شرح النووي على
مسلم (كِتَابُ الْلِّعَانِ اللِّعَانُ
وَالْمُلَاعَنَةُ وَالتَّلَاعُنُ مُلَاعَنَةُ الرَّجُلِ
امْرَأَتَهُ يُقَالُ تَلَاعَنَا وَالْتَعْنَا وَلَاعَنَ
الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَسُمِّيَ لِعَانًا لِقَوْلِ
الزَّوْجِ عَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ مِنَ
الْكَاذِبِينَ قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا
وَغَيْرِهِمْ وَاخْتِيرَ لَفْظُ اللَّعْنِ عَلَى لَفْظِ
الْغَضَبِ وَإِنْ كَانَا مَوْجُودَيْنِ فِي الْآيَةِ
الْكَرِيمَةِ وَفِي صُورَةِ اللِّعَانِ لِأَنَّ لَفْظَ
اللَّعْنَةِ مُتَقَدِّمٌ فِي الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ وَفِي
صُورَةِ اللِّعَانِ وَلِأَنَّ جَانِبَ الرَّجُلِ فِيهِ
أَقْوَى مِنْ جَانِبِهَا لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى
الِابْتِدَاءِ بِاللِّعَانِ دُونَهَا وَلِأَنَّهُ قَدْ
يَنْفَكُّ لِعَانُهُ عَنْ لِعَانِهَا وَلَا يَنْعَكِسُ
وَقِيلَ سُمِّيَ لَعَّانًا مِنَ اللَّعْنِ وَهُوَ
الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا
يَبْعُدُ عَنْ صَاحِبِهِ وَيَحْرُمُ النِّكَاحُ
بَيْنَهُمَا عَلَى التَّأْبِيدِ بِخِلَافِ الْمُطَلِّقِ
وَغَيْرِهِ وَاللِّعَانُ عِنْدَ جُمْهُورِ أَصْحَابِنَا
يَمِينٌ وَقِيلَ شَهَادَةٌ وَقِيلَ يَمِينٌ فِيهَا ثُبُوتُ
شَهَادَةٍ وَقِيلَ عَكْسُهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَيْسَ
مِنَ الْأَيْمَانِ شَيْءٌ مُتَعَدِّدٌ إِلَّا اللِّعَانَ
وَالْقَسَامَةَ وَلَا يَمِينَ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي
إِلَّا فِيهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ
وَجُوِّزَ اللِّعَانُ لِحِفْظِ الْأَنْسَابِ وَدَفْعِ
الْمَضَرَّةِ عَنِ الْأَزْوَاجِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ
عَلَى صِحَّةِ اللِّعَانِ فِي الْجُمْلَةِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي نُزُولِ آيَةِ
اللِّعَانِ هَلْ هُوَ بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ
أَمْ بِسَبَبِ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ
بِسَبَبِ عُوَيْمِرٍ الْعَجْلَانِيِّ وَاسْتَدَلَّ
بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ فِي الْبَابِ
أَوَّلًا لِعُوَيْمِرٍ قَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِيكَ وَفِي
صَاحِبَتِكَ وَقَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ سَبَبُ
نُزُولِهَا قِصَّةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ وَاسْتَدَلُّوا
بِالْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا فِي
قصة هلال)
(10/119)
قَالَ وَكَانَ أَوَّلَ رَجُلٍ لَاعَنَ فِي
الْإِسْلَامِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي
كِتَابِهِ الْحَاوِي قَالَ الْأَكْثَرُونَ قِصَّةُ هِلَالِ
بْنِ أُمَيَّةَ أَسْبَقُ مِنْ قِصَّةِ الْعَجْلَانِيِّ
قَالَ وَالنَّقْلُ فِيهِمَا مُشْتَبِهٌ ومختلف وقال بن
الصَّبَّاغِ مِنْ أَصْحَابِنَا فِي كِتَابِهِ الشَّامِلِ
فِي قِصَّةِ هِلَالٍ تَبَيَّنَ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ
فِيهِ أَوَّلًا قَالَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُوَيْمِرٍ إِنَّ اللَّهَ قَدْ
أَنْزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَمَعْنَاهُ مَا نَزَلَ
فِي قِصَّةِ هِلَالٍ لِأَنَّ ذَلِكَ حُكْمٌ عَامٌّ
لِجَمِيعِ النَّاسِ قُلْتُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا نَزَلَتْ
فِيهِمَا جَمِيعًا فَلَعَلَّهُمَا سَأَلَا فِي وَقْتَيْنِ
مُتَقَارِبَيْنِ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ فِيهِمَا وَسَبَقَ
هِلَالٌ باللِّعَانِ فَيَصْدُقُ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي
هَذَا وَفِي ذَاكَ وَأَنَّ هِلَالًا أَوَّلُ مَنْ لَاعَنَ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالُوا وَكَانَتْ قِصَّةُ اللِّعَانِ
فِي شَعْبَانَ سَنَةَ تِسْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَمِمَّنْ
نقله القاضي عياض عن بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيِّ
[1492] قَوْلُهُ (فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا) الْمُرَادُ
كَرَاهَةُ الْمَسَائِلِ الَّتِي لَا يُحْتَاجُ إِلَيْهَا
لَا سِيَّمَا مَا كَانَ فِيهِ هَتْكُ سِتْرِ مُسْلِمٍ أَوْ
مُسْلِمَةٍ أَوْ إِشَاعَةُ فَاحِشَةٍ أَوْ شَنَاعَةٌ عَلَى
مُسْلِمٍ أَوْ مُسْلِمَةٍ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَمَّا إِذَا
كَانَتِ الْمَسَائِلُ مِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي
أُمُورِ الدِّينِ وَقَدْ وَقَعَ فَلَا كَرَاهَةَ فِيهَا
وَلَيْسَ هُوَ الْمُرَادَ فِي الْحَدِيثِ وَقَدْ كَانَ
الْمُسْلِمُونَ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْأَحْكَامِ
الْوَاقِعَةِ فَيُجِيبُهُمْ وَلَا يَكْرَهُهَا وَإِنَّمَا
كَانَ سُؤَالُ عَاصِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ قِصَّةٍ
لَمْ تَقَعْ بَعْدَ وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَيْهَا وَفِيهَا
شَنَاعَةٌ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ
وَتَسْلِيطُ الْيَهُودِ وَالْمُنَافِقِينَ وَنَحْوِهِمْ
عَلَى الْكَلَامِ فِي أَعْرَاضِ الْمُسْلِمِينَ وَفِي
الْإِسْلَامِ وَلِأَنَّ مِنَ الْمَسَائِلِ مَا يَقْتَضِي
جَوَابُهُ تَضْيِيقًا وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَعْظَمُ
النَّاسِ
(10/120)
حَرْبًا مَنْ سَأَلَ عَمَّا لَمْ يَحْرُمْ
فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ
اللَّهِ أَرَأَيْتَ رَجُلًا وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ
رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ
يَفْعَلُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَدْ نَزَلَ فِيكَ وَفِي صَاحِبَتِكَ فَاذْهَبْ
فَأْتِ بِهَا قَالَ سَهْلٌ فَتَلَاعَنَا) هَذَا الْكَلَامُ
فِيهِ حَذْفٌ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ سأل وقذف امرأته وأنكرت
الزنى وَأَصَرَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى قَوْلِهِ
ثُمَّ تَلَاعَنَا قَوْلُهُ (أَيَقْتُلُ فَتَقْتُلُونَهُ)
مَعْنَاهُ إِذَا وَجَدَ رجلا مع امرأته وتحقق أنه زنا
بِهَا فَإِنْ قَتَلَهُ قَتَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَرَكَهُ
صَبَرَ عَلَى عَظِيمٍ فَكَيْفَ طَرِيقُهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ قَتَلَ رَجُلًا وَزَعَمَ أَنَّهُ
وَجَدَهُ قَدْ زَنَى بِامْرَأَتِهِ فَقَالَ جُمْهُورُهُمْ
لَا يُقْبَلُ قَوْلُهُ بَلْ يَلْزَمُهُ الْقِصَاصُ إِلَّا
أَنْ تَقُومَ بِذَلِكَ بَيِّنَةٌ أَوْ يَعْتَرِفُ بِهِ
وَرَثَةُ الْقَتِيلِ وَالْبَيِّنَةُ أَرْبَعَةٌ مِنْ
عُدُولِ الرِّجَالِ يَشْهَدُونَ عَلَى نَفْسِ الزنى
وَيَكُونُ الْقَتِيلُ مُحْصَنًا وَأَمَّا فِيمَا بَيْنَهُ
وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ صَادِقًا فَلَا
شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجِبُ عَلَى
كُلِّ مَنْ قَتَلَ زَانِيًا مُحْصَنًا الْقِصَاصُ مَا لَمْ
يَأْمُرِ السُّلْطَانُ بِقَتْلِهِ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ
وَجَاءَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ تَصْدِيقُهُ فِي أَنَّهُ
زَنَى بِامْرَأَتِهِ وَقَتَلَهُ بِذَلِكَ قَوْلُهُ (قَالَ
سَهْلٌ فَتَلَاعَنَا وَأَنَا مَعَ النَّاسِ عِنْدَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ أَنَّ
اللِّعَانَ يَكُونُ بِحَضْرَةِ الامام أو القاضي
وَبِمَجْمَعٍ مِنَ النَّاسِ وَهُوَ أَحَدُ أَنْوَاعِ
تَغْلِيظِ اللِّعَانِ فَإِنَّهُ تَغْلِيظٌ بِالزَّمَانِ
وَالْمَكَانِ وَالْجَمْعِ فَأَمَّا الزَّمَانُ فَبَعْدَ
الْعَصْرِ وَالْمَكَانُ فِي أَشْرَفِ مَوْضِعٍ فِي ذَلِكَ
الْبَلَدِ وَالْجَمْعُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ
أَقَلُّهُمْ أَرْبَعَةٌ وَهَلْ هَذِهِ التَّغْلِيظَاتُ
وَاجِبَةٌ أَمْ مُسْتَحَبَّةٌ فِيهِ خِلَافٌ عِنْدَنَا
الْأَصَحُّ الِاسْتِحْبَابُ قَوْلُهُ (فَلَمَّا فَرَغَا
قَالَ عُوَيْمِرٌ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ
إِنْ أَمْسَكْتُهَا) فَطَلَّقَهَا ثَلَاثًا قَبْلَ أَنْ
يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
قال بن شِهَابٌ فَكَانَتْ سُنَّةَ الْمُتَلَاعِنَيْنِ
وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فطلقها ثلاثا
(10/121)
قَبْلَ أَنْ يَأْمُرَهُ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَارَقَهَا عِنْدَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكُمُ
التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ مُتَلَاعِنَيْنِ وَفِي
الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنَّهُ لَاعَنَ ثُمَّ لَاعَنَتْ
ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا
سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
الْفُرْقَةِ بِاللِّعَانِ فَقَالَ مالك والشافعي والجمهور
تقع الفرقة بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ بِنَفْسِ التَّلَاعُنِ
وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ
لِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ لَكِنْ قَالَ الشَّافِعِيُّ
وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ بِلِعَانِ
الزَّوْجِ وَحْدَهُ وَلَا تَتَوَقَّفُ عَلَى لِعَانِ
الزَّوْجَةِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ تَتَوَقَّفُ
عَلَى لِعَانِهَا وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا تَحْصُلُ
الْفُرْقَةُ إِلَّا بِقَضَاءِ الْقَاضِي بِهَا بَعْدَ
التَّلَاعُنِ لِقَوْلِهِ ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا
وَقَالَ الْجُمْهُورُ لَا تَفْتَقِرُ إِلَى قَضَاءِ
الْقَاضِي لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا وَالرِّوَايَةِ الْأُخْرَى
فَفَارِقْهَا وَقَالَ اللَّيْثُ لَا أَثَرَ لِلِّعَانِ فِي
الْفُرْقَةِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ فِرَاقٌ أَصْلًا
وَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِتَأْبِيدِ التَّحْرِيمِ
فِيمَا اذا أكذب بَعْدَ ذَلِكَ نَفْسَهُ فَقَالَ أَبُو
حَنِيفَةَ تَحِلُّ لَهُ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُحَرِّمِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا لَا
تَحِلُّ لَهُ أَبَدًا لِعُمُومِ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا وَاللَّهُ
أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ كَذَبْتُ عَلَيْهَا يَا
رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَمْسَكْتُهَا فَهُوَ كَلَامٌ تَامٌّ
مُسْتَقِلٌّ ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ
ثَلَاثًا تَصْدِيقًا لِقَوْلِهِ فِي أَنَّهُ لَا
يُمْسِكُهَا وَإِنَّمَا طَلَّقَهَا لِأَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ
اللِّعَانَ لَا يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ فَأَرَادَ
تَحْرِيمَهَا بِالطَّلَاقِ فَقَالَ هِيَ طَالِقٌ ثَلَاثًا
فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا أَيْ لَا مِلْكَ
لَكَ عَلَيْهَا فَلَا يَقَعُ طَلَاقُكَ وَهَذَا دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّ الْفُرْقَةَ تَحْصُلُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ
وَاسْتَدَلَّ بِهِ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّ جَمْعَ
الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ لَيْسَ حَرَامًا
وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ
إِطْلَاقَ لَفْظِ الثَّلَاثِ وَقَدْ يُعْتَرَضُ عَلَى
هَذَا فَيُقَالُ إِنَّمَا لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ
لِأَنَّهُ لَمْ يُصَادِفِ الطَّلَاقُ مَحِلًّا مَمْلُوكًا
لَهُ وَلَا نُفُوذًا وَيُجَابُ عَنْ هَذَا الِاعْتِرَاضِ
بِأَنَّهُ لَوْ كَانَ الثَّلَاثُ مُحَرَّمًا لَأَنْكَرَ
عَلَيْهِ وَقَالَ لَهُ كَيْفَ تُرْسِلُ لَفْظَ الطَّلَاقِ
الثَّلَاثِ مَعَ أَنَّهُ حَرَامٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وقال
بن نَافِعٍ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ إِنَّمَا طَلَّقَهَا
ثَلَاثًا بعد اللعان لِأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ إِظْهَارُ
الطَّلَاقِ بَعْدَ اللِّعَانِ مَعَ أَنَّهُ قَدْ حَصَلَتِ
الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ وَهَذَا فَاسِدٌ وَكَيْفَ
يُسْتَحَبُّ لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُطَلِّقَ مَنْ صَارَتْ
أَجْنَبِيَّةً وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي صُفْرَةَ
الْمَالِكِيُّ لَا تَحْصُلُ الْفُرْقَةُ بِنَفْسِ
اللِّعَانِ وَاحْتَجَّ بِطَلَاقِ عُوَيْمِرٍ وَبِقَوْلِهِ
إِنْ أَمْسَكْتُهَا وَتَأَوَّلَهُ الْجُمْهُورُ كَمَا
سَبَقَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ (قَالَ بن
شهاب فكانت سنة
(10/122)
المتلاعنين) فقد تأوله بن نَافِعٍ
الْمَالِكِيُّ عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ اسْتِحْبَابُ
الطَّلَاقِ بَعْدَ اللِّعَانِ كَمَا سَبَقَ وَقَالَ
الْجُمْهُورُ مَعْنَاهُ حُصُولُ الْفُرْقَةِ بِنَفْسِ
اللِّعَانِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (ذَاكُمُ التَّفْرِيقُ بَيْنَ كُلِّ
مُتَلَاعِنَيْنِ فَمَعْنَاهُ عِنْدَ مَالِكٍ
وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ بَيَانُ أَنَّ الْفُرْقَةَ
تَحْصُلُ بِنَفْسِ اللِّعَانِ بَيْنَ كُلِّ
مُتَلَاعِنَيْنِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ تَحْرِيمُهَا عَلَى
التَّأْبِيدِ كَمَا قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ قَالَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاتَّفَقَ عُلَمَاءُ الْأَمْصَارِ
عَلَى أَنَّ مُجَرَّدَ قَذْفِهِ لِزَوْجَتِهِ لَا
يُحَرِّمُهَا عَلَيْهِ إِلَّا أَبَا عُبَيْدٍ فَقَالَ
تَصِيرُ مُحَرَّمَةً عَلَيْهِ بِنَفْسِ الْقَذْفِ بِغَيْرِ
لِعَانٍ قَوْلُهُ (وَكَانَتْ حَامِلًا فَكَانَ ابْنُهَا
يُدْعَى إِلَى أُمِّهِ ثُمَّ جَرَتِ السُّنَّةُ أَنْ
يَرِثَهَا وَتَرِثَ منه ما فرض الله لها) فيه جَوَازِ
لِعَانِ الْحَامِلِ وَأَنَّهُ إِذَا لَاعَنَهَا وَنَفَى
عنه نَسَبِ الْحَمْلِ انْتَفَى عَنْهُ وَأَنَّهُ يَثْبُتُ
نَسَبُهُ من الأم ويرثها وترث منه مَا فَرَضَ اللَّهُ
لِلْأُمِّ وَهُوَ الثُّلُثُ إِنْ لم يكن للميت ولد ولا ولد
بن وَلَا اثْنَانِ مِنَ الْإِخْوَةِ أَوِ الْأَخَوَاتِ
وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَلَهَا السُّدُسُ وَقَدْ
أجمع
(10/123)
الْعُلَمَاءُ عَلَى جَرَيَانِ التَّوَارُثِ
بَيْنَهُ وَبَيْنَ أُمِّهِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ أَصْحَابِ
الْفُرُوضِ مِنْ جِهَةِ أُمِّهِ وَهُمْ إِخْوَتُهُ
وَأَخَوَاتُهُ مِنْ أُمِّهِ وَجَدَّاتُهُ مِنْ أُمِّهِ
ثُمَّ إِذَا دُفِعَ إِلَى أُمِّهِ فَرَضُهَا أَوْ إِلَى
أَصْحَابِ الْفُرُوضِ وَبَقِيَ شَيْءٌ فَهُوَ لِمَوَالِي
أُمِّهِ إِنْ كَانَ عَلَيْهَا وَلَاءٌ وَلَمْ يَكُنْ
عَلَيْهِ هُوَ وَلَا بِمُبَاشَرَةِ إِعْتَاقِهِ فَإِنْ
لَمْ يَكُنْ لَهَا مَوَالٍ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ هَذَا
تَفْصِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ
الزُّهْرِيُّ وَمَالِكٌ وَأَبُو ثَوْرٍ وَقَالَ الْحَكَمُ
وَحَمَّادٌ تَرِثُهُ وَرَثَةُ أُمِّهِ وَقَالَ آخَرُونَ
عَصَبَةُ أُمِّهِ رُوِيَ هذا عن علي وبن مَسْعُودٍ
وَعَطَاءٍ وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ قَالَ أَحْمَدُ فَإِنِ
انْفَرَدَتِ الْأُمُّ أَخَذَتْ جَمِيعَ مَالِهِ
بِالْعُصُوبَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ إِذَا انْفَرَدَتْ
أَخَذَتِ الْجَمِيعَ لَكِنِ الثُّلُثُ بِالْفَرْضِ
وَالْبَاقِي بِالرَّدِّ عَلَى قَاعِدَةِ مَذْهَبِهِ فِي
إِثْبَاتِ الرَّدِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فتلاعنا
فِي الْمَسْجِدِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ كَوْنِ اللِّعَانِ
فِي الْمَسْجِدِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ
[1493] قَوْلُهُ (فَقُلْتُ لِلْغُلَامِ اسْتَأْذِنْ لِي
قَالَ إنَّهُ قَائِلٌ فَسَمِعَ صَوْتِي فقال بن جُبَيْرٍ
قُلْتُ نَعَمْ) أَمَّا قَوْلُهُ إِنَّهُ قَائِلٌ فَهُوَ
مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَهِيَ النَّوْمُ نِصْفَ النَّهَارِ
وأما قوله بن جبير فهو برفع بن وهو استفهام أي أأنت بن
جُبَيْرٍ قَوْلُهُ (فَوَجَدْتُهُ
(10/124)
مُفْتَرِشًا بَرْذَعَةً) هُوَ بِفَتْحِ
الْبَاءِ وَفِيهِ زَهَادَةُ بن عُمَرَ وَتَوَاضُعُهُ
قَوْلُهُ (وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ وَأَخْبَرَهُ أَنَّ
عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ)
وَفَعَلَ بِالْمَرْأَةِ مِثْلَ ذَلِكَ فِيهِ أَنَّ
الْإِمَامَ يَعِظُ الْمُتَلَاعِنَيْنِ وَيُخَوِّفُهُمَا
مِنْ وَبَالِ الْيَمِينِ الْكَاذِبَةِ وَأَنَّ الصَّبْرَ
عَلَى عَذَابِ الدُّنْيَا وَهُوَ الْحَدُّ أَهْوَنُ مِنْ
عَذَابِ الْآخِرَةِ قَوْلُهُ (فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ
فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ إِلَى آخِرِهِ) فِيهِ أَنَّ
الِابْتِدَاءَ فِي اللِّعَانِ يَكُونُ بِالزَّوْجِ لِأَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى بَدَأَ بِهِ وَلِأَنَّهُ يُسْقِطُ عَنْ
نَفْسِهِ حَدَّ قَذْفِهَا وَيَنْفِي النَّسَبَ إِنْ كَانَ
وَنَقَلَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ
عَلَى الِابْتِدَاءِ بِالزَّوْجِ ثُمَّ قَالَ
الشَّافِعِيُّ وَطَائِفَةٌ لَوْ لَاعَنْتِ الْمَرْأَةُ
قَبْلَهُ لَمْ يَصِحَّ لِعَانُهَا وَصَحَّحَهُ أَبُو
حَنِيفَةَ وَطَائِفَةٌ قَوْلُهُ (فَشَهِدَ أَرْبَعَ
شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ
وَالْخَامِسَةَ أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهَ عَلَيْهِ إِنْ
كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ) هَذِهِ أَلْفَاظُ اللِّعَانِ
وَهِيَ مُجْمَعٌ عَلَيْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(10/125)
لِلْمُتَلَاعِنَيْنِ (حِسَابُكُمَا عَلَى
اللَّهِ أَحَدُكُمَا كَاذِبٌ) قَالَ القاضي ظَاهِرُهُ
أَنَّهُ قَالَ هَذَا الْكَلَامَ بَعْدَ فَرَاغِهِمَا مِنَ
اللِّعَانِ وَالْمُرَادُ بَيَانُ أَنَّهُ يَلْزَمُ
الْكَاذِبَ التَّوْبَةُ قَالَ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ
إِنَّمَا قَالَهُ قَبْلَ اللِّعَانِ تَحْذِيرًا لَهُمَا
مِنْهُ قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ وَأَوْلَى بِسِيَاقِ
الْكَلَامِ قَالَ وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ قَالَ مِنَ
النُّحَاةِ أَنَّ لَفْظَةَ أَحَدٌ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا
فِي النَّفْيِ وَعَلَى مَنْ قَالَ مِنْهُمْ لَا
تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الْوَصْفِ وَلَا تَقَعُ مَوْقِعَ
وَاحِدٍ وَقَدْ وَقَعَتْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي غَيْرِ
نَفْيٍ وَلَا وَصْفٍ وَوَقَعَتْ مَوْقِعَ وَاحِدٍ وَقَدْ
أَجَازَهُ الْمُبَرِّدُ وَيُؤَيِّدهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ
الْخَصْمَيْنِ الْمُتَكَاذِبَيْنِ لَا يُعَاقَبُ وَاحِدٌ
مِنْهُمَا وَإِنْ عَلِمْنَا كَذِبَ أَحَدِهِمَا عَلَى
الْإِبْهَامِ قَوْلُهُ (يَا رَسُولَ اللَّهِ مَالِي قَالَ
لَا مَالَ لَكَ إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا فَهُوَ
بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا وَإِنْ كُنْتَ
كَذَبْتَ عَلَيْهَا فَذَاكَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْهَا) فِي
هَذَا دَلِيلٌ عَلَى اسْتِقْرَارِ الْمَهْرِ بِالدُّخُولِ
وَعَلَى ثُبُوتِ مَهْرِ الملاعنة المدخول بها والمسئلتان
مُجْمَعٌ عَلَيْهِمَا وَفِيهِ أَنَّهَا لَوْ صَدَّقَتْهُ
وَأَقَرَّتْ بالزنى لَمْ يَسْقُطْ مَهْرُهَا
(10/126)
[1495] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (اللَّهُمَّ افْتَحْ) مَعْنَاهُ بَيِّنْ لَنَا
الْحُكْمَ فِي هَذَا
[1496] قَوْلُهُ (إِنَّ هِلَالَ بْنَ أُمَيَّةَ قَذَفَ
امْرَأَتَهُ بِشَرِيكِ بْنِ سَحْمَاءَ) هِيَ بِسِينٍ
مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ حَاءٍ سَاكِنَةٍ مُهْمَلَتَيْنِ
وَبِالْمَدِّ وَشَرِيكٌ هَذَا صَحَابِيٌّ بَلَوِيٌّ
حَلِيفُ الْأَنْصَارِ قَالَ الْقَاضِي وَقَوْلُ مَنْ قَالَ
إِنَّهُ يَهُودِيٌّ بَاطِلٌ قَوْلُهُ (وَكَانَ أَوَّلَ
رَجُلٍ لَاعَنَ فِي الْإِسْلَامِ) سَبَقَ بَيَانُهُ فِي
أَوَّلِ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ 0 لَعَلَّهَا أَنْ تَجِيءَ بِهِ أَسْوَدَ
جَعْدًا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَإِنْ جَاءَتْ
بِهِ سَبِطًا قَضِيءَ الْعَيْنَيْنِ فَهُوَ لِهِلَالٍ
وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ أَكْحَلَ جَعْدًا حَمْشَ السَّاقَيْنِ
فَهُوَ لِشَرِيكٍ أَمَّا الْجَعْدُ فَبِفَتْحِ الْجِيمِ
وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ قَالَ الْهَرَوِيُّ الْجَعْدُ فِي
صِفَاتِ الرِّجَالِ يَكُونُ مَدْحًا وَيَكُونُ ذَمًّا
فَإِذَا كَانَ مَدْحًا فَلَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا
(10/128)
أن يكون معصوب الحلق شَدِيدَ الْأَسْرِ
وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ شَعْرُهُ غَيْرَ سَبِطٍ لِأَنَّ
السُّبُوطَةَ أَكْثَرُهَا فِي شُعُورِ الْعَجَمِ وَأَمَّا
الْجَعْدُ الْمَذْمُومُ فَلَهُ مَعْنَيَانِ أَحَدُهُمَا
الْقَصِيرُ الْمُتَرَدِّدُ وَالْآخَرُ الْبَخِيلُ يُقَالُ
جَعْدُ الْأَصَابِعِ وَجَعْدُ الْيَدَيْنِ أَيْ بَخِيلٌ
وَأَمَّا السَّبِطُ فَبِكَسْرِ الْبَاءِ وَإِسْكَانِهَا
وَهُوَ الشَّعْرُ الْمُسْتَرْسِلُ وَأَمَّا حَمْشُ
السَّاقَيْنِ فَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ
مِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ أَيْ رَقِيقُهُمَا
وَالْحُمُوشَةُ الدِّقَّةُ وَأَمَّا قضئ الْعَيْنَيْنِ
فَمَهْمُوزٌ مَمْدُودٌ عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ وَهُوَ
بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَمَعْنَاهُ فَاسِدُهُمَا
بِكَثْرَةِ دَمْعٍ أَوْ حُمْرَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ
[1497] قَوْلُهُ (وَكَانَ خَدْلًا) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ
(10/129)
وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَهُوَ
الْمُمْتَلِئُ السَّاقِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (لَوْ رَجَمْتُ أَحَدًا بغير بينة رجمت هذه)
وفسرها بن عباس بأنها امرأة كانت تُظْهِرُ فِي
الْإِسْلَامِ السُّوءَ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهَا امْرَأَةٌ
أَعْلَنَتْ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ اشْتُهِرَ وَشَاعَ
عنها الفاحشة ولكن لم يَثْبُتَ ببَيِّنَةٍ وَلَا
اعْتِرَافٍ فَفِيهِ أَنَّهُ لَا يقام الحد بمجرد الشياع
والقرائن بل لابد مِنْ بَيِّنَةٍ أَوِ اعْتِرَافٍ
[1498] قَوْلُهُ (أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ قَالَ يَا
رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَجِدُ مَعَ
امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا قَالَ سَعْدٌ بَلَى
وَالَّذِي أَكْرَمَكَ بِالْحَقِّ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْمَعُوا
(10/130)
إِلَى مَا يَقُولُ سَيِّدُكُمْ) وَفِي
الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَلَّا وَالَّذِي بَعَثَكَ
بِالْحَقِّ إِنْ كُنْتُ لَأُعَاجِلُهُ بِالسَّيْفِ قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ لَيْسَ قَوْلُهُ هُوَ رَدًّا
لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَلَا مُخَالَفَةً مِنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ لِأَمْرِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ
الْإِخْبَارُ عَنْ حَالَةِ الْإِنْسَانِ عِنْدَ رُؤْيَتِهِ
الرَّجُلَ عِنْدَ امْرَأَتِهِ وَاسْتِيلَاءِ الْغَضَبِ
عَلَيْهِ فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يُعَاجِلُهُ بالسيف وإن كان
عاصيا وأما السيد فقال بن الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرُهُ هُوَ
الَّذِي يَفُوقُ قَوْمَهُ فِي الْفَخْرِ قَالُوا
وَالسَّيِّدُ أَيْضًا الْحَلِيمُ وَهُوَ أَيْضًا حَسَنُ
الْخُلُقِ وَهُوَ أَيْضًا الرَّئِيسُ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ
تَعَجَّبُوا مِنْ قَوْلِ سَيِّدِكُمْ
[1499] قَوْلُهُ (لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ
مُصَفِّحٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْفَاءِ أَيْ غَيْرَ ضَارِبٍ
بِصَفْحِ السَّيْفِ وَهُوَ جَانِبُهُ بَلْ أَضْرِبُهُ بحده
(10/131)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (إِنَّهُ لَغَيُورٌ وَأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ)
وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي
مِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا
ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ قَالَ الْعُلَمَاءُ
الْغَيْرَةُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَأَصْلُهَا الْمَنْعُ
وَالرَّجُلُ غَيُورٌ عَلَى أَهْلِهِ أَيْ يَمْنَعُهُمْ
مِنَ التَّعَلُّقِ بِأَجْنَبِيٍّ بِنَظَرٍ أَوْ حَدِيثٍ
أَوْ غَيْرِهِ وَالْغَيْرَةُ صِفَةُ كَمَالٍ فَأَخْبَرَ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ سَعْدًا
غَيُورٌ وَأَنَّهُ أَغْيَرُ مِنْهُ وَأَنَّ اللَّهَ
أَغْيَرُ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَنَّهُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ
فَهَذَا تَفْسِيرٌ لِمَعْنَى غَيْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى
أَيْ أَنَّهَا مَنْعُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى النَّاسَ
مِنَ الْفَوَاحِشِ لَكِنِ الْغَيْرَةُ فِي حَقِّ النَّاسِ
يُقَارِنُهَا تَغَيُّرُ حَالِ الْإِنْسَانِ وَانْزِعَاجِهِ
وَهَذَا مُسْتَحِيلٌ فِي غَيْرَةِ اللَّهُ تَعَالَى
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا شَخْصَ
أَغْيَرُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ لَا أَحَدَ
