شرح الموطأ عبد الكريم الخضير

الموطأ - كتاب الصيام (1)
باب رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين، يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله-:

كتاب الصيام: باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)).
وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشهر تسع وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)).
وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان، فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن الهلال رؤي في زمان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- بعشي، فلم يفطر عثمان، حتى أمسى، وغابت الشمس، قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: "في الذي يرى هلال رمضان وحده أنه يصوم، لا ينبغي له أن يفطر، وهو يعلم أن ذلك اليوم من رمضان" قال: "ومن رأى هلال شوال وحده فإنه لا يفطر؛ لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأموناً، ويقول أولئك إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال، ومن رأى هلال شوال نهاراً فلا يفطر ويتم صيام يومه ذلك، فإنما هو هلال الليلة التي تأتي.
قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول: "إذا صام الناس يوم الفطر، وهم يظنون أنه من رمضان، فجاءهم ثبت أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا بيوم، وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون، فإنهم يفطرون في ذلك اليوم أية ساعة جاءهم الخبر، غير أنهم لا يصلون صلاة العيد، إن كان ذلك جاءهم بعد زوال الشمس".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(58/1)


يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصيام:
البسملة هذه يثبتها كثير من رواة الموطأ، وهي موجودة في غيره من كتب السنة، بجميع كتب صحيح البخاري عند جل الرواة تثبت البسملة أحياناً قبل الترجمة، قبل كتاب الصيام، وأحياناً بعدها، وأحياناً يقول: كتاب كذا بسم الله الرحمن الرحيم باب كذا، وأحياناً يقول: بسم الله الرحمن الرحيم كتاب الصيام مثلاً، ولكل منهما وجه، أما البداءة بها فعلاً قبل الكتاب فهذا هو الأصل، هذا هو الأصل من أن التسمية قبل الكلام، ومن جعل التسمية بعد الترجمة قال: إن الترجمة كتاب الصيام مثلاً بمنزلة اسم السورة في القرآن، واسم السورة مقدم على البسملة، وعلى كل حال هذه أمور غير مؤثرة، يعني تذكر مقدمة أو مؤخرة، هذا غير مؤثر، وكتاب الصيام، الكتاب مضى التعريف به في مواضع متعددة؛ لأن كتاب الصيام الكتاب الثامن عشر من كتب الموطأ، وهو ماشي على ترتيب حديث ابن عمر: ((بني الإسلام على خمس: شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، والحج)) هو ماش على هذا الترتيب، كما هو مخرج في صحيح مسلم، بتقديم الصيام على الحج، قال رجل لابن عمر كما في الصحيح: "الحج وصوم رمضان" قال: "لا صيام رمضان والحج"، أنكر على هذا المستدرك، مع أنه مخرج عن ابن عمر في الصحيحين بتقديم الحج على الصيام، وعلى هذا بنى البخاري ترتيب كتابه، وقدم المناسك على الصيام، والجمهور على تقديم الصيام على الحج، وهناك ترتيب غريب في سنن أبي داود، غريب جداً بدأ بالطهارة، ثم الصلاة، ثم الزكاة، ثم الرابع اللقطة، والخامس: المناسك، السادس: النكاح، السابع: الطلاق، الثامن: الصيام، لا اعتمد رواية ابن عمر لا هذه ولا هذه، وعلى كل حال يوجد في بعض روايات سنن أبي داود تقديم بعض الكتب على بعض؛ لكن الآن المتداول على هذا الترتيب.
حقيقة الذي يهمنا تقديم الصيام على الحج أو الحج على الصيام البخاري بنى ترتيب كتابه على الرواية المتفق عليها من حديث ابن عمر بتقديم الحج على الصوم.

(58/2)


ولا شك أن جاء في شأن الحج من تعظيم أمره ما لا يوجد نظيره في الصيام مثلاً في قوله -جل وعلا-: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً} بعد ذلك قال: {وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ} [(97) سورة آل عمران] ترك الحج أمره عظيم، وشأنه خطير، ولذا كتب عمر -رضي الله عنه- كتب إلى عماله: أن انظروا من كان ذا جده فلم يحج فاضربوا عليهم الجزية، ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين، فشأن الحج عظيم، ولهذا قدمه الإمام البخاري على الصوم معتمداً على الرواية التي خرجها من حديث ابن عمر.
أما مسلم وغيره من الأئمة قدموا الصيام على الحج، وهذا عليه عمل الجمهور، عليه عمل الأكثر، والمسألة مسألة اجتهاد، وكل منهم اعتمد على رواية في الصحيح؛ لكن ماذا عن إنكار ابن عمر على من استدرك عليه، لما روى الحديث في صحيح مسلم بتقديم الصيام على الحج، قال رجل: "الحج وصوم رمضان؟ " قال: "صوم رمضان والحج"، كيف يرد ابن عمر -رضي الله عنهما- على هذه الرجل مع أنه ثابت عنه بتقديم الحج على الصوم؟ ولو قيل: بأن رواية تقديم الحج على الصيام أرجح من رواية تقديم الصيام على الحج ما بعد، لماذا؟ لأنها في الصحيحين، أما تقديم الصيام على الحج فهي من مفردات مسلم.

(58/3)


على كل حال رد ابن عمر على هذا الذي استدرك عليه، العلماء، بينوا السبب، لماذا رد؟ فممن تكلم في هذه المسألة النووي، وقال: "الذي يظهر أن ابن عمر يروي الحديث عن النبي -عليه الصلاة والسلام- على الوجهين، وهذه الجمل معطوفة بالواو، والواو لا تقتضي الترتيب، فسواء قدم الصوم أو قدم الحج هو رواه مرة كذا ومرة كذا، عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، فلما رواه على الوجه الثاني واستدرك عليه من استدرك أراد أن يؤدبه، فقال له: لا، لا تنكر ما لا علم لك به، وهذا قد يحتاج إليه المعلم بتربية من يجرؤ على الرد من الطلاب، لا سيما في مقابل الكبار من الشيوخ؛ لأن تجد من بعض طلاب العلم من السهل عليه جداً أن يسمع الشيخ يتكلم في مسألة -ولو كان من الكبار- فيقول: لا يا شيخ، لا يا شيخ فلان يقول: كذا، هذا أدب؟ أحياناً يأتي يسأل يستفتي هذا الشيخ، فإذا أجابه قال: لا يا شيخ الشيخ فلان يقول: كذا، هل هذا من الأدب؟ مثل هذا يحتاج إلى من يؤدبه، مثل هذا لا يرد ما لا علم له به، وإن كان ما ذكره له وجه يصح؛ لكن هذا في باب التربية، تربية الطلاب على الأسلوب المناسب للتعامل مع الكبار، فطالب العلم عليه أن يسلك الأسلوب المقبول، سواءً كان مع زملائه وأقرانه فضلاً عن شيوخه وعلمائه، هذا الاحتمال الذي أبداه النووي.

(58/4)


الحافظ ابن حجر -رحمه الله تعالى- يرى أن سبب الإنكار أن هذا هو الثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بتقديم الصيام على الحج، طيب الرواية التي في الصحيحين من حديث ابن عمر بتقديم الصيام على الحج، ماذا يقول عنها ابن حجر؟ يقول: "رواه الراوي بالمعنى" الراوي روى هذه بالمعنى، من أجوبة النووي وهذا يلحق بكلامه السابق، النووي يقول: "يحتمل أن ابن عمر يروي الحديث على الوجهين، فلما رواه في هذا المجلس على تقديم الصوم على الحج، واستدرك عليه المستدرك نسي ابن عمر الوجه الثاني، وقال له: لا" نسي، ولذا يقول ابن حجر: "إسقاط النسيان والوهم بالتابعي الذي هو حنظلة الذي يروي عن ابن عمر أولى من إسقاط الوهم والنسيان بالصحابي" بدليل أن البخاري خرج الحديث أيضاً بتقديم الحج على الزكاة، هل يستطيع أن يقول النووي -رحمه الله-: أن ابن عمر رواه على ثلاثة أوجه؟ لا، هذا فيه بعد، وعلى كل حال ما ذكره النووي له وجه، لا سيما وأن الرواية بتقديم الحج على الصوم من المتفق عليه، وكون الخبر مخرج في الصحيحين من وجوه الترجيح على ما تفرد به أحدهما، وعلى كل حال الخطب سهل، يعني إذا قدمنا الصيام أو قدمنا الحج الأمر سهل ولكل وجه.
والصيام أحد أركان الإسلام، ومبانيه العظام، ركن بالاتفاق من جحد وجوبه كفر اتفاقاً، ومن اعترف بوجوبه وتركه من غير جحد لوجوبه جماهير أهل العلم على أنه لا يكفر، وفي رواية عن الإمام أحمد نصرها جمع من المالكية أن تارك أحد الأركان يكفر بما في ذلك الأركان العملية الصلاة والصيام والزكاة والحج، يكفر، لأنه إيش معنى كون الشيء ركن؟ كون الشيء ركن إيش معناه؟ إن هدم ركن خلاص هدم البناء، نعم ينهدم البناء، لكن عامة أهل العلم على أنه لا يكفر، أما لم يأت بالشهادتين فهذا لم يدخل في الدين أصلاً، وتارك الصلاة حكمه معروف، كفره جمع من أهل العلم، وهذا الذي تدل عليه النصوص، ونقل اتفاق الصحابة عليه، أما بقية الأركان فعامة أهل العلم على عدم كفر من ترك واحد منها.

الصيام وجوبه بالكتاب والسنة والإجماع:

(58/5)


أما الكتاب: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [(183) سورة البقرة] في الآية إشارة إلى أعظم حكم الصيام، أعظم حكم الصيام وهو أنه يورث التقوى، والمراد بالصيام المورث للتقوى: الصيام الذي يؤدى على الوجه المشروع، وهو الصيام المكفر، في الحديث: ((رمضان إلى رمضان)) هذا المراد به هذا الصيام الذي يؤتى به على الوجه المشروع، الذي لا يخالطه مخالفة ((من لم يدع قول الزور، والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)) يعني شخص يصوم بالنهار، وينام عن الصلوات، هذا إيش الفائدة من صيامه؟ أو يقوم ليؤدي الصلوات في وقت، ثم يرجع ويتفرغ بالليل لأذية المسلمين، مثل هذا أورثه التقوى؟ هذا ما ترتبت آثاره عليه؛ لكن في الجملة صحيح ومسقط للطلب، لا يؤمر بقضائه ولا إعادته، يبقى أننا نظر مع الصحة والإجزاء الآثار الشرعية المرتبة على العبادة، نأتي بصيام يورث لنا التقوى، ونأتي بصلاة تنهانا عن الفحشاء والمنكر، ولا يمكن أن نأتي بعمل تترتب عليه آثاره إلا إذا جئنا به على الوجه المشروع.
الصيام فرض في السنة الثانية من الهجرة، وصام النبي -عليه الصلاة والسلام- تسعة رمضانات، فيه فوائد متعلقة بالدين، وتربية للنفس، وتزكية لها، فيه أيضاً: مظهر من مظاهر عدل الله -جل وعلا- بين عباده ليتذكره الخلق فيعدلوا بين من ولاهم الله أمره، فوجه العدل في الصيام أنه يجب على الغني والفقير، يجب على الأمير والحقير، على الملوك وعلى السوقة، ما أحد يعفى من الصيام، وهو قادر عليه، فهذا من عدل الله -جل وعلا-.

(58/6)


فيه أيضاً فوائد صحية: خلو المعدة من الأطعمة المتراكمة والدهون والشحوم، لا شك أنه مفيد صحياً، ولذا ينصح كثير من المرضى بأنواع من المرض بالحمية، وهذا نوع منها، فإذا صام الإنسان تخلص من كثير من الفضلات، والمراد بذلك مثل ما ذكرنا، الصيام الذي تترتب عليه آثاره، قد لا تترتب الآثار ولا الصحية الدنيوية، على بعض أنواع الصيام، الشخص إذا ملأ بطنه في السحور من أنواع الأطعمة، ثم نام إلى الظهر هذا كم يحرق من طعامه ما نسبته كم؟ ما يحرق شيء، ثم بعد ذلك الظهر يمكن ينام بعد، أو يواصل، كما في صيام كثير من أهل التفريط والغفلة، مثل هذا لا تترتب عليه آثار لا الدينية ولا الدنيوية، صيام كما يعبر الناس بأسلوبهم اليوم أجوف، والله المستعان.
يقول: باب ما جاء في رؤية الهلال للصوم والفطر في رمضان:
حدثني يحيى عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)).
نعم هذه الوسيلة الشرعية لإثبات دخول الشرع وخروجه، الأمر بالصيام معلق برؤية الهلال، والأمر بالفطر كذلك ((لا تصوموا حتى تروا الهلال)) والخطاب يتجه إلى الأمة جميعها أو مجموعها؟ يقال: يتجه إلى المجموع أو للجميع؟ إيش الفرق بينهما؟
طالب:. . . . . . . . .

(58/7)


لكن الآن يتجه الخطاب إلى الأمة بمجموعها أو بجميعها؟ يتجه إلى الجميع أو يتجه إلى مجموع الأمة، إذا قلنا: يتجه إلى الجميع، هو يتجه إلى المجموع، لو قلنا: يتجه إلى الجميع، لقلنا: لا يصوم أحد حتى يرى الهلال، في شخص بعينه، وإذا قلنا: الخطاب متجه إلى المجموع، قلنا: تصوم الأمة بمجموعها إذا ثبت رؤيته من قبل من يثبت الهلال برؤيته على الخلاف بين أهل العلم هل يثبت بواحد أو باثنين؟ على ما سيأتي، فهو خطاب لمجموع الأمة، وهل هو خطاب لمجموعها الشامل بمعنى أنه يلزم الأمة من مشرقها إلى مغربها، إذا رآه من يثبت دخول الشهر برؤيته، أو أنه بالنسبة لمن تشمله هذه الرؤية؟ وهي مسألة اختلاف المطالع أو اتفاق المطالع، يعني هل المطالع متفقة أو مختلفة؟ يعني الآن عرفنا أنه لا يمكن أن يتجه إلى كل فرد فرد من جميع الأمة؛ لكن هل يتجه إلى مجموع الأمة بجميع أقطارها وأقاليمها، أو أن أهل كل قطر يمكن أن يتجه لهم الخطاب على حده، باعتبار أن الهلال قد يخرج في بلد، ويطلع ويرى، ولا يرى في بلد آخر، وهل معنى عدم رؤيته في البلد الآخر أو الإقليم الآخر أنه لم يطلع فعلاً أو لم ير وإن كان طالعاً؟ لأنه رؤي في بلد آخر، هذه المسألة الآن هي مسألة اتفاق المطالع أو اختلاف المطالع، فإذا رؤي في الشام هل يلزم أهل هذه البلاد الصيام؟ أو لا يلزم؟ أو إذا رؤي في المشرق هل يلزم أهل المغرب أو العكس؟
طالب:. . . . . . . . .
على الخلاف المعروف المشهور، يعني الأكثر على أنه إذا رؤي الهلال في بلد من بلدان المسلمين لزم الناس كلهم الصوم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا الكلام الذي قلناه، المسألة مشقة، العميان يتجه إليهم؟ ضعيف البصير يتجه إليه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هو متجه لمجموع الأمة، هو متجه إلى مجموع الأمة، يستحيل أن يتجه إلى الجميع، يستحيل استحالة عقلية وشرعية أن يتجه إلى الجميع.
طالب:. . . . . . . . .
بلا شك، معروف.

(58/8)


أقول: مسألة الاتحاد والاختلاف في المطالع مثل هذا النص لا شك أنه يحتمل ما دام ليس متجه إلى الجميع، بل إلى من يثبت الحكم بشهادته، فالمأمورون بصيام رمضان إذا رؤي من قبل من يثبت الشهر بشهادته، فالمسألة التي أشرنا إليها مسألة المطالع واختلافها، فيها مثل هذا الحديث الشامل الذي يتناول الأمة بكاملها، وفيها حديث ابن عباس في صحيح مسلم لما جاء كريب من الشام، وقد صام الناس في الشام قبل أهل المدينة بيوم، فقال كريب لمعاوية: الناس صاموا فأكملنا الثلاثين فلنفطر، فقال ابن عباس: "لا، لا نفطر حتى نراه، هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" فهل معنى هذا أن ابن عباس يرى أن مطلع الشام غير مطلع المدينة؟ هذا هو الظاهر من النص، أن ابن عباس يرى أن مطلع الشام غير مطلع المدينة، هذا هو المتبادر من النص، وبه يستدل أهل العلم على اختلاف المطالع، حتى رأى بعضهم أنه نص في المسألة، وهو مقدم على هذه العمومات؛ لكن الذي يقول باتحاد المطالع ماذا يقول؟ يقول: أن ابن عباس -رضي الله عنهما- بقوله: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أخذاً من قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) يعني ما في نص خاص مرفوع يدل على اتحاد المطالع، إلا كلام ابن عباس، وكلام ابن عباس يحتمل أنه سمع من النبي -عليه الصلاة والسلام- أمر خاص يدل على اختلاف المطالع، والاحتمال الثاني: أنه استند إلى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) فعلى هذا تتحد النصوص.

(58/9)


ولذا يتسامح كثير من أهل العلم ويرون أنه لا مانع من أن يفتى ويلزم الناس بالصيام على اتحاد المطالع، على أنه يلزم أهل المشرق برؤية أهل المغرب والعكس؛ لأن النصوص محتملة، يعني عندنا في مسألة اختلاف المطالع حديث ابن عباس، وهو في صحيح مسلم، ويقول: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، بعضهم يرى أن هذا الحديث نص في اختلاف المطالع، وأن أهل الشام لهم رؤيتهم، وأهل المدينة لهم رؤيتهم، وهكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فيرى هذا نص في اختلال المطالع، ومنهم من يقول: أن ابن عباس وإن كان يفهم من كلامه هو القول باختلاف المطالع؛ لكن قوله: هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، استناداً إلى قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) الذي يستدل به غيره على اتحاد المطالع ((صوموا لرؤيته)) ويكون حينئذ هذا اجتهاد منه.
طالب:. . . . . . . . .
لا هو لما أنكر على كريب رؤية معاوية والناس، وأن هذه تخصهم، وأننا لن نفطر مع معاوية ولا مع الناس، لن لنا رؤية خاصة، يعني تصرف ابن عباس واضح في أنه يدل على اختلاف المطالع ..
طالب:. . . . . . . . .
لماذا؟ لأن معاوية لا بد أن يفطر هذا اليوم؛ لأنه ما أكمل ثلاثين يوماً، ابن عباس يقول: ما نفطر.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، هو الاحتمال أن ابن عباس سمع نص خاص يدل على اختلاف المطالع، احتمال؛ لأنه لم يفطر برؤية معاوية من أجل رؤية معاوية؛ لأنه على ضوء رؤية معاوية يكون أهل المدينة كملوا ثلاثين يوم، كملوا ثلاثين يوم، ما افطروا، فتصرفه هذا قطعاً يدل على اختلاف المطالع؛ لكن قوله: "هكذا أمرنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" هل سمع نصاً خاصاً من النبي -عليه الصلاة والسلام- يدل على اختلاف المطالع؟ نقول: هذا هو المظنون به، وهو الظاهر؛ لكن من أهل العلم من يرى لكي تتحد النصوص أنه استند لقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) واحنا ما رأيناه.

(58/10)


على كل حال من الشيوخ الذي ما هم من المقلدة، من أهل الأثر والنظر أيضاً من يرى أن المسألة فيها سعة، أن الإمام إذا رأى إلزام الناس كلهم برؤية شخص واحد سواءً كان في المشرق أو في المغرب فإن له ذلك وعموم هذه النصوص تشمله، والأمة بتاريخها السابق ما وجد عندها مشكلة على مر العصور بين الأقاليم والأقطار الإسلامية، لا على القول بالاتحاد، ولا على القول بالاختلاف؛ لكن إشكالنا الآن في هذه الحدود السياسية، يعني مع هذه الحدود السياسية هي التي أوجدت إشكالات، فمثلاً أقصى هذه البلاد مثلاً التي تبعد عن موطن الرؤية ألف كيلو مثلاً، وتقرب من البلد الثاني الذي يختلف معه في المطلع من الشام مثلاً بعشرات كيلوات مثلاً، يقول: يصومون تبع الشام، تبوك مثلاً وعرعر، والجهات الشمالية يصومون تبع الشام أو تبع نجد، أو تبع نجران.
طالب:. . . . . . . . .
الحدود السياسية أوجدت إشكالات، والذي يجعل الأمة تتفاوت في مثل هذا حقيقةً بعض البلدان لا نتكلم عن بلد بعينه، وسائلهم لإثبات دخول الأشهر قد لا يقتنع بها الآخرون، يعني أدخلوا وسائل حديثة، وبعضهم اعتمد على حساب، وبعضهم تنكب عن الوسائل الشرعية، فكيف مثلاً يلزم الناس برؤيتهم؟ حتى على القول باتحاد المطالع؟
طالب:. . . . . . . . .
رؤي الهلال في صعدة –مثلاً- أهل الطوال يصومون مع صعدة وإلا مع الرياض؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، هناك بعض البلدان متحدة؛ لكن يبقى أن عموم المسألة مشكلة في الحدود؛ لأنه أحياناً تقرب من البلد الثاني الذي يختلف معه في المطلع.
وعلى كل حال إذا صام الناس على رؤية شرعية مبنية على رؤية ثقة أو ثقات، وأمرهم الإمام، وألزمهم به، واجتمعت كلمتهم على ذلك فهم على خير قطعاً، ولا نشك في هذا، ولنا وسائلنا الشرعية المعتبرة، ولا زلنا -والحمد لله- بخير، ويترقب الهلال، ويؤمر بترقبه، سواءً حصل فعلاً وجد، أو لم ير وقد وجد، يعني عندنا وسائلنا التي كلفنا بها شرعاً، يعني سلكنا الوسائل الشرعية، فنتائجنا -بإذن الله- شرعية.

(58/11)


أفترض أن الناس تراؤا الهلال، ما رأوا الهلال، وهو بالفعل موجود طالع الهلال؛ لكن بوسائلهم الله -جل وعلا- لا يكلف نفساً إلا ما آتاها، ما رأوا الهلال، ثم بعد ذلك ليلة تسعة وعشرين رؤي الهلال، إحنا أخطأنا؟ ما أخطأنا، سلكنا الوسائل الشرعية التي أمرنا بها شرعاً، كوننا أصبنا أو أخطأنا أبداً لا إشكال في هذا، وليس في هذا أدنى إشكال، ولله الحمد.
يعني أفترض مثل ما قوله في الحديث الصحيح: ((إنما أنا بشر)) وهو مؤيد بالوحي ((إنما أحكم على نحو ما أسمع)) يحكم بوسائل شرعية، أخطأت هذه الوسائل الشرعية النتيجة صحيحة، من حيث الحكم صحيحة؛ لكن يبقى أنه لو عرف المحكوم له أن وسيلته التي أثبت بها الحق ليست شرعية، عرف ما يخفى على القاضي مثلاً، جاء بشهادة زور، ووثق الشهود عند القاضي، ليس له أكثر من هذا، النتيجة صارت غير صحيحة؛ لأن الوسيلة غير صحيحة؛ لكن يبقى أن الحكم صحيح؛ لأن الوسائل شرعية، فيتناوله الوعيد ((فإنما أحكم له بقطعة من نار، فليأخذها أو ليدعها)) يبقى أن القاضي لا إشكال عنده، ولا إثم عليه إلا إذا فرط، ويبقى أن الثاني -المحكوم عليه- عليه أن يرضى ويسلم، وأن المحكوم له بشهادة غير صحيحة، يتفق الله، عليه أن يتقي الله -جل وعلا-، وخوطب بنصوص خاصة، ويبقى أن الوسائل صحيحة، والنتائج تخرج صحيحة ظاهراً، أما الباطن هو الذي يتولاه الله -جل وعلا-، فنحن مأمورون بما ركب فينا.
والمراد بالرؤية رؤية العين المجردة، لسنا بمطالبين أن نوجد مراصد ولا درابيل ولا غيرها؛ لكن لو وجدت هذه الأمور، ورؤي من خلالها ما نقول: أن هذه ما هي برؤية، هي رؤية، رؤية عين لكنها عين بواسطة، لا يمكن أن توجد هذه المراصد والهلال ما هو موجود، إنما هي زيادة احتياط، وإلا فالأصل أننا لا نكلف غير العين المجردة، كوننا نحتاط ونزداد من الاحتياط في هذا الباب وندعو المراصد والدرابيل هذا لا بأس به، لكن مع عدمها لا يترتب حكم العدم، فالمسألة مفترضة مع عدم هذه الوسائل.
طالب:. . . . . . . . .

(58/12)


لا، حتى الرؤية بالآلة، بالجهاز إيش المانع؛ لكنها لو عدم ما نقول: أن هناك رؤية ندور معها حيثما دارت وجدت ما وجدت ما علينا منها، يعني مثل الآن بإمكانك مع الابتعاد تقرأ في الكتاب تتعب قليلاً، شيئاً لا تشوفوه لست مكلفاً بقراءته؛. . . . . . . . . ولا يجب عليك أن تشتري نظارة، لكن إذا اشتريت وقرأت تريد الخير تؤجر على هذا -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الأصل، والآن لو كانت الأمة يحكمها حاكم واحد، ويلزم الناس جميعاً له ذلك؛ لكن باعتبار وجود هذه الحدود، وهذه الدول المختلفة في وسائلها وفي طرائقها، وفي أيضاً الناس أيضاً يتفاوتون العدل في البلاد الفلاني ليس بعدل في هذه البلاد، والعدل في هذه البلاد قد لا يروى في تلك البلاد؛ لأن العدالة مبناها على ملازمة التقوى والمروءة، المروءة تختلف من بلد إلى بلد، أنا لا أقبله في البلد الفلاني؛ لأنه لم يلاحظ المروءة عندي أنا مثلاً، دعنا من مسألة العدالة، العدالة شيء متفق عليه؛ لكن يبقى أن هناك أمور ما تخفى على الناس، أمور في وسائلها، ما تحتاج إلى مزيد بسطها.
طالب:. . . . . . . . .
ما أحد يلزمك، ما في أحد يلزم، لا سلطان له عليك كيف يلزمك؟
طالب:. . . . . . . . .
لكن افترض أنت في بلد ما، والبلد الثاني الذين رأوا الهلال بوسائلهم التي تختلف عن وسائلك.
طالب:. . . . . . . . .
أنا أقول: أن وجود الحدود، هذه الحدود التي فصلت بين بلاد المسلمين ترى أوجدت مشكلة في هذه المسألة وفي كثير من المسائل، أنت افترض هذه البلدة في آخر هذا البلد، وقريبة من البلد الآخر، صام البلد الآخر تصوم هذه تبعهم أو ما تصوم، الذي ما بينها وبينهم إلا عشرة كيلو أو تصوم تبع بلد بينهم ألفين كيلو؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني أنا قلت: لك أن الحدود أوجدت مشكلة، وعلى كل حال إذا صام أهل بلد تبعاً لولي أمرهم الشرعي وألزمهم بذلك، وقد التزم بذلك بناءً على رؤية من يثبت دخول الشهر برؤيته انتهى الإشكال.
طالب:. . . . . . . . .
ما يمكن وفي ولي أمر يلزمهم إلزام، المسألة مفترضة في بلد مسلم في ولي أمر مسلم، يعني ممكن أنا تقول مثل هذا في الأقليات، في الجاليات في بلاد الكفر.

(58/13)


طالب:. . . . . . . . .
يختلف معهم المطلع أو ما يختلف؟ إذا اختلف لا تصوم إلا مع بلدك.
طالب:. . . . . . . . .
((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه)) فالصيام والإفطار مرتبط بالرؤية ((فإن غم عليكم فاقدروا له)) غم عليكم يعني ليلة الثلاثين من شعبان في غيم أو غبار أو قتر، ولم يتمكن من تصدى للرؤية من الرؤية، لوجود ما يحول دون رؤيته، يصوم الناس أو ما يصومون؟ ((فإن غم عليكم فاقدروا له)) الراوي ابن عمر يفسر قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((فاقدروا له)) أي ضيقوا عليه، ضيقوا على إيش؟ على شعبان وإلا على رمضان؟ على شعبان، يعني اجعلوه تسعة وعشرين وصوموا، وهو راوي الحديث، وهو المعتمد عند الحنابلة أن مثل هذا اليوم يصام، "فإن حال دونه غيم أو قتر فظاهر المذهب يجب صومه" وفي رواية أخرى في المذهب: "يجوز صومه" والرواية الثالثة وهي الصحيحة أنه هو يوم الشك، الذي من صامه فقد عصى أبا القاسم.
هذا التفسير ((فاقدروا له)) يعني ضيقوا عليه، هذا قول، ومنهم من قال: تفسر هذه الرواية بما جاء بدلها في الصحيح ((فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) وفي رواية: ((فأكملوا عدة شعبان ثلاثين)) نص، وإذا أنضاف إلى هذا النص قول عمار: "من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم -صلى الله عليه وسلم-"، فلا يجوز صيام يوم الشك.
هناك تأويل ثالث ذهب إليه بعضهم وهو قول مهجور، قالوا: معناه: فاقدروا له بحساب المنازل، قاله أبو العباس بن سريج من الشافعية، ويروى عن مطرف بن عبد الله من سادات التابعين معروف، وابن قتيبة قال ابن عبد البر: لا يصح عن مطرف، وأما ابن قتيبة فليس ممن يعول عليه في مثل هذا، يبقى ابن سريج من الشافعية، ويكون قول له.

