شرح سنن ابن ماجه للسيوطي وغيره

قَوْله
بَاب الْمُرْتَد عَن دينه الْمُرْتَد هُوَ الرَّاجِع عَن دين الْإِسْلَام أعلم إِذا ارْتَدَّ الْمُسلم وَالْعِيَاذ بِاللَّه عرض عَلَيْهِ الْإِسْلَام وكشفت عَنهُ شبهته لَو كَانَت وَالْعرض مُسْتَحبّ لِأَن الدعْوَة بلغته وَعرض الْإِسْلَام هُوَ الدعْوَة اليه ودعوة من بلغته الدعْوَة مُسْتَحبّ وَيحبس ثَلَاثَة أَيَّام فَإِن اسْلَمْ والا قتل وَيجب الْحَبْس الى ثَلَاثَة أَيَّام ان استمهل الْمُرْتَد والا لم يجب وَفِي رِوَايَة عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف انه يسْتَحبّ ان يؤجله ثَلَاثَة أَيَّام طلب ذَلِك أَو لم يطْلب وَإِنَّمَا تعيّنت الثَّلَاثَة لِأَنَّهَا مُدَّة ضربت لابلاء الْعذر بِدَلِيل حَدِيث حبَان بن منقذ فِي الْخِيَار ثَلَاثَة أَيَّام ضربت للتأمل لدفع الْغبن وَبِمَا أخرجه مَالك فِي الْمُوَطَّأ عَن عمر ان رجلا أَتَاهُ من قبل أبي مُوسَى فَقَالَ لَهُ هَل من معرفَة خبر فَقَالَ نعم رجل ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام فَقَتَلْنَا فَقَالَ هلا حبستموه فِي بَيت ثَلَاثَة أَيَّام واطعمتموه فِي كل يَوْم رغيفا لَعَلَّه يَتُوب ثمَّ قَالَ عمر اللَّهُمَّ ان لم احضر وَلم آمُر وَلم ارْض لَكِن ظَاهر تبري عمر رض يَقْتَضِي الْوُجُوب فتأويله انه لَعَلَّه طلب التَّأْجِيل وَعَن الشَّافِعِي ان على الامام ان يؤجله ثَلَاثَة أَيَّام وَلَا يحل لَهُ ان يقتل قبل ذَلِك لِأَن ارتداد الْمُسلم يكون عَن شُبْهَة ظَاهرا فَلَا بُد من مُدَّة يُمكنهُ التَّأَمُّل فقدرناه بِالثلَاثِ وَلنَا قَوْله تَعَالَى فَاقْتُلُوا الْمُشْركين من غير قيد الامهال وَكَذَا قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ وَلِأَنَّهُ كَافِر حَرْبِيّ بلغته الدعْوَة فَيقْتل للْحَال من غير استمهال وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا يجوز تَأْخِير الْوَاجِب لامر موهوم وَالصَّحِيح من قَول الشَّافِعِي انه إِذا تَابَ فِي الْحَال والا قتل بقوله عَلَيْهِ السَّلَام من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ من غير تَقْيِيد بانظار وَهُوَ اخْتِيَار بن الْمُنْذر وَكَيْفِيَّة تَوْبَته ان يتبرأ عَن الْأَدْيَان كلهَا سوى الْإِسْلَام لِأَنَّهُ لادين لَهُ وَلَو تَبرأ عَمَّا انْتقل اليه كَفاهُ لحُصُول الْمَقْصُود واما الْمُرْتَدَّة فَلَا تقتل وَلَكِن تحبس ابدا حَتَّى تسلم أَو تَمُوت هَذَا عِنْد أبي حنيفَة وَعند الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة تقتل الْمُرْتَدَّة لقَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من بدل دينه فَاقْتُلُوهُ وَلنَا مَا روى الطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه بِسَنَدِهِ عَن معَاذ بن جبل ان رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ حِين بَعثه الى الْيمن أَيّمَا رجل ارْتَدَّ عَن الْإِسْلَام فَادعه فَإِن تَابَ فاقبل مِنْهُ وان لم يتب فَاضْرب عُنُقه وَأَيّمَا امْرَأَة ارْتَدَّت عَن الْإِسْلَام فادعها فَإِن تابت فاقبل مِنْهَا وان ابت فاستبتها وَمَا روى أَبُو يُوسُف
عَن أبي حنيفَة عَن عَاصِم بن أبي النجُود عَن أبي رزين عَن بن عَبَّاس قَالَ لَا تقتل النِّسَاء إِذا هن ارتددن عَن الْإِسْلَام وَلَكِن تحبس ويدعين الى الْإِسْلَام ويجبرن عَلَيْهِ وَفِي بلاغات مُحَمَّد قَالَ بلغنَا عَن بن عَبَّاس انه قَالَ إِذا ارْتَدَّت الْمَرْأَة عَن الْإِسْلَام حبست فتح الْقَدِير