وَإِنَّمَا قَالَ لَا شَخْصَ اسْتِعَارَةً وَقِيلَ
مَعْنَاهُ لَا يَنْبَغِي لِشَخْصٍ أَنْ يَكُونَ أَغْيَرَ
مِنَ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ مِنْهُ
فَيَنْبَغِي أَنْ يَتَأَدَّبَ الْإِنْسَانُ
بِمُعَامَلَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِعِبَادِهِ
فَإِنَّهُ لَا يُعَاجِلُهُمْ بِالْعُقُوبَةِ بَلْ
حَذَّرَهُمْ وَأَنْذَرَهُمْ وَكَرَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ
وَأَمْهَلَهُمْ فَكَذَا يَنْبَغِي للعبد أن لا يُبَادِرَ
بِالْقَتْلِ وَغَيْرِهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ فَإِنَّ
اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُعَاجِلْهُمْ بِالْعُقُوبَةِ مَعَ
أَنَّهُ لَوْ عَاجَلَهُمْ كَانَ عَدْلًا مِنْهُ
سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (وَلَا شَخْصَ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ
اللَّهِ تَعَالَى مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ
الْمُرْسَلِينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَلَا شَخْصَ
أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَجْلِ
ذَلِكَ وَعَدَ الْجَنَّةَ) مَعْنَى الْأَوَّلِ لَيْسَ
أَحَدٌ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْأَعْذَارُ مِنَ اللَّهِ تعالى
فالعذر هنا بِمَعْنَى الْإِعْذَارِ وَالْإِنْذَارِ قَبْلَ
أَخْذِهِمْ بِالْعُقُوبَةِ وَلِهَذَا بَعَثَ
الْمُرْسَلِينَ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمَا
كنا معذبين حتى نبعث رسولا وَالْمِدْحَةُ بِكَسْرِ
الْمِيمِ وَهُوَ الْمَدْحُ بِفَتْحِ الْمِيمِ فَإِذَا
ثَبَتَتِ الْهَاءُ كُسِرَتِ الْمِيمُ
(10/132)
وَإِذَا حُذِفَتْ فُتِحَتْ وَمَعْنَى مِنْ
أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ الْجَنَّةَ أَنَّهُ لَمَّا وَعَدَهَا
وَرَغَّبَ فِيهَا كثر سؤال العباد إياها منه وَالثَّنَاءُ
عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1500] قَوْلُهُ (إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا
أَسْوَدَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ هَلْ لَكَ مِنْ إِبِلٍ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَمَا
أَلْوَانُهَا قَالَ حُمْرٌ قَالَ هَلْ فِيهَا مِنْ
أَوْرَقَ قَالَ إِنَّ فِيهَا لَوُرْقًا قَالَ فَأَنَّى
أَتَاهَا ذَاكَ قَالَ عَسَى أَنْ يَكُونَ نَزَعَهُ عِرْقٌ)
أَمَّا الْأَوْرَقُ فَهُوَ الَّذِي فِيهِ سَوَادٌ لَيْسَ
بِصَافٍ وَمِنْهُ قِيلَ لِلرَّمَادِ أَوْرَقُ
وَلِلْحَمَامَةِ وَرْقَاءُ وَجَمْعُهُ وُرْقٌ بِضَمِّ
الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ كَأَحْمَرَ وَحُمْرٍ
وَالْمُرَادُ بِالْعِرْقِ هنا الْأَصْلُ مِنَ النَّسَبِ
تَشْبِيهًا بِعِرْقِ الثَّمَرَةِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ
فُلَانٌ مُعَرَّقٌ فِي النَّسَبِ وَالْحَسَبِ وَفِي
اللُّؤْمِ وَالْكَرَمِ وَمَعْنَى نَزَعَهُ أَشْبَهَهُ
وَاجْتَذَبَهُ إِلَيْهِ وَأَظْهَرَ لَوْنَهُ عَلَيْهِ
وَأَصْلُ
(10/133)
النَّزْعِ الْجَذْبُ فَكَأَنَّهُ جَذَبَهُ
إِلَيْهِ لِشَبَهِهِ يُقَالُ مِنْهُ نَزَعَ الْوَلَدُ
لِأَبِيهِ وَإِلَى أَبِيهِ وَنَزَعَهُ أبوه ونزعه إِلَيْهِ
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْوَلَدَ يَلْحَقُ
الزَّوْجَ وإِنْ خَالَفَ لَوْنُهُ لَوْنَهُ حَتَّى لَوْ
كَانَ الْأَبُ أَبْيَضَ وَالْوَلَدُ أَسْوَدَ أَوْ
عَكْسُهُ لَحِقَهُ وَلَا يَحِلُّ لَهُ نَفْيُهُ
بِمُجَرَّدِ الْمُخَالَفَةِ فِي اللَّوْنِ وَكَذَا لَوْ
كَانَ الزَّوْجَانِ أَبْيَضَيْنِ فجاء الولد أسود أو عكسه
لاحتمال أنه نَزَعَهُ عِرْقٌ مِنْ أَسْلَافِهِ وَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ أَنَّ التَّعْرِيضَ بِنَفْيِ الْوَلَدِ لَيْسَ
نَفْيًا وَأَنَّ التَّعْرِيضَ بِالْقَذْفِ لَيْسَ قَذْفًا
وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وموافقيه وفيه إثبات القياس
والاعتبار بالأشباه وضرب الأمثال وفيه الاحتياط للانساب
وإلحاقها بمجرد الامكان قوله فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى
(إِنَّ امْرَأَتِي وَلَدَتْ غُلَامًا أَسْوَدَ وَإِنِّي
أَنْكَرْتُهُ) مَعْنَاهُ اسْتَغْرَبْتُ بِقَلْبِي أَنْ
يَكُونَ مِنِّي لَا أَنَّهُ نَفَاهُ عَنْ نَفْسِهِ
بِلَفْظِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(10/134)
كِتَاب الْعِتْقِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ
الْعِتْقُ الْحُرِّيَّةُ يُقَالُ مِنْهُ عَتَقَ يَعْتِقُ
عِتْقًا بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَعَتْقًا بِفَتْحِهَا أَيْضًا
حَكَاهُ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ وَغَيْرُهُ وَعَتَاقًا
وَعَتَاقَةً فَهُوَ عَتِيقٌ وَعَاتِقٌ أَيْضًا حَكَاهُ
الْجَوْهَرِيُّ وَهُمْ عُتَقَاءُ وَأَعْتَقَهُ فَهُوَ
مُعْتَقٌ وَهُمْ عُتَقَاءُ وَأَمَةٌ عَتِيقٌ وَعَتِيقَةٌ
وَإِمَاءٌ عَتَائِقُ وَحَلَفَ بِالْعَتَاقِ أَيِ
الْإِعْتَاقِ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ هُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ
قَوْلِهِمْ عَتَقَ الْفَرَسُ إِذَا سَبَقَ وَنَجَا
وَعَتَقَ الْفَرْخُ طَارَ وَاسْتَقَلَّ لِأَنَّ الْعَبْدَ
يَتَخَلَّصُ بِالْعِتْقِ وَيَذْهَبُ حَيْثُ شَاءَ قَالَ
الْأَزْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَإِنَّمَا قِيلَ لِمَنْ
أَعْتَقَ نَسَمَةً إِنَّهُ أَعْتَقَ رَقَبَةً وَفَكَّ
رَقَبَةً فَخُصَّتِ الرَّقَبَةُ دُونَ سَائِرِ
الْأَعْضَاءِ مَعَ أَنَّ الْعِتْقَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ
لِأَنَّ حُكْمَ السَّيِّدِ عَلَيْهِ وَمِلْكَهُ لَهُ
كَحَبْلٍ فِي رَقَبَةِ الْعَبْدِ وَكَالْغِلِّ الْمَانِعِ
لَهُ مِنَ الْخُرُوجِ فَإِذَا أَعْتَقَ فَكَأَنَّهُ
أُطْلِقَتْ رَقَبَتُهُ مِنْ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1501] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ
أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ وَكَانَ لَهُ مَالٌ
يَبْلُغُ ثَمَنَ الْعَبْدِ قُوِّمَ عَلَيْهِ قِيمَةَ
الْعَدْلِ فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ وَعُتِقَ
عَلَيْهِ الْعَبْدُ وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا
عَتَقَ وفي نسخة ما أعتق) هذا حديث بن عُمَرَ وَفِي
حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمَمْلُوكِ بَيْنَ
الرَّجُلَيْنِ فَيَعْتِقُ أَحَدُهُمَا قَالَ يَضْمَنُ
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي
عَبْدٍ فَخَلَاصُهُ فِي مَالِهِ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ اسْتَسْعَى الْعَبْدُ
غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَةٍ إِنْ لَمْ
يَكُنْ لَهُ مَالٌ قُوِّمَ عَلَيْهِ الْعَبْدُ قِيمَةَ
عَدْلٍ ثُمَّ يُسْتَسْعَى فِي نَصِيبِ الَّذِي لَمْ
يُعْتَقْ غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي
عِيَاضٌ فِي ذِكْرِ الِاسْتِسْعَاءِ هُنَا خِلَافٌ بَيْنَ
الرواة
(10/135)
قَالَ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ رَوَى هَذَا
الْحَدِيثَ شُعْبَةُ وهشام عن قتادة وهما أَثْبَتُ فَلَمْ
يَذْكُرَا فِيهِ الِاسْتِسْعَاءَ وَوَافَقَهُمَا هَمَّامٌ
فَفَصَلَ الِاسْتِسْعَاءَ مِنَ الْحَدِيثِ فَجَعَلَهُ مِنْ
رَأْيِ أبى قَتَادَةَ قَالَ وَعَلَى هَذَا أَخْرَجَهُ
الْبُخَارِيُّ وَهُوَ الصَّوَابُ قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ
وَسَمِعْتُ أَبَا بَكْرٍ النَّيْسَابُورِيُّ يقول ما أحسن
مارواه هَمَّامٌ وَضَبَطَهُ فَفَصَلَ قَوْلَ قَتَادَةَ
عَنِ الْحَدِيثِ قال القاضي وقال الأصيلى وبن الْقَصَّارِ
وَغَيْرُهُمَا مَنْ أَسْقَطَ السِّعَايَةَ مِنَ الْحَدِيثِ
أَوْلَى مِمَّنْ ذَكَرَهَا لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي
الْأَحَادِيثِ الآخر من رواية بن عمر وقال بن عَبْدِ
الْبَرِّ الَّذِينَ لَمْ يَذْكُرُوا السِّعَايَةَ أَثْبَتُ
مِمَّنْ ذَكَرُوهَا قَالَ غَيْرُهُ وَقَدِ اخْتُلِفَ
فِيهَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ
فَتَارَةً ذَكَرَهَا وَتَارَةً لَمْ يَذْكُرْهَا فَدَلَّ
عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُ مِنْ مَتْنِ الْحَدِيثِ
كَمَا قَالَ غَيْرُهُ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَمَعْنَى
الِاسْتِسْعَاءِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْعَبْدَ
يُكَلَّفُ الِاكْتِسَابَ وَالطَّلَبَ حَتَّى تحصل قِيمَةَ
نَصِيبِ الشَّرِيكِ الْآخَرِ فَإِذَا دَفَعَهَا إِلَيْهِ
عُتِقَ هَكَذَا فَسَّرَهُ جُمْهُورُ الْقَائِلِينَ
بِالِاسْتِسْعَاءِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ أَنْ يَخْدُمَ
سَيِّدَهُ الَّذِي لَمْ يعتق بقدر ماله فِيهِ مِنَ
الرِّقِّ فَعَلَى هَذَا