(58/14)


على كل حال هذا قول مهجور، التعويل على الحساب قول مهجور، بل نقل بعضهم الإجماع، شيخ الإسلام حكى الإجماع على عدم التعويل على الحساب، وأنه لا قيمة له، بل الصوم والفطر معلق بالرؤيا بالنصوص الصحيحة الصريحة القطعية ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) ((لا تصوموا حتى تروا الهلال)) ولا دعوى لنا بحساب ولا غيره، بعضهم يلبس ويقول: أننا نعتمد الحساب في أوقات الصلوات، وهي أهم ولا نعتمد الحساب في الصوم، يقول: التقويم الآن نعتمده وهو حساب، بينما الصيام ما نعتمده وهو دون الصلاة؟ هذه شبهة يوردها بعضهم؛ لكن في الأمور المطردة، الأمور المنضبطة في الحساب يعتمد عليها، الأسبوع سبعة أيام وإيش المانع من أن نقول: اليوم السبت، وغداً الأحد؟ اليوم والليلة أربعة وعشرين ساعة، وكل ساعة ستين دقيقة منضبطة، وثبت بالاطراد والحساب، حساب دخول الأوقات مبني على رصد للشمس، الشمس منازلها لا تختلف، بينما منازل القمر تختلف لماذا؟ لأنه شهر تسعة وعشرين، وشهر ثلاثين، يعني لو كانت الأشهر كلها ثلاثين، أو كلها تسعة وعشرين قلنا: لا مانع من الحساب؛ لأنه ما يختلف، لن تختلف الرؤية عن الحساب؛ لأن هذه أمور مطردة أما شهر تسعة وعشرين، وشهر ثلاثين، وشهر تسعة وعشرين وهكذا، لا بد من التفاوت بين الحساب وبين ظهور الهلال وعدم ظهوره، بخلاف ما يقسم إليه اليوم والليلة وبخلاف ما يقسم عليه الأسبوع؛ لأن هذا مطرد.
يقول: وحدثني عن مالك عن عبد الله بن دينار عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((الشهر تسع وعشرون)) هذا بناءً على الغالب، الغالب أن الأشهر تسعة وعشرون يوم ((الشهر تسعة وعشرون، فلا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فاقدروا له)) في البخاري: ((فأكملوا العدة ثلاثين)) وستأتي.

(58/15)


وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذكر رمضان فقال: ((لا تصوموا حتى تروا الهلال، ولا تفطروا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) هذه نصوص بأنه إذا لم يتمكن من رؤية الهلال لما يحول دون رؤيته أن شعبان يكمل ثلاثين، افترض أن الناس كملوا شعبان ثلاثين ثم ليلة تسعة وعشرين من رمضان رؤي الهلال، تبين أن يوم الشك -يوم الغيم- من رمضان؛ لكن يأثمون الناس لماذا لم يصوموا ونقص شهرهم؟ لا ما يأثموا، وسائلهم شرعية، وداروا حيثما وجهوا، ولا إشكال.
هذا الحديث منقطع؛ لأن فيه واسطة بين ثور بن زيد الديلي وعبد الله بن عباس يريه أبو داود والترمذي والنسائي من طريق سماك عن عكرمة عن ابن عباس، فالراوي عن ابن عباس عكرمة، يرويه أيضاً روح ابن عبادة عن مالك، يعني بهذا الإسناد عن مالك عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس، فالواسطة بين ثور بن زيد الديلي وعبد الله بن عباس هو عكرمة.
زعم بعضهم أن مالكاً أسقط عكرمة عمداً، لما فيه من الكلام، سعيد بن المسيب وغيره تكلموا في عكرمة، وقال بعضهم: أنه يرى رأي الخوارج، وإن لم يثبت عنه؛ لكن الكلام في عكرمة معروف عند أهل العلم، والإمام مالك -رحمه الله- من أشد الناس احتياطاً في هذا الباب، فزعم بعضهم أن مالكاً أسقط عكرمة عمداً للكلام المذكور فيه، ولا يصح ذلك لماذا؟ لأن مالك خرج لعكرمة باسمه بالتنصيص، يعني لو شفنا في كتاب المناسك هنا يقول: باب من أصاب أهله قبل أن يفيض: وحدثني عن مالك عن ثور بن زيد الديلي عن عكرمة مولى ابن عباس قال: لا أظنه إلا عن عبد الله بن عباس، يعني صرح باسمه، والبخاري احتج بعكرمة، الإمام البخاري احتج بعكرمة، فحذفه على طريقة الإمام مالك في مسألة القطع والبلاغات والمراسيل، هذه الإمام مالك -رحمه الله- لا يرى فيها إشكال، وكثير مر بنا من مثل هذا، تجده مرسل عن مالك وموصول في الصحيحين، فعلى كل حال مالك روى عن عكرمة وخرج له وصرح باسمه، فلا وجه لمن قال أن الإمام مالك أسقطه عمداً.

وفي البخاري احتجاجاً عكرمة ... مع ابن مرزوق وغير ترجمة

فمثل هؤلاء يخرج لهم في الصحيح، وخرج لهم الإمام مالك.

(58/16)


طالب:. . . . . . . . .
إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا ما يمكن.
طالب:. . . . . . . . .
. . . . . . . . . إذا شهد من يثبت الحكم بشهادته ولد الهلال، ولو قال الحساب: أنه ما ولد، ما علينا منهم؛ لأنه عندنا وسائل شرعية نبني عليها سواءً طابقت الواقع أو لم تتطابق، عندنا وسائلنا الشرعية.
طالب:. . . . . . . . .
الرائي قد يتوهم؛ لكن ما عندك إلا أن تحكم بالوسائل التي أمرت بها، يعني كونها طابقت الواقع أو لم تتطابق فهذا ليس لديك، إذا جاءك من ترضى دينه، وهو ثقة عدل في نفسه إيش المانع؟ وسيأتي مثلاً قبول شهادة ...
طالب:. . . . . . . . .
من الذي قال: ما ولد؟ الحاسب، لا تلتفت إلى حسابه يا أخي، عندنا وسائل شرعية، نثبت من خلالها الدخول والخروج، وليس لنا أدنى التفات إلى غير وسائلنا الشرعية، الآن تفترض شهد اثنين، وهم كلهم عدول ثقات وجاءوا بمزكين، وانتهى الإشكال في قضية ما، وعندك أنت قرائن، وعندك مثلاً أدلة جنائية، وعندك وسائل جاءتنا من غيرنا، مثلاً كلاب أثبتت أن هذا عنده كذا، وشهد الشهود الثقات أنه ما عنده كذا، نقول: أن هذه وسائل ما تخلف، الكلاب مجربة وممرنة، لا، لا، يا أخي.
طالب:. . . . . . . . .
وإيش هو الذي ينقضه؟ حساب، وإيش يدريك أنه ما ولد، عندك نص أنه ما ولد، أو قال الحساب: أنه ما ولد، يا أخي أنت أحلت على الحُسّاب وإلا أحلت على الشاهد شرعاً؟ أحلت على أيش؟
طالب:. . . . . . . . .
لا نطعن في الشاهد، نطعن به في دينه نعم، عندنا وسائل الإثبات، إثبات العدالة، ونفي العدالة شرعية عندنا، وكل أمورنا مبنية على هذا، كون الشهادة خالفت الواقع ما خالفت، عندنا وسائل شرعية.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
رأى شهره، والحمد لله ثقة عدل، وتحمل المسئولية، الله يقويه.
طالب:. . . . . . . . .
لأنه مظنة للرد يا أخي، لا لأن الأصل الرد، مظنة للرد عمره مائة وثلاث سنين، ردوا شهادته ليش ما يردونه؟ يا أخي ما يشوف الحائط كيف بالهلال؟ ليس طعناً به، كل شيء موجود ما هو بشيء حدث.
طالب:. . . . . . . . .

(58/17)


لا، لا، عندنا ((نحن أمة أمية، لا نقرأ ولا نحسب، الشهر هكذا)) هذه وسائلنا الشرعية، ليش نتعداها؟ لماذا نتعداها؟
طالب:. . . . . . . . .
والله يا أخي الأمية لو بقيت كان خيراً كبير من تعلم العلوم التي يدرسها كثير من المسلمين، وما تغيرت الفطر إلا بسبب دخول كثير من العلوم على المسلمين، الأمية ما هي بصيغة ذم مطلقاً، يعني العيش خلف أذناب البقر كما يقول الإمام الذهبي خير من كثير من العلوم التي ترى، نبينا أشرف الخلق أمي، أشرف مخلوق على الإطلاق بدون استثناء أمي ..
طالب:. . . . . . . . .
لو قلنا: باتحاد المطالع الآن مشكلة، الآن باعتبار اختلاف البلدان في كثير من الأمور بلدان المسلمين لا يحكمها حاكم واحد يستطيع أن يلزم الأمة من شرقها إلى غربها، يعني إلزامه بحدود ولايته، وما عدى ذلك لا يستطيع أن يلزم، فيبقى أنه إذا ثبت عنده دخول الهلال يستطيع أن يلزم من تحت ولايته.
طالب:. . . . . . . . .
رؤي الهلال في هذه البلاء، وفي مصر ما رؤي الهلال هل لمصري أن يقول: أنا أتبع الحرمين ولا أتبع بلدي؟ الصوم متى؟ والفطر متى؟ والحج متى؟ خلي الاتحاد واجتماع الكلمة رحمة، وهدف ومقصد من مقاصد الشرع، يأتي في كلام مالك شيء يدل على هذا -رحمه الله-، يقول: وحدثني عن مالك أنه بلغه أن الهلال رؤي في زمن عثمان بن عفان بعشي، يعني بعد الزوال، فلم يفطر عثمان حتى أمسى وغابت الشمس
يعني هلال إيش؟ هلال الدخول وإلا هلال الخروج؟ هلال الخروج، فلم يفطر عثمان حتى أمسى وغابت الشمس، يعني إذا رؤي الهلال بعد الزوال فهو لليلة القادمة عند الجميع؛ لكن إذا رؤي قبل الزوال فالأكثر على أنه لليلة القادمة أيضاً، يعني إذا رؤي بعد طلوع الشمس انتهت الليلة الماضية بأحكامها، الكلام على الليلة القادمة.
يقول الثوري وأبو يوسف: "هو لليلة الماضية إذا رؤي قبل الزوال".

(58/18)


قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: في الذي يرى هلال رمضان وحده، رأى هلال رمضان متأكد ما عنده أدنى شك؛ لكن ردت شهادته، رأى هلال رمضان وحده فرأى الناس الهلال رآه شخص ذهب ليدلي بشهادته ما قبل ردت شهادته، وهو ما عنده شك أن رمضان دخل، يصوم أو يفطر؟ هل يصوم باعتبار أنه ((صوموا لرؤيته)) وقد رآه؟ {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] وقد شهد، أو نقول: مادام ردت شهادته والناس ما صاموا، والصوم يوم يصوم الناس؟ يقول الإمام مالك: يصوم وجوباً، ولا ينبغي أي لا يجوز له أن يفطر، وهو يعلم أن ذلك اليوم من رمضان، ما في مبرر للصيام، يعني هو رأى الهلال قامت عليه، خلاص دخل الشهر، إن أفطره صار مفطراً في يوم من رمضان من غير عذر، وهذا قول الأكثر، للأدلة السابقة ((صوموا لرؤيته)) ((لا تصوموا حتى تروه)) الغاية وجدت إذاً يوجد المغيا؛ لأنه يصدق عليه أنه رأى، فاتجه الخطاب إليه بالصيام، وقال عطاء والحسن وشريك وإسحاق: لا يصوم حتى يحكم الإمام بأنه من رمضان، يعني حتى يقبل شهادته الإمام، ويحكم بأنه من رمضان، ويلزم الناس بالصيام لماذا؟ لأنه إذا ردت شهادته، ولم يقم به غيره لماذا لا يتهم نفسه أنه لم ير الهلال فعلاً؟ هذه وجهة نظر من يقول: أنه لا يصوم، والصوم مع الناس.
قال: ومن رأى هلال شوال وحده، الآن إذا رأى هلال رمضان وحده يصوم، إذا رأى هلال شوال وحده يقول: فإنه لا يفطر لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
يقول: لا يفطر، لماذا؟ حفظاً لعرضه، أو لا يتهم، أو نقول: أن المسألة مسألة حكم شرعي، والدخول يثبت بشهادة واحد، والخروج لا بد من اثنين، كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال سيأتي هذا كله.

(58/19)


يقول: فإنه لا يفطر؛ لأن الناس يتهمون على أن يفطر منهم من ليس مأموناً، يعني من أهل الفسق، ويقول: أولئك إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال، لئلا يكون ذريعة إلى غيره، والغالب أن الذي ترد شهادته؛ لكن المسألة في خروج الشهر، في رؤية هلال شوال، ثقة من ثقات الناس رأى الهلال، وقال: رأيته، وقالوا: والله من معك ثاني، ما جاء أحد ترد شهادته، وتصوم الناس، إذاً لا بد أن تصوم لئلا تتهم، وتفتح باب لغيرك، بحيث كل من أراد أن يفطر في آخر الشهر يقول: والله أنا رأيت الهلال.
ويقول: أولئك إذا ظهر عليهم: قد رأينا الهلال، فمنع سداً للذريعة، وبه قال أبو حنيفة وأحمد وغيرهما، وقال الشافعي: يفطر وإن خالف، وإن خاف التهمة لم يفطر.
مالك ألزمه بالصيام لئلا يتهم، طيب، إذا ارتفعت منزلته عن التهمة، يشهد بعدالته وتحريه وحرصه الجميع، وممن يصوم يوماً ويفطر يوم، مثل هذا يتهم بأن يفرط في يوم من رمضان، ارتفعت حاله عن التهمة، ما عاد سيتهمه يفطر وإلا ما يفطر؟ على كلام الإمام الشافعي يفطر؛ لكن على كلام غيره لا يفطر، يفطر مع الناس.
طالب:. . . . . . . . .
الإمام الشافعي يقول: إذا خاف التهمة يفطر اعتقاداً، يعني يعتقد أنه مفطر؛ لكن لا يأكل لئلا يتهم.
ومن رأى هلال شوال نهاراً في الضحى، قبل الزوال، ومن رأى هلال شوال نهاراً فلا يفطر، ويتم صوم يومه ذلك، فإنما هو هلال الليلة التي تأتي اتفاقاً فيما بعد الزوال، وعند الأكثر فيما قبل الزوال، على ما تقدم.
قال يحيى: وسمعت مالكاً يقول: "إذا صام الناس يوم الفطر وهم يظنون أنه من رمضان فجاءهم ثبت -يعني ثقة- أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا بيوم، وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون فإنهم يفطرون في ذلك اليوم".
سمعت مالكاً يقول: "إذا صام الناس يوم الفطر -يعني يوم العيد- وهم يظنون أنه من رمضان"، ما رؤي الهلال ليلة العيد، "وهم يظنون أنه من رمضان فجاءهم ثبت -يعني ثقة- أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا بيوم وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون فإنهم يفطرون في ذلك اليوم أية ساعة جاءهم الخبر" الآن هذا الثبت يشهد بدخول الشهر أو بخروجه؟
طالب:. . . . . . . . .

(58/20)


لا ما يقبل بخروجه، هو يشهد بدخوله، وانبنى على قبول شهادته بدخوله خروجه؛ لكن لو شهد بالخروج مباشرة ما قبل، يقول: أنا أشهد أن رمضان دخل ليلة الخميس، ترى إحنا ما صمنا يوم الخميس، يعني لو جاءنا في وقتها وشهد نقبل شهادته، جاء وتأخر، هذا رأى الهلال يوم الأربعاء ليلة الخميس، والمسافة بينه وبين البلد الذي فيه الإمام شهر، الإمام ما تتصور مسألة بدون هذه الوسائل التي بلحظة يبلغ الآفاق الخبر، قد يقول قائل: لماذا ينتظر إلى ليلة العيد؟ نقول: ما وصل إلى المكان الذي فيه الإمام إلا بعد شهر، تعب، يمشي شهر كامل متصورة يعني قبل هذه الأزمان، فجاء يشهد بدخول الشهر، وعلى ضوء قبول شهادته بدخول الشهر أخرجنا نحن ما خرج بشهادته، أنما نحن أخرجنا الشهر؛ لأنه الشهر ما يمكن أن يكون واحد وثلاثين، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ لأنه لو جاء يشهد أن الشهر طلع ما قبلنا شهادته وحده؛ لكن هو يشهد في ظرف تقبل فيه شهادة الواحد.
طالب:. . . . . . . . .
افترض شخص جاء من نجران إلى مكة بدون وسيلة ..
طالب:. . . . . . . . .
أين؟ وكلام ابن عباس هل هو مبني على نص خاص أو على ((صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته))؟ نأتي إلى المسألة السابقة.
طالب:. . . . . . . . .
لكن نفترض أننا على الترجيح السابق، الآن ما يمكن أن يمشي الشخص شهر؟ هذا الشخص ما عنده وسيلة وبطيء في المشي ثقيل بنصف المسافة التي يقطعها من الشام. . . . . . . . . الشام، أخذ شهر يمشي.
طالب:. . . . . . . . .
ما في مرأة قطعت ثلاثمائة كيلو بسبعة أشهر، فالناس يتفاوتون في السرعة بعض الناس، يقطع في اليوم ما لا يقطعه غيره في أسبوع، وبعض الناس يحتاج إلى مدة، أنت افترض هذا الشخص بطيء، ومع اتحاد المطلع، دعنا من اختلاف المطالع، ما وصل إلا ليلة العيد، وقال: أنا رأيت الهلال ليلة الخميس، وأنتم ما صمتم إلا يوم الجمعة، إيش يقول مالك؟

(58/21)


وسمعت مالكاً يقول: "إذا صام الناس يوم الفطر، وهم يظنون أنه من رمضان فجاءهم ثبت أن هلال رمضان قد رؤي قبل أن يصوموا بيوم" هو رآه يوم الخميس، وإحنا ما صمنا إلا يوم الجمعة، وأن يومهم ذلك أحد وثلاثون، فإنهم يفطرون في ذلك اليوم؛ لأنه يوم العيد قطعاً، ما يمكن يصير الشهر واحد وثلاثين، لا بد أن يكون هذا يوم العيد، إحنا ما قبلنا شهادته في خروج الشهر، إنما قبلنا شهادته في دخوله، وبناءً على هذا الدخول الذي قبلناه، وسيلة شرعية ما في إشكال، بناء على هذه أخرجنا الشهر؛ لأنه لا يمكن أن يكون واحد وثلاثين، لكن هل نقضي ذلك اليوم أو ما نقضيه؟
هل نقول: والله ما شفناه وخلاص، والرسول يقول: ((صوموا لرؤيته)) وما رأيناه؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، المطلع متفق مع هذا الشخص الذي جاء.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لماذا؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه؛ لكنهم فرطوا في يوم داخل من الشهر.
طالب:. . . . . . . . .
جاءنا من يشهد بأن يوم الخميس من رمضان، والأصل أن شهادته مقبولة، نصوم وإلا ما نصوم؟ نقضي هذا اليوم وإلا ما نقضيه؟ يقول: فإنهم يفطرون في ذلك اليوم أية ساعة جاءهم الخبر، غير أنهم لا يصلون صلاة العيد، إن كان ذلك جاءهم بعد زوال الشمس"، لأنه بزوال الشمس ينتهي وقت صلاة العيد، وهل تقضى من الغد وإلا ما تقضى؟ يعني يصلون العيد من الغد أو لا يصلون؟ المالكية: لا تقضى، عند المالكية لا تقضى لئلا تشبه بالفرائض، وعند الحنابلة: تقضى، يصلون من الغد في وقتها، وعند أبي حنيفة والشافعي قولان كالمذهبين.
على كل حال المسألة التي ذكرناها هل نقضي صيام ذلك اليوم الذي ثبت أنه من رمضان بشهادة الثبت الثقة أنه من رمضان؟ يعني لو جاءنا ليلة ثلاثين مثلاً وإحنا ما صمنا إلا ثمان وعشرين، وجاء ليلة واحد وثلاثين وقد صمنا تسعة وعشرين، فرطنا في اليوم الأول، يعني لو جاءنا ليلة تسعة وعشرين وما صمنا إلا ثمان وعشرين قضينا قطعاًَ؛ لكن لو جاءنا ليلة واحد وثلاثين وإحنا مفرطين من اليوم الأول على ضوء شهادته فالذي يظهر القضاء، ما دام قبلنا شهادته نرتب عليها الأثر، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(58/22)


الموطأ - كتاب الصيام (2)
باب ما جاء في الصيام في السفر
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين، يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب ما جاء في الصيام في السفر:
حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان، فصام حتى بلغ الكديد، ثم أفطر فأفطر الناس، وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال: ((تقووا لعدوكم)) وصام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال أبو بكر: قال الذي حدثني: "لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعرج يصب الماء على رأسه من العطش، أو من الحر، ثم قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت، قال: فلما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالكديد دعا بقدح فشرب، فأفطر الناس".
وحدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: "سافرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم".
وحدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أن حمزة بن عمرو الأسلمي -رضي الله عنه- قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله إني رجل أصوم أفأصوم في السفر؟ فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)).
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان لا يصوم في السفر.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه "أنه كان يسافر في رمضان، ونسافر معه فيصوم عروة، ونفطر نحن، فلا يأمرنا بالصيام".

(59/1)


الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب ما جاء في الصيام في السفر:
يعني في حكمه، ودلت أحاديث الباب على جواز الصيام في السفر، وجاءت أحاديث أخرى تدل على كراهته والأمر بالفطر، وجاء ما هو أشد من ذلك من وصف من تابع الصيام بالعصيان، حيث قال -عليه الصلاة والسلام- في حق بعضهم: ((أولئك العصاة)).
فصام النبي -عليه الصلاة والسلام-، وصام أصحابه معه، وثبت عنه أنه أفطر في السفر، صام وأفطر، وكان الصحابة يسافرون معه -عليه الصلاة والسلام- فمنهم الصائم، ومنهم المفطر، لا يعيب هذا على هذا ولا هذا على هذا، وبهذا أخذ جمهور أهل العلم على أن الصوم في السفر صحيح ومجزئ ومسقط للطلب، وأنه إذا كان لا يشق على المسافر فهو أفضل من الفطر؛ لأنه ثبت عنه -عليه الصلاة والسلام-، ويشمله قوله -جل وعلا-: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(184) سورة البقرة] أما من شق عليه الصيام فالفطر في حقه أفضل، وإن زادت المشقة عصى بصيامه، فالمسألة تتبع المشقة.
من أهل العلم من يرى أن الصيام في السفر لا يصح، وليس من البر، والصائم في السفر ((أولئك العصاة)) يعني نظروا إلى بعض النصوص دون بعض {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] هذا يقول بعض أهل الظاهر أن الصيام في السفر لا يجزئ؛ لأن الواجب عليه عدة، صام أو لم يصم، عليه القضاء، فدل على أنه لا يجزئ الصيام في السفر، وعامة أهل العلم يقدرون: من كان منكم مريضاً أو على سفر فأفطر فالواجب عدة، يقدرون (فأفطر) لكي تلتئم النصوص وتجتمع.
يقول -رحمه الله تعالى-: حدثني يحيى عن مالك عن الإمام الجليل محمد بن مسلم بن شهاب الزهري عن عبيد الله بن عتبة بن مسعود أحد الفقهاء المشهورين عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما-، وهذا من مراسيل الصحابة؛ لأن ابن عباس لم يشهد القصة؛ لأنه كان مقيماً مع أبويه في مكة، ولم يكن معهم حال السفر، ومراسيل الصحابة معروفة أنها على حكم الاتصال، ونقل عليه الاتفاق، وإن خالف من خالف كأبي إسحاق الإسفرائيني.

(59/2)


أما الذي أرسله الصحابي ... فحكمه الوصل على الصوابِ

أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خرج لعشر خلون من رمضان، سنة ثمان عام الفتح خرج إلى مكة في رمضان لعشر خلون منه فصام حتى بلغ الكديد، قال البخاري بعد رواية الحديث: قال أبو عبد الله: الكديد ماء بين عُسْفان وقديد، جاء في رواية صحيحة: حتى إذا بلغ عسفان، وفي مسلم فلما بلغ كراع الغميم، وهي قصة واحدة، فالذي عندنا الكديد، وجاء في رواية صحيحة عسفان، وجاء في أخرى وهي صحيحة أيضاً كراع الغميم.
يقول القاضي عياض: "اختلفت الروايات في الموضع الذي أفطر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام-، والكل في قصة واحدة، وكلها متقاربة، المواضع الثلاثة: الكديد، كراع الغميم، وعسفان، كلها متقاربة، والجميع من عمل عسفان، يعني كلها تابعة لعسفان، فمن قال: أفطر بعسفان نظر إلى المعنى الأعم الأشمل، الموضع الأعم الأشمل، ومن ذكر الكديد، أو كراع الغميم فلتقاربهما، ولعل بعضهم أفطر في الكديد، وبعضهم أفطر في كراع الغميم، وبعضهم استمر إلى أن وصل الثاني، المقصود أنها متقاربة فلا اختلاف.
فصام حتى بلغ الكديد ثم أفطر، أفطر النبي -عليه الصلاة والسلام- لأنه بلغه أن بعض الناس شق عليه الصيام، فأفطر -عليه الصلاة والسلام- دفعاً للحرج والمشقة على أصحابه؛ لأنه لو لم يفطر لن يفطر من معه، ولو شق عليهم الصيام؛ لأنهم لا يسهل عليهم مخالفة النبي -عليه الصلاة والسلام-، ولو مع المشقة، لما عرف من حرصهم على الخير، وعدم تساهلهم في أمور دينهم.
فأفطر فأفطر الناس، منهم من استمر على صيامه مع وجود المشقة، ومع رؤيته للنبي -عليه الصلاة والسلام-، وهو يفطر وهو يشرب، فقال النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أخبر عنهم قال: ((أولئك العصاة)) لأن الدين دين رحمة {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [(78) سورة الحج]، وهذه رخصة من الله -جل وعلا-، فعلى المسلم أن يقبل هذه الرخصة، لا سيما إذا شقت عليه العزيمة.

(59/3)


يقول الزهري: وكانوا -يعني الصحابة- يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ظاهر السياق يدل على أن الزهري يرى أن الصيام في السفر منسوخ؛ لكنه لم يوافق على ذلك، والقاعدة صحيحة يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عند التعارض، وعدم إمكان الجمع، فيأخذون بالأحدث فيعدونه ناسخاً لما قبله عند التعارض وعدم إمكان الجمع، أما إذا أمكن الجمع بالقول الذي أسلفناه فإنه لا يلجئ إلى النسخ؛ لأنه إبطال كلي للحكم، رفع كلي للحكم، نعم قد يحمل على حالة خاصة، فالتخصيص رفع جزئي، وهو أخف من القول بالنسخ.
يقول القاضي عياض: "إنما يكون ناسخاً إذا لم يمكن الجمع، والجمع ممكن، بأن يحمل الفطر على من يشق عليه الصيام، والصيام على من لم يشق عليه" يعني كما قدمنا، وفي الحديث رد على من يرى أنه من استهل عليه الشهر في الحضر ثم سافر بعد ذلك رد على من يقول أن من استهل عليه الشهر وشهد أول الشهر في الحضر أنه ليس له أن يفطر لقوله -جل وعلا-: {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة]، وهذا شهد الشهر، شهد أول الشهر فيلزمه أن يصوم بقية الشهر؛ لكن الحديث نص في الموضع، وهو مبين لما أجمل في الآية.
يقول: وحدثني عن مالك عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن مولاه أبي بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، مبهم، وإبهام الصحابي لا يضر؛ لأن الصحابة كلهم عدول، فلا يضر إبهام الصحابي، البيهقي في مواضع وصف ما جاء على هذا النحو مما أبهم فيه الصحابي وصفه بالإرسال، قال: "هذا حديث مرسل" على كل حال هو ليس بمرسل متصل، فيه راو لم يسم، ما سمي هذا الراوي وجهالته لا تضر؛ لأنه صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- عن بعض أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر الناس في سفره عام الفتح، وكانت العدة عشرة آلاف، النبي -صلى الله عليه وسلم- خرج بعشرة آلاف من المدينة إلى مكة للفتح، وقيل: هم اثني عشر ألفاً، وجُمع بين القولين بأن الذين خرجوا معه من المدينة عشرة، ثم لحق به من خارج المدينة تكملة العدة.