قَوْله
[2536] حَتَّى يُفَارق الْمُشْركين الى الْمُسلمين بِأَن يُهَاجر من دَارهم فَإِن الْهِجْرَة من دَار الْكفْر وَاجِب فَفِي حَدِيث التِّرْمِذِيّ انا برِئ من مُسلم مُقيم بَين أظهر الْمُشْركين قَالُوا يَا رَسُول الله لم قَالَ لَا يترا أَي نَارا هما لِأَن الْإِنْسَان لَا يتَمَكَّن على دينه فِي ديار الْمُشْركين وَيحْتَمل ان يكون الْمَعْنى حَتَّى يُفَارق الْمُشْركين فِي زيهم وعادتهم الى زِيّ الْمُسلمين فِي الْعَادَات والمعاملات فَإِن من تشبه بِقوم فَهُوَ مِنْهُم وَالله أعلم إنْجَاح الْحَاجة

قَوْله
[2537] إِقَامَة حد من حُدُود الله الخ قَالَ الطَّيِّبِيّ وَذَلِكَ لِأَن فِي اقامتها زجر لِلْخلقِ عَن الْمعاصِي والذنُوب وَسبب الْفَتْح أَبْوَاب السَّمَاء بالمطر وَفِي الْقعُود عَنْهَا والتهاون بهَا انهماكهم فِي الْمعاصِي وَذَلِكَ سَبَب لاخذهم بِالسِّنِينَ والجدب واهلاك الْخلق وَخص اللَّيْلَة تتميما لِمَعْنى الخصب (زجاجة)

قَوْله
[2538] أَظُنهُ عَن جرير بن يزِيد قيل الْقَائِل هُوَ عمر وبن رَافع فَكَأَنَّهُ علم ان رَاوِي هَذَا الحَدِيث جرير بن يزِيد لَا عِيسَى بن يزِيد فاستدرك على عبد الله بن الْمُبَارك انه وهم فِي رِوَايَة عَن عِيسَى بن يزِيد مَعَ انه مروى عَن جرير بن يزِيد وهما من السَّابِعَة لَكِن جرير بن يزِيد ضَعِيف وَعِيسَى بن يزِيد الْأَزْرَق قَاضِي سرخس مَقْبُول وَالله أعلم (إنْجَاح)

قَوْله
[2540] اقيموا حُدُود الله فِي الْقَرِيب والبعيد يحْتَمل ان يُرَاد بهما الْقرب والبعد فِي النّسَب أَو الْقُوَّة والضعف وَالثَّانِي انسب وَلَا تأخذكم عطف على اقيموا نهيا تَأْكِيدًا لِلْأَمْرِ وَيجوز ان يكون خَبرا بِمَعْنى النَّهْي مِصْبَاح الزجاجة للسيوطي

قَوْله

(1/182)


[2542] فها أَنا إِذا بَين اظهركم هَا حرف تَنْبِيه أَي خلي سبيلي وَتركت ذَلِك الْيَوْم فَأَنا مَوْجُود الى الان بَيْنكُم واظهر مقحم وغرض الْمُؤلف ان الصَّبِي الْغَيْر الْبَالِغ لَا يحكم عَلَيْهِ بِالْقَتْلِ وَالرِّدَّة وَغَيرهمَا وَلَكِن هَذَا إِذا لم يعلم بُلُوغه من الْخَارِج بالاحتلام وَالْحيض وَغَيرهمَا فَإِنَّهُ فِي معارك الحروب لَا يتَبَيَّن مثل ذَلِك فَلَمَّا حكم رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِشَارَة سعد بن معَاذ بِالْقَتْلِ على قُرَيْظَة اجمعهم الا الصّبيان فحد بَين الصَّغِير وَالْكَبِير بانبات الْعَانَة وَفِيه دَلِيل على ان كشف الْعَوْرَة يجوز للضَّرُورَة (إنْجَاح)

