شرح النووي على
مسلم (كِتَاب الْعِلْمِ)
(بَاب النَّهْيِ عَنْ اتِّبَاعِ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ
وَالتَّحْذِيرِ مِنْ مُتَّبِعِيهِ)
وَالنَّهْيِ عَنْ الِاخْتِلَافِ فِي الْقُرْآنِ قَوْلُهُ
[2665] (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ
التُّسْتَرِيُّ) هُوَ بِضَمِّ التَّاءِ الْأُولَى وَأَمَّا
التَّاءُ الثَّانِيَةُ فَالصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ
(16/216)
فَتْحُهَا وَلَمْ يَذْكُرِ السَّمْعَانِيُّ
فِي كِتَابِهِ الْأَنْسَابِ وَالْحَازِمِيُّ فِي
الْمُؤْتَلِفِ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْمُحَقِّقِينَ
وَالْأَكْثَرُونَ غَيْرَهُ وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي
الْمَشَارِقِ أَنَّهَا مَضْمُومَةٌ كَالْأُولَى قَالَ
وَضَبَطَهَا الْبَاجِيُّ بِالْفَتْحِ قَالَ
السَّمْعَانِيُّ هِيَ بَلْدَةٌ مِنْ كُوَرِ الْأَهْوَازِ
مِنْ بِلَادِ خُورِسْتَانَ يَقُولُ لَهَا النَّاسُ شَتَرُ
بِهَا قَبْرُ الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُ الصَّحَابِيِّ أَخِي أَنَسٍ قَوْلُهَا (تَلَا
رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ
الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ
مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وأخر متشابهات إِلَى
آخِرِ الْآيَةِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ
يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ
سَمَّى اللَّهُ فَاحْذَرُوهُمْ) قَدِ اخْتَلَفَ
الْمُفَسِّرُونَ وَالْأُصُولِيُّونَ وَغَيْرُهُمْ فِي
الْمُحْكَمِ وَالْمُتَشَابِهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا قَالَ
الْغَزَالِيُّ فِي الْمُسْتَصْفَى إِذَا لَمْ يَرِدْ
تَوْقِيفٌ فِي تَفْسِيرِهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُفَسَّرَ
بِمَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ اللُّغَةِ وَتَنَاسُبُ اللَّفْظُ
مِنْ حَيْثُ الْوَضْعِ وَلَا يُنَاسِبُهُ قَوْلُ مَنْ
قَالَ الْمُتَشَابِهُ الْحُرُوفُ الْمُقَطَّعَةُ فِي
أَوَائِلِ السُّوَرِ وَالْمُحْكَمُ مَا سِوَاهُ وَلَا
قَوْلُهُمْ الْمُحْكَمُ مَا يَعْرِفُهُ الرَّاسِخُونَ فِي
الْعِلْمِ وَالْمُتَشَابِهُ مَا انْفَرَدَ اللَّهُ
تَعَالَى بِعِلْمِهِ وَلَا قَوْلُهُمْ الْمُحْكَمُ
الْوَعْدُ وَالْوَعِيدُ وَالْحَلَالُ وَالْحَرَامُ
وَالْمُتَشَابِهُ الْقَصَصُ وَالْأَمْثَالُ فَهَذَا
أَبْعَدُ الْأَقْوَالِ قَالَ بَلِ الصَّحِيحُ أَنَّ
الْمُحْكَمَ يَرْجِعُ إِلَى مَعْنَيَيْنِ أَحَدُهُمَا
الْمَكْشُوفُ الْمَعْنَى الَّذِي لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهِ
إِشْكَالٌ وَاحْتِمَالٌ وَالْمُتَشَابِهُ مَا يَتَعَارَضُ
فِيهِ الِاحْتِمَالِ وَالثَّانِي أَنَّ الْمُحْكَمَ مَا
انْتَظَمَ تَرْتِيبُهُ مُفِيدًا إِمَّا ظَاهِرًا وَإِمَّا
بِتَأْوِيلٍ وَأَمَّا الْمُتَشَابِهِ فَالْأَسْمَاءُ
الْمُشْتَرَكَةُ كَاَلْقُرْءِ وكالذي بيده عقدة النكاح
