النصوص التي جاءت في غيرها؛ ولأن قبلها صلاتين نهاريتين، وبعدها صلاتين ليلتين، فهي وسطى بالنسبة للوقت، إضافة إلى ما جاء في النصوص.
منهم من يقول: الصبح؛ لأن قبلها صلاتين بالليل وبعدها صلاتين بالنهار فهي وسطى، منهم من يقول: الوسطى المغرب بالنسبة لعدد الركعات وسطى بين الرباعية وبين الثنائية فهي وسطى، وعلى كل حال المسألة خلافية، والراجح ما يختاره أكثر الصحابة والتابعين وأكثر أهل العلم من أنها صلاة العصر.
سم.
"باب: الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد:

(22/34)


عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة -رضي الله عنه- أنه رأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصلي في ثوب واحد مشتملاً به في بيت أم سلمة واضعاً طرفيه على عاتقيه.
عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن سائلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة في ثوب واحد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أو لكلكم ثوبان)).
عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: سئل أبو هريرة -رضي الله عنه- هل يصلي الرجل في ثوب واحد؟ فقال: نعم، فقيل له: هل تفعل أنت ذلك؟ فقال: نعم، إني لأصلي في ثوب واحد، وإن ثيابي لعلي المشجب.
عن مالك أنه بلغه أن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- كان يصلي في الثوب الواحد.
عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن محمد بن عمرو بن حزم كان يصلي في القميص الواحد.
عن مالك أنه بلغه عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من لم يجد ثوبين فليصل في ثوب واحد ملتحفاً به، فإن كان الثوب قصيراً فليتزر به)) قال مالك -رحمه الله-: أحب إلي أن يجعل الذي يصلي في القميص الواحد على عاتقيه ثوباً أو عمامة".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: الرخصة في الصلاة في الثوب الواحد"
"حدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عمر بن أبي سلمة" -عبد الله بن عبد الأسد المخزومي، عمر بن أبي سلمة هذا ربيب النبي -عليه الصلاة والسلام- يذكر "أنه رأى النبي -عليه الصلاة والسلام- يصلي في ثوب واحد مشتملاً به" حال كونه مشتملاً "في بيت أم سلمة" في بيت أمه زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- "واضعاً طرفيه على عاتقيه" يقول الباجي: يريد أنه أخذ طرف ثوبه تحت يده اليمنى ووضعه على كتفه اليسرى، وأخذ الطرف الآخر تحت يده اليسرى فوضعه على كتفه اليمنى، وهو نوعٌ من الاشتمال يسمون التوشيح، وهو مباحٌ في الصلاة وغيرها، وأداره على كتفه اليسرى، ثم الطرف الآخر تحت اليسرى أداره على اليمنى.

(22/35)


"وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة أن سائلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" يقول ابن حجر: "لم أقف على اسمه" ويقول السرخسي صاحب المبسوط: أن اسمه ثوبان، من أين جاءت التسمية هذه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا ((أو لكلكم ثوبان)) وهم هذا وهم، "أن سائلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الصلاة في ثوب واحد، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((أو لكلكم ثوبان)) " استفهام إنكاري، وهو يتضمن الإخبار عما هم عليه من قلة الثياب، يعني حياتها كلهم مبنية، هذا عيشهم، قلة في الثياب، قلة في الأكل، قلة في الفراش، صغر في البيوت، المقصود أن هذا عيشهم، يدخر لهم الأجر كامل يوم القيامة، من أراد أن يعتبر يقرأ في عيش النبي -عليه الصلاة والسلام- وما جاء في صحيح البخاري وغيره ((أو لكلكم ثوبان)).
"وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن سعيد بن المسيب أنه قال: سئل أبو هريرة هل يصلي الرجل في ثوب واحد؟ فقال: نعم" ثوب واحد يكفي، يعني لو قدر أن الإنسان عليه قميص وليس تحته سراويل ولا فنايل ولا شيء ولا فوقه شماغ ولا طاقية، إيش يصير؟ ساتر عورته، لكن كل ما كثر الستار أفضل، يصلي في ثوبين أفضل من واحد، لكن الواحد مجزئ ما دام يستر العورة "هل يصلي الرجل في ثوبٍ واحد؟ فقال: نعم، فقيل له: هل تفعل أنت ذلك؟ " تصلي في ثوب واحد؟ "فقال: نعم، إني لأصلي في ثوب واحد وإن ثيابي" مجموعة من الثياب وهذا متى؟ هو تأخر بعد النبي -عليه الصلاة والسلام- ما يقرب من نصف قرن بعد الفتوح، وبعد أن توسع الناس "إني لأصلي في ثوب واحد" لبيان الجواز "وإن ثيابي لعلى المشجب" المشجب كمنبر بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح الجيم فموحدة عيدان تضم رؤوسها هكذا، تضم رؤوسها، ويفرج بين قوائمها، توضع عليها الثياب، تعلق عليه الأسقية والقرب، وما أشبه ذلك، القرب، وهي معروفة إلى وقتٍ قريب، يعني الآن الشماعة تقوم مقامها، لكن المشجب يعرفه بعضكم.