[2545] ادفعوا الْحُدُود الخ أَي قبل ان يصل الى الامام فَإِن الامام إِذا سلك سَبِيل الْخَطَأ فِي الْعَفو الَّذِي صدر مِنْكُم خير من ان يسْلك سَبِيل الْخَطَأ فِي الْعقُوبَة بِأَن يُعَاقب بخطأ وَعدم تشخيص الْقَضِيَّة فَإِذا وصلت اليه وَجب عَلَيْهِ الانفاذ فعلى هَذَا مضمونه مَضْمُون قَوْله تعافوا الْحُدُود والخطب لغير الْأَئِمَّة وَقد يحمل على دَرْء الامام الْحُدُود بقوله أبه جُنُون اشرب الْخمر ولعلك قبلت أَو غمزت وَنَحْوهَا فالخطاب مَعَ الامام قَالَه فِي اللمعات وَقَالَ عَليّ الْقَارِي هَذَا التَّأْوِيل الْأَخير مُتَعَيّن والتأويل الأول لَا يلائمه قَوْله فَمن كَانَ لَهُ مخرج فَخلوا سَبيله كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ فَإِن عَامَّة الْمُسلمين مأمورون بالستر مُطلقًا انْتهى

قَوْله
[2546] حَتَّى يَفْضَحهُ بهَا فِي بَيته أَي بِهَذِهِ الْعَوْرَة أَي الْعَيْب فِي بَيته أَي مَعَ وجود ستره وَهَذَا مآل قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تظهر الشماتة لاخيك فيعافيه الله ويبتليك فَفِيهِ عُقُوبَة من جِهَتَيْنِ الِابْتِلَاء بِتِلْكَ البلية ثمَّ اظهاره بَين النَّاس وان ستره على نَفسه وَقد جرب هَذَا الْأَمر مرَارًا نجانا الله تَعَالَى وَجَمِيع الْمُسلمين عَن هَذِه البلية الْعَظِيمَة (إنْجَاح)

قَوْله
[2548] تطهر خير لَهَا ان تطهر وتزكى عَن هَذَا الجرم هُوَ إِقَامَة الْحَد عَلَيْهَا خير لَهَا من عَذَاب الْآخِرَة وَقَوله فَلَمَّا سمعنَا لين قَوْله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهُ لم يشدد علينا حَيْثُ قَالَ تطهر خير لَهَا زَعمنَا انه ينْتَفع لَهُ الشَّفَاعَة وَلذَلِك أَتَيْنَا أُسَامَة (إنْجَاح)

قَوْله
[2549] اقْضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله مَبْنِيّ على انه كَانَ فِي كتاب الله اية الرَّجْم ثمَّ نسخت تِلَاوَته فصح القَوْل بِأَنَّهُ كتاب الله وَقيل المُرَاد بِكِتَاب الله هُنَا حكمه وَإِنَّمَا قَالَ اقْضِ بَيْننَا بِكِتَاب الله مَعَ انه لَا يحكم الا بِهِ لانهما كَانَا سَأَلَا قبل ذَلِك من النَّاس وعلما ان حكمهم لم يكن بِكِتَاب الله فجاءا عِنْد رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليحكم بِهِ قَوْله وتغريب عَام التَّغْرِيب دَاخل فِي الْحَد عِنْد بعض الْعلمَاء وَعِنْدنَا هُوَ سياسة وتعزير مفوض الى رَأْي الامام ومصلحته قَوْله بَعثه رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ليقيم الْحَد عَلَيْهَا ان اعْترفت وَهَذَا لَا يدل على كِفَايَة اعْتِرَاف وَاحِد فِي الزِّنَا كَمَا هُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي فَلَعَلَّ المُرَاد الِاعْتِرَاف الْمَعْهُود فِي الشَّرْع وَهُوَ أَربع مَرَّات لمعات

