شرح النووي على
مسلم (كِتَاب السَّلَامِ)
(بَاب يُسَلِّمُ الرَّاكِبُ عَلَى الْمَاشِي وَالْقَلِيلُ
عَلَى الْكَثِيرِ)
[2160] هَذَا أَدَبٌ مِنْ آدَابِ السَّلَامِ وَاعْلَمْ
أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةٌ وَرَدُّهُ وَاجِبٌ
فَإِنْ كَانَ الْمُسَلِّمُ جَمَاعَةً فَهُوَ سُنَّةُ
كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِمْ إِذَا سَلَّمَ بَعْضُهُمْ
حَصَلَتْ سُنَّةُ السَّلَامِ فِي حَقِّ جَمِيعِهِمْ فَإِنْ
كَانَ الْمُسَلِّمُ عَلَيْهِ وَاحِدًا تَعَيَّنَ عَلَيْهِ
الرَّدُّ وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً كَانَ الرَّدُّ فَرْضَ
كِفَايَةٍ فِي حَقِّهِمْ فَإِذَا رَدَّ وَاحِدٌ مِنْهُمْ
سَقَطَ الْحَرَجُ عَنِ الْبَاقِينَ وَالْأَفْضَلُ أَنْ
يَبْتَدِئَ الْجَمِيعُ بِالسَّلَامِ وَأَنْ يَرُدَّ
الْجَمِيعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لابد أن يرد
الجميع ونقل بن عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ إِجْمَاعَ
الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةٌ
وَأَنَّ رَدَّهُ فَرْضٌ وَأَقَلُّ السَّلَامِ أَنْ يَقُولَ
السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَإِنْ كَانَ الْمُسَلَّمُ عَلَيْهِ
وَاحِدًا فَأَقَلُّهُ السَّلَامُ عَلَيْكَ وَالْأَفْضَلُ
أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ لِيَتَنَاوَلَهُ
وَمَلَكَيْهِ وَأَكْمَلُ مِنْهُ أَنْ يَزِيدَ وَرَحْمَةُ
اللَّهِ وَأَيْضًا وَبَرَكَاتُهُ وَلَوْ قَالَ سَلَامٌ
عَلَيْكُمْ أَجْزَأَهُ وَاسْتَدَلَّ الْعُلَمَاءُ
لِزِيَادَةِ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ بِقَوْلِهِ
تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ سَلَامِ الْمَلَائِكَةِ بَعْدَ
ذِكْرِ السَّلَامِ رَحْمَةُ الله وبركاته عليكم أهل البيت
وَبِقَوْلِ الْمُسْلِمِينَ كُلِّهِمْ فِي التَّشَهُّدِ
السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ
اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ
الْمُبْتَدِي عَلَيْكُمُ السَّلَامُ فَإِنْ قَالَهُ
اسْتَحَقَّ الجواب على الصحيح المشهور وقيل لايستحقه
وَقَدْ صَحَّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ لاتقل عَلَيْكَ السَّلَامُ فَإِنَّ
عَلَيْكَ السَّلَامُ تَحِيَّةُ الْمَوْتَى وَاللَّهُ
أَعْلَمُ وَأَمَّا صِفَةُ الرَّدِّ فَالْأَفْضَلُ
(14/140)
وَالْأَكْمَلُ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكُمُ
السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ فَيَأْتِي
بِالْوَاوِ فَلَوْ حَذَفَهَا جَازَ وَكَانَ تَارِكًا
لِلْأَفْضَلِ وَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَى وَعَلَيْكُمُ
السَّلَامُ أَوْ عَلَى عَلَيْكُمُ السَّلَامُ أَجْزَأَهُ
وَلَوِ اقْتَصَرَ على عليكم لم يجزه بلا خلاف ولوقال
وَعَلَيْكُمْ بِالْوَاوِ فَفِي إِجْزَائِهِ وَجْهَانِ
لِأَصْحَابِنَا قَالُوا وَإِذَا قَالَ الْمُبْتَدِي
سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَ
الْمُجِيبُ مِثْلُهُ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَوِ السَّلَامُ
عَلَيْكُمْ كَانَ جَوَابًا وَأَجْزَأَهُ قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ وَلَكِنْ
بِالْأَلْفِ وَاللَّامِ أَفْضَلُ وَأَقَلُّ السَّلَامِ
ابْتِدَاءً وردا أن يسمع صاحبه ولايجزئه دُونَ ذَلِكَ
وَيُشْتَرَطُ كَوْنُ الرَّدِّ عَلَى الْفَوْرِ وَلَوْ
أَتَاهُ سَلَامٌ مِنْ غَائِبٍ مَعَ رَسُولٍ أَوْ فِي
وَرَقَةٍ وَجَبَ الرَّدُّ عَلَى الْفَوْرِ وَقَدْ جَمَعْتُ
فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ نَحْوَ كُرَّاسَتَيْنِ فِي
الْفَوَائِدِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالسَّلَامِ وَهَذَا
الَّذِي جَاءَ بِهِ الْحَدِيثُ مِنْ تَسْلِيمِ الرَّاكِبِ
عَلَى الْمَاشِي وَالْقَائِمِ عَلَى الْقَاعِدِ
وَالْقَلِيلِ عَلَى الْكَثِيرِ وَفِي كِتَابِ
الْبُخَارِيِّ وَالصَّغِيرِ عَلَى الْكَبِيرِ كُلُّهُ
لِلِاسْتِحْبَابِ فَلَوْ عَكَسُوا جَازَ وَكَانَ خِلَافَ
الْأَفْضَلِ وَأَمَّا مَعْنَى السَّلَامِ فَقِيلَ هُوَ
اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى فقوله السلام عليك أى اسم
السلامعليك وَمَعْنَاهُ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَيْ
أَنْتَ فِي حِفْظِهِ كَمَا يُقَالُ اللَّهُ مَعَكَ
وَاللَّهُ يَصْحَبُكَ وَقِيلَ السَّلَامُ بِمَعْنَى
السَّلَامَةِ أَيِ السَّلَامَةُ مُلَازِمَةٌ لَكَ
(بَاب مِنْ حَقِّ الْجُلُوسِ عَلَى الطَّرِيقِ رَدُّ
السَّلَامِ)
[2161] قَوْلُهُ (كُنَّا قُعُودًا بِالْأَفْنِيَةِ
نَتَحَدَّثُ) هِيَ جَمْعُ فِنَاءٍ بِكَسْرِ الْفَاءِ
وَالْمَدِّ وَهُوَ حريم الدار ونحوها وماكان فِي
جَوَانِبِهَا وَقَرِيبًا مِنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اجْتَنِبُوا مَجَالِسَ الصُّعُدَاتِ
فَقُلْنَا إِنَّمَا قعدنا لغير مابأس فَقَعَدْنَا
نَتَذَاكَرُ وَنَتَحَدَّثُ قَالَ إِمَّا لَا فَأَدُّوا
حَقَّهَا غَضُّ الْبَصَرِ وَرَدُّ السَّلَامِ وَحُسْنُ
(14/141)
الْكَلَامِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى
غَضُّ الْبَصَرِ وَكَفُّ الْأَذَى وَرَدُّ السَّلَامِ
وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ
أَمَّا الصُّعُدَاتُ فَبِضَمِّ الصَّادِ وَالْعَيْنِ
وَهِيَ الطُّرُقَاتُ وَاحِدُهَا صَعِيدٌ كَطَرِيقٍ يُقَالُ
صَعِيدٌ وَصُعُدٌ وَصُعْدَانٌ كَطَرِيقٍ وَطُرُقٍ
وَطَرَقَاتٍ عَلَى وَزْنِهِ وَمَعْنَاهُ وَقَدْ صَرَّحَ
بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إما لافبكسر
الْهَمْزَةِ وَبِالْإِمَالَةِ وَمَعْنَاهُ إِنْ لَمْ
تَتْرُكُوهَا فَأَدُّوا حَقَّهَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ
هَذِهِ اللَّفْظَةِ مَبْسُوطًا فى كتاب الحج وقوله قعدنا
لغير مابأس لفظة ما زائدة وقد سَبَقَ شَرْحُ هَذَا
الْحَدِيثِ وَالْمَقْصُودُ مِنْهُ أَنَّهُ يُكْرَهُ
الْجُلُوسُ عَلَى الطُّرُقَاتِ لِلْحَدِيثِ وَنَحْوِهِ
وَقَدْ أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِلَى عِلَّةِ النَّهْيِ مِنَ التَّعَرُّضِ
لِلْفِتَنِ وَالْإِثْمِ بِمُرُورِ النِّسَاءِ
وَغَيْرِهِنَّ وَقَدْ يَمْتَدُّ نَظَرٌ إِلَيْهِنَّ أَوْ
فكرفيهن أَوْ ظَنُّ سُوءٍ فِيهِنَّ أَوْ فِي غَيْرِهِنَّ
مِنَ الْمَارِّينَ وَمِنْ أَذَى النَّاسِ بِاحْتِقَارِ
مَنْ يَمُرُّ أَوْ غِيبَةٍ أَوْ غَيْرِهَا أَوْ إِهْمَالِ
رَدِّ السَّلَامِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ أَوْ إِهْمَالِ
الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي لَوْ خَلَا فِي
بَيْتِهِ سَلِمَ مِنْهَا وَيَدْخُلُ فِي الْأَذَى أَنْ
يُضَيِّقَ الطَّرِيقَ عَلَى الْمَارِّينَ أَوْ يَمْتَنِعَ
النِّسَاءُ وَنَحْوُهُنَّ مِنَ الْخُرُوجِ فِي
أَشْغَالِهِنَّ بِسَبَبِ قُعُودِ الْقَاعِدِينَ فِي
الطَّرِيقِ أَوْ يَجْلِسَ بِقُرْبِ بَابِ دَارِ إِنْسَانٍ
يَتَأَذَّى بِذَلِكَ أَوْ حَيْثُ يَكْشِفُ مِنْ أَحْوَالِ
النَّاسِ النَّاسُ شَيْئًا يَكْرَهُونَهُ وَأَمَّا حُسْنُ
الْكَلَامِ فَيَدْخُلُ فِيهِ حُسْنُ كَلَامِهِمْ فِي
حَدِيثِهِمْ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ فَلَا يَكُونُ فِيهِ
غِيبَةٌ وَلَا نميمة
(14/142)
وَلَا كَذِبٌ وَلَا كَلَامٌ يُنْقِصُ
الْمُرُوءَةَ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْكَلَامِ
الْمَذْمُومِ وَيَدْخُلُ فِيهِ كَلَامُهُمْ لِلْمَارِّ
مِنْ رَدَّ السَّلَامِ وَلُطْفِ جَوَابِهِمْ لَهُ
وَهِدَايَتِهِ لِلطَّرِيقِ وَإِرْشَادِهِ لِمَصْلَحَتِهِ
وَنَحْوِ ذَلِكَ
(بَاب مِنْ حَقِّ الْمُسْلِمِ لِلْمُسْلِمِ رَدُّ
السَّلَامِ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2162] (خَمْسٌ تَجِبُ لِلْمُسْلِمِ عَلَى أَخِيهِ رَدُّ
السَّلَامِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ وَإِجَابَةُ
الدَّعْوَةِ وَعِيَادَةُ الْمَرِيضِ وَاتِّبَاعُ
الْجَنَائِزِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى حَقُّ
الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ سِتٌّ إِذَا لَقِيتَهُ
فَسَلِّمْ عَلَيْهِ وَإِذَا دَعَاكَ فَأَجِبْهُ وَإِذَا
استنصحك فانصح له واذا عطس فحمدالله فَشَمِّتْهُ وَإِذَا
مَرِضَ فَعُدْهُ وَإِذَا مَاتَ فَاتَّبِعْهُ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِذَا اسْتَنْصَحَكَ
فَمَعْنَاهُ طَلَبَ مِنْكَ النَّصِيحَةَ فَعَلَيْكَ أَنْ
تَنْصَحَهُ وَلَا تُدَاهِنَهُ وَلَا تَغُشَّهُ وَلَا
تُمْسِكَ عَنْ بيان النصيحة والله أعلم
(14/143)
(باب النهى عن
ابتداء أهل الكتاب بالسلام وكيف يرد عليهم)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2163] (إِذَا سَلَّمَ أَهْلُ الْكِتَابِ فَقُولُوا
وَعَلَيْكُمْ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ
يُسَلِّمُونَ عَلَيْنَا فَكَيْفَ نَرُدُّ عَلَيْهِمْ قَالَ
قُولُوا وَعَلَيْكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ
[2164] إِنَّ الْيَهُودَ إِذَا سَلَّمُوا عَلَيْكُمْ
يَقُولُ أَحَدُهُمْ السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقُلْ عَلَيْكَ
وَفِي رِوَايَةٍ فَقُلْ وَعَلَيْكَ وَفِي رِوَايَةٍ
[2165] إِنَّ رَهْطًا مِنَ الْيَهُودِ اسْتَأْذَنُوا عَلَى
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالُوا السَّامُ عَلَيْكُمْ فَقَالَتْ عَائِشَةُ بَلْ
عَلَيْكُمُ السَّامُ وَاللَّعْنَةُ فَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ياعائشة إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ قَالَتْ
أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالُوا قَالَ قَدْ قُلْتُ
وَعَلَيْكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ قَدْ قُلْتُ عَلَيْكُمْ بحذف
الواو وفى الحديث الآخر
[2167] لاتبدأوا الْيَهُودَ وَلَا النَّصَارَى
بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ
فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ
عَلَى الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا سَلَّمُوا
لكن لايقال لَهُمْ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ بَلْ يُقَالُ
عَلَيْكُمْ فَقَطْ أَوْ وَعَلَيْكُمْ وَقَدْ جَاءَتِ
الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ عَلَيْكُمْ
وَعَلَيْكُمْ بِإِثْبَاتِ الْوَاوِ وَحَذْفِهَا وَأَكْثَرُ
الرِّوَايَاتِ بِإِثْبَاتِهَا وَعَلَى هَذَا فِي مَعْنَاهُ
وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالُوا
عَلَيْكُمُ الْمَوْتُ فَقَالَ وَعَلَيْكُمْ أَيْضًا أَيْ
نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِيهِ سَوَاءٌ وَكُلُّنَا نَمُوتُ
وَالثَّانِي أَنَّ الْوَاوَ هُنَا للاستئناف لاللعطف
والتشريك وتقديره وعليكم ماتستحقونه مِنَ الذَّمِّ
وَأَمَّا حَذْفُ الْوَاوِ فَتَقْدِيرُهُ بَلْ عَلَيْكُمُ
السَّامُ قَالَ الْقَاضِي اخْتَارَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ
منهم بن حَبِيبٍ الْمَالِكِيُّ حَذْفَ الْوَاوِ لِئَلَّا
يَقْتَضِيَ التَّشْرِيكَ وَقَالَ غَيْرُهُ بِإِثْبَاتِهَا
كَمَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ قَالَ وَقَالَ
بَعْضُهُمْ يَقُولُ عَلَيْكُمُ السِّلَامُ بِكَسْرِ
السِّينِ أَيِ الْحِجَارَةُ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَقَالَ
الْخَطَّابِيُّ عَامَّةُ الْمُحَدِّثِينَ يَرْوُونَ هَذَا
(14/144)
الحرف وعليكم بالواو وكان بن عُيَيْنَةَ
يَرْوِيهِ بِغَيْرِ وَاوٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَهَذَا
هُوَ الصَّوَابُ لِأَنَّهُ إِذَا حُذِفَ الْوَاوُ صَارَ
كَلَامُهُمْ بِعَيْنِهِ مَرْدُودًا عَلَيْهِمْ خَاصَّةً
وَإِذَا ثَبَتَ الْوَاوُ اقْتَضَى الْمُشَارَكَةَ مَعَهُمْ
فِيمَا قَالُوهُ هَذَا كَلَامُ الْخَطَّابِيِّ
وَالصَّوَابُ أَنَّ إِثْبَاتَ الْوَاوِ وَحَذْفَهَا
جَائِزَانِ كَمَا صَحَّتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ وَأَنَّ
الْوَاوَ أَجْوَدُ كَمَا هُوَ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ
وَلَا مَفْسَدَةَ فِيهِ لِأَنَّ السَّامَ الْمَوْتُ وَهُوَ
عَلَيْنَا وعليهم ولاضرر فِي قَوْلِهِ بِالْوَاوِ
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي رَدِّ السَّلَامِ عَلَى
الْكُفَّارِ وَابْتِدَائِهِمْ بِهِ فَمَذْهَبُنَا
تَحْرِيمُ ابْتِدَائِهِمْ بِهِ وَوُجُوبُ رَدِّهِ
عَلَيْهِمْ بِأَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكُمْ أَوْ عَلَيْكُمْ
فَقَطْ وَدَلِيلُنَا فِي الِابْتِدَاءِ قوله صلى الله عليه
وسلم لاتبدأوا اليهود ولاالنصارى بِالسَّلَامِ وَفِي
الرَّدِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقُولُوا وَعَلَيْكُمْ وَبِهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ
عَنْ مَذْهَبِنَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ وَعَامَّةُ
السَّلَفِ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى جَوَازِ
ابْتِدَائِنَا لَهُمْ بِالسَّلَامِ رُوِيَ ذلك عن بن عباس
وأبي أمامة وبن أَبِي مُحَيْرِيزٍ وَهُوَ وَجْهٌ لِبَعْضِ
أَصْحَابِنَا حَكَاهُ الماوردى لكنه قال يقول السلام عليك
ولايقول عَلَيْكُمْ بِالْجَمْعِ وَاحْتَجَّ هَؤُلَاءِ
بِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ وَبِإِفْشَاءِ السَّلَامِ وَهِيَ
حُجَّةٌ بَاطِلَةٌ لِأَنَّهُ عَامٌّ مَخْصُوصٌ بحديث
لاتبدأو اليهود ولاالنصارى بِالسَّلَامِ وَقَالَ بَعْضُ
أَصْحَابِنَا يُكْرَهُ ابْتِدَاؤُهُمْ بِالسَّلَامِ
ولايحرم وَهَذَا ضَعِيفٌ أَيْضًا لِأَنَّ النَّهْيَ
لِلتَّحْرِيمِ فَالصَّوَابُ تَحْرِيمُ ابْتِدَائِهِمْ
وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُ يَجُوزُ
ابْتِدَاؤُهُمْ بِهِ لِلضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ أَوْ
سَبَبٍ وَهُوَ قَوْلُ عَلْقَمَةَ وَالنَّخَعِيِّ وَعَنِ
الْأَوْزَاعِيِّ أَنَّهُ قَالَ إِنْ سَلَّمْتَ فَقَدْ
سَلَّمَ الصَّالِحُونَ وَإِنْ تَرَكْتَ فَقَدْ تَرَكَ
الصَّالِحُونَ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ العلماء لايرد
عليهم السلام ورواه بن وَهْبٍ وَأَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ
وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ فِي
الرَّدِّ عَلَيْهِمْ وَعَلَيْكُمُ السلام ولكن لايقول
وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ وَهُوَ
ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِلْأَحَادِيثِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَيَجُوزُ الِابْتِدَاءُ بِالسَّلَامِ عَلَى جَمْعٍ
فِيهِمْ مُسْلِمُونَ وَكُفَّارٌ أَوْ مُسْلِمٌ وَكُفَّارٌ
وَيَقْصِدُ الْمُسْلِمِينَ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ أَنَّهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَلَّمَ عَلَى مَجْلِسٍ
فِيهِ أَخْلَاطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ياعائشة إِنَّ
اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ هَذَا
مِنْ عَظِيمِ خُلُقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَكَمَالِ حِلْمِهِ وَفِيهِ حَثٌّ عَلَى الرِّفْقِ
وَالصَّبْرِ وَالْحِلْمِ وَمُلَاطَفَةِ النَّاسِ مَا لَمْ
تَدْعُ حَاجَةٌ إِلَى الْمُخَاشَنَةِ قَوْلُهَا عَلَيْكُمُ
السَّامُ وَالذَّامُ هُوَ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ
وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَهُوَ الذَّمُّ ويقال بالهمزة
أَيْضًا وَالْأَشْهَرُ تَرْكُ الْهَمْزِ وَأَلِفُهُ
مُنْقَلِبَةٌ عَنْ واو والذام والذيم والذم بمعنى العيب
وروى الدام بِالدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَمَعْنَاهُ
الدَّائِمُ وَمِمَّنْ ذَكَرَ أَنَّهُ روى بالمهملة بن
الْأَثِيرِ وَنَقَلَ الْقَاضِي الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّهُ
بِالْمُعْجَمَةِ قَالَ وَلَوْ رُوِيَ بِالْمُهْمَلَةِ
لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ والله أعلم
(14/145)
قَوْلُهُ
[2166] (فَفَطِنَتْ بِهِمْ عَائِشَةُ فَسَبَّتْهُمْ
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مه ياعائشةفان الله لايحب الْفُحْشَ
وَالتَّفَحُّشَ) مَهْ كَلِمَةُ زَجْرٍ عَنِ الشَّيْءِ
وَقَوْلُهُ فَفَطِنَتْ هُوَ بِالْفَاءِ وَبِالنُّونِ
بَعْدَ الطَّاءِ مِنَ الْفِطْنَةِ هَكَذَا هُوَ فِي
جَمِيعِ النُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنِ
الْجُمْهُورِ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فَقَطَّبَتْ
بِالْقَافِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ وَبِالْبَاءِ
الْمُوَحَّدَةِ وقدتخفيف الطَّاءُ فِي هَذَا اللَّفْظِ
وَهُوَ بِمَعْنَى قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى
غَضِبَتْ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ الْأَوَّلُ وَأَمَّا
سَبُّهَا لَهُمْ فَفِيهِ الِانْتِصَارُ مِنَ الظَّالِمِ
وَفِيهِ الِانْتِصَارُ لِأَهْلِ الْفَضْلِ مِمَّنْ
يُؤْذِيهِمْ وَأَمَّا الْفُحْشُ فَهُوَ الْقَبِيحُ مِنَ
الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَقِيلَ الْفُحْشُ مُجَاوَزَةُ
الْحَدِّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ تَغَافُلِ
أَهْلِ الْفَضْلِ عَنْ سَفَهِ الْمُبْطِلِينَ إِذَا لَمْ
تَتَرَتَّبْ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ قَالَ الشَّافِعِيُّ
رَحِمَهُ اللَّهُ الْكَيِّسُ الْعَاقِلُ هُوَ الْفَطِنُ
الْمُتَغَافِلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدَهُمْ فِي طَرِيقٍ
فَاضْطَرُّوهُ إِلَى أَضْيَقِهِ قَالَ أَصْحَابُنَا لايترك
لِلذِّمِّيِّ صَدْرُ الطَّرِيقِ بَلْ يُضْطَرُّ إِلَى
أَضْيَقِهِ إِذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَطْرُقُونَ فَإِنْ
خَلَتِ الطَّرِيقُ عن الرحمة فلاحرج قالوا وليكن التضييق
بحيث لايقع فى وهدة ولايصدمه جِدَارٌ وَنَحْوُهُ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
(14/147)
(بَاب اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ عَلَى
الصِّبْيَانِ)
قَوْلُهُ
[2168] (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى غِلْمَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ)
وَفِي رِوَايَةٍ مَرَّ بِصِبْيَانٍ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ
(14/148)
الْغِلْمَانُ هُمُ الصِّبْيَانُ بِكَسْرِ
الصَّادِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِضَمِّهَا فَفِيهِ
اسْتِحْبَابُ السَّلَامِ عَلَى الصِّبْيَانِ
الْمُمَيِّزِينَ وَالنَّدْبُ إِلَى التَّوَاضُعِ وَبَذْلُ
السَّلَامِ لِلنَّاسِ كُلِّهِمْ وَبَيَانُ تَوَاضُعِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَمَالُ شَفَقَتِهِ
عَلَى الْعَالَمِينَ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى
اسْتِحْبَابِ السَّلَامِ عَلَى الصِّبْيَانِ وَلَوْ
سَلَّمَ عَلَى رِجَالٍ وَصِبْيَانٍ فَرَدَّ السَّلَامَ
صَبِيٌّ مِنْهُمْ هَلْ يَسْقُطُ فَرْضُ الرَّدِّ عَنِ
الرِّجَالِ فَفِيهِ وَجْهَانِ لِأَصْحَابِنَا أَصَحُّهُمَا
يَسْقُطُ وَمِثْلُهُ الْخِلَافُ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ
هَلْ يَسْقُطُ فَرْضُهَا بِصَلَاةِ الصَّبِيِّ الْأَصَحُّ
سُقُوطُهُ وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيُّ وَلَوْ سَلَّمَ
الصَّبِيُّ عَلَى رجل لزم الرجل رد السلام هذا هُوَ
الصَّوَابُ الَّذِي أَطْبَقَ عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ
وَقَالَ بعض أصحابنا لايجب وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ
وَأَمَّا النِّسَاءُ فَإِنْ كُنَّ جَمِيعًا سَلَّمَ
عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً سَلَّمَ عَلَيْهَا
النِّسَاءُ وَزَوْجُهَا وَسَيِّدُهَا وَمَحْرَمُهَا
سَوَاءٌ كَانَتْ جَمِيلَةً أَوْ غَيْرَهَا وَأَمَّا
الْأَجْنَبِيُّ فَإِنْ كانت عجوزا لاتشتهى اسْتُحِبَّ لَهُ
السَّلَامُ عَلَيْهَا وَاسْتُحِبَّ لَهَا السَّلَامُ
عَلَيْهِ وَمَنْ سَلَّمَ مِنْهُمَا لَزِمَ الْآخَرَ رَدُّ
السَّلَامِ عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ شَابَّةً أَوْ
عَجُوزًا تُشْتَهَى لَمْ يُسَلِّمْ عَلَيْهَا
الْأَجْنَبِيُّ وَلَمْ تُسَلِّمْ عَلَيْهِ وَمَنْ سَلَّمَ
مِنْهُمَا لَمْ يَسْتَحِقَّ جَوَابًا وَيُكْرَهُ رَدُّ
جَوَابِهِ هَذَا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ وقال
ربيعة لايسلم الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ وَلَا
النِّسَاءُ عَلَى الرِّجَالِ وهذا غلط وقال الكوفيون
لايسلم الرِّجَالُ عَلَى النِّسَاءِ إِذَا لَمْ يَكُنْ
فِيهِنَّ محرم والله أعلم
(14/149)
(باب جواز جعل
الأذن رفع حجاب أو غيره من العلامات)
قوله
[2169] (عن بن مَسْعُودٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آذنك على أن ترفع الحجاب وأن
تسمع سِوَادِي حَتَّى أَنْهَاكَ) السِّوَادُ بِكَسْرِ
السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالدَّالِ وَاتَّفَقَ
الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ السِّرَارُ
بِكَسْرِ السِّينِ وَبِالرَّاءِ الْمُكَرَّرَةِ وَهُوَ
السِّرُّ والمسار ريقال سَاوَدْتُ الرَّجُلَ مُسَاوَدَةً
إِذَا سَارَرْتُهُ قَالُوا وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ
إِدْنَاءِ سِوَادِكَ مِنْ سِوَادِهِ عِنْدَ الْمُسَارَرَةِ
أَيْ شَخْصُكَ مِنْ شَخْصِهِ وَالسِّوَادُ اسْمٌ لكل شخص
وفيه دليل لجواز اعتماد الْعَلَامَةَ فِي الْإِذْنِ فِي
الدُّخُولِ فَإِذَا جَعَلَ الْأَمِيرُ وَالْقَاضِي
وَنَحْوُهُمَا وَغَيْرُهُمَا رَفْعَ السِتْرَ الَّذِي
عَلَى بَابِهِ عَلَامَةً فِي الْإِذْنِ فِي الدُّخُولِ
عَلَيْهِ لِلنَّاسِ عَامَّةً أَوْ لِطَائِفَةٍ خَاصَّةً
أَوْ لِشَخْصٍ أَوْ جَعَلَ عَلَامَةً غَيْرَ ذَلِكَ جَازَ
اعْتِمَادُهَا وَالدُّخُولُ إِذَا وُجِدَتْ بِغَيْرِ
اسْتِئْذَانٍ وَكَذَا إِذَا جَعْلَ الرَّجُلُ ذَلِكَ
عَلَامَةً بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَدَمِهِ وَمَمَالِيكِهِ
وَكِبَارِ أَوْلَادِهِ وَأَهْلِهِ فَمَتَى أَرْخَى حجابه
فلادخول عليه إلاباستئذان فَإِذَا رَفَعَهُ جَازَ بِلَا
اسْتِئْذَانٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب إِبَاحَةِ الْخُرُوجِ لِلنِّسَاءِ لِقَضَاءِ حَاجَةِ
الْإِنْسَانِ)
قَوْلُهُ
[2170] (وَكَانَتِ امْرَأَةً جَسِيمَةً تَفْرَعُ
النِّسَاءَ جِسْمًا لاتخفى عَلَى مَنْ يَعْرِفُهَا)
فَقَوْلُهُ جَسِيمَةً أَيْ عَظِيمَةَ
(14/150)
الْجِسْمِ وَقَوْلُهُ تَفْرَعُ هُوَ
بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَفَتْحِ الرَّاءِ
وَبِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ تَطْوُلُهُنَّ فَتَكُونُ
