شرح النووي على مسلم

 (كِتَاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ وَالْآدَابِ)
(بَاب بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَأَنَّهُمَا أَحَقُّ بِهِ)
قَوْلُهُ

[2548] (مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي قَالَ أُمُّكَ إِلَى آخِرِهِ) الصَّحَابَةُ هُنَا بِفَتْحِ الصَّادِ بِمَعْنَى الصُّحْبَةِ وَفِيهِ الْحَثُّ عَلَى بِرِّ الْأَقَارِبِ وَأَنَّ الْأُمَّ أَحَقُّهَمْ بِذَلِكَ ثُمَّ بَعْدَهَا الْأَبَ ثُمَّ الْأَقْرَبَ فَالْأَقْرَبَ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَسَبَبُ تَقْدِيمِ الْأُمِّ كَثْرَةُ تَعَبِهَا عَلَيْهِ وَشَفَقَتُهَا وَخِدْمَتُهَا وَمُعَانَاةُ الْمَشَاقِّ فِي حَمْلِهِ ثُمَّ وَضْعِهِ ثُمَّ إِرْضَاعِهِ ثُمَّ تَرْبِيَتِهِ وَخِدْمَتِهِ وَتَمْرِيضِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَنَقَلَ الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ إِجْمَاعَ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْأُمَّ تُفَضَّلُ فِي الْبِرِّ عَلَى الْأَبِ وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ خِلَافًا فِي ذَلِكَ فَقَالَ الْجُمْهُورُ بِتَفْضِيلِهَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَكُونُ بِرُّهُمَا سَوَاءٌ قَالَ وَنَسَبَ بَعْضُهُمْ هَذَا إِلَى مَالِكٍ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ لِصَرِيحِ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْقَاضِي وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأُمَّ وَالْأَبَ آكَدُ حُرْمَةً فِي الْبِرِّ

(16/102)


مِمَّنْ سِوَاهُمَا قَالَ وَتَرَدَّدَ بَعْضُهُمْ بَيْنَ الْأَجْدَادِ وَالْإِخْوَةِ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ قَالَ أَصْحَابُنَا يُسْتَحَبُّ أَنْ تُقَدَّمَ فِي الْبِرِّ الْأُمُّ ثُمَّ الْأَبُ ثُمَّ الْأَوْلَادُ ثُمَّ الْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ ثُمَّ الْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ ثُمَّ سَائِرُ الْمَحَارِمِ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ كَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَيُقَدَّمُ الْأَقْرَبُ فَالْأَقْرَبُ وَيُقَدَّمُ مَنْ أَدْلَى بِأَبَوَيْنِ عَلَى مَنْ أَدْلَى بِأَحَدِهِمَا ثُمَّ بِذِي الرَّحِمِ غَيْرِ الْمَحْرَمِ كَابْنِ الْعَمِّ وَبِنْتِهِ وَأَوْلَادِ الْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَغَيْرِهِمْ ثُمَّ بِالْمُصَاهَرَةِ ثُمَّ بِالْمَوْلَى مِنْ أَعْلَى وَأَسْفَلِ ثُمَّ الْجَارِ وَيُقَدَّمُ الْقَرِيبُ الْبَعِيدُ الدَّارِ عَلَى الْجَارِ وَكَذَا لَوْ كَانَ الْقَرِيبُ فِي بَلَدٍ آخَرَ قُدِّمَ عَلَى الْجَارِ الْأَجْنَبِيِّ وَأَلْحَقُوا الزَّوْجَ وَالزَّوْجَةَ بِالْمَحَارِمِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (نَعَمْ وَأَبِيكَ لَتُنَبَّأَنَّ) قَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ مَرَّاتٌ عَنْ مثل هذا وأنه لاتراد بِهِ حَقِيقَةُ الْقَسَمِ بَلْ هِيَ كَلِمَةٌ تَجْرِي على اللسان دعامة للكلام وَقِيلَ غَيْرَ ذَلِكَ قَوْلُهُ

[2549] (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ أَحَيٌّ وَالِدَاكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ) وَفِي رِوَايَةٍ أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ

(16/103)


وَالْجِهَادِ أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى قَالَ فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا هَذَا كُلُّهُ دَلِيلٌ لِعِظَمِ فَضِيلَةِ بِرِّهِمَا وَأَنَّهُ آكَدُ مِنَ الْجِهَادِ وَفِيهِ حُجَّةٌ لِمَا قَالَهُ الْعُلَمَاءُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْجِهَادُ إِلَّا بِإِذْنِهِمَا إِذَا كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ بِإِذْنِ الْمُسْلِمِ مِنْهُمَا فَلَوْ كَانَا مُشْرِكَيْنِ لَمْ يُشْتَرَطْ إِذْنِهِمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ وَشَرَطَهُ الثَّوْرِيُّ هَذَا كُلُّهُ إِذَا لَمْ يَحْضُرَ الصَّفَّ وَيَتَعَيَّنِ الْقِتَالَ وَإِلَّا فَحِينَئِذٍ يَجُوزُ بِغَيْرِ إِذْنٍ وَأَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى الْأَمْرِ بِبِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَأَنَّ عُقُوقَهُمَا حَرَامٌ مِنَ الْكَبَائِرِ وَسَبَقَ بيانه مبسوطا في كتاب الايمان

(16/104)


(باب تقديم الوالدين على التطوع بالصلاة وغيرها)

[2550] فِيهِ قِصَّةُ جُرَيْجٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَأَنَّهُ آثَرَ الصَّلَاةَ عَلَى إِجَابَتِهَا فَدَعَتْ عَلَيْهِ فَاسْتَجَابَ اللَّهُ لَهَا قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ الصَّوَابُ فِي حَقِّهِ إِجَابَتَهَا لِأَنَّهُ كَانَ فِي صَلَاةِ نَفْلٍ وَالِاسْتِمْرَارُ فِيهَا تَطَوُّعٌ لَا وَاجِبٌ وَإِجَابَةُ الْأُمِّ وَبِرُّهَا وَاجِبٌ وَعُقُوقُهَا حَرَامٌ وَكَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُخَفِّفَ الصَّلَاةَ وَيُجِيبَهَا ثُمَّ يَعُودَ لِصَلَاتِهِ فَلَعَلَّهُ خَشِيَ أَنَّهَا تَدْعُوهُ إِلَى مُفَارَقَةِ صَوْمَعَتِهِ وَالْعَوْدِ إِلَى الدُّنْيَا وَمُتَعَلِّقَاتِهَا وَحُظُوظِهَا وَتُضْعِفُ عَزْمَهُ فِيمَا نَوَاهُ وَعَاهَدَ عَلَيْهِ قَوْلُهَا (فَلَا تُمِتْهُ حَتَّى تُرِيَهِ الْمُومِسَاتِ) هِيَ بضم الميم الاولى وَكَسْرِ الثَّانِيَةِ أَيِ الزَّوَانِي الْبَغَايَا الْمُتَجَاهِرَاتِ بِذَلِكَ وَالْوَاحِدَةُ مُومِسَةٌ وَتَجْمَعُ عَلَى مَيَامِيسَ أَيْضًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 0وَكَانَ رَاعِي ضَأْنٍ يَأْوِي إِلَى دَيْرِهِ) الدَّيْرُ كَنِيسَةٌ مُنْقَطِعَةٌ عَنِ الْعِمَارَةِ تَنْقَطِعُ فِيهَا رُهْبَانُ النَّصَارَى لِتَعَبُّدِهِمْ وَهُوَ بِمَعْنَى الصَّوْمَعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ نَحْوَ الْمَنَارَةِ يَنْقَطِعُونَ فِيهَا عَنِ الْوُصُولِ إِلَيْهِمْ وَالدُّخُولِ عَلَيْهِمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فجاؤوا بفؤوسهم

(16/105)


هو مهموز ممدود جمع فأس بالهمزة وهي هذه المعروفة كرأس ورؤوس وَالْمَسَاحِي جَمْعُ مِسْحَاةٍ وَهِيَ كَالْمِجْرَفَةِ إِلَّا أَنَّهَا مِنْ حَدِيدٍ ذَكَرَهُ الْجَوْهَرِيُّ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ) فَذَكَرَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِمُ الصَّبِيُّ الَّذِي كَانَ مَعَ الْمَرْأَةِ فِي حَدِيثِ السَّاحِرِ وَالرَّاهِبِ وَقِصَّةِ أَصْحَابِ الْأُخْدُودِ الْمَذْكُورِ فِي آخِرِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَجَوَابُهُ أَنَّ ذَلِكَ الصَّبِيَّ لَمْ يَكُنْ فِي الْمَهْدِ بَلْ كَانَ أَكْبَرَ مِنْ صَاحِبِ الْمَهْدِ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا قَوْلُهُ (بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا) أَيْ يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ لِانْفِرَادِهَا بِهِ قَوْلُهُ

(16/106)


(يَا غُلَامُ مَنْ أَبُوكَ قَالَ فُلَانٌ الرَّاعِي) قَدْ يُقَالُ إِنَّ الزَّانِيَ لَا يَلْحَقَهُ الْوَلَدُ وَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا لَعَلَّهُ كَانَ فِي شَرْعِهِمْ يَلْحَقُهُ وَالثَّانِي الْمُرَادُ مِنْ مَاءِ مَنْ أَنْتَ وَسَمَّاهُ أَبًا مَجَازًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَرَّ رَجُلٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ) الْفَارِهَةُ بِالْفَاءِ النَّشِيطَةُ الْحَادَّةُ الْقَوِيَّةُ وَقَدْ فَرُهْتُ بِضَمِّ الرَّاءِ فَرَاهَةً وَفَرَاهِيَةً وَالشَّارَةُ الْهَيْئَةُ وَاللِّبَاسُ قَوْلُهُ (فَجَعَلَ يَمَصُّهَا) بِفَتْحِ الْمِيمِ عَلَى اللُّغَةِ الْمَشْهُورَةِ وَحُكِيَ ضَمُّهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ فَقَالَتْ حَلْقَى) مَعْنَى تَرَاجَعَا الْحَدِيثَ أَقْبَلَتْ عَلَى الرَّضِيعِ تُحَدِّثُهُ وَكَانَتْ أَوَّلًا لَا تَرَاهُ أَهْلًا لِلْكَلَامِ فَلَمَّا تَكَرَّرَ مِنْهُ الْكَلَامَ عَلِمَتْ أَنَّهُ أَهْلٌ لَهُ فَسَأَلَتْهُ وَرَاجَعَتْهُ وَسَبَقَ بَيَانُ حَلْقَى فِي كِتَابِ الْحَجِّ قَوْلُهُ فِي الْجَارِيَةِ الَّتِي نَسَبُوهَا إلى

(16/107)


السَّرِقَةِ وَلَمْ تَسْرِقْ (اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِثْلَهَا) أَيِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي سَالِمًا مِنَ الْمَعَاصِي كَمَا هِيَ سَالِمَةٌ وَلَيْسَ الْمُرَادُ مِثْلَهَا فِي النِّسْبَةِ إِلَى بَاطِلٍ تَكُونُ مِنْهُ بَرِيًّا وَفِي حَدِيثِ جُرَيْجٍ هَذَا فَوَائِدُ كَثِيرَةٌ مِنْهَا عِظَمُ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَتَأَكُّدُ حَقِّ الْأُمِّ وَأَنَّ دُعَاءَهَا مُجَابٌ وَأَنَّهُ إذا تعارضت الامور بدئ بأهما وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ لِأَوْلِيَائِهِ مَخَارِجَ عِنْدَ ابْتِلَائِهِمْ بِالشَّدَائِدِ غَالِبًا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ يتق الله يجعل له مخرجا وَقَدْ يُجْرِي عَلَيْهِمُ الشَّدَائِدَ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ زِيَادَةً فِي أَحْوَالِهِمْ وَتَهْذِيبًا لَهُمْ فَيَكُونُ لُطْفًا وَمِنْهَا اسْتِحْبَابُ الْوُضُوءِ لِلصَّلَاةِ عِنْدَ الدُّعَاءِ بِالْمُهِمَّاتِ وَمِنْهَا أَنَّ الْوُضُوءَ كَانَ مَعْرُوفًا فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلنَا فَقَدْ ثَبَتَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الْبُخَارِيِّ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى وَقَدْ حَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ زَعَمَ اخْتِصَاصَهُ بِهَذِهِ الْأُمَّةِ وَمِنْهَا إِثْبَاتُ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ وَفِيهِ أَنَّ كَرَامَاتِ الْأَوْلِيَاءِ قَدْ تَقَعُ بِاخْتِيَارِهِمْ وَطَلَبِهِمْ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا الْمُتَكَلِّمِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَا تَقَعُ بِاخْتِيَارِهِمْ وَطَلَبِهِمْ وَفِيهِ أَنَّ الْكَرَامَاتِ قَدْ تَكُونُ بِخَوَارِقِ الْعَادَاتِ عَلَى جَمِيعِ أَنْوَاعِهَا وَمَنَعَهُ بَعْضُهُمْ وَادَّعَى أَنَّهَا تَخْتَصُّ بِمِثْلِ إِجَابَةِ دُعَاءٍ وَنَحْوِهِ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْ قَائِلِهِ وَإِنْكَارٌ لِلْحِسِّ بَلِ الصَّوَابُ جَرَيَانُهَا بِقَلْبِ الْأَعْيَانِ وَإِحْضَارُ الشَّيْءِ من العدم ونحوه قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2551] (رَغِمَ أَنْفُ مَنْ أَدْرَكَ أَبَوَيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَيْهِمَا فَلَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ) قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ مَعْنَاهُ ذَلَّ وَقِيلَ كُرِهَ وَخُزِيَ وَهُوَ بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَكَسْرِهَا وَهُوَ الرُّغْمُ بِضَمِّ الرَّاءِ وَفَتْحِهَا

(16/108)


وَكَسْرِهَا وَأَصْلُهُ لَصْقُ أَنْفِهِ بِالرِّغَامِ وَهُوَ تُرَابٌ مُخْتَلَطٌ بِرَمْلٍ وَقِيلَ الرُّغْمُ كُلُّ مَا أَصَابَ الانف مما يؤذيه وفيه الْحَثِّ عَلَى بِرِّ الْوَالِدَيْنِ وَعِظَمِ ثَوَابِهِ وَمَعْنَاهُ أَنَّ بِرَّهُمَا عِنْدَ كِبَرِهِمَا وَضَعْفِهِمَا بِالْخِدْمَةِ أَوِ النَّفَقَةِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ سَبَبٌ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ فَمَنْ قَصَّرَ فِي ذَلِكَ فَاتَهُ دُخُولُ الْجَنَّةِ وأرغم الله انفه

(باب فضل صلة اصدقاء الاب والام ونحوهما)
قَوْلُهُ

[2552] (إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ) قَالَ الْقَاضِي رَوَيْنَاهُ بِضَمِّ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا أَيْ صَدِيقًا مِنْ أَهْلِ مَوَدَّتِهِ وَهِيَ مَحَبَّتُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدُ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ مِنْ أَبَرِّ الْبِرِّ صِلَةُ الرَّجُلِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ تَوَلَّى الْوُدُّ هُنَا مَضْمُومُ الْوَاوِ وَفِي هَذَا فَضْلُ صِلَةِ أَصْدِقَاءِ

(16/109)


الْأَبِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ وَإِكْرَامِهِمْ وَهُوَ مُتَضَمِّنٌ لِبِرِّ الْأَبِ وَإِكْرَامِهِ لِكَوْنِهِ بِسَبَبِهِ وَتَلْتَحِقُ بِهِ أَصْدِقَاءُ الْأُمِّ وَالْأَجْدَادِ وَالْمَشَايِخِ وَالزَّوْجِ وَالزَّوْجَةِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْأَحَادِيثُ فِي إِكْرَامِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَلَائِلَ خَدِيجَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَوْلُهُ (كَانَ لَهُ حِمَارٌ يَتَرَوَّحُ عَلَيْهِ إِذَا مَلَّ رُكُوبَ الرَّاحِلَةِ) مَعْنَاهُ كَانَ يَسْتَصْحِبُ حِمَارًا لِيَسْتَرِيحَ عَلَيْهِ إِذَا ضَجِرَ مِنْ رُكُوبِ الْبَعِيرِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَاب تَفْسِيرِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ)
قَوْلُهُ

[2553] (عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ) هَكَذَا وَقَعَ فِي نُسَخِ صَحِيحِ مُسْلِمٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ هَذَا وَهَمٌ وَصَوَابُهُ الْكِلَابِيُّ فَإِنَّ النَّوَّاسَ كِلَابِيَّ مَشْهُورٌ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ الْمَشْهُورُ

(16/110)


أَنَّهُ كِلَابِيٌّ وَلَعَلَّهُ حَلِيفُ لِلْأَنْصَارِ قَالَا وَهُوَ النَّوَّاسُ بْنُ سَمْعَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ قُرْطِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي كِلَابٍ كَذَا نَسَبُهُ الْعَلَائِيُّ عن يحيى بن معين وسمعان بِفَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكِ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْبِرُّ يَكُونُ بِمَعْنَى الصِّلَةِ وَبِمَعْنَى اللُّطْفِ وَالْمَبَرَّةِ وَحُسْنِ الصُّحْبَةِ وَالْعِشْرَةِ وَبِمَعْنَى الطَّاعَةِ وهذه الامور هي مجامع حسن الْخُلُقِ وَمَعْنَى حَاكَ فِي صَدْرِكِ أَيْ تَحَرَّكَ فِيهِ وَتَرَدَّدَ وَلَمْ يَنْشَرِحْ لَهُ الصَّدْرُ وَحَصَلَ فِي الْقَلْبِ مِنْهُ الشَّكُّ وَخَوْفُ كَوْنِهِ ذَنْبًا قَوْلُهُ (مَا مَنَعَنِي مِنَ الْهِجْرَةِ إِلَّا الْمَسْأَلَةُ كَانَ أَحَدُنَا إِذَا هَاجَرَ لَمْ يَسْأَلْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شئ) وَقَالَ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ كَالزَّائِرِ مِنْ غَيْرِ نَقْلِهِ إِلَيْهَا مِنْ وَطَنِهِ لِاسْتِيطَانِهَا وَمَا مَنَعَهُ مِنَ الْهِجْرَةِ وَهِيَ الِانْتِقَالِ مِنَ الْوَطَنِ وَاسْتِيطَانِ الْمَدِينَةِ إِلَّا الرَّغْبَةُ فِي سُؤَالِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ أُمُورِ الدِّينِ فَإِنَّهُ كَانَ سَمِحَ بِذَلِكَ لِلطَّارِئِينَ دُونَ الْمُهَاجِرِينَ وَكَانَ الْمُهَاجِرُونَ يَفْرَحُونَ بِسُؤَالِ الْغُرَبَاءِ الطَّارِئِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ وَغَيْرِهِمْ لِأَنَّهُمْ يَحْتَمِلُونَ فِي السُّؤَالِ وَيَعْذِرُونَ وَيَسْتَفِيدُ الْمُهَاجِرُونَ الْجَوَابُ كَمَا قَالَ أَنَسٌ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ في كتاب الايمان وكان عجبا أن يجئ الرَّجُلُ الْعَاقِلُ مِنْ أَهْلِ الْبَادِيَةِ فَيَسْأَلَهُ وَاَللَّهُ اعلم

(16/111)


(بَاب صِلَةِ الرَّحِمِ وَتَحْرِيمِ قَطِيعَتِهَا)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2554] (قَامَتِ الرَّحِمُ فَقَالَتْ هَذَا مَقَامُ الْعَائِذِ مِنَ الْقَطِيعَةِ قَالَ نَعَمْ أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ قَالَتْ بَلَى قَالَ فَذَلِكَ لَكِ) وَفِي الرواية

[2555] الاخرى الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالْعَرْشِ تَقُولُ مَنْ وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ الرَّحِمُ الَّتِي تُوصَلُ وَتُقْطَعُ وَتُبَرُّ إِنَّمَا هِيَ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي لَيْسَتْ بِجِسْمٍ وَإِنَّمَا هِيَ قَرَابَةٌ وَنَسَبٌ تَجْمَعُهُ رَحِمُ وَالِدَةٍ وَيَتَّصِلُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ فَسُمِّيَ ذَلِكَ الِاتِّصَالُ رَحِمًا وَالْمَعْنَى لَا يَتَأَتَّى مِنْهُ الْقِيَامُ وَلَا الْكَلَامُ فَيَكُونُ ذِكْرُ قِيَامِهَا هُنَا وَتَعَلُّقُهَا ضَرْبُ مَثَلٍ وَحُسْنُ اسْتِعَارَةٍ عَلَى عَادَةِ الْعَرَبِ فِي اسْتِعْمَالِ ذَلِكَ وَالْمُرَادُ تَعْظِيمُ شَأْنِهَا وَفَضِيلَةُ وَاصِلِيهَا وَعَظِيمُ إِثْمِ قَاطِعِيهَا بِعُقُوقِهِمْ لِهَذَا سُمِّيَ الْعُقُوقُ قَطْعًا وَالْعَقُّ الشَّقُّ كَأَنَّهُ قَطَعَ ذَلِكَ السَّبَبَ الْمُتَّصِلَ قَالَ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ قَامَ مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَتَعَلَّقَ بِالْعَرْشِ وَتَكَلَّمَ عَلَى لِسَانِهَا بِهَذَا بِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَالْعَائِذُ المستعيذ وهو المعتصم بالشئ الْمُلْتَجِئُ إِلَيْهِ الْمُسْتَجِيرُ بِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَحَقِيقَةُ الصِّلَةِ الْعَطْفُ وَالرَّحْمَةُ فَصِلَةُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ

(16/112)