وكاللمس فَالْأَوَّلُ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْحَيْضِ
وَالطُّهْرِ وَالثَّانِي
(16/217)
بَيْنَ الْوَلِيِّ وَالزَّوْجِ
وَالثَّالِثُ بَيْنَ الْوَطْءِ وَالْمَسِّ باليد ونحوها
قال ويطلق على ماورد فِي صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى مِمَّا
يُوهِمُ ظَاهِرُهُ الْجِهَةَ وَالتَّشْبِيهَ وَيَحْتَاجُ
إِلَى تَأْوِيلٍ وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ هَلْ يَعْلَمُونَ تَأْوِيلَ
الْمُتَشَابِهِ وَتَكُونُ الْوَاوُ فِي وَالرَّاسِخُونَ
عَاطِفَةً أَمْ لَا وَيَكُونُ الْوَقْفُ عَلَى وَمَا
يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ الا الله ثُمَّ يَبْتَدِئُ قَوْلَهُ
تَعَالَى وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يقولون آمنا به
وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْقَوْلَيْنِ مُحْتَمَلٌ
وَاخْتَارَهُ طَوَائِفُ وَالْأَصَحُّ الْأَوَّلُ وَأَنَّ
الرَّاسِخِينَ يَعْلَمُونَهُ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ
يُخَاطِبَ اللَّهُ عِبَادَهُ بِمَا لَا سَبِيلَ لِأَحَدٍ
مِنَ الْخَلْقِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ
أَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ عَلَى
أَنَّهُ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَتَكَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى
بِمَا لَا يُفِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي هَذَا
الْحَدِيثِ التَّحْذِيرُ مِنْ مُخَالَطَةِ أَهْلِ
الزَّيْغِ وَأَهْلِ الْبِدَعِ وَمَنْ يَتَّبِعُ
الْمُشْكِلَاتِ لِلْفِتْنَةِ فَأَمَّا مَنْ سَأَلَ عَمَّا
أَشْكَلَ عَلَيْهِ مِنْهَا لِلِاسْتِرْشَادِ وَتَلَطَّفَ
فِي ذَلِكَ فَلَا بَأْسَ عَلَيْهِ وَجَوَابُهُ وَاجِبٌ
وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا يُجَابُ بَلْ يُزْجَرُ
وَيُعَزَّرُ كَمَا عَزَّرَ عُمَرُ بن الخطاب رضي الله عنه
صبيع بن عسل حِينَ كَانَ يَتْبَعُ الْمُتَشَابِهَ
وَاَللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ
[2666] (هَجَّرْتُ يَوْمًا) أَيْ بَكَّرْتُ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّمَا هَلَكَ مَنْ
كَانَ قَبْلَكُمْ باختلافهم في الكتاب)
و [2667] في رواية اقرؤوا الْقُرْآنَ مَا ائْتَلَفَتْ
عَلَيْهِ قُلُوبُكُمْ فَإِذَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ
فَقُومُوا الْمُرَادُ بِهَلَاكِ مَنْ قَبْلَنَا هُنَا
هَلَاكُهُمْ فِي الدِّينِ بِكُفْرِهِمْ وَابْتِدَاعِهِمْ
فَحَذَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ مِنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ وَالْأَمْرُ
بِالْقِيَامِ عِنْدَ الِاخْتِلَافِ فِي الْقُرْآنِ
مَحْمُولٌ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ عَلَى اخْتِلَافٍ لَا
يَجُوزُ او اختلاف
(16/218)
يُوقِعُ فِيمَا لَا يَجُوزُ كَاخْتِلَافٍ
فِي نَفْسِ الْقُرْآنِ أَوْ فِي مَعْنًى مِنْهُ لَا
يُسَوَّغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ أَوِ اخْتِلَافٍ يُوقِعُ
فِي شَكٍّ او شبهة اوفتنة وخصومة اوشجار وَنَحْوِ ذَلِكَ
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي اسْتِنْبَاطِ فُرُوعِ الدِّينِ
مِنْهُ وَمُنَاظَرَةِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ عَلَى
سَبِيلِ الْفَائِدَةِ وَإِظْهَارِ الْحَقِّ
وَاخْتِلَافُهُمْ فِي ذَلِكَ فَلَيْسَ مَنْهِيًّا عَنْهُ
بَلْ هُوَ مَأْمُورٌ بِهِ وَفَضِيلَةٌ ظَاهِرَةٌ وَقَدْ
أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى هَذَا مِنْ عَهْدِ
الصَّحَابَةِ إِلَى الْآنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[2668] (أَبْغَضُ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الْأَلَدُّ
الْخَصِمُ) هُوَ بِفَتْحِ الخاء وكسر الصاد والألد شَدِيدُ
الْخُصُومَةِ مَأْخُوذٌ مِنْ لَدِيدَيِ الْوَادِي وَهُمَا
جَانِبَاهُ لِأَنَّهُ كُلَّمَا اُحْتُجَّ عَلَيْهِ
بِحُجَّةٍ أَخَذَ فِي جَانِبِ آخَرَ وَأَمَّا الْخَصِمُ
فَهُوَ الْحَاذِقُ بِالْخُصُومَةِ وَالْمَذْمُومُ هُوَ
الْخُصُومَةُ بِالْبَاطِلِ فِي رَفْعِ حق او اثبات بَاطِلٌ
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
[2669] (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ
شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ إِلَخْ) السَّنَنُ
بِفَتْحِ السِّينِ وَالنُّونِ وَهُوَ الطَّرِيقُ
وَالْمُرَادُ بِالشِّبْرِ
(16/219)
وَالذِّرَاعِ وَجُحْرِ الضَّبِّ
التَّمْثِيلُ بِشِدَّةِ الْمُوَافَقَةِ لَهُمْ
وَالْمُرَادُ الْمُوَافَقَةُ فِي الْمَعَاصِي
وَالْمُخَالَفَاتِ لَا فِي الْكُفْرِ وَفِي هَذَا
مُعْجِزَةٌ ظَاهِرَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ وَقَعَ مَا أَخْبَرَ بِهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلُهُ (حَدَّثَنِي
عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي
مَرْيَمَ) قَالَ الْمَازِرِيُّ هَذَا مِنَ الْأَحَادِيثِ
الْمَقْطُوعَةِ فِي مُسْلِمٍ وَهِيَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ
هَذَا آخِرُهَا قَالَ الْقَاضِي قَلَّدَ الْمَازِرِيُّ
أَبَا عَلِيٍّ الْغَسَّانِيَّ الْجَيَّانِيَّ فِي
تَسْمِيَتِهِ هَذَا مَقْطُوعًا وَهِيَ تسمية باطلة وانما
هذا عند اهل الصنعة من باب رواية المجهول وانما المقطوع ما
حذف منه راو قلت وتسمية هذا الثاني ايضا مقطوعا مجاز وانما
هو منقطع ومرسل عند الاصوليين والفقهاء وانما حقيقة
الْمَقْطُوعُ عِنْدَهُمُ الْمَوْقُوفُ عَلَى التَّابِعِيِّ
فَمَنْ بَعْدَهُ قَوْلًا لَهُ أَوْ فِعْلًا أَوْ نَحْوَهُ
وَكَيْفَ كَانَ فَمَتْنُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ صَحِيحٌ
مُتَّصِلٌ بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ وَإِنَّمَا ذَكَرَ
الثَّانِي مُتَابَعَةً وَقَدْ سَبَقَ ان المتابعة يحتمل
فيها مالا يُحْتَمَلُ فِي الْأُصُولِ وَقَدْ وَقَعَ فِي
كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ هُنَا اتِّصَالُ هَذَا الطَّرِيقِ
