شرح النووي على مسلم

 (

كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم)
قَالَ الْإِمَامُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمَازِرِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْضِيلِ بَعْضِ الصَّحَابَةِ عَلَى بَعْضٍ فقالت طائفة لا نفاضل بَلْ نُمْسِكُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِالتَّفْضِيلِ ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقَالَ أَهْلُ السُّنَّةِ أَفْضَلُهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ وَقَالَ الْخَطَّابِيَّةُ أَفْضَلُهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَقَالَتِ الرَّاوَنْدِيَّةُ أَفْضَلُهُمُ الْعَبَّاسُ وَقَالَتِ الشِّيعَةُ عَلِيٌّ وَاتَّفَقَ أَهْلُ السُّنَّةِ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمْ أَبُو بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرُ قَالَ جُمْهُورُهُمْ ثُمَّ عُثْمَانُ ثُمَّ عَلِيٌّ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ السُّنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ بِتَقْدِيمِ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ تَقْدِيمُ عُثْمَانَ قَالَ أَبُو مَنْصُورٍ الْبَغْدَادِيُّ أَصْحَابُنَا مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ أَفْضَلَهُمُ الْخُلَفَاءُ الْأَرْبَعَةُ عَلَى التَّرْتِيبِ الْمَذْكُورِ ثُمَّ تَمَامُ الْعَشَرَةِ ثُمَّ أَهْلُ بَدْرٍ ثُمَّ أُحُدٍ ثُمَّ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَمِمَّنْ لَهُ مَزِيَّةُ أَهْلُ الْعَقَبَتَيْنِ مِنَ الْأَنْصَارِ وَكَذَلِكَ السَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ وَهُمْ مَنْ صَلَّى إلى القبلتين في قول بن الْمُسَيِّبِ وَطَائِفَةٍ وَفِي قَوْلِ الشَّعْبِيِّ أَهْلُ بَيْعَةِ الرِّضْوَانِ وَفِي قَوْلِ عَطَاءٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَهْلُ بَدْرٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ منهم بن عَبْدِ الْبَرِّ إِلَى أَنَّ مَنْ تُوُفِّيَ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَقِيَ بَعْدَهُ وَهَذَا الْإِطْلَاقُ غير مرضي وَلَا مَقْبُولٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ الْمَذْكُورَ قَطْعِيٌّ أَمْ لَا وَهَلْ هُوَ فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ أَمْ فِي الظَّاهِرِ خَاصَّةً وَمِمَّنْ قَالَ بِالْقَطْعِ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ قَالَ وَهُمْ فِي الْفَضْلِ عَلَى تَرْتِيبِهِمْ فِي الْإِمَامَةِ وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّهُ اجْتِهَادِيٌّ ظَنِّيٌّ أَبُو بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيُّ وذكر بن الْبَاقِلَّانِيِّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّ التَّفْضِيلَ هَلْ هو في الظاهر ام فِي الظَّاهِرِ وَالْبَاطِنِ جَمِيعًا وَكَذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي عَائِشَةَ وَخَدِيجَةَ أَيَّتُهُمَا أَفْضَلُ وَفِي عَائِشَةَ وَفَاطِمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ وَأَمَّا عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخِلَافَتُهُ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَقُتِلَ مَظْلُومًا وَقَتَلَتْهُ فَسَقَةٌ لِأَنَّ مُوجِبَاتِ الْقَتْلِ مَضْبُوطَةٌ وَلَمْ يَجْرِ مِنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَا يَقْتَضِيهِ وَلَمْ يُشَارِكْ فِي قَتْلِهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ هَمَجٌ وَرُعَاعٌ مِنْ غَوْغَاءِ الْقَبَائِلِ وسفلة

(15/148)


الْأَطْرَافِ وَالْأَرْذَالِ تَحَزَّبُوا وَقَصَدُوهُ مِنْ مِصْرَ فَعَجَزَتِ الصَّحَابَةُ الْحَاضِرُونَ عَنْ دَفْعِهِمْ فَحَصَرُوهُ حَتَّى قَتَلُوهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَخِلَافَتُهُ صَحِيحَةٌ بِالْإِجْمَاعِ وَكَانَ هُوَ الْخَلِيفَةَ فِي وَقْتِهِ لَا خِلَافَةَ لِغَيْرِهِ وَأَمَّا مُعَاوِيَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَهُوَ مِنَ الْعُدُولِ الْفُضَلَاءِ وَالصَّحَابَةِ النُّجَبَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَمَّا الْحُرُوبُ الَّتِي جَرَتْ فَكَانَتْ لِكُلِّ طَائِفَةٍ شُبْهَةٌ اعْتَقَدَتْ تَصْوِيبَ أَنْفُسِهَا بِسَبَبِهَا وَكُلُّهُمْ عُدُولٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَمُتَأَوِّلُونَ فِي حُرُوبِهِمْ وَغَيْرِهَا وَلَمْ يُخْرِجْ شئ مِنْ ذَلِكَ أَحَدًا مِنْهُمْ عَنِ الْعَدَالَةِ لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ اخْتَلَفُوا فِي مَسَائِلَ مِنْ مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ كَمَا يَخْتَلِفُ الْمُجْتَهِدُونَ بَعْدَهُمْ فِي مَسَائِلَ مِنَ الدِّمَاءِ وَغَيْرِهَا وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ نَقْصُ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَاعْلَمْ أَنَّ سَبَبَ تِلْكَ الْحُرُوبِ أَنَّ الْقَضَايَا كَانَتْ مُشْتَبِهَةً فَلِشِدَّةِ اشْتِبَاهِهَا اخْتَلَفَ اجتهادهم وصاروا ثلاثة اقسام قسم ظهر لهم بِالِاجْتِهَادِ أَنَّ الْحَقَّ فِي هَذَا الطَّرَفِ وَأَنَّ مُخَالِفَهُ بَاغٍ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ نُصْرَتُهُ وَقِتَالُ الْبَاغِي عَلَيْهِ فِيمَا اعْتَقَدُوهُ فَفَعَلُوا ذَلِكَ وَلَمْ يَكُنْ يَحِلُّ لِمَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ التَّأَخُّرُ عَنْ مُسَاعَدَةِ امام العدل في قتال البغاة في اعتقاده وَقِسْمٌ عَكْسُ هَؤُلَاءِ ظَهَرَ لَهُمْ بِالِاجْتِهَادِ أَنَّ الْحَقَّ فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ فَوَجَبَ عَلَيْهِمْ مُسَاعَدَتُهُ وَقِتَالُ الْبَاغِي عَلَيْهِ وَقِسْمٌ ثَالِثٌ اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِمُ الْقَضِيَّةُ وَتَحَيَّرُوا فِيهَا وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُمْ تَرْجِيحُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ فَاعْتَزَلُوا الْفَرِيقَيْنِ وَكَانَ هَذَا الِاعْتِزَالُ هُوَ الْوَاجِبُ فِي حَقِّهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْإِقْدَامُ عَلَى قِتَالِ مُسْلِمٍ حَتَّى يَظْهَرَ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ لِذَلِكَ وَلَوْ ظَهَرَ لِهَؤُلَاءِ رُجْحَانُ أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ وَأَنَّ الْحَقَّ مَعَهُ لَمَا جَازَ لَهُمُ التَّأَخُّرُ عَنْ نُصْرَتِهِ فِي قِتَالِ الْبُغَاةِ عَلَيْهِ فَكُلُّهُمْ مَعْذُورُونَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلِهَذَا اتَّفَقَ أَهْلُ الْحَقِّ وَمَنْ يُعْتَدُّ بِهِ فِي الْإِجْمَاعِ عَلَى قَبُولِ شَهَادَاتِهِمْ وَرِوَايَاتِهِمْ وَكَمَالِ عَدَالَتِهِمْ رَضِيَ الله عنهم اجمعين

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2381] (يَا أَبَا بَكْرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثْنَيْنٍ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا) مَعْنَاهُ ثَالِثُهُمَا بِالنَّصْرِ وَالْمَعُونَةِ)

(15/149)


وَالْحِفْظِ وَالتَّسْدِيدِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ محسنون وَفِيهِ بَيَانُ عَظِيمِ تَوَكُّلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى فِي هَذَا الْمَقَامِ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهِيَ مِنْ أَجَلِّ مَنَاقِبِهِ وَالْفَضِيلَةُ مِنْ أَوْجُهٍ مِنْهَا هَذَا اللَّفْظُ وَمِنْهَا بَذْلُهُ نَفْسَهُ وَمُفَارَقَتُهُ أَهْلَهُ وَمَالَهُ وَرِيَاسَتَهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَرَسُولِهِ وَمُلَازَمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمُعَادَاةِ النَّاسِ فِيهِ وَمِنْهَا جَعْلُهُ نَفْسَهُ وِقَايَةً عَنْهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2382] (عَبْدٌ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَيْنَ أَنْ يُؤْتِيَهُ زَهْرَةَ الدُّنْيَا وَبَيْنَ مَا عِنْدَهُ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَهُ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَبَكَى وَقَالَ فَدَيْنَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَبَكَى أَبُو بَكْرٍ وَبَكَى مَعْنَاهُ بَكَى كَثِيرًا ثُمَّ بَكَى وَالْمُرَادُ بِزَهْرَةِ الدُّنْيَا نَعِيمُهَا وَأَعْرَاضُهَا وَحُدُودُهَا وَشَبَّهَهَا بِزَهْرَةِ الرَّوْضِ وَقَوْلُهُ فَدَيْنَاكَ دَلِيلٌ لِجَوَازِ التَّفْدِيَةِ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْعَبْدُ الْمُخَيَّرُ فَبَكَى حُزْنًا عَلَى فِرَاقِهِ وَانْقِطَاعِ الْوَحْيِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْخَيْرِ دَائِمًا وَإِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ عَبْدًا وَأَبْهَمَهُ لِيَنْظُرَ فَهْمَ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ وَنَبَاهَةَ أَصْحَابِ الْحِذْقِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَكْثَرُهُمْ جُودًا وَسَمَاحَةً لَنَا بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْمَنِّ الَّذِي هُوَ الِاعْتِدَادُ بِالصَّنِيعَةِ لِأَنَّهُ أَذًى مُبْطِلٌ لِلثَّوَابِ وَلِأَنَّ الْمِنَّةَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَبُولِ ذَلِكَ وَفِي غَيْرِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الْإِسْلَامِ) وَفِي

[2383] رِوَايَةٍ لَكِنْ أَخِي وَصَاحِبِي وَقَدِ اتَّخَذَ اللَّهُ صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا قَالَ الْقَاضِي قِيلَ أَصْلُ الْخُلَّةِ الافتقار

(15/150)


وَالِانْقِطَاعُ فَخَلِيلُ اللَّهِ الْمُنْقَطِعُ إِلَيْهِ وَقِيلَ لِقَصْرِهِ حَاجَتَهُ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ الْخُلَّةُ الِاخْتِصَاصُ وَقِيلَ الِاصْطِفَاءُ وَسُمِّيَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلًا لِأَنَّهُ وَالَى فِي اللَّهِ تَعَالَى وَعَادَى فِيهِ وَقِيلَ سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ تَخَلَّقَ بِخِلَالٍ حَسَنَةٍ وَأَخْلَاقٍ كَرِيمَةٍ وَخُلَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لَهُ نَصْرُهُ وَجَعْلُهُ إِمَامًا لمن بعده وقال بن فُورَكَ الْخُلَّةُ صَفَاءُ الْمَوَدَّةِ بِتَخَلُّلِ الْأَسْرَارِ وَقِيلَ أَصْلُهَا الْمَحَبَّةُ وَمَعْنَاهُ الْإِسْعَافُ وَالْإِلْطَافُ وَقِيلَ الْخَلِيلُ مَنْ لَا يَتَّسِعُ قَلْبُهُ لِغَيْرِ خَلِيلِهِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ حُبَّ اللَّهِ تَعَالَى لَمْ يُبْقِ فِي قَلْبِهِ مَوْضِعًا لِغَيْرِهِ قَالَ الْقَاضِي وَجَاءَ فِي أَحَادِيثَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَلَا وَأَنَا حَبِيبُ اللَّهِ فَاخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ هَلِ الْمَحَبَّةُ أَرْفَعُ مِنَ الْخُلَّةِ أَمُ الْخُلَّةُ أَرْفَعُ أَمْ هُمَا سَوَاءٌ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُمَا بِمَعْنًى فَلَا يَكُونُ الْحَبِيبُ إِلَّا خَلِيلًا وَلَا يَكُونُ الْخَلِيلُ إِلَّا حَبِيبًا وَقِيلَ الْحَبِيبُ أَرْفَعُ لِأَنَّهَا صِفَةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقِيلَ الْخَلِيلُ أَرْفَعُ وَقَدْ ثَبَتَتْ خُلَّةُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّهِ تَعَالَى بِهَذَا الْحَدِيثِ وَنَفَى أَنْ يَكُونَ لَهُ خَلِيلٌ غَيْرُهُ وَأَثْبَتَ مَحَبَّتَهُ لِخَدِيجَةَ وَعَائِشَةَ وَأَبِيهَا وَأُسَامَةَ وَأَبِيهِ وَفَاطِمَةَ وَابْنَيْهَا وَغَيْرِهِمْ وَمَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ تَمْكِينُهُ مِنْ طَاعَتِهِ وَعِصْمَتُهُ وَتَوْفِيقُهُ وَتَيْسِيرُ أَلْطَافِهِ وَهِدَايَتُهُ وَإِفَاضَةُ رَحْمَتِهِ عَلَيْهِ هَذِهِ مَبَادِيهَا وَأَمَّا غَايَتُهَا فَكَشْفُ الْحُجُبِ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى يَرَاهُ بِبَصِيرَتِهِ فَيَكُونَ كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ إِلَى آخِرِهِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ سَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَا يُخَالِفُ هَذَا لِأَنَّ الصَّحَابِيَّ يَحْسُنُ فِي حَقِّهِ الِانْقِطَاعُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ خَوْخَةٌ إِلَّا خَوْخَةَ أَبِي بَكْرٍ) الْخَوْخَةُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَهِيَ الْبَابُ الصَّغِيرُ بَيْنَ الْبَيْتَيْنِ أَوِ الدَّارَيْنِ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ فضيلة

(15/151)


وَخِصِّيصَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ أَنَّ الْمَسَاجِدَ تُصَانُ عَنْ تَطَرُّقِ النَّاسِ اليها

(15/152)


3 - فِي خَوْخَاتٍ وَنَحْوِهَا إِلَّا مِنْ أَبْوَابِهَا إِلَّا لِحَاجَةٍ مُهِمَّةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ألا اني أبرأالى كل خل من خله) همابكسر الْخَاءِ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَكَسْرُهُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهُوَ الْخِلُّ بِمَعْنَى الْخَلِيلِ وَأَمَّا قَوْلُهُ مِنْ خِلِّهِ فَبِكَسْرِ الْخَاءِ عِنْدَ جَمِيعِ الرُّوَاةِ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِهِمْ قَالَ وَالصَّوَابُ الْأَوْجَهُ فَتْحُهَا قَالَ وَالْخُلَّةُ وَالْخِلُّ وَالْخِلَالُ وَالْمُخَالَلَةُ وَالْخَلَالَةُ وَالْخَلْوَةُ الْإِخَاءُ وَالصَّدَاقَةُ أَيْ بَرِئْتُ إليه من صداقته المقتضية المخاللة هذاكلام الْقَاضِي وَالْكَسْرُ صَحِيحٌ كَمَا جَاءَتْ بِهِ الرِّوَايَاتُ أَيْ أَبْرَأُ إِلَيْهِ مِنْ مُخَالَّتِي إِيَّاهُ وَذَكَرَ بن الْأَثِيرِ أَنَّهُ رُوِيَ بِكَسْرِ الْخَاءِ وَفَتْحِهَا وَأَنَّهُمَا بِمَعْنَى الْخُلَّةِ بِالضَّمِّ الَّتِي هِيَ الصَّدَاقَةُ قَوْلُهُ

[2384] (بَعَثَهُ عَلَى جَيْشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْأُولَى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ وَهُوَ مَاءٌ لِبَنِي حذام بِنَاحِيَةِ الشَّامِ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ هُوَ بِضَمِّ السين الاولى وكذا ذكره بن الْأَثِيرِ فِي نِهَايَةِ الْغَرِيبِ وَأَظُنُّهُ اسْتَنْبَطَهُ مِنْ كَلَامِ الْجَوْهَرِيِّ فِي الصِّحَاحِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ وَالْمَشْهُورُ وَالْمَعْرُوفُ فَتْحُهَا وَكَانَتْ هَذِهِ الْغَزْوَةُ فِي جُمَادَى الْأُخْرَى سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَكَانَتْ مُؤْتَةُ قَبْلَهَا فِي جُمَادَى الْأُولَى مِنْ سَنَةِ ثَمَانٍ أَيْضًا قَالَ الْحَافِظُ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ عَسَاكِرَ كَانَتْ ذَاتُ السَّلَاسِلِ بَعْدَ مُؤْتَةَ فِيمَا ذكره اهل المغازي الا بن إِسْحَاقَ فَقَالَ قَبْلَهَا قَوْلُهُ (أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيْكَ قَالَ عَائِشَةُ قُلْتُ مِنَ الرِّجَالِ قَالَ أَبُوهَا قُلْتُ ثُمَّ مَنْ قَالَ عُمَرُ فَعَدَّ رِجَالًا) هَذَا تَصْرِيحٌ بِعَظِيمِ فَضَائِلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَفِيهِ دَلَالَةٌ بَيِّنَةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَفْضِيلِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ عَلَى جَمِيعِ الصَّحَابَةِ

(15/153)


قَوْلُهُ

[2385] (سُئِلَتْ عَائِشَةُ مَنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَخْلِفًا لَوِ اسْتَخْلَفَهُ قَالَتْ أَبُو بَكْرٍ فَقِيلَ لَهَا ثُمَّ مَنْ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ عُمَرُ ثُمَّ قِيلَ لَهَا مَنْ بَعْدَ عُمَرَ قَالَتْ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ ثُمَّ انْتَهَتْ إِلَى هَذَا) يَعْنِي وَقَفَتْ عَلَى أَبِي عُبَيْدَةَ هَذَا دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ فِي تَقْدِيمِ أَبِي بَكْرٍ ثُمَّ عُمَرَ لِلْخِلَافَةِ مَعَ إِجْمَاعِ الصَّحَابَةِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ خِلَافَةَ أَبِي بَكْرٍ لَيْسَتْ بِنَصٍّ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خِلَافَتِهِ صَرِيحًا بَلْ أَجْمَعَتِ الصَّحَابَةُ عَلَى عَقْدِ الخلافة له وتقديمه لفضيلته ولوكان هُنَاكَ نَصٌّ عَلَيْهِ أَوْ عَلَى غَيْرِهِ لَمْ تَقَعِ الْمُنَازَعَةُ مِنَ الْأَنْصَارِ وَغَيْرِهِمْ أَوَّلًا وَلَذَكَرَ حَافِظُ النَّصِّ مَا مَعَهُ وَلَرَجَعُوا إِلَيْهِ لَكِنْ تَنَازَعُوا أَوَّلًا وَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ نَصٌّ ثُمَّ اتَّفَقُوا عَلَى أَبِي بَكْرٍ وَاسْتَقَرَّ الْأَمْرُ

(15/154)


وَأَمَّا مَا تَدَّعِيهِ الشِّيعَةُ مِنَ النَّصِّ عَلَى عَلِيٍّ وَالْوَصِيَّةِ إِلَيْهِ فَبَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ وَالِاتِّفَاقُ عَلَى بُطْلَانِ دَعْوَاهُمْ مِنْ زَمَنِ عَلِيٍّ وَأَوَّلُ مَنْ كَذَّبَهُمْ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِقَوْلِهِ مَا عِنْدَنَا إِلَّا مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ الْحَدِيثَ وَلَوْ كَانَ عِنْدَهُ نَصٌّ لَذَكَرَهُ وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ ذَكَرَهُ فِي يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ وَلَا أَنَّ أَحَدًا ذَكَرَهُ لَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

[2386] وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا لِلْمَرْأَةِ حِينَ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جِئْتُ فَلَمْ أَجِدْكَ قَالَ فَإِنْ لَمْ تجديني فأتي أَبَا بَكْرٍ فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ عَلَى خِلَافَتِهِ وَأَمْرٌ بِهَا بَلْ هُوَ إِخْبَارٌ بِالْغَيْبِ الَّذِي أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ

[2387] (ادْعِي لِي أَبَاكِ أَبَا بَكْرٍ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكْتُبَ كِتَابًا فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَتَمَنَّى مُتَمَنٍّ وَيَقُولَ قَائِلٌ انا ولا يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ) هَكَذَا هو في بعض النسخ المعتمدة انا ولا بتخفيف اما وَلَا أَيْ يَقُولُ أَنَا أَحَقُّ وَلَيْسَ كَمَا يَقُولُ بَلْ يَأْبَى اللَّهُ وَالْمُؤْمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكْرٍ وَفِي بَعْضِهَا أَنَا أَوْلَى أَيْ أَنَا أَحَقُّ بِالْخِلَافَةِ قَالَ الْقَاضِي هَذِهِ الرِّوَايَةُ أَجْوَدُهَا وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ أَنَا وَلِي بِتَخْفِيفِ النُّونِ وَكَسْرِ اللَّامِ أَيْ أَنَا أَحَقُّ وَالْخِلَافَةُ لِي وَعَنْ بَعْضِهِمْ أَنَا وَلَّاهُ أَيْ أَنَا الَّذِي وَلَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَعْضُهُمْ أَنَّى ولاه بتشديد النُّونِ أَيْ كَيْفَ وَلَّاهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ لِفَضْلِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَإِخْبَارٌ مِنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا سَيَقَعُ فِي الْمُسْتَقْبَلِ بَعْدَ وَفَاتِهِ وَأَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَأْبَوْنَ عَقْدَ الْخِلَافَةِ لِغَيْرِهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ سَيَقَعُ نِزَاعٌ وَوَقَعَ كُلُّ ذَلِكَ وَأَمَّا طَلَبُهُ لِأَخِيهَا مَعَ أَبِي بَكْرٍ فَالْمُرَادُ أَنَّهُ يَكْتُبُ الْكِتَابَ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ أُوَجِّهَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَابْنِهُ وَأَعْهَدَ وَلِبَعْضِ رُوَاةِ الْبُخَارِيِّ وَآتِيهِ بِأَلِفٍ مَمْدُودَةٍ وَمُثَنَّاةٍ فَوْقُ وَمُثَنَّاةٍ تَحْتُ مِنَ الْإِتْيَانِ قَالَ الْقَاضِي وَصَوَّبَهُ بَعْضُهُمْ وَلَيْسَ كَمَا صَوَّبَ بَلِ الصَّوَابُ ابْنُهُ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالنُّونِ وَهُوَ أَخُو عَائِشَةَ وَتُوَضِّحُهُ رِوَايَةُ

(15/155)


مُسْلِمٍ أَخَاكِ وَلِأَنَّ إِتْيَانَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُتَعَذَّرًا أَوْ مُتَعَسَّرًا وَقَدْ عَجَزَ عَنْ حُضُورِ الْجَمَاعَةِ وَاسْتَخْلَفَ الصِّدِّيقَ لِيُصَلِّيَ بِالنَّاسِ وَاسْتَأْذَنَ أَزْوَاجَهُ أَنْ يُمَرَّضَ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[1028] (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا) قَالَ أَبُو بَكْرٍ أَنَا إِلَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِلَا مُحَاسَبَةٍ وَلَا مُجَازَاةٍ عَلَى قَبِيحِ الْأَعْمَالِ وَإِلَّا فَمُجَرَّدُ الْإِيمَانِ يَقْتَضِي دُخُولَ الْجَنَّةِ بِفَضْلِ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كَلَامِ الْبَقَرَةِ وَكَلَامِ الذِّئْبِ وَتَعَجُّبِ النَّاسِ مِنْ ذَلِكَ

[2388] (فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا) ثُمَّ قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ ثِقَةً بِهِمَا لِعِلْمِهِ بِصِدْقِ إِيمَانِهِمَا وَقُوَّةِ يَقِينِهِمَا وَكَمَالِ مَعْرِفَتِهِمَا لِعَظِيمِ سُلْطَانِ اللَّهِ وَكَمَالِ قُدْرَتِهِ فَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَفِيهِ جَوَازُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَخَرْقِ الْعَوَائِدِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ الْحَقِّ وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ قَوْلُهُ (قَالَ الذِّئْبُ مَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبُعِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي) رُوِيَ السَّبُعِ بِضَمِّ الْبَاءِ وَإِسْكَانِهَا الْأَكْثَرُونَ عَلَى الضم قال

(15/156)


الْقَاضِي الرِّوَايَةُ بِالضَّمِّ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ هِيَ سَاكِنَةٌ وَجَعْلُهُ اسْمًا لِلْمَوْضِعِ الَّذِي عِنْدَهُ الْمَحْشَرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْ مَنْ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَنْكَرَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ أَنْ يَكُونَ هَذَا اسْمًا لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ يُقَالُ سَبَّعْتُ الْأَسَدَ إِذَا دَعَوْتَهُ فَالْمَعْنَى عَلَى هَذَا مَنْ لَهَا يَوْمَ الْفَزَعِ وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ يَوْمُ الْفَزَعِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَنْ لَهَا يَوْمَ الْإِهْمَالِ مِنْ أَسَبَعْتَ الرَّجُلَ أَهْمَلْتَهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَوْمُ السَّبْعِ بِالْإِسْكَانِ عِيدٌ كَانَ لَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَشْتَغِلُونَ فِيهِ بِلَعِبِهِمْ فَيَأْكُلُ الذِّئْبُ غَنَمَهُمْ وَقَالَ الدَّاوُدِيُّ يَوْمَ السَّبُعِ أَيْ يَوْمَ يَطْرُدُكَ عَنْهَا السَّبُعُ وَبَقِيتُ أَنَا لها لاراعي لَهَا غَيْرِي لِفِرَارِكَ مِنْهُ فَأَفْعَلُ فِيهَا مَا اشاء هذا كلام القاضي وقال بن الْأَعْرَابِيِّ هُوَ بِالْإِسْكَانِ أَيْ يَوْمُ الْقِيَامَةِ أَوْ يَوْمُ الذُّعْرِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِ آخَرُونَ هَذَا لِقَوْلِهِ يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي وَيَوْمُ الْقِيَامَةِ لَا يَكُونُ الذِّئْبُ رَاعِيهَا وَلَا لَهُ بِهَا تَعَلُّقٌ وَالْأَصَحُّ مَا قَالَهُ آخَرُونَ وَسَبَقَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ مِنْ أَنَّهَا

(15/157)


عِنْدَ الْفِتَنِ حِينَ تَتْرُكُهَا النَّاسُ هَمَلًا لَا رَاعِيَ لَهَا نُهْبَةً لِلسِّبَاعِ فَجَعَلَ السَّبُعُ لَهَا رَاعِيًا أَيْ مُنْفَرِدًا بِهَا وَتَكُونُ بِضَمِّ الْبَاءِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ

[2389] (فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ) أَيْ أَحَاطُوا بِهِ وَالسَّرِيرُ هُنَا النَّعْشُ قَوْلُهُ (فَلَمْ يَرُعْنِي إِلَّا بِرَجُلٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ لَمْ يَفْجَأْنِي إِلَّا ذَلِكَ وَقَوْلُهُ بِرَجُلٍ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ بِرَجُلٍ بِالْبَاءِ أَيْ لَمْ يَفْجَأْنِي الْأَمْرُ أو الْحَالُ إِلَّا بِرَجُلٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَشَهَادَةُ عَلِيٍّ لَهُمَا وَحُسْنُ ثَنَائِهِ عَلَيْهِمَا وَصِدْقُ مَا كَانَ يَظُنُّهُ بِعُمَرَ قَبْلَ وَفَاتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم)

(15/158)


9 - فِي رُؤْيَا الْمَنَامِ

[2390] (وَمَرَّ عُمَرُ وَعَلَيْهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ قَالُوا مَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الدِّينُ) وَفِي الرَّوَايَةِ الْأُخْرَى

[2391] رَأَيْتُ قَدَحًا أُتِيتُ بِهِ فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبْتُ مِنْهُ حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَخْرُجُ مِنْ أَظْفَارِي ثُمَّ أَعْطَيْتُ فَضْلِي عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالُوا فَمَا أَوَّلْتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الْعِلْمُ قَالَ أَهْلُ الْعِبَارَةِ الْقَمِيصُ فِي النَّوْمِ معناه الدِّينِ وَجَرُّهُ يَدُلُّ عَلَى بَقَاءِ آثَارِهِ الْجَمِيلَةِ وَسُنَنِهِ الْحَسَنَةِ فِي الْمُسْلِمِينَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لِيُقْتَدَى بِهِ وَأَمَّا تَفْسِيرُ اللَّبَنِ بِالْعِلْمِ فَلِاشْتِرَاكِهِمَا فِي كَثْرَةِ النَّفْعِ وَفِي أَنَّهُمَا سَبَبُ الصَّلَاحِ فَاللَّبَنُ غِذَاءُ الْأَطْفَالِ وَسَبَبُ صَلَاحِهِمْ وَقُوتٌ لَلْأَبَدَانِ بَعْدَ ذَلِكَ وَالْعِلْمُ سَبَبٌ لِصَلَاحِ الْآخِرَةِ وَالدُّنْيَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2392] (رَأَيْتُنِي عَلَى قَلِيبٍ عَلَيْهَا دَلْوٌ فَنَزَعْتُ مِنْهَا مَا شَاءَ اللَّهُ ثم اخذها بن أَبِي قُحَافَةَ فَنَزَعَ بِهَا ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَفِي نَزْعِهِ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ ضَعْفٌ ثُمَّ استحالت غربا فاخذها بن الْخَطَّابِ فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَنْزِعُ نَزْعَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ) أَمَّا الْقَلِيبُ فَهِيَ الْبِئْرُ غَيْرُ الْمَطْوِيَّةِ وَالدَّلْوُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَالذَّنُوبُ بِفَتْحِ الذَّالِ الدَّلْوُ الْمَمْلُوءَةُ وَالْغَرْبُ بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وهي الدلو الْعَظِيمَةُ وَالنَّزْعُ الِاسْتِقَاءُ

(15/159)


وَالضُّعْفُ بِضَمِّ الضَّادِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ الضَّمُّ أَفْصَحُ وَمَعْنَى اسْتَحَالَتْ صَارَتْ وَتَحَوَّلَتْ

(15/160)


مِنَ الصِّغَرِ إِلَى الْكِبَرِ وَأَمَّا الْعَبْقَرِيُّ فَهُوَ السيد وقيل الذي ليس فوقه شئ وَمَعْنَى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ أَيْ أَرْوَوْا إِبِلَهُمْ ثُمَّ آوَوْهَا إِلَى عَطَنِهَا وَهُوَ الْمَوْضِعُ الَّذِي تُسَاقُ إِلَيْهِ بَعْدَ السَّقْيِ لِتَسْتَرِيحَ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا الْمَنَامُ مِثَالٌ وَاضِحٌ لِمَا جَرَى لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي خِلَافَتِهِمَا وَحُسْنِ سِيرَتِهِمَا وَظُهُورِ آثَارِهِمَا وَانْتِفَاعِ النَّاسِ بِهِمَا وَكُلُّ ذَلِكَ مَأْخُوذٌ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ بَرَكَتِهِ وَآثَارِ صُحْبَتِهِ فَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ صَاحِبَ الْأَمْرِ فَقَامَ بِهِ أَكْمَلَ قِيَامٍ وَقَرَّرَ قَوَاعِدَ الْإِسْلَامِ وَمَهَّدَ أُمُورَهُ وَأَوْضَحَ أُصُولَهُ وَفُرُوعَهُ وَدَخَلَ النَّاسُ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا وَأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى اليوم اكملت لكم دينكم ثُمَّ تُوُفِّيَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَلَفَهُ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَتَيْنِ وَأَشْهُرًا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَنُوبًا أَوْ ذَنُوبَيْنِ وَهَذَا شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي وَالْمُرَادُ ذَنُوبَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَحَصَلَ فِي خِلَافَتِهِ قِتَالُ أَهْلِ الرِّدَّةِ وَقَطْعُ دَابِرِهِمْ وَاتِّسَاعُ الْإِسْلَامِ ثُمَّ تُوُفِّيَ فَخَلَفَهُ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَاتَّسَعَ الْإِسْلَامُ فِي زمنه وتقرر لهم من احكامه مالم يَقَعْ مِثْلُهُ فَعَبَّرَ بِالْقَلِيبِ عَنْ أَمْرِ الْمُسْلِمِينَ لِمَا فِيهَا مِنَ الْمَاءِ الَّذِي بِهِ حَيَاتُهُمْ وَصَلَاحُهُمْ وَشَبَّهَ أَمِيرَهُمْ بِالْمُسْتَقِي لَهُمْ وَسَقْيُهُ هُوَ قِيَامُهُ بِمَصَالِحِهِمْ وَتَدْبِيرُ أُمُورِهِمْ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِي نَزْعِهِ ضُعْفٌ فَلَيْسَ فِيهِ حَطٌّ مِنْ فَضِيلَةِ أَبِي بَكْرٍ وَلَا إِثْبَاتُ فَضِيلَةٍ لِعُمَرَ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنْ مُدَّةِ وِلَايَتِهِمَا وَكَثْرَةِ انْتِفَاعِ النَّاسِ فِي وِلَايَةِ عُمَرَ لِطُولِهَا وَلِاتِّسَاعِ الْإِسْلَامِ وَبِلَادِهِ وَالْأَمْوَالِ وَغَيْرِهَا مِنَ الْغَنَائِمِ وَالْفُتُوحَاتِ وَمَصَّرَ الْأَمْصَارَ وَدَوَّنَ الدَّوَاوِينَ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَهُ فَلَيْسَ فِيهِ تَنْقِيصٌ لَهُ وَلَا إِشَارَةٌ إِلَى ذَنْبٍ وَإِنَّمَا هِيَ كَلِمَةٌ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَدْعَمُونَ بِهَا كَلَامَهُمْ وَنِعْمَتِ الدِّعَامَةُ وَقَدْ سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ أَنَّهَا كَلِمَةٌ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَقُولُونَهَا افْعَلْ كَذَا وَاللَّهُ يَغْفِرُ لَكَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَفِي كُلِّ هَذَا إِعْلَامٌ بِخِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَصِحَّةِ وِلَايَتِهِمَا وَبَيَانُ صِفَتِهَا وَانْتِفَاعُ الْمُسْلِمِينَ بِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَجَاءَنِي أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ الدَّلْوَ مِنْ يَدِي لِيُرَوِّحَنِي) قَالَ الْعُلَمَاءُ

(15/161)


فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى نِيَابَةِ أَبِي بَكْرٍ عَنْهُ وَخِلَافَتِهِ بَعْدَهُ وَرَاحَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَفَاتِهِ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَمَشَاقِّهَا كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ الحديث والدنيا سجن المؤمن ولا كرب على ابيك بعداليوم قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2393] (فَلَمْ أَرَ عَبْقَرِيًّا مِنَ النَّاسِ يَفْرِي فَرْيَهُ) أَمَّا يَفْرِي فَبِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَأَمَّا فَرْيَهُ فَرُوِيَ بِوَجْهَيْنِ أَحَدَهُمَا فَرْيَهُ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَالثَّانِيَةُ كَسْرُ الرَّاءِ وَتَشْدِيدُ الْيَاءِ وَهُمَا لُغَتَانِ صَحِيحَتَانِ وَأَنْكَرَ الْخَلِيلُ التَّشْدِيدَ وَقَالَ هو غلط اتفقوا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ لَمْ أَرَ سَيِّدًا يَعْمَلُ عَمَلَهُ وَيَقْطَعُ قَطْعَهُ وَأَصْلُ الْفَرْيِ بِالْإِسْكَانِ الْقَطْعُ يقال فريت الشئ أفريه فريا قطعته للاصلاح فهو مفري وفري وَأْفَرَيْتُهُ إِذَا شَقَقْتُهُ عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ وَتَقُولُ الْعَرَبُ تَرَكْتُهُ يَفْرِي الْفَرْيَ إِذَا عَمَلَ الْعَمَلَ فاجاده وَمِنْهُ حَدِيثُ حَسَّانَ لَأَفْرِيَنَّهُمْ فَرْيَ الْأَدِيمِ أَيْ أَقْطَعُهُمْ بِالْهِجَاءِ كَمَا يُقْطَعُ الْأَدِيمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى ضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ) سَبَقَ تَفْسِيرُهُ قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى خِلَافَةِ عُمَرَ خَاصَّةً وَقِيلَ يَعُودُ إِلَى خِلَافَةِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ جَمِيعًا لِأَنَّ بِنَظَرِهِمَا وَتَدْبِيرِهِمَا وَقِيَامِهِمَا بِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ تَمَّ هَذَا الْأَمْرُ وَضَرَبَ النَّاسُ بِعَطَنٍ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ قَمَعَ أَهْلَ الرِّدَّةِ وَجَمَعَ شَمْلَ الْمُسْلِمِينَ وَأَلَّفَهُمْ وَابْتَدَأَ الْفُتُوحَ وَمَهَّدَ الْأُمُورَ وَتَمَّتْ ثَمَرَاتُ ذَلِكَ وَتَكَامَلَتْ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَأَنِّي أَنْزِعُ بِدَلْوِ بَكْرَةٍ) هِيَ بِإِسْكَانِ

(15/162)


الْكَافِ وَفَتْحِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حتى روى الناس) هوبكسر الواو والمخففة

(15/163)


أَيْ أَخَذُوا كِفَايَتَهُمْ قَوْلُهُ

[2396] (عَنْ صَالِحٍ عَنِ بن شِهَابٍ قَالَ أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ عَبْدِ الرحمن بن سيدان محمد بن سعد أَبِي وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَاهُ سَعْدًا قَالَ استاذن عمر) هذاالحديث اجْتَمَعَ فِيهِ أَرْبَعَةٌ تَابِعِيُّونَ يَرْوِي بَعْضُهُمْ عَنْ بَعْضٍ وهم صالح وبن شِهَابٍ وَعَبْدُ الْحَمِيدِ وَمُحَمَّدٌ وَقَدْ رَأَى عَبْدُ الحميد بن عَبَّاسٍ

[2396]

[2397] قَوْلُهُ (وَعِنْدَهُ نِسَاءٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَى يَسْتَكْثِرْنَهُ يَطْلُبْنَ كَثِيرًا مِنْ كَلَامِهِ وَجَوَابِهِ بِحَوَائِجِهِنَّ وَفَتَاوِيهِنَّ وَقَوْلُهُ عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ قَالَ الْقَاضِي يَحْتَمِلُ أَنَّ هَذَا قَبْلَ النَّهْيِ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ فَوْقَ صَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ عُلُوَّ أَصْوَاتِهِنَّ إِنَّمَا كَانَ بِاجْتِمَاعِهَا لَا أَنَّ كَلَامَ كُلِّ وَاحِدَةٍ

(15/164)


بِانْفِرَادِهَا أَعْلَى مِنْ صَوْتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قوله (قلن انت أَغْلَظُ وَأَفَظُّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) الفظ والغليظ بِمَعْنًى وَهُوَ عِبَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْخُلُقِ وَخُشُونَةِ الْجَانِبِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَيْسَتْ لَفْظَةُ أَفْعَلَ هُنَا لِلْمُفَاضَلَةِ بَلْ هِيَ بِمَعْنَى فَظٌّ غَلِيظٌ قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى الْمُفَاضَلَةِ وَأَنَّ الْقَدْرَ الَّذِي مِنْهَا فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ مَا كَانَ مِنْ إِغْلَاظِهِ عَلَى الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ كَمَا قَالَ تَعَالَى جَاهِدِ الكفار والمنافقين واغلظ عليهم وَكَانَ يَغْضَبُ وَيُغْلِظُ عِنْدَ انْتَهَاكِ حُرُمَاتِ اللَّهِ تَعَالَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضْلُ لين الجانب والحلم والرفق مالم يُفَوِّتْ مَقْصُودًا شَرْعِيًّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَاخْفِضْ جناحك للمؤمنين وَقَالَ تَعَالَى وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفضوا من حولك وقال تعالى بالمؤمنين رؤف رَحِيمٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ) الْفَجُّ الطَّرِيقُ الْوَاسِعُ وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْمَكَانِ الْمُنْخَرِقِ بَيْنَ الْجَبَلَيْنِ وَهَذَا الْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى ظَاهِرِهِ أَنَّ الشَّيْطَانَ مَتَى رَأَى عُمَرَ سَالِكًا فَجًّا هَرَبَ هَيْبَةً مِنْ عُمَرَ وَفَارَقَ ذَلِكَ الْفَجَّ وَذَهَبَ فِي فَجٍّ آخَرَ لِشِدَّةِ خَوْفِهِ مِنْ بَأْسِ عُمَرَ أَنْ يَفْعَلَ فِيهِ شَيْئًا قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ ضَرَبَ مَثَلًا لِبُعْدِ الشَّيْطَانِ وَإِغْوَائِهِ مِنْهُ وَأَنَّ عُمَرَ فِي جَمِيعِ أُمُورِهِ سالك

(15/165)


طَرِيقَ السَّدَادِ خِلَافَ مَا يَأْمُرُ بِهِ الشَّيْطَانُ والصحيح الاول قوله

[2398] (عن بن وَهْبٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَدْ كَانَ يَكُونُ فِي الْأُمَمِ مُحَدَّثُونَ فَإِنْ يَكُنْ فِي أُمَّتِي مِنْهُمْ أَحَدٌ فَإِنَّ عُمَرَ بن الخطاب منهم) قال بن وَهْبٍ تَفْسِيرُ مُحَدَّثُونَ مُلْهَمُونَ هَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ عَلَى مُسْلِمٍ وَقَالَ الْمَشْهُورُ فِيهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ قَالَ بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاخْتَلَفَ تَفْسِيرُ الْعُلَمَاءِ لِلْمُرَادِ بِمُحَدَّثُونَ فَقَالَ بن وَهْبٍ مُلْهَمُونَ وَقِيلَ مُصِيبُونَ وَإِذَا ظَنُّوا فَكَأَنَّهُمْ حدثوا بشئ فَظَنُّوا وَقِيلَ تُكَلِّمُهُمُ الْمَلَائِكَةُ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ مُتَكَلِّمُونَ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يَجْرِي الصَّوَابُ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ وَفِيهِ إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ قَوْلُهُ

[2399] (قَالَ عُمَرُ وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ وَفِي الْحِجَابِ وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ) هَذَا مِنْ أَجَلِّ مَنَاقِبِ عُمَرَ وَفَضَائِلِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ مُطَابِقٌ لِلْحَدِيثِ قَبْلَهُ وَلِهَذَا عَقَّبَهُ مُسْلِمٌ بِهِ وَجَاءَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ وَفَسَّرَهَا بِهَذِهِ الثَّلَاثِ وَجَاءَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى فِي الصَّحِيحِ اجْتَمَعَ نِسَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِ فِي الْغَيْرَةِ فَقُلْتُ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ فَنَزَلَتِ الْآيَةُ بِذَلِكَ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا مُوَافَقَتُهُ فِي مَنْعِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ ونزول الاية

(15/166)


بِذَلِكَ وَجَاءَتْ مُوَافَقَتُهُ فِي تَحْرِيمِ الْخَمْرِ فَهَذِهِ سِتٌّ وَلَيْسَ فِي لَفْظِهِ مَا يَنْفِي زِيَادَةَ الْمُوَافَقَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ

