شرح النووي على
مسلم (كتاب قَتْلِ الْحَيَّاتِ وَغَيْرِهَا)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم
[2233] (اقتلوا الحيات وذا الطفيتين والأبترفانهما
يَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ وَيَلْتَمِسَانِ الْبَصَرَ)
وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ بن عُمَرَ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ
ثُمَّ قَالَ فَكُنْتُ لاأترك حَيَّةً أَرَاهَا إِلَّا
قَتَلْتُهَا فَبَيْنَا أَنَا أُطَارِدُ حية يوما من ذوات
البيوت مربى زيد بن الخطاب أوأبو لُبَابَةَ وَأَنَا
أُطَارِدُهَا فَقَالَ مَهْلًا يَا عَبْدَ اللَّهِ فَقُلْتُ
إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَمْرَ بِقَتْلِهِنَّ قَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قدنهى عَنْ ذَوَاتِ الْبُيُوتِ
وَفِي رِوَايَةٍ نَهَى عَنْ قَتْلِ الْجِنَانِ الَّتِي فِي
الْبُيُوتِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّ فَتًى مِنَ الْأَنْصَارِ
قَتَلَ حَيَّةً فِي بَيْتِهِ فَمَاتَ فِي الْحَالِ فَقَالَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ
بِالْمَدِينَةِ جِنًّا قَدْ أَسْلَمُوا فَإِذَا رَأَيْتُمْ
مِنْهُمْ شَيْئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أيام فإن بدا لكم
بعد ذلك فاقتلوه فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ وَفِي
رِوَايَةٍ إِنَّ لِهَذِهِ البيوت عوامر فإذا رأيتم شيئا
منها فخرجوا عليها ثلاثا فان ذهب والافاقتلوه فَإِنَّهُ
كَافِرٌ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِقَتْلِ الْحَيَّةِ
الَّتِي خَرَجَتْ عَلَيْهِمْ وَهُمْ
(14/229)
بغار مني قال المازري لاتقتل حَيَّاتُ
مَدِينَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
إلابانذارها كَمَا جَاءَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَإِذَا
أَنْذَرَهَا وَلَمْ تَنْصَرِفْ قَتَلَهَا وَأَمَّا
حَيَّاتُ غَيْرِ الْمَدِينَةِ فىجميع الْأَرْضِ
وَالْبُيُوتِ وَالدُّورِ فَيُنْدَبُ قَتْلُهَا مِنْ غَيْرِ
إِنْذَارٍ لِعُمُومِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ فِي
الْأَمْرِ بِقَتْلِهَا فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ
اقْتُلُوا الْحَيَّاتِ وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ خَمْسٌ
يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ مِنْهَا الْحَيَّةُ
وَلَمْ يَذْكُرْ إِنْذَارًا وَفِي حَدِيثِ الْحَيَّةُ
الْخَارِجَةُ بِمِنًى أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أمر بقتلها ولم يذكر أَنْذَرُوهَا قَالُوا
فَأَخَذَ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي اسْتِحْبَابِ قَتْلِ
الْحَيَّاتِ مُطْلَقًا وَخُصَّتِ الْمَدِينَةُ