الثَّانِي من جهة ابي إسحاق إِبْرَاهِيمُ بْنُ سُفْيَانَ
رَاوِي الْكِتَابِ عَنْ مُسْلِمٍ وهو من زياداته وعالي
اسناده قال ابو إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ
يَحْيَى قَالَ حَدَّثَنَا بن أَبِي مَرْيَمَ فَذَكَرَهُ
بِإِسْنَادِهِ إِلَى آخِرِهِ فَاتَّصَلَتِ الرواية
وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
[2670] (هَلَكَ الْمُتَنَطِّعُونَ) أَيِ الْمُتَعَمِّقُونَ
الْغَالُونَ الْمُجَاوِزُونَ الْحُدُودَ فِي أَقْوَالِهِمْ
وَأَفْعَالِهِمْ
(16/220)
(بَاب رَفْعِ الْعِلْمِ وَقَبْضِهِ
وَظُهُورِ الْجَهْلِ وَالْفِتَنِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ)
قَوْلُهُ
[2671] (حَدَّثَنَا شَيْبَانُ بْنُ فَرُّوخٍ إِلَخْ) هَذَا
الْإِسْنَادُ وَاَلَّذِي بَعْدَهُ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مِنْ
أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَثْبُتُ
الْجَهْلُ وتشرب الخمر ويظهر الزنى) هَكَذَا هُوَ فِي
كَثِيرٍ مِنَ النُّسَخِ يَثْبُتُ الْجَهْلُ مِنَ
الثُّبُوتِ وَفِي بَعْضِهَا يُبَثُّ بِضَمِّ الْيَاءِ
وَبَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مَفْتُوحَةٌ ثُمَّ مُثَلَّثَةٌ
مُشَدَّدَةٌ أَيْ يُنْشَرُ وَيَشِيعُ وَمَعْنَى تُشْرَبُ
الْخَمْرُ شُرْبًا فاشيا ويظهر الزنى أَيْ يَفْشُو
وَيَنْتَشِرُ كَمَا صَرَّحَ بِهِ فِي الرواية الثانية
وأشراط السَّاعَةِ عَلَامَاتُهَا وَاحِدُهَا شَرَطٌ
بِفَتْحِ الشِّينِ وَالرَّاءِ ويقل الرِّجَالُ بِسَبَبِ
الْقَتْلِ وَتَكْثُرُ النِّسَاءُ فَلِهَذَا يَكْثُرُ الجهل
والفساد ويظهر الزنى والخمر ويتقارب الزَّمَانُ أَيْ
يَقْرُبُ مِنَ الْقِيَامَةِ وَيُلْقَى الشُّحُّ هُوَ
بِإِسْكَانِ اللَّامِ وَتَخْفِيفِ الْقَافِ أَيْ يُوضَعُ
فِي الْقُلُوبِ وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ يُلَقَّى بِفَتْحِ
اللَّامِ
(16/221)
وَتَشْدِيدِ الْقَافِ أَيْ يُعْطَى
وَالشُّحُّ هُوَ الْبُخْلُ بِأَدَاءِ الْحُقُوقِ
وَالْحِرْصُ عَلَى مَا لَيْسَ لَهُ وَقَدْ سَبَقَ
الْخِلَافُ
(16/222)
فِيهِ مَبْسُوطًا فِي بَابِ تَحْرِيمِ
الظُّلْمِ وَفِي رِوَايَةٍ وَيَنْقُصُ الْعِلْمُ هَذَا
يَكُونُ قَبْلَ قَبْضِهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ
[2673] (إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا
يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ
بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لم يترك عالما اتخذ
الناس رؤسا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ
عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) هَذَا الْحَدِيثُ يُبَيِّنُ
أَنَّ الْمُرَادَ بِقَبْضِ
(16/223)
الْعِلْمِ فِي الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ
الْمُطْلَقَةِ لَيْسَ هُوَ مَحْوُهُ مِنْ صُدُورِ
حُفَّاظِهِ وَلَكِنْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَمُوتُ حَمَلَتُهُ
وَيَتَّخِذُ النَّاسُ جُهَّالًا يَحْكُمُونَ