أَطْوَلَ مِنْهُنَّ وَالْفَارِعُ الْمُرْتَفِعُ الْعَالِي
وَقَوْلُهُ لاتخفى على من يعرفها يعنى لاتخفى إِذَا
كَانَتْ مُتَلَفِّفَةً فِي ثِيَابِهَا وَمِرْطِهَا فِي
ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَنَحْوِهَا عَلَى مَنْ قَدْ سَبَقَتْ
لَهُ مَعْرِفَةُ طُولِهَا لِانْفِرَادِهَا بِذَلِكَ
قَوْلُهَا وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرْقٌ
هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ
الْعَظْمُ الَّذِي عَلَيْهِ بَقِيَّةُ لَحْمٍ هَذَا هُوَ
الْمَشْهُورُ وَقِيلَ هُوَ الْقَذِرَةُ مِنَ اللَّحْمِ
وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ قَوْلُهُ قَالَ هِشَامٌ يَعْنِي
الْبَرَازَ هَكَذَا الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ
الْبَرَازُ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَهُوَ الْمَوْضِعُ
الْوَاسِعُ الْبَارِزُ الظَّاهِرُ وَقَدْ قَالَ
الْجَوْهَرِيُّ فِي الصِّحَاحِ الْبِرَازُ بِكَسْرِ
الْبَاءِ هُوَ الْغَائِطُ وَهَذَا أَشْبَهُ أَنْ يَكُونَ
هُوَ الْمُرَادُ هُنَا فَإِنَّ مُرَادَ هِشَامٍ بِقَوْلِهِ
يَعْنِي الْبَرَازَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أُذِنَ لَكُنَّ أَنْ تَخْرُجْنَ
لِحَاجَتِكُنَّ فَقَالَ هِشَامٌ الْمُرَادُ بِحَاجَتِهِنَّ
الْخُرُوجُ لِلْغَائِطِ لالكل حَاجَةٍ مِنْ أُمُورِ
الْمَعَايِشِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ كُنَّ
يَخْرُجْنَ إِذَا تَبَرَّزْنَ إِلَى الْمَنَاصِعِ وَهُوَ
صَعِيدٌ أَفْيَحُ مَعْنَى تَبَرَّزْنَ أَرَدْنَ الْخُرُوجَ
لِقَضَاءِ الْحَاجَةِ وَالْمَنَاصِعُ بِفَتْحِ الْمِيمِ
وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ الْمَكْسُورَةِ وَهُوَ جَمْعُ
مَنْصَعٍ وَهَذِهِ الْمَنَاصِعُ مَوَاضِعُ قَالَ
الْأَزْهَرِيُّ أَرَاهَا مَوَاضِعَ خَارِجَ الْمَدِينَةِ
وَهُوَ مُقْتَضَى قَوْلِهِ فِي الْحَدِيثِ وَهُوَ صَعِيدٌ
أَفْيَحُ أَيْ أَرْضٌ مُتَّسَعَةٌ وَالْأَفْيَحُ
بِالْفَاءِ الْمَكَانُ الْوَاسِعُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ
مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ تَنْبِيهُ أَهْلِ الْفَضْلِ
وَالْكِبَارِ عَلَى مَصَالِحِهِمْ وَنَصِيحَتِهِمْ
وَتَكْرَارُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ جَوَازُ تَعَرُّقِ
الْعَظْمِ وَجَوَازُ خُرُوجِ الْمَرْأَةِ مِنْ بَيْتِ
زَوْجِهَا لِقَضَاءِ حَاجَةِ الْإِنْسَانِ إِلَى
الْمَوْضِعِ الْمُعْتَادِ لِذَلِكَ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانِ
الزَّوْجِ لِأَنَّهُ مِمَّا أَذِنَ فِيهِ الشَّرْعُ قَالَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ فَرْضُ الْحِجَابِ مِمَّا اخْتُصَّ بِهِ
أَزْوَاجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَهُوَ فَرْضٌ عَلَيْهِنَّ بلا خلاف فى الوجه والكفين
فلايجوز لَهُنَّ كَشْفُ ذَلِكَ لِشَهَادَةٍ وَلَا
غَيْرِهَا وَلَا يَجُوزُ لَهُنَّ إِظْهَارُ شُخُوصِهِنَّ
وَإِنْ كُنَّ مُسْتَتِرَاتٍ إلاما دَعَتْ إِلَيْهِ
الضَّرُورَةُ مِنَ الْخُرُوجِ لِلْبَرَازِ قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا
فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وراء حجاب وَقَدْ كُنَّ إِذَا
قَعَدْنَ لِلنَّاسِ جَلَسْنَ مِنْ وَرَاءِ الْحِجَابِ
وَإِذَا خَرَجْنَ حُجِبْنَ وَسَتَرْنَ أَشْخَاصَهُنَّ
كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ حَفْصَةَ يَوْمَ وَفَاةِ عُمَرَ
وَلَمَّا تُوُفِّيَتْ زَيْنَبُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
جَعَلُوا لَهَا قُبَّةً فَوْقَ نَعْشِهَا تَسْتُرُ
شَخْصَهَا هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي
(14/151)
(بَاب تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ
بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالدُّخُولِ عَلَيْهَا)
قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم
[2171] (لايبتن رجل عند امرأة إِلَّا أَنْ يَكُونَ
نَاكِحًا أَوْ ذَا مَحْرَمٍ) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ
بِلَادِنَا إِلَّا أَنْ يَكُونَ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ
مِنْ تَحْتُ أَيْ يَكُونَ الدَّاخِلُ زَوْجًا أَوْ ذَا
مَحْرَمٍ وَذَكَرَهُ الْقَاضِي فَقَالَ إِلَّا أَنْ
تَكُونَ نَاكِحًا أَوْ ذَاتَ مَحْرَمٍ بِالتَّاءِ
الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَقَالَ ذَاتَ بَدَلُ ذا قال والمراد
بالنا كح الْمَرْأَةُ الْمُزَوَّجَةُ وَزَوْجُهَا حَاضِرٌ
فَيَكُونُ مَبِيتُ الْغَرِيبِ فِي بَيْتِهَا بِحَضْرَةِ
زَوْجِهَا وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي اقْتَصَرَ
عَلَيْهَا وَالتَّفْسِيرُ غَرِيبَانِ مَرْدُودَانِ
وَالصَّوَابُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى الَّتِي ذَكَرْتُهَا
عَنْ نُسَخِ بِلَادِنَا وَمَعْنَاهُ لايبيتن رَجُلٌ عِنْدَ
امْرَأَةٍ إِلَّا زَوْجُهَا أَوْ مَحْرَمٌ لَهَا قَالَ
الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا خُصَّ الثَّيِّبُ لِكَوْنِهَا
الَّتِي يُدْخَلُ إِلَيْهَا غَالِبًا وَأَمَّا الْبِكْرُ
فَمَصُونَةٌ مُتَصَوِّنَةٌ فِي الْعَادَةِ مُجَانِبَةٌ
لِلرِّجَالِ أَشَدَّ مُجَانَبَةٍ فَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى
ذِكْرِهَا وَلِأَنَّهُ مِنْ بَابِ التَّنْبِيهِ لِأَنَّهُ
إِذَا نُهِيَ عَنِ الثَّيِّبِ الَّتِي يَتَسَاهَلُ
النَّاسُ فِي الدُّخُولِ عَلَيْهَا فِي الْعَادَةِ
فَالْبِكْرُ أَوْلَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ
وَالْأَحَادِيثِ بَعْدَهُ تَحْرِيمُ الْخَلْوَةِ
بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَإِبَاحَةُ الْخَلْوَةِ
بِمَحَارِمِهَا وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ مُجْمَعٌ
عَلَيْهِمَا وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْمَحْرَمَ هُوَ
كُلُّ مَنْ حَرُمَ عَلَيْهِ نِكَاحُهَا عَلَى التَّأْبِيدِ
لِسَبَبٍ مُبَاحٍ لِحُرْمَتِهَا فَقَوْلُنَا عَلَى
التَّأْبِيدِ احْتِرَازٌ مِنْ أُخْتِ امْرَأَتِهِ
وَعَمَّتِهَا وَخَالَتِهَا وَنَحْوِهِنَّ وَمِنْ بِنْتِهَا
قَبْلَ الدُّخُولِ بِالْأُمِّ وَقَوْلنَا لِسَبَبٍ مُبَاحٍ
احْتِرَازٌ مِنْ أُمِّ الْمَوْطُوءَةِ بِشُبْهَةٍ
وَبِنْتِهَا فانه حرام على التأبيد لكن لالسبب مباح فان
وطء الشبهة لايوصف بِأَنَّهُ مُبَاحٌ وَلَا مُحَرَّمٌ
وَلَا بِغَيْرِهِمَا مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ الْخَمْسَةِ
لِأَنَّهُ لَيْسَ فِعْلَ مُكَلَّفٍ وَقَوْلنَا
لِحُرْمَتِهَا احْتِرَازٌ مِنَ الْمُلَاعَنَةِ فَهِيَ
حَرَامٌ على التأبيد لالحرمتها بَلْ تَغْلِيظًا
عَلَيْهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2172] (الْحَمْوُ الْمَوْتُ) قَالَ اللَّيْثُ بن
(14/153)
سعد الحمو أخو الزوج وماأشبهه من أقارب
الزوج بن الْعَمِّ وَنَحْوُهُ اتَّفَقَ أَهْلُ اللُّغَةِ
عَلَى أَنَّ الاحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وعمه وأخيه
وبن أخيه وبن عَمِّهِ وَنَحْوِهِمْ وَالْأُخْتَانِ
أَقَارِبُ زَوْجَةِ الرَّجُلِ وَالْأَصْهَارُ يَقَعُ عَلَى
النَّوْعَيْنِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْحَمْوُ الْمَوْتُ فَمَعْنَاهُ أَنَّ
الْخَوْفَ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ وَالشَّرُّ
يُتَوَقَّعُ مِنْهُ وَالْفِتْنَةُ أَكْثَرُ لِتَمَكُّنِهِ
مِنَ الْوُصُولِ إِلَى الْمَرْأَةِ وَالْخَلْوَةِ مِنْ
غَيْرِ أَنْ يُنْكَرَ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الأجنبى والمراد
بالحموهنا أَقَارِبُ الزَّوْجِ غَيْرُ آبَائِهِ
وَأَبْنَائِهِ فَأَمَّا الْآبَاءُ والأبناء فمحارم لزوجته
تجوزلهم الخلوة بها ولايوصفون بالموت وانما المراد الأخ
وبن الْأَخِ وَالْعَمُّ وَابْنُهُ وَنَحْوُهُمْ مِمَّنْ
لَيْسَ بِمَحْرَمٍ وَعَادَةُ النَّاسِ الْمُسَاهَلَةُ
فِيهِ وَيَخْلُو بِامْرَأَةِ أَخِيهِ فَهَذَا هُوَ
الْمَوْتُ وَهُوَ أَوْلَى بِالْمَنْعِ مِنَ الأجنبي
لماذكرناه فَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ هُوَ صَوَابُ
مَعْنَى الْحَدِيثِ وأما ماذكره الْمَازِرِيُّ وَحَكَاهُ
أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَمْوِ أَبُو الزَّوْجِ وَقَالَ
إِذَا نُهِيَ عَنْ أَبِي الزَّوْجِ وَهُوَ مَحْرَمٌ
فَكَيْفَ بِالْغَرِيبِ فَهَذَا كَلَامٌ فَاسِدٌ مَرْدُودٌ
ولايجوز حمل الحديث عليه فكذا مانقله الْقَاضِي عَنْ أَبِي
عُبَيْدٍ أَنَّ مَعْنَى الْحَمْوِ الموت فليمت ولايفعل
هَذَا هُوَ أَيْضًا كَلَامٌ فَاسِدٌ بَلِ الصَّوَابُ
ماقدمناه وقال بن الْأَعْرَابِيِّ هِيَ كَلِمَةٌ
تَقُولُهَا الْعَرَبُ كَمَا يُقَالُ الْأَسَدُ الْمَوْتُ
أَيْ لِقَاؤُهُ مِثْلُ الْمَوْتِ وَقَالَ القاضي معناه
الخلوة بالأحماءمؤدية إِلَى الْفِتْنَةِ وَالْهَلَاكِ فِي
الدِّينِ فَجَعَلَهُ كَهَلَاكِ الْمَوْتِ فَوَرَدَ
الْكَلَامُ مَوْرِدَ التَّغْلِيظِ قَالَ وَفِي الْحَمِّ
أَرْبَعُ لُغَاتٍ إِحْدَاهَا هَذَا حَمُوكَ بِضَمِّ
الْمِيمِ فِي الرَّفْعِ وَرَأَيْتُ حَمَاكَ وَمَرَرْتُ
بِحَمِيكَ وَالثَّانِيَةُ هَذَا حَمْؤُكَ بِإِسْكَانِ
الْمِيمِ وَهَمْزَةٍ مَرْفُوعَةٍ وَرَأَيْتُ حَمْأَكَ
وَمَرَرْتُ بِحَمْئِكَ وَالثَّالِثَةُ حَمَا هَذَا حَمَاكَ
وَرَأَيْتُ حَمَاكَ وَمَرَرْتُ بِحَمَاكَ كَقَفَا
وَقَفَاكَ وَالرَّابِعَةُ حَمٌّ كَأَبٍّ وَأَصْلُهُ حَمَوٌ
بِفَتْحِ
(14/154)
الحاء والميم وحماة المرأة أم زوجها لايقال
فِيهَا غَيْرُ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وسلم
[2173] (لايدخلن رَجُلٌ بَعْدَ يَوْمِي هَذَا عَلَى
مُغْيِبَةٍ إِلَّا وَمَعَهُ رَجُلٌ أَوْ رَجُلَانِ)
الْمُغْيِبَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْغَيْنِ
الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَهِيَ الَّتِي غَابَ
عَنْهَا زَوْجُهَا وَالْمُرَادُ غَابَ زَوْجُهَا عَنْ
مَنْزِلِهَا سَوَاءٌ غَابَ عَنِ الْبَلَدِ بِأَنْ سَافَرَ
أَوْ غَابَ عَنِ الْمَنْزِلِ وَإِنْ كَانَ فِي الْبَلَدِ
هَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ وَهَذَا ظَاهِرٌ
مُتَعَيِّنٌ قَالَ الْقَاضِي وَدَلِيلُهُ هَذَا الْحَدِيثُ
وَأَنَّ الْقِصَّةَ الَّتِي قِيلَ الْحَدِيثُ بِسَبَبِهَا
وَأَبُو بَكْرٍ رضى الله عنه غائب عن منزله لاعن الْبَلَدِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إِنَّ ظَاهِرَ هَذَا الْحَدِيثِ
جَوَازُ خَلْوَةِ الرَّجُلَيْنِ أَوِ الثَّلَاثَةِ
بِالْأَجْنَبِيَّةِ وَالْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا
تَحْرِيمُهُ فَيُتَأَوَّلُ الْحَدِيثُ عَلَى جَمَاعَةٍ
يَبْعُدُ وُقُوعُ الْمُوَاطَأَةِ مِنْهُمْ عَلَى
الْفَاحِشَةِ لصلاحهم أو مروءتهم أوغير ذَلِكَ وَقَدْ
أَشَارَ الْقَاضِي إِلَى نَحْوِ هَذَا التأويل
(14/155)
(باب بيان أنه يستحب لمن رؤى خَالِيًا
بِامْرَأَةٍ وَكَانَتْ زَوْجَتَهُ أَوْ مَحْرَمًا لَهُ
أَنْ يَقُولَ هَذِهِ فُلَانَةُ لِيَدْفَعَ ظَنَّ السُّوءِ
بِهِ)
قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ صَفِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
وَزِيَارَتِهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي اعْتِكَافِهِ عِشَاءً فَرَأَى الرَّجُلَيْنِ
فَقَالَ
[2175] (إِنَّهَا صفية فقالاسبحان اللَّهِ فَقَالَ إِنَّ
الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ)
الْحَدِيثُ فِيهِ فَوَائِدُ مِنْهَا بَيَانُ كَمَالِ
شَفَقَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى
أُمَّتِهِ وَمُرَاعَاتِهِ لِمَصَالِحِهِمْ وَصِيَانَةِ
قُلُوبِهِمْ وَجَوَارِحِهِمْ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ
رَحِيمًا فَخَافَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن
يلقى الشيطان فىقلوبهما فَيَهْلِكَا فَإِنَّ ظَنَّ
السُّوءِ بِالْأَنْبِيَاءِ كُفْرٌ بِالْإِجْمَاعِ
وَالْكَبَائِرُ غَيْرُ جَائِزَةٍ عَلَيْهِمْ وَفِيهِ أَنَّ
مَنْ ظَنَّ شَيْئًا مِنْ نَحْوِ هَذَا بِالنَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَفَرَ وَفِيهِ جَوَازُ
زِيَارَةِ الْمَرْأَةِ لِزَوْجِهَا الْمُعْتَكِفِ فِي
لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ وأنه لايضر اعْتِكَافَهُ لَكِنْ
يُكْرَهُ الْإِكْثَارُ مِنْ مُجَالَسَتِهَا
وَالِاسْتِلْذَاذِ بِحَدِيثِهَا لِئَلَّا يَكُونَ
ذَرِيعَةً إِلَى الْوِقَاعِ أَوْ إِلَى الْقُبْلَةِ أَوْ
نَحْوِهَا مِمَّا يُفْسِدُ الِاعْتِكَافَ وَفِيهِ
اسْتِحْبَابُ التَّحَرُّزِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِسُوءِ
ظَنِّ النَّاسِ فِي الْإِنْسَانِ وَطَلَبِ السَّلَامَةِ
وَالِاعْتِذَارِ بِالْأَعْذَارِ الصحيحة وأنه متى فعل ماقد
ينكر ظاهره مماهو حَقٌّ وَقَدْ يَخْفَى أَنْ
(14/156)
يُبَيِّنَ حَالَهُ لِيَدْفَعَ ظَنَّ
السُّوءِ وَفِيهِ الِاسْتِعْدَادُ لِلتَّحَفُّظِ مِنْ
مَكَايِدِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَجْرِي مِنَ
الْإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ فَيَتَأَهَّبُ الْإِنْسَانُ
لِلِاحْتِرَازِ مِنْ وَسَاوِسِهِ وَشَرِّهِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2174] (إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الْإِنْسَانِ
مَجْرَى الدَّمِ) قَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قِيلَ هُوَ
عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ
قُوَّةً وَقُدْرَةً عَلَى الْجَرْيِ فِي بَاطِنِ
الْإِنْسَانِ مَجَارِي دَمِهِ وَقِيلَ هُوَ عَلَى
الِاسْتِعَارَةِ لِكَثْرَةِ اغوائه ووسوسته فكانه لايفارق
الانسان كما لايفارقه دَمُهُ وَقِيلَ يُلْقِي وَسْوَسَتَهُ
فِي مَسَامٍّ لَطِيفَةٍ مِنَ الْبَدَنِ فَتَصِلُ
الْوَسْوَسَةُ إِلَى الْقَلْبِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يافلان هَذِهِ
زَوْجَتِي فُلَانَةٌ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ
بِالتَّاءِ قَبْلَ الْيَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ صَحِيحَةٌ
وَإِنْ كَانَ الْأَشْهَرُ حَذْفُهَا وَبِالْحَذْفِ جَاءَتْ
آيَاتُ الْقُرْآنِ وَالْإِثْبَاتُ كَثِيرٌ أَيْضًا
قَوْلُهَا فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي هُوَ بِفَتْحِ
الْيَاءِ أَيْ لِيَرُدَّنِي إِلَى منزلى فيه جواز تمشى
المعتكف معها مالم يَخْرُجْ مِنَ الْمَسْجِدِ وَلَيْسَ فِي
الْحَدِيثِ أَنَّهُ خَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رِسْلِكُمَا هُوَ
بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا لغتان والكسر أفصح وأشهر أى
على هينتكما فِي الْمَشْيِ فَمَا هُنَا شَيْءٌ
تَكْرَهَانِهِ قَوْلُهُ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ فِيهِ
جَوَازُ التَّسْبِيحِ تَعْظِيمًا لِلشَّيْءِ وَتَعَجُّبًا
مِنْهُ وَقَدْ كَثُرَ فِي الْأَحَادِيثِ وَجَاءَ بِهِ
الْقُرْآنُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لَوْلَا إِذْ
سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نتكلم بهذا
سبحانك
(14/157)
(باب من أتى
مجلسا فوجد فرجة فجلس فيها والاوراءهم)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2176] بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ وَالنَّاسُ
مَعَهُ إِذْ أَقْبَلَ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ فَأَقْبَلَ
اثْنَانِ) إِلَى آخِرِهِ فِيهِ اسْتِحْبَابُ جُلُوسِ
الْعَالِمِ لِأَصْحَابِهِ وَغَيْرِهِمْ فِي مَوْضِعٍ بارز
ظاهر للناس والمسجد أفضل فيذا كرهم الْعِلْمَ وَالْخَيْرَ
وَفِيهِ جَوَازُ حِلَقِ الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ فِي
الْمَسْجِدِ وَاسْتِحْبَابُ دُخُولِهَا وَمُجَالَسَةِ
أَهْلِهَا وَكَرَاهَةُ الِانْصِرَافِ عَنْهَا مِنْ غَيْرِ
عُذْرٍ وَاسْتِحْبَابُ الْقُرْبِ مِنْ كَبِيرِ الْحَلْقَةِ
لِيَسْمَعَ كَلَامَهُ سَمَاعًا بَيِّنًا وَيَتَأَدَّبَ
بِأَدَبِهِ وَأَنَّ قَاصِدَ الْحَلْقَةِ إِنْ رَأَى فرجة
دخل فيها والاجلس وراءهم وفيه الثناء على من فعل جميلافانه
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَثْنَى عَلَى
الِاثْنَيْنِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَأَنَّ الْإِنْسَانَ
إِذَا فَعَلَ قَبِيحًا وَمَذْمُومًا وَبَاحَ بِهِ جَازَ
أَنْ يُنْسَبَ إِلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَرَأَى فُرْجَةً فِي
الْحَلْقَةِ فَدَخَلَ فِيهَا) الْفُرْجَةُ بِضَمِّ
الْفَاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ وَهِيَ الْخَلَلُ بَيْنَ
الشَّيْئَيْنِ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا فَرْجٌ وَمِنْهُ
قوله تعالى وما لها من فروج جَمْعُ فَرْجٍ وَأَمَّا
الْفُرْجَةُ بِمَعْنَى الرَّاحَةِ مِنَ الْغَمِّ فَذَكَرَ
الْأَزْهَرِيُّ فِيهَا فَتْحَ الْفَاءِ وَضَمَّهَا
وَكَسْرَهَا وَقَدْ فَرَجَ لَهُ فِي الْحَلْقَةِ
وَالصَّفِّ وَنَحْوِهِمَا بِتَخْفِيفِ الرَّاءِ يَفْرُجُ
بِضَمِّهَا وَأَمَّا الْحَلْقَةُ فَبِإِسْكَانِ اللَّامِ
عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ فَتْحَهَا
وهىلغة رَدِيئَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (أَمَّا أَحَدُهُمْ فَأَوَى إِلَى اللَّهِ
فَآوَاهُ اللَّهُ) لَفْظَةُ أوى بالقصر وآواه بِالْمَدِّ
هَكَذَا الرِّوَايَةُ وَهَذِهِ هِيَ اللُّغَةُ
الْفَصِيحَةُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ أَنَّهُ إِذَا
كَانَ لَازِمًا كَانَ مَقْصُورًا وَإِنْ كَانَ
مُتَعَدِّيًا كَانَ مَمْدُودًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصخرة وَقَالَ تَعَالَى
إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ وقال
(14/158)
فى المتعدى وآويناهما إلى ربوة وقال تعالى
ألم يجدك يتيما فآوى قَالَ الْقَاضِي وَحَكَى بَعْضُ
أَهْلِ اللُّغَةِ فِيهِمَا جَمِيعًا لُغَتَيْنِ الْقَصْرَ
وَالْمَدَّ فَيُقَالُ أَوَيْتُ إِلَى الرَّجُلِ
بِالْقَصْرِ وَالْمَدِّ وَآوَيْتُهُ بِالْمَدِّ
وَالْقَصْرِ وَالْمَشْهُورُ الْفَرْقُ كَمَا سَبَقَ قَالَ
الْعُلَمَاءُ مَعْنَى أَوَى إِلَى اللَّهِ أَيْ لَجَأَ
إِلَيْهِ قَالَ الْقَاضِي وَعِنْدِي أَنَّ مَعْنَاهُ هُنَا
دَخَلَ مَجْلِسَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى أَوْ دَخَلَ
مَجْلِسَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ وَمَجْمَعِ أَوْلِيَائِهِ وَانْضَمَّ إِلَيْهِ
وَمَعْنَى آوَاهُ اللَّهُ أَيْ قَبِلَهُ وَقَرَّبَهُ
وَقِيلَ مَعْنَاهُ رَحِمَهُ أَوْ آوَاهُ إِلَى جَنَّتِهِ
أى كتبهاله قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحَى فَاسْتَحَى اللَّهُ مِنْهُ)
أَيْ تَرَكَ الْمُزَاحَمَةَ والتخطى حياءمن اللَّهِ
تَعَالَى وَمِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
والحاضرين أواستحياء مِنْهُمْ أَنْ يُعْرِضَ ذَاهِبًا
كَمَا فَعَلَ الثَّالِثُ فَاسْتَحَى اللَّهُ مِنْهُ أَيْ
رَحِمَهُ وَلَمْ يُعَذِّبْهُ بَلْ غَفَرَ ذُنُوبَهُ
وَقِيلَ جَازَاهُ بِالثَّوَابِ قَالُوا وَلَمْ يُلْحِقْهُ
بِدَرَجَةِ صَاحِبِهِ الْأَوَّلِ فِي الْفَضِيلَةِ الَّذِي
آوَاهُ وَبَسَطَ لَهُ اللُّطْفَ وَقَرَّبَهُ وَأَمَّا
الثَّالِثُ فَأَعْرَضَ فَأَعْرَضَ اللَّهُ عَنْهُ أَيْ
لَمْ يَرْحَمْهُ وَقِيلَ سَخِطَ عَلَيْهِ وَهَذَا
مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ ذَهَبَ مُعْرِضًا لَا لِعُذْرٍ
وَضَرُورَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الثَّانِي وَأَمَّا الْآخَرُ فَاسْتَحَى هَذَا دَلِيلُ
اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ فِي
الْجَمَاعَةِ أَنْ يُقَالَ فِي غَيْرِ الْأَخِيرِ مِنْهُمُ
الْآخَرُ فَيُقَالُ حَضَرَنِي ثَلَاثَةٌ أَمَّا أَحَدُهُمْ
فَقُرَشِيٌّ وَأَمَّا الْآخَرُ فَأَنْصَارِيٌّ وَأَمَّا
الآخر فتيمى وقد زعم بعضهم أنه لايستعمل الآخر الافى
الْآخَرِ خَاصَّةً وَهَذَا الْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي
الرَّدِّ عَلَيْهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(14/159)
(بَاب تَحْرِيمِ إِقَامَةِ الْإِنْسَانِ
مِنْ مَوْضِعِهِ الْمُبَاحِ الَّذِي سَبَقَ إِلَيْهِ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
[2177] (لايقمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يجلس) فيهوفى
رِوَايَةٍ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا وَتَوَسَّعُوا وَفِي
رِوَايَةٍ وَكَانَ بن عمر إذا قام له رجل عن مجلسه لم
يَجْلِسَ فِيهِ وَفِي رِوَايَةٍ وَلَكِنْ تَفَسَّحُوا
وَتَوَسَّعُوا هَذَا النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ
[2178] فَمَنْ سَبَقَ إِلَى مَوْضِعٍ مباح فى المسجد وغيره
يوم الجمعة أوغيره لِصَلَاةٍ أَوْ غَيْرِهَا فَهُوَ
أَحَقُّ بِهِ وَيَحْرُمُ على غيره اقامته لهذا الحديث
الاأن أَصْحَابَنَا اسْتَثْنَوْا مِنْهُ مَا إِذَا أَلِفَ
مِنَ الْمَسْجِدِ مَوْضِعًا يُفْتِي فِيهِ أَوْ يَقْرَأَ
قُرْآنًا أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ
فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ وَإِذَا حَضَرَ لَمْ يَكُنْ
لِغَيْرِهِ أَنْ يقعدفيه وَفِي مَعْنَاهُ مَنْ سَبَقَ
إِلَى مَوْضِعٍ مِنَ الشوارع ومقاعد الأسواق لمعاملة
وأماقوله وكان بن عمر إذا قام له رجل عن مجلسه لَمْ
يَجْلِسْ فِيهِ فَهَذَا
(14/160)
وَرَعٌ مِنْهُ وَلَيْسَ قُعُودُهُ فِيهِ
حَرَامًا إِذَا قَامَ بِرِضَاهُ لَكِنَّهُ تَوَرَّعَ
عَنْهُ لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ رُبَّمَا
اسْتَحَى مِنْهُ إِنْسَانٌ فَقَامَ لَهُ مِنْ مَجْلِسِهِ
مِنْ غَيْرِ طِيبِ قَلْبِهِ فَسَدَّ بن عُمَرَ الْبَابَ
لِيَسْلَمَ مِنْ هَذَا وَالثَّانِي أَنَّ الْإِيثَارَ
بِالْقُرْبِ مَكْرُوهٌ أَوْ خِلَافُ الْأَوْلَى فَكَانَ بن
عُمَرَ يَمْتَنِعُ مِنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَرْتَكِبَ أَحَدٌ
بِسَبَبِهِ مَكْرُوهًا أَوْ خِلَافَ الْأَوْلَى بِأَنْ
يَتَأَخَّرَ عَنْ مَوْضِعِهِ مِنَ الصَّفِّ الْأَوَّلِ
وَيُؤْثِرَهُ بِهِ وَشِبْهِ ذَلِكَ قَالَ أَصْحَابُنَا
وَإِنَّمَا يُحْمَدُ الْإِيثَارُ بِحُظُوظِ النُّفُوسِ
وَأُمُورِ الدُّنْيَا دُونَ الْقُرْبِ وَاللَّهُ أعلم
(باب اذا قام من مجلسه ثم عاد فهو أحق بِهِ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2179] (مَنْ قَامَ مِنْ مَجْلِسِهِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَيْهِ
فَهُوَ أَحَقُّ بِهِ) قَالَ أَصْحَابُنَا هَذَا الْحَدِيثُ
فِيمَنْ جَلَسَ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْمَسْجِدِ أَوْ
غَيْرِهِ لِصَلَاةٍ مثلاثم فَارَقَهُ لِيَعُودَ بِأَنْ
فَارَقَهُ لِيَتَوَضَّأَ أَوْ يَقْضِيَ
(14/161)
شُغْلًا يَسِيرًا ثُمَّ يَعُودَ لَمْ