(22/36)


"وحدثني عن مالك أنه بلغه أن جابر بن عبد الله كان يصلي في الثوب الواحد، وقال: رأيت النبي -صلى الله عليه وسلم- يصلي في ثوبٍ واحد" رواه البخاري، فالصلاة في الثوب الواحد الذي يستر العورة الصلاة مجزئة، يعني ما يستر العورة مجزئ، ويبقى -هذا شرط- ويبقى القدر الزائد على ذلك سنة إلا ما يتعلق بالعاتق فيجب ستره ((لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)) فستر العاتق واجب، وستر العورة شرط، وما عدا ذلك مستحب نعرف الفرق؟ يعني ستر العورة شرط لصحة الصلاة، ستر العاتق واجب، يأثم بتركه لكن الصلاة صحيحة، ما عدا ذلك يعني ثوب ثاني يعني لكونه أكمل هذا مستحب.
"وحدثني عن مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن أن محمد بن عمرو بن حزم كان يصلي في القميص الواحد" مراده بذلك أن العمل تواطأ على هذا، واستمر عليه من عهد النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى عهد الصحابة الذين تأخرت وفاتهم إلى عهد التابعين فلم ينسخ.
"وحدثني عن مالك أنه بلغه عن جابر بن عبد الله أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((من لم يجد ثوبين فليصلي -إشباع- في ثوب واحد ملتحفاً به)) يعني متوشحاً به كما تقدم شرحه ((فإن كان الثوب قصيراً فليتزر به)) إن كان الثوب قصير يتزر به، يعني يستر العورة، ولا يلزم أن يستر عالي البدن، كما في التوشيح المتقدم، التوشيح لأنه ثوب واسع، يستوعب العورة ويستوعب عالي البدن، لكن إذا كان لا يستوعب العورة لا يستوعب الجميع فتستر العورة ((فإن كان قصيراً فليتزر به)) لأن ستر العورة شرط لصحة الصلاة.
"قال مالك: "أحب إلي أن يجعل الذي يصلي في القميص الواحد على عاتقيه ثوباً أو عمامة" لحديث: ((لا يصل أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه)) في رواية: ((عاتقيه منه شيء)) وهذا مخرج في الصحيح.
طالب:. . . . . . . . .