قَوْله واغد يَا أنيس قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا مَحْمُول على اعلانها بِأَن أَبَا العسيف قَذفهَا بِابْنِهِ فتعرفها بَان لَهَا عَلَيْهِ حد الْقَذْف هَل هِيَ طالبة بِهِ أم تَعْفُو عَنهُ أَو تعترف بِالزِّنَا فَإِن اعْترفت فَلَا يجد الْقَاذِف وَعَلِيهِ الرَّجْم لِأَنَّهَا كَانَت مُحصنَة وَلَا بُد من هَذَا التَّأْوِيل لِأَن ظَاهره انه بعث لطلب إِقَامَة حد الزِّنَا وتجسسه وَهَذَا غير مُرَاد لِأَن حد الزِّنَا لَا يتجسس وَلَا يَتَقَرَّر بل لَو اقربه الزَّانِي يسْتَحبّ ان يلقن بِهِ الرُّجُوع كَذَا فِي الطَّيِّبِيّ

قَوْله
[2551] ان كَانَت احلتها لَهُ هَذَا مُخَالف لما سَيَأْتِي عَن سَلمَة بن المحبق ان رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رفع اليه رجل وطيء جَارِيَة امْرَأَة فَلم يجده وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ اورؤا الْحُدُود عَن الْمُسلمين مَا اسْتَطَعْتُم الحَدِيث وَذكر أَنه مَوْقُوف على عَائِشَة وان الْوَقْف أصح من الرّفْع وَعِنْدنَا لَا يضر ذَلِك فَإِن مَالا يدْرك بِالرَّأْيِ فَالْمَوْقُوفُ فِيهِ مَحْمُول على السماع بل المبسوطة تجْرِي بَين الزَّوْجَيْنِ بِالِانْتِفَاعِ بالأموال فعندنا هَذِه الصُّورَة من صور الشُّبْهَة بِالْفِعْلِ فَيسْقط الْحَد لأجل الشُّبْهَة ان ظن ان وطيها حَلَال لَهُ وعَلى أَي حَال فليت هَذِه صُورَة الرَّجْم لِأَن الاحصان من شَرَائِطه وَيحْتَمل ان النُّعْمَان بن بشير حكم بِالْقِيَاسِ بِزَعْمِهِ انه قضى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَوَقعت لَهُ شُبْهَة وَالله أعلم إنْجَاح وَقَالَ الْخطابِيّ هَذَا الحَدِيث لَيْسَ بِمُتَّصِل وَلَيْسَ الْعَمَل عَلَيْهِ قَالَه السُّيُوطِيّ

قَوْله

(1/183)


[2553] أَو كَانَ حمل أَي من غير ذَات الزَّوْج وَلَكِن لَا يخفى ان هَذَا لَا يعلم الا باعترافها بِأَنَّهَا من غير ذَات الزَّوْج فَإِنَّهُ يجوز ان تنْكح نِكَاحا سرا بِلَا ولي وَذَلِكَ جَائِز فِي مَذْهَب الْحَنَفِيَّة فَيحْتَمل ان يكون ذَلِك الْحمل من مثل ذَلِك النِّكَاح فَلَا يحكم عَلَيْهَا بِالْحَدِّ (إنْجَاح)

قَوْله الشَّيْخ وَالشَّيْخَة الخ قَالَ بن الْحَاجِب فِي اماليه وَقد سُئِلَ مَا الْفَائِدَة فِي ذكر الشَّيْخ وَالشَّيْخَة وهلا قيل الْمُحصن والمحصنة هَذَا من البديع فِي بَاب الْمُبَالغَة ان يعبر عَن الْجِنْس فِي بَاب الذَّم بالانقص الا خس وَفِي بَاب الْمَدْح بِالْأَكْثَرِ والاعلى فَيُقَال لعن الله السَّارِق يسرق ربع دِينَار فَيقطع يَده وَالْمرَاد يسرق ربع دِينَار فَصَاعِدا الى أَعلَى مَا يسرق وَقد يُبَالغ فيذكر مَا لَا يقطع بِهِ تقليلا كَمَا فِي الحَدِيث لعن الله السَّارِق يسرق الْبَيْضَة فَيقطع يَده وَقد علم انه لَا يقطع بالبيضة وَتَأْويل من أَوله بَيْضَة الْحَرْب يأباه الفصاحة انْتهى مِصْبَاح الزجاجة