بِجَهَالَاتِهِمْ فَيُضِلُّونَ وَيَضِلُّونَ وَقَوْلُهُ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اتخذ الناس رؤسا جهالا
ضبطناه في البخاري رؤسا بِضَمِّ الْهَمْزَةِ
وَبِالتَّنْوِينِ جَمْعُ رَأْسٍ وَضَبَطُوهُ فِي مُسْلِمٍ
هُنَا بِوَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا هَذَا وَالثَّانِي
رُؤَسَاءَ بِالْمَدِّ جَمْعُ رَئِيسٍ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ
وَالْأَوَّلُ أَشْهَرُ وفيه التحذير من
(16/224)
اتخاذ الجهال رؤساء قوله (أَنَّ عَائِشَةَ
قَالَتْ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عمرو ما أَحْسِبُهُ
إِلَّا قَدْ صَدَقَ أَرَاهُ لَمْ يَزِدْ فِيهِ شَيْئًا
وَلَمْ يَنْقُصْ) لَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا اتَّهَمَتْهُ
لَكِنَّهَا خَافَتْ أَنْ يَكُونَ اشْتَبَهَ عَلَيْهِ أَوْ
قَرَأَهُ مِنْ كُتُبِ الْحِكْمَةِ فَتَوَهَّمَهُ عَنِ
النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا
كَرَّرَهُ مَرَّةً أُخْرَى وَثَبَتَ عَلَيْهِ غَلَبَ عَلَى
ظَنّهَا أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهَا أَرَاهُ بِفَتْحِ
الْهَمْزَةِ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى حِفْظِ
الْعِلْمِ وَأَخْذِهِ عَنْ أَهْلِهِ وَاعْتِرَافُ
الْعَالِمِ لِلْعَالِمِ بِالْفَضِيلَةِ
(16/225)
(بَاب مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً أَوْ
سَيِّئَةً وَمَنْ دَعَا إِلَى هُدًى أَوْ ضَلَالَةٍ)
قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[1017] (مَنْ سَنَّ سُنَّةً حَسَنَةً وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً
سَيِّئَةً) الْحَدِيثُ وَفِي الحديث الآخر
[2674] من دعا إلى هدى ومن دعا إلى ضلالة هَذَانِ
الْحَدِيثَانِ صَرِيحَانِ فِي الْحَثِّ عَلَى اسْتِحْبَابِ
سَنِّ الْأُمُورِ الْحَسَنَةِ وَتَحْرِيمِ سَنِّ
الْأُمُورِ السَّيِّئَةِ وَأَنَّ مَنْ سَنَّ سُنَّةً
حَسَنَةً كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ كُلِّ مَنْ يَعْمَلُ
بِهَا إِلَى
(16/226)
يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةً
سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ كُلِّ مَنْ
يَعْمَلُ بِهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَأَنَّ مَنْ
دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِثْلُ أُجُورِ مُتَابِعِيهِ
أَوْ إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِثْلُ آثَامِ
تَابِعِيهِ سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْهُدَى وَالضَّلَالَةُ
هُوَ الَّذِي ابْتَدَأَهُ أَمْ كَانَ مَسْبُوقًا إِلَيْهِ
وَسَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ تَعْلِيمُ عِلْمٍ أَوْ عِبَادَةٍ
أَوْ أَدَبٍ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ 0فَعَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ) مَعْنَاهُ
إِنْ سَنَّهَا سَوَاءٌ كَانَ الْعَمَلُ فِي حَيَاتِهِ أَوْ
بَعْدَ موته والله اعلم
(16/227)
|