(22/37)


شفاف؟ يصف العورة؟ يصف ما يكفي، لا بد أن يكون يستر، شيء ليس .. ، نكرة في سياق النفي أدنى شيء، يكفي شيء؛ لأن ((ليس على عاتقه)) نكرة في سياق النفي ينصرف إلى أدنى شيء، على الخلاف في الفخذ هل هو عورة وإلا ليس بعورة؟ في حديث جرهد الفخذ عورة ((غطِ فخذك فأن الفخذ عورة)) وفي حديث أنس: "حسر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن فخذه" ولا شك أن حديث أنس أقوى، ولكن حديث جرهد أحوط، أيضاً منهم من يحمل حديث جرهد على الصلاة، وحديث أنس على خارج الصلاة.
"باب: الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار:
عن مالك أنه بلغه أن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تصلي في الدرع والخمار.
عن مالك عن محمد بن زيد بن قنفذ عن أمه أنها سألت أم سلمة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: تصلي في الخمار والدرع السابغ إذا غيب ظهور قدميها.
عن مالك عن الثقة عنده عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد عن عبيد الله بن الأسود الخولاني، وكان في حجر ميمونة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ميمونة كانت تصلي في الدرع والخمار ليس عليها إزار.
عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن امرأة استفتته فقالت: إن المنطق يشق علي أفأصلي في درع وخمار؟ فقال: نعم، إذا كان الدرع سابغاً".
يقول -رحمه الله تعالى-: "باب: الرخصة في صلاة المرأة في الدرع والخمار" الدرع يشبه القميص، والخمار ما يغطي الرأس، وترجم بذلك لرد قول مجاهد: لا تصلي المرأة في أقل من أربعة ثياب، درع وخمار وملحفة وإزار، لا يكفي ما يغطي جميع البدن حتى تجتمع عليها هذه الأربع، ولم يقله غيره كما قال الحافظ ابن حجر، وعلى كل حال إذا غطت المرأة جميع بدنها سترت جميع بدنها في الصلاة إلا الوجه إذا لم تكن بحضرة أجانب صحت صلاتها اتفاقاً، فإن كشفت يديها مع الوجه صحت صلاتها عند قوم، انكشفت القدمين ظهور القدمين صحت عند الحنفية، والجمهور على خلاف ذلك، فعورة المرأة في الصلاة كلها عورة إلا الوجه، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .

(22/38)


الكفين الخلاف فيهما قوي، شيخ الإسلام يرى أن الكفين ليسا بعورة، ويستروح في بعض أقواله إلى قول الحنفية أن القدمين ليس بالعورة في الصلاة.
هذا بالنسبة للصلاة، بالنسبة لعورتها عند الرجال الأجانب كلها عورة، والنصوص الصحيحة الصريحة تدل على ذلك، ولسنا في مقام بسط المسألة؛ لأنها تحتاج إلى وقت، وأدلتها تحتاج إلى سرد، عورتها عند المحارم غير عورتها عند الأجانب، فعورتها عند المحارم كشف ما يظهر غالباً كالشعر وأطراف الساعدين والقدمين، ومثله عورتها عند النساء، يعني ما يظهر غالباً كما يظهر عند محارمها؛ لأن النساء عطفن على المحارم، وهذا خلافاً لما يقوله بعضهم أن عورة المرأة عند المرأة كعورة الرجل عند الرجل، وتعلمون أن هذه الفتوى أو هذا القول ترتب عليه آثار من نزعٍ لجلباب الحياء، وتفسخ، واسترسل الناس في ذلك حتى بدت السوءات نسأل الله السلامة والعافية، فالمرجح في عورة المرأة عند المرأة أنها كعورتها عند محارمها، النص واضح يعني في آيتي النور وآية إيش؟ الأحزاب، عطف النساء على المحارم، فكيف نقول: إن عورة المرأة عند المرأة مثل .. ؟ يعني معناه أنك تبطل .. ، ما عدا السرة والركبة يخرج عند النساء، ثم إذا .. ، خطوات الشيطان نتبع خطوات الشيطان في المسألة، يفتى بهذا القول ثم يأتي من يتساهل فينزل أو يرتفع، ثم بعد ذلك ننتهي، وليس في هذا ما يدل على القول الآخر، وإن قال به من قال به من أهل العلم، لكن النص صحيحٌ صريح قطعي في أن عورة المرأة عند المرأة كعورتها عند محارمها لا فرق.
يقول: "حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت تصلي في الدرع والخمار" يعني خلافاً لما يقوله مجاهد، خمار بزنة كتاب ثوب تغطي به المرأة رأسها إذا .. ، ((لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)) يعني من بلغت سن المحيض المكلفة لا تصلي إلا بخمار، مفهومه أن المرأة أو البنت إذا لم تبلغ سن المحيض أنها يخفف في أمرها، فلا يحتاج أن تغطي رأسها، هم يقولون: الدرع الذي يلبس من الثياب مذكر، أما درع الحديد فمؤنث، هذه مما ذكروه من اللطائف.