(59/4)


أمر الناس في سفره عام الفتح بالفطر، وقال: ((تقووا لعدوكم)) هذا تعليل للأمر بالفطر؛ لأن فيه التقوي على العدو، لا سيما مع السفر؛ هذه العلة المنصوصة لا شك أنها معتبرة وجوداً وعدماً، فإذا كان عدم فطرهم أنشط لهم وأقوى لهم على سرعة الجري والكر والفر هذه مسألة أخرى، ولا تطرد هذه العلة في غير هذا الموضع ((تقووا لعدوكم)) لوجود عدو؛ لكن قد يقول قائل: إذا كان الفطر يتقوى به الطالب مثلاً في دراسته أو يتقوى به العامل في عمله، كما أفتى بعض الناس بمن يشق عليه الصوم أثناء العمل أو أثناء الدراسة يفطر ليتقوى بعمله؛ لأن العمل متعدي النفع، وهذا قاصر إلى غير ذلك من التعليلات؛ لكن هذه الأقاويل لا عبرة بها؛ لأن صوم رمضان فريضة، وركن من أركان الإسلام، لا تنتهك هذه الفريضة بمثل هذه الأعذار، فالتقوي إنما هو على العدو، وهنا في السفر أيضاً؛ لكن لو دهم العدو بلداً من بلدان المسلمين، وأرادوا الدفاع عن بلدهم، وهم صيام فشق عليهم ذلك قلنا: التقوي بالفطر على العدو منصوص عليه؛ لكن لا بد أن يكون لهذا الفطر أثر في صد العدو بأن يكون الصيام يضعف المسلمين عن صد عدوهم، ويمكن العدو من الاستيلاء عليهم، يتقووا على عدوهم؛ لأن العلة منصوصة، نعم الوصف مؤثر وهو السفر؛ لكن السفر وصف مؤثر مبيح للفطر، ولو لم يوجد عدو، فدل على أن التقوي بالإفطار على العدو قدر زائد على مجرد السفر، ظاهر وإلا ما هو بظاهر؟ الآن عندنا وصفان في الحديث، وكلاهما مؤثر، وصف السفر هم مسافرون، الوصف الثاني: ((تقووا لعدوكم)) وهذه علة تستقل بالحكم إذا وجد العدو، فعلى هذا يفطر المسلم ولو كان بالحضر إذا كان بمواجهة عدو، يريد أن يستولي على بلده، أو ما أشبه ذلك، فإنه حينئذ يفطر ليتقوى عليه، وأما السفر لا شك أنه وصف معتبر ومؤثر؛ لكنه مؤثر وحده، بدليل النصوص الأخرى ليس فيها عدو ومع ذلك أفطروا.
وصام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وأخذ منه الصوم في السفر، وأنه أفضل من الفطر؛ لأنه فعله -عليه الصلاة والسلام- أمرهم بالفطر وصام، ويشمله عموم قوله -جل وعلا-: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(184) سورة البقرة].

(59/5)


قال أبو بكر بن عبد الرحمن: قال الذي حدثني، هذا أيضاً مبهم لكنه موصوف بأنه صحب النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي حدثه في مطلع الكلام، قال الذي حدثني: لقد رأيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعرج، العرج بإسكان الراء قرية على نحو ثلاث مراحل من المدينة، يصب الماء على رأسه من العطش أو من الحر، يصب على رأسه من العطش أو من الحر، (أو) هذه للشك هل كان الصب من أجل الحر للتبريد؟ أو هو من أجل العطش؟ ولا شك أن البرودة تكسر شدة العطش، وإن كانت خارجية، ثم قيل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- يا رسول الله: إن طائفة من الناس قد صاموا حين صمت؛ لأنهم فهموا أن أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالفطر أمر إرشاد لا أمر وجوب، بدليل أنه استمر صائم -عليه الصلاة والسلام- قال: فلما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالقديد دعا بقدح من ماء فشرب، فأفطر الناس، ولذا ينبغي أن يقرن القول بالعم من أجل الاقتداء، فالذي يصدر الأوامر، ويصدر الأنظمة، ثم يخالف هذه الأوامر، وهذه الأنظمة لا شك أن غيره سوف يخالف.
النبي -عليه الصلاة والسلام- لما أمرهم بحلق رؤوسهم زمن الحديبية ترددوا، ودخل على أم سلمة وشكا إليها ما حصل من عدم امتثالهم لأمره -عليه الصلاة والسلام-، فقالت: "احلق رأسك" فحلق النبي -عليه الصلاة والسلام- رأسه، فكادوا أن يقتتلوا، بادروا إلى الحلق، وهنا لما أفطر -عليه الصلاة والسلام- أفطر الناس، يؤخذ من هذا أن مبادرة الآمر لا شك أن لها أثراً في تمام الإتساء والاقتداء، ومثل هذا لا يظن بهم أنهم خالفوا أمره معاندة، إنما خالفوا أمره رغبة في الخير؛ لأن الصيام من أفضل الأعمال، وظنوا أن هذا الأمر الذي وجهه إليهم -عليه الصلاة والسلام- إنما هو من أجل الرأفة بهم، وإن كان الأفضل الاستمرار على الصيام، فرأوا الأخذ بالعزيمة؛ لكن لما أفطر تظافر القول والفعل منه -عليه الصلاة والسلام-، فلم يكن لهم مندوحة حينئذ من الفطر، فأفطر الناس.
طالب:. . . . . . . . .

(59/6)


الرسول -عليه الصلاة والسلام- يأخذ بالعزيمة، ولذا قام -عليه الصلاة والسلام- حتى تفطرت قدماه، ونهى عن ذلك عن طول القيام الذي يشق على المصلي بحيث يحمله على الترك ((مه، أكلفوا من العمل ما تطيقون)) لكنه -عليه الصلاة والسلام- غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فأحب أن يكون -عليه الصلاة والسلام- عبداً شكوراً، اللهم صلي على محمد.
وحدثني عن مالك عن حميد الطويل عن أنس في وراية مسلم أخبرني أنس بن مالك، وقد سئل عن صوم رمضان في السفر أنه قال: "سافرنا" في البخاري: "كنا نسافر" سافرنا مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في رمضان فلم يعب الصائم على المفطر" مجزوم بـ (لم) وحرك لالتقاء الساكنين، ولا المفطر على الصائم في مسلم يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ومن وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك حسن، يقول الحافظ ابن حجر في فتح الباري: "وهذا التفصيل هو المعتمد، وهو نص رافع للنزاع" يرون أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن، ومن وجد ضعفاً فأفطر فإن ذلك أيضاً حسن، هذا فيه توفيق بين النصوص التي في الباب.
طالب:. . . . . . . . .
لا، الأصل في السفر وجود المشقة، الأصل أن السفر من لازمه المشقة؛ لكن ارتفعت المشقة، وارتفع الخوف الذي فيه الترخص، وثبت أن السفر علة مستقلة، ولذا الذي لم يجد مشقة في سفره فأفطر عليه شيء؟ ما عليه شيء، لا يلزمه شيء، ولو كان في سفره أكثر راحة واطمئناناً منه في بلده، هذه رخصة، صدقة من الله -جل وعلا- تصدق بها على عباده، فالسفر وصف مؤثر، ومستقل بالحكم؛ لكن من صام مع عدم المشقة فهو أفضل، ومن أفطر مع وجود المشقة فهو أفضل، وبهذا تلتئم النصوص.
طالب:. . . . . . . . .
يعني إذا كان أميراً عليهم، يعني اتفقوا بأن يجعلوه أميراً عليهم، ورأى أن الصيام يشق عليهم أو لا يشق عليهم، فرأى أن من مصلحتهم أن يستمروا في صيامهم أو يأمرهم بالفطر له ذلك؛ لكن القدوة والأسوة هو النبي -عليه الصلاة والسلام-.
طالب:. . . . . . . . .
((ليس من البر الصيام في السفر)) هذا بالنسبة لمن يشق عليه، يحمل على هذا.

(59/7)


وحدثني يحيى عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه كذا في رواية يحيى وجميع أصحاب مالك يروونه كما في البخاري عن أبيه عن عائشة أن حمزة بن عمر الأسلمي، أما السياق الذي معنا عن أبيه عن حمزة مرسل؛ لأن عروة يحكي قصة لم يشهدها، عروة تابعي، فهو يحكي ويروي قصة لم يشهدها، هذا إرسال، لكن إذا رواها عن خالته عائشة اتصلت القصة، وفي بعض طرق الحديث روايته عن صاحبها عن حمزة بن عمرو الأسلمي، قال لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا رسول الله إني رجل أصوم" في رواية للبخاري: "إني أسرد الصوم" وفي رواية: "وكان كثير الصيام" "إني رجل أصوم أفأصوم في السفر؟ " فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((إن شئت فصم وإن شئت فأفطر)) والمشيئة هذه لا شك أنها بناءً على الأصل في الحكم، وأن المسافر يجوز له أن يصوم، ويجوز له أن يفطر؛ لكن إن اعترى هذا الأصل ما يرجح الصيام، فالأفضل الصيام، وإن اعتراه ما يرجح الفطر ترجح الفطر، وإن زادت المشقة تعين الفطر على التفصيل السابق.
يقول: وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر كان لا يصوم في السفر؛ لأنه يرى أن الفطر عزيمة، وجاء وصف من استمر في صيامه بالعصيان، وجاء أيضاً قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((ليس من البر الصيام في السفر)) كل هذه جعلت ابن عمر لا يصوم في السفر، مع حرصه على الخير، وتحريه للاقتداء والإتساء، ومع ذلك كان لا يصوم في السفر.
يروى هذا عن عمر -رضي الله عنه- أنه كان لا يصوم في السفر، يروى أيضاً عن أبي هريرة، وعبد الرحمن بن عوف، ومعروف عن أهل الظاهر أو عن بعضهم أن الصوم في السفر لا يجزئ ولا يصح، بل يتعين الفطر، وأسلفنا أنهم استدلوا بقوله -جل وعلا-: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] يعني فالواجب عدة، صام أو أفطر، والجمهور يقدرون قبل ذلك فأفطر فعدة، يعني فيلزمه عدة.
طالب:. . . . . . . . .

(59/8)


كيف؟ أيه؟ على حسب ما تقدم تفصيله، إن كان لا يشق بحال من الأحوال هذا الأفضل أن يستمر في صومه؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- صام في السفر، ولعموم قوله -جل وعلا-: {وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ} [(184) سورة البقرة] لكن الذي يشق عليه الفطر في حقه أفضل.
طالب:. . . . . . . . .
هذا الأصل العصيان يترتب عليه، وإذا فعل الإنسان ما يضر به أثم، بعض الناس مريض، وينصحه الأطباء ألا يصوم، ومع ذلك يصوم، ويتضرر، يزيد مرضه، ويتأخر برؤه، ومع ذلك يصوم، نقول: "أولئك العصاة" لهذا الأمر؛ لأن من يرتكب ما يضر به آثم.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يسافر في رمضان -عروة ابن الزبير فقيه أحد الفقهاء، والإمام مالك -رحمه الله- يعنى بأقوال الفقهاء السبعة الذين هم فقهاء المدينة من التابعين.
(فخذهم عبيد الله) تكرر مراراً عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود (فخذهم عبيد الله عروة) الذي معنا، و (قاسم) القاسم بن محمد (سعيد أبو بكر سليمان خارجة).
عن أبيه أنه كان يسافر في رمضان ونسافر معه فيصوم عروة، عروة يصوم؛ لأنه يرى أن الصيام أفضل، وثبت عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه صام في السفر، وثبت أن من الصحابة من كان يصوم في السفر، وكان المفطر لا يعيب على الصائم، والصائم لا يعيب على المفطر، فيأخذ بالعزيمة فيصوم عروة ونفطر نحن، فلا يأمرنا بالصيام؛ لأن فعلهم جائز أيضاً، فالذي يترخص لا يعاب عليه ولا يؤمر بالفطر.

(59/9)


وعلى هذا لو سافر مجموعة لرحلة أو نزهة، وصام بعضهم وأفطر بعضهم، لا يعيب بعضهم على بعض، لكن لو كانوا اثنين قال واحد: نبي نجمع، وقال الثاني: ما إحنا بجامعين، اثنين قال واحد: نبي نجمع الصلاة، وقال الثاني: والله ما إحنا بجامعين التوقيت أفضل، مادمنا جالسين التوقيت أفضل، قال الثاني: خلينا نجمع لا تضيعوا علينا؛ لأنه هنا يفوت شيء، في الصيام ما يفوت شيء، لو أفطر واحد وصام واحد ما يفوت شيء، لكن هنا يفوت شيء وهو إيش؟ الجماعة، فهل نقول: يرتكب الأدنى الذي يريد التوقيت يجمع من أجل تحصيل الجماعة، أو نقول: يصر ويصلي كل صلاة في وقتها ولو فاتته الجماعة؟ المسألة افترضت في الثاني رفض قال: لا بد أن نجمع، يقول: أنا جامع جامع، تبي تجمع وإلا بكيفك، هل نقول لهذا: يفوت الجماعة ويصر، ويصلي كل صلاة في وقتها لأنه أفضل؟ أما بالنسبة لمن يقول: أنه لا يصح الجمع إلا لمن جد به السير هذه مسألة أخرى، لا يوافق صاحبه إذا كان يرى هذا الرأي، ولو أدى إلى أن يصلي منفرداً؛ لكن إذا كان يرى أن له جمع، وهو جالس، كما كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يفعل في تبوك، يجمع وهو جالس، ما جد به السير، وهذا معروف، والجمع رخصة -ولله الحمد- وفيه سعة، فمثل هذا يحرص على الجماعة ولو فاته الأفضل في التوقيت، ويستمر في صيامه.
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال الأصل الجواز؛ لكن إذا كان يشق عليه مشقة يتضرر بها يأثم وصيامه صحيح، صيامه صحيح.
طالب:. . . . . . . . .

(59/10)


سفر المعصية، سفر المعصية الجمهور على أنه من سافر سفراً يعصي فيه الله -جل وعلا- فإنه لا يترخص خلافاً لأبي حنيفة، وشيخ الإسلام يميل إلى قول أبي حنيفة، النصوص العامة تشمل من سافر سفر طاعة كالحج والعمرة والجهاد وصلة الأرحام، ومن سافر سفراً مباحاً كالنزهة، أو سافر سفر معصية، النصوص ما فرقت؛ لكن منزع الجمهور ومأخذهم من كون العاصي ينبغي أن يعاق عن متابعة سفره، فلا ييسر عليه السفر، ويسهل عليه ارتكاب الرخص، يعني بدلاً من أن يقال له: صلي الصلاتين، واجمع وتابع سفرك، ويوفر له الوقت، وهو عاصٍ في سفره، سافر ليقطع الطريق، أو لينتهك حرمات، أو ما أشبه ذلك يوفر له وقت، الجمهور ما يرون هذا، ويؤيد قولهم في أكل المضطر من الميتة {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ} [(173) سورة البقرة] فقيد تناول الأكل من الميتة وهو رخصة بعدم عصيانه في ذلك، وهو منزع حسن.

باب ما يفعل من قدم من سفر أو أراده في رمضان:
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا كان في سفر في رمضان فعلم أنه داخل المدينة من أول يومه دخل وهو صائم، قال يحيى: قال مالك -رحمه الله تعالى-: "من كان في سفر فعلم أنه داخل على أهله من أول يومه، وطلع له الفجر قبل أن يدخل دخل وهو صائم".
قال مالك: "وإذا أراد أن يخرج في رمضان فطلع له الفجر، وهو بأرضه قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم".
قال مالك: "في الرجل يقدم من سفره وهو مفطر، وامرأته مفطرة حين طهرت من حيضها في رمضان أن لزوجها أن يصيبها إن شاء".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب ما يفعل من قدم من سفر أو أراده في رمضان:

(59/11)


حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- كان إذا كان في سفر في رمضان فعلم أنه داخل المدينة من أول يومه، يعني في أول النهار وبعد طلوع الفجر، كان في سفر وطلع عليه الفجر وهو يعلم أنه يدخل المدينة من أول النهار بعد طلوع الفجر دخل وهو صائم، وإن دخل قبل الفجر يصوم وإلا ما يصوم؟ يلزمه الصيام، هذا شده الشهر، لا يجوز له بحال أن يفطر، وإذا تصور الخلاف فيمن دخل بعد طلوع الفجر فإنه لا يتصور أو يذكر مثل هذا في من دخل قبل طلوع الفجر.
دخل وهو صائم، قال يحيى: قال مالك -رحمه الله تعالى-: "من كان في سفر فعلم أنه داخل على أهله من أول يومه، وطلع له الفجر قبل أن يدخل دخل وهو صائم" يعني على سبيل الاستحباب؛ لأنه في أول النهار مخير، يعني بعد طلوع الفجر مخير، متلبس بالوصف المبيح للفطر، وهو مخير بين أن يصوم ويفطر، ثم إذا دخل من أول النهار هل يمسك أو لا يمسك؟ دخل وهو صائم يعني استحباباً.
قال مالك: "وإذا أراد أن يخرج للسفر في رمضان فطلع عليه الفجر وهو بأرضه قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم وجوباً" يصوم ذلك اليوم وجوباً، يعني يلزمه الإمساك، مادام طلع عليه الفجر وهو في البلد، يصوم وجوباً، وبذلك قال أبو حنيفة والشافعي، وقال أحمد وإسحاق يجوز له الفطر، يعني في رواية عند أحمد، يعني يجوز له الفطر؛ لأنه وإن طلع عليه الفجر إلا أنه عازم على السفر، واللفظ يحتمل أيضاً أن الإمام مالك يرى أنه إذا دخل عليه الفجر ولزمه الصيام أنه يلزمه الاستمرار فيه، ولا يجوز له أن يفطر، ولو باشر السفر، يعني يلزمه صيام ذلك اليوم، يعني اللفظ هذا يقول: "وإذا أراد أن يخرج للسفر في رمضان فطلع له الفجر وهو بأرضه قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم" يعني هل يصوم ذلك اليوم إلى أن يباشر السبب وهو السفر أو أنه يصوم ذلك اليوم بكامله إلى غروب الشمس باعتبار أنه شرع في واجب فلا يجوز له أن يخرج منه؟
طالب:. . . . . . . . .

(59/12)


إيه لكن الأحاديث السابقة النبي -عليه الصلاة والسلام- سافر وأفطر في السفر؛ لكن هل شرع في صيام اليوم الذي أفطر فيه في الحضر وإلا في السفر؟ يعني شرع في الصيام بالحضر وإلا في السفر؟ في السفر؛ لأن المكان الذي أفطر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- عن المدينة مراحل.
الآن عندنا مسألتان واللفظ يحتملهما: إذا أراد أن يخرج في رمضان فطلع الفجر وهو بأرضه، يعني في بلده قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم وجوباً، يعني يلزمه الإمساك، مع طلوع الفجر، كأنه مقيم، ثم إذا غادر البلد فارق العمران، وباشر السبب المبيح للفطر، وهو السفر هل له أن يفطر أو ليس له أن يفطر؟ على كلام مالك ليس له أن يفطر.
طالب:. . . . . . . . .
هذا احتمال، ليس له أن يفطر، طيب تجيب له النصوص التي فيها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أفطر في السفر، يقول لك: ما طلع عليه الفجر وهو بأرضه، طلع عليه الفجر وهو في السفر؛ لأن المكان الذي أفطر فيه النبي -عليه الصلاة والسلام- عن مكة على مراحل، فلا يرد عليه مثل هذا، وهذا يقول به أبو حنيفة والشافعي وأيضاً مالك، مادام شرع في هذا الواجب لا يجوز له أن يخرج منه، وقال أحمد وإسحاق يجوز له أن يفطر؛ لأنه باشر السبب الذي من أجله -الذي هو السفر- الذي يبيح الفطر بالنص، والنبي -عليه الصلاة والسلام- صام ثم أفطر، والصوم صوم في رمضان أيضاً، يعني شرع في صيام الواجب ثم قطعه للسبب المبيح، ولا فرق بين أن يشرع فيه في بلده أو في السفر، نقول: هذا الاحتمال ظاهر من اللفظ، احتمال ثاني: وهو أنه إذا أراد أن يخرج في رمضان فطلع له الفجر وهو بأرضه قبل أن يخرج فإنه يصوم ذلك اليوم يلزمه الإمساك، إلى أن يخرج، هذا الاحتمال الثاني.

(59/13)


والقول الثاني في المسألة: أنه يجوز له أن يفطر قبل أن يخرج، على كل حال مسألة ابتداء الترخص هل هو من العزم على السفر؟ أو هو من مفارقة البلد ومباشرة السبب؟ الجمهور على مباشرة السبب، وجاء عن أنس -رضي الله عنه- أنه أفطر قبل أن يخرج، أفطر وهو في بيته ثم خرج، وقال رفع ذلك إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لكن الحديث لا يخلو من ضعف، وعلى كل حال الوصف المؤثر والمبيح للفطر هو السفر، ولا يسمى مسافر حتى يخرج من البلد، ما دام في بلده لا يقال له: مسافر، فعلى هذا لا يترخص إلا إذا باشر الوصف المبيح للفطر وهو السفر.
هذه مسألة أخرى، قال مالك: في الرجل يقدم من سفره وهو مفطر ...
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ كذلك ما يجمع ولا يقصر حتى يباشر السبب.
طالب:. . . . . . . . .
مسألة تغليب جانب الحضر المقصود أنه باشر السبب المبيح للترخص.
طالب:. . . . . . . . .
دخل الوقت وهو في الحضر؟ الجمهور يغلبون جانب الحضر وإن باشر السبب، على كل حال نشوف المسألة الثانية، وهي تحتاج إلى تأمل.
قال مالك: "في الرجل يقدم من سفره وهو مفطر، وامرأته مفطرة" الذي يقدم من السفر في أثناء النهار يلزمه الإمساك أو ما يلزمه؟ خلاف، طيب المرأة إذا طهرت في الظهر مثلاً يلزمها الإمساك وإلا ما يلزمها؟ مثله خلاف، نشوف رأي مالك قال مالك: "في الرجل يقدم من سفره وهو مفطر وامرأته مفطرة حين طهرت من حيضها -يعني أو نفاسها- في رمضان أن لزوجها أن يصيبها –يجامعها- إن شاء".
على هذا الكلام يلزمه الإمساك؟ ما يلزمه الإمساك، يلزمها هي الإمساك؟ لا يلزمها الإمساك على رأي مالك، يعني أصل المسألة: أن من أفطر لسبب مبيح للفطر، سبب شرعي مبيح للفطر، هل يستديم الفطر بقية يومه إذا زال السبب، أو يلزمه الإمساك؛ لأن الفطر معلق بسبب وارتفع السبب؟ هذه أصل المسألة، يعني إن زالت العلة، وزال السبب المبيح للفطر هل يستمر؟ كما يقول أحمد والشافعي: هل يمسك باعتبار أنه زال السبب، هل يمسك كما يقول أحمد والشافعي، أو يستمر في فطره لأن الصوم لا يتجزأ، أفطر في أوله نصف النهار هل هو صوم شرعي؟ نعم، وبهذا يقول مالك وأبو حنيفة.

(59/14)


في المغني لابن قدامة يقول: "فصل: فأما من يباح له الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً" يعني يخرج من يباح له الفطر باطناً فقط، يعني كمن رأى الهلال وردت شهادته، وما أشبه ذلك.
فأما من يباح له الفطر في أول النهار ظاهراً وباطناً كالحائض والنفساء والمسافر والصبي والمجنون والكافر والمريض إذا زالت أعذارهم في أثناء النهار ففيهم روايتان:
إحداهما: يلزمهما الإمساك بقية اليوم وهو قول أبي حنيفة.
والثاني: لا يلزمهما الإمساك وهو قول مالك والشافعي، وروي عن ابن مسعود أنه قال: "من أكل في أول النهار فليأكل في آخره" ووجهه أنه وجد السبب المبيح للفطر في أول النهار، وآخر النهار ما هو محل للصيام لأن الصيام لا بد أن يستوعب طرفي الوقت، من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، فإذا مضى عليه وقت وهو مفطر لا يسمى بقية اليوم صيام شرعي، فكيف يلزم بغير ذلك، هذه وجهة نظر مالك وأبي حنيفة، وأما بالنسبة للرواية الأولى وهي قول الشافعي أنه شهد الشهر، وارتفع العذر المبيح، فكيف يأكل وهو غير معذور {فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [(185) سورة البقرة] ولا شك أن مثل هذا القول أحوط، والأدلة محتملة.
طالب:. . . . . . . . .
لا، أبو حنيفة مع مالك، والشافعي مع أحمد، عندنا هنا في المسألة افترض المسألة في مسافر وصل البيت الساعة تسعة، وكان مفطر مفطراً في مثلاً في جدة، وفي الطائف جاء على الطائرة وصل البلد الساعة تسعة، من تسع إلى خمس ونصف يلزمه الإمساك أم لا؟ أو امرأة حائض طهرت بعد صلاة الصبح وقبل طلوع الشمس هي في أول النهار مفطرة وجوباً، فهل يلزمها الإمساك في بقية النهار؟ أفطرت لعذر مبيح يبيح لها الفطر ظاهراً وباطناً، والمسافر أفطر لعذر مبيح يبيح له الفطر ظاهراً وباطناً، في أول النهار لهم عذر مبيح، في أثنائه وفي آخره، نعم ليس هناك عذر، ارتفع العذر، أفطروا لعذر وارتفع العذر، شهدوا الشهر يلزمهم أن يصوموا على قول أحمد والشافعي، والرواية الأخرى عن أحمد توافق قول مالك وأبي حنيفة، وهي أنه من ساغ له أن يأكل في أول النهار ما الفرق بينه وبين آخره؟ صوم لا يعتد به، يلزمه قضاؤه، فكيف يلزم بالإمساك؟

(59/15)


هذا يقول: وقال أبو حنيفة: متى زالت علة الفطر وجب إمساك بقية اليوم.
يعني مثل قول أحمد، والذي قاله في المغني يلزمهم الإمساك بقية اليوم وهو قول أبي حنيفة، يعني أنا خلطت يعني جعلت الشافعي مع أحمد وأبو حنيفة مع مالك، لا العكس أبو حنيفة مع أحمد والشافعي مع مالك.
إيش تقول؟
طالب:. . . . . . . . .
يلزمه الإمساك؟ على كل حال تعرفون أنتم المذاهب فيها أكثر من قول، فنقول: أن أخذ المذاهب لا بد أن يكون من كتب أربابها، هذا الأصل؛ لأن الذي ينقل عن المذاهب، وهو من غير المذهب، قد يعتمد رواية غير المعروفة في المذهب، وقد يعتمد على قول غير معتبر في المذهب؛ لأن بعض المذاهب فيها روايات، روايتين، ثلاث، أربع، أكثر، والشافعية عندهم القول القديم والجديد، وأبو حنيفة عندهم الرواية، وظاهر الرواية وعندهم الأصحاب، هل يقدم قول أبي حنيفة ويعتبر قول الصاحبين؟ يعني مسائل معروفة عندهم، فلا شك أن مثل الشراح، شراح الحديث إذا كان ما هو من نفس المذهب، يعني تعتمد على النووي وعلى ابن حجر في نقل إمام الشافعية؛ لأنهم أئمة في هذا الباب، تعتمد على ابن عبد البر في نقل أقوال مالك؛ لأنه إمام من أئمة المالكية، تعتمد على العيني في نقل أقوال أبي حنيفة؛ لأنه فقيه من فقهاء الحنفية؛ لكن تجد في كثير من الأحيان في الشروح ينقلون عن الإمام أحمد رواية ليست هي المذهب، وقل مثل هذا إذا نقل ابن قدامة عن الشافعية أو نقل الزرقاني عن الحنفية، كله موجود، والتحري أن تنقل المذاهب من كتب أصحابها، وهذا كلام صاحب المغني، يقول: "والثاني لا يلزمهم الإمساك، وهو قول مالك والشافعي" ولا يعني أن الشافعية كلهم على هذا القول، يعني قد يكون هذا القول الجديد أو القديم، وعندهم أيضاً المفتى به هو إيش عند الشافعية؟ القول الجديد إلا في بضع عشرة مسألة، ذكرت في مقدمة المجموع، وفي الأشباه النظائر، وغيرها يرجع إليها، فالفتوى فيها على القديم، فاحتمال أن ابن قدامة وقف على القول الجديد، والمفتى به على القديم أو العكس، فيتحرى في نقل المذاهب من كتب أصحابها.
داخل المدينة من أول يومه، يعني بعد طلوع الفجر، خارج المدينة ....
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟

(59/16)


طالب:. . . . . . . . .
هو في الأصل مباح له الفطر في أول النهار، ما دام مالك -رحمه الله-، يعني لو أفطر في السفر ودخل المدينة ولو في أول النهار ما يلزمه الإمساك، بدليل أن له أن يطأ زوجته المفطرة، فالذي يظهر أنه دخل وهو صائم، كأنه يقول: أن الصيام أفضل، يمسك وهو في سفره، يعني مثل ما نقول أن الإنسان إذا كان يغلب على ظنه أنه يدخل البلد في أول وقت صلاة العصر، فالأفضل له ألا يجمع العصر مع الظهر، وإن كان السبب المبيح قائماً، وهنا مثله ..
طالب:. . . . . . . . .
يعني إذا أراد أن يخرج؟ وهو صائم استحباباً؛ لأنه في أول النهار العذر قائم.
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
لأنه يسوغ له أن يفطر، الآن ما بعد وصل، ما بعد دخل باقي مائة كيلو على البلد وطلع الفجر، السبب قائم.
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه ليش؟ لأن السبب قائم ما في أحد يقول: ما يجوز له يفطر، السبب قائم مسافر باقي مائة كيلو ما هو بواصل إلا بعد ساعة من طلوع الفجر.
طالب:. . . . . . . . .
إذا أراد أن يخرج غير كونه مسافر بالفعل، الآن ما بعد باشر السبب؛ لكن هو السبب قائم قبل أن يدخل البلد باقي ساعة على وصول البلد، السبب قائم والأصل السفر ما هو بالأصل الحضر، لاحظ الأصل الأصل في المسألة الأولى السفر، افترض أنه يقول: والله أنا ما أنا بداخل اليوم، احتمال، حصل عليه حادث ولا دخل ما دام السبب قائم فله أن يفطر، فيستحب له ما دام يصل أول النهار ومدة المشقة المصاحبة للسفر مدة يسيرة وإيش المانع أنه يمسك استحباباً؟ نعم، وصومه صحيح؛ لأن الحكم من حيث الأفضل وعدمه الحكم للغالب، الغالب هو السفر أو الغالب الحضر؟ أيضاً المسألة الأولى: الأصل فيها السفر، والمسألة الثانية: الأصل فيها الحضر؛ لأن الأصل يتبع طلوع الفجر، طلع عليه الفجر وهو مسافر في المسألة الثانية طلع عليه الفجر، وهو مقيم.