يَبْطُلِ اخْتِصَاصُهُ بَلْ إِذَا رَجَعَ فَهُوَ أَحَقُّ
بِهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ قَدْ قَعَدَ
فِيهِ غَيْرُهُ فَلَهُ أَنْ يُقِيمَهُ وَعَلَى الْقَاعِدِ
أَنْ يُفَارِقَهُ لِهَذَا الْحَدِيثِ هَذَا هُوَ
الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَأَنَّهُ يَجِبُ عَلَى
مَنْ قَعَدَ فِيهِ مفارقته اذا رجع الأول وقال بعض العلماء
هذا مستحب ولايجب وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالصَّوَابُ
الْأَوَّلُ قَالَ أَصْحَابُنَا ولافرق بَيْنَ أَنْ يَقُومَ
مِنْهُ وَيَتْرُكَ فِيهِ سَجَّادَةً ونحوها أم لافهذا
أَحَقُّ بِهِ فِي الْحَالَيْنِ قَالَ أَصْحَابُنَا
وَإِنَّمَا يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ فِي تِلْكَ الصَّلَاةِ
وَحْدَهَا دُونَ غَيْرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب مَنْعِ الْمُخَنَّثِ من الدخول على النساء الاجانب)
قَوْلُهَا
[2181] (كَانَ يَدْخُلُ عَلَى أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُخَنَّثٌ فَكَانُوا
يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ فَدَخَلَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا
وَهُوَ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ وَهُوَ يَنْعَتُ امْرَأَةً
قَالَ إِذَا أَقْبَلَتْ
(14/162)
أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أَرَى
هذا يعرف ماههنا لايدخل عَلَيْكُنَّ فَحَجَبُوهُ) قَالَ
أَهْلُ اللُّغَةِ الْمُخَنَّثُ هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ
وَفَتْحِهَا وَهُوَ الَّذِي يُشْبِهُ النِّسَاءَ فِي
أَخْلَاقِهِ وَكَلَامِهِ وَحَرَكَاتِهِ وَتَارَةً يَكُونُ
هَذَا خُلُقَهُ مِنَ الْأَصْلِ وَتَارَةً بِتَكَلُّفٍ
وَسَنُوضِحُهُمَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَسَائِرُ
الْعُلَمَاءِ مَعْنَى قَوْلِهِ تُقْبِلُ بِأَرْبَعِ
وَتُدْبِرُ بِثَمَانٍ أَيْ أَرْبَعِ عُكَنٍ وَثَمَانِ
عُكَنٍ قَالُوا وَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا أَرْبَعَ عُكَنٍ
تقبل بهن من كل ناحية اثنتان وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ
طَرَفَانِ فَإِذَا أَدْبَرَتْ صَارَتِ الْأَطْرَافُ
ثَمَانِيَةً قَالُوا وَإِنَّمَا ذَكَرَ فَقَالَ بِثَمَانٍ
وَكَانَ أَصْلُهُ أَنْ يَقُولَ بِثَمَانِيَةٍ فَإِنَّ
الْمُرَادَ الْأَطْرَافُ وَهِيَ مُذَكَّرَةٌ لِأَنَّهُ
لَمْ يَذْكُرْ لَفْظَ الْمُذَكَّرِ وَمَتَى لَمْ
يَذْكُرْهُ جَازَ حَذْفُ الْهَاءِ كَقَوْلِهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ صَامَ رَمَضَانَ
وَأَتْبَعَهُ بِسِتٍّ مِنْ شَوَّالٍ سَبَقَتِ
الْمَسْأَلَةُ هُنَاكَ وَاضِحَةً وَأَمَّا دُخُولُ هَذَا
الْمُخَنَّثِ أَوَّلًا عَلَى أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ
فَقَدْ بَيَّنَ سَبَبَهُ فِي هَذَا الْحَدِيثُ بِأَنَّهُمْ
كَانُوا يَعْتَقِدُونَهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ
وَأَنَّهُ مُبَاحٌ دُخُولُهُ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا سَمِعَ
مِنْهُ هَذَا الْكَلَامَ عَلِمَ أَنَّهُ مِنْ أُولِي
الْإِرْبَةِ فَمَنَعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
الدُّخُولَ فَفِيهِ مَنْعُ الْمُخَنَّثِ مِنَ الدُّخُولِ
عَلَى النِّسَاءِ وَمَنْعُهُنَّ مِنَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ
وَبَيَانُ أَنَّ لَهُ حُكْمَ الرِّجَالِ الْفُحُولِ
الرَّاغِبِينَ فِي النِّسَاءِ فِي هَذَا الْمَعْنَى
وَكَذَا حُكْمُ الْخَصِيِّ وَالْمَجْبُوبِ ذَكَرُهُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاخْتُلِفَ فِي اسْمِ هَذَا
الْمُخَنَّثِ قَالَ الْقَاضِي الْأَشْهَرُ أَنَّ اسْمَهُ
هِيْتٌ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتُ سَاكِنَةٍ
ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ قَالَ وَقِيلَ صَوَابُهُ هَنْبٌ
بِالنُّونِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ قاله بن
دُرُسْتَوَيْهِ وَقَالَ إِنَّمَا سِوَاهُ تَصْحِيفٌ قَالَ
وَالْهَنَبُ الْأَحْمَقُ وَقِيلَ مَاتِعٌ بِالْمُثَنَّاةِ
فَوْقُ مَوْلَى فَاخِتَةَ الْمَخْزُومِيَّةِ وَجَاءَ هَذَا
فِي حَدِيثٍ آخَرَ ذُكِرَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَرَّبَ مَاتِعًا هَذَا
وَهِيتًا إِلَى الْحِمَى ذَكَرَهُ الواقدى وذكر أبومنصور
الْبَادَرْدِيُّ نَحْوَ الْحِكَايَةِ عَنْ مُخَنَّثٍ كَانَ
بِالْمَدِينَةِ يُقَالُ لَهُ أَنَهُ وَذَكَرَ أَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَاهُ
إِلَى حَمْرَاءِ الْأَسَدِ والمحفوظأنه هِيْتٌ قَالَ
الْعُلَمَاءُ وَإِخْرَاجُهُ وَنَفْيُهُ كَانَ لِثَلَاثَةِ
مَعَانٍ أَحَدُهَا الْمَعْنَى الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ
أَنَّهُ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ مِنْ غَيْرِ أُولِي
الْإِرْبَةِ وَكَانَ مِنْهُمْ وَيَتَكَتَّمُ بِذَلِكَ
وَالثَّانِي وَصْفُهُ النِّسَاءَ وَمَحَاسِنَهُنَّ
وَعَوْرَاتَهُنَّ بِحَضْرَةِ الرِّجَالِ وَقَدْ نُهِيَ
أَنْ تصف المرأة المرأة لزوجها
(14/163)
فَكَيْفَ إِذَا وَصَفَهَا الرَّجُلُ
لِلرِّجَالِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ ظَهَرَ لَهُ مِنْهُ
أَنَّهُ كَانَ يَطَّلِعُ مِنَ النِّسَاءِ وَأَجْسَامِهِنَّ
وَعَوْرَاتِهِنَّ عَلَى مَا لَا يَطَّلِعُ عليه كثير من
النساء فكيف الرجال لاسيما عَلَى مَا جَاءَ فِي غَيْرِ
مُسْلِمٍ أَنَّهُ وصفها حتى وصف مابين رجليها أى فرجها
وحواليه والله أعلم
قَوْلُهُ
[2182] (عَنْ أَسْمَاءَ إِنَّهَا كَانَتْ تَعْلِفُ فَرَسَ
زوجها الزبير وتكفيه مؤنته وتسوسه وتدق النو لِنَاضِحِهِ
وَتَعْلِفُهُ وَتَسْتَقِي الْمَاءَ وَتَعْجِنُ) هَذَا
كُلُّهُ من المعروف والمروآت الَّتِي أَطْبَقَ النَّاسُ
عَلَيْهَا وَهُوَ أَنَّ الْمَرْأَةَ تَخْدُمُ زَوْجَهَا
بِهَذِهِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا مِنَ
الْخَبْزِ وَالطَّبْخِ وَغَسْلِ الثِّيَابِ وَغَيْرِ
ذَلِكَ وَكُلُّهُ تَبَرُّعٌ مِنَ الْمَرْأَةِ وَإِحْسَانٌ
مِنْهَا إِلَى زَوْجِهَا وحسن معاشرة وفعل معروف معه
ولايجب عليها شيء من ذلك بل لوامتنعت مِنْ جَمِيعِ هَذَا
لَمْ تَأْثَمْ وَيَلْزَمُهُ هُوَ تَحْصِيلُ هَذِهِ
الْأُمُورِ لَهَا وَلَا يَحِلُّ
(14/164)
لَهُ إِلْزَامُهَا بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا
وَإِنَّمَا تَفْعَلُهُ الْمَرْأَةُ تَبَرُّعًا وَهِيَ
عَادَةٌ جَمِيلَةٌ اسْتَمَرَّ عَلَيْهَا النِّسَاءُ مِنَ
الزَّمَنِ الْأَوَّلِ إِلَى الْآنَ وَإِنَّمَا الْوَاجِبُ
عَلَى الْمَرْأَةِ شَيْئَانِ تَمْكِينُهَا زَوْجَهَا مِنْ
نَفْسِهَا وَمُلَازَمَةُ بَيْتِهِ قَوْلُهَا (وَأَخْرُزُ
غَرْبَهُ) هُوَ بِغَيْنٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ
رَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَهُوَ الدَّلْوُ
الْكَبِيرُ قَوْلُهَا (وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ
أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقَطَعَهُ رسول الله صلى الله
عليه وسلم على رَأْسِي وَهُوَ عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ
قَالَ أَهْلُ اللغة يقال أقطعه اذا أعطاه قطيعةوهي
قِطْعَةُ أَرْضٍ سُمِّيَتْ قَطِيعَةً لِأَنَّهَا
اقْتَطَعَهَا مِنْ جُمْلَةِ الْأَرْضِ وَقَوْلُهُ عَلَى
ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ أَيْ مِنْ مَسْكَنِهَا بِالْمَدِينَةِ
وَأَمَّا الْفَرْسَخُ فَهُوَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ
وَالْمِيلُ سِتَّةُ آلَافِ ذِرَاعٍ وَالذِّرَاعُ أَرْبَعٌ
وَعِشْرُونَ إِصْبَعًا مُعْتَرِضَةٌ مُعْتَدِلَةٌ
وَالْأُصْبُعُ سِتُّ شَعِيرَاتٍ مُعْتَرِضَاتٍ
مُعْتَدِلَاتٍ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِجَوَازِ إِقْطَاعِ
الامام فأما الأرض المملوكة لبيت المال فلايملكها أَحَدٌ
إِلَّا بِإِقْطَاعِ الْإِمَامِ ثُمَّ تَارَةً يَقْطَعُ
رَقَبَتَهَا وَيَمْلِكُهَا الْإِنْسَانُ يَرَى فِيهِ
مَصْلَحَةً فَيَجُوزُ وَيَمْلِكُهَا كَمَا يَمْلِكُ مَا
يُعْطِيهِ مِنَ الدَّرَاهِمِ وَالدَّنَانِيرِ وَغَيْرِهَا
إِذَا رَأَى فِيهِ مَصْلَحَةً وَتَارَةً يَقْطَعُهُ
مَنْفَعَتُهَا فَيَسْتَحِقُّ الِانْتِفَاعَ بِهَا مُدَّةَ
الْإِقْطَاعِ وأما الموات فيجوز لكل أحد احياؤه ولايفتقر
إِلَى إِذْنِ الْإِمَامِ هَذَا مَذْهَبُ مَالِكٍ
وَالشَّافِعِيِّ والجمهور وقال أبو حنيفة لايملك الموات
بالاحياء الاباذن الْإِمَامِ وَأَمَّا قَوْلُهَا وَكُنْتُ
أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ فَأَشَارَ
الْقَاضِي إِلَى أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا تَلْتَقِطُهُ
مِنَ النَّوَى السَّاقِطِ فِيهَا مِمَّا أَكَلَهُ النَّاسُ
وَأَلْقَوْهُ قَالَ فَفِيهِ جَوَازُ الْتِقَاطِ
الْمَطْرُوحَاتِ رَغْبَةً عَنْهَا كَالنَّوَى
وَالسَّنَابِلِ وَخِرَقِ الْمَزَابِلِ وسقاطتها ومايطرحه
النَّاسُ مِنْ رَدِيءِ الْمَتَاعِ وَرَدِيءِ الْخُضَرِ
وَغَيْرِهَا مِمَّا يُعْرَفُ أَنَّهُمْ تَرَكُوهُ رَغْبَةً
عَنْهُ فَكُلُّ هَذَا يَحِلُّ الْتِقَاطُهُ وَيَمْلِكُهُ
الْمُلْتَقِطُ وَقَدْ لَقَطَهُ الصَّالِحُونَ وَأَهْلُ
الْوَرَعِ وَرَأَوْهُ مِنَ الْحَلَالِ الْمَحْضِ
وَارْتَضَوْهُ لِأَكْلِهِمْ وَلِبَاسِهِمْ قَوْلُهَا
(فَجِئْتُ يَوْمًا وَالنَّوَى عَلَى رَأْسِي فَلَقِيتُ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم
(14/165)
وَمَعَهُ نَفَرٌ مِنْ أَصْحَابِهِ
فَدَعَانِي وَقَالَ إِخْ إِخْ لِيَحْمِلنِي خَلْفَهُ
فَاسْتَحْيَيْتُ وَعَرَفْتُ غَيْرَتَكَ) أَمَّا لَفْظَةُ
إِخْ إِخْ فَهِيَ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَإِسْكَانِ
الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ كَلِمَةٌ تُقَالُ
لِلْبَعِيرِ لِيَبْرُكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ
الْإِرْدَافِ عَلَى الدَّابَّةِ إِذَا كَانَتْ مُطِيقَةً
وَلَهُ نَظَائِرُ كَثِيرَةٌ فِي الصَّحِيحِ سَبَقَ
بَيَانُهَا فِي مَوَاضِعِهَا وَفِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى
الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَرَحْمَتُهُمْ
وَمُوَاسَاتُهُمْ فِيمَا أَمْكَنَهُ وَفِيهِ جَوَازُ
إِرْدَافِ الْمَرْأَةِ الَّتِي لَيْسَتْ مَحْرَمًا إِذَا
وُجِدَتْ فِي طَرِيقٍ قَدْ أَعْيَتْ لَا سِيَّمَا مَعَ
جَمَاعَةِ رِجَالٍ صَالِحِينَ وَلَا شَكَّ فِي جَوَازِ
مِثْلِ هَذَا وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا خَاصٌّ
لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِلَافِ
غَيْرِهِ فَقَدْ أَمَرَنَا بِالْمُبَاعَدَةِ مِنْ
أَنْفَاسِ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَكَانَتْ عَادَتُهُ
صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم مباعدتهن ليقتدى بِهِ أُمَّتُهُ
قَالَ وَإِنَّمَا كَانَتْ هَذِهِ خُصُوصِيَّةً لَهُ
لِكَوْنِهَا بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ وَأُخْتَ عَائِشَةَ
وَامْرَأَةَ الزُّبَيْرِ فَكَانَتْ كَإِحْدَى أَهْلِهِ
وَنِسَائِهِ مَعَ مَا خُصَّ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ أَمْلَكُ لِإِرْبِهِ وَأَمَّا إِرْدَافُ
الْمَحَارِمِ فَجَائِزٌ بلاخلاف بِكُلِّ حَالٍ قَوْلُهَا
(أَرْسَلَ إِلَيَّ بِخَادِمٍ) أَيْ جَارِيَةٍ تَخْدُمُنِي
يُقَالُ
(14/166)
لِلذَّكَرِ وَالْأُنْثَى خَادِمٌ بِلَا
هَاءٍ قَوْلُهَا فِي الْفَقِيرِ الَّذِي اسْتَأْذَنَهَا
فِي أَنْ يَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِهَا وَذَكَرْت الْحِيلَةَ
فِي اسْتِرْضَاءِ الزُّبَيْرِ هَذَا فِيهِ حُسْنُ
الْمُلَاطَفَةِ فِي تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وَمُدَارَاةُ
أَخْلَاقِ النَّاسِ فِي تَتْمِيمِ ذَلِكَ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
(بَاب تَحْرِيمِ مُنَاجَاةِ الِاثْنَيْنِ دُونَ الثَّالِثِ
بِغَيْرِ رِضَاهُ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2183] (إِذَا كَانَ ثلاثة فلايتناجى اثْنَانِ دُونَ
وَاحِدٍ)
[2184] وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى يَخْتَلِطُوا بِالنَّاسِ
مِنْ أَجْلِ أَنْ يُحْزِنَهُ قَالَ أَهْلُ اللغة يقال حزنه
وأحزنه وقرىء بِهِمَا فِي السَّبْعِ وَالْمُنَاجَاةُ
الْمُسَارَّةُ وَانْتَجَى الْقَوْمُ وَتَنَاجَوْا أَيْ
سَارَّ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
النَّهْيُ عَنْ تَنَاجِي اثْنَيْنِ بِحَضْرَةِ ثَالِثٍ
وَكَذَا ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُ بِحَضْرَةِ وَاحِدٍ وَهُوَ
نَهْيُ تَحْرِيمٍ فَيَحْرُمُ عَلَى الْجَمَاعَةِ
الْمُنَاجَاةُ دُونَ وَاحِدٍ منهم الاأن يأذن ومذهب بن
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَمَالِكٍ وَأَصْحَابِنَا
وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ النَّهْيَ عَامٌّ فِي
كُلِّ الْأَزْمَانِ وَفِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ وَقَالَ
بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّمَا الْمَنْهِيُّ عَنْهُ
الْمُنَاجَاةُ فِي السَّفَرِ دُونَ الْحَضَرِ لِأَنَّ
السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْخَوْفِ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ
هذا الحديث منسوخ وان كان هذا فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ
فَلَمَّا فَشَا الْإِسْلَامُ وَأَمِنَ النَّاسُ سَقَطَ
النَّهْيُ وَكَانَ الْمُنَافِقُونَ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ
بحضرة المؤمنين ليحزنوهم أما اذا كانو أربعة فتناجى
(14/167)
اثْنَانِ دُونَ اثْنَيْنِ فَلَا بَأْسَ
بِالْإِجْمَاعِ وَاللَّهُ أعلم
(باب الطب والمرض والرقى)
قوله
[2185] (إن جبرائيل رَقَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَذَكَرَ الْأَحَادِيثَ بَعْدَهُ فِي
الرُّقَى وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي الَّذِينَ
يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ لَا يَرْقُونَ
وَلَا يَسْتَرْقُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ
فَقَدْ يظن مخالفا لهذه الأحاديث ولامخالفة بَلِ الْمَدْحُ
فِي تَرْكِ الرُّقَى الْمُرَادُ بِهَا الرُّقَى الَّتِي
هِيَ مِنْ كَلَامِ الْكُفَّارِ وَالرُّقَى المجهولة والتى
بغير العربية ومالا يُعْرَفُ مَعْنَاهَا فَهَذِهِ
مَذْمُومَةٌ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مَعْنَاهَا كُفْرٌ أَوْ
قَرِيبٌ مِنْهُ أَوْ مَكْرُوهٌ وَأَمَّا الرقى بآيات
القرآن وبالأذكار المعروفة فلانهى فِيهِ بَلْ هُوَ سُنَّةٌ
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ
الْحَدِيثَيْنِ إِنَّ الْمَدْحَ فِي ترك الرقى للأفضيلة
وَبَيَانِ التَّوَكُّلِ وَالَّذِي فَعَلَ الرُّقَى
وَأَذِنَ فِيهَا لِبَيَانِ الْجَوَازِ مَعَ أَنَّ
تَرْكَهَا أَفْضَلُ وَبِهَذَا قال بن عَبْدِ الْبَرِّ
وَحَكَاهُ عَمَّنْ حَكَاهُ وَالْمُخْتَارُ الْأَوَّلُ
وَقَدْ نَقَلُوا بِالْإِجْمَاعِ عَلَى جَوَازِ الرُّقَى
بِالْآيَاتِ وَأَذْكَارِ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ
الْمَازِرِيُّ جَمِيعُ الرُّقَى جَائِزَةٌ إِذَا كَانَتْ
بِكِتَابِ اللَّهِ أَوْ بِذِكْرِهِ وَمَنْهِيٌّ عَنْهَا
إِذَا كَانَتْ بِاللُّغَةِ الْعَجَمِيَّةِ أَوْ بما لايدرى
مَعْنَاهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ فِيهِ كُفْرٌ قَالَ
وَاخْتَلَفُوا فِي رُقْيَةِ أَهْلِ الْكِتَابِ
فَجَوَّزَهَا أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ وَكَرِهَهَا مَالِكٌ خَوْفًا أَنْ يَكُونَ مِمَّا
بَدَّلُوهُ وَمَنْ جَوَّزَهَا قَالَ الظَّاهِرُ أَنَّهُمْ
لَمْ يُبَدِّلُوا الرُّقَى فَإِنَّهُمْ لَهُمْ غَرَضٌ فِي
ذَلِكَ بِخِلَافِ غَيْرِهَا مِمَّا بَدَّلُوهُ وَقَدْ
ذَكَرَ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اعْرِضُوا على رقاكم
لابأس بالرقى مالم يَكُنْ فِيهَا شَيْءٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ
فِي الرِّوَايَةِ الأخرى يارسول اللَّهِ إِنَّكَ نَهَيْتَ
عَنِ الرُّقَى فَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ عنه بأجوبة أحدها
كان نهى أولاثم نَسَخَ ذَلِكَ وَأَذِنَ فِيهَا وَفَعَلَهَا
وَاسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَى الْإِذْنِ وَالثَّانِي أَنَّ
النَّهْيَ عَنِ الرُّقَى الْمَجْهُولَةِ كَمَا سَبَقَ
وَالثَّالِثُ أَنَّ النَّهْيَ لِقَوْمٍ كَانُوا
يَعْتَقِدُونَ مَنْفَعَتَهَا وَتَأْثِيرَهَا بِطَبْعِهَا
كَمَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَزْعُمُهُ فِي أَشْيَاءَ
كَثِيرَةٍ أَمَّا قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا
رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةٍ فَقَالَ
الْعُلَمَاءُ لَمْ يُرِدْ بِهِ حَصْرَ الرُّقْيَةِ
الْجَائِزَةِ فِيهِمَا وَمَنْعَهَا فِيمَا عداهما وانما
المراد لارقية أَحَقُّ وَأَوْلَى مَنْ رُقْيَةِ الْعَيْنِ
وَالْحُمَّةِ لِشِدَّةِ الضَّرَرِ فِيهِمَا قَالَ
الْقَاضِي وَجَاءَ فِي حَدِيثٍ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ سُئِلَ
عَنِ النَّشْرَةِ فَأَضَافَهَا إِلَى الشَّيْطَانِ قَالَ
وَالنَّشْرَةُ
(14/168)
مَعْرُوفَةٌ مَشْهُورَةٌ عِنْدَ أَهْلِ
التَّعْزِيمِ وَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا تَنْشُرُ
عَنْ صَاحِبِهَا أَيْ تُخَلِّي عَنْهُ وَقَالَ الْحَسَنُ
هِيَ مِنَ السَّحَرِ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا مَحْمُولٌ
عَلَى أَنَّهَا أَشْيَاءُ خَارِجَةٌ عَنْ كِتَابِ اللَّهِ
تَعَالَى وَأَذْكَارِهِ وَعَنِ الْمُدَاوَاةِ
الْمَعْرُوفَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ جِنْسِ الْمُبَاحِ
وَقَدِ اخْتَارَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ هَذَا فَكَرِهَ
حَلَّ الْمَعْقُودِ عَنِ امْرَأَتِهِ وَقَدْ حَكَى
الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ
الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ بِهِ طِبٌّ أَيْ
ضَرْبٌ مِنَ الْجُنُونِ أَوْ يُؤْخَذُ عَنِ امْرَأَتِهِ
أَيُخَلَّى عَنْهُ أَوْ يُنْشَرُ قال لابأس بِهِ إِنَّمَا
يُرِيدُونَ بِهِ الصَّلَاحَ فَلَمْ يَنْهَ عَمَّا يَنْفَعُ
وَمِمَّنْ أَجَازَ النَّشْرَةَ الطَّبَرِيُّ وَهُوَ الصحيح
قال كثيرون أو الأكثرون يجوز الاسترقاءللصحيح لِمَا
يَخَافُ أَنْ يَغْشَاهُ مِنَ الْمَكْرُوهَاتِ
وَالْهَوَامِّ وَدَلِيلُهُ أَحَادِيثُ وَمِنْهَا حَدِيثُ
عَائِشَةَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ كَانَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَوَى إِلَى
فِرَاشِهِ تَفَلَ فِي كَفِّهِ ويقرأ قل هوالله أَحَدٌ
وَالْمُعَوِذِّتَيْنِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهَا وَجْهَهُ وَمَا
بَلَغَتْ يَدَهُ مِنْ جَسَدِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ
[2186] (بسم اللَّهِ أَرْقِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ
يُؤْذِيكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ)
هَذَا تصريح بالرقى بِأَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِيهِ
تَوْكِيدُ الرُّقْيَةِ وَالدُّعَاءِ وَتَكْرِيرُهُ
وَقَوْلُهُ مِنْ شَرِّ كُلِّ نَفْسٍ قِيلَ يُحْتَمَلُ
أَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّفْسِ نَفْسُ الْآدَمِيِّ وَقِيلَ
يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْعَيْنُ فَإِنَّ
النَّفْسَ تُطْلَقُ عَلَى الْعَيْنِ وَيُقَالُ رَجُلٌ
نَفُوسٌ إِذَا كان يصيب الناس بعبنه كَمَا قَالَ فِي
الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى مِنْ شَرِّ كُلِّ ذِي عَيْنٍ
وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَوْ عَيْنِ حَاسِدٍ مِنْ بَابِ
التَّوْكِيدِ بِلَفْظٍ مُخْتَلِفٍ أَوْ شَكًّا مِنَ
الرَّاوِي فِي لَفْظِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ
(14/170)
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2187]
[2188] (الْعَيْنُ حَقٌّ وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ
الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ وَإِذَا استغلتم فاغسلوا
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ
أَخَذَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ بِظَاهِرِ هَذَا
الْحَدِيثِ وَقَالُوا الْعَيْنُ حَقٌّ وَأَنْكَرَهُ
طَوَائِفُ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ وَالدَّلِيلُ عَلَى
فَسَادِ قَوْلِهِمْ أَنَّ كُلَّ مَعْنًى لَيْسَ مُخَالِفًا
فى نفسه ولايؤدى إلى قلب حقيقة ولاإفساد دَلِيلٍ فَإِنَّهُ
مِنْ مُجَوِّزَاتِ الْعُقُولِ إِذَا أَخْبَرَ الشرع بوقوعه
وجب اعتقاده ولايجوز تَكْذِيبُهُ وَهَلْ مَنْ فَرَّقَ
بَيْنَ تَكْذِيبِهِمْ بِهَذَا وتكذيبهم بما يخبر بِهِ مِنْ
أُمُورِ الْآخِرَةِ قَالَ وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ
الطَّبَائِعِيِّينَ مِنَ الْمُثَبِّتِينَ لِلْعَيْنِ أَنَّ
الْعَائِنَ تَنْبَعِثُ مِنْ عَيْنِهِ قُوَّةٌ سُمِّيَّةٌ
تَتَّصِلُ بِالْعَيْنِ فيهلك أو يفسد قالوا ولايمتنع هذا
كما لايمتنع انْبِعَاثُ قُوَّةٍ سُمِّيَّةٍ مِنَ
الْأَفْعَى وَالْعَقْرَبِ تَتَّصِلُ بِاللَّدِيغِ
فَيَهْلَكُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَحْسُوسٍ لَنَا فَكَذَا
الْعَيْنُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَهَذَا غَيْرُ مُسَلَّمٍ
لِأَنَّا بَيَّنَّا فِي كُتُبِ عِلْمِ الْكَلَامِ أَنَّ
لافاعل إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى وَبَيَّنَّا فَسَادَ
الْقَوْلِ بِالطَّبَائِعِ وبينا أن المحدث لايفعل فِي
غَيْرِهِ شَيْئًا وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا بَطَلَ مَا
قَالُوهُ ثُمَّ نَقُولُ هَذَا الْمُنْبَعِثُ مِنَ
الْعَيْنِ إِمَّا جَوْهَرٌ وَإِمَّا عَرَضٌ فَبَاطِلٌ أَنْ
يكون عرضا لأنه لايقبل الِانْتِقَالَ وَبَاطِلٌ أَنْ
يَكُونَ جَوْهَرًا لِأَنَّ الْجَوَاهِرَ مُتَجَانِسَةٌ
فَلَيْسَ بَعْضُهَا بِأَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا لِبَعْضِهَا
بِأَوْلَى مِنْ عَكْسِهِ فَبَطَلَ مَا قَالُوهُ قَالَ
وَأَقْرَبُ طَرِيقَةٍ قَالَهَا مَنْ يَنْتَحِلُ
الْإِسْلَامُ مِنْهُمْ أن قالوا لايبعد أَنْ تَنْبَعِثَ
جَوَاهِرُ لَطِيفَةٌ غَيْرُ مَرْئِيَّةٍ مِنَ الْعَيْنِ
فَتَتَّصِلُ بِالْمَعِينِ وَتَتَخَلَّلُ مَسَامَّ جِسْمِهِ
فَيَخْلُقُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْهَلَاكَ
عِنْدَهَا كَمَا يَخْلُقُ الْهَلَاكَ عِنْدَ شُرْبِ
السُّمِّ عَادَةً أَجْرَاهَا اللَّهُ تعالى وليست ضرورة
ولاطبيعة أَلْجَأَ الْعَقْلُ إِلَيْهَا وَمَذْهَبُ أَهْلِ