[2400] (لَمَّا تُوُفِّيَ عَبْدُ الله بن ابي بن سلول) هكذا صوابه ان يكتب بن سَلُولَ بِالْأَلْفِ وَيُعْرَبُ بِإِعْرَابِ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّهُ وَصْفٌ ثَانٍ لَهُ لِأَنَّهُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلُولَ أَيْضًا فَأُبِيٌّ أَبُوهُ وَسَلُولُ أُمُّهُ فَنُسِبَ إِلَى أَبَوَيْهِ جَمِيعًا وَوُصِفَ بِهِمَا وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ هَذَا وَنَظَائِرُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ الْمِقْدَادِ حِينَ قَتَلَ مَنْ أَظْهَرَ الشَّهَادَةَ وَأَوْضَحْنَا هُنَاكَ وُجُوهَهَا قَوْلُهُ (إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْطَاهُ قَمِيصَهُ لِيُكَفِّنَ فِيهِ أَبَاهُ الْمُنَافِقَ) قِيلَ إِنَّمَا أَعْطَاهُ قَمِيصَهُ وَكَفَّنَهُ فِيهِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِ ابْنِهِ فَإِنَّهُ كَانَ صَحَابِيًّا صَالِحًا وَقَدْ سَأَلَ ذَلِكَ فَأَجَابَهُ إِلَيْهِ وَقِيلَ مُكَافَأَةً لِعَبْدِ اللَّهِ الْمُنَافِقِ الْمَيِّتِ لِأَنَّهُ كَانَ أَلْبَسَ الْعَبَّاسَ حِينَ أُسِرَ يَوْمَ بَدْرٍ قَمِيصًا وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ عَظِيمِ مَكَارِمِ أَخْلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ عَلِمَ مَا كَانَ مِنْ هَذَا الْمُنَافِقِ مِنَ الْإِيذَاءِ وَقَابَلَهُ بِالْحُسْنَى فَأَلْبَسَهُ قَمِيصًا كَفَنًا وَصَلَّى عَلَيْهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى إِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ وَفِيهِ تَحْرِيمُ الصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ لَهُ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْقِيَامِ عَلَى قَبْرِهِ لِلدُّعَاءِ

(15/167)


(بَاب مِنْ فَضَائِلِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)
قَوْلُهَا

[2401] (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجَعَا فِي بَيْتِهِ كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ أَوْ سَاقَيْهِ فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ الْمَالِكِيَّةُ وَغَيْرُهُمْ مِمَّنْ يَقُولُ لَيْسَتِ الْفَخِذُ عَوْرَةً وَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّهُ مَشْكُوكٌ فِي الْمَكْشُوفِ هَلْ هُوَ السَّاقَانِ أَمُ الْفَخِذَانِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْجَزْمُ بِجَوَازِ كَشْفِ الْفَخِذِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ تَدَلُّلِ الْعَالِمِ وَالْفَاضِلِ بِحَضْرَةِ مَنْ يَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ فُضَلَاءِ أَصْحَابِهِ وَاسْتِحْبَابُ تَرْكِ ذَلِكَ إِذَا حَضَرَ غَرِيبٌ أَوْ صَاحِبٌ يَسْتَحْي مِنْهُ قَوْلُهُ (دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا تَهْتَشَّ بِالتَّاءِ بَعْدَ الْهَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الطَّارِئَةِ بِحَذْفِهَا وَكَذَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَعَلَى هَذَا فَالْهَاءُ مَفْتُوحَةٌ يُقَالُ هَشَّ يَهَشُّ كَشَمَّ يَشَمُّ وَأَمَّا الْهَشُّ الَّذِي هُوَ خَبْطُ الْوَرَقِ مِنَ الشَّجَرِ فَيُقَالُ مِنْهُ هَشَّ يَهُشُّ بِضَمِّهَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَهُشُّ بِهَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْهَشَاشَةُ وَالْبَشَاشَةُ بِمَعْنَى طَلَاقَةِ الْوَجْهِ وَحُسْنِ اللِّقَاءِ وَمَعْنَى لَمْ تُبَالِهِ

(15/168)


لَمْ تَكْتَرِثْ بِهِ وَتَحْتَفِلْ لِدُخُولِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا أَسْتَحِي مِمَّنْ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ) هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَةِ أَسْتَحِي بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ اسْتَحْيَى يَسْتَحْيِي بِيَاءَيْنِ وَاسْتَحَى يَسْتَحِي بِيَاءٍ وَاحِدَةٍ لُغَتَانِ الْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَبِهَا جَاءَ الْقُرْآنُ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعُثْمَانَ وَجَلَالَتِهِ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ وَأَنَّ الْحَيَاءَ صِفَةٌ جَمِيلَةٌ مِنْ صِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ قَوْلُهُ

[2402] (لَابِسٌ مِرْطَ عَائِشَةَ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ وَقَالَ الْخَلِيلُ كِسَاءٌ مِنْ صُوفٍ أَوْ كَتَّانٍ او غيره وقال بن الاعرابي وابو زيد هو الازار قولها (مالي لَمْ أَرَكَ فَزِعْتَ لِأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ كَمَا فَزِعْتَ لِعُثْمَانَ) أَيِ اهْتَمَمْتَ لَهُمَا وَاحْتَفَلْتَ بِدُخُولِهِمَا هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا فَزِعْتَ بِالزَّايِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَذَا حَكَاهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ قَالَ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ فَرَغْتَ بِالرَّاءِ وَالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الْأَوَّلِ قَوْلُهُ

[2403] (عَنْ عُثْمَانَ بْنِ غِيَاثٍ) هُوَ بَالِغَيْنِ المعجمة والثاء

(15/169)


الْمُثَلَّثَةِ قَوْلُهُ (فِي حَائِطٍ) هُوَ الْبُسْتَانُ قَوْلُهُ (يَرْكُزُ بِعُودٍ) هُوَ بِضَمِّ الْكَافِ أَيْ يَضْرِبُ بِأَسْفَلِهِ لِيُثَبِّتَهُ فِي الْأَرْضِ قَوْلُهُ (اسْتَفْتَحَ رَجُلٌ فَقَالَ افْتَحْ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ) وَفِي رِوَايَةٍ أَمَرَنِي أَنْ أَحْفَظَ الْبَابَ وَفِي رِوَايَةٍ لَأَكُوَنَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَكُونَ بَوَّابًا فِي جَمِيعِ ذَلِكَ الْمَجْلِسِ لِيُبَشِّرَ هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورِينَ بِالْجَنَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ أَمَرَهُ بِحِفْظِ الْبَابِ أَوَّلًا إِلَى أَنْ يَقْضِيَ حَاجَتَهُ وَيَتَوَضَّأَ لِأَنَّهَا حَالَةٌ يَسْتَتِرُ فِيهَا ثُمَّ حَفِظَ الْبَابَ أَبُو مُوسَى مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَأَنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَفَضِيلَةٌ لِأَبِي مُوسَى وَفِيهِ جَوَازُ الثَّنَاءِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ إِذَا أُمِنَتْ عَلَيْهِ فِتْنَةُ الْإِعْجَابِ وَنَحْوِهِ وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ

(15/170)


ظَاهِرَةٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِخْبَارِهِ بقصة عثمان والبلوى وَأَنَّ الثَّلَاثَةَ يَسْتَمِرُّونَ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْهُدَى قَوْلُهُ (وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُهُ عِنْدَ مِثْلِ هَذَا الحال قوله 0فخرج وجه ها هنا) الْمَشْهُورُ فِي الرِّوَايَةِ وَجَّهَ بِتَشْدِيدِ الْجِيمِ وَضَبَطَهُ بَعْضُهُمْ بِإِسْكَانِهَا وَحَكَى الْقَاضِي الْوَجْهَيْنِ وَنَقَلَ الْأَوَّلَ عَنِ الْجُمْهُورِ وَرَجَّحَ الثَّانِي لِوُجُودِ خَرَجَ أَيْ قَصَدَ هَذِهِ الْجِهَةَ قَوْلُهُ 0 جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا) أَمَّا أَرِيسٌ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ مَصْرُوفٌ وَأَمَّا الْقُفُّ فَبِضَمِّ الْقَافِ وَهُوَ حَافَّةُ الْبِئْرِ وَأَصْلُهُ الْغَلِيظُ الْمُرْتَفِعُ مِنَ الْأَرْضِ قَوْلُهُ (عَلَى رِسْلِكَ) بِكَسْرِ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ

(15/171)


الْكَسْرُ أَشْهَرُ وَمَعْنَاهُ تَمَهَّلْ وَتَأَنَّ قَوْلُهُ (فِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُمَا دَلَّيَا أَرْجُلَهُمَا فِي الْبِئْرِ كَمَا دَلَّاهُمَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهَا هَذَا فَعَلَاهُ لِلْمُوَافَقَةِ وَلِيَكُونَ أَبْلَغَ فِي بَقَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَالَتِهِ وَرَاحَتِهِ بِخِلَافِ ما اذا لم يفعلاه فربما استحى مِنْهُمَا فَرَفَعَهُمَا وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِلُّغَةِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ دَلَّيْتُ الدَّلْوَ فِي الْبِئْرِ وَدَلَّيْتُ رِجْلِي وَغَيْرَهَا فِيهِ كَمَا يُقَالُ أَدْلَيْتُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَأَدْلَى دَلْوَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَ الْأَوَّلَ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (فَجَلَسَ وِجَاهَتَهُمْ

(15/172)


بِكَسْرِ الْوَاوِ وَضَمِّهَا أَيْ قِبَالَتَهُمْ قَوْلُهُ (قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ) يَعْنِي أَنَّ الثَّلَاثَةَ دُفِنُوا فِي مَكَانٍ وَاحِدٍ وَعُثْمَانَ فِي مَكَانٍ بَائِنٍ عَنْهُمْ وَهَذَا مِنْ بَابِ الْفِرَاسَةِ الصَّادِقَةِ

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)
قَوْلُهُ

[2404] (عَنْ يُوسُفَ بْنِ الْمَاجِشُونِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُوسُفَ الْمَاجِشُونِ بحذف لفظة بن

(15/173)


وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَهُوَ أَبُو سَلَمَةَ يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ وَاسْمُ أَبِي سَلَمَةَ دِينَارٌ وَالْمَاجِشُونُ لَقَبُ يَعْقُوبَ وَهُوَ لَقَبٌ جَرَى عَلَيْهِ وَعَلَى أَوْلَادِهِ وَأَوْلَادِ أَخِيهِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ لَفْظٌ فَارِسِيٌّ وَمَعْنَاهُ الْأَحْمَرُ الْأَبْيَضُ الْمُوَرَّدُ سُمِّيَ يَعْقُوبُ بِذَلِكَ لِحُمْرَةِ وَجْهِهِ وَبَيَاضِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ (أَنْتَ مِنِّي بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَى إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِيَّ بَعْدِي) قَالَ الْقَاضِي هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا تَعَلَّقَتْ بِهِ الرَّوَافِضُ وَالْإِمَامِيَّةُ وَسَائِرُ فِرَقِ الشِّيعَةِ فِي أَنَّ الْخِلَافَةَ كَانَتْ حَقًّا لِعَلِيٍّ وَأَنَّهُ وَصَّى لَهُ بِهَا قَالَ ثُمَّ اخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ فَكَفَّرَتِ الرَّوَافِضُ سَائِرَ الصَّحَابَةِ فِي تَقْدِيمِهِمْ غَيْرَهُ وَزَادَ بَعْضُهُمْ فَكَفَّرَ عَلِيًّا لِأَنَّهُ لَمْ يَقُمْ فِي طَلَبِ حَقِّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَؤُلَاءِ أَسْخَفُ مَذْهَبًا وَأَفْسَدُ عَقْلًا مِنْ أَنْ يُرَدَّ قَوْلُهُمْ أَوْ يُنَاظَرَ وَقَالَ الْقَاضِي وَلَا شَكَّ فِي كُفْرِ مَنْ قَالَ هَذَا لِأَنَّ مَنْ كَفَّرَ الْأُمَّةَ كُلَّهَا وَالصَّدْرَ الْأَوَّلَ فَقَدْ أَبْطَلَ نَقْلَ الشَّرِيعَةِ وَهَدَمَ الْإِسْلَامَ وَأَمَّا مَنْ عَدَا هَؤُلَاءِ الْغُلَاةِ فَإِنَّهُمْ لَا يَسْلُكُونَ هَذَا الْمَسْلَكَ فَأَمَّا الْإِمَامِيَّةُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ فَيَقُولُونَ هُمْ مُخْطِئُونَ فِي تَقْدِيمِ غَيْرِهِ لَا كُفَّارٌ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ لَا يَقُولُ بِالتَّخْطِئَةِ لِجَوَازِ تَقْدِيمِ الْمَفْضُولِ عندهم وهذا الحديث لاحجة فِيهِ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ بَلْ فِيهِ إِثْبَاتُ فَضِيلَةٍ لِعَلِيٍّ وَلَا تَعَرُّضَ فِيهِ لِكَوْنِهِ أَفْضَلَ مِنْ غَيْرِهِ أَوْ مِثْلَهُ وَلَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ لِاسْتِخْلَافِهِ بَعْدَهُ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا قَالَ هَذَا لِعَلِيٍّ حِينَ اسْتَخْلَفَهُ فِي الْمَدِينَةِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّ هَارُونَ الْمُشَبَّهَ بِهِ لَمْ يَكُنْ خَلِيفَةً بَعْدَ مُوسَى بَلْ تُوُفِّيَ فِي حَيَاةِ مُوسَى وَقَبْلَ وَفَاةِ مُوسَى بِنَحْوِ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ عَلَى مَا هُوَ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأَخْبَارِ وَالْقَصَصِ قَالُوا وَإِنَّمَا اسْتَخْلَفَهُ حِينَ ذَهَبَ لِمِيقَاتِ رَبِّهِ لِلْمُنَاجَاةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَزَلَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ نَزَلَ حَكَمًا مِنْ حُكَّامِ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَحْكُمُ بِشَرِيعَةِ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا ينزل نبينا وَقَدْ سَبَقَتِ الْأَحَادِيثُ الْمُصَرِّحَةُ بِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ قَوْلُهُ

(15/174)


(فَوَضَعَ إِصْبَعَيْهِ عَلَى أُذُنَيْهِ فَقَالَ نَعَمْ وَإِلَّا فَاسْتَكَّتَا) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْكَافِ أَيْ صُمَّتَا قَوْلُهُ (إِنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسُبَّ أَبَا تُرَابٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ الَّتِي فِي ظَاهِرِهَا دَخَلٌ عَلَى صَحَابِيٍّ يَجِبُ تَأْوِيلُهَا قَالُوا وَلَا يَقَعُ فِي رِوَايَاتِ الثِّقَاتِ إِلَّا مَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُهُ فَقَوْلُ مُعَاوِيَةَ هَذَا لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ أَمَرَ سَعْدًا بِسَبِّهِ وَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنِ السَّبَبِ الْمَانِعِ لَهُ مِنَ السَّبِّ كَأَنَّهُ يَقُولُ هَلِ امْتَنَعْتَ تَوَرُّعًا أَوْ خَوْفًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَإِنْ كَانَ تَوَرُّعًا وَإِجْلَالًا لَهُ عَنِ السَّبِ فَأَنْتَ مُصِيبٌ مُحْسِنٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرُ ذَلِكَ فَلَهُ جَوَابٌ آخَرُ ولَعَلَّ سَعْدًا قَدْ كَانَ فِي طَائِفَةٍ يَسُبُّونَ فَلَمْ يَسُبَّ مَعَهُمْ وَعَجَزَ عَنِ الْإِنْكَارِ وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ فَسَأَلَهُ هَذَا السُّؤَالَ قَالُوا وَيَحْتَمِلُ تَأْوِيلًا آخَرَ أَنَّ مَعْنَاهُ

(15/175)


مَا مَنَعَكَ أَنْ تُخَطِّئَهُ فِي رَأْيِهِ وَاجْتِهَادِهِ وَتُظْهِرَ لِلنَّاسِ حُسْنَ رَأْيِنَا وَاجْتِهَادِنَا وَأَنَّهُ أَخْطَأَ قَوْلُهُ

[2405] (فَتَسَاوَرْتُ لَهَا) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْوَاوِ ثُمَّ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ تَطَاوَلْتُ لَهَا كَمَا صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَيْ حَرَصْتُ عَلَيْهَا أَيْ أَظْهَرْتُ وَجْهِي وَتَصَدَّيْتُ لِذَلِكَ لِيَتَذَكَّرَنِي قَوْلُهُ (فَمَا أَحْبَبْتُ الْإِمَارَةَ إِلَّا يَوْمئِذٍ) إِنَّمَا كَانَتْ مَحَبَّتُهُ لَهَا لِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْإِمَارَةُ مِنْ مَحَبَّتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(15/176)


وَمَحَبَّتِهِمَا لَهُ وَالْفَتْحُ عَلَى يَدَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2405] (امْشِ وَلَا تَلْتَفِتْ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ فَسَارَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ شَيْئًا ثُمَّ وَقَفَ وَلَمْ يَلْتَفِتْ فَصَرَخَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَاذَا أُقَاتِلُ النَّاسَ) هَذَا الِالْتِفَاتُ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ أَيْ لَا تَلْتَفِتْ بِعَيْنَيْكَ لَا يَمِينًا وَلَا شِمَالًا بَلِ امْضِ عَلَى جِهَةِ قَصْدِكَ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ الْحَثُّ عَلَى الْإِقْدَامِ وَالْمُبَادَرَةِ إِلَى ذَلِكَ وَحَمَلَهُ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَلَمْ يَلْتَفِتْ بِعَيْنِهِ حِينَ احْتَاجَ وفي هذا حمل أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَقِيلَ يَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ لَا تَنْصَرِفُ بَعْدَ لِقَاءِ عَدُوِّكَ حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلِيَّةٌ وَفِعْلِيَّةٌ فَالْقَوْلِيَّةُ إِعْلَامُهُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَفْتَحُ عَلَى يَدَيْهِ فَكَانَ كَذَلِكَ وَالْفِعْلِيَّةُ بُصَاقُهُ فِي عَيْنِهِ وَكَانَ أَرْمَدَ فَبَرَأَ مِنْ سَاعَتِهِ وَفِيهِ فَضَائِلُ ظَاهِرَةٌ لِعَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَبَيَانُ شَجَاعَتِهِ وَحُسْنِ مُرَاعَاتِهِ لِأَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُبِّهِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَحُبِّهِمَا إِيَّاهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ فَقَدْ مَنَعُوا مِنْكَ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ هَذَا الْحَدِيثُ فِيهِ الدُّعَاءُ إِلَى الْإِسْلَامِ قَبْلَ الْقِتَالِ وَقَدْ قَالَ بِإِيجَابِهِ طَائِفَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ آخَرِينَ أَنَّهُمْ إِنْ كَانُوا مِمَّنْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ وَجَبَ إِنْذَارُهُمْ قَبْلَ الْقِتَالِ وَإِلَّا فَلَا يَجِبُ لَكِنْ يُسْتَحَبُّ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةً

(15/177)


فِي أَوَّلِ الْجِهَادِ وَلَيْسَ فِي هَذَا ذِكْرُ الْجِزْيَةِ وَقَبُولُهَا إِذَا بَذَلُوهَا وَلَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ الْجِزْيَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى قَبُولِ الْإِسْلَامِ سَوَاءٌ كَانَ فِي حَالِ الْقِتَالِ أَمْ في غيره وحسابه على الله تعالى معناه أَنَّا نَكُفُّ عَنْهُ فِي الظَّاهِرِ وَأَمَّا بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ كَانَ صَادِقًا مُؤْمِنًا بِقَلْبِهِ نَفَعَهُ ذَلِكَ فِي الْآخِرَةِ وَنَجَا مِنَ النَّارِ كَمَا نَفَعَهُ فِي الدُّنْيَا وَإِلَّا فَلَا يَنْفَعُهُ بَلْ يَكُونُ مُنَافِقًا مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَفِيهِ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِي صِحَّةِ الْإِسْلَامِ النُّطْقُ بِالشَّهَادَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ أَخْرَسَ أَوْ فِي مَعْنَاهُ كَفَتْهُ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِمَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ

[2406] (فَبَاتَ النَّاسُ يَدُوكُونَ لَيْلَتَهُمْ أَيُّهُمْ يُعْطَاهَا) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَالرِّوَايَاتِ يَدُوكُونَ بِضَمِّ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْوَاوِ أَيْ يَخُوضُونَ وَيَتَحَدَّثُونَ فِي ذَلِكَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يَذْكُرُونَ بِإِسْكَانِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالرَّاءِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) هِيَ الْإِبِلُ الْحُمْرُ وَهِيَ أَنْفَسُ أَمْوَالِ الْعَرَبِ يضربون بها المثل في نفاسة الشئ وَأَنَّهُ لَيْسَ هُنَاكَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُ أَنَّ تَشْبِيهَ أُمُورِ الْآخِرَةِ بِأَعْرَاضِ الدُّنْيَا إِنَّمَا هُوَ لِلتَّقْرِيبِ مِنَ الْأَفْهَامِ وَإِلَّا فَذَرَّةٌ مِنَ الْآخِرَةِ الْبَاقِيَةِ خَيْرٌ مِنَ الْأَرْضِ بِأَسْرِهَا وَأَمْثَالِهَا مَعَهَا لَوْ تُصُوِّرَتْ وَفِي هَذَا

(15/178)


الْحَدِيثِ بَيَانُ فَضِيلَةِ الْعِلْمِ وَالدُّعَاءُ إِلَى الْهُدَى وَسَنُّ السُّنَنِ الْحَسَنَةِ قَوْلُهُ

[2408] (مَاءٌ يُدْعَى خُمًّا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ) هُوَ بِضَمِّ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ وَهُوَ اسْمٌ لِغَيْضَةٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنَ الْحَسَنَةِ عِنْدَهَا غَدِيرٌ مَشْهُورٌ

(15/179)


يُضَافُ إِلَى الْغَيْضَةِ فَيُقَالُ غَدِيرُ خُمٍّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَنَا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ فَذَكَرَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ سُمِّيَا ثَقَلَيْنِ لِعِظَمِهِمَا وَكَبِيرِ شَأْنِهِمَا وَقِيلَ لِثِقَلِ الْعَمَلِ بِهِمَا قَوْلُهُ (وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ) هُوَ بِضَمِّ الْحَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَالْمُرَادُ بِالصَّدَقَةِ الزَّكَاةِ وَهِيَ حَرَامٌ عِنْدَنَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَبَنِي الْمُطَّلِبِ وَقَالَ مَالِكٌ بَنُو هَاشِمٍ فَقَطْ وَقِيلَ بَنُو قُصَيٍّ وَقِيلَ قُرَيْشٌ كُلُّهَا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقُلْنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ نِسَاؤُهُ قَالَ لَا هَذَا دَلِيلٌ لِإِبْطَالِ قَوْلِ مَنْ قَالَ هُمْ قُرَيْشٌ كُلُّهَا فَقَدْ كَانَ فِي نِسَائِهِ قُرَشِيَّاتٌ وَهُنَّ عَائِشَةُ وَحَفْصَةُ وَأُمُّ سَلَمَةَ وَسَوْدَةُ وَأُمُّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُنَّ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ قَالَ وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى فَقُلْنَا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ نِسَاؤُهُ قَالَ لا فهاتان الروايتان ظاهر هما التَّنَاقُضُ وَالْمَعْرُوفُ فِي مُعْظَمِ الرِّوَايَاتِ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ أَنَّهُ قَالَ نِسَاؤُهُ لَسْنَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ فَتُتَأَوَّلُ الرِّوَايَةُ الْأُولَى عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ انهن من اهل بيته الذين يساكنونه وَيَعُولُهُمْ وَأَمَرَ بِاحْتِرَامِهِمْ وَإِكْرَامِهِمْ وَسَمَّاهُمْ ثَقَلًا وَوَعَظَ فِي حُقُوقِهِمْ وَذَكَرَ فَنِسَاؤُهُ دَاخِلَاتٌ فِي هَذَا كُلِّهِ وَلَا يَدْخُلْنَ فِيمَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ وَقَدْ أَشَارَ إِلَى هَذَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى بِقَوْلِهِ نِسَاؤُهُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَلَكِنْ أَهْلُ بَيْتِهِ مَنْ حُرِمَ الصَّدَقَةَ

(15/180)


فَاتَّفَقَتِ الرِّوَايَتَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كتاب الله هُوَ حَبْلُ اللَّهِ) قِيلَ الْمُرَادُ بِحَبْلِ اللَّهِ عَهْدُهُ وَقِيلَ السَّبَبُ الْمُوَصِّلُ إِلَى رِضَاهُ وَرَحْمَتِهِ وَقِيلَ هُوَ نُورُهُ الَّذِي يَهْدِي بِهِ قَوْلُهُ (المرأة تكون

(15/181)


مَعَ الرَّجُلِ الْعَصْرَ مِنَ الدَّهْرِ) أَيِ الْقِطْعَةَ مِنْهُ قَوْلُهَا

[2409] (فَخَرَجَ وَلَمْ يَقِلْ عِنْدِي) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْقَافِ مِنَ الْقَيْلُولَةِ وَهِيَ النَّوْمُ نِصْفَ النَّهَارِ وَفِيهِ جَوَازُ النَّوْمِ فِي الْمَسْجِدِ وَاسْتِحْبَابُ مُلَاطَفَةِ الْغَضْبَانِ وَمُمَازَحَتِهِ وَالْمَشْيِ إِلَيْهِ لِاسْتِرْضَائِهِ

(بَاب فِي فَضْلِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)
قَوْلُهَا

[2410] (أَرِقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ أَيْ سَهِرَ وَلَمْ يَأْتِهِ نَوْمٌ وَالْأَرَقُ السَّهَرُ وَيُقَالُ أَرَّقَنِي الْأَمْرُ بِالتَّشْدِيدِ تَأْرِيقًا أَيْ أَسْهَرَنِي وَرَجُلٌ أَرِقٌ عَلَى وَزْنِ فَرِحٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَيْتَ رَجُلًا صَالِحًا يَحْرُسُنِي) فيه جواز

(15/182)


الِاحْتِرَاسِ مِنَ الْعَدُوِّ وَالْأَخْذِ بِالْحَزْمِ وَتَرْكِ الْإِهْمَالِ فِي مَوْضِعِ الْحَاجَةِ إِلَى الِاحْتِيَاطِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ قَبْلَ نُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى والله يعصمك من الناس لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَكَ الِاحْتِرَاسَ حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَأَمَرَ أَصْحَابَهُ بِالِانْصِرَافِ عَنْ حِرَاسَتِهِ وَقَدْ صَرَّحَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ الْأَوَّلَ كَانَ فِي أَوَّلِ قُدُومِهِ الْمَدِينَةَ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ ذَلِكَ بِأَزْمَانٍ قَوْلُهَا (حَتَّى سَمِعْتُ غَطِيطَهُ) هُوَ بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ صَوْتُ النَّائِمِ الْمُرْتَفِعِ قَوْلُهَا (سَمِعْنَا خَشْخَشَةَ سِلَاحٍ) أَيْ صَوْتَ سِلَاحٍ صَدَمَ بَعْضُهُ بَعْضًا قَوْلُهُ

[2411] (سَمِعْتُ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ مَا جَمَعَ رَسُولُ

(15/183)


اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ لِأَحَدٍ غَيْرِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ فَإِنَّهُ جَعَلَ يَقُولُ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي) وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ سَعْدٍ قَالَ

[2412] جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ يَوْمَ أُحُدٍ فَقَالَ ارْمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي فِيهِ جَوَازُ التَّفْدِيَةِ بِالْأَبَوَيْنِ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَكَرِهَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ فِي التَّفْدِيَةِ بِالْمُسْلِمِ مِنْ أَبَوَيْهِ وَالصَّحِيحُ الْجَوَازُ مُطْلَقًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقِيقَةُ فِدَاءٍ وَإِنَّمَا هُوَ كَلَامٌ وَأَلْطَافٌ وَإِعْلَامٌ بِمَحَبَّتِهِ لَهُ وَمَنْزِلَتِهِ وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ بِالتَّفْدِيَةِ مُطْلَقًا وَأَمَّا قَوْلُهُ مَا جَمَعَ أَبَوَيْهِ لِغَيْرِ سَعْدٍ وَذَكَرَ بَعْدُ أَنَّهُ جَمَعَهُمَا لِلزُّبَيْرِ وَقَدْ جَاءَ جَمْعُهُمَا لِغَيْرِهِمَا أَيْضًا فَيُحْمَلُ قَوْلُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى نَفْيِ عِلْمِ نَفْسِهِ أَيْ لَا أَعْلَمُهُ جَمَعَهُمَا إِلَّا لِسَعْدِ بْنِ ابي وقاص

(15/184)


وَهُوَ سَعْدُ بْنُ مَالِكٍ وَفِيهِ فَضِيلَةُ الرَّمْيِ وَالْحَثِّ عَلَيْهِ وَالدُّعَاءِ لِمَنْ فَعَلَ خَيْرًا قَوْلُهُ (كَانَ رَجُلٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَدْ أَحْرَقَ الْمُسْلِمِينَ) أَيْ أَثْخَنَ فِيهِمْ وَعَمِلَ فِيهِمْ نَحْوَ عَمَلِ النَّارِ قَوْلُهُ (فَنَزَعْتُ لَهُ بِسَهْمٍ لَيْسَ فِيهِ نَصْلٌ فَأَصَبْتُ جَنْبَهُ فَسَقَطَ وَانْكَشَفَتْ عَوْرَتُهُ فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى نَظَرْتُ إِلَى نَوَاجِذِهِ) فَقَوْلُهُ نَزَعْتُ لَهُ بِسَهْمٍ أَيْ رَمَيْتُهُ بِسَهْمٍ لَيْسَ فِيهِ زَجٌّ وَقَوْلُهُ فَأَصَبْتُ جَنْبَهُ بِالْجِيمِ وَالنُّونِ هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا حَبَّتُهُ بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ أَيْ حَبَّةُ قَلْبِهِ وَقَوْلُهُ فَضَحِكَ أَيْ فَرَحًا بِقَتْلِهِ عَدُوَّهُ لَا لِانْكِشَافِهِ وَقَوْلُهُ نَوَاجِذُهُ

(15/185)


بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ أَنْيَابُهُ وَقِيلَ أَضْرَاسُهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وبن بشار قالا حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ح وَحَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ حَدَّثَنَا وكيع ح وَحَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَإِسْحَاقُ الْحَنْظَلِيُّ عَنْ مُحَمَّدِ بن بشر عن مسعر ح وحدثنا بن أَبِي عُمَرَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مِسْعَرٍ كُلُّهُمْ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ وَأَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ وَغَيْرُهُمَا) هَكَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ قَالُوا وَأَسْقَطَ مِنْ رِوَايَتِهِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ بَيْنَ وَكِيعٍ وَمِسْعَرٍ لِأَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي شَيْبَةَ إِنَّمَا رَوَاهُ فِي مُسْنَدِهِ وَالْمَغَازِي وَغَيْرِهِ مَوْضِعٌ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مِسْعَرٍ وَادَّعَى بَعْضُهُمْ أَنَّ وَكِيعًا لَمْ يُدْرِكْ مسعرا وهذا خطأ ظاهر فقدذكر بن

(15/186)


أَبِي حَاتِمٍ وَغَيْرُهُ وَكِيعًا فِيمَنْ رَوَى عَنْ مِسْعَرٍ وَلِأَنَّ وَكِيعًا أَدْرَكَ نَحْوَ سِتٍّ وَعِشْرِينَ سَنَةً مِنْ حَيَاةِ مِسْعَرٍ مَعَ أَنَّهُمَا كُوفِيَّانِ قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا تُوُفِّيَ مِسْعَرٌ سَنَةَ خَمْسٍ وَخَمْسِينَ وَمِائَةٍ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ وُلِدَ وَكِيعٌ سَنَةَ تِسْعٍ وَعِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ وَكِيعٌ سَمِعَ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ مِسْعَرٍ وكون بن أَبِي شَيْبَةَ رَوَاهُ عَنْ وَكِيعٍ عَنِ الثَّوْرِيِّ عَنْ مِسْعَرٍ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ مَنْعُ سَمَاعِهِ مِنْ مِسْعَرٍ كَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي نَظَائِرِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ

[1748] (أَرَدْتُ أَنْ أُلْقِيَهُ فِي الْقَبَضِ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ الْمَوْضِعُ الَّذِي يُجْمَعُ فِيهِ الْغَنَائِمُ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُ أَكْثَرِ هَذَا الْحَدِيثِ مُفَرَّقًا وَالْحَشُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَضَمِّهَا الْبُسْتَانُ قَوْلُهُ (شَجَرُوا فَاهَا بِعَصًا ثم أوجروها) اي فتحوه ثم صبوا فيها الطعام وانما شَجَرُوهَا بِالْعَصَا لِئَلَّا تُطْبِقَهُ فَيَمْتَنِعَ وُصُولُ الطَّعَامِ جَوْفَهَا وَهَكَذَا صَوَابُهُ بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ وَالرَّاءِ وَهَكَذَا فِي جَمِيعِ النُّسَخِ قَالَ الْقَاضِي وَيُرْوَى شَحَوْا فَاهَا بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَحَذْفِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ أَيْ أَوْسَعُوهُ وَفَتَحُوهُ وَالشَّحْوُ التَّوْسِعَةُ وَدَابَّةٌ شَحْوٌ وَاسِعَةُ الْخَطْوِ وَيُقَالُ أَوْجَرَهُ وَوَجَرَهُ لُغَتَانِ الْأُولَى أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ قَوْلُهُ (ضَرَبَ أَنْفَهُ فَفَزَرَهُ) هُوَ بِزَايٍ ثُمَّ

(15/187)


رَاءٍ يَعْنِي شَقَّهُ وَكَانَ أَنْفُهُ مَفْزُورًا أَيْ مَشْقُوقًا قَوْلُهُ

[2414] (عَنْ أَبِي عُثْمَانَ قَالَ لَمْ يَبْقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ تِلْكَ الْأَيَّامِ إِلَى قَوْلِهِ غَيْرُ طَلْحَةَ وَسَعْدٍ عَنْ حَدِيثِهِمَا) مَعْنَاهُ وَهُمَا حدثاني بذلك والله اعلم

(باب من فضائل طلحة والزبير رضي الله عنهما)
قَوْلُهُ

[2415] (نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّاسَ فَانْتَدَبَ الزُّبَيْرَ) أَيْ دَعَاهُمْ لِلْجِهَادِ وَحَرَّضَهُمْ عَلَيْهِ فَأَجَابَهُ الزُّبَيْرُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيَّ الزُّبَيْرُ) قَالَ الْقَاضِي اخْتُلِفَ فِي ضَبْطِهِ فَضَبَطَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنَ الثَّانِي كَمُصْرِخِيَّ وَضَبَطَهُ أَكْثَرُهُمْ بِكَسْرِهَا

(15/188)


وَالْحَوَارِيُّ النَّاصِرُ وَقِيلَ الْخَاصَّةُ قَوْلُهُ

[2416] (عَنْ عَبْدِ الله بن الزبير قال كنت انا وعمرو بْنُ أَبِي سَلَمَةَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ مَعَ النِّسْوَةِ فِي أُطُمِ حَسَّانَ فَكَانَ يُطَأْطِئُ لِي مَرَّةً فَأَنْظُرُ إِلَى آخِرِهِ) الْأُطُمُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَالطَّاءِ الْحِصْنُ وَجَمْعُهُ آطَامٌ كَعُنُقٍ وَأَعْنَاقٍ قَالَ الْقَاضِي وَيُقَالُ فِي الْجَمْعِ أَيْضًا إِطَامٌ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ والقصر كآكام واكام وَقَوْلُهُ كَانَ يُطَأْطِئُ هُوَ بِهَمْزِ آخِرِهِ وَمَعْنَاهُ يَخْفِضُ لِي ظَهْرَهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ دَلِيلٌ لحصول ضبط الصبي وتمييزه وهو بن اربع سنين فان بن الزُّبَيْرِ وُلِدَ عَامَ الْهِجْرَةِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ الْخَنْدَقُ سَنَةَ أَرْبَعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ عَلَى الصَّحِيحِ فَيَكُونُ لَهُ فِي وَقْتِ ضَبْطِهِ لِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ دُونَ أَرْبَعِ سِنِينَ وَفِي هَذَا رَدٌّ عَلَى مَا قَالَهُ جُمْهُورُ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ سَمَاعُ الصَّبِيِّ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسَ سِنِينَ وَالصَّوَابُ صحته متى حصل التمييز وان كان بن أَرْبَعٍ أَوْ دُونَهَا وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ

(15/189)


لِابْنِ الزُّبَيْرِ لِجَوْدَةِ ضَبْطِهِ لِهَذِهِ الْقَضِيَّةِ مُفَصَّلَةً فِي هَذَا السِّنِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ

[2417] (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ عَلَى حِرَاءَ هُوَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعُثْمَانُ وَطَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ فَتَحَرَّكَتِ الصَّخْرَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اهدأ فما عليك إلا نبي اوصديق أَوْ شَهِيدٌ) هَكَذَا وَقَعَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بِتَقْدِيمِ عَلِيٍّ عَلَى عُثْمَانَ وَفِي بَعْضِهَا بِتَقْدِيمِ عُثْمَانَ عَلَى عَلِيٍّ كَمَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ بِاتِّفَاقِ النُّسَخِ وَقَوْلُهُ (اهْدَأْ) بِهَمْزِ آخِرِهِ اي اسكن وحراء بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبِالْمَدِّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ سَبَقَ بَيَانُهُ وَاضِحًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَأَنَّ الصَّحِيحَ أَنَّهُ مُذَكَّرٌ مَمْدُودٌ مَصْرُوفٌ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا إِخْبَارُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ شُهَدَاءُ وَمَاتُوا كُلُّهُمْ غَيْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ شُهَدَاءَ فَإِنَّ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا وَطَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قُتِلُوا ظُلْمًا شُهَدَاءَ فَقَتْلُ الثَّلَاثَةِ مَشْهُورٌ وَقُتِلَ الزُّبَيْرُ بِوَادِي السِّبَاعِ بِقُرْبِ الْبَصْرَةِ مُنْصَرِفًا تَارِكًا لِلْقِتَالِ وَكَذَلِكَ طَلْحَةُ اعْتَزَلَ النَّاسَ تَارِكًا لِلْقِتَالِ فَأَصَابَهُ سَهْمٌ فَقَتَلَهُ وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ مَنْ قُتِلَ ظُلْمًا فَهُوَ شَهِيدٌ وَالْمُرَادُ شُهَدَاءُ فِي أَحْكَامِ الْآخِرَةِ وَعَظِيمِ ثَوَابُ الشُّهَدَاءِ وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَيُغَسَّلُونَ وَيُصَلَّى عَلَيْهِمْ وَفِيهِ بَيَانُ فَضِيلَةِ هَؤُلَاءِ وَفِيهِ إِثْبَاتُ التَّمْيِيزِ فِي الْحِجَازِ وَجَوَازِ التَّزْكِيَةِ وَالثَّنَاءِ عَلَى الْإِنْسَانِ فِي وَجْهِهِ إِذَا لَمْ يُخَفْ عَلَيْهِ فِتْنَةٌ بِإِعْجَابٍ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا ذِكْرُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الشُّهَدَاءِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ فَقَالَ الْقَاضِي إِنَّمَا سُمِّيَ شَهِيدًا لِأَنَّهُ مشهود له بالجنة

(15/190)


(باب من فضائل أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2419] (إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا وَإِنَّ أَمِينَنَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ) قَالَ الْقَاضِي هُوَ بِالرَّفْعِ عَلَى النِّدَاءِ قَالَ وَالْإِعْرَابُ الْأَفْصَحُ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا عَلَى الِاخْتِصَاصِ حَكَى سِيبَوَيْهِ اللَّهُمَّ اغْفَرْ لَنَا أَيَّتُهَا الْعِصَابَةَ وَأَمَّا الْأَمِينُ فَهُوَ الثِّقَةُ الْمَرَضِيُّ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْأَمَانَةُ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ لَكِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَصَّ بَعْضَهُمْ بِصِفَاتٍ غَلَبَتْ عَلَيْهِمْ

(15/191)


وَكَانُوا بِهَا أَخَصَّ قَوْلُهُ

[2420] (فَاسْتَشْرَفَ لَهَا النَّاسُ) أَيْ تَطَلَّعُوا إِلَى الْوِلَايَةِ وَرَغِبُوا فِيهَا حِرْصًا عَلَى أَنْ يَكُونَ هُوَ الْأَمِينُ الْمَوْعُودُ فِي الْحَدِيثِ لَا حِرْصًا عَلَى الْوِلَايَةِ مِنْ حَيْثُ هي

(باب من فَضَائِلِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْحَسَنِ

[2421] (إِنِّي أُحِبُّهُ فَأَحِبَّهُ وَأَحْبِبْ مَنْ يُحِبَّهُ) فِيهِ حَثٌّ عَلَى حُبِّهِ وَبَيَانٌ لِفَضِيلَتِهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ (فِي طَائِفَةٍ مِنَ النَّهَارِ حَتَّى جَاءَ سُوقَ بَنِي قَيْنُقَاعَ ثُمَّ انْصَرَفَ حَتَّى أَتَى خِبَاءَ

(15/192)


فَاطِمَةَ فَقَالَ أَثِمَ لُكَعُ أَثِمَ لُكَعُ يَعْنِي حَسَنًا فَظَنَنَّا أَنَّهُ إِنَّمَا تَحْبِسُهُ أُمُّهُ لِأَنْ تُغَسِّلَهُ وَتُلْبِسَهُ سِخَابًا) أَمَّا قَوْلُهُ طَائِفَةٌ مِنَ النَّهَارِ فَالْمُرَادُ قِطْعَةٌ مِنْهُ وَقَيْنُقَاعُ بِضَمِّ النُّونِ وفتحها وكسرها سبق مرات ولكع المراد به هنا الصغير وخباء فَاطِمَةَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْمَدِّ أَيْ بَيْتُهَا والسخاب بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ جَمْعُهُ سُخُبٌ وَهُوَ قِلَادَةٌ مِنَ الْقَرَنْفُلِ وَالْمِسْكِ وَالْعُودِ وَنَحْوِهَا مِنْ أَخْلَاطِ الطِّيبِ يُعْمَلُ عَلَى هَيْئَةِ السُّبْحَةِ وَيُجْعَلُ قِلَادَةً لِلصِّبْيَانِ وَالْجَوَارِي وَقِيلَ هُوَ خَيْطٌ فِيهِ خَرَزٌ سُمِّيَ سِخَابًا لِصَوْتِ خَرَزِهِ عِنْدَ حَرَكَتِهِ مِنَ السَّخَبِ بِفَتْحِ السِّينِ وَالْخَاءِ يُقَالُ الصَّخَبُ بِالصَّادِ وَهُوَ اخْتِلَاطُ الْأَصْوَاتِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ إِلْبَاسِ الصِّبْيَانِ الْقَلَائِدَ وَالسَّخَبَ وَنَحْوَهَا من الزينة واستحباب تنظيفهم لا سيما عِنْدَ لِقَائِهِمْ أَهْلَ الْفَضْلِ وَاسْتِحْبَابُ النَّظَافَةِ مُطْلَقًا قَوْلُهُ (جَاءَ يَسْعَى حَتَّى اعْتَنَقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا صَاحِبَهُ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ مُلَاطَفَةِ الصَّبِيِّ وَمُدَاعَبَتِهِ رَحْمَةً لَهُ وَلُطْفًا وَاسْتِحْبَابُ التَّوَاضُعِ مَعَ الْأَطْفَالِ وَغَيْرِهِمْ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مُعَانَقَةِ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ الْقَادِمِ مِنْ سَفَرٍ فَكَرِهَهَا مَالِكٌ وَقَالَ هِيَ بِدْعَةٌ وَاسْتَحَبَّهَا سُفْيَانُ وَغَيْرُهُ وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ وَالْمُحَقِّقُونَ وَتَنَاظَرَ مَالِكٌ وَسُفْيَانُ فِي الْمَسْأَلَةِ فَاحْتَجَّ سُفْيَانُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ ذَلِكَ بِجَعْفَرٍ حِينَ قَدِمَ فَقَالَ مَالِكٌ هُوَ خَاصٌّ بِهِ فَقَالَ سُفْيَانُ مَا يَخُصُّهُ بِغَيْرِ دَلِيلٍ فَسَكَتَ مَالِكٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَسُكُوتُ مَالِكٍ دَلِيلٌ لِتَسْلِيمِهِ قَوْلَ سُفْيَانَ وَمُوَافَقَتِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ حَتَّى يَدُلَّ دَلِيلٌ للتخصيص قوله