باب كفارة من أفطر في رمضان:

(59/17)


حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رجلاً أفطر في رمضان فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً، فقال: لا أجد، فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرق تمر فقال: ((خذ هذا فتصدق به)) فقال: يا رسول الله ما أجد أحوج مني، فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، ثم قال: ((كله)).
وحدثني عن مالك عن عطاء بن عبد الله الخراساني عن سعيد بن المسيب أنه قال: جاء أعرابي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضرب نحره، وينتف شعره، ويقول: هلك الأبعد، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وما ذاك؟ )) فقال: أصبت أهلي وأنا صائم في رمضان، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ )) فقال: لا، فقال: ((هل تستطيع أن تهدي بدنة؟ )) قال: لا، قال: ((فاجلس)) فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرق تمر، فقال: ((خذ هذا فتصدق به)) فقال: ما أجد أحوج مني، فقال: ((كله، وصم يوماً مكان ما أصبت)).
قال مالك -رحمه الله-: قال عطاء: فسألت سعيد بن المسيب كم في ذلك العرق من التمر؟ فقال: "ما بين خمسة عشر صاعاً إلى عشرين".
قال مالك -رحمه الله-: سمعت أهل العلم يقولون: "ليس على من أفطر يوماً في قضاء رمضان بإصابة أهله نهاراً أو غير ذلك الكفارة التي تذكر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيمن أصاب أهله نهاراً في رمضان، وإنما عليه قضاء ذلك اليوم، قال مالك: "وهذا أحب ما سمعت فيه إلي".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:

باب كفارة من أفطر في رمضان:
وأطلق الفطر ولم يقيده بالجماع؛ لأنه لا فرق عنده -رحمه الله- بين المفطرات من أكل وشرب وجماع، فمن أكل في رمضان متعمداً أو شرب في نهار رمضان متعمداً، أو جامع في نهار رمضان متعمدا ًعليه الكفارة، هذا رأيه -رحمه الله-، ولذا أطلق في الترجمة، واختار من ألفاظ الرواة اللفظ المجمل.

(59/18)


قال: حدثني يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن أبي هريرة –رضي الله عنه- أن رجلاً أفطر في رمضان، والذي في البخاري عن أبي هريرة: بينما نحن جلوس عند النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ جاءه رجل فقال: يا رسول الله هلكت، قال: ((ما لك؟ )) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، جاء باللفظ المجمل ليشمل جميع المفطرات -رحمه الله-، قال: ((ما لك؟ )) قال: وقعت على امرأتي وأنا صائم، قال: ((هل تجد رقبة تعتقها؟ )) تمسك بهذا الحنابلة والشافعية أن الكفارة خاصة بمن جامع في نهار رمضان، واللفظ المجمل قال به الإمام مالك وأبو حنيفة: من أكل متعمداً، أو شرب متعمداً، أو جامع عن عمد فإنه تلزمه الكفارة وإلا فلا، طيب، إيش الفرق بين المتعمد والناسي بالنسبة للأكل والشرب؟
طالب:. . . . . . . . .
هذا عند الحنابلة والشافعية؛ لكن مالك يلزمه القضاء، ولا كفارة عليه، ستأتي المسألة؛ لكن من شرب متعمداً أو أكل متعمداً، أو جامع عن عمد هذه تلزمه الكفارة عند مالك، بينما عند أحمد والشافعي لا تلزمه الكفارة إلا بالجماع، ولذا اختار الإمام مالك أن رجلاً أفطر في رمضان، أفطر بأي شيء يشمل كل المفطرات.
والرجل هذا جاء وصفه بأنه أعرابي، سماه بعض الشراح بأنه سلمان أو سلمة بن صخر البياضي، والأكثر على عدم تسميته، وقيل: أن سلمان هذا هو الذي ظاهر، وليس هو الذي جامع، المقصود أن اسمه لا يهمنا، كثير من الشراح قال: لم يسم.
أن رجلاً أفطر في رمضان فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكفر بعتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستين مسكيناً.
(أو) هذه أخذ منها مالك أن الكفارة على التخيير، وقال الجمهور: هي على الترتيب ((هل تجد رقبة؟ )) قال: لا، ((هل تستطيع صيام شهرين؟ )) قال: لا، قال: ((تطعم ستين مسكيناً؟ )) فهي مرتبة على الترتيب، لا يجزئ الصيام مع القدرة على العتق، ولا يجزئ الإطعام مع القدرة على الصيام، ولذا يقول أهل العلم: أن من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة ظهار، كفارة الظهار الترتيب ظاهر مقيد الخصلة الثانية مقيدة بعدم الاستطاعة على الأولى، وهكذا فالترتيب ظاهر.

(59/19)


يقول أهل العلم: "من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة ظهار" ما يقولون: عليه كفارة مجامع في نهار رمضان لماذا؟ هي مضبوطة كفارة الجماع في نهار رمضان مضبوطة بالأحاديث الصحيحة؛ لكن يقولون: "من جامع في نهار رمضان فعليه كفارة ظهار" لماذا؟ لأن كفارة الظهار مضبوطة بالقرآن المعروف عند الخاص والعام، فيحال عليه، أما مثل هذا الحديث أو مثل هذه الأحاديث قد تخفى على كثير من الناس، لو قيل: عليك كفارة مجامع في نهار رمضان، تخفى على كثير من الناس، بخلاف القرآن الذي يعنى به كل مسلم عالم وجاهل، كلهم يعنون بكتاب الله، بينما السنة لا يعتني بها إلا أهل العلم، فيحال على المعروف لدى الخاص والعام.
ولذا جاء في حديث عبادة: بايعنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على بيعة النساء، وبيعة النساء متأخرة عن بيعة الرجال، فكيف يحال بالمتقدم على المتأخر؟ لأن بيعة النساء مضبوطة بالقرآن، بيعة الرجال ما أشير لها وما ذكرت في القرآن، لكن يحال على ما في القرآن؛ لأنه معروف لدى الخاص والعام، وعلى هذا فالكفارة على الترتيب يعتق رقبة، لم يجد، يصوم شهرين متتابعين، لم يجد، يطعم ستين مسكيناً.
لكن لماذا لا يقال: أن من جامع في نهار رمضان عليه كفارة قتل؟ يقال: عليه كفارة ظهار، لماذا لا يقال: عليه كفارة قتل؟ لأن كفارة القتل لا إطعام فيها عند جمع من أهل العلم، يعني لم ينص عليها، من قال بالإطعام في كفارة القتل فعلى سبيل الإلحاق، في كفارة القتل بكفارة الظهار.

(59/20)


فأمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يكفر بعتق رقبة، وهذه الرقبة جاءت مطلقة هنا، ومطلقة أيضاً في كفارة الظهار من غير تقييد بوصف، وجاء تقييدها بالإيمان في كفارة القتل، فهل نحمل المطلق على المقيد أو لا؟ يحمل المطلق على المقيد لماذا؟ للاتحاد في الحكم، وإن اختلف السبب، معروف أنه إذا اتحد الحكم والسبب حمل المطلق على المقيد بالإجماع، إذا اتحد الحكم والسبب؛ لكن إذا اتحد الحكم دون السبب فالجمهور على حمل المطلق على المقيد كما هنا، والعكس لا يحمل المطلق على المقيد كما في اليد مقيدة في آية الوضوء، ومطلقة في آية التيمم، وإذا اختلف الحكم والسبب لا يحمل المطلق على المقيد إجماعاً، كاليد في آية الوضوء واليد في آية السرقة.
أو صيام شهرين متتابعين: التتابع لازم، فإن أفطر يوماً استأنف، إلا لعذر يبيح له الفطر في رمضان.
أو إطعام ستين مسكيناً قال: لا أجد، فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرق فيه تمر، والعرق بفتح العين والراء.
طالب:. . . . . . . . .
أو صيام شهرين متتابعين رواية مين؟ على كل حال إحنا اعتمدنا من الأول رواية يحيى، رواية يحيى المعتمدة في الشرح.
بعرق تمر: العرق بفتح العين والراء، ويروى بإسكان الراء، قال عياض: والصواب بفتح الراء، وهو المكتل زنبيل فيه تمر، قال: ((خذ هذا فتصد به)) أي بالتمر الذي فيه، فقال: يا رسول الله ما أحد أحوج مني، ما أحد أحوج، هذه (ما) عاملة أو غير عاملة؟ عاملة، حجازية وإلا تميمية؟ حجازية.
"ما أحد أحوج مني" وفي رواية: "فو الله ما بين لابتيها" يريد الحرتين حرتي المدينة "أهل بيت أفقر من أهل بيتي"، وأخذ منه جمع من أهل العلم جواز القسم على غلبة الظن.

(59/21)


فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حتى بدت أنيابه، جمع ناب، وهي الأسنان الملاصقة للرباعيات وهي أربعة، والضحك فوق التبسم، ثم قال: ((كله)) وفي رواية: ((أطعمه أهلك)) وفي رواية: ((عيالك)) الآن هذا العرق الذي فيه التمر هو المطلوب أن يتصدق به، وعلى هذا ما دام تحمله غيره، وتصدق على أهله به سقطت عنه الكفارة أو مازالت الكفارة لازمة له؟ يعني الأقعد الماشي على القواعد أن الكفارة تلزمه، وتبقى دين في ذمته كديون الآدميين، متى ما أيسر يكفر، وأن هذا التمر الذي جيء به وتصدق به عليه لا علاقة له بالكفارة، رجل أفقر ما في المدينة يستحق صدقة، بل يستحق إسعاف، يعني جاء هذا التمر فرصة أن يدفع إليه، ما يوجد في البلد أفقر منه، هو أحق الناس به، وحينئذ تبقى الكفارة دين في ذمته، ومنهم من يرى أنه إذا كان معسراً تسقط عنه الكفارة، واستدلوا بظاهر هذا الحديث.
طالب:. . . . . . . . .
ولم يجد؟ على كل حال الأقعد والماشي على القواعد وهو اختيار كثير من أهل العلم أن الكفارة تبقى كديون الآدميين، دين في ذمته متى أيسر يدفعها.

(59/22)


يقول: وحدثني عن مالك عن عطاء بن عبد الله الخرساني، وفيه مقال لأهل العلم، صدوق يهم كثيراً، عن سعيد بن المسيب أنه قال: جاء أعرابي، لم يسم، وهو الأعرابي السابق، إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يضرب نحره، وينتف شعره، وزاد الدارقطني: "ويحثو على رأسه التراب" ويقول: هلك الأبعد، يعني نفسه، وفي بعض طرقه: "هلكت وأهلكت" على ما تقدم، هلك الأبعد، يعني هلك بنفسه، وأهلك زوجته التي واقعها، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((وما ذاك؟ )) أي الذي أهلك، فقال: "أصبت أهلي" أي جامعت زوجتي وأنا صائم في رمضان، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((هل تستطيع أن تعتق رقبة؟ )) والرقبة مقيدة بالإيمان عند الجمهور، فقال: "لا" قال: ((هل تستطيع ... )) يعني تقدر أن تهدي بدنة؟ وهذه الجملة نص الحفاظ على أنها غير محفوظة، قال البخاري: لا يتابع عطاء عليها ((هل تستطيع أن تهدي بدنة؟ )) قال: "لا" يعني لا أستطيع، قال: ((فاجلس)) انتظاراً للحل، إما يأتي أحداً بشيء، أو ينزل وحي يعفيك، المقصود اجلس، قال: ((فاجلس)) فأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعرق تمر أي فيه تمر، فقال: ((خذه هذا فتصدق به)) فقال: "ما أحد أحوج مني" فقال: ((كله)) ظاهره أنه صدقة عليه، كله ما دام ما في أحد أحوج منك إليه كله، ظاهر اللفظ أنه صدقة عليه لا أنه هو الكفارة، فعلى هذا تبقى الكفارة دين في ذمته، فقال: ((كله وصم يوماً مكان ما أصبت)) وعلى هذا يلزمه قضاء ذلك اليوم.
قال مالك –رحمه الله-: قال عطاء: فسألت سعيد بن المسيب كم في ذلك العرق من التمر؟ فقال: "ما بين خمسة عشر صاعاً إلى عشرين" في حديث أبي هريرة عند أحمد: خمسة عشر بدون تردد، وفي حديث عائشة عند ابن خزيمة: عشرون صاعاً.

(59/23)


قال مالك: "سمعت أهل العلم يقولون: "ليس على من أفطر يوماً في قضاء رمضان بإصابة أهله نهاراً عمداً أو غير ذلك سواءً كان عن عمد أو غير عمد، يعني لقضاء رمضان عليه يوم أو أيام من رمضان صامها في شوال في القعدة من غيرهما من الشهور ثم جامع أهله يقول مالك: سمعت أهل العلم يقولون: "ليس على من أفطر يوماً في قضاء رمضان، يعني في غير شهر رمضان بإصابة أهل نهارً سواءً كان عمداً أو غير ذلك الكفارة التي تذكر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فيمن أصاب أهله نهاراً في رمضان، لحرمة رمضان، لحرمة الزمن، وإنما عليه قضاء ذلك اليوم فقط، قال مالك: "وهذا أحب ما سمعت فيه إلي" وعليه عامة أهل العلم إلا ما يروى عن قتادة وحده، فقال: عليه الكفارة، وقيل: عليه قضاء يومين، كمن أفسد الحج يكمل الحج، وأيضاً يمضي في فاسده، ويحج حجة مكانها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(59/24)


الموطأ - كتاب الصيام (3)

أبواب: الحجامة، صيام عاشوراء، الوصال
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للحاضرين والسامعين، يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى- باب ما جاء في حجامة الصائم:
حدثني يحي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يحتجم وهو صائم، قال: ثم ترك ذلك بعد، فكان إذا صام لم يحتجم، حتى يفطر.
وحدثني عن مالك عن بن شهاب أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم- كانا يحتجمان وهما صائمان.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يحتجم وهو صائم، ثم لا يفطر، قال: وما رأيته احتجم قط إلا وهو صائم.
قال مالك -رحمه الله-: "لا تكره الحجامة للصائم إلا خشية من أن يضعف، ولولا ذلك لم تكره، ولو أن رجلاً احتجم في رمضان، ثم سلم من أن يفطر لم أر عليه شيئاً، ولم آمره بالقضاء لذلك اليوم الذي احتجم فيه؛ لأن الحجامة إنما تكره للصائم لموضع التغرير بالصيام، فمن احتجم وسلم من أن يفطر حتى يمسي فلا أرى عليه شيئاً، وليس عليه قضاء ذلك اليوم".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فيقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في حجامة الصائم:
أي ما حكمها؟ وجاء فيها حديث ابن عباس في البخاري أن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو محرم، واحتجم وهو صائم، والحديث في البخاري، وفيها أيضاً حديث شداد بن أوس في المسند والسنن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) احتجم النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو صائم، وحديث شداد بن أوس: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) وعليهما المعول عند أهل العلم فيمن قال: بأن الحجامة تفطر، ومن قال: بأن الحجامة لا تفطر.

(60/1)


فالجمهور على العمل بحديث ابن عباس، وأن النبي -عليه الصلاة والسلام- احتجم وهو صائم، وأما حديث شداد بن أوس: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) فأجابوا عنه بأجوبة منها: أنه منسوخ، وذلك أن حديث شداد كان عام الفتح، وحديث ابن عباس في حجة الوداع، ولا يقول أحد: بأن حديث ابن عباس متقدم على حديث شداد، كلهم متفقون على أن حديث شداد متقدم على حديث ابن عباس، ولذا قال الشافعي: حديث شداد منسوخ بحديث ابن عباس؛ لأن حديث شداد كان عام الفتح، وحديث ابن عباس في حجة الوداع وهو متأخر، وإنما كانوا يعملون بالآخر من فعله -عليه الصلاة والسلام-، والجمهور على هذا، ومنهم من يقول: أن معنى ((أفطر الحاجم والمحجوم)) أن أمرهما يؤول إلى الفطر؛ فالحاجم لا يؤمن أن يتسرب شيء من الدم إلى جوفه، فيفطر بهذا، والمحجوم لا يؤمن أن يضعف عن الصوم، فيضطر إلى الفطر، فيكون المقصود مآل أمرهما إلى الفطر، يقول ابن خزيمة: "جاء بعضهم بأعجوبة، وهي أن المراد بقوله -عليه الصلاة والسلام-: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) لأنهما كانا يغتابان الناس، مر النبي -عليه الصلاة والسلام- بحاجم ومحجوم كانا يغتابان الناس، فقال: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) بالغيبة، يقول: ولو سألت هذا القائل وقلت له: هل الغيبة تفطر الصائم؟ لقال: لا، إذاً كيف يعول على أن السبب في فطرهما الغيبة والغيبة لا تفطر حتى عند هذا القائل؟ ولذا تعجب ابن خزيمة من هذا القول.
قد يقول قائل: إذا كان مآل الحاجم إلى الفطر؛ لأنه قد يتسرب إلى جوفه شيء من الدم؛ لأنه كان العمل على الآلات القديمة التي تعمل بالمص، والآن أدوات كهربائية أو آلية تشتغل تلقائياً من غير أن يمصها الحاجم، فهل نقول: أنه يفطر أو لا يفطر؟ والصوم إنما ثبت بيقين، وكونه ينساب إلى جوفه شيء مشكوك فيه، حتى على أداء الآلات القديمة، قد يتحرز ولا ينساب إلى جوفه شيء، فكيف يفطر؟ على كل حال هذا على القول بتصحيح حديث شداد، والمعتمد تصحيحه، لكنه متقدم على حديث ابن عباس.
طالب: ألا يمكن أن يقال: الحكمة في الإفطار تعبدية؟

(60/2)


لا، لأصحاب القول الآخر أجوبة، يقول الإمام أحمد وإسحاق: يفطر الحاجم والمحجوم، المظنة هنا نزلت منزلة المئنة، كما أن النوم ينقض الوضوء وهو في الأصل ليس بناقض، والوضوء ثبت بيقين، والنقض بالناقض الحقيقي مشكوك فيه؛ لأن الناقض ما يحصل أثناء النوم، لا النوم نفسه، بدليل أن النوم إذا لم يكن مستغرقاً لم ينتقض الوضوء، وجاء ما يدل على أنهم كانوا ينتظرون العشاء فتخفق رؤوسهم، والنبي -عليه الصلاة والسلام- يضطجع ويسمع له خطيط.
المقصود أن هذه مظنة بفطر، وليست بفطر، يجيبون على حديث ابن عباس بجواب جيد، يقولون: احتجم النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو صائم، وفي حديث شداد بن أوس: "احتجم الرجل وهو صائم" لكن النتيجة؟ النتيجة: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) لكن ليس في حديث ابن عباس أنه أفطر أو ما أفطر؛ لكن فيه أنه احتجم، لكن هل فيه أنه استمر على صيامه؟
طالب:. . . . . . . . .
احتجم وهو صائم؛ لكن يمكن على احتمال أن يكون سياق مثل هذا الحديث للاستدلال به على أن الحجامة لا تفطر، هذا احتمال، الاحتمال الثاني يساق على جواز الحجامة لمن احتاج إليها وإن كان صائماً ولو اضطره الأمر إلى الفطر، يعني ما هي مسألة ناسخ ومنسوخ وانتهى الإشكال، لا شك أن حديث ابن عباس أقوى من حديث شداد؛ لأنه في البخاري؛ لكن ما موقف الأئمة من هذه الأحاديث؟

(60/3)


الجمهور يقولون: حديث شداد منسوخ؛ لأنه متقدم، وهذا لا شك أنه مخرج، عند ضيق المخارج، وآخر شيء القول بالنسخ، آخر ما يلجأ إليه، إذا لم يمكن الجمع بين النصوص، ولا الترجيح يلجأ إلى النسخ، فإن قلنا: بالترجيح فحديث ابن عباس أرجح، وإن قلنا: بالتقدم والتأخر فحديث شداد متقدم، وهذا مما يؤيد قول الجمهور وإن قلنا: بجواب الحنابلة ومن يقول: بفطر الحاجم والمحجوم، قلنا: أن ليس فيه أكثر مما ذكر ابن عباس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- احتجم وهو صائم؛ ولكن ماذا عن النتيجة؟ ماذا عن النتيجة؟ ما ذكرت في حديث ابن عباس؛ لكن ظاهر اللفظ، ليس بنص في المسألة، ظاهر النص؛ لأن عندنا نص وظاهر، والاحتمال الأرجح والأظهر في الدلالة من النص، واحتمال مرجوح يسمونه المؤول، الذي يقابل الظاهر، فالنص الذي لا يحتمل غير الدلالة التي هي منطوق الخبر، والظاهر هو الاحتمال الراجح، والاحتمال الراجح من حديث ابن عباس أنه سيق لبيان أن الحجامة لا تفطر الصائم، هذا الذي يظهر من النص، يعني إذا قيل: زيد أسد، النص في هذا أنه حيوان مفترس، والظاهر أن زيد شجاع كالأسد، والاحتمال الأضعف أن زيد فيه وصف من أوصاف الأسد غير ظاهر؛ لكنه يحتاج إليه أحياناً، لو قلت: زيد أسد –مثلاً- وهو معروف ومشاع بين الناس أن زيد جبان تبحث عن وصف آخر يتفق فيه مع الأسد، وهو أيش –مثلاً- البخر، إذا كان زيد أبخر قيل: زيد أسد؛ لأنه يشارك الأسد في صفة غير ظاهرة، فالنص في هذا أن زيد حيوان مفترس؛ لكن ما هو مراد قطعاً، الظاهر منه أن زيد رجل شجاع كالأسد، المؤول وهو الاحتمال المرجوح أن زيد أبخر، تنبعث منه روائح كريهة من فمه كالأسد، وهذا يحتاج إليه إذا لم نجزم بالاحتمال الأظهر.
وهنا الاحتمال الظاهر أن ابن عباس ساق الخبر لبيان أن الحجامة لا تفطر الصائم، والاحتمال الثاني أنه ساق الخبر لبيان أن الحجامة تجوز للصائم إذا احتاج إليها كغيرها من المفطرات؛ لكنه لا يظهر، ليس بنص، ولا ظاهر، إنما هو احتمال مرجوح.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، هو لوجود بعض الروايات التي تشير إلى أنه يحتج به على الفطر قلنا: أنه ظاهر، والاحتمال الثاني قائم.

(60/4)


يقول: حدثني يحي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أنه كان يحتجم وهو صائم، قال: ثم ترك ذلك بعد لما بلغه فيها ما بلغه من حديث شداد، فكان إذا صام لم يحتجم حتى يفطر؛ لأنه -رضي الله تعالى عنه وأرضاه- من الورع بمكان، كما قال بن عبد البر، وقال الباجي: "لما كبر وضعف صار لا يحتجم وهو صائم" لما كان في وقت الشباب والنشاط والقوة يحتجم وهو صائم لماذا؟ لأنه يحتمل الحجامة مع الصيام يحتمل الحجامة، ويستطيع أن يحتجم ويواصل الصيام؛ لكن لما ضعف وكبر صار ما يتحمل، فإذا احتجم اضطر إلى الفطر، فصار لا يحتجم وهو صائم، هذا ما قاله الباجي.
وحدثني عن مالك عن بن شهاب أن سعد بن أبي وقاص -هذا منقطع لكن ثبت من رواية عامر بن سعد عن أبيه وبهذا يكون متصلاً- أن سعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر كانا يحتجمان وهما صائمان، فدل على أن بعض الصحابة يرون أن الحجامة لا تفطر.
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يحتجم وهو صائم، ثم لا يفطر، فالمؤلف -رحمه الله تعالى- يريد أن يقرر أن الحجامة لا تفطر، وأن ذلك معروف عند الصحابة والتابعين أيضاً، قال: "وما رأيته احتجم قط إلا وهو صائم" لأنه كان يواصل الصوم، قاله بن عبد البر، وهو محمول على غالب الأحوال محمول على الغالب من أحواله أنه كان لا يحتجم إلا وهو صائم؛ لكن إن احتاج إلى الحجامة وهو مفطر لا يحتجم ينتظر حتى يصوم؟! لا يظن به هذا.
قال مالك: "لا تكره الحجامة للصائم إلا خشية من أن يضعف" كما قال أنس بن مالك عند البخاري، ولولا ذلك لم تكره؛ لأن الضعف يلجأه إلى الفطر، "ولو أن رجلاً احتجم في رمضان ثم سلم من أن يفطر -يعني واصل الصيام ما احتاج إلى أن يفطر لضعفه- لم أر عليه شيئاً" لأنه فعل هذا الفعل الذي لا يفطر، "ولم آمره بالقضاء لذلك اليوم الذي احتجم فيه؛ لأن الحجامة إنما تكره للصائم لموضع التغرير بالصيام" يعني من أجل تعريض الصيام للإفطار، من أجل تعريض الصيام للإفساد والإبطال، "فمن احتجم وسلم من أن يفطر حتى يمسي فلا أرى عليه شيئاً، وليس عليه قضاء ذلك اليوم" وهذا هو قول الجمهور، ويرى الإمام أحمد وإسحاق أن الحجامة تفطر الصائم لحديث شداد.

(60/5)


استدل الجمهور بقول ابن عباس وغيره، كما في البخاري "الفطر مما دخل لا مما خرج، ونقض الوضوء مما خرج لا مما دخل" يعني الفطر بسبب ما يدخل في البدن، ونقض الوضوء بسبب ما يخرج منه؛ لكن مثل هذا الكلام وهو غير مرفوع إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- لا يسلم طرداً ولا عكساً، الآن الفطر بالإجماع بالنسبة لمن جامع زوجته بسبب ما دخل من بدنه أو مما خرج منه؟ خرج، وليكن مثل ذلك: القيء والحجامة فلا يسلم طرداً كما أنه لا يسلم عكساً، فنقض الوضوء من أكل لحم الجزور مما دخل لا مما خرج، نعم قد ينازعون -من يقول مثل هذا- ينازع فيما نوزع فيه؛ لكن القاعدة ليست مطردة.
الحجامة مثل ما سمعنا من أقوال أهل العلم وحججهم، وعلى هذا يقال: الأحوط أن لا يحتجم الصائم؛ لكن إن احتاج إلى الحجامة، ورأى أنه يحتمل الحجامة من غير أن يعرض صومه للبطلان فالعمل على حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- ولا شك أن حديث شداد متقدم، والمتأخر يقضي على المتقدم.
فالمقصود أن الاحتياط أن لا يحتجم الصائم؛ لكن إن احتاج إلى الحجامة في هذا الوقت، وفي هذا الظرف، ولم يستطع تأخيرها إلى الليل اضطر إليها ومثلها الفصد، وقل مثل هذا في التبرع بالدم.
طالب:. . . . . . . . .
التحليل قالوا: إنه شيء يسير لا يؤثر؛ لكن التبرع بالدم الذي يحتاج إلى قدر كبير أكثر من الحجامة، فمن يفطر بالحجامة يفطر بالتبرع، والذي لا يفطر بالحجامة لا يفطر بالتبرع، أما بالنسبة لما يحتاج إليه من التحليل فمثل هذا يسير، لا يؤثر عند أهل العلم.
الغسيل بالنسبة لمريض الكلى، يحتاج المريض ولا يستطيع التأخير عن الوقت المحدد إلى إخراج الدم من بدنه، ثم تنقية هذا الدم، وإضافة بعض المواد إليه، ثم إعادته إلى البدن، وهذا لا إشكال في كونه يفطر، يعني إن قلنا: أن الحجامة تفطر هذا أفطر من مجرد إخراج الدم من بدنه، وإذا قلنا: إن الحجامة لا تفطر قلنا: أنه أفطر بإدخاله في بدنه وإضافة بعض المواد إليه، فالغسيل مفطر.
طالب:. . . . . . . . .
هذا خرج ودخل على القولين مفطر، هو مفطر على القولين.
طالب:. . . . . . . . .
نعم كيف؟ والله هو ما حل لكنه الراجح تصفيحه الراجح تصفيحه.
طالب:. . . . . . . . .

(60/6)


ماذا؟ الحجامة حاجة من احتاج إليها لا بأس، الذي لا يحتاج إليها مثل العلاج، هي علاج إن احتيج إليها فلا بأس.

باب صيام يوم عاشوراء:
حدثني يحي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: كان يوم عاشوراء يوماً تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه في الجاهلية، فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة، وترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه.
وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهما- يوم عاشوراء، عام حج، وهو على المنبر، يقول: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لهذا اليوم: ((هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر)).
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أرسل إلى الحارث بن هشام: أن غداً يوم عاشوراء فصم، وأمر أهلك أن يصوموا.