وَتَعَالَى عِبَارَةٌ عَنْ لُطْفِهِ بِهِمْ وَرَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ وَعَطْفِهِ بِإِحْسَانِهِ وَنِعَمِهِ أَوْ صِلَتِهِمْ بِأَهْلِ مَلَكُوتِهِ الْأَعْلَى وَشَرْحِ صُدُورِهِمْ لِمَعْرِفَتِهِ وَطَاعَتِهِ قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ وَلَا خِلَافَ أَنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ وَاجِبَةٌ فِي الْجُمْلَةِ وَقَطِيعَتَهَا مَعْصِيَةٌ كَبِيرَةٌ قَالَ وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ تَشْهَدُ لِهَذَا وَلَكِنَّ الصِّلَةَ دَرَجَاتٌ بَعْضُهَا أَرْفَعُ مِنْ بَعْضٍ وَأَدْنَاهَا تَرْكُ الْمُهَاجَرَةِ وَصِلَتُهَا بِالْكَلَامِ وَلَوْ بِالسَّلَامِ وَيَخْتَلِفُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ القدرة والحاجة فمنها واجب ومنها مستحب لووصل بعض الصلة ولم يَصِلْ غَايَتَهَا لَا يُسَمَّى قَاطِعًا وَلَوْ قَصَّرَ عَمَّا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَيَنْبَغِي لَهُ لَا يُسَمَّى وَاصِلًا قَالَ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الرَّحِمِ الَّتِي تَجِبُ صِلَتُهَا فَقِيلَ هُوَ كُلُّ رَحِمٍ مَحْرَمٍ بِحَيْثُ لَوْ كَانَ أَحَدُهُمَا ذَكَرًا وَالْآخَرُ أُنْثَى حَرُمَتْ مُنَاكَحَتُهُمَا فَعَلَى هَذَا لَا يَدْخُلُ أَوْلَادُ الْأَعْمَامِ وَلَا أَوْلَادُ الْأَخْوَالِ وَاحْتَجَّ هَذَا الْقَائِلُ بِتَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا أَوْ خَالَتِهَا فِي النِّكَاحِ وَنَحْوِهِ وَجَوَازِ ذَلِكَ فِي بَنَاتِ الْأَعْمَامِ وَالْأَخْوَالِ وَقِيلَ هُوَ عَامٌّ فِي كُلِّ رَحِمٍ مِنْ ذَوِي الْأَرْحَامِ فِي الْمِيرَاثِ يَسْتَوِي الْمَحْرَمُ وَغَيْرُهُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ أَدْنَاكَ أَدْنَاكَ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَهَذَا الْقَوْلُ الثَّانِي هُوَ الصَّوَابُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ السَّابِقُ فِي أَهْلِ مِصْرَ فَإِنَّ لَهُمْ ذِمَّةً وَرَحِمًا وَحَدِيثُ إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ أَنْ يَصِلَ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ مَعَ أَنَّهُ لَا مَحْرَمِيَّةَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2556] (لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَاطِعٌ) هَذَا الْحَدِيثُ يَتَأَوَّلُ تَأْوِيلَيْنِ سَبَقَا فِي نَظَائِرِهِ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ أَحَدُهُمَا حَمْلَهُ عَلَى مَنْ يَسْتَحِلُّ الْقَطِيعَةَ بِلَا سَبَبٍ وَلَا شُبْهَةٍ مَعَ عِلْمِهِ بِتَحْرِيمِهَا فَهَذَا كَافِرٌ يُخَلَّدُ فِي النَّارِ وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ أَبَدًا وَالثَّانِي

(16/113)


مَعْنَاهُ وَلَا يَدْخُلُهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ مَعَ السَّابِقِينَ بَلْ يُعَاقَبُ بِتَأَخُّرِهِ الْقَدْرِ الَّذِي يُرِيدُهُ اللَّهُ تَعَالَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2557] (مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) يُنْسَأَ مهموز أي يؤخر والاثر الاجل لانه تابع للحياة في أثرها وبسط الرِّزْقِ تَوْسِيعُهُ وَكَثْرَتُهُ وَقِيلَ الْبَرَكَةُ فِيهِ وَأَمَّا التَّأْخِيرُ فِي الْأَجَلِ فَفِيهِ سُؤَالٌ مَشْهُورٌ وَهُوَ أَنَّ الْآجَالَ وَالْأَرْزَاقَ مُقَدَّرَةٌ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ولا يستقدمون وَأَجَابَ الْعُلَمَاءُ بِأَجْوِبَةٍ الصَّحِيحُ مِنْهَا أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ بِالْبَرَكَةِ فِي عُمْرِهِ وَالتَّوْفِيقِ لِلطَّاعَاتِ وَعِمَارَةِ أَوْقَاتِهِ بِمَا يَنْفَعَهُ فِي الْآخِرَةِ وَصِيَانَتِهَا عَنِ الضَّيَاعِ فِي غَيْرِ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّهُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَظْهَرُ لِلْمَلَائِكَةِ وَفِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَيَظْهَرُ لَهُمْ فِي اللَّوْحِ أَنَّ عُمْرُهُ سِتُّونَ سَنَةً إِلَّا أَنْ يَصِلَ رَحِمَهُ فَإِنْ وَصَلَهَا زِيدَ لَهُ أَرْبَعُونَ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَا سَيَقَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى يَمْحُو الله ما يشاء ويثبت فيه النسبة إِلَى عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا سَبَقَ بِهِ قدره ولا زِيَادَةَ بَلْ هِيَ مُسْتَحِيلَةٌ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا ظَهَرَ لِلْمَخْلُوقِينَ تُتَصَوَّرُ الزِّيَادَةُ وَهُوَ مُرَادُ الْحَدِيثِ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْمُرَادَ بَقَاءُ ذِكْرِهِ الْجَمِيلَ بَعْدَهُ فَكَأَنَّهُ لَمْ يَمُتْ

(16/114)


حَكَاهُ الْقَاضِي وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي يَصِلُ قَرَابَتَهُ وَيَقْطَعُونَهُ

[2558] (لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ الْمَلَّ وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذلك) المل بفتح الميم الرماد الحار وتسفهم بضم التاء وكسر السين وتشديد الفاء والظهير الْمُعِينُ وَالدَّافِعُ لِأَذَاهُمْ وَقَوْلُهُ أَحْلُمُ عَنْهُمْ بِضَمِّ اللَّامِ وَيَجْهَلُونَ أَيْ يُسِيئُونَ وَالْجَهْلُ هُنَا الْقَبِيحُ مِنَ الْقَوْلِ وَمَعْنَاهُ كَأَنَّمَا تُطْعِمُهُمُ الرَّمَادَ الْحَارَّ وَهُوَ تَشْبِيهٌ لِمَا يَلْحَقُهُمْ مِنَ الْأَلَمِ بِمَا يَلْحَقُ آكِلِ الرَّمَادَ الْحَارَّ مِنَ الْأَلَمِ وَلَا شئ عَلَى هَذَا الْمُحْسِنِ بَلْ يَنَالُهُمُ الْإِثْمُ الْعَظِيمُ فِي قَطِيعَتِهِ وَإِدْخَالِهِمُ الْأَذَى عَلَيْهِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ إِنَّكَ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ تُخْزِيهِمْ وَتُحَقِّرُهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ لِكَثْرَةِ إِحْسَانِكَ وَقَبِيحِ فِعْلِهِمْ مِنَ الْخِزْيِ وَالْحَقَارَةِ عِنْدَ أَنْفُسِهِمْ كَمَنْ يُسَفُّ الْمَلُّ وَقِيلَ ذَلِكَ الَّذِي يَأْكُلُونَهُ مِنْ إِحْسَانِكَ كَالْمَلِّ يُحَرِّقُ أَحْشَاءَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَاب تَحْرِيمِ التَّحَاسُدِ وَالتَّبَاغُضِ وَالتَّدَابُرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2559] (لَا تَبَاغَضُوا وَلَا تَحَاسَدُوا وَلَا تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ اخوانا)

(16/115)


التَّدَابُرُ الْمُعَادَاةُ وَقِيلَ الْمُقَاطَعَةُ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ يُوَلِّي صَاحِبَهُ دُبُرَهُ وَالْحَسَدُ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ وَهُوَ حَرَامٌ وَمَعْنَى كُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا أَيْ تَعَامَلُوا وَتَعَاشَرُوا مُعَامَلَةَ الْإِخْوَةِ وَمُعَاشَرَتِهِمْ فِي الْمَوَدَّةِ وَالرِّفْقِ وَالشَّفَقَةِ وَالْمُلَاطَفَةِ وَالتَّعَاوُنِ فِي الْخَيْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مَعَ صَفَاءِ الْقُلُوبِ وَالنَّصِيحَةِ بِكُلِّ حَالٍ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ وَفِي النَّهْيِ عَنِ التَّبَاغُضِ إِشَارَةٌ إِلَى النَّهْيِ عَنِ الْأَهْوَاءِ الْمُضِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلتَّبَاغُضِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِيهِ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ بِلَادِنَا عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ وَكَذَا نَقَلَهُ الْجَيَّانِيُّ وَالْقَاضِي عِيَاضٌ وغيرهما عن الْحُفَّاظِ وَعَنْ عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ بِالْعَكْسِ قَالُوا وَهُوَ غَلَطٌ قَالُوا وَالصَّوَابُ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ وَهُوَ أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ نَصْرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ نَصْرٍ الْجَهْضَمِيُّ تُوُفِّيَ بِالْبَصْرَةِ هُوَ وَأَبُوهُ نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ سَنَةَ خَمْسِينَ وَمِائَتَيْنِ مَاتَ الْأَبُ فِي شَهْرِ رَبِيعٍ الْآخَرَ وَمَاتَ الِابْنُ فِي شَعْبَانَ تِلْكَ السَّنَةِ قَالَ الْقَاضِي قَدِ اتَّفَقَ الْحُفَّاظُ

(16/116)


عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ وَأَنَّ الصَّوَابَ عَلِيُّ بْنُ نَصْرٍ دُونَ عَكْسِهِ مَعَ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى عَنْهُمَا إِلَّا أَنْ لَا يَكُونَ لِنَصْرِ بْنِ عَلِيٍّ سَمَاعٌ مِنْ وَهْبِ بْنِ جَرِيرٍ وَلَيْسَ هَذَا مَذْهَبَ مُسْلِمٍ فَإِنَّهُ يَكْتَفِي بِالْمُعَاصَرَةِ وَإِمْكَانِ اللِّقَاءِ قَالَ فَفِي نَفْيِهِمْ لِرِوَايَةِ النُّسَخِ الَّتِي فِيهَا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ نَظَرٌ هَذَا كَلَامُ الْقَاضِي وَاَلَّذِي قَالَهُ الْحُفَّاظُ هُوَ الصَّوَابُ وَهُمْ أَعْرَفُ بِمَا انْتَقَدُوهُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ سَمَاعِ الِابْنِ مِنْ وَهْبٍ سَمَاعَ الْأَبِ مِنْهُ وَلَا يُقَالُ يُمْكِنُ الْجَمْعُ فَكِتَابُ مُسْلِمٍ وَقَعَ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ فَاَلَّذِي نَقَلَهُ الْأَكْثَرُونَ هُوَ الْمُعْتَمَدُ لَا سِيَّمَا وَقَدْ صَوَّبَهُ الْحُفَّاظُ

(بَاب تَحْرِيمِ الهجرة فوق ثلاثة ايام بِلَا عُذْرٍ شَرْعِيٍّ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2560]

[2561]

[2562] (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَحْرِيمُ الْهَجْرِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَكْثَرُ مِنْ ثَلَاثِ لَيَالٍ وَإِبَاحَتُهَا فِي الثَّلَاثِ الْأُوَلِ بِنَصِّ الْحَدِيثِ وَالثَّانِي بِمَفْهُومِهِ قَالُوا وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْهَا فِي الثَّلَاثِ لِأَنَّ الْآدَمِيَّ مَجْبُولٌ عَلَى الْغَضَبِ وَسُوءِ الْخُلُقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَعُفِيَ عَنِ الْهِجْرَةِ فِي الثَّلَاثَةِ لِيَذْهَبَ ذَلِكَ الْعَارِضُ وَقِيلَ إِنَّ الْحَدِيثَ لَا يَقْتَضِي إِبَاحَةَ الْهِجْرَةِ فِي الثَّلَاثَةِ وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ لَا يُحْتَجُّ بِالْمَفْهُومِ وَدَلِيلِ الْخِطَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 0يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا) وَفِي رِوَايَةٍ فَيَصُدُّ هَذَا وَيَصُدُّ هَذَا هُوَ بِضَمِّ الصَّادِ وَمَعْنَى يَصُدُّ يُعْرِضُ أَيْ يُوَلِّيهِ عُرْضَهُ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَهُوَ جَانِبُهُ وَالصُّدُّ بِضَمِّ الصَّادِ وَهُوَ أَيْضًا الْجَانِبُ وَالنَّاحِيَةُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَخَيْرُهُمَا الَّذِي يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ) أَيْ هُوَ أَفْضَلُهُمَا وَفِيهِ دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَمَنْ وَافَقَهُمَا أَنَّ السَّلَامَ يَقْطَعُ الْهِجْرَةَ وَيَرْفَعُ الاثم فيها ويزيله وقال احمد وبن الْقَاسِمِ الْمَالِكِيُّ إِنْ كَانَ يُؤْذِيهِ لَمْ يَقْطَعِ السَّلَامُ هِجْرَتَهُ قَالَ أَصْحَابُنَا وَلَوْ كَاتَبَهُ أَوْ رَاسَلَهُ عِنْدَ غَيْبَتِهِ عَنْهُ هَلْ يَزُولُ إِثْمُ الْهِجْرَةِ وَفِيهِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا لَا يَزُولُ لِأَنَّهُ لَمْ يُكَلِّمْهُ وَأَصَحُّهُمَا

(16/117)


يَزُولُ لِزَوَالِ الْوَحْشَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ) قَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ الْكُفَّارُ غَيْرُ مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِ الشَّرْعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُمْ مُخَاطَبُونَ بِهَا وَإِنَّمَا قُيِّدَ بِالْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ الَّذِي يَقْبَلُ خِطَابَ الشَّرْعِ وينتفع به

(باب تحريم الظن والتجسس والتنافس والتناجش ونحوها)
قوله صلى الله عيه وَسَلَّمَ

[2563] (إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ) الْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ ظَنِّ السُّوءِ

(16/118)


قَالَ الْخَطَّابِيُّ هُوَ تَحْقِيقُ الظَّنِّ وَتَصْدِيقُهُ دُونَ مَا يَهْجِسُ فِي النَّفْسِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُمْلَكُ وَمُرَادُ الْخَطَّابِيِّ أَنَّ الْمُحَرَّمَ مِنَ الظَّنِّ مَا يَسْتَمِرُّ صَاحِبُهُ عَلَيْهِ وَيَسْتَقِرُّ فِي قَلْبِهِ دُونَ مَا يَعْرِضُ فِي الْقَلْبِ وَلَا يَسْتَقِرُّ فَإِنَّ هَذَا لَا يُكَلَّفُ بِهِ كَمَا سَبَقَ فِي حَدِيثِ تَجَاوَزَ اللَّهُ تَعَالَى عَمَّا تَحَدَّثَتْ به الأمة مالم تَتَكَلَّمْ أَوْ تَعْمِدْ وَسَبَقَ تَأْوِيلُهُ عَلَى الْخَوَاطِرِ الَّتِي لَا تَسْتَقِرُّ وَنَقَلَ الْقَاضِي عَنْ سُفْيَانَ أَنَّهُ قَالَ الظَّنُّ الَّذِي يَأْثَمُ بِهِ هُوَ مَا ظَنَّهُ وَتَكَلَّمَ بِهِ فَإِنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ لَمْ يَأْثَمْ قَالَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ الْحُكْمُ فِي الشَّرْعِ بِظَنٍّ مُجَرَّدٍ مِنْ غَيْرِ بِنَاءٍ عَلَى أَصْلٍ وَلَا نَظَرٍ وَاسْتِدْلَالٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ أَوْ بَاطِلٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَحَسَّسُوا وَلَا تَجَسَّسُوا) الْأَوَّلُ بِالْحَاءِ وَالثَّانِي بِالْجِيمِ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ التَّحَسُّسُ بِالْحَاءِ الِاسْتِمَاعُ لِحَدِيثِ الْقَوْمِ وَبِالْجِيمِ الْبَحْثُ عَنِ الْعَوْرَاتِ وَقِيلَ بِالْجِيمِ التَّفْتِيشُ عَنْ بَوَاطِنِ الْأُمُورِ وَأَكْثَرُ مَا يُقَالُ فِي الشَّرِّ وَالْجَاسُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الشَّرِّ وَالنَّامُوسُ صَاحِبُ سِرِّ الْخَيْرِ وَقِيلَ بِالْجِيمِ أَنْ تَطْلُبُهُ لِغَيْرِكَ وَبِالْحَاءِ أَنْ تَطْلُبَهُ لِنَفْسِكَ قَالَهُ ثَعْلَبٌ وَقِيلَ هُمَا بِمَعْنًى وَهُوَ طَلَبُ مَعْرِفَةِ الْأَخْبَارِ الْغَائِبَةِ وَالْأَحْوَالِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَلَا تَنَافَسُوا وَلَا تَحَاسَدُوا) قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الْحَسَدَ تَمَنِّي زَوَالِ النِّعْمَةِ وَأَمَّا الْمُنَافَسَةُ وَالتَّنَافُسُ فَمَعْنَاهُمَا الرَّغْبَةُ في الشئ وَفِي الِانْفِرَادِ بِهِ وَنَافَسْتُهُ مُنَافَسَةً إِذَا رَغِبْتُ فيما رغب فيه قيل مَعْنَى الْحَدِيثِ التَّبَارِي فِي الرَّغْبَةِ فِي الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا وَحُظُوظِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تَهْجُرُوا) كَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَفِي بَعْضِهَا

(16/119)


تَهَاجَرُوا وَهُمَا بِمَعْنًى وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنِ الْهِجْرَةِ وَمُقَاطَعَةِ الْكَلَامِ وَقِيلَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَا تهجروا أي تَتَكَلَّمُوا بِالْهُجْرِ بِضَمِّ الْهَاءِ وَهُوَ الْكَلَامُ الْقَبِيحُ وَأَمَّا النَّهْيُ عَنِ الْبَيْعِ عَلَى بَيْعِ أَخِيهِ وَالنَّجْشُ فَسَبَقَ بَيَانُهُمَا فِي كِتَابِ الْبُيُوعِ وَقَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّنَاجُشِ هُنَا ذَمُّ بَعْضِهِمْ بَعْضًا وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ التَّنَاجُشُ الْمَذْكُورُ فِي الْبَيْعِ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ فِي السِّلْعَةِ وَلَا رَغْبَةَ لَهُ فِي شِرَائِهَا بَلْ لِيَغُرَّ غَيْرَهُ في شرائها

(باب تحريم ظلم المسلم وخذله واحتقاره ودمه وعرضه وماله قَوْلُهُ

[2564] (عَامِرِ بْنِ كُرَيْزٍ) بِضَمِّ الْكَافِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ) أَمَّا كَوْنُ الْمُسْلِمِ أَخَا الْمُسْلِمِ فَسَبَقَ شَرْحُهُ قَرِيبًا وَأَمَّا لَا يَخْذُلُهُ فَقَالَ الْعُلَمَاءُ الْخَذْلُ تَرْكُ الْإِعَانَةِ وَالنَّصْرِ وَمَعْنَاهُ إِذَا اسْتَعَانَ بِهِ فِي دَفْعِ ظَالِمٍ وَنَحْوِهِ لَزِمَهُ إِعَانَتَهُ إِذَا أَمْكَنَهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ شَرْعِيٌّ وَلَا يَحْقِرُهُ هُوَ بِالْقَافِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ لَا يَحْتَقِرَهُ فَلَا يُنْكِرُ عَلَيْهِ وَلَا يَسْتَصْغِرُهُ)

(16/120)


وَيَسْتَقِلُّهُ قَالَ الْقَاضِي وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ لَا يَخْفِرُهُ بِضَمِّ الْيَاءِ وَالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَالْفَاءِ أَيْ لَا يَغْدِرُ بِعَهْدِهِ وَلَا يَنْقُضُ أَمَانَهُ قَالَ وَالصَّوَابُ الْمَعْرُوفُ هُوَ الْأَوَّلُ وَهُوَ الْمَوْجُودُ فِي غَيْرِ كِتَابِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ خِلَافٍ وَرُوِيَ لَا يَحْتَقِرُهُ وَهَذَا يَرُدُّ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم (التقوى ها هنا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مِرَارٍ) وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى أَجْسَامِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ مَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُولَى أَنَّ الْأَعْمَالَ الظَّاهِرَةَ لَا يَحْصُلُ بِهَا التَّقْوَى وَإِنَّمَا تَحْصُلُ بِمَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ عَظَمَةِ الله تعالى وخشيته ومراقبته ومعنى نظرالله هُنَا مُجَازَاتُهُ وَمُحَاسَبَتُهُ أَيْ إِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ على مافي الْقَلْبِ دُونَ الصُّوَرِ الظَّاهِرَةِ وَنَظَرُ اللَّهِ رُؤْيَتُهُ محيط بكل شئ وَمَقْصُودُ الْحَدِيثِ أَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي هَذَا كُلِّهِ بِالْقَلْبِ وَهُوَ مِنْ نَحْوِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةٌ الْحَدِيثَ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَاحْتَجَّ بَعْضُ النَّاسِ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أَنَّ الْعَقْلَ فِي الْقَلْبِ لَا فِي الرَّأْسِ وَقَدْ سَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ مَبْسُوطَةٌ فِي حَدِيثِ أَلَا إِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةٌ قَوْلُهُ (جعفر بن برقان) هوبضم الْمُوَحَّدَةِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ

(16/121)


(باب النهي عن الشحناء)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2565] (تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ) الْحَدِيثَ قَالَ الْقَاضِي قَالَ الْبَاجِيُّ مَعْنَى فَتْحِهَا كَثْرَةُ الصَّفْحِ وَالْغُفْرَانِ وَرَفْعُ الْمَنَازِلِ وَإِعْطَاءُ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ قَالَ الْقَاضِي وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ فَتْحَ أَبْوَابِهَا عَلَامَةٌ لِذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا هُوَ بِالرَّاءِ السَّاكِنَةِ وَضَمِّ الْكَافِ وَالْهَمْزَةُ فِي أَوَّلِهِ همزة وَصْلٌ أَيْ أَخِّرُوا يُقَالُ رَكَاهُ يَرْكُوهُ رَكْوًا إِذَا أَخَّرَهُ قَالَ صَاحِبُ التَّحْرِيرِ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْوِيهِ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ الْمَفْتُوحَةِ مِنْ قَوْلِهِمْ أَرْكَيْتُ الامر اذا أخرته وذكر غيره أنه روي بِقَطْعِهَا وَوَصْلِهَا وَالشَّحْنَاءُ الْعَدَاوَةُ كَأَنَّهُ

(16/122)


شحن بغضا له لملائه وأنظروا هَذَيْنِ بِقَطْعِ الْهَمْزَةِ أَخِّرُوهُمَا حَتَّى يَفِيئَا أَيْ يرجعا إلى الصلح والمودة

(باب فضل الحب في اللَّهُ تَعَالَى)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2566] (إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَيْنَ الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي الْيَوْمَ أُظِلُّهُمْ فِي ظِلِّي يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي) فِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ قَوْلِ الْإِنْسَانِ اللَّهُ يَقُولُ وَهُوَ الصَّوَابُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ كَافَّةٌ إِلَّا مَا قَدَّمْنَاهُ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ كَرَاهَةِ ذَلِكَ وَأَنَّهُ لَا يُقَالُ يَقُولُ اللَّهُ بَلْ يُقَالُ قَالَ اللَّهُ وَقَدَّمْنَا أَنَّهُ جَاءَ بِجَوَازِهِ الْقُرْآنُ في قوله تعالى والله يقول الحق وَأَحَادِيثٌ صَحِيحَةٌ كَثِيرَةٌ قَوْلُهُ تَعَالَى الْمُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي أَيْ بِعَظَمَتِي وَطَاعَتِي لَا لِلدُّنْيَا وَقَوْلُهُ تَعَالَى يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي أَيْ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَنْ لَهُ ظِلٌّ مَجَازًا كَمَا فِي الدُّنْيَا وَجَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ ظِلُّ عَرْشِي قَالَ الْقَاضِي ظَاهِرُهُ أَنَّهُ فِي ظِلِّهِ مِنَ الْحَرِّ وَالشَّمْسِ وَوَهَجِ الْمَوْقِفِ وَأَنْفَاسِ الْخَلْقِ قَالَ وَهَذَا قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَقَالَ عِيسَى بْنُ دينار معناه كفه من الْمَكَارِهِ وَإِكْرَامُهُ وَجَعْلُهُ فِي كَنَفِهِ وَسِتْرِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ السُّلْطَانُ ظِلُّ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَقِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّ الظِّلَّ هُنَا عِبَارَةٌ عَنِ الرَّاحَةِ وَالنَّعِيمِ يُقَالُ هُوَ فِي عَيْشٍ ظَلِيلٍ أَيْ طَيِّبٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(16/123)


[2567] (فَأَرْصَدَ اللَّهُ عَلَى مَدْرَجَتِهِ مَلَكًا) مَعْنَى أَرْصَدَهُ أقعده يرقبه والمدرجة بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالرَّاءِ هِيَ الطَّرِيقُ سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّ النَّاسَ يَدْرُجُونَ عَلَيْهَا أَيْ يَمْضُونَ وَيَمْشُونَ قَوْلُهُ (لَكَ عَلَيْهِ مِنْ نِعْمَةِ تَرُبُّهَا) أَيْ تَقُومُ بِإِصْلَاحِهَا وَتَنْهَضُ إِلَيْهِ بِسَبَبِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (بِأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَبَّكَ كَمَا أَحْبَبْتَهُ فِيهِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَحَبَّةُ اللَّهِ عَبْدَهُ هِيَ رَحْمَتُهُ لَهُ وَرِضَاهُ عَنْهُ وَإِرَادَتُهُ لَهُ الْخَيْرَ وَأَنْ يَفْعَلَ بِهِ فِعْلَ الْمُحِبِّ مِنَ الْخَيْرِ وَأَصْلُ الْمَحَبَّةِ فِي حَقِّ الْعِبَادِ مَيْلُ الْقَلْبِ وَاَللَّهُ تَعَالَى مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَضْلُ الْمَحَبَّةِ فِي اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهَا سَبَبٌ لِحُبِّ اللَّهِ تَعَالَى الْعَبْدَ وَفِيهِ فَضِيلَةُ زِيَارَةِ الصَّالِحِينَ وَالْأَصْحَابِ وَفِيهِ أَنَّ الْآدَمِيِّينَ قَدْ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ

(بَاب فَضْلِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2568] (عَائِدُ الْمَرِيضِ فِي مَخْرَفَةِ الْجَنَّةِ) وَفِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ خُرْفَةِ الْجَنَّةِ بِضَمِّ الْخَاءِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا خُرْفَةُ الجنة قال جناها أي يؤول بِهِ ذَلِكَ إِلَى الْجَنَّةِ وَاجْتِنَاءِ ثِمَارِهَا وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى فَضْلِ عِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَسَبَقَ شَرْحُ ذلك واضحا في بابه قوله في أسنايد هذا الحديث

(16/124)


(عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ) وَفِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنِ الْأَشْعَثِ عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ قَالَ التِّرْمِذِيُّ سَأَلْتُ الْبُخَارِيَّ عَنْ إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ أَحَادِيثُ أَبِي قِلَابَةَ كُلُّهَا عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ لَيْسَ بَيْنَهُمَا أبو الاشعث الا هذا الحديث قوله عزوجل

[2569] (مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي قَالَ يَا رَبُّ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ قَالَ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِيَ فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتنِي

(16/125)


عِنْدَهُ) قَالَ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا أَضَافَ الْمَرَضَ إِلَيْهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْمُرَادُ الْعَبْدُ تَشْرِيفًا لِلْعَبْدِ وَتَقْرِيبًا لَهُ قَالُوا وَمَعْنَى وَجَدْتنِي عِنْدَهُ أَيْ وَجَدْتَ ثَوَابِي وَكَرَامَتِي وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي تَمَامِ الْحَدِيثِ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي لَوْ أَسْقَيْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي أَيْ ثَوَابَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَاب ثَوَابِ الْمُؤْمِنِ فِيمَا يُصِيبُهُ)
مِنْ مَرَضٍ أَوْ حُزْنٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ حَتَّى الشَّوْكَةِ يُشَاكُهَا قَوْلُهَا

[2570] (مَا رَأَيْتُ رَجُلًا أَشَدُّ عَلَيْهِ الْوَجَعُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ الْوَجَعُ هُنَا

(16/126)


الْمَرَضُ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي كُلَّ مَرَضٍ وَجَعًا قَوْلُهُ

[2571] (إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعْكًا شَدِيدًا) الْوَعْكُ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ قِيلَ هُوَ الْحُمَّى وَقِيلَ أَلَمُهَا وَمَغَثُهَا وَقَدْ وَعَكَ الرَّجُلُ يُوعَكُ فَهُوَ مَوْعُوكٌ قَوْلُهُ (يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ

(16/127)


هُوَ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالنُّونِ قَوْلُهُ

[2572] (إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لِلَّذِينَ ضَحِكُوا مِمَّنْ عَثَرَ بِطُنْبِ فُسْطَاطٍ لَا تَضْحَكُوا فِيهِ النَّهْيُ عَنِ الضَّحِكِ مِنْ مِثْلِ هَذَا إِلَّا أَنْ يَحْصُلَ غَلَبَةٌ لَا يُمْكِنُ دَفْعُهُ وَأَمَّا تَعَمُّدُهُ فَمَذْمُومٌ لِأَنَّ فِيهِ إِشْمَاتًا بِالْمُسْلِمِ وَكَسْرًا لِقَلْبِهِ والطنب بِضَمِّ النُّونِ وَإِسْكَانِهَا هُوَ الْحَبْلُ الَّذِي يُشَدُّ بِهِ الْفُسْطَاطُ وَهُوَ الْخِبَاءُ وَنَحْوُهُ وَيُقَالُ فُسْتَاطٌ بِالتَّاءِ بَدَلَ الطَّاءِ وَفُسَّاطٌ بِحَذْفِهَا مَعَ تَشْدِيدِ السِّينِ وَالْفَاءُ مَضْمُومَةٌ وَمَكْسُورَةٌ فِيهِنَّ فَصَارَتْ سِتُّ لغات قوله صلى الله عليه وسلم (مامن مُسْلِمٍ يُشَاكُ شَوْكَةً فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا كُتِبَتْ له درجة ومحيت عنه بها خطيئة) وفي رواية إلا رفعه الله بها درجة أو حط عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا وَفِي رِوَايَةٍ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ له بها حسنة أو حطت عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةً فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِشَارَةٌ عَظِيمَةٌ لِلْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُ قَلَّمَا يَنْفَكُّ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ ساعة من شئ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ وَفِيهِ تَكْفِيرُ الْخَطَايَا بِالْأَمْرَاضِ والاسقام ومصايب الدُّنْيَا وَهُمُومِهَا وإِنْ قَلَّتْ مَشَقَّتُهَا وَفِيهِ رَفْعُ الدَّرَجَاتِ بِهَذِهِ الْأُمُورِ وَزِيَادَةُ الْحَسَنَاتِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ أَنَّهَا تُكَفِّرُ الْخَطَايَا فَقَطْ وَلَا تَرْفَعُ دَرَجَةً وَلَا تُكْتَبُ

(16/128)


حسنة قال وروي نحوه عن بن مَسْعُودٍ قَالَ الْوَجَعُ لَا يُكْتَبُ بِهِ أَجْرٌ لَكِنْ تُكَفَّرُ بِهِ الْخَطَايَا فَقَطْ وَاعْتَمَدَ عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا تَكْفِيرُ الْخَطَايَا وَلَمْ تَبْلُغْهُ الْأَحَادِيثُ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ الْمُصَرِّحَةُ بِرَفْعِ الدَّرَجَاتِ وَكَتْبِ الْحَسَنَاتِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَالْحِكْمَةُ فِي كَوْنِ الْأَنْبِيَاءِ أَشَدَّ بَلَاءً ثُمَّ الْأَمْثَلَ فَالْأَمْثَلَ أَنَّهُمْ مَخْصُوصُونَ بِكَمَالِ الصَّبْرِ وَصِحَّةِ الِاحْتِسَابِ وَمَعْرِفَةِ أَنَّ ذَلِكَ نِعْمَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِيَتِمَّ لَهُمُ الْخَيْرُ وَيُضَاعَفُ لَهُمُ الْأَجْرُ وَيَظْهَرُ صَبْرُهُمْ وَرِضَاهُمْ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَا تُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ شَوْكَةٍ فَمَا فَوْقَهَا إِلَّا قَصَّ الله بها من خطيئته) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ قَصَّ وَفِي بعضها نقص

(16/129)


وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ مُتَقَارِبُ الْمَعْنَى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2573] (مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ وَصَبٍ وَلَا نَصَبٍ وَلَا سَقَمٍ وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الْهَمَّ يُهِمُّهُ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ سَيِّئَاتِهِ) الْوَصَبُ الْوَجَعُ اللَّازِمُ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى ولهم عذاب واصب أي لازم ثابت والنصب التَّعَبُ وَقَدْ نَصِبَ يَنْصَبُ نَصَبًا كَفَرِحَ يَفْرَحُ فرحا ونصبه غيره وأنصبه لغتان والسقم بِضَمِّ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْقَافِ وَفَتْحِهِمَا لُغَتَانِ وَكَذَلِكَ الحزن والحزن فيه اللغتان ويهمه قَالَ الْقَاضِي هُوَ بِضَمِّ الْيَاءِ وَفَتْحِ الْهَاءِ على مالم يُسَمَّ فَاعِلُهُ وَضَبَطَهُ غَيْرُهُ يَهُمُّهُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الْهَاءِ أَيْ يَغُمُّهُ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ قَوْلُهُ

[2574] (عن بن مُحَيْصِنٍ شَيْخٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَالَ مُسْلِمٌ هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَيْصِنٍ) وَهَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ نُسَخِ بِلَادِنَا أَنَّ مُسْلِمًا قَالَ هُوَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنَ وَفِي بَعْضِهَا هُوَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ الْأَوَّلُ وَمُحَيْصِنُ بِالنُّونِ فِي آخِرِهِ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ الْمَغَارِبَةِ بِحَذْفِهَا وَهُوَ تَصْحِيفٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَارِبُوا) أَيْ اقْتَصِدُوا فَلَا تَغْلُوا وَلَا تُقَصِّرُوا بَلْ تَوَسَّطُوا (وَسَدِّدُوا) أَيْ اقْصِدُوا السَّدَادَ وَهُوَ الصَّوَابُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (حَتَّى النُّكْبَةَ يَنْكُبُهَا) وَهِيَ مِثْلُ الْعَثْرَةِ يَعْثُرُهَا بِرِجْلِهِ

(16/130)


وَرُبَّمَا جُرِحَتْ أُصْبُعُهُ وَأَصْلُ النَّكْبِ الْكَبُّ وَالْقَلْبُ قوله صلى الله عليه وسلم

[2575] (مالك ياأم السَّائِبِ تُزَفْزِفِينَ) بِزَاءَيْنِ مُعْجَمَتَيْنِ وَفَاءَيْنِ وَالتَّاءُ مَضْمُومَةٌ قَالَ الْقَاضِي تُضَمُّ وَتُفْتَحُ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ فِي ضَبْطِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَادَّعَى الْقَاضِي أَنَّهَا رِوَايَةُ جَمِيعِ رَوَاةِ مُسْلِمٍ وَوَقَعَ فِي بَعْضِ نُسَخِ بِلَادِنَا بِالرَّاءِ وَالْفَاءِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ بِالرَّاءِ وَالْقَافِ مَعْنَاهُ تَتَحَرَّكِينَ حَرَكَةً شَدِيدَةً أَيْ تَرْعَدِينَ

[2576] وَفِي حَدِيثِ الْمَرْأَةِ الَّتِي كَانَتْ تُصْرَعُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الصَّرْعَ يُثَابُ عَلَيْهِ أَكْمَلَ ثَوَابِ

(16/131)


(بَاب تَحْرِيمِ الظُّلْمِ)
قَوْلُهُ تَعَالَى

[2577] (إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ تَقَدَّسْتُ عَنْهُ وَتَعَالَيْتُ وَالظُّلْمُ مُسْتَحِيلٌ فِي حَقِّ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَيْفَ يُجَاوِزُ سُبْحَانَهُ حَدًّا وَلَيْسَ فَوْقَهُ مَنْ يُطِيعُهُ وَكَيْفَ يَتَصَرَّفُ فِي غَيْرِ مُلْكٍ وَالْعَالَمُ كُلُّهُ فِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ وَأَصْلُ التَّحْرِيمِ فِي اللُّغَةِ الْمَنْعُ فَسَمَّى تَقَدُّسَهُ عَنِ الظُّلْمِ تَحْرِيمًا لِمُشَابَهَتِهِ لِلْمَمْنُوعِ فِي أَصْلِ عَدَمِ الشئ قَوْلُهُ تَعَالَى (وَجَعَلْتُهُ بَيْنكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا) هُوَ بِفَتْحِ التَّاءِ أَيْ لَا تَتَظَالَمُوا وَالْمُرَادُ لَا يَظْلِمُ بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَهَذَا تَوْكِيدٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى يَا عِبَادِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنكُمْ مُحَرَّمًا وَزِيَادَةُ تَغْلِيظٍ فِي تَحْرِيمِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى (كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ) قَالَ الْمَازِرِيُّ ظَاهِرُ هَذَا أَنَّهُمْ خُلِقُوا عَلَى الضَّلَالِ إِلَّا مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ تَعَالَى وَفِي الْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ قَالَ فَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِالْأَوَّلِ وَصْفَهُمْ بِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ مَبْعَثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُمْ لَوْ تُرِكُوا وَمَا فِي طِبَاعِهِمْ مِنْ إِيثَارِ الشَّهَوَاتِ وَالرَّاحَةِ وَإِهْمَالِ النَّظَرِ لَضَلُّوا وَهَذَا الثَّانِي أَظْهَرُ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ لِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا وَسَائِرِ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْمُهْتَدِيَ هُوَ مَنْ هَدَاهُ اللَّهُ وبهدي اللَّهُ اهْتَدَى وَبِإِرَادَةِ اللَّهِ

(16/132)


تَعَالَى ذَلِكَ وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِنَّمَا أَرَادَ هِدَايَةَ بَعْضِ عِبَادِهِ وَهُمُ الْمُهْتَدُونَ وَلَمْ يُرِدْ هِدَايَةَ الْآخَرِينَ وَلَوْ أَرَادَهَا لَاهْتَدَوْا خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فِي قَوْلِهِمُ الْفَاسِدِ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَرَادَ هداية الجميع جل الله أن يريد مالا يقع أو يقع مالا يُرِيدُ قَوْلُهُ تَعَالَى (مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ) الْمِخْيَطُ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْيَاءِ هُوَ الْإِبْرَةُ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا تَقْرِيبٌ إِلَى الْأَفْهَامِ وَمَعْنَاهُ لَا يُنْقِصُ شَيْئًا أَصْلًا كَمَا قَالَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ لَا يَغِيضُهَا نَفَقَةٌ أَيْ لَا يَنْقُصُهَا نَفَقَةٌ لِأَنَّ مَا عِنْدَ اللَّهِ لَا يَدْخُلُهُ نَقْصٌ وَإِنَّمَا يَدْخُلُ النَّقْصُ الْمَحْدُودَ الْفَانِيَ وَعَطَاءُ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ رَحْمَتِهِ وَكَرَمِهِ وَهُمَا صِفَتَانِ قَدِيمَتَانِ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِمَا نَقْصٌ فَضَرَبَ الْمَثَلَ بِالْمِخْيَطِ فِي الْبَحْرِ لِأَنَّهُ غَايَةُ مَا يُضْرَبُ بِهِ الْمَثَلُ فِي الْقِلَّةِ وَالْمَقْصُودُ التَّقْرِيبُ إِلَى الْإِفْهَامِ بِمَا شَاهَدُوهُ فَإِنَّ الْبَحْرَ مِنْ أَعْظَمِ الْمَرْئِيَّاتِ عَيَانًا وَأَكْبَرِهَا وَالْإِبْرَةُ مِنْ أَصْغَرِ الْمَوْجُودَاتِ مَعَ أَنَّهَا صَقِيلَةٌ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مَاءٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ تَعَالَى (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ) الرِّوَايَةُ الْمَشْهُورَةُ تُخْطِئُونَ بِضَمِّ التَّاءِ وَرُوِيَ بِفَتْحِهَا وَفَتْحِ الطَّاءِ يقال خطئ

(16/133)


يَخْطَأُ إِذَا فَعَلَ مَا يَأَثَمُ بِهِ فَهُوَ خَاطِئٌ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إنا كنا خاطئين وَيُقَالُ فِي الْإِثْمِ أَيْضًا أَخْطَأَ فَهُمَا صَحِيحَانِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2578]

[2579] (اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ الْقَاضِي قِيلَ هُوَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَيَكُونُ ظُلُمَاتٍ عَلَى صَاحِبِهِ لَا يَهْتَدِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَبِيلًا حَتَّى يَسْعَى نُورُ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَ أَيْدِيِهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الظُّلُمَاتِ هُنَا الشَّدَائِدُ وَبِهِ فَسَّرُوا قَوْلَهُ تَعَالَى قُلْ مَنْ يُنْجِيكُمْ مِنْ ظُلُمَاتِ الْبَرِّ والبحر أَيْ شَدَائِدِهِمَا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنِ الْأَنْكَالِ وَالْعُقُوبَاتِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ) قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْهَلَاكَ هُوَ الهلاك الذي أخبر عنهم بِهِ فِي الدُّنْيَا بِأَنَّهُمْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ هَلَاكُ الْآخِرَةِ وَهَذَا الثَّانِي أَظْهَرُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَهْلَكَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ قَالَ جَمَاعَةُ الشُّحُّ أَشَدُّ الْبُخْلِ وَأَبْلَغُ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْبُخْلِ وَقِيلَ هُوَ الْبُخْلُ مَعَ الْحِرْصِ وَقِيلَ الْبُخْلُ فِي أَفْرَادِ الْأُمُورِ وَالشُّحُّ عَامٌّ وَقِيلَ الْبُخْلُ فِي أَفْرَادِ الْأُمُورِ وَالشُّحُّ بِالْمَالِ وَالْمَعْرُوفِ وقيل الشح الحرص على ماليس عِنْدَهُ وَالْبُخْلُ بِمَا عِنْدَهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2580] (مَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ) أَيْ أَعَانَهُ عَلَيْهَا ولطف

(16/134)


