شرح النووي على
مسلم (كِتَاب الصَّيْدِ وَالذَّبَائِحِ وَمَا
يُؤْكَلُ مِنْ الْحَيَوَانِ)
(بَاب الصَّيْدِ بِالْكِلَابِ الْمُعَلَّمَةِ)
[1929] قَوْلُهُ (إنِّي أُرْسِلُ كِلَابِي الْمُعَلَّمَةَ
إِلَى آخِرِهِ) مَعَ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِي
الِاصْطِيَادِ فِيهَا كُلِّهَا إِبَاحَةُ الِاصْطِيَادِ
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ وَتَظَاهَرَتْ
عَلَيْهِ دَلَائِلُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
وَالْإِجْمَاعِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هُوَ مُبَاحٌ
لِمَنِ اصْطَادَ لِلِاكْتِسَابِ وَالْحَاجَةِ
وَالِانْتِفَاعِ بِهِ بِالْأَكْلِ وَثَمَنِهِ قَالَ
وَاخْتَلَفُوا فِيمَنِ اصْطَادَ لِلَّهْوِ وَلَكِنْ قَصَدَ
تَذْكِيَتَهُ وَالِانْتِفَاعَ بِهِ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ
وَأَجَازَهُ الليث وبن عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ فَإِنْ
فَعَلَهُ بِغَيْرِ نِيَّةِ التَّذْكِيَةِ فَهُوَ حَرَامٌ
لِأَنَّهُ فَسَادٌ فِي الْأَرْضِ وَإِتْلَافُ نَفْسٍ
عَبَثًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ وَذَكَرْتَ اسْمَ
اللَّهِ فَكُلْ قُلْتُ وَإِنْ قَتَلْنَ قَالَ وَإِنْ
قَتَلْنَ مَا لَمْ يُشْرِكْهَا كَلْبٌ لَيْسَ مَعَهَا)
وَفِي رِوَايَةٍ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ
وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى غَيْرِهِ فِي هَذَا الْأَمْرِ
بِالتَّسْمِيَةِ عَلَى إِرْسَالِ الصَّيْدِ وَقَدْ
أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى التَّسْمِيَةِ عِنْدَ
الْإِرْسَالِ عَلَى الصَّيْدِ وَعِنْدَ الذَّبْحِ
وَالنَّحْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ أَمْ
سُنَّةٌ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ أَنَّهَا
سُنَّةٌ فَلَوْ تَرَكَهَا سَهْوًا أَوْ عَمْدًا حَلَّ
الصَّيْدُ وَالذَّبِيحَةُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ مَالِكٍ
وَأَحْمَدَ وَقَالَ أَهْلُ الظَّاهِرِ إِنْ تَرَكَهَا
عَمْدًا أَوْ سَهْوًا لَمْ يَحِلَّ وَهُوَ الصَّحِيحُ عَنْ
أَحْمَدَ فِي صَيْدِ الجوارح وهو مروى عن بن سِيرِينَ
وَأَبِي ثَوْرٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ
وَالثَّوْرِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ إِنْ تَرَكَهَا
سَهْوًا حَلَّتِ الذَّبِيحَةُ وَالصَّيْدُ وَإِنْ
تَرَكَهَا عَمْدًا
(13/73)
فَلَا وَعَلَى مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا
يُكْرَهُ تَرْكُهَا وَقِيلَ لَا يُكْرَهُ بَلْ هُوَ
خِلَافُ الْأَوْلَى وَالصَّحِيحُ الْكَرَاهَةُ وَاحْتَجَّ
مَنْ أَوْجَبَهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا
مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وانه لفسق
وَبِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا
بِقَوْلِهِ تَعَالَى حُرِّمَتْ عليكم الميتة إلى قوله إلا
ما ذكيتم فَأَبَاحَ بِالتَّذْكِيَةِ مِنْ غَيْرِ
اشْتِرَاطِ التَّسْمِيَةِ وَلَا وُجُوبِهَا فَإِنْ قِيلَ
التَّذْكِيَةُ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالتَّسْمِيَةِ قُلْنَا
هِيَ فِي اللُّغَةِ الشَّقُّ وَالْفَتْحُ وَبِقَوْلِهِ
تَعَالَى وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ
لكم وَهُمْ لَا يُسَمُّونَ وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ
أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ قَوْمًا
حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِالْجَاهِلِيَّةِ يَأْتُونَا
بِلُحْمَانٍ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ أَمْ
لَمْ يَذْكُرُوا فَنَأْكُلُ مِنْهَا فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمُّوا
وَكُلُوا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فَهَذِهِ التَّسْمِيَةُ
هِيَ الْمَأْمُورُ بِهَا عِنْدَ أَكْلِ كُلِّ طَعَامٍ
وَشُرْبِ كُلِّ شَرَابٍ وَأَجَابُوا عَنْ قَوْلِهِ
تَعَالَى وَلَا تَأْكُلُوا مما لم يذكر اسم الله عليه
أَنَّ الْمُرَادَ مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ كَمَا قَالَ
تَعَالَى فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى وَمَا ذُبِحَ عَلَى
النصب وما أهل به لغير الله ولأن الله تعالى قال وانه لفسق
وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَنْ أَكَلَ
مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ لَيْسَ بِفَاسِقٍ فَوَجَبَ
حَمْلُهَا عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ لِيُجْمَعَ بَيْنَهَا
وَبَيْنَ الْآيَاتِ السَّابِقَاتِ وَحَدِيثِ عَائِشَةَ
وَحَمَلَهَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَلَى كَرَاهَةِ
التَّنْزِيهِ وَأَجَابُوا عَنِ الْأَحَادِيثِ فِي
التَّسْمِيَةِ أَنَّهَا لِلِاسْتِحْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ
الْمُعَلَّمَ) فِي إِطْلَاقِهِ دَلِيلٌ لِإِبَاحَةِ
الصَّيْدِ بِجَمِيعِ الْكِلَابِ الْمُعَلَّمَةِ مِنَ
الْأُسُودِ وَغَيْرِهِ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ
وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاهِيرُ
الْعُلَمَاءِ وقال الحسن البصرى والنخعى وقتادة وأحمد
واسحق لَا يَحِلُّ صَيْدُ الْكَلْبِ الْأَسْوَدِ لِأَنَّهُ
شَيْطَانٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ الْمُعَلَّمَ) فِيهِ أَنَّهُ
يُشْتَرَطُ فِي حِلِّ مَا قَتَلَهُ الْكَلْبُ الْمُرْسَلُ
كَوْنُهُ كَلْبًا مُعَلَّمًا وَأَنَّهُ يُشْتَرَطُ
الْإِرْسَالُ فَلَوْ أَرْسَلَ غَيْرَ مُعَلَّمٍ أَوِ
اسْتُرْسِلَ الْمُعَلَّمُ بِلَا إِرْسَالٍ لَمْ يَحِلَّ
مَا قَتَلَهُ فَأَمَّا غَيْرُ الْمُعَلَّمِ فَمُجْمَعٌ
عَلَيْهِ وَأَمَّا الْمُعَلَّمُ إِذَا اسْتُرْسِلَ فَلَا
يَحِلُّ مَا قَتَلَهُ عِنْدَنَا وَعِنْدَ الْعُلَمَاءِ
كَافَّةً إِلَّا مَا حُكِيَ عَنِ الْأَصَمِّ مِنْ
إِبَاحَتِهِ وَإِلَّا مَا حكاه بن الْمُنْذِرِ عَنْ
عَطَاءٍ وَالْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ يَحِلُّ إِنْ كَانَ
صَاحِبُهُ أَخْرَجَهُ لِلِاصْطِيَادِ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا لَمْ يُشْرِكْهَا كَلْبٌ
لَيْسَ مَعَهَا) فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ
إِذَا شَارَكَهُ كَلْبٌ آخَرُ وَالْمُرَادُ كَلْبٌ آخَرٌ
اسْتَرْسَلَ بِنَفْسِهِ أَوْ أَرْسَلَهُ مَنْ لَيْسَ هُوَ
مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ أَوْ شَكَكْنَا فِي ذَلِكَ فَلَا
يَحِلُّ أَكْلُهُ فِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ فَإِنْ
تَحَقَّقْنَا أَنَّهُ إِنَّمَا شَارَكَهُ كَلْبٌ
أَرْسَلَهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ عَلَى ذَلِكَ
الصَّيْدِ حَلَّ قَوْلُهُ (قُلْتُ إِنِّي أَرْمِي
بِالْمِعْرَاضِ الصَّيْدَ فَأُصِيبُ فَقَالَ إِذَا
رَمَيْتَ بِالْمِعْرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ وان أصابه
(13/74)
بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْهُ) وَفِي
الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْ
وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْ
الْمِعْرَاضُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَبِالْعَيْنِ
الْمُهْمَلَةِ وَهِيَ خَشَبَةٌ ثَقِيلَةٌ أَوْ عَصًا فِي
طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ وَقَدْ تَكُونُ بِغَيْرِ حَدِيدَةٍ
هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي تَفْسِيرِهِ وَقَالَ
الْهَرَوِيُّ هُوَ سَهْمٌ لَا رِيشَ فِيهِ وَلَا نَصْلَ
وَقَالَ بن دُرَيْدٍ هُوَ سَهْمٌ طَوِيلٌ لَهُ أَرْبَعُ
قُذَذٍ رِقَاقٍ فَإِذَا رَمَى بِهِ اعْتَرَضَ وَقَالَ
الْخَلِيلُ كَقَوْلِ الْهَرَوِيِّ وَنَحْوُهُ عَنِ
الْأَصْمَعِيِّ وَقِيلَ هُوَ عُودٌ رَقِيقُ الطَّرَفَيْنِ
غَلِيظُ الْوَسَطِ إِذَا رُمِيَ بِهِ ذَهَبَ مُسْتَوِيًا
وَأَمَّا خَزَقَ فَهُوَ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ
وَالزَّايِ وَمَعْنَاهُ نَفَذَ وَالْوَقْذُ وَالْمَوْقُوذُ
هُوَ الَّذِي يُقْتَلُ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ مِنْ عَصًا أَوْ
حَجَرٍ وَغَيْرِهِمَا وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ
وَأَبِي حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَالْجَمَاهِيرِ أَنَّهُ
إِذَا اصْطَادَ بِالْمِعْرَاضِ فَقَتَلَ الصَّيْدَ
بِحَدِّهِ حَلَّ وَإِنْ قَتَلَهُ بِعَرْضِهِ لَمْ يَحِلَّ
لِهَذَا الْحَدِيثِ وَقَالَ مَكْحُولٌ وَالْأَوْزَاعِيُّ
وَغَيْرُهُمَا مِنْ فُقَهَاءِ الشَّامِ يَحِلُّ مُطْلَقًا
وَكَذَا قَالَ هؤلاء وبن أبى ليلى أنه يحل ما قتله
بالبندقية وَحُكِيَ أَيْضًا عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ وَقَالَ الجماهير لا يحل صيد البندقية
مُطْلَقًا لِحَدِيثِ الْمِعْرَاضِ لِأَنَّهُ كُلَّهُ رَضٌّ
وَوَقْذٌ وَهُوَ مَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى
فَإِنَّهُ وَقِيذٌ أَيْ مَقْتُولٌ بِغَيْرِ مُحَدَّدٍ
وَالْمَوْقُوذَةُ الْمَقْتُولَةُ بِالْعَصَا وَنَحْوِهَا
وَأَصْلُهُ مِنَ الْكَسْرِ وَالرَّضِّ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ أَكَلَ فَلَا
تَأْكُلْ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ رِوَايَةِ عَدِيِّ بْنِ
حَاتِمٍ وَهُوَ صَرِيحٌ فِي مَنْعِ أَكْلِ مَا أَكَلَتْ
مِنْهُ الْجَارِحَةُ وَجَاءَ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ
وَغَيْرِهِ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ
أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لَهُ كُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ وَاخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَصَحِّ
قَوْلَيْهِ إِذَا قَتَلَتْهُ الْجَارِحَةُ الْمُعَلَّمَةُ
مِنَ الْكِلَابِ وَالسِّبَاعِ وَأَكَلَتَ مِنْهُ فَهُوَ
حَرَامٌ وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ مِنْهُمُ بن
عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ وَعَطَاءٌ وَسَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ والحسن والشعبى
(13/75)
وَالنَّخَعِيُّ وَعِكْرِمَةُ وَقَتَادَةُ
وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ واسحق وأبو
ثور وبن الْمُنْذِرِ وَدَاوُدُ وَقَالَ سَعْدُ بْنُ أَبِي
وَقَّاصٍ وسلمان الفارسى وبن عُمَرَ وَمَالِكٌ يَحِلُّ
وَهُوَ قَوْلٌ ضَعِيفٌ لِلشَّافِعِيِّ وَاحْتَجَّ
هَؤُلَاءِ بِحَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ وَحَمَلُوا حَدِيثَ
عَدِيٍّ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَاحْتَجَّ
الْأَوَّلُونَ بِحَدِيثِ عَدِيٍّ وَهُوَ فِي
الصَّحِيحَيْنِ مَعَ قَوْلِ اللَّهِ عز وجل فكلوا مما
أمسكن عليكم وَهَذَا مِمَّا لَمْ يُمْسَكْ عَلَيْنَا بَلْ
عَلَى نفسه
(13/76)
وَقَدَّمُوا هَذَا عَلَى حَدِيثِ أَبِي
ثَعْلَبَةَ لِأَنَّهُ أَصَحُّ وَمِنْهُمْ مَنْ تَأَوَّلَ
حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةِ عَلَى مَا إِذَا أَكَلَ مِنْهُ
بَعْدَ أَنْ قَتَلَهُ وَخَلَّاهُ وَفَارَقَهُ ثُمَّ عَادَ
فَأَكَلَ مِنْهُ فَهَذَا لَا يَضُرُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا جَوَارِحُ الطَّيْرِ إِذَا أَكَلَتْ مِمَّا
صَادَتْهُ فَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالرَّاجِحُ
مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ تَحْرِيمُهُ وَقَالَ سَائِرُ
الْعُلَمَاءِ بِإِبَاحَتِهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ
تَعْلِيمُهَا ذَلِكَ بِخِلَافِ السِّبَاعِ وَأَصْحَابُنَا
يَمْنَعُونَ هَذَا الدَّلِيلَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ
إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ
تَعَالَى قَالَ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عليكم
فَإِنَّمَا إِبَاحَتُهُ بِشَرْطِ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّهُ
أُمْسِكَ عَلَيْنَا وَإِذَا أَكَلَ مِنْهُ لَمْ نَعْلَمْ
أَنَّهُ أَمْسَكَ لَنَا أَمْ لِنَفْسِهِ فَلَمْ يُوجَدْ
شَرْطُ إِبَاحَتِهِ وَالْأَصْلُ تَحْرِيمُهُ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا أَصَابَ
بِعَرْضِهِ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْ غَيْرِ
الْمُحَدَّدِ مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أَخْذُهُ) مَعْنَاهُ إِنَّ
أَخْذَ الْكَلْبِ الصَّيْدَ وَقَتْلَهُ إِيَّاهُ ذَكَاةٌ
شَرْعِيَّةٌ بِمَنْزِلَةِ ذَبْحِ الْحَيَوَانِ
الْإِنْسِيِّ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَلَوْ لَمْ
يَقْتُلْهُ الْكَلْبُ لَكِنْ تَرَكَهُ وَلَمْ تَبْقَ فِيهِ
حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ أَوْ بَقِيَتْ وَلَمْ يَبْقَ
زَمَانٌ يُمَكِّنُ صَاحِبَهُ لِحَاقَهُ وَذَبْحَهُ فَمَاتَ
حَلَّ لِهَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ ذَكَاتَهُ أَخْذَهُ
قَوْلُهُ سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ وَكَانَ لَنَا
جَارًا وَدَخِيلًا وَرَبِيطًا بِالنَّهْرَيْنِ قَالَ
أَهْلُ اللُّغَةِ الدَّخِيلُ وَالدَّخَّالُ الَّذِي
يُدَاخِلُ الْإِنْسَانَ وَيُخَالِطُهُ فِي أُمُورِهِ
وَالرَّبِيطُ هُنَا بِمَعْنَى الْمُرَابِطِ وَهُوَ
الْمُلَازِمُ وَالرِّبَاطُ الْمُلَازَمَةُ قَالُوا
وَالْمُرَادُ هُنَا رَبْطُ نَفْسِهِ عَلَى الْعِبَادَةِ
وَعَنِ الدُّنْيَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
(13/77)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنْ أَمْسَكَ
عَلَيْكَ فَأَدْرَكْتَهُ حَيًّا فَاذْبَحْهُ) هَذَا
تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ إِذَا أَدْرَكَ ذَكَاتَهُ وَجَبَ
ذَبْحُهُ وَلَمْ يَحِلَّ إِلَّا بِالذَّكَاةِ وَهُوَ
مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَمَا نُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ
وَالنَّخَعِيِّ خلافه فباطل لاأظنه يَصِحُّ عَنْهُمَا
وَأَمَّا إِذَا أَدْرَكَهُ وَلَمْ تَبْقَ فِيهِ حَيَاةٌ
مُسْتَقِرَّةٌ بِأَنْ كَانَ قَدْ قَطَعَ حُلْقُومَهُ
وَمُرَّيْهِ أَوْ أَجَافَهُ أَوْ خَرَقَ أَمْعَاءَهُ أَوْ
أَخْرَجَ حَشْوَتَهُ فَيَحِلُّ مِنْ غَيْرِ ذَكَاةٍ
بِالْإِجْمَاعِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ
وَيُسْتَحَبُّ إِمْرَارُ السِّكِّينِ عَلَى حَلْقِهِ
لِيُرِيحَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ وَقَدْ
قَتَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيَّهُمَا
قَتَلَهُ) فِيهِ بَيَانُ قَاعِدَةٍ مُهِمَّةٍ وَهِيَ
أَنَّهُ إِذَا حَصَلَ الشَّكُّ فِي الذَّكَاةِ
الْمُبِيحَةِ لِلْحَيَوَانِ لَمْ يَحِلَّ لِأَنَّ
الْأَصْلَ تَحْرِيمُهُ وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ وَفِيهِ
تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَهُ حَيًّا وَفِيهِ
حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ فَذَكَّاهُ حَلَّ وَلَا يَضُرُّ
كَوْنُهُ اشْتَرَكَ فِي إِمْسَاكِهِ كَلْبُهُ وَكَلْبُ
غَيْرِهِ لِأَنَّ الِاعْتِمَادَ حِينَئِذٍ فِي
الْإِبَاحَةِ عَلَى تَذْكِيَةِ الْآدَمِيِّ لَا عَلَى
إِمْسَاكِ الْكَلْبِ وَإِنَّمَا تَقَعُ الْإِبَاحَةُ
بِإِمْسَاكِ الْكَلْبِ إِذَا قَتَلَهُ وَحِينَئِذٍ إِذَا
كَانَ مَعَهُ كَلْبٌ آخَرُ لَمْ يَحِلَّ إِلَّا أَنْ
يَكُونَ أَرْسَلَهُ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الذَّكَاةِ
كَمَا أَوْضَحْنَاهُ قَرِيبًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنْ رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَاذْكُرِ
اسْمَ اللَّهِ فَإِنْ غَابَ عَنْكَ
(13/78)
يَوْمًا فَلَمْ تَجِدْ فِيهِ إِلَّا أَثَرَ
سَهْمِكَ فَكُلْ إِنْ شِئْتَ) هَذَا دَلِيلٌ لِمَنْ
يَقُولُ إِذَا أَثَّرَ جُرْحُهُ فَغَابَ عَنْهُ فَوَجَدَهُ
مَيْتًا وَلَيْسَ فِيهِ أَثَرٌ غَيْرُ سَهْمِهِ حَلَّ
وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ فِي
الصَّيْدِ وَالسَّهْمِ وَالثَّانِي يَحْرُمُ وَهُوَ