السُّنَّةِ أَنَّ الْعَيْنَ إِنَّمَا تَفْسُدُ وَتَهْلَكُ
عِنْدَ نَظَرِ الْعَائِنِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى
أَجْرَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْعَادَةَ أَنْ
يَخْلُقَ الضَّرَرَ عِنْدَ مُقَابَلَةِ هَذَا الشخص لشخص
(14/171)
آخر وهل ثم جواهر خفية أم لاهذا من مجوزات
العقول لايقطع فِيهِ بِوَاحِدٍ مِنَ الْأَمْرَيْنِ
وَإِنَّمَا يُقْطَعُ بِنَفْيِ الْفِعْلِ عَنْهَا
وَبِإِضَافَتِهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى فَمَنْ قَطَعَ
مِنْ أَطِبَّاءِ الْإِسْلَامِ بِانْبِعَاثِ الْجَوَاهِرِ
فَقَدْ أخطأفى قطعه وانما هو من الجائزات هذا مايتعلق بعلم
الأصول أما مايتعلق بِعِلْمِ الْفِقْهِ فَإِنَّ الشَّرْعَ
وَرَدَ بِالْوُضُوءِ لِهَذَا الْأَمْرِ فِي حَدِيثِ سَهْلِ
بْنِ حُنَيْفٍ لَمَّا أُصِيبَ بِالْعَيْنِ عِنْدَ
اغْتِسَالِهِ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ عَائِنَهُ أَنْ يَتَوَضَّأَ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي
الْمُوَطَّأِ وَصِفَةُ وُضُوءِ الْعَائِنِ عِنْدَ العلماء
أن يؤتى بقدح ماء ولايوضع الْقَدَحُ فِي الْأَرْضِ
فَيَأْخُذَ مِنْهُ غَرْفَةً فَيَتَمَضْمَضُ بِهَا ثُمَّ
يَمُجَّهَا فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يَأْخُذُ مِنْهُ مَاءً
يَغْسِلُ وَجْهَهُ ثُمَّ يَأْخُذُ بِشِمَالِهِ مَاءً
يَغْسِلُ بِهِ كَفَّهُ الْيُمْنَى ثُمَّ بِيَمِينِهِ ماء
يغسل به مرفقه الأيسر ولايغسل مَا بَيْنَ الْمِرْفَقَيْنِ
وَالْكَعْبَيْنِ ثُمَّ يَغْسِلُ قَدَمَهُ اليمنى ثم اليسرى
على الصفةالمتقدمة وَكُلُّ ذَلِكَ فِي الْقَدَحِ ثُمَّ
دَاخِلَةَ إِزَارِهِ وَهُوَ الطَّرَفُ الْمُتَدَلِّي
الَّذِي يَلِي حِقْوَهُ الْأَيْمَنَ وَقَدْ ظَنَّ
بَعْضُهُمْ أَنَّ دَاخِلَةَ الْإِزَارِ كِنَايَةٌ عن الفرج
وجمهور العلماء على ماقدمناه فَإِذَا اسْتَكْمَلَ هَذَا
صَبَّهُ مِنْ خَلْفِهِ عَلَى رأسه وهذا المعنى لايمكن
تَعْلِيلُهُ وَمَعْرِفَةُ وَجْهِهِ وَلَيْسَ فِي قُوَّةِ
الْعَقْلِ الاطلاع على أسرار جميع المعلومات فلايدفع هذا
بأن لايعقد مَعْنَاهُ قَالَ وَقَدِ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ
فِي الْعَائِنُ هَلْ يُجْبَرُ عَلَى الْوُضُوءِ
لِلْمَعِينِ أَمْ لَا وَاحْتَجَّ مَنْ أَوْجَبَهُ
بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
رِوَايَةِ مُسْلِمٍ هَذِهِ وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ
فَاغْسِلُوا وَبِرِوَايَةِ الْمُوَطَّأِ الَّتِي
ذَكَرْنَاهَا أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمَرَهُ بِالْوُضُوءِ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ قَالَ
الْمَازِرِيُّ وَالصَّحِيحُ عِنْدِي الْوُجُوبُ وَيَبْعُدُ
الْخِلَافُ فِيهِ إِذَا خَشِيَ عَلَى الْمَعِينِ
الْهَلَاكِ وَكَانَ وُضُوءُ الْعَائِنِ مِمَّا جَرَتِ
الْعَادَةُ بِالْبُرْءِ بِهِ أَوْ كَانَ الشَّرْعُ
أَخْبَرَ بِهِ خَبَرًا عَامًّا ولم يكن زوال الهلاك
إلابوضوء الْعَائِنِ فَإِنَّهُ يَصِيرُ مِنْ بَابِ مَنْ
تَعَيَّنَ عَلَيْهِ إِحْيَاءُ نَفْسٍ مُشْرِفَةٍ عَلَى
الْهَلَاكِ وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّهُ يُجْبَرُ عَلَى
بَذْلِ الطَّعَامِ لِلْمُضْطَرِّ فَهَذَا أَوْلَى
وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَرْتَفِعُ الْخِلَافُ فِيهِ هَذَا
آخِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ
بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ قَوْلَ الْمَازِرِيِّ الَّذِي
حَكَيْتُهُ بَقِيَ مِنْ تَفْسِيرِ هَذَا الْغُسْلِ عَلَى
قَوْلِ الْجُمْهُورِ وَمَا فَسَّرَهُ بِهِ الزُّهْرِيُّ
وَأَخْبَرَ أَنَّهُ أَدْرَكَ الْعُلَمَاءَ يَصِفُونَهُ
وَاسْتَحْسَنَهُ عُلَمَاؤُنَا وَمَضَى بِهِ الْعَمَلُ
أَنَّ غُسْلَ الْعَائِنِ وَجْهَهَ إِنَّمَا هُوَ صَبُّهُ
وَأَخْذُهُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى وَكَذَلِكَ بَاقِي
أَعْضَائِهِ إِنَّمَا هُوَ صَبُّهُ صَبَّةً عَلَى ذَلِكَ
الْوُضُوءِ فِي الْقَدَحِ لَيْسَ عَلَى صِفَةِ غَسْلِ
الْأَعْضَاءِ فِي الْوُضُوءِ وَغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ غَسْلُ
دَاخِلَةِ الْإِزَارِ إِنَّمَا هُوَ إِدْخَالُهُ
وَغَمْسُهُ فِي الْقَدَحِ ثُمَّ يَقُومُ الَّذِي فِي
يَدِهِ الْقَدْحُ فَيَصُبُّهُ عَلَى رَأْسِ الْمَعِينِ
مِنْ وَرَائِهِ عَلَى جَمِيعِ جَسَدِهِ ثم يكفأ القدح
وراءه على ظ هر الْأَرْضِ وَقِيلَ يَسْتَغْفِلُهُ
(14/172)
بذلك عند صبه عليه هذه رواية بن أبى ذئب
وقد جاء عن بن شِهَابٍ مِنْ رِوَايَةِ عُقَيْلٍ مِثْلُ
هَذَا إِلَّا أَنَّ فِيهِ الِابْتِدَاءَ بِغَسْلِ
الْوَجْهِ قَبْلَ الْمَضْمَضَةِ وفيه فى غسل القدمين أنه
لايغسل جميعهما وَإِنَّمَا قَالَ ثُمَّ يَفْعَلُ مِثْلَ
ذَلِكَ فِي طَرَفِ قَدَمِهِ الْيُمْنَى مِنْ عِنْدِ
أُصُولِ أَصَابِعِهِ وَالْيُسْرَى كَذَلِكَ وَدَاخِلَةُ
الْإِزَارِ هُنَا الْمِئْزَرُ وَالْمُرَادُ بِدَاخِلَتِهِ
مَا يَلِي الْجَسَدَ مِنْهُ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَوْضِعُهُ
مِنَ الْجَسَدِ وَقِيلَ الْمُرَادُ مَذَاكِيرُهُ كَمَا
يُقَالُ عَفِيفُ الْإِزَارِ أَيِ الْفَرْجِ وَقِيلَ
الْمُرَادُ وَرِكُهُ إِذْ هُوَ مَعْقِدُ الْإِزَارِ وَقَدْ
جَاءَ فِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ مِنْ رِوَايَةِ
مَالِكٍ فِي صِفَتِهِ أَنَّهُ قَالَ لِلْعَائِنِ اغْتَسِلْ
لَهُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ
وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ رِجْلَيْهِ وَدَاخِلَةَ
إِزَارِهِ وَفِي رِوَايَةٍ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَظَاهِرَ
كَفَّيْهِ وَمِرْفَقَيْهِ وَغَسَلَ صَدْرَهُ وَدَاخِلَةَ
إِزَارِهِ وَرُكْبَتَيْهِ وَأَطْرَافَ قَدَمَيْهِ
ظَاهِرَهُمَا فِي الْإِنَاءِ قَالَ وَحَسِبَتْهُ قَالَ
وَأَمَرَ فَحَسَا مِنْهُ حَسَوَاتٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْقَاضِي فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفِقْهِ مَا
قَالَهُ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ يَنْبَغِي إِذَا
عُرِفَ أَحَدٌ بِالْإِصَابَةِ بِالْعَيْنِ أَنْ يُجْتَنَبَ
وَيُتَحَرَّزَ مِنْهُ وَيَنْبَغِي لِلْإِمَامِ مَنْعُهُ
مِنْ مُدَاخَلَةِ النَّاسِ وَيَأْمُرَهُ بِلُزُومِ
بَيْتِهِ فَإِنْ كَانَ فَقِيرًا رَزَقَهُ مَا يَكْفِيهِ
وَيَكُفُّ أَذَاهُ عَنِ النَّاسِ فَضَرَرُهُ أَشَدُّ مِنْ
ضَرَرِ آكِلِ الثُّومِ وَالْبَصَلِ الَّذِي مَنَعَهُ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دُخُولَ
الْمَسْجِدِ لِئَلَّا يُؤْذِي الْمُسْلِمِينَ وَمِنْ
ضَرَرِ الْمَجْذُومِ الَّذِي مَنَعَهُ عُمَرُ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ وَالْعُلَمَاءُ بَعْدَهُ الِاخْتِلَاطَ
بِالنَّاسِ وَمِنْ ضَرَرِ الْمُؤْذِيَاتِ مِنَ الْمَوَاشِي
الَّتِي يُؤْمَرُ بِتَغْرِيبِهَا إِلَى حَيْثُ لايتأذى
بِهِ أَحَدٌ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ
صحيح متعين ولايعرف عَنْ غَيْرِهِ تَصْرِيحٌ بِخِلَافِهِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ النَّشْرَةِ وَالتَّطَبُّبِ
بِهَا وَسَبَقَ بَيَانُ الْخِلَافِ فِيهَا وَاللَّهُ
أَعْلَمُ
[2188] قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ
وَأَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ
النُّسَخِ أَحْمَدُ بْنُ خِرَاشٍ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ
الْمَكْسُورَةِ وَبِالرَّاءِ وَبِالشِّينِ المعجمة وهو
الصواب ولاخلاف فِيهِ فِي شَيْءٍ مِنَ النُّسَخِ وَهُوَ
أَحْمَدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ خِرَاشٍ أَبُو جَعْفَرٍ
الْبَغْدَادِيُّ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ وَقَالَ الْقَاضِي
عِيَاضٌ هَكَذَا هُوَ فِي الْأُصُولِ بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ قَالَ قِيلَ إِنَّهُ وَهْمٌ وَصَوَابُهُ
أَحْمَدُ بْنُ جَوَّاسٍ بِفَتْحِ الْجِيمٍ وَبِوَاوٍ
مُشَدَّدَةٍ وَسِينٍ مُهْمَلَةٍ هَذَا كَلَامُ القاضي وهو
غلط فاحش ولاخلاف أَنَّ الْمَذْكُورَ فِي مُسْلِمٍ
إِنَّمَا هُوَ بِالْخَاءِ المعجمة والراء والشين المعجمة
كما سبق وهوالراوى عَنْ مُسْلِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ
الْمَذْكُورِ فِي صَحِيحِ مسلم هنا وأما بن جَوَّاسٍ
بِالْجِيمِ فَهُوَ أَبُو عَاصِمٍ الْحَنَفِيُّ الْكُوفِيُّ
رَوَى عَنْهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الموضع
ولكنه لايروى عن مسلم بن ابراهيم ولاهو الْمُرَادُ هُنَا
قَطْعًا وَكَانَ سَبَبُ غَلَطِ مَنْ غلط كون
(14/173)
أَحْمَدَ بْنِ خِرَاشٍ وَقَعَ مَنْسُوبًا
إِلَى جَدِّهِ كَمَا ذَكَرْنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابَقَ
الْقَدَرَ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ) فِيهِ إِثْبَاتُ
الْقَدَرِ وَهُوَ حَقٌّ بِالنُّصُوصِ وَإِجْمَاعِ أَهْلِ
السُّنَّةِ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ
الْإِيمَانِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا
بِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا تَقَعُ إِلَّا عَلَى
حَسَبِ مَا قدرها الله تعالى وسبق بها علمه فلايقع ضرر
العين ولاغيره من الخير والشر إلابقدر اللَّهِ تَعَالَى
وَفِيهِ صِحَّةُ أَمْرِ الْعَيْنِ وَأَنَّهَا قَوِيَّةُ
الضَّرَرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب السِّحْرِ)
قَوْلُهُ
[2189] (مِنْ يَهُودِ بَنِي زُرَيْقٍ) بِتَقْدِيمِ
الزَّايِ قَوْلُهُ (سَحَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودِيٌّ حَتَّى كَانَ يُخَيَّلُ
إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشيء ومايفعله) قَالَ
الْإِمَامُ الْمَازِرِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ مَذْهَبُ
أَهْلِ السُّنَّةِ وَجُمْهُورِ عُلَمَاءِ الْأُمَّةِ عَلَى
إِثْبَاتِ السِّحْرِ وأن له حقيقة كحقيقة غيره من
الأشياءالثابتة خِلَافًا لِمَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ وَنَفَى
حَقِيقَتَهُ وَأَضَافَ ما يقع منه إلى خيالات باطلة
لاحقائق لَهَا وَقَدْ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي
كِتَابِهِ وذكر أنه مما يتعلم وذكر مافيه إِشَارَةً إِلَى
أَنَّهُ مِمَّا يُكَفَّرُ بِهِ وَأَنَّهُ يُفَرِّقُ بَيْنُ
الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَهَذَا كُلُّهُ لَا يمكن فيما
لاحقيقة لَهُ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَيْضًا مُصَرِّحٌ
بِإِثْبَاتِهِ وَأَنَّهُ أَشْيَاءُ دُفِنَتْ وَأُخْرِجَتْ
وَهَذَا كُلُّهُ يُبْطِلُ مَا قَالُوهُ فَإِحَالَةُ
كَوْنِهِ مِنَ الْحَقَائِقِ مُحَالٌ وَلَا يُسْتَنْكَرُ
فِي الْعَقْلِ أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
يَخْرِقُ الْعَادَةَ عِنْدَ النُّطْقِ بِكَلَامٍ مُلَفَّقٍ
أَوْ تَرْكِيبِ أَجْسَامٍ أَوِ الْمَزْجِ بَيْنَ قُوًى
عَلَى تَرْتِيبٍ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا السَّاحِرُ وَإِذَا
شَاهَدَ الْإِنْسَانُ بَعْضَ الْأَجْسَامِ مِنْهَا
قَاتِلَةٌ كَالسَّمُومِ وَمِنْهَا مُسْقِمَةٌ
كَالْأَدْوِيَةِ الْحَادَّةِ وَمِنْهَا مُضِرَّةٌ
كَالْأَدْوِيَةِ الْمُضَادَّةِ للمرض لم يستبعد عقله أن
ينفر د السَّاحِرُ بِعِلْمِ قُوًى قَتَّالَةٍ أَوْ كَلَامٍ
مُهْلِكٍ أَوْ مُؤَدٍّ إِلَى التَّفْرِقَةِ قَالَ وَقَدْ
أَنْكَرَ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ هَذَا الْحَدِيثَ
بِسَبَبٍ آخَرَ فَزَعَمَ أَنَّهُ يَحُطُّ مَنْصِبَ
النُّبُوَّةِ وَيُشَكِّكُ فِيهَا وَأَنَّ تجويزه يمنع
الثقة بالشرع وهذا
(14/174)
الَّذِي ادَّعَاهُ هَؤُلَاءِ
الْمُبْتَدِعَةُ بَاطِلٌ لِأَنَّ الدَّلَائِلَ
الْقَطْعِيَّةَ قَدْ قَامَتْ عَلَى صِدْقِهِ وَصِحَّتِهِ
وَعِصْمَتِهِ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّبْلِيغِ
وَالْمُعْجِزَةِ شَاهِدَةٌ بِذَلِكَ وَتَجْوِيزُ مَا قَامَ
الدَّلِيلُ بِخِلَافِهِ بَاطِلٌ فَأَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ
بِبَعْضِ أُمُورِ الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ يُبْعَثْ
بِسَبَبِهَا وَلَا كَانَ مُفَضَّلًا مِنْ أَجْلِهَا وَهُوَ
مِمَّا يَعْرِضُ لِلْبَشَرِ فَغَيْرُ بَعِيدٍ أَنْ
يُخَيَّلَ إِلَيْهِ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا مَا لَا
حَقِيقَةَ له وقد قيل انه إنما كان يتخيل إليه أنه وطىء
زَوْجَاتِهِ وَلَيْسَ بِوَاطِئٍ وَقَدْ يَتَخَيَّلُ
الْإِنْسَانُ مِثْلَ هذا فى المنام فلايبعد تخيله فى
اليقظة ولاحقيقة لَهُ وَقِيلَ إِنَّهُ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ
أَنَّهُ فَعَلَهُ وما فعله ولكن لايعتقد صِحَّةَ مَا
يَتَخَيَّلُهُ فَتَكُونُ اعْتِقَادَاتُهُ عَلَى السَّدَادِ
قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ جَاءَتْ رِوَايَاتُ هَذَا
الْحَدِيثِ مُبَيِّنَةً أَنَّ السِّحْرَ إِنَّمَا
تَسَلَّطَ عَلَى جَسَدِهِ وَظَوَاهِرِ جَوَارِحِهِ لَا
عَلَى عَقْلِهِ وَقَلْبِهِ واعتقاده ويكون معنى قوله فى
الحديث حتىيظن أنه يأتى أهله ولايأتيهن وَيُرْوَى
يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَيْ يَظْهَرُ لَهُ مِنْ نشاطه ومتقدم
عادته القدرة عليهن فاذا دنى مِنْهُنَّ أَخَذَتْهُ
أَخْذَةُ السِّحْرِ فَلَمْ يَأْتِهِنَّ وَلَمْ يَتَمَكَّنْ
مِنْ ذَلِكَ كَمَا يَعْتَرِي الْمَسْحُورَ وَكُلُّ مَا
جَاءَ فِي الرِّوَايَاتِ مِنْ أَنَّهُ يُخَيَّلُ إليه فعل
شيء لم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر لالخلل
تَطَرَّقَ إِلَى الْعَقْلِ وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ مَا يدخل
لبسا على الرسالة ولاطعنا لِأَهْلِ الضَّلَالَةِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي
الْقَدْرِ الَّذِي يَقَعُ بِهِ السِّحْرُ ولهم فيه اضطراب
فقال بعضهم لايزيد تَأْثِيرُهُ عَلَى قَدْرِ التَّفْرِقَةِ
بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
إِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ تَعْظِيمًا لِمَا يَكُونُ عِنْدَهُ
وَتَهْوِيلًا بِهِ فِي حَقِّنَا فَلَوْ وَقَعَ بِهِ
أَعْظَمُ مِنْهُ لَذَكَرَهُ لِأَنَّ المثل لايضرب عِنْدَ
الْمُبَالَغَةِ إِلَّا بِأَعْلَى أَحْوَالِ الْمَذْكُورِ
قَالَ وَمَذْهَبُ الْأَشْعَرِيَّةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ
يَقَعَ بِهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ قَالَ وَهَذَا هُوَ
الصَّحِيحُ عقلا لأنه لافاعل إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى
وَمَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ فهو عادة أجراها الله تعالى
ولاتفترق الْأَفْعَالُ فِي ذَلِكَ وَلَيْسَ بَعْضُهَا
بِأَوْلَى مِنْ بَعْضٍ وَلَوْ وَرَدَ الشَّرْعُ
بِقُصُورِهِ عَنْ مَرْتَبَةٍ لوجب المصير إليه ولكن لايوجد
شَرْعٌ قَاطِعٌ يُوجِبُ الِاقْتِصَارَ عَلَى مَا قَالَهُ
الْقَائِلُ الْأَوَّلُ وَذِكْرُ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ
الزَّوْجَيْنِ فِي الْآيَةِ لَيْسَ بِنَصٍّ فِي مَنْعِ
الزِّيَادَةِ وَإِنَّمَا النظر فى أنه ظاهر أم لاقال
فَإِنْ قِيلَ إِذَا جَوَّزَتِ الْأَشْعَرِيَّةُ خَرْقَ
الْعَادَةِ عَلَى يَدِ السَّاحِرِ فَبِمَاذَا يَتَمَيَّزُ
عَنِ النَّبِيِّ فَالْجَوَابُ أَنَّ الْعَادَةَ تَنْخَرِقُ
عَلَى يَدِ النَّبِيِّ وَالْوَلِيِّ وَالسَّاحِرِ لَكِنَّ
النَّبِيَّ يَتَحَدَّى بِهَا الْخَلْقَ ويستعجزهم عن مثلها
ويخبر عنالله تَعَالَى بِخَرْقِ الْعَادَةِ بِهَا
لِتَصْدِيقِهِ فَلَوْ كَانَ كَاذِبًا لَمْ تَنْخَرِقِ
الْعَادَةُ عَلَى يَدَيْهِ وَلَوْ خَرَقَهَا اللَّهُ عَلَى
يَدِ كَاذِبٍ لَخَرَقَهَا عَلَى يَدِ الْمُعَارِضِينَ
لِلْأَنْبِيَاءِ وَأَمَّا الْوَلِيُّ وَالسَّاحِرُ فَلَا
يَتَحَدَّيَانِ الْخَلْقَ وَلَا يَسْتَدِلَّانِ عَلَى
نُبُوَّةٍ وَلَوِ ادَّعَيَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ
تَنْخَرِقِ الْعَادَةُ
(14/175)
لهما وَأَمَّا الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَلِيِّ
وَالسَّاحِرِ فَمِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا وَهُوَ
الْمَشْهُورُ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ السحر
لايظهر الا على فاسق والكرامة لاتظهر عَلَى فَاسِقٍ
وَإِنَّمَا تَظْهَرُ عَلَى وَلِيٍّ وَبِهَذَا جَزَمَ
إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ وَأَبُو سَعْدٍ الْمُتَوَلِّي
وَغَيْرُهُمَا وَالثَّانِي أَنَّ السِّحْرَ قَدْ يَكُونُ
نَاشِئًا بِفِعْلِهَا وبمزجها ومعاناة وعلاج والكرامة
لاتفتقر إِلَى ذَلِكَ وَفِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ
يَقَعُ ذَلِكَ اتِّفَاقًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْتَدْعِيَهُ
أَوْ يَشْعُرَ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا مَا
يَتَعَلَّقُ بِالْمَسْأَلَةِ مِنْ فُرُوعِ الْفِقْهِ
فَعَمَلُ السِّحْرِ حَرَامٌ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ
بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
عَدَّهُ مِنَ السَّبْعِ الْمُوبِقَاتِ وَسَبَقَ هُنَاكَ
شَرْحُهُ وَمُخْتَصَرُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ كفرا
وقد لايكون كُفْرًا بَلْ مَعْصِيَتُهُ كَبِيرَةٌ فَإِنْ
كَانَ فِيهِ قَوْلٌ أَوْ فِعْلٌ يَقْتَضِي الْكُفْرَ
كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا وَأَمَّا تَعَلُّمُهُ وَتَعْلِيمُهُ
فَحَرَامٌ فَإِنْ تَضَمَّنَ مَا يَقْتَضِي الْكُفْرَ
كَفَرَ وَإِلَّا فَلَا وَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَا
يَقْتَضِي الْكُفْرَ عُزِّرَ وَاسْتُتِيبَ مِنْهُ وَلَا
يُقْتَلُ عِنْدَنَا فَإِنْ تَابَ قُبِلَتْ تَوْبَتُهُ
وَقَالَ مَالِكٌ السَّاحِرُ كَافِرٌ يُقْتَلُ بِالسِّحْرِ
وَلَا يُسْتَتَابُ وَلَا تُقْبَلُ تَوْبَتُهُ بَلْ يتحتم
قتله والمسئلة مَبْنِيَّةٌ عَلَى الْخِلَافِ فِي قَبُولِ
تَوْبَةِ الزِّنْدِيقِ لِأَنَّ السَّاحِرَ عِنْدَهُ
كَافِرٌ كَمَا ذَكَرْنَا وَعِنْدَنَا لَيْسَ بِكَافِرٍ
وَعِنْدَنَا تُقْبَلُ تَوْبَةُ الْمُنَافِقِ
وَالزِّنْدِيقِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَبِقَوْلِ
مَالِكٍ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَهُوَ مَرْوِيٌّ
عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ قَالَ
أَصْحَابُنَا فَإِذَا قَتَلَ السَّاحِرُ بِسِحْرِهِ
إِنْسَانًا وَاعْتَرَفَ أَنَّهُ مَاتَ بِسِحْرِهِ
وَأَنَّهُ يَقْتُلُ غَالِبًا لَزِمَهُ الْقِصَاصُ وَإِنْ
قَالَ مَاتَ به ولكنه قد يقتل وقد لافلا قِصَاصَ وَتَجِبُ
الدِّيَةُ وَالْكَفَّارَةُ وَتَكُونُ الدِّيَةُ فِي ماله
لاعلى عاقلته لأن العاقلة لاتحمل ما ثبت باعتراف الجانى
قال أصحابنا ولايتصور الْقَتْلُ بِالسِّحْرِ
بِالْبَيِّنَةِ وَإِنَّمَا يُتَصَوَّرُ بِاعْتِرَافِ
السَّاحِرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا
كَانَ ذَاتَ يَوْمٍ أَوْ ذَاتَ لَيْلَةٍ دَعَا رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ دَعَا
ثُمَّ دَعَا) هَذَا دَلِيلٌ لِاسْتِحْبَابِ الدُّعَاءِ
عِنْدَ حُصُولِ الْأُمُورِ الْمَكْرُوهَاتِ وَتَكْرِيرِهِ
وَحُسْنِ الِالْتِجَاءِ إِلَى اللَّهِ
(14/176)
تعالى قوله (ماوجع الرَّجُلِ قَالَ
مَطْبُوبٌ) الْمَطْبُوبُ الْمَسْحُورُ يُقَالُ طُبَّ
الرَّجُلُ إِذَا سُحِرَ فَكَنَوْا بِالطِّبِّ عَنِ
السِّحْرِ كما كنوا بالسليم عن اللديغ قال بن الأنبارى
الطب منالأضداد يُقَالُ لِعِلَاجِ الدَّاءِ طِبٌّ
وَلِلسِّحْرِ طِبٌّ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْأَدْوَاءِ
وَرَجُلٌ طَبِيبٌ أَيْ حَاذِقٌ سُمِّيَ طَبِيبًا
لِحِذْقِهِ وَفِطْنَتِهِ قَوْلُهُ (فِي مُشْطٍ وَمُشَاطَةٍ
وَجُبِّ طَلْعَةِ ذَكَرٍ) أَمَّا الْمُشَاطَةُ فَبِضَمِّ
الميموهى الشَّعْرُ الَّذِي يَسْقُطُ مِنَ الرَّأْسِ أَوِ
اللِّحْيَةِ عند تسريحه وأما المشطففيه لُغَاتٌ مُشْطٌ
وَمُشُطٌ بِضَمِّ الْمِيمِ فِيهِمَا وَإِسْكَانِ الشِّينِ
وَضَمِّهَا وَمِشْطٌ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ
الشِّينِ وَمُمَشِّطٌ وَيُقَالُ لَهُ مَشْطَأٌ بِالْهَمْزِ
وَتَرْكِهِ وَمَشْطَاءُ ممدود وممكد ومرجل وقليم بِفَتْحِ
الْقَافِ حَكَاهُنَّ أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ وَأَمَّا
قَوْلُهُ وَجُبِّ هَكَذَا فِي أَكْثَرِ نُسَخِ بِلَادِنَا
جُبِّ بِالْجِيمِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَفِي
بَعْضِهَا جُفِّ بِالْجِيمِ وَالْفَاءِ وَهُمَا بِمَعْنًى
وَهُوَ وِعَاءُ طَلْعِ النَّخْلِ وَهُوَ الْغِشَاءُ
الَّذِي يَكُونُ عَلَيْهِ وَيُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ
وَالْأُنْثَى فَلِهَذَا قَيَّدَهُ فِي الْحَدِيثِ
بِقَوْلِهِ طَلْعَةِ ذَكَرٍ وَهُوَ بِإِضَافَةِ طَلْعَةٍ
إِلَى ذَكَرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَوَقَعَ فِي
الْبُخَارِيِّ مِنْ رواية بن عُيَيْنَةَ وَمُشَاقَةٌ
بِالْقَافِ بَدَلُ مُشَاطَةٍ وَهِيَ الْمُشَاطَةُ أَيْضًا
وَقِيلَ مُشَاقَةُ الْكَتَّانُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عليه وسلم (فى بئرذى أَرْوَانَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ
نُسَخِ مُسْلِمٍ ذِي أَرْوَانَ وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ
رِوَايَاتِ البخارىوفى مُعْظَمِهَا ذَرْوَانَ وَكِلَاهُمَا
صَحِيحٌ وَالْأَوَّلُ أَجْوَدُ وَأَصَحُّ وادعى بن
قُتَيْبَةَ أَنَّهُ الصَّوَابُ وَهُوَ قَوْلُ
الْأَصْمَعِيُّ وَهُوَ بِئْرٌ بِالْمَدِينَةِ فِي
بُسْتَانِ بَنِي زُرَيْقٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاللَّهِ لَكَأَنَّ مَاءَهَا
نُقَاعَةُ الْحِنَّاءِ) النُّقَاعَةُ بِضَمِّ النُّونَ
الْمَاءِ الَّذِي يُنْقَعُ فِيهِ الْحِنَّاءُ
وَالْحِنَّاءُ مَمْدُودٌ قَوْلُهَا (فَقُلْتُ يارسول
اللَّهِ أَفَلَا أَحْرَقْتَهُ) وَفِي الرِّوَايَةِ
الثَّانِيَةِ قُلْتُ يارسول اللَّهِ فَأَخْرِجْهُ
كِلَاهُمَا صَحِيحٌ فَطَلَبَتْ أَنَّهُ يُخْرِجُهُ ثُمَّ
يُحْرِقُهُ وَالْمُرَادُ إِخْرَاجُ السِّحْرِ فَدَفَنَهَا
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَخْبَرَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ عَافَاهُ
وَأَنَّهُ يَخَافُ
(14/177)
مِنْ إِخْرَاجِهِ وَإِحْرَاقِهِ
وَإِشَاعَةِ هَذَا ضَرَرًا وَشَرًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ
مِنْ تَذَكُّرِ السِّحْرِ أَوْ تَعَلُّمِهِ وَشُيُوعِهِ
وَالْحَدِيثُ فِيهِ أَوْ إِيذَاءُ فَاعِلِهِ فَيَحْمِلُهُ
ذَلِكَ أَوْ يَحْمِلُ بَعْضَ أَهْلِهِ وَمُحِبِّيهِ
وَالْمُتَعَصِّبِينَ لَهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ
وَغَيْرِهِمْ عَلَى سِحْرِ النَّاسِ وَأَذَاهُمْ
وَانْتِصَابِهِمْ لِمُنَاكَدَةِ الْمُسْلِمِينَ بِذَلِكَ
هَذَا مِنْ بَابِ تَرْكِ مَصْلَحَةٍ لِخَوْفِ مَفْسَدَةٍ
أَعْظَمَ مِنْهَا وَهُوَ مِنْ أَهَمِّ قَوَاعِدِ
الْإِسْلَامِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ مَرَّاتٍ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب السُّمِّ)
قَوْلُهُ
[2190] (إِنَّ يَهُودِيَّةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشَاةٍ مَسْمُومَةٍ فَأَكَلَ
مِنْهَا فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهَا عَنْ ذَاكَ
قَالَتْ أَرَدْتُ لِأَقْتُلَكَ قَالَ وَمَا كَانَ اللَّهُ
لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكَ قَالَ أَوْ قَالَ عَلَيَّ
قَالُوا أَلَا نَقْتُلُهَا قَالَ لَا قَالَ فَمَا زِلْتُ
أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
(14/178)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَفِي الرِّوَايَةِ
الْأُخْرَى جَعَلَتْ سُمًّا فِي لَحْمٍ أَمَّا السُّمُّ
فَبِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ
لُغَاتٍ الْفَتْحُ أَفْصَحُ جَمْعُهُ سِمَامٌ وَسُمُومٌ
وَأَمَّا اللَّهَوَاتُ فَبِفَتْحِ اللَّامِ وَالْهَاءِ
جَمْعُ لهات بِفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ اللَّحْمَةُ
الْحَمْرَاءُ الْمُعَلَّقَةُ فِي أَصْلِ الْحَنَكِ قَالَهُ
الْأَصْمَعِيُّ وَقِيلَ اللَّحْمَاتُ اللَّوَاتِي فى سقف
أقصى الفم وقوله مازلت أَعْرِفُهَا أَيِ الْعَلَامَةَ
كَأَنَّهُ بَقِيَ لِلسُّمِّ عَلَامَةٌ وأثر من سواد أو
غيره وقولهم ألانقتلها هِيَ بِالنُّونِ فِي أَكْثَرِ
النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا بِتَاءِ الْخِطَابِ وَقَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ماكان اللَّهُ
لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَاكَ أَوْ قَالَ عَلَيَّ فِيهِ
بَيَانُ عِصْمَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
مِنَ النَّاسِ كُلِّهِمْ كَمَا قَالَ اللَّهُ وَاللَّهُ
يعصمك من الناس وهي معجزة لسول الله صلى الله عليه وسلم
وَهِيَ مُعْجِزَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَلَامَتِهِ مِنَ السُّمِّ
الْمُهْلِكِ لِغَيْرِهِ وَفِي إِعْلَامِ اللَّهِ تَعَالَى
لَهُ بِأَنَّهَا مَسْمُومَةٌ وَكَلَامِ عُضْوٍ مِنْهُ لَهُ
فَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ الذِّرَاعَ تُخْبِرُنِي
أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ وَهَذِهِ الْمَرْأَةُ
الْيَهُودِيَّةُ الْفَاعِلَةُ لِلسُّمِّ اسْمُهَا زَيْنَبُ
بِنْتُ الْحَارِثِ أُخْتُ مَرْحَبٍ الْيَهُودِيِّ
رَوَيْنَا تَسْمِيَتَهَا هَذِهِ فِي مَغَازِي مُوسَى بْنِ
عُقْبَةَ وَدَلَائِلِ النُّبُوَّةِ لِلْبَيْهَقِيِّ قَالَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاخْتَلَفَ الْآثَارُ وَالْعُلَمَاءُ
هَلْ قَتَلَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أم لافوقع فى صحيح مسلم أنهم قالوا ألانقتلها
قال لاومثله عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَجَابِرٍ وَعَنْ
جَابِرٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ أَنَّهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قتلها وفى رواية بن عَبَّاسٍ
أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَفَعَهَا
إِلَى أَوْلِيَاءِ بِشْرِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ مَعْرُورٍ
وَكَانَ أَكَلَ مِنْهَا فَمَاتَ بِهَا فَقَتَلُوهَا
وَقَالَ بن سَحْنُونٍ أَجْمَعَ أَهْلُ الْحَدِيثِ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَتَلَهَا قَالَ الْقَاضِي وَجْهُ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ
الرِّوَايَاتِ وَالْأَقَاوِيلِ أَنَّهُ لم يقتلها أولاحين
اطَّلَعَ عَلَى سُمِّهَا وَقِيلَ لَهُ اقْتُلْهَا فَقَالَ
لَا فَلَمَّا مَاتَ بِشْرُ بْنُ الْبَرَاءِ مِنْ ذلك سلمها
لأوليائه فقتلوها قصاصا فيصح قَوْلُهُمْ لَمْ يَقْتُلْهَا
أَيْ فِي الْحَالِ وَيَصِحُّ قَوْلُهُمْ قَتَلَهَا أَيْ
بَعْدَ ذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(14/179)
(باب استحباب
رقية المريض)
ذَكَرَ فِي الْبَابِ الْأَحَادِيثَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْقِي الْمَرِيضَ وَقَدْ
سَبَقَتِ المسأ لة مُسْتَوْفَاةً فِي الْبَابِ السَّابِقِ
فِي أَوَّلِ الطِّبِّ قَوْلُهَا
[2191] (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا اشْتَكَى مِنَّا إِنْسَانٌ مَسَحَهُ
بِيَمِينِهِ ثُمَّ قَالَ أَذْهِبِ الْبَاسَ إِلَى آخِرِهِ)
فِيهِ اسْتِحْبَابُ مَسْحِ الْمَرِيضِ بِالْيَمِينِ
وَالدُّعَاءِ لَهُ وَقَدْ جَاءَتْ فِيهِ رِوَايَاتٌ
كَثِيرَةٌ صَحِيحَةٌ جَمَعْتُهَا فِي كِتَابِ الْأَذْكَارِ
وَهَذَا الْمَذْكُورُ هُنَا مِنْ أَحْسَنِهَا ومعنى
(14/180)
لايغادر سقما أى لايترك وَالسَّقَمُ
بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَبِفَتْحِهِمَا
لُغَتَانِ قَوْلُهَا (كَانَ رَسُولُ
(14/181)
[2192] اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ
عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ) هِيَ بكسر الواو والنفث نفخ
لطيف بلاريق فِيهِ اسْتِحْبَابُ النَّفْثِ فِي الرُّقْيَةِ
وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهِ وَاسْتَحَبَّهُ
الْجُمْهُورُ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ
بَعْدَهُمْ قَالَ الْقَاضِي وَأَنْكَرَ جَمَاعَةٌ
النَّفْثَ وَالتَّفْلَ فِي الرُّقَى وَأَجَازُوا فِيهَا
النَّفْخَ بِلَا رِيقٍ وَهَذَا الْمَذْهَبُ وَالْفَرْقُ
إِنَّمَا يَجِيءُ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ قِيلَ إِنَّ
النَّفْثَ مَعَهُ رِيقٌ قَالَ وَقَدِ اخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي النَّفْثِ وَالتَّفْلِ فَقِيلَ هُمَا
بِمَعْنًى وَلَا يَكُونَانِ إِلَّا بِرِيقٍ قَالَ أَبُو
عُبَيْدٍ يُشْتَرَطُ فِي التَّفْلِ رِيقٌ يسير ولايكون فِي
النَّفْثِ وَقِيلَ عَكْسُهُ قَالَ وَسُئِلَتْ عَائِشَةُ
عَنْ نَفْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي الرُّقْيَةِ فَقَالَتْ كَمَا يَنْفُثُ آكِلُ
الزَّبِيبِ لا ريقمعه قال ولااعتبار بما يخرج عليه من بلة
ولايقصد ذلك وقد جاء فىحديث الَّذِي رَقَى بِفَاتِحَةِ
الْكِتَابِ فَجَعَلَ يَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفُلُ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَفَائِدَةُ التَّفْلِ
التَّبَرُّكُ بِتِلْكَ الرُّطُوبَةِ وَالْهَوَاءِ
وَالنَّفَسِ الْمُبَاشِرَةِ لِلرُّقْيَةِ وَالذِّكْرُ
الْحَسَنُ لَكِنْ قَالَ كَمَا يُتَبَرَّكُ بِغُسَالَةِ مَا
يُكْتَبُ مِنَ الذِّكْرِ وَالْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى
وَكَانَ مَالِكٌ يَنْفُثُ إِذَا رَقَى نَفْسَهُ وَكَانَ
يَكْرَهُ الرُّقْيَةَ بِالْحَدِيدَةِ وَالْمِلْحِ
وَالَّذِي يَعْقِدُ وَالَّذِي يَكْتُبُ خاتم
(14/182)
سُلَيْمَانَ وَالْعَقْدُ عِنْدَهُ أَشَدُّ
كَرَاهَةً لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ مُشَابَهَةِ السِّحْرِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ
الرُّقْيَةِ بِالْقُرْآنِ وَبِالْأَذْكَارِ وَإِنَّمَا
رَقَى بِالْمُعَوِّذَاتِ لِأَنَّهُنَّ جَامِعَاتٌ
لِلِاسْتِعَاذَةِ مِنْ كُلِّ الْمَكْرُوهَاتِ جُمْلَةً
وَتَفْصِيلًا فَفِيهَا الِاسْتِعَاذَةُ مِنْ شَرِّ مَا
خَلَقَ فَيَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ شَيْءٍ وَمِنْ شر النفاثات
فى العقد ومن السواحر ومن شرالحاسدين وَمِنْ شَرِّ
الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهَا
(رَخَّصَ فِي الرُّقْيَةِ مِنْ كُلِّ ذِي حُمَّةٍ) هِيَ
بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ مِيمٍ مُخَفَّفَةٍ
وَهِيَ السُّمُّ وَمَعْنَاهُ أَذِنَ فِي الرُّقْيَةِ مِنْ
كُلِّ ذَاتِ سُمٍّ قَوْلُهَا (قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأُصْبُعِهِ هَكَذَا وَوَضَعَ
سُفْيَانُ سبابته
(14/183)
بِالْأَرْضِ ثُمَّ رَفَعَهَا بِاسْمِ
اللَّهِ تُرْبَةُ أَرْضِنَا بِرِيقَةِ بَعْضِنَا لِيُشْفَى
بِهِ سَقِيمُنَا بِإِذْنِ رَبِّنَا) قَالَ جُمْهُورُ
الْعُلَمَاءِ الْمُرَادُ بِأَرْضِنَا هُنَا جُمْلَةُ
الْأَرْضِ وَقِيلَ أَرْضُ الْمَدِينَةِ خَاصَّةً
لِبَرَكَتِهَا وَالرِّيقَةُ أَقَلُّ مِنَ الرِّيقِ
وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يَأْخُذُ مِنْ رِيقِ
نَفْسِهِ عَلَى أُصْبُعِهِ السَّبَّابَةِ ثُمَّ يَضَعُهَا
عَلَى التُّرَابِ فَيَعْلَقُ بِهَا مِنْهُ شَيْءٌ
فَيَمْسَحُ بِهِ عَلَى الْمَوْضِعِ الْجَرِيحِ أَوِ
الْعَلِيلِ وَيَقُولُ هَذَا الْكَلَامَ فِي حَالِ
الْمَسْحِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ
قَوْلُ مَالِكٍ فِي رُقْيَةِ الْيَهُودِيِّ
وَالنَّصْرَانِيِّ الْمُسْلِمَ وَبِالْجَوَازِ قَالَ
الشَّافِعِيُّ
(بَابُ اسْتِحْبَابِ الرُّقَيْةِ مِنَ الْعَيْنِ
وَالنَّمْلَةِ وَالْحُمَّةِ وَالنَّظْرَةِ)
[2193] أَمَّا الْحُمَّةُ فَسَبَقَ بَيَانُهَا فِي
الْبَابِ قبله والعبن سَبَقَ بَيَانُهَا قَبْلَ ذَلِكَ
وَأَمَّا النَّمْلَةُ فَبِفَتْحِ النون واسكان الميم هي
قروح تخرج فى الجنب قال بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ كَانَتِ
الْمَجُوسُ تَزْعُمُ أَنَّ وَلَدَ الرجل من
(14/184)
أخته اذا حط عَلَى النَّمْلَةِ يَشْفِي
صَاحِبَهَا وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثُ اسْتِحْبَابُ
الرُّقَى لِهَذِهِ الْعَاهَاتِ وَالْأَدْوَاءِ وَقَدْ
سَبَقَ بَيَانُ ذَلِكَ مَبْسُوطًا وَالْخِلَافُ فِيهِ
قَوْلُهُ
[2196] (رَخَّصَ فِي الرُّقْيَةِ مِنَ الْعَيْنِ
وَالْحُمَّةِ وَالنَّمْلَةِ) لَيْسَ مَعْنَاهُ تَخْصِيصُ
جَوَازِهَا بِهَذِهِ الثَّلَاثَةِ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ
سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ فَأَذِنَ فِيهَا وَلَوْ
سُئِلَ عَنْ غَيْرِهَا لَأَذِنَ فِيهِ وَقَدْ أَذِنَ
لِغَيْرِ هَؤُلَاءِ وَقَدْ رَقَى هُوَ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ
[2197] (رَأَى بِوَجْهِهَا سَفْعَةً فَقَالَ بِهَا
نَظْرَةٌ فَاسْتَرَقُوا لَهَا) يَعْنِي بِوَجْهِهَا
صُفْرَةٌ أَمَّا السَّفْعَةُ فَبِسِينٍ مُهْمَلَةٍ
مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ فَاءٍ سَاكِنَةٍ وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي
الْحَدِيثِ بِالصُّفْرَةِ وَقِيلَ سَوَادٌ وقال بن
قُتَيْبَةَ هِيَ لَوْنٌ يُخَالِفُ لَوْنَ الْوَجْهِ
وَقِيلَ أَخْذَةٌ مِنَ الشَّيْطَانِ وَهَذَا الْحَدِيثُ
مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى
الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ لِعِلَّةٍ فِيهِ قَالَ رَوَاهُ
عُقَيْلٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَةَ مُرْسَلًا
وَأَرْسَلَهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِ يَحْيَى
بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْ عُرْوَةَ
قال الدارقطني وأسنده أبو معاوية ولايصح قَالَ وَقَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ
سَعِيدٍ وَلَمْ يَضَعْ شَيْئًا هَذَا كَلَامُ
الدَّارَقُطْنِيِّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
[2198] مَا لِي أَرَى أَجْسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً)
بالضاد المعجمة
(14/185)
أَيْ نَحِيفَةً وَالْمُرَادُ أَوْلَادُ
جَعْفَرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه
(14/186)
(باب جواز أخذ
الأجرة على الرقية بالقرآن والأذكار)
فِيهِ حَدِيثُ
[2201] (أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ
وَأَنَّ رَجُلًا رَقَى سَيِّدَ الْحَيِّ) هَذَا الراقى هو
أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ الرَّاوِي كَذَا جَاءَ
مُبَيَّنًا فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ
قَوْلُهُ (فَأُعْطِيَ قَطِيعًا مِنْ غَنَمٍ) الْقَطِيعُ
هُوَ الطَّائِفَةُ مِنَ الْغَنَمِ وَسَائِرِ النَّعَمِ
قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْغَالِبُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا
بَيْنَ الْعَشْرِ وَالْأَرْبَعِينَ وَقِيلَ مَا بَيْنَ
خَمْسَ عَشْرَةَ إِلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَجَمْعُهُ
أَقْطَاعٌ وَأَقْطِعَةٌ وَقُطْعَانٌ وَقِطَاعٌ
وَأَقَاطَيعُ كَحَدِيثٍ وَأَحَادِيثَ وَالْمُرَادُ
بِالْقَطِيعِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
ثَلَاثُونَ شَاةً كَذَا جَاءَ
(14/187)
مُبَيَّنًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَا أَدْرَاكَ أَنَّهَا رُقْيَةٌ)
فِيهِ التَّصْرِيحُ بِأَنَّهَا رُقْيَةٌ فَيُسْتَحَبُّ
أَنْ يُقْرَأَ بِهَا عَلَى اللَّدِيغِ وَالْمَرِيضِ
وَسَائِرِ أَصْحَابِ الْأَسْقَامِ وَالْعَاهَاتِ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خُذُوا مِنْهُمْ
وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ) هَذَا تَصْرِيحٌ
بِجَوَازِ أَخْذِ الْأُجْرَةِ عَلَى الرقية بالفاتحة
والذكر وأنها حلال لاكراهة فِيهَا وَكَذَا الْأُجْرَةُ
عَلَى تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَهَذَا مَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ وَأَبِي
ثَوْرٍ وَآخَرِينَ مِنَ السَّلَفِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ
وَمَنَعَهَا أَبُو حَنِيفَةَ فِي تَعْلِيمِ الْقُرْآنِ
وَأَجَازَهَا فِي الرُّقْيَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ
مَعَكُمْ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَقْسِمُوا
وَاضْرِبُوا لِي بِسَهْمٍ مَعَكُمْ فَهَذِهِ الْقِسْمَةُ
مِنْ باب المروءات والتبرعات ومواساة الأصحاب والرفاق
والافجميع الشياه ملك للراقى مختصة به لاحق للباقين فيها
عند التنازع فقاسمهم بترعا وَجُودًا وَمُرُوءَةً وَأَمَّا
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضْرِبُوا
لِي بِسَهْمٍ فَإِنَّمَا قَالَهُ تَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ
وَمُبَالَغَةً فِي تَعْرِيفِهِمْ أَنَّهُ حَلَالٌ لَا شبهة
فيه وقد فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ فِي حَدِيثِ الْعَنْبَرِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي
قَتَادَةَ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ مِثْلَهُ قَوْلُهُ
(وَيَجْمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتْفُلُ) هُوَ بِضَمِّ الْفَاءِ
وَكَسْرِهَا وَسَبَقَ بَيَانُ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ فِي
التَّفْلِ وَالنَّفْثِ قَوْلُهُ (سَيِّدُ الْحَيِّ
سُلَيْمٌ) أَيْ لَدِيغٌ قَالُوا سُمِّيَ بِذَلِكَ تفاؤلا
(14/188)
بالسلامة وقيل لأنه مستسلم لما به قوله
(ماكنا نأبته بِرُقْيَةٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْبَاءِ
وَضَمِّهَا أَيْ نَظُنُّهُ كَمَا سَبَقَ فِي الرِّوَايَةِ
الَّتِي قَبْلَهَا وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ هَذَا
اللَّفْظِ بِمَعْنَى نَتَّهِمُهُ وَلَكِنَّ الْمُرَادَ
هُنَا نَظُنُّهُ كَمَا ذَكَرْنَاهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(بَاب اسْتِحْبَابِ وَضْعِ يَدِهِ عَلَى مَوْضِعِ
الْأَلَمِ مَعَ الدُّعَاءِ)
[2202] فِيهِ حَدِيثُ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ
وَمَقْصُودُهُ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ وَضْعُ يَدِهِ عَلَى
مَوْضِعِ الْأَلَمِ وَيَأْتِي بِالدُّعَاءِ الْمَذْكُورِ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(14/189)
(بَاب التَّعَوُّذِ مِنْ شَيْطَانِ
الْوَسْوَسَةِ فِي الصَّلَاةِ)
قَوْلُهُ
[2203] (إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ حَالَ بَيْنِي وَبَيْنَ
صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يُلَبِّسُهَا عَلَيَّ فَقَالَ
رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ
شَيْطَانٌ يُقَالُ لَهُ خِنْزَبٌ فَإِذَا أَحْسَسْتَهُ
فَتَعَوَّذْ بِاللَّهِ مِنْهُ وَاتْفُلْ عَنْ يَسَارِكَ
ثَلَاثًا فَفَعَلْتُ ذَلِكَ فَأَذْهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي)
أَمَّا خِنْزَبٌ فَبِخَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ
نُونٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ زَايٍ مَكْسُورَةٍ وَمَفْتُوحَةٍ
وَيُقَالُ أَيْضًا بِفَتْحِ الْخَاءِ وَالزَّايِ حَكَاهُ
الْقَاضِي وَيُقَالُ أَيْضًا بضم الخاء وفتح الزاى حكاه بن
الْأَثِيرِ فِي النِّهَايَةِ وَهُوَ غَرِيبٌ وَفِي هَذَا
الحديث استحباب التعوذ من الشيطان عند وَسْوَسَتِهِ مَعَ
التَّفْلِ عَنْ الْيَسَارِ ثَلَاثًا وَمَعْنَى يَلْبِسُهَا
أَيْ يَخْلِطُهَا وَيُشَكِّكُنِي فِيهَا وَهُوَ بِفَتْحِ
أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ وَمَعْنَى حَالَ بَيْنِي
وَبَيْنَهَا أَيْ نَكَّدَنِي فِيهَا وَمَنَعَنِي
لَذَّتَهَا وَالْفَرَاغَ لِلْخُشُوعِ فيها
(14/190)
بَاب لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ وَاسْتِحْبَابِ
التَّدَاوِي
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2204] (لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فاذا أصيب دواء الداء بريء
بِإِذْنِ اللَّهِ) الدَّوَاءُ بِفَتْحِ الدَّالِ مَمْدُودٌ
وَحَكَى جَمَاعَاتٌ مِنْهُمُ الْجَوْهَرِيُّ فِيهِ لُغَةً
بِكَسْرِ الدَّالِ قال القاضي هي لغة الكلابيين وهو شاذوفى
هَذَا الْحَدِيثِ إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِحْبَابِ الدَّوَاءِ
وَهُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَجُمْهُورِ السَّلَفِ
وَعَامَّةِ الْخَلْفِ قَالَ الْقَاضِي فِي هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ جُمَلٌ مِنْ عُلُومِ الدين والدنيا وصحة علم
الطب وجواز التطيب فِي الْجُمْلَةِ وَاسْتِحْبَابُهُ
بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ وَفِيهَا رَدٌّ عَلَى مَنْ
أَنْكَرَ التَّدَاوِيَ مِنْ غُلَاةِ الصُّوفِيَّةِ وَقَالَ
كل شيء بقضاء وقدر فلاحاجة إِلَى التَّدَاوِي وَحُجَّةُ
الْعُلَمَاءِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ
اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْفَاعِلُ وَأَنَّ التَّدَاوِيَ
هُوَ أَيْضًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ وَهَذَا كَالْأَمْرِ
بالدعاء وكالأمر بقتال الكفار وبالتحصن ومجانية
الْإِلْقَاءِ بِالْيَدِ إِلَى التَّهْلُكَةِ مَعَ أَنَّ
الْأَجَلَ لايتغير والمقادير لاتتأخر ولا تتقدم عن أوقاتها
ولابد مِنْ وُقُوعِ الْمُقَدَّرَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ
ذَكَرَ مُسْلِمٌ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ الْكَثِيرَةَ فِي
الطِّبِّ وَالْعِلَاجِ وَقَدِ اعْتَرَضَ فِي بَعْضِهَا
مَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ فَقَالَ الْأَطِبَّاءُ
مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الْعَسَلَ مُسَهِّلٌ فَكَيْفَ
يُوصَفُ لِمَنْ بِهِ الْإِسْهَالُ وَمُجْمِعُونَ أَيْضًا
أَنَّ اسْتِعْمَالَ الْمَحْمُومِ الْمَاءَ الْبَارِدَ
مُخَاطَرَةٌ قَرِيبٌ مِنَ الْهَلَاكِ لِأَنَّهُ يُجَمِّعُ
الْمَسَامَّ وَيَحْقِنُ الْبُخَارَ وَيَعْكِسُ
الْحَرَارَةَ إِلَى دَاخِلِ الْجِسْمِ فَيَكُونُ سَبَبًا
لِلتَّلَفِ وينكرو أيضا مداواة ذات الجنب بالقسط مع مافيه
مِنَ الْحَرَارَةِ الشَّدِيدَةِ وَيَرَوْنَ ذَلِكَ خَطَرًا
قَالَ المازرى وهذا الذى قال هَذَا الْمُعْتَرِضُ
جَهَالَةٌ بَيِّنَةٌ وَهُوَ فِيهَا كَمَا قَالَ اللَّهُ
تَعَالَى بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يحيطوا بعلمه وَنَحْنُ
نَشْرَحُ الْأَحَادِيثَ الْمَذْكُورَةَ فِي هَذَا
الْمَوْضِعِ فَنَقُولُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
(14/191)
وَسَلَّمَ (لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ فَإِذَا
أُصِيبَ دَوَاءُ الدَّاءِ بَرِئَ بِإِذْنِ اللَّهِ)
فَهَذَا فِيهِ بَيَانٌ واضح لأنه قد علم أن الأطباء
يقولونالمرض هُوَ خُرُوجُ الْجِسْمِ عَنِ الْمَجْرَى
الطَّبِيعِيِّ وَالْمُدَاوَاةُ رَدُّهُ إِلَيْهِ وَحِفْظُ
الصِّحَّةِ بَقَاؤُهُ عَلَيْهِ فَحِفْظُهَا يَكُونُ
بِإِصْلَاحِ الْأَغْذِيَةِ وَغَيْرِهَا وَرَدُّهُ يَكُونُ
بِالْمُوَافِقِ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الْمُضَادَّةِ
لِلْمَرَضِ وَبُقْرَاطُ يَقُولُ الْأَشْيَاءُ تُدَاوَى
بِأَضْدَادِهَا وَلَكِنْ قَدْ يَدِقُّ وَيَغْمُضُ
حَقِيقَةُ الْمَرَضِ وَحَقِيقَةُ طَبْعِ الدَّوَاءِ
فَيَقِلُّ الثِّقَةُ بِالْمُضَادَّةِ ومن ها هنا يَقَعُ
الْخَطَأُ مِنَ الطَّبِيبِ فَقَطْ فَقَدْ يَظُنُّ
الْعِلَّةَ عَنْ مَادَّةٍ حَارَّةٍ فَيَكُونُ عَنْ غَيْرِ
مَادَّةٍ أَوْ عَنْ مَادَّةٍ بَارِدَةٍ أَوْ عَنْ مادة
حارة دون الحرارة التى ظنها فلايحصل الشِّفَاءُ
فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَبَّهَ
بآخر كلامه على ماقد يُعَارَضُ بِهِ أَوَّلُهُ فَيُقَالُ
قُلْتُ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءٌ وَنَحْنُ نَجِدُ كَثِيرِينَ
مِنَ الْمَرْضَى يُدَاوُونَ فَلَا يَبْرَءُونَ فَقَالَ
إِنَّمَا ذَلِكَ لِفَقْدِ الْعِلْمِ بحقيقة المداواة
لالفقد الدواء وهذا واضح والله أعلم وأما الحديث الآخر وهو
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنْ كَانَ
فِي شَيْءٍ مِنْ أَدْوِيَتِكُمْ خَيْرٌ فَفِي شَرْطَةِ
مِحْجَمٍ أَوْ شَرْبَةٍ مِنْ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٍ
بِنَارٍ) فَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الطِّبِّ عِنْدَ أَهْلِهِ
لِأَنَّ الْأَمْرَاضَ الْامْتِلَائِيَّةَ دَمَوِيَّةٌ أَوْ
صَفْرَاوِيَّةٌ أَوْ سَوْدَاوِيَّةٌ أَوْ بَلْغَمِيَّةٌ
فَإِنْ كَانَتْ دَمَوِيَّةً فَشِفَاؤُهَا إِخْرَاجُ
الدَّمِ وَإِنْ كَانَتْ مِنَ الثَّلَاثَةِ الْبَاقِيَةِ
فَشِفَاؤُهَا بِالْإِسْهَالِ بِالْمُسَهِّلِ اللَّائِقِ
لِكُلِّ خَلْطٍ مِنْهَا فَكَأَنَّهُ نَبَّهَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْعَسَلِ عَلَى
الْمُسَهِّلَاتِ وَبِالْحِجَامَةِ
(14/192)
عَلَى إِخْرَاجِ الدَّمِ بِهَا
وَبِالْفَصْدِ وَوَضْعِ الْعَلَقِ وَغَيْرِهَا مِمَّا فِي
مَعْنَاهَا
[2207] وَذَكَرَ الْكَيَّ لِأَنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عِنْدَ
عَدَمِ نَفْعِ الْأَدْوِيَةِ الْمَشْرُوبَةِ وَنَحْوِهَا
فَآخِرُ الطِّبِّ الْكَيُّ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أُحِبُّ أَنْ أَكْتَوِيَ إِشَارَةٌ
إِلَى تَأْخِيرِ الْعِلَاجِ بِالْكَيِّ حَتَّى يَضْطَرَّ