بِهِ فِيهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةَ وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةَ) فِي هَذَا فَضْلُ إِعَانَةِ الْمُسْلِمِ وَتَفْرِيجِ الْكُرَبِ عَنْهُ وَسَتْرِ زَلَّاتِهِ وَيَدْخُلُ فِي كَشْفِ الْكُرْبَةِ وتفريجها من ازالها بماله أوجاهه أو مساعدته والظاهر أنه يدخل فيه من أزالها بإشارته وَرَأْيِهِ وَدَلَالَتِهِ وَأَمَّا السَّتْرُ الْمَنْدُوبُ إِلَيْهِ هُنَا فَالْمُرَادُ بِهِ السَّتْرُ عَلَى ذَوِي الْهَيْئَاتِ وَنَحْوِهِمْ مِمَّنْ لَيْسَ هُوَ مَعْرُوفًا بِالْأَذَى وَالْفَسَادِ فَأَمَّا المعروف بذلك فيستحب أن لا يُسْتَرَ عَلَيْهِ بَلْ تُرْفَعَ قَضِيَّتَهُ إِلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إِنْ لَمْ يَخَفْ مِنْ ذَلِكَ مَفْسَدَةً لِأَنَّ السَّتْرَ عَلَى هَذَا يُطْمِعُهُ فِي الْإِيذَاءِ وَالْفَسَادِ وَانْتَهَاكِ الْحُرُمَاتِ وَجَسَارَةِ غَيْرِهِ عَلَى مِثْلِ فِعْلِهِ هَذَا كُلُّهُ فِي سَتْرِ مَعْصِيَةٍ وَقَعَتْ وانقضت أما مَعْصِيَةٌ رَآهُ عَلَيْهَا وَهُوَ بَعْدُ مُتَلَبِّسٌ بِهَا فَتَجِبُ الْمُبَادَرَةُ بِإِنْكَارِهَا عَلَيْهِ وَمَنْعُهُ مِنْهَا عَلَى مَنْ قَدَرَ عَلَى ذَلِكَ وَلَا يَحِلُّ تَأْخِيرُهَا فَإِنْ عَجَزَ لَزِمَهُ رَفْعُهَا إِلَى وَلِيِّ الْأَمْرِ إِذَا لَمْ تَتَرَتَّبْ عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ وَأَمَّا جُرْحُ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ وَالْأُمَنَاءِ عَلَى الصَّدَقَاتِ وَالْأَوْقَافِ وَالْأَيْتَامِ وَنَحْوِهِمْ فَيَجِبُ جُرْحُهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَلَا يَحِلُّ السَّتْرُ عَلَيْهِمْ إِذَا رَأَى مِنْهُمْ مَا يَقْدَحُ فِي أَهْلِيَّتِهِمْ وَلَيْسَ هَذَا مِنَ الْغِيبَةِ الْمُحَرَّمَةِ بَلْ مِنَ النَّصِيحَةِ الْوَاجِبَةِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ الَّذِي يُسْتَرُ فِيهِ هَذَا السَّتْرُ مَنْدُوبٌ فَلَوْ رَفَعَهُ إِلَى السُّلْطَانِ وَنَحْوِهِ لَمْ يَأْثَمْ بِالْإِجْمَاعِ لَكِنْ هَذَا خِلَافُ الْأَوْلَى وَقَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ صُوَرِهِ مَا هُوَ مَكْرُوهٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2581] (إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي مَنْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ وَصِيَامٍ وَزَكَاةٍ وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا وَقَذَفَ هَذَا إِلَى آخِرِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا حَقِيقَةُ الْمُفْلِسِ وَأَمَّا مَنْ لَيْسَ لَهُ مَالٌ وَمَنْ قَلَّ مَالُهُ فَالنَّاسُ يُسَمُّونَهُ

(16/135)


مُفْلِسًا وَلَيْسَ هُوَ حَقِيقَةُ الْمُفْلِسِ لِأَنَّ هَذَا أَمْرٌ يَزُولُ وَيَنْقَطِعُ بِمَوْتِهِ وَرُبَّمَا يَنْقَطِعُ بِيَسَارٍ يَحْصُلُ لَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فِي حَيَاتِهِ وَإِنَّمَا حَقِيقَةُ الْمُفْلِسِ هَذَا الْمَذْكُورِ فِي الْحَدِيثِ فَهُوَ الْهَالِكُ الْهَلَاكَ التَّامَّ وَالْمَعْدُومُ الْإِعْدَامَ الْمُقَطَّعَ فَتُؤْخَذُ حَسَنَاتُهُ لِغُرَمَائِهِ فَإِذَا فَرَغَتْ حَسَنَاتُهُ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِهِمْ فَوُضِعَ عَلَيْهِ ثُمَّ أُلْقِيَ فِي النَّارِ فَتَمَّتْ خَسَارَتُهُ وَهَلَاكُهُ وَإِفْلَاسُهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَزَعَمَ بَعْضُ الْمُبْتَدِعَةِ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُعَارِضٌ لِقَوْلِهِ تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ غَلَطٌ مِنْهُ وَجَهَالَةٌ بَيِّنَةٌ لِأَنَّهُ إِنَّمَا عُوقِبَ بِفِعْلِهِ وَوِزْرِهِ وَظُلْمِهِ فَتَوَجَّهَتْ عَلَيْهِ حُقُوقٌ لِغُرَمَائِهِ فَدُفِعَتْ إِلَيْهِمْ مِنْ حَسَنَاتِهِ فَلَمَّا فَرَغَتْ وَبَقِيَتْ بَقِيَّةٌ قُوبِلَتْ عَلَى حَسَبِ مَا اقْتَضَتْهُ حِكْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ وَعَدْلِهِ فِي عِبَادِهِ فَأُخِذَ قَدْرُهَا مِنْ سَيِّئَاتِ خُصُومِهِ فَوُضِعَ عَلَيْهِ فَعُوقِبَ بِهِ فِي النَّارِ فَحَقِيقَةُ الْعُقُوبَةِ إِنَّمَا هِيَ بِسَبَبِ ظُلْمِهِ وَلَمْ يُعَاقَبْ بِغَيْرِ جِنَايَةٍ وَظُلْمٍ مِنْهُ وَهَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ أَهْلِ السَّنَةُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2582] 0لَتُؤَدُّنَّ الْحُقُوقَ إِلَى أَهْلِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُقَادَ لِلشَّاةِ الْجَلْحَاءِ مِنَ الشَّاةِ الْقَرْنَاءِ) هَذَا تَصْرِيحٌ بِحَشْرِ الْبَهَائِمِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَإِعَادَتِهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا يُعَادُ أَهْلُ التَّكْلِيفِ مِنَ الْآدَمِيِّينَ وَكَمَا يُعَادُ الْأَطْفَالُ وَالْمَجَانِينُ وَمَنْ لَمْ تَبْلُغْهُ دَعْوَةٌ وَعَلَى هَذَا تَظَاهَرَتْ دَلَائِلُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا الْوُحُوشُ حشرت وَإِذَا وَرَدَ لَفْظُ الشَّرْعِ وَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ إِجْرَائِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ عَقْلٌ وَلَا شَرْعٌ وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْحَشْرِ وَالْإِعَادَةِ

(16/136)


فِي الْقِيَامَةِ الْمُجَازَاةُ وَالْعِقَابُ وَالثَّوَابُ وَأَمَّا الْقِصَاصُ مِنَ الْقَرْنَاءِ لِلْجَلْحَاءِ فَلَيْسَ هُوَ مِنْ قِصَاصِ التكليف إذلا تَكْلِيفَ عَلَيْهَا بَلْ هُوَ قِصَاصُ مُقَابَلَةٍ وَالْجَلْحَاءُ بِالْمَدِّ هِيَ الْجَمَّاءُ الَّتِي لَا قَرْنَ لَهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2583] (إن الله عزوجل يُمْلِي لِلظَّالِمِ فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ) مَعْنَى يُمْلِي يُمْهِلُ وَيُؤَخِّرُ وَيُطِيلُ لَهُ فِي الْمُدَّةِ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنَ الْمُلْوَةِ وَهِيَ الْمُدَّةُ وَالزَّمَانُ بِضَمِّ الْمِيمِ وَكَسْرِهَا وَفَتْحِهَا وَمَعْنَى لَمْ يُفْلِتْهُ لَمْ يُطْلِقْهُ وَلَمْ يَنْفَلِتْ مِنْهُ قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ يُقَالُ أَفْلَتَهُ أَطْلَقَهُ وَانْفَلَتَ تَخَلَصَ مِنْهُ

(باب نصر الاخ ظالما أو مظلوما)
قَوْلُهُ

[2584] (اقْتَتَلَ غُلَامَانِ) أَيْ تَضَارَبَا وَقَوْلُهُ فَنَادَى المهاجر يال المهاجرين ونادى الانصاري يال الانصار) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ يَالَ بِلَامٍ مَفْصُولَةٍ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَفِي بَعْضِهَا يَا لَلْمُهَاجِرِينَ وَيَا لَلْأَنْصَارِ بِوَصْلِهَا وَفِي بَعْضِهَا يَا آلَ الْمُهَاجِرِينَ بِهَمْزَةٍ ثُمَّ لَامٍ مَفْصُولَةٍ وَاللَّامُ مَفْتُوحَةٌ فِي الْجَمِيعِ وَهِيَ لَامُ الِاسْتِغَاثَةِ وَالصَّحِيحُ بِلَامٍ مَوْصُولَةٍ وَمَعْنَاهُ أَدْعُو الْمُهَاجِرِينَ وَأَسْتَغِيثُ بِهِمْ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ دَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ كَرَاهَةٌ مِنْهُ لِذَلِكَ فَإِنَّهُ مِمَّا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنَ التَّعَاضُدِ بِالْقَبَائِلِ فِي أُمُورِ الدُّنْيَا وَمُتَعَلِّقَاتِهَا وَكَانَتِ الْجَاهِلِيَّةُ تَأْخُذُ حُقُوقَهَا بِالْعَصَبَاتِ وَالْقَبَائِلِ فَجَاءَ الْإِسْلَامُ بِإِبْطَالِ ذَلِكَ وَفَصَلِ الْقَضَايَا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِذَا اعْتَدَى إِنْسَانٌ عَلَى آخَرَ حَكَمَ الْقَاضِي بَيْنَهُمَا وَأَلْزَمَهُ مُقْتَضَى عِدْوَانِهِ كَمَا تَقَرَّرَ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(16/137)


فِي آخِرِ هَذِهِ الْقِصَّةِ لَا بَأْسَ فَمَعْنَاهُ لَمْ يَحْصُلْ مِنْ هَذِهِ الْقِصَّةِ بَأْسٌ مِمَّا كُنْتُ خِفْتُهُ فَإِنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُونَ حَدَثَ أَمْرٌ عَظِيمٌ يُوجِبُ فِتْنَةً وَفَسَادًا وَلَيْسَ هُوَ عَائِدًا إِلَى رَفْعِ كَرَاهَةِ الدُّعَاءِ بِدَعْوَى الْجَاهِلِيَّةِ قَوْلُهُ 0فَكَسَعَ أَحَدُهُمَا الْآخَرَ) هُوَ بِسِينٍ مُخَفَّفَةٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ ضَرَبَ دُبُرَهُ وَعَجِيزَتَهُ بِيَدٍ أَوْ رِجْلٍ أَوْ سَيْفٍ وَغَيْرِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَعُوهَا فَإِنَّهَا مُنْتِنَةٌ) أَيْ قَبِيحَةٌ كَرِيهَةٌ مُؤْذِيَةٌ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دَعْهُ لَا يَتَحَدَّثُ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدًا يَقْتُلُ أَصْحَابَهُ) فِيهِ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(16/138)


مِنَ الْحِلْمِ وَفِيهِ تَرْكُ بَعْضِ الْأُمُورِ الْمُخْتَارَةِ وَالصَّبْرِ عَلَى بَعْضِ الْمَفَاسِدِ خَوْفًا مِنْ أَنْ تَتَرَتَّبَ عَلَى ذَلِكَ مَفْسَدَةٌ أَعْظَمُ مِنْهُ وَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأَلَّفَ النَّاسَ وَيَصْبِرُ عَلَى جَفَاءِ الْأَعْرَابِ وَالْمُنَافِقِينَ وَغَيْرِهِمْ لِتَقْوَى شَوْكَةُ الْمُسْلِمِينَ وَتَتِمُّ دَعْوَةُ الْإِسْلَامِ وَيَتَمَكَّنُ الْإِيمَانُ مِنْ قُلُوبِ الْمُؤَلَّفَةِ وَيَرْغَبُ غَيْرُهُمْ فِي الْإِسْلَامِ وَكَانَ يُعْطِيهِمُ الْأَمْوَالَ الْجَزِيلَةَ لِذَلِكَ وَلَمْ يَقْتُلِ الْمُنَافِقِينَ لِهَذَا الْمَعْنَى وَلِإِظْهَارِهِمُ الْإِسْلَامَ وَقَدْ أُمِرَ بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَلِأَنَّهُمْ كَانُوا مَعْدُودِينَ فِي أَصْحَابِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيُجَاهِدُونَ مَعَهُ إِمَّا حَمِيَّةً وَإِمَّا لِطَلَبِ دُنْيَا أَوْ عَصَبِيَّةً لِمَنْ مَعَهُ مِنْ عَشَائِرِهِمْ قَالَ الْقَاضِي وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ هَلْ بَقِيَ حُكْمُ الْإِغْضَاءِ عَنْهُمْ وَتَرْكُ قِتَالِهِمْ أَوْ نُسِخَ ذَلِكَ عِنْدَ ظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَنُزُولِ قَوْلِهِ تَعَالَى جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَأَنَّهَا نَاسِخَةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَقِيلَ قَوْلٌ ثَالِثٌ أنه إنما كان العفو عنهم مالم يظهروا نفاقهم فاذا أظهروه قتلوا

(باب تراحم المؤمنين وتعاطفهم وتعاضدهم)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2585] (الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا) وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرَ

[2586] مَثَلُ الْمَؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ إِلَى آخِرَهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ صَرِيحَةٌ فِي تَعْظِيمِ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ وَحَثِّهِمْ عَلَى التَّرَاحُمِ وَالْمُلَاطَفَةِ وَالتَّعَاضُدِ فِي غَيْرِ إِثْمٍ وَلَا مَكْرُوهٍ وَفِيهِ جواز التشبيه

(16/139)


وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ لِتَقْرِيبِ الْمَعَانِي إِلَى الْأَفْهَامِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم (تداعى لها سَائِرُ الْجَسَدِ) أَيْ دَعَا بَعْضُهُ بَعْضًا إِلَى الْمُشَارَكَةِ فِي ذَلِكَ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَدَاعَتِ الْحِيطَانُ أي تساقطت أو قربت من التساقط

(باب النهي عن السباب)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2587] (الْمُسْتَبَّانِ مَا قالا فعلى البادئ مالم يَعْتَدِ الْمَظْلُومُ) مَعْنَاهُ أَنَّ إِثْمَ السِّبَابِ

(16/140)


الْوَاقِعِ مِنَ اثْنَيْنِ مُخْتَصٌّ بِالْبَادِئِ مِنْهُمَا كُلُّهُ إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ الثَّانِي قَدْرَ الِانْتِصَارِ فَيَقُولُ لِلْبَادِئِ أَكْثَرَ مِمَّا قَالَ لَهُ وَفِي هَذَا جَوَازُ الِانْتِصَارِ وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِهِ وَقَدْ تظاهرت عليه دلائل الكتاب والسنة قال الله تَعَالَى وَلَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَئِكَ مَا عليهم من سبيل وَقَالَ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ ينتصرون وَمَعَ هَذَا فَالصَّبْرُ وَالْعَفْوُ أَفْضَلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عزم الامور وللحديث المذكور بعد هذا مازاد اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَاعْلَمْ أَنَّ سِبَابَ الْمُسْلِمِ بِغَيْرِ حَقٍّ حَرَامٌ كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَلَا يَجُوزُ لِلْمَسْبُوبِ أَنْ يَنْتَصِرَ إِلَّا بِمِثْلِ ما سبه مالم يَكُنْ كَذِبًا أَوْ قَذْفًا أَوْ سَبًّا لِأَسْلَافِهِ فَمِنْ صُوَرِ الْمُبَاحِ أَنْ يَنْتَصِرَ بِيَا ظَالِمُ يَا أَحْمَقُ أَوْ جَافِي أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَنْفَكُّ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ قَالُوا وَإِذَا انْتَصَرَ الْمَسْبُوبُ اسْتَوْفَى ظُلَامَتَهُ وَبَرِئَ الْأَوَّلُ مِنْ حَقِّهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ إِثْمُ الِابْتِدَاءِ أَوِ الْإِثْمُ الْمُسْتَحَقُّ لِلَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ يَرْتَفِعُ عَنْهُ جَمِيعُ الْإِثْمِ بِالِانْتِصَارِ مِنْهُ وَيَكُونُ مَعْنَى عَلَى الْبَادِئِ أَيْ عَلَيْهِ اللَّوْمُ وَالذَّمُّ لَا الْإِثْمُ

(بَاب اسْتِحْبَابِ الْعَفْوِ وَالتَّوَاضُعِ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2588] (مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ) ذَكَرُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا مَعْنَاهُ أَنَّهُ يُبَارَكُ فِيهِ وَيَدْفَعُ عَنْهُ الْمَضَرَّاتِ فَيَنْجَبِرُ نَقْصُ الصُّورَةِ بِالْبَرَكَةِ الْخَفِيَّةِ وَهَذَا مُدْرَكٌ بِالْحِسِّ وَالْعَادَةِ وَالثَّانِي أَنَّهُ وَإِنْ نَقَصَتْ صُورَتُهُ كَانَ فِي الثَّوَابِ الْمُرَتَّبِ عَلَيْهِ جَبْرٌ لِنَقْصِهِ وَزِيَادَةٌ إِلَى أَضْعَافٍ كَثِيرَةٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم (وما زادالله عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا) فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَأَنَّ مَنْ عُرِفَ بِالْعَفْوِ وَالصَّفْحِ سَادَ وَعَظُمَ فِي الْقُلُوبِ وَزَادَ عِزُّهُ وَإِكْرَامُهُ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ أَجْرُهُ فِي الْآخِرَةِ وَعِزُّهُ هُنَاكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا

(16/141)


رَفَعَهُ اللَّهُ) فِيهِ أَيْضًا وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا يَرْفَعُهُ فِي الدُّنْيَا وَيُثْبِتُ لَهُ بِتَوَاضُعِهِ فِي الْقُلُوبِ مَنْزِلَةً وَيَرْفَعُهُ اللَّهُ عِنْدَ النَّاسِ وَيُجِلُّ مَكَانَهُ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُرَادَ ثَوَابُهُ فِي الْآخِرَةِ وَرَفْعُهُ فِيهَا بِتَوَاضُعِهِ فِي الدُّنْيَا قَالَ الْعُلَمَاءُ وَهَذِهِ الْأَوْجُهُ فِي الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ مَوْجُودَةٌ فِي الْعَادَةِ مَعْرُوفَةٌ وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ الْوَجْهَيْنِ مَعًا فِي جَمِيعِهَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَاب تَحْرِيمِ الْغِيبَةِ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2589] (الْغِيبَةُ ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ قَالَ إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَقَدْ بَهَتَّهُ) يُقَالُ بَهَتَهُ بِفَتْحِ الْهَاءِ مُخَفَّفَةٍ قُلْتُ فِيهِ الْبُهْتَانِ وَهُوَ الباطل والغيبة ذِكْرُ الْإِنْسَانِ فِي غَيْبَتِهِ بِمَا يَكْرَهُ وَأَصْلُ الْبَهْتِ أَنْ يُقَالَ لَهُ الْبَاطِلُ فِي وَجْهِهِ وَهُمَا حَرَامَانِ لَكِنْ تُبَاحُ الْغِيبَةُ لِغَرَضٍ شَرْعِيٍّ وَذَلِكَ لِسِتَّةِ أَسْبَابٍ أَحَدُهَا التَّظَلُّمُ فَيَجُوزُ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَتَظَلَّمَ إِلَى السُّلْطَانِ وَالْقَاضِي وَغَيْرِهِمَا مِمَّنْ لَهُ وِلَايَةٌ أَوْ قُدْرَةٌ عَلَى إِنْصَافِهِ مِنْ ظَالِمِهِ فَيَقُولُ ظَلَمَنِي فُلَانٌ أَوْ فَعَلَ بِي كَذَا الثَّانِي الِاسْتِغَاثَةُ عَلَى تَغْيِيرِ الْمُنْكَرِ وَرَدِّ الْعَاصِي إِلَى الصَّوَابِ فَيَقُولُ لِمَنْ يَرْجُو قُدْرَتَهُ فُلَانٌ يَعْمَلُ كَذَا فَازْجُرْهُ عَنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ الثَّالِثُ الِاسْتِفْتَاءُ بِأَنْ يَقُولَ لِلْمُفْتِي ظَلَمَنِي فُلَانٌ أَوْ أَبِي أَوْ أَخِي أَوْ زَوْجِي بِكَذَا فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ وَمَا طَرِيقِي فِي الْخَلَاصِ مِنْهُ وَدَفْعِ ظُلْمِهِ عَنِّي وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهَذَا جَائِزٌ لِلْحَاجَةِ وَالْأَجْوَدُ أَنْ يَقُولَ فِي رَجُلٍ أَوْ زَوْجٍ أَوْ وَالِدٍ وَوَلَدٍ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ كَذَا وَمَعَ ذَلِكَ فَالتَّعْيِينُ جَائِزٌ لِحَدِيثِ هِنْدٍ وَقَوْلِهَا إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ الرَّابِعُ تَحْذِيرُ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الشَّرِّ وَذَلِكَ مِنْ وُجُوهٍ مِنْهَا جَرْحُ الْمَجْرُوحِينَ مِنَ الرُّوَاةِ وَالشُّهُودِ وَالْمُصَنِّفِينَ وَذَلِكَ جَائِزٌ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ وَاجِبٌ صَوْنًا لِلشَّرِيعَةِ وَمِنْهَا الْإِخْبَارُ بِعَيْبِهِ عِنْدَ الْمُشَاوَرَةِ فِي مواصلته