قَوْله فَارْجُمُوهُمَا وَتَمَامه نكالا من الله وَالله عَزِيز حَكِيم أَي الثّيّب والثيبة كَذَا فسره مَالك فِي المؤطا والا ظهر تفسيرهما بالمحصن والمحصنة وَوَقع فِي رِوَايَة وَايْم الله لَوْلَا ان يَقُول النَّاس زَاد فِي كتاب الله لكتبتها أخرجه الْأَئِمَّة الا النَّسَائِيّ قَالَ بن الْهمام الرَّجْم عَلَيْهِ إِجْمَاع الصَّحَابَة وَمن بعدهمْ من عُلَمَاء الْمُسلمين وإنكار الْخَوَارِج للرجم بَاطِل كَذَا فِي الْمرقاة

[2554] أقرّ أَربع مَرَّات أَي فِي أَربع مجَالِس بِشَرْط غيبوبة فِي كل مرّة وَكَانَت الشَّهَادَات الْأَرْبَع بِمَنْزِلَة الشُّهُود الْأَرْبَع وَفِي شرح السّنة يحْتَج بِهَذَا الحَدِيث من يشْتَرط التّكْرَار فِي الْإِقْرَار بِالزِّنَا حَتَّى يُقَام عَلَيْهِ الْحَد ويحتج أَبُو حنيفَة بمجيئه من الجوانب الْأَرْبَع على انه يشْتَرط ان يقر أَربع مَرَّات فِي أَربع مجَالِس وَمن لم يشْتَرط التّكْرَار قَالَ إِنَّمَا رده بعد أُخْرَى لشُبْهَة دَاخِلَة فِي أمره وَلذَلِك دَعَاهُ وَسَأَلَهُ أبك جُنُون الخ فَرده للكشف عَن حَاله لِأَن التّكْرَار فِيهِ يشْتَرط انْتهى وَفِيه ان هَذَا التَّأْوِيل إِنَّمَا يتم لَو كَانَ المأخذ منحصرا على هَذَا الدَّلِيل وَلم يُوجد التّكْرَار فِي غير هَذَا الشَّخْص (مرقاة)

قَوْله فَهَلا تَرَكْتُمُوهُ قَالَ بن الْملك فِيهِ ان الْمقر على نَفسه بِالزِّنَا لَو قَالَ مَا زَنَيْت أَو كذبت أَو رجعت سقط عَنهُ الْحَد فَإِن رَجَعَ فِي اثناء إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ سقط الْبَاقِي وَقَالَ جمع لَا يسْقط إِذْ لَو سقط لصارما عز مقتولا خطأ فَتجب الدِّيَة على عواقل القاتلين قُلْنَا انه لم يرجع صَرِيحًا لِأَنَّهُ هرب والهرب لَا يسْقط الْحَد وَتَأْويل قَوْلهَا هلا تَرَكْتُمُوهُ لينْظر فِي أمره اهرب من الم الْحِجَارَة أَو رَجَعَ من اقراره بِالزِّنَا قَالَ بن الْهمام فَإِذا هرب فِي الرَّجْم فَإِن كَانَ مقرا يتْرك وَلَا يتبع وان كَانَ مشهودا عَلَيْهِ اتبع ورجم حَتَّى يَمُوت لِأَن هربه رُجُوع ظَاهر ورجوعه يعْمل فِي اقراره لافي رُجُوع الشُّهُود انْتهى (مرقاة)

قَوْله
[2555] فشكت عَلَيْهَا ثِيَابهَا أَي جمعت عَلَيْهَا ولفت لِئَلَّا تنكشف فِي تقلبها واضطرابها كَأَنَّهَا نظمت عَلَيْهَا وزرت بشوكة أَو خلال وَقيل مَعْنَاهُ أرْسلت عَلَيْهَا ثِيَابهَا وَالشَّكّ الِاتِّصَال والصدق كَذَا فِي الْمجمع وَفِي الْقَامُوس شكه بِالرُّمْحِ انتظمه وَفِي السِّلَاح دخل وَالْبَعِير لزق عضده بالجنب انْتهى (إنْجَاح)