(15/193)


[2422] (رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاضِعًا الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ عَلَى عَاتِقِهِ الْعَاتِقُ مَا بَيْنَ الْمَنْكِبِ وَالْعُنُقِ وَفِيهِ مُلَاطَفَةُ الصِّبْيَانِ وَرَحْمَتُهُمْ وَمُمَاسَّتُهُمْ وَأَنَّ رُطُوبَاتِ وَجْهِهِ وَنَحْوَهَا طَاهِرَةٌ حَتَّى تَتَحَقَّقَ نَجَاسَتُهَا وَلَمْ يُنْقَلْ عَنِ السَّلَفِ التَّحَفُّظُ مِنْهَا وَلَا يَخْلُونَ مِنْهَا غَالِبًا قَوْلُهُ

[2423] (لَقَدْ قُدْتُ بِنَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ بَغْلَتَهُ الشَّهْبَاءَ هَذَا قُدَّامُهُ وَهَذَا خَلْفُهُ) فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ رُكُوبِ ثَلَاثَةٍ على دابة اذا كانت مطيقة وهذا مَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ كَافَّةً وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بعضهم منع ذلك مطلقا وهو فاسد قَوْلُهُ

[2424] (وَعَلَيْهِ مِرْطٌ مُرَحَّلٌ) هُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّهُ وَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ كِتَابِ مُسْلِمٍ بِالْحَاءِ وَلِبَعْضِهِمْ بِالْجِيمِ وَالْمُرَحَّلُ بِالْحَاءِ هُوَ الموشي المنقوش عليه صور رجال الْإِبِلِ وَبِالْجِيمِ عَلَيْهِ صُوَرُ الْمَرَاجِلِ وَهِيَ الْقُدُورُ وَأَمَّا الْمِرْطُ فَبِكَسْرِ الْمِيمِ وَهُوَ كِسَاءٌ

(15/194)


جَمْعُهُ مُرُوطٌ وَسَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٍ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ البيت قيل هوالشك وَقِيلَ الْعَذَابُ وَقِيلَ الْإِثْمُ قَالَ الْأَزْهَرِيُّ الرِّجْسُ اسم لكل مستقذر من عمل

(باب من فضائل زيد بن حارثة وابنه أسامة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)
قَوْلُهُ

[2425] (مَا كُنَّا نَدْعُو زَيْدَ بْنَ حَارِثَةَ إِلَّا زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ حتى نزل في القرآن ادعوهم لآبائهم) قَالَ الْعُلَمَاءُ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَبَنَّى زَيْدًا وَدَعَاهُ ابْنَهُ وَكَانَتِ الْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ يَتَبَنَّى الرَّجُلُ مَوْلَاهُ أَوْ غَيْرَهُ فَيَكُونُ ابْنًا لَهُ يُوَارِثَهُ وَيَنْتَسِبُ إِلَيْهِ حَتَّى نَزَلَتِ الْآيَةُ فَرَجَعَ كُلُّ إِنْسَانٍ إِلَى نَسَبِهِ إِلَّا مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نَسَبٌ مَعْرُوفٌ فَيُضَافُ إِلَى مَوَالِيهِ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي

(15/195)


الدين ومواليكم قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2426] (وَإِنْ كَانَ لَخَلِيقًا لِلْإِمَارَةِ) أَيْ حَقِيقًا بِهَا فِيهِ جَوَازُ إِمَارَةِ الْعَتِيقِ وَجَوَازُ تَقْدِيمِهِ عَلَى الْعَرَبِ وَجَوَازُ تَوْلِيَةِ الصَّغِيرِ عَلَى الْكِبَارِ فَقَدْ كَانَ أُسَامَةُ صَغِيرًا جِدًّا تُوُفِّيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بن ثمان عَشْرَةَ سَنَةً وَقِيلَ عِشْرِينَ وَجَوَازُ تَوْلِيَةِ الْمَفْضُولِ عَلَى الْفَاضِلِ لِلْمَصْلَحَةِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَضَائِلُ ظَاهِرَةٌ لِزَيْدٍ وَلِأُسَامَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَيُقَالُ طَعَنَ فِي الْإِمْرَةِ وَالْعِرْضِ وَالنَّسَبِ وَنَحْوِهَا يَطْعَنُ بِالْفَتْحِ وَطَعَنَ بِالرُّمْحِ وَأُصْبُعِهُ وَغَيْرِهَا يَطْعُنُ بِالضَّمِّ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَقِيلَ لُغَتَانِ فِيهِمَا وَالْإِمْرَةُ بكسر الهمزة الولاية وكذلك الإمارة

(باب من فضائل عبد الله بن جعفر رضي الله عنهما)
قَوْلُهُ

[2427] (قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ لِابْنِ الزبير أتذكر إذتلقينا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّا وأنت وبن عباس فحملنا وتركك) معناه قال بن جَعْفَرٍ فَحَمَلَنَا وَتَرَكَكَ وَتُوَضِّحُهُ الرِّوَايَاتُ بَعْدَهُ وَقَدْ تَوَهَّمَ الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الْقَائِلَ فَحَمَلَنَا هُوَ بن الزُّبَيْرِ وَجَعَلَهُ خَلْطًا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَلَيْسَ كَمَا قَالَ بَلْ صَوَابُهُ

(15/196)


ما ذكرناه وأن القائل فحملنا وتركك بن جَعْفَرٍ قَوْلُهُ

[2428] (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا قَدَمَ مِنْ سَفَرٍ تُلُقِّيَ بِصِبْيَانِ أَهْلِ بَيْتِهِ) هَذِهِ سُنَّةٌ مُسْتَحَبَّةٌ أَنْ يَتَلَقَّى الصِّبْيَانُ الْمُسَافِرَ وَأَنْ يُرْكِبَهُمْ وَأَنْ يُرْدِفَهُمْ ويلاطفهم والله اعلم

(15/197)


(باب فضائل خديجة)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2430] (خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَأَشَارَ وَكِيعٌ إِلَى السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ) أَرَادَ وَكِيعٌ بِهَذِهِ الْإِشَارَةِ تَفْسِيرَ الضَّمِيرِ فِي نِسَائِهَا وَأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ جَمِيعُ نِسَاءِ الْأَرْضِ أَيْ كُلُّ مَنْ بَيْنِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا خَيْرُ نِسَاءِ الْأَرْضِ فِي عَصْرِهَا وَأَمَّا التَّفْضِيلُ بَيْنَهُمَا فَمَسْكُوتٌ عَنْهُ قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمَا مِنْ خَيْرِ نِسَاءِ الْأَرْضِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2431] (كَمُلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ غَيْرُ مَرْيَمَ بِنْتِ عِمْرَانَ وَآسِيَةَ امْرَأَةِ فِرْعَوْنَ) يُقَالُ كَمَلَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا ثَلَاثُ لُغَاتٍ مَشْهُورَاتٍ الْكَسْرُ ضَعِيفٌ قَالَ الْقَاضِي هَذَا الْحَدِيثُ يَسْتَدِلُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ بِنُبُوَّةِ النِّسَاءِ وَنُبُوَّةِ آسِيَةَ وَمَرْيَمَ وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُمَا لَيْسَتَا نَبِيَّتَيْنِ بَلْ هُمَا صِدِّيقَتَانِ وَوَلِيَّتَانِ مِنْ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَفْظَةُ الْكَمَالِ تُطْلَقُ عَلَى تَمَامِ الشئ وَتَنَاهِيهِ فِي بَابِهِ وَالْمُرَادُ هُنَا التَّنَاهِي فِي جَمِيعِ الْفَضَائِلِ وَخِصَالِ الْبِرِّ وَالتَّقْوَى قَالَ الْقَاضِي فَإِنْ قُلْنَا هُمَا نَبِيَّتَانِ

(15/198)


فَلَا شَكَّ أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يُلْحَقُ بِهِمَا وَإِنْ قُلْنَا وَلِيَّتَانِ لَمْ يَمْتَنِعْ أَنْ يُشَارِكَهُمَا مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ غَيْرُهُمَا هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الَّذِي نَقَلَهُ مِنَ الْقَوْلِ بِنُبُوَّتِهِمَا غَرِيبٌ ضَعِيفٌ وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى عَدَمِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الثَّرِيدَ من كل طعام أَفْضَلُ مِنَ الْمَرَقِ فَثَرِيدُ اللَّحْمِ أَفْضَلُ مِنْ مرقه بلا ثريد وثريد مالا لَحْمَ فِيهِ أَفْضَلُ مِنْ مَرَقِهِ وَالْمُرَادُ بِالْفَضِيلَةِ نَفْعُهُ وَالشِّبَعُ مِنْهُ وَسُهُولَةُ مَسَاغِهِ وَالِالْتِذَاذُ بِهِ وَتَيَسُّرُ تَنَاوُلِهِ وَتَمَكُّنُ الْإِنْسَانِ مِنْ أَخْذِ كِفَايَتِهِ مِنْهُ بِسُرْعَةٍ وَغَيْرُ ذَلِكَ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنَ الْمَرَقِ كُلِّهِ وَمِنْ سَائِرِ الْأَطْعِمَةِ وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ زَائِدٌ كَزِيَادَةِ فَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَطْعِمَةِ وَلَيْسَ فِي هَذَا تَصْرِيحٌ بِتَفْضِيلِهَا عَلَى مَرْيَمَ وَآسِيَةَ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْمُرَادَ تَفْضِيلُهَا عَلَى نِسَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ قَوْلُهُ

[2432] (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى جِبْرِيلُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَدْ أَتَتْكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَوْ طَعَامٌ أَوْ شَرَابٌ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ مِنْ رَبِّهَا وَمِنِّي وَبَشِّرْهَا بِبَيْتٍ فِي الْجَنَّةِ مِنْ قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ) هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ مَرَاسِيلِ الصَّحَابَةِ وَهُوَ حُجَّةٌ عِنْدَ الْجَمَاهِيرِ كَمَا سبق وخالف فيه الأستاذ أبو إسحاق

(15/199)


[2433]

[2434] الإسفرائيني لِأَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَمْ يُدْرِكْ أَيَّامَ خَدِيجَةَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ مِنْ صَحَابِيٍّ وَلَمْ يَذْكُرْ أَبُو هُرَيْرَةَ هُنَا سَمَاعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ أَوَّلًا قَدْ أَتَتْكَ مَعْنَاهُ تَوَجَّهَتْ إِلَيْكَ وَقَوْلُهُ فَإِذَا هِيَ أَتَتْكَ أَيْ وَصَلَتْكَ فَاقْرَأْ عَلَيْهَا السَّلَامَ أَيْ سَلِّمْ عَلَيْهَا وَهَذِهِ فَضَائِلُ ظَاهِرَةٌ لِخَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَقَوْلُهُ بِبَيْتٍ مِنْ قَصَبٍ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ الْمُرَادُ بِهِ قَصَبُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ كَالْقَصْرِ الْمُنِيفِ وَقِيلَ قَصَبٌ مِنْ ذَهَبٍ مَنْظُومٍ بِالْجَوْهَرِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْقَصَبُ مِنَ الْجَوْهَرِ مَا اسْتَطَالَ مِنْهُ فِي تَجْوِيفٍ قَالُوا وَيُقَالُ لِكُلِّ مُجَوَّفٍ قَصَبٌ وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مُفَسَّرًا بِبَيْتٍ مِنْ لُؤْلُؤَةٍ مُحَيَّاةٍ وَفَسَّرُوهُ بِمُجَوَّفَةٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ الْمُرَادُ بِالْبَيْتِ هُنَا الْقَصْرُ وَأَمَّا الصَّخَبُ فَبِفَتْحِ الصَّادِ وَالْخَاءِ وَهُوَ الصَّوْتُ الْمُخْتَلِطُ الْمُرْتَفِعُ وَالنَّصَبُ الْمَشَقَّةُ وَالتَّعَبُ وَيُقَالُ فِيهِ نُصْبٌ بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِ الصَّادِ وَبِفَتْحِهِمَا لُغَتَانِ حَكَاهُمَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ كَالْحَزَنِ وَالْحُزْنِ وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَأَفْصَحُ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَقَدْ نَصِبَ الرَّجُلُ بِفَتْحِ النُّونِ

(15/200)


وَكَسْرِ الصَّادِ إِذَا أَعْيَا قَوْلُهُ

[2435] (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ هَلَكَتْ خَدِيجَةُ قَبْلَ أَنْ يَتَزَوَّجَنِي بِثَلَاثِ سِنِينَ) تَعْنِي قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا لَا قَبْلَ الْعَقْدِ وَإِنَّمَا كَانَ قَبْلَ الْعَقْدِ بِنَحْوِ سَنَةٍ وَنِصْفٍ قَوْلُهُ (يُهْدِيهَا إِلَى خَلَائِلِهَا) أَيْ صدائقها جميع خَلِيلَةٍ وَهِيَ الصَّدِيقَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رُزِقْتُ حُبَّهَا) فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ حُبَّهَا فَضِيلَةٌ حَصَلَتْ

(15/201)


قَوْلُهَا

[2437] (فَارْتَاحَ لِذَلِكَ أَيْ هَشَّ لِمَجِيئِهَا وَسُرَّ بِهَا لِتَذَكُّرِهِ بِهَا خَدِيجَةَ وَأَيَّامَهَا وَفِي هَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ لِحُسْنِ الْعَهْدِ وَحِفْظِ الْوُدِّ وَرِعَايَةِ حُرْمَةِ الصَّاحِبِ وَالْعَشِيرِ فِي حَيَاتِهِ وَوَفَاتِهِ وَإِكْرَامِ أَهْلِ ذَلِكَ الصَّاحِبِ قَوْلُهَا (عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ) مَعْنَاهُ عَجُوزٌ كَبِيرَةٌ جِدًّا حَتَّى قَدْ سَقَطَتْ أَسْنَانُهَا مِنَ الْكِبَرِ وَلَمْ يبق لشدقها بياض شئ مِنَ الْأَسْنَانِ إِنَّمَا بَقِيَ فِيهِ حُمْرَةُ لَثَاتِهَا قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمِصْرِيُّ وَغَيْرُهُ مِنَ الْعُلَمَاءِ الغيرة مُسَامَحٌ لِلنِّسَاءِ فِيهَا لَا عُقُوبَةَ عَلَيْهِنَّ فِيهَا لِمَا جُبِلْنَ عَلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ وَلِهَذَا لَمْ تُزْجَرْ عَائِشَةُ عَنْهَا قَالَ الْقَاضِي وَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ جَرَى مِنْ عَائِشَةَ لِصِغَرِ سِنِّهَا وَأَوَّلِ شَبِيبَتِهَا وَلَعَلَّهَا لَمْ تَكُنْ بَلَغَتْ حِينَئِذٍ

(بَاب فضائل عائشة أم المؤمنين رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2438] (جَاءَنِي بِكِ الْمَلَكُ فِي سَرَقَةٍ مِنْ حَرِيرٍ) هِيَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَهِيَ الشُّقَقُ الْبِيضُ مِنَ الْحَرِيرِ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَأَقُولُ إِنْ يَكُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُمْضِهِ) قَالَ الْقَاضِي إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَا قَبْلَ النُّبُوَّةِ وَقَبْلَ تَخْلِيصِ أَحْلَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(15/202)


مِنَ الْأَضْغَاثِ فَمَعْنَاهَا إِنْ كَانَتْ رُؤْيَا حَقٍّ وإِنْ كَانَتْ بَعْدَ النُّبُوَّةِ فَلَهَا ثَلَاثَةُ مَعَانٍ أَحَدُهَا أَنَّ الْمُرَادَ إِنْ تَكُنِ الرُّؤْيَا عَلَى وَجْهِهَا وَظَاهِرِهَا لَا تَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَتَفْسِيرٍ فسيمضه اللَّهُ تَعَالَى وَيُنَجِّزُهُ فَالشَّكُّ عَائِدٌ إِلَى أَنَّهَا رُؤْيَا عَلَى ظَاهِرِهَا أَمْ تَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ وَصَرْفٍ عَلَى ظَاهِرِهَا الثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ إِنْ كَانَتْ هَذِهِ الزَّوْجَةُ فِي الدُّنْيَا يُمْضِهَا اللَّهُ فَالشَّكُّ أَنَّهَا زَوْجَتُهُ فِي الدُّنْيَا أَمْ فِي الْجَنَّةِ الثَّالِثُ أَنَّهُ لَمْ يَشُكَّ وَلَكِنْ أُخْبِرَ عَلَى التَّحْقِيقِ وَأَتَى بِصُورَةِ الشَّكِّ كَمَا قَالَ أَأَنْتِ أَمْ أُمُّ سَالِمٍ وَهُوَ نَوْعٌ مِنَ الْبَدِيعِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَاغَةِ يُسَمُّونَهُ تَجَاهُلُ الْعَارِفِ وَسَمَّاهُ بَعْضُهُمْ مَزْجَ الشَّكِّ بِالْيَقِينِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ

[2439] (إِنِّي لَأَعْلَمُ إِذَا كُنْتِ عَنِّي رَاضِيَةً وَإِذَا كُنْتِ عَلَيَّ غَضْبَى إِلَى قَوْلِهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ) قَالَ الْقَاضِي مُغَاضَبَةُ عَائِشَةَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هِيَ مِمَّا سَبَقَ مِنَ الْغَيْرَةِ الَّتِي عُفِيَ عَنْهَا لِلنِّسَاءِ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحْكَامِ كَمَا سَبَقَ لِعَدَمِ انْفِكَاكِهِنَّ مِنْهَا حَتَّى قَالَ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنْ عُلَمَاءِ الْمَدِينَةِ يَسْقُطُ عَنْهَا الْحَدُّ إِذَا قَذَفَتْ زَوْجَهَا بِالْفَاحِشَةِ عَلَى جِهَةِ الْغَيْرَةِ قَالَ وَاحْتَجَّ بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ مَا تَدْرِي الْغَيْرَاءُ أَعْلَى الْوَادِي مِنْ أَسْفَلِهِ وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ عَلَى عَائِشَةَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْحَرَجِ مَا فِيهِ لِأَنَّ الْغَضَبَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَجْرَهُ كَبِيرَةٌ عَظِيمَةٌ وَلِهَذَا قَالَتْ لَا أَهْجُرُ إِلَّا اسْمَكَ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَلْبَهَا وَحُبَّهَا كَمَا كَانَ وَإِنَّمَا الْغَيْرَةُ فِي النِّسَاءِ لِفَرْطِ الْمَحَبَّةِ قَالَ الْقَاضِي وَاسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِهَذَا أَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى فِي الْمَخْلُوقِينَ وَأَمَّا فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَالِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا كَلَامُ مَنْ لَا تَحْقِيقَ

(15/203)


عِنْدَهُ مِنْ مَعْنَى الْمَسْأَلَةِ لُغَةً وَلَا نَظَرًا وَلَا شَكَّ عِنْدَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الِاسْمَ هُوَ الْمُسَمَّى مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ وَجَمَاهِيرِ أَئِمَّةِ اللُّغَةِ أَوْ مُخَالِفِيهِمْ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّ الِاسْمَ قَدْ يَقَعُ أَحْيَانًا وَالْمُرَادُ بِهِ التَّسْمِيَةُ حَيْثُ كَانَ فِي خَالِقٍ أَوْ مَخْلُوقٍ فَفِي حَقِّ الْخَالِقِ تَسْمِيَةُ الْمَخْلُوقِ لَهُ بِاسْمِهِ وَفِعْلُ الْمَخْلُوقِ ذَلِكَ بِعِبَارَاتِهِ الْمَخْلُوقَةِ وَأَمَّا أَسْمَاؤُهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّتِي سَمَّى بِهَا نَفْسَهُ فَقَدِيمَةٌ كَمَا أَنَّ ذَاتَهُ وَصِفَاتَهُ قَدِيمَةٌ وَكَذَلِكَ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ لَفْظَةَ الِاسْمِ إِذَا تَكَلَّمَ بِهَا الْمَخْلُوقُ فَتِلْكَ اللَّفْظَةُ وَالْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ الْمُقَطَّعَةُ الْمُنْفَهِمُ مِنْهَا الِاسْمُ أَنَّهَا غَيْرُ الذَّاتِ بَلْ هِيَ التَّسْمِيَةُ وَإِنَّمَا الِاسْمُ الَّذِي هُوَ الذَّاتُ مَا يُفْهَمُ مِنْهُ مِنْ خَالِقٍ وَمَخْلُوقٍ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْقَاضِي قَوْلُهُ

[2440] (عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَتْ تَلْعَبُ بِالْبَنَاتِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قال الْقَاضِي فِيهِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِهِنَّ قَالَ وَهُنَّ مَخْصُوصَاتٌ مِنَ الصُّوَرِ الْمَنْهِيِّ عَنْهَا لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَدْرِيبِ النِّسَاءِ فِي صِغَرِهِنَّ لِأَمْرِ أَنْفُسِهِنَّ وَبُيُوتِهِنَّ وَأَوْلَادِهِنَّ قَالَ وَقَدْ أَجَازَ الْعُلَمَاءُ بَيْعَهُنَّ وَشِرَاءَهُنَّ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ كَرَاهَةُ شِرَائِهِنَّ وَهَذَا مَحْمُولٌ عَلَى كَرَاهَةِ الِاكْتِسَابِ بِهَا وتنزيه ذوي المروآت عَنْ تَوَلِّي بَيْعِ ذَلِكَ لَا كَرَاهَةِ اللَّعِبِ قَالَ وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ جَوَازُ اللَّعِبِ بِهِنَّ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ مَنْسُوخٌ بِالنَّهْيِ عَنِ الصُّوَرِ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي قَوْلُهَا (وَكَانَتْ تَأْتِينِي صَوَاحِبِي فَكُنَّ يَنْقَمِعْنَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكان يسر بهن إِلَيَّ) مَعْنَى يَنْقَمِعْنَ يَتَغَيَّبْنَ حَيَاءً مِنْهُ وَهَيْبَةً وَقَدْ يَدْخُلْنَ فِي بَيْتٍ وَنَحْوِهِ وَهُوَ قَرِيبٌ من الاول ويسر بهن بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ أَيْ يُرْسِلُهُنَّ وَهَذَا

(15/204)


مِنْ لُطْفِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِ قَوْلُهَا

[2442] (يَسْأَلْنَكَ الْعَدْلَ فِي ابْنَةِ أَبِي قُحَافَةَ) مَعْنَاهُ يَسْأَلْنَكَ التَّسْوِيَةَ بَيْنَهُنَّ فِي مَحَبَّةِ الْقَلْبِ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَوِّي بَيْنَهُنَّ فِي الْأَفْعَالِ وَالْمَبِيتِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا مَحَبَّةُ الْقَلْبِ فَكَانَ يُحِبُّ عَائِشَةَ أَكْثَرَ مِنْهُنَّ وَأَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَحَبَّتَهُنَّ لَا تَكْلِيفَ فِيهَا وَلَا يَلْزَمُهُ التَّسْوِيَةُ فِيهَا لِأَنَّهُ لَا قُدْرَةَ لِأَحَدٍ عَلَيْهَا إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَإِنَّمَا يُؤْمَرُ بِالْعَدْلِ فِي الْأَفْعَالِ وَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْعُلَمَاءِ فِي أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ كَانَ يَلْزَمُهُ الْقَسْمُ بَيْنَهُنَّ فِي الدَّوَامِ وَالْمُسَاوَاةِ فِي ذَلِكَ كَمَا يَلْزَمُ غَيْرُهُ أَمْ لَا يَلْزَمُهُ بَلْ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ مِنْ إِيثَارٍ وَحِرْمَانٍ فَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ طَلَبُ الْمُسَاوَاةِ فِي مَحَبَّةِ الْقَلْبِ لَا الْعَدْلِ فِي الْأَفْعَالِ فَإِنَّهُ كَانَ حَاصِلًا قَطْعًا وَلِهَذَا كَانَ يطاف به

(15/205)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَرَضِهِ عَلَيْهِنَّ حَتَّى ضَعُفَ فَاسْتَأْذَنَهُنَّ فِي أَنْ يُمَرَّضَ فِي بيت عائشة فأذن له قولها (يناشدنك) أَيْ يَسْأَلْنَكَ قَوْلُهَا (هِيَ الَّتِي تُسَامِينِي) أَيْ تُعَادِلُنِي وَتُضَاهِينِي فِي الْحَظْوَةِ وَالْمَنْزِلَةِ الرَّفِيعَةِ مَأْخُوذٌ مِنَ السُّمُوِّ وَهُوَ الِارْتِفَاعُ قَوْلُهَا (مَا عَدَا سورة من حد كَانَتْ فِيهَا تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ سَوْرَةً مِنْ حَدٍّ بِفَتْحِ الْحَاءِ بِلَا هَاءٍ وَفِي بَعْضِهَا مِنْ حِدَّةٍ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَبِالْهَاءِ وَقَوْلُهَا سَوْرَةً هِيَ بِسِينٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ وَاوٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ رَاءٍ ثُمَّ تَاءٍ وَالسَّوْرَةُ الثَّوَرَانُ وَعَجَلَةُ الْغَضَبِ وَأَمَّا الْحِدَّةُ فَهِيَ شِدَّةُ الْخُلُقِ وَثَوَرَانُهُ وَمَعْنَى الْكَلَامِ أَنَّهَا كَامِلَةُ الْأَوْصَافِ إِلَّا أَنَّ فِيهَا شِدَّةَ خُلُقٍ وَسُرْعَةَ غَضَبٍ تُسْرِعُ مِنْهَا الْفَيْئَةُ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَبِالْهَمْزِ وَهِيَ الرُّجُوعُ أَيْ إِذَا وَقَعَ ذَلِكَ مِنْهَا رَجَعَتْ عَنْهُ سَرِيعًا وَلَا تُصِرُّ عَلَيْهِ وَقَدْ صَحَّفَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَصْحِيفًا قَبِيحًا جِدًّا فَقَالَ مَا عَدَا سودة بالدال

(15/206)


وَجَعَلَهَا سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعَةَ وَهَذَا مِنَ الْغَلَطِ الْفَاحِشِ نَبَّهْتُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ قَوْلُهَا (ثُمَّ وَقَعَتْ بِي فَاسْتَطَالَتْ عَلَيَّ وَأَنَا أَرْقُبُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَرْقُبُ طَرْفَهُ هَلْ يَأْذَنُ لِي فِيهَا فَلَمْ تَبْرَحْ زَيْنَبُ حَتَّى عَرَفْتُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكْرَهُ أَنْ أَنْتَصِرَ فَلَمَّا وَقَعْتُ بِهَا لَمْ أَنْشَبْهَا حِينَ أَنْحَيْتُ عَلَيْهَا) أَمَّا أَنْحَيْتُ فَبِالنُّونِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ قَصَدْتُهَا وَاعْتَمَدْتُهَا بِالْمُعَارَضَةِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ حَتَّى بُدِّلَ حِينَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَرَجَّحَ الْقَاضِي حِينَ بِالنُّونِ وَمَعْنَى لَمْ أَنْشَبْهَا لَمْ أُمْهِلْهَا وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَمْ أَنْشَبْهَا أَنْ أَثْخَنْتُهَا عَلْيَهِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِالْيَاءِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ واثخنتها بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ قَمَعْتُهَا وَقَهَرْتُهَا وقولها أولا ثم وقعت بي أي استطالت عَلَيَّ وَنَالَتْ مِنِّي بِالْوَقِيعَةِ فِيَّ اعْلَمْ أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِعَائِشَةَ وَلَا أَشَارَ بعينه ولاغيرها بَلْ لَا يَحِلُّ اعْتِقَادُ ذَلِكَ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ وَإِنَّمَا فِيهِ أَنَّهَا انْتَصَرَتْ لِنَفْسِهَا فَلَمْ يَنْهَهَا وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهَا ابْنَةُ أَبِي بَكْرٍ فَمَعْنَاهُ الْإِشَارَةُ إِلَى كَمَالِ فَهْمِهَا وَحُسْنِ نَظَرِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(15/207)


قَوْلُهَا (قَبَضَهُ اللَّهُ بَيْنَ سَحْرِي وَنَحْرِي) السَّحْرُ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَهِيَ الرِّئَةُ وَمَا تَعَلَّقَ بِهَا قَالَ الْقَاضِي وَقِيلَ إِنَّمَا هُوَ شَجَرِي بِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَالْجِيمِ وَشَبَّكَ هَذَا الْقَائِلُ أَصَابِعَهُ وَأَوْمَأَ إِلَى أَنَّهَا ضَمَّتْهُ إِلَى نَحْرِهَا مُشَبِّكَةً يَدَيْهَا عَلَيْهِ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ هو الأول قوله

[2443] (فَلَمَّا كَانَ يَوْمِي قَبَضَهُ اللَّهُ) أَيْ يَوْمُهَا الْأَصِيلُ بِحِسَابِ الدَّوْرِ وَالْقَسْمِ وَإِلَّا فَقَدْ كَانَ صار جميع الأيام في بيتها قَوْلُهَا (وَأَخَذَتْهُ بُحَّةٌ) هِيَ بِضَمِّ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وتشديد الحاء وهي غلظ في الصوت قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2444] (اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَارْحَمْنِي وَأَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ) وَفِي رِوَايَةٍ الرَّفِيقِ الْأَعْلَى الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى الْأَنْبِيَاءُ السَّاكِنُونَ أَعْلَى عَلِيِّينَ وَلَفْظَةُ رَفِيقٍ تُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ وَالْجَمْعِ قَالَ اللَّهُ تعالى وحسن أولئك رفيقا وَقِيلَ هُوَ اللَّهُ تَعَالَى يُقَالُ اللَّهُ رَفِيقٌ بِعِبَادِهِ مِنَ الرِّفْقِ وَالرَّأْفَةِ فَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ وَأَنْكَرَ الْأَزْهَرِيُّ هَذَا الْقَوْلَ وَقِيلَ أَرَادَ مرتفق الجنة

(15/208)


قولها (فأشخص بصره إلى السماء) هوبفتح الْخَاءِ أَيْ رَفَعَهُ إِلَى السَّمَاءِ وَلَمْ يَطْرِفْ قَوْلُهَا

[2445] (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَرَجَ أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَطَارَتِ الْقُرْعَةُ عَلَى عَائِشَةَ وَحَفْصَةَ) أَيْ خَرَجَتِ الْقُرْعَةُ لَهُمَا فَفِيهِ صِحَّةُ الْإِقْرَاعِ فِي الْقَسْمِ بَيْنَ الزَّوْجَاتِ وَفِي الْأَمْوَالِ وَفِي الْعِتْقِ وَنَحْوِ

(15/209)


ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ مِمَّا فِي مَعْنَى هَذَا وَبِإِثْبَاتِ الْقُرْعَةِ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَفِيهِ أَنَّ مَنْ أَرَادَ سَفَرًا بِبَعْضِ نِسَائِهِ أَقْرَعَ بَيْنَهُنَّ كَذَلِكَ وَهَذَا الْإِقْرَاعُ عِنْدَنَا وَاجِبٌ فِي حَقِّ غَيْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَمَّا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفِي وُجُوبِ الْقَسْمِ فِي حَقِّهِ خِلَافٌ قَدَّمْنَاهُ مَرَّاتٍ فَمَنْ قَالَ بِوُجُوبِ الْقَسْمِ يَجْعَلُ إِقْرَاعَهُ وَاجِبًا وَمَنْ لَمْ يُوجِبْهُ يَقُولُ إِقْرَاعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ حُسْنِ عِشْرَتِهِ وَمَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ قَوْلُهَا (إِنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ لِعَائِشَةَ أَلَّا تَرْكَبِينَ اللَّيْلَةَ بَعِيرِي وَأَرْكَبُ بَعِيرَكِ) قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْمُهَلَّبُ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقَسْمَ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِهَذَا تَحَيَّلَتْ حَفْصَةُ عَلَى عَائِشَةَ بِمَا فَعَلَتْ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَحَرُمَ ذَلِكَ عَلَى حَفْصَةَ وَهَذَا الَّذِي ادَّعَاهُ لَيْسَ بِلَازِمٍ فَإِنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ الْقَسْمَ وَاجِبٌ عَلَيْهِ لَا يَمْنَعُ حَدِيثَ الْأُخْرَى فِي غَيْرِ وَقْتِ عِمَادِ الْقَسْمِ قَالَ أَصْحَابُنَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ فِي غَيْرِ وَقْتِ عِمَادِ الْقَسْمِ إِلَى غَيْرِ صَاحِبَةِ النَّوْبَةِ فَيَأْخُذُ الْمَتَاعَ أَوْ يَضَعُهُ أَوْ نَحْوَهُ مِنَ الْحَاجَاتِ وَلَهُ أَنْ يُقَبِّلَهَا وَيَلْمِسَهَا مِنْ غَيْرِ إِطَالَةٍ وَعِمَادُ الْقَسْمِ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ هُوَ وَقْتُ النُّزُولِ فَحَالَةُ السَّيْرِ لَيْسَتْ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا قَوْلُهَا (جَعَلَتْ رِجْلَهَا بَيْنَ الْإِذْخِرِ وَتَقُولُ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا الَّذِي فَعَلَتْهُ وَقَالَتْهُ حَمَلَهَا عَلَيْهِ فَرْطُ الْغَيْرَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ سَبَقَ أَنَّ أَمْرَ الْغَيْرَةِ مَعْفُوٌّ عَنْهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(15/210)


لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا

[2447] (إِنَّ جِبْرِيلَ يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ قَالَتْ فَقُلْتُ وَعَلَيْهِ السَّلَامُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ) فِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ بَعْثِ السَّلَامِ وَيَجِبُ عَلَى الرَّسُولِ تَبْلِيغُهُ وَفِيهِ بَعْثُ الْأَجْنَبِيِّ السَّلَامَ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ الصَّالِحَةِ إِذَا لَمْ يُخَفْ تَرَتُّبُ مَفْسَدَةٍ وَأَنَّ الَّذِي يَبْلُغُهُ السَّلَامُ يَرُدُّ عَلَيْهِ قَالَ أَصْحَابُنَا وَهَذَا الرَّدُّ وَاجِبٌ عَلَى الْفَوْرِ وَكَذَا لَوْ بَلَغَهُ سَلَامٌ فِي وَرَقَةٍ مِنْ غَائِبٍ لَزِمَهُ أَنْ يَرُدَّ السَّلَامَ عَلَيْهِ بِاللَّفْظِ عَلَى الْفَوْرِ إِذَا قَرَأَهُ وَفِيهِ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِي الرَّدِّ أَنْ يَقُولَ وَعَلَيْكَ أَوْ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ بِالْوَاوِ فَلَوْ قَالَ عَلَيْكُمُ السَّلَامُ أَوْ عَلَيْكُمْ أَجْزَأَهُ عَلَى الصَّحِيحِ وَكَانَ تَارِكًا لِلْأَفْضَلِ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا يُجْزِئُهُ وَسَبَقَتْ مَسَائِلُ السَّلَامِ فِي بَابِهِ مُسْتَوْفَاةً وَمَعْنَى يَقْرَأُ عَلَيْكِ السَّلَامَ

(15/211)


يُسَلِّمُ عَلَيْكِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَا عَائِشُ) دَلِيلٌ لِجَوَازِ التَّرْخِيمِ وَيَجُوزُ فَتْحُ الشين وضمها حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ قَوْلُهُ

[2448] (أَحْمَدُ بْنُ جَنَابٍ) بِالْجِيمِ وَالنُّونِ قَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ فِي كِتَابِهِ الْمُبْهَمَاتِ لَا أَعْلَمُ أَحَدًا سَمَّى النِّسْوَةَ الْمَذْكُورَاتِ فِي حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ إِلَّا مِنَ الطَّرِيقِ الَّذِي أَذْكُرُهُ وَهُوَ غَرِيبٌ جِدًّا فَذَكَرَهُ وَفِيهِ أَنَّ الثَّانِيَةَ اسْمُهَا عَمْرَةُ بِنْتُ عَمْرٍو وَاسْمُ الثَّالِثَةِ حنى بِنْتُ نعب وَالرَّابِعَةُ مهدد بِنْتُ أَبِي مرزمة وَالْخَامِسَةُ كَبْشَةُ وَالسَّادِسَةُ هِنْدٌ وَالسَّابِعَةُ حنى بِنْتُ عَلْقَمَةَ وَالثَّامِنَةُ بِنْتُ أَوْسِ بْنِ عَبْدٍ وَالْعَاشِرَةُ كَبْشَةُ بِنْتُ الأرقم والحادية عشر أَمُّ زَرْعٍ بِنْتُ أَكْهَلَ بْنِ سَاعِدٍ قَوْلُهَا (جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا جَلَسْنَ بِزِيَادَةِ نُونِ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي مَوَاضِعَ مِنْهَا حَدِيثُ يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ وَإِحْدَى عَشْرَةَ وَتِسْعَ عَشْرَةَ وَمَا بَيْنَهُمَا يَجُوزُ فِيهِ إِسْكَانُ الشِّينِ وَكَسْرُهَا وَفَتْحُهَا وَالْإِسْكَانُ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ قَوْلُهَا (زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلُ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَسَائِرُ أَهْلِ الْغَرِيبِ وَالشُّرَّاحُ

(15/212)


الْمُرَادُ بِالْغَثِّ الْمَهْزُولُ وَقَوْلُهَا عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ وَعْرٍ أَيْ صَعْبُ الْوُصُولِ إِلَيْهِ فَالْمَعْنَى أَنَّهُ قَلِيلُ الْخَيْرِ مِنْ أَوْجُهٍ مِنْهَا كَوْنُهُ كَلَحْمٍ الجمل لَا كَلَحْمِ الضَّأْنِ وَمِنْهَا أَنَّهُ مَعَ ذَلِكَ غث مهزول ردئ وَمِنْهَا أَنَّهُ صَعْبُ التَّنَاوُلِ لَا يُوصَلُ إِلَيْهِ إِلَّا بِمَشَقَّةٍ شَدِيدَةٍ هَكَذَا فَسَّرَهُ الْجُمْهُورُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ قَوْلُهَا عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ أَيْ يَتَرَفَّعُ وَيَتَكَبَّرُ وَيَسْمُو بِنَفْسِهِ فَوْقَ مَوْضِعِهَا كَثِيرًا أَيْ أَنَّهُ يَجْمَعُ إِلَى قِلَّةِ خَيْرِهِ تَكَبُّرَهُ وَسُوءَ الْخُلُقِ قَالُوا وَقَوْلُهَا وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلُ أَيْ تَنْقُلُهُ النَّاسُ إِلَى بُيُوتِهِمْ لِيَأْكُلُوهُ بَلْ يَتْرُكُوهُ رَغْبَةً عَنْهُ لِرَدَاءَتِهِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَيْسَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ يُحْتَمَلُ سُوءُ عِشْرَتِهِ بِسَبَبِهَا يُقَالُ أَنَقَلْتُ الشئ بِمَعْنَى نَقَلْتُهُ وَرُوِيَ فِي غَيْرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَى أَيْ يُسْتَخْرَجُ نِقْيُهُ وَالنِّقْيُ بِكَسْرِ النُّونِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ هُوَ الْمُخُّ يُقَالُ نَقَوْتُ الْعَظْمَ وَنَقَّيْتُهُ وَانْتَقَيْتُهُ إِذَا اسْتَخْرَجْتَ نِقْيَهُ قَوْلُهَا (قَالَتِ الثَّانِيَةُ زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ إني أخاف أن لا أذره أن أذكره أذكر عجره بجره) فقولها لاأبث خَبَرَهُ أَيْ لَا أَنْشُرُهُ وَأُشِيعُهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ فِيهِ تَأْوِيلَانِ أَحَدُهُمَا لِابْنِ السِّكِّيتِ وَغَيْرِهِ أَنَّ الْهَاءَ عَائِدَةٌ عَلَى خَبَرِهِ فَالْمَعْنَى أَنَّ خَبَرَهُ طَوِيلٌ إِنْ شَرَعْتُ فِي تَفْصِيلِهِ لَا أَقْدِرُ عَلَى إِتْمَامِهِ لِكَثْرَتِهِ وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْهَاءَ عَائِدَةٌ عَلَى الزَّوْجِ وَتَكُونُ لَا زَائِدَةً كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مَا مَنَعَكَ أن لا تسجد وَمَعْنَاهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُطَلِّقَنِي فَأَذَرَهُ وَأَمَّا عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ فَالْمُرَادُ بِهِمَا عُيُوبُهُ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ أَرَادَتْ بِهِمَا عُيُوبَهُ الْبَاطِنَةَ وَأَسْرَارَهُ الْكَامِنَةَ قالوا وأصل العجر أن يتعقد الْعَصَبُ أَوِ الْعُرُوقُ حَتَّى تَرَاهَا نَاتِئَةً مِنَ الْجَسَدِ وَالْبُجَرُ نَحْوُهَا إِلَّا أَنَّهَا فِي الْبَطْنِ خَاصَّةً وَاحِدَتُهَا بُجْرَةٌ وَمِنْهُ قِيلَ رَجُلٌ أَبْجَرُ إِذَا كَانَ نَاتِئَ السُّرَّةِ عَظِيمَهَا وَيُقَالُ أَيْضًا رَجُلٌ أبْجَرُ إِذَا كَانَ عَظِيمَ الْبَطْنِ وَامْرَأَةٌ بجراء والجمع بجر وقال الهروي قال بن الْأَعْرَابِيِّ الْعُجْرَةُ نَفْخَةٌ فِي الظَّهْرِ فَإِنْ كَانَتْ فِي السُّرَّةِ فَهِيَ بُجْرَةٌ قَوْلُهَا (قَالَتِ الثَّالِثَةُ زَوْجِي الْعَشَنَّقُ إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ) فَالْعَشَنَّقُ بِعَيْنٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ شِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ مُشَدَّدَةٍ ثُمَّ قَافٍ وَهُوَ الطَّوِيلُ وَمَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ طُولٍ بِلَا نَفْعٍ فَإِنْ ذَكَرْتُ عُيُوبَهُ طَلَّقَنِي وَإِنْ سَكَتُّ عَنْهَا عَلَّقَنِي فَتَرَكَنِي لَا عَزْبَاءَ ولا مزوجة

(15/213)