(10/136)
تَتَّفِقُ الْأَحَادِيثُ
[1503] وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(غَيْرَ مَشْقُوقٍ عَلَيْهِ) أَيْ لَا يُكَلَّفُ مَا
يَشُقُّ عَلَيْهِ وَالشِّقْصُ بِكَسْرِ الشِّينِ
النَّصِيبُ قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا وَيُقَالُ لَهُ
الشَّقِيصُ أَيْضًا بِزِيَادَةِ الْيَاءِ وَيُقَالُ لَهُ
أَيْضًا الشِّرْكُ بِكَسْرِ الشِّينِ وَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ مِنْ عَبْدٍ
مُشْتَرَكٍ قُوِّمَ عَلَيْهِ بَاقِيهِ إِذَا كَانَ
مُوسِرًا بِقِيمَةِ عَدْلٍ سَوَاءٌ كَانَ العبد مسلما أو
كافر أو سَوَاءٌ كَانَ الشَّرِيكُ مُسْلِمًا أَوْ كَافِرًا
وَسَوَاءٌ كَانَ الْعَتِيقُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً وَلَا
خِيَارَ لِلشَّرِيكِ فِي هَذَا وَلَا لِلْعَبْدِ وَلَا
لِلْمُعْتِقِ بَلْ يَنْفُذُ هَذَا الْحُكْمُ وَإِنْ
كَرِهَهُ كُلُّهُمْ مُرَاعَاةً لِحَقِّ اللَّهِ تَعَالَى
فِي الْحُرِّيَّةِ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ
نَصِيبَ الْمُعْتِقِ يُعْتَقُ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ
إِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ رَبِيعَةَ أَنَّهُ
قَالَ لَا يُعْتَقُ نَصِيبُ الْمُعْتِقِ مُوسِرًا كَانَ
أَوْ مُعْسِرًا وَهَذَا مَذْهَبٌ بَاطِلٌ مُخَالِفٌ
لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ كُلِّهَا وَالْإِجْمَاعِ
وَأَمَّا نَصِيبُ الشَّرِيكِ فَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهِ
إِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ مُوسِرًا عَلَى سِتَّةِ مَذَاهِبَ
أَحَدُهَا وَهُوَ الصَّحِيحُ في مذهب الشافعى وبه قال بن
شبرمة والاوزاعى والثورى وبن أَبِي لَيْلَى وَأَبُو
يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ وَأَحْمَدُ بْنُ
حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ أَنَّهُ
عُتِقَ بِنَفْسِ الْإِعْتَاقِ وَيُقَوَّمُ عَلَيْهِ
نَصِيبُ شَرِيكِهِ بِقِيمَتِهِ يَوْمَ الْإِعْتَاقِ
وَيَكُونُ وَلَاءُ جَمِيعِهِ لِلْمُعْتِقِ وَحُكْمُهُ مِنْ
حِينِ الْإِعْتَاقِ حُكْمُ
(10/137)
الْأَحْرَارِ فِي الْمِيرَاثِ وَغَيْرِهِ
وَلَيْسَ لِلشَّرِيكِ إِلَّا الْمُطَالَبَةُ بِقِيمَةِ
نَصِيبِهِ كَمَا لَوْ قَتَلَهُ قَالَ هَؤُلَاءِ وَلَوْ
أُعْسِرَ الْمُعْتِقُ بَعْدَ ذَلِكَ اسْتَمَرَّ نُفُوذُ
الْعِتْقِ وَكَانَتِ الْقِيمَةُ دَيْنًا فِي ذِمَّتِهِ
وَلَوْ مَاتَ أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَتِهِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ
لَهُ تَرِكَةٌ ضَاعَتِ الْقِيمَةُ وَاسْتَمَرَّ عِتْقُ
جَمِيعِهِ قَالُوا وَلَوْ أَعْتَقَ الشَّرِيكُ نَصِيبَهُ
بَعْدَ إِعْتَاقِ الْأَوَّلِ نَصِيبَهُ كَانَ إِعْتَاقُهُ
لَغْوًا لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ كُلُّهُ حُرًّا
وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي أَنَّهُ لَا يُعْتَقُ إِلَّا
بِدَفْعِ الْقِيمَةِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ
مَالِكٍ وَبِهِ قَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ وهو قول الشافعى
والثالث مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ لِلشَّرِيكِ الْخِيَارُ
إِنْ شَاءَ اسْتَسْعَى الْعَبْدَ فِي نِصْفِ قِيمَتِهِ
وَإِنْ شَاءَ أَعْتَقَ نَصِيبَهُ وَالْوَلَاءُ بَيْنَهُمَا
وَإِنْ شَاءَ قَوَّمَ نَصِيبَهُ عَلَى شَرِيكِهِ
الْمُعْتِقِ ثُمَّ يَرْجِعُ الْمُعْتِقُ بِمَا دَفَعَ
إِلَى شَرِيكِهِ عَلَى الْعَبْدِ يَسْتَسْعِيهِ فِي ذَلِكَ
وَالْوَلَاءُ كُلُّهُ لِلْمُعْتِقِ قَالَ وَالْعَبْدُ فِي
مُدَّةِ الْكِتَابَةِ بِمَنْزِلَةِ الْمُكَاتَبِ فِي كُلِّ
أحكامه الرابع مذهب عثمان البتى لا شئ عَلَى الْمُعْتِقِ
إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَارِيَةً رَائِعَةً تُرَادُ
لِلْوَطْءِ فَيَضْمَنُ مَا أَدْخَلَ عَلَى شَرِيكِهِ فيها
من الضرر الخامس حكاه بن سِيرِينَ أَنَّ الْقِيمَةَ فِي
بَيْتِ الْمَالِ السَّادِسُ مَحْكِيٌّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ
رَاهَوَيْهِ أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ لِلْعَبِيدِ دُونَ
الْإِمَاءِ وَهَذَا الْقَوْلُ شَاذٌّ مُخَالِفٌ
لِلْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَالْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ
قَبْلَهُ فَاسِدَةٌ مُخَالِفَةٌ لِصَرِيحِ الْأَحَادِيثِ
فَهِيَ مَرْدُودَةٌ عَلَى قَائِلِيهَا هَذَا كُلُّهُ
فِيمَا إِذَا كَانَ الْمُعْتِقُ لِنَصِيبِهِ مُوسِرًا
فَأَمَّا إِذَا كَانَ مُعْسِرًا حَالَ الْإِعْتَاقِ
فَفِيهِ أَرْبَعَةُ مَذَاهِبَ أَحَدُهَا مَذْهَبُ مَالِكٍ
وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَأَبِي عُبَيْدٍ
وَمُوَافِقِيهِمْ يَنْفُذُ الْعِتْقُ فِي نصيب المعتق فقط
ولا يطالب المعتق بشئ وَلَا يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ بَلْ
يَبْقَى نَصِيبُ الشَّرِيكِ رَقِيقًا كَمَا كَانَ
وَبِهَذَا قَالَ جُمْهُورُ عُلَمَاءِ الحجاز لحديث بن عمر
المذهب الثانى مذهب بن شبرمة والاوزاعى وأبى حنيفة وبن
أَبِي لَيْلَى وَسَائِرِ الْكُوفِيِّينَ وَإِسْحَاقَ
يُسْتَسْعَى الْعَبْدُ فِي حِصَّةِ الشَّرِيكِ وَاخْتَلَفَ
هَؤُلَاءِ فِي رُجُوعِ الْعَبْدِ بِمَا أَدَّى فِي
سِعَايَتِهِ عَلَى مُعْتِقِهِ فقال بن أَبِي لَيْلَى
يَرْجِعُ بِهِ عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
وَصَاحِبَاهُ لَا يَرْجِعُ ثُمَّ هُوَ عِنْدَ أَبِي
حَنِيفَةَ فِي مُدَّةِ السِّعَايَةِ بِمَنْزِلَةِ
الْمُكَاتَبِ وَعِنْدَ الْآخَرِينَ هُوَ حُرٌّ
بِالسِّرَايَةِ الْمَذْهَبُ الثَّالِثُ مَذْهَبُ زُفَرَ
وَبَعْضِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّهُ يُقَوَّمُ عَلَى
الْمُعْتِقِ وَيُؤَدِّي الْقِيمَةَ إِذَا أَيْسَرَ
الرَّابِعُ حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ
أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْمُعْتِقُ مُعْسِرًا بَطَلَ عِتْقُهُ
فِي نَصِيبِهِ أَيْضًا فيبقى العبد كله رقيقا كما كان وهذا
مذهب باطل أما اذا ملك الانسان عبدا بكماله فأعتق بعضه
فيعتق كُلُّهُ في الْحَالِ بِغَيْرِ اسْتِسْعَاءٍ هَذَا
مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ
وَالْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَانْفَرَدَ أَبُو حَنِيفَةَ
فَقَالَ يُسْتَسْعَى فِي بَقِيَّتِهِ لِمَوْلَاهُ
وَخَالَفَهُ أَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ فَقَالُوا بِقَوْلِ
الْجُمْهُورِ وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ
طَاوُسٍ وَرَبِيعَةَ وَحَمَّادٍ وَرِوَايَةٌ عَنِ
الْحَسَنِ كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَهْلُ
الظَّاهِرِ وَعَنِ الشَّعْبِيِّ وَعُبَيْدِ اللَّهِ بْنَ
الحسن
(10/138)
العنبري أَنَّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُعْتِقَ
مِنْ عَبْدِهِ مَا شاء والله أعلم قال القاضي عياض وقوله
في حديث بن عُمَرَ (وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا
عَتَقَ) ظَاهِرُهُ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مَالِكٌ
وَعُبَيْدُ اللَّهِ الْعُمَرِيُّ فَوَصَلَاهُ بِكَلَامِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَعَلَاهُ
مِنْهُ وَرَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ فقال نَافِعٌ
وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ فَفَصَلَهُ مِنَ
الْحَدِيثِ وَجَعَلَهُ مِنْ قَوْلِ نَافِعٍ وَقَالَ
أَيُّوبُ مَرَّةً لَا أَدْرِي هُوَ مِنَ الْحَدِيثِ أَمْ
هُوَ شَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ وَلِهَذِهِ الرواية قال بن
وَضَّاحٍ لَيْسَ هَذَا مِنْ كَلَامِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ الْقَاضِي وَمَا قَالَهُ
مالك وعبيد الله العمرى أولى وقد وجده وَهُمَا فِي نَافِعٍ
أَثْبَتُ مِنْ أَيُّوبَ عِنْدَ أَهْلِ هَذَا الشَّأْنِ
كَيْفَ وَقَدْ شَكَّ أَيُّوبُ فيه كمنا ذَكَرْنَاهُ قَالَ
وَقَدْ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ عَنْ نَافِعٍ وَقَالَ
فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَإِلَّا فَقَدْ جَازَ مَا صَنَعَ
فَأَتَى بِهِ عَلَى الْمَعْنَى قَالَ وَهَذَا كُلُّهُ
يَرُدُّ قَوْلَ مَنْ قَالَ بِالِاسْتِسْعَاءِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(قِيمَةُ عَدْلٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ لَا زِيَادَةَ
وَلَا نَقْصَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب بَيَانِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ أَعْتَقَ فِيهِ
حَدِيثُ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ بَرِيرَةَ وَأَنَّهَا