(16/142)


وَمِنْهَا إِذَا رَأَيْتَ مَنْ يَشْتَرِي شَيْئًا مَعِيبًا أَوْ عَبْدًا سَارِقًا أَوْ زَانِيًا أَوْ شَارِبًا أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ تَذْكُرَهُ لِلْمُشْتَرِي إِذَا لَمْ يَعْلَمْهُ نَصِيحَةً لَا بِقَصْدِ الْإِيذَاءِ وَالْإِفْسَادِ وَمِنْهَا إِذَا رَأَيْتَ مُتَفَقِّهًا يَتَرَدَّدُ إِلَى فَاسِقٍ أَوْ مُبْتَدِعٍ يَأْخُذُ عَنْهُ عِلْمًا وَخِفْتَ عَلَيْهِ ضَرَرَهُ فَعَلَيْكَ نَصِيحَتَهُ بِبَيَانِ حَالِهِ قَاصِدًا النَّصِيحَةَ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ لَهُ وِلَايَةٌ لَا يَقُومُ بِهَا عَلَى وَجْهِهَا لِعَدَمِ أَهْلِيَّتِهِ أَوْ لِفِسْقِهِ فَيَذْكُرُهُ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ لِيُسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى حَالِهِ فَلَا يَغْتَرُّ بِهِ وَيَلْزَمُ الِاسْتِقَامَةَ الْخَامِسُ أَنْ يَكُونَ مُجَاهِرًا بِفِسْقِهِ أَوْ بِدْعَتِهِ كَالْخَمْرِ وَمُصَادَرَةِ النَّاسِ وَجِبَايَةِ الْمُكُوسِ وَتَوَلِّي الْأُمُورِ الْبَاطِلَةِ فَيَجُوزُ ذِكْرُهُ بِمَا يُجَاهِرُ بِهِ وَلَا يَجُوزُ بِغَيْرِهِ إِلَّا بِسَبَبٍ آخَرَ السَّادِسُ التَّعْرِيفُ فَإِذَا كَانَ مَعْرُوفًا بِلَقَبٍ كَالْأَعْمَشِ وَالْأَعْرَجِ وَالْأَزْرَقِ وَالْقَصِيرِ وَالْأَعْمَى وَالْأَقْطَعِ وَنَحْوِهَا جَازَ تَعْرِيفُهُ بِهِ وَيَحْرُمُ ذِكْرُهُ بِهِ تَنَقُّصًا وَلَوْ أَمْكَنَ التَّعْرِيفُ بِغَيْرِهِ كَانَ أَوْلَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَاب بِشَارَةِ مَنْ ستر الله تعالى عليه فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يَسْتُرَ عَلَيْهِ فِي الْآخِرَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2590] (لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) قَالَ الْقَاضِي يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنْ يَسْتُرُ مَعَاصِيَهُ وَعُيُوبَهُ عَنْ إِذَاعَتِهَا فِي أَهْلِ الْمَوْقِفِ وَالثَّانِي تَرْكُ مُحَاسَبَتِهِ عَلَيْهَا وَتَرْكُ ذِكْرِهَا قَالَ وَالْأَوَّلُ أَظْهَرُ لِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ يُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ يَقُولُ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ لَا يَسْتُرُ عَبْدٌ عَبْدًا إِلَا سَتَرَهُ اللهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَسَبَقَ شَرْحُهُ قريبا)

(16/143)


(باب مداراة من يتقي فحشه)
قَوْلُهُ

[2591] (أَنَّ رَجُلًا اسْتَأْذَنَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ ائْذَنُوا لَهُ فَلَبِئْسَ بن الْعَشِيرَةِ أَوْ بِئْسَ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْتَ لَهُ الَّذِي قُلْتَ ثُمَّ أَلَنْتَ لَهُ الْقَوْلَ قَالَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ) قَالَ الْقَاضِي هَذَا الرَّجُلُ هُوَ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ وَلَمْ يَكُنْ أَسْلَمَ حِينَئِذٍ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ فَأَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَيِّنَ حَالَهُ لِيَعْرِفَهُ النَّاسُ وَلَا يَغْتَرُّ بِهِ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ حَالَهُ قَالَ وَكَانَ مِنْهُ فِي حَيَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبعده مادل على ضعف ايمانه وارتد مع المرتدين وجئ بِهِ أَسِيرًا إِلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَوَصْفُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِأَنَّهُ بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ لِأَنَّهُ ظَهَرَ كَمَا وَصَفَ وَإِنَّمَا أَلَانَ لَهُ الْقَوْلَ تَأَلُّفًا لَهُ وَلِأَمْثَالِهِ عَلَى الْإِسْلَامِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مُدَارَاةُ مَنْ يُتَّقَى فُحْشُهُ وَجَوَازُ غِيبَةِ الْفَاسِقِ الْمُعْلِنِ فِسْقَهُ وَمَنْ يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَى التَّحْذِيرِ مِنْهُ وَقَدْ أَوْضَحْنَاهُ قَرِيبًا فِي بَابِ الْغِيبَةِ وَلَمْ يَمْدَحْهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا ذِكْرُ أَنَّهُ أَثْنَى عَلَيْهِ فِي وَجْهِهِ وَلَا فِي قَفَاهُ إِنَّمَا تألفه بشئ مِنَ الدُّنْيَا مَعَ لِينِ الْكَلَامِ وَأَمَّا بِئْسَ بن الْعَشِيرَةِ أَوْ رَجُلُ الْعَشِيرَةِ فَالْمُرَادُ بِالْعَشِيرَةِ قَبِيلَتُهُ أَيْ بِئْسَ هَذَا الرَّجُلُ مِنْهَا

(16/144)


(بَاب فَضْلِ الرِّفْقِ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2592] (مَنْ يُحْرَمُ الرِّفْقَ يُحْرَمُ الْخَيْرَ) وَفِي رِوَايَةٍ

[2593] إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِي على الرفق مالا يعطي على العنف ومالا يُعْطِي عَلَى سِوَاهُ وَفِي رِوَايَةٍ

[2594] لَا يَكُونُ الرفق في شئ إلا زانه ولا ينزع من شئ إِلَّا شَانَهُ وَفِي رِوَايَةٍ عَلَيْكَ بِالرِّفْقِ أَمَّا الْعُنْفُ فَبِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِهَا وَكَسْرِهَا حَكَاهُنَّ الْقَاضِي وَغَيْرُ الضَّمِّ أَفْصَحُ وَأَشْهَرُ وَهُوَ ضِدُّ الرِّفْقِ وَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَضْلُ الرِّفْقِ وَالْحَثُّ عَلَى التَّخَلُّقِ وَذَمُّ الْعُنْفِ وَالرِّفْقُ سَبَبُ كُلِّ خَيْرٍ وَمَعْنَى يُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ أَيْ يُثِيبُ عَلَيْهِ مالا يُثِيبُ عَلَى غَيْرِهِ وَقَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ يَتَأَتَّى به من الاغراض ويسهل من المطالب مالا يَتَأَتَّى بِغَيْرِهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ ففِيهِ تَصْرِيحٌ بِتَسْمِيَتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَوَصْفِهِ بِرَفِيقٍ قَالَ الْمَازِرِيُّ لَا يُوصَفُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَّا بِمَا سَمَّى بِهِ نَفْسَهُ أَوْ سَمَّاهُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ أَجْمَعَتْ الْأُمَّةُ عليه وأما مالم يَرِدْ إِذْنٌ فِي إِطْلَاقِهِ وَلَا وَرَدَ مَنْعٌ فِي وَصْفِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِ فَفِيهِ خِلَافٌ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ فَلَا يُوصَفُ بِحِلٍّ وَلَا

(16/145)


حُرْمَةٍ وَمِنْهُمْ مَنْ مَنَعَهُ قَالَ وَلِلْأُصُولِيِّينَ الْمُتَأَخِّرِينَ خِلَافٌ فِي تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا ثَبَتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَبَرِ الْآحَادِ فَقَالَ بَعْضُ حُذَّاقِ الْأَشْعَرِيَّةِ يَجُوزُ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ عِنْدَهُ يَقْتَضِي الْعَمَلَ وَهَذَا عِنْدَهُ مِنْ بَابِ الْعَمَلِيَّاتِ لَكِنَّهُ يَمْنَعُ إِثْبَاتَ أَسْمَائِهِ تَعَالَى بِالْأَقْيِسَةِ الشَّرْعِيَّةِ وَإِنْ كَانَتْ يُعْمَلُ بِهَا فِي الْمَسَائِلِ الْفِقْهِيَّةِ وَقَالَ بَعْضُ مُتَأَخِّرِيهِمْ يَمْنَعُ ذَلِكَ فَمَنْ أَجَازَ ذَلِكَ فَهِمَ مِنْ مَسَالِكِ الصَّحَابَةِ قَبُولَهُمْ ذَلِكَ فِي مِثْلِ هَذَا وَمَنْ مَنَعَ لَمْ يُسَلِّمْ ذَلِكَ وَلَمْ يَثْبُتْ عِنْدَهُ إِجْمَاعٌ فِيهِ فَبَقِيَ عَلَى الْمَنْعِ قَالَ الْمَازِرِيُّ فَإِطْلَاقُ رَفِيقٍ إِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِغَيْرِ هَذَا الْحَدِيثِ الْآحَادِ جَرَى فِي جَوَازِ اسْتِعْمَالِهِ الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرْنَا قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ رَفِيقٌ صِفَةُ فِعْلٍ وَهِيَ مَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الرِّفْقِ لِعِبَادِهِ هَذَا آخِرُ كَلَامِ الْمَازِرِيِّ وَالصَّحِيحُ جَوَازُ تَسْمِيَةِ اللَّهِ تَعَالَى رَفِيقًا وَغَيْرَهُ مِمَّا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا وَاضِحًا فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ فِي حَدِيثِ إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ فِي بَابِ تَحْرِيمِ الكبر وذكرنا أنه اختيار امام الحرمين

(16/146)


(باب النهي عن لعن الدواب وغيرها)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاقَةِ الَّتِي لَعَنَتْهَا الْمَرْأَةُ

[2595] (خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَدَعُوهَا فَإِنَّهَا مَلْعُونَةٌ) وَفِي رِوَايَةٍ

[2596] لَا تُصَاحِبُنَا نَاقَةٌ عَلَيْهَا لَعْنَةٌ إِنَّمَا قَالَ هَذَا زَجْرًا لَهَا وَلِغَيْرِهَا وَكَانَ قَدْ سَبَقَ نَهْيُهَا وَنَهْيُ غَيْرِهَا عَنِ اللَّعْنِ فَعُوقِبَتْ بِإِرْسَالِ النَّاقَةِ وَالْمُرَادُ النَّهْيُ عَنْ مُصَاحَبَتِهِ لِتِلْكَ النَّاقَةِ فِي الطَّرِيقِ وَأَمَّا بَيْعُهَا وَذَبْحُهَا وَرُكُوبُهَا

(16/147)


فِي غَيْرِ مُصَاحَبَتِهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي كَانَتْ جَائِزَةً قَبْلَ هَذَا فَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْجَوَازِ لِأَنَّ الشَّرْعَ إِنَّمَا وَرَدَ بِالنَّهْيِ عَنِ الْمُصَاحَبَةِ فَبَقِيَ الْبَاقِي كَمَا كَانَ وَقَوْلُهُ نَاقَةً وَرْقَاءَ بِالْمَدِّ أَيْ يُخَالِطُ بَيَاضُهَا سَوَادٌ وَالذَّكَرُ أَوْرَقُ وَقِيلَ هِيَ الَّتِي لَوْنُهَا كَلَوْنِ الرَّمَادِ قَوْلُهُ (فَقَالَتْ حِلْ) هِيَ كَلِمَةُ زَجْرٍ لِلْإِبِلِ وَاسْتِحْثَاثٍ يُقَالُ حِلْ حِلْ بِإِسْكَانِ اللَّامِ فِيهِمَا قَالَ الْقَاضِي وَيُقَالُ أَيْضًا حِلٍ حِلٍ بِكَسْرِ اللَّامِ فِيهِمَا بِالتَّنْوِينِ وَبِغَيْرِ تَنْوِينٍ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خُذُوا مَا عَلَيْهَا وَأَعْرُوهَا) هُوَ بِهَمْزَةِ قَطْعٍ وَبِضَمِّ الرَّاءِ يُقَالُ أَعْرَيْتُهُ وَعَرَّيْتُهُ إِعْرَاءً وَتَعْرِيَةً فَتَعَرَّى وَالْمُرَادُ هُنَا خُذُوا مَا عَلَيْهَا مِنَ الْمَتَاعِ وَرَحْلِهَا وَآلَتِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2597] (لَا يَنْبَغِي لِصِدِّيقٍ أَنْ يَكُونَ لَعَّانًا وَلَا يَكُونَ اللَّعَّانُونَ شُهَدَاءَ وَلَا شُفَعَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) فِيهِ الزَّجْرِ عَنِ اللَّعْنِ وَأَنَّ مَنْ تَخَلَّقَ بِهِ لَا يَكُونُ فِيهِ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْجَمِيلَةِ لِأَنَّ اللَّعْنَةَ فِي الدُّعَاءِ يُرَادُ بِهَا الْإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَيْسَ الدُّعَاءُ بِهَذَا مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ بَيْنَهُمْ وَالتَّعَاوُنِ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَجَعَلَهُمْ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا وَكَالْجَسَدِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ الْمُؤْمِنَ يُحِبُّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ فَمَنْ دَعَا عَلَى أَخِيهِ الْمُسْلِمِ بِاللَّعْنَةِ وَهِيَ الْإِبْعَادُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ مِنْ نِهَايَةِ الْمُقَاطَعَةِ وَالتَّدَابُرِ وَهَذَا غَايَةُ مَا يَوَدُّهُ الْمُسْلِمُ لِلْكَافِرِ وَيَدْعُو عَلَيْهِ وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ لَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ لِأَنَّ القاتل يقطعه

(16/148)


عَنْ مَنَافِعِ الدُّنْيَا وَهَذَا يَقْطَعُهُ عَنْ نَعِيمِ الْآخِرَةِ وَرَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَقِيلَ مَعْنَى لَعْنَ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ فِي الْإِثْمِ وَهَذَا أَظْهَرُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُمْ لَا يَكُونُونَ شُفَعَاءَ وَلَا شُهَدَاءَ فَمَعْنَاهُ لَا يَشْفَعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِينَ يُشَفَّعُ الْمُؤْمِنُونَ فِي إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ اسْتَوْجَبُوا النَّارَ وَلَا شُهَدَاءَ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ أَصَحُّهَا وَأَشْهَرُهَا لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى الْأُمَمِ بِتَبْلِيغِ رُسُلِهِمْ إِلَيْهِمُ الرِّسَالَاتِ وَالثَّانِي لَا يَكُونُونَ شُهَدَاءَ فِي الدُّنْيَا أَيْ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهِمْ لِفِسْقِهِمْ وَالثَّالِثُ لَا يُرْزَقُونَ الشَّهَادَةَ وَهِيَ الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَإِنَّمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَنْبَغِي لصديق أن يكون لعانا ولا يكون اللعانون شُفَعَاءَ بِصِيغَةِ التَّكْثِيرِ وَلَمْ يَقُلْ لَاعِنًا وَاللَّاعِنُونَ لِأَنَّ هَذَا الذَّمَّ فِي الْحَدِيثِ إِنَّمَا هُوَ لِمَنْ كَثُرَ مِنْهُ اللَّعْنُ لَا لِمَرَّةٍ وَنَحْوِهَا وَلِأَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْهُ أَيْضًا اللَّعْنُ الْمُبَاحُ وَهُوَ الَّذِي وَرَدَ الشَّرْعُ بِهِ وَهُوَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَشَارِبَ الْخَمْرِ وَآكِلَ الرِّبَا وَمُوكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ وَالْمُصَوِّرِينَ وَمَنِ انْتَمَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ وَتَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ وَغَيَّرَ مَنَارَ الْأَرْضِ وَغَيْرَهُمْ مِمَّنْ هُوَ مَشْهُورٌ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ قَوْلُهُ

[2598] (بَعَثَ إِلَى أُمِّ الدَّرْدَاءَ بِأَنْجَادٍ مِنْ عِنْدِهِ) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَبَعْدَهَا نُونٌ ثُمَّ جِيمٌ وَهُوَ جَمْعُ نَجَدٍ بِفَتْحِ النُّونِ وَالْجِيمِ وهومتاع الْبَيْتِ الَّذِي يُزَيِّنُهُ مِنْ فُرُشٍ وَنَمَارِقَ وَسُتُورٍ وَقَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ بِإِسْكَانِ الْجِيمِ قَالَ وَجَمْعُهُ نُجُودٌ

(16/149)


حَكَاهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ فَهُمَا لُغَتَانِ وَوَقَعَ في رواية بن ماهان بخادم بالخاء المعجمة والمشهور الاول

(باب من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم أو سبه أو دعا عليه)
أو ليس هو اهلا لذلك كان له زكاة واجرا ورحمة قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2600]

[2602] 0اللَّهُمَّ إِنَّمَا أنا بشر فأي المسلمين لعنته أوسببته فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا) وَفِي

[2601] رِوَايَةٍ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ زَكَاةً وَرَحْمَةً وَفِي

[2601]

[2602] رِوَايَةٍ فأي المؤمنين آذيته شتمته لعنته جلدته

(16/150)


فاجعلها لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَفِي رِوَايَةٍ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ وَإِنِّي قَدِ اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً وَقُرْبَةً وَفِي رِوَايَةٍ

[2603] إِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي فَقُلْتُ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ تَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُبَيِّنَةٌ مَا كَانَ عَلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الشَّفَقَةِ عَلَى أُمَّتِهِ وَالِاعْتِنَاءِ بِمَصَالِحِهِمْ وَالِاحْتِيَاطِ لَهُمْ وَالرَّغْبَةِ فِي كُلِّ مَا يَنْفَعُهُمْ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الْمَذْكُورَةُ آخِرًا تُبَيِّنُ المراد بباقي الروايات الطلقة وَأَنَّهُ إِنَّمَا يَكُونُ دُعَاؤُهُ عَلَيْهِ رَحْمَةً وَكَفَّارَةً وزكاة ونحو

(16/151)


ذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ أَهْلًا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ والسب واللعن ونحوه وكان مسلما والافقد دَعَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْكُفَّارِ وَالْمُنَافِقِينَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمْ رَحْمَةً فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يَدْعُو عَلَى مَنْ لَيْسَ هُوَ بأهل للدعاء عَلَيْهِ أَوْ يَسُبُّهُ أَوْ يَلْعَنُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَالْجَوَابُ مَا أَجَابَ بِهِ الْعُلَمَاءُ وَمُخْتَصَرُهُ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ بِأَهْلٍ لِذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي بَاطِنِ الْأَمْرِ وَلَكِنَّهُ فِي الظَّاهِرِ مُسْتَوْجِبٌ لَهُ فَيَظْهَرُ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتِحْقَاقَهُ لِذَلِكَ بِأَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ وَيَكُونُ فِي بَاطِنِ الْأَمْرِ لَيْسَ أَهْلًا لِذَلِكَ وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ بِالظَّاهِرِ وَاَللَّهُ يَتَوَلَّى السَّرَائِرَ وَالثَّانِي أَنَّ مَا وَقَعَ مِنْ سَبِّهِ وَدُعَائِهِ وَنَحْوِهِ لَيْسَ بِمَقْصُودٍ بَلْ هُوَ مِمَّا جَرَتْ بِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ فِي وَصْلِ كَلَامِهَا بِلَا نِيَّةٍ كَقَوْلِهِ تَرِبَتْ يَمِينُكَ وعَقْرَى حَلْقَى وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا كَبِرَتْ سِنُّكِ وَفِي حَدِيثِ مُعَاوِيَةَ لَا أَشْبَعَ اللَّهُ بطنه ونحو ذلك لا يقصدون بشئ مِنْ ذَلِكَ حَقِيقَةَ الدُّعَاءِ فَخَافَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم أن يصادف شئ مِنْ ذَلِكَ إِجَابَةً فَسَأَلَ رَبَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَرَغِبَ إِلَيْهِ فِي أَنْ يَجْعَلَ ذَلِكَ رَحْمَةً وَكَفَّارَةً وَقُرْبَةً وَطَهُورًا وَأَجْرًا وَإِنَّمَا كَانَ يَقَعُ هَذَا مِنْهُ فِي النَّادِرِ وَالشَّاذِّ مِنَ الْأَزْمَانِ وَلَمْ يَكُنْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاحِشًا وَلَا مُتَفَحِّشًا وَلَا لَعَّانًا وَلَا مُنْتَقِمًا لِنَفْسِهِ وَقَدْ سَبَقَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُمْ قَالُوا ادْعُ عَلَى دَوْسٍ فَقَالَ اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي

(16/152)


فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ) فَقَدْ يُقَالُ ظَاهِرُهُ أَنَّ السَّبَّ وَنَحْوَهُ كان بسبب الغضب وجوابه ماذكره الْمَازِرِيُّ قَالَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَيَّ دُعَاءِهُ وَسَبِّهُ وَجَلْدِهُ كَانَ مِمَّا يُخَيَّرُ فِيهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا الَّذِي فَعَلَهُ وَالثَّانِي زَجْرُهُ بِأَمْرٍ آخَرَ فَحَمَلَهُ الْغَضَبُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى أَحَدِ الْأَمْرَيْنِ الْمُتَخَيَّرِ فيهما وهوسبه أَوْ لَعْنُهُ وَجَلْدُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَلَيْسَ ذَلِكَ خَارِجًا عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَعْنَى اجْعَلْهَا لَهُ صَلَاةً أَيْ رَحْمَةً كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَالصَّلَاةُ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى الرَّحْمَةُ قَوْلُهُ جَلَدَّهُ قَالَ وَهِيَ لُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَإِنَّمَا هِيَ جَلَدْتُهُ مَعْنَاهُ أَنَّ لُغَةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ لِعَامَّةِ الْعَرَبِ جَلَدْتُهُ بِالتَّاءِ وَلُغَةُ أَبِي هُرَيْرَةَ جَلَدّهُ بِتَشْدِيدِ الدَّالِ عَلَى إِدْغَامِ الْمِثْلَيْنِ وَهُوَ جَائِزٌ قَوْلُهُ (سَالَمٍ مَوْلَى النَّصْرِيِّيْنِ) بِالنُّونِ وَالصَّادِ

(16/153)


الْمُهْمَلَةِ سَبَقَ بَيَانُهُ مَرَّاتٌ قَوْلُهُ

[2603] (حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بن عمار قال حدثنا إسحاق بن أَبِي طَلْحَةَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ إِسْحَاقُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ قَوْلُهُ (كَانَتْ عِنْدَ أُمِّ سُلَيْمٍ يَتِيمَةٌ وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ) فَقَوْلُهُ وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ يَعْنِي أُمُّ سُلَيْمٍ هِيَ أُمُّ أَنَسٍ قَوْلُهُ فَقَالَ لِلْيَتِيمَةِ أَنْتِ هِيَهْ) هُوَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَإِسْكَانِ الْهَاءِ وهي هاء السكت قولها (لا يكبرسني أَوْ قَالَتْ قَرْنِي) بِفَتْحِ الْقَافِ وَهُوَ نَظِيرُهَا فِي الْعُمْرِ قَالَ الْقَاضِي مَعْنَاهُ لَا يَطُولُ عُمْرُهَا لِأَنَّهُ إِذَا طَالَ عُمْرُهُ طَالَ عُمْرُ قرنه وهذا الذي قاله فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ طُولِ عُمْرِ أَحَدِ الْقَرْنَيْنِ طُولُ عُمْرِ الْآخَرِ فَقَدْ يكون سنهما واحد وَيَمُوتُ أَحَدُهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى الله عليه وسلم لها لاكبر سِنُّكِ فَلَمْ يُرِدْ بِهِ حَقِيقَةَ الدُّعَاءِ بَلْ هو

(16/154)


جَارٍ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَلْفَاظِ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ تَلُوثُ خِمَارَهَا) هُوَ بِالْمُثَلَّثَةِ فِي آخِرِهِ أَيْ تُدِيرُهُ عَلَى رَأْسِهَا قَوْلُهُ (عَنْ ابي حمزة القصاب عن بن عَبَّاسٍ) أَبُو حَمْزَةَ هَذَا بِالْحَاءِ وَالزَّايِ اسْمُهُ عِمْرَانُ بْنُ أَبِي عَطَاءٍ الْأَسَدِيُّ الْوَاسِطِيُّ الْقَصَّابُ بياع القصب قالوا وليس له عن بن عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غير هذا الحديث وله عن بن عَبَّاسٍ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهُ يَكْرَهُ مُشَارَكَةَ الْمُسْلِمِ الْيَهُودِيَّ وَكُلُّ مَا فِي الصَّحِيحَيْنِ أَبُو جَمْرَةَ عن بن عَبَّاسٍ فَهُوَ بِالْجِيمِ وَالرَّاءِ وَهُوَ نَصْرُ بْنُ عِمْرَانَ الضُّبَعِيُّ إِلَّا هَذَا الْقَصَّابُ فَلَهُ فِي مُسْلِمٍ هَذَا الْحَدِيثُ وَحْدَهُ لَا ذِكْرَ لَهُ في البخاري قوله

[2604] (عن بن عَبَّاسٍ قَالَ كُنْتُ أَلْعَبُ مَعَ الصِّبْيَانِ فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَوَارَيْتُ خَلْفَ بَابٍ فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطْأَةً وَقَالَ اذْهَبِ ادْعُ لِي مُعَاوِيَةَ) وَفَسَّرَ الرَّاوِي أَيْ قَفَدَنِي أَمَّا حَطَأَنِي فَبِحَاءٍ ثُمَّ طَاءٍ مُهْمَلَتَيْنِ وَبَعْدَهَا همزة

(16/155)


وقفدني بِقَافٍ ثُمَّ فَاءٍ ثُمَّ دَالٍ مُهْمَلَةٍ وَقَوْلُهُ حَطْأَةً بِفَتْحِ الْحَاءِ وَإِسْكَانِ الطَّاءِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ وَهُوَ الضَّرْبُ بِالْيَدِ مَبْسُوطَةٍ بَيْنَ الْكَتِفَيْنِ وَإِنَّمَا فَعَلَ هَذَا بِابْنِ عَبَّاسٍ مُلَاطَفَةً وَتَأْنِيسًا وَأَمَّا دُعَاؤُهُ عَلَى مُعَاوِيَةَ أَنْ لَا يَشْبَعَ حِينَ تَأَخَّرَ فَفِيهِ الْجَوَابَانِ السَّابِقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ جَرَى عَلَى اللِّسَانِ بِلَا قَصْدٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ عُقُوبَةٌ لَهُ لِتَأَخُّرِهِ وَقَدْ فَهِمَ مُسْلِمٌ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لِلدُّعَاءِ عَلَيْهِ فَلِهَذَا أَدْخَلَهُ فِي هَذَا الباب وجعله غيره من مناقب معاويةلانه فِي الْحَقِيقَةِ يَصِيرُ دُعَاءً لَهُ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ جَوَازُ تَرْكِ الصِّبْيَانَ يَلْعَبُونَ بِمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ وَفِيهِ اعْتِمَادُ الصَّبِيِّ فِيمَا يُرْسِلُ فِيهِ مِنْ دُعَاءِ إِنْسَانٍ وَنَحْوِهِ مِنْ حَمْلِ هَدِيَّةٍ وَطَلَبِ حَاجَةٍ وَأَشْبَاهِهِ وَفِيهِ جَوَازُ إِرْسَالِ صَبِيِّ غَيْرِهِ مِمَّنْ يَدُلُّ عَلَيْهِ فِي مِثْلِ هَذَا وَلَا يُقَالُ هَذَا تَصَرُّفٌ فِي مَنْفَعَةِ الصَّبِيِّ لِأَنَّ هَذَا قَدْرٌ يَسِيرٌ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالْمُسَامَحَةِ بِهِ لِلْحَاجَةِ وَاطَّرَدَ بِهِ الْعُرْفُ وَعَمَلُ الْمُسْلِمِينَ والله اعلم

(باب ذم ذي الوجهين وتحريم فعله)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2556] (إِنَّ مِنْ شَرِّ النَّاسِ ذَا الْوَجْهَيْنِ الَّذِي يَأْتِي هَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ وَهَؤُلَاءِ بِوَجْهٍ) هَذَا الْحَدِيثُ سَبَقَ شَرْحُهُ وَالْمُرَادُ مَنْ يَأْتِي كُلَّ طَائِفَةٍ وَيُظْهِرُ أَنَّهُ مِنْهُمْ وَمُخَالِفٌ لِلْآخَرِينَ مُبْغِضٌ فَإِنْ أَتَى كُلَّ طائفة بالاصلاح ونحوه فمحمود

(16/156)


(باب تحريم الكذب وبيان ما يباح منه قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2605] (لَيْسَ الْكَذَّابُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ وَيَقُولُ خَيْرًا أَوْ يُنْمِي خَيْرًا) هَذَا الْحَدِيثُ مُبَيِّنٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْبَابِ قَبْلَهُ وَمَعْنَاهُ لَيْسَ الْكَذَّابُ الْمَذْمُومُ الَّذِي يُصْلِحُ بَيْنَ النَّاسِ بَلْ هَذَا مُحْسِنٌ قوله (قال بن شهاب ولم أسمع يرخص في شئ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ)

(16/157)


الْحَرْبُ وَالْإِصْلَاحُ بَيْنَ النَّاسِ وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ وَحَدِيثُ الْمَرْأَةِ زَوْجَهَا) قَالَ الْقَاضِي لَا خِلَافَ فِي جَوَازِ الْكَذِبِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَاخْتَلَفُوا في المراد بالكذب المباح فيها ماهو فَقَالَتْ طَائِفَةٌ هُوَ عَلَى إِطْلَاقِهِ وَأَجَازُوا قَوْلَ مَا لَمْ يَكُنْ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ لِلْمَصْلَحَةِ وَقَالُوا الْكَذِبُ الْمَذْمُومُ مَا فِيهِ مَضَرَّةٌ وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ فعله كبيرهم وإني سقيم وَقَوْلُهُ إِنَّهَا أُخْتِي وَقَوْلُ مُنَادِي يُوسُفَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ قَالُوا وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَوْ قَصَدَ ظَالِمٌ قَتْلَ رَجُلٍ هُوَ عِنْدَهُ مُخْتَفٍ وَجَبَ عَلَيْهِ الْكَذِبُ فِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيْنَ هُوَ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمُ الطَّبَرِيُّ لَا يَجُوزُ الْكَذِبُ في شئ أَصْلًا قَالُوا وَمَا جَاءَ مِنَ الْإِبَاحَةِ فِي هَذَا الْمُرَادُ بِهِ التَّوْرِيَةُ وَاسْتِعْمَالُ الْمَعَارِيضِ لَا صَرِيحُ الْكَذِبِ مِثْلَ أَنْ يَعِدَ زَوْجَتَهُ أَنْ يُحْسِنَ إِلَيْهَا وَيَكْسُوَهَا كَذَا وَيَنْوِي إِنْ قَدَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ وَحَاصِلُهُ أَنْ يَأْتِي بِكَلِمَاتٍ مُحْتَمَلَةٍ يَفْهَمُ الْمُخَاطَبُ مِنْهَا مَا يُطَيِّبُ قَلْبَهُ وَإِذَا سَعَى فِي الْإِصْلَاحِ نَقَلَ عَنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَلَامًا جَمِيلًا وَمِنْ هَؤُلَاءِ إِلَى هَؤُلَاءِ كَذَلِكَ وَوَرَّى وَكَذَا فِي الْحَرْبِ بِأَنْ يَقُولَ لِعَدُوِّهِ مَاتَ إِمَامُكُمُ الْأَعْظَمُ وَيَنْوِي إِمَامَهُمْ فِي الْأَزْمَانِ الْمَاضِيَةِ أَوْ غَدًا يَأْتِينَا مَدَدٌ أَيْ طَعَامٌ وَنَحْوُهُ هَذَا مِنَ الْمَعَارِيضِ الْمُبَاحَةِ فَكُلُّ هذا جائز وتأولوا قصة ابراهيم ويوسف وماجاء مِنْ هَذَا عَلَى الْمَعَارِيضِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَأَمَّا كَذِبُهُ لِزَوْجَتِهِ وَكَذِبُهَا لَهُ فَالْمُرَادُ بِهِ فِي إِظْهَارِ الْوُدِّ وَالْوَعْدِ بِمَا لَا يَلْزَمُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَأَمَّا الْمُخَادَعَةُ فِي مَنْعِ مَا عَلَيْهِ أو عليها أو أخذ ماليس لَهُ أَوْ لَهَا فَهُوَ حَرَامٌ بِإِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ والله اعلم

(16/158)


(بَاب تَحْرِيمِ النَّمِيمَةِ)
وَهِيَ نَقْلُ كَلَامِ النَّاسِ بَعْضِهِمْ إِلَى بَعْضٍ عَلَى جِهَةِ الْإِفْسَادِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2606] (أَلَا أُنَبِّئُكُمْ مَا الْعَضْهُ هِيَ النَّمِيمَةُ الْقَالَةُ بَيْنَ النَّاسِ) هَذِهِ اللَّفْظَةُ رَوَوْهَا عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا الْعِضَهُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ عَلَى وَزْنِ الْعِدَةِ وَالزِّنَةِ وَالثَّانِي الْعَضْهُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَإِسْكَانِ الضَّادِ عَلَى وَزْنِ الْوَجْهِ وَهَذَا الثَّانِي هُوَ الْأَشْهَرُ فِي رِوَايَاتِ بِلَادِنَا وَالْأَشْهَرُ فِي كُتُبِ الْحَدِيثِ وَكُتُبِ غَرِيبِهِ وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ فِي كُتُبِ اللُّغَةِ وَنَقَلَ الْقَاضِي أَنَّهُ رِوَايَةُ أَكْثَرِ شُيُوخِهِمْ وَتَقْدِيرُ الْحَدِيثِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَلَا أُنَبِّئكُمْ مَا الْعَضْهُ الْفَاحِشُ الْغَلِيظُ التَّحْرِيمُ

(16/159)


(بَاب قُبْحِ الْكَذِبِ وَحُسْنِ الصِّدْقِ وَفَضْلِهِ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2607] (إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ أَنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ الْخَالِصِ مِنْ كُلِّ مَذْمُومٍ وَالْبِرُّ اسْمٌ جَامِعٌ لِلْخَيْرِ كُلِّهِ وَقِيلَ الْبِرُّ الْجَنَّةُ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَنَاوَلَ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَالْجَنَّةَ وَأَمَّا الْكَذِبُ فَيُوصِلُ إِلَى الْفُجُورِ وهوالميل عَنِ الِاسْتِقَامَةِ وَقِيلَ الِانْبِعَاثُ فِي الْمَعَاصِي قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا) وَفِي رِوَايَةٍ لِيَتَحَرَّى الصِّدْقَ وَلِيَتَحَرَّى الْكَذِبَ وَفِي رِوَايَةٍ عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا فِيهِ حَثٌّ عَلَى تَحَرِّي الصِّدْقِ وَهُوَ قَصْدُهُ وَالِاعْتِنَاءِ بِهِ وَعَلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الْكَذِبِ وَالتَّسَاهُلِ فِيهِ فَإِنَّهُ إِذَا تَسَاهَلَ فِيهِ كَثُرَ مِنْهُ فَعُرِفَ بِهِ وَكَتَبَهُ اللَّهُ لِمُبَالَغَتِهِ صِدِّيقًا إِنِ اعْتَادَهُ أَوْ كَذَّابًا إِنِ اعْتَادَهُ وَمَعْنَى يُكْتَبُ هُنَا يُحْكَمُ لَهُ بِذَلِكَ وَيَسْتَحِقُّ الْوَصْفَ بِمَنْزِلَةِ الصِّدِّيقِينَ وَثَوَابِهِمْ أَوْ صِفَةِ الْكَذَّابِينَ وَعِقَابِهِمْ وَالْمُرَادُ إِظْهَارُ ذَلِكَ لِلْمَخْلُوقِينَ إِمَّا بِأَنْ يَكْتُبَهُ فِي ذَلِكَ لِيَشْتَهِرَ بِحَظِّهِ مِنَ الصِّفَتَيْنِ فِي الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَإِمَّا بِأَنْ يُلْقِيَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِ النَّاسِ وَأَلْسِنَتِهِمْ كما يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ وَالْبَغْضَاءُ وَإِلَّا فَقَدَرُ اللَّهِ تعالى

(16/160)


وكتابه السابق قد سبق بِكُلِّ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَوْجُودَ فِي جَمِيعِ نُسَخِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ بِبِلَادِنَا وَغَيْرِهَا أَنَّهُ لَيْسَ فِي مَتْنِ الْحَدِيثِ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ النُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْحُمَيْدِيُّ وَنَقَلَ أَبُو مَسْعُودٍ الدِّمَشْقِيُّ عن كتاب مسلم في حديث بن مثنى وبن بَشَّارٍ زِيَادَةً وَإِنَّ شَرَّ الرَّوَايَا رَوَايَا الْكَذِبِ وإن الكذب لا يصلح منه جدولا هَزْلٌ وَلَا يَعِدِ الرَّجُلُ صَبِيَّهُ ثُمَّ يُخْلِفْهُ وَذَكَرَ أَبُو مَسْعُودٍ أَنَّ مُسْلِمًا رَوَى هَذِهِ الزِّيَادَةِ فِي كِتَابِهِ وَذَكَرَهَا أَيْضًا أَبُو بَكْرٍ الْبُرْقَانِيُّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ وَلَيْسَتْ عِنْدَنَا فِي كِتَابِ مُسْلِمٍ قَالَ الْقَاضِي الرَّوَايَا هُنَا جَمْعُ رَوِيَّةٍ وَهِيَ مَا يَتَرَوَّى فِيهِ الانسان ويستعد به أَمَامَ عَمَلِهِ وَقَوْلُهُ قَالَ وَقِيلَ جَمْعُ رَاوِيَةٍ أي حامل وناقل له والله اعلم

(باب فضل من يملك نفسه عند الغضب وبأي شئ يذهب الغضب)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2608] (مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبُ فِيكُمْ قَالَ قُلْنَا الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ قَالَ لَيْسَ ذَلِكَ بِالرَّقُوبِ وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي لَمْ يُقَدِّمْ مِنْ وَلَدِهِ شَيْئًا قَالَ فَمَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُمْ قُلْنَا الَّذِي لَا يصرعه

(16/161)


الرِّجَالُ قَالَ لَيْسَ بِذَلِكَ وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ) أَمَّا الرَّقُوبُ فَبِفَتْحِ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ وَالصُّرَعَةُ بِضَمِّ الصَّادِ وَفَتْحِ الرَّاءِ وَأَصْلُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي يَصْرَعُ النَّاسَ كَثِيرًا وَأَصْلُ الرَّقُوبِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الَّذِي لَا يَعِيشُ لَهُ وَلَدٌ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّكُمْ تَعْتَقِدُونَ أَنَّ الرَّقُوبَ الْمَحْزُونَ هُوَ الْمُصَابُ بِمَوْتِ أَوْلَادِهِ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ شَرْعًا بَلْ هُوَ مَنْ لَمْ يَمُتْ أَحَدٌ مِنْ أَوْلَادِهِ فِي حَيَاتِهِ فَيَحْتَسِبُهُ يُكْتَبُ لَهُ ثَوَابُ مُصِيبَتِهِ بِهِ وَثَوَابُ صَبْرِهِ عَلَيْهِ وَيَكُونُ لَهُ فَرَطًا وَسَلَفًا وَكَذَلِكَ تَعْتَقِدُونَ أَنَّ الصُّرَعَةَ الْمَمْدُوحُ الْقَوِيُّ الْفَاضِلُ هُوَ الْقَوِيُّ الَّذِي لَا يَصْرَعُهُ الرِّجَالُ بَلْ يَصْرَعُهُمْ وَلَيْسَ هُوَ كَذَلِكَ شَرْعًا بَلْ هُوَ مَنْ يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ فَهَذَا هُوَ الْفَاضِلُ الْمَمْدُوحُ الَّذِي قَلَّ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى التَّخَلُّقِ بِخُلُقِهِ وَمُشَارَكَتِهِ فِي فَضِيلَتِهِ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ وَفِي الْحَدِيثِ فَضْلُ مَوْتِ الْأَوْلَادِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِمْ وَيَتَضَمَّنُ الدَّلَالَةَ لِمَذْهَبِ مَنْ يَقُولُ بِتَفْضِيلِ التَّزَوُّجِ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ أَصْحَابِنَا وَسَبَقَتِ الْمَسْأَلَةُ فِي النِّكَاحِ وَفِيهِ كَظْمُ الْغَيْظِ وَإِمْسَاكُ النَّفْسِ عِنْدَ الْغَضَبِ

(16/162)


عَنِ الِانْتِصَارِ وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُنَازَعَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الَّذِي اشْتَدَّ غَضَبُهُ

[2610] (إِنِّي لَأَعْرِفُ كَلِمَةً لَوْ قَالَهَا لَذَهَبَ عَنْهُ الَّذِي يَجِدُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) فِيهِ أَنَّ الْغَضَبَ فِي غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى مِنْ نَزْغِ الشَّيْطَانِ وَأَنَّهُ يَنْبَغِي لِصَاحِبِ الْغَضَبِ أَنْ يَسْتَعِيذَ فَيَقُولَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَأَنَّهُ سَبَبٌ لِزَوَالِ الْغَضَبِ وَأَمَّا قَوْلُ هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي اشْتَدَّ غَضَبُهُ هَلْ تَرَى بِي مِنْ جُنُونٍ فَهُوَ كَلَامُ مَنْ لَمْ يُفَقَّهْ فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَمْ يَتَهَذَّبْ بِأَنْوَارِ الشَّرِيعَةِ الْمُكَرَّمَةِ وَتَوَهَّمَ أَنَّ الِاسْتِعَاذَةَ مُخْتَصَّةٌ بِالْمَجْنُونِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ الْغَضَبَ مِنْ نَزَغَاتِ الشَّيْطَانِ وَلِهَذَا يَخْرُجُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنِ اعْتِدَالِ حَالِهِ وَيَتَكَلَّمُ بِالْبَاطِلِ وَيَفْعَلُ الْمَذْمُومَ وَيَنْوِي الْحِقْدَ وَالْبُغْضَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْقَبَائِحِ الْمُتَرَتِّبَةِ عَلَى الْغَضَبِ وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قال له أوصني لَا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ مِرَارًا قَالَ لَا تَغْضَبْ فَلَمْ يَزِدْهُ فِي الْوَصِيَّةِ عَلَى لَا تَغْضَبْ مَعَ تَكْرَارِهِ الطَّلَبَ وَهَذَا دَلِيلٌ ظَاهِرٌ فِي عِظَمِ مَفْسَدَةِ الْغَضَبِ وَمَا يَنْشَأُ مِنْهُ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ هَلْ تَرَى بِي مِنْ جُنُونٍ كَانَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ أَوْ مِنْ جُفَاةِ الاعراب والله اعلم