الْأَصَحُّ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَالثَّالِثُ يَحْرُمُ فِي
الْكَلْبِ دُونَ السَّهْمِ وَالْأَوَّلُ أَقْوَى
وَأَقْرَبُ إِلَى الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ وَأَمَّا
الْأَحَادِيثُ الْمُخَالِفَةُ لَهُ فَضَعِيفَةٌ
وَمَحْمُولَةٌ عَلَى كَرَاهَةِ التَّنْزِيهِ وَكَذَا الأثر
عن بن عَبَّاسٍ كُلْ مَا أَصْمَيْتَ وَدَعْ مَا أَنْمَيْتَ
أَيْ كُلْ مَا لَمْ يَغِبْ عَنْكَ دُونَ مَا غَابَ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنْ
وَجَدْتَهُ غَرِيقًا فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ) هَذَا
مُتَّفَقٌ عَلَى تَحْرِيمِهِ
[1930] قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي ثَعْلَبَةَ (إِنَّا
بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ نَأْكُلُ فِي
آنِيَتِهِمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَ آنِيَتِهِمْ فَلَا
تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا
ثُمَّ كُلُوا) هَكَذَا رَوَى هَذَا
(13/79)
الْحَدِيثَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَفِي
رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ قَالَ إِنَّا نُجَاوِرُ أَهْلَ
الْكِتَابِ وَهُمْ يَطْبُخُونَ فِي قُدُورِهِمُ
الْخِنْزِيرَ وَيَشْرَبُونَ فِي آنِيَتِهِمُ الْخَمْرَ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَكُلُوا فِيهَا
وَاشْرَبُوا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا غَيْرَهَا فَارْحَضُوهَا
بِالْمَاءِ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا قَدْ يُقَالُ هَذَا
الْحَدِيثُ مُخَالِفٌ لِمَا يَقُولُ الْفُقَهَاءُ
فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُ
أَوَانِي الْمُشْرِكِينَ إِذَا غُسِلَتْ وَلَا كَرَاهَةَ
فِيهَا بَعْدَ الْغُسْلِ سَوَاءٌ وُجِدَ غَيْرُهَا أَمْ
لَا وَهَذَا الْحَدِيثُ يَقْتَضِي كَرَاهَةَ
اسْتِعْمَالِهَا إِنْ وُجِدَ غَيْرُهَا وَلَا يَكْفِي
غَسْلُهَا فِي نَفْيِ الْكَرَاهَةِ وَإِنَّمَا يَغْسِلُهَا
وَيَسْتَعْمِلُهَا إِذَا لَمْ يَجِدْ غَيْرَهَا
وَالْجَوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ النَّهْيُ عَنِ الْأَكْلِ
فِي آنِيَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَطْبُخُونَ فِيهَا
لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَيَشْرَبُونَ الْخَمْرَ كَمَا
صُرِّحَ بِهِ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَإِنَّمَا
نَهَى عَنِ الْأَكْلِ فِيهَا بَعْدَ الْغَسْلِ
لِلِاسْتِقْذَارِ وَكَوْنِهَا مُعْتَادَةً لِلنَّجَاسَةِ
كَمَا يُكْرَهُ الْأَكْلُ فِي الْمِحْجَمَةِ
الْمَغْسُولَةِ وَأَمَّا الْفُقَهَاءُ فَمُرَادُهُمْ
مُطْلَقُ آنِيَةِ الْكُفَّارِ الَّتِي لَيْسَتْ
مُسْتَعْمَلَةً فِي النَّجَاسَاتِ فَهَذِهِ يُكْرَهُ
اسْتِعْمَالُهَا قَبْلَ غَسْلِهَا فَإِذَا غُسِلَتْ فَلَا
كَرَاهَةَ فِيهَا لِأَنَّهَا طَاهِرَةٌ وَلَيْسَ فِيهَا
اسْتِقْذَارٌ وَلَمْ يُرِيدُوا نَفْيَ الْكَرَاهَةِ عَنْ
آنِيَتِهِمُ الْمُسْتَعْمَلَةِ فِي الْخِنْزِيرِ
وَغَيْرِهِ مِنَ النَّجَاسَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا
أَصَبْتَ بِكَلْبِكَ الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ
فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ) هَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ
أَنَّهُ لَا يحل
(13/80)
لا بذكاة
[1931] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِهْرَانَ
الرَّازِيُّ قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ
حَمَّادُ بْنُ خَالِدٍ الْخَيَّاطُ) هَذَا الْحَدِيثُ هُوَ
أَوَّلُ عَوْدِ سَمَاعِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سُفْيَانَ مِنْ
مُسْلِمٍ وَالَّذِي قَبْلَهُ هُوَ آخِرُ فَوَاتِهِ
الثَّالِثُ وَلَمْ يَبْقَ لَهُ فِي الْكِتَابِ فَوَاتٌ
بَعْدَ هَذَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا رَمَيْتَ بِسَهْمِكَ فَغَابَ
عَنْكَ فَأَدْرَكْتَهُ فَكُلْ مَا لَمْ يُنْتِنْ) وَفِي
رِوَايَةٍ فِيمَنْ يُدْرِكُ صَيْدَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ
فَكُلْهُ مَا لَمْ يُنْتِنْ هَذَا النَّهْيُ عن أكله للنتن
محمول على التنزيه لا على التحريم وكذا سائر اللحوم
والأطعمة المنتنة يكره أكلها وَلَا يَحْرُمُ إِلَّا أَنْ
يُخَافَ مِنْهَا الضَّرَرُ خَوْفًا مُعْتَمَدًا وَقَالَ
بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحْرُمُ اللَّحْمُ المنتن وهو ضعيف
والله أعلم
(13/81)
(باب تحريم أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ
السِّبَاعِ وَكُلِّ ذى مخلب من الطير)
[1932] قَوْلُهُ (نَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ
وَكُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ وَفِي رِوَايَةٍ
كُلُّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ)
الْمِخْلَبُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ اللَّامِ قَالَ
أَهْلُ اللُّغَةِ الْمِخْلَبُ لِلطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ
بِمَنْزِلَةِ الظُّفُرِ لِلْإِنْسَانِ فِي هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي
حَنِيفَةَ وَأَحْمَدَ وَدَاوُدَ وَالْجُمْهُورِ أَنَّهُ
يَحْرُمُ أَكْلُ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ وَكُلِّ
ذِي مِخْلَبٍ مِنَ الطَّيْرِ وَقَالَ
(13/82)
مَالِكٌ يُكْرَهُ وَلَا يَحْرُمُ قَالَ
أَصْحَابُنَا الْمُرَادُ بِذِي النَّابِ مَا يُتَقَوَّى
بِهِ وَيُصْطَادُ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
قُلْ لَا أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا
الْآيَةَ وَاحْتَجَّ أَصْحَابُنَا بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ
قَالُوا وَالْآيَةُ لَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْإِخْبَارُ
بِأَنَّهُ لَمْ يَجِدْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ مُحَرَّمًا
إِلَّا الْمَذْكُورَاتِ فِي الْآيَةِ ثُمَّ أُوحِيَ
إِلَيْهِ بِتَحْرِيمِ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ
فَوَجَبَ قَبُولُهُ وَالْعَمَلُ بِهِ
[1933] قَوْلُهُ (عَنْ عَبِيدَةَ بْنِ سفيان) هو بفتح
العين
(13/83)
وكسر الياء
[1934] قوله (عن ميمون بن مهران عن بن عَبَّاسٍ) هَكَذَا
ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ مِنْ هَذِهِ الطُّرُقِ وَهُوَ صَحِيحٌ
وَقَدْ صَحَّ سَمَاعُ مَيْمُونٍ مِنَ بن عَبَّاسٍ وَلَا
تَغْتَرَّ بِمَا قَدْ يُخَالِفُ هَذَا
(باب اباحة ميتات البحر)
[1935] قَوْلُهُ (بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّرَ عَلَيْنَا أَبَا
عُبَيْدَةَ) فِيهِ أَنَّ الْجُيُوشَ لَا بُدَّ لَهَا مِنْ
أَمِيرٍ يَضْبِطُهَا وَيَنْقَادُونَ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ
وَأَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْأَمِيرُ أَفْضَلَهُمْ
أَوْ مِنْ أَفْضَلِهِمْ قَالُوا وَيُسْتَحَبُّ
لِلرُّفْقَةِ مِنَ النَّاسِ وَإِنْ قَلُّوا أَنْ
يُؤَمِّرُوا بَعْضَهُمْ عَلَيْهِمْ وَيَنْقَادُوا لَهُ
قَوْلُهُ (نَتَلَقَّى عَيرًا لِقُرَيْشٍ) قَدْ سَبَقَ
أَنَّ الْعَيرَ هِيَ الْإِبِلُ الَّتِي تَحْمِلُ
الطَّعَامَ وَغَيْرَهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ
صَدِّ أَهْلِ الْحَرْبِ وَاغْتِيَالِهِمْ وَالْخُرُوجِ
لِأَخْذِ مَالِهِمْ وَاغْتِنَامِهِ قَوْلُهُ (وَزَوَّدَنَا
جِرَابًا مِنْ تَمْرٍ لم يجد لنا غيره فكان أبو عبيدة
يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً نَمُصُّهَا كَمَا يَمُصُّ
الصَّبِيُّ ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ
فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلَى اللَّيْلِ) أَمَّا
الْجِرَابُ فَبِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا الْكَسْرُ
أَفْصَحُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَنَمُصُّهَا
بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا الْفَتْحُ أَفْصَحُ