كَانَتْ مُكَاتَبَةً فَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ
وَأَعْتَقَتْهَا وَأَنَّهُمْ شَرَطُوا وَلَاءَهَا
[1504] وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ) وَهُوَ
حَدِيثٌ عَظِيمٌ كَثِيرُ الْأَحْكَامِ وَالْقَوَاعِدِ
وَفِيهِ مَوَاضِعُ تَشَعَّبَتْ فِيهَا الْمَذَاهِبُ
أَحَدُهَا أَنَّهَا كَانَتْ مُكَاتَبَةً وَبَاعَهَا
الْمَوَالِي وَاشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ وَأَقَرَّ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْعَهَا
فَاحْتَجَّ بِهِ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ
يَجُوزُ بَيْعُ الْمُكَاتَبِ وَمِمَّنْ جَوَّزَهُ عَطَاءٌ
وَالنَّخَعِيُّ وأحمد ومالك وفي رواية عنه وقال بن
مَسْعُودٍ وَرَبِيعَةُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ
وَبَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ ومالك في رواية عنه لا يجور
بَيْعُهُ وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ يَجُوزُ بَيْعُهُ
لِلْعِتْقِ لَا لِلِاسْتِخْدَامِ وَأَجَابَ مَنْ أَبْطَلَ
بَيْعَهُ عَنْ حَدِيثِ بَرِيرَةَ بِأَنَّهَا عَجَّزَتْ
نَفْسَهَا وَفَسَخُوا الْكِتَابَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
الْمَوْضِعُ)
(10/139)
الثَّانِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اشْتَرِيهَا وَاعْتِقِيهَا
وَاشْتَرِطِي لَهُمُ الْوَلَاءَ فَإِنَّ الْوَلَاءَ لِمَنْ
أَعْتَقَ) وَهَذَا مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ إِنَّهَا
اشْتَرَتْهَا وَشَرَطَتْ لَهُمُ الْوَلَاءَ وَهَذَا
الشَّرْطُ يُفْسِدُ الْبَيْعَ وَمِنْ حَيْثُ إِنَّهَا
خَدَعَتِ الْبَائِعِينَ وَشَرَطَتْ لَهُمْ مالا يَصِحُّ
وَلَا يَحْصُلُ لَهُمْ وَكَيْفَ أَذِنَ لِعَائِشَةَ فِي
هَذَا وَلِهَذَا الْإِشْكَالِ أَنْكَرَ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ هَذَا الْحَدِيثَ بِجُمْلَتِهِ وَهَذَا
مَنْقُولٌ عَنْ يَحْيَى بن أكثم واستدل بسقوط هذه
اللَّفْظَةِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ وَقَالَ
جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ هَذِهِ اللَّفْظَةُ صَحِيحَةٌ
وَاخْتَلَفُوا فِي تَأْوِيلِهَا فقال بعضهم بَعْضُهُمْ
قَوْلُهُ اشْتَرِطِي لَهُمْ أَيْ عَلَيْهِمْ كَمَا قَالَ
تَعَالَى لَهُمُ اللَّعْنَةُ بِمَعْنَى عَلَيْهِمْ وَقَالَ
تَعَالَى إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ
وَإِنْ أَسَأْتُمْ فلها أَيْ فَعَلَيْهَا وَهَذَا
مَنْقُولٌ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْمُزَنِيِّ وَقَالَهُ
غَيْرُهُمَا أَيْضًا وَهُوَ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْكَرَ عَلَيْهِمُ
الِاشْتِرَاطَ وَلَوْ كَانَ كَمَا قَالَهُ صَاحِبُ هَذَا
التَّأْوِيلِ لَمْ يُنْكِرْهُ وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذَا
بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا
أَنْكَرَ مَا أَرَادُوا اشْتِرَاطَهُ فِي أَوَّلِ
الْأَمْرِ وَقِيلَ مَعْنَى اشْتَرِطِي لهم الولاء أظهرى
لهم حكم الولاء وقيل المراد الزجر والتوبيخ لهم لأنه صلى
الله عليه وسلم كان بين لَهُمْ حُكْمَ الْوَلَاءِ وَأَنَّ
هَذَا الشَّرْطَ لَا يحل فلما ألحول فِي اشْتِرَاطِهِ
وَمُخَالَفَةِ الْأَمْرِ قَالَ لِعَائِشَةَ هَذَا بمعنى لا
تبالى سواء شركته أَمْ لَا فَإِنَّهُ شَرْطٌ بَاطِلٌ
مَرْدُودٌ لِأَنَّهُ قَدْ سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ لَهُمْ
فَعَلَى هَذَا بمعنى لَا تَكُونُ لَفْظَةُ اشْتَرِطِي
هُنَا لِلْإِبَاحَةِ وَالْأَصَحُّ فِي تَأْوِيلِ
الْحَدِيثِ مَا قَالَ أَصْحَابُنَا فِي كُتُبِ الْفِقْهِ
إِنَّ هَذَا الشَّرْطَ خَاصٌّ فِي قِصَّةِ عَائِشَةَ
وَاحْتَمَلَ هَذَا الْإِذْنَ وَإِبْطَالَهُ فِي هذه القصة
الخاصة وهي قصية عَيْنٍ لَا عُمُومَ لَهَا قَالُوا
وَالْحِكْمَةُ فِي إِذْنِهِ ثُمَّ إِبْطَالِهِ أَنْ
يَكُونَ أَبْلَغَ فِي قطع عادتهم في ذلك وزجرهم عن
مِثْلِهِ كَمَا أَذِنَ لَهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ فِي حَجَّةِ
الْوَدَاعِ ثُمَّ أَمَرَهُمْ بِفَسْخِهِ وَجَعْلِهِ
عُمْرَةً بَعْدَ أَنْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ وَإِنَّمَا
فَعَلَ ذَلِكَ لِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي زَجْرِهِمْ
وَقَطْعِهِمْ عَمَّا اعْتَادُوهُ مِنْ مَنْعِ الْعُمْرَةِ
فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَقَدْ تُحْتَمَلُ الْمَفْسَدَةُ
الْيَسِيرَةُ لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ عَظِيمَةٍ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ الْمَوْضِعُ الثَّالِثُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى ثُبُوتِ الْوَلَاءِ
لِمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ عَنْ نَفْسِهِ
وَأَنَّهُ يَرِثُ بِهِ وَأَمَّا الْعَتِيقُ فَلَا يَرِثُ
سَيِّدَهُ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ
التَّابِعِينَ يَرِثُهُ كَعَكْسِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا وَلَاءَ لِمَنْ أُسْلِمَ عَلَى
يَدَيْهِ وَلَا لِمُلْتَقِطٍ وَلَا لِمَنْ حَالَفَ انسانا
على
(10/140)
الْمُنَاصَرَةِ وَبِهَذَا كُلِّهِ قَالَ
مَالِكٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ
وَأَحْمَدُ وَدَاوُدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ قَالُوا
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ مِنْ هَؤُلَاءِ
الْمَذْكُورِينَ وَارِثٌ فَمَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ
وَقَالَ رَبِيعَةُ وَاللَّيْثُ وَأَبُو حَنِيفَةَ
وَأَصْحَابُهُ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى يَدَيْهِ رَجُلٌ
فَوَلَاؤُهُ لَهُ وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ
يَثْبُتُ لِلْمُلْتَقِطِ الْوَلَاءُ عَلَى اللَّقِيطِ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَثْبُتُ الْوَلَاءُ بِالْحِلْفِ
وَيَتَوَارَثَانِ بِهِ دَلِيلُ الْجُمْهُورِ حَدِيثُ
إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَفِيهِ دَلِيلٌ
عَلَى أَنَّهُ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدَهُ سَائِبَةً أَيْ على
أن لا وَلَاءَ لَهُ عَلَيْهِ يَكُونُ الشَّرْطُ لَاغِيًا
وَيَثْبُتُ لَهُ الْوَلَاءُ عَلَيْهِ وَهَذَا مَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ وَمُوَافِقِيهِ وَأَنَّهُ لَوْ أَعْتَقَهُ
عَلَى مَالٍ أَوْ بَاعَهُ نَفْسَهُ يَثْبُتُ لَهُ عَلَيْهِ
الْوَلَاءُ وَكَذَا لَوْ كَاتَبَهُ أَوِ اسْتَوْلَدَهَا
وَعُتِقَتْ بِمَوْتِهِ فَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ
يَثْبُتُ الْوَلَاءُ وَيَثْبُتُ الْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِ
عَلَى الْكَافِرِ وَعَكْسِهِ وَإِنْ كَانَا لَا
يَتَوَارَثَانِ فِي الْحَالِ لِعُمُومِ الْحَدِيثِ
الْمَوْضِعُ الرَّابِعُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيَّرَ بَرِيرَةَ فِي فَسْخِ
نِكَاحِهَا وَأَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى أَنَّهَا إِذَا
عُتِقَتْ كُلُّهَا تَحْتَ زَوْجِهَا وَهُوَ عَبْدٌ كَانَ
لَهَا الْخِيَارُ فِي فَسْخِ النِّكَاحِ فَإِنْ كَانَ
حُرًّا فَلَا خِيَارَ لَهَا عِنْدَ مَالِكٍ
وَالشَّافِعِيِّ وَالْجُمْهُورِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ
لَهَا الْخِيَارُ وَاحْتَجَّ بِرِوَايَةِ مَنْ رَوَى
أَنَّهُ كَانَ زَوْجُهَا حُرًّا وَقَدْ ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ
مِنْ رِوَايَةِ شُعْبَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ
الْقَاسِمِ لَكِنْ قَالَ شُعْبَةُ ثُمَّ سَأَلْتُهُ عَنْ
زَوْجِهَا فَقَالَ لَا أَدْرِي وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ
بِأَنَّهَا قَضِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَالرِّوَايَاتُ
الْمَشْهُورَةُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أَنَّ
زَوْجَهَا كَانَ عَبْدًا قَالَ الْحُفَّاظُ وَرِوَايَةُ
مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ حُرًّا غَلَطٌ وَشَاذَّةٌ
مَرْدُودَةٌ لِمُخَالَفَتِهَا الْمَعْرُوفَ فِي رِوَايَاتِ
الثِّقَاتِ وَيُؤَيِّدُهُ أَيْضًا قَوْلُ عَائِشَةَ
قَالَتْ كَانَ عَبْدًا وَلَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ
يُخَيِّرْهَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَفِي هَذَا الْكَلَامِ
دَلِيلَانِ أَحَدُهُمَا إِخْبَارُهَا أَنَّهُ كَانَ
عَبْدًا وَهِيَ صَاحِبَةُ الْقَضِيَّةِ وَالثَّانِي
قَوْلُهَا لَوْ كَانَ حُرًّا لَمْ يُخَيِّرْهَا وَمِثْلُ
هَذَا لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَقُولُهُ إِلَّا تَوْقِيفًا
وَلِأَنَّ الْأَصْلَ فِي النِّكَاحِ اللُّزُومُ وَلَا