(60/7)


أهل العلم يقررون أن من نوى الإفطار أفطر، لنفترض شخصاً -وهذا أيضاً يأتي في مسألة الاستقاء- من نوى الإفطار أفطر، شخص احتاج قريبه أو صديقه، أو مسلم احتاج إلى إنقاذ للتبرع بالدم، وهذا الشخص يرى أن الحجامة تبطل الصوم، والاستقاء يعني استدعاء القيء يبطل الصوم، فذهب إلى المستشفى ليتبرع لصديقه، واستلقى على السرير، ومد يده ليسحب منه الدم، ثم قالوا له: لسنا بحاجة إلى دم، الآن اكتفينا، يفطر ولا ما يفطر؟ مسألة مفترضة من شخص يرى أن الحجامة تفطر، وأهل العلم يقولون: من نوى الإفطار أفطر أو شخص استدعى القيء فلم يخرج منه شيء يفطر ولا ما يفطر؟ وإن كان متردداً هو ذهب إلى المستشفى فقال: إن احتيج إليّ تبرعت، وإن لم يحتج إليّ لم أتبرع، يختلف الحكم ولا ما يختلف؟ يختلف، مثل هذا متردد ليس بجازم بالفطر، وأما الأول جازم بأن يفطر، يعني جائع وعزم على أن يأكل، ثم نظر في الساعة قال: ما باقي إلا ساعة واحدة أتحمل، أهل العلم يقولون: من نوى الإفطار أفطر؛ لأن المطلوب استصحاب الحكم، وهو أن لا ينوي قطع العبادة قبل تمامها، هو ما زال في أثناء العبادة، الحنابلة يقولون: أو استقاء فقاء؛ لأن الاستقاء مجرد طلب القيء واستدعائه، ولا يلزم أن يخرج منه شيء، أو لا يخرج، هو استقاء؛ لكن ما خرج شيء يفطر ولا ما يفطر؟ استمنى فأمنى، يقولون: إذا لم يمن أيش يصير عليه؟ هو طلب ذلك، وهو بهذا الطلب -طلب الاستقاء وطلب القيء وغيره- نوى الإفطار، أو هذا الحكم يختلف ممن يعرف الحكم ومن لا يعرف؟ الذي لا يعرف أن الاستقاء يفطر مثلاً هذا لا أثر له لأنه لم يحصل منه القيء ولا نوى الإفطار لكن شخص يعرف أن الاستقاء يفطر فأدخل أصابعه في أقصى الحلق يستدعي القيء فلم يخرج شيء، ونظيره الذي استلقى على السرير، ومد يده، وربطت يده بالسيور، من أجل أن يسحب منه الدم، وقالوا: لسنا بحاجة إلى دمك، يحصل ولا ما يحصل؟ يحصل، هل نقول: استمر على صيامك، ولا تقضي هذا اليوم، أو نقول: مقتضى قولهم من نوى الإفطار أفطر، وأنت نويت الإفطار، يعني عبارة الحنابلة في كتبهم يقولون: أو استقاء فقاء، يعني ما علقوه على مجرد الاستقاء، حتى يخرج منه القيء، وهم يقررون أيضاً أن من نوى

(60/8)


الإفطار أفطر، فعلى هذا نقول: يختلف الحكم، فمن يعرف أن الاستقاء يفطر نقول: نوى الإفطار، والذي لا يعرف أن الاستقاء مفطر هذا ما نوى الإفطار؛ لكن لو خرج منه القيء بالاستدعاء أفطر، ومثله صاحب التبرع.
باب صيام يوم عاشوراء:
يعني ما حكمه؟ وعاشوراء: بالمد على المشهور، وحكي فيه القصر، وزعم ابن دريد أنه اسم إسلامي، يعني ما يعرف في الجاهلية، اسم إسلامي، ورد عليه بن دحية بأن ابن الأعرابي حكى أنه سمع في كلامهم خابوراء، يعني الصيغة موجودة في كلامهم، وما دامت الصيغة موجودة، والوزن موجود، ما فيه ما يمنع أن يكون من ألفاظهم عاشوراء، كما أنه رد أيضاً بقول عائشة أن يوم عاشوراء يوم تصومه قريش في الجاهلية لكن هل يلزم من صيامهم لهذا اليوم أن يكون اللفظ معروفاً عندهم؟ نعم لا يلزم، ما يلزم.
وعاشوراء معدول عن عاشرة، أي الليلة العاشرة، والعدل للمبالغة والتعظيم، والأكثر على أن عاشوراء هو اليوم العاشر، من شهر الله المحرم، وهو مقتضى الاشتقاق، يعني كيف تقول: عاشوراء مأخوذ من التاسع أو من العاشر أيهما أقرب؟
طالب:. . . . . . . . .
من العاشر، تأخذ من التاسع تاسوعاء، لكن ما تأخذ عاشوراء من التاسع، هذا هو مقتضى الاشتقاق، وقيل: عاشوراء هو اليوم التاسع؛ فعلى هذا على القول الأول اليوم مضاف إلى لليلة الماضية السابقة على القول الأول؛ لأن عندنا ليلة العاشر قبلها التاسع، وبعدها العاشر، فإذا قلنا: عاشوراء وعاشوراء معدول عن العاشرة قلنا أن هذا اليوم مضاف لليلة التي قبله، وإذا قلنا بالقول الثاني وأنه التاسع قلنا أن اليوم مضاف لليلة التي بعده روي عن ابن عباس هذا القول، وأن عاشوراء هو اليوم التاسع هذا مروي عن ابن عباس له وجه ولا ما له وجه؟
طالب:. . . . . . . . .
دعنا من الليلة لكن التاسع نقول له عاشوراء ولا ما نقول له؟ هو يستدل بحديث: ((لأن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) مع حثه على صوم يوم عاشوراء إذاً يوم عاشوراء هو التاسع الذي أراد النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يصومه هو ما بقي إلى قابل لينظر هل يصوم التاسع فقط ليكون هو يوم عاشوراء أو يضيف إليه العاشر ليكون عاشوراء هو العاشر وصيام التاسع من باب المخالفة؟

(60/9)


وعلى كل حال الحديث الذي يقول: ((لأن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع)) يعني مع العاشر، فعاشوراء هو العاشر، ويصوم معه التاسع، ويدل عليه الأمر بالمخالفة، مخالفة اليهود، صوموا يوماً قبله أو يوماً بعده، فصيام التاسع لا يكفي وحده، ولا تحصل به السنة، وليس هو بعاشوراء، وإنما عاشوراء هو اليوم العاشر. يقول: حدثني يحي عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- أنها قالت: "كان يوم عاشوراء يوم تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه"، صامه وأمر بصيامه قبل فرض رمضان، وكان صيامه واجباً، ثم نسخ ذلك في رمضان، وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يصومه في الجاهلية، فلما قدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المدينة صامه، وأمر بصيامه، أمر بصيامه على سبيل الإيجاب قبل فرض رمضان، كم سنة؟
طالب: سنة واحدة.
واحدة، سنة واحدة؛ لأن قدومه في السنة الأولى كان في ربيع، ذهب عاشوراء السنة الثانية صام عاشوراء، ثم فرض رمضان في السنة الثانية فما بقي المفروض إلا سنة واحدة، وأمر بصيامه، فلما فرض رمضان كان هو الفريضة، عند رمضان صار هو الفريضة، وترك يوم عاشوراء، ترك فرضه، ترك؟ يني ترك فرضه، وبقي الاستحباب، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه، ونقل بن عبد البر الإجماع على أنه الآن ليس بفرض، وعلى أنه مستحب؛ لأن ظاهر الخبر، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه، يدل على التخيير والإباحة، ومثل هذا لا يدل على الاستحباب؛ لكن استحباب صيامه إجماع بدليل أنه يكفر السنة الماضية.

(60/10)


وحدثني عن مالك عن بن شهاب عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف أنه سمع معاوية بن أبي سفيان يوم عاشوراء عام حج، يعني قبل حجه، أو بعد حجه، بعد أن قفل من مكة، عام حاج، أول حجة حجها بعد خلافته سنة أربع وأربعين، هي أول حجة بعد أن استخلف، وآخر حجة حج سنة سبع وخمسين، يقول ابن حجر: "والذي يظهر أن المراد بها في هذا الحديث الحجة الأخيرة، لا الأولى عام حج" وهو على المنبر، منبر المدينة، يقول: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ كأنه لم ير اهتماماً بصيام هذا اليوم، كأنه لم ير اهتمام من أهل المدينة بصيام هذا اليوم، وأهل المدينة يُتعجب من بعض ما صار عندهم، كما سيأتي عند الإمام مالك -رحمه الله- بالنسبة لصيام الست من شوال، أنه ما رأى أحداً من أهل العلم والفضل يصومه، ومعاوية -رضي الله تعالى عنه- يقول: يا أهل المدينة أين علماؤكم؟ سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول لهذا اليوم: ((هذا يوم عاشوراء، ولم يكتب عليكم صيامه)) ولم يكتب (لم) هذا حرف أيش؟ نفي وجزم وأيش؟ وقلب أيش؟ معنى لم يكتب، يعني قلبت الفعل المضارع من المستقبل إلى الماضي، يعني لم يكتب في الماضي عليكم صيامه، ويستدل بهذا من يقول: أنه لم يفرض أصلاً ما فرض، ولا قبل رمضان، بدليل قوله: لم يكتب عليكم صيامه؛ لأن لم قلبت الفعل، يعني ما كتب أبداً، حتى في الماضي ما كتب، فيستدل بهذا من يقول: أنه لم يكن فرض قط، ولا دلالة فيه لاحتمال أن يكون المراد أنه لم يكتب يعني بعد النسخ، بعد النسخ بفرض صيام رمضان، قال: لم يكتب قلبته إلى الماضي من كلام معاوية -رضي الله تعالى عنه-، لم يكتب قبل يوم هذا، وإن كتب قبل فرض رمضان.
((ولم يكتب عليكم صيامه، وأنا صائم، فمن شاء فليصم، ومن شاء فليفطر)) وعرفنا أن صيام يوم عاشوراء سنة مؤكدة، كانوا يأمرون الصبيان ممن يستطيع الصيام أن يصوم هذا اليوم، ولا يفرط في صيام مثل هذا اليوم الذي يكفر سنة إلا محروم، على أنه من أراد أن يصومه فليصم يوماً قبله، وليكن التاسع، أو يوماً بعده وليكن الحادي عشر، مخالفة لأهل الكتاب.

(60/11)


وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عمر بن الخطاب أرسل إلى الحارث بن هشام بن المغيرة، وهو من مسلمة الفتح، هو الذي سأل النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الوحي، في أوائل الصحيح، أرسل إلى الحارث بن هشام أن غداً يوم عاشوراء، غداً يوم عاشوراء، أرسل إليه في اليوم التاسع من المحرم، وقال له: غداً يوم عاشوراء، فصم وأمر أهلك أن يصوموا، وهذا ساقه الإمام مالك -رحمه الله تعالى- لبيان أن التخيير في الحديثين السابقين ((من شاء صامه ومن شاء تركه)) ((من شاء فليصم ومن شاء فليفطر)) هذا التخيير لم يكن للإباحة، وإنما هو للاستحباب، فعمر أرسل إلى الحارث بن هشام: أن غداً يوم عاشوراء، فصم، وأمر أهلك أن يصوموا، أن ذلك للاستحباب، لا على سبيل الوجوب، وأن ذلك مستمر بعد وفاة النبي -عليه الصلاة والسلام-، وأنه لم يطرأ عليه ما ينسخه، وإن نسخ وجوبه.
باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر:
حدثني يحي عن مالك عن محمد بن يحي بن حبان عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن صيام يومين، يوم الفطر ويوم الأضحى.
وحدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون: لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صيامها، وهي أيام منى، ويوم الأضحى، ويوم الفطر، فيما بلغنا، قال: وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك.
يقول -رحمه الله تعالى- باب صيام يوم الفطر والأضحى والدهر:
حدثني يحي عن مالك عن محمد بن يحي بن حبان عن الأعرج -عبد الرحمن بن هرمز- عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى، والأصل في النهي التحريم، وقال بتحريم صيام يومي العيدين عامة أهل العلم، وأن صيامهما حرام، ولا يصح، باطل، ولا يجزئ، ولا ينعقد فيما لو نذره، لا ينعقد، ولا يصح، خلافاً للإمام أبي حنيفة أنه يحرم صومهما؛ لكن لو نذر صيامهما انعقد الصيام، ويصوم يومين مكانهما، نهى عن صيام يومين، يوم الفطر، ويوم الأضحى، والعلماء كافة على تحريم الصيام في هذين اليومين، نقل الإجماع؛ لكن يبقى أنه لو صامه فالصوم باطل؛ لأن النهي يعود إلى ذات المنهي عنه؛ فمع التحريم البطلان، فلا ينعقد لو نذره أو صامه قضاء ما أجزأ، بل يحرم صيامهما.

(60/12)


يقول: حدثني عن مالك أنه سمع أهل العلم يقولون: لا بأس بصيام الدهر، وهذا معروف عند أكثر العلماء أنه لا بأس به، بل يستحبونه إذا أفطر الأيام المنهي عن صيامها كالعيدين وأيام التشريق، وما عدا ذلك يجوز صيامه عند الأكثر، لا بأس بصيام الدهر إذا أفطر الأيام التي نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صيامها، كيومي العيدين، على ما سمعنا وأيام التشريق التي جاء فيها أنها أيام أكل وشرب وذكر لله -عز وجل-، وأنه لم يرخص في صيام أيام التشريق إلا لمن لم يجد الهدي، فدل على المنع من صيامها التي نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن صيامها، وهي أيام منى، ويوم الأضحى ويوم الفطر فيما بلغنا البخاري عن عائشة وابن عمر -رضي الله عنهما- قالا: لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي، فدل على أن صيام أيام التشريق محرم، فإذا أفطر هذه الأيام الخمسة فالباقي على خلاف بعضها كتخصيص الجمعة، وتخصيص السبت، وتقدم رمضان بيوم أو يومين، وإذا انتصف شعبان، يعني أيام جاء النهي عنها كل على مذهبه في الحكم، منهم من يرى تحريم صيام هذه الأيام، ومنهم من يرى الكراهة، ومنهم على ما سيأتي -إن شاء الله تعالى-.
"وذلك أحب ما سمعت إلي في ذلك" أحمد وإسحاق قالوا: بالكراهة، كراهة صيام الدهر، حمزة بن عمرو الأسلمي قال للنبي -صلى الله عليه وسلم-: أنه يسرد الصوم، فهل عليه من جناح أن يصوم في السفر؟ وهذا تقدم، فأخبره أنه لا جناح عليه بذلك، يسرد الصوم، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- يصوم حتى يقال: أنه لا يفطر، ويفطر حتى يقال: أنه لا يصوم.

(60/13)


المقصود أن تتابع الأيام بالصيام لا شيء فيه، ما لم يكن الدهر كامل، في الحديث الصحيح ((لا صام من صام الأبد)) يعني صام الدهر، وهذا يحتمل أمرين: يحتمل أن يكون دعاء عليه، بمعنى أنه يدعى عليه بأن لا يدرك الصيام بعد ذلك، وقد خاب من دعا عليه النبي -عليه الصلاة والسلام-، ويحتمل أن يكون خبراً، وهو وإن كان خبراً إلا أنه حكم شرعي، أنه وإن صام بالامتناع من الأكل والشرب إلا أنه لم يصم صياماً شرعياً، وقد خاب من أخبر عنه النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه لم يصم، كما يقول ابن العربي، على الوجهين سواء كان دعاء أو خبر.
وعلى كل حال أفضل الصيام، يعني مع الحث على الصيام صيام ثلاثة أيام، كمن صام الدهر، من صام رمضان وأتبعه ستاً من شوال كان كصيام الدهر، وأفضل الصيام الذي لا أفضل منه صيام أيش؟ داود يصوم يوماً ويفطر يوماً.
طالب: صيام الدهر يا شيخ؟
صيام الدهر قلنا: أن الجمهور يقولون: لا بأس به، إذا أفطر الأيام المنهي عن صيامها، ما في شيء، ((لا صام من صام الأبد)).
طالب:. . . . . . . . .
المشقة مثل ما قال: ((أولئك العصاة)) الذين نشق عليهم، على كل حال هذا قولهم، هم رأوا من العمومات من الترغيب في الصيام، وأن من صام يوماً في سبيل الله باعد الله وجه عن النار سبعين خريفاً، ورأوا أن الصيام من أفضل الأعمال، وأنه نهي عن أيام بعينها تترك هذه الأيام، لكن قول مرجوح، يعني أفضل منه صيام داود لا أفضل من صيام داود -عليه السلام-، هو أفضل الصيام كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحديث الصحيح (( ... صيام داود، يصوم يوماً ويفطر يوماً)).
طالب:. . . . . . . . .
مفضول، يصير مفضول، إيه مفضول.
طالب: كيف مفضول وقد قال به أكثر العلماء؟

(60/14)


ما هو معنى أنه قال به أكثر العلماء أنه هو الراجح، ما يلزم، نحن ندور مع الدليل، نجزم بأن قوله -عليه الصلاة والسلام-: ((لا صام من صام الأبد)) أن فعله مرجوح على أي احتمال، حتى ولو كان نفي، وليس بدعاء، هم يقولون: أنما ينهى عنه، ويمنع منه من باب الشفقة على المكلف، لا يمنع منه، لا يكون حكمه المنع، ولذلك ابن عمر، وابن عمرو لما منعه النبي -عليه الصلاة والسلام- من الصيام، ومنعه من كثرة تلاوة القرآن، قالوا: منعه شفقة عليه، ولذلك ابن عمر ما امتثل، ولكنه ندم عبد الله بن عمرو بن العاص؛ لكنه ندم أن لم يقبل إشارة النبي -عليه الصلاة والسلام- له بالرفق على نفسه، فيكون إذا كان الداعي للأمر أو للنهي بالكف الشفقة على المكلف، يعني أمره النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يفطر ما أفطر فهم أن النبي -عليه الصلاة والسلام-، إنما أمره شفقة عليه، ويقول: أنا أتحمل وأريد الأجر التي ثبت في النصوص الأخرى عند بعض أهل العلم أن هذا لا يؤثر؛ لأنه إنما منع من باب الشفقة عليه، يعني أمر بالفطر، أو منع من الصوم شفقة عليه، منع من قيام الليل كله شفقة عليه، منع من قراءة القرآن كل يوم شفقة عليه، وهكذا، يقولون: إذا فهم من النص هذا فإنه لا يدل على المنع؛ لكن إذا لم نلتزم بشفقة النبي -عليه الصلاة والسلام- الذي بعث رحمة للعالمين، معناه ما ائتسينا به، ولا اقتدينا به، هذا من أخص أوصافه -عليه الصلاة والسلام-.

باب النهي عن الوصال في الصيام:
حدثني يحي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الوصال، فقالوا: يا رسول الله فإنك تواصل! فقال: ((إني لست كهيئتكم، إني أطعم وأسقى)).
وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والوصال، إياكم والوصال)) قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: ((إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)).
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى- باب النهي عن الوصال في الصيام:

(60/15)


والمراد بالوصال أن يصوم أياماً متتابعة من غير أن يتخللها فطر في الليل، فيمسك عن الأكل والشرب والجماع في الليل والنهار أكثر من يوم، يومين أو ثلاثة أو أربعة، والوصال يعارض سنن منها: الأمر بتعجيل الفطر، والتأكيد على السحور، وأنه مندوب، وأنه فرق بيننا وبين صيام أهل الكتاب أكلة السحر، ومنها: أنه يعين على الطاعة، ويترتب عليه مخالفات كثيرة عن الوصال، ولذا نهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-.
والنهي عند الجمهور للكراهة، وحمله الشافعي على التحريم، وهو الأصل، الأصل في النهي التحريم؛ لكن يستدل من حمله على الكراهة بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- واصل بهم، لما قالوا له: إنك تواصل، واصل بهم اليوم الأول والثاني، ثم بعد ذلك رؤي الهلال، ولو لم ير الهلال لاستمر، كالمنكل بهم، ولو كان الوصال محرماً لما نكل بهم بالمحرم، لو كان الوصال محرم ما نكل بهم بالمحرم؛ لأن الإنسان إذا فعل شيئاً يستحق عليه العقاب ما يعاقب بمحرم، هذه حجة الجمهور في صرفهم النهي من التحريم إلى الكراهة.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-:
حدثني يحي عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن الوصال فقالوا: يا رسول الله فإنك تواصل، (فقالوا) لم ترد التسمية في شيء من طرق الحديث لهؤلاء القائلين؛ لكن هل من الأدب أن يقال: يا رسول الله إنك تواصل؟ بعد أن نهى عن الوصال؟ يعني قال: ((لا تواصلوا)) قالوا: أنت تواصل، أو أن هذا من باب الحرص على الخير، والاقتداء به -عليه الصلاة والسلام-، قالوا: يا رسول الله فإنك تواصل، قال: ((إني لست كهيئتكم)) يعني ليس حالي كحالكم، ولست مثلكم، إني أطعم وأسقى.

(60/16)


الحديث الذي يليه يقول: وحدثني عن مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والوصال، إياكم والوصال)) وعند البخاري: ((إياكم والوصال)) مرتين، وعند مسلم ثلاث مرات، قالوا: فإنك تواصل يا رسول الله، قال: ((إني لست كهيئتكم، إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني)) ((أطعم وأسقى)) الطعام والشراب من خلال الحقائق الثلاث، هل ينطبق عليه الحقيقة اللغوية؟ الطعام المذكور هنا هل نقول: طعام لغوي؟ وهل تختلف الحقائق الثلاث اللغوية والعرفية والشرعية في الطعام والشراب؟ يعني مثل هذا ماذا نسميه؟ إناء، صح وإلا لا؟ وهو أيضاً وعاء لغة وعرفاً وشرعاً، يعني ما تختلف فيه الحقائق الثلاث، هل يقال له: غير الإناء في اللغة، نعم، ولذا يقولون في باب الآنية: هي الأوعية لغة وعرفاً وشرعاً، صح وإلا لا؟ يعني تجتمع فيها الحقائق الثلاث، الطعام والشراب تختلف فيها الحقائق الثلاث؟ ما تختلف، يعني الأكل والشرب، هذا شرب، يعني إذا شرب الإنسان شرب لغة، يعني الشرب: إدخال الماء إلى الجوف بواسطة الفم، هذه حقيقته في اللغة، وفي العرف، وفي الشرع، ومثله الطعام، إذاً هذا الطعام هل هو طعام لغوي؟ هل هو طعام عرفي؟ هل هو طعام شرعي؟ لو كان طعام لغوي قلنا: أفطر، لو قلنا: طعام عرفي، قلنا: أفطر، ما واصل، لو قلنا: طعام شرعي، قلنا: أفطر ما واصل، إذاً ما حقيقة هذا الطعام وهذا الشراب؟ الذي يقول بالمجاز ما عنده مشكلة، يقول: استعمال للفظ في غير ما وضع له، ولا عنده إشكال في مثل هذا، ما عنده مشكلة؛ لكن الذي ينفي المجاز كيف يقول عن هذا: أنه طعام؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ لا، لا، لا بد أن نتعامل مع النصوص على ضوء الحقائق الثلاث، ما دمنا ننفي المجاز، لا بد أن نقول: هذا الكلام حقيقي كيف حقيقي؟.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، لا، لا، نريد أن يكون كلامنا ما فيه مداخل لآخرين؛ لأن صاحب المجاز يريد يلزمنا بهذا، يقول: طبق عليها الحقائق الثلاث وناقشني.
طالب:. . . . . . . . .
حقيقة شرعية غير الحقيقة الشرعية المعروفة؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني تستطيع تنظر لنا بحيث يكون كلامك صحيح.
طالب:. . . . . . . . .

(60/17)


وشو الحديث؟
طالب:. . . . . . . . .
إيه، إيه، نريد نظير هذا، أن الحقيقة الشرعية تأتي لأكثر من شيء، هذا مثال رددناه مراراً، يعني الطعام المعنوي حقيقة شرعية كما هنا، الطعام الحقيقي المأكول والمشروب حقيقة شرعية، يعني مثل ما قال كلامه صحيح، هذه حقيقة شرعية، وتلك حقيقة شرعية، ومثله المفلس صحيح، النبي -عليه الصلاة والسلام- لما قال: ((أتدرون من المفلس؟ )) قالوا: المفلس من لا درهم له ولا متاع، يأتي بأعمال من صلاة وصيام وغيرها من الأعمال الصالحة، وفي رواية: ((أمثال الجبال)) يأتي وشتم هذا، وضرب هذا، وسفك دم هذا، وظلم هذا، وأخذ مال هذا، إلى آخر الحديث، فهو مفلس حقيقة شرعية، كما أن له حقيقة شرعية أخرى في باب الحجر والتفليس، ((من وجد ماله عند رجل قد أفلس فهو أحق به)) هل نقول: هذا المال الذي وجدته عند رجل جاء بأعمال أمثال الجبال، وضرب هذا، وسفك هذا، هذه حقيقة هنا؟ لا، ليست هذه حقيقة، حقيقته: من لا درهم له ولا متاع، هذا المفلس، فهذه حقيقة شرعية، وتلك حقيقة شرعية، والطعام الحقيقي المأكول والمشروب حقيقة شرعية، والطعام المعنوي الذي عندنا حقيقة شرعية، فلا يشكل -إن شاء الله-.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، كيف؟ هذا من خصائص النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لكن نحتاج إلى أن نوجه هذا الكلام ((يطعمني ويسقيني)) كيف يطعمني؟
طالب:. . . . . . . . .
هاه، حقيقي يعني أكل وشرب؟ ويصير مواصل؟
طالب:. . . . . . . . .
يعني من غير مرور بالحلق، يعني لو فتح البطن ويدخل فيه طعام ما أثر على الصائم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا خليه مو مباشر بالمشرط ما يفطر؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا نحتاج إلى كلام علمي لئلا يرد علينا أصحاب المجاز يقولون ها يا لله صرفوا هذا الكلام على الحقائق الثلاث التي تدعونها لا بد أن نقول بأنه مجاز أو نوجد له مخرج نعم.
طالب:. . . . . . . . .
المقصود أنه اللي يطلق على الطعام المعنوي طعام حقيقة شرعية، وعلى الطعام الحقيقي حقيقة شرعية، مثل ما نظرنا بالمفلس سواء.
طالب:. . . . . . . . .
هذاك فلس معنوي، وهذا فلس حقيقي وهذا طعام معنوي حقيقة شرعية، وهذا. . . . . . . . .

(60/18)


طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، إذا قلنا: بأنها حقيقة شرعية ما احتجنا أن نقول: مجاز أبداً؛ لأن الحقيقة غير المجاز.
طالب:. . . . . . . . .
هاه؟؟
طالب:. . . . . . . . .
قد تكلم فيه ابن القيم، يقول: ما يلقى إليه من المعارف والأذواق وكذا، من غذاء الروح، غذاء القلب، هذا معلوم، يعني الإنسان أحياناً هاه ...
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، ما نحتاج، الفلس هذا مجاز؟ لا، ليس مجاز، أنت الآن لو بيدك كتاب وأنت طالب علم منهوم، طالب علم بالفعل، وبيدك كتاب، ويقدم لك الغداء أو العشاء، تحس أنك لست بحاجة إليه أصلاً، وأنت تستفيد من هذا الكتاب، فابن القيم يقول: من له أدنى ذوق وتجربة يعلم استغناء الجسم بذلك عن الغذاء الحسي، حتى قال الشاعر:
لها أحاديث من ذكراك تشغلها ... عن الشراب وتلهيها عن الزادِ

طالب:. . . . . . . . .
نعم، بال الشيطان في أذنيه، اشفيه؟
طالب:. . . . . . . . .
نحن نقول: يبول الشيطان بول حقيقي، وش المانع؟ والله أعلم بكيفيته، يعني أنت تقول: أنا ما آنست شيء في أذني ولا في خيشومي، ولا شيء، ولا ...
طالب:. . . . . . . . .
لأنه لو صار حقيقي ما واصل، فكيف يواصل وهو يأكل ويشرب؟ أيش معنى الوصال؟ عدم الأكل وعدم الشرب، لو أكل وشرب ما صار مواصل.
طالب:. . . . . . . . .
لا، عندك أحاديث تدل على الأكل والشرب، حقيقته فيما يؤكل ويشرب.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، هو امتنع من الأكل والشرب الحقيقي الشرعي الحسي، فحصل له الأكل والشرب الحقيقي الشرعي المعنوي، ولو قلنا بالأول لقلنا: ما واصل، ومنهم من يقول: أن طعام الجنة ما يفطر، ولا يقطع الوصال، وهذا خاص، كما أن هناك أمور محرمة في الدنيا وهي مباحة في الجنة، على كل حال الكلام طويل حول هذا، لكن يكفينا من هذا ما سمعنا.

باب صيام الذي يقتل خطأ أو يتظاهر:

(60/19)


حدثني يحي وسمعت مالكاً يقول: أحسن ما سمعت فيمن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في قتل خطأ أو تظاهر فعرض له مرض يغلبه، ويقطع عليه صيامه، أنه إن صح من مرضه، وقوي على الصيام فليس له أن يؤخر ذلك، وهو يبني على ما قد مضى من صيامه، وكذلك المرأة التي يجب عليها الصيام في قتل النفس خطأ إذا حاضت بين ظهري صيامها أنها إذا طهرت لا تؤخر الصيام، وهي تبني على ما قد صامت، وليس لأحد وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كتاب الله أن يفطر إلا من علة مرض، أو حيضة، وليس له أن يسافر فيفطر. قال مالك -رحمه الله-: "وهذا أحسن ما سمعت في ذلك".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب صيام الذي يقتل خطأ:
الذي يقتل مؤمناً خطأ فعليه مع الدية الكفارة، والكفارة عتق رقبة مؤمنة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، أو يظاهر من امرأته بأن يجعلها كظهر أمه، على ما جاء في سورة المجادلة، ومثل هذا الذي يطأ امرأته في نهار رمضان على ما تقدم، فيلزم بصيام شهرين متتابعين إذا عجز عن العتق في الكفارات الثلاث، صيام شهرين متتابعين بأن لا يقطع هذا التتابع بفطر يوم أو أكثر بلا عذر.