(16/163)


(باب خلق الانسان خلقا لا يتمالك)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2611] (يُطِيفُ بِهِ) قال اهل اللغة طاف بالشئ يَطُوفُ طَوْفًا وَطَوَافًا وَأَطَافَ يُطِيفُ إِذَا اسْتَدَارَ حَوَالَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ) عَلِمَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَكُ الْأَجْوَفُ صَاحِبُ الْجَوْفِ وَقِيلَ هُوَ الَّذِي دَاخِلُهُ خَالٍ وَمَعْنَى لَا يَتَمَالَكُ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ وَيَحْبِسُهَا عَنِ الشَّهَوَاتِ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُ دَفْعَ الْوَسْوَاسِ عَنْهُ وَقِيلَ لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ عِنْدَ الْغَضَبِ وَالْمُرَادُ جِنْسُ بَنِي آدَمَ

(16/164)


(بَاب النَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2612] (إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبْ) وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يَلْطِمَنَّ الْوَجْهَ وَفِي رِوَايَةٍ إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيَجْتَنِبِ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ هَذَا تَصْرِيحٌ بِالنَّهْيِ عَنْ ضَرْبِ الْوَجْهِ لِأَنَّهُ لَطِيفٌ يَجْمَعُ الْمَحَاسِنَ وَأَعْضَاؤُهُ نَفِيسَةٌ لَطِيفَةٌ وَأَكْثَرُ الْإِدْرَاكِ بِهَا فَقَدْ يُبْطِلُهَا ضَرْبُ الْوَجْهِ وَقَدْ يَنْقُصُهَا وقد يشوه الوجه والشين فيه فاحش لانه بَارِزٌ ظَاهِرٌ لَا يُمْكِنُ سَتْرُهُ وَمَتَى ضَرَبَهُ لَا يَسْلَمُ مِنْ شَيْنٍ غَالِبًا وَيَدْخُلُ فِي النَّهْيِ إِذَا ضَرَبَ زَوْجَتَهُ أَوْ وَلَدَهُ أَوْ عبده ضرب تأديب فليجتنب الوجه وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

(16/165)


(فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ) فَهُوَ مِنْ أَحَادِيثِ الصِّفَاتِ وَقَدْ سَبَقَ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بَيَانُ حُكْمِهَا وَاضِحًا وَمَبْسُوطًا وَأَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ يُمْسِكُ عَنْ تَأْوِيلِهَا وَيَقُولُ نُؤْمِنُ بِأَنَّهَا حَقٌّ وَأَنَّ ظَاهِرَهَا غَيْرُ مُرَادٍ وَلَهَا مَعْنًى يَلِيقُ بِهَا وَهَذَا مَذْهَبُ جُمْهُورِ السَّلَفِ وَهُوَ أَحْوَطُ وَأَسْلَمُ وَالثَّانِي أَنَّهَا تُتَأَوَّلُ عَلَى حَسَبِ مَا يَلِيقُ بِتَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى وَأَنَّهُ ليس كمثله شئ قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا الْحَدِيثُ بِهَذَا اللَّفْظِ ثَابِتٌ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَةِ الرَّحْمَنِ وَلَيْسَ بِثَابِتٍ عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَكَأَنَّ مَنْ نَقَلَهُ رَوَاهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي وَقَعَ لَهُ وَغَلِطَ فِي ذَلِكَ قَالَ الْمَازِرِيُّ وَقَدْ غلط بن قُتَيْبَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فَأَجْرَاهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وقال لِلَّهِ تَعَالَى صُورَةٌ لَا كَالصُّوَرِ وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ ظَاهِرُ الْفَسَادِ لِأَنَّ الصُّورَةَ تُفِيدُ التَّرْكِيبَ وكل مركب محدث والله تعالى ليس بمحدث فليس هُوَ مُرَكَّبًا فَلَيْسَ مُصَوَّرًا قَالَ وَهَذَا كَقَوْلِ الْمُجَسِّمَةِ جِسْمٌ لَا كَالْأَجْسَامِ لَمَّا رَأَوْا أَهْلَ السنة يقولون الباري سبحانه وتعالى شئ لَا كَالْأَشْيَاءِ طَرَدُوا الِاسْتِعْمَالَ فَقَالُوا جِسْمٌ لَا كالاجسام والفرق أن لفظ شئ لَا يُفِيدُ الْحُدُوثَ وَلَا يَتَضَمَّنُ مَا يَقْتَضِيهِ وَأَمَّا جِسْمٌ وَصُورَةٌ فَيَتَضَمَّنَانِ التَّأْلِيفَ وَالتَّرْكِيبَ وَذَلِكَ دليل الحدوث قال العجب من بن قُتَيْبَةَ فِي قَوْلِهِ صُورَةٌ لَا كَالصُّوَرِ مَعَ أَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ عَلَى رَأْيهِ يَقْتَضِي خَلْقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ فَالصُّورَتَانِ عَلَى رَأْيهِ سَوَاءٌ فَإِذَا قَالَ لَا كَالصُّوَرِ تَنَاقَضَ قَوْلُهُ وَيُقَالُ لَهُ أَيْضًا إِنْ أَرَدْتَ بِقَوْلِكَ صُورَةٌ لَا كَالصُّوَرِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمُؤَلَّفٍ وَلَا مُرَكَّبٍ فَلَيْسَ بصورة حقيقة وَلَيْسَتِ اللَّفْظَةُ عَلَى ظَاهِرِهَا وَحِينَئِذٍ يَكُونُ مُوَافِقًا عَلَى افْتِقَارِهِ إِلَى التَّأْوِيلِ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي تَأْوِيلِهِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ الضَّمِيرُ فِي صُورَتِهِ عَائِدٌ عَلَى الْأَخِ الْمَضْرُوبِ وَهَذَا ظَاهِرُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَعُودُ إِلَى آدَمَ وَفِيهِ ضَعْفٌ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَيَكُونُ الْمُرَادُ إِضَافَةَ تَشْرِيفٍ وَاخْتِصَاصٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى نَاقَةَ الله وَكَمَا يُقَالُ فِي الْكَعْبَةِ بَيْتُ اللَّهِ وَنَظَائِرُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا قَتَادَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ مَالِكٍ الْمَرَاغِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) الْمَرَاغِيِّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَبِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ مَنْسُوبٌ إِلَى الْمَرَاغَةِ بَطْنٍ مِنَ الْأَزْدِ

(16/166)


لَا إِلَى الْبَلَدِ الْمَعْرُوفَةِ بِالْمَرَاغَةِ مِنْ بِلَادِ الْعَجَمِ وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ مِنْ ضَبْطِهِ وَأَنَّهُ مُنْتَسِبٌ إِلَى بَطْنٍ مِنَ الْأَزْدِ هُوَ الصَّحِيحُ المشهور ولم يذكر الجمهور غيره وذكر بن جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَى مَوْضِعٍ بِنَاحِيَةِ عُمَانَ وَذَكَرَ الْحَافِظُ عَبْدُ الْغَنِيِّ الْمَقْدِسِيُّ أَنَّهُ الْمُرَاغِيُّ بِضَمِّ الْمِيمِ وَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ مِنَ النَّاسِخِ وَالْمَشْهُورُ الْفَتْحُ وَهُوَ الَّذِي صَرَّحَ بِهِ أَبُو عَلِيٍّ الْغَسَّانِيُّ الْجَيَّانِيُّ وَالْقَاضِي فِي الْمَشَارِقِ وَالسَّمْعَانِيُّ فِي الْأَنْسَابِ وَخَلَائِقُ وَهُوَ الْمَعْرُوفُ فِي الرِّوَايَةِ وَكُتُبِ الْحَدِيثِ قَالَ السَّمْعَانِيُّ وَقِيلَ إِنَّهُ بِكَسْرِ الْمِيمِ قَالَ وَالْمَشْهُورُ الْفَتْحُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَاب الْوَعِيدُ الشَّدِيدُ لِمَنْ عَذَّبَ النَّاسَ بِغَيْرِ حَقٍّ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2613] (إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ) هَذَا مَحْمُولٌ عَلَى التَّعْذِيبِ بِغَيْرِ حَقٍّ فَلَا يَدْخُلُ فِيهِ التَّعْذِيبُ بِحَقٍّ كَالْقِصَاصِ وَالْحُدُودِ وَالتَّعْزِيرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَوْلُهُ (أُنَاسٍ مِنَ الْأَنْبَاطِ) هُمْ فَلَّاحُو الْعَجَمِ قَوْلُهُ (وَأَمِيرُهُمْ يَوْمئِذٍ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدٍ) هَكَذَا هُوَ في معظم النسخ

(16/167)


عمير بالتصغير بن سَعْدٍ بِإِسْكَانِ الْعَيْنِ مِنْ غَيْرِ يَاءٍ وَفِي بَعْضِهَا عُمَيْرُ بْنُ سَعِيدٍ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَزِيَادَةِ يَاءٍ قَالَ الْقَاضِي الْأَوَّلُ هُوَ الْمَوْجُودُ لِأَكْثَرِ شُيُوخِنَا وَفِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَأَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَهُوَ الصَّوَابُ وَهُوَ عُمَيْرُ بْنُ سَعْدِ بْنِ عُمَيْرٍ الْأَنْصَارِيُّ الْأَوْسِيُّ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ وَلَّاهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ حِمْصَ وَكَانَ يُقَالُ لَهُ يُسَبِّحُ وَجَدُّهُ أَبُو زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ أَحَدُ الَّذِينَ جَمَعُوا الْقُرْآنَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ أَمِيرُهُمْ عَلَى فِلَسْطِينَ) هِيَ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَفَتْحِ اللَّامِ وَهِيَ بِلَادُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَمَا حَوْلَهَا قَوْلُهُ (فَأَمَرَ بِهِمْ فَخُلُّوا) ضَبَطُوهُ بالخاء المعجمة والمهملة والمعجمة أشهر وأحسن

(16/168)


(باب أمر من مر بسلاح في مسجد أو سوق أو غيرهما)
من المواضع الجامعة للناس أن يمسك بنصالها قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2614]

[2615] (لِلَّذِي يَمُرُّ بِالنَّبْلِ فِي الْمَسْجِدِ فَلْيُمْسِكْ عَلَى نِصَالِهَا لِئَلَّا يُصِيبَ بِهَا أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ) فِيهِ هَذَا الْأَدَبُ وَهُوَ الْإِمْسَاكُ بِنِصَالِهَا عِنْدَ إِرَادَةِ الْمُرُورِ بَيْنَ النَّاسِ فِي مَسْجِدٍ أَوْ سُوقٍ أَوْ غَيْرِهِمَا وَالنُّصُولُ وَالنِّصَالُ جَمْعُ نَصْلٍ وَهُوَ حَدِيدَةُ السَّهْمِ وَفِيهِ اجْتِنَابُ كُلِّ مَا يُخَافُ مِنْهُ ضَرَرٌ وَأَمَّا قَوْلُ أَبِي مُوسَى سَدَّدْنَاهَا بَعْضُنَا فِي وُجُوهِ بَعْضٍ أَيْ قَوَّمْنَاهَا إِلَى وُجُوهِهِمْ وَهُوَ بِالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ السَّدَادِ وَهُوَ الْقَصْدُ والاستقامة

(باب النهي عن الاشارة بالسلاح إلى مسلم)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2616] (مَنْ أَشَارَ إِلَى أَخِيهِ بِحَدِيدَةٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ

(16/169)


لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ) فِيهِ تَأْكِيدُ حُرْمَةِ الْمُسْلِمِ وَالنَّهْيُ الشَّدِيدُ عَنْ تَرْوِيعِهِ وَتَخْوِيفِهِ وَالتَّعَرُّضِ لَهُ بِمَا قَدْ يُؤْذِيهِ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنْ كَانَ أَخَاهُ لِأَبِيهِ وَأُمِّهِ مُبَالَغَةٌ فِي إِيضَاحِ عُمُومِ النَّهْيِ فِي كُلِّ أَحَدٍ سَوَاءٌ مَنْ يُتَّهَمُ فِيهِ وَمَنْ لَا يُتَّهَمُ وَسَوَاءٌ كَانَ هَذَا هَزْلًا وَلَعِبًا أَمْ لَا لِأَنَّ تَرْوِيعَ الْمُسْلِمِ حَرَامٌ بِكُلِّ حَالٍ وَلِأَنَّهُ قَدْ يَسْبِقُهُ السِّلَاحُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى وَلَعْنُ الْمَلَائِكَةِ لَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ حَرَامٌ وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ تَلْعَنُهُ حَتَّى وَإِنْ كَانَ هَكَذَا فِي عَامَّةِ النُّسَخِ وَفِيهِ مَحْذُوفٌ وَتَقْدِيرُهُ حَتَّى يَدَعَهُ وَكَذَا وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2617] (لَا يُشِيرُ أَحَدُكُمْ إِلَى أَخِيهِ بِالسِّلَاحِ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي أَحَدُكُمْ لَعَلَّ الشيطان ينزع في يده) هكذا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ لَا يُشِيرُ بِالْيَاءِ بَعْدَ الشِّينِ وَهُوَ صَحِيحٌ وَهُوَ نَهْيٌ بِلَفْظِ الخبر كقوله تعالى لا تضار والدة وَقَدْ قَدَّمْنَا مَرَّاتٍ أَنَّ هَذَا أَبْلَغُ مِنْ لفظ النهي ولعل الشَّيْطَانَ يَنْزِعُ ضَبَطْنَاهُ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ

(16/170)


رِوَايَاتِ مُسْلِمٍ وَكَذَا هُوَ فِي نُسَخِ بِلَادِنَا وَمَعْنَاهُ يَرْمِي فِي يَدِهِ وَيُحَقِّقُ ضَرْبَتَهُ وَرَمْيَتَهُ وَرُوِيَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ بِمَعْنَى الْإِغْرَاءِ أَيْ يَحْمِلُ عَلَى تَحْقِيقِ الضَّرْبِ بِهِ وَيُزَيَّنُ ذَلِكَ

(بَاب فَضْلِ إِزَالَةِ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ)
هَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ فِي الْبَابِ ظَاهِرَةٌ فِي فَضْلِ إِزَالَةِ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ سَوَاءٌ كَانَ الْأَذَى شَجَرَةً

[2617] تُؤْذِي أَوْ غُصْنَ شَوْكٍ أَوْ حَجَرًا يُعْثَرُ بِهِ أَوْ قَذَرًا أَوْ جِيفَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ وَإِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطريق من شعب الايمان كماسبق فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ وَفِيهِ التَّنْبِيهُ عَلَى فَضِيلَةِ كُلِّ مَا نَفَعَ الْمُسْلِمِينَ وَأَزَالَ عَنْهُمْ ضَرَرًا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ) أَيْ يَتَنَعَّمُ فِي الْجَنَّةِ بِمَلَاذِهَا بِسَبَبِ قَطْعِهِ الشَّجَرَةَ قَوْلُهُ

[2618] (عَنْ أَبَانِ بْنِ صَمْعَةَ قَالَ حَدَّثَنِي أَبُو الْوَازِعِ) أَمَّا أَبَانٌ فَقَدْ سَبَقَ فِي مُقَدِّمَةِ الْكِتَابِ أَنَّهُ يَجُوزُ صَرْفُهُ وَتَرْكُهُ وَالصَّرْفُ أَجْوَدُ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ وَصَمْعَةُ بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مِيمٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ عَيْنٍ مُهْمَلَةٍ قِيلَ إِنَّ أَبَانًا هَذَا هو والد عتبة الغلام الزاهد المشهور وابو الْوَازِعِ بِالْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ اسْمُهُ جَابِرُ بْنُ عَمْرٍو الرَّاسِبِيُّ بِكَسْرِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَبَعْدَهَا بَاءٌ

(16/171)


مُوَحَّدَةٌ وَهِيَ نِسْبَةٌ إِلَى بَنِي رَاسِبٍ قَبِيلَةٍ مَعْرُوفَةٍ نَزَلَتِ الْبَصْرَةَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (وَأَمِرَّ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ) هَكَذَا هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ وَكَذَا نَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ عَامَّةِ الرُّوَاةِ بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَمَعْنَاهُ أَزِلْهُ وَفِي بَعْضِهَا وَأَمِزِ بِزَايٍ مُخَفَّفَةٍ وَهِيَ بِمَعْنَى الْأَوَّلِ

(بَاب تَحْرِيمِ تَعْذِيبِ الْهِرَّةِ وَنَحْوِهَا مِنْ الْحَيَوَانِ الَّذِي لَا يُؤْذِي)

[2242] فِيهِ حَدِيثُ الْمَرْأَةِ وَقَدْ سَبَقَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ قَتْلِ الْحَيَّاتِ وَسَبَقَ هُنَاكَ أَنَّ خَشَاشَ الْأَرْضِ بِفَتْحِ الْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا أَيْ هَوَامَّهَا وَحَشَرَاتِهَا وَرُوِيَ عَلَى غَيْرِ هَذَا مِمَّا ذَكَرْنَاهُ هُنَاكَ

(16/172)


وَمَعْنَى عُذِّبَتْ فِي هِرَّةٍ أَيْ بِسَبَبِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2619] (مِنْ جَرَّاءِ هِرَّةٍ) أَيْ مِنْ أَجْلِهَا يُمَدُّ وَيُقْصَرُ يُقَالُ مِنْ جَرَّائِكَ وَمِنْ جَرَّاكَ وَجَرِيرِكَ وَأَجْلِكَ بِمَعْنًى قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (تُرَمْرِمُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ) هَكَذَا هُوَ فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ تُرَمْرِمُ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الثَّانِيَةِ وَفِي بَعْضِهَا تُرَمِّمُ بِضَمِّ التَّاءِ وَكَسْرِ الْمِيمِ الْأُولَى وَرَاءٍ وَاحِدَةٍ وَفِي بَعْضِهَا تَرَمَّمُ بِفَتْحِ التَّاءِ وَالْمِيمِ أَيْ تَتَنَاوَلُ ذَلِكَ بِشَفَتَيْهَا

(بَاب تَحْرِيمِ الْكِبْرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2620] (الْعِزُّ إِزَارُهُ وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ فَمَنْ يُنَازِعُنِي عَذَّبْتُهُ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ فَالضَّمِيرُ فِي إِزَارُهُ وَرِدَاؤُهُ يَعُودُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى لِلْعِلْمِ بِهِ وَفِيهِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَمَنْ يُنَازِعُنِي ذَلِكَ أُعَذِّبُهُ وَمَعْنَى يُنَازِعُنِي يَتَخَلَّقُ بِذَلِكَ فَيَصِيرُ فِي مَعْنَى الْمُشَارِكِ وَهَذَا وَعِيدٌ شَدِيدٌ فِي الْكِبْرِ مُصَرِّحٌ بِتَحْرِيمِهِ وَأَمَّا تَسْمِيَتُهُ إِزَارًا وَرِدَاءً فَمَجَازٌ وَاسْتِعَارَةٌ حَسَنَةٌ كَمَا تَقُولُ الْعَرَبُ فُلَانٌ شعاره)

(16/173)


الزُّهْدُ وَدِثَارُهُ التَّقْوَى لَا يُرِيدُونَ الثَّوْبَ الَّذِي هُوَ شِعَارٌ أَوْ دِثَارٌ بَلْ مَعْنَاهُ صِفَتُهُ كَذَا قَالَ الْمَازِرِيُّ وَمَعْنَى الِاسْتِعَارَةِ هُنَا أَنَّ الْإِزَارَ وَالرِّدَاءَ يُلْصَقَانِ بِالْإِنْسَانِ وَيَلْزَمَانِهِ وَهُمَا جَمَالٌ لَهُ قَالَ فَضَرَبَ ذَلِكَ مَثَلًا لِكَوْنِ الْعِزِّ وَالْكِبْرِيَاءِ بِاَللَّهِ تَعَالَى أَحَقَّ وَلَهُ أَلْزَمَ وَاقْتَضَاهُمَا جَلَالُهُ وَمِنْ مَشْهُورِ كَلَامِ الْعَرَبِ فُلَانٌ وَاسِعُ الرِّدَاءِ وَغَمِرُ الرِّدَاءِ أَيْ وَاسِعُ الْعَطِيَّةِ

(بَاب النَّهْيِ عَنْ تَقْنِيطِ الْإِنْسَانِ مِنْ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2621] (أَنَّ رَجُلًا قَالَ وَاَللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلَانٍ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ مَنْ ذَا الَّذِي يتألى على ان لا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ) مَعْنَى يَتَأَلَّى يَحْلِفُ وَالْأَلْيَةُ الْيَمِينُ وَفِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ فِي غُفْرَانِ الذُّنُوبِ بِلَا تَوْبَةٍ إِذَا شَاءَ اللَّهُ غُفْرَانَهَا وَاحْتَجَّتِ الْمُعْتَزِلَةُ بِهِ فِي إِحْبَاطِ الْأَعْمَالِ بِالْمَعَاصِي الْكَبَائِرِ وَمَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّهَا لَا تُحْبَطُ إِلَّا بِالْكُفْرِ وَيُتَأَوَّلُ حُبُوطُ عَمَلِ هَذَا عَلَى أَنَّهُ أُسْقِطَتْ حَسَنَاتُهُ فِي مُقَابَلَةِ سَيِّئَاتِهِ وَسُمِّيَ إِحْبَاطًا مَجَازًا وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَرَى مِنْهُ أَمْرٌ آخَرُ أَوْجَبَ الْكُفْرَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلَنَا وَكَانَ هَذَا حُكْمَهُمْ