وَأَشْهَرُ وَسَبَقَ بَيَانُ لُغَاتِهِ فِي كِتَابِ
الْإِيمَانِ وَفِي هَذَا بَيَانُ مَا كَانَ الصَّحَابَةُ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَلَيْهِ مِنَ الزُّهْدِ فِي
الدُّنْيَا وَالتَّقَلُّلِ مِنْهَا وَالصَّبْرِ عَلَى
الْجُوعِ وَخُشُونَةِ الْعَيْشِ وَإِقْدَامِهِمْ عَلَى
الْغَزْوِ مع هذا الْحَالِ قَوْلُهُ (وَزَوَّدَنَا
جِرَابًا لَمْ يَجِدْ لَنَا غيره فكان أبو عبيدة يعطينا
تمرة تمرة
(13/84)
وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ
وَنَحْنُ نَحْمِلُ أَزْوَادَنَا عَلَى رِقَابِنَا وَفِي
رِوَايَةٍ فَفَنِيَ زَادُهُمْ فَجَمَعَ أَبُو عُبَيْدَةَ
زَادَهُمْ فِي مِزْوَدٍ فَكَانَ يقوتنا حتى كان يصيبنا كل
يوم تمرة وفى الموطأ ففنى زادهم وكان مزودى تمرا وَكَانَ
يُقَوِّتُنَا حَتَّى كَانَ يُصِيبُنَا كُلَّ يَوْمٍ
تَمْرَةً وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى لِمُسْلِمٍ كَانَ
يُعْطِينَا قَبْضَةً قَبْضَةً ثُمَّ أَعْطَانَا تَمْرَةً
تَمْرَةً قَالَ الْقَاضِي الْجَمْعُ بَيْنَ هَذِهِ
الرِّوَايَاتِ أَنْ يَكُونَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَوَّدَهُمُ الْمِزْوَدَ زَائِدًا
عَلَى مَا كَانَ مَعَهُمْ مِنَ الزَّادِ مِنْ
أَمْوَالِهِمْ وَغَيْرِهَا مِمَّا وَاسَاهُمْ بِهِ
الصَّحَابَةُ وَلِهَذَا قَالَ وَنَحْنُ نَحْمِلُ
أَزْوَادَنَا قَالَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ لَمْ يكُنْ فِي
زَادِهِمْ تَمْرٌ غَيْرُ هَذَا الْجِرَابِ وَكَانَ
مَعَهُمْ غَيْرُهُ مِنَ الزَّادِ وَأَمَّا إِعْطَاءُ أَبِي
عُبَيْدَةَ إِيَّاهُمْ تَمْرَةً تَمْرَةً فإنما كان فى
الحال الثانى بَعْدَ أَنْ فَنِيَ زَادُهُمْ وَطَالَ
لُبْثُهُمْ كَمَا فَسَّرَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأَخِيرَةِ
فَالرِّوَايَةُ الْأُولَى مَعْنَاهَا الْإِخْبَارُ عَنْ
آخِرِ الْأَمْرِ لَا عَنْ أَوَّلِهِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ
قَوْلَهُ تَمْرَةً تَمْرَةً إِنَّمَا كَانَ بَعْدَ أَنْ
قَسَمَ عَلَيْهِمْ قَبْضَةً قَبْضَةً فَلَمَّا قَلَّ
تَمْرُهُمْ قَسَمَهُ عَلَيْهِمْ تَمْرَةً تَمْرَةً ثُمَّ
فرغ وفقدوا التمرة ووجدوا أَلَمًا لِفَقْدِهَا وَأَكَلُوا
الْخَبَطَ إِلَى أَنْ فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ
بِالْعَنْبَرِ قَوْلُهُ (فَجَمَعَ أَبُو عُبَيْدَةَ
زَادَنَا فِي مِزْوَدٍ فَكَانَ يُقَوِّتُنَا) هَذَا
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ جَمَعَهُ بِرِضَاهُمْ وَخَلَطَهُ
لِيُبَارَكَ لَهُمْ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ فِي مَوَاطِنَ وَكَمَا
كَانَ الْأَشْعَرِيُّونَ يَفْعَلُونَ وَأَثْنَى عَلَيْهِمُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ
وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ
يُسْتَحَبُّ لِلرُّفْقَةِ مِنَ الْمُسَافِرِينَ خَلْطُ
أَزْوَادِهِمْ لِيَكُونَ أبرك وأحسن فى العشرة وأن لا
يَخْتَصَّ بَعْضُهُمْ بِأَكْلٍ دُونَ بَعْضٍ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَوْلُهُ (كَهَيْئَةِ الْكَثِيبِ الضَّخْمِ) هُوَ
بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ الرَّمْلُ
الْمُسْتَطِيلُ الْمُحْدَوْدَبُ
قَوْلُهُ (فَإِذَا هِيَ دَابَّةٌ تُدْعَى الْعَنْبَرُ
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَيْتَةٌ ثُمَّ قَالَ بَلْ نَحْنُ
رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وقد اضطررتم فكلوا فأقما عَلَيْهِ
شَهْرًا وَنَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ حَتَّى سَمِنَّا)
وَذَكَرَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ
(13/85)
أَنَّهُمْ تَزَوَّدُوا مِنْهُ وَأَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
لَهُمْ حِينَ رَجَعُوا هَلْ مَعَكُمْ مِنْ لَحْمِهِ شَيْءٌ
فَتُطْعِمُونَا قَالَ فَأَرْسَلْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فَأَكَلَهُ
مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ أَبَا عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهَ
عَنْهُ قَالَ أَوَّلًا بِاجْتِهَادِهِ إِنَّ هَذَا
مَيْتَةٌ وَالْمَيْتَةُ حَرَامٌ فَلَا يَحِلُّ لَكُمْ
أَكْلُهَا ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ فَقَالَ بَلْ هُوَ
حَلَالٌ لَكُمْ وَإِنْ كَانَ مَيْتَةً لِأَنَّكُمْ فِي
سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدِ اضْطُرِرْتُمْ وَقَدْ أَبَاحَ
اللَّهُ تَعَالَى الْمَيْتَةَ لِمَنْ كَانَ مُضْطَرًّا
غَيْرَ بَاغٍ ولاعاد فَكُلُوا فَأَكَلُوا مِنْهُ وَأَمَّا
طَلَبُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
لَحْمِهِ وَأَكْلِهِ ذَلِكَ فإنما أراد به المبالغة فى
تطيب نفوسهم فى حله وأن لَا شَكَّ فِي إِبَاحَتِهِ
وَأَنَّهُ يَرْتَضِيهِ لِنَفْسِهِ أَوْ أَنَّهُ قَصَدَ
التَّبَرُّكَ بِهِ لِكَوْنِهِ طُعْمَةً مِنَ اللَّهِ
تَعَالَى خَارِقَةً لِلْعَادَةِ أَكْرَمَهُمُ اللَّهُ
بِهَا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ
بِسُؤَالِ الْإِنْسَانِ مِنْ مَالِ صَاحِبِهِ وَمَتَاعِهِ
إِدْلَالًا عَلَيْهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ السُّؤَالِ
الْمَنْهِيِّ عنه انما ذلك فى حق الأجانب للتمول ونحو
وَأَمَّا هَذِهِ فَلِلْمُؤَانَسَةِ وَالْمُلَاطَفَةِ
وَالْإِدْلَالِ وَفِيهِ جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي
الْأَحْكَامِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا يَجُوزُ بَعْدَهُ وَفِيهِ
أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ لِلْمُفْتِي أَنْ يَتَعَاطَى بَعْضَ
الْمُبَاحَاتِ الَّتِي يَشُكُّ فِيهَا الْمُسْتَفْتِي
إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَشَقَّةٌ عَلَى الْمُفْتِي
وَكَانَ فِيهِ طُمَأْنِينَةٌ لِلْمُسْتَفْتِي وَفِيهِ
إِبَاحَةُ مَيْتَاتِ الْبَحْرِ كُلِّهَا سَوَاءٌ فِي
ذَلِكَ مَا مَاتَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِاصْطِيَادٍ وَقَدْ
أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِبَاحَةِ السَّمَكِ قَالَ
أَصْحَابُنَا يَحْرُمُ الضُّفْدَعُ لِلْحَدِيثِ فِي
النَّهْيِ عَنْ قَتْلِهَا قَالُوا وَفِيمَا سِوَى ذَلِكَ
ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ أصح يَحِلُّ جَمِيعُهُ لِهَذَا
الْحَدِيثِ وَالثَّانِي لَا يَحِلُّ وَالثَّالِثُ يَحِلُّ
مَا لَهُ نَظِيرٌ مَأْكُولٌ فِي الْبَرِّ دُونَ مَا لَا
يُؤْكَلُ نَظِيرُهُ فَعَلَى هَذَا تُؤْكَلُ خَيْلُ
الْبَحْرِ وَغَنَمُهُ وَظِبَاؤُهُ دُونَ كَلْبِهِ
وَخِنْزِيرِهِ وَحِمَارِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا
وَالْحِمَارُ وَإِنْ كان فى البر مَأْكُولٌ وَغَيْرُهُ
وَلَكِنَّ الْغَالِبَ غَيْرُ الْمَأْكُولِ هَذَا تَفْصِيلُ
مَذْهَبِنَا وَمِمَّنْ قَالَ بِإِبَاحَةِ جَمِيعِ
حَيَوَانَاتِ الْبَحْرِ إِلَّا الضُّفْدَعَ أَبُو بَكْرٍ
الصِّدِّيقُ وَعُمَرُ وعثمان وبن عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ وَأَبَاحَ مَالِكٌ الضُّفْدَعَ وَالْجَمِيعَ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ غَيْرُ السمك وأما
السمك الطافئ وَهُوَ الَّذِي يَمُوتُ فِي الْبَحْرِ بِلَا
سَبَبٍ فَمَذْهَبُنَا إِبَاحَتُهُ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ
الْعُلَمَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ
مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وأبو أيوب وعطاء مكحول
وَالنَّخَعِيُّ وَمَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ
وَدَاوُدُ وَغَيْرُهُمْ وَقَالَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ وَجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ وَطَاوُسٌ وَأَبُو
حَنِيفَةَ لَا يَحِلُّ دَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى
أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ قال بن
عَبَّاسٍ وَالْجُمْهُورُ صَيْدُهُ مَا صِدْتُمُوهُ