بِالْإِنْذَارِ لِلْحَدِيثِ الْوَارِدِ فِيهَا وَسَبَبُهُ
صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ أَسْلَمَ طَائِفَةٌ
مِنَ الْجِنِّ بِهَا وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ
الْعُلَمَاءِ إِلَى عُمُومِ النَّهْيِ فِي حَيَّاتِ
الْبُيُوتِ بِكُلِّ بَلَدٍ حَتَّى تُنْذَرَ وَأَمَّا مَا
لَيْسَ فِي الْبُيُوتِ فَيُقْتَلُ مِنْ غَيْرِ إِنْذَارٍ
قَالَ مَالِكٌ يُقْتَلُ مَا وُجِدَ مِنْهَا فِي
الْمَسَاجِدِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ
الْأَمْرُ بِقَتْلِ الْحَيَّاتِ مُطْلَقًا مَخْصُوصٌ
بِالنَّهْيِ عَنْ جنان البيوت إلاالأبتر وَذَا
الطُّفْيَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُقْتَلُ عَلَى كُلِّ حَالٍ
سَوَاءٌ كَانَا فِي الْبُيُوتِ أَمْ غَيْرِهَا وَإِلَّا
ماظهر مِنْهَا بَعْدَ الْإِنْذَارِ قَالَ وَيُخَصُّ مِنَ
النَّهْيِ عن قتل جنان البيوت الأبتر وذوالطفيتين
وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا صِفَةُ الْإِنْذَارِ فَقَالَ
الْقَاضِي روى بن حَبِيبٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ يَقُولُ أَنْشُدُكُنَّ
بِالْعَهْدِ الَّذِي أَخَذَ عَلَيْكُمْ سليمان بن داود أن
لاتؤذنا ولاتظهرن لنا وقال مالك يكفى أن يقول أخرج عليك
بالله واليوم الآخر أن لاتبدو لَنَا وَلَا تُؤْذِيَنَا
وَلَعَلَّ مَالِكًا أَخَذَ لَفْظَ التحريج مما وقع فى صحيح
مسلم فخرجوا عَلَيْهَا ثَلَاثًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ذَا
الطُّفْيَتَيْنِ) هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ الْمُهْمَلَةِ
وَإِسْكَانِ الْفَاءِ قَالَ الْعُلَمَاءُ هُمَا
الْخَطَّانِ الْأَبْيَضَانِ عَلَى ظَهْرِ الْحَيَّةِ
وَأَصْلُ الطُّفْيَةِ خُوصَةُ الْمُقَلِ وَجَمْعُهَا طُفًى
شِبْهُ الْخَطَّيْنِ عَلَى ظَهْرِهَا بخوصتى المقل وأما
الأبترفهو قَصِيرُ الذَّنَبِ وَقَالَ نَضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ
هُوَ صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب لاتنظر إليه حامل إلا
ألقت مافى بَطْنِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (يَسْتَسْقِطَانِ الْحَبَلَ) مَعْنَاهُ أَنَّ
الْمَرْأَةَ الْحَامِلَ إِذَا نَظَرَتْ إِلَيْهِمَا
وَخَافَتْ أَسْقَطَتِ الْحَمْلَ غَالِبًا وَقَدْ ذَكَرَ
مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ
يُرَى ذَلِكَ مِنْ سُمِّهِمَا وَأَمَّا يَلْتَمِسَانِ
الْبَصَرَ فَفِيهِ تَأْوِيلَانِ ذَكَرَهُمَا
الْخَطَّابِيُّ وَآخَرُونَ أَحَدُهُمَا مَعْنَاهُ
يَخْطَفَانِ الْبَصَرَ وَيَطْمِسَانِهِ بِمُجَرَّدِ
نَظَرِهِمَا إِلَيْهِ لِخَاصَّةٍ جَعَلَهَا اللَّهُ
تَعَالَى فِي بَصَرَيْهِمَا إِذَا وَقَعَ عَلَى بَصَرِ
الْإِنْسَانِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى
فِي مُسْلِمٍ يَخْطَفَانِ الْبَصَرَ وَالرِّوَايَةُ
الْأُخْرَى يَلْتَمِعَانِ الْبَصَرَ وَالثَّانِي
أَنَّهُمَا يَقْصِدَانِ الْبَصَرَ بِاللَّسْعِ وَالنَّهْشِ
وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَأَشْهَرُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَفِي
الْحَيَّاتِ نَوْعٌ يُسَمَّى النَّاظِرُ إِذَا وَقَعَ
نَظَرُهُ عَلَى عين انسان
(14/230)
مَاتَ مِنْ سَاعَتِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَوْلُهُ (يُطَارِدُ حَيَّةً) أَيْ يَطْلُبُهَا
وَيَتَتَبَّعُهَا لِيَقْتُلَهَا قَوْلُهُ (نَهَى عن قتل
(14/231)
الْجِنَانِ) هُوَ بِجِيمٍ مَكْسُورَةٍ
وَنُونٍ مَفْتُوحَةٍ وَهِيَ الْحَيَّاتُ جَمْعُ جَانٍّ
وَهِيَ الْحَيَّةُ الصَّغِيرَةُ وَقِيلَ الدَّقِيقَةُ
الْخَفِيفَةُ وَقِيلَ الدَّقِيقَةُ الْبَيْضَاءُ قَوْلُهُ
(يَفْتَحُ خَوْخَةً) هِيَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَإِسْكَانِ
الْوَاوِ وَهِيَ كَوَّةٌ بَيْنَ دَارَيْنِ أَوْ بَيْتَيْنِ
(14/232)
يَدْخُلُ مِنْهَا وَقَدْ تَكُونُ فِي
حَائِطٍ مُنْفَرِدٍ قوله صلى الله عليه وسلم (ويتتبعان
مافى بُطُونِ النِّسَاءِ) أَيْ يُسْقِطَانِهِ كَمَا سَبَقَ
فِي الرِّوَايَاتِ الْبَاقِيَةِ عَلَى مَا سَبَقَ شَرْحُهُ
وَأَطْلَقَ عَلَيْهِ التَّتَبُّعَ مَجَازًا وَلَعَلَّ
فِيهِمَا طَلَبًا لِذَلِكَ جعله الله تعالى خَصِيصَةً
فِيهِمَا قَوْلُهُ (عِنْدَ الْأُطُمِ) هُوَ بِضَمِّ
الْهَمْزَةِ وَهُوَ الْقَصْرُ وَجَمْعُهُ آطَامٌ
(14/233)
كَعُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ قَوْلُهُ
[2235] (أَمَرَ مُحْرِمًا بِقَتْلِ حَيَّةٍ بِمِنًى) فِيهِ
جَوَازُ قَتْلِهَا لِلْمُحْرِمِ وَفِي الْحَرَمِ وأنه
لاينذرها فِي غَيْرِ الْبُيُوتِ وَأَنَّ قَتْلَهَا
مُسْتَحَبٌّ قَوْلُهُ
[2236] (فَكَانَ ذَلِكَ الْفَتَى يَسْتَأْذِنُ رَسُولَ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْصَافِ
النَّهَارِ فَيَرْجِعُ إِلَى أَهْلِهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ
هَذَا الِاسْتِئْذَانُ امْتِثَالٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى
وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لم يذهبوا
حتى يستأذنوه وأنصاف النَّهَارِ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ
مُنْتَصَفُهُ وَكَأَنَّهُ وَقْتٌ لِآخِرِ النِّصْفِ
الْأَوَّلِ وَأَوَّلِ النِّصْفِ الثَّانِي فَجَمْعُهُ
كَمَا قَالُوا ظُهُورُ التُّرْسَيْنِ وَأَمَّا رُجُوعُهُ
إِلَى أهله فلطالع حَالَهُمْ وَيَقْضِيَ حَاجَتَهُمْ
وَيُؤْنِسَ امْرَأَتَهُ فَإِنَّهَا كَانَتْ عَرُوسًا كَمَا
ذَكَرَ فِي الْحَدِيثِ قَوْلُهُ
(14/234)
صلى الله عليه وسلم (فأذنوا ثلاثة أيام فإن
بدا لكم بعد ذلك فَاقْتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَانٌ)