(قَالَتِ الرَّابِعَةُ زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لَا حَرَّ وَلَا قَرَّ وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ) هَذَا مَدْحٌ بَلِيغٌ وَمَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهِ أَذًى بَلْ هُوَ رَاحَةٌ وَلَذَاذَةُ عَيْشٍ كَلَيْلِ تِهَامَةَ لَذِيذٌ مُعْتَدِلٌ لَيْسَ فِيهِ حَرٌّ وَلَا بَرْدٌ مُفْرِطٌ وَلَا أَخَافُ لَهُ غَائِلَةً لِكَرْمِ أَخْلَاقِهِ وَلَا يَسْأَمُنِي وَيَمَلُّ صُحْبَتِي (قَالَتِ الْخَامِسَةُ زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ) هَذَا أَيْضًا مَدْحٌ بَلِيغٌ فَقَوْلُهَا فَهِدَ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ تَصِفُهُ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ بِكَثْرَةِ النَّوْمِ وَالْغَفْلَةِ فِي مَنْزِلِهِ عَنْ تَعَهُّدِ مَا ذَهَبَ مِنْ مَتَاعِهِ وَمَا بَقِيَ وَشَبَّهَتْهُ بِالْفَهْدِ لِكَثْرَةِ نَوْمِهِ يُقَالُ أَنْوَمُ مِنْ فَهْدٍ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلُهَا وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ أَيْ لَا يَسْأَلُ عَمَّا كَانَ عَهِدَهُ فِي الْبَيْتِ مِنْ مَالِهِ وَمَتَاعِهِ وَإِذَا خَرَجَ أَسِدَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ السِّينِ وَهُوَ وَصْفٌ لَهُ بِالشَّجَاعَةِ وَمَعْنَاهُ إِذَا صَارَ بَيْنَ النَّاسِ أَوْ خَالَطَ الْحَرْبَ كَانَ كَالْأَسَدِ يُقَالُ أسد واستأسد قال القاضي وقال بن أَبِي أُوَيْسٍ مَعْنَى فَهِدَ إِذَا دَخَلَ الْبَيْتَ وَثَبَ عَلَيَّ وُثُوبَ الْفَهِدِ فَكَأَنَّهَا تُرِيدُ ضَرْبَهَا وَالْمُبَادَرَةَ بِجِمَاعِهَا وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ التَّفْسِيرُ الْأَوَّلُ (قَالَتِ السَّادِسَةُ زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ) قَالَ الْعُلَمَاءُ اللَّفُّ فِي الطَّعَامِ الْإِكْثَارُ مِنْهُ مَعَ التَّخْلِيطِ مِنْ صُنُوفِهِ حَتَّى لا يبقى منها شيئا وَالِاشْتِفَافُ فِي الشُّرْبِ أَنْ يَسْتَوْعِبَ جَمِيعَ مَا فِي الْإِنَاءِ مَأْخُوذٌ مِنَ الشُّفَافَةِ بِضَمِّ الشِّينِ وَهِيَ مَا بَقِيَ فِي الْإِنَاءِ مِنَ الشَّرَابِ فَإِذَا شَرِبَهَا قِيلَ اشْتَفَّهَا وَتَشَافَهَا وَقَوْلُهَا وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ أَحْسِبُهُ كَانَ بِجَسَدِهَا عَيْبٌ أَوْ دَاءٌ كَنَّتْ بِهِ لِأَنَّ الْبَثَّ الْحُزْنُ فَكَانَ لَا يُدْخِلُ يَدِهِ فِي ثَوْبِهَا لِيَمَسَّ ذَلِكَ فَيَشُقَّ عَلَيْهَا فَوَصَفَتْهُ بِالْمُرُوءَةِ وَكَرَمِ الْخُلُقِ وَقَالَ الْهَرَوِيُّ قَالَ بن الْأَعْرَابِيِّ هَذَا ذَمٌّ لَهُ أَرَادَتْ وَإِنِ اضْطَجَعَ وَرَقَدَ الْتَفَّ فِي ثِيَابِهِ فِي نَاحِيَةٍ وَلَمْ يُضَاجِعْنِي لِيَعْلَمَ مَا عِنْدِي مِنْ مَحَبَّتِهِ قَالَ وَلَا بَثَّ هُنَاكَ إِلَّا مَحَبَّتَهَا الدُّنُوَّ مِنْ زَوْجِهَا وَقَالَ آخَرُونَ أَرَادَتْ أَنَّهُ لَا يَفْتَقِدُ أموري ومصالحي قال بن الأنباري رد بن قتيبة على أبي عبيدة تَأْوِيلَهُ لِهَذَا الْحَرْفِ وَقَالَ كَيْفَ تَمْدَحُهُ بِهَذَا وقد ذمته في صدر الكلام قال بن الأنباري ولا رد على أبي عبيد

(15/214)


الأن النسوة تعاقدن أن لا يَكْتُمْنَ شَيْئًا مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ فَمِنْهُنَّ مَنْ كَانَتْ أَوْصَافُ زَوْجِهَا كُلُّهَا حَسَنَةً فَوَصَفَتْهَا وَمِنْهُنَّ مَنْ كَانَتْ أَوْصَافُ زَوْجِهَا قَبِيحَةً فَذَكَرَتْهَا وَمِنْهُنَّ مَنْ كَانَتْ أَوْصَافُهُ فِيهَا حَسَنٌ وَقَبِيحٌ فَذَكَرَتْهُمَا والى قول بن الأعرابي وبن قُتَيْبَةَ ذَهَبَ الْخَطَّابِيُّ وَغَيْرُهُ وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ (قَالَتِ السَّابِعَةُ زَوْجِي غَيَايَاءُ أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ كل داء له داء شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ غَيَايَاءُ بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ عَيَايَاءُ بِالْمُهْمَلَةِ وَفِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ بِالْمُعْجَمَةِ وَأَنْكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ الْمُعْجَمَةَ وَقَالُوا الصَّوَابُ الْمُهْمَلَةُ وَهُوَ الَّذِي لَا يُلْقِحُ وَقِيلَ هُوَ الْعِنِّينُ الَّذِي تَعِييهِ مُبَاضَعَةُ النِّسَاءِ وَيَعْجِزُ عَنْهَا وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ غَيَايَاءُ بِالْمُعْجَمَةِ صَحِيحٌ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْغَيَايَةِ وَهِيَ الظُّلْمَةُ وَكُلُّ مَا أَظَلَّ الشَّخْصَ وَمَعْنَاهُ لَا يَهْتَدِي إِلَى سَلْكٍ أَوْ أَنَّهَا وَصَفَتْهُ بِثِقَلِ الرُّوحِ وَأَنَّهُ كَالظِّلِّ الْمُتَكَاثِفِ الْمُظْلِمِ الَّذِي لَا إِشْرَاقَ فِيهِ أَوْ أَنَّهَا أَرَادَتْ أَنَّهُ غُطِّيَتْ عَلَيْهِ أُمُورُهُ أَوْ يَكُونُ غَيَايَاءُ مِنْ الْغَيِّ وَهُوَ الِانْهِمَاكُ فِي الشَّرِّ أَوْ مِنَ الْغَيِّ الَّذِي هُوَ الْخَيْبَةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا وَأَمَّا طَبَاقَاءُ فَمَعْنَاهُ الْمُطْبَقَةُ عَلَيْهِ أُمُورُهُ حُمْقًا وَقِيلَ الَّذِي يَعْجِزُ عَنِ الْكَلَامِ فَتَنْطَبِقُ شَفَتَاهُ وَقِيلَ هُوَ الْعِيُّ الْأَحْمَقُ الْفَدْمُ وَقَوْلُهَا شَجَّكِ أَيْ جَرَحَكِ فِي الرَّأْسِ فَالشِّجَاجُ جِرَاحَاتُ الرَّأْسِ وَالْجِرَاحُ فِيهِ وَفِي الْجَسَدِ وَقَوْلُهَا فَلَّكِ الْفَلُّ الْكَسْرُ وَالضَّرْبُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا مَعَهُ بَيْنَ شَجِّ رَأْسٍ وَضَرْبٍ وَكَسْرِ عُضْوٍ أَوْ جَمْعٍ بَيْنَهُمَا وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالْفَلِّ هُنَا الْخُصُومَةُ وَقَوْلُهَا كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ أَيْ جَمِيعُ أَدْوَاءِ النَّاسِ مُجْتَمِعَةٌ فِيهِ (قَالَتِ الثَّامِنَةُ زَوْجِي الرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ وَالْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ) الزَّرْنَبُ نَوْعٌ مِنَ الطِّيبِ مَعْرُوفٌ قِيلَ أَرَادَتْ طِيبَ رِيحِ جَسَدِهِ وَقِيلَ طِيبُ ثِيَابِهِ فِي النَّاسِ وَقِيلَ لِينُ خُلُقِهِ وَحُسْنُ عِشْرَتِهِ وَالْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ صَرِيحٌ فِي لِينِ الْجَانِبِ وَكَرَمِ الْخُلُقِ (قَالَتِ التَّاسِعَةُ زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ طَوِيلُ النِّجَادِ عَظِيمُ الرَّمَادِ قريب البيت من النادي) هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ النَّادِي بِالْيَاءِ وَهُوَ الْفَصِيحُ فِي الْعَرَبِيَّةِ لَكِنَّ الْمَشْهُورَ فِي الرِّوَايَةِ حَذْفُهَا لِيَتِمَّ السَّجْعُ قَالَ

(15/215)


الْعُلَمَاءُ مَعْنَى رَفِيعِ الْعِمَادِ وَصْفُهُ بِالشَّرَفِ وَسَنَاءِ الذِّكْرِ وَأَصْلُ الْعِمَادِ عِمَادُ الْبَيْتِ وَجَمْعُهُ عُمُدٌ وَهِيَ الْعِيدَانُ الَّتِي تُعْمَدُ بِهَا الْبُيُوتُ أَيْ بَيْتُهُ فِي الْحَسَبِ رَفِيعٌ فِي قَوْمِهِ وَقِيلَ إِنَّ بَيْتَهُ الَّذِي يَسْكُنُهُ رَفِيعُ الْعِمَادِ لِيَرَاهُ الضِّيفَانُ وَأَصْحَابُ الْحَوَائِجِ فَيَقْصِدُوهُ وَهَكَذَا بُيُوتُ الْأَجْوَادِ وَقَوْلُهَا طَوِيلُ النِّجَادِ بِكَسْرِ النُّونِ تَصِفُهُ بِطُولِ الْقَامَةِ وَالنِّجَادُ حَمَائِلُ السَّيْفِ فَالطَّوِيلُ يَحْتَاجُ إِلَى طُولِ حَمَائِلِ سَيْفِهِ وَالْعَرَبُ تَمْدَحُ بِذَلِكَ قَوْلُهَا عَظِيمُ الرَّمَادِ تَصِفُهُ بِالْجُودِ وَكَثْرَةِ الضِّيَافَةِ مِنَ اللُّحُومِ وَالْخُبْزِ فَيَكْثُرُ وَقُودُهُ فَيَكْثُرُ رَمَادُهُ وَقِيلَ لِأَنَّ نَارَهُ لَا تُطْفَأُ بِاللَّيْلِ لِتَهْتَدِيَ بِهَا الضِّيفَانُ وَالْأَجْوَادُ يُعَظِّمُونَ النِّيرَانَ فِي ظَلَامِ اللَّيْلِ وَيُوقِدُونَهَا عَلَى التِّلَالِ وَمَشَارِفِ الْأَرْضِ وَيَرْفَعُونَ الْأَقْبَاسَ عَلَى الْأَيْدِي لِتَهْتَدِيَ بِهَا الضِّيفَانُ وَقَوْلُهَا قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِي قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ النَّادِي وَالنَّادِ وَالنَّدَى وَالْمُنْتَدَى مَجْلِسُ الْقَوْمِ وَصَفَتْهُ بِالْكَرَمِ وَالسُّؤْدُدِ لِأَنَّهُ لَا يُقَرِّبُ الْبَيْتَ مِنَ النَّادِي إِلَّا مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لِأَنَّ الضِّيفَانَ يَقْصِدُونَ النَّادِي وَلِأَنَّ أَصْحَابَ النَّادِي يَأْخُذُونَ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ فِي مَجْلِسِهِمْ مِنْ بَيْتٍ قَرِيبِ النَّادِي وَاللِّئَامُ يَتَبَاعَدُونَ مِنَ النَّادِي (قَالَتِ الْعَاشِرَةُ زَوْجِي مَالِكٌ فَمَا مَالِكٌ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكٌ) مَعْنَاهُ أن له إبلا كثيرات فَهِيَ بَارِكَةٌ بِفِنَائِهِ لَا يُوَجِّهُهَا تَسْرَحُ إِلَّا قَلِيلًا قَدْرَ الضَّرُورَةِ وَمُعْظَمُ أَوْقَاتِهَا تَكُونُ بَارِكَةً بِفِنَائِهِ فَإِذَا نَزَلَ بِهِ الضِّيفَانُ كَانَتِ الْإِبِلُ حَاضِرَةً فَيُقْرِيهِمْ مِنْ أَلْبَانِهَا وَلُحُومِهَا وَالْمِزْهَرُ بِكَسْرِ الْمِيمِ الْعُودُ الَّذِي يَضْرِبُ أَرَادَتْ أَنَّ زَوْجَهَا عَوَّدَ إِبِلَهُ إِذَا نَزَلَ بِهِ الضِّيفَانُ نَحَرَ لَهُمْ مِنْهَا وَأَتَاهُمْ بِالْعِيدَانِ وَالْمَعَازِفِ وَالشَّرَابِ فَإِذَا سَمِعَتِ الْإِبِلُ صَوْتَ الْمِزْهَرِ عَلِمْنَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَهُ الضِّيفَانُ وَأَنَّهُنَّ مَنْحُورَاتٌ هَوَالِكُ هَذَا تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدٍ وَالْجُمْهُورِ وَقِيلَ مَبَارِكُهَا كَثِيرَةٌ لِكَثْرَةِ مَا يُنْحَرُ مِنْهَا لِلْأَضْيَافِ قَالَ هَؤُلَاءِ وَلَوْ كَانَتْ كَمَا قَالَ الْأَوَّلُونَ لَمَاتَتْ هُزَالًا وَهَذَا لَيْسَ بِلَازِمٍ فَإِنَّهَا تَسْرَحُ وَقْتًا تَأْخُذُ فِيهِ حَاجَتَهَا ثُمَّ تَبْرُكُ بِالْفِنَاءِ وَقِيلَ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ أَيْ مَبَارِكُهَا فِي الْحُقُوقِ وَالْعَطَايَا وَالْحِمَالَاتِ وَالضِّيفَانِ كثيرة ومراعيها قلية لأنها

(15/216)


تصرف في هذه الوجوه قاله بن السِّكِّيتِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ النَّيْسَابُورِيُّ إِنَّمَا هُوَ إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمُزْهِرِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَهُوَ مُوقِدُ النَّارِ لِلْأَضْيَافِ قَالَ وَلَمْ تَكُنِ الْعَرَبُ تَعْرِفُ الْمِزْهَرَ بِكَسْرِ الْمِيمِ الَّذِي هُوَ الْعُودُ إِلَّا مَنْ خَالَطَ الْحَضَرَ قَالَ الْقَاضِي وَهَذَا خَطَأٌ مِنْهُ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَلِأَنَّ الْمِزْهَرَ بِكَسْرِ الْمِيمِ مَشْهُورٌ فِي أَشْعَارِ الْعَرَبِ وَلِأَنَّهُ لَا يَسْلَمُ لَهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةَ مِنْ غَيْرِ الْحَاضِرَةِ فَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُنَّ مِنْ قَرْيَةٍ مِنْ قُرَى الْيُمْنِ قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْحَادِي عَشْرَةَ وَفِي بَعْضِهَا الْحَادِيَةَ عَشْرَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ قَوْلُهَا (أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ هُوَ) هُوَ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ مِنْ أُذُنَيَّ عَلَى التَّثْنِيَةِ وَالْحُلِيُّ بِضَمِّ الْحَاءِ وَكَسْرِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ وَالنَّوْسُ بِالنُّونِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ الْحَرَكَةِ من كل شئ مُتَدَلٍّ يُقَالُ مِنْهُ نَاسَ يَنُوسُ نَوْسًا وَأَنَاسَهُ غَيْرُهُ أَنَاسَةً وَمَعْنَاهُ حَلَّانِي قِرَطَةً وَشُنُوفًا فَهيَ تَنَوَّسُ أَيْ تَتَحَرَّكُ لِكَثْرَتِهَا قَوْلُهَا (وَمَلَأَ مِنْ شحم عضدي) وقال العلماءمعناه أَسْمَنَنِي وَمَلَأ بَدَنِي شَحْمًا وَلَمْ تُرِدِ اخْتِصَاصَ الْعَضُدَيْنِ لَكِنْ إِذَا سَمِنَتَا سَمِنَ غَيْرُهُمَا قَوْلُهَا (وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي) هُوَ بِتَشْدِيدِ جِيمِ بَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ بِكَسْرِ الْجِيمِ وَفَتْحِهَا لُغَتَانِ مَشْهُورَتَانِ أَفْصَحُهُمَا الْكَسْرُ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْفَتْحُ ضَعِيفَةٌ وَمَعْنَاهُ فرحني ففرحت وقال بن الْأَنْبَارِيِّ وَعَظَّمَنِي فَعَظُمْتُ عِنْدَ نَفْسِي يُقَالُ فُلَانٌ يتبجحبكذا أَيْ يَتَعَظَّمُ وَيَفْتَخِرُ قَوْلُهَا (وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ) أَمَّا قَوْلُهَا فِي غُنَيْمَةٍ فَبِضَمِّ الْغَيْنِ تَصْغِيرُ الْغَنَمِ أَرَادَتْ أَنَّ أَهْلَهَا كَانُوا أَصْحَابَ غَنَمٍ لَا أَصْحَابَ خَيْلٍ وَإِبِلٍ لِأَنَّ الصَّهِيلَ أَصْوَاتُ الْخَيْلِ وَالْأَطِيطَ أَصْوَاتُ الْإِبِلِ وَحَنِينِهَا وَالْعَرَبُ لَا تَعْتَدُّ بِأَصْحَابِ الْغَنَمِ وَإِنَّمَا يَعْتَدُّونَ بِأَهْلِ الْخَيْلِ وَالْإِبِلِ وَأَمَّا قَوْلُهَا بِشِقٍّ فَهُوَ بِكَسْرِ الشِّينِ وَفَتْحِهَا وَالْمَعْرُوفُ فِي رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ وَالْمَشْهُورُ لِأَهْلِ الْحَدِيثِ كَسْرُهَا وَالْمَعْرُوفُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ فَتْحُهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ بِالْفَتْحِ قَالَ وَالْمُحَدِّثُونَ يَكْسِرُونَهُ قَالَ وَهُوَ مَوْضِعٌ وَقَالَ الهروي الصواب الفتح قال بن الْأَنْبَارِيِّ هُوَ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ وَهُوَ مَوْضِعٌ وَقَالَ بن أبي أويس وبن حَبِيبٍ يَعْنِي بِشِقِّ جَبَلِ لِقِلَّتِهِمْ وَقِلَّةِ غَنَمِهِمْ وَشِقِّ الْجَبَلِ نَاحِيَتُهُ وَقَالَ القبتيني وَيَقِطُونَهُ بِشِقٍّ بِالْكَسْرِ أَيْ بِشَظَفٍ مِنَ الْعَيْشِ وَجَهْدٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ هَذَا عِنْدِي أَرْجَحُ وَاخْتَارَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ فَحَصَلَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ وَقَوْلُهَا وَدَائِسٌ هُوَ الَّذِي يَدُوسُ الزَّرْعَ فِي بَيْدَرِهِ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَغَيْرُهُ يُقَالُ دَاسَ

(15/217)


الطعام درسه وقيل الدائس الأبدك قولهاومنق هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْسِرُ النُّونَ وَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فَتْحُهَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ بِفَتْحِهَا قَالَ وَالْمُحَدِّثُونَ يَكْسِرُونَهَا وَلَا أَدْرِي مَا مَعْنَاهُ قَالَ الْقَاضِي رِوَايَتُنَا فِيهِ بِالْفَتْحِ ثُمَّ ذَكَرَ قَوْلَ أَبِي عبيد قال وقاله بن أَبِي أُوَيْسٍ بِالْكَسْرِ وَهُوَ مِنَ النَّقِيقِ وَهُوَ أَصْوَاتُ الْمَوَاشِي تَصِفُهُ بِكَثْرَةِ أَمْوَالِهِ وَيَكُونُ مُنَقٍّ مِنْ أَنَقَّ إِذَا صَارَ ذَا نَقِيقٍ أَوْ دَخَلَ فِي النَّقِيقِ وَالصَّحِيحُ عِنْدَ الْجُمْهُورِ فَتْحُهَا وَالْمُرَادُ بِهِ الَّذِي يُنَقِّي الطَّعَامَ أَيْ يُخْرِجُهُ مِنْ بَيْتِهِ وَقُشُورِهِ وَهَذَا أَجْوَدُ مِنْ قَوْلِ الْهَرَوِيِّ هُوَ الَّذِي يُنَقِّيهِ بِالْغِرْبَالِ وَالْمَقْصُودُ أَنَّهُ صَاحِبُ زَرْعٍ وَيَدُوسُهُ وَيُنَقِّيهِ قَوْلُهَا (فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ) مَعْنَاهُ لَا يُقَبِّحُ قَوْلِي فَيَرُدُّ بَلْ يَقْبَلُ مِنِّي وَمَعْنَى أَتَصَبَّحُ أَنَامُ الصُّبْحَةَ وَهِيَ بَعْدَ الصَّبَاحِ أَيْ أَنَّهَا مَكْفِيَّةٌ بِمَنْ يَخْدُمُهَا فَتَنَامُ وَقَوْلُهَا فأتقنح هو بالنون بَعْدَ الْقَافِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ بِالنُّونِ قَالَ الْقَاضِي لَمْ نَرْوِهِ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ إِلَّا بِالنُّونِ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ فَأَتَقَمَّحُ بِالْمِيمِ قَالَ وَهُوَ أَصَحُّ وَقَالَ أبو عبيد هو بالميم قال وَبَعْضُ النَّاسِ يَرْوِيهِ بِالنُّونِ وَلَا أَدْرِي مَا هَذَا وقَالَ آخَرُونَ النُّونُ وَالْمِيمُ صَحِيحَتَانِ فَأَيُّهُمَا مَعْنَاهُ أُرْوَى حَتَّى أَدَعَ الشَّرَابَ مِنَ شِدَّةِ الرِّيِّ وَمِنْهُ قَمَحَ الْبَعِيرُ يَقْمَحُ إِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الْمَاءِ بَعْدَ الرِّيِّ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَلَا أَرَاهَا قَالَتْ هَذِهِ إِلَّا لِعِزَّةِ الْمَاءِ عِنْدَهُمْ وَمَنْ قَالَهُ بِالنُّونِ فَمَعْنَاهُ أَقْطَعُ الْمَشْرَبَ وَأَتَمَهَّلُ فِيهِ وَقِيلَ هُوَ الشُّرْبُ بَعْدَ الرِّيِّ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ قَنَحَتِ الْإِبِلُ إِذَا تَكَارَهَتْ وَتَقَنَّحْتُهُ أَيْضًا قَوْلُهَا (عُكُومُهَا رَدَاحٌ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ الْعُكُومُ الْأَعْدَالُ وَالْأَوْعِيَةُ الَّتِي فِيهَا الطَّعَامُ وَالْأَمْتِعَةُ وَاحِدُهَا عِكْمٌ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَرَدَاحٌ أَيْ عِظَامٌ كَبِيرَةٌ وَمِنْهُ قِيلَ لِلْمَرْأَةِ رَدَاحٌ إِذَا كَانَتْ عَظِيمَةَ الْأَكْفَالِ فَإِنْ قِيلَ رَدَاحٌ مُفْرَدَةٌ فَكَيْفَ وَصَفَ بِهَا الْعُكُومَ وَالْجَمْعُ لَا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِالْمُفْرَدِ قَالَ الْقَاضِي جَوَابُهُ أَنَّهُ أَرَادَ كُلَّ عِكْمٍ مِنْهَا رَدَاحٌ أَوْ يَكُونُ رَدَاحٌ هُنَا مَصْدَرًا كَالذَّهَابِ قَوْلُهَا (وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ وَاسِعٌ وَالْفَسِيحُ مِثْلُهُ هَكَذَا فَسَّرَهُ الْجُمْهُورُ قَالَ الْقَاضِي وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ كَثْرَةَ الْخَيْرِ وَالنِّعْمَةِ قَوْلُهَا (مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ

(15/218)


شَطْبَةٍ) الْمَسَلُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَشَطْبَةٌ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ ثُمَّ طَاءٍ مُهْمَلَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ ثُمَّ هَاءٍ وَهِيَ مَا شُطِبَ مِنْ جَرِيدِ النَّخْلِ أَيْ شُقَّ وَهِيَ السَّعَفَةُ لِأَنَّ الْجَرِيدَةَ تُشَقَّقُ مِنْهَا قُضْبَانٌ رِقَاقٌ مُرَادُهَا أَنَّهُ مُهَفْهَفٌ خَفِيفُ اللَّحْمِ كَالشَّطْبَةِ وَهُوَ مِمَّا يُمْدَحُ بِهِ الرَّجُلُ وَالْمَسَلُّ هُنَا مَصْدَرٌ بمعنى المسلول أي ماسل من قشره وقال بن الْأَعْرَابِيِّ وَغَيْرُهُ أَرَادَتْ بِقَوْلِهَا كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ أَنَّهُ كَالسَّيْفِ سُلَّ مِنْ غِمْدِهِ قَوْلُهَا (وَتُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ) الذِّرَاعُ مُؤَنَّثَةٌ وَقَدْ تُذَكَّرُ وَالْجَفْرَةُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَهِيَ الْأُنْثَى مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ وَقِيلَ مِنَ الضَّأْنِ وَهِيَ مَا بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَفُصِلَتْ عَنْ أُمِّهَا وَالذَّكَرُ جَفْرٌ لِأَنَّهُ جَفَرَ جَنْبَاهُ أَيْ عَظُمَا قَالَ الْقَاضِي قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ الْجَفْرَةُ مِنْ أَوْلَادِ الْمَعْزِ وَقَالَ بن الانباري وبن دُرَيْدٍ مِنْ أَوْلَادِ الضَّأْنِ وَالْمُرَادُ أَنَّهُ قَلِيلُ الْأَكْلِ وَالْعَرَبُ تَمْدَحُ بِهِ قَوْلُهَا طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا أَيْ مُطِيعَةٌ لَهُمَا مُنْقَادَةٌ لِأَمْرِهِمَا قولها وملء كسائها أي ممتلئة الجسم سمينته وَقَالَتْ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى صِفْرُ رِدَائِهَا بِكَسْرِ الصَّادِ وَالصِّفْرُ الْخَالِي قَالَ الْهَرَوِيُّ أَيْ ضَامِرَةُ الْبَطْنِ وَالرِّدَاءُ يَنْتَهِي إِلَى الْبَطْنِ وَقَالَ غَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهَا خَفِيفَةٌ أَعْلَى الْبَدَنِ وَهُوَ مَوْضِعُ الرِّدَاءِ مُمْتَلِئَةٌ أَسْفَلَهُ وَهُوَ مَوْضِعُ الْكِسَاءِ وَيُؤَيِّدُ هَذَا أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةِ وَمِلْءُ إِزَارِهَا قال القاضي والأولى أن المراد امتلأ مَنْكِبَيْهَا وَقِيَامُ نَهْدَيْهَا بِحَيْثُ يَرْفَعَانِ الرِّدَاءَ عَنْ أَعْلَى جَسَدِهَا فَلَا يَمَسُّهُ فَيَصِيرُ خَالِيًا بِخِلَافِ أَسْفَلِهَا قَوْلُهَا (وَغَيْظُ جَارَتِهَا) قَالُوا الْمُرَادُ بِجَارَتِهَا ضَرَّتُهَا يَغِيظُهَا مَا تَرَى مِنْ حَسَنِهَا وَجَمَالِهَا وَعِفَّتِهَا وَأَدَبِهَا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَعَقْرُ جَارَتِهَا هَكَذَا هُوَ فِي النَّسْخِ عَقْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَسُكُونِ الْقَافِ قَالَ الْقَاضِي كَذَا ضَبَطْنَاهُ عَنْ جَمِيعِ شُيُوخِنَا قَالَ وَضَبَطَهُ الْجَيَّانِيُّ عَبْرُ بِضَمِّ العين واسكان الباء الموحدة وكذا ذكر هـ بن الْأَعْرَابِيِّ وَكَأَنَّ الْجَيَّانِيُّ أَصْلَحَهُ مِنْ كِتَابِ الْأَنْبَارِيِّ وَفَسَّرَهُ الْأَنْبَارِيُّ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مِنَ الِاعْتِبَارِ أَيْ تَرَى مِنْ حُسْنِهَا وَعِفَّتِهَا وَعَقْلِهَا مَا تُعْتَبَرُ بِهِ وَالثَّانِي مِنَ الْعَبْرَةِ وَهِيَ الْبُكَاءُ أَيْ تَرَى مِنْ ذَلِكَ مَا يُبْكِيهَا لِغَيْظِهَا وَحَسَدِهَا وَمَنْ رَوَاهُ بِالْقَافِ فَمَعْنَاهُ تَغَيُّظُهَا فَتَصِيرُ كمعقور وقيل تدهشها من قولهم عقر ذا دَهَشَ قَوْلُهَا (لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا) هُوَ بِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ بَيْنَ الْمُثَنَّاةِ وَالْمُثَلَّثَةِ أَيْ لَا تشيعه

(15/219)


وَتُظْهِرُهُ بَلْ تَكْتُمُ سِرَّنَا وَحَدِيثَنَا كُلَّهُ وَرُوِيَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ تَنُثُّ وَهُوَ بِالنُّونِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الْأَوَّلِ أَيْ لَا تُظْهِرُهُ قَوْلُهَا (وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا) الْمِيرَةُ الطَّعَامُ الْمَجْلُوبُ وَمَعْنَاهُ لَا تُفْسِدُهُ وَلَا تُفَرِّقُهُ وَلَا تَذْهَبُ بِهِ وَمَعْنَاهُ وَصْفُهَا بِالْأَمَانَةِ قَوْلُهَا (وَلَا تَمْلَأُ بيتنا تعشيشا) هو بالعين المهملة أَيْ لَا تَتْرُكُ الْكُنَاسَةَ وَالْقُمَامَةَ فِيهِ مُفَرَّقَةً كَعُشِّ الطَّائِرِ بَلْ هِيَ مُصْلِحَةٌ لِلْبَيْتِ مُعْتَنِيَةٌ بِتَنْظِيفِهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا تَخُونُنَا فِي طَعَامِنَا فِي زَوَايَا الْبَيْتِ كَأَعْشَاشِ الطَّيْرِ وَرُوِيَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ تَغْشِيشًا بَالِغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مِنَ الْغِشِّ قِيلَ فِي الطَّعَامِ وَقِيلَ مِنَ النَّمِيمَةِ أَيْ لَا تَتَحَدَّثُ بِنَمِيمَةٍ قَوْلُهَا (وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ) هُوَ جَمْعُ وَطْبٍ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ وَهُوَ جَمْعٌ قَلِيلُ النَّظِيرِ وَفِي رِوَايَةٍ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ وَالْوِطَابُ وَهُوَ الْجَمْعُ الْأَصْلِيُّ وَهِيَ سَقِيَّةُ اللَّبَنِ الَّتِي يُمْخَضُ فِيهَا وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ هُوَ جَمْعُ وَطْبَةٍ قَوْلُهَا (يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ أَنَّهَا ذَاتُ كِفْلٍ عَظِيمٍ فَإِذَا اسْتَلْقَتْ عَلَى قَفَاهَا! نَتَأَ الْكِفْلُ بِهَا مِنَ الْأَرْضِ حَتَّى تَصِيرَ تَحْتَهَا فَجْوَةً يَجْرِي فِيهَا الرُّمَّانُ قَالَ الْقَاضِي قَالَ بَعْضُهُمْ الْمُرَادُ بِالرُّمَّانَتَيْنِ هُنَا ثَدْيَاهَا وَمَعْنَاهُ أَنَّ لَهَا نَهْدَيْنِ حَسَنَيْنِ صَغِيرَيْنِ كَالرُّمَّانَتَيْنِ قَالَ الْقَاضِي هَذَا أَرْجَحُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ رُوِيَ مِنْ تَحْتِ صَدْرِهَا وَمَنْ تَحْتِ دِرْعِهَا وَلِأَنَّ الْعَادَةَ لَمْ تَجْرِ بِرَمْيِ الصِّبْيَانِ الرُّمَّانَ تَحْتَ ظُهُورِ أُمَّهَاتِهِمْ وَلَا جَرَتِ الْعَادَةُ أَيْضًا بِاسْتِلْقَاءِ النِّسَاءِ كَذَلِكَ حَتَّى يُشَاهِدَهُ مِنْهُنَّ الرِّجَالُ قَوْلُهَا (فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سِرِّيًّا رَكِبَ شَرِيًّا) أَمَّا الْأَوَّلُ فَبِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْقَاضِي عن بن السِّكِّيتِ أَنَّهُ حَكَى فِيهِ الْمُهْمَلَةَ وَالْمُعْجَمَةَ وَأَمَّا الثَّانِي فَبِالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ بِلَا خِلَافٍ فَالْأَوَّلُ مَعْنَاهُ سَيِّدًا شَرِيفًا وَقِيلَ سَخِيًّا وَالثَّانِي هُوَ الْفَرَسُ الَّذِي يَسْتَشْرِي فِي سَيْرِهِ أَيْ يُلِحُّ وَيَمْضِي بلا فتور ولا انكسار وقال بن السِّكِّيتِ هُوَ الْفَرَسُ الْفَائِقُ الْخِيَارُ قَوْلُهَا (وَأَخَذَ خَطِّيًّا) هُوَ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَكَسْرِهَا وَالْفَتْحُ أَشْهَرُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَكْثَرُ غَيْرَهُ وَمِمَّنْ حَكَى الْكَسْرَ أَبُو الْفَتْحِ الْهَمْدَانِيُّ فِي كِتَابِ الِاشْتِقَاقِ قَالُوا وَالْخَطِّيُّ الرُّمْحُ مَنْسُوبٌ إِلَى الْخَطِّ قَرْيَةٍ مِنْ سَيْفِ الْبَحْرِ أَيْ سَاحِلِهِ عِنْدَ عَمَّانَ وَالْبَحْرَيْنِ قَالَ أَبُو الْفَتْحِ قِيلَ لَهَا

(15/220)


الْخَطُّ لِأَنَّهَا عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ وَالسَّاحِلُ يُقَالُ له الْخَطُّ لِأَنَّهُ فَاصِلٌ بَيْنَ الْمَاءِ وَالتُّرَابِ وَسُمِّيَتِ الرِّمَاحُ خَطِّيَّةٌ لِأَنَّهَا تُحْمَلُ إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ وَتُثَقَّفُ فِيهِ قَالَ الْقَاضِي وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّ الْخَطَّ مَنْبَتُ الرِّمَاحِ قَوْلُهَا (وَأَرَاحَ عَلَيَّ نِعَمًا ثَرِيًّا) أَيْ أَتَى بِهَا إِلَى مُرَاحِهَا بِضَمِّ الْمِيمِ هُوَ مَوْضِعُ مَبِيتِهَا وَالنَّعَمُ الْإِبِلُ وَالْبَقَرُ وَالْغَنَمُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بَعْضُهَا وَهِيَ الْإِبِلُ وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ اللُّغَةِ عَلَى أَنَّ النَّعَمَ مُخْتَصَّةٌ بِالْإِبِلِ وَالثَّرِيُّ بِالْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْكَثِيرُ مِنَ الْمَالِ وَغَيْرِهِ وَمِنْهُ الثَّرْوَةُ فِي الْمَالِ وَهِيَ كَثْرَتُهُ قَوْلُهَا (وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا) فَقَوْلُهَا مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ أَيْ مِمَّا يَرُوحُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالْعَبِيدِ وَقَوْلُهَا زَوْجًا أَيِ اثْنَيْنِ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهَا أَرَادَتْ صِنْفًا وَالزَّوْجُ يَقَعُ عَلَى الصِّنْفِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وكنتم أزواجا ثلاثة قَوْلُهَا فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ ذَابِحَةٍ زَوْجًا هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ ذَابِحَةٍ بِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْ مِنْ كُلِّ مَا يَجُوزُ ذَبْحُهُ مِنَ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَغَيْرِهَا وَهِيَ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ قَوْلُهُ (مِيرِي أَهْلَكِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ مِنَ الْمِيرَةِ أَيْ أَعْطِيهِمْ وَافْضُلِي عَلَيْهِمْ وَصِلِيهِمْ قَوْلُهَا فِي الرِّوَايَةِ الثانية ولا تنقث ميرتنا تنقيثا فقولهاتنقث بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ النُّونِ وَضَمِّ الْقَافِ وَجَاءَ قولها تنقيثا مصدرا عَلَى غَيْرِ الْمَصْدَرِ وَهُوَ جَائِزٌ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَمُرَادُهُ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ وَقَعَتْ بِالتَّخْفِيفِ كَمَا ضَبَطْنَاهُ وَفِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ تُنَقِّثُ بِضَمِّ التَّاءِ وَفَتْحِ النُّونِ وَكَسْرِ الْقَافِ الْمُشَدَّدَةِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا (كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ هُوَ تَطْيِيبٌ لِنَفْسِهَا وَإِيضَاحٌ لِحُسْنِ عِشْرَتِهِ إِيَّاهَا وَمَعْنَاهُ أَنَا لَكَ كَأَبِي زَرْعٍ وَكَانَ زَائِدَةٌ أَوْ لِلدَّوَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى وكان الله غفورا رحيما أَيْ كَانَ فِيمَا مَضَى وَهُوَ بَاقٍ كَذَلِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي حَدِيثِ أُمِّ زرع هذا فوائد منهااستحباب حُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ لِلْأَهْلِ وَجَوَازُ الْإِخْبَارِ عَنِ الْأُمَمِ الخالية وأن المشبه بالشئ لا يلزم كونه مثله في كل شئ وَمِنْهَا أَنَّ كِنَايَاتُ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ إِلَّا بِالنِّيَّةِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِعَائِشَةَ كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ وَمِنْ جُمْلَةِ أَفْعَالِ أَبِي زَرْعٍ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ أُمَّ زَرْعٍ

(15/221)


كَمَا سَبَقَ وَلَمْ يَقَعْ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَلَاقٌ بِتَشْبِيهِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَنْوِ الطَّلَاقَ قَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ وَفِيهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ النِّسْوَةَ ذَكَرَ بَعْضُهُنَّ أَزْوَاجَهُنَّ بِمَا يَكْرَهُ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ غِيبَةً لِكَوْنِهِمْ لَا يُعْرَفُونَ بِأَعْيَانِهِمْ أَوْ أَسْمَائِهِمْ وَإِنَّمَا الْغِيبَةُ الْمُحَرَّمَةُ أَنْ يَذْكُرَ إِنْسَانًا بِعَيْنِهِ أَوْ جَمَاعَةً بِأَعْيَانِهِمْ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَإِنَّمَا يُحْتَاجُ إِلَى هَذَا الِاعْتِذَارِ لَوْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَمِعَ امْرَأَةً تَغْتَابُ زَوْجَهَا وَهُوَ مَجْهُولٌ فَأَقَرَّ عَلَى ذَلِكَ وَأَمَّا هَذِهِ الْقَضِيَّةُ فَإِنَّمَا حَكَتْهَا عَائِشَةُ عَنْ نِسْوَةٍ مَجْهُولَاتٍ غَائِبَاتٍ لَكِنْ لَوْ وصفت اليوم امرأة زوجها بما يكرهه وهومعروف عِنْدَ السَّامِعِينَ كَانَ غِيبَةً مُحَرَّمَةً فَإِنْ كَانَ مَجْهُولًا لَا يُعْرَفُ بَعْدَ الْبَحْثِ فَهَذَا لَا حَرَجَ فِيهِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ كَمَا قَدَّمْنَا وَيَجْعَلُهُ كَمَنْ قَالَ فِي الْعَالِمِ مَنْ يَشْرَبُ أَوْ يَسْرِقُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَفِيمَا قَالَهُ هَذَا الْقَائِلُ احْتِمَالٌ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ صَدَقَ الْقَائِلُ الْمَذْكُورُ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ مَجْهُولًا عِنْدَ السَّامِعِ وَمَنْ يَبْلُغُهُ الْحَدِيثُ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ غِيبَةً لِأَنَّهُ لَا يَتَأَذَّى إِلَّا بِتَعْيِينِهِ قَالَ وَقَدْ قَالَ ابراهيم لا يكون غيبة مالم يُسَمِّ صَاحِبَهَا بِاسْمِهِ أَوْ يُنَبِّهْ عَلَيْهِ بِمَا يَفْهَمُ بِهِ عَنْهُ وَهَؤُلَاءِ النِّسْوَةُ مَجْهُولَاتُ الْأَعْيَانِ وَالْأَزْوَاجِ لَمْ يَثْبُتْ لَهُنَّ إِسْلَامٌ فَيُحْكَمَ فِيهِنَّ بِالْغِيبَةِ لَوْ تَعَيَّنَ فَكَيْفَ مَعَ الْجَهَالَةِ وَاللَّهُ أعلم

(15/222)


(باب من فضائل فاطمة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2449] (إِنَّ بَنِي هَاشِمِ بْنِ الْمُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُونِي أَنْ يُنْكِحُوا ابْنَتَهُمْ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فَلَا آذَنُ لَهُمْ ثُمَّ لَا آذَنُ لَهُمْ ثُمَّ لَا آذَنُ لهم إلا أن يحب بن أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ فَإِنَّمَا ابْنَتِي بَضْعَةٌ مِنِّي يَرِيبُنِي مَا رَابَهَا وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَنِّي لست أحرم حلالا ولا أحل حراما ولكن وَاَللَّهِ لَا تَجْتَمِعُ بِنْتُ رَسُولِ اللَّهِ وَبِنْتُ عَدُوِّ اللَّهِ مَكَانًا وَاحِدًا أَبَدًا وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى إِنَّ فَاطِمَةَ مُضْغَةٌ مِنِّي وَأَنَا أَكْرَهُ أن يفتنوها أما البضعة فبفتح الباء لايجوز غَيْرُهُ وَهِيَ قِطْعَةُ اللَّحْمِ وَكَذَلِكَ الْمُضْغَةُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَأَمَّا يَرِيبُنِي فَبِفَتْحِ الْيَاءِ قَالَ إِبْرَاهِيمُ الحربي الريب ما رابك من شئ خِفْتَ عُقْبَاهُ وَقَالَ الْفَرَّاءُ رَابَ وَأَرَابَ بِمَعْنًى وَقَالَ أَبُو زَيْدٍ رَابَنِي الْأَمْرُ تَيَقَّنْتُ مِنْهُ الرِّيبَةَ وَأَرَابَنِي شَكَّكَنِي وَأَوْهَمَنِي وَحُكِيَ عَنْ أَبِي زَيْدٍ أَيْضًا وَغَيْرِهِ كَقَوْلِ الْفَرَّاءِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ

(16/2)