وَطَعَامُهُ مَا قَذَفَهُ وَبِحَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا
وَبِحَدِيثِ هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ
وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ وَبِأَشْيَاءَ مَشْهُورَةٍ غَيْرِ
مَا ذَكَرْنَا وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ
جَابِرٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَا أَلْقَاهُ الْبَحْرُ وَجَزَرَ عَنْهُ
فَكُلُوهُ وما مات فيه فطفا فلا
(13/86)
تأكلوا فحديث ضيعف بِاتِّفَاقِ أَئِمَّةِ
الْحَدِيثِ لَا يَجُوزُ الِاحْتِجَاجُ بِهِ لو لم يعارضه
شئ كيف وهو معارض بما ذكرنا وَقَدْ أَوْضَحْتُ ضَعْفَ
رِجَالِهِ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فِي بَابِ
الْأَطْعِمَةِ فَإِنْ قِيلَ لَا حُجَّةَ فِي حَدِيثِ
الْعَنْبَرِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مُضْطَرِّينَ قُلْنَا
الِاحْتِجَاجُ بِأَكْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُ فِي الْمَدِينَةِ مِنْ غَيْرِ
ضَرُورَةٍ قَوْلُهُ (ولقد رأيتنا تغترف مِنْ وَقْبِ
عَيْنِهِ بِالْقِلَالِ الدُّهْنَ وَنَقْتَطِعُ مِنْهُ
الْفِدَرَ كَالثَّوْرِ أَوْ كَقَدْرِ الثَّوْرِ) أَمَّا
الْوَقْبُ فبفتح الواو واسكان القاف والباء الموحدة وهو
داخل عينه ونقرتها والقلال بِكَسْرِ الْقَافِ جَمْعُ
قُلَّةٍ بِضَمِّهَا وَهِيَ الْجَرَّةُ الْكَبِيرَةُ
الَّتِي يُقِلُّهَا الرَّجُلُ بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ يحملها
والفدر بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الدَّالِ هِيَ
الْقِطَعُ وَقَوْلُهُ كَقَدْرِ الثَّوْرِ رَوَيْنَاهُ
بِوَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا
أَحَدُهُمَا بِقَافٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ دَالٍ سَاكِنَةٍ
أَيْ مِثْلُ الثَّوْرِ وَالثَّانِي كَفِدَرِ بِفَاءٍ
مَكْسُورَةٍ ثُمَّ دَالٍ مَفْتُوحَةٍ جَمْعُ فِدْرَةٍ
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَادَّعَى الْقَاضِي أَنَّهُ
تَصْحِيفٌ وَأَنَّ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ وَلَيْسَ
كَمَا قَالَ قَوْلُهُ (ثُمَّ رَحَلَ أَعْظَمَ بَعِيرٍ)
هُوَ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ جَعَلَ عليه رحلا قوله
(وتوزدنا مِنْ لَحْمِهِ وَشَائِقَ) هُوَ بِالشِّينِ
الْمُعْجَمَةِ وَالْقَافِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ
اللَّحْمُ يُؤْخَذُ فَيُغْلَى اعلاء ولا ينضج
(13/87)
وَيُحْمَلُ فِي الْأَسْفَارِ يُقَالٍ
وَشَقْتُ اللَّحْمَ فَاتَّشَقَ وَالْوَشِيقَةُ
الْوَاحِدَةُ مِنْهُ وَالْجَمْعُ وَشَائِقُ وَوُشُقٌ
وَقِيلَ الوشيق الْقَدِيدُ قَوْلُهُ (ثَابَتْ
أَجْسَامِنَا) أَيْ رَجَعَتْ إِلَى القوة قوله (فيأخذ أبو
عبيدة ضلعا من أضلاعه فتصبه) كذا هو فى النسخ فتصبه وَفِي
الرِّوَايَةِ الْأُولَى فَأَقَامَهَا فَأَنَّثَهَا وَهُوَ
الْمَعْرُوفُ وَوَجْهُ التَّذْكِيرِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ
الْعُضْوَ قَوْلُهُ (وَجَلَسَ فِي حَجَاجِ عَيْنِهِ
نَفَرٌ) هُوَ بِحَاءٍ ثُمَّ جِيمٍ مُخَفَّفَةٍ وَالْحَاءُ
مَكْسُورَةٌ وَمَفْتُوحَةٌ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ
وَهُوَ بِمَعْنَى وَقْبِ عَيْنِهِ الْمَذْكُورِ فِي
الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ وَقَدْ شَرَحْنَاهُ قَوْلُهُ
(إِنَّ رَجُلًا نَحَرَ ثَلَاثَ جَزَائِرَ ثُمَّ ثَلَاثًا
ثُمَّ ثَلَاثًا ثُمَّ نَهَاهُ أَبُو عُبَيْدَةَ) وَهَذَا
الرَّجُلُ الَّذِي نَحَرَ الْجَزَائِرَ هُوَ قَيْسُ بْنُ
سَعْدِ بْنِ عبادة رضى الله قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ
الْأُولَى (فَأَقَمْنَا عَلَيْهِ شَهْرًا) وَفِي
الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَأَكَلْنَا مِنْهَا نِصْفَ
شَهْرٍ وَفِي الثَّالِثَةِ فَأَكَلَ مِنْهَا الْجَيْشُ
ثَمَانِيَ عَشْرَةَ لَيْلَةٍ طَرِيقُ الْجَمْعِ بَيْنَ
الرِّوَايَاتِ أَنَّ مَنْ رَوَى شَهْرًا هُوَ الْأَصْلُ
وَمَعَهُ زِيَادَةُ عِلْمٍ وَمَنْ رَوَى دُونَهُ لَمْ
يَنْفِ الزِّيَادَةَ وَلَوْ نَفَاهَا قَدَّمَ الْمُثْبَتَ
وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ الْمَشْهُورَ الصَّحِيحَ
عِنْدَ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ لَا
حُكْمَ لَهُ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ نَفْيُ الزِّيَادَةِ
لَوْ لَمْ يُعَارِضْهُ إِثْبَاتُ الزِّيَادَةِ كَيْفَ
وَقَدْ عَارَضَهُ فَوَجَبَ قَبُولُ الزِّيَادَةِ وَجَمَعَ
الْقَاضِي بينهما
(13/88)
بِأَنَّ مَنْ قَالَ نِصْفَ شَهْرٍ أَرَادَ
أَكَلُوا مِنْهُ تِلْكَ الْمُدَّةَ طَرِيًّا وَمَنْ قَالَ
شَهْرًا أراد قَدَّدُوهُ فَأَكَلُوا مِنْهُ بَقِيَّةَ
الشَّهْرِ قَدِيدًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (سِيفُ
الْبَحْرِ) هُوَ بِكَسْرِ السِّينِ وإسكان المثناة تحت وهو
ساحله كما قاله فِي الرِّوَايَتَيْنِ قَبْلَهُ قَوْلُهُ
(وَحَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ وَذَكَرَ فِي
هَذَا الْإِسْنَادِ أَخْبَرْنَا أَبُو الْمُنْذِرِ
الْقَزَّازُ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا
الْقَزَّازُ بِالْقَافِ وَفِي أَكْثَرِهَا الْبَزَّازُ
بِالْبَاءِ وَذَكَرَ الْقَاضِي أَيْضًا اخْتِلَافَ
الرُّوَاةِ فِيهِ وَالْأَشْهَرُ بِالْقَافِ وَهُوَ الَّذِي
ذَكَرَهُ السَّمْعَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ وَآخَرُونَ
وَذَكَرَهُ خَلَفُ الْوَاسِطِيُّ فِي الْأَطْرَافِ
بِالْبَاءِ عَنْ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ لَكِنْ عَلَيْهِ
تَضْبِيبٌ فَلَعَلَّهُ يُقَالُ بالوجهين فالقزاز بزاز وأبو
المنذر هذا اسْمُهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ حُسَيْنِ بْنِ
الْمُثَنَّى كَذَا سماه أحمد بن حنبل فيما ذكره بن أَبِي
حَاتِمٍ فِي كِتَابِهِ وَاقْتَصَرَ الْجُمْهُورُ عَلَى
أَنَّهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ
هُوَ صَدُوقٌ وَأَمَرَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ
بِالْكِتَابَةِ عنه وهو من أفراد مسلم
(13/89)
(باب تحريم أكل
لحم الحمر الانسية)
[1407] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ
خَيْبَرَ وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ) أَمَّا
الْإِنْسِيَّةُ فَبِإِسْكَانِ النُّونِ مَعَ كَسْرِ
الْهَمْزَةِ وَبِفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ
سَبَقَ بَيَانُهُمَا وَسَبَقَ بَيَانُ حُكْمِ نِكَاحِ
الْمُتْعَةِ وَشَرْحُ أَحَادِيثِهِ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ
وَأَمَّا الْحُمُرُ الْإِنْسِيَّةُ فَقَدْ وَقَعَ فِي
أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِهَا
وَفِي رِوَايَةٍ
[1936] حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(13/90)
وَسَلَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ
الْأَهْلِيَّةِ وَفِي رِوَايَاتٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَدَ الْقُدُورَ تَغْلِي فَأَمَرَ
بِإِرَاقَتِهَا وَقَالَ لَا تَأْكُلُوا مِنْ لُحُومِهَا
شَيْئًا وَفِي رِوَايَةٍ نُهِينَا عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ
الْأَهْلِيَّةِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَهْرِيقُوهَا
وَاكْسِرُوهَا فَقَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْ
نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ أَو ذَاكَ
[1940] وَفِي رِوَايَةٍ نَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّ اللَّهَ
وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْهَا فَإِنَّهُ رِجْسٌ
مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وَفِي رِوَايَةٍ يَنْهَيَانِكُمْ
عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ أَوْ نَجَسٌ
فَأُكْفِئَتِ الْقُدُورُ بِمَا فِيهَا اخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَقَالَ الْجَمَاهِيرُ
مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدِهِمْ
بِتَحْرِيمِ لُحُومِهَا لهذه الأحاديث الصحيحة الصريحة
وقال بن عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِحَرَامٍ وَعَنْ مَالِكٍ
ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ أَشْهَرُهَا أَنَّهَا مَكْرُوهَةٌ
كَرَاهِيَةَ تَنْزِيهٍ شَدِيدَةً وَالثَّانِيَةُ حَرَامٌ
وَالثَّالِثَةُ مُبَاحَةٌ وَالصَّوَابُ التَّحْرِيمُ كَمَا
قَالَهُ الْجَمَاهِيرُ لِلْأَحَادِيثِ الصَّرِيحَةِ
وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ فِي سُنَنِ أَبِي
دَاوُدَ عَنْ غَالِبِ بْنِ أَبْجَرَ قَالَ أَصَابَتْنَا
سَنَةٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي شئ أطعم أهلى إلا شئ مِنْ
حُمُرٍ وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرَّمَ لُحُومَ الْحُمُرِ
الْأَهْلِيَّةِ فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ
أَصَابَتْنَا السَّنَةُ فَلَمْ يَكُنْ فِي مَالِي مَا
أُطْعِمُ أَهْلِي إِلَّا سِمَانَ حُمُرٌ وَإِنَّكَ
حَرَّمْتَ لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ فَقَالَ
أَطْعِمْ أَهْلَكَ مِنْ سَمِينِ حُمُرِكَ فَإِنَّمَا
حَرَّمْتُهَا مِنْ أَجْلِ جَوَّالِ الْقَرْيَةِ يَعْنِي
بِالْجَوَّالِ
(13/91)
الَّتِي تَأْكُلُ الْجُلَّةَ وَهِيَ
الْعَذِرَةُ فَهَذَا الْحَدِيثُ مُضْطَرِبٌ مُخْتَلَفُ
الْإِسْنَادِ شَدِيدُ الِاخْتِلَافِ وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ
عَلَى الْأَكْلِ مِنْهَا فِي حَالِ الِاضْطِرَارِ والله
أعلم قوله
[1937] (نادى أن اكفؤا الْقُدُورَ) قَالَ الْقَاضِي
ضَبَطْنَاهُ بِأَلِفِ الْوَصْلِ وَفَتْحِ الْفَاءِ مِنْ
كَفَأْتُ ثُلَاثِيٌ وَمَعْنَاهُ قَلَبْتُ قَالَ وَيَصِحُّ
قَطْعُ الْأَلِفِ وَكَسْرُ الْفَاءِ مِنْ أَكْفَأْتُ
رُبَاعِيٌّ وَهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى عِنْدَ كَثِيرِينَ
مِنْ أهل اللغة منهم الخليل والكسائى وبن
(13/92)
السكيت وبن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُمْ
وَقَالَ الْأَصْمَعِيُّ يُقَالُ كَفَأْتُ وَلَا يُقَالُ
أَكْفَأْتُ بِالْأَلِفِ قَوْلُهُ (لُحُومُ الْحُمُرِ
نِيئَةٌ وَنَضِيجَةٌ) هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ
وَبِالْهَمْزِ أَيْ غَيْرُ مَطْبُوخَةٍ
[1939] قَوْلُهُ (كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ) بِفَتْحِ
الْحَاءِ أَيِ الَّذِي يَحْمِلُ مَتَاعَهَمْ
[1802] قَوْلُهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي قُدُورِ لُحُومِ الْحُمُرِ
الْأَهْلِيَّةِ أَهْرِيقُوهَا وَاكْسِرُوهَا فَقَالَ
رَجُلٌ أَوْ نُهْرِيقُهَا وَنَغْسِلُهَا قَالَ أَوْ ذَاكَ)
هَذَا صريح فى
(13/93)
نَجَاسَتِهَا وَتَحْرِيمِهَا وَيُؤَيِّدُهُ
الرِّوَايَةُ الْأُخْرَى فَإِنَّهَا رِجْسٌ وَفِي
الْأُخْرَى رِجْسٌ أَوْ نَجَسٌ وَفِيهِ وُجُوبُ غَسْلِ مَا
أَصَابَتْهُ النَّجَاسَةُ وَأَنَّ الْإِنَاءَ النَّجِسَ
يَطْهُرُ بِغَسْلِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَحْتَاجُ
إِلَى سَبْعٍ إِذَا كَانَتْ غَيْرَ نَجَاسَةِ الْكَلْبِ
وَالْخِنْزِيرِ وَمَا تَوَلَّدَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَهَذَا
مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وَعِنْدَ أَحْمَدَ
يَجِبُ سَبْعٌ فِي الْجَمِيعِ عَلَى أَشْهَرِ
الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَطْلَقَ
الْأَمْرَ بِالْغَسْلِ وَيَصْدُقُ ذَلِكَ عَلَى مَرَّةٍ
وَلَوْ وَجَبَتِ الزِّيَادَةُ لَبَيَّنَهَا فَإِنَّ فِي
الْمُخَاطَبِينَ مَنْ هُوَ قَرِيبُ الْعَهْدِ
بِالْإِسْلَامِ وَمَنْ فِي مَعْنَاهُ مِمَّنْ لَا يَفْهَمُ
مِنَ الْأَمْرِ بِالْغَسْلِ إِلَّا مُقْتَضَاهُ عِنْدَ
الْإِطْلَاقِ وَهُوَ مَرَّةٌ وَأَمَّا أَمْرُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلًا بِكَسْرِهَا
فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ بِوَحْيٍ أَوْ بِاجْتِهَادٍ
ثُمَّ نُسِخَ وَتَعَيَّنَ الْغَسْلُ وَلَا يَجُوزُ
الْيَوْمَ الْكَسْرُ لِأَنَّهُ إِتْلَافُ مَالٍ وَفِيهِ
دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ إِذَا غُسِلَ الْإِنَاءُ النَّجِسُ
فَلَا بَأْسَ بِاسْتِعْمَالِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(13/94)
(باب إباحة أكل لحم الْخَيْلِ)
[1941] قَوْلُهُ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ
الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ)
وَفِي رِوَايَةٍ قَالَ جَابِرٌ أَكَلْنَا مِنْ خَيْبَرَ
الْخَيْلَ وَحُمُرَ الْوَحْشِ وَنَهَانَا النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْحِمَارِ
الْأَهْلِيِّ
[1942] وَفِي حَدِيثِ أَسْمَاءَ قَالَتْ نَحَرْنَا فَرَسًا
عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَكَلْنَاهُ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
إِبَاحَةِ لُحُومِ الْخَيْلِ فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ
وَالْجُمْهُورِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ أَنَّهُ
مُبَاحٌ لَا كَرَاهَةَ فِيهِ وَبِهِ قَالَ عَبْدُ اللَّهِ
بْنُ الزُّبَيْرِ وفضالة بن عبيد وأنس بن مالك وأسماء بنت
أَبِي بَكْرٍ وَسُوَيْدُ بْنُ غَفَلَةَ وَعَلْقَمَةُ
وَالْأَسْوَدُ وَعَطَاءٌ وَشُرَيْحٌ وَسَعِيدُ بْنُ
جُبَيْرٍ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ
النَّخَعِيُّ وَحَمَّادُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَأَحْمَدُ
وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدُ
وَدَاوُدُ وَجَمَاهِيرُ المحدثين وغيرهم وكرهها طائفة منهم
بن عَبَّاسٍ وَالْحَكَمُ وَمَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ
قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَأْثَمُ بِأَكْلِهِ وَلَا يُسَمَّى
حَرَامًا وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَالْخَيْلَ
وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً
وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَكْلَ وَذَكَرَ الْأَكْلَ مِنَ
الْأَنْعَامِ فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَبِحَدِيثِ
صَالِحِ بْنِ يحيى بن المقدم عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
عَنْ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ لُحُومِ الْخَيْلِ
وَالْبِغَالِ وَالْحَمِيرِ
(13/95)
وَكُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ رَوَاهُ
أَبُو داود والنسائى وبن مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ بَقِيَّةَ
بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ صَالِحِ بْنِ يَحْيَى وَاتَّفَقَ
الْعُلَمَاءُ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِمْ
عَلَى أَنَّهُ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ
مَنْسُوخٌ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ
بِإِسْنَادِهِمَا عَنْ مُوسَى بْنِ هَارُونَ الْحَمَّالِ
بِالْحَاءِ الْحَافِظِ قال هذا حديث ضعيف قال ولايعرف صالح
بن يحيى ولاأبوه وَقَالَ الْبُخَارِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ
فِيهِ نَظَرٌ وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ هَذَا إِسْنَادٌ
مُضْطَرِبٌ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي إِسْنَادِهِ نَظَرٌ
قَالَ وَصَالِحُ بْنُ يَحْيَى عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ
لَا يُعْرَفُ سَمَاعُ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ وَقَالَ
أَبُو دَاوُدَ هَذَا الْحَدِيثُ مَنْسُوخٌ وَقَالَ
النَّسَائِيُّ حَدِيثُ الْإِبَاحَةِ أَصَحُّ قَالَ
وَيُشْبِهُ إِنْ كَانَ هَذَا صَحِيحًا أَنْ يَكُونَ
مَنْسُوخًا وَاحْتَجَّ الْجُمْهُورُ بِأَحَادِيثِ
الْإِبَاحَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ
وَهِيَ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ وَبِأَحَادِيثَ أُخَرَ
صَحِيحَةٍ جَاءَتْ بِالْإِبَاحَةِ وَلَمْ يَثْبُتْ فِي
النَّهْيِ حَدِيثٌ وَأَمَّا الْآيَةُ فَأَجَابُوا عَنْهَا