إِلَيْهِ لِمَا فِيهِ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْأَلَمِ
الشَّدِيدِ فِي دَفْعِ أَلَمٍ قَدْ يَكُونُ أَضْعَفَ مِنْ
أَلَمِ الْكَيِّ وأما مَا اعْتَرَضَ بِهِ الْمُلْحِدُ
الْمَذْكُورُ فَنَقُولُ فِي إِبْطَالِهِ إِنَّ عِلْمَ
الطِّبِّ مِنْ أَكْثَرِ الْعُلُومِ احيتاجا إلى التفصيل
حتى ان المريض يكونالشىء دَوَاءَهُ فِي سَاعَةٍ ثُمَّ
يَصِيرُ دَاءً لَهُ فِي السَّاعَةِ الَّتِي تَلِيهَا
بِعَارِضٍ يَعْرِضُ مِنْ غَضَبٍ يَحْمِي مِزَاجَهُ
فَيُغَيِّرُ عِلَاجَهُ أَوْ هَوَاءٍ يتغير أو غير ذلك مما
لاتحصى كثرته فاذا وجد الشفاء بشئ فى حالة بالشخص لم يلزم
منه الشفاءبه فِي سَائِرِ الْأَحْوَالِ وَجَمِيعِ
الْأَشْخَاصِ وَالْأَطِبَّاءُ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ
الْمَرَضَ الْوَاحِدَ يَخْتَلِفُ عِلَاجُهُ بِاخْتِلَافِ
السن والزمان والعادة والغذاء الْمُتَقَدِّمَةِ
وَالتَّدْبِيرِ الْمَأْلُوفِ وَقُوَّةِ الطِّبَاعِ فَإِذَا
(14/193)
عرفت ماذكرناه فَاعْلَمْ أَنَّ
الْإِسْهَالَ يَحْصُلُ مِنْ أَنْوَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا
الْإِسْهَالُ الْحَادِثُ مِنَ التُّخَمِ وَالْهَيْضَاتِ
وَقَدْ أجمع الأطباء فى مثل هذا على عِلَاجَهُ بِأَنْ
يَتْرُكَ الطَّبِيعَةَ وَفِعْلَهَا وَإِنِ احْتَاجَتْ إلى
معين على الاسهال أعينت مادامت الْقُوَّةُ بَاقِيَةً
فَأَمَّا حَبْسُهَا فَضَرَرٌ عِنْدَهُمْ وَاسْتِعْجَالُ
مَرَضٍ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْإِسْهَالُ
لِلشَّخْصِ الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ أَصَابَهُ مِنَ
امْتِلَاءٍ أَوْ هَيْضَةٍ فَدَوَاؤُهُ تَرْكُ إِسْهَالِهِ
عَلَى مَا هُوَ أَوْ تَقْوِيَتُهُ فَأَمْرُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشُرْبِ الْعَسَلِ فَرَآهُ
إِسْهَالًا فَزَادَهُ عَسَلًا إِلَى أَنْ فَنِيَتِ
الْمَادَّةُ فَوَقَفَ الْإِسْهَالُ وَيَكُونُ الْخَلْطُ
الَّذِي كَانَ يُوَافِقُهُ شُرْبُ الْعَسَلِ فَثَبَتَ
بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْعَسَلَ جَارٍ عَلَى صِنَاعَةِ
الطِّبِّ وَأَنَّ الْمُعْتَرِضَ عَلَيْهِ جَاهِلٌ لَهَا
وَلَسْنَا نَقْصِدُ الاستظهار لتصديق الحديث بقول الأطباء
بل لوكذبوه كَذَّبْنَاهُمْ وَكَفَّرْنَاهُمْ فَلَوْ
أَوْجَدُوا الْمُشَاهَدَةَ بِصِحَّةِ دَعْوَاهُمْ
تَأَوَّلْنَا كَلَامَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
حِينَئِذٍ وَخَرَّجْنَاهُ عَلَى مَا يَصِحُّ فَذَكَرْنَا
هَذَا الْجَوَابَ
(14/194)
أكحله فكواه
(14/195)
عَنْ أَسْمَاءَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا
أَنَّهَا كَانَتْ تُؤْتَى بِالْمَرْأَةِ الْمَوْعُوكَةِ
فَتَصُبُّ الْمَاءَ فِي جَيْبِهَا وَتَقُولُ إِنَّ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
أَبْرِدُوهَا بِالْمَاءِ فَهَذِهِ أَسْمَاءُ رَاوِيَةُ
الْحَدِيثِ وَقُرْبُهَا مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْلُومٌ تَأَوَّلَتْ الْحَدِيثَ
عَلَى نَحْوِ مَا قلناه فلم يبق للملحد المعترض إلااختراعه
الْكَذِبَ وَاعْتِرَاضُهُ بِهِ فَلَا يُلْتَفَتْ إِلَيْهِ
وَأَمَّا إِنْكَارُهُمُ الشِّفَاءَ مِنْ ذَاتِ الْجَنْبِ
بِالْقُسْطِ فَبَاطِلٌ فَقَدْ قَالَ بَعْضُ قُدَمَاءِ
الْأَطِبَّاءِ إِنَّ ذَاتَ الْجَنْبِ إِذَا حَدَّثَتْ مِنَ
الْبَلْغَمِ كَانَ الْقُسْطُ مِنْ عِلَاجِهَا وَقَدْ
ذَكَرَ جَالِينُوسُ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ يَنْفَعُ مِنْ
وَجَعِ الصَّدْرِ وَقَالَ بَعْضُ قُدَمَاءِ الْأَطِبَّاءِ
وَيُسْتَعْمَلُ حَيْثُ يُحْتَاجُ إِلَى إِسْخَانِ عُضْوٍ
منالأعضاء وَحَيْثُ يُحْتَاجُ إِلَى أَنْ يَجْذِبَ
الْخَلْطَ مِنْ باطن البدن إلى ظاهره وهتكذا قاله بن
سِينَا وَغَيْرُهُ وَهَذَا يُبْطِلُ مَا زَعَمَهُ هَذَا
الْمُعْتَرِضُ الْمُلْحِدُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ سَبْعَةُ أَشْفِيَةٍ
فَقَدْ أَطْبَقَ الْأَطِبَّاءُ فِي كُتُبِهِمْ عَلَى
أَنَّهُ يُدِرُّ الطَّمْثَ وَالْبَوْلَ وَيَنْفَعُ مِنَ
السُّمُومِ وَيُحَرِّكُ شَهْوَةَ الْجِمَاعِ وَيَقْتُلُ
الدُّودَ وَحُبَّ الْقَرْعِ فِي الْأَمْعَاءِ إِذَا شُرِبَ
بِعَسَلٍ وَيُذْهِبُ الْكَلَفَ إِذَا طُلِيَ عَلَيْهِ
وَيَنْفَعُ من بدر المعدة والكبدويردهما ومن حمى الورد
والربع وغير ذلك صِنْفَانِ بَحْرِيٌّ وَهِنْدِيٌّ
وَالْبَحْرِيُّ هُوَ الْقُسْطُ الْأَبْيَضُ وَهُوَ
أَكْثَرُ مِنْ صِنْفَيْنِ وَنَصَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ
الْبَحْرِيَّ أَفْضَلُ مِنَ الْهِنْدِيِّ وَهُوَ أَقَلُّ
حَرَارَةً مِنْهُ وَقِيلَ هُمَا حَارَّانِ يَابِسَانِ فِي
الدَّرَجَةِ الثَّالِثَةِ وَالْهِنْدِيُّ أَشَدُّ حَرًّا
فِي الْجُزْءِ الثَّالِثِ من الحرارة وقال بن سنيا
الْقُسْطُ حَارٌّ فِي الثَّالِثَةِ يَابِسٌ فِي
الثَّانِيَةِ فَقَدِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى هَذِهِ
الْمَنَافِعِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْقُسْطِ فَصَارَ
مَمْدُوحًا شَرْعًا وَطِبًّا وَإِنَّمَا عَدَدْنَا
مَنَافِعَ الْقُسْطِ مِنْ كُتُبِ الْأَطِبَّاءِ لِأَنَّ
النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ
مِنْهَا عَدَدًا مُجْمَلًا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ فِي الْحَبَّةِ
السَّوْدَاءِ شِفَاءٌ من كل داء إلاالسم فَيُحْمَلُ
أَيْضًا عَلَى الْعِلَلِ الْبَارِدَةِ عَلَى نَحْوِ ماسبق
فِي الْقُسْطِ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَدْ يَصِفُ بِحَسَبِ مَا شَاهَدَهُ مِنْ غَالِبِ
أَحْوَالِ أَصْحَابِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَذَكَرَ
الْقَاضِي عِيَاضٌ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ الَّذِي
قَدَّمْنَاهُ ثُمَّ قَالَ وَذَكَرَ الْأَطِبَّاءُ فِي
مَنْفَعَةِ الْحَبَّةِ
(14/196)
السَّوْدَاءِ الَّتِي هِيَ الشُّونِيزُ
أَشْيَاءَ كَثِيرَةً وَخَوَاصَّ عَجِيبَةً يَصْدُقُهَا
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيها فذكر
جالينوس أنها أَنَّهَا تَحِلُّ النَّفْخَ وَتُقِلُّ
دِيدَانَ الْبَطْنِ إِذَا أُكِلَ أَوْ وُضِعَ عَلَى
الْبَطْنِ وَتَنْفِي الزُّكَامَ إِذَا قُلِيَ وَصُرَّ فِي
خِرْقَةٍ وَشُمَّ وَتُزِيلُ العلة التى تقشر منها الجلد
ويقلع الثَّآلِيلَ الْمُتَعَلِّقَةَ وَالْمُنَكَّسَةَ
وَالْخِيلَانَ وَتُدِرُّ الطَّمْثَ الْمُنْحَبِسَ إِذَا
كَانَ انْحِبَاسُهُ مِنْ أَخْلَاطٍ غَلِيظَةٍ لَزِجَةٍ
وَيَنْفَعُ الصُّدَاعَ إِذَا طُلِيَ بِهِ الْجَبِينُ
وَتَقْلَعُ الْبُثُورَ وَالْجَرَبَ وَتُحَلِّلُ
الْأَوْرَامَ الْبَلْغَمِيَّةَ إِذَا تُضُمِّدَ بِهِ مَعَ
الْخَلِّ وَتَنْفَعُ مِنَ الْمَاءِ الْعَارِضِ فِي
الْعَيْنِ إِذَا اسْتُعِطَ بِهِ مَسْحُوقًا بِدُهْنِ
الْأَرَلْيَا وَتَنْفَعُ مِنَ انْتِصَابِ النَّفْسِ
وَيُتَمَضْمَضُ بِهِ مِنْ وَجَعِ الْأَسْنَانِ وَتُدِرُّ
الْبَوْلَ وَاللَّبَنَ وَتَنْفَعُ من نهشة الرتيلا واذا
بخربه طَرَدَ الْهَوَامَّ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ غَيْرُ
جَالِينُوسَ خَاصِّيَّتُهُ إِذْهَابُ حُمَّى الْبَلْغَمِ
وَالسَّوْدَاءِ وَتَقْتُلُ حَبَّ الْقَرْعِ وَإِذَا
عُلِّقَ فِي عُنُقِ الْمَزْكُومِ نَفَعَهُ وينفع من حمى
الربع قال ولايبعد مَنْفَعَةُ الْحَارِّ مِنْ أَدْوَاءٍ
حَارَّةٍ بِخَوَاصَّ فِيهَا فَقَدْ نَجِدُ ذَلِكَ فِي
أَدْوِيَةٍ كَثِيرَةٍ فَيَكُونُ الشُّونِيزُ مِنْهَا
لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُهُ أَحْيَانًا
مُنْفَرِدًا وَأَحْيَانًا مُرَكَّبًا قَالَ الْقَاضِي
وَفِي جُمْلَةِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَا حَوَاهُ مِنْ
عُلُومِ الدِّينِ والدنيا وصحة علم الطب وجواز التطبب في
الْجُمْلَةِ وَاسْتِحْبَابِهِ بِالْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ
مِنَ الْحِجَامَةِ وَشُرْبِ الْأَدْوِيَةِ وَالسَّعُوطِ
وَاللَّدُودِ وَقَطْعِ الْعُرُوقِ وَالرُّقَى قَالَ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْزَلَ
الدَّوَاءَ الَّذِي أَنْزَلَ الدَّاءَ هَذَا إِعْلَامٌ
لَهُمْ وَإِذْنٌ فِيهِ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ
بِإِنْزَالِهِ إِنْزَالَ الْمَلَائِكَةِ الْمُوَكَّلِينَ
بِمُبَاشَرَةِ مَخْلُوقَاتِ الْأَرْضِ مِنْ دَاءٍ
وَدَوَاءٍ قال وَذَكَرَ بَعْضُ الْأَطِبَّاءِ فِي قَوْلِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَرْطَةُ مِحْجَمٍ أَوْ
شَرْبَةُ عَسَلٍ أَوْ لَذْعَةٌ بِنَارٍ أَنَّهُ إِشَارَةٌ
إِلَى جَمِيعِ ضُرُوبِ الْمُعَافَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ عَادَ
الْمُقَنَّعَ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالنُّونِ
الْمُشَدَّدَةِ قَوْلُهُ (يَشْتَكِي خُرَاجًا) هُوَ
بِضَمِّ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ قَوْلُهُ
(أُعَلِّقُ فِيهِ مِحْجَمًا) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ
وَفَتْحِ الْجِيمِ وَهِيَ الآلة التى تمص ويجمع بها وضع
الْحِجَامَةِ وَأَمَّا قَوْلُهُ (شَرْطَةُ مِحْجَمٍ
(فَالْمُرَادُ بِالْمِحْجَمِ هُنَا الْحَدِيدَةُ الَّتِي
يُشْرَطُ بِهَا مَوْضِعُ الْحِجَامَةِ لِيَخْرُجَ الدَّمُ
قَوْلُهُ (فَلَمَّا رَأَى تَبَرُّمَهُ) أَيْ تَضَجُّرَهُ
وَسَآمَتَهُ مِنْهُ قَوْلُهُ (عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ
اللَّهِ قَالَ رُمِيَ أُبَيُّ يَوْمَ الْأَحْزَابِ عَلَى
أَكْحَلِهِ فَكَوَاهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فَقَوْلُهُ أُبَيُّ بِضَمِّ
الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الباء وبشديد الياء وَهَكَذَا
صَوَابُهُ وَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَاتِ وَالنُّسَخِ
وَهُوَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الْمَذْكُورُ فِي الرِّوَايَةِ
التى قبل هذه وصفحه بَعْضُهُمْ فَقَالَ بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْبَاءِ وَتَخْفِيفِ الياء وَهُوَ
غَلَطٌ فَاحِشٌ لِأَنَّ أَبَا جَابِرٍ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ
أُحُدٍ قَبْلَ الْأَحْزَابِ بِأَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ
وَأَمَّا الْأَكْحَلُ فَهُوَ عِرْقٌ مَعْرُوفٌ قَالَ
الْخَلِيلُ
(14/197)
هُوَ عِرْقُ الْحَيَاةِ يُقَالُ هُوَ
نَهَرُ الْحَيَاةِ فَفِي كُلِّ عُضْوٍ شُعْبَةٌ مِنْهُ
وَلَهُ فِيهَا اسم متفرد فاذا قطع فى اليد لم يرقأالدم
وَقَالَ غَيْرُهُ هُوَ عِرْقٌ وَاحِدٌ يُقَالُ لَهُ فِي
الْيَدِ الْأَكْحَلُ وَفِي الْفَخِذِ النَّسَا وَفِي
الظَّهْرِ الْأَبْهَرُ وَأَمَّا الْكَلَامُ فِي أُجْرَةِ
الْحَجَّامِ فسبق قوله (فحسمه) أى كواه ليقطع دمع وأضل
الْحَسْمِ الْقَطْعُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ) جَهَنَّمَ
فَابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ وَفِي رِوَايَةٍ مِنْ فَوْرِ
جَهَنَّمَ هُوَ بِفَتْحِ الْفَاءِ فِيهِمَا وَهُوَ شِدَّةُ
حَرِّهَا وَلَهَبِهَا وَانْتِشَارِهَا وَأَمَّا
أَبْرِدُوهَا فَبِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَبِضَمِّ الرَّاءِ
يُقَالُ بَرَدْتُ الحمى أبردها بردا على وزن قتلتها أقتلها
قَتْلًا أَيْ أَسْكَنْتُ حَرَارَتَهَا وَأَطْفَأْتُ
لَهَبَهَا كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى
فَأَطْفِئُوهَا بِالْمَاءِ وَهَذَا الذى ذكرناه من
كَوْنِهِ بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَضَمِّ الرَّاءِ هُوَ
الصَّحِيحُ الْفَصِيحُ الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَاتِ
وَكُتُبِ اللُّغَةِ وَغَيْرِهَا وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ
فِي الْمَشَارِقِ أَنَّهُ يُقَالُ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ
وَكَسْرِ الرَّاءِ فِي لُغَةٍ قَدْ حكاه الجوهر وَقَالَ
هِيَ لُغَةٌ رَدِيئَةٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ
لِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ جَهَنَّمَ مَخْلُوقَةٌ الْآنَ
مَوْجُودَةٌ قَوْلُهُ (عَنْ أَسْمَاءَ أَنَّهَا كَانَتْ
تُؤْتَى بِالْمَرْأَةِ الْمَوْعُوكَةِ فَتَدْعُو
بِالْمَاءِ فَتَصُبُّهُ فِي جَيْبِهَا وَتَقُولُ إِنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
ابْرُدُوهَا بِالْمَاءِ) وَفِي رِوَايَةٍ صَبَّتِ الْمَاءَ
بَيْنَهَا وَبَيْنَ جَيْبِهَا قَالَ الْقَاضِي هَذَا
يَرُدُّ قَوْلَ الْأَطِبَّاءِ وَيُصَحِّحُ حُصُولَ
الْبُرْءِ بِاسْتِعْمَالِ المحموم الماء وأنه على ظاهره
لاعلى ما سبق من تأويل المازرى
(14/198)
قال ولو لاتجربة أسماء والمسلمين لمنفعة
لَمَا اسْتَعْمَلُوهُ قَوْلُهَا
[2213] (لَدَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ فَأَشَارَ أَنْ لاتلدونى
بفقلنا كراهية المريض للدواء فما أفاق لايبقى منكم أحد
إلالد غير العباس فانه لم يشدكم) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ
اللَّدُودُ بِفَتْحِ اللَّامِ هُوَ الدَّوَاءُ الَّذِي
يُصَبُّ فِي أَحَدِ جَانِبَيْ فَمِ المريض ويسفا أَوْ
يَدْخُلُ هُنَاكَ بِأُصْبُعٍ وَغَيْرِهَا وَيُحَنَّكُ بِهِ
وَيُقَالُ مِنْهُ لَدَدْتُهُ أَلُدُّهُ وَحَكَى
الْجَوْهَرِيُّ أَيْضًا أَلَدَدْتُهُ رُبَاعِيًّا
وَالْتَدَدْتُ أَنَا قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ
لِلَّدُودِ لَدِيدٌ أَيْضًا وَإِنَّمَا أَمَرَ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَدِّهِمْ عُقُوبَةً لَهُمْ
حِينَ خَالَفُوهُ فى إشارته اليهم لاتلدونى ففيه أن
الاشارة المفهمة تصريح العبارة فى نحوهذه المسألة وفيه
تعزيز الْمُتَعَدِّي بِنَحْوٍ مِنْ فِعْلِهِ الَّذِي
تَعَدَّى بِهِ إلا أن يكون فعلا
(14/199)
محرما قَوْلُهَا
[2214] (دَخَلْتُ عَلَيْهِ بِابْنٍ لِي قَدْ أَعْلَقْتُ
عَلَيْهِ مِنَ الْعُذْرَةِ فَقَالَ عَلَامَ تَدْغَرْنَ
أَوْلَادَكُنَّ بهذا العلاق عليكن بهذا العلاق عليكن بهذا
العود لاهندى فَإِنَّ فِيهِ سَبْعَةُ أَشْفِيَةٍ مِنْهَا
ذَاتُ الْجَنْبِ يُسْعَطُ مِنَ الْعُذْرَةِ وَيُلَدُّ مِنْ
ذَاتِ الْجَنْبِ) أما قولها أعلقت عليه فكهذا هُوَ فِي
جَمِيعِ نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَلَيْهِ وَوَقَعَ فِي
صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ رِوَايَةِ مَعْمَرٍ وَغَيْرِهِ
عَلَيْهِ فَأَعْلَقْتُ عَلَيْهِ كَمَا هُنَا وَمَنْ
رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ فَأَعْلَقْتُ عَنْهُ
بِالنُّونِ وَهَذَا هُوَ الْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ
اللُّغَةِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ الْمُحَدِّثُونَ
يَرْوُونَهُ أَعَلَقْتُ عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ عَنْهُ وكذا
قال غَيْرُهُ وَحَكَاهُمَا بَعْضُهُمْ لُغَتَيْنِ
أَعَلَقْتُ عَنْهُ وَعَلَيْهِ وَمَعْنَاهُ عَالَجْتُ
وَجَعَ لَهَاتِهِ بِأُصْبُعِي وَأَمَّا الْعُذْرَةُ
فَقَالَ الْعُلَمَاءُ هِيَ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَبِالذَّالِ
الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ وَجَعٌ فِي الْحَلْقِ يَهِيجُ مِنَ
الدَّمِ يُقَالُ فِي عِلَاجِهَا عَذَرْتُهُ فَهُوَ
مَعْذُورٌ وَقِيلَ هي قرحة تخرج في الخر الذى يبن
الْحَلْقِ وَالْأَنْفِ تَعْرِضُ لَلصِّبْيَانِ غَالِبًا
عِنْدَ طُلُوعِ الْعُذْرَةِ وَهِيَ خَمْسَةُ كَوَاكِبَ
تَحْتَ الشِّعْرَى الْعَبُورِ وَتُسَمَّى الْعَذَارَى
وَتَطْلُعُ فِي وَسَطِ الْحَزِّ وَعَادَةُ النِّسَاءِ فِي
مُعَالَجَةِ الْعُذْرَةِ أَنْ تَأْخُذَ الْمَرْأَةُ
خِرْقَةً فَتَفْتِلَهَا فَتْلًا شَدِيدًا وَتُدْخِلَهَا
فِي أَنْفِ الصَّبِيِّ وَتَطْعَنَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ
فَيَنْفَجِرُ مِنْهُ دَمٌ أَسْوَدُ وَرُبَّمَا
أَقْرَحَتْهُ وَذَلِكَ الطَّعْنُ يُسَمَّى دَغْرًا
وَغَدْرًا فَمَعْنَى تَدْغَرْنَ أَوْلَادَكُنَّ أَنَّهَا
تَغْمِزُ حَلْقَ الْوَلَدِ بِأُصْبُعِهَا فَتَرْفَعُ
ذَلِكَ الْمَوْضِعَ وَتَكْبِسُهُ وَأَمَّا الْعَلَاقُ
فَبِفَتْحِ الْعَيْنِ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى
الْإِعْلَاقُ وَهُوَ الْأَشْهَرُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ
حَتَّى زَعَمَ بعضهم أنه الصواب وأن العلاق لايجوز قالوا
والعلاق مَصْدَرُ أَعَلَقْتُ عَنْهُ وَمَعْنَاهُ أَزَلْتُ
عَنْهُ الْعَلُوقَ وَهِيَ الْآفَةُ وَالدَّاهِيَةُ
وَالْإِعْلَاقُ هُوَ مُعَالَجَةُ عُذْرَةِ الصَّبِيِّ
وَهِيَ وَجَعُ حَلْقِهِ كَمَا سَبَقَ قَالَ بن الْأَثِيرِ
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْعَلَاقُ هُوَ الِاسْمُ منه وأما
ذات الجنبفعلة معروفة والعودالهندى يُقَالُ لَهُ الْقُسْطُ
(14/200)
وَالْكُسْتُ لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (عَلَامَهْ
تَدْغَرْنَ أَوْلَادَكُنَّ) هَكَذَا هُوَ فِي جميع النسخ
علامه وهى هاء السكت ثبت هُنَا فِي الدَّرْجِ قَوْلُهُ
[2215] (وَالْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ الشُّونِيزُ) هَذَا
هُوَ الصَّوَابُ الْمَشْهُورُ الَّذِي ذَكَرَهُ
الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي وَذَكَرَ الْحَرْبِيُّ عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّهَا الْخَرْدَلُ قَالَ وَقِيلَ هِيَ
الْحَبَّةُ الْخَضْرَاءُ وَهِيَ الْبُطْمُ وَالْعَرَبُ
تُسَمِّي الْأَخْضَرَ أَسْوَدَ وَمِنْهُ سَوَادُ العراق
(14/201)
لِخُضْرَتِهِ بِالْأَشْجَارِ وَتُسَمِّي
الْأَسْوَدَ أَيْضًا أَخْضَرَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2216] (التَّلْبِينَةُ مَجَمَّةٌ لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ
وَتُذْهِبُ بَعْضَ الْحَزَنِ) أَمَّا مَجَمَّةٌ فَبِفَتْحِ
الْمِيمِ وَالْجِيمِ وَيُقَالُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ
الْجِيمِ أَيْ تُرِيحُ فُؤَادَهُ وَتُزِيلُ عَنْهُ
الْهَمَّ وَتُنَشِّطُهُ وَالْجَمَامُ الْمُسْتَرِيحُ
كَأَهْلِ النَّشَاطِ وَأَمَّا التَّلْبِينَةُ فَبِفَتْحِ
التَّاءِ وَهِيَ حَسَاءٌ مِنْ دَقِيقٍ أَوْ نُخَالَةٍ
قالوا وربما جعل فيها عسل قال الهرواى وَغَيْرُهُ
سُمِّيَتْ تَلْبِينَةً
(14/202)
تَشْبِيهًا بِاللَّبَنِ لِبَيَاضِهَا
وَرِقَّتِهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّلْبِينَةِ للمخزون
قَوْلُهُ
[2217] (إِنَّ أَخِي عَرِبَ بَطْنُهُ) هُوَ بِفَتْحِ
الْعَيْنِ وَكَسْرِ الرَّاءِ مَعْنَاهُ فَسَدَتْ
مَعِدَتُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(صَدَقَ اللَّهُ وَكَذَبَ بَطْنُ أَخِيكَ) الْمُرَادُ
قَوْلُهُ تَعَالَى يَخْرُجُ مِنْ بطونها شراب مختلف ألوانه
فيه شفاء لِلنَّاسِ وَهُوَ الْعَسَلُ وَهَذَا تَصْرِيحٌ
مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ
الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِ شِفَاءٌ يَعُودُ
إِلَى الشَّرَابِ الَّذِي هو العسل وهو الصحيح وهو قول بن
مسعود وبن عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَغَيْرِهِمْ
وَقَالَ مُجَاهِدٌ الضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْقُرْآنِ
وَهَذَا ضَعِيفٌ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ
وَلِصَرِيحِ هَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ قَالَ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ الْآيَةُ عَلَى الْخُصُوصِ أَيْ شِفَاءٌ مِنْ
بَعْضِ الْأَدْوَاءِ وَلِبَعْضِ النَّاسِ وَكَانَ دَاءُ
هَذَا الْمَبْطُونِ مِمَّا يُشْفَى بِالْعَسَلِ وَلَيْسَ
فِي الْآيَةِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ
دَاءٍ وَلَكِنَّ عِلْمَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ دَاءَ هَذَا الرَّجُلِ مِمَّا
يُشْفَى بِالْعَسَلِ وَاللَّهُ أعلم
(14/203)
(بَاب الطَّاعُونِ وَالطِّيَرَةِ
وَالْكَهَانَةِ وَنَحْوِهَا)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
الطَّاعُونِ
[2218] (إِنَّهُ رِجْزٌ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ
أَوْ عَلَى مَنْ كان قبلكم فاذا سمعتم به بأرضفلا
تَقْدُمُوا عَلَيْهِ وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ
بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا فِرَارًا مِنْهُ) وَفِي رِوَايَةٍ
إِنَّ هَذَا الْوَجَعَ أَوِ السَّقَمَ رِجْزٌ عُذِّبَ بِهِ
بَعْضُ الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ ثُمَّ بَقِيَ بَعْدُ
بِالْأَرْضِ فَيَذْهَبُ الْمَرَّةَ وَيَأْتِي الْأُخْرَى
فَمَنْ سَمِعَ بِهِ بأرض فلايقدمن عليه ومن وقع بأرض وهو
بها فلايخرجنه الْفِرَارُ مِنْهُ وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الْوَبَاءَ وَقَعَ بِالشَّامِ
أَمَّا الْوَبَاءُ فَمَهْمُوزٌ مَقْصُورٌ وَمَمْدُودٌ
لُغَتَانِ الْقَصْرُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَأَمَّا
الطَّاعُونُ فَهُوَ قُرُوحٌ تَخْرُجُ فِي الْجَسَدِ
فَتَكُونُ فِي الْمَرَافِقِ أَوِ الْآبَاطِ أَوِ
الْأَيْدِي أوالأصابع وَسَائِرِ الْبَدَنِ وَيَكُونُ
مَعَهُ وَرَمٌ وَأَلَمٌ شَدِيدٌ وتخرج تلك القروح مع لهيب
ويسود ماحواليه أَوْ يَخْضَرُّ أَوْ يَحْمَرُّ حُمْرَةً
بَنَفْسَجِيَّةً كَدِرَةً وَيَحْصُلُ مَعَهُ خَفَقَانُ
الْقَلْبِ وَالْقَيْءُ وَأَمَّا الْوَبَاءُ فقال الخليل
وغيره هو الطَّاعُونِ وَقَالَ هُوَ كُلُّ مَرَضٍ عَامٍّ
وَالصَّحِيحُ الَّذِي قَالَهُ الْمُحَقِّقُونَ أَنَّهُ
مَرَضُ الْكَثِيرِينَ مِنَ النَّاسِ فِي جِهَةٍ مِنَ
الْأَرْضِ دُونَ سَائِرِ الْجِهَاتِ وَيَكُونُ مُخَالِفًا
لِلْمُعْتَادِ مِنْ أَمْرَاضٍ فِي الْكَثْرَةِ وَغَيْرِهَا
وَيَكُونُ مَرَضُهُمْ نَوْعًا وَاحِدًا بِخِلَافِ سَائِرِ
الْأَوْقَاتِ فَإِنَّ أَمْرَاضَهُمْ فِيهَا مُخْتَلِفَةٌ
قَالُوا وَكُلُّ طَاعُونٍ وَبَاءٌ وَلَيْسَ كُلُّ وَبَاءٍ
طَاعُونًا وَالْوَبَاءُ الَّذِي وَقَعَ فِي الشَّامِ فِي
زَمَنِ عُمَرَ كَانَ طَاعُونًا وَهُوَ طَاعُونُ عَمَوَاسَ
وَهِيَ قَرْيَةٌ مَعْرُوفَةٌ بِالشَّامِ وَقَدْ سَبَقَ فِي
شَرْحِ مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ فِي ذِكْرِ الضُّعَفَاءِ
مِنَ الرُّوَاةِ عِنْدَ ذِكْرِهِ طَاعُونَ الْجَارِفِ
بَيَانُ الطَّوَاعِينِ وَأَزْمَانِهَا وعددها وأما كنها
وَنَفَائِسَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهَا وَجَاءَ فِي هَذِهِ
الْأَحَادِيثِ أَنَّهُ أُرْسِلَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ
أَوْ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ عَذَابًا لَهُمْ هَذَا
الْوَصْفُ بكونه عَذَابًا مُخْتَصٌّ بِمَنْ كَانَ قَبْلنَا
وَأَمَّا هَذِهِ الأمة فهولها رَحْمَةٌ وَشَهَادَةٌ فَفِي
الصَّحِيحَيْنِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ فِي
غَيْرِ الصَّحِيحَيْنِ أَنَّ الطَّاعُونَ كَانَ عَذَابًا