قَالَ الْعُلَمَاءُ
(14/235)
مَعْنَاهُ وَإِذَا لَمْ يَذْهَبْ
بِالْإِنْذَارِ عَلِمْتُمْ أَنَّهُ ليس من عوامر البيوت
ولاممن أسلم من الجن بل هو شيطان فلاحرمة عَلَيْكُمْ
فَاقْتُلُوهُ وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ سَبِيلًا
لِلِانْتِصَارِ عَلَيْكُمْ بِثَأْرِهِ بِخِلَافِ
الْعَوَامِرِ وَمَنْ أَسْلَمَ والله أعلم
(باب استحباب قتل الوزغ)
قَوْلُهَا
[2237] (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَمَرَهَا بِقَتْلِ الْأَوْزَاغِ) وَفِي
رِوَايَةٍ
[2238]
[2239] أَمَرَ بِقَتْلِ الْوَزَغِ وَسَمَّاهُ فُوَيْسِقًا
وَفِي رِوَايَةٍ
[2240] مَنْ قَتَلَ وَزَغَةً فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ فَلَهُ
كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً وَمَنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ
الثَّانِيَةِ فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً لِدُونِ
الْأُولَى وَإِنْ قَتَلَهَا فِي الضَّرْبَةِ الثَّالِثَةِ
فَلَهُ كَذَا وَكَذَا حَسَنَةً لِدُونِ الثَّانِيَةِ وَفِي
رِوَايَةٍ مَنْ قَتَلَ وَزَغًا فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ
كُتِبَ لَهُ مِائَةُ حَسَنَةٍ وَفِي الثَّانِيَةِ دُونَ
ذَلِكَ وَفِي الثَّالِثَةِ دُونَ ذَلِكَ وَفِي رِوَايَةٍ
فِي أَوَّلِ ضَرْبَةٍ سَبْعِينَ حسنة قال أهل اللغة الوزغ
وسام أَبْرَصُ جِنْسٌ فَسَامٌّ أَبْرَصُ هُوَ كِبَارُهُ
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ الْوَزَغَ مِنَ الْحَشَرَاتِ
الْمُؤْذِيَاتِ وَجَمْعُهُ أَوْزَاغٌ وَوِزْغَانٌ وَأَمَرَ
النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَتْلِهِ
وَحَثَّ عَلَيْهِ وَرَغَّبَ فِيهِ لِكَوْنِهِ مِنَ
الْمُؤْذِيَاتِ وَأَمَّا سَبَبُ تَكْثِيرِ الثَّوَابِ فِي
قَتْلِهِ بِأَوَّلِ ضَرْبَةٍ ثُمَّ مَا يَلِيهَا
فَالْمَقْصُودُ بِهِ الْحَثُّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ
بِقَتْلِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِهِ وتحريس
(14/236)
قَاتِلِهِ عَلَى أَنْ يَقْتُلَهُ بِأَوَّلِ
ضَرْبَةٍ فَإِنَّهُ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَضْرِبَهُ
ضَرَبَاتٍ رُبَّمَا انْفَلَتَ وَفَاتَ قَتْلُهُ وَأَمَّا
تَسْمِيَتُهُ فُوَيْسِقًا فَنَظِيرُهُ الْفَوَاسِقُ
الْخَمْسُ الَّتِي تُقْتَلُ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ
وَأَصْلُ الْفِسْقِ الْخُرُوجُ وَهَذِهِ الْمَذْكُورَاتُ
خَرَجَتْ عَنْ خَلْقِ مُعْظَمِ الْحَشَرَاتِ وَنَحْوِهَا
بِزِيَادَةِ الضَّرَرِ وَالْأَذَى وَأَمَّا تَقْيِيدُ
الْحَسَنَاتِ فِي الضَّرْبَةِ الْأُولَى بِمِائَةٍ وَفِي
رِوَايَةٍ بِسَبْعِينَ فَجَوَابُهُ مِنْ أَوْجُهٍ سَبَقَتْ