بِأَنَّ ذِكْرَ الرُّكُوبِ وَالزِّينَةِ لَا يَدُلُّ عَلَى
أَنَّ مَنْفَعَتَهُمَا مُخْتَصَّةٌ بِذَلِكَ فَإِنَّمَا
خُصَّ هَذَانِ بِالذِّكْرِ لِأَنَّهُمَا مُعْظَمُ
الْمَقْصُودِ مِنَ الْخَيْلِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
حُرِّمَتْ عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير فَذَكَرَ
اللَّحْمَ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْمَقْصُودِ وَقَدْ
أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى تَحْرِيمِ شَحْمِهِ
وَدَمِهِ وَسَائِرِ أَجْزَائِهِ قَالُوا وَلِهَذَا سَكَتَ
عَنْ ذِكْرِ حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَلَى الْخَيْلِ مَعَ
قَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْأَنْعَامِ وتحمل أثقالكم وَلَمْ
يَلْزَمْ مِنْ هَذَا تَحْرِيمُ حَمْلِ الْأَثْقَالِ عَلَى
الْخَيْلِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا (نَحَرْنَا
فَرَسًا) وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ ذَبَحْنَا فَرَسًا
وَفِي رِوَايَةٍ لَهُ نَحَرْنَا كَمَا ذَكَرَ مُسْلِمٌ
فَيُجْمَعُ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ بِأَنَّهُمَا
قَضِيَّتَانِ فَمَرَّةً نَحَرُوهَا وَمَرَّةً ذَبَحُوهَا
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ قَضِيَّةً وَاحِدَةً وَيَكُونَ
أَحَدُ اللَّفْظَيْنِ مَجَازًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ
لِأَنَّهُ لَا يُصَارُ إِلَى الْمَجَازِ إِلَّا إِذَا
تَعَذَّرَتِ الْحَقِيقَةُ وَالْحَقِيقَةُ غَيْرُ
مُتَعَذِّرَةٍ بَلْ فِي الْحَمْلِ عَلَى الْحَقِيقَةِ
فَائِدَةٌ مُهِمَّةٌ وَهِيَ
(13/96)
أَنَّهُ يَجُوزُ ذَبْحُ الْمَنْحُورِ
وَنَحْرُ الْمَذْبُوحِ وَهُوَ مُجْمَعٌ عَلَيْهِ وَإِنْ
كَانَ فَاعِلُهُ مُخَالِفًا الْأَفْضَلَ وَالْفَرَسُ
يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَابُ إِبَاحَةِ الضَّبِّ ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ
الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ
[1943] أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ فِي الضَّبِّ لَسْتُ بِآكِلِهِ وَلَا
مُحَرِّمِهِ وَفِي رِوَايَاتٍ لَا آكُلُهُ وَلَا
أُحَرِّمُهُ وَفِي رِوَايَةٍ
[1944] أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
كُلُوا فَإِنَّهُ حَلَالٌ وَلَكِنَّهُ لَيْسَ مِنْ
طَعَامِي وَفِي رِوَايَةٍ
[1945]
[1946] أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ
يَدَهُ مِنْهُ فَقِيلَ أَحَرَامٌ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ
قَالَ لَا وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ بِأَرْضِ قَوْمِي
فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ فَأَكَلُوهُ بِحَضْرَتِهِ وَهُوَ
يَنْظُرُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَهْلُ
اللُّغَةِ مَعْنَى أَعَافُهُ أَكْرَهُهُ تَقَذُّرًا
وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الضَّبَّ حَلَالٌ
لَيْسَ بمكروه إلا)
(13/97)
مَا حُكِيَ عَنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ
مِنْ كَرَاهَتِهِ وَإِلَّا مَا حَكَاهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ
عَنْ قَوْمٍ أَنَّهُمْ قَالُوا هُوَ
(13/98)
حَرَامٌ وَمَا أَظُنُّهُ يَصِحُّ عَنْ
أَحَدٍ وَإِنْ صَحَّ عَنْ أَحَدٍ فَمَحْجُوجٌ بِالنُّصُوصِ
وَإِجْمَاعِ مَنْ قَبْلَهُ قَوْلُهُ (ضَبٌّ مَحْنُوذٌ)
أَيْ مَشْوِيٌّ وَقِيلَ الْمَشْوِيُّ عَلَى الرَّضْفِ
وَهِيَ الْحِجَارَةُ الْمُحْمَاةُ قَوْلُهُ (إِنَّ
خَالِدًا أَخَذَ الضَّبَّ فَأَكَلَهُ مِنْ غَيْرِ
اسْتِئْذَانٍ) هَذَا مِنْ بَابِ الْإِدْلَالِ وَالْأَكْلِ
مِنْ بَيْتِ الْقَرِيبِ وَالصَّدِيقِ الَّذِي لَا يَكْرَهُ
ذَلِكَ وَخَالِدٌ أَكَلَ هَذَا فِي بَيْتِ خَالَتِهِ
مَيْمُونَةَ وَبَيْتِ صَدِيقِهِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يَحْتَاجُ إِلَى
اسْتِئْذَانٍ لَا سِيَّمَا وَالْمُهْدِيَةُ خَالَتُهُ
وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ جَبْرَ قَلْبِ خَالَتِهِ
أُمِّ حُفَيْدٍ الْمُهْدِيَةِ قَوْلُهُ فِي مَيْمُونَةَ
[1946] (وهى خالته وخالة بن عَبَّاسٍ) يَعْنِي خَالَةَ
خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَخَالَةَ بن عباس وأم خالد لبابة
الصغرى وأم بن عَبَّاسٍ لُبَابَةُ الْكُبْرَى
وَمَيْمُونَةُ وَأُمُّ حُفَيْدٍ كُلُّهُنَّ أَخَوَاتٌ
وَالِدُهُنَّ الْحَارِثُ قَوْلُهُ (قَدِمَتْ بِهِ
أُخْتُهَا حفيدة) وفى الرواية الأخر أُمُّ حُفَيْدٍ وَفِي
بَعْضِ النُّسَخِ أُمُّ حُفَيْدَةَ بالهاء
(13/99)
وَفِي بَعْضِهَا فِي رِوَايَةِ أَبِي
بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ أُمُّ حُمَيْدٍ وَفِي بَعْضِهَا
حُمَيْدَةُ وَكُلُّهُ بِضَمِّ الْحَاءِ مُصَغَّرٌ قَالَ
الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَالْأَصْوَبُ وَالْأَشْهَرُ أُمُّ
حُفَيْدٍ بِلَا هَاءٍ وَاسْمُهَا هُزَيْلَةُ وكذا ذكرها بن
عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ فِي الصَّحَابَةِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَوْلُهُ (فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنَ النِّسْوَةِ
الْحُضُورِ) كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ
(13/100)
النُّسَخِ النِّسْوَةُ الْحُضُورُ
[1947] قَوْلُهُ (وَلَوْ كَانَ حَرَامًا مَا أُكِلَ عَلَى
مَائِدَةِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ
الْعُلَمَاءُ وَهُوَ إِقْرَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهِ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشَّيْءَ وَسُكُوتُهُ عَلَيْهِ إِذَا
فُعِلَ بِحَضْرَتِهِ يَكُونُ دَلِيلًا لِإِبَاحَتِهِ
وَيَكُونُ بِمَعْنَى قَوْلِهِ أَذَنْتُ فِيهِ وَأَبَحْتُهُ
فَإِنَّهُ لَا يَسْكُتُ عَلَى بَاطِلٍ وَلَا يُقِرُّ
مُنْكَرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
[1948] قَوْلُهُ (دَعَانَا عَرُوسٌ بِالْمَدِينَةِ)
يَعْنِي رَجُلًا تَزَوَّجَ قَرِيبًا وَالْعَرُوسُ يَقَعُ
عَلَى
(13/101)
الْمَرْأَةِ وَعَلَى الرَّجُلِ قَوْلُهُ
(قُرِّبَ إِلَيْهِمْ خِوَانٌ) هُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ
وَضَمِّهَا لُغَتَانِ الْكَسْرُ أَفْصَحُ والجمع أخونة
وخون وليس الْمُرَادُ بِهَذَا الْخِوَانِ مَا نَفَاهُ فِي
الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ فِي قَوْلِهِ مَا أَكَلَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِوَانٍ
قَطُّ بَلْ شَيْءٌ مِنْ نَحْوِ السُّفْرَةِ
[1951] قَوْلُهُ إِنَّا بِأَرْضٍ مَضَبَّةٍ) فِيهَا
لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ إِحْدَاهُمَا فَتْحُ الْمِيمِ
وَالضَّادِ وَالثَّانِيَةُ ضَمُّ الْمِيمِ وَكَسْرُ
الضَّادِ والأول أشهر
(13/102)
وَأَفْصَحُ أَيْ ذَاتُ ضِبَابٍ كَثِيرَةٍ
قَوْلُهُ (إِنِّي فِي غَائِطِ مُضِبَّةٍ) الْغَائِطُ
الْأَرْضُ الْمُطَمْئِنَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَسَخَهُمْ دَوَابَّ يَدِبُّونَ فِي
الْأَرْضِ) أَمَّا يَدِبُّونَ فَبِكَسْرِ الدَّالِ
وَأَمَّا دَوَابُّ فَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ
وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِهَا دَوَابًّا بِالْأَلِفِ
وَالْأَوَّلُ هُوَ الْجَارِي عَلَى الْمَعْرُوفِ
الْمَشْهُورِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب إِبَاحَةِ الْجَرَادِ)
[1952] قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي يَعْفُورٍ) هُوَ بِالْفَاءِ
وَالرَّاءِ وَهُوَ أَبُو يَعْفُورٍ الْأَصْغَرُ اسْمُهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ نِسْطَاسٍ وَأَمَّا
أَبُو يَعْفُورٍ الْأَكْبَرُ فَيُقَالُ لَهُ وَاقِدٌ ويقال
وقدان وَسَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ
وَكِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ (غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ
غَزَوَاتٍ نَأْكُلُ الْجَرَادَ) فِيهِ إِبَاحَةُ
الْجَرَادِ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى إِبَاحَتِهِ
ثُمَّ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ
وَالْجَمَاهِيرُ يَحِلُّ سَوَاءٌ مَاتَ بِذَكَاةٍ أَوْ
بِاصْطِيَادِ مُسْلِمٍ أَوْ مَجُوسِيٍّ أَوْ مَاتَ حَتْفَ
أَنْفِهِ سَوَاءٌ قُطِعَ بعضه
(13/103)
أَوْ أُحْدِثَ فِيهِ سَبَبٌ وَقَالَ
مَالِكٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ وَأَحْمَدُ فِي رِوَايَةٍ
لَا يَحِلُّ إِلَّا إِذَا مَاتَ بِسَبَبٍ بِأَنْ يُقْطَعَ
بَعْضُهُ أَوْ يُسْلَقَ أَوْ يُلْقَى فِي النَّارِ حَيًّا
أَوْ يُشْوَى فَإِنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ فِي
وِعَاءٍ لَمْ يَحِلَّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب إِبَاحَةِ الْأَرْنَبِ)
[1953] قَوْلُهُ (فَاسْتَنْفَجْنَا أَرْنَبًا بِمَرِّ
الظَّهْرَانِ فَسَعَوْا عَلَيْهِ فَلَغَبُوا) مَعْنَى
اسْتَنْفَجْنَا أَثَرْنَا وَنَفَرْنَا وَمَرُّ
الظَّهْرَانِ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالظَّاءِ مَوْضِعٌ
قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ قَوْلُهُ (فَلَغَبُوا) هُوَ بِفَتْحِ
الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ فِي اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ
الْمَشْهُورَةِ وَفِي لُغَةٍ ضَعِيفَةٍ بِكَسْرِهَا
حَكَاهُمَا الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ وَضَعَّفُوهَا أَيْ
أَعْيَوْا وَأَكْلُ الْأَرْنَبِ
(13/104)
حَلَالٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَبِي حَنِيفَةَ
وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً
إِلَّا مَا حُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ
الْعَاصِ وبن أَبِي لَيْلَى أَنَّهُمَا كَرِهَاهَا دَلِيلُ
الْجُمْهُورِ هَذَا الْحَدِيثُ مَعَ أَحَادِيثَ مِثْلِهِ
وَلَمْ يَثْبُتْ فِي النهى عنها شئ
(بَاب إِبَاحَةِ مَا يُسْتَعَانُ بِهِ عَلَى الِاصْطِيَادِ
والعدو وكراهة الخذف ذُكِرَ فِي الْبَابِ
[1954] النَّهْيُ عَنِ الْخَذْفِ لِكَوْنِهِ لَا يَنْكَأُ
الْعَدُوَّ وَلَا يَقْتُلُ الصَّيْدَ وَلَكِنْ يَفْقَأُ
الْعَيْنَ وَيَكْسِرُ السِّنَّ أَمَّا الْخَذْفُ
فَبِالْخَاءِ وَالذَّالِ مُعْجَمَتَيْنِ وَهُوَ رَمْيُ
الْإِنْسَانِ بِحَصَاةٍ أَوْ نواة ونحوهما يجعلها بين
أصبعيه السبابتين أوالابهام وَالسَّبَّابَةِ وَقَوْلُهُ
(يَنْكَأُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَبِالْهَمْزِ فِي آخره هكذا
هو فى)
(13/105)
الرِّوَايَاتِ الْمَشْهُورَةِ قَالَ
الْقَاضِي كَذَا رَوَيْنَاهُ قَالَ وَفِي بَعْضِ
الرِّوَايَاتِ يَنْكِي بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ
الْكَافِ غَيْرِ مَهْمُوزٍ قَالَ الْقَاضِي وَهُوَ
أَوْجَهُ لِأَنَّ الْمَهْمُوزَ إِنَّمَا هُوَ مِنْ
نَكَأْتُ الْقُرْحَةَ وَلَيْسَ هَذَا مَوْضِعَهُ إِلَّا
عَلَى تَجَوُّزٍ وَإِنَّمَا هَذَا مِنَ النِّكَايَةِ
يُقَالُ نَكَيْتُ الْعَدُوَّ وَأَنْكَيْتُهُ نِكَايَةً
وَنَكَأْتُ بِالْهَمْزِ لُغَةٌ فِيهِ قَالَ فَعَلَى هَذِهِ
اللُّغَةِ تَتَوَجَّهُ رِوَايَةُ شُيُوخِنَا وَيَفْقَأُ
الْعَيْنَ مَهْمُوزٌ فِي هَذَا الْحَدِيثِ النَّهْيُ عَنِ
الْخَذْفِ لِأَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهِ وَيُخَافُ
مَفْسَدَتُهُ وَيَلْتَحِقُ بِهِ كُلُّ مَا شَارَكَهُ فِي
هَذَا وَفِيهِ أَنَّ مَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَوْ
حَاجَةٌ فِي قِتَالِ الْعَدُوِّ وَتَحْصِيلِ الصَّيْدِ
فَهُوَ جَائِزٌ وَمِنْ ذَلِكَ رَمْيُ الطُّيُورِ
الْكِبَارِ بِالْبُنْدُقِ إِذَا كَانَ لَا يَقْتُلُهَا
غَالِبًا بَلْ تُدْرَكُ حَيَّةً وَتُذَكَّى فَهُوَ جَائِزٌ
قَوْلُهُ (أُحَدِّثُكَ أَنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه
وسلم نهى عن الخذف ثم تخذف لاأكلمك أَبَدًا) فِيهِ
هِجْرَانُ أَهْلِ الْبِدَعِ وَالْفُسُوقِ وَمُنَابِذِي
السُّنَّةِ مَعَ الْعِلْمِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ هِجْرَانُهُ
دَائِمًا وَالنَّهْيُ عَنِ الْهِجْرَانِ فَوْقَ ثَلَاثَةِ
أَيَّامٍ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ هَجَرَ لِحَظِّ نَفْسِهِ
وَمَعَايِشِ الدُّنْيَا وَأَمَّا أَهْلُ الْبِدَعِ
وَنَحْوُهُمْ فَهِجْرَانُهُمْ دَائِمًا وَهَذَا الْحَدِيثُ
مِمَّا يُؤَيِّدُهُ مَعَ نَظَائِرَ لَهُ كَحَدِيثِ كعب بن
مالك وغيره
(باب الأمر باحسان الدبح
والقتل وتحديد الشفرة)
[1955] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ
اللَّهَ كتب الاحسان على كل شئ فَإِذَا قَتَلْتُمْ
فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ وَإِذَا ذَبَحْتُمْ
(13/106)
فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ وَلْيُحِدَّ
أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ) أَمَّا
الْقِتْلَةُ فَبِكَسْرِ الْقَافِ وَهِيَ الْهَيْئَةُ
وَالْحَالَةُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ فَوَقَعَ فِي كَثِيرٍ
مِنَ النُّسَخِ أَوْ أكثرها فأحسنوا الذبح بفتح الذال
بغيرها وَفِي بَعْضِهَا الذِّبْحَةَ بِكَسْرِ الذَّالِ
وَبِالْهَاءِ كَالْقِتْلَةِ وَهِيَ الْهَيْئَةُ
وَالْحَالَةُ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (وَلْيُحِدَّ) هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ يُقَالُ
أَحَدَّ السِّكِّينَ وَحَدَّدَهَا وَاسْتَحَدَّهَا
بِمَعْنًى وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ بِإِحْدَادِ السِّكِّينِ
وَتَعْجِيلِ إِمْرَارِهَا وَغَيْرِ ذَلِكَ وَيُسْتَحَبُّ
أن لا يحد السكين بحضرة الذبيحة وأن لا يَذْبَحَ وَاحِدَةً
بِحَضْرَةِ أُخْرَى وَلَا يَجُرَّهَا إِلَى مَذْبَحِهَا
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ عَامٌّ فِي كُلِّ قَتِيلٍ مِنَ
الذَّبَائِحِ وَالْقَتْلُ قِصَاصًا وَفِي حَدٍّ وَنَحْوِ
ذَلِكَ وَهَذَا الْحَدِيثُ مِنَ الْأَحَادِيثِ
الْجَامِعَةِ لِقَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَاللَّهُ أعلم
(باب النهى عن صبر البهائم وهو
حبسها لتقتل برمى ونحوه)
[1956] قَوْلُهُ (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُصْبَرَ الْبَهَائِمُ) وَفِي
(13/107)
[1957] رِوَايَةٍ لَا تَتَّخِذُوا شَيْئًا
فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا قَالَ الْعُلَمَاءُ صَبْرُ
الْبَهَائِمِ أَنْ تُحْبَسَ وَهِيَ حَيَّةٌ لِتُقْتَلَ
بِالرَّمْيِ وَنَحْوِهِ وَهُوَ مَعْنَى لَا تَتَّخِذُوا
شَيْئًا فِيهِ الرُّوحُ غَرَضًا أَيْ لَا تَتَّخِذُوا
الْحَيَوَانَ الْحَيَّ غَرَضًا تَرْمُونَ إِلَيْهِ
كَالْغَرَضِ مِنَ الْجُلُودِ وَغَيْرِهَا وَهَذَا
النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ وَلِهَذَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
[1958] رِوَايَةِ بن عُمَرَ الَّتِي بَعْدَ هَذِهِ لَعَنَ
اللَّهُ مَنْ فَعَلَ هَذَا وَلِأَنَّهُ تَعْذِيبٌ
لِلْحَيَوَانِ وَإِتْلَافٌ لِنَفْسِهِ وَتَضْيِيعٌ
لِمَالِيَّتِهِ وَتَفْوِيتٌ لِذَكَاتِهِ إِنْ كَانَ
مُذَكًّى وَلِمَنْفَعَتِهِ إِنْ لَمْ يَكُنْ مُذَكًّى
قَوْلُهُ (نَصَبُوا طَيْرًا وَهُمْ يَرْمُونَهُ) هَكَذَا
هُوَ فِي النُّسَخِ طَيْرًا وَالْمُرَادُ بِهِ وَاحِدٌ
وَالْمَشْهُورُ فِي اللُّغَةِ أَنَّ الْوَاحِدَ يُقَالُ
لَهُ طَائِرٌ وَالْجَمْعُ طَيْرٌ وَفِي لُغَةٍ قَلِيلَةٍ
إِطْلَاقُ الطَّيْرِ عَلَى الْوَاحِدِ وَهَذَا الْحَدِيثُ
جَارٍ عَلَى تِلْكَ اللُّغَةِ قَوْلُهُ (وَقَدْ جَعَلُوا
لِصَاحِبِ الطَّيْرِ كُلَّ خَاطِئَةٍ مِنْ نبلهم
(13/108)
هُوَ بِهَمْزِ خَاطِئَةٍ أَيْ مَا لَمْ يُصِبِ الْمَرْمَى
وَقَوْلُهُ خَاطِئَةٍ لُغَةٌ وَالْأَفْصَحُ مُخْطِئَةٌ
يُقَالُ لِمَنْ قَصَدَ شَيْئًا فَأَصَابَ غَيْرَهُ غَلَطًا
أَخْطَأَ فهو مخطىء وفى لغة قليلة خطأ فَهُوَ خَاطِئٌ
وَهَذَا الْحَدِيثُ جَاءَ عَلَى اللُّغَةِ الثَّانِيَةِ
حَكَاهَا أَبُو عُبَيْدٍ وَالْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا
وَاللَّهُ أَعْلَمُ |