قَوْله ثمَّ صلى عَلَيْهَا هَذِه اللَّفْظَة عِنْد عَامَّة رُوَاة صَحِيح مُسلم بِفَتْح الصَّاد وَاللَّام اعني على صِيغَة الْمَعْلُوم فَيدل على صَلَاة النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعند الطَّبَرِيّ وَفِي رِوَايَة بن أبي شيبَة وَأبي دَاوُد بِضَم الصَّاد وَكسر اللَّام وَهُوَ الْأَظْهر فَلَا يدل على ذَلِك وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد لم يصل عَلَيْهِ بِصِيغَة الْمَعْلُوم يَعْنِي لم يصل النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بل أَمر الْقَوْم بِأَن يصلوا وَمن هَهُنَا اخْتلف الْأَئِمَّة فِي الصَّلَاة على الْحُدُود فكرهه مَالك وَقَالَ أَحْمد لَا يُصَلِّي الامام وَأهل الْفضل وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَغَيرهمَا يصلى عَلَيْهِ وعَلى كل من هُوَ أهل لَا إِلَه إِلَّا الله من أهل الْقبْلَة وان كَانَ فَاسِقًا ومحدودا وَهُوَ رِوَايَة عَن أَحْمد لمعات

قَوْله
[2558] بِيَهُودِيٍّ محمم أَي مسود الْوَجْه والحمة الفحم جمعه حمم كصرد قَوْله فَأمر بِهِ فرجم قَالُوا هَذَا الرَّجْم كَانَ تهديدا لَهُم حَيْثُ تكاتموا الْآيَة الْمنزلَة من كَلَام الله تَعَالَى والا فالكافر لَا يرْجم عندنَا لِأَن الْإِسْلَام من شَرَائِط الاحصان (إنْجَاح)

قَوْله
[2559] لَو كنت راجما أحدا الخ أَي ان الرِّيبَة وَالشَّكّ لَا يوجبان الْحَد وَلَو كَانَا موجبين لرجمت هَذِه وَفِيه ان الِاسْتِدْلَال بالقرائن جَائِز غير أَنه لَا يعْمل عَلَيْهِ بل يجْتَنب عَن مصاحبة مثل هَذَا الشَّخْص فَإِنَّهُ ورد اتَّقوا من مَوَاضِع التهم واحترسوا من النَّاس بِسوء الظَّن وَقَوله جلّ ذكره ان بعض الظَّن اثم فَالْمُرَاد بِهِ الْعَمَل على ذَلِك الظَّن فالحدود تندرأ بِالشُّبُهَاتِ وان الظَّن لَا يُغني من الْحق شَيْئا لِأَنَّهُ رُبمَا يُخطئ وَبِه يحصل التطبيق وَالله اعْلَم (إنْجَاح)

قَوْله
[2561] فَاقْتُلُوا الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ فِي شرح السّنة اخْتلفُوا فِي حد اللوطي فَذهب الشَّافِعِي فِي أظهر قوليه وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد الى ان حد الْفَاعِل حد الزَّانِي ان كَانَ مُحصنا يرْجم وان لم يكن مُحصنا يجلد مائَة جلدَة وعَلى الْمَفْعُول بِهِ عِنْد الشَّافِعِي على هَذَا القَوْل جلد مائَة وتغريب عَام رجلا كَانَ أَو امْرَأَة مُحصنا أَو غير مُحصن لِأَن التَّمْكِين فِي الدبر لَا يحصنها فَلَا يلْزمهَا حد الْمُحْصنَات وَذهب قوم الى ان اللوطي يرْجم مُحصنا كَانَ أَو غير مُحصن وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد وَالْقَوْل الاخر للشَّافِعِيّ انه يقتل الْفَاعِل وَالْمَفْعُول بِهِ كَمَا هُوَ ظَاهر الحَدِيث وَقد قيل فِي كَيْفيَّة قَتلهمَا هدم بِنَاء عَلَيْهِمَا وَقيل رميهما من شَاهِق كَمَا فعل بِقوم لوط وَعند أبي حنيفَة يُعَزّر وَلَا يجلد قَالَه الطَّيِّبِيّ قلت وَحجَّة أبي حنيفَة مَا رَوَاهُ رزين بِسَنَدِهِ عَن بن عَبَّاس ان عليا احرقهما وَأَبا بكر هدم عَلَيْهِمَا حَائِطا لِأَن الظَّاهِر ان الاحراق وَهدم الْحَائِط كَانَا تعزيرا لاحدا (فَخر)

