شرح النووي على مسلم

 (كِتَاب صِفَاتِ الْمُنَافِقِينَ وَأَحْكَامِهِمْ)
[2772] قَوْلُهُ (حَتَّى يَنْفَضُّوا) أَيْ يَنْفَرِدُوا قَالَ زُهَيْرٌ وَهِيَ قِرَاءَةُ مَنْ خَفَضَ حَوْلِهِ يَعْنِي قِرَاءَةَ مَنْ يَقْرَأُ مِنْ حَوْلِهِ بِكَسْرِ مِيمِ مِنْ وَبِجَرِّ حَوْلِهِ وَاحْتُرِزَ بِهِ عَنِ الْقِرَاءَةِ الشَّاذَّةِ مَنْ حَوْلِهِ بِالْفَتْحِ قوله (لووا رؤسهم) قُرِئَ فِي السَّبْعِ بِتَشْدِيدِ الْوَاوِ وَتَخْفِيفِهَا كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ بِضَمِّ الشِّينِ وَبِإِسْكَانِهَا الضَّمُّ لِلْأَكْثَرِينَ وَفِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ هَذَا أَنَّهُ يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَ أَمْرًا يَتَعَلَّقُ بِالْإِمَامِ أَوْ نَحْوِهِ مِنْ كِبَارِ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَيُخَافُ ضَرَرَهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ أَنْ يُبَلِّغَهُ إِيَّاهُ لِيَحْتَرِزَ مِنْهُ وَفِيهِ مَنْقَبَةٌ لِزَيْدٍ وَأَمَّا حَدِيثُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الْمُنَافِقِ وَإِلْبَاسِهِ قَمِيصَهُ

(17/120)


وَاسْتِغْفَارِهِ لَهُ وَنَفْثِهِ عَلَيْهِ مِنْ رِيقِهِ فَسَبَقَ شَرْحُهُ وَالْمُخْتَصَرُ مِنْهُ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَعَلَ هَذَا كُلَّهُ إِكْرَامًا لِابْنِهِ وَكَانَ صَالِحًا وَقَدْ صَرَّحَ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَاتِهِ بِأَنَّ ابْنَهُ سَأَلَ ذَلِكَ وَلِأَنَّهُ أَيْضًا مِنْ مَكَارِمِ أَخْلَاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَحُسْنِ مُعَاشَرَتِهِ لِمَنِ انْتَسَبَ إِلَى صُحْبَتِهِ وَكَانَتْ هَذِهِ الصَّلَاةُ قبل نزول قوله سبحانه وتعالى ولاتصل على أحد منهم مات أبدا ولاتقم على قبره

(17/121)


صَرَّحَ بِهِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ وَقِيلَ أَلْبَسَهُ الْقَمِيصَ مُكَافَأَةً بِقَمِيصٍ كَانَ أَلْبَسَهُ الْعَبَّاسَ

[2775] قَوْلُهُ (قَلِيلُ فِقْهِ قُلُوبِهِمْ كَثِيرُ شَحْمِ بُطُونِهِمْ) قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ رَحِمَهُ اللَّهُ هَذَا فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ الْفِطْنَةَ قَلَّمَا تَكُونُ مَعَ السِّمَنِ قوله تعالى فمالكم فى المنافقين فئتين قَالَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ مَعْنَاهُ أَيُّ شَيْءٍ لَكُمْ فِي الاخْتِلَافِ فِي أَمْرِهِمْ وَفِئَتَيْنِ مَعْنَاهُ فِرْقَتَيْنِ وَهُوَ مَنْصُوبٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ عَلَى الْحَالِ قَالَ سيبويه اذا قلت مالك قَائِمًا مَعْنَاهُ لِمَ قُمْتَ وَنَصَبْتَهُ عَلَى تَقْدِيرِ أَيُّ شَيْءٍ يَحْصُلُ لَكَ فِي هَذَا الْحَالِ وقال الفراء

(17/122)


هو مَنْصُوبٌ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ كَانَ مَحْذُوفَةٍ فَقَوْلُكَ مالك قَائِمًا تَقْدِيرُهُ لِمَ كُنْتَ قَائِمًا