(بَاب فَضْلِ الضُّعَفَاءِ وَالْخَامِلِينَ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2622] (رُبَّ أَشْعَثَ مَدْفُوعٍ بِالْأَبْوَابِ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ) الْأَشْعَثُ الْمُلَبَّدُ الشَّعْرِ الْمُغَبَّرُ غير مدهون ولا مرجل) ومدفوع بِالْأَبْوَابِ أَيْ لَا قَدْرَ لَهُ عِنْدَ النَّاسِ فهم يدفعونه

(16/174)


عَنْ أَبْوَابِهِمْ وَيَطْرُدُونَهُ عَنْهُمْ احْتِقَارًا لَهُ لَوْ أقسم على الله لأبره أي لو حلف على وقوع شئ أَوْقَعَهُ اللَّهُ إِكْرَامًا لَهُ بِإِجَابَةِ سُؤَالِهِ وَصِيَانَتِهِ مِنَ الْحِنْثِ فِي يَمِينِهِ وَهَذَا لِعِظَمِ مَنْزِلَتِهِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِنْ كَانَ حَقِيرًا عِنْدَ النَّاسِ وَقِيلَ مَعْنَى الْقَسَمِ هُنَا الدُّعَاءُ وَإِبْرَارُهُ إِجَابَتُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَاب النَّهْيِ عَنْ قَوْلِ هَلَكَ النَّاسُ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2623] (إِذَا قَالَ الرَّجُلُ هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ) روي أهلكهم على وَجْهَيْنِ مَشْهُورَيْنِ رَفْعُ الْكَافِ وَفَتْحُهَا وَالرَّفْعُ أَشْهَرُ وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّهُ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ رَوَيْنَاهَا فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ فِي تَرْجَمَةِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ فَهُوَ مِنْ أَهْلَكِهِمْ قَالَ الْحُمَيْدِيُّ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصَّحِيحَيْنِ الرَّفْعُ أَشْهَرُ وَمَعْنَاهَا أَشَدُّهُمْ هَلَاكًا وَأَمَّا رِوَايَةُ الْفَتْحِ فَمَعْنَاهَا هُوَ جَعَلَهُمْ هَالِكِينَ لَا أَنَّهُمْ هَلَكُوا فِي الْحَقِيقَةِ وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا الذَّمَّ إِنَّمَا هُوَ فِيمَنْ قَالَهُ عَلَى سَبِيلِ الْإِزْرَاءِ عَلَى النَّاسِ وَاحْتِقَارِهِمْ وَتَفْضِيلِ نَفْسِهِ عَلَيْهِمْ وَتَقْبِيحِ أَحْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ سِرَّ اللَّهِ فِي خَلْقِهِ قَالُوا فَأَمَّا مَنْ قَالَ ذَلِكَ تَحَزُّنًا لِمَا يَرَى فِي نَفْسِهِ وَفِي النَّاسِ مِنَ النَّقْصِ فِي أَمْرِ الدِّينِ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ لَا أَعْرِفُ مِنْ أُمَّةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمِيعًا هَكَذَا فَسَّرَهُ الْإِمَامُ مَالِكٌ وَتَابَعَهُ النَّاسُ عَلَيْهِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَاهُ لا يزال الرجل يعيب الناس وتذكر مَسَاوِيَهُمْ وَيَقُولُ فَسَدَ النَّاسُ وَهَلَكُوا وَنَحْوَ ذَلِكَ فإذا فعل

(16/175)


ذَلِكَ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ أَيْ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُمْ بِمَا يَلْحَقُهُ مِنَ الْإِثْمِ فِي عَيْبِهِمْ وَالْوَقِيعَةِ فِيهِمْ وَرُبَّمَا أَدَّاهُ ذَلِكَ إِلَى الْعُجْبِ بِنَفْسِهِ وَرُؤْيَتِهِ أَنَّهُ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَاب الْوَصِيَّةِ بِالْجَارِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ)
[2624]

[2625] فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ الْوَصِيَّةُ بِالْجَارِ وَبَيَانُ عِظَمِ حَقِّهِ وَفَضِيلَةُ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَفِي الْحَدِيثِ (فَأَصِبْهُمْ مِنْهُ بِمَعْرُوفٍ) أَيْ أَعْطِهِمْ مِنْهُ شَيْئًا

(16/176)


(بَاب اسْتِحْبَابِ طَلَاقَةِ الْوَجْهِ عِنْدَ اللِّقَاءِ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2626] (وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ) رُوِيَ طَلْقٍ عَلَى ثَلَاثَةِ أوجه اسكان اللام وكسرها وطليق بِزِيَادَةِ يَاءٍ وَمَعْنَاهُ سَهْلٌ مُنْبَسِطٌ فِيهِ الْحَثُّ عَلَى فَضْلِ الْمَعْرُوفِ وَمَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَإِنْ قَلَّ حَتَّى طَلَاقَةُ الْوَجْهِ عِنْدَ اللِّقَاءِ

(بَاب اسْتِحْبَابِ الشَّفَاعَةِ فِيمَا لَيْسَ بِحَرَامٍ)
[2627] فِيهِ اسْتِحْبَابُ الشَّفَاعَةِ لِأَصْحَابِ الْحَوَائِجِ الْمُبَاحَةِ سَوَاءٌ كَانَتِ الشَّفَاعَةُ إِلَى سُلْطَانٍ وَوَالٍ وَنَحْوِهِمَا أَمْ إِلَى وَاحِدٍ مِنَ النَّاسِ وَسَوَاءٌ كَانَتِ الشَّفَاعَةُ إِلَى سُلْطَانٍ فِي كَفِّ ظُلْمٍ أَوْ إِسْقَاطِ تَعْزِيرٍ أَوْ في

(16/177)


تخليص عطاء لمحتاج أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ وَأَمَّا الشَّفَاعَةُ فِي الْحُدُودِ فَحَرَامٌ وَكَذَا الشَّفَاعَةُ فِي تَتْمِيمِ بَاطِلٍ أَوْ إِبْطَالِ حَقٍّ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَهِيَ حَرَامٌ

(بَاب استحباب مجالسة الصالحين ومجانبة قرناء السواء)
فِيهِ تَمْثِيلُهُ

[2628] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَلِيسَ الصَّالِحَ بِحَامِلِ الْمِسْكِ وَالْجَلِيسَ السُّوءِ بِنَافِخِ الْكِيرِ وَفِيهِ فَضِيلَةُ مُجَالَسَةِ الصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ وَالْمُرُوءَةِ وَمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ وَالْوَرَعِ وَالْعِلْمِ وَالْأَدَبِ وَالنَّهْيُ عَنْ مُجَالَسَةِ أَهْلِ الشَّرِّ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَمَنْ يَغْتَابُ النَّاسَ أَوْ يَكْثُرُ فُجْرُهُ وَبَطَالَتُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ مِنَ الْأَنْوَاعِ الْمَذْمُومَةِ وَمَعْنَى (يُحْذِيَكَ) يُعْطِيكَ وَهُوَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالذَّالِ وَفِيهِ طَهَارَةُ الْمِسْكِ وَاسْتِحْبَابِهِ وَجَوَازُ بَيْعِهِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى جَمِيعِ هَذَا وَلَمْ يُخَالِفْ فِيهِ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ وَنُقِلَ عَنِ الشِّيعَةِ نَجَاسَتُهُ وَالشِّيعَةُ لَا يُعْتَدُّ بِهِمْ فِي الْإِجْمَاعِ وَمِنَ الدَّلَائِلِ عَلَى طَهَارَتِهِ الْإِجْمَاعُ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم واما أن يبتاع مِنْهُ وَالنَّجَسُ لَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ فِي بَدَنِهِ وَرَأْسِهِ وَيُصَلِّي بِهِ وَيُخْبِرُ أَنَّهُ أَطْيَبُ الطِّيبِ ولم يَزَلِ الْمُسْلِمُونَ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ وَجَوَازِ بَيْعِهِ قَالَ الْقَاضِي وَمَا رُوِيَ مِنْ كَرَاهَةِ الْعُمَرَيْنِ لَهُ فَلَيْسَ فِيهِ نَصٌّ مِنْهُمَا عَلَى نَجَاسَتِهِ وَلَا صَحَّتِ الرِّوَايَةُ عَنْهُمَا بِالْكَرَاهَةِ بَلْ صَحَّتْ قِسْمَةُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمِسْكَ عَلَى نِسَاءِ الْمُسْلِمِينَ والمعروف عن بن عُمَرَ اسْتِعْمَالُهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(16/178)


(بَاب فَضْلِ الْإِحْسَانِ إِلَى الْبَنَاتِ)
فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ فَضْلُ الْإِحْسَانِ إِلَى الْبَنَاتِ وَالنَّفَقَةُ عَلَيْهِنَّ وَالصَّبْرُ عَلَيْهِنَّ وَعَلَى سَائِرِ أُمُورِهِنَّ قَوْلُهُ0ابْنُ بَهْرَامَ) هُوَ بِفَتْحِ الْبَاءِ وَكَسْرِهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2629] (مَنِ ابْتُلِيَ مِنَ الْبَنَاتِ بشئ) إِنَّمَا سَمَّاهُ ابْتِلَاءً لِأَنَّ النَّاسَ يَكْرَهُونَهُنَّ فِي العادة قال اللَّهُ تَعَالَى وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وجهه مسودا وهو كظيم قَوْلُهُ

[2630] (إِنَّ زِيَادَ بْنَ أَبِي زِيَادٍ مَوْلَى بن عَيَّاشٍ حَدَّثَهُ عَنْ عِرَاكٍ) هُوَ عَيَّاشٌ بِالْمُثَنَّاةِ وَالشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ زِيَادُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ واسم أَبِي زِيَادٍ مَيْثَرَةُ الْمَدَنِيُّ الْمَخْزُومِيُّ

(16/179)


مولى عبد الله بن عياش بالمعجمة بن أَبِي رَبِيعَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2631] (مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ حَتَّى تَبْلُغَا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ وَضَمَّ أَصَابِعَهُ) وَمَعْنَى عَالَهُمَا قَامَ عَلَيْهِمَا بِالْمُؤْنَةِ وَالتَّرْبِيَةِ وَنَحْوِهِمَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْعَوْلِ وَهُوَ الْقُرْبُ وَمِنْهُ ابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَمَعْنَاهُ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ

(بَاب فَضْلِ مَنْ يَمُوتُ لَهُ وَلَدٌ فَيَحْتَسِبَهُ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2632] (لا يموت لِأَحَدٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ فَتَمَسُّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ) قَالَ الْعُلَمَاءُ تَحِلَّةَ الْقَسَمِ مَا يَنْحَلُّ بِهِ الْقَسَمُ وَهُوَ الْيَمِينُ وَجَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُرَادَ قَوْلُهُ تعالى وإن منكم إلا واردها وَبِهَذَا قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ وَالْقَسَمُ مُقَدَّرٌ أَيْ وَاَللَّهِ إِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا وَقِيلَ الْمُرَادُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ وقال بن قتيبة معناه تقليل مدة ورودها قَالَ وَتَحِلَّةُ الْقَسَمِ تُسْتَعْمَلُ فِي هَذَا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَقِيلَ تَقْدِيرُهُ وَلَا تَحِلَّةُ الْقَسَمِ

(16/180)


أَيْ لَا تَمَسُّهُ أَصْلًا وَلَا قَدْرًا يَسِيرًا كَتَحِلَّةِ الْقَسَمِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى وَإِنْ مِنْكُمْ إلا واردها الْمُرُورُ عَلَى الصِّرَاطِ وَهُوَ جِسْرٌ مَنْصُوبٌ عَلَيْهَا وَقِيلَ الْوُقُوفُ عِنْدَهَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2633] (ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ ثُمَّ سُئِلَ عَنِ الِاثْنَيْنِ) فَقَالَ وَاثْنَيْنِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ أُوحِيَ بِهِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ

(16/181)


سُؤَالِهَا أَوْ قَبْلِهُ وَقَدْ جَاءَ فِي غَيْرِ مُسْلِمٍ وَوَاحِدًا قَوْلُهُ

[2634] (لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ) أَيْ لَمْ يَبْلُغُوا سِنَّ التَّكْلِيفِ الَّذِي يُكْتَبُ فِيهِ الْحِنْثُ وَهُوَ الْإِثْمُ قَوْلُهُ

[2635] (صِغَارُهُمْ دَعَامِيصُ الْجَنَّةِ) هُوَ بِالدَّالِ وَالْعَيْنِ وَالصَّادِ الْمُهْمَلَاتِ وَاحِدُهُمْ دُعْمُوصٍ بِضَمِّ الدَّالِ أَيْ صِغَارُ أَهْلِهَا وَأَصْلُ الدُّعْمُوصِ دُوَيْبَّةٌ تَكُونُ فِي الْمَاءِ لَا تُفَارِقُهُ أَيْ أَنَّ هَذَا الصَّغِيرَ فِي الْجَنَّةِ لَا يُفَارِقُهَا وَقَوْلُهُ (بِصَنِفَةِ ثَوْبكَ) هُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَكَسْرِ النُّونِ وَهُوَ طَرَفُهُ وَيُقَالُ لَهَا أَيْضًا صَنِيفَةٌ قوله0فَلَا يَتَنَاهَى) أَوْ قَالَ يَنْتَهِي حَتَّى يُدْخِلُهُ الله وأباه الجنة يتناهى

(16/182)


وَيَنْتَهِي بِمَعْنًى أَيْ لَا يَتْرُكُهُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2636] (لَقَدْ احْتَظَرْتِ بِحِظَارٍ شَدِيدٍ مِنَ النَّارِ) أَيْ امْتَنَعْتِ بِمَانِعٍ وَثِيقٍ وَأَصْلُ الْحَظْرِ الْمَنْعُ وَأَصْلُ الْحِظَارِ بِكَسْرِ الْحَاءِ وَفَتْحِهَا مَا يُجْعَلُ حَوْلَ الْبُسْتَانِ وَغَيْرِهِ مِنْ قُضْبَانٍ وغيرها كالحائط وفي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ دَلِيلٌ عَلَى كَوْنِ أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي الْجَنَّةِ وَقَدْ نَقَلَ جَمَاعَةٌ فِيهِمْ إِجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ الْمَازِرِيُّ أَمَّا أَوْلَادُ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ فَالْإِجْمَاعُ مُتَحَقِّقٌ عَلَى أَنَّهُمْ في الجنة واما أَطْفَالُ مَنْ سِوَاهُمْ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ فَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْقَطْعِ لَهُمْ بِالْجَنَّةِ وَنَقَلَ جَمَاعَةٌ الْإِجْمَاعَ فِي كَوْنِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ قَطْعًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَاَلَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بهم ذريتهم وَتَوَقَّفَ بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينِ فِيهَا وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ لَهُمْ كَالْمُكَلَّفِينَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا أَمَرَ جِبْرِيلَ فَأَحَبَّهُ وَأَحَبَّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ)
ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ وَذَكَرَ فِي الْبُغْضِ نَحْوَهُ قَالَ الْعُلَمَاءُ

[2637] مَحَبَّةُ اللَّهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ هِيَ إِرَادَتُهُ الْخَيْرَ لَهُ وَهِدَايَتُهُ وَإِنْعَامُهُ عَلَيْهِ

(16/183)


وَرَحْمَتُهُ وَبُغْضُهُ إِرَادَةَ عِقَابِهِ أَوْ شَقَاوَتِهِ وَنَحْوِهِ وَحُبُّ جِبْرِيلَ وَالْمَلَائِكَةِ يُحْتَمَلُ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا اسْتِغْفَارُهُمْ لَهُ وَثَنَاؤُهُمْ عَلَيْهِ وَدُعَاؤُهُمْ وَالثَّانِي أَنَّ مَحَبَّتَهُمْ عَلَى ظَاهِرِهَا الْمَعْرُوفِ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ وَهُوَ مَيْلُ الْقَلْبِ إِلَيْهِ وَاشْتِيَاقُهُ إِلَى لِقَائِهِ وَسَبَبُ حُبِّهِمْ إِيَّاهُ كَوْنُهُ مُطِيعًا لِلَّهِ تَعَالَى مَحْبُوبًا لَهُ وَمَعْنَى يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ أَيِ الْحُبُّ فِي قُلُوبِ النَّاسِ وَرِضَاهُمْ عَنْهُ فَتَمِيلُ إِلَيْهِ الْقُلُوبِ وَتَرْضَى عَنْهُ وَقَدْ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ فَتُوضَعُ لَهُ الْمَحَبَّةُ قَوْلُهُ (وَهُوَ عَلَى الْمَوْسِمِ) أَيْ أَمِيرُ الْحَجِيجِ

(16/184)


(بَاب الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

[2638] (الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ) قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ جُمُوعٌ مُجْتَمَعَةٌ أَوْ أَنْوَاعٌ مُخْتَلِفَةٌ وَأَمَّا تَعَارَفُهَا فَهُوَ لِأَمْرٍ جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهِ وَقِيلَ إِنَّهَا مُوَافَقَةُ صِفَاتِهَا الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ عَلَيْهَا وَتَنَاسُبُهَا فِي شِيَمِهَا وَقِيلَ لِأَنَّهَا خُلِقَتْ مُجْتَمِعَةً ثُمَّ فُرِّقَتْ فِي أَجْسَادِهَا فَمَنْ وَافَقَ بِشِيَمِهِ أَلِفَهُ وَمَنْ بَاعَدَهُ نَافَرَهُ وَخَالَفَهُ وَقَالَ الخطابي وغيره تآلفها هو ماخلقها اللَّهُ عَلَيْهِ مِنَ السَّعَادَةِ أَوِ الشَّقَاوَةِ فِي الْمُبْتَدَأِ وَكَانَتِ الْأَرْوَاحُ قِسْمَيْنِ مُتَقَابِلَيْنِ فَإِذَا تَلَاقَتِ الْأَجْسَادُ فِي الدُّنْيَا ائْتَلَفَتْ وَاخْتَلَفَتْ بِحَسَبِ مَا خُلِقَتْ عَلَيْهِ فَيَمِيلُ الْأَخْيَارُ إِلَى الْأَخْيَارِ وَالْأَشْرَارُ إلى الاشرار والله اعلم

(16/185)


(باب المرء مع من أحب)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلَّذِي سَأَلَهُ عن الساعة

[2639] 0ماأعددت لَهَا قَالَ حُبَّ اللَّهِ وَرَسُولَهُ قَالَ أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ) وَفِي

[2640]

[2641] رِوَايَاتٍ الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ فِيهِ فَضْلُ حُبِّ اللَّهِ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالصَّالِحِينَ وَأَهْلِ الْخَيْرِ الْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ وَمِنْ فَضْلِ مَحَبَّةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ امْتِثَالُ أَمْرِهِمَا وَاجْتِنَابُ نَهْيهِمَا وَالتَّأَدُّبُ بِالْآدَابِ الشَّرْعِيَّةِ وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الِانْتِفَاعِ بِمَحَبَّةِ الصَّالِحِينَ أَنْ يَعْمَلَ عَمَلَهُمْ إِذْ لَوْ عَمِلَهُ لَكَانَ مِنْهُمْ وَمِثْلَهُمْ وَقَدْ صُرِّحَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَ هَذَا بِذَلِكَ فَقَالَ أَحَبَّ قَوْمًا وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ لَمَّا نَفْيِ لِلْمَاضِي الْمُسْتَمِرِّ فَيَدُلُّ عَلَى نَفْيهِ فِي الْمَاضِي وَفِي الْحَالِ بِخِلَافِ لَمْ فَإِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى الْمَاضِي فَقَطْ ثُمَّ إِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ مَعَهُمْ أَنْ تَكُونَ مَنْزِلَتُهُ وَجَزَاؤُهُ مِثْلَهُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ قَوْلُهُ (مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَثِيرِ) ضَبَطُوهُ فِي الْمَوَاضِعِ كُلِّهَا مِنْ هَذِهِ الْأَحَادِيثِ بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَبِالْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهُمَا صَحِيحَانِ وَقَوْلُهُ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا كَثِيرَ صَلَاةٍ وَلَا صِيَامٍ ولا صدقة

(16/186)


أي غير الفرائض معناه ماأعددت لها كثير نافلة من صلاة ولاصيام وَلَا صَدَقَةٍ قَوْلُهُ (عِنْدَ سُدَّةِ

(16/187)


الْمَسْجِدِ) هِيَ الظِّلَالُ الْمُسَقَّفَةُ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ قَوْلُهُ (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ قَرْمٍ) هُوَ بِفَتْحِ الْقَافِ وَإِسْكَانِ الرَّاءِ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَكِنْ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ بَلْ ذَكَرَهُ مُتَابَعَةً وَقَدْ سَبَقَ أَنَّهُ يَذْكُرُ فِي الْمُتَابَعَةِ بَعْضَ الضُّعَفَاءِ والله اعلم

(16/188)


(بَاب إِذَا أُثْنِيَ عَلَى الصَّالِحِ فَهِيَ بُشْرَى وَلَا تَضُرُّهُ)
قَوْلُهُ

[2642] (أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ قَالَ تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى الْمُؤْمِنِ) وَفِي رِوَايَةٍ وَيُحِبُّهُ النَّاسُ عَلَيْهِ قَالَ الْعُلَمَاءُ مَعْنَاهُ هَذِهِ الْبُشْرَى الْمُعَجَّلَةُ لَهُ بِالْخَيْرِ وَهِيَ دَلِيلٌ عَلَى رِضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ وَمَحَبَّتِهِ لَهُ فَيُحَبِّبُهُ إِلَى الْخَلْقِ كَمَا سَبَقَ فِي الْحَدِيثِ ثُمَّ يُوضِعُ لَهُ الْقَبُولَ فِي الْأَرْضِ هَذَا كُلُّهُ إِذَا حَمِدَهُ النَّاسُ مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ مِنْهُ لِحَمْدِهِمْ وَإِلَّا فَالتَّعَرُّضُ مَذْمُومٌ