قَوْله
[2564] فَاقْتُلُوهُ سياسة لاحدا فَإِن الْجِنَايَة فِيهَا أَشد من غَيرهَا لِأَن فِيهَا اتلاف حق الْقَرَابَة أَو المُرَاد بِهِ الاستحلال فَإِنَّهُ كفر وَفِي الحَدِيث ان الزِّنَا بحليلة جَاره أَشد وَإِنَّمَا هُوَ لازدياد الْحق بِسَبَب الجرار فَكيف بالاقارب (إنْجَاح)

قَوْله واقتلوا الْبَهِيمَة زَاد التِّرْمِذِيّ فَقيل لِابْنِ عَبَّاس مَا شان الْبَهِيمَة فَقَالَ مَا سَمِعت من رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ذَلِك شَيْئا وَلَكِن أرى رَسُول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كره ان يُوكل من لَحمهَا أَو ينْتَفع بهَا وَقد عمل بهَا ذَلِك الْعَمَل وَذكر أَصْحَابنَا حِكْمَة أُخْرَى وَهِي خوف ان يَأْتِي بِخلق مشوة يشبه خلق الادمي وَأكْثر الْفُقَهَاء كَمَا حَكَاهُ الْخطابِيّ على عدم الْعَمَل بِهَذَا الحَدِيث فَلَا تقتل الْبَهِيمَة وَلَا من وَقع عَلَيْهَا وَإِنَّمَا عَلَيْهِ التَّعْزِير تَرْجِيحا لما رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن بن عَبَّاس قَالَ من اتى بَهِيمَة فَلَا حد عَلَيْهِ قَالَ التِّرْمِذِيّ هَذَا أصح من الحَدِيث الأول وَالْعَمَل على هَذَا عِنْد أهل الْعلم (زجاجة)

قَوْله

(1/184)


[2567] أَمر برجلَيْن وَامْرَأَة فَضربُوا أحدهم الرّجلَانِ حسان بن ثَابت الشَّاعِر ومسطح بن اثاثة وَالْمَرْأَة حمْنَة بنت الجحش أُخْت أم الْمُؤمنِينَ زَيْنَب وانهم اشْتَركُوا مَعَ الْمُنَافِقين عبد الله بن أبي بن سلول وَأَصْحَابه فِي قذف الصديقة وانما لم يحد الْمُنَافِقين لِأَن الْحَد للتطهير وهم لَيْسُوا أَهلا لذَلِك فَكَأَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وكل أَمرهم الى الْآخِرَة وَأما الَّذين فِي قُلُوبهم مرض فَزَادَهُم رجسا الى رجسهم وماتوا وهم كافرون إنْجَاح الْحَاجة

[2569] مَا كنت أدّى بِصِيغَة الْمُتَكَلّم من ودى يَدي كوقي يقي يُقَال وداه أعْطى دِيَته أَي مَا كنت أعْطى الدِّيَة من أحد من المحدودين على الزِّنَا وَالْقَذْف وَغَيرهمَا لَو مَاتُوا بِسَبَبِهِ لِأَن حَدهمْ ثَابت بِالْكتاب وَالسّنة وَأما حد الْخمر فَهُوَ اجْتِهَاد مِنْهُ كرم الله وَجهه قلت وَهَذَا للِاحْتِيَاط والا فالمجتهد الْمُخطئ أجر كَمَا الْمُصِيب اجران وَهَذَا الِاحْتِيَاط أَيْضا فِي حَقه وَأما نَحن فمامورون بِاتِّبَاع الْخُلَفَاء الرَّاشِدين وَقد شَارك مَعَه عمر وَعُثْمَان وَصَارَ بعدهمْ الْإِجْمَاع فَكَانَ حكم هَذَا الْحَد كَغَيْرِهِ من الْحُدُود (إنْجَاح)