تَحْرِيمُ إِيذَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكُلِّ حَالٍ وَعَلَى كُلِّ وَجْهٍ وَإِنْ تَوَلَّدَ ذَلِكَ الْإِيذَاءُ مِمَّا كَانَ أَصْلُهُ مُبَاحًا وَهُوَ حَيٌّ وَهَذَا بِخِلَافِ غَيْرِهِ قَالُوا وَقَدْ أَعْلَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِبَاحَةِ نِكَاحِ بِنْتِ أَبِي جَهْلٍ لِعَلِيٍّ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَسْتُ أُحَرِّمُ حَلَالًا وَلَكِنْ نَهَى عَنِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا لِعِلَّتَيْنِ مَنْصُوصَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا أَنَّ ذَلِكَ يُؤَدِّي إِلَى أَذَى فَاطِمَةَ فَيَتَأَذَّى حِينَئِذٍ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَهْلِكُ مَنْ أَذَاهُ فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ لِكَمَالِ شَفَقَتِهِ عَلَى عَلِيٍّ وَعَلَى فَاطِمَةَ وَالثَّانِيَةُ خَوْفُ الْفِتْنَةِ عَلَيْهَا بِسَبَبِ الْغَيْرَةِ وَقِيلَ لَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ النَّهْيَ عَنْ جَمْعِهِمَا بَلْ مَعْنَاهُ أَعْلَمُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ أَنَّهُمَا لَا تَجْتَمِعَانِ كَمَا قَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ وَاَللَّهِ لَا تُكْسَرُ ثَنِيَّةُ الرَّبِيعِ وَيُحْتَمَلُ أن المراد تحريم جمعهما ويكون مَعْنَى لَا أُحَرِّمُ حَلَالًا أَيْ لَا أَقُولُ شَيْئًا يُخَالِفُ حُكْمَ اللَّهِ فَإِذَا أَحَلَّ شَيْئًا لَمْ أُحَرِّمْهُ وَإِذَا حَرَّمَهُ لَمْ أُحَلِّلْهُ وَلَمْ أَسْكُتْ عَنْ تَحْرِيمِهِ لِأَنَّ سُكُوتِي تَحْلِيلٌ لَهُ وَيَكُونُ مِنْ جُمْلَةِ مُحَرَّمَاتِ النِّكَاحِ الْجَمْعُ بَيْنَ بنت نبي

(16/3)


اللَّهِ وَبِنْتِ عَدُوِّ اللَّهِ قَوْلُهُ (ثُمَّ ذَكَرَ صِهْرًا لَهُ مِنْ بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ) هُوَ أَبُو الْعَاصِ بْنُ الرَّبِيعِ

(16/4)


زَوْجُ زَيْنَبَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصِّهْرُ يُطْلَقُ عَلَى الزَّوْجِ وَأَقَارِبِهِ وَأَقَارِبِ الْمَرْأَةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ من صهرت الشئ وَأَصْهَرْتُهُ إِذَا قَرَّبْتُهُ وَالْمُصَاهَرَةُ مُقَارَبَةٌ بَيْنَ الْأَجَانِبِ وَالْمُتَبَاعِدِينَ قَوْلُهَا

[2450] (فَأَخْبَرَنِي أَنِّي أَوَّلُ مَنْ يَلْحَقُ بِهِ مِنْ أَهْلِهِ فَضَحِكْتُ) هَذِهِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ مُعْجِزَتَانِ فَأَخْبَرَ بِبَقَائِهَا بَعْدَهُ وَبِأَنَّهَا أَوَّلُ أَهْلِهِ لَحَاقًا بِهِ وَوَقَعَ كَذَلِكَ

(16/5)


وَضَحِكَتْ سُرُورًا بِسُرْعَةِ لَحَاقِهَا وَفِيهِ إِيثَارُهُمُ الْآخِرَةَ وَسُرُورُهُمْ بِالِانْتِقَالِ إِلَيْهَا وَالْخَلَاصِ مِنَ الدُّنْيَا قَوْلُهَا (فَأَخْبَرَنِي أَنَّ جِبْرِيلَ كَانَ يُعَارِضُهُ الْقُرْآنَ فِي كُلِّ سَنَةٍ مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ) هَكَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَذِكْرُ الْمَرَّتَيْنِ شَكٌّ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالصَّوَابُ حَذْفُهَا كَمَا فِي بَاقِي الروايات قوله صلى الله عليه وسلم (لاأرى الْأَجَلَ إِلَّا قَدِ اقْتَرَبَ فَاتَّقِي اللَّهَ وَاصْبِرِي فَإِنَّهُ نِعْمَ السَّلَفُ أَنَا لَكِ) أُرَى

(16/6)


بِضَمِّ الْهَمْزَةِ أَيْ أَظُنُّ وَالسَّلَفُ الْمُتَقَدِّمُ وَمَعْنَاهُ أَنَا مُتَقَدِّمٌ قُدَّامَكِ فَتَرِدِينَ عَلَيَّ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَمَا تَرْضَيْ هَكَذَا هُوَ فِي النُّسَخِ ترضي وهو لغة والمشهور ترضين

(باب من فضائل أم سلمة رضي الله عنها)
قَوْلُهُ فِي السُّوقِ

[2451] (إِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْمَعْرَكَةُ بِفَتْحِ الرَّاءِ مَوْضِعُ الْقِتَالِ لِمُعَارَكَةِ الْأَبْطَالِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِيهَا وَمُصَارَعَتِهِمْ فَشَبَّهَ السُّوقَ وَفِعْلَ الشَّيْطَانِ بِأَهْلِهَا وَنَيْلَهُ مِنْهُمْ بِالْمَعْرَكَةِ لِكَثْرَةِ مَا يَقَعُ فِيهَا مِنْ أَنْوَاعِ الْبَاطِلِ كَالْغِشِّ وَالْخِدَاعِ وَالْأَيْمَانِ الْخَائِنَةِ وَالْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ وَالنَّجْشِ وَالْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَالشِّرَاءِ عَلَى شِرَائِهِ وَالسَّوْمِ عَلَى سَوْمِهِ وَبَخْسِ الْمِكْيَالِ وَالْمِيزَانِ قَوْلُهُ (وَبِهَا تُنْصَبُ رَايَتُهُ) إِشَارَةٌ إِلَى ثُبُوتِهِ هُنَاكَ وَاجْتِمَاعِ أَعْوَانِهِ إِلَيْهِ لِلتَّحْرِيشِ بَيْنَ النَّاسِ وَحَمْلِهِمْ عَلَى هَذِهِ الْمَفَاسِدِ الْمَذْكُورَةِ وَنَحْوِهَا فَهِيَ مَوْضِعُهُ وَمَوْضِعُ أَعْوَانِهِ وَالسُّوقُ تُؤَنَّثُ وَتُذَكَّرُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِقِيَامِ النَّاسِ فِيهَا عَلَى

(16/7)


سُوقِهِمْ قَوْلُهُ (أَنَّ أُمَّ سَلَمَةَ رَأَتْ جِبْرِيلَ فِي صُورَةِ دِحْيَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَكَسْرِهَا وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِأُمِّ سَلَمَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَفِيهِ جَوَازُ رُؤْيَةِ الْبَشَرِ الْمَلَائِكَةَ وَوُقُوعِ ذَلِكَ وَيَرَوْنَهُمْ عَلَى صُورَةِ الْآدَمِيِّينَ لِأَنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى رُؤْيَتِهِمْ عَلَى صُوَرِهِمْ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرَى جِبْرِيلَ عَلَى صُورَةِ دِحْيَةَ غَالِبًا وَرَآهُ مَرَّتَيْنِ عَلَى صُورَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ قَوْلُهَا (يُخْبِرُ خَبَرَنَا) هَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالنُّسَخِ وَعَنْ بَعْضِهِمْ يُخْبِرُ خَبَرَ جِبْرِيلَ قَالَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقَدْ وَقَعَ فِي الْبُخَارِيِّ عَلَى الصَّوَابِ

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ زَيْنَبَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)
قَوْلُهَا

[2452] (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطْوَلُكُنَّ يَدًا فَكُنَّ يَتَطَاوَلْنَ أَيَّتَهُنَّ أَطْوَلُ يَدًا قَالَتْ فَكَانَتْ أَطْوَلَنَا يَدًا زَيْنَبُ لِأَنَّهَا كَانَتْ تَعْمَلُ بِيَدِهَا وَتَصَدَّقُ) مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُنَّ ظَنَنَّ أَنَّ الْمُرَادَ بِطُولِ الْيَدِ طُولُ الْيَدِ الْحَقِيقِيَّةِ وَهِيَ الْجَارِحَةُ فَكُنَّ يَذْرَعْنَ أَيْدِيَهُنَّ بِقَصَبَةٍ فَكَانَتْ سَوْدَةُ أَطْوَلَهُنَّ جَارِحَةً وَكَانَتْ زَيْنَبُ أَطْوَلَهُنَّ يَدًا فِي الصَّدَقَةِ وَفِعْلِ الْخَيْرِ فَمَاتَتْ زَيْنَبُ أَوَّلُهُنَّ فَعَلِمُوا أَنَّ الْمُرَادَ طُولُ الْيَدِ فِي الصَّدَقَةِ وَالْجُودِ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ فُلَانٌ طَوِيلُ

(16/8)


الْيَدِ وَطَوِيلُ الْبَاعِ إِذَا كَانَ سَمْحًا جَوَادًا وَضِدُّهُ قَصِيرُ الْيَدِ وَالْبَاعِ وَجَدُّ الْأَنَامِلِ وَفِيهِ مُعْجِزَةٌ بَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِزَيْنَبَ وَوَقَعَ هَذَا الْحَدِيثُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظٍ مُتَعَقِّدٍ يُوهِمُ أَنَّ أَسْرَعَهُنَّ لَحَاقًا سَوْدَةُ وَهَذَا الْوَهَمُ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ أُمِّ أَيْمَنَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا)
قَوْلُهُ

[2453] (انْطَلَقَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ فَنَاوَلَتْهُ إِنَاءً فِيهِ شَرَابٌ فَلَا أَدْرِي أَصَادَفَتْهُ صَائِمًا أَوْ لَمْ يُرِدْهُ فَجَعَلَتْ تَصْخَبُ عَلَيْهِ وَتَذْمُرُ عَلَيْهِ) قَوْلُهُ تَصْخَبُ أَيْ تَصِيحُ وَتَرْفَعُ صَوْتَهَا إِنْكَارًا لِإِمْسَاكِهِ عَنْ شُرْبِ الشَّرَابِ وَقَوْلُهُ تَذْمُرُ هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَإِسْكَانِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ وَيُقَالُ تَذَمَّرُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالذَّالِ وَالْمِيمِ أَيْ تَتَذَمَّرُ وَتَتَكَلَّمُ بِالْغَضَبِ يُقَالُ ذَمَرَ يَذْمُرُ كَقَتَلَ يَقْتُلُ إِذَا غَضِبَ وَإِذَا تَكَلَّمَ بِالْغَضَبِ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ الشَّرَابَ عَلَيْهَا إِمَّا لِصِيَامٍ وَإِمَّا لِغَيْرِهِ فَغَضِبَتْ وَتَكَلَّمَتْ بِالْإِنْكَارِ وَالْغَضَبِ وَكَانَتْ تَدِلُّ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهَا حَضَنَتْهُ وَرَبَّتْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ أُمُّ أَيْمَنَ أُمِّي بَعْدَ أُمِّي وَفِيهِ أَنَّ لِلضَّيْفِ الِامْتِنَاعَ مِنَ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ الَّذِي يُحْضِرُهُ الْمُضِيفُ إِذَا كَانَ لَهُ عُذْرٌ مِنْ صَوْمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِمَّا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ قَوْلُهُ

[2454] (قَالَ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى أُمِّ أَيْمَنَ نَزُورُهَا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(16/9)


يَزُورُهَا) فِيهِ زِيَارَةُ الصَّالِحِينَ وَفَضْلُهَا وَزِيَارَةُ الصَّالِحِ لِمَنْ هُوَ دُونَهُ وَزِيَارَةُ الْإِنْسَانِ لِمَنْ كَانَ صَدِيقُهُ يَزُورُهُ وَلِأَهْلِ وُدِّ صَدِيقِهِ وَزِيَارَةُ جَمَاعَةٍ مِنَ الرِّجَالِ لِلْمَرْأَةِ الصَّالِحَةِ وَسَمَاعِ كَلَامِهَا وَاسْتِصْحَابُ الْعَالِمِ وَالْكَبِيرِ صَاحِبًا لَهُ فِي الزِّيَارَةِ وَالْعِيَادَةِ وَنَحْوِهِمَا وَالْبُكَاءُ حُزْنًا عَلَى فِرَاقِ الصَّالِحِينَ وَالْأَصْحَابِ وَإِنْ كَانُوا قَدِ انْتَقَلُوا إِلَى أَفْضَلَ مِمَّا كانوا عليه والله اعلم

(باب فَضَائِلِ أُمِّ سُلَيْمٍ أُمِّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ وَبِلَالٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)
قَوْلُهُ

[2455] (كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَدْخُلُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِ إلا على أُمِّ سُلَيْمٍ فَإِنَّهُ كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهَا فَقِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي أَرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي) قَدْ قَدَّمْنَا فِي كِتَابِ الْجِهَادِ عِنْدَ ذِكْرِ أُمِّ حَرَامٍ أُخْتِ أُمِّ سُلَيْمٍ أَنَّهُمَا كَانَتَا خَالَتَيْنِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحْرَمَيْنِ إِمَّا مِنَ الرَّضَاعِ وَإِمَّا مِنَ النَّسَبِ فَتَحِلُّ لَهُ الْخَلْوَةُ بِهِمَا وَكَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِمَا خَاصَّةً لَا يَدْخُلُ عَلَى غَيْرِهِمَا مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا أَزْوَاجِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فَفِيهِ جَوَازُ دُخُولِ الْمَحْرَمِ عَلَى مَحْرَمِهِ وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَنْعِ دُخُولِ الرَّجُلِ إِلَى الْأَجْنَبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ صَالِحًا وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْمَشْهُورَةُ فِي تَحْرِيمِ الْخَلْوَةِ بِالْأَجْنَبِيَّةِ قَالَ الْعُلَمَاءُ أَرَادَ امْتِنَاعَ الْأَمَةِ مِنَ الدُّخُولِ عَلَى الْأَجْنَبِيَّاتِ فِيهِ بَيَانُ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالتَّوَاضُعِ وَمُلَاطَفَةِ الضُّعَفَاءِ وَفِيهِ صِحَّةُ الِاسْتِثْنَاءِ مِنَ الِاسْتِثْنَاءِ وَقَدْ رَتَّبَ عَلَيْهِ أَصْحَابُنَا مَسَائِلَ فِي الطَّلَاقِ وَالْإِقْرَارِ وَمِثْلُهَ فِي الْقُرْآنِ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَتَهُ

(16/10)


قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2456] (دَخَلْتُ الْجَنَّةَ فَسَمِعْتُ خَشْفَةً قُلْتُ مَنْ هَذَا قَالُوا هَذِهِ الْغُمَيْصَاءُ بِنْتُ مِلْحَانَ أُمِّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) أَمَّا الْخَشْفَةُ فَبِخَاءٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ شِينٍ سَاكِنَةٍ مُعْجَمَتَيْنِ وَهِيَ حَرَكَةُ الْمَشْيِ وَصَوْتُهُ وَيُقَالُ أَيْضًا بِفَتْحِ الشِّينِ وَالْغُمَيْصَاءُ بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَبِالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ مَمْدُودَةٌ وَيُقَالُ لَهَا الرُّمَيْصَاءُ أَيْضًا وَيُقَالُ بالسين قال بن عبد البرأم سُلَيْمٍ هِيَ الرُّمَيْصَاءُ وَالْغُمَيْصَاءُ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ الْغَيْنُ وَأُخْتُهَا أُمُّ حَرَامٍ الرُّمَيْصَاءُ وَمَعْنَاهُمَا مُتَقَارِبٌ وَالرَّمْصُ وَالْغَمْصُ قَذًى يَابِسٌ وَغَيْرُ يَابِسٍ يَكُونُ فِي أَطْرَافِ الْعَيْنِ وَهَذَا مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأُمِّ سُلَيْمٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2457] (سَمِعْتُ خَشْخَشَةً أَمَامِي فَإِذَا بِلَالٌ) هِيَ صَوْتُ الْمَشْيِ الْيَابِسِ اذا حك بعضه بعضا قَوْلُهُ

[2144] (فِي حَدِيثِ أُمِّ سُلَيْمٍ مَعَ زَوْجِهَا أَبِي طَلْحَةَ حِينَ مَاتَ ابْنُهُمَا) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْأَدَبِ وَضَرْبُهَا لِمِثْلِ الْعَارِيَةِ دَلِيلٌ لِكَمَالِ عِلْمِهَا وَفَضْلِهَا وَعِظَمِ إِيمَانِهَا وَطُمَأْنِينَتِهَا قَالُوا وَهَذَا الْغُلَامُ الَّذِي تُوُفِّيَ هُوَ أبو عمير صاحب النغير وغابر لَيْلَتِكُمَا أَيْ مَاضِيهَا وَقَوْلُهُ لَا يَطْرُقُهَا طُرُوقًا أي لا

(16/11)


يُدْخِلُهَا فِي اللَّيْلِ قَوْلُهُ (فَضَرَبَهَا الْمَخَاضُ) هُوَ الطَّلْقُ وَوَجَعُ الْوِلَادَةِ وَفِيهِ اسْتِجَابَةُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَمَلَتْ بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَجَاءَ مِنْ وَلَدِهِ عَشَرَةُ رِجَالٍ عُلَمَاءُ أَخْيَارٌ وَفِيهِ كَرَامَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي طَلْحَةَ وَفَضَائِلُ لِأُمِّ سُلَيْمٍ وَفِيهِ تَحْنِيكِ الْمَوْلُودِ وَأَنَّهُ يُحْمَلُ إِلَى صَالِحٍ لِيُحَنِّكَهُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ فِي يَوْمِ وِلَادَتِهِ وَاسْتِحْبَابُ التَّسْمِيَةِ بِعَبْدِ اللَّهِ وَكَرَاهَةُ الطُّرُوقِ لِلْقَادِمِ من سفر

(16/12)


إِذَا لَمْ يَعْلَمْ أَهْلُهُ بِقُدُومِهِ قَبْلَ ذَلِكَ وَفِيهِ جَوَازُ وَسْمُ الْحَيَوَانِ لِيَتَمَيَّزَ وَلِيُعْرَفَ فَيَرُدَّهَا مَنْ وَجَدَهَا وَفِيهِ تَوَاضُعُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ووسمه بيده قَوْلُهُ

[2458] (لَا أَتَطَهَّرُ طُهُورًا تَامًّا فِي سَاعَةٍ مِنْ لَيْلٍ وَلَا نَهَارٍ إِلَّا صَلَّيْتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كَتَبَ اللَّهُ أَنْ أُصَلِّيَ مَعْنَاهُ قَدَّرَ اللَّهُ لِي وَفِيهِ فَضِيلَةُ الصَّلَاةِ عَقِبَ الْوُضُوءِ وَأَنَّهَا سُنَّةٌ وَأَنَّهَا تُبَاحُ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَاسْتِوَائِهَا وَغُرُوبِهَا وَبَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ وَالْعَصْرِ لِأَنَّهَا ذَاتُ سَبَبٍ وَهَذَا مذهبنا

(16/13)


(بَاب مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وأمه رضي الله عَنْهُمَا)
قَوْلُهُ

[2459] (لَمَّا نَزَلَتْ لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمنوا وعملوا الصالحات جناح قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قيل لي أنت منهم) معناه أن بن مَسْعُودٍ مِنْهُمْ قَوْلُهُ

[2460] (فَكُنَّا حِينًا وَمَا نَرَى بن مَسْعُودٍ وَأُمَّهُ إِلَّا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ كَثْرَةِ دُخُولِهِمْ وَلُزُومِهِمْ لَهُ) أَمَّا قَوْلُهُ كُنَّا فَمَعْنَاهُ مَكَثْنَا وَقَوْلُهُ حِينًا أَيْ زَمَانًا قَالَ الشَّافِعِيُّ وأصحابه ومحققوا أهل وَغَيْرُهُمْ الْحِينُ يَقَعُ عَلَى الْقِطْعَةِ مِنَ الدَّهْرِ طالت أم قصرت وقوله مَا نُرَى بِضَمِّ النُّونِ أَيْ مَا نَظُنُّ وَقَوْلُهُ كَثْرَةِ بِفَتْحِ الْكَافِ عَلَى الْفَصِيحِ الْمَشْهُورِ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ كَسْرَهَا وَقَوْلُهُ دُخُولُهُمْ وَلُزُومُهُمْ جَمَعَهُمَا وَهُمَا اثْنَانِ هُوَ وَأُمُّهُ لِأَنَّ الِاثْنَيْنِ يَجُوزُ جَمْعُهُمَا

(16/14)


بِالِاتِّفَاقِ لَكِنَّ الْجُمْهُورَ يَقُولُونَ أَقَلُّ الْجَمْعِ ثَلَاثَةٌ فَجَمْعُ الِاثْنَيْنِ مَجَازٌ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ أَقَلُّهُ اثْنَانِ

(16/15)


فجمعهما حقيقة قوله

[2462] (عن بن مَسْعُودٍ قَالَ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يوم القيامة ثُمَّ قَالَ عَلَى قِرَاءَةِ مَنْ تَأْمُرُونَنِي أَنْ أقرأ إلى آخره) فيه مَحْذُوفٌ وَهُوَ مُخْتَصَرٌ مِمَّا جَاءَ فِي غَيْرِ هذه الرواية معناه أن بن مسعود كان مصحفه يخالف مُصْحَفُ الْجُمْهُورِ وَكَانَتْ مَصَاحِفُ أَصْحَابِهِ كَمُصْحَفِهِ فَأَنْكَرَ عَلَيْهِ النَّاسُ وَأَمَرُوهُ بِتَرْكِ مُصْحَفِهِ وَبِمُوَافَقَةِ مُصْحَفِ الجمهور وطلبوا مُصْحَفَهُ أَنْ يَحْرُقُوهُ كَمَا فَعَلُوا بِغَيْرِهِ فَامْتَنَعَ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ غُلُّوا مَصَاحِفَكُمْ أَيِ اكْتُمُوهَا وَمَنْ يغلل يأت بما غل يوم القيامة يَعْنِي فَإِذَا غَلَلْتُمُوهَا جِئْتُمْ بِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَكَفَى لَكُمْ بِذَلِكَ شَرَفًا ثُمَّ قَالَ عَلَى سَبِيلِ الْإِنْكَارِ وَمَنْ هُوَ الَّذِي تَأْمُرُونَنِي أَنْ آخُذَ بِقِرَاءَتِهِ وَأَتْرُكَ مُصْحَفِي الَّذِي أَخَذْتُهُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ

[2463] (وَلَقَدْ عَلِمَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَلَوْ أَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعْلَمُ مِنِّي لَرَحَلْتُ إِلَيْهِ قَالَ شَقِيقٌ فَجَلَسْتُ فِي حَلَقِ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَمَا سَمِعْتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَلَا يَعِيبُهُ) الْحَلَقُ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَاللَّامِ وَيُقَالُ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ قَالَ الْقَاضِي وَقَالَهَا الْحَرْبِيُّ بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ وَهُوَ جَمْعُ حَلْقَةٍ بِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ فَتْحَهَا أَيْضًا وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ فَتْحَهَا ضَعِيفٌ فَعَلَى قَوْلِ الْحَرْبِيِّ هُوَ كَتَمْرٍ وَتَمْرَةٍ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ ذِكْرِ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ بِالْفَضِيلَةِ وَالْعِلْمِ وَنَحْوِهِ لِلْحَاجَةِ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ فَإِنَّمَا هُوَ لِمَنْ زَكَّاهَا وَمَدَحَهَا لِغَيْرِ حَاجَةٍ بَلْ لِلْفَخْرِ وَالْإِعْجَابِ وَقَدْ كَثُرَتْ

(16/16)


تَزْكِيَةُ النَّفْسِ مِنَ الْأَمَاثِلِ عِنْدَ الْحَاجَةِ كَدَفْعِ شَرٍّ عَنْهُ بِذَلِكَ أَوْ تَحْصِيلِ مَصْلَحَةٍ لِلنَّاسِ أَوْ تَرْغِيبٍ فِي أَخْذِ الْعِلْمِ عَنْهُ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ فَمِنَ الْمَصْلَحَةِ قَوْلُ يُوسُفُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إني حفيظ عليم وَمِنْ دَفْعِ الشَّرِّ قَوْلُ عُثْمَانُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي وَقْتِ حِصَارِهِ أَنَّهُ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ وَحَفَرَ بِئْرَ رُومَةَ وَمِنَ التَّرْغِيبِ قَوْلُ بن مَسْعُودٍ هَذَا وَقَوْلُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ مَا بَقِيَ أَحَدٌ أَعْلَمُ بِذَلِكَ مِنِّي وَقَوْلُ غَيْرِهِ عَلَى الْخَبِيرِ سَقَطْتَ وَأَشْبَاهُهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الرِّحْلَةِ فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَالذَّهَابِ إِلَى الْفُضَلَاءِ حَيْثُ كَانُوا وَفِيهِ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يُنْكِرُوا قَوْلَ بن مَسْعُودٍ أَنَّهُ أَعْلَمُهُمْ وَالْمُرَادُ أَعْلَمُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَعْلَمَ مِنْ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وَغَيْرِهِمْ بِالسُّنَّةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مِنْهُمْ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى فَقَدْ يَكُونُ وَاحِدٌ أَعْلَمُ مِنْ آخَرَ بِبَابٍ مِنَ الْعِلْمِ أَوْ بِنَوْعٍ وَالْآخَرُ أَعْلَمُ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةِ وَقَدْ يَكُونُ وَاحِدٌ أَعْلَمُ مِنْ آخَرَ وَذَاكَ أَفْضَلُ عِنْدَ اللَّهِ بِزِيَادَةِ تَقْوَاهُ وَخَشْيَتِهِ وَوَرَعِهِ وَزُهْدِهِ وَطَهَارَةِ قَلْبِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا شَكَّ أَنَّ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ الْأَرْبَعَةَ كل منهم أفضل من بن مَسْعُودٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2464] (خُذُوا القرآن من أربعة وذكر منهم بن مَسْعُودٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ سَبَبُهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَكْثَرُ ضَبْطًا لِأَلْفَاظِهِ وَأَتْقَنُ لِأَدَائِهِ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُمْ أَفْقَهَ فِي مَعَانِيهِ مِنْهُمْ أَوْ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةُ تَفَرَّغُوا لِأَخْذِهِ مِنْهُ

(16/17)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُشَافَهَةً وَغَيْرُهُمُ اقْتَصَرُوا عَلَى أَخْذِ بَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ أَوْ لِأَنَّ هَؤُلَاءِ تَفَرَّغُوا لِأَنْ يُؤْخَذَ عَنْهُمْ أَوْ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ الْإِعْلَامَ بِمَا يَكُونُ بَعْدَ وَفَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ تَقَدُّمِ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَتَمَكُّنِهِمْ وَأَنَّهُمْ أَقْعَدُ من غيرهم في ذلك فليؤخذ عنهم

(16/18)


(بَاب مِنْ فَضَائِلِ أبي بن كعب وجماعة من الأنصار)
رضي الله عَنْهُمْ قَوْلُهُ

[2465] (جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَأُبِيُّ بْنُ كَعْبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ) قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِ بَعْضُ الْمَلَاحِدَةِ فِي تَوَاتُرِ الْقُرْآنِ وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ غَيْرَ الْأَرْبَعَةِ لَمْ يَجْمَعْهُ فَقَدْ يَكُونُ مُرَادُهُ الَّذِينَ عَلِمَهُمْ مِنَ الْأَنْصَارِ أَرْبَعَةٌ وَأَمَّا غَيْرُهُمْ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُهُمْ فَلَمْ يَنْفِهِمْ وَلَوْ نَفَاهُمْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْيَ عِلْمِهِ وَمَعَ هَذَا فَقَدْ رَوَى غَيْرُ مُسْلِمٍ حِفْظَ جَمَاعَاتٍ مِنَ الصَّحَابَةِ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَذَكَرَ مِنْهُمُ الْمَازِرِيُّ خَمْسَةَ عَشَرَ صَحَابِيًّا وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قُتِلَ يَوْمَ الْيَمَامَةِ سَبْعُونَ مِمَّنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ وَكَانَتِ الْيَمَامَةُ قَرِيبًا مِنْ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ قُتِلُوا مِنْ جَامِعِيهِ يَوْمئِذٍ فَكَيْفَ الظَّنُّ بِمَنْ لَمْ يُقْتَلْ مِمَّنْ حَضَرَهَا وَمَنْ لَمْ يَحْضُرْهَا وَبَقِيَ بِالْمَدِينَةِ أَوْ بِمَكَّةَ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَمْ يُذْكَرْ فِي هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ وَنَحْوُهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ يَبْعُدُ كُلُّ الْبُعْدِ أَنَّهُمْ لَمْ يَجْمَعُوهُ مَعَ كَثْرَةِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرِ وَحِرْصِهِمْ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ مِنَ الطَّاعَاتِ وَكَيْفَ نَظُنُّ هَذَا بِهِمْ وَنَحْنُ نَرَى أَهْلَ عَصْرِنَا حَفِظَهُ مِنْهُمْ فِي كُلِّ بَلْدَةٍ أُلُوفٌ مَعَ بُعْدِ رَغْبَتِهِمْ فِي الْخَيْرِ عَنْ دَرَجَةِ الصَّحَابَةِ مَعَ أَنَّ الصَّحَابَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ أَحْكَامٌ مُقَرَّرَةٌ يَعْتَمِدُونَهَا فِي سَفَرِهِمْ وَحَضَرِهِمْ إِلَّا الْقُرْآنَ وَمَا سَمِعُوهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ نَظُنُّ بِهِمْ إِهْمَالِهِ فَكُلُّ هَذَا وَشِبْهُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ أَحَدٌ يَجْمَعُ الْقُرْآنَ إِلَّا الْأَرْبَعَةُ الْمَذْكُورُونَ الْجَوَابُ

(16/19)


الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَجْمَعْهُ إِلَّا الْأَرْبَعَةُ لَمْ يَقْدَحْ فِي تَوَاتُرِهِ فَإِنَّ أَجْزَاءَهُ حَفِظَ كُلَّ جُزْءٍ مِنْهَا خَلَائِقُ لَا يُحْصَوْنَ يَحْصُلُ التَّوَاتُرُ بِبَعْضِهِمْ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ التَّوَاتُرِ أَنْ يَنْقُلَ جَمِيعُهُمْ جَمِيعَهُ بَلْ إِذَا نَقَلَ كُلَّ جُزْءٍ عَدَدُ التَّوَاتُرِ صَارَتِ الْجُمْلَةُ مُتَوَاتِرَةً بِلَا شَكٍّ وَلَمْ يُخَالِفْ فِي هَذَا مُسْلِمٌ وَلَا مُلْحِدٌ وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ قَوْلُهُ (قُلْتُ لِأَنَسٍ مَنْ أَبُو زَيْدٍ قَالَ أَحَدُ عُمُومَتِي) أبوزيد هَذَا هُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدِ بْنِ النُّعْمَانَ الْأَوْسِيُّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ بَدْرِيٌّ يعرف بسعد القارىء اسْتُشْهِدَ بِالْقَادِسِيَّةِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ فِي أَوَّلِ خِلَافَةِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال بن عَبْدِ الْبَرِّ هَذَا هُوَ قَوْلُ أَهْلِ الْكُوفَةِ وَخَالَفَهُمْ غَيْرُهُمْ فَقَالُوا هُوَ قَيْسُ بْنُ السَّكَنِ الْخَزْرَجِيُّ مِنْ بَنِي عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ بَدْرِيٌّ قَالَ مُوسَى بْنُ عُقْبَةَ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ جَيْشِ أَبِي عُبَيْدٍ بِالْعِرَاقِ سَنَةَ خَمْسَ عَشْرَةَ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

[799] (إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا قال وَسَمَّانِي قَالَ نَعَمْ قَالَ فَبَكَى) وَفِي رِوَايَةٍ فجعل

(16/20)


يَبْكِي أَمَّا بُكَاؤُهُ فَبُكَاءُ سُرُورٍ وَاسْتِصْغَارٍ لِنَفْسِهِ عَنْ تَأْهِيلِهِ لِهَذِهِ النِّعْمَةِ وَإِعْطَائِهِ هَذِهِ الْمَنْزِلَةِ وَالنِّعْمَةُ فِيهَا مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا كَوْنُهُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بِعَيْنِهِ وَلِهَذَا قَالَ وَسَمَّانِي مَعْنَاهُ نَصَّ عَلَيَّ بِعَيْنِي أَوْ قَالَ اقْرَأْ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِكَ قَالَ بَلْ سَمَّاكَ فَتَزَايَدَتِ النِّعْمَةُ وَالثَّانِي قِرَاءَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّهَا مَنْقَبَةٌ عَظِيمَةٌ لَهُ لَمْ يُشَارِكْهُ فِيهَا أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ وَقِيلَ إِنَّمَا بَكَى خَوْفًا مِنْ تَقْصِيرِهِ فِي شُكْرِ هَذِهِ النِّعْمَةِ وَأَمَّا تَخْصِيصُ هَذِهِ السُّورَةِ بِالْقِرَاءَةِ فَلِأَنَّهَا مَعَ وَجَازَتِهَا جَامِعَةٌ لِأُصُولٍ وَقَوَاعِدَ وَمُهِمَّاتٍ عَظِيمَةٍ وَكَانَ الْحَالُ يقتضي الاختصار وأما الحكمة في أمره بالقرا ءة عَلَى أُبَيٍّ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي هِيَ أَنْ يَتَعَلَّمَ أُبَيٌّ أَلْفَاظَهُ وَصِيغَةَ أَدَائِهِ وَمَوَاضِعَ الْوُقُوفِ وَصُنْعَ النَّغَمِ فِي نَغَمَاتِ الْقُرْآنِ عَلَى أُسْلُوبٍ أَلِفَهُ الشَّرْعُ وَقَدَّرَهُ بِخِلَافِ مَا سِوَاهُ مِنَ النَّغَمِ الْمُسْتَعْمَلِ فِي غَيْرِهِ وَلِكُلٍّ ضَرْبٌ مِنَ النَّغَمِ مَخْصُوصٌ فِي النُّفُوسِ فَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ عَلَيْهِ لِيَتَعَلَّمَ مِنْهُ وَقِيلَ قَرَأَ عَلَيْهِ لِيَسُنَّ عَرْضَ الْقُرْآنِ عَلَى حُفَّاظِهِ الْبَارِعِينَ فِيهِ الْمُجِيدِينَ لِأَدَائِهِ وَلِيَسُنَّ التَّوَاضُعَ فِي أَخْذِ الْإِنْسَانِ الْقُرْآنَ وَغَيْرَهِ مِنَ الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ مِنْ أَهْلِهَا وَإِنْ كَانُوا دُونَهُ فِي النَّسَبِ وَالدِّينِ وَالْفَضِيلَةِ وَالْمَرْتَبَةِ وَالشُّهْرَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلِيُنَبِّهَ النَّاسَ عَلَى فَضِيلَةِ أُبَيٍّ فِي ذَلِكَ وَيَحُثَّهُمْ عَلَى الْأَخْذِ مِنْهُ وَكَانَ كَذَلِكَ فَكَانَ بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأْسًا وَإِمَامًا مَقْصُودًا فِي ذَلِكَ مَشْهُورًا بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(16/21)


(بَاب مِنْ فَضَائِلِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2466]

[2467] (اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ) اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَاهْتِزَازُ الْعَرْشِ تَحَرُّكُهُ فَرَحًا بِقُدُومِ رُوحِ سَعْدٍ وَجَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْعَرْشِ تَمْيِيزًا حَصَلَ بِهِ هَذَا وَلَا مَانِعَ مِنْهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ قَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَأَنَّ الْعَرْشَ تَحَرَّكَ لِمَوْتِهِ قَالَ وَهَذَا لَا يُنْكَرُ مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ لِأَنَّ الْعَرْشَ جِسْمٌ مِنَ الْأَجْسَامِ يَقْبَلُ الْحَرَكَةَ وَالسُّكُونَ قَالَ لَكِنْ لَا تَحْصُلُ فَضِيلَةُ سَعْدٍ بِذَلِكَ إِلَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ حَرَكَتَهُ عَلَامَةً لِلْمَلَائِكَةِ عَلَى مَوْتِهِ وَقَالَ آخَرُونَ الْمُرَادُ اهْتِزَازُ أَهْلِ الْعَرْشِ وَهُمْ حَمَلَتُهُ وَغَيْرِهُمْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَالْمُرَادُ بِالِاهْتِزَازِ الِاسْتِبْشَارُ وَالْقَبُولُ وَمِنْهُ قَوْلُ الْعَرَبِ فُلَانٌ يَهْتَزُّ لِلْمَكَارِمِ لَا يُرِيدُونَ اضْطِرَابَ جِسْمِهِ وَحَرَكَتَهُ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ ارْتِيَاحَهُ إِلَيْهَا وَإِقْبَالَهُ عَلَيْهَا وَقَالَ الْحَرْبِيُّ هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ تعظيم شأن وفاته والعرب تنسب الشئ الْمُعَظَّمَ إِلَى أَعْظَمِ الْأَشْيَاءَ فَيَقُولُونَ أَظْلَمَتْ لِمَوْتِ فُلَانٍ الْأَرْضُ وَقَامَتْ لَهُ الْقِيَامَةُ وَقَالَ جَمَاعَةٌ الْمُرَادُ اهْتِزَازُ سَرِيرِ الْجِنَازَةِ وَهُوَ النَّعْشُ وَهَذَا الْقَوْلُ بَاطِلٌ يَرُدُّهُ صَرِيحُ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ اهْتَزَّ لِمَوْتِهِ عَرْشُ الرَّحْمَنِ وَإِنَّمَا قَالَ هَؤُلَاءِ هَذَا التَّأْوِيلَ لِكَوْنِهِمْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَاتُ الَّتِي فِي مُسْلِمٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ

[2468] (فَجَعَلَ أَصْحَابُهُ يَلْمِسُونَهَا) هُوَ بِضَمِّ

(16/22)


الْمِيمِ وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمَنَادِيلُ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنْهَا وَأَلْيَنُ) الْمَنَادِيلُ جَمْعُ مِنْدِيلٍ بِكَسْرِ الْمِيمِ فِي الْمُفْرَدِ وَهُوَ هَذَا الَّذِي يُحْمَلُ فِي اليد قال بن الأعرابي وبن فَارِسٍ وَغَيْرُهُمَا هُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ النَّدْلِ وَهُوَ النَّقْلُ لِأَنَّهُ يُنْقَلُ مِنْ وَاحِدٍ إِلَى وَاحِدٍ وَقِيلَ مِنَ النَّدْلِ وَهُوَ الْوَسَخُ لِأَنَّهُ يُنْدَلُ بِهِ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ يُقَالُ مِنْهُ تَنَدَّلْتُ بِالْمِنْدِيلِ قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَيُقَالُ أَيْضًا تَمَنْدَلْتُ قَالَ وَأَنْكَرَ الْكَسَائِيُّ قَالَ وَيُقَالُ أَيْضًا تَمَدَّلْتُ وَقَالَ الْعُلَمَاءُ هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى عَظِيمِ مَنْزِلَةِ سَعْدٍ فِي الْجَنَّةِ وَأَنَّ أَدْنَى ثِيَابِهِ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ هَذِهِ لِأَنَّ الْمِنْدِيلَ أَدْنَى الثِّيَابِ لِأَنَّهُ مُعَدٌّ لِلْوَسَخِ وَالِامْتِهَانِ فَغَيْرُهُ أَفْضَلُ وَفِيهِ إِثْبَاتُ الْجَنَّةِ لِسَعْدٍ قَوْلُهُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ (أُهْدِيَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُلَّةُ حَرِيرٍ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى ثَوْبُ حَرِيرٍ

[2469] وَفِي الْأُخْرَى جُبَّةُ قَالَ الْقَاضِي رِوَايَةُ الْجُبَّةِ بِالْجِيمِ والباء لأنه

(16/23)


كَانَ ثَوْبًا وَاحِدًا كَمَا صُرِّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالْأَكْثَرُونَ يَقُولُونَ الْحُلَّةُ لَا تَكُونُ إِلَّا ثَوْبَيْنِ يَحُلُّ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ فَلَا يَصِحُّ الْحُلَّةُ هُنَا وَأَمَّا مَنْ يَقُولُ الْحُلَّةُ ثَوْبٌ وَاحِدٌ جَدِيدٌ قَرِيبُ الْعَهْدِ بِحِلِّهِ مِنْ طَيِّهِ فَيَصِحُّ وَقَدْ جَاءَ فِي كُتُبِ السِّيَرِ أنها كانت قباء وأما قوله أَهْدَى أُكَيْدِرَ دَوْمَةَ الْجَنْدَلِ فَسَبَقَ بَيَانُ حَالِ أُكَيْدِرٍ وَاخْتِلَافُهُمْ فِي إِسْلَامِهِ وَنَسَبِهِ وَأَنَّ دَوْمَةَ بِفَتْحِ الدَّالِ وَضَمِّهَا وَذَكَرْنَا مَوْضِعَهَا فِي كِتَابِ الْمَغَازِي وَسَبَقَ بَيَانُ أَحْكَامِ الْحَرِيرِ فِي كِتَابِ اللِّبَاسِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي دجانة سماك بن حرشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)
هُوَ بِضَمِّ الدَّالِ وَتَخْفِيفِ الْجِيمِ قَوْلُهُ

[2470] (فَأَحْجَمَ الْقَوْمُ) هُوَ بِحَاءٍ ثُمَّ جِيمٍ هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَفِي بَعْضِهَا بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ عَلَى الْحَاءِ وَادَّعَى الْقَاضِي عِيَاضٌ أَنَّ الرِّوَايَةَ بِتَقْدِيمِ الْجِيمِ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَهُ قَالَ فَهُمَا لُغَتَانِ وَمَعْنَاهُمَا تَأَخَّرُوا وَكَفُّوا قَوْلُهُ (فَفَلَقَ بِهِ هَامَ الْمُشْرِكِينَ) أَيْ شق رؤوسهم

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بن حرام والد جابر رضي الله عنه)
قوله

[2471] (جئ بِأَبِي مُسَجًّى وَقَدْ مُثِلَ بِهِ) الْمُسَجَّى الْمُغَطَّى وَمُثِلَ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِ الثَّاءِ الْمُخَفَّفَةِ يُقَالُ

(16/24)


مثل بالقتيل والحيوان يمثل مثلا كقتل يقتل قَتْلًا إِذَا قَطَعَ أَطْرَافَهُ أَوْ أَنْفَهُ أَوْ أُذُنَهُ أَوْ مَذَاكِيرَهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ وَالِاسْمُ الْمُثْلَةُ فَأَمَّا مَثَّلَ بِالتَّشْدِيدِ فَهُوَ لِلْمُبَالَغَةِ وَالرِّوَايَةُ هُنَا بِالتَّخْفِيفِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجْنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ) قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّ ذَلِكَ لِتَزَاحُمِهِمْ عَلَيْهِ لِبِشَارَتِهِ بِفَضْلِ اللَّهِ وَرِضَاهُ عَنْهُ وَمَا أُعِدَّ لَهُ من الكرامة عليه ازْدَحَمُوا عَلَيْهِ إِكْرَامًا لَهُ وَفَرَحًا بِهِ أَوْ أَظَلُّوهُ مِنْ حَرِّ الشَّمْسِ لِئَلَّا يَتَغَيَّرَ رِيحُهُ أَوْ جِسْمُهُ قَوْلُهُ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَبْكِيهِ أَوْ لَا تَبْكِيهِ مازالت الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ) مَعْنَاهُ سَوَاءٌ بَكَتْ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَمَا زَالَتِ الْمَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ أَيْ فَقَدْ حَصَلَ لَهُ مِنَ الْكَرَامَةِ هَذَا وَغَيْرُهُ فَلَا يَنْبَغِي الْبُكَاءُ عَلَى مِثْلِ هَذَا

(16/25)