(60/20)


حدثني يحيى وسمعت مالكاً يقول: "أحسن ما سمعت فيمن وجب عليه صيام شهرين متتابعين إذا لم يجد رقبة ليعتقها في قتل خطأ أو تظاهر" يعني من زوجته "فعرض له مرض يغلبه" يعني حصل له عذر شرعي يبيح له الفطر كالمرض والحيض والنفاس، "بحيث لا يستطيع معه الصيام" عيد مثلاً، وأيام تشريق، يعني عليه صيام شهرين متتابعين فبدأ بها من واحد ذي الحجة، يقول: أريد أن أصوم شهر ذي الحجة لفضل العشر وأصوم من شهر الله المحرم، أو أصوم جميع شهر الله المحرم، فيصوم من واحد ذي الحجة إلى آخر محرم، ثم يأتيه يوم العيد وأيام التشريق يجب عليه أن يفطر هذا عذر شرعي، "بحيث لا يستطيع الصيام ويقطع عليه صيامه، بعد أن شرع فيه أنه إن صح من مرضه" اضطر إلى ما يمنعه من متابعة الصيام بسبب المرض "وقوي على الصيام بعد أن يصح مباشرة" لا يتأخر، يقول: أنا الآن مرضت، وانقطع التتابع، وأفطرت بعذر وأحتاج إلى شهر نقاهة لأستعيد صحتي، نقول له: خلاص مجرد ما تستطيع الصيام تعود إلى الصيام، يرتفع عنك الوصف المبيح، "إن صح من مرضه وقوي على الصيام فليس له أن يؤخر ذلك" عليه أن يبادر بالصيام إذا ارتفع الوصف الذي يبيح له الفطر، "وهو يبني على ما قد مضى من صيامه فإن أخر ذلك لم يبن" إن أخر ذلك بعد أن عوفي من مرضه لم يبن بل عليه أن يستأنف صيام الشهرين، وكذلك المرأة التي يجب عليها الصيام في قتل النفس خطأ، أو بالجماع في نهار رمضان؛ لكن هل المرأة تظاهر من زوجها إذا قالت: هو عليها كظهر أبيها؟ يلزمها كفارة ولا ما يلزمها؟ لا يلزمها، كفارة ظهار ما يلزمها؛ لكن هي حرمت ما أحل الله عليها يلزمها كفارة يمين.
طالب:. . . . . . . . .

(60/21)


على كل حال إذا كانت مطاوعة ومختارة، قد تكون هي السبب، يقول: "وكذلك المرأة التي يجب عليها الصيام في قتل النفس خطأ إذا لم تجد رقبة تعتقها إذا حاضت بين ظهري" تثنية ظهر، وقد تضاف الألف والنون يقال: بين ظهراني، وهذا كثير "بين ظهري صيامها" يعني في أثنائه "أنها إذا طهرت لا تؤخر الصيام" تقول: ما دام أنا عذرت في الإفطار أسبوع أرتاح أسبوع ثاني، ما دام انقطع التتابع انقطع نرتاح، نقول: لا، "لا تؤخروا الصيام" لأنه ليس هناك عذر "وهي تبني على ما قد صامت فإن لم تتابع الصيام بعد ارتفاع السبب فإنها تستأنف صيام الشهرين المتتابعين" يقول: "وليس لأحد وجب عليه صيام شهرين متتابعين في كتاب الله أن يفطر إلا من علة" مرض على ما تقدم أو حيضة على ما سبق، يقول: "وليس له أن يسافر فيفطر، بل يصوم، فإن أفطر في سفره عليه أن يستأنف من جديد" لأنه يمكن يمكنه الصوم مع السفر، وإن لحقته المشقة بخلاف المرض والحيض لا يمكنه الصيام.
قال مالك: "وهذا أحسن ما سمعت في ذلك" أنه ليس له ألفطر إذا سافر، من أهل العلم من يرى أن العذر الذي يبيح الفطر في رمضان، وهو آكد، يبيح له الفطر في صوم الشهرين، ولا يقطع عليه التتابع، ومنه السفر فيجوز له أن يفطر في أثناء الشهرين المتتابعين؛ لأن الأصل في صيام رمضان أنه على التتابع، هذا الأصل فيه، لكن إذا وجد عذر يبيح من مرض وحيض ومثله السفر، على أن لا يسافر من أجل الفطر؛ لأنه إذا سافر ليفطر حرم عليه ذلك، ولم يصح له الفطر؛ لكن سفر وجد السفر، وهو عذر مبيح، يبيح له الفطر في رمضان، ومن باب أولى أن يفطر في الشهرين المتتابعين، وقال بهذا جمع من أهل العلم، ولا شك أن الاحتياط على ما يرى مالك، أن الإنسان ما دام نُص على التتابع في الكتاب والسنة، ينتهي من هذه الأيام، ويخرج من عهدة الواجب بيقين، ويستبريء لدينه وعرضه، وإذا انتهى من صيامه يسافر كيفما شاء؛ لكن لو سافر، وأخذ بقول من يقول: بأن السفر لا يقطع التتابع كالسفر في رمضان له وجه -إن شاء الله تعالى-، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(60/22)


الموطأ - كتاب الصيام (4)
(القبلة للصائم)
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

يقول: في سماع حميد من عبد الرحمن من عمر وعثمان في الخبر السابق المروي من طريقه أن عمر وعثمان -رضي الله عنهما- كانا يصليان ثم يفطران.
يقول: سماع حميد من عبد الرحمن بن عوف من عمر وعثمان -رضي الله عنهما- يقول: روى مالك عن ابن شهاب عن ابن حميد أن عمر وعثمان، ورواه يزيد بن هارون عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن حميد قال: رأيت، قال: أبو زرعة لم يسمع حميد من أبي بكر ولا علي -رضي الله عنهما-، يقول: فعدمه من عمر وعثمان من باب أولى، وأرخ ابن سعد وفاته عام خمسة وتسعين، وذكر أن عمراً ثلاثة وسبعين، وخالفه الإمام أحمد والفلاس ويعقوب بن سفيان وخليفة بن خياط والحربي، قالوا: توفي سنة خمس ومائة، قال ابن سعد: هذا خطأ.
في طبقات ابن سعد هنا الجزء الخامس (صفحة 145) قال: "حدثنا محمد بن سعد، قال: وأخبرني معن بن عيسى عن مالك عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن أن عمر وعثمان كانا يصليان المغرب في رمضان، ولم يقل: رأيت.
مثل الرواية التي عندنا، عن حميد بن عبد الرحمن أن عمر وعثمان كانا يصليان المغرب في رمضان، ولم يقل: رأيت.
قال محمد بن عمر: من هو؟ الواقدي، وأثبتهما عندنا حديث مالك، وإن حميداً لم ير عمر، ولم يسمع منه شيئاً، وسنة موته يدل على ذلك، ولعله قد سمع من عثمان؛ لأنه كان خاله، وكان يدخل عليه كما يدخل عليه ولده صغيراً وكبيراً.
أما بالنسبة لعمر لم ير عمر -رضي الله تعالى عنه-، وقال: أن عمر وعثمان، ولم يقل: رأيت.
وحينئذ الذي يغلب على الظن وجود واسطة، فهو يحكي قصة لم يشهدها قطعاً بالنسبة لعمر، واحتمالاً بالنسبة لعثمان.
وإذا كان كما قال أبو زرعة لم يسمع حميد من أبي بكر ولا علي، فمن باب أولى بالنسبة لعمر وعثمان، فالذي يغلب على الظن عدم ثبوت هذا الخبر، وهو مصادم للنص الصحيح الصريح.
يقول: سلعة معدة للبيع هل أحسب زكاة المال بثمن شرائها أم بالثمن الذي تساويه في السوق؟
يحسب قيمتها بالثمن الذي تستحقه وقت حلول الحول، ووقت وجوب الزكاة.
يقول: كيف نسلم على الكفار؟

(61/1)


لا يجوز بداءة الكافر بالسلام؛ لكن إذا سلم هو يرد عليه بقوله: وعليكم، وإن رأى من مصلحة التأليف والدعوة داعية إلى الملاطفة، يلاطفه بعبارة غير تحية المسلمين.
يقول: أنا شاب فلسطيني من غزة نعاني بعض الماديات لأن أبي عاطل عن العمل منذ بدأ الانتفاضة المباركة، وأنا أعمل في الإنترنت يقول: لكن عندي مشروع صغير، وأريد أن أسحب قرض حتى أنشئ المشروع، وأعيش أنا وعائلتي التي تتكون من إحدى عشر فرداً؟
القرض الذي يريد أن يقترضه كما وضحه فيما بعد ..
يقول: للمعلومية يقصد قرض ربوي، يقترض خمسة آلاف نقد، ويدفعه ستة آلاف أقساط؟
هذا هو عين الربا، لا يجوز بحال من الأحوال كونه محتاج الحاجة لا تبرر ارتكابه ما حرم بالنصوص القطعية؛ لكن يبحث عن وسيلة أخرى.
هذا يذكر عن بعض الشيوخ أن التقويم متقدم، نعم التقويم متقدم قرابة سبعة عشر دقيقة، وهو خرج مع لجنة، ويجزم بذلك بالنسبة للرياض، أما خارج الرياض يقول: لا زال البحث جارياً.
هذا يقول: شخص قال لشخص: أنت أبو هريرة والسواك في فمك ولحية وثوب قصير، فما الحكم في هذا القول؟
إذا كان يستخف بهذه السنن، وينبز المتصف بها، فعلى خطر، نسأل الله السلامة والعافية.
يقول: رجل يسأل ويقول: هل يجوز أن أسعى لفقير عند أمير غني حتى يعطيه مالاً وأشترط عليه نسبة معينة إذا خرج له مال، مع أن الذي يسعى لا يعمل عند الأمير إنما بمجرد معارف؟
أخذ الأجرة على الجاه، يمنعه جمع من أهل العلم، وهذه أجرة على الجاه ينبغي أن تسود بين المسلمين بالتعاون على البر والتقوى ونفع الآخرين دون مقابل.
طالب: إذا كان فقيراً؟
من الفقير؟ على كل حال يغنيه الله من فضله، يسعى لأخيه، ثم يُسعى له، الجزاء من جنس العمل.
أسئلة لا علاقة لها بالدرس، تترك إلى وقت أوسع.

(61/2)


هذا مؤلف كتاب يقول: ما رأيكم في هذا الكلام الآتي في اعتبار اختلاف المطالع في الرؤيا، قال مؤلف كتاب (الزلال): أعلم يقيناً أن القول الصحيح الذي انفصل عليه المحققون من علماء الأثر، وأهل النظر، وعلماء الهيئة هو أن ينظر بين بلد الرؤية وغيرها، فإن كان بينهما ألفين ومائتين وستة وعشرين كيلاً فأقل صار الحكم واحداً في الصوم والفطر لاتحاد المطالع، وإن كان أكثر من ذلك فلا يصح، وصار لكل بلد حكمه لاختلاف مطالعها، سواءً كان البعد شرقاً أو غرباً أو شمالاً أو جنوباً تحت ولاية واحدة أم لا في إقليم واحد أو لا، وهذا هو المطابق للنصوص الشرعية والفلكية، وبهذا تنتفي جميع الإشكالات، ألفين ومائتين وستة وعشرين؟
يعني ما بين تبوك ونجران كم؟
طالب:. . . . . . . . .
أكثر، يعني كم بين تبوك والرياض بوسط الجزيرة؟
يعني كم بينها وبين نجران أكثر.
فعلى هذا لا يصوم أهل نجران برؤية أهل تبوك، ولا العكس، يقول: هذا هو المطابق للنصوص الشرعية.
ما أدري كيف طابق النصوص الشرعية، النصوص الشرعية فيها أكثر من ((صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته)) وخبر ابن عباس في رؤية معاوية والناس مع اختلافه عن رؤية أهل المدينة ما في أكثر من هذا، كأن يقصد أن بين الشام وبين المدينة هذه المسافة، وبنى هذا الحكم على هذا.
طالب:. . . . . . . . .
ألفين ومائتين؟ يعني ألف، على كل حال ما أدري إيش بنى عليه، هل هذا هو مطابق للنصوص الشرعية؟ تحتاج إلى ....
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:

(باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم):

(61/3)


حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم في رمضان فوجد من ذلك وجداً شديداً، فأرسل امرأته تسأل له عن ذلك، فدخلت على أم سلمة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت ذلك لها فأخبرتها أم سلمة -رضي الله عنها- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم، فرجعت فأخبرت زوجها بذلك فزاده ذلك شراً، وقال: لسنا مثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الله يحل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما شاء، ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة -رضي الله عنها- فوجدت عندها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((ما لهذه المرأة؟ )) فأخبرته أم سلمة -رضي الله عنها- فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك)) فقالت: "قد أخبرتها" فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شراً، وقال: لسنا مثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، الله يحل لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما شاء، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: ((والله إني لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده)).
وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليقبل بعض أزواجه وهو صائم، ثم ضحكت".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل امرأة عمر بن الخطاب كانت تقبل رأس عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- وهو صائم فلا ينهاها.
وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن عائشة بنت طلحة أخبرته أنها كانت عند عائشة-رضي الله عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فدخل عليها زوجها هنالك، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق، وهو صائم، فقالت له عائشة: "ما منعك أن تدنو من أهلك فتقبلها وتلاعبها؟ " فقال: "أقبلها وأنا صائم؟ قالت: "نعم".
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن أبا هريرة وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما- كانا يرخصان في القبلة للصائم.
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(61/4)


يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: (باب ما جاء في الرخصة في القبلة للصائم) حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم في رمضان، هذا الخبر عطاء بن يسار يحكي قصة شهدها أو لم يشهدها؟ لم يشهدها، فالخبر إيش؟ مرسل عند جميع الرواة، كما يقول ابن عبد البر، لكنه هو موصول عند عبد الرزاق بإسناد صحيح عن عطاء عن رجل من الأنصار، هذا في المصنف في الجزء الرابع (صفحة 184) الخبر صحيح على هذا، رجل من الأنصار صحابي، يحكي عطاء القصة عن صاحبها، أن رجلاً قبل امرأته وهو من الأنصار، ففرق بين أن يحكي التابعي قصة لم يشهدها، كما في سياق مالك عن عطاء بن يسار أن رجل قبل امرأته وهو صائم، عطاء يحكي قصة لم يشهدها.
وعند عبد الرزاق في المصنف عن عطاء بن يسار عن رجل من الأنصار، يحكي القصة عن من؟ عن صاحب القصة، فسياق مالك مرسل عند جميع رواة الموطأ، وسياق عبد الرزاق في مصنفه متصل أو مرسل؟ متصل، يروي القصة عن صاحبها، وهل مرد الاختلاف في الحكم على الخبرين اختلاف الصيغة لأن هذه مأنن، وذاك معنعن، هل هذا هو السبب؟ ذكرنا مراراً الخبر الذي حكم عليه الإمام أحمد ويعقوب بن شيبة باختلاف الحكم لاختلاف الصيغة، فيما يراه ابن الصلاح عن محمد بن الحنفية أن عماراً مر به النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: منقطع، لماذا؟ لأن محمد بن الحنفية يحكي القصة التي لم يشهدها، حصلت في عهد النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأنه لو شهدها كان صحابياً، والسياق الآخر عن محمد بن الحنفية عن عمار أن النبي -صلى الله عليه وسلم- مر به، متصل، ابن الصلاح جعل اختلاف الحكم على السياقين مرده اختلاف الصيغة، قال: لأن هذا معنعن وهذا مأنن، والسند المأنن منقطع والمعنعن متصل؛ لكن كما قال الحافظ العراقي لما ذكر هذا الكلام قال:

. . . . . . . . . ... كذا له ولم يصوب صوبه

كذا له (يعني لابن الصلاح) يعني ما أدرك السبب الحقيقي في الحكم بالاتصال والانقطاع، حكم على القصة بالانقطاع لأن التابعي يحكي قصة لم يشهدها.

(61/5)


وفي السياق الآخر الذي حكم عليه بالاتصال حكى القصة، حكى التابعي القصة عن صاحبها، فهي متصلة، ونضيره ما عندنا، عن عطاء بن يسار أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم، هل حضر؟ شهد القصة؟ ما شهد القصة، إذاً الخبر منقطع.
لكن في سياق عبد الرزاق حينما قال: عن عطاء عن رجل من الأنصار أنه قبل، حكى القصة عن صاحبها فهي متصلة، يعني لو حصل مثلاً قصة قبل ولادة أحدكم لشخص معمر وموجود لما تحكي هذه القصة أن فلاناً حصل له قبل خمسين سنة مثلاً كذا، متصلة وإلا منقطعة؟ أنت تحكي قصة لا تسندها إلى صاحبها، ولم تحضرها، إذاً هي منقطعة؛ لكن لما تقول: عن فلان الموجود الآن المعاصر لك، عن فلان أنه حصل له كذا قبل خمسين سنة متصلة وإلا منقطعة؟ متصلة، إذاً الخبر عند عبد الرزاق متصل بإسناد صحيح.
"عن عطاء بن يسار أن رجلاً قبل امرأته وهو صائم في رمضان، فوجد من ذلك وجداً شديداً" يعني غضب غضباً شديداً، يقول الباجي: " لعله قبل غافلاً -يعني أو ناسياً صيامه- ثم تذكر" نعم فأشفق على نفسه فغضب، أو لعله غلبته شهوته، فهش إلى امرأته فقبلها، ثم بعد ذلك ندم، وهذا يحصل من الناس كلهم، مثل هذا، تغلبه نفسه وشهوته فيقع منه ما يقع، قد يقع في أمر عظيم، وقد يقع في أمر دونه، وقد يقع في أمر يسير.
"فوجد من ذلك وجداً شديداً -خوفاً من الإثم- فأرسل امرأته تسأل عن ذلك، فدخلت على أم سلمة" أرسل امرأته لأن المرأة في هذا الباب أدخل من الرجال، يعني بإمكانه هو أن يسأل صحابياً آخر، أو يسأل النبي -عليه الصلاة والسلام- لكن هو يخجل من النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يقابله بمثل هذا السؤال، والمرأة طرف في الموضوع في موضوع التقبيل، سواءً كان بالنسبة له أو بالنسبة لأزواج النبي -عليه الصلاة والسلام-، فأرسلها إلى أم سلمة زوج النبي -عليه الصلاة والسلام- لتقول له: ما رأيك هذا الحاصل؟
فدخلت على أم سلمة هند بنت أمية زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فذكرت لها ذلك، فأخبرتها أم سلمة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم، وقد ثبت ذلك بالنسبة لها أن النبي -عليه الصلاة والسلام- قبلها، وثبت أنه قبل عائشة، كما سيأتي، وثبت أنه قبل حفصة.

(61/6)


فالمقصود أن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قبل وهو صائم فرجعت المرأة إلى زوجها فأخبرت زوجها بذلك فزاده ذلك شراً، ازداد غضباً؛ لأنها لم تأت له بما يقنعه؛ لأنه تصور أن هذا من خصائص النبي -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن الله -جل وعلا- يبيح لنبيه -عليه الصلاة والسلام- ما لا يبيح لغيره، كالزواج من أكثر من أربع، فظن أن هذا من خصائصه، وهذا مثل ما تقدم كونه يجاب به السائل، كونه يجاب السائل بمثله فهل هذا يعني أنه من خصائصه أو يتطرق الاحتمال إلى أنه من الخصائص؟ لو كان من الخصائص ما أجيب به السائل، وقال: لسنا مثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الله يحل، يعني يبيح لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ما شاء، فاعتقد أن ذلك من الخصائص.
ثم رجعت امرأته إلى أم سلمة فوجدت عندها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ما لهذه المرأة؟ )) ماذا تريد هذه المرأة؟ فأخبرته أم سلمة بأنها تسأل عن القبلة للصائم، أخبرته -عليه الصلاة والسلام- بمرادها، وأنها تسأل عن القبلة للصائم، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((ألا أخبرتيها أني أفعل ذلك)) يعني مثل هذه الأمور التي تجري بين الزوج وزوجته، وقد جاء النهي عن أن يبوح أحد الزوجين بما يحصل بينهما، وهذا مما يحصل بين الزوجين، فهل يتناوله النهي؟ أو أن نقول: هذا يقدر بقدر الحاجة، عند الحاجة إليه يباح، وإلا لو جاء شخص في مجلس بدون حاجة داعية، وقال: إنه يقبل زوجته، أو المرأة بمجالس النساء تقول: أن زوجها يقبلها، هل هذا مما يستحسن ويستساغ من غير حاجة؟ الآن الحاجة داعية أو نقول: هذا لا يشمله النهي، ويحمل النهي على ما هو أشد من ذلك؟
فهذا الجواب فيه جواز مثل ذلك لبيان الحكم، وأنه لا يدخل في المنهي عنه، لا سيما عند الحاجة إليه.

(61/7)


فقالت: قد أخبرتها، فذهبت إلى زوجها فأخبرته فزاده ذلك شراً، وقال: لسنا مثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الله يحل لرسوله -صلى الله عليه وسلم-، يعني يبيح لنبيه -عليه الصلاة والسلام- ما شاء، فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لاعتقاد هذا الرجل التخصيص بدون مخصص بدون علم، وقال عياض: "غضبه لذلك ظاهر؛ لأن السائل جوز وقوع المنهي عنه من النبي -عليه الصلاة والسلام-" يعني صيانة العبادة أكمل عن مثل هذا، صيانة العبادة أكمل من عدمها، فإذا نهي عنه الناس فالنبي -عليه الصلاة والسلام- أولى به؛ لأن هذا أكمل، وإذا أبيح للنبي -عليه الصلاة والسلام- فغيره من باب أولى، اللهم إلا أن النبي -عليه الصلاة والسلام- له ما يخصه؛ لأنه -عليه الصلاة والسلام- يملك نفسه، بينما غيره إذا بدأ بالمقدمات لا يأمن مع وجود هذه المقدمات أن يحوم حول الحمى، ثم بد ذلك يقع في المحظور، فهو من هذه الحيثية عليه أن يحتاط أكثر.
فغضب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: ((إني والله لأتقاكم لله)) وهناك قال: ((إني لأرجو)) والرجاء هناك محقق، وهنا مجزوم به ((والله إني لأتقاكم لله)) قسم وتأكيد بإن واللام، اجتمعت فيه مؤكدات ((إني والله لأتقاكم لله، وأعلمكم بحدوده)) ومن كان بالله أعرف كان منه أخوف.
فلا يمكن أن يرتكب ما نهي عنه -عليه الصلاة والسلام-، وهو أعلم وأخشى وأتقى وأعرف بالله -جل وعلا-، يعني فكيف يجوز وقوع ما نهي عنه منه -عليه الصلاة والسلام-، وعلى كل حال هذا الخبر، وما يأتي بعده فيه جواز القبلة للصائم، سواءً كان شاباً أو شيخاً؛ لأنه لم يقل للمرأة هل زوجك شيخ أم شاب؟ ما استفصل، فلو كان بينهما فرق لسألها؛ لأنه مبين عن الله -جل وعلا-، وهذا محل ووقت البيان، وعدم الاستفصال في مثل هذا المجال لا شك أنه يقتضي العموم.
وأجمعوا على أن من قبل وسلم من ما تقتضيه القبلة، يعني لم يخرج منه شيء، أجمعوا أنه لا شيء عليه، فإن أمذى بسبب القبلة فكذلك عند الحنفية والشافعية، لا شيء عليه إن أمذى، مالك يرى عليه القضاء احتياطاً، وعند أحمد يفطر جزماً، هذا إذا أمذى.
طالب: على المذهب؟

(61/8)


المذهب يفطر، فإن أمذى بأن كرر النظر أو أمنى أو أمذى هذا معتبرة، هذه هي المذهب.
طالب: لكن هل في رواية ثانية؟
معروف الروايات؛ لكن هذا هو المذهب.
طالب: في رواية ثانية؟
فيه رواية؛ لكن هذه هي المذهب المعتمد عندهم، لا يفرقون بين أن يمني أو يمذي، أما إذا أمنى فقد أفسد صومه اتفاقاً، إذا أمنى وفرق بينهما لأن المذي لا شهوة معه ولا لذة، بينما المني يحصل معه اللذة، المذي ما يؤثر، لكنه وسيلة إلى ما فوقه.
طالب:. . . . . . . . .
لكن كونه يجاب به سائل، كون الفعل يجاب به سائل، كون أننا نعرف أن هذا عمل النبي -عليه الصلاة والسلام- وذاك قوله، القول أبلغ؛ لأن الفعل يحتمل الخصوصية، الفعل لا عموم له عند أهل العلم، بينما القول لا شك يتناوله العموم؛ لكن إذا أجيب السائل بفعل هل يحتمل الخصوصية انتفى المُضعّف، فتوافرت دلالة القول والفعل، فيكون أقوى من هذه الحيثية؛ لكن لو عرفنا أنه يفعل -عليه الصلاة والسلام- ولم يجب به سائل، قلنا احتمالاً أن يكون من خوصه، لكن إذا أجيب به السائل توافرت عليه دلالة القول والفعل، فرق بين هذا وهذا.
يقول: وحدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- أنها قالت: "إن كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- (إن) مخففة من الثقيلة- ليقبل بعض أزواجه" وهي عائشة التي روت الخبر، كما أنه في الخبر الأول أم سلمة، ما الداعي إلى هذا؟ لماذا لا نقول: أنه في الخبر الأول عائشة وفي الخبر الثاني أم سلمة؟ لأنه يبعد أن يقبل النبي -عليه الصلاة والسلام- واحدة بحضرة الأخرى، وكل واحدة منهما تحكي ما حصل لها.
"وهو صائم ثم ضحكت" الآن ضحكت تنبيهاً على أنها هي صاحبة القصة، فالفعل حصل معها، كما أنه حصل لأم سلمة، وحصل لحفصة، وفيه ما فيه فيما تقدم من الأحكام أن القبلة للصائم لا شيء فيها؛ لكن يبقى أنه من خشي أن يخرج منه شيء لا شك أنه يحتاط لصيامه.
وإذا غلب على ظنه بالعادة المطردة من حاله إذا غلب على ظنه أنه يفسد صيامه يخرج منه مني بسبب التقبيل حرم عليه التقبيل، لماذا؟ لذاته أو لما يفضي إليه؟ من باب سد الذريعة، وحفظ الصيام واجب وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

(61/9)


يقول: وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أن عاتكة ابنة زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية صحابية من المهاجرات أخت سعيد بن زيد، أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، امرأة عمر بن الخطاب أمير المؤمنين، كانت تقبل رأس عمر بن الخطاب، وهو صائم، فلا ينهاها، يعني هي تقبل رأسه، تقبيل الزوج لزوجته تقدم ما فيه، فماذا عن تقبيل المرأة لزوجها؟
الآن إذا قبلت رأسه تباشر جسده بالتقبيل أو تباشر الشعر؟ الشعر، والشعر في حكم المتصل أو المنفصل عند أهل العلم؟ الشعر والظفر في حكم المتصل أو المنفصل؟ يعني عند من يقول: بأن لمس المرأة ينقض الوضوء، إذا مس شعرها ينتقض وضوؤه وإلا ما ينتقض؟ هذا على القول بأنه حكمه حكم المنفصل، أما على القول بأنه متصل حقيقة وحكماً ينقض الوضوء عند من يقول بذلك.
الإمام مالك لما ساق ما يحصل من الرجل لزوجته أراد أن يثبت أن العكس أيضاً صحيح، وإذا جاز هذا من الرجل لزوجته فمن باب أولى أن يجوز من المرأة لزوجها، والنساء شقائق الرجال، فلا مانع من أن تقبل زوجها، كما أن له أن يقبلها ما لم يفضِ ذلك إلى إفساد الصوم من الطرفين.
طالب:. . . . . . . . .
إي معروف؛ لكن قد مع الإفضاء قد يحصل شيء من هذا بين الزوجين، يحصل.
يقول: أين نجد الكلام على اختلاف المطالع في كلام شيخ الإسلام؟
له رسالة خاصة بالهلال، شيخ الإسلام له رسالة خاصة بالهلال.
يقول: وحدثني عن مالك عن أبي النضر مولى عمر بن عبيد الله أن عائشة بنت طلحة بن عبيد الله أخبرته أنها كانت عند عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- فدخل عليها زوجها هنالك، وهو عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق ابن أخي عائشة عبد الرحمن بن أبي بكر، وهو صائم، فقالت له عمته عائشة: "ما يمنعك أن تدنو من أهلك زوجتك فتقبلها وتلاعبها؟ " فقال: "أقبلها وأنا صائم؟ قالت: "نعم".

(61/10)


نقول: لعلها أرادت بيان الحكم، لا أن ذلك الطلب تريد أن يحققه بحضورها، هل يجدر بعائشة أن تقول: تعال قبل زوجتك ولاعبها عندي؟ هي أرادت أن تبين الحكم، وعائشة بنت طلحة هذه مشهورة شهرة الشمس في رابعة النهار، يعني الكلام عليها في الكتب كثير جداً، من أجمل النساء، مضرب المثل، يعني عندهم، وتتابع عليها الأزواج، كما هو الغالب في مثلها حتى كانت عند مصعب بن الزبير الذي أصدقها ألف ألف، وهو الخامس، وقتل عنها، ثم خطبها الوليد بن عبد الملك فرفضت.
مثل هذه تطلب عائشة أم المؤمنين من ابن أخيها أن يقبلها ويلاعبها بحضرتها؟ لا يظن بها ذلك، بل هي أرادت أن تبين له الحكم الشرعي، فقال: أقبلها وأنا صائم؟ قالت: نعم، الآن عرف الحكم، في هذا دليل على جواز ذلك، وأنه لا فرق بين شيخ ولا شاب؛ لأن عبد الله بن عبد الرحمن كان شاباً وقتئذ.
يقول: وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم أن أبا هريرة وسعد بن أبي وقاص -رضي الله عنهما- كانا يرخصان في القبلة للصائم.
المؤلف -رحمه الله تعالى- يحشد النصوص والأدلة على المسألة من الأخبار المرفوعة والموقوفة والمقطوعة، فهو يحشد الأدلة المتنوعة، وكذلك عائشة كما مر، وعمر وغيرهم؛ لكن قال ابن عبد البر: "لا أعلم أحداً رخص فيها إلا وهو يشترط السلامة مما يتولد منها".
يعني إذا كان يغلب على ظنه أنه لا يحصل منه ما يفسد صومه جاز، وإذا غلب على ظنه أنه يحصل منه ما يفسد صومه لم يجز التقبيل، في هذه المسألة ما جاء عن عمر بن الخطاب عند أبي داود والنسائي وابن خزيمة وابن حبان والحاكم جاء عن عمر -رضي الله تعالى عنه- قال: "هششت فقبلت وأنا صائم، فقلت: يا رسول الله، صنعت اليوم أمراً عظيماً، قبلت وأنا صائم" قال: ((أرأيت لو مضمضت من الماء وأنت صائم؟ )) قلت: "فلا بأس به"، قال: ((فمه؟! )) الحكم واحد.