قَوْله
[2571] لما جيىء بالوليد بن عقبَة الى عُثْمَان الخ هُوَ وليد بن عقبَة بن أبي معيط أَخُو عُثْمَان لأمه وَكَانَ واليا على الْكُوفَة من جَانِبه فِي خِلَافَته فصلى يَوْمًا بِالنَّاسِ الصُّبْح أَرْبعا وَكَانَ قد شرب الْخمر وَقَالَ وازيدكم فَقَالَ عبد الله بن مَسْعُود مَا زلنا فِي زِيَادَة مذ وليت علينا وَقَول عُثْمَان لعَلي دُونك بن عمك لِلْقَرَابَةِ بَين بني أُميَّة وَبني هَاشم يلحقون بالجد الْأَعْلَى وَهُوَ عبد منَاف ودونك اسْم فعل بِمَعْنى الْأَمر وَفِيه اغراء أَي خُذ بن عمك (إنْجَاح)

قَوْله فجلده على أَي أَمر على عبد الله بن جَعْفَر فجلده وعَلى يعد حَتَّى بلغ أَرْبَعِينَ كَمَا هُوَ مُصَرح فِي رِوَايَة مُسلم أعلم انه وَقع فِي البُخَارِيّ ان عليا رض جلد ثَمَانِينَ وَوَقع فِي مُسلم ان عليا جلد أَرْبَعِينَ وَهِي قَضِيَّة وَاحِدَة قَالَ القَاضِي الْمَعْرُوف من مَذْهَب عَليّ الْجلد فِي الْخمر ثَمَانِينَ وَمِنْه قَوْله فِي قَلِيل الْخمر وكثيرها ثَمَانُون جلدَة وروى عَنهُ جلد الْمَعْرُوف بالنجاشي ثَمَانِينَ قَالَ وَالْمَشْهُور ان عليا هُوَ الَّذِي أَشَارَ على عمر بِإِقَامَة الْحَد ثَمَانِينَ كَمَا جَاءَ فِي المؤطا وَغَيره قَالَ وَهَذَا كُله يرجح رِوَايَة من روى ان جلد الْوَلِيد ثَمَانِينَ قَالَ وَيجمع بَينه وَبَين مَا ذكره مُسلم من رِوَايَة الْأَرْبَعين بِمَا روى انه جلده بِسَوْط لَهُ رأسان فَضَربهُ بِرَأْسِهِ أَرْبَعِينَ فَتكون جُمْلَتهَا ثَمَانِينَ قَالَ وَيحْتَمل ان يكون عَائِدًا الى الثَّمَانِينَ الَّتِي فعلهَا عمر رض انْتهى قَالَ النَّوَوِيّ وَاخْتلف الْعلمَاء فِي قدر حد الْخمر فَقَالَ الشَّافِعِي وَأَبُو ثورود وَأهل الظَّاهِر وَآخَرُونَ حَده أَرْبَعُونَ قَالَ الشَّافِعِي وَللْإِمَام ان يبلغ بِهِ ثَمَانِينَ وَتَكون الزِّيَادَة على الْأَرْبَعين تعزيرات على تسببه فِي إِزَالَة عقله وَفِي تعرضه للقذف وَالْقَتْل وأنواع الايذاء وَترك الصَّلَاة وَغير ذَلِك وَنقل القَاضِي عَن الْجُمْهُور من السّلف وَالْفُقَهَاء مِنْهُم مَالك وَأَبُو حنيفَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَأحمد وَإِسْحَاق انهم قَالُوا حَده ثَمَانُون وَاحْتَجُّوا بِأَنَّهُ الَّذِي اسْتَقر عَلَيْهِ إِجْمَاع الصَّحَابَة وان فعل النَّبِي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن للتحديد ثمَّ هَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ هُوَ حد الْحر فَأَما العَبْد فعلى النّصْف من الْحر كَمَا فِي الزِّنَا وَالْقَذْف وأجمعت الْأمة على ان الشَّارِب يحد سَوَاء سكر أم لَا انْتهى