وَفِي هَذَا تَسْلِيَةٌ لَهَا قَوْلُهُ (عَنْ عَبْدِ الْكَرِيمِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا قَالَ القاضي ووقع في نسخة بن مَاهَانَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ حُسَيْنٍ عَنْ جَابِرٍ بَدَلُ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ قَالَ الْجَيَّانِيُّ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو السعود الدمشقي قوله (جئ بِأَبِي مُجَدَّعًا) أَيْ مَقْطُوعَ الْأَنْفِ وَالْأُذُنَيْنِ قَالَ الْخَلِيلُ الْجَدْعُ قَطْعُ الْأَنْفِ وَالْأُذُنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ جُلَيْبِيبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)
هُوَ بِضَمِّ الْجِيمِ قَوْلُهُ

[2472] (كَانَ فِي مَغْزًى لَهُ) أَيْ فِي سَفَرِ غَزْوٍ وَفِي حَدِيثِهِ أَنَّ الشَّهِيدَ لَا يُغَسَّلُ وَلَا يُصَلَّى عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَذَا مِنِّي وَأَنَا مِنْهُ) مَعْنَاهُ الْمُبَالَغَةُ فِي اتِّحَادِ طَرِيقَتِهِمَا وَاتِّفَاقِهِمَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى

(16/26)


(بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه)
قوله

[2473] (فنثا عَلَيْنَا الَّذِي قِيلَ لَهُ) هُوَ بِنُونٍ ثُمَّ مُثَلَّثَةٍ أَيْ أَشَاعَهُ وَأَفْشَاهُ قَوْلُهُ (فَقَرَّبْنَا صِرْمَتَنَا) هِيَ بِكَسْرِ الصَّادِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ الْإِبِلِ وَتُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى الْقِطْعَةِ مِنَ الْغَنَمِ قَوْلُهُ (فَنَافَرَ أُنَيْسٌ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا فَأَتَيَا الكاهن فخير أنيسا فأتانا أنيس بصرمتنا أو مثلها مَعَهَا) قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ فِي شَرْحِ هَذَا الْمُنَافَرَةُ الْمُفَاخَرَةُ وَالْمُحَاكَمَةُ فَيَفْخَرُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الرَّجُلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ ثُمَّ يَتَحَاكَمَانِ إِلَى رَجُلٍ لِيَحْكُمَ أَيُّهُمَا خَيْرٌ وَأَعَزُّ نَفَرًا وَكَانَتْ هَذِهِ الْمُفَاخَرَةُ فِي الشِّعْرِ أَيُّهُمَا أَشْعَرُ كَمَا بَيَّنَهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَقَوْلُهُ (نَافَرَ عَنْ صِرْمَتِنَا وَعَنْ مِثْلِهَا) مَعْنَاهُ تَرَاهَنَ هُوَ وَآخَرُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ وَكَانَ الرَّهْنُ صِرْمَةُ ذَا وَصِرْمَةُ ذَاكَ فَأَيُّهُمَا كَانَ أَفْضَلُ أَخْذَ الصِّرْمَتَيْنِ فَتَحَاكَمَا إِلَى الْكَاهِنِ فَحَكَمَ بِأَنَّ أُنَيْسًا أَفْضَلُ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ فَخَيَّرَ أُنَيْسًا أَيْ جَعَلَهُ الْخِيَارَ وَالْأَفْضَلَ قَوْلُهُ (حَتَّى إِذَا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ أَلْقَيْتُ كَأَنِّي

(16/27)


خِفَاءٌ) هُوَ بِكَسْرِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَتَخْفِيفِ الْفَاءِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ الْكِسَاءُ وَجَمْعُهُ أَخْفِيَةٌ كَكِسَاءٍ وَأَكْسِيَةٍ قال القاضي ورواه بعضهم عن بن مَاهَانَ جُفَاءٌ بِجِيمٍ مَضْمُومَةٍ وَهُوَ غُثَاءُ السَّيْلِ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ (فَرَاثَ عَلَيَّ) أَيْ أَبْطَأَ قَوْلُهُ (أَقْرَاءُ الشِّعْرِ) أَيْ طُرُقُهُ وَأَنْوَاعُهُ وَهِيَ بِالْقَافِ وَالرَّاءِ وَبِالْمَدِّ قَوْلُهُ (أَتَيْتُ مَكَّةَ فَتَضَعَّفْتُ رَجُلًا مِنْهُمْ) يَعْنِي نَظَرْتُ إِلَى أَضْعَفِهِمْ فَسَأَلْتُهُ لِأَنَّ الضَّعِيفَ مَأْمُونُ الْغَائِلَةِ غَالِبًا وفي رواية بن مَاهَانَ فَتَضَيَّفْتُ بِالْيَاءِ وَأَنْكَرَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ قَالُوا لَا وَجْهَ لَهُ هُنَا قَوْلُهُ (كَأَنِّي نُصُبٌ أَحْمَرُ) يَعْنِي مِنْ كَثْرَةِ الدِّمَاءِ الَّتِي سَالَتْ في بصرتهم والنصب الصم وَالْحَجَرُ كَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَنْصِبُهُ وَتَذْبَحُ عِنْدَهُ فَيَحْمَرُّ بِالدَّمِ وَهُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَإِسْكَانِهَا وَجَمْعُهُ أَنْصَابٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ قَوْلُهُ (حَتَّى تَكَسَّرَتْ عُكَنُ بَطْنِي) يَعْنِي انْثَنَتْ لِكَثْرَةِ السِّمَنِ وَانْطَوَتْ قَوْلُهُ (وَمَا وَجَدْتُ عَلَى كَبِدِي سَخْفَةَ جُوعٍ) هِيَ بِفَتْحِ السِّينِ

(16/28)


الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّهَا وَإِسْكَانِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَهِيَ رِقَّةُ الْجُوعِ وَضَعْفِهِ وَهُزَالِهِ قَوْلُهُ (فَبَيْنَا أَهْلُ مَكَّةَ فِي لَيْلَةٍ قَمْرَاءَ إِضْحِيَانٍ إِذْ ضُرِبَ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ فَمَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ أَحَدٌ وَامْرَأَتَيْنِ مِنْهُمْ تَدْعُوَانِ إِسَافًا وَنَائِلَةَ) أَمَّا قَوْلُهُ قَمْرَاءَ فَمَعْنَاهُ مُقْمِرَةٌ طَالِعٌ قَمَرُهَا وَالْإِضْحِيَانُ بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَالْحَاءِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بَيْنَهُمَا وَهِيَ الْمُضِيئَةُ وَيُقَالُ ليلة أضحيان وإضحياته وَضَحْيَاءُ وَيَوْمٌ ضَحْيَانُ وَقَوْلُهُ عَلَى أَسْمِخَتِهِمْ هَكَذَا هو في جميع النسخ وهو جمع سماخ وَهُوَ الْخَرْقُ الَّذِي فِي الْأُذُنِ يُفْضِي إِلَى الرَّأْسِ يُقَالُ صِمَاخٌ بِالصَّادِ وَسِمَاخٌ بِالسِّينِ الصَّادِ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَالْمُرَادُ بِأَصْمِخَتِهِمْ هُنَا آذَانُهُمْ أَيْ نَامُوا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فَضَرَبْنَا عَلَى آذَانِهِمْ أَيْ أَنَمْنَاهُمْ قَوْلُهُ (وَامْرَأَتَيْنِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ بِالْيَاءِ وَفِي بَعْضِهَا وَامْرَأَتَانِ بِالْأَلِفِ وَالْأَوَّلُ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ أَيْ وَرَأَيْتُ امْرَأَتَيْنِ قَوْلُهُ (فَمَا تَنَاهَتَا عَنْ قَوْلِهِمَا) أَيْ مَا انتهتا عَنْ قَوْلِهِمَا بَلْ دَامَتَا عَلَيْهِ وَوَقَعَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ فَمَا تَنَاهَتَا عَلَى قَوْلِهِمَا وَهُوَ صَحِيحٌ أَيْضًا وَتَقْدِيرُهُ مَا تَنَاهَتَا مِنَ الدَّوَامِ عَلَى قَوْلِهِمَا قَوْلُهُ (فَقُلْتُ هَنٌ مِثْلُ الْخَشَبَةِ غَيْرَ أَنِّي لَا أَكْنِي) الْهَنُ وَالْهَنَةُ بِتَخْفِيفِ نونهما هو كناية عن كل شئ وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ كِنَايَةً عَنِ الْفَرْجِ وَالذَّكَرِ فَقَالَ لَهُمَا وَمَثَّلَ الْخَشَبَةَ بِالْفَرْجِ وَأَرَادَ بِذَلِكَ سَبَّ إِسَافَ وَنَائِلَةَ وَغَيْظَ الْكُفَّارِ بِذَلِكَ قَوْلُهُ (فانطلقتا تولولان وتقولان لو كان ها هنا أَحَدٌ مِنْ أَنْفَارِنَا) الْوَلْوَلَةُ الدُّعَاءُ بِالْوَيْلِ وَالْأَنْفَارُ جمع نفر أو نفير وهوالذي يَنْفِرُ عِنْدَ الِاسْتِغَاثَةِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ أَنْصَارُنَا وَهُوَ بِمَعْنَاهُ وَتَقْدِيرُهُ لَوْ كَانَ هُنَا أَحَدٌ مِنْ أَنْصَارِنَا لَانْتَصَرَ لَنَا قَوْلُهُ (كَلِمَةٌ تَمْلَأُ الْفَمَ) أي عظيمة لا شئ أقبح منها كالشئ

(16/29)


الذي يملأ الشئ وَلَا يَسَعُ غَيْرَهُ وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يُمْكِنُ ذِكْرُهَا وَحِكَايَتُهَا كَأَنَّهَا تَسُدُّ فَمَ حَاكِيهَا وَتَمْلَؤُهُ لِاسْتِعْظَامِهَا قَوْلُهُ (فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الاسلام فقال وعليك ورحمة اللَّهِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَعَلَيْكَ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ السَّلَامِ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِأَحَدِ الْوَجْهَيْنِ لِأَصْحَابِنَا أَنَّهُ إِذَا قَالَ فِي رَدِّ السَّلَامِ وَعَلَيْكَ يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْعَطْفَ يَقْتَضِي كَوْنَهُ جَوَابًا وَالْمَشْهُورُ مِنْ أَحْوَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَحْوَالِ السَّلَفِ رَدُّ السَّلَامِ بِكَمَالِهِ فَيَقُولُ وعليكم السلام ورحمة الله أو ورحمته وبركاته وسبق ايضاحه في بابه قوله (فقد عني صَاحِبُهُ) أَيْ كَفَّنِي يُقَالُ قَدَعَهُ وَأَقْدَعَهُ إِذَا كَفَّهُ وَمَنَعَهُ وَهُوَ بِدَالٍ مُهْمَلَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي زَمْزَمَ (إِنَّهَا طَعَامُ طُعْمٍ) هُوَ بِضَمِّ الطَّاءِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ أَيْ تُشْبِعُ شَارِبَهَا كَمَا يُشْبِعُهُ الطَّعَامُ قَوْلُهُ (غَبَرَتْ مَا غَبَرَتْ) أَيْ بَقِيَتْ مَا بَقِيَتْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(16/30)


(أنه قد وجهت لي أرض) أي أريت جِهَتَهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا أُرَاهَا إِلَّا يَثْرِبَ) ضَبَطُوهُ أُرَاهَا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِهَا وَهَذَا كَانَ قَبْلَ تَسْمِيَةِ الْمَدِينَةِ طَابَةَ وَطَيْبَةَ وَقَدْ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدِيثٌ فِي النَّهْيِ عَنْ تَسْمِيَتِهَا يَثْرِبَ أَوْ أَنَّهُ سَمَّاهَا باسمها المعروف عند الناس حينئذ قوله (مابي رَغْبَةً عَنْ دِينِكُمَا) أَيْ لَا أَكْرَهُهُ بَلْ أَدْخُلُ فِيهِ قَوْلُهُ (فَاحْتَمَلْنَا) يَعْنِي حَمَلْنَا أَنْفُسَنَا وَمَتَاعَنَا عَلَى إِبِلِنَا وَسِرْنَا قَوْلُهُ (إِيْمَاءُ بْنُ رَحَضَةَ الْغِفَارِيُّ) قَوْلُهُ إِيْمَاءُ مَمْدُودٌ وَالْهَمْزَةُ فِي أَوَّلِهِ مَكْسُورَةٌ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْقَاضِي فَتْحَهَا ايضا وأشار إلى ترجيحه وليس براجح ورحضة بِرَاءٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَضَادٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَاتٍ قَوْلُهُ (شَنِفُوا لَهُ وَتَجَهَّمُوا) هُوَ بِشِينٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ نُونٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ فَاءٍ

(16/31)


أَيْ أَبْغَضُوهُ وَيُقَالُ رَجُلٌ شَنِفٌ مِثَالُ حَذِرٍ أَيْ شَانِئٌ مُبْغِضٌ وَقَوْلُهُ تَجَهَّمُوا أَيْ قَابَلُوهُ بِوُجُوهٍ غَلِيظَةٍ كَرِيهَةٍ قَوْلُهُ (فَأَيْنَ كُنْتَ تَوَجَّهَ) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْجِيمِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ تُوَجِّهُ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْجِيمِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ (فَتَنَافَرَا إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْكُهَّانِ) أَيْ تَحَاكَمَا إِلَيْهِ قَوْلُهُ (أَتْحِفْنِي بِضِيَافَتِهِ) أَيْ خُصَّنِي بِهَا وَأَكْرِمْنِي بِذَلِكَ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ التُّحْفَةُ بِإِسْكَانِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا هُوَ مَا يُكْرَمُ بِهِ الْإِنْسَانُ وَالْفِعْلُ مِنْهُ أَتْحَفَهُ قَوْلُهُ

[2474] (إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَرْعَرَةَ السَّامِيُّ) هُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى أُسَامَةَ بْنِ لُؤَيٍّ

(16/32)


وَعَرْعَرَةُ بِعَيْنَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ مَفْتُوحَتَيْنِ بَيْنَهُمَا رَاءٌ سَاكِنَةٌ قَوْلُهُ (فَانْطَلَقَ الْآخَرُ حَتَّى قَدِمَ مَكَّةَ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا الْأَخُ بَدَلَ الْآخَرِ وَهُوَ هُوَ فَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ (مَا شَفَيْتنِي فِيمَا أَرَدْتُ) كَذَا فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ فِيمَا بِالْفَاءِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ مِمَّا بِالْمِيمِ وَهُوَ أَجْوَدُ أَيْ مَا بَلَّغْتنِي غَرَضِي وَأَزَلْتُ عَنِّي هَمَّ كَشْفِ هَذَا الْأَمْرِ قَوْلُهُ (وَحَمَلَ شَنَّةً) هِيَ بِفَتْحِ الشِّينِ وَهِيَ الْقِرْبَةُ الْبَالِيَةُ قَوْلُهُ فَرَآهُ عَلِيٌّ فَعَرَفَ أَنَّهُ غَرِيبٌ (فَلَمَّا رَآهُ تَبِعَهُ) كَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ مُسْلِمٍ تَبِعَهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ أَتْبَعُهُ قَالَ الْقَاضِي هِيَ أَحْسَنُ وَأَشْبَهُ بِمَسَاقِ الْكَلَامِ وَتَكُونُ بِإِسْكَانِ التَّاءِ أَيْ قَالَ لَهُ اتْبَعْنِي قَوْلُهُ (احْتَمَلَ قُرَيْبَتَهُ) بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى التَّصْغِيرِ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ قِرْبَتَهُ بِالتَّكْبِيرِ وَهِيَ الشنة المذكورة قبله قوله (ماأني لِلرَّجُلِ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ آنَ وَهُمَا لُغَتَانِ أَيْ مَا حَانَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ أَمَا بزيادة ألف

(16/33)


الِاسْتِفْهَامِ وَهِيَ مُرَادَةٌ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى وَلَكِنْ حُذِفَتْ وَهُوَ جَائِزٌ قَوْلُهُ (فَانْطَلَقَ يَقْفُوهُ) أَيْ يَتْبَعُهُ قَوْلُهُ (لَأَصْرُخَنَّ بِهَا بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ) هُوَ بِضَمِّ الرَّاءِ مِنْ لَأَصْرُخَنَّ أَيْ لَأَرْفَعَنَّ صَوْتِي بِهَا وَقَوْلُهُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ وَهُوَ بِفَتْحِ النُّونِ وَيُقَالُ بَيْنَ ظَهْرَيْهِمْ

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ جَرِيرِ بن عبد الله رضي الله عَنْهُ)
قَوْلُهُ

[2475] (مَا حَجَبَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُنْذُ أَسْلَمْتُ وَلَا رَآنِي إِلَّا ضَحِكَ) مَعْنَاهُ مَا مَنَعَنِي

(16/34)


الدُّخُولَ عَلَيْهِ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَمَعْنَى ضَحِكَ تَبَسَّمَ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ وَفَعَلَ ذَلِكَ إِكْرَامًا وَلُطْفًا وَبَشَاشَةً فَفِيهِ اسْتِحْبَابُ هَذَا اللُّطْفِ لِلْوَارِدِ وَفِيهِ فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِجَرِيرٍ قَوْلُهُ

[2476] (ذُو الْخَلَصَةَ) بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَاللَّامِ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَحَكَى الْقَاضِي أَيْضًا ضَمَّ الْخَاءِ مَعَ فَتْحِ اللَّامِ وَحَكَى أَيْضًا فَتْحَ الْخَاءِ وَسُكُونَ اللَّامِ وَهُوَ بَيْتٌ فِي الْيَمَنِ كَانَ فِيهِ أَصْنَامٌ يَعْبُدُونَهَا قَوْلُهُ (وَكَانَ يُقَالُ لَهُ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ وَالْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ بِغَيْرِ وَاوٍ هَذَا اللَّفْظُ فِيهِ إِيهَامٌ وَالْمُرَادُ أَنَّ ذَا الْخَلَصَةَ كَانُوا يُسَمُّونَهَا الْكَعْبَةَ الْيَمَانِيَّةَ وَكَانَتِ الكعبة الكريمة التي بمكة تسمى الكعبة الشاميةففرقوا بَيْنَهُمَا لِلتَّمْيِيزِ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ فَيَتَأَوَّلُ اللَّفْظُ عَلَيْهِ وَتَقْدِيرُهُ يُقَالُ لَهُ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ وَيُقَالُ لِلَّتِي بِمَكَّةَ الشَّامِيَّةُ وَأَمَّا مَنْ رَوَاهُ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ الْكَعْبَةُ الشَّامِيَّةُ بِحَذْفِ الْوَاوِ فَمَعْنَاهُ كَأَنْ يُقَالَ هَذَانِ اللَّفْظَانِ أَحَدُهُمَا لِمَوْضِعٍ وَالْآخَرُ لِلْآخَرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ ذِي الْخَلَصَةِ وَالْكَعْبَةِ الْيَمَانِيَّةِ وَالشَّامِيَّةِ فَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ ذِكْرُ الشَّامِيَّةِ وَهَمٌ وَغَلَطٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَالصَّوَابُ حَذْفُهُ وَقَدْ ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَلَيْسَ فِيهِ هَذِهِ الزِّيَادَةُ وَالْوَهَمُ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ بَلْ يُمْكِنُ تَأْوِيلُ هَذَا اللَّفْظِ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ هَلْ أَنْتَ مُرِيحِي مِنْ قَوْلِهِمْ الْكَعْبَةُ الْيَمَانِيَّةُ وَالشَّامِيَّةُ وَوُجُودُ هَذَا الْمَوْضِعِ الذي

(16/35)


يَلْزَمُ مِنْهُ هَذِهِ التَّسْمِيَةُ قَوْلُهُ (فَنَفَرْتُ) أَيْ خَرَجْتُ لِلْقِتَالِ قَوْلُهُ (تُدْعَى كَعْبَةَ الْيَمَانِيَّةِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ مِنْ إِضَافَةِ الْمَوْصُوفِ إِلَى صِفَتِهِ وَأَجَازَهُ الْكُوفِيُّونَ وَقَدَّرَ الْبَصْرِيُّونَ فِيهِ حَذْفًا أَيْ كَعْبَةَ الْجِهَةِ الْيَمَانِيَّةِ وَالْيَمَانِيَةُ بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ تَشْدِيدِهَا وَسَبَقَ إِيضَاحُهُ فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلُهُ (كَأَنَّهَا جَمَلٌ أَجْرَبُ) قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ مَطْلِيٌّ بِالْقَطِرَانِ لِمَا بِهِ مِنَ الْجَرَبِ فَصَارَ أَسْوَدَ لِذَلِكَ يَعْنِي صَارَتْ سَوْدَاءَ مِنْ إِحْرَاقِهَا وَفِيهِ النِّكَايَةُ بِآثَارِ الباطل والمبالغة

(16/36)


فِي إِزَالَتِهِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ اسْتِحْبَابُ إِرْسَالِ الْبَشِيرِ بِالْفُتُوحِ وَنَحْوِهَا قَوْلُهُ (فَجَاءَ بَشِيرُ جَرِيرٍ أَبُو أَرْطَاةَ حُصَيْنُ بْنُ رَبِيعَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ حُصَيْنُ بِالصَّادِ وَفِي أَكْثَرِهَا حُسَيْنُ بِالسِّينِ وَذَكَرَ الْقَاضِي الْوَجْهَيْنِ قَالَ وَالصَّوَابُ الصاد وهو الموجود في نسخة بن ماهان

(باب من فَضَائِلِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)
قَوْلُهُ

[2477] (حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ وَأَبُو بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا أَبُو بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وفي نسخة العذرى أبوبكر بْنِ أَبِي النَّضْرِ قَالَ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ هُوَ أَبُو بَكْرِ بْنِ النَّضْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمُ بْنُ الْقَاسِمِ سَمَّاهُ الْحَاكِمُ أَحْمَدَ وَسَمَّاهُ الكلابادي مُحَمَّدًا هَذَا مَا ذَكَرَهُ الْقَاضِي مِمَّنْ قَالَ اسمه أحمد عبد الله بن أحمد الدورقي وَقَالَ السِّرَاجُ سَأَلْتُهُ عَنِ اسْمِهِ فَقَالَ اسْمِي كُنْيَتِي وَهَذَا هُوَ الْأَشْهَرُ وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ فِي كِتَابِهِ الْكُنَى غَيْرَهَ وَالْمَشْهُورُ فِيهِ أَبُو بَكْرِ بْنِ أَبِي النَّضْرِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم في بن عَبَّاسٍ (اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ) فِيهِ فَضِيلَةُ الْفِقْهِ وَاسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ وَاسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ لِمَنْ عَمِلَ عَمَلًا خَيِّرًا مَعَ الْإِنْسَانِ وَفِيهِ إِجَابَةُ دُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ فَكَانَ مِنَ الْفِقْهِ بِالْمَحَلِّ الْأَعْلَى

(16/37)


(باب من فضائل بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)
قَوْلُهُ

[2478] (قِطْعَةُ إِسْتَبْرَقٍ) هُوَ مَا غَلُظَ مِنَ الدِّيبَاجِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَرَى عَبْدَ اللَّهِ رَجُلًا صَالِحًا) هُوَ بِفَتْحِ هَمْزَةِ أَرَى أَيْ أَعْلَمُهُ وَاعْتَقَدُهُ صَالِحًا وَالصَّالِحُ هُوَ الْقَائِمُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَحُقُوقِ الْعِبَادِ قَوْلُهُ

[2479] (وَكُنْتُ أَنَامُ فِي الْمَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ دَلِيلٌ لِلشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِهِ وَمُوَافِقِيهِمْ أَنَّهُ لَا كَرَاهَةَ فِي النَّوْمِ فِي المسجد قوله (له قَرْنَانِ كَقَرْنَيِ الْبِئْرِ) هُمَا الْخَشَبَتَانِ اللَّتَانِ عَلَيْهِمَا الْخُطَّافُ وَهِيَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي فِي جَانِبِ الْبَكْرَةِ قاله بن دُرَيْدٍ وَقَالَ الْخَلِيلُ هُمَا مَا يُبْنَى حَوْلَ الْبِئْرِ وَيُوضَعُ عَلَيْهِ الْخَشَبَةَ الَّتِي يَدُورُ عَلَيْهَا الْمِحْوَرُ وَهِيَ الْحَدِيدَةُ الَّتِي تَدُورُ عَلَيْهَا الْبَكْرَةُ قَوْلُهُ (لَمْ تُرَعْ) أَيْ لَا رَوْعَ عَلَيْكَ ولا ضرر

(16/38)


قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نِعْمَ الرَّجُلُ عَبْدُ اللَّهِ لَوْ كَانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فِيهِ فَضِيلَةُ صَلَاةِ اللَّيْلِ قَوْلُهُ أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ خَالِدِ خَتْنُ الْفِرْيَابِيِّ الْخَتْنُ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ أَيْ زَوْجُ ابْنَتِهِ وَالْفِرْيَابِيُّ بكسر الفاء ويقال له الفريابي والفرايابي ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَشْهُورَةٍ مَنْسُوبٌ إِلَى فِرْيَابَ مَدِينَةٍ مَعْرُوفَةٍ

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي دُعَائِهِ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

[2480] (اللَّهُمَّ أَكْثِرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ وَبَارِكْ لَهُ فِيمَا أَعْطَيْتَهُ) وَذَكَرَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى كَثِّرْ مَالَهُ وَوَلَدَهُ هَذَا مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِجَابَةِ دُعَائِهِ وَفِيهِ فَضَائِلُ لِأَنَسٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَنْ يُفَضِّلُ الْغَنِيَّ عَلَى الْفَقِيرِ وَمَنْ قَالَ بِتَفْضِيلِ الْفَقِيرِ أَجَابَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ هَذَا قَدْ دَعَا لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنْ يُبَارَكَ لَهُ فِيهِ وَمَتَى بُورِكَ فِيهِ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فِتْنَةٌ وَلَمْ يَحْصُلْ بِسَبَبِهِ ضَرَرٌ وَلَا تَقْصِيرٌ فِي حَقٍّ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْآفَاتِ الَّتِي تَتَطَرَّقُ إِلَى سَائِرِ الْأَغْنِيَاءِ بِخِلَافِ غَيْرِهِ وَفِيهِ هَذَا الْأَدَبُ

(16/39)


البديع وهو أنه إذا دعا بشئ لَهُ تَعَلُّقٌ بِالدُّنْيَا يَنْبَغِي أَنْ يَضُمَّ إِلَى دُعَائِهِ طَلَبَ الْبَرَكَةِ فِيهِ وَالصِّيَانَةِ وَنَحْوِهِمَا وَكَانَ أَنَسٌ وَوَلَدُهُ رَحْمَةً وَخَيْرًا وَنَفْعًا بِلَا ضَرَرٍ بِسَبَبِ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (وَإِنَّ وَلَدِي وَوَلَدَ وَلَدِي لَيَتَعَادَوْنَ عَلَى نَحْوِ الْمِائَةِ الْيَوْمَ) مَعْنَاهُ وَيَبْلُغُ عَدَدُهُمْ نحو المائة

(16/40)


وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ دَفَنَ مِنْ أَوْلَادِهِ قَبْلَ مَقْدَمِ الْحَجَّاجِ بْنِ يوسف مائة وعشرين والله اعلم

(باب من فضائل عبد الله بن سلام رضي الله عنه)
قَوْلُهُ

[2483] (عَنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ لِحَيٍّ يَمْشِي أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ إِلَّا لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ) قَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وعلي فِي الْجَنَّةِ إِلَى آخِرِ الْعَشَرَةَ وَثَبَتَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ بِأَنَّ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ سَيِّدَا شَبَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَأَنَّ عُكَّاشَةَ مِنْهُمْ وَثَابِتَ بْنَ قَيْسٍ وَغَيْرَهَمْ

(16/41)


وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِقَوْلِ سَعْدٍ فَإِنَّ سَعْدًا قَالَ مَا سَمِعْتُهُ وَلَمْ يَنْفِ أَصْلَ الْإِخْبَارِ بِالْجَنَّةِ لِغَيْرِهِ وَلَوْ نَفَاهُ كَانَ الْإِثْبَاتُ مُقَدَّمًا عَلَيْهِ قَوْلُهُ

[2484] (عَنْ قَيْسِ بْنِ عُبَادٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْبَاءِ قَوْلُهُ (فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِيهَا ثُمَّ خَرَجَ) وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ فِيهِمَا ثُمَّ خَرَجَ وَفِي بَعْضِهَا فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ خَرَجَ فَهَذِهِ الْأَخِيرَةُ ظَاهِرَةٌ وَأَمَّا إِثْبَاتُ فِيهَا أَوْ فِيهِمَا فَهُوَ الْمَوْجُودُ لِمُعْظَمِ رُوَاةِ مُسْلِمٍ وَفِيهِ نَقْصٌ وَتَمَامُهُ مَا ثَبَتَ فِي الْبُخَارِيِّ رَكْعَتَيْنِ تَجَوَّزَ فِيهِمَا قَوْلُهُ (مَا يَنْبَغِي لأحد أن يقول مالا يَعْلَمُ) هَذَا إِنْكَارٌ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ حَيْثُ قَطَعُوا لَهُ بِالْجَنَّةِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ بَلَغَهُمْ خَبَرُ سَعْدِ بْنِ أَبِي وقاص بأن بن سَلَامٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ وَلَمْ يَسْمَعْ هُوَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَرِهَ الثَّنَاءَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ تَوَاضُعًا وَإِيثَارًا لِلْخُمُولِ وَكَرَاهَةً لِلشُّهْرَةِ قَوْلُهُ (فَجَاءَنِي مِنْصَفٌ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الصَّادِ وَيُقَالُ بِفَتْحِ الْمِيمِ أَيْضًا وَقَدْ فَسَّرَهُ فِي الْحَدِيثِ بِالْخَادِمِ والوصيف وهو صحيح قالوا هوالوصيف الصَّغِيرُ الْمُدْرِكُ لِلْخِدْمَةِ قَوْلُهُ (فَرَقِيتُ هُوَ) بِكَسْرِ الْقَافِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ الصَّحِيحَةِ وَحُكِيَ فَتْحُهَا قَالَ الْقَاضِي وَقَدْ جَاءَ بِالرِّوَايَتَيْنِ فِي

(16/42)


3 - مُسْلِمٍ وَالْمُوَطَّأِ وَغَيْرِهِمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ

(16/43)


قَوْلُهُ (فَإِذَا أَنَا بِجَوَادٍ عَنْ شِمَالِي) الْجَوَادُ جَمْعُ جَادَّةٌ وَهِيَ الطَّرِيقُ الْبَيِّنَةُ الْمَسْلُوكَةُ وَالْمَشْهُورُ فِيهَا جَوَادٌّ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَقَدْ تُخَفَّفُ قَالَهُ صَاحِبُ الْعَيْنِ قَوْلُهُ (وَإِذَا جَوَادٌ مَنْهَجٌ عَنْ يَمِينِي) أَيْ طُرُقٌ وَاضِحَةٌ بَيِّنَةٌ مُسْتَقِيمَةٌ وَالنَّهْجُ الطَّرِيقُ الْمُسْتَقِيمُ وَنَهَجَ الْأَمْرَ وَأَنْهَجَ إِذَا وَضَحَ وَطَرِيقٌ مَنْهَجٌ وَمِنْهَاجُ وَنَهِجُ أَيْ بَيِّنٌ وَاضِحٌ قَوْلُهُ (فَزَجَلَ بِي) هُوَ بِالزَّايِ وَالْجِيمِ أَيْ رَمَى بِي وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(16/44)


(بَاب فَضَائِلِ حَسَّانَ بْنِ ثَابِتٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)
هُوَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتِ بْنِ الْمُنْذِرِ بْنِ حَرَامٍ الْأَنْصَارِيُّ عَاشَ هُوَ وَآبَاؤُهُ الثَّلَاثَةُ كُلُّ وَاحِدٍ مِائَةً وَعِشْرِينَ سَنَةً وَعَاشَ حَسَّانُ سِتِّينَ سَنَةً فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَسِتِّينَ فِي الْإِسْلَامِ قَوْلُهُ

[2485] (إِنَّ حَسَّانَ أَنْشَدَ الشِّعْرَ فِي الْمَسْجِدِ بِإِذْنِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) فِيهِ جَوَازُ إِنْشَادِ الشِّعْرِ فِي الْمَسْجِدِ إِذَا كَانَ مُبَاحًا وَاسْتِحْبَابُهُ إِذَا كَانَ

(16/45)


في ممادح الاسلام وأهله

[2486] أوفي هِجَاءِ الْكُفَّارِ وَالتَّحْرِيضِ عَلَى قِتَالِهِمْ أَوْ تَحْقِيرِهِمْ وَنَحْوِ ذَلِكَ وَهَكَذَا كَانَ شِعْرُ حَسَّانَ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ لِمَنْ قَالَ شِعْرًا مِنْ هَذَا النَّوْعِ وَفِيهِ جَوَازُ الِانْتِصَارِ مِنَ الْكُفَّارِ وَيَجُوزُ أَيْضًا مِنْ غَيْرِهِمْ بِشَرْطِهِ وَرُوحُ الْقُدُسِ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ

[2487] (يُنَافِحُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَيْ يُدَافِعُ وَيُنَاضِلُ قَوْلُهُ

[2488] (يُشَبِّبُ بِأَبْيَاتٍ لَهُ فَقَالَ حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تُزَنُّ بِرِيبَةٍ وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ) أَمَّا قَوْلُهُ يُشَبِّبُ فَمَعْنَاهُ يَتَغَزَّلُ كَذَا فَسَّرَهُ فِي الْمَشَارِقِ وَحَصَانٌ بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ مُحْصَنَةٌ عَفِيفَةٌ وَرَزَانٌ كَامِلَةُ الْعَقْلِ ورجل رزين وقوله ما تزن أي ماتتهم يُقَالُ زَنَنْتُهُ وَأَزْنَنْتُهُ إِذَا ظَنَنْتُ بِهِ خَيْرًا أو شرا

(16/46)


وَغَرْثَى بِفَتْحِ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَبِالْمُثَلَّثَةِ أَيْ جَائِعَةٌ وَرَجُلٌ غَرْثَانُ وَامْرَأَةٌ غَرْثَى مَعْنَاهُ لا تغتاب الناس لأنها لَوْ اغْتَابَتْهُمْ شَبِعَتْ مِنْ لُحُومِهِمْ قَوْلُهُ

[2489] (يَا رَسُولَ اللَّهِ ائْذَنْ لِي فِي أَبِي سُفْيَانَ قَالَ كَيْفَ بِقَرَابَتِي مِنْهُ قَالَ وَاَلَّذِي أَكْرَمَكَ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْخَمِيرِ فَقَالَ حَسَّانُ وَإِنَّ سَنَامَ الْمَجْدِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ بَنُو بِنْتِ مَخْزُومٍ وَوَالِدُكَ الْعَبْدُ) وَبَعْدَ هَذَا بَيْتِ لَمْ يَذْكُرْهُ مُسْلِمٌ وَبِذِكْرِهِ تَتِمُّ الْفَائِدَةُ وَالْمُرَادُ وَهُوَ وَمَنْ وَلَدَتْ أَبْنَاءُ زُهْرَةَ مِنْهُمُو كِرَامٌ وَلَمْ يَقْرَبْ عَجَائِزُكَ الْمَجْدَ الْمُرَادُ بِبِنْتِ مَخْزُومٍ فَاطِمَةُ بِنْتُ عَمْرِو بْنِ عَائِذِ بْنِ عِمْرَانَ بْنِ مَخْزُومٍ أُمُّ عَبْدِ اللَّهِ وَالزُّبَيْرِ وَأَبِي طَالِبٍ وَمُرَادُهُ

(16/47)


بِأَبِي سُفْيَانَ هَذَا الْمَذْكُورُ الْمَهْجُوُّ أَبُو سُفْيَانَ بن الحارث بن عبد المطلب وهو بن عَمِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُسْلِمِينَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ثُمَّ أَسْلَمَ وَحَسُنَ إِسْلَامُهُ وَقَوْلُهُ وَلَدَتْ أَبْنَاءُ زُهْرَةَ مِنْهُمْ مُرَادُهُ هَالَةُ بِنْتُ وَهْبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ أُمُّ حَمْزَةَ وَصْفِيَّةَ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَوَالِدُكُ الْعَبْدُ فَهُوَ سَبٌّ لِأَبِي سُفْيَانَ بْنِ الْحَارِثِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ أُمَّ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَالِدِ أَبِي سُفْيَانَ هَذَا هِيَ سُمَيَّةُ بِنْتُ مُوهِبٍ وَمُوهِبٌ غُلَامٌ لِبَنِي عَبْدِ مَنَافٍ وَكَذَا أُمُّ أَبِي سُفْيَانَ بن الحارث كانت كذلك وهومراده بِقَوْلِهِ وَلَمْ يَقْرَبْ عَجَائِزُكَ الْمَجْدَ قَوْلُهُ لَأَسُلَّنَّكَ مِنْهُمْ كَمَا تُسَلُّ الشَّعْرَةُ مِنَ الْخَمِيرِ الْمُرَادُ بِالْخَمِيرِ الْعَجِينُ كَمَا قَالَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَمَعْنَاهُ لَأَتَلَطَّفَنَّ فِي تَخْلِيصِ نَسَبِكَ مِنْ هَجْوِهِ بِحَيْثُ لَا يَبْقَى جُزْءٌ مِنْ نَسَبِكَ فِي نَسَبِهِمُ الَّذِي نَالَهُ الْهَجْوُ كَمَا أَنَّ الشَّعْرَةَ إِذَا سُلَّتْ مِنَ الْعَجِينِ لَا يَبْقَى مِنْهَا شئ فيه بخلاف ما لو سلت من شئ صلب فانهار بما انْقَطَعَتْ فَبَقِيَتْ مِنْهَا فِيهِ بَقِيَّةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2490] (اهْجُوَا قُرَيْشًا فَإِنَّهُ أَشَدُّ عَلَيْهَا مِنْ رَشْقٍ بِالنَّبْلِ) هُوَ بِفَتْحِ الرَّاءِ وَهُوَ الرَّمْيُ بِهَا وَأَمَّا الرِّشْقُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ اسْمٌ لِلنَّبْلِ الَّتِي تُرْمَى دَفْعَةً وَاحِدَةً وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ رَشْقِ النَّبْلِ وَفِيهِ جَوَازُ هَجْوِ الكفار مالم يَكُنْ أَمَانٌ وَأَنَّهُ لَا غِيبَةَ فِيهِ وَأَمَّا أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِهِجَائِهِمْ وَطَلَبُهُ ذَلِكَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ وَلَمْ يَرْضَ قَوْلَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي حَتَّى أَمَرَ حَسَّانَ فَالْمَقْصُودُ مِنْهُ النِّكَايَةُ فِي الْكُفَّارِ وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِالْجِهَادِ فِي الْكُفَّارِ وَالْإِغْلَاظِ عَلَيْهِمْ وَكَانَ هَذَا الْهَجْوُ أَشَدَّ عَلَيْهِمْ مِنْ رَشْقِ النَّبْلِ فَكَانَ مَنْدُوبًا لِذَلِكَ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ كَفِّ أَذَاهُمْ وَبَيَانِ نَقْصِهِمْ وَالِانْتِصَارِ بِهِجَائِهِمُ الْمُسْلِمِينَ قَالَ الْعُلَمَاءُ يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْدَأَ الْمُشْرِكُونَ بِالسَّبِّ وَالْهِجَاءِ مَخَافَةً مِنْ سَبِّهِمُ الْإِسْلَامَ وَأَهْلَهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يدعون

(16/48)


مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ علم وَلِتَنْزِيهِ أَلْسِنَةِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْفُحْشِ إِلَّا أَنْ تدعو إلى ذلك ضرورة لابتدائهم به فيكف أَذَاهُمْ وَنَحْوَهُ كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (قَدْ آنَ لَكُمْ) أَيْ حَانَ لَكُمْ (أَنْ تُرْسِلُوا إِلَى هَذَا الْأَسَدِ الضَّارِبِ بِذَنَبِهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْمُرَادُ بِذَنَبِهِ هُنَا لسانه فشبهه نَفْسَهُ بِالْأَسَدِ فِي انْتِقَامِهِ وَبَطْشِهِ إِذَا اغْتَاظَ وَحِينَئِذٍ يَضْرِبُ بِذَنَبِهِ جَنْبَيْهِ كَمَا فَعَلَ حَسَّانُ بِلِسَانِهِ حِينَ أَدْلَعَهُ فَجَعَلَ يُحَرِّكُهُ فَشَبَّهَ نَفْسَهُ بِالْأَسَدِ وَلِسَانَهُ بِذَنَبِهِ قَوْلُهُ (ثُمَّ أَدْلَعَ لِسَانَهُ) أَيْ أَخْرَجَهُ عَنِ الشَّفَتَيْنِ يُقَالُ دَلَعَ لِسَانَهُ وَأَدْلَعَهُ وَدَلَعَ اللِّسَانِ بِنَفْسِهِ قَوْلُهُ لَأَفْرِيَنَّهُمْ بِلِسَانِي فَرْيَ الْأَدِيمِ أَيْ لَأُمَزِّقَنَّ أَعْرَاضَهُمْ تَمْزِيقَ الْجِلْدِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (هَجَاهُمْ حَسَّانُ فَشَفَى وَاشْتَفَى) أَيْ شَفَى الْمُؤمِنِينَ وَاشْتَفَى هُوَ بِمَا نَالَهُ مِنْ أَعْرَاضِ الْكُفَّارِ وَمَزَّقَهَا وَنَافَحَ عن الاسلام والمسلمين قوله (هجوت محمدا برا تَقِيًّا) وَفِي كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ حَنِيفًا بَدَلُ تَقِيًّا فَالْبَرُّ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْوَاسِعُ الْخَيْرِ وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنَ الْبِرِّ بِكَسْرِ الْبَاءِ وَهُوَ الِاتِّسَاعُ فِي الْإِحْسَانِ وَهُوَ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ وَقِيلَ البر هنا

(16/49)