يَبْعَثُهُ اللَّهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ فَجَعَلَهُ
رَحْمَةً لِلْمُؤْمِنِينَ فَلَيْسَ مِنْ عَبْدٍ يَقَعُ
الطَّاعُونُ فَيَمْكُثُ فى بلده
(14/204)
صابرا يعلم أنه لن يصيبه الاما كتب الله له
الاكان لَهُ مِثْلُ أَجْرِ شَهِيدٍ وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ
الطَّاعُونُ شَهَادَةٌ لِكُلِّ مُسْلِمٍ وَإِنَّمَا
يَكُونُ شَهَادَةً لِمَنْ صَبَرَ كَمَا بَيَّنَهُ فِي
الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
مَنْعُ الْقُدُومِ عَلَى بَلَدِ الطَّاعُونِ وَمَنْعُ
الْخُرُوجِ مِنْهُ فِرَارًا مِنْ ذَلِكَ أما الخروج لعارض
فلابأس بِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ هُوَ مَذْهَبُنَا
وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَالَ الْقَاضِي هُوَ قَوْلُ
الْأَكْثَرِينَ قَالَ حتى قالت عائشةالفرار مِنْهُ
كَالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ قَالَ وَمِنْهُمْ مَنْ
جَوَّزَ الْقُدُومَ عَلَيْهِ وَالْخُرُوجَ مِنْهُ فِرَارًا
قَالَ وروى
(14/205)
هَذَا عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ
اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ نَدِمَ عَلَى رُجُوعِهِ مِنْ
سَرْغٍ وَعَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَمَسْرُوقٍ
وَالْأَسْوَدِ بْنِ هِلَالٍ أَنَّهُمْ فَرُّوا مِنَ
الطَّاعُونِ وَقَالَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ فِرُّوا عَنْ
هَذَا الرِّجْزِ فِي الشِّعَابِ وَالْأَوْدِيَةِ وَرُءُوسِ
الْجِبَالِ فَقَالَ مَعَاذٌ بَلْ هُوَ شَهَادَةٌ
وَرَحْمَةٌ وَيَتَأَوَّلُ هَؤُلَاءِ النَّهْيَ عَلَى
أَنَّهُ لَمْ يَنْهَ عَنِ الدُّخُولِ عَلَيْهِ
وَالْخُرُوجِ مِنْهُ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُ غَيْرُ
الْمُقَدَّرِ لَكِنْ مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ عَلَى النَّاسِ
لِئَلَّا يَظُنُّوا أَنَّ هَلَاكَ الْقَادِمِ إِنَّمَا
حَصَلَ بِقُدُومِهِ وَسَلَامَةِ الْفَارِّ انما كانت
(14/206)
بِفِرَارِهِ قَالُوا وَهُوَ مِنْ نَحْوِ
النَّهْيِ عَنِ الطِّيَرَةِ وَالْقُرْبِ مِنَ الْمَجْذُومِ
وَقَدْ جَاءَ عَنِ بن مَسْعُودٍ قَالَ الطَّاعُونُ
فِتْنَةٌ عَلَى الْمُقِيمِ وَالْفَارِّ أَمَّا الْفَارُّ
فَيَقُولُ فَرَرْتُ فَنَجَوْتُ وَأَمَّا الْمُقِيمُ فيقول
أقمت فمت وانما فر من لميأت أَجَلُهُ وَأَقَامَ مَنْ
حَضَرَ أَجَلُهُ وَالصَّحِيحُ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ
النَّهْيِ عَنِ الْقُدُومِ عَلَيْهِ وَالْفِرَارِ مِنْهُ
لِظَاهِرِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ
وَهُوَ قَرِيبُ الْمَعْنَى مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وسلم لاتتمنوا لِقَاءَ الْعَدُوِّ وَاسْأَلُوا
اللَّهَ الْعَافِيَةَ فَإِذَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاصْبِرُوا
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الِاحْتِرَازُ مِنَ الْمَكَارِهِ
وَأَسْبَابِهَا وَفِيهِ التَّسْلِيمُ لِقَضَاءِ اللَّهِ
عِنْدَ حُلُولِ الْآفَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاتَّفَقُوا
عَلَى جَوَازِ الْخُرُوجِ بِشُغْلٍ وَغَرَضٍ غَيْرِ
الْفِرَارِ وَدَلِيلُهُ صَرِيحُ الْأَحَادِيثِ قَوْلُهُ
فِي رِوَايَةِ أَبِي النَّضْرِ (لَا يُخْرِجُكُمْ إِلَّا
فِرَارٌ مِنْهُ) وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ فِرَارٌ
بِالرَّفْعِ وَفِي بَعْضِهَا فِرَارًا بِالنَّصْبِ
وَكِلَاهُمَا مُشْكِلٌ مِنْ حَيْثُ الْعَرَبِيَّةِ
وَالْمَعْنَى قَالَ الْقَاضِي وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ
ضَعِيفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ مُفْسِدَةٌ للمعنى
(14/207)
لِأَنَّ ظَاهِرَهَا الْمَنْعُ مِنَ
الْخُرُوجِ لِكُلِّ سَبَبٍ إِلَّا لِلْفِرَارِ فَلَا
مَنْعَ مِنْهُ وَهَذَا ضِدُّ المراد وقال جماعة ان لفظة
إلاهنا غَلَطٌ مِنَ الرَّاوِي وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا
كَمَا هُوَ الْمَعْرُوفُ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ قَالَ
الْقَاضِي وَخَرَّجَ بَعْضُ مُحَقِّقِي الْعَرَبِيَّةِ
لِرِوَايَةِ النَّصْبِ وَجْهًا فَقَالَ هُوَ مَنْصُوبٌ
عَلَى الْحَالِ قَالَ وَلَفْظَةُ إِلَّا هنا للإيجاب لا
للاستثناء وتقديره لاتخرجوا اذا لم يكن خروجكم إلافرارا
مِنْهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ أَحَادِيثَ
الْبَابِ كُلَّهَا مِنْ رِوَايَةِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ
وَذَكَرَ فِي الطُّرُقِ الثَّلَاثِ فِي آخِرِ الْبَابِ مَا
يُوهِمُ أَوْ يَقْتَضِي أَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ سَعْدِ بن
أبى وقاص عنالنبى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ
الْقَاضِي وَغَيْرُهُ هَذَا وَهْمٌ إِنَّمَا هُوَ مِنْ
رِوَايَةِ سَعْدٍ عَنْ أُسَامَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ
[2219] (حَتَّى إِذَا كَانَ بِسَرْغٍ لَقِيَهُ أَهْلُ
الْأَجْنَادِ) أَمَّا سَرْغٌ فَبِسِينٍ مُهْمَلَةٍ
مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ رَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ غَيْنٍ
مُعْجَمَةٍ وَحَكَى الْقَاضِي وَغَيْرُهُ أَيْضًا فَتْحَ
الرَّاءِ وَالْمَشْهُورُ إِسْكَانُهَا وَيَجُوزُ صَرْفُهُ
وَتَرْكُهُ وَهِيَ قَرْيَةٌ فِي طَرَفِ الشَّامِ مِمَّا
يَلِي الْحِجَازَ وَقَوْلُهُ أهل الاجناد وفى غيره هذه
الروايةأمراء الْأَجْنَادِ وَالْمُرَادُ بِالْأَجْنَادِ
هُنَا مُدُنُ الشَّامِ الْخَمْسُ وَهِيَ فِلَسْطِينُ
وَالْأُرْدُنُّ وَدِمَشْقُ وَحِمْصٌ وَقِنِّسْرِينُ
هَكَذَا فَسَّرُوهُ وَاتَّفَقُوا عَلَيْهِ وَمَعْلُومٌ
أَنَّ فِلَسْطِينَ اسْمٌ لِنَاحِيَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
وَالْأَرْدُنُّ اسْمٌ لِنَاحِيَةِ سِيَّانَ وَطَبَرِيةَ
وَمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا وَلَا يَضُرُّ إِطْلَاقُ اسْمِ
الْمَدِينَةِ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (ادْعُ لِيَ
الْمُهَاجِرِينَ
(14/208)
الْأَوَّلِينَ فَدَعَا ثُمَّ دَعَا
الْأَنْصَارَ ثُمَّ مَشْيَخَةَ قُرَيْشٍ مِنْ مُهَاجِرَةِ
الْفَتْحِ) إِنَّمَا رَتَّبَهُمْ هَكَذَا عَلَى حَسَبِ
فَضَائِلِهِمْ قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ
بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ مَنْ صَلَّى
لِلْقِبْلَتَيْنِ فَأَمَّا مَنْ أَسْلَمَ بعد تحويل القبلة
فلايعد فِيهِمْ قَالَ وَأَمَّا مُهَاجِرَةُ الْفَتْحِ
فَقِيلَ هُمُ الَّذِينَ أَسْلَمُوا قَبْلَ الْفَتْحِ
فَحَصَلَ لَهُمْ فَضْلٌ بالهجرة قبل الفتح إذلاهجرة بَعْدَ
الْفَتْحِ وَقِيلَ هُمْ مُسْلِمَةُ الْفَتْحِ الَّذِينَ
هَاجَرُوا بَعْدَهُ فَحَصَلَ لَهُمُ اسْمٌ دُونَ
الْفَضِيلَةِ قال القاضي هذا أظهر لأنهم الذين ينطلق عليهم
مشخة قُرَيْشٍ وَكَانَ رُجُوعُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ لرجحان طرف الرجوع لكثرة القائلين وَأَنَّهُ
أَحْوَطُ وَلَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ تَقْلِيدٍ لِمُسْلِمَةِ
الْفَتْحِ لِأَنَّ بَعْضَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ
وَبَعْضَ الْأَنْصَارِ أَشَارُوا بِالرُّجُوعِ
وَبَعْضَهُمْ بِالْقُدُومِ عَلَيْهِ وَانْضَمَّ إِلَى
المشيرين بالرجوع رأى مشيخة قريش فكثر القائلين به مع
مالهم مِنَ السِّنِّ وَالْخِبْرَةِ وَكَثْرَةِ
التَّجَارِبِ وَسَدَادِ الرَّأْيِ وحجة الطائفين وَاضِحَةٌ
مُبَيَّنَةٌ فِي الْحَدِيثِ وَهُمَا مُسْتَمَدَّانِ مِنْ
أَصْلَيْنِ فِي الشَّرْعِ أَحَدُهُمَا التَّوَكُّلُ
وَالتَّسْلِيمُ لِلْقَضَاءِ والثانى الاحتياط الحذر
ومجانبة أسبابالالقاء بِالْيَدِ إِلَى التَّهْلُكَةِ قَالَ
الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّمَا رَجَعَ عُمَرُ لِحَدِيثِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ كَمَا قَالَ مُسْلِمٌ
هُنَا فِي رِوَايَتِهِ عَنِ بن شِهَابٍ أَنَّ سَالِمَ بْنَ
عَبْدِ اللَّهِ قَالَ إِنَّ عُمَرَ إِنَّمَا انْصَرَفَ
بِالنَّاسِ عَنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ
قَالُوا وَلِأَنَّهُ لَمْ يكن ليرجع
(14/209)
لِرَأْيٍ دُونَ رَأْيٍ حَتَّى يَجِدَ
عِلْمًا وَتَأَوَّلَ هَؤُلَاءِ قَوْلُهُ (إِنِّي مُصْبِحٌ
عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا) فَقَالُوا أَيْ مُسَافِرٌ
إِلَى الْجِهَةِ الَّتِي قَصَدْنَاهَا أَوَّلًا لَا
لِلرُّجُوعِ إِلَى الْمَدِينَةِ وَهَذَا تَأْوِيلٌ فَاسِدٌ
وَمَذْهَبٌ ضَعِيفٌ بَلِ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ
الْجُمْهُورُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ أَوْ صَرِيحُهُ
أَنَّهُ إِنَّمَا قَصَدَ الرُّجُوعَ أَوَّلًا
بِالِاجْتِهَادِ حِينَ رَأَى الْأَكْثَرِينَ عَلَى تَرْكِ
الرُّجُوعِ مَعَ فَضِيلَةِ الْمُشِيرِينَ بِهِ وَمَا فِيهِ
مِنَ الِاحْتِيَاطِ ثُمَّ بَلَغَهُ حديث عبد الرحمن
فحمدالله تَعَالَى وَشَكَرَهُ عَلَى مُوَافَقَةِ
اجْتِهَادِهِ وَاجْتِهَادِ مُعْظَمِ أَصْحَابِهِ نَصَّ
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
وَأَمَّا قول مسلم انه انما رَجَعَ لِحَدِيثِ عَبْدِ
الرَّحْمَنِ فَيُحْتَمَلُ أَنَّ سَالِمًا لَمْ يَبْلُغْهُ
مَا كَانَ عُمَرُ عَزَمَ عَلَيْهِ مِنَ الرُّجُوعِ قَبْلَ
حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ لَهُ ويحتمل أنه أراد لم يرجع
الابعد حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (إِنِّي مُصْبِحٌ عَلَى ظَهْرٍ فَأَصْبِحُوا
عَلَيْهِ) هُوَ بِإِسْكَانِ الصاد فبهما أَيْ مُسَافِرٌ
رَاكِبٌ عَلَى ظَهْرِ الرَّاحِلَةِ رَاجِعٌ إِلَى وَطَنِي
فَأَصْبِحُوا عَلَيْهِ وَتَأَهَّبُوا لَهُ قَوْلُهُ
(فَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ أَفِرَارًا مِنْ قَدَرِ اللَّهِ
فَقَالَ عُمَرُ لَوْ غَيْرُكَ قَالَهَا يَا أَبَا
عُبَيْدَةَ وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلَافَهُ نَعَمْ
نَفِرُّ مِنْ قَدَرِ اللَّهِ إِلَى قَدَرِ اللَّهِ
أَرَأَيْتَ لوكان لَكَ إِبِلٌ فَهَبَطْتَ وَادِيًا لَهُ
عُدْوَتَانِ إِحْدَاهُمَا خَصِيبَةٌ وَالْأُخْرَى جَدْبَةٌ
أَلَيْسَ إِنْ رَعَيْتَ الْخَصِيبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ
اللَّهِ وَإِنْ رَعَيْتَ الْجَدْبَةَ رَعَيْتَهَا بِقَدَرِ
اللَّهِ) أَمَّا الْعُدْوَةُ فَبِضَمِّ الْعَيْنِ
وَكَسْرِهَا وَهِيَ جَانِبُ الْوَادِي وَالْجَدْبَةُ
بِفَتْحِ الْجِيمِ وَإِسْكَانِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ
وَهِيَ ضِدُّ الْخَصِيبَةِ وَقَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ
الْجَدْبَةُ هُنَا بِسُكُونِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا قَالَ
وَالْخِصْبَةُ كَذَلِكَ أَمَّا قَوْلُهُ لَوْ غَيْرُكَ
قَالَهَا ياأبا عُبَيْدَةَ فَجَوَابُ لَوْ مَحْذُوفٌ وَفِي
تَقْدِيرِهِ وَجْهَانِ ذَكَرَهُمَا صَاحِبُ التَّحْرِيرِ
وَغَيْرُهُ أَحَدُهُمَا لَوْ قَالَهُ غَيْرُكَ
لَأَدَّبْتُهُ لِاعْتِرَاضِهِ عَلَيَّ فِي مَسْأَلَةٍ
اجْتِهَادِيَّةٍ وَافَقَنِي عَلَيْهَا أَكْثَرُ النَّاسِ
وَأَهْلُ الْحِلِّ وَالْعَقْدِ فيها والثاني
(14/210)
لَوْ قَالَهَا غَيْرُكَ لَمْ أَتَعَجَّبْ
مِنْهُ وَإِنَّمَا أَتَعَجَّبُ مِنْ قَوْلِكَ أَنْتَ
ذَلِكَ مَعَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ
وَالْفَضْلِ ثُمَّ ذَكَرَ لَهُ عُمَرُ دَلِيلًا وَاضِحًا
مِنَ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ الذى لاشك فى صحبه وَلَيْسَ
ذَلِكَ اعْتِقَادًا مِنْهُ أَنَّ الرُّجُوعَ يَرُدُّ
الْمَقْدُورَ وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى
أَمَرَ بِالِاحْتِيَاطِ وَالْحَزْمِ وَمُجَانَبَةِ
أَسْبَابِ الْهَلَاكِ كَمَا أَمَرَ سبحانه بِالتَّحَصُّنِ
مِنْ سِلَاحِ الْعَدُوِّ وَتَجَنُّبِ الْمَهَالِكِ وَإِنْ
كَانَ كُلٌّ وَاقِعٌ فَبِقَضَاءِ اللَّهِ وَقَدَرِهُ
السَّابِقِ فِي عِلْمِهِ وَقَاسَ عُمَرُ عَلَى رَعْيِ
الْعُدْوَتَيْنِ لكونه واضحا لاينازع فِيهِ أَحَدٌ مَعَ
مُسَاوَاتِهِ لِمَسْأَلَةِ النِّزَاعِ قَوْلُهُ (أَكُنْتَ
مُعَجِّزَهُ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ
الْجِيمِ أَيْ تَنْسُبُهُ إِلَى الْعَجْزِ مَقْصُودُ
عُمَرَ أَنَّ الناس رعية لى استر عانيها اللَّهُ تَعَالَى
فَيَجِبُ عَلِيَّ الِاحْتِيَاطُ لَهَا فَإِنْ تَرَكْتُهُ
نُسِبْتُ إِلَى الْعَجْزِ وَاسْتَوْجَبْتُ الْعُقُوبَةَ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (هَذَا الْمَحَلُّ أَوْ قَالَ
هَذَا الْمَنْزِلُ) هُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ بِفَتْحِ
الْحَاءِ وَكَسْرِهَا والفتح أقبس فَإِنَّ مَا كَانَ عَلَى
وَزْنِ فَعَلَ وَمُضَارِعُهُ يَفْعُلُ بِضَمِّ ثَالِثِهِ
كَانَ مَصْدَرُهُ وَاسْمُ الزَّمَانِ والمكان منه مفعلا
بالفتح كقعد يقعد مقعدا ونظائره إلاأحرفا شَذَّتْ جَاءَتْ
بِالْوَجْهَيْنِ مِنْهَا الْمَحَلُّ قَوْلُهُ فِي الاسناد
(عن مالك عن بن شِهَابٍ عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ الْخَطَّابِ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ
نَوْفَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ) قَالَ
الدَّارَقُطْنِيُّ كَذَا قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ مَعْمَرٌ
وَيُونُسُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ
وَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ على اختلافهم قَالَ وَقَدْ
أَخْرَجَهُ
(14/211)
مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ يُونُسَ عَنْ عَبْدِ
اللَّهِ بن الحارث وأما البخارى فلم يخرجه إلامن طَرِيقِ
مَالِكٍ وَاعْلَمْ أَنَّ فِي حَدِيثِ عُمَرَ هَذَا
فَوَائِدَ كَثِيرَةً مِنْهَا خُرُوجُ الْإِمَامِ
بِنَفْسِهِ فِي وِلَايَتِهِ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ
لِيُشَاهِدَ أَحْوَالَ رَعِيَّتِهِ وَيُزِيلَ ظُلْمَ
الْمَظْلُومِ وَيَكْشِفَ كَرْبَ الْمَكْرُوبِ وَيَسُدَّ
خَلَّةَ الْمُحْتَاجِ وَيَقْمَعَ أَهْلَ الْفَسَادِ
وَيَخَافَهُ أَهْلُ الْبَطَالَةِ وَالْأَذَى وَالْوُلَاةِ
وَيَحْذَرُوا تَجَسُّسَهُ عَلَيْهِمْ وَوُصُولَ
قَبَائِحِهِمْ إِلَيْهِ فَيَنْكُفُوا وَيُقِيمَ فِي
رَعِيَّتِهِ شَعَائِرَ الْإِسْلَامِ وَيُؤَدِّبَ مَنْ
رَآهُمْ مُخِلِّينَ بِذَلِكَ وَلِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ
الْمَصَالِحِ وَمِنْهَا تَلَقِّي الْأُمَرَاءِ وَوُجُوهِ
النَّاسِ الْإِمَامَ عِنْدَ قُدُومِهِ وَإِعْلَامُهُمْ
إِيَّاهُ بِمَا حَدَثَ فِي بِلَادِهِمْ مِنْ خَيْرٍ
وَشَرٍّ وَوَبَاءٍ وَرُخْصٍ وَغَلَاءٍ وَشِدَّةٍ وَرَخَاءٍ
وَغَيْرِ ذَلِكَ وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ مُشَاوَرَةِ
أَهْلِ الْعِلْمِ وَالرَّأْيِ فِي الْأُمُورِ الْحَادِثَةِ
وَتَقْدِيمُ أَهْلِ السَّابِقَةِ فِي ذَلِكَ وَمِنْهَا
تَنْزِيلُ النَّاسِ مَنَازِلَهُمْ وَتَقْدِيمُ أَهْلِ
الْفَضْلِ عَلَى غَيْرِهِمْ وَالِابْتِدَاءُ بِهِمْ فِي
الْمَكَارِمِ وَمِنْهَا جَوَازُ الِاجْتِهَادِ فِي
الْحُرُوبِ وَنَحْوِهَا كَمَا يَجُوزُ فِي الْأَحْكَامِ
وَمِنْهَا قَبُولُ خَبَرِ الْوَاحِدِ فَإِنَّهُمْ قَبِلُوا
خَبَرَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَمِنْهَا صِحَّةُ الْقِيَاسِ
وَجَوَازُ الْعَمَلِ بِهِ وَمِنْهَا ابْتِدَاءُ الْعَالِمِ
بِمَا عِنْدَهُ مِنَ الْعِلْمِ قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهُ
كَمَا فَعَلَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَمِنْهَا اجْتِنَابُ
أَسْبَابِ الْهَلَاكِ وَمِنْهَا مَنْعُ الْقُدُومِ عَلَى
الطَّاعُونِ وَمَنْعُ الْفِرَارِ منه والله أعلم
(14/212)
(باب لاعدوى
ولاطيرة ولاهامة ولاصفر ولانوء ولاغول ولايورد ممرض
على مصح)
[2220] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ
رِوَايَةِ أبى هريرة (لاعدوى ولا صفر ولاهامة فقال أعرابى
يارسول اللَّهِ فَمَا بَالُ الْإِبِلِ تَكُونُ فِي
الرَّمْلِ كَأَنَّهَا الظِّبَاءُ فَيَجِيءُ الْبَعِيرُ
الْأَجْرَبُ فَيَدْخُلُ فِيهَا فَيُجْرِبُهَا كُلَّهَا
قَالَ فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ) وَفِي روايةلاعدوى
ولاطيرة ولاصفر ولاهامة
[2221] وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ
يُحَدِّثُ بحديث لاعدوى وَيُحَدِّثُ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أيضا أنه قال لايورد
ممرض على مصحح ثُمَّ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ اقْتَصَرَ
عَلَى رِوَايَةِ حديث لايورد ممرض على مصح وأمسك عن حديث
لاعدوى فَرَاجِعُوهُ فِيهِ وَقَالُوا لَهُ إِنَّا
سَمِعْنَاكَ تُحَدِّثُهُ فَأَبَى أَنْ يَعْتَرِفَ بِهِ
قَالَ أَبُو سَلَمَةَ الراوي عن أبى هريرة فلاأدرى
أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَوْ نَسَخَ أَحَدُ
الْقَوْلَيْنِ الْآخَرَ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
يَجِبُ الْجَمْعُ بَيْنَ هَذَيْنِ الْحَدِيثَيْنِ وَهُمَا
صَحِيحَانِ قَالُوا وَطَرِيقُ الْجَمْعِ أن حديث لاعدوى
الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ مَا كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ
تَزْعُمُهُ وتعتقده أن المرض والعاهة تعدى بطبعها لابفعل
الله تعالى وأما حديث لايورد
(14/213)
مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ فَأُرْشِدَ فِيهِ
إِلَى مُجَانَبَةِ مَا يَحْصُلُ الضَّرَرُ عِنْدَهُ فِي
الْعَادَةِ بِفِعْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَقَدْرِهِ فَنَفَى
فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ الْعَدْوَى بِطَبْعِهَا وَلَمْ
يَنْفِ حُصُولَ الضَّرَرِ عِنْدَ ذَلِكَ بِقَدَرِ اللَّهِ
تَعَالَى وَفِعْلِهِ وَأَرْشَدَ فِي الثَّانِي إِلَى
الِاحْتِرَازِ مِمَّا يَحْصُلُ عِنْدَهُ الضَّرَرُ
بِفِعْلِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ وَقَدَرِهِ فَهَذَا
الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ تَصْحِيحِ الْحَدِيثَيْنِ
وَالْجَمْعِ بَيْنَهُمَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ
جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَيَتَعَيَّنُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ
ولايؤثر نسيان أبى هريرة لحديث لاعدوى لِوَجْهَيْنِ
أَحَدُهُمَا أَنَّ نِسْيَانَ الرَّاوِي لِلْحَدِيثِ
الَّذِي رواه لايقدح فِي صِحَّتِهِ عِنْدَ جَمَاهِيرِ
الْعُلَمَاءِ بَلْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ وَالثَّانِي
أَنَّ هَذَا اللَّفْظَ ثَابِتٌ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِ
أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَدْ ذَكَرَ مُسْلِمٌ هَذَا مِنْ
رِوَايَةِ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ
اللَّهِ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ وبن عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحَكَى الْمَازِرِيُّ
وَالْقَاضِي عِيَاضٌ عَنْ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ أن حديث
لايورد ممرض على مصح منسوخ بحديث لاعدوى وَهَذَا غَلَطٌ
لِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ النَّسْخَ يُشْتَرَطُ
فِيهِ تَعَذُّرُ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَلَمْ
يَتَعَذَّرْ بَلْ قَدْ جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا وَالثَّانِي
أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ مَعْرِفَةُ التَّارِيخِ
وَتَأَخُّرُ النَّاسِخِ وَلَيْسَ ذَلِكَ موجودا هنا وقال
آخرون حديث لاعدوى عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَمَّا النَّهْيُ
عَنْ إِيرَادِ الْمُمْرِضِ عَلَى الْمُصِحِّ فَلَيْسَ
لِلْعَدْوَى بَلْ لِلتَّأَذِّي بِالرَّائِحَةِ الكريهة
وقبح صورته وصورة المجذوم والصواب ماسبق وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2220] (ولاصفر) فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا
الْمُرَادُ تَأْخِيرُهُمْ تَحْرِيمَ الْمُحَرَّمِ إِلَى
صَفَرَ وَهُوَ النَّسِيءُ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ
وبهذا
(14/214)
قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو عُبَيْدَةَ
وَالثَّانِي أَنَّ الصَّفَرَ دَوَابٌّ فِي الْبَطْنِ
وَهِيَ دُودٌ وَكَانُوا يَعْتَقِدُونَ أَنَّ فِي الْبَطْنَ
دَابَّةً تَهِيجُ عِنْدَ الْجُوعِ وَرُبَّمَا قَتَلَتْ
صَاحِبَهَا وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَرَاهَا أَعْدَى مِنَ
الْجَرَبِ وَهَذَا التَّفْسِيرُ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ
قال مطرف وبن وهب وبن حَبِيبٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ
وَخَلَائِقُ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَقَدْ ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَاوِي الْحَدِيثِ
فَيَتَعَيَّنَ اعْتِمَادُهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ
الْمُرَادُ هَذَا وَالْأَوَّلَ جَمِيعًا وَأَنَّ
الصَّفَرَيْنِ جَمِيعًا باطلان لاأصل لهما ولاتصريح عَلَى
وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
(ولاهامة) فيه تأويلان أحدهما أن العرب كانت تتشاءم باطامة
وَهِيَ الطَّائِرُ الْمَعْرُوفُ مِنْ طَيْرِ اللَّيْلِ
وَقِيلَ هِيَ الْبُومَةُ قَالُوا كَانَتْ إِذَا سَقَطَتْ
عَلَى دار أحدهم رآها ناعية له نفسه أوبعض أَهْلِهِ
وَهَذَا تَفْسِيرُ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ وَالثَّانِي أَنَّ
الْعَرَبَ كَانَتْ تَعْتَقِدُ أَنَّ عِظَامَ الْمَيِّتِ
وَقِيلَ رُوحُهُ تَنْقَلِبُ هَامَةً تَطِيرُ وَهَذَا
تَفْسِيرُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ النَّوْعَيْنِ
فَإِنَّهُمَا جَمِيعًا بَاطِلَانِ فَبَيَّنَ النَّبِيُّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِبْطَالَ ذَلِكَ
وَضَلَالَةَ
(14/215)
الجاهلية فيما تعتقده من ذلك والهامة
بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ عَلَى الْمَشْهُورِ الَّذِي لَمْ
يَذْكُرُ الْجُمْهُورُ غَيْرَهُ وَقِيلَ بِتَشْدِيدِهَا
قَالَهُ جَمَاعَةٌ وَحَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ أَبِي زَيْدٍ
الْأَنْصَارِيِّ الْإِمَامِ فِي اللغة قوله صلى الله عليه
وسلم (ولانوء) أى لاتقولوا مطرنا بنوء كذا ولاتعتقدوه
وَسَبَقَ شَرْحُهُ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
[2222] (ولاغول) قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ كَانَتِ
الْعَرَبُ تَزْعُمُ أَنَّ الغيلان
(14/216)