(61/11)


هذه مقدمة للمفطر والمضمضة أيضاً مقدمة للمفطر؛ لأن المضمضة مقدمة للشرب، والقبلة مقدمة للجماع، المقدمات لا تضر إذا لم يترتب عليها المحظور، وهو الفطر، ولذا جاء بالنسبة للاستنشاق ((بالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) فدل على أن أصل الفعل لا يمنع منه لا المضمضة ولا الاستنشاق؛ لكن يمنع من المبالغة التي يغلب على الظن حصول الفطر بسببها، كما أنه أيضاً يمنع من المبالغة في التقبيل، وما هو أعظم من التقبيل مما يغلب على الظن معه أنه يحصل منه شيء يخدش الصيام فضلاً عن المفطر.
سياق الخبر منكر، خبر عمر هذا؛ لكن صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وهو لا بأس به، يعني من قبيل الحسن -إن شاء الله تعالى-، وفيه استعمال القياس، قياس القبلة على المضمضة بجامع أن كلاً منهما مقدمة للمفطر، وليس بمفطر لذاته، أحياناً المقدمات تمنع.
يقول: هل كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقبل إحدى نسائه بحضرة بناته حيث سمعت ممن ينتسب إلى العلم يقول ذلك، ويدعو إلى أن الأب يقبل زوجته أمام أولاده، ويقول: إن ذلك من أساليب التربية والنبوية؟
نقول: مثل هذا التصرف ينبغي أن لا يكون بمحضر من تثور شهوته بسببه، فهذا مما يخفى عن مثل هؤلاء.

(61/12)


استعمال القياس لأنه استعمل مقدمة ليقيس عليها مقدمة أخرى، يعني كما استعمل القياس في النتائج يستعمل القياس في المقدمات كما هنا، أحياناً تمنع بعض المقدمات المفضية إلى الحرام؛ ولأن الوسائل لها أحكام المقاصد؛ لكن لماذا لا نقول: أن القبلة وسيلة للجماع، والمضمضة وسيلة إلى الشرب، والوسائل لها أحكام المقاصد؟ نقول: الوسائل لها أحكام المقاصد إذا غلب على الظن أن تفضي هذه الوسيلة إلى المقصد، أما إذا غلب على الظن أن هذه الوسيلة لا تفضي إلى المقصد، الآن النظر، نظر الرجل للمرأة والعكس ممنوع؛ لأنه وسيلة إلى المحرم؛ لكن يقول: أنا أبي أنظر وأجزم أنه ما حصل شيء، ولن تفضي هذه إلى المحرم، نقول: هذه الوسيلة جاء النص بمنعها {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} [(30) سورة النور] {وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [(31) سورة النور] فالمنع عن الوسيلة لذاتها، وإن كانت في الأصل إنما منع منها لأنها مفضية على المحرم، فإذا غلب على الظن أن هذه الوسيلة تجر إلى المحرم منعت، ولو لم ينص على منعها.

(باب ما جاء في التشديد في القبلة للصائم):
حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عائشة -رضي الله تعالى عنها- زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت إذا ذكرت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل وهو صائم تقول: "وأيكم أملك لنفسه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
قال يحيى: قال مالك: قال هشام بن عروة: قال عروة بن الزبير -رحمه الله تعالى-: "لم أر القبلة للصائم تدعو إلى خير".
وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- سئل عن القبلة للصائم فأرخص فيها للشيخ، وكرهها للشاب".
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان ينهى عن القبلة والمباشرة للصائم.
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في التشديد في القبلة للصائم:

(61/13)


الباب السابق في الرخصة، والأخبار التي سردها المرفوعة والموقوفة كلها تدل على جواز ذلك، وإذا ثبت الحكم بدليل شرعي، وثبت الفعل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- فهل من الورع أن يترك هذا الفعل لما يخشى من الآثار المترتبة عليه؟ يخشى من الآثار المترتبة عليه، يعني هل مثل هذا الورع مطلوب وإلا هو مجرد وسواس؟ لأن هناك ورع يدعيه بعض الناس، بل يفعله ويضيق على نفسه بسببه، وصل الأمر إلى حد أن بعض الناس ما يأكل الخبر، لماذا؟ هذا ذكر في الكتب، ما يأكل الخبر، لماذا؟ يقول: الخبز إيش أصله؟ أصله بر –عيش- والعيش كان إيش؟ كان في سنبلة، فتدوسه الدواب لكي يتخلص من القشور، وهذه الدواب لا يؤمن أن تبول عليه، هذا وجد، وذكر من أمثلة الوسواس، الاحتمال قائم؛ لكن إيش نسبة هذا الاحتمال؟ لأن المسألة اتقاء الشبهات تتبع النسبة، ما من أمر إلا ويدخله شبهة؛ لكن إذا كانت النسبة واحد بالمائة، يلتفت إليها أو اثنين بالمائة أو عشرة بالمائة ما يلتفت إليها؛ لكن إذا زادت هذه النسبة يأتي الورع.
الآن لو شفت شخص مثلاً بالنسبة للنساء تعطلت منافعه، في وقت الفطر لا يحصل منه شيء، فكيف في وقت الصيام، الورع عن مثل في القبلة، يعني كيف شخص كبير السن تعطلت، مثل هذا، لكنه من باب إدخال السرور على زوجته التي فقدت شيئاً مما تطلبه النساء؛ لكن مثل هذا النسبة ضعيفة جداً، ولذا فرق ابن عباس بين الشيخ والشاب.
لكن إذا زادت النسبة وقوي الاحتمال مثل هذا يمنع، ولو ثبت فعله عن النبي -عليه الصلاة والسلام- بدليل قول عائشة: "وأيكم أملك لنفسه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"
يقول: حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه أن عائشة زوج النبي -صلى الله عليه وسلم- كانت إذا ذكرت أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقبل بعض أزواجه، وثبت هذا بالنسبة لعائشة وحفصة وأم سلمة، وهو صائم، تقول: "وأيكم أملك لنفسه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ".

(61/14)


يعني أحياناً يرد بعض النصوص من فعله -عليه الصلاة والسلام-، أو من فعل بعض صحابته مما لا يجوز، أو مما لا يحسن أن يلقى في أوساط مجتمع متساهل مثلاً، لما تقول مثل هذا الكلام لشاب تزوج في آخر شعبان، تقول: كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يقبل وهو صائم، مثل هذا في الغالب أنه سوف يحصل منه ما هو أشد من ذلك، ولذا أهل العلم يقررون في الشخص الذي يحج مع زوجته، ثم يفسد حجه بالجماع أنه يقضي من قابل، يمضي في فاسده، ويقضي من قابل، ويفرق بينهما؛ لئلا يقع منهما مثل ما وقع في العام الماضي، وهذا منه؛ لأنك إذا خشيت والمسألة تدور على المفطر، إذا كان يغلب على الظن حصول ما يفطر يمنع؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، إذا غلب على الظن أنه لا يحصل المفطر ولا يوجد لا يمنع، والنبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقبل، ولذا تقول: "وأيكم أملك لنفسه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- " يعني افترض شاب تزوج حديثاً، ونام بجوار زوجته، ثم قبلها، وقرب منها في الفراش، مثل هذا يخشى عليه؛ لأن هذا في الغالب لا يملك كما يملك الشيخ الكبير، أو كما هو الظاهر من حاله -عليه الصلاة والسلام-؛ لأن المسألة مسألة إيش؟ الذي يمنع من وقوع المحظور، الدين بالدرجة الأولى، الأمر الثاني: الشهوة الغالبة، قد يكون عنده دين لكن تغلبه شهوته في وقت لا يستطيع أن يكفها، وقد يحصل منه شيء لا يستطيع مدافعته، والنبي -عليه الصلاة والسلام- ثبت عنه أنه قبل وصلى ولم يتوضأ، قبل وصلى ولم يتوضأ، بعض الشباب يقبل ويخرج، ثم إذا شرع في الصلاة خرج منه شيء، وهذا مطرد عندهم، مثل هذا يمنع من القبلة، وقل مثل هذا في الصيام.
قال يحيى: قال مالك: قال هشام بن عروة: قال عروة بن الزبير: "لم أر القبلة للصائم تدعو إلى خير".

(61/15)


يعني حسماً للمادة، واتقاءً للشبهة؛ لأن النبي -عليه الصلاة والسلام- يملك أربه، ومن عداه لا يملك، مثل هذا الكلام يلقى على عامة الناس الذين فيهم المتساهل وفيهم ... ، يعني أنت تتصور مثلاً حديث النبي -عليه الصلاة والسلام- صلى وهو حامل أمامة، يعني مثل هذا حكمه الواضح بالجواز، والحركة التي مثل حمل الصبي ووضعه؛ لكن عندك ناس متساهلين يسمعون مثل هذا الكلام فيزيدون عليه أضعاف، مثل هذا ما يلقى على مثل هؤلاء، يلقى عليهم مثل قوله -جل وعلا-: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] فالنصوص الشرعية علاج للأدواء، بعض الناس يعالج بمثل هذا، بمثل النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى وهو حامل أمامة، لماذا للذي عنده شيء من التشدد، فيعالج بمثل هذا النص، وبعض الناس هو من الأصل متساهل، يعني كثير العبث، تقول له النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى وهو حامل أمامة، يعني رأيت شخص يعبث وهو يصلي، تأتي له بالحديث المتفق عليه أن النبي صلى وهو حامل أمامة، أنت تزيده في تساهله، وإن كان النص صحيح، وثابت عن النبي -عليه الصلاة والسلام-، لكن مثل هذا النص يعالج حالة المتشدد، بينما مثل قوله -جل وعلا-: {وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ} [(238) سورة البقرة] يعالج به حال مثل هذا المتساهل.
يقول عروة ابن الزبير: "لم أرى القبلة للصائم تدعو إلى خير" والاحتياط مطلوب، لا سيما إذا شك هل يحصل ... ، استوى عنده الأمران هل يحصل عنده شيء يخدش صومه أو لا يحصل؟ حينئذ القبلة لا تدعو إلى خير؛ لكن إذا غلب على ظنه أنه لا يحصل منه شيء، نقول: النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقبل، وإذا غلب على الظن أنه يحصل منه ما يخدش الصوم قلنا: لا يا أخي "أيكم أملك لنفسه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".
طالب:. . . . . . . . .
مسألة الخروج من الخلاف، وأن من أهل العلم من قال: أنه يفطر، اتقاءً لهذه الشبهة يترك، لكن لو فعل ما يلام.
يقول: هل الكلام السابق في جواز الخروج للصائم يسيري على القبلة في الفم لما فيه من اختلاط اللعاب بين الزوجين، وما قد يصل إلى الجوف؟

(61/16)


القبلة في الفم لا يحصل فيها لعاب؛ لكن جاء في السنن أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يقبل عائشة وهو صائم، وأيضاً وكان إيش؟ كان يقبل عائشة ويمص لسانها؛ لكنه حديث ضعيف، لا يثبت، الحديث ضعيف، هذا الذي يحصل معه الفطر، وهو انتقال السائل من شخص إلى شخص، هذا الذي يحصل معه الفطر، أما مجرد التقبيل فلا.
يقول: وحدثني عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن عبد الله بن عباس سئل عن القبلة للصائم فأرخص فيها للشيخ، وكرهها للشاب.
يعني عن ابن عباس يَثبُت؛ لكن بعضهم يرفعه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام-، يثبت المرفوع، المرفوع لا يثبت في التفريق بين الشيخ والشاب؛ لكن هو ثابت عن ابن عباس وله وجه، لماذا؟ لأنه بالنسبة للشيخ الغالب أن شهوته قد انكسرت مع الوقت، ولذا جاء الأمر بالنكاح للشباب ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج)) أما الشيوخ الذين انكسرت شوكتهم لا يطالبون بمثل هذا إلا بقدر ما يحتاجون.
وكرهها للشاب؛ لأن الغالب عنده قوة الشهوة، بالفرق بين الشاب والشيخ قال مالك في رواية، والشافعي وأبو حنيفة، وعن مالك كراهتها في الفرض دون النفل، تكره القبلة في الفرض دون النفل؛ لأن النفل أمره موسع، ويتساهل فيه ما لا يتساهل في الفرض، والمتطوع أمير نفسه، حتى لو حصل منه ما حصل، المتطوع أمير نفسه.
والمشهور عن مالك كراهتها مطلقاً، كراهة القبلة للصائم مطلقاً، على كل حال المسألة والحكم يدور مع ما يؤول إليه الأمر، فإن كان غلبة الظن على إيش؟ على أنه لا يخرج منه شيء يخدش صيامه، فلا بأس، والنبي -عليه الصلاة والسلام- قبل، وإن كان يغلب على ظنه أنه يخرج منه ما يخرج، إن كان يخرج منه ما يخدش صيامه منع، ولا شك أن سد الذرائع والاحتياط للعبادات مطلوب، واتقاء الشبهات لا شك أنه أبرأ وأسلم للدين والعرض.
وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان ينهى عن القبلة والمباشرة للصائم
لأن من حام حول الحمى يوشك أن يقع فيه، إذا قبل وكرر ونظر وباشر، يعني إيش بقي؟ ما بقي إلا المفطر.
هذا يقول: هل ينعقد الإجماع بعد وجود الخلاف؟

(61/17)


في المسألة التي مرت بالأمس، وهو أن أبا هريرة كان يرى أن من أصبح جنباً وأدركه الفجر قبل أن يغتسل فإنه لا يصوم ذلك اليوم، ثم بعد ذلك لما بلغه أن النبي -عليه الصلاة والسلام- كان يحصل منه ذلك رجع، ثم انعقد الإجماع على صحة صيام من أصبح جنباً، فهل ينعقد مثل هذا الإجماع مع الخلاف السابق؟ نفترض مثلاً أن أبا هريرة مات وهو على رأيه، لم يرجع عن رأيه، ثم انعقد الإجماع بعده على جواز ذلك، هل العبرة بالقول أو بالقائل؟ أما إذا رجع المجتهد عن قوله فالقول الأول لا عبرة به، وجوده مثل عدمه، فيكون حينئذ انعقد الإجماع، أما إذا مات وهو معتقد لمخالفة الأكثر، ومعه دليله، وهو من أهل الاجتهاد، المسألة مفترضة في مجتهدي الأمة إذا خالف واحد منهم ومات وهو مخالف، ثم انعقد الإجماع بعده وحصل الاتفاق على حكم المسألة، هذه هي المسألة التي تبحث، فمنهم من يرى النظر إلى مجتهدي العصر، بغض النظر عمن سبقهم، وعمن يأتي بعدهم.
فالإجماع: هو اتفاق مجتهدي العصر، هذا هو الإجماع، ولو مات من خالف وانقرض خلافه، ومنهم من يقول: الأقوال لا تموت بموت أصحابها، فهي معتبرة، وإن ماتوا.
يقول هذا: إذا كان الابن متزوج وهو فقير لا دخل له، وعليه تكاليف مادية لا أستطيع تحملها عنه، فهل أطلب له زكاة من أحد التجار دون أن أبين له أنه ابني؟
مادام يستحق الزكاة، وهو من أهلها فلا مانع من أن تبحث له عن الزكاة شريطة ألا تكون قادراً على الإنفاق عليه؛ لأنك بهذا تقي مالك.
يقول: في الحديث ((يدع شهوته)) هل إذا شخص ترك القبلة امتثالاً من أنها شهوة، وتركها تقرباً لله تعالى، هل هذا الورع فيه نظر، علماً بأن الرسول -عليه الصلاة والسلام- كان يقبل؟ أنه يأمن من الوقع في الفطر؟
المسألة على ما فصلنا، فإن كان يغلب على ظنه أنه لا يحصل منه شيء فورعه هذا فيه نظر.
يقول: سؤالي عن رجل جامع زوجته في الليل، ولم يخرج المني إلا في صلاة الفجر، هل يفسد صومه أم يغتسل ويكمل صومه؟
جامع، العبرة بالحكم الذي هو التقاء الختانين، فإذا حصل الالتقاء واغتسلا منه، ثم خرج منه الماء من غير لذة من غير دفق فإنه لا عبرة به؛ لكن عليه أن يتوضأ ويصلي، ولا يعيد الغسل.

(61/18)


كيف نجمع بين قول عائشة: "وأيكم أملك لنفسه من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-" وبين قولها لعبد الله بن عبد الرحمن: "ما منعك أن تدنوا من أهلك" وعائشة بنت طلحة هي من هي في جمالها فمظنة الوقوع في الجماع واضحة لشباب عبد الله وجمال عائشة؟
على كل حال قولها لابن أخيها مبني على جواز ذلك بفعله -عليه الصلاة والسلام-، وقولها: "وأيكم أملك" هذا من باب الاحتياط، أما الحكم الشرعي فالأصل فيه الجواز.
يقول: بالأمس غفوت، وأنا متكئ على الجدار بمقدار قراءة باب كامل من الموطأ، ثم صليت العشاء، ولم أتوضأ فما الحكم والحالة هذه؟
الباب يمكن صفحة صفحتين، يمكن سطر سطرين، هذا متفاوت، وعلى كل حال المدار على الاستغراق في النوم، فإن كنت تعلم ما يدور حولك فلا شيء عليك، ولا يلزمك تجديد الوضوء، وإن كنت لا تعلم، استغرقت في نومك، بحيث لا تدري ما يدور حولك مثل هذا تجدد الوضوء، تعيد الوضوء.
هذا يقول: لا حياء في الدين.
من قال: لا حياء في الدين؟ الحياء شعبة من شعب الإيمان، والحياء خير كله، والحياء لا يأتي إلا بخير، أما لا حياء في الدين، إن كان قصده الحياء العرفي، الخجل الذي يمنع من طلب العلم، ويمنع من السؤال عما يلزم ويهم، هذا ليس بحياء شرعي، وليس من الدين أيضاً، الذي يمنع من السؤال عما يلزم السؤال عنه، ويمنع من الأمر والنهي مثل هذا ليس بحياء.
يقول: لقد رأيتك في الصلاة وأنت لا تنظر إلى موضع السجود، يقول: هل ذلك مناف للخشوع؟
الأولى أن ينظر الإنسان إلى موضع سجوده، هذا لا شك فيه، وأما بالنسبة للنظر يميناً وشمالاً هذا لا ينافي الخشوع، حتى ما ذكروه ولا من مكروهات الصلاة، ذكروا من مكروهات الصلاة الالتفات، وهو اختلاس، أما بالنسبة للنظر يميناً وشمالاً بما لا يقتضي الالتفات، لا يميناً ولا شمالاً لا شيء فيه، ولم يذكروه ولا في مكروهات الصلاة، وعلى كل حال الأكمل أن ينظر إلى موضع سجوده، وأن يرمي بطرفه إلى سبابته في التشهد.
يقول: حصل خلاف بين رجل وزوجته وتدخل أناس للصلح يقول: وانتهى الأمر إلى أن يطلق زوجته شريطة ألا تتزوج من الأسرة الفلانية، وأقام الشهود على ذلك، فهل له هذا، وما حكم الشهادة على شرطه؟
لا عبرة بهذا الشرط؛ لأنه إذا حصل الطلاق لا سلطان له عليها، والله أعلم.
وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

(61/19)


الموطأ - كتاب الصيام (5)
أبواب: المريض، والنذر، والقضاء، والكفارة في الصيام
الشيخ/ عبد الكريم الخضير

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، واجزه عنا خير الجزاء، واغفر للسامعين، يا ذا الجلال والإكرام.
قال المؤلف -رحمه الله تعالى-:
باب ما يفعل المريض في صيامه:
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: الأمر الذي سمعت من أهل العلم أن المريض إذا أصابه المرض الذي يشق عليه الصيام معه، ويتعبه، ويبلغ ذلك منه، فإن له أن يفطر، وكذلك المريض الذي اشتد عليه القيام في الصلاة، وبلغ منه، وما الله أعلم بعذر ذلك من العبد، ومن ذلك ما لا تبلغ صفته فإذا بلغ ذلك صلى وهو جالس، ودين الله يسر، وقد أرخص الله للمسافر في الفطر في السفر، وهو أقوى على الصيام من المريض قال الله تعالى في كتابه: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة].
فأرخص الله للمسافر في الفطر في السفر، وهو أقوى على الصوم من المريض، فهذا أحب ما سمعت إلي وهو الأمر المجتمع عليه".
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما يفعل المريض في صيامه:
المرض يتفاوت، فمنه ما يطاق معه الصوم، ومنه ما يمنع من القدرة على الصوم، ومنه ما يطاق معه الصوم إلا أنه يؤخر البرء، أو يزيد في المرض.
من أهل العلم من يرى أن الفطر لكل من حصل له هذا الوصف، وهو المرض، سواءً كان المرض خفيفاً يطاق معه الصوم، أو شديداً لا يطاق معه، وسواءً تسبب في تأخر البرء أو الزيادة في المرض أو لا، وذكر عن بعض السلف ولعله محمد بن سيرين أنه أفطر يوماً من رمضان، فقيل له: فأشار إلى أصبعه، وأن فيه جرح، هذا مرض.

(62/1)


وآية الصيام التي فيها العذر {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا} [(184) سورة البقرة] هذا مرض، (مريض) نكرة في سياق الشرط تعم المرض الشديد والمرض الخفيف، كما أن السفر عذر مبيح للفطر، وقد يكون المسافر أثناء سفره أكثر راحة منه في بلد أقامته، فإذا وجد الوصف المؤثر جاز له الترخص؛ لكن لا شك أن الاحتياط والاهتمام للعبادة والبراءة منها، والخروج من عهدة الواجب بيقين واستبراء الدين والعرض، هذا هو المطلوب من المسلم، فلا يترخص بأدنى سبب، تلاحظون أثناء الأيام الشتاء التي توجد فيها الأمطار، بعض الناس يجمع بين الصلاتين لأدنى سبب، وبعض الناس لو صارت المسألة طوفان ما جمع، ودين الله بين الغالي والجافي، بعض العامة يبلغ به المرض ما يبلغ بحيث يتضرر ضرر بالغاً، وينصحه الثقات من الأطباء أن يفطر فلا يفطر، كما أن بعض الناس، وهو مسافر يلحقه من المشقة ما يقرب معها من الهلاك ولا يفطر، وهذا ليس من شرع الله في شيء، الدين يسر، ولله الحمد.
الإمام مالك -رحمه الله تعالى- فيما ذكر هنا، قال يحيى: سمعت مالكاً يقول: "الأمر الذي سمعته من أهل العلم" ماذا تشمون من هذا الأسلوب؟ (الأمر الذي سمعته من أهل العلم) والإمام مالك من الأئمة الحفاظ، نجم السنن، إمام دار الهجرة، إمام باتفاق المسلمين، يقول: "الذي سمعته من أهل العلم" ويأنف بعض طلاب العلم أن ينسب القول إلى قائله، ولو كان ممن اختص به صاحبه، فيأنف أن ينسب القول، وينقل عن غيره من الأحياء والأموات مضيفاً ذلك إلى نفسه أنفة؛ لأنه لو كان مجرد نقال فماذا صنع؟ والإمام مالك -رحمه الله تعالى- يقول: "الأمر الذي سمعته من أهل العلم"، يعني كأنه طويلب علم بالنسبة لأهل العلم، فنحتاج إلى مثل هذا.
إن المريض إذا أصابه المرض الذي يشق عليه الصيام معه ويتعبه، ويبلغ ذلك مبلغ من المشقة والتعب، يبلغ ذلك منه، يكون له أثر عليه، وليس أدنى مرض، فإن له أن يفطر.

(62/2)


والضابط للمرض المبيح للفطر عند أهل العلم الذي يزيد في مرضه، أو يتسبب في تأخر البرء، والصوم لا شك أنه مما يؤتمن عليه المسلم؛ لأن مقدار المرض لا يستطيع أحد يقدره غير المريض نفسه، والأطباء لهم أمارات وعلامات يستدلون بها، وإلا فالأصل أن المريض هو الذي يقدر ذلك، وهو مما يؤتمن عليه المسلم. "فإن له أن يفطر، وكذلك المريض إذا اشتد عليه القيام في الصلاة، وبلغ منه، وما الله أعلم بعذر ذلك من العبد" (الواو) هذه زائدة، بلغ منه ما الله أعلم بعذر ذلك من العبد، ومن ذلك ما لا تبلغ صفته، فإذا بلغ ذلك يعني ذلك المبلغ الذي يؤثر فيه، ويشق معه القيام على المصلي، صلى وهو جالس للعذر، حديث عمران بن حصين: ((صلي قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً)) فهذه الاستطاعة ليس معناه أن يكون بمثابة المقعد هذه الذي لا يستطيع الوقوف، لا، إذا شق عليه ذلك مع أنه إذا تحامل على نفسه، وصلى من قيام مع وجود هذه المشقة التي لا تخل بصلاته، ولا يترتب عليها تأخر برء، ولا زيادة في المرض، له ذلك، صلاته صحيحة.
"صلى وهو جالس لعذر، ودين الله يسر" كما يقول الله -جل وعلا-: {يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [(185) سورة البقرة] ((إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) ((أكلفوا من العمل ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا)) المقصود أن النصوص في هذا كثيرة جداً؛ لكن ليس فيها مستمسك لأهل التساهل والتراخي والتنصل عن الواجبات، لا، بقدر ما هو بدين يسر إلا أنه دين تكاليف، والجنة حفت بالمكاره، والدين عبودية، ليس معنى هذا أن الإنسان يترخص بأدنى رخصة، أو يرتكب المحظورات، أو يترك المأمورات لأن الدين يسر، لا.
طالب:. . . . . . . . .
والله على كل حال المسألة تتفاوت، يعني إذا كان تحامله على نفسه لا يضر، لا يخل بصلاته، والقيام ركن من أركان الصلاة، وتقديره أيضاً ترى فيه يعني ما فيه، فالمسألة تحتاج إلى دقة نظر، إذا كان يشق عليه وتحامل على نفسه، واستطاع لأنه أثر عن بعض الصحابة ذلك، أنهم يعتمدون على العصي، وأن الرجل يهادى بين الرجلين.
المقصود أن الإنسان عليه أن يخرج من عهدة الواجب بيقين.
في شيء، كأنك أردت؟

(62/3)


طالب:. . . . . . . . .
ما دام ما يشق عليه الصيام ...
طالب:. . . . . . . . .
والله إذا قال: أنا مريض، فهذا مما يؤتمن عليه المسلم، ما دام ثبت أنه مريض، فالمرض عذر، "وقد أرخص الله للمسافر في الفطر في السفر، وهو أقوى على الصيام من المريض"، المسافر يستطيع الصيام أقوى على الصيام من المريض، قال الله تعالى في كتابه: {فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [(184) سورة البقرة] يعني فأفطر، فالواجب عليه عدة من أيام أخر، ولا بد من هذا التقدير، إذا أفطر عليه عدة، وإذا صام ليس عليه شيء، كما تقدم في صيام المسافر، بعدد ما أفطر، فيصومها بدلاً مما أفطره، فأرخص الله للمسافر في الفطر في السفر، وهو أقوى على الصوم من المريض.
هذا يقول: كما يقول الباجي: احتجاج الإمام -رحمة الله عليه- على من أنكر الفطر للمريض إلا لخوف الهلاك، دون المشقة الزائدة، يقول الباجي: "وما أعلم أحداً قاله؛ ولكنه خاف من اعتراض المعترض، فبادر بالحجة" انتهى.
وقد حكى ابن عبد البر أنه قيل: لا يفطر لخشية زيادة المرض؛ لأنه ظن، وخشية زيادة المرض ظن، وظن لا يقين، والصيام واجب بيقين، فلا يخرج من عهدة الواجب اليقيني إلا بيقين مثله؛ لكن الأحكام جلها مبني على غلبة الظن، جل الأحكام مبني على غلبة الظن.
يقول الإمام -رحمة الله عليه-: "فهذا أحب ما سمعت إلي، وهو الأمر المجتمع عليه" عندهم بالمدينة، وعلى كل حال المرض عذر، وينبغي أن يتقي الله المسلم ما استطاع.
باب النذر في الصيام والصيام عن الميت:

(62/4)


حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن رجل نذر صيام شهر، هل له أن يتطوع؟ فقال: سعيد -رحمه الله-: ليبدأ بالنذر قبل أن يتطوع، قال مالك: وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك، قال مالك: من مات وعليه نذر من رقبة يعتقها، أو صيام أو صدقة أو بدنة، فأوصى بأن يوفى ذلك عنه من ماله فإن الصدقة والبدنة في ثلثه، وهو يبدّى على ما سواه من الوصايا إلا ما كان مثله، وذلك أنه ليس الواجب عليه من النذور وغيرها كهيئة ما يتطوع به، مما ليس بواجب، وإنما يجعل ذلك في ثلثه خاصة، دون رأس ماله؛ لأنه لو جاز له ذلك في رأس ماله لأخر المتوفى مثل ذلك من الأمور الواجبة عليه حتى إذا حضرته الوفاة، وصار المال لورثته سمى مثل هذه الأشياء التي لم يكن يتقاضاها منه متقاض، فلو كان ذلك جائزاً له أخر هذه الأشياء حتى إذا كان عند موته سماها، وعسى أن يحيط بجميع ماله فليس ذلك له.
وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يسأل هل يصوم أحد عن أحد؟ أو يصلي أحد عن أحد؟ فيقول: لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب النذر في الصيام والصيام عن الميت:
يعني هل الصيام تدخله النيابة كالحج أو لا تدخله النيابة كالصلاة؟ مسألة ذكرها المؤلف -رحمه الله تعالى-، قال: حدثني يحيى عن مالك أنه بلغه عن سعيد بن المسيب أنه سئل عن رجل نذر صيام شهر هل له أن يتطوع؟ يعني قبل صوم نذره، والنذر واجب يجب الوفاء به؛ لأنه نذر طاعة، هل له أن يتطوع قبل صيام الواجب؟ وقل مثل هذا فيمن عليه قضاء، هل له أن يتطوع قبل أن يقضي؟ عليه كفارة واجبة هل له أن يتطوع قبلها؟
فقال سعيد: ليبدأ بالنذر قبل أن يتطوع، ليبدأ بالنذر؛ لأنه واجب قبل أن يتطوع، مبادرة إلى إبراء الذمة من الواجب، قال مالك: "وبلغني عن سليمان بن يسار مثل ذلك، فإن قدم التطوع أساء، وصح صومه، وبقي النذر في ذمته".