[2779] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فِي أَصْحَابِي اثْنَا عَشَرَ منافقا فيهم ثمانية لايدخلون الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ ثَمَانِيَةٌ مِنْهُمْ تَكْفِيكَهُمُ الدُّبَيْلَةُ سِرَاجٌ مِنَ النَّارِ يَظْهَرُ فِي أَكْتَافِهِمْ حَتَّى يَنْجُمَ مِنْ صُدُورِهِمْ) أما قوله صلى الله عليه وسلم في أَصْحَابِي فَمَعْنَاهُ الَّذِينَ يُنْسَبُونَ إِلَى صُحْبَتِي كَمَا قال فى الرواية الثانية فى أمتى وسم الْخِيَاطِ بِفَتْحِ السِّينِ وَضَمِّهَا وَكَسْرِهَا الْفَتْحُ أَشْهَرُ وَبِهِ قَرَأَ الْقُرَّاءُ السَّبْعَةُ وَهُوَ ثَقْبُ الْإِبْرَةِ ومعناه لايدخلون الجنة أبدا كما لايدخل الْجَمَلُ فِي ثَقْبِ الْإِبْرَةِ أَبَدًا وَأَمَّا الدُّبَيْلَةُ فبدال مهملة ثم الْجِيمِ وَرُوِيَ تَكْفِيهِمُ الدُّبَيْلَةُ بِحَذْفِ الْكَافِ الثَّانِيَةِ وَرُوِيَ تَكْفِتُهُمْ بِتَاءٍ مُثَنَّاةٍ فَوْقُ بَعْدَ الْفَاءِ مِنَ الْكَفْتِ وَهُوَ الْجَمْعُ وَالسَّتْرُ أَيْ تَجْمَعُهُمْ فِي قُبُورِهِمْ وَتَسْتُرُهُمْ قَوْلُهُ (كَانَ بَيْنَ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْعَقَبَةِ وَبَيْنَ حُذَيْفَةَ بَعْضُ مَا يَكُونُ بَيْنَ النَّاسِ فَقَالَ أَنْشُدُكَ بِاَللَّهِ كَمْ كَانَ أَصْحَابُ الْعَقَبَةِ فَقَالَ لَهُ الْقَوْمُ أَخْبِرْهُ اذا سألك قال كنا نخبرأنهم أَرْبَعَةَ عَشَرَ فَإِنْ كُنْتَ مِنْهُمْ فَقَدْ كَانَ الْقَوْمُ خَمْسَةَ عَشَرَ وَأَشْهَدُ بِاَللَّهِ أَنَّ اثْنَيْ عَشَرَ مِنْهُمْ حَرْبٌ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ) وَهَذِهِ الْعَقَبَةُ لَيْسَتِ العقبة المشهورة

(17/125)


بِمِنًى الَّتِي كَانَتْ بِهَا بَيْعَةُ الْأَنْصَارِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَإِنَّمَا هَذِهِ عَقَبَةٌ عَلَى طَرِيقِ تَبُوكَ اجْتَمَعَ الْمُنَافِقُونَ فِيهَا لِلْغَدْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةٍ تَبُوكَ فَعَصَمَهُ اللَّهُ مِنْهُمْ

[2780] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَنْ يَصْعَدُ الثَّنِيَّةَ ثَنِيَّةَ الْمُرَارِ) هَكَذَا هُوَ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى الْمُرَارِ بِضَمِّ الْمِيمِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَفِي الثَّانِيَةِ الْمُرَارِ أَوِ الْمَرَارِ بِضَمِّ الْمِيمِ أَوْ فَتْحِهَا عَلَى الشَّكِّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِضَمِّهَا أَوْ كَسْرِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَالْمُرَارُ شَجَرٌ مُرٌّ وَأَصْلُ الثَّنِيَّةِ الطَّرِيقُ بَيْنَ جَبَلَيْنِ وَهَذِهِ الثَّنِيَّةِ عِنْدَ الْحُدَيْبِيَةِ قَالَ الْحَازِمِيُّ قال بن إِسْحَاقَ هِيَ مَهْبِطُ الْحُدَيْبِيَةِ قَوْلُهُ (لَأَنْ أَجِدَ ضَالَّتِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لِي صَاحِبُكُمْ قَالَ وَكَانَ الرَّجُلُ يَنْشُدُ ضَالَّةً لَهُ) يَنْشُدُ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الشِّينِ أَيْ يَسْأَلُ عَنْهَا قَالَ الْقَاضِي

(17/126)


قِيلَ هَذَا الرَّجُلُ هُوَ الْجَدُّ بْنُ قِيسٍ الْمُنَافِقُ قَوْلُهُ (فَنَبَذَتْهُ الْأَرْضُ) أَيْ طَرَحَتْهُ عَلَى وَجْهِهَا عِبْرَةً لِلنَّاظِرِينَ

[2781] وَقَوْلُهُ (قَصَمَ اللَّهُ عُنُقَهُ) أَيْ أَهْلَكَهُ

[2782] قَوْلُهُ (هَاجَتْ رِيحٌ تَكَادُ أَنْ تَدْفِنَ الرَّاكِبَ) هَكَذَا هُوَ فِي جَمِيعِ النُّسَخِ تَدْفِنُ بِالْفَاءِ وَالنُّونِ أَيْ تُغَيِّبُهُ عَنِ النَّاسِ وَتَذْهَبُ بِهِ لِشِدَّتِهَا

[2783] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ

(17/127)


عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الرَّاكِبَيْنِ الْمُقَفِّيَيْنِ) أَيْ الْمُوَلِّيَيْنِ أَقْفِيَتُهُمَا مُنْصَرِفَيْنِ قَوْلُهُ (لِرَجُلَيْنِ حِينَئِذٍ مِنْ أَصْحَابِهِ) سَمَّاهُمَا من أصحابه لا ظهارهما الاسلام والصحبة لاأنهما مِمَّنْ نَالَتْهُ فَضِيلَةُ الصُّحْبَةِ

[2784] قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (مَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ الْغَنَمَيْنِ تُعِيرُ إِلَى هَذِهِ مَرَّةً وَإِلَى هَذِهِ مَرَّةً) الْعَائِرَةُ الْمُتَرَدِّدَةُ الْحَائِرَةُ لَا تَدْرِي لِأَيِّهِمَا تَتْبَعُ وَمَعْنَى تُعِيرُ أَيْ تُرَدَّدُ وَتَذْهَبُ وَقَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ تَكِرُّ فِي هَذِهِ مَرَّةً وَفِي هَذِهِ مَرَّةً أَيْ تَعْطِفُ عَلَى هَذِهِ وَعَلَى هَذِهِ وَهُوَ نَحْوُ تُعِيرُ وَهُوَ بكسر الكاف

(17/128)