بِمَعْنَى الْمُتَنَزِّهُ عَنِ الْمَآثِمَ وَأَمَّا الْحَنِيفُ فَقِيلَ هُوَ الْمُسْتَقِيمُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ الْمَائِلُ إِلَى الْخَيْرِ وَقِيلَ الْحَنِيفُ التَّابِعُ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (شِيمَتُهُ الْوَفَاءُ) أَيْ خُلُقُهُ قوله (فإن أبي ووالدتي وَعِرْضِي لِعِرْضِ مُحَمَّدٍ مِنْكُمْ وِقَاءُ) هَذَا مِمَّا احتج به بن قُتَيْبَةَ لِمَذْهَبِهِ أَنَّ عِرْضَ الْإِنْسَانِ هُوَ نَفْسُهُ لَا أَسْلَافُهُ لِأَنَّهُ ذَكَرَ عِرْضَهُ وَأَسْلَافَهُ بِالْعَطْفِ وَقَالَ غَيْرُهُ عِرْضُ الرَّجُلِ أُمُورُهُ كُلُّهَا الَّتِي يُحْمَدُ بِهَا وَيُذَمُّ مِنْ نَفْسِهِ وَأَسْلَافِهِ وَكُلُّ مَا لَحِقَهُ نَقْصٌ يَعِيبُهُ وَأَمَّا قَوْلُهُ وِقَاءُ فَبِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِالْمَدِّ وَهُوَ مَا وَقَيْتَ بِهِ الشئ قَوْلُهُ (تُثِيرُ النَّقْعَ) أَيْ تَرْفَعُ الْغُبَارَ وَتُهَيِّجُهُ قَوْلُهُ (مِنْ كَنَفَيْ كَدَاءِ) هُوَ بِفَتْحِ النُّونِ أَيْ جَانِبَيْ كَدَاءِ بِفَتْحِ الْكَافِ وَبِالْمَدِّ هِيَ ثَنِيَّةٌ عَلَى بَابِ مَكَّةَ سَبَقَ بَيَانُهَا فِي كِتَابِ الْحَجِّ وَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ فِي هَذَا الْبَيْتِ إِقْوَاءٌ مُخَالِفٌ لِبَاقِيهَا وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ غَايَتُهَا كَدَاءِ وَفِي بَعْضِهَا مَوْعِدُهَا كَدَاءِ قَوْلُهُ (يُبَارِينَ الْأَعِنَّةَ) وَيُرْوَى يُبَارِعْنَ الْأَعِنَّةَ قَالَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ هُوَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ وَمَعْنَاهُ أَنَّهَا لِصَرَامَتِهَا وَقُوَّةِ نُفُوسِهَا تُضَاهِي أَعِنَّتَهَا بِقُوَّةِ جَبْذِهَا لَهَا وَهِيَ مُنَازَعَتُهَا لَهَا أَيْضًا قَالَ الْقَاضِي وَفِي رواية بن الْحَذَّاءِ يُبَارِينَ الْأَسِنَّةَ وَهِيَ الرِّمَاحُ قَالَ فَإِنْ صَحَّتْ هَذِهِ الرِّوَايَةُ فَمَعْنَاهَا أَنَّهُنَّ يُضَاهِينَ قَوَامَهَا وَاعْتِدَالَهَا قَوْلُهُ (مُصْعِدَاتٍ) أَيْ مُقْبِلَاتٍ إِلَيْكُمْ وَمُتَوَجِّهَاتٍ يُقَالُ أَصْعَدَ فِي الْأَرْضِ إِذَا ذَهَبَ فِيهَا مُبْتَدِئًا وَلَا يُقَالُ لِلرَّاجِعِ قَوْلُهُ (عَلَى أَكْتَافِهَا الْأَسَلُ الظِّمَاءُ) أَمَّا أَكْتَافُهَا فَبِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَالْأَسَلُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا لَامٌ هَذِهِ رِوَايَةُ الْجُمْهُورِ وَالْأَسَلُ الرِّمَاحُ وَالظِّمَاءُ الرِّقَاقُ فَكَأَنَّهَا لِقِلَّةِ مَائِهَا عِطَاشٌ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالظِّمَاءِ الْعِطَاشُ لِدِمَاءِ الْأَعْدَاءِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الْأُسْدُ الظِّمَاءُ بِالدَّالِ أَيِ الرِّجَالُ الْمُشْبِهُونَ لِلْأُسْدِ الْعِطَاشِ إِلَى دِمَائِكُمْ قَوْلُهُ (تَظَلُّ جِيَادُنَا مُتَمَطِّرَاتٍ) أَيْ تَظَلُّ خُيُولُنَا مُسْرِعَاتٍ

(16/50)


يَسْبِقُ بَعْضُهَا بَعْضًا قَوْلُهُ (تُلَطِّمُهُنَّ بِالْخُمُرِ النِّسَاءُ) أَيْ تَمْسَحُهُنَّ النِّسَاءُ بِخُمُرِهِنَّ بِضَمِّ الْخَاءِ وَالْمِيمِ جَمْعُ خِمَارٍ أَيْ يُزِلْنَ عَنْهُنَّ الْغُبَارَ وَهَذَا لِعَزَّتِهَا وَكَرَامَتِهَا عِنْدَهُمْ وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّهُ رُوِيَ بِالْخَمْرِ بِفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ خَمْرَةَ وَهُوَ صَحِيحُ الْمَعْنَى لَكِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الْمَعْرُوفُ وَهُوَ الْأَبْلَغُ فِي إِكْرَامِهَا قَوْلُهُ (وَقَالَ اللَّهُ قَدْ يَسَّرْتُ جُنْدًا) أَيْ هَيَّأْتُهُمْ وَأَرْصَدْتُهُمْ قَوْلُهُ (عُرْضَتُهَا اللِّقَاءُ) هُوَ بِضَمِّ الْعَيْنِ أَيْ مَقْصُودُهَا وَمَطْلُوبُهَا قَوْلُهُ (لَيْسَ لَهُ كِفَاءُ) أَيْ مُمَاثِلٌ وَلَا مُقَاوِمٌ والله اعلم

(16/51)


(باب من فضائل أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ)
قَوْلُهُ

[2491] (فَصِرْتُ إِلَى الْبَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ) أَيْ مُغْلَقٌ قَوْلُهُ (خَشْفَ قَدَمِي) أَيْ صَوْتَهُمَا فِي الْأَرْضِ وَخَضْخَضَةُ الْمَاءِ صَوْتُ تَحْرِيكِهِ وَفِيهِ اسْتِجَابَةُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْفَوْرِ بِعَيْنِ الْمَسْئُولِ وَهُوَ مِنْ أَعْلَامِ نُبُوَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم واستحباب حمدالله عِنْدَ حُصُولِ النِّعَمِ

(16/52)


قَوْلُهُ

[2492] (كُنْتُ أَخْدُمُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مِلْءِ بَطْنِي) أَيْ أُلَازِمُهُ وَأَقْنَعُ بِقُوتِي وَلَا أَجْمَعُ مَالًا لِذَخِيرَةٍ وَلَا غَيْرِهَا وَلَا أَزِيدُ عَلَى قُوتِي وَالْمُرَادُ مِنْ حَيْثُ حَصَلَ الْقُوتُ مِنَ الْوُجُوهِ الْمُبَاحَةِ وَلَيْسَ هُوَ مِنَ الْخِدْمَةِ بِالْأُجْرَةِ قَوْلُهُ (يَقُولُونَ إِنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يُكْثِرُ الْحَدِيثَ وَاَللَّهُ الْمَوْعِدُ

(16/53)


مَعْنَاهُ فَيُحَاسِبُنِي إِنْ تَعَمَّدْتُ كَذِبًا وَيُحَاسِبُ مَنْ ظَنَّ بِي السُّوءَ قَوْلُهُ

[2492] (يَشْغَلُهُمُ الصَّفْقُ بِالْأَسْوَاقِ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ مِنْ يَشْغَلُهُمْ وَحُكِيَ ضَمُّهَا وهو غريب والصفق هُوَ كِنَايَةٌ عَنِ التَّبَايُعِ وَكَانُوا يُصَفِّقُونَ بِالْأَيْدِي مِنَ الْمُتَبَايِعَيْنِ بَعْضِهَا عَلَى بَعْضٍ وَالسُّوقُ مُؤَنَّثَةٌ وَيُذَكَّرُ سُمِّيَتْ بِهِ لِقِيَامِ النَّاسِ فِيهَا عَلَى سُوقِهِمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَسْطِ ثَوْبِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَوْلُهُ

[2493] (كُنْتُ أُسَبِّحُ فَقَامَ قَبْلَ أَنْ أَقْضِيَ سُبْحَتِي) مَعْنَى أُسَبِّحُ أُصَلِّي نَافِلَةً وَهِيَ السُّبْحَةُ بِضَمِّ السِّينِ قِيلَ الْمُرَادُ هُنَا صَلَاةُ الضُّحَى قَوْلُهُ (لَمْ يَكُنْ يَسْرُدُ الْحَدِيثَ كَسَرْدِكُمْ) أَيْ يُكْثِرُهُ وَيُتَابِعُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(16/54)


(باب من فضائل حاطب بن أبي بلتعة وأهل بدر رضي الله عنهم قَوْلُهُ

[2494] (رَوْضَةَ خَاخٍ) هِيَ بِخَاءَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ الَّذِي قَالَهُ الْعُلَمَاءُ كَافَّةً فِي جَمِيعِ الطَّوَائِفِ وَفِي جَمِيعِ الرِّوَايَاتِ وَالْكُتُبِ وَوَقَعَ في البخاري من رواية أبي عوانة حاج بِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ وَالْجِيمِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ مِنْ غَلَطِ أَبِي عَوَانَةَ وَإِنَّمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ بِذَاتِ حَاجٍّ بِالْمُهْمَلَةِ وَالْجِيمِ وَهِيَ مَوْضِعٌ بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ عَلَى طَرِيقِ الْحَجِيجِ وَأَمَّا رَوْضَةُ خَاخٍ فَبَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ بِقُرْبِ الْمَدِينَةِ قَالَ صَاحِبُ الْمَطَالِعِ وَقَالَ الصَّائِدِيُّ هِيَ بِقُرْبِ مَكَّةَ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً مَعَهَا كِتَابٌ) الظَّعِينَةُ هُنَا الْجَارِيَةُ وَأَصْلُهَا الْهَوْدَجُ وَسُمِّيَتْ بِهَا الْجَارِيَةُ لِأَنَّهَا تَكُونُ فِيهِ وَاسْمُ هَذِهِ الظَّعِينَةُ سَارَةُ مَوْلَاةٌ لِعِمْرَانَ بْنِ أَبِي صَيْفِيٍّ الْقُرَشِيِّ وَفِي هَذَا مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ هَتْكُ أَسْتَارِ الْجَوَاسِيسِ بِقِرَاءَةِ كُتُبِهِمْ سَوَاءٌ كَانَ رَجُلًا أَوْ امْرَأَةً وَفِيهِ هَتْكُ سِتْرِ الْمَفْسَدَةِ إِذَا كَانَ فِيهِ مَصْلَحَةٌ أَوْ كَانَ فِي السِّتْرِ مَفْسَدَةٌ وَإِنَّمَا يُنْدَبُ السِّتْرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ وَلَا يَفُوتُ بِهِ مَصْلَحَةٌ وَعَلَى هَذَا تُحْمَلُ الْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي النَّدْبِ إِلَى السِّتْرِ وَفِيهِ أَنَّ الْجَاسُوسَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَصْحَابِ الذُّنُوبِ الْكَبَائِرِ لَا يَكْفُرُونَ بِذَلِكَ وَهَذَا الْجِنْسُ كَبِيرَةٌ قَطْعًا لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِيذَاءَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ كبيرة بلا شك لقوله تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ الْآيَةَ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يُحَدُّ الْعَاصِي وَلَا يُعَزَّرُ إِلَّا بِإِذْنِ الْإِمَامِ وَفِيهِ إِشَارَةُ جُلَسَاءِ الْإِمَامِ وَالْحَاكِمِ بِمَا يَرَوْنَهُ كَمَا أَشَارَ عُمَرُ بِضَرْبِ عُنُقِ حَاطِبٍ وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَطَائِفَةٍ أَنَّ الْجَاسُوسَ الْمُسْلِمَ يُعَزَّرُ وَلَا يَجُوزُ قَتْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُقْتَلُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ وَبَعْضُهُمْ يُقْتَلُ وَإِنْ تَابَ)

(16/55)


وَقَالَ مَالِكٌ يَجْتَهِدُ فِيهِ الْإِمَامُ قَوْلُهُ (تَعَادَى بِنَا خَيْلُنَا) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ تَجْرِي قَوْلُهُ (فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا) هُوَ بِكَسْرِ الْعَيْنِ أَيْ شَعْرِهَا الْمَضْفُورِ وَهُوَ جَمْعُ عَقِيصَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَالَ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فقد غفرت لَكُمْ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ الْغُفْرَانُ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَإِلَّا فَإِنْ تَوَجَّهَ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ حَدٌّ أَوْ غَيْرُهُ أُقِيمَ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الْإِجْمَاعَ عَلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ

(16/56)


وَأَقَامَهُ عُمَرُ عَلَى بَعْضِهِمْ قَالَ وَضَرَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِسْطَحًا الْحَدَّ وَكَانَ بَدْرِيًّا قَوْلُهُ (عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ وَالزُّبَيْرَ بْنَ الْعَوَامِّ وَفِي الرِّوَايَةِ السَّابِقَةِ الْمِقْدَادَ بَدَلَ أَبِي مَرْثَدٍ وَلَا مُنَافَاةَ بَلْ بَعَثَ الْأَرْبَعَةَ عَلِيًّا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ وَأَبَا مَرْثَدٍ قَوْلُهُ

[2495] (يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيَدْخُلَنَّ حَاطِبٌ النَّارَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَبْتَ لَا يَدْخُلُهَا فَإِنَّهُ شَهِدَ بَدْرًا وَالْحُدَيْبِيَةَ) فِيهِ فَضِيلَةُ أَهْلِ بَدْرٍ وَالْحُدَيْبِيَةِ وَفَضِيلَةُ حَاطِبٍ لِكَوْنِهِ مِنْهُمْ وَفِيهِ أَنَّ لفظة الكذب هي الاخبار عن الشئ عَلَى خِلَافِ مَا هُوَ عَمْدًا كَانَ أَوْ سَهْوًا سَوَاءٌ كَانَ الْإِخْبَارُ عَنْ مَاضٍ أَوْ مُسْتَقْبَلٍ وَخَصَّتْهُ الْمُعْتَزِلَةُ بِالْعَمْدِ وَهَذَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ وسبقت المسئلةفي كِتَابِ الْإِيمَانِ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ اللُّغَةِ لَا يُسْتَعْمَلُ الْكَذِبُ إِلَّا فِي الْإِخْبَارِ عَنِ الْمَاضِي بخلاف مَا هُوَ مُسْتَقْبَلٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَرُدُّ عَلَيْهِ والله اعلم

(16/57)


(بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ)
أَهْلِ بَيْعَةِ الرُّضْوَانِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2496] (لَا يَدْخُلُ النَّارَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ أَصْحَابِ الشَّجَرَةِ أَحَدٌ مِنَ الَّذِينَ بَايَعُوا تَحْتَهَا) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ لَا يَدْخُلُهَا أَحَدٌ مِنْهُمْ قَطْعًا كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهُ حَدِيثِ حَاطِبٍ وَإِنَّمَا قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لِلتَّبَرُّكِ لَا لِلشَّكِّ وَأَمَّا قَوْلُ حَفْصَةَ بَلَى وَانْتِهَارُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فَقَالَتْ وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا واردها فَقَالَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَدْ قَالَ ثم ننجي الذين اتقوا فِيهِ دَلِيلٌ لِلْمُنَاظَرَةِ وَالِاعْتِرَاضِ وَالْجَوَابِ عَلَى وَجْهِ الِاسْتِرْشَادِ وَهُوَ مَقْصُودُ حَفْصَةَ لَا أَنَّهَا أَرَادَتْ رَدَّ مَقَالَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُرُودِ فِي الْآيَةِ الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ وَهُوَ جِسْرٌ مَنْصُوبٌ عَلَى جَهَنَّمَ فَيَقَعُ فِيهَا أَهْلُهَا وَيَنْجُو الْآخَرُونَ

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي مُوسَى وَأَبِي عَامِرٍ الْأَشْعَرِيَّيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عنهما في

[2497] الحديث الاول فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأَبِي مُوسَى وَبِلَالٍ وَأُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ)

(16/58)


الْبِشَارَةِ وَاسْتِحْبَابُ الِازْدِحَامِ فِيمَا يُتَبَرَّكُ بِهِ وَطَلَبُهُ مِمَّنْ هُوَ مَعَهُ وَالْمُشَارَكَةُ فِيهِ قَوْلُهُ

[2498] (فَنَزَا منه الماء

(16/59)


هُوَ بِالنُّونِ وَالزَّايِ أَيْ ظَهَرَ وَارْتَفَعَ وَجَرَى وَلَمْ يَنْقَطِعْ قَوْلُهُ (عَلَى سَرِيرٍ مُرْمَلٍ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ وَقَدْ أَثَّرَ رِمَالُ السَّرِيرِ بِظَهْرِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أَمَا مُرْمَلٌ فَبِإِسْكَانِ الرَّاءِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَرِمَالٌ بِكَسْرِ الرَّاءِ وَضَمِّهَا وَهُوَ الَّذِي يُنْسَجُ فِي وَجْهِهِ بِالسَّعَفِ وَنَحْوِهِ وَيُشَدُّ بِشَرِيطٍ وَنَحْوِهِ يُقَالُ مِنْهُ أَرْمَلْتُهُ فَهُوَ مُرْمَلٌ وَحُكِيَ رَمَلْتُهُ فَهُوَ مَرْمُولٌ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ فِرَاشٌ فَكَذَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ فَقَالَ الْقَابِسِيُّ الَّذِي أَحْفَظُهُ فِي غَيْرِ هَذَا السَّنَدِ عَلَيْهِ فِرَاشٌ قَالَ وَأَظُنُّ لَفْظَةَ مَا سَقَطَتْ لِبَعْضِ الرُّوَاةِ وَتَابَعَهُ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ مَا سَاقِطَةٌ وَأَنَّ الصَّوَابَ إِثْبَاتُهَا قَالُوا وَقَدْ جَاءَ فِي حَدِيثِ عُمَرَ فِي تَخْيِيرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَزْوَاجَهُ عَلَى رِمَالِ سَرِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبَيْهِ قَوْلُهُ (ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِعُبَيْدٍ أَبِي عَامِرٍ حَتَّى رَأَيْتُ بَيَاضَ إِبْطَيْهِ إِلَى آخِرِهِ) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الدُّعَاءِ وَاسْتِحْبَابُ رَفْعِ الْيَدَيْنِ فِيهِ وَأَنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَاهُ أَنَسٌ أَنَّهُ لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا فِي ثَلَاثَةِ مَوَاطِنَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَرَهُ وَإِلَّا فَقَدْ ثَبَتَ الرَّفْعُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ فَوْقَ ثَلَاثِينَ مَوْطِنًا

(16/60)


(بَاب مِنْ فَضَائِلِ الْأَشْعَرِيِّينَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2499] (إِنِّي لَأَعْرِفُ أَصْوَاتَ رُفْقَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ بِالْقُرْآنِ حِينَ يَدْخُلُونَ بِاللَّيْلِ وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كُنْتُ لَمْ أَرَ مَنَازِلَهُمْ حِينَ نَزَلُوا بِالنَّهَارِ) أَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدْخُلُونَ بِالدَّالِ مِنَ الدُّخُولِ هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ الرُّوَاةِ فِي مُسْلِمٍ وَفِي الْبُخَارِيِّ قَالَ وَوَقَعَ لِبَعْضِ رُوَاةِ الْكِتَابَيْنِ يَرْحَلُونَ بِالرَّاءِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الرَّحِيلِ قَالَ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ هَذِهِ الرِّوَايَةَ قُلْتُ وَالْأُولَى صَحِيحَةٌ أَوْ أَصَحُّ وَالْمُرَادُ يَدْخُلُونَ مَنَازِلَهُمْ إِذَا خَرَجُوا لِشُغْلٍ ثُمَّ رَجَعُوا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِفَضِيلَةِ الْأَشْعَرِيِّينَ وَفِيهِ أَنَّ الْجَهْرَ بِالْقُرْآنِ فِي اللَّيْلِ فَضِيلَةٌ إِذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِيذَاءٌ لِنَائِمٍ أَوْ لِمُصَلٍّ أَوْ غَيْرِهِمَا وَلَا رِيَاءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالرُّفْقَةُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمِنْهُمْ حَكِيمٌ إِذَا لَقِيَ الْخَيْلَ أَوْ قَالَ الْعَدُوَّ قَالَ لَهُمْ إِنَّ أَصْحَابِي يَأْمُرُونَكُمْ أَنْ تَنْظُرُوهُمْ) أَيْ تَنْتَظِرُوهُمْ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى اُنْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ شُيُوخُنَا فِي الْمُرَادِ بِحَكِيمٍ هُنَا فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ هُوَ اسْمُ عَلَمٍ لِرَجُلٍ وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الصَّدَفِيُّ هُوَ صِفَةٌ مِنَ الْحِكْمَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2500] (إِنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إِذَا أَرْمَلُوا فِي الْغَزْوِ إلى آخره

(16/61)


مَعْنَى أَرْمَلُوا فَنِيَ طَعَامُهُمْ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضِيلَةُ الْأَشْعَرِيِّينَ وَفَضِيلَةُ الْإِيثَارِ وَالْمُوَاسَاةِ وَفَضِيلَةُ خَلْطِ الازواد في السفر وفضيلة جمعها في شئ عِنْدَ قِلَّتِهَا فِي الْحَضَرِ ثُمَّ يَقْسِمُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْقِسْمَةَ الْمَعْرُوفَةَ فِي كُتُبِ الْفِقْهِ بِشُرُوطِهَا وَمَنْعَهَا فِي الرِّبَوِيَّاتِ وَاشْتِرَاطَ الْمُوَاسَاةِ وَغَيْرِهَا وَإِنَّمَا الْمُرَادُ هُنَا إِبَاحَةُ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَمُوَاسَاتُهُمْ بِالْمَوْجُودِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ) سَبَقَ تَفْسِيرُهُ فِي بَابِ فَضَائِلِ جُلَيْبِيبَ

(بَاب مِنْ فَضَائِلِ أَبِي سُفْيَانَ صخر بْنِ حَرْبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ

[2501] (أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرٍ الْمَعْقِرِيُّ) هُوَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَبِكَسْرِ الْقَافِ مَنْسُوبٌ إِلَى مَعْقِرَ وَهِيَ نَاحِيَةٌ مِنَ الْيَمَنِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا أَبُو زميل قال حدثني بن عَبَّاسِ قَالَ كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَنْظُرُونَ إِلَى أَبِي سُفْيَانَ وَلَا يُقَاعِدُونَهُ فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ ثَلَاثٌ أَعْطِنِيهِنَّ قَالَ نَعَمْ قَالَ عِنْدِي أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنْتِ أَبِي سُفْيَانَ أُزَوِّجُكَهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ وَمُعَاوِيَةُ تَجْعَلُهُ كَاتِبًا بَيْنَ يَدَيْكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ وَتُؤَمِّرُنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الْكُفَّارَ كَمَا كُنْتُ أُقَاتِلَ الْمُسْلِمِينَ قَالَ نَعَمْ)

(16/62)


قَالَ أَبُو زُمَيْلٍ وَلَوْلَا أَنَّهُ طَلَبَ ذَلِكَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَعْطَاهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا قَالَ نَعَمْ) أَمَّا أَبُو زُمَيْلٍ فَبِضَمِّ الزَّايِ وَفَتْحِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الْيَاءِ وَاسْمُهُ سِمَاكُ بْنُ الْوَلِيدِ الْحَنَفِيُّ الْيَمَامِيُّ ثُمَّ الْكُوفِيُّ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَحْسَنُ الْعَرَبِ وَأَجْمَلُهُ فَهُوَ كَقَوْلِهِ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحْسَنَ النَّاسِ وَجْهًا وَأَحْسَنُهُ خَلْقًا وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي فَضَائِلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِثْلُهُ الْحَدِيثُ بَعْدَهُ فِي نِسَاءِ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى ولد وأرعاه لزوج قال أبوحاتم السِّجِسْتَانِيُّ وَغَيْرُهُ أَيْ وَأَجْمَلُهُمْ وَأَحْسَنُهُمْ وَأَرْعَاهُمْ لَكِنْ لَا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ إِلَّا مُفْرَدًا قَالَ النَّحْوِيُّونَ مَعْنَاهُ وَأَجْمَلُ مَنْ هُنَاكَ وَاعْلَمْ أَنَّ هَذَا الحديث من الاحاديث المشهورةبالاشكال وَوَجْهُ الْإِشْكَالِ أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ إِنَّمَا أَسْلَمَ يَوْمَ فَتْحِ مَكَّةَ سَنَةَ ثَمَانٍ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهَذَا مَشْهُورٌ لَا خِلَافَ فِيهِ وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَزَوَّجَ أُمَّ حَبِيبَةَ قَبْلَ ذَلِكَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ قَالَ أَبُو عبيدة وخليفة بن خياط وبن الْبَرْقِيِّ وَالْجُمْهُورُ تَزَوَّجَهَا سَنَةَ سِتٍّ وَقِيلَ سَنَةَ سَبْعٍ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَاخْتَلَفُوا أَيْنَ تَزَوَّجَهَا فَقِيلَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ قُدُومِهَا مِنَ الْحَبَشَةِ وَقَالَ الْجُمْهُورُ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِيمَنْ عَقَدَ لَهُ عَلَيْهَا هُنَاكَ فَقِيلَ عُثْمَانُ وَقِيلَ خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِي بِإِذْنِهَا وَقِيلَ النَّجَاشِيُّ لِأَنَّهُ كَانَ أَمِيرَ الْمَوْضِعِ وَسُلْطَانِهِ قَالَ الْقَاضِي وَاَلَّذِي فِي مُسْلِمٍ هُنَا أَنَّهُ زَوَّجَهَا أَبُو سُفْيَانَ غَرِيبٌ جِدًّا وَخَبَرُهَا مَعَ أَبِي سُفْيَانَ حِينَ وَرَدَ الْمَدِينَةَ فِي حَالِ كُفْرِهِ مَشْهُورٌ ولم يزد القاضي على هذا وقال بن حَزْمٍ هَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ بَيْنَ النَّاسِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزَوَّجَ أُمَّ حَبِيبَةَ قَبْلَ الْفَتْحِ بِدَهْرٍ وَهِيَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ وَأَبُوهَا كافر وفي رواية عن بن حَزْمٍ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ مَوْضُوعٌ قَالَ وَالْآفَةُ فِيهِ مِنْ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ الرَّاوِي عَنْ أَبِي زُمَيْلٍ وَأَنْكَرَ الشَّيْخُ أَبُو عَمْرِو بْنُ الصَّلَاحِ رَحِمَهُ اللَّهُ هذا على بن حَزْمٍ وَبَالَغَ فِي الشَّنَاعَةِ عَلَيْهِ قَالَ وَهَذَا الْقَوْلُ مِنْ جَسَارَتِهِ فَإِنَّهُ كَانَ هَجُومًا عَلَى تَخْطِئَةِ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ وَإِطْلَاقِ اللِّسَانِ فِيهِمْ قَالَ وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ نَسَبَ عِكْرِمَةَ بْنَ عَمَّارٍ إِلَى وَضْعِ الْحَدِيثِ وَقَدْ وَثَّقَهُ وَكِيعٌ وَيَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَغَيْرُهُمَا وَكَانَ مستجاب الدعوة قال وما توهمه بن حَزْمٍ مِنْ مُنَافَاةِ هَذَا الْحَدِيثِ لِتَقَدُّمِ زَوَاجِهَا غَلَطٌ مِنْهُ وَغَفْلَةٌ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ سَأَلَهُ تَجْدِيدَ عَقْدِ النِّكَاحِ تَطْيِيبًا لِقَلْبِهِ لِأَنَّهُ كَانَ رُبَّمَا يَرَى عَلَيْهَا غَضَاضَةً مِنْ رِيَاسَتِهِ وَنَسَبِهِ أن تزوج بنته بِغَيْرِ رِضَاهُ أَوْ أَنَّهُ ظَنَّ أَنَّ إِسْلَامَ الْأَبِ فِي مِثْلِ هَذَا

(16/63)


يَقْتَضِي تَجْدِيدَ الْعَقْدِ وَقَدْ خَفِيَ أَوْضَحُ مِنْ هَذَا عَلَى أَكْبَرِ مَرْتَبَةً مِنْ أَبِي سُفْيَانَ مِمَّنْ كَثُرَ عِلْمُهُ وَطَالَتْ صُحْبَتُهُ هَذَا كَلَامُ أَبِي عَمْرٍو رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَدَّدَ الْعَقْدَ وَلَا قَالَ لِأَبِي سُفْيَانَ إِنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِهِ فَلَعَلَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ نَعَمْ أَنَّ مَقْصُودَكَ يَحْصُلُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَقِيقَةِ عَقْدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَاب من فضائل جعفر وَأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ)
وَأَهْلِ سَفِينَتِهِمْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ

[2502] (أَنَا وَأَخَوَانٌ لِي أَنَا أَصْغَرُهُمْ) هكذا هو في النسخ أصغرهماوالوجه أَصْغَرُ مِنْهُمَا قَوْلُهُ (فَأَسْهَمَ لَنَا أَوْ قَالَ أَعْطَانَا مِنْهَا) هَذَا الْإِعْطَاءُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ بِرِضَا الْغَانِمِينَ وَقَدْ جَاءَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مَا يُؤَيِّدُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْبَيْهَقِيِّ التَّصْرِيحُ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فَشَرِكُوهُمْ فِي سُهْمَانِهِمْ

(16/64)


قَوْلُهَا لِعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ

[2503] (كَذَبْتَ) أَيْ أَخْطَأْتَ وَقَدْ اسْتَعْمَلُوا كَذَبَ بِمَعْنَى أَخْطَأَ قَوْلُهَا (وَكُنَّا فِي دَارِ الْبُعَدَاءِ الْبُغَضَاءِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْبُعَدَاءُ فِي النَّسَبِ الْبُغَضَاءُ فِي الدِّينِ لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ إِلَّا النَّجَاشِيِّ وَكَانَ يَسْتَخْفِي بِإِسْلَامِهِ عَنْ قومه ويورى لَهُمْ قَوْلُهَا (يَأْتُونِي أَرْسَالًا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ أَيْ أفواجا

(16/65)


فَوْجًا بَعْدَ فَوْجٍ يُقَالُ أَوْرَدَ إِبِلِهِ أَرْسَالًا أَيْ مُتَقَطِّعَةً مُتَتَابِعَةً وَأَوْرَدَهَا عِرَاكًا أَيْ مُجْتَمِعَةً والله اعلم

(باب من فضائل سلمان وبلال وصهيب رضي الله عَنْهُمْ)
قَوْلُهُ

[2504] (أَنَّ أَبَا سُفْيَانَ أَتَى عَلَى سَلْمَانَ وَصُهَيْبٍ وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ فَقَالُوا مَا أَخَذَتْ سُيُوفُ اللَّهِ مِنْ عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ مَأْخَذَهَا) ضَبَطُوهُ بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا بِالْقَصْرِ وَفَتْحِ الْخَاءِ وَالثَّانِي بِالْمَدِّ وَكَسْرِهَا وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ وَهَذَا الْإِتْيَانُ لِأَبِي سُفْيَانَ كَانَ وَهُوَ كَافِرٌ فِي الْهُدْنَةِ بَعْدَ صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ وَفِي هَذَا فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لِسَلْمَانَ وَرُفْقَتِهِ هَؤُلَاءِ وَفِيهِ مُرَاعَاةُ قُلُوبِ الضُّعَفَاءِ وَأَهْلِ الدِّينِ وَإِكْرَامِهِمْ وَمُلَاطَفَتِهِمْ قَوْلُهُ (يَا إِخْوَتَاهُ أغضبتكم قالوا لا يغفر الله لك ياأخي) أما قولهم ياأخي فَضَبَطُوهُ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ عَلَى التَّصْغِيرِ وَهُوَ تَصْغِيرُ تَحْبِيبٍ وَتَرْقِيقٌ وَمُلَاطَفَةٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِفَتْحِهَا قَالَ الْقَاضِي قَدْ رُوِيَ عَنْ أَبِي بَكْرٍ أَنَّهُ نَهَى عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الصِّيغَةِ وَقَالَ قُلْ عَافَاكَ اللَّهُ رَحِمَكَ اللَّهُ لَا تَزِدْ أَيْ لَا تَقُلْ قَبْلَ الدُّعَاءِ لَا فَتَصِيرُ صُورَتُهُ صُورَةَ نَفْيِ الدُّعَاءِ قَالَ بَعْضُهُمْ قُلْ لَا وَيَغْفِرُ لَكَ اللَّهُ

(16/66)


(باب من فضائل الانصار رضي الله عَنْهُمْ قَوْلُهُ

[2505] (بَنُو سَلِمَةَ) هُوَ بِكَسْرِ اللَّامِ قَبِيلَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ قَوْلُهُ

[2508] (فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُمْثَلًا) هُوَ بِضَمِّ الْمِيمِ الْأُولَى وَإِسْكَانِ الثَّانِيَةِ وَبِفَتْحِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَكَسْرِهَا كَذَا رُوِيَ بِالْوَجْهَيْنِ وَهُمَا مَشْهُورَانِ قَالَ الْقَاضِي جُمْهُورُ الرُّوَاةِ بِالْفَتْحِ قَالَ وَصَحَّحَهُ بَعْضُهُمْ قَالَ وَلِبَعْضِهِمْ هُنَا وَفِي الْبُخَارِيِّ)

(16/67)


بِالْكَسْرِ وَمَعْنَاهُ قَائِمًا مُنْتَصِبًا قَالَ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ مُقْبِلًا وَلِلْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ النِّكَاحِ مُمْتَنًّا بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقَ وَنُونٍ مِنَ الْمِنَّةِ أَيْ مُتَفَضِّلًا عَلَيْهِمْ قَالَ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ هَذَا وَضَبَطَهُ بَعْضُ المتقنين مُمْتِنًا بِكَسْرِ التَّاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ أَيْ قِيَامًا طَوِيلًا قَالَ الْقَاضِي وَالْمُخْتَارُ مَا قَدَّمْنَاهُ عَنِ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ

[2509] (جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَخَلَا بِهَا) هَذِهِ الْمَرْأَةُ إِمَّا مَحْرَمٌ لَهُ كَأُمِّ سُلَيْمٍ وَأُخْتِهَا وَإِمَّا الْمُرَادُ بِالْخَلْوَةِ أَنَّهَا سَأَلَتْهُ سُؤَالًا خَفِيًّا بحضرة ناس ولم تكن خَلْوَةً مُطْلَقَةً وَهِيَ الْخَلْوَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2510] (الْأَنْصَارُ كَرِشِي وَعَيْبَتِي) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ جَمَاعَتِي وَخَاصَّتِي الَّذِينَ أَثِقُ بِهِمْ وَأَعْتَمِدُهُمْ فِي أُمُورِي قَالَ الْخَطَّابِيُّ ضَرَبَ مَثَلًا بِالْكَرِشِ لِأَنَّهُ مُسْتَقَرُّ غِذَاءِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَكُونُ بِهِ بَقَاؤُهُ وَالْعَيْبَةُ وِعَاءٌ مَعْرُوفٌ أَكْبَرُ مِنَ الْمِخْلَاةِ يَحْفَظُ الْإِنْسَانُ فِيهَا ثِيَابَهُ وَفَاخِرَ مَتَاعِهِ وَيَصُونُهَا ضَرَبَهَا مَثَلًا لِأَنَّهُمْ أَهْلُ سِرِّهِ وَخَفِيِّ أَحْوَالِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ النَّاسَ سَيَكْثُرُونَ وَيَقِلُّونَ) أَيْ وَيَقِلُّ الْأَنْصَارُ وَهَذَا مِنَ الْمُعْجِزَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَاقْبَلُوا مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَاعْفُوا عَنْ مُسِيئِهِمْ) وفي بعض الاصول عن سيئتهم والمراد بذلك فيما

(16/68)


سوى الحدود قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2511]

[2512] (خَيْرُ دُورِ الْأَنْصَارِ) أَيْ خَيْرُ قَبَائِلِهِمْ وَكَانَتْ كُلُّ قَبِيلَةٍ مِنْهَا تَسْكُنُ مَحَلَّةً فَتُسَمَّى تِلْكَ الْمَحَلَّةُ دَارَ بني فلان ولهذاجاء فِي كَثِيرٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ بَنُو فُلَانٍ مِنْ غَيْرِ ذِكْرِ الدَّارِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَتَفْضِيلِهِمْ عَلَى قَدْرِ سَبْقِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَمَآثِرَهِمْ فِيهِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِجَوَازِ تَفْضِيلِ الْقَبَائِلِ وَالْأَشْخَاصِ بِغَيْرِ مُجَازَفَةٍ وَلَا هَوًى وَلَا يَكُونُ هَذَا غِيبَةً قوله (سمعت أبا أسيد خطيبا عند بن عُتْبَةَ) أَمَّا أُسَيْدٌ فَبِضَمِّ الْهَمْزَةِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ فَتْحَهَا وَهُوَ شَاذٌّ ضَعِيفٌ وَخَطِيبًا بِكَسْرِ الطَّاءِ اسْمُ فَاعِلٍ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ خَطَبَنَا بِفَتْحِهَا فعل ماض قوله (عند بن عُتْبَةَ) بِالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ هُوَ الْوَلِيدُ بْنُ عُتْبَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَامِلُ عَمِّهِ

(16/69)


مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى الْمَدِينَةِ قَوْلُهُ (خُلِّفْنَا) أَيْ أُخِّرْنَا فَجُعِلْنَا آخِرَ النَّاسِ وَفِي حَدِيثِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَخِدْمَتِهِ لِأَنَسٍ إِكْرَامًا لِلْأَنْصَارِ دَلِيلٌ لِإِكْرَامِ الْمُحْسِنِ وَالْمُنْتَسِبِ إِلَيْهِ وإِنْ كَانَ أَصْغَرَ سِنًّا وَفِيهِ تَوَاضُعُ جَرِيرٍ وَفَضِيلَتُهُ وَإِكْرَامُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِحْسَانُهُ إِلَى مَنِ انْتَسَبَ إِلَى مَنْ أَحْسَنَ إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(16/70)


(باب من فضائل غفار وأسلم وجهينة وأشجع ومزينة)
وتميم ودوس وطىء قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2514]

[2515]

[2516]

[2518] (وَأَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مِنَ الْمُسَالَمَةِ وَتَرْكُ الْحَرْبِ قِيلَ هُوَ دُعَاءٌ وَقِيلَ خَبَرٌ قَالَ الْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ هُوَ مِنْ أَحْسَنِ الْكَلَامِ مَأْخُوذٌ مِنْ سَالَمْتُهُ إِذَا لَمْ تَرَ مِنْهُ مَكْرُوهًا فَكَأَنَّهُ دَعَا لَهُمْ بِأَنْ يَصْنَعَ اللَّهُ بِهِمْ مَا يُوَافِقُهُمْ فَيَكُونُ سَالَمَهَا بِمَعْنَى سَلَّمَهَا وَقَدْ جَاءَ فَاعَلَ بِمَعْنَى فَعَلَ

(16/72)


كَقَاتَلَهُ اللَّهُ أَيْ قَتَلَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2517] (اللَّهُمَّ الْعَنْ بَنِي لِحْيَانَ وَرِعْلًا) لِحْيَانُ بِكَسْرِ اللَّامِ وَفَتْحِهَا وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ هذيل ورعل بِكَسْرِ الرَّاءِ وَإِسْكَانِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفِيهِ جَوَازُ لعن الكفار

(16/73)


جملة أوالطائفة مِنْهُمْ بِخِلَافِ الْوَاحِدِ بِعَيْنِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم

[2519]

[2520] (الانصار ومزينة ومن كان من بني عبد الله ومن ذكر مَوَالِيَّ دُونَ النَّاسِ وَاَللَّهُ وَرَسُولُهُ مَوْلَاهُمْ) أَيْ وَلِيُّهُمْ وَالْمُتَكَفِّلُ بِهِمْ وَبِمَصَالِحِهِمْ وَهُمْ مَوَالِيهِ أَيْ نَاصِرُوهُ وَالْمُخْتَصُّونَ بِهِ قَالَ الْقَاضِي الْمُرَادُ بِبَنِي عَبْدِ اللَّهِ هُنَا بَنُو عَبْدِ الْعُزَّى مِنْ غَطَفَانَ سَمَّاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَنِي عَبْدِ اللَّهِ فَسَمَّتْهُمُ الْعَرَبُ بَنِي مُحَوِّلَةَ لتحويل

(16/74)


اسْمِ أَبِيهِمْ قَوْلُهُ

[2521] (وَالْحَلِيفَيْنِ أَسَدُ وَغَطَفَانُ) بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الْحِلْفِ أَيِ الْمُتَحَالِفَيْنِ قَوْلُهُ

(16/75)


صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2522] (إِنَّهُمْ لَأَخْيَرُ مِنْهُمْ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ لَأَخْيَرُ وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ تَكَرَّرَتْ فِي الْأَحَادِيثِ وَأَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ يُنْكِرُونَهَا وَيَقُولُونَ الصَّوَابُ خَيْرٌ وَشَرٌّ وَلَا يُقَالُ أَخْيَرُ وَلَا أَشَرُّ وَلَا يُقْبَلُ إِنْكَارُهُمْ فَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةُ الِاسْتِعْمَالِ وَأَمَّا تَفْضِيلُ هَذِهِ الْقَبَائِلِ فَلِسَبْقِهِمْ إِلَى الْإِسْلَامِ وَآثَارِهِمْ فِيهِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي سَيِّدُ بَنِي تَمِيمٍ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَعْقُوبَ الضَّبِّيُّ) قَالَ الْقَاضِي كَذَا وَقَعَ هُنَا وَضَبَّةُ لَا تَجْتَمِعُ فِي بَنِي تَمِيمٍ إِنَّمَا ضَبَّةُ بْنُ أُدِّ بْنِ طَابِخَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ وَفِي قُرَيْشٍ أَيْضًا ضَبَّةُ بْنُ الْحَارِثِ بْنِ فِهْرٍ قَالَ وَقَدْ نَسَبَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ كَمَا وَقَعَ فِي مُسْلِمٍ قُلْتُ وَفِي هُذَيْلٍ أَيْضًا ضَبَّةُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْحَارِثِ بْنِ تَمِيمِ بْنِ سَعْدِ بْنِ هُذَيْلٍ فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ضَبِّيًّا

(16/76)


بِالْحِلْفِ أَوْ مَجَازًا لِمُقَارَبَتِهِ فَإِنَّ تَمِيمًا تَجْتَمِعُ هي وضبية قَرِيبًا قَوْلُهُ

[2523] (أَوَّلُ صَدَقَةٍ بَيَّضَتْ وَجْهَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوُجُوهَ أَصْحَابِهِ صدقة طئ) أي سرتهم وأفرحتهم وطىء بالهمزة على

(16/77)


الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ تَرْكُهُ وَسَبَقَ بَيَانُهُ وَالْمَلَاحِمُ مَعَارِكُ الْقِتَالِ وَالْتِحَامُهُ

(بَاب خِيَارِ النَّاسِ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2526] (تَجِدُونَ النَّاسَ مَعَادِنَ فَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ إِذَا فَقُهُوا) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي فَضَائِلِ يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَقُهُوا بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى الْمَشْهُورِ وَحُكِيَ كَسْرُهَا أَيْ صَارُوا فُقَهَاءَ وَعُلَمَاءَ وَالْمَعَادِنُ الْأُصُولُ وَإِذَا كَانَتِ الْأُصُولُ شَرِيفَةً كانت

(16/78)


الْفُرُوعُ كَذَلِكَ غَالِبًا وَالْفَضِيلَةُ فِي الْإِسْلَامِ بِالتَّقْوَى لكن إِذَا انْضَمَّ إِلَيْهَا شَرَفُ النَّسَبِ ازْدَادَتْ فَضْلًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَتَجِدُونَ مِنْ خَيْرِ النَّاسِ فِي هَذَا الْأَمْرِ أَشَدَّهُمْ لَهُ كَرَاهِيَةً حَتَّى يَقَعَ فِيهِ) قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْإِسْلَامُ كَمَا كَانَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَخَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ وَعَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ وَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ مِنْ مَسْلَمَةِ الْفَتْحِ وَغَيْرِهِمْ مِمَّنْ كَانَ يَكْرَهُ الْإِسْلَامَ كَرَاهِيَةً شَدِيدَةً لَمَّا دَخَلَ فِيهِ أَخْلَصَ وَأَحَبَّهُ وَجَاهَدَ فِيهِ حَقَّ جِهَادِهِ قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمْرِ فِي ذِي الْوَجْهَيْنِ هُنَا الْوِلَايَاتُ لِأَنَّهُ إِذَا أُعْطِيهَا مِنْ غَيْرِ مَسْأَلَةٍ أُعِينَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذِي الْوَجْهَيْنِ إِنَّهُ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ فَسَبَبُهُ ظَاهِرٌ لِأَنَّهُ نِفَاقٌ مَحْضٌ وَكَذِبٌ وَخِدَاعٌ وَتَحَيُّلٌ عَلَى اطِّلَاعِهِ عَلَى أَسْرَارِ الطَّائِفَتَيْنِ وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي كُلَّ طَائِفَةٍ بِمَا يُرْضِيهَا وَيُظْهِرُ لَهَا أَنَّهُ مِنْهَا فِي خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ وَهِيَ مُدَاهَنَةٌ مُحَرَّمَةٌ