(22/39)


يقول: "وحدثني عن مالك عن محمد بن زيد بن قنفذ" بلفظ الحيوان المعروف التيمي "عن أمه" أم حرام واسمها: آمنة "أنها سألت أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم-: ماذا تصلي فيه المرأة من الثياب؟ فقالت: تصلي في الخمار والدرع -الذي هو القميص- السابغ -الساتر- إذا غيب ظهور قدميها" وهذا فيه حجة للجمهور الذين يرون أن ستر القدم لا بد منه بالنسبة للمرأة خلافاً للحنفية.
"وحدثني عن مالك عن الثقة عنده" العلماء يقولون مثل هذا، حدثني الثقة، حدثني من لا أتهم، طيب يكفي أن يكون ثقة عند مالك ولو لم نعرف عينه؟ نعم من يقلد مالك يكفي عنده؛ لأنه فرع من فروع التقليد، لكن الذي يريد أن يقف على حقائق الأمور بنفسه لا يقلد مالك، وإن اجتهد أهل العلم فبينوا المراد بالثقة، وقالوا هنا هو الليث بن سعد كما ذكره الدارقطني، لكن إذا أطلق وقال: حدثني الثقة، نعم يغلب على الظن أنه ثقة؛ لأن مالك من أهل التحري، لكن حصل ما حصل من الخلل، ولذا يقول الشافعي -رحمه الله-: "حدثني من لا أتهم" حدثني الثقة يريد بذلك إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف بالاتفاق، فلا يكفي أن يقول الإمام: حدثني الثقة، لا يكفي لتقليده في ذلك حتى يصرح باسمه، فينظر هل هو بالفعل ثقة عند الناقد نفسه إن كان من أهل النظر أو عند الأكثر على الأقل؟
"عن بكير بن عبد الله بن الأشج -مولى بني مخزوم- عن بسر بن سعيد -المدني- عن عبيد الله بن الأسود الخولاني وكان في حجر ميمونة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أن ميمونة كانت تصلي في الدرع والخمار ليس عليها إزار" لأن ذلك جائز، وإن كان الأفضل أن يكون تحت الثوب مئزر؛ لأنه أبلغ في الستر، لكن لا يعني أنه شرط أو لازم.
"وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن امرأة استفتته فقالت: إن المنطق -كمنبر ما يشد به الوسط- يشق علي أفأصلي في درع وخمار؟ فقال: نعم إذا كان الدرع سابغاً" كما تقدم في حديث أم سلمة، سابع بمعنى أنه يغطي ظهور القدمين، ساتراً لظهور القدمين، وذهب أبو حنيفة -رحمه الله- إلى أنه لا يجب ستر القدمين، وشيخ الإسلام يستروح إلى مثل هذا لأن الخبر في ثبوته كلام.

(22/40)


يقول أبو عمر بن عبد البر: المنطق والحقو والإزار والسراويل بمعنىً واحد، بمعنى أنها كلها تصل إلى منتصف البدن، نعم؟
طالب:. . . . . . . . .
الملحفة ما يغطى به مثل الجلال ومثل .. ، تلتحف به، أقرب ما تكون الجلال، إيه نعم زيادة.
طالب:. . . . . . . . .
وش هو؟
طالب:. . . . . . . . .
ثوب يليق بالنساء لا يكون تفصيله مثل تفصيل الرجال لكنه ثوب، ما يلزم؛ لأنه يصير تشبه لو صار مثله، لكنه ثوبٌ يناسب النساء، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(22/41)