طَرِيقَ إِلَى فَسْخِهِ إِلَّا بِالشَّرْعِ وَإِنَّمَا
ثَبَتَ فِي الْعَبْدِ فَبَقِيَ الْحُرُّ عَلَى الْأَصْلِ
وَلِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ وَلَا عَارَ عَلَيْهَا وَهِيَ
حُرَّةٌ فِي الْمُقَامِ تَحْتَ حُرٍّ وَإِنَّمَا يَكُونُ
ذَلِكَ إِذَا قَامَتْ تَحْتَ عَبْدٍ فَأَثْبَتَ لَهَا
الشَّرْعُ الْخِيَارَ فِي الْعَبْدِ لِإِزَالَةِ الضَّرَرِ
بِخِلَافِ الْحُرِّ قَالُوا وَلِأَنَّ رِوَايَةَ هَذَا
الْحَدِيثِ تدور على عائشة وبن عباس فأما بن عَبَّاسٍ
فَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ
عَبْدًا وَأَمَّا عَائِشَةُ فَمُعْظَمُ الرِّوَايَاتِ
عَنْهَا أَيْضًا أَنَّهُ كَانَ عَبْدًا فَوَجَبَ
تَرْجِيحُهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ الموضع الخامس قوله
(10/141)
أَدَّى الثُّلُثَ وَعَنْ عَطَاءٍ مِثْلُهُ
إِذَا أَدَّى ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ الْمَالِ التَّاسِعَةُ
أَنَّ الْكِتَابَةَ تَكُونُ عَلَى نُجُومٍ لِقَوْلِهِ فِي
بَعْضِ رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ هَذِهِ إِنَّ بَرِيرَةَ
قَالَتْ إِنَّ أَهْلَهَا كَاتَبُوهَا عَلَى تِسْعِ أَوَاقٍ
فِي تِسْعِ سِنِينَ كُلَّ سنة وقية وَمَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا لَا تَجُوزُ عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ
بَلْ لَا بُدَّ مِنْ نَجْمَيْنِ فَصَاعِدًا وَقَالَ
مَالِكٌ وَالْجُمْهُورُ تَجُوزُ عَلَى نُجُومٍ وَتَجُوزُ
عَلَى نَجْمٍ وَاحِدٍ الْعَاشِرَةُ ثُبُوتُ الْخِيَارِ
لِلْأَمَةِ اذا عتقت تحت عبد الحادية عشر تصحيح الشروط
التي دلت عليه أصول الشرع وابطال ما سواها الثانية عشر
جواز الصدقة على موالى قريش الثالثة عشر جواز قبول هدية
الفقير والمعتق الرابعة عشر جواز الصدقة على موالى قريش
الثالثة عشر جواز قبول هدية الفقير والمعتق الرابعة عشر
تَحْرِيمُ الصَّدَقَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهَا وَأَنْتَ لَا
تَأْكُلُ الصَّدَقَةَ وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ كَانَ
تَحْرُمُ عَلَيْهِ صَدَقَةُ الْفَرْضِ بِلَا خِلَافٍ
وَكَذَا صَدَقَةُ التَّطَوُّعِ عَلَى الْأَصَحِّ الخامسة
عشر أَنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحْرُمُ عَلَى قُرَيْشٍ غَيْرَ
بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ لِأَنَّ عَائِشَةَ
قُرَشِيَّةٌ وَقَبِلَتْ ذَلِكَ اللَّحْمَ مِنْ بَرِيرَةَ
عَلَى أَنَّ له حكم الصدقة وإنما حَلَالٌ لَهَا دُونَ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ
يُنْكِرْ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
هذا الاعتقاد السادسة عشر جَوَازُ سُؤَالِ الرَّجُلِ
عَمَّا يَرَاهُ فِي بَيْتِهِ وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا
لِمَا فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ فِي قَوْلِهِا وَلَا
يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ لِأَنَّ مَعْنَاهُ لَا يَسْأَلُ
عَنْ شَيْءٍ عَهِدَهُ وَفَاتَ فَلَا يَسْأَلُ أَيْنَ
ذَهَبَ وَأَمَّا هُنَا فَكَانَتِ الْبُرْمَةُ وَاللَّحْمُ
فِيهَا مَوْجُودَيْنِ حَاضِرَيْنِ فَسَأَلَهُمُ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَمَّا فِيهَا
لِيُبَيِّنَ لَهُمْ حُكْمَهُ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ
لَا يَتْرُكُونَ إِحْضَارَهُ لَهُ شُحًّا عَلَيْهِ بِهِ
بَلْ لِتَوَهُّمِهِمْ تَحْرِيمَهُ عَلَيْهِ فَأَرَادَ
بَيَانَ ذَلِكَ لَهُمْ السابعة عشر جواز السجع اذ لَمْ
يُتَكَلَّفْ وَإِنَّمَا نَهَى عَنْ سَجْعِ الْكُهَّانِ
ونحوه مما فيه تكلف الثامنة عشر اعانة المكاتب في كتابته
التاسعة عشر جَوَازُ تَصَرُّفِ الْمَرْأَةِ فِي مَالِهَا
بِالشِّرَاءِ وَالْإِعْتَاقِ وَغَيْرِهِ إِذَا كَانَتْ
رَشِيدَةً الْعِشْرُونَ أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ
الْمُزَوَّجَةِ لَيْسَ بِطَلَاقٍ وَلَا يَنْفَسِخُ بِهِ
النِّكَاحُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقَالَ
سَعِيدُ بن المسيب هو طلاق وعن بن عَبَّاسٍ أَنَّهُ
يَنْفَسِخُ النِّكَاحُ وَحَدِيثُ بَرِيرَةَ يَرُدُّ
الْمَذْهَبَيْنِ لِأَنَّهَا خُيِّرَتْ فِي بَقَائِهَا
مَعَهُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ جَوَازُ اكْتِسَابِ
الْمُكَاتَبِ بِالسُّؤَالِ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ
احْتِمَالُ أَخَفِّ الْمَفْسَدَتَيْنِ لِدَفْعِ
أَعْظَمِهِمَا وَاحْتِمَالِ مَفْسَدَةٍ يَسِيرَةٍ
لِتَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ عَظِيمَةٍ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ
فِي تَأْوِيلِ شَرْطِ الْوَلَاءِ لَهُمْ الثَّالِثَةُ
وَالْعِشْرُونَ جَوَازُ الشَّفَاعَةِ مِنَ الْحَاكِمِ
إِلَى الْمَحْكُومِ لَهُ لِلْمَحْكُومِ عَلَيْهِ وَجَوَازُ
(10/143)
الشَّفَاعَةِ إِلَى الْمَرْأَةِ فِي
الْبَقَاءِ مَعَ زَوْجِهَا الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ
لَهَا الْفَسْخُ بِعِتْقِهَا وَإِنْ تَضَرَّرَ الزَّوْجُ
بِذَلِكَ لِشِدَّةِ حُبِّهِ إِيَّاهَا لِأَنَّهُ كَانَ
يَبْكِي عَلَى بَرِيرَةَ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ
جَوَازُ خِدْمَةِ الْعَتِيقِ لِمُعْتِقِهِ بِرِضَاهُ
السَّادِسَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ
لِلْإِمَامِ عِنْدَ وُقُوعِ بِدْعَةٍ أَوْ أَمْرٍ
يُحْتَاجُ إِلَى بَيَانِهِ أَنْ يَخْطُبَ النَّاسَ
وَيُبَيِّنَ لَهُمْ حُكْمَ ذَلِكَ وَيُنْكِرَ عَلَى مَنِ
ارْتَكَبَ مَا يُخَالِفُ الشَّرْعَ السَّابِعَةُ
وَالْعِشْرُونَ اسْتِعْمَالُ الْأَدَبِ وَحُسْنِ
الْعِشْرَةِ وَجَمِيلِ الْمَوْعِظَةِ كَقَوْلِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا بَالُ أقوالم
يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ
وَلَمْ يُوَاجِهْ صَاحِبَ الشَّرْطِ بِعَيْنِهِ لِأَنَّ
الْمَقْصُودَ يَحْصُلُ لَهُ وَلِغَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ
فَضِيحَةٍ وَشَنَاعَةٍ عَلَيْهِ الثَّامِنَةُ
وَالْعِشْرُونَ أَنَّ الْخُطَبَ تَبْدَأُ بِحَمْدِ اللَّهِ
تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ
التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي
الْخُطْبَةِ أَنْ يَقُولَ بعد الحمد اللَّهِ تَعَالَى
وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالصَّلَاةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّا بَعْدُ وَقَدْ
تَكَرَّرَ هَذَا فِي خُطَبِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَبَقَ بَيَانُهُ فِي مَوَاضِعَ
الثَّلَاثُونَ التَّغْلِيظُ فِي إِزَالَةِ الْمُنْكَرِ
وَالْمُبَالَغَةُ فِي تَقْبِيحِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (شَرْطُ
اللَّهِ أَحَقُّ) قِيلَ الْمُرَادُ بِهِ قوله تعالى
فإخوانكم في الدين ومواليكم وقوله تعالى وما آتاكم الرسول
فخذوه الْآيَةُ قَالَ الْقَاضِي وَعِنْدِي أَنَّهُ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا
الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ قوله (قالوا ان شاءت ان
تَحْتَسِبُ عَلَيْكِ فَلْتَفْعَلْ) مَعْنَاهُ إِنْ
أَرَادَتِ الثَّوَابَ عند الله وأن لا يَكُونَ لَهَا
وَلَاءٌ فَلْتَفْعَلْ قَوْلُهَا (فِي كُلِّ عام
(10/144)
أُوقِيَّةٌ) وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ
الْأُولَى فِي بَعْضِ النُّسَخِ وُقِيَّةٌ وَفِي بَعْضِهَا
أُوقِيَّةٌ بِالْأَلِفِ وَأَمَّا الرِّوَايَةُ
الثَّانِيَةُ فَوُقِيَّةٌ بِغَيْرِ أَلِفٍ بِاتِّفَاقِ
النُّسَخِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَهُمَا لُغَتَانِ
إِثْبَاتُ الْأَلِفِ أَفْصَحُ وَالْأُوقِيَّةُ
الْحِجَازِيَّةُ أَرْبَعُونَ دِرْهَمًا قَوْلُهَا
(فَانْتَهَرَتْهَا فَقَالَتْ لاها الله ذلك) وفي بعض النسخ
لا هاء اللَّهِ إِذَا هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ وَفِي
رِوَايَاتِ الْمُحَدِّثِينَ لَاهَاءَ اللَّهِ إِذَا
بِمَدِّ قَوْلِهِ هَاءَ وَبِالْأَلِفِ فِي إِذَا قَالَ
الْمَازِرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ
هَذَانِ لَحْنَانِ وَصَوَابُهُ لَاهَا اللَّهِ ذَا
بِالْقَصْرِ فِي هَا وَحَذْفِ الْأَلِفِ من اذا قالوا وما
سواه خطأ قالوا وَمَعْنَاهُ ذَا يَمِينِي وَكَذَا قَالَ
الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ أَنَّ الصَّوَابَ لَاهَا
اللَّهِ ذَا بِحَذْفِ الْأَلِفِ وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ
النَّحْوِيُّ وَغَيْرُهُ يَجُوزُ الْقَصْرُ وَالْمَدُّ فِي
هَا وَكُلُّهُمْ يُنْكِرُونَ الْأَلِفَ فِي إِذَا
وَيَقُولُونَ صَوَابُهُ ذَا قَالُوا وَلَيْسَتِ الْأَلِفُ
مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ
السِّجِسْتَانِيُّ جاء في القسم لا هاء اللَّهِ قَالَ