فِي صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ تَزِيدُ بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ
دَرَجَةً وَفِي رِوَايَاتٍ بِسَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَحَدُهَا
أَنَّ هَذَا مَفْهُومٌ للعدد ولايعمل به عند الأصوليين
غيرهم فذكر سبعين لايمنع المائة فلا مُعَارَضَةَ
بَيْنَهُمَا الثَّانِي لَعَلَّهُ أَخْبَرَنَا بِسَبْعِينَ
ثُمَّ تَصَدَّقَ اللَّهُ تَعَالَى بِالزِّيَادَةِ
فَأَعْلَمَ بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ حِينَ أَوْحَى إِلَيْهِ بعد ذلك
(14/237)
وَالثَّالِثُ أَنَّهُ يَخْتَلِفُ
بِاخْتِلَافِ قَاتِلِي الْوَزَغِ بِحَسَبِ نياتهم واخلاصهم
ويقال أَحْوَالِهِمْ وَنَقْصِهَا فَتَكُونُ الْمِائَةُ
لِلْكَامِلِ مِنْهُمْ وَالسَّبْعِينَ لِغَيْرِهِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصباح
حدثنا إسماعيل يعنى بن زَكَرِيَّا عَنْ سُهَيْلٍ قَالَ
حَدَّثَتْنِي أُخْتِي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) كَذَا وَقَعَ
فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ أُخْتِي وَفِي بَعْضِهَا أَخِي
بِالتَّذْكِيرِ وَفِي بَعْضِهَا أَبِي وَذَكَرَ الْقَاضِي
الْأَوْجُهَ الثَّلَاثَةَ قَالُوا وَرِوَايَةُ أَبِي
خَطَأٌ وَهِيَ الْوَاقِعَةُ فِي رِوَايَةِ أَبِي
الْعَلَاءِ بْنِ بَاهَانَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي
داود أخى أوأختى قَالَ الْقَاضِي أُخْتُ سُهَيْلٍ سَوْدَةُ
وَأَخَوَاهُ هِشَامٌ وَعَبَّادٌ
(بَاب النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ النَّمْلِ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2241] (أَنَّ نَمْلَةً قَرَصَتْ نَبِيًّا مِنَ
الْأَنْبِيَاءِ فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ النَّمْلِ
فَأُحْرِقَتْ
(14/238)
فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ فِي أَنْ
قَرَصَتْكَ نَمْلَةٌ أَهْلَكْتَ أُمَّةً مِنَ الْأُمَمِ
تُسَبِّحُ وَفِي رِوَايَةٍ فَهَلَّا نَمْلَةً وَاحِدَةً
قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى
أَنَّ شَرْعَ ذَلِكَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ كَانَ فِيهِ جَوَازُ قَتْلِ النَّمْلِ وَجَوَازُ
الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ وَلَمْ يَعْتِبْ عَلَيْهِ فِي
أَصْلِ الْقَتْلِ وَالْإِحْرَاقِ بَلْ فِي الزِّيَادَةِ
على نملة واحدة قوله تعالى فهلانملة واحدة فَهَلَّا
عَاقَبْتَ نَمْلَةً وَاحِدَةً هِيَ الَّتِي قَرَصَتْكَ
لِأَنَّهَا الْجَانِيَةُ وَأَمَّا غَيْرُهَا فَلَيْسَ
لَهَا جِنَايَةٌ وأما فى شرعنا فلايجوز الْإِحْرَاقُ
بِالنَّارِ لِلْحَيَوَانِ إِلَّا إِذَا أَحْرَقَ
إِنْسَانًا فَمَاتَ بِالْإِحْرَاقِ فَلِوَلِيِّهِ
الِاقْتِصَاصُ بِإِحْرَاقِ الْجَانِي وَسَوَاءٌ فِي مَنْعِ
الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ الْقَمْلُ وَغَيْرُهُ لِلْحَدِيثِ
المشهور لايعذب بِالنَّارِ إِلَّا اللَّهُ وَأَمَّا قَتْلُ
النَّمْلِ فَمَذْهَبُنَا أنه لايجوز واحتج أصحابنا فيه
بحديث بن عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ قَتْلِ أَرْبَعٍ مِنَ
الدَّوَابِّ النَّمْلَةِ وَالنَّحْلَةِ وَالْهُدْهُدِ
وَالصُّرَدِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ
عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ وَقَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَمَرَ بِقَرْيَةِ
النَّمْلِ فَأُحْرِقَتْ) وَفِي رِوَايَةٍ فَأَمَرَ
بِجَهَازِهِ فَأُخْرِجَ مِنْ تَحْتِ الشَّجَرَةِ أَمَّا
قَرْيَةُ النَّمْلِ فَهِيَ مَنْزِلُهُنَّ وَالْجَهَازُ
بفتح الجيم وكسرها وهو المتاع
(14/239)
(باب تحريم قتل
الهرة)
[2242]
[2243] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
(عُذِّبَتِ امْرَأَةٌ فِي هِرَّةٍ سَجَنَتْهَا حَتَّى
مَاتَتْ فَدَخَلَتْ فِيهَا النَّارَ لَا هِيَ
أَطْعَمَتْهَا وَسَقَتْهَا إِذْ حَبَسَتْهَا وَلَا هِيَ
تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ) فى
رِوَايَةٍ رَبَطَتْهَا وَفِي رِوَايَةٍ تَأْكُلُ مِنْ
حَشَرَاتِ الْأَرْضِ مَعْنَاهُ عُذِّبَتْ بِسَبَبِ هِرَّةٍ
وَمَعْنَى دَخَلَتْ فيها أى بسببها وخشاش الْأَرْضِ
بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِهَا وَضَمِّهَا
حَكَاهُنَّ فِي الْمَشَارِقِ الْفَتْحُ أَشْهَرُ وَرُوِيَ
بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالصَّوَابُ الْمُعْجَمَةُ
وَهِيَ هَوَامُّ الْأَرْضِ وَحَشَرَاتُهَا كَمَا وَقَعَ
فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِهِ
نَبَاتُ الْأَرْضِ وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ غَلَطٌ وَفِي
الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لِتَحْرِيمِ قَتْلِ الْهِرَّةِ
وَتَحْرِيمِ حَبْسِهَا بِغَيْرِ طَعَامٍ أَوْ شَرَابٍ
وَأَمَّا دُخُولُهَا النَّارَ بِسَبَبِهَا فَظَاهِرُ
الْحَدِيثِ أَنَّهَا كَانَتْ مُسْلِمَةً وَإِنَّمَا
دَخَلَتِ النَّارَ بِسَبَبِ الْهِرَّةِ وَذَكَرَ الْقَاضِي
أَنَّهُ يَجُوزُ أَنَّهَا كَافِرَةٌ عُذِّبَتْ بِكُفْرِهَا
وَزِيدَ فِي عَذَابِهَا بِسَبَبِ الْهِرَّةِ
وَاسْتَحَقَّتْ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا لَيْسَتْ مُؤْمِنَةً
تُغْفَرُ صَغَائِرُهَا بِاجْتِنَابِ الْكَبَائِرِ هَذَا
كَلَامُ القاضي والصواب ماقدمناه أنها كانت مسلمة وأنها
دخلت النار بسببهاكما هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَهَذِهِ
الْمَعْصِيَةُ لَيْسَتْ صَغِيرَةً بَلْ صَارَتْ
بِإِصْرَارِهَا كَبِيرَةً وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ
أَنَّهَا تَخْلُدُ فِي النَّارِ وَفِيهِ
(14/240)
وُجُوبُ نَفَقَةِ الْحَيَوَانِ عَلَى
مَالِكِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(باب فضل سقى البهائم المحترمة
وإطعامها)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2244] (فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ) مَعْنَاهُ فِي
الْإِحْسَانِ إِلَى كُلِّ حَيَوَانٍ حَيٍّ بِسَقْيِهِ
وَنَحْوِهِ أَجْرٌ وَسُمِّيَ الْحَيُّ ذَا كَبِدٍ رَطْبَةٍ
لِأَنَّ الْمَيِّتَ يَجِفُّ جسمه وكبده ففى هذا الْحَدِيثِ
الْحَثُّ عَلَى الْإِحْسَانِ إِلَى الْحَيَوَانِ
الْمُحْتَرَمِ وَهُوَ مَا لَا يُؤْمَرُ بِقَتْلِهِ
فَأَمَّا الْمَأْمُورُ بِقَتْلِهِ فَيُمْتَثَلُ أَمْرُ
الشَّرْعِ فِي قَتْلِهِ وَالْمَأْمُورُ بِقَتْلِهِ
كَالْكَافِرِ الْحَرْبِيِّ وَالْمُرْتَدِّ وَالْكَلْبِ
الْعَقُورِ وَالْفَوَاسِقِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَاتِ فِي
الْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُنَّ وَأَمَّا الْمُحْتَرَمُ
فَيَحْصُلُ الثَّوَابُ بِسَقْيِهِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ
أَيْضًا بِإِطْعَامِهِ وَغَيْرِهِ سَوَاءٌ كَانَ
مَمْلُوكًا أَوْ مُبَاحًا وَسَوَاءٌ كَانَ مَمْلُوكًا لَهُ
أَوْ لِغَيْرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا كَلْبٌ يَلْهَثُ
يَأْكُلُ الثَّرَى مِنَ الْعَطَشِ) أَمَّا الثَّرَى
فَالتُّرَابُ النَّدِيُّ وَيُقَالُ لَهَثَ بِفَتْحِ الهاء
وكسرها يلهث بفتحها لاغير لَهْثًا بِإِسْكَانِهَا
وَالِاسْمُ اللَّهَثُ بِفَتْحِهَا وَاللُّهَاثُ بِضَمِّ
اللام
(14/241)
ورجل لهثان وامرأة لهثى كعطشان وعطشى
وهوالذى أخرج لِسَانَهُ مِنْ شِدَّةِ الْعَطَشِ وَالْحَرِّ
قَوْلُهُ (حَتَّى رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ) يُقَالُ
رَقِيَ بِكَسْرِ الْقَافِ عَلَى اللُّغَةِ الْفَصِيحَةِ
الْمَشْهُورَةِ وَحَكَى فَتْحَهَا وَهِيَ لُغَةُ طَيٍّ فِي
كُلِّ مَا أَشْبَهَ هَذَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2245] (إِنَّ امْرَأَةً بغيا رأت كلبا فى يوم حاريطيف
بِبِئْرٍ قَدْ أَدْلَعَ لِسَانَهُ مِنَ الْعَطَشِ
فَنَزَعَتْ له بموقها فعغرلها) أَمَّا الْبَغِيُّ فَهِيَ
الزَّانِيَةُ وَالْبِغَاءُ بِالْمَدِّ هُوَ الزنى ومعنى
يطيف أى حَوْلَهَا بِضَمِّ الْيَاءِ وَيُقَالُ طَافَ بِهِ
وَأَطَافَ إِذَا دَارَ حَوْلَهُ وَأَدْلَعَ لِسَانَهُ
وَدَلَعَهُ لُغَتَانِ أى أخرجه لشدة العطش والموق بِضَمِّ
الْمِيمِ هُوَ الْخُفُّ فَارِسِيٌّ مُعَرَّبٌ وَمَعْنَى
نَزَعَتْ لَهُ بِمُوقِهَا أَيِ اسْتَقَتْ يُقَالُ نَزَعْتُ
بالدلوا استقيت به من البئر ونحوها نزعت الدلو أيضا قوله
(فشكرالله لَهُ فَغَفَرَ لَهُ) مَعْنَاهُ قَبِلَ عَمَلَهُ
وَأَثَابَهُ وغفر له والله أعلم
(14/242)
|