(62/5)


مسألة مختلف فيها بين أهل العلم: من عليه قضاء من رمضان، وأراد أن يتطوع، افترض المسألة في شخص عليه أيام من رمضان ستة أيام، فلما كان في أواخر شوال بقي منه ستة أيام، هل يصوم القضاء أو يصوم الست؟ يصوم القضاء؛ لأنه واجب، أو يصوم الست؛ لأنه مضيق؛ لأن وقته مضيق، وإذا بقي عليه شيء من صيام الواجب هل يتطوع بصوم يوم عرفة وصوم يوم عاشوراء؟
عائشة -رضي الله عنها- كانت تؤخر القضاء إلى شعبان لمكان النبي -عليه الصلاة والسلام- منها، فهل يقول قائل: إن عائشة لا تتطوع بشيء من التطوعات؟ لا تصوم يوم عرفة، ولا ست من شوال، ولا يوم عاشوراء، يعني هل يتصور هذا من عائشة يكون عليها القضاء من رمضان فما تستطيع أن تقضيه إلا في شعبان لمكان النبي -عليه الصلاة والسلام- منها؟ وهنا يقول: يبدأ بالنذر قبل أن يتطوع.
وجاء في خبر أنه لا يقبل نافلة ما لم تؤد فريضة، وهذا ظاهر فيمن عزم على ترك الفريضة، يعني الذي لا يصلي الفرائض ويتنفل، أو لا يصوم رمضان ويتنفل، هذا معروف أن صيامه وصلاته مردودة عليه؛ لكن المسألة في الواجب الموسع، مع النفل المضيق، أيهما الذي يقدم؟
مسألة مختلف فيها، وابن رجب في قواعده ذكر هذه المسألة، وذكر لها نظائر، وكأنه مال إلى جواز ذلك، جواز أن يتنفل في الوقت الموسع قبل أن يقضي الفرض، مادام وقته موسع.
طالب:. . . . . . . . .
نعم، صاحب الست الذي لم يبق له من شوال إلا ستة أيام على كل حال المتجه والمرجح أنه لا يتطوع ما دام في ذمته فرض، نعم هذا الذي يظهر، وعندنا مسألة الست التي أشرنا إليها وافترضناها في شخص بقي من شوال ستة أيام هل ينطبق عليه أنه صام رمضان ثم أتبعه ست من شوال، إذا قدم الست على رمضان، على القضاء؟ ما ينطبق عليها، ولا يتحقق فيه الوعد، قد يقول قائل: أن رمضان إذا كمل عن عشرة أشهر، ولو بعد الست؛ لأن الحساب معروف لماذا صام من رمضان وأتبعه ستة من شوال كان كمن صام الدهر كله؟ لأن رمضان بعشرة أشهر، والست من شوال بشهرين، هذا كمن صام الدهر.
يقول قائل مثلاً: أنا صمت أربعة وعشرين من رمضان، وبقيت ستة أصومها في القعدة مثلاً، هذا شهر كامل، عن عشرة أشهر والست تبقى في وقتها عن شهرين، وإيش الفرق؟

(62/6)


طالب:. . . . . . . . .
يعني الإتباع، ثم أتبعه، ويبقى أن الست لا بد أن تكون في شوال، وإلا قد يقول قائل: أنا أصوم رمضان وأتبعه ست من محرم، الست الحسنة بعشر أمثالها، والست بشهرين، وإيش الفرق بين شوال والمحرم؟
طالب:. . . . . . . . .
كيف؟ وذلك أن الحسنة بعشر أمثالها، وإيش المانع؟ يعني في واحد يقول: بأن الحسنة لا تبلغ عشرة أمثالها؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم، يعني كون رمضان بعشرة أشهر، هل نستطيع أن نقول: لو صام المحرم كامل بعشرة أشهر؟ نعم عشرة أشهر؛ لكن ليست مثل أشهر رمضان، يعني عشرة أشهر من مثل رمضان، والست من شوال بهذا النص إلحاقاً برمضان فتكون مثله، فلا تكون الست من القعدة أو من ذي الحجة أو من المحرم مثل الست من شوال.
طالب:. . . . . . . . .
لا أنا أقول: أن هذه الست ملحقة برمضان.
طالب: التي أفطرت رمضان بعذر، هل يكتب لها الأجر مثل المريض والمسافر.
لا، لا ما يكتب، هم اختلفوا فيمن أفطر بعذر كالحائض والنفساء، منهم من يقول كما قال الله -جل وعلا-: {هُوَ أَذًى} [(222) سورة البقرة] فهو كالمرض، والمانع لها خارج عن إرادتها فيكتب لها مثل المسافر والمريض، ومنهم من يقول: أنه لا يكتب لها ما كانت تعمله؛ لأنه لو كتب لها ما كانت تعمله ما صار نقص في دينها، ما سمي نقص في دينها، نقص في دينها أنها تبقى الليالي والأيام ما تصوم ولا تصلي، هذا أثبت الشرع أنه نقص، ولو كانت تعطى مثل ما تعطاه في مكان الطاهرة ما صار نقص، مثل المسافر، المسافر ما هو بناقص، المريض ما هو بناقص، بينما الحائض ناقصة، هذه حجة من يقول: أنه لا يكتب لها ما كانت تعمله حال طهرها.
طالب:. . . . . . . . .
إيه، تقضي، لا بد أن تقضي، لا بد من الإتباع، ما تصوم الست.
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، فات محلها، إذا انتهى شوال لا تقضى الست.
طالب:. . . . . . . . .
ما هو ببعيد؛ لأنه قرن به في النص، وإلا لو لم نقل هذا قلنا: صيام ست من القعدة، وإيش اللي يصير؟ لا تصوم من شوال، صوم من القعدة، والحسنة بعشرة أمثالها عن شهرين، إذاً كمن صام الدهر.
طالب:. . . . . . . . .
كمن صام الدهر.
طالب:. . . . . . . . .
صام ثلاثة أيام وين؟

(62/7)


طالب:. . . . . . . . .
لا، لا؛ لأنها نفل، كلامه عام، أي نفل لا يقدم على الفرض ((وما تقرب إلي عبد بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)) لأن الكلام طويل، ولا عندنا إلا ثلاثة أيام.
قال مالك: "من مات وعليه نذر من رقبة يعتقها، أو صيام أو صدقة أو بدنة" بعير ذكراً كان أو أنثى "يهديه فأوصى بأن يوفى ذلك عنه من ماله فإن الصدقة والبدنة في ثلثه، لا من رأس ماله"، لنفهم كلام الإمام مالك -رحمه الله-، والسبب الذي من أجله قال هذا الكلام.
"فمن مات وعليه نذر" يعني يتطلب مال، عليه نذر رقبة يعتقها، نذر أن يعتق رقبة، أو نذر أن يصوم صيام، أو صدقة يتصدق بها، أو بدنة يهديها، فأوصى بأن يوفى ذلك عنه من ماله فإن الصدقة والبدنة في ثلثه، "لا من رأس ماله، وهو يبدّى على ما سواه"، يقدم على ما سواه من الوصايا، إلا ما كان مثله أو مساوياً له، وذلك التقديم لأنه ليس الواجب عليه من النذور وغيرها كهيئة ما يتطوع به مما ليس بواجب بل دونه"، بل ما ليس بواجب دونه، يعني الذي يبدّى ويقدم الواجب؛ لكنه لا يكون من رأس المال، وإنما يكون من الثلث.
يقول: "وإنما يجعل ذلك في ثلثه خاصة دون رأس ماله"، يقول: "لأنه لو جاز له ذلك برأس ماله لأخر المتوفى الميت مثل ذلك من الأمور الواجبة عليه حتى إذا حضرته الوفاة" أي علامات الموت، "وصار المال لورثته حكماً" انتقل إليهم المال حكماً "سمى مثل هذه الأشياء التي لم يكن يتقاضها منه متقاض، بل يؤمر بها، فلو كان ذلك جائزاً له أخر هذه الأشياء حتى كان عند موته سماها، وعسى أن يحيط بجميع ماله فليس له ذلك لإضراره بالورثة واتهامه بحرمانهم".
الإمام مالك -رحمه الله- يقول: هذه الأمور التي لزمته، نذرها ولزمته، أو عليه كفارات واجبة، تكون كلها من الثلث، لماذا؟ لئلا يحمله ذلك على حرمان الورثة، فإذا أراد أن يحرم الورثة نذر أن يطعم ألف مسكين، نذر أن يهدي عشر بدنات، نذر أن يعتق رقبة، وقد تأتي هذه على جميع ماله، والمال المفترض أنه للورثة لا سيما إذا حضرته الوفاة.

(62/8)


غير الإمام مالك ماذا يقول؟ يقول: لا أبداً هذه الأمور كالديون، ديون الآدميين ((دين الله أحق بالقضاء)) ويقول: أن هذه الأمور لا تخلو إما أن تكون في حال الصحة وحينئذ تكون من رأس ماله، إن كانت في مرض موته المخوف فهي من الثلث؛ لأن الاتهام ظاهر، أما إذا كان في حال الصحة ما فيه اتهام، ما يتهم بأن يحرم الورثة، نعم، هم يتفقون مع مالك أنه في مرض موته المخوف بحيث يغلب على الظن أنه يريد حرمان الورثة يكون من الثلث؛ لكن إذا كان في حال الصحة وتوفي، هذا دين من الديون، والمعروف أن الحقوق المتعلقة بالتركة خمسة: الأول: مؤن التجهيز، الثاني: الحقوق المتعلقة بعين التركة كالديون التي تكون برهن، هذه مقدمة، الثالث: الحقوق المطلقة كديون الآدميين، وديون الله تعالى كالكفارات والنذور، هذه من أصل التركة، الرابع: الوصايا، وهذه من الثلث، والخامس: الإرث.
فالمسألة تدور على قصد هذه الموصي أو الناذر فإن كان قصده الحرمان، ولا يتصور الحرمان في حال الصحة، إنما يتصور الحرمان في حال المرض، مرض الموت المخوف، في حال مرض الموت المخوف، وفي حال مرض الموت المخوف يتجه القول بأنها من الثلث، أما في حال الصحة فلو تبرع بجميع ماله ولديه قدرة على الاكتساب، وعنده أيضاً صبر واحتساب، فعل ذلك أبو بكر -رضي الله عنه-، فخرج من جميع ماله، وهذا لا إشكال فيه.
يقول: وحدثني عن مالك أنه بلغه أن عبد الله بن عمر كان يسأل هل يصوم أحد عن أحد؟ أو يصلي أحد عن أحد؟ فيقول: "لا يصوم أحد عن أحد، ولا يصلي أحد عن أحد".

(62/9)


لماذا؟ لأنها عبادات بدنية لا تدخلها النيابة، أما الصلاة فإجماع، ما في أحد يصلي عن أحد، لا تدخلها النيابة بحال، وأما الصيام فخلاف، فمنهم من قال بهذا القول، لا يصوم أحد عن أحد، كالصلاة وهو رأي مالك وبعض العلماء، وقيل: ((من مات وعليه صوم فإنه يصوم عنه وليه)) وهذا الحديث مخرج في الصحيح ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) ومن أهل العلم من حمله على الصوم الواجب، سواءً كان مما وجب بأصل الشرع، أو أوجبه الإنسان على نفسه بالنذر، وعند الإمام أحمد أنه لا يصام إلا ما أوجبه الإنسان على نفسه، وأما ما وجب بأصل الشرع فكالصلاة، يقول شيخ الإسلام وابن القيم: "أن هذا هو الأقيس".
وجاء في بعض روايات الحديث: ((من مات وعليه صوم نذر صام عنه وليه)) فالمتجه أن الذي يقبل النيابة صيام النذر، وأما ما أوجبه الشارع، ما وجب بأصل الشرع فإنه لا يقبل النيابة كالصلاة وهذا القول وسط، وعليه يدل الحديث برواياته.
طالب:. . . . . . . . .
هو الواجب، الكلام على الواجب، هل يشمل؟ عليه صوم من رمضان، يصوم عنه وليه وإلا ما يصوم؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، لا، لا ما يصوم وجوباً، صام عنه وليه إذا تبرع، بدليل أنه لو امتنع وحمله من يليه أو الذي يليه أو تحمله البعيد، لكن الأولى المفترض أن يصوم الولي.
طالب:. . . . . . . . .
عن ابن عمر؟
طالب:. . . . . . . . .
نعم الكلام في الصيام؛ لأنه لا يقبل النيابة، فيرجع فيه إلى البدل، وهو الإطعام فيكون مالي، نعم نذر أن يصوم، والصيام لا يقبل النيابة، فيخرج عنه إطعام، من رأس ماله، لا من ثلثه.
هل يقال: هذا مذهب الإمام مالك؟
هذا مذهب مالك، نعم، هذا هو النص في موطئه.

باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات:
حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن أخيه خالد بن أسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أفطر ذات يوم في رمضان في يوم ذي غيم، ورأى أنه قد أمسى، وغابت الشمس، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين طلعت الشمس، فقال عمر: "الخطب يسير، وقد اجتهدنا".
قال مالك -رحمه الله-: "يريد بقوله الخطب يسير، القضاء فيما نرى، والله أعلم، وخفة مؤونته، ويسارته يقول: "نصوم يوما مكانه".

(62/10)


وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: "يصوم قضاء رمضان متتابعاً من أفطره من مرض أو في سفر".
وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما- وأبا هريرة -رضي الله عنه- اختلفا في قضاء رمضان، فقال أحدهما: "يفرق بينه"، وقال: "الآخر لا يفرق بينه"، لا أدري أيهما قال: يفرق بينه؟ ".
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: "من استقاء وهو صائم فعليه القضاء، ومن ذرعه القيء فليس عليه القضاء".
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد أنه سمع سعيد بن المسيب -رحمه الله- يُسأل عن قضاء رمضان فقال: "سعيد أحب إلي أن لا يفرق قضاء رمضان، وأن يُواتَر".
قال يحيى سمعت مالكاً يقول: فيمن فرق قضاء رمضان فليس عليه إعادة، وذلك مجزئ عنه، وأحب ذلك إلي أن يتابعه.
قال مالك -رحمه الله-: "من أكل أو شرب في رمضان ساهياً أو ناسياً، أو ما كان من صيام واجب عليه أن عليه قضاء يوم مكانه".
وحدثني عن مالك عن حميد بن قيس المكي أنه أخبره قال: "كنت مع مجاهد، وهو يطوف بالبيت، فجاءه إنسان فسأله عن صيام أيام الكفارة أمتتابعات أم يقطعها؟ قال حميد: فقلت له: نعم يقطعها إن شاء، قال مجاهد: "لا يقطعها، فإنها في قراءة أبي بن كعب: "ثلاثة أيام متتابعات".
قال مالك -رحمه الله-: "وأحب إلي أن يكون ما سمى الله في القرآن يصام متتابعاً" وسئل مالك -رحمه الله- عن المرأة تصبح صائمة في رمضان، فتدفع دفعة من دم عبيط في غير أوان حيضها، ثم تنتظر حتى تمسي أن ترى مثل ذلك فلا ترى شيئاً، ثم تصبح يوماً أخرى، فتدفع دفعة أخرى، وهي دون الأولى، ثم ينقطع ذلك عنها قبل حيضتها بأيام، فسئل مالك كيف تصنع في صيامها وصلاتها؟ قال مالك -رحمه الله-: "ذلك الدم من الحيضة فإذا رأته فلتفطر ولتقض ما أفطرت، فإذا ذهب عنها الدم فلتغتسل وتصوم".
وسئل عمن أسلم في آخر يوم من رمضان هل عليه قضاء رمضان كله أو يجب عليه قضاء اليوم الذي أسلم فيه، فقال: "ليس عليه قضاء ما مضى، وإنما يستأنف الصيام فيما يستقبل، وأحب إلي أن يقضي اليوم الذي أسلم فيه".
يقول المؤلف -رحمه الله تعالى-: باب ما جاء في قضاء رمضان والكفارات:

(62/11)


حدثني يحيى عن مالك عن زيد بن أسلم عن أخيه خالد بن أسلم أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أفطر ذات يوم في رمضان، في يوم ذي غيم (سحاب) جزم أو غلب على ظنه أنه قد أمسى، يعني غابت الشمس، لا أنه دخل في المساء؛ لأن المساء يدخل قبل ذلك، أنه قد أمسى، وغابت الشمس، فجاءه رجل فقال: يا أمير المؤمنين طلعت الشمس، يعني ظهرت، انجلى الغيم والسحاب فظهرت الشمس، فقال عمر: "الخطب يسير" الأمر سهل؛ لأن هذا الفطر كان عن اجتهاد لا عن تفريط، فلا إثم، وقضاء يوم مكان يوم ما يؤثر، "الخطب يسير، وقد اجتهدنا" يعني في الوقت، حتى غلب على الظن أن الشمس قد غابت، قال مالك: "يريد بقوله: الخطب يسير، القضاء فيما نرى" يعني نظن، والله أعلم، وخفت مؤونته ويسارته" نعم كان الصيام ما يشق على الناس لعدم إخلادهم إلى الدنيا وزخرفها؛ لكن الذي يركن إلى الدنيا الصيام من أشق الأمور عليه، ولذلك تجده يصوم مع الناس مهما بلغت به المشقة، لئلا يقضي يوماً يصوم والناس يأكلون ويشربون، هذا قاتل بالنسبة لبعض الناس، والإمام مالك يقول: "القضاء فيما نرى -والله أعلم- وخفت مؤونته ويسارته" يقول: نصوم يوماً مكانه.
روى الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- عن هشام بن عروة عن فاطمة عن أسماء بنتي أبي بكر -رضي الله عنهما- قالت: "أفطرنا على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوم غيم، ثم طلعت الشمس"، قيل لهشام: فأمروا بالقضاء؟ قال: بد من القضاء، وقال معمر: سمعت هشاماً يقول: لا أدري أقضوا أم لا؟
والجمهور على أنه لا بد من القضاء لماذا؟ لأن الأصل بقاء النهار، فلا يخرج من هذا الأصل إلا بيقين، ولا يكفي فيه غلبة ظن، لا بد من يقين.
ونقل ابن عبد البر الإجماع على أنه لو غم هلال رمضان فأفطروا، ثم ثبت الهلال أن عليهم القضاء، ويستدل بالإجماع على أنه إذا لم يُر الهلال ليلة الأول من رمضان، وغم عليهم، وأصبحوا مفطرين؛ لأنه يوم الشك، ثم تبين أنه من رمضان بأن رؤي الهلال ليلة تسعة وعشرين من رمضان يلزمهم قضاء اليوم الأول الذي أفطروه، وهذا أمر متفق عليه، ما قالوا: اجتهدنا وأفطرنا يكفينا هذا الاجتهاد.

(62/12)


نقول: الإمام مالك يستدل بالإجماع على هذه المسألة، وذهبت طائفة إلى عدم القضاء بمنزلة من أفطر ناسياً، ونسب الحافظ ابن حجر في فتح الباري عدم القضاء لمجاهد والحسن يقول: وبه قال إسحاق وأحمد في رواية واختاره ابن خزيمة أنه لا قضاء.
على كل حال الخبر الذي في البخاري، الكلام ليس بصريح على وجوب القضاء، ولا بعدم وجوبه، قيل لهشام: فأمروا بالقضاء؟ فقال: بد من قضاء، اللفظ يحتمل أنه لا بد من القضاء، ويحتمل أنه ينكر، هل يلزم القضاء؟ وقال معمر: سمعت هشاماً يقول: لا أدري أقضوا أم لا؟ فالنص محتمل، وعلى كل حال الأصل بقاء النهار، فلا يخرج منه إلا بيقين، ولا يكفي فيه غلبة الظن، وحصل لبعض الناس أنهم في مكان داخل بيت وعندهم ضيوف ما يسمعون الأذان لكثرة الكلام وجلبة الأصوات، فقالوا لطفل اخرج فاستمع الأذان، مميز هو لكنه غير مكلف، صبي، قالوا: اخرج استمع الأذان فإذا أذن أخبرنا، خرج الولد مجرد ما خرج من الباب أذن هو نفسه الصبي هذا، أذن فأفطروا، ثم بعد ربع ساعة سمعوا الأذان، وهل بد من قضاء؟
طالب:. . . . . . . . .
لا، هو عند الباب والباب مفتوح، والمجلس يعني يسمعون الأذان.
طالب:. . . . . . . . .
النفس تستروح لمثل هذا، المقصود أن مثل هذا لا بد من قضائه، وهو قول الجمهور.
يقول: وحدثني عن مالك عن نافع أن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كان يقول: "يصوم قضاء رمضان متتابعاً من أفطره من مرض أو في سفر"، يصوم متتابعاً، مذهب ابن عمر وجوب التتابع لماذا؟ لأن القضاء يحكي الأداء، والأداء متتابع؛ فليكن القضاء كذلك، وبه قال بعض أهل الظاهر، وذهب الجمهور إلى استحبابه فقط، استحباب التتابع، وأما وجوبه فلا، لأن النص {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة] (عدة) ليس فيها ذكر للتتابع.

(62/13)


وحدثني عن مالك عن ابن شهاب أن عبد الله بن عباس، ابن شهاب يحكي قصة لم يشهدها فهي منقطعة أن عبد الله بن عباس وأبا هريرة اختلفا في قضاء رمضان، فقال أحدهما: "يفرق بينه" يعني جوازاً، يعني يجوز أن يفرق بينه، وقال الآخر: "لا يفرق بينه" متتابع، لا أدري أيهما قال يفرق بينهم؟ أحدهما قال ابن عباس أو أبو هريرة، أحدهما اختار هذا، والثاني اختار هذا؛ لكن لا يدري هل ابن عباس اختار التفريق أو أبو هريرة؟
يقول ابن عبد البر: "لا أدري عمن أخذ ابن شهاب هذا، وقد صح عن ابن عباس وأبي هريرة أنهما أجازا التفريق في قضاء رمضان، وقالا: لا بأس بتفريقه، لقوله تعالى: {فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [(184) سورة البقرة].
وحدثني عن مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنه كان يقول: "من استقاء (السين والتاء) للطلب يعني طلب القيء، وتكلفه وطلبه، يعني بذل الأسباب لاستخراج القيء "من استقاء وهو صائم فعليه القضاء" هذا كلام ابن عمر، ومن ذرعه القيء أي سبقه وغلبه فليس عليه القضاء" إلا أن يتيقن أنه خرج من جوفه شيء، ثم عاد إليه، أنه رجع إلى جوفه شيء مما خرج بعد أن صار في فمه، بطوعه واختياره لا قهراً عنه, وإلا لو خرج شيء، ثم عاد بعد أن بذل الوسع واستفرغ الجهد في أن يخرجه فلم يستطع، فهذا كمن طار إلى حلقه ذباب أو غبار، هذا لا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
في المسند والسنن من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من ذرعه القيء فلا قضاء عليه، ومن استقاء فعليه القضاء)) صححه جمع، وقواه الدارقطني، وقال: "رواته كلهم ثقات" وأعله أحمد، وعلى كل حال قال بهذا جمع من أهل العلم أن من استقاء فعليه القضاء، ومن يقول: أن الفطر مما يدخل لا مما يخرج، لا يرى أن في القيء نقضاً للصيام، ولا إبطالاً له كالحجامة.
وعلى كل حال فالحديث قوي، يعني من حاول استخراج القيء فالحديث فيه قوي، عليه القضاء.
وتقدم الكلام فيمن تعرض للحجامة هل بتعرضه لها يكون نوى الإفطار؟ وكذلك من استدعى القيء وطلبه هل يكون نوى بذلك الإفطار؟ أو يفرق بين من يعرف الحكم ومن لا يعرف الحكم؟ وهو الظاهر.

(62/14)


الحنابلة يعلقونه على القيء، لا على مجرد الاستقاء، مع أنهم يقولون: من نوى الإفطار أفطر، ولذلك يقولون: من استقاء فقاء يفطر، فعلى هذا من استقاء فلم يقء لا يفطر، مع أنه من نوى الإفطار يفطر عندهم، هذا عندهم؛ لكن يفرق بين من يعرف أن الاستقاء مفطر يكون نوى الإفطار بهذا، والذي لا يعرف أن استدعاء القيء مفطر، بحيث إذا سئل أو سأل عن هذا الحكم أجيب بأنه أفطر، مثل هذا ما نوى الإفطار، وإن استدعى القيء، فهنا ملحظ ينبغي أن يلاحظ؛ لأن المسألة دقيقة يا إخوان، المسألة دقيقة.
طالب:. . . . . . . . .
في إيش؟
طالب:. . . . . . . . .
على كل حال العبرة بالنص، النص المرفوع.
طالب:. . . . . . . . .
تعرف رأي ابن عباس الذي ذكره البخاري؟ الفطر مما دخل لا مما خرج، يشمل القيء والحجامة؛ لكنه لا يشمل الإنزال يرد عليه.
وحدثني عن مالك عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه سمع سعيد بن المسيب -رحمه الله- يُسأل عن قضاء رمضان، يعني هل يجب تتابعه أم لا؟ هل يجب تتابعه أم لا؟ فقال: "سعيد أحب إلي أن لا يفرق قضاء رمضان"، يعني مثل ما ذكرنا أنه يحكي الأداء، "وأن يواتر" يعني يتابع، والتواتر هو التتابع، يقال: تواترت الإبل إذا جاءت بعضها إثر بعض، ولم تأتِ دفعة واحدة.
قال يحيى: سمعت مالكاً يقول فيمن فرق قضاء رمضان فليس عليه إعادة، وذلك مجزئ عنه، وأحب ذلك إلي أن يتابعه، يعني إلحاقاً بأصله؛ لأن القضاء كما ذكرنا يحكي الأداء.
قال مالك: "من أكل أو شرب في رمضان ساهياً أو ناسياً أو ما كان من صيام واجب عليه أن عليه قضاء يوماً مكانه"، من أكل أو شرب في رمضان ساهياً أو ناسياً عليه القضاء عند مالك؛ لكن ليس عليه كفارة، أما من أكل أو شرب متعمداً عليه القضاء والكفارة عند مالك، والجمهور على أنه إذا أكل وشرب ناسياً فإنما أطعمه الله وسقاه، هذا بالنسبة للناسي، أما بالنسبة للمتعمد فهو يفطر؛ لكن لا كفارة عليه إلا بالجماع.

(62/15)


في الحديث في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه))، وللحاكم: ((من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة)) وهو حديث صحيح.
طيب إيش الفرق بين رواية الصحيحين ورواية الحاكم؟ رواية الصحيحين فيها الأكل والشرب، بينما رواية الحاكم فيها ما هو أعم من ذلك من أفطر ناسياً، بل فيها ما يشير إلى أنه لو أفطر ناسياً بالجماع بدليل قوله: ((فلا قضاء عليه ولا كفارة)) فمن نسي فأفطر بأكل أو شرب أو جماع لا قضاء عليه ولا كفارة، ومن أهل العلم من أخذ بالنص المتفق عليه وخص ذلك بالأكل والشرب دون الجماع، وقال: إن المسألة مشت على الغالب، الغالب أن الذي ينسى هو الأكل والشرب، أما الجماع فلا يتصور من مسلم أن ينسى ويجامع في رمضان، وهو يعرف أن الجماع يبطل الصوم.
القاعدة في النسيان يعني مالك يرى أن ركن الصيام الأعظم هو الإمساك، وتُرك هذا الركن، فيبطل الصيام بترك هذا الركن، كما لو ترك المصلي ركعة أو سجدة، ترك ركوع أو سجود تصح صلاته وإلا ما تصح؟ ولو كان ناسياً، لو ترك سجدة تصح صلاته أو ما تصح؟ وهو ناسي، ما تصح صلاته؛ لأن السجود والركوع من أركان الصلاة، وهذا ركن الصيام الذي هو الإمساك، فإذا تركه وأكل فسد صومه، ولو كان ناسياً، هذه وجهة نظر الإمام مالك؛ لكن الجمهور يرون أن الأكل والشرب إيجاد وإلا إعدام؟ إيجاد، وترك الركوع والسجود إعدام، والنسيان ينزل الموجود منزلة المعدوم، ولا ينزل المعدوم منزلة الموجود، يعني شخص صلى الظهر ثلاث ركعات ناسياً، نقول: ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا، ما عليك شيء؟ لا بد بأن يأتي برابعة، وشخص صلى الظهر خمس ركعات يعيد الصلاة ناسياً؟ لا؛ لأن النسيان ينزل الموجود هذه الركعة الخامسة منزلة المعدوم كأنها غير موجودة، بينما المعدوم الركعة الرابعة لا بد من الإتيان بها.
اللهم صلى وسلم على عبدك ورسولك ..

(62/16)