(16/79)


(بَاب مِنْ فَضَائِلِ نِسَاءِ قُرَيْشٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2527] (خَيْرُ نِسَاءٍ رَكِبْنَ الْإِبِلَ نِسَاءُ قُرَيْشٍ أَحْنَاهُ عَلَى وَلَدٍ فِي صِغَرِهِ وَأَرْعَاهُ عَلَى زَوْجٍ فِي ذَاتِ يَدِهِ) فِيهِ فَضِيلَةُ نِسَاءِ قُرَيْشٍ وَفَضْلُ هَذِهِ الْخِصَالِ وَهِيَ الْحَنْوَةُ عَلَى الْأَوْلَادِ وَالشَّفَقَةُ عَلَيْهِمْ وَحُسْنُ تَرْبِيَتِهِمْ وَالْقِيَامُ عَلَيْهِمْ إِذَا كَانُوا يَتَامَى وَنَحْوُ ذَلِكَ مُرَاعَاةُ حَقِّ الزَّوْجِ فِي مَالِهِ وَحِفْظِهِ وَالْأَمَانَةِ فِيهِ وَحُسْنِ تَدْبِيرِهِ فِي النَّفَقَةِ وَغَيْرِهَا وَصِيَانَتِهِ ونحو ذلك ومعنى ركبن الابل نساءالعرب وَلِهَذَا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي الْحَدِيثِ لَمْ تَرْكَبْ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ بَعِيرًا قَطُّ وَالْمَقْصُودُ أَنَّ نِسَاءَ قُرَيْشٍ خَيْرُ نِسَاءِ الْعَرَبِ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْعَرَبَ خَيْرٌ مِنْ غَيْرِهِمْ فِي الجملة وأما الافراد فيدخل بها الخصوص ومعنى ذَاتُ يَدِهِ أَيْ شَأْنُهُ الْمُضَافُ إِلَيْهِ وَمَعْنَى أَحْنَاهُ أَشْفَقُهُ وَالْحَانِيَةُ عَلَى وَلَدِهَا الَّتِي تَقُومُ عَلَيْهِمْ بَعْدَ يُتْمِهِمْ فَلَا تَتَزَوَّجُ فَإِنْ تَزَوَّجَتْ فَلَيْسَتْ بِحَانِيَةٍ قَالَ الْهَرَوِيُّ وَقَدْ سَبَقَ فِي بَابِ فَضْلِ أَبِي سُفْيَانَ قَرِيبًا بَيَانُ أَحْنَاهُ وأرعاه وأن معناه أحناهن والله اعلم)

(16/80)


(باب مؤاخاة النبي صلى الله عليه وسلم)
بين أصحابه رضي الله عنهم

[2528] ذَكَرَ فِي الْبَابِ الْمُؤَاخَاةَ وَالْحِلْفَ وَحَدِيثَ لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ

[2529] وَحَدِيثَ أَنَسٍ آخَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ قُرَيْشٍ والانصار في داري بِالْمَدِينَةِ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الطَّبَرِيُّ لَا يَجُوزُ الْحِلْفُ الْيَوْمَ فَإِنَّ الْمَذْكُورَ فِي الْحَدِيثِ وَالْمُوَارَثَةَ به وبالمؤاخاة كله منسوخ لقوله تعالى وأولوا

(16/81)


الارحام بعضهم أولى ببعض وَقَالَ الْحَسَنُ كَانَ التَّوَارُثُ بِالْحِلْفِ فَنُسِخَ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ قُلْتُ أَمَّا مَا يَتَعَلَّقُ بِالْإِرْثِ فَيُسْتَحَبُّ فيه المخالفة عِنْدَ جَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَأَمَّا الْمُؤَاخَاةُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْمُحَالَفَةُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّنَاصُرُ فِي الدِّينِ وَالتَّعَاوُنُ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَإِقَامَةُ الْحَقِّ فَهَذَا بَاقٍ لَمْ يُنْسَخْ وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2530] (لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ) فَالْمُرَادُ بِهِ حِلْفُ التَّوَارُثِ وَالْحِلْفُ عَلَى مَا مَنَعَ الشرع منه والله أعلم

(16/82)


(باب بيان أن بقاء النبي صلى الله عليه سلم)
أمان لأصحابه وبقاء أصحابه أمان للأمة قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2531] (النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ فَإِذَا ذَهَبَتِ النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْأَمَنَةُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَالْمِيمِ وَالْأَمْنُ وَالْأَمَانُ بِمَعْنًى وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النُّجُومَ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً فَالسَّمَاءُ بَاقِيَةٌ فَإِذَا انْكَدَرَتِ النُّجُومُ وَتَنَاثَرَتْ فِي الْقِيَامَةِ وَهَنَتِ السَّمَاءُ فَانْفَطَرَتْ وَانْشَقَّتْ وَذَهَبَتْ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصْحَابِي فَإِذَا ذَهَبْتُ أَتَى أَصْحَابِي مَا يُوعَدُونَ أَيْ مِنَ الْفِتَنِ وَالْحُرُوبِ وَارْتِدَادِ مَنِ ارْتَدَّ مِنَ الْأَعْرَابِ وَاخْتِلَافِ الْقُلُوبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا أَنْذَرَ بِهِ صَرِيحًا وَقَدْ وَقَعَ كُلُّ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ) مَعْنَاهُ مِنْ ظُهُورِ الْبِدَعِ وَالْحَوَادِثِ فِي الدِّينِ وَالْفِتَنِ فِيهِ وَطُلُوعِ قَرْنِ الشَّيْطَانِ وَظُهُورِ الرُّومِ وَغَيْرِهِمْ عَلَيْهِمْ وَانْتَهَاكِ الْمَدِينَةِ وَمَكَّةَ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَهَذِهِ كُلُّهَا مِنْ مُعْجِزَاتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(بَاب فَضْلِ الصَّحَابَةِ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2532] (يَغْزُو فِئَامٌ مِنَ النَّاسِ) هُوَ بِفَاءٍ مَكْسُورَةٍ ثُمَّ هَمْزَةٍ أَيْ جَمَاعَةٌ وَحَكَى الْقَاضِي فِيهِ بِالْيَاءِ مُخَفَّفَةً بِلَا هَمْزٍ وَلُغَةً أُخْرَى فَتْحُ الْفَاءِ حَكَاهَا عَنِ الْخَلِيلِ وَالْمَشْهُورُ الْأَوَّلُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُعْجِزَاتٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفَضْلُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَتَابِعِيهِمْ

(16/83)


وَالْبَعْثُ هُنَا الْجَيْشُ قَوْلُهُ

[2533] (عَنْ عَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ) هُوَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَالسِّينِ وَإِسْكَانِ اللَّامِ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي سَلْمَانَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (خير كم قَرْنِي) وَفِي رِوَايَةٍ خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ إِلَى آخِرِهِ اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ خَيْرَ الْقُرُونِ قَرْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ أَصْحَابُهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا

(16/84)


أَنَّ الصَّحِيحَ الَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّ كُلَّ مُسْلِمٍ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَوْ سَاعَةً فَهُوَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَرِوَايَةُ خَيْرُ النَّاسِ عَلَى عُمُومِهَا وَالْمُرَادُ مِنْهُ جُمْلَةُ الْقَرْنِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَفْضِيلُ الصَّحَابِيِّ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ وَلَا أَفْرَادُ النِّسَاءِ عَلَى مَرْيَمَ وَآسِيَةَ وَغَيْرِهِمَا بَلِ الْمُرَادُ جُمْلَةُ الْقَرْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى كُلِّ قَرْنٍ بِجُمْلَتِهِ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِالْقَرْنِ هُنَا فَقَالَ الْمُغِيرَةُ قَرْنُهُ أَصْحَابُهُ وَاَلَّذِينَ يَلُونَهُمْ أَبْنَاؤُهُمْ وَالثَّالِثُ أَبْنَاءُ أَبْنَائِهِمْ وَقَالَ شَهْرٌ قَرْنُهُ مَا بَقِيَتْ عَيْنٌ رَأَتْهُ وَالثَّانِي مَا بَقِيَتْ عَيْنٌ رَأَتْ مَنْ رَآهُ ثُمَّ كَذَلِكَ وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ الْقَرْنُ كُلُّ طَبَقَةٍ مُقْتَرِنِينَ فِي وَقْتٍ وَقِيلَ هُوَ لِأَهْلِ مُدَّةٍ بُعِثَ فِيهَا نَبِيٌّ طَالَتْ مُدَّتُهُ أَمْ قَصُرَتْ وَذَكَرَ الْحَرْبِيُّ الِاخْتِلَافَ فِي قَدْرِهِ بِالسِّنِينَ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ إِلَى مِائَةٍ وعشرين ثم قال وليس منه شئ وَاضِحٌ وَرَأَى أَنَّ الْقَرْنَ كُلُّ أُمَّةٍ هَلَكَتْ فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا أَحَدٌ وَقَالَ الْحَسَنُ وَغَيْرُهُ الْقَرْنُ عَشْرُ سِنِينَ وَقَتَادَةُ سَبْعُونَ وَالنَّخَعِيُّ أَرْبَعُونَ وَزُرَارَةُ بْنُ أَبِي أَوْفَى مِائَةٌ وَعِشْرُونَ وَعَبْدُ الملك بن عمير مائة وقال بن الْأَعْرَابِيِّ هُوَ الْوَقْتُ هَذَا آخِرُ نَقْلِ الْقَاضِي وَالصَّحِيحُ أَنَّ قَرْنَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّحَابَةُ وَالثَّانِي التَّابِعُونَ وَالثَّالِثُ تَابِعُوهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (ثم يجئ قَوْمٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ وَيَمِيُنُهُ شَهَادَتَهُ) هَذَا ذَمٌّ لِمَنْ يَشْهَدُ وَيَحْلِفُ مَعَ شَهَادَتِهِ وَاحْتَجَّ بِهِ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ فِي رَدِّ شَهَادَةِ من خلف معها وجمهور

(16/85)


العلماء أنها لاترد وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ يُجْمَعُ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالشَّهَادَةِ فَتَارَةً تَسْبِقُ هَذِهِ وَتَارَةً هَذِهِ وَفِي الرِّوَايَةِ الاخرى تبدر شهادة أحدهم وهو يعنى تَسْبِقُ قَوْلُهُ يَنْهَوْنَنَا عَنِ الْعَهْدِ وَالشَّهَادَاتِ أَيِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْيَمِينِ وَالشَّهَادَةِ وَقِيلَ الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ قَوْلِهِ عَلَى عَهْدِ اللَّهِ أَوْ أَشْهَدُ بِاَللَّهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ثُمَّ يَتَخَلَّفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ يَتَخَلَّفُ وَفِي بَعْضِهَا يَخْلُفُ بِحَذْفِ التاء وكلاهما صحيح أي يجئ بَعْدَهُمْ خَلْفٌ بِإِسْكَانِ اللَّامِ هَكَذَا الرِّوَايَةُ وَالْمُرَادُ خَلْفُ سُوءٍ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ الْخَلْفُ مَا صَارَ عِوَضًا عَنْ غَيْرِهِ وَيُسْتَعْمَلُ فِيمَنْ خَلَفَ بِخَيْرٍ أَوْ بِشَرٍّ لَكِنْ يُقَالُ فِي الْخَيْرِ بِفَتْحِ اللَّامِ وَإِسْكَانِهَا لُغَتَانِ الْفَتْحُ أَشْهَرُ وَأَجْوَدُ وفي الشر باسكانها عن الْجُمْهُورِ وَحُكِيَ أَيْضًا فَتْحُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2534] (ثُمَّ يَخْلُفُ قَوْمٌ يُحِبُّونَ السَّمَانَةَ يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا) وَفِي رِوَايَةٍ وَيَظْهَرُ قَوْمٌ فِيهِمُ السِّمَنُ السَّمَانَةُ بِفَتْحِ السِّينِ هِيَ السمن قال جمهور العلماءفي مَعْنَى هَذَا الْحَدِيثِ الْمُرَادُ بِالسِّمَنِ هُنَا كَثْرَةُ اللحم ومعناه أنه يكثر ذلك فيهم وليسن مَعْنَاهُ أَنْ يَتَمَحَّضُوا سِمَانًا قَالُوا وَالْمَذْمُومُ مِنْهُ

(16/86)


مَنْ يَسْتَكْسِبُهُ وَأَمَّا مَنْ هُوَ فِيهِ خِلْقَةً فَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا وَالْمُتَكَسِّبُ لَهُ هُوَ الْمُتَوَسِّعُ فِي الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ زَائِدًا عَلَى الْمُعْتَادِ وَقِيلَ الْمُرَادُ بِالسِّمَنِ هُنَا أَنَّهُمْ يَتَكَثَّرُونَ بِمَا لَيْسَ فِيهِمْ وَيَدَّعُونَ مَا لَيْسَ لَهُمْ مِنَ الشَّرَفِ وَغَيْرَهِ وَقِيلَ الْمُرَادُ جَمْعُهُمُ الْأَمْوَالَ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (يَشْهَدُونَ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدُوا) هَذَا الْحَدِيثُ فِي ظَاهِرِهِ مُخَالَفَةٌ لِلْحَدِيثِ الْآخَرِ خَيْرُ الشُّهُودِ الَّذِي يَأْتِي بِالشَّهَادَةِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الذَّمَّ فِي ذَلِكَ لِمَنْ بَادَرَ بِالشَّهَادَةِ فِي حق الآدمي هو عالم بها قَبْلَ أَنْ يَسْأَلَهَا صَاحِبُهَا وَأَمَّا الْمَدْحُ فَهُوَ لِمَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةُ الْآدَمِيِّ وَلَا يَعْلَمُ بها صاحبها فيخبره بها ليستشهد بِهَا عِنْدَ الْقَاضِي إِنْ أَرَادَ وَيَلْتَحِقُ بِهِ مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةُ حِسْبَةٍ وَهِيَ الشَّهَادَةُ بِحُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَأْتِي الْقَاضِيَ وَيَشْهَدُ بِهَا وَهَذَا مَمْدُوحٌ إِلَّا إِذَا كَانَتِ الشَّهَادَةُ بِحَدٍّ وَرَأَى الْمَصْلَحَةَ فِي السِّتْرِ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنَ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ هُوَ مَذْهَبُ أَصْحَابِنَا وَمَالِكٍ وَجَمَاهِيرِ الْعُلَمَاءِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَقِيلَ فِيهِ اقوال ضعيفة منها قَوْلِ مَنْ قَالَ بِالذَّمِّ مُطْلَقًا وَنَابَذَ حَدِيثَ المدح ومنها مَنْ حَمَلَهُ عَلَى شَهَادَةِ الزُّورِ وَمِنْهَا قَوْلُ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الشَّهَادَةِ بِالْحُدُودِ

(16/87)


وَكُلُّهَا فَاسِدَةٌ وَاحْتَجَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شُبْرُمَةَ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَذْهَبِهِ فِي مَنْعِهِ الشَّهَادَةَ عَلَى الْإِقْرَارِ قَبْلَ أَنْ يُسْتَشْهَدَ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ قَبُولُهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2535] (وَيَخُونُونَ وَلَا يَتَمَنَّوْنَ) هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ يَتَمَنَّوْنَ بِتَشْدِيدِ النُّونِ وَفِي بَعْضِهَا يُؤْتَمَنُونَ وَمَعْنَاهُ يَخُونُونَ خِيَانَةً ظَاهِرَةً بِحَيْثُ لَا يَبْقَى مَعَهَا أَمَانَةٌ بِخِلَافِ مَنْ خَانَ بِحَقِيرٍ مَرَّةً وَاحِدَةً فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ أَنَّهُ خَانَ وَلَا يَخْرُجُ بِهِ عَنِ الْأَمَانَةِ فِي بَعْضِ الْمَوَاطِنِ قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم (وينذرون ولا يوفون) هوبكسر الذَّالِ وَضَمِّهَا لُغَتَانِ وَفِي رِوَايَةٍ يَفُونَ وَهُمَا صَحِيحَانِ يُقَالُ وَفَى وَأَوْفَى فِيهِ وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ وَهُوَ وَاجِبٌ بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ ابْتِدَاءُ النَّذْرِ مَنْهِيًّا عَنْهُ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِهِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلَائِلُ لِلنُّبُوَّةِ وَمُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ كُلَّ الْأُمُورِ الَّتِي أَخْبَرَ بِهَا وَقَعَتْ كَمَا أَخْبَرَ قَوْلُهُ (سَمِعْتُ أَبَا جَمْرَةَ قَالَ حَدَّثَنِي زَهْدَمُ بْنُ مُضَرِّبٍ) أَمَّا أَبُو جَمْرَةَ فَبِالْجِيمِ وَهُوَ أَبُو جَمْرَةَ نصْرُ بْنُ عِمْرَانَ سَبَقَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ وَفْدِ عَبْدِ الْقَيْسِ ثُمَّ فِي مَوَاضِعَ وَلَا خلاف أنه المراد

(16/88)


هنا وَأَمَّا زَهْدَمُ فَبِزَايٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ هَاءٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ وَمُضَرِّبٌ بِضَمِّ الْمِيمِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُشَدَّدَةِ قَوْلُهُ

[2536] (عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ الْبَهِيِّ عَنْ عَائِشَةَ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَكَسْرِ الْهَاءِ وَهَذَا الْإِسْنَادُ مِمَّا اسْتَدْرَكَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فَقَالَ إِنَّمَا رَوَى الْبَهِيُّ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ الْقَاضِي قَدْ صَحَّحُوا رِوَايَتَهُ عَنْ عَائِشَةَ وَقَدْ ذكر البخاري روايته عن عائشة

(باب بَيَانِ مَعْنَى قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم على رأس مائة سنة لا يبقى)
نفس منفوسة ممن هو موجود الآن قوله صلى الله عليه وسلم

[2537] (أريتكم لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظهر الارض أحد قال بن عُمَرَ وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَبْقَى

(16/89)


مِمَّنْ هُوَ الْيَوْمَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَنْ يَنْخَرِمَ ذَلِكَ الْقَرْنُ) وَفِي

[2538]

[2539]

[2538] رِوَايَةِ جَابِرٍ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ وَفَاتِهِ بِشَهْرٍ يَقُولُ مَا مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهِيَ حَيَّةٌ يَوْمئِذٍ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ مِثْلُهُ لَكِنْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ لَمَّا رَجَعَ مِنْ تَبُوكَ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ قَدْ فَسَّرَ بَعْضُهَا بَعْضًا وَفِيهَا عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَالْمُرَادُ أَنَّ كل نفس منفوسة كانت تلك اللَّيْلَةَ عَلَى الْأَرْضِ لَا تَعِيشُ بَعْدَهَا أَكْثَرَ مِنْ مِائَةِ سَنَةٍ سَوَاءٌ قَلَّ أَمْرُهَا قَبْلَ ذَلِكَ أَمْ لَا وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ عَيْشِ أَحَدٍ يُوجَدُ بَعْدَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ فَوْقَ مِائَةِ سَنَةٍ وَمَعْنَى نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ أَيْ مَوْلُودَةٍ وَفِيهِ احْتِرَازُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَقَدِ احْتَجَّ بِهَذِهِ الْأَحَادِيثِ مَنْ شَذَّ مِنَ الْمُحَدِّثِينَ فَقَالَ الْخَضِرُ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَيِّتٌ وَالْجُمْهُورُ عَلَى حَيَاتِهِ كَمَا سَبَقَ فِي بَابِ فَضَائِلِهِ وَيَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ عَلَى أَنَّهُ كَانَ عَلَى الْبَحْرِ لَا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ أَنَّهَا عَامٌّ مَخْصُوصٌ قَوْلُهُ (فَوَهَلَ النَّاسُ) بِفَتْحِ الْهَاءِ أَيْ غَلِطُوا يُقَالُ وَهَلَ بِفَتْحِ الْهَاءِ يَهِلُ بِكَسْرِهَا وَهْلًا كَضَرِبَ يَضْرِبُ ضَرْبًا أي غلط وذهب وهنه إِلَى خِلَافِ الصَّوَابِ وَأَمَّا وَهِلْتُ بِكَسْرِهَا أَهَلُ بِفَتْحِهَا وَهَلًا كَحَذِرْتُ أَحْذَرُ حَذَرًا فَمَعْنَاهُ فَزِعْتُ وَالْوَهَلُ بِالْفَتْحِ الْفَزَعُ قَوْلُهُ (يَنْخَرِمُ ذَلِكَ الْقَرْنُ) أَيْ يَنْقَطِعُ وَيَنْقَضِي قَوْلُهُ (وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبِ السِّقَايَةِ عَنْ جَابِرٍ) هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قول معتمر بن سلمان سمعت أبي قال حدثنا أبو

(16/90)


ضرة ثُمَّ قَالَ بَعْدَ تَمَامِ الْحَدِيثِ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فَالْقَائِلُ وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ هُوَ سُلَيْمَانُ والد

(16/91)


مُعْتَمِرٍ فَسُلَيْمَانُ يَرْوِيهِ بِإِسْنَادِ مُسْلِمٍ إِلَيْهِ عَنِ اثْنَيْنِ أَبِي نَضْرَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ صَاحِبِ السِّقَايَةِ كلاهما عن جابر والله اعلم

(باب تحريم سب الصحابة)
قَوْلُهُ

[2540] (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ عَنْ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيِّ قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيِّ هَذَا وَهَمٌ وَالصَّوَابُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ لَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَكَذَا رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَأَبُو كُرَيْبٍ وَالنَّاسُ قَالَ وَسُئِلَ الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ يَرْوِيهِ الْأَعْمَشُ وَاخْتُلِفَ عَنْهُ فَرَوَاهُ زَيْدُ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ عَنْهُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاخْتُلِفَ عَلَى أَبِي عَوَانَةَ عَنْهُ فَرَوَاهُ عَفَّانُ وَيَحْيَى بْنُ حَمَّادٍ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ كَذَلِكَ وَرَوَاهُ مُسَدَّدٌ وَأَبُو كَامِلٍ وَشَيْبَانُ عَنْ أَبِي عَوَانَةَ فَقَالُوا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي سَعِيدٍ وَكَذَا قَالَ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ عَنْ أَبِي دَاوُدَ وَالْخَرَشِيِّ عَنِ الْأَعْمَشِ وَالصَّوَابُ مِنْ رِوَايَاتِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ وَرَوَاهُ زَائِدَةُ عَنْ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَالصَّحِيحُ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ والله اعلم

(16/92)


وَاعْلَمْ أَنَّ سَبَّ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ حَرَامٌ مِنْ فَوَاحِشِ الْمُحَرَّمَاتِ سَوَاءٌ مَنْ لَابَسَ الْفِتَنَ مِنْهُمْ وَغَيْرُهُ لِأَنَّهُمْ مُجْتَهِدُونَ فِي تِلْكَ الْحُرُوبِ مُتَأَوِّلُونَ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي أَوَّلِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةَ مِنْ هَذَا الشَّرْحِ قَالَ الْقَاضِي وَسَبُّ أَحَدِهِمْ مِنَ الْمَعَاصِي الْكَبَائِرِ وَمَذْهَبُنَا وَمَذْهَبُ الْجُمْهُورِ أَنَّهُ يُعَزَّرُ وَلَا يُقْتَلُ وَقَالَ بَعْضُ الْمَالِكِيَّةِ يُقْتَلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2541] (لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي فَوَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ماأدرك مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ النَّصِيفُ النِّصْفُ وَفِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ نِصْفُ بِكَسْرِ النُّونِ وَنُصْفُ بِضَمِّهَا وَنَصْفُ بِفَتْحِهَا وَنَصِيفٌ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ حَكَاهُنَّ الْقَاضِي عِيَاضٌ فِي الْمَشَارِقِ عَنِ الْخَطَّابِيِّ وَمَعْنَاهُ لَوْ أَنْفَقَ أَحَدُكُمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ ثَوَابُهُ فِي ذَلِكَ ثَوَابَ نَفَقَةِ أَحَدِ أَصْحَابِي مُدًّا وَلَا نِصْفَ مُدٍّ قَالَ الْقَاضِي وَيُؤَيِّدُ هَذَا مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ بَابِ فَضَائِلِ الصَّحَابَةَ عَنِ الْجُمْهُورِ مِنْ تَفْضِيلِ الصَّحَابَةِ كُلِّهِمْ عَلَى جَمِيعِ مَنْ بَعْدَهُمْ وَسَبَبُ تَفْضِيلِ نَفَقَتِهِمْ أَنَّهَا كَانَتْ فِي وَقْتِ الضَّرُورَةِ وَضِيقِ الْحَالِ بِخِلَافِ غَيْرِهِمْ وَلِأَنَّ إِنْفَاقَهُمْ كَانَ فِي نُصْرَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحِمَايَتِهِ وَذَلِكَ مَعْدُومٌ بَعْدَهُ وَكَذَا جِهَادُهُمْ وَسَائِرُ طَاعَتِهِمْ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أولئك أعظم درجة الْآيَةُ هَذَا كُلُّهُ مَعَ مَا كَانَ فِي أَنْفُسِهِمْ مِنَ الشَّفَقَةِ وَالتَّوَدُّدِ وَالْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ وَالْإِيثَارِ وَالْجِهَادِ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ وَفَضِيلَةِ الصُّحْبَةِ وَلَوْ لَحْظَةً لَا يُوَازِيهَا عَمَلٌ وَلَا تُنَالُ درجتها بشئ وَالْفَضَائِلُ لَا تُؤْخَذُ بِقِيَاسٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ قَالَ الْقَاضِي وَمِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ مَنْ يَقُولُ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ مُخْتَصَّةٌ بِمَنْ طَالَتْ صُحْبَتُهُ وَقَاتَلَ مَعَهُ وَأَنْفَقَ وَهَاجَرَ وَنَصَرَ لَا لِمَنْ رَآهُ مَرَّةً كَوُفُودِ الْأَعْرَابِ أَوْ صَحِبَهُ آخِرًا بَعْدَ الْفَتْحِ وَبَعْدَ إِعْزَازِ الدِّينِ مِمَّنْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ هِجْرَةٌ وَلَا أَثَرٌ فِي الدِّينِ وَمَنْفَعَةُ

(16/93)


الْمُسْلِمِينَ قَالَ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْأَوَّلُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ والله اعلم

(باب من فضائل أويس القرني رضي الله عنه قَوْلُهُ

[2542] (أُسَيْرُ بْنُ جَابِرٍ) هُوَ بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَيُقَالُ أُسَيْرُ بْنُ عَمْرٍو وَيُقَالُ يُسْرُ بِضَمِّ الْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ تَحْتُ وَفِي قِصَّةِ أُوَيْسٍ هَذِهِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ أُوَيْسُ بْنُ عَامِرٍ كَذَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ هُنَا وَهُوَ الْمَشْهُورُ قال بن مَاكُولَا وَيُقَالُ أُوَيْسُ بْنُ عَمْرٍو قَالُوا وَكُنْيَتُهُ أَبُو عَمْرٍو قَالَ الْقَائِلُ قُتِلَ بِصِفِّينَ وَهُوَ الْقَرَنِيُّ مِنْ بَنِي قَرَنٍ بِفَتْحِ الْقَافِ وَالرَّاءِ وَهِيَ بَطْنٌ مِنْ مُرَادٍ وَهُوَ قَرَنُ بْنُ ردمان بن ناجبة بْنِ مُرَادٍ وَقَالَ الْكَلْبِيُّ وَمُرَادٌ اسْمُهُ جَابِرُ بْنُ مَالِكِ بْنِ أُدَدَ بْنِ صُحْبِ بْنِ يَعْرُبَ بْنِ زَيْدِ بْنِ كَهْلَانَ بْنِ سَبَّادٍ هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ كَوْنِهِ مِنْ بَطْنٍ من مراد واليه نُسِبَ هُوَ الصَّوَابُ وَلَا خِلَافَ فيهِ وفِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى قَرْنِ الْمَنَازِلِ الْجَبَلِ الْمَعْرُوفِ مِيقَاتِ الْإِحْرَامِ لِأَهْلِ نَجْدٍ وَهَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ وَسَبَقَ هُنَاكَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ لِئَلَّا يُغْتَرَّ بِهِ قَوْلُهُ وَفِيهِمْ رَجُلٌ يَسْخَرُ بِأُوَيْسٍ أَيْ يَحْتَقِرُهُ وَيَسْتَهْزِئُ بِهِ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُخْفِي حَالَهُ وَيَكْتُمُ السِّرَّ الَّذِي بَيْنَهُ وبين الله عزوجل ولا يظهر منه شئ يَدُلُّ لِذَلِكَ وَهَذِهِ طَرِيقُ الْعَارِفِينَ وَخَوَاصِّ الْأَوْلِيَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَمَنْ لَقِيَهُ مِنْكُمْ فَلْيَسْتَغْفِرْ لَكُمْ) وَفِي الرواية)

(16/94)


الْأُخْرَى قَالَ لِعُمَرَ فَإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَكَ فَافْعَلْ هَذِهِ مَنْقَبَةٌ ظَاهِرَةٌ لِأُوَيْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَفِيهِ اسْتِحْبَابُ طَلَبِ الدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَإِنْ كَانَ الطَّالِبُ أَفْضَلَ مِنْهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ خَيْرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيْسٌ إِلَى آخِرِهِ) هَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ خَيْرُ التَّابِعِينَ وَقَدْ يُقَالُ قَدْ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَغَيْرُهُ أَفْضَلُ التَّابِعِينَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْجَوَابُ أَنَّ مُرَادَهُمْ أَنَّ سَعِيدًا أَفْضَلَ فِي الْعُلُومِ الشَّرْعِيَّةِ كَالتَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَنَحْوِهَا لَا فِي الْخَيْرِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ أَيْضًا قَوْلُهُ (أَمْدَادُ أَهْلِ الْيَمَنِ) هُمُ الْجَمَاعَةُ الْغُزَاةُ الَّذِينَ يَمُدُّونَ جُيُوشَ الْإِسْلَامِ فِي الْغَزْوِ وَاحِدُهُمْ مَدَدٌ قَوْلُهُ (أَكُونُ فِي غَبْرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ) هُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ المعجمة

(16/95)


وَبِإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ وَبِالْمَدِّ أَيْ ضِعَافِهِمْ وَصَعَالِيكِهِمْ وَأَخْلَاطِهِمُ الَّذِينَ لَا يُؤْبَهُ لَهُمْ وَهَذَا مِنْ إِيثَارِ الْخُمُولِ وَكَتْمِ حَالِهِ قَوْلُهُ (رَثَّ الْبَيْتِ) هُوَ بِمَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى قَلِيلَ الْمَتَاعِ وَالرَّثَاثَةُ وَالْبَذَاذَةُ بِمَعْنًى وَهُوَ حَقَارَةُ الْمَتَاعِ وَضِيقِ الْعَيْشِ وَفِي حَدِيثِهِ فَضْلُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَفَضْلُ الْعُزْلَةِ وَإِخْفَاءُ الْأَحْوَالِ

(بَاب وَصِيَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَهْلِ مِصْرَ)
قَوْلُهُ

[2543] (عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شُمَاسَةَ) بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (سَتَفْتَحُونَ

(16/96)


أَرْضًا يُذْكَرُ فِيهَا الْقِيرَاطُ فَاسْتَوْصُوا بِأَهْلِهَا خَيْرًا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا فَإِذَا رَأَيْتَ رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَاخْرُجْ مِنْهَا) قَالَ فَمَرَّ بِرَبِيعَةَ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ ابْنَيْ شُرَحْبِيلَ بْنِ حَسَنَةَ يتنَازعَانِ فِي مَوْضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجَ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةٍ سَتَفْتَحُونَ مِصْرَ وَهِيَ أَرْضٌ يُسَمَّى فِيهَا الْقِيرَاطُ وَفِيهَا فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا أَوْ قَالَ ذِمَّةً وَصِهْرًا قَالَ الْعُلَمَاءُ الْقِيرَاطُ جُزْءٌ مِنْ أَجْزَاءِ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَغَيْرِهِمَا وَكَانَ أَهْلُ مِصْرَ يُكْثِرُونَ مِنَ اسْتِعْمَالِهِ وَالتَّكَلُّمِ بِهِ وَأَمَّا الذِّمَّةُ فَهِيَ الْحُرْمَةُ وَالْحَقُّ وَهِيَ هُنَا بِمَعْنَى الذِّمَامُ وَأَمَّا الرَّحِمُ فَلِكَوْنِ هَاجَرَ أُمِّ إِسْمَاعِيلَ مِنْهُمْ وَأَمَّا الصِّهْرُ فَلِكَوْنِ مَارِيَةَ أُمِّ إِبْرَاهِيمَ مِنْهُمْ وَفِيهِ مُعْجِزَاتٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهَا إِخْبَارُهُ بِأَنَّ الْأُمَّةَ تَكُونُ لَهُمْ قُوَّةٌ وَشَوْكَةٌ بَعْدَهُ بِحَيْثُ يَقْهَرُونَ الْعَجَمَ وَالْجَبَابِرَةَ وَمِنْهَا أَنَّهُمْ يَفْتَحُونَ مِصْرَ وَمِنْهَا تَنَازُعُ الرَّجُلَيْنِ فِي مَوْضِعِ اللَّبِنَةِ وَوَقَعَ كُلُّ ذَلِكَ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَمَعْنَى يَقْتَتِلَانِ يَخْتَصِمَانِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ قَوْلُهُ (عَنْ أَبِي بَصْرَةَ عَنْ أَبِي ذَرٍّ) هُوَ بِالْمُوَحَّدَةِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَةِ

(16/97)


(بَاب فَضْلِ أَهْلِ عُمَانَ

[2544] (عُمَانَ) فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ وَهِيَ مَدِينَةُ بِالْبَحْرَيْنِ وَحَكَى الْقَاضِي أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ ضَبَطَهُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ يَعْنِي عَمَّانَ الْبَلْقَاءِ وَهَذَا غَلَطٌ وَفِيهِ الثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ وَفَضْلُهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ)
بَاب ذِكْرِ كَذَّابِ ثَقِيفٍ وَمُبِيرِهَا

(قَوْلُهُ

[2545] (رَأَيْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ فَجَعَلَتْ قُرَيْشٌ تَمُرُّ عَلَيْهِ وَالنَّاسُ حَتَّى مَرَّ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَبَا خُبَيْبٍ) قَوْلُهُ عَقَبَةِ الْمَدِينَةِ هِيَ عَقَبَةٌ بِمَكَّةَ وَأَبُو خُبَيْبٍ بضم الخاء المعجمة كنية بن الزبير كني بأبيه خُبَيْبٍ وَكَانَ أَكْبَرُ أَوْلَادِهِ وَلَهُ ثَلَاثُ كُنًى ذَكَرَهَا الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَآخَرُونَ أَبُو خُبَيْبٍ وَأَبُو بَكْرٍ وَأَبُو بُكَيْرٍ فِيهِ اسْتِحْبَابُ السَّلَامِ على الميت في قبره وغيره وتكرير السلام ثلاثا كما كرر بن عُمَرَ وَفِيهِ الثَّنَاءُ عَلَى الْمَوْتَى بِجَمِيلِ صِفَاتِهِمُ الْمَعْرُوفَةِ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِابْنِ عُمَرَ لِقَوْلِهِ بِالْحَقِّ فِي الْمَلَأِ وَعَدَمِ اكْتِرَاثِهِ بِالْحَجَّاجِ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّهُ يَبْلُغُهُ مَقَامُهُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ وَثَنَاؤُهُ عَلَيْهِ فلم يمنعه ذلك أن يقول الحق ويشهد لِابْنِ الزُّبَيْرِ بِمَا يَعْلَمُهُ فِيهِ مِنَ الْخَيْرِ وَبُطْلَانِ مَا أَشَاعَ عَنْهُ الْحَجَّاجُ مِنْ قَوْلِهِ أنه عدو)

(16/98)


الله وظالم ونحوه فأراد بن عمر براءة بن الزُّبَيْرِ مِنْ ذَلِكَ الَّذِي نَسَبَهُ إِلَيْهِ الْحَجَّاجُ وَأَعْلَمَ النَّاسَ بِمَحَاسِنِهِ وَأَنَّهُ ضِدُّ مَا قَالَهُ الحجاج ومذهب أهل الحق أن بن الزُّبَيْرِ كَانَ مَظْلُومًا وَأَنَّ الْحَجَّاجَ وَرُفْقَتَهُ كَانُوا خَوَارِجَ عَلَيْهِ قَوْلُهُ (لَقَدْ كُنْتُ أَنْهَاكَ عَنْ هَذَا) أَيْ عَنِ الْمُنَازَعَةِ الطَّوِيلَةِ قَوْلُهُ فِي وَصْفِهِ (وَصُولًا لِلرَّحِمِ) قَالَ الْقَاضِي هُوَ أَصَحُّ مَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْإِخْبَارِيِّينَ وَوَصَفَهُ بِالْإِمْسَاكِ وَقَدْ عَدَّهُ صَاحِبُ كِتَابِ الْأَجْوَدِ فِيهِمْ وَهُوَ الْمَعْرُوفِ مِنْ أَحْوَالِهِ قَوْلُهُ (وَاَللَّهِ لَأُمَّةٌ أَنْتَ شَرُّهَا أُمَّةُ خَيْرٍ) هَكَذَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نُسَخِنَا لَأُمَّةُ خَيْرٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جُمْهُورِ رُوَاةِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَفِي أَكْثَرِ نُسَخِ بِلَادِنَا لَأُمَّةُ سُوءٍ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ رِوَايَةِ السَّمَرْقَنْدِيِّ قَالَ وَهُوَ خَطَأٌ وَتَصْحِيفٌ قَوْلُهُ (ثُمَّ نفذ بن عُمَرَ) أَيِ انْصَرَفَ قَوْلُهُ (يَسْحَبُكِ بِقُرُونِكِ) أَيْ يَجُرُّكِ بِضَفَائِرِ شَعْرِكِ قَوْلُهُ (أَرُونِي سِبْتَيَّ) بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَإِسْكَانِ الْمُوَحَّدَةِ وَتَشْدِيدِ آخِرِهِ وَهِيَ النَّعْلُ الَّتِي لَا شَعْرَ عَلَيْهَا قَوْلُهُ (ثُمَّ انْطَلَقَ يَتَوَذَّفُ) هُوَ بِالْوَاوِ وَالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ مَعْنَاهُ يُسْرِعُ وَقَالَ أَبُو عُمَرَ مَعْنَاهُ يَتَبَخْتَرُ قَوْلُهُ (ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ) هُوَ بِكَسْرِ النُّونِ قَالَ الْعُلَمَاءُ النِّطَاقُ أَنْ تَلْبَسَ المرأة ثوبها ثم تشد وسطها بشئ وَتَرْفَعَ وَسَطَ ثَوْبِهَا

(16/99)


وَتُرْسِلَهُ عَلَى الْأَسْفَلِ تَفْعَلُ ذَلِكَ عِنْدَ مُعَانَاةِ الْأَشْغَالِ لِئَلَّا تَعْثِرَ فِي ذَيْلِهَا قِيلَ سُمِّيَتْ أَسْمَاءُ ذَاتِ النِّطَاقَيْنِ لِأَنَّهَا كَانَتْ تُطَارِفُ نِطَاقًا فَوْقَ نِطَاقٍ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهَا شَقَّتْ نِطَاقَهَا الْوَاحِدَ نِصْفَيْنِ فَجَعَلَتْ أَحَدَهُمَا نِطَاقًا صَغِيرًا وَاكْتَفَتْ بِهِ وَالْآخَرَ لِسُفْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَمَا صَرَّحَتْ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُنَا وَفِي الْبُخَارِيِّ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ أَوْضَحُ مِنْ لَفْظِ مُسْلِمٍ قَوْلُهَا لِلْحَجَّاجِ (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ فِي ثَقِيفٍ كَذَّابًا وَمُبِيرًا فَأَمَّا الْكَذَّابُ فَرَأَيْنَاهُ وَأَمَّا الْمُبِيرُ فَلَا إِخَالُكُ إِلَّا إِيَّاهُ) أَمَّا أَخَالُكَ فَبِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ أَشْهَرُ وَمَعْنَاهُ أَظُنُّكَ وَالْمُبِيرُ الْمُهْلِكُ وَقَوْلُهَا فِي الْكَذَّابِ فَرَأَيْنَاهُ تَعْنِي به المحتار بْنَ أَبِي عُبَيْدٍ الثَّقَفِيِّ كَانَ شَدِيدَ الْكَذِبِ وَمِنْ أَقْبَحِهِ ادَّعَى أَنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيهِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ المراد بالكذاب هنا المحتار بْنُ أَبِي عُبَيْدٍ وَبِالْمُبِيرِ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَاب فَضْلِ فَارِسَ)
فِيهِ

[2546] فَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ لَهُمْ وَجَوَازُ اسْتِعْمَالِ الْمَجَازِ وَالْمُبَالَغَةِ فِي مواضعها

(16/100)


(باب قوله صلى الله عليه وسلم)
الناس كابل مائة لا تجد فيها راحلة

[2547] قال بن قُتَيْبَةَ الرَّاحِلَةُ النَّجِيبَةُ الْمُخْتَارَةُ مِنَ الْإِبِلِ لِلرُّكُوبِ وَغَيْرِهِ فَهِيَ كَامِلَةُ الْأَوْصَافِ فَإِذَا كَانَتْ فِي إِبِلٍ عُرِفَتْ قَالَ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النَّاسَ مُتَسَاوُونَ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فَضْلٌ فِي النَّسَبِ بَلْ هُمْ أَشْبَاهٌ كَالْإِبِلِ الْمِائَةِ وَقَالَ الْأَزْهَرِيُّ الرَّاحِلَةُ عِنْدَ الْعَرَبِ الْجَمَلُ النَّجِيبُ وَالنَّاقَةُ النَّجِيبَةُ قَالَ وَالْهَاءُ فِيهَا لِلْمُبَالَغَةِ كَمَا يُقَالُ رَجُلٌ فهامة ونسابة قال والمعنى الذي ذكره بن قُتَيْبَةَ غَلَطٌ بَلْ مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الزَّاهِدَ فِي الدُّنْيَا الْكَامِلَ فِي الزُّهْدِ فِيهَا وَالرَّغْبَةِ فِي الْآخِرَةِ قَلِيلٌ جِدًّا كَقِلَّةِ الرَّاحِلَةِ فِي الْإِبِلِ هَذَا كَلَامُ الْأَزْهَرِيِّ وَهُوَ أَجْوَدُ مِنْ كلام بن قُتَيْبَةَ وَأَجْوَدُ مِنْهُمَا قَوْلُ آخَرِينَ أَنَّ مَعْنَاهُ الْمَرْضِيُّ الْأَحْوَالُ مِنَ النَّاسِ الْكَامِلُ الْأَوْصَافُ الْحَسَنُ الْمَنْظَرُ الْقَوِيُّ عَلَى الْأَحْمَالِ وَالْأَسْفَارِ سُمِّيَتْ رَاحِلَةً لِأَنَّهَا تَرْحَلُ أَيْ يُجْعَلُ عَلَيْهَا الرَّحْلُ فَهِيَ فَاعِلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٌ كَعِيشَةٍ رَاضِيَةٍ أَيْ مَرْضِيَّةٍ ونظائره

(16/101)