وَالْعَرَبُ تَقُولُهُ بِالْهَمْزَةِ وَالْقِيَاسُ
تَرْكُهُ قَالَ وَمَعْنَاهُ لَا وَاللَّهِ هَذَا مَا
أُقْسِمُ بِهِ فَأَدْخَلَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى بَيْنَ
هَا وَذَا وَاسْمُ زَوْجِ بَرِيرَةَ مُغِيثٌ بِضَمِّ
الْمِيمِ والله أعلم
(10/145)
(باب النهى عن
بيع الولاء وهبته)
[1506] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ
وَهِبَتِهِ) فِيهِ تَحْرِيمُ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَهِبَتِهِ
وَأَنَّهُمَا لَا يَصِحَّانِ وَأَنَّهُ لَا يَنْتَقِلُ
الْوَلَاءُ عَنْ مُسْتَحَقِّهِ بَلْ هُوَ لُحْمَةٌ
كَلُحْمَةِ النَّسَبِ وَبِهَذَا قَالَ جَمَاهِيرُ
الْعُلَمَاءِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ وَأَجَازَ بَعْضُ
السَّلَفِ نَقْلَهُ وَلَعَلَّهُمْ لَمْ يَبْلُغْهُمُ
الْحَدِيثُ
(10/148)
(بَاب تَحْرِيمِ تَوَلِّي الْعَتِيقِ
غَيْرَ مَوَالِيهِ فِيهِ نَهْيُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنْ يَتَوَلَّى الْعَتِيقُ غَيْرَ مَوَالِيهِ
وَأَنَّهُ لَعَنَ فَاعِلَ ذَلِكَ وَمَعْنَاهُ أَنْ
يَنْتَمِيَ الْعَتِيقُ إِلَى وَلَاءِ غَيْرِ مُعْتِقِهِ
وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْوِيتِهِ حَقِّ الْمُنْعِمِ عَلَيْهِ
لِأَنَّ الْوَلَاءَ كَالنَّسَبِ فَيَحْرُمُ تَضْيِيعُهُ
كَمَا يَحْرُمُ تَضْيِيعُ النَّسَبِ وَانْتِسَابُ
الْإِنْسَانِ إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ تَوَلَّى قَوْمًا
بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ) فَقَدِ احْتَجَّ بِهِ قَوْمٌ
عَلَى جَوَازِ التَّوَلِّي بِإِذْنِ مَوَالِيهِ
وَالصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ لَا
يَجُوزُ وَإِنْ أَذِنُوا كَمَا لَا يَجُوزُ الِانْتِسَابُ
إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَإِنْ أَذِنَ أَبُوهُ فِيهِ
وَحَمَلُوا التَّقْيِيدَ فِي الْحَدِيثِ عَلَى الْغَالِبِ
لِأَنَّ غَالِبَ مَا يَقَعُ هَذَا بِغَيْرِ إِذْنِ
الْمَوَالِي فَلَا يَكُونُ لَهُ مَفْهُومٌ يُعْمَلُ بِهِ
وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم
وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ
إِمْلَاقٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي قَيَّدَ
فِيهَا بِالْغَالِبِ وَلَيْسَ لَهَا مَفْهُومٌ يُعْمَلُ
بِهِ
[1507] قَوْلُهُ (كَتَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ بَطْنٍ عُقُولَهُ) هُوَ
بِضَمِّ الْعَيْنِ وَالْقَافِ وَنَصْبِ اللَّامِ مَفْعُولُ
كَتَبَ)
(10/149)
وَالْهَاءُ ضَمِيرُ الْبَطْنِ وَالْعُقُولُ
الدِّيَاتُ وَاحِدُهَا عَقْلٌ كفلس وفلوس ومهناه أَنَّ
الدِّيَةَ فِي قَتْلِ الْخَطَأِ وَعَمْدِ الْخَطَأِ تجب
على العاقلة وهم العصبات سَوَاءٌ الْآبَاءُ وَالْأَبْنَاءُ
وَإِنْ عَلَوْا أَوْ سَفُلُوا وَأَمَّا حَدِيثُ عَلِيٍّ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الصَّحِيفَةِ وَأَنَّ
الْمَدِينَةَ حَرَمٌ إِلَى آخِرِهِ فَسَبَقَ شرحه واضحا
(10/150)
(بَاب فَضْلِ الْعِتْقِ قَوْلُهُ (دَاوُدُ
بْنُ رُشَيْدٍ) بِضَمِّ الرَّاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً أَعْتَقَ
اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْ أَعْضَائِهِ
مِنَ النَّارِ حَتَّى فَرْجَهُ بِفَرْجِهِ) وَفِي
رِوَايَةٍ مَنْ أَعْتَقَ رَقَبَةً مُؤْمِنَةً أَعْتَقَ
اللَّهُ بِكُلِّ إِرْبٍ مِنْهَا إِرْبًا مِنْهُ مِنَ
النَّارِ الْإِرْبُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ
الرَّاءِ هُوَ الْعُضْوُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَكَسْرِهَا
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ فَضْلِ الْعِتْقِ
وَأَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَمِمَّا يَحْصُلُ
بِهِ الْعِتْقُ مِنَ النَّارِ وَدُخُولُ الْجَنَّةِ
وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ عِتْقِ كَامِلِ الْأَعْضَاءِ فَلَا
يَكُونُ خَصِيًّا وَلَا فَاقِدَ غَيْرِهِ مِنَ
الْأَعْضَاءِ وَفِي الْخَصِيِّ وَغَيْرِهِ أَيْضًا
الْفَضْلُ الْعَظِيمُ لَكِنِ الْكَامِلُ أَوْلَى
وَأَفْضَلُهُ أَعْلَاهُ ثَمَنًا وَأَنْفَسُهُ كَمَا سَبَقَ
بَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ
فِي حَدِيثِ أَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ وَقَدْ رَوَى أَبُو
دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمْ
عَنْ سَالِمِ بْنِ أَبِي الْجَعْدِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ
وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ
عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّهُ قَالَ أَيُّمَا امْرِئٍ مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأً
مُسْلِمًا كَانَ فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ يَجْزِي كُلُّ
عُضْوٍ مِنْهَا عُضْوًا مِنْهُ وَأَيُّمَا امْرِئٍ
مُسْلِمٍ أَعْتَقَ امْرَأَتَيْنِ مُسْلِمَتَيْنِ كَانَتَا
فِكَاكَهُ مِنَ النَّارِ يجزى كل عضو منهما عُضْوًا مِنْهُ
وَأَيُّمَا امْرَأَةٍ مُسْلِمَةٍ أَعْتَقَتِ امْرَأَةً
مسلمة كانت فكاكها من النار يجزئ كل عضو منه عُضْوًا
مِنْهَا قَالَ التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح)
(10/151)
قَالَ هُوَ وَغَيْرُهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عِتْقَ الْعَبْدِ أَفْضَلُ مِنْ
عِتْقِ الْأَمَةِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ أَيُّمَا أَفْضَلُ عتق الاناث أم عتق
الذُّكُورِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ الْإِنَاثُ أَفْضَلُ
لِأَنَّهَا إِذَا عُتِقَتْ كَانَ وَلَدُهَا حُرًّا سَوَاءٌ
تَزَوَّجَهَا حُرٌّ أَوْ عَبْدٌ وَقَالَ آخَرُونَ عِتْقُ
الذُّكُورِ أَفْضَلُ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِمَا فِي
الذَّكَرِ مِنَ الْمَعَانِي العامة المنفعة التي لا توجد
في الإنات مِنَ الشَّهَادَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْجِهَادِ
وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَختُصُّ بِالرِّجَالِ إِمَّا
شَرْعًا وَإِمَّا عَادَةً وَلِأَنَّ مِنَ الْإِمَاءِ مَنْ
لَا تَرْغَبُ فِي الْعِتْقِ وَتَضِيعُ بِهِ بِخِلَافِ
الْعَبِيدِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الصَّحِيحُ وَأَمَّا
التَّقْيِيدُ في الرَّقَبَةِ بِكَوْنِهَا مُؤْمِنَةً
فَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْفَضْلَ الْخَاصَّ إِنَّمَا
هُوَ فِي عِتْقِ الْمُؤْمِنَةِ وَأَمَّا غَيْرُ
الْمُؤْمِنَةِ فَفِيهِ أَيْضًا فَضْلٌ بِلَا خِلَافٍ
وَلَكِنْ دُونَ فَضْلِ الْمُؤْمِنَةِ وَلِهَذَا أَجْمَعُوا
عَلَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي عِتْقِ كَفَّارَةِ الْقَتْلِ
كَوْنُهَا مُؤْمِنَةً وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ
مَالِكٍ أَنَّ الْأَعْلَى ثَمَنًا أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَ
كَافِرًا وَخَالَفَهُ غَيْرُ وَاحِدٍ من أصحابه وغيرهم قال
وهذا أصح
(باب فضل عتق الوالد
[1510] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا
يَجْزِي وَلَدٌ وَالِدًا إِلَّا أَنْ يَجِدَهُ مَمْلُوكًا
فَيَشْتَرِيَهِ ويعتقه) يجزى)
(10/152)
بِفَتْحِ أَوَّلِهِ أَيْ لَا يُكَافِئُهُ بِإِحْسَانِهِ
وَقَضَاءِ حَقِّهِ إِلَّا أَنْ يُعْتِقَهُ وَاخْتَلَفُوا
فِي عِتْقِ الْأَقَارِبِ إِذَا مَلَكُوا فَقَالَ أَهْلُ
الظَّاهِرِ لَا يُعْتَقُ أَحَدٌ مِنْهُمْ بِمُجَرَّدِ
الْمِلْكِ سَوَاءٌ الْوَالِدُ والولد وغيرهما بل لابد مِنْ
إِنْشَاءِ عِتْقٍ وَاحْتَجُّوا بِمَفْهُومِ هَذَا
الْحَدِيثِ وَقَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ يَحْصُلُ
الْعِتْقُ فِي الْآبَاءِ والأمهات والأجداد والجدات وإن
علوا وعلون وفي الأبناء والبنات وَأَوْلَادِهِمُ
الذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ وَإِنْ سَفُلُوا بِمُجَرَّدِ
الْمِلْكِ سَوَاءٌ الْمُسْلِمُ وَالْكَافِرُ وَالْقَرِيبُ
وَالْبَعِيدُ وَالْوَارِثُ وَغَيْرُهُ وَمُخْتَصَرُهُ
أَنَّهُ يُعْتَقُ عَمُودُ النَّسَبِ بِكُلِّ حَالٍ
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا وَرَاءَ عَمُودَيِّ النَّسَبِ
فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ لَا يُعْتَقُ
غَيْرُهُمَا بِالْمِلْكِ لَا الْإِخْوَةُ وَلَا غَيْرُهُمْ
وَقَالَ مَالِكٌ يُعْتَقُ الْإِخْوَةُ أَيْضًا وَعَنْهُ
رِوَايَةٌ أَنَّهُ يُعْتَقُ جَمِيعُ ذَوِيِ الْأَرْحَامِ
الْمُحَرَّمَةِ وَرِوَايَةٌ ثَالِثَةٌ كَمَذْهَبِ
الشَّافِعِيِّ وَقَالَ أَبُو حنيفة يعتق جميع ذوى الأرحام
المحرمة وتأويل الْجُمْهُورُ الْحَدِيثَ الْمَذْكُورَ
عَلَى أَنَّهُ لَمَّا تَسَبَّبَ فِي شِرَاءِ الَّذِي
يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ عِتْقُهُ أُضِيفَ العتق إليه والله
أعلم |