فِي الْفَلَوَاتِ وَهِيَ جِنْسٌ مِنَ
الشَّيَاطِينِ فَتَتَرَاءَى للناس وتتغول تَغَوُّلًا أَيْ
تَتَلَوَّنُ تَلَوُّنًا فَتُضِلُّهُمْ عَنِ الطَّرِيقِ
فتهلكهم فأبطل النبى صلىالله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ
وَقَالَ آخَرُونَ لَيْسَ الْمُرَادُ بالحديث نفي وجود
الغول وَإِنَّمَا مَعْنَاهُ إِبْطَالُ مَا تَزْعُمُهُ
الْعَرَبُ مِنْ تَلَوُّنِ الْغُولِ بِالصُّوَرِ
الْمُخْتَلِفَةِ وَاغْتِيَالِهَا قَالُوا وَمَعْنَى لاغول
أى لاتستطيع أَنْ تَضِلَّ أَحَدًا وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثٌ
آخَرُ لاغول وَلَكِنِ السَّعَالِيَ قَالَ الْعُلَمَاءُ
السَّعَالِي بِالسِّينِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْعَيْنِ
الْمُهْمَلَتَيْنِ وَهُمْ سَحَرَةُ الْجِنِّ أَيْ وَلَكِنْ
فِي الْجِنِّ سَحَرَةٌ لَهُمْ تَلْبِيسٌ وَتَخَيُّلٌ وَفِي
الْحَدِيثِ الْآخَرِ إِذَا تَغَوَّلَتِ الْغِيلَانُ
فَنَادُوا بِالْأَذَانِ أَيِ ارْفَعُوا شَرَّهَا بِذِكْرِ
اللَّهِ تَعَالَى وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ
الْمُرَادُ نَفْيَ أَصْلِ وُجُودِهَا وَفِي حَدِيثِ أَبِي
أَيُّوبَ كَانَ لِي تَمْرٌ فِي سَهْوَةٍ وَكَانَتِ
الْغُولُ تَجِيءُ فَتَأْكُلُ مِنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ أَعْدَى الْأَوَّلَ)
مَعْنَاهُ أَنَّ الْبَعِيرَ الْأَوَّلَ الَّذِي جرد من أجر
به أى وأنتم تعملون تعترفون أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ
الَّذِي أَوْجَدَ ذَلِكَ من غير ملاصقة لبعير أجرب فاعملوا
أَنَّ الْبَعِيرَ الثَّانِي وَالثَّالِثَ وَمَا
بَعْدَهُمَا إِنَّمَا جرب بفعل الله تعالى وإرادته لابعدوى
تُعْدِي بِطَبْعِهَا وَلَوْ كَانَ الْجَرَبُ بِالْعَدْوَى
بِالطَّبَائِعِ لَمْ يَجْرَبِ الْأَوَّلُ لِعَدَمِ
الْمُعْدِي فَفِي الْحَدِيثِ بَيَانُ الدَّلِيلِ
الْقَاطِعِ لِإِبْطَالِ قَوْلِهِمْ فِي الْعَدْوَى بطبعها
قوله صلى الله عليه وسلم (لايورد مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ)
قَوْلُهُ يُورِدُ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالْمُمْرِضُ
وَالْمُصِحُّ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَالصَّادِ وَمَفْعُولُ
يُورِدُ محذوف أى لايورد إِبِلَهُ الْمِرَاضَ قَالَ
الْعُلَمَاءُ الْمُمْرِضُ صَاحِبُ الْإِبِلِ الْمِرَاضِ
وَالْمُصِحُّ صَاحِبُ الْإِبِلِ الصِّحَاحِ فَمَعْنَى
الْحَدِيثِ لايورد صَاحِبُ الْإِبِلِ الْمِرَاضِ إِبِلَهُ
عَلَى إِبِلِ صَاحِبِ الْإِبِلِ الصِّحَاحِ لِأَنَّهُ
رُبَّمَا أَصَابَهَا الْمَرَضُ بِفِعْلِ الله تعال وقدره
الذى أجرى به العادة لابطبعها فَيَحْصُلُ لِصَاحِبِهَا
ضَرَرٌ بِمَرَضِهَا وَرُبَّمَا حَصَلَ لَهُ ضَرَرٌ
أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ بِاعْتِقَادِ الْعَدْوَى بِطَبْعِهَا
فيكفر والله أعلم قوله (كان أبو هرير يُحَدِّثُهُمَا
كِلْتَيْهِمَا) كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ
كِلْتَيْهِمَا بِالتَّاءِ وَالْيَاءِ مَجْمُوعَتَيْنِ
وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الكلمتين أو القصتين أو
المألتين وَنَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (قَالَ
(14/217)
أَبُو الزُّبَيْرِ هَذِهِ الْغُولُ الَّتِي
تَغَوَّلُ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا
قَالَ أَبُو الزبير وكذا نقله القاضي عن الجمهور قال وَفِي
رِوَايَةِ الطَّبَرِيِّ أَحَدُ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ قَالَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ
قَوْلُهُ (أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ الصَّفَرِ هِيَ
دَوَابُّ الْبَطْنِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ
بِلَادِنَا دَوَابُّ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ وَبَاءٍ
مُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ
رِوَايَةِ الْجُمْهُورِ قَالَ وَفِي رِوَايَةِ
الْعُذْرِيِّ ذَوَاتُ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالتَّاءِ
الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَلَهُ وَجْهٌ وَلَكِنَّ الصَّحِيحَ
الْمَعْرُوفَ هُوَ الْأَوَّلُ قَالَ الْقَاضِي
وَاخْتَلَفُوا فِي قَوْلِهِ صَلَّى الله عليه وسلم لاعدوى
فَقِيلَ هُوَ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ أو يعتقد
وقيل هو خبر أى لاتقع عدوى بطبعها
(باب الطيره والفأل ومايكون فيه الشُّؤْمِ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2223] (لَا طيرة وخيرها الفأل) قيل يارسول اللَّهِ وَمَا
الْفَأْلُ قَالَ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ الصَّالِحَةُ
يسمعها أحدكم
[2224] وفى رواية لاطيرة وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ
الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ
[2223] وَفِي رِوَايَةٍ وَأُحِبُّ الْفَأْلَ الصَّالِحَ
أَمَّا الطِّيَرَةُ فَبِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ
عَلَى وَزْنِ الْعِنَبَةِ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ
الْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَةِ الْحَدِيثِ وَكُتُبِ اللغة
والغريب وحكى القاضي وبن الأثير أن منهم من سكنالياء
وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ قَالُوا وَهِيَ مَصْدَرُ
تَطَيَّرَ طِيَرَةً قالوا ولم يجيء فى المصادر على هذا
الوزن إلاتطير طِيَرَةً وَتَخَيَّرَ خِيَرَةً بِالْخَاءِ
الْمُعْجَمَةِ وَجَاءَ فِي الْأَسْمَاءِ حَرْفَانِ وَهُمَا
شَيْءٌ طِيَبَةٌ أَيْ طَيِّبٌ والتولة بكسرالتاء
الْمُثَنَّاةِ وَضَمِّهَا وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ السِّحْرِ
وَقِيلَ يشبه السحر وقال الأصمعى هو ماتتحبب به المرأة إلى
زوجها والتطير التشاءم وَأَصْلُهُ الشَّيْءُ الْمَكْرُوهُ
مِنْ قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ أَوْ مَرْئِيٍّ وَكَانُوا
يَتَطَيَّرُونَ بِالسَّوَانِحِ وَالْبَوَارِحِ
فَيُنَفِّرُونَ الظِّبَاءَ وَالطُّيُورَ فَإِنْ أَخَذَتْ
ذَاتَ الْيَمِينِ تَبَرَّكُوا بِهِ وَمَضَوْا فِي
سَفَرِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ وَإِنْ
(14/218)
أَخَذَتْ ذَاتَ الشِّمَالِ رَجَعُوا عَنْ
سَفَرِهِمْ وَحَاجَتِهِمْ وَتَشَاءَمُوا بِهَا فَكَانَتْ
تَصُدُّهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ عَنْ
مَصَالِحِهِمْ فَنَفَى الشَّرْعُ ذَلِكَ وَأَبْطَلَهُ
وَنَهَى عَنْهُ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ
بنفع ولاضر فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لاطيرة وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ
الطِّيَرَةُ شِرْكٌ أَيِ اعْتِقَادُ أَنَّهَا تَنْفَعُ
أَوْ تَضُرُّ إِذْ عَمِلُوا بِمُقْتَضَاهَا معتقدين
تأثيرها فهو شركلأنهم جَعَلُوا لَهَا أَثَرًا فِي
الْفِعْلِ وَالْإِيجَادِ وَأَمَّا الْفَأْلُ فَمَهْمُوزٌ
وَيَجُوزُ تَرْكُ هَمْزِهِ وَجَمْعُهُ فُؤُولٌ كَفَلْسٍ
وَفُلُوسٍ وَقَدْ فَسَّرَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَلِمَةِ الصَّالِحَةِ
وَالْحَسَنَةِ وَالطَّيِّبَةِ قَالَ العلماء يكون الفأل
فيما يسروفيما يسوء والغالب فى السرور والطيرة ولايكون
إلافيما يَسُوءُ قَالُوا وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ مَجَازًا فِي
السُّرُورِ يُقَالُ تَفَاءَلْتُ بِكَذَا بِالتَّخْفِيفِ
وَتَفَأَّلْت بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ الْأَصْلُ
وَالْأَوَّلُ مُخَفَّفٌ مِنْهُ وَمَقْلُوبٌ عَنْهُ قَالَ
الْعُلَمَاءُ وَإِنَّمَا أُحِبُّ الْفَأْلَ لِأَنَّ
الْإِنْسَانَ إِذَا أَمَلَ فَائِدَةَ اللَّهِ تَعَالَى
وَفَضْلَهُ عِنْدَ سَبَبٍ قَوِيٍّ أَوْ ضَعِيفٍ فَهُوَ
(14/219)
عَلَى خَيْرٍ فِي الْحَالِ وَإِنْ غَلِطَ
فِي جهة الرجاء فالرجاءله خَيْرٌ وَأَمَّا إِذَا قَطَعَ
رَجَاءَهُ وَأَمَلَهُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنَّ
ذَلِكَ شَرٌّ لَهُ وَالطِّيَرَةُ فِيهَا سُوءُ الظَّنِّ
وَتَوَقُّعُ الْبَلَاءِ وَمَنْ أَمْثَالِ التَّفَاؤُلِ
أَنْ يَكُونَ لَهُ مَرِيضٌ فَيَتَفَاءَلُ بِمَا يَسْمَعُهُ
فَيَسْمَعُ مَنْ يَقُولُ يَا سَالِمُ أَوْ يَكُونُ طَالِبَ
حَاجَةٍ فَيَسْمَعُ مَنْ يَقُولُ يَا وَاجِدُ فَيَقَعُ فِي
قَلْبِهِ رَجَاءُ الْبُرْءِ أَوِ الْوِجْدَانِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2225] (الشُّؤْمُ فِي الدَّارِ وَالْمَرْأَةِ
وَالْفَرَسِ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّمَا الشُّؤْمُ فِي
ثَلَاثَةٍ الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالدَّارِ وَفِي
[2226] رِوَايَةٍ إِنْ كَانَ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ فَفِي
الْفَرَسِ وَالْمَسْكَنِ وَالْمَرْأَةِ
[2227] وَفِي رِوَايَةٍ إِنْ كَانَ فِي شَيْءٍ فَفِي
الرَّبْعِ وَالْخَادِمِ وَالْفَرَسِ وَاخْتَلَفَ
الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ مَالِكٌ
وَطَائِفَةٌ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَإِنَّ الدَّارَ قَدْ
يَجْعَلُ اللَّهُ تَعَالَى
(14/220)
سُكْنَاهَا سَبَبًا لِلضَّرَرِ أَوِ
الْهَلَاكِ وَكَذَا اتِّخَاذُ الْمَرْأَةِ الْمُعَيَّنَةِ
أَوِ الْفَرَسِ أَوِ الْخَادِمِ قَدْ يَحْصُلُ الْهَلَاكُ
عِنْدَهُ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَعْنَاهُ قَدْ
يَحْصُلُ الشُّؤْمُ فِي هَذِهِ الثَّلَاثَةِ كَمَا صَرَّحَ
بِهِ فِي رِوَايَةِ إِنْ يَكُنِ الشُّؤْمُ فِي شَيْءٍ
وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَكَثِيرُونَ هُوَ فِي معنى
الاستثناء من الطيرةأى الطِّيَرَةُ مَنْهِيٌّ عَنْهَا
إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ دار يكره سكناها أوامرأة يكره
صحبتها أو فرس أوخادم فَلْيُفَارِقِ الْجَمِيعَ
بِالْبَيْعِ وَنَحْوِهِ وَطَلَاقِ الْمَرْأَةِ وَقَالَ
آخَرُونَ شُؤْمُ الدَّارِ ضِيقُهَا وَسُوءُ جِيرَانِهَا
وَأَذَاهُمْ وَشُؤْمُ الْمَرْأَةِ عَدَمُ وِلَادَتِهَا
(14/221)
وَسَلَاطَةُ لِسَانِهَا وَتَعَرُّضُهَا
لِلرَّيْبِ وَشُؤْمُ الْفَرَسِ أَنْ لايغزى عَلَيْهَا
وَقِيلَ حِرَانُهَا وَغَلَاءُ ثَمَنِهَا وَشُؤْمُ
الْخَادِمِ سوءخلقه وَقِلَّةُ تَعَهُّدِهِ لِمَا فُوِّضَ
إِلَيْهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالشُّؤْمِ هُنَا عَدَمُ
الْمُوَافَقَةِ وَاعْتَرَضَ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ بحديث
لاطيرة على هذا فأجاب بن قُتَيْبَةَ وَغَيْرُهُ بِأَنَّ
هَذَا مَخْصُوصٌ مِنْ حَدِيثِ لَا طِيَرَةَ إِلَّا فِي
هَذِهِ الثَّلَاثَةِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ
الْعُلَمَاءِ الْجَامِعُ لِهَذِهِ الْفُصُولِ السابقة فى
الأحاديث ثلاثة أقسام أحدها مالم يَقَعِ الضَّرَرُ بِهِ
وَلَا اطَّرَدَتْ عَادَةٌ خَاصَّةٌ ولاعامة فهذا لايلتفت
إِلَيْهِ وَأَنْكَرَ الشَّرْعُ الِالْتِفَاتَ إِلَيْهِ
وَهُوَ الطِّيَرَةُ والثانى ما يقع عنده الضرر عموما
الايخصه وزاد لامتكرا كالو باء فلايقدم عليه ولايخرج
مِنْهُ وَالثَّالِثُ مَا يَخُصُّ وَلَا يَعُمُّ كَالدَّارِ
وَالْفَرَسِ وَالْمَرْأَةِ فَهَذَا يُبَاحُ الْفِرَارُ
مِنْهُ وَاللَّهُ أعلم
(14/222)
(باب تحريم
الكهانة وإتيان الكهان)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[537] (فَلَا تَأْتُوا الكهان) وفى رواية سئل عنالكهان
فَقَالَ لَيْسُوا بِشَيْءٍ قَالَ الْقَاضِي رَحِمَهُ
اللَّهُ كَانَتِ الْكِهَانَةُ فِي الْعَرَبِ ثَلَاثَةُ
أَضْرِبٍ أَحَدُهَا يَكُونُ لِلْإِنْسَانِ وَلِيٌّ مِنَ
الْجِنِّ يُخْبِرُهُ بِمَا يَسْتَرِقُهُ مِنَ السَّمْعِ
مِنَ السَّمَاءِ وَهَذَا الْقِسْمُ بَطَلَ مِنْ حِينِ
بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ الثَّانِي أَنْ يُخْبِرَهُ بِمَا يَطْرَأُ أَوْ
يَكُونُ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ وَمَا خَفِيَ عَنْهُ
مِمَّا قَرُبَ أَوْ بَعُدَ وَهَذَا لَا يَبْعُدُ وُجُودُهُ
وَنَفَتِ الْمُعْتَزِلَةُ وَبَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ هذين
الضربين وأحالوهما ولااستحالة فى ذلك ولابعد فِي وُجُودِهِ
لَكِنَّهُمْ يُصَدِّقُونَ وَيُكَذِّبُونَ وَالنَّهْيُ عَنْ
تَصْدِيقِهِمْ وَالسَّمَاعِ مِنْهُمْ عَامٌّ الثَّالِثُ
الْمُنَجِّمُونَ وَهَذَا الضَّرْبُ يَخْلُقُ اللَّهُ
تَعَالَى فِيهِ لِبَعْضِ النَّاسِ قُوَّةً مَا لَكِنَّ
الْكَذِبَ فِيهِ أَغْلَبُ وَمِنْ هَذَا الْفَنِّ
الْعِرَافَةُ وَصَاحِبُهَا عَرَّافٌ وَهُوَ الَّذِي
يَسْتَدِلُّ عَلَى الْأُمُورِ بِأَسْبَابٍ وَمُقَدِّمَاتٍ
يَدَّعِي مَعْرِفَتَهَا بِهَا وَقَدْ يَعْتَضِدُ بَعْضُ
هَذَا الْفَنُّ بِبَعْضٍ فِي ذَلِكَ بِالزَّجْرِ
وَالطُّرُقِ وَالنُّجُومِ وَأَسْبَابٍ مُعْتَادَةٍ
وَهَذِهِ الْأَضْرُبُ كُلُّهَا تُسَمَّى كِهَانَةً وَقَدْ
أَكْذَبَهُمْ كُلَّهُمُ الشَّرْعُ وَنَهَى عَنْ
تَصْدِيقِهِمْ وَإِتْيَانِهِمْ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (ليسوا
بشئ) فمعناه بطلان قولهم وأنه لاحقيقة لَهُ وَفِيهِ
جَوَازُ إِطْلَاقِ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى ماكان باطلا قوله
(كما نَتَطَيَّرُ قَالَ ذَاكَ شَيْءٌ يَجِدُهُ أَحَدُكُمْ
فِي نفسه فلايصدنكم) مَعْنَاهُ أَنَّ كَرَاهَةَ ذَلِكَ
تَقَعُ فِي نُفُوسِكُمْ فى العادة ولكن لاتلتفتوا إليه
ولاترجعوا عَمَّا كُنْتُمْ عَزَمْتُمْ عَلَيْهِ قَبْلَ
هَذَا وَقَدْ صح
(14/223)
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ عَامِرٍ الصَّحَابِيِّ
رَضِيَ اللَّهُ عنه قال ذكرت الطيرة عندرسول اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ أَحْسَنُهَا
الْفَأْلُ وَلَا يَرُدُّ مُسْلِمًا فَإِذَا رَأَى
أَحَدُكُمْ مايكره فليقل اللهم لايأتى بالحسنات إلا أنت
ولايدفع السيئات إلاأنت ولاحول ولاقوة إلابك رَوَاهُ أَبُو
دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2228] (كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يخط فمن وافق
خطه فذلك) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ
الصَّلَاةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(تِلْكَ الْكَلِمَةُ الْحَقُّ يَخْطَفُهَا الْجِنِّيُّ
فَيَقْذِفُهَا فِي أُذُنِ وَلِيِّهِ وَيَزِيدُ فِيهَا
مِائَةَ كَذْبَةٍ) أَمَّا يَخْطَفُهَا فَبِفَتْحِ الطَّاءِ
عَلَى الْمَشْهُورِ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَفِي لُغَةٍ
قَلِيلَةٍ كَسْرُهَا وَمَعْنَاهُ اسْتَرَقَهُ وَأَخَذَهُ
بِسُرْعَةٍ وَأَمَّا الْكَذْبَةُ فَبِفَتْحِ الْكَافِ
وَكَسْرِهَا وَالذَّالُ سَاكِنَةٌ فيهما قال القاضي
وأنكربعضهم الكسر
(14/224)
إذا أراد الحالة والهيئة وليس هذاموضعها
وَمَعْنَى يَقْذِفُهَا يُلْقِيهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تِلْكَ الْكَلِمَةُ مِنَ الْجِنِّ
يَخْطَفُهَا فَيَقُرُّهَا فى أذن وليه قرالدجاجة) هَكَذَا
هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِبِلَادِنَا الْكَلِمَةُ مِنَ
الْجِنِّ بِالْجِيمِ وَالنُّونِ أَيِ الْكَلِمَةُ
الْمَسْمُوعَةُ مِنَ الْجِنِّ أَوِ الَّتِي تَصِحُّ مِمَّا
نَقَلَتْهُ الْجِنُّ بِالْجِيمِ وَالنُّونِ وَذَكَرَ
الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ أَنَّهُ رُوِيَ هَكَذَا
وَرُوِيَ أَيْضًا مِنَ الْحَقِّ بِالْحَاءِ وَالْقَافِ
وَأَمَّا قَوْلُهُ فَيَقُرُّهَا فَهُوَ بِفَتْحِ الياء وضم
القاف وتشديد الراء وقر الدَّجَاجَةِ بِفَتْحِ الْقَافِ
وَالدَّجَاجَةُ بِالدَّالِ الدَّجَاجَةُ
(14/225)
المعروفة قال أهل اللغة والغريبالقر
تَرْدِيدُ الْكَلَامِ فِي أُذُنِ الْمُخَاطَبِ حَتَّى
يَفْهَمَهُ يَقُولُ قَرَرْتُهُ فِيهِ أَقُرُّهُ قَرًّا
وَقَرُّ الدَّجَاجَةِ صَوْتُهَا إِذَا قَطَّعَتْهُ يُقَالُ
قَرَّتْ تَقُرُّ قَرًّا وَقَرِيرًا فَإِنْ رَدَّدَتْهُ
قُلْتُ قَرْقَرَتْ قَرْقَرَةً قَالَ الْخَطَّابِيُّ
وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْجِنِّيَّ يَقْذِفُ
الْكَلِمَةَ إِلَى وَلِيِّهِ الْكَاهِنِ فَتَسْمَعُهَا
الشَّيَاطِينُ كَمَا تُؤْذِنُ الدَّجَاجَةُ بِصَوْتِهَا
صَوَاحِبَهَا فَتَتَجَاوَبُ قَالَ وَفِيهِ وَجْهٌ آخَرُ
وَهِيَ أَنْ تَكَوُّنَ الرِّوَايَةُ كَقَرِّ الزُّجَاجَةِ
تَدُلُّ عَلَيْهِ رِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ فَيَقُرُّهَا
فِي أُذُنِهِ كَمَا تَقُرُّ الْقَارُورَةُ قَالَ فَذِكْرُ
الْقَارُورَةِ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَدُلُّ عَلَى
ثُبُوتِ الرِّوَايَةِ بِالزُّجَاجَةِ قَالَ الْقَاضِي
أَمَّا مُسْلِمٌ فَلَمْ تَخْتَلِفِ الرِّوَايَةُ فِيهِ
أَنَّهُ الدَّجَاجَةُ بِالدَّالِ لَكِنَّ رِوَايَةُ
الْقَارُورَةِ تُصَحِّحُ الزُّجَاجَةَ قَالَ الْقَاضِي
مَعْنَاهُ يَكُونَ لِمَا يلقيه إلى وليه حس كحس القارورة
عندتحريكها مع اليدأو عَلَى صَفَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي رِوَايَةِ صالح عن بن شِهَابٍ
[2229] (وَلَكِنَّهُمْ يَقْرِفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ)
هَذِهِ اللَّفْظَةُ ضَبَطُوهَا مِنْ رِوَايَةِ صَالِحٍ
(14/226)
عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالرَّاءِ
وَالثَّانِي بِالذَّالِ وَوَقَعَ فى رواية الأوزاعى وبن
مَعْقِلٍ الرَّاءُ بِاتِّفَاقِ النُّسَخِ وَمَعْنَاهُ
يَخْلِطُونَ فِيهِ الْكَذِبَ وَهُوَ بِمَعْنَى يَقْذِفُونَ
وَفِي رِوَايَةِ يُونُسَ يَرْقَوْنَ قَالَ الْقَاضِي
ضَبَطْنَاهُ عَنْ شُيُوخِنَا بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ
الرَّاءِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ قَالَ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ
بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ قَالَ فِي
الْمَشَارِقِ قَالَ بَعْضُهُمْ صَوَابُهُ بِفَتْحِ
الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْقَافِ قَالَ
وَكَذَا ذَكَرَهُ الْخَطَّابِيُّ قَالَ وَمَعْنَاهُ
مَعْنَى يَزِيدُونَ يُقَالُ رَقِيَ فُلَانٌ إِلَى
الْبَاطِلِ بِكَسْرِ الْقَافِ أَيْ رَفَعَهُ وَأَصْلُهُ من
الصعود أى يدعون فيها فوق ماسمعوا قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ
يَصِحُّ الرِّوَايَةُ الْأَوْلَى عَلَى تَضْعِيفِ هَذَا
الْفِعْلِ وَتَكْثِيرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2230] (مَنْ أَتَى عَرَّافًا فَسَأَلَهُ عَنْ شَيْءٍ لَمْ
تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) أَمَّا
الْعَرَّافُ فَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَأَنَّهُ مِنْ
جُمْلَةِ أَنْوَاعِ الْكُهَّانِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ
وَغَيْرُهُ الْعَرَّافُ هُوَ الَّذِي يَتَعَاطَى
مَعْرِفَةَ مَكَانِ الْمَسْرُوقِ وَمَكَانَ الضَّالَّةِ
وَنَحْوِهِمَا وَأَمَّا عَدَمُ قَبُولِ صلاته فمعناه أنه
لاثواب لَهُ فِيهَا وَإِنْ كَانَتْ مُجْزِئَةً فِي سُقُوطِ
الفرض عنه ولايحتاج مَعَهَا إِلَى إِعَادَةٍ وَنَظِيرُ
هَذِهِ الصَّلَاةُ فِي الأرض المغصوبة مجزئة مسقطة للقضاء
ولكن لاثواب فِيهَا كَذَا قَالَهُ جُمْهُورُ أَصْحَابِنَا
قَالُوا فَصَلَاةُ الْفَرْضِ وَغَيْرُهَا مِنَ
الْوَاجِبَاتِ إِذَا أُتِيَ بِهَا على وجهها الكامل ترتب
عليها شيئان سقوطالفرض عَنْهُ وَحُصُولُ الثَّوَابِ
فَإِذَا أَدَّاهَا فِي أَرْضٍ مغصوبة حصل الأول دون الثانى
ولابدمن هَذَا التَّأْوِيلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّ
الْعُلَمَاءَ متفقون على أنه لايلزم مَنْ أَتَى
الْعَرَّافَ إِعَادَةُ صَلَوَاتِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً
فَوَجَبَ تَأْوِيلُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(14/227)
(بَاب اجْتِنَابِ الْمَجْذُومِ وَنَحْوِهِ)
قَوْلُهُ
[2231] (كَانَ فِي وَفْدِ ثَقِيفٍ رَجُلٌ مَجْذُومٌ
فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ إِنَّا قَدْ بَايَعْنَاكَ فَارْجِعْ) هَذَا
مُوَافِقٌ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ
وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ فِرَارَكَ مِنَ الْأَسَدِ
وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ هَذَا الْحَدِيثِ فِي بَابِ لاعدوى
وأنه غير مخالف لحديث لايورد مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ قَالَ
الْقَاضِي قَدِ اخْتَلَفَ الْآثَارُ عَنِ النَّبِيِّ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِصَّةِ
الْمَجْذُومِ فَثَبَتَ عَنْهُ الْحَدِيثَانِ
الْمَذْكُورَانِ وَعَنْ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكَلَ مَعَ الْمَجْذُومِ
وَقَالَ لَهُ كُلْ ثقة بالله وتوكلاعليه وَعَنْ عَائِشَةَ
قَالَتْ مَوْلًى مَجْذُومٌ فَكَانَ يَأْكُلُ فِي صِحَافِي
وَيَشْرَبُ فِي أَقْدَاحِي وَيَنَامُ عَلَى فِرَاشِي قَالَ
وَقَدْ ذَهَبَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ
مِنَ السَّلَفِ إِلَى الْأَكْلِ مَعَهُ وَرَأَوْا أَنَّ
الْأَمْرَ بِاجْتِنَابِهِ مَنْسُوخٌ وَالصَّحِيحُ الَّذِي
قاله الأكثرون ويتعين المصير إليه أنه لانسخ بَلْ يَجِبُ
الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ وَحَمْلُ الْأَمْرِ
بِاجْتِنَابِهِ وَالْفِرَارِ مِنْهُ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ
وَالِاحْتِيَاطِ لَا لِلْوُجُوبِ وَأَمَّا الْأَكْلُ
مَعَهُ فَفَعَلَهُ لِبَيَانِ الْجَوَازِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ فِي
هَذَا الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ دَلِيلٌ عَلَى
أَنَّهُ يَثْبُتُ لِلْمَرْأَةِ الْخِيَارُ فِي فَسْخِ
النِّكَاحِ إِذَا وَجَدَتْ زَوْجَهَا مَجْذُومًا أَوْ
حَدَثَ بِهِ جُذَامٌ وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَأَصْحَابُ
مَالِكٍ فِي أَنَّ أَمَتَهُ هَلْ لَهَا مَنْعُ نَفْسِهَا
مِنَ اسْتِمْتَاعِهِ إِذَا أَرَادَهَا قَالَ الْقَاضِي
قَالُوا وَيُمْنَعُ مِنَ الْمَسْجِدِ وَالِاخْتِلَاطِ
بِالنَّاسِ قَالَ وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُمْ
إِذَا كَثُرُوا هَلْ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا
لِأَنْفُسِهِمْ مَوْضِعًا مُنْفَرِدًا خَارِجًا عَنِ
النَّاسِ وَلَا يُمْنَعُوا مِنَ التَّصَرُّفِ فِي
مَنَافِعِهِمْ وَعَلَيْهِ أكثر الناس أم لايلزمهم
التَّنَحِّي قَالَ وَلَمْ يَخْتَلِفُوا فِي الْقَلِيلِ
مِنْهُمْ في أنهم لايمنعون قال ولايمنعون مِنْ صَلَاةِ
الْجُمُعَةِ مَعَ النَّاسِ وَيُمْنَعُونَ مِنْ غيرها قال
ولو استضر أهل قرية فِيهِمْ جَذْمَى بِمُخَالَطَتِهِمْ فِي
الْمَاءِ فَإِنْ قَدَرُوا على استنباط ماء بلاضرر أُمِرُوا
بِهِ وَإِلَّا اسْتَنْبَطَهُ لَهُمُ الْآخَرُونَ أَوْ
اقاموا من يستقى لهم والا فلايمنعون والله أعلم
(14/228)
|