عمدة القاري شرح صحيح البخاري

بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
(كتاب الْوضُوء)
قد ذكرنَا أَنه افْتتح الْكتاب أَولا بالمقدمة وَهُوَ بَاب الْوَحْي ثمَّ ذكر الْكتب الْمُشْتَملَة على الْأَبْوَاب وَقدم كتاب الْإِيمَان وَكتاب الْعلم للمعنى الَّذِي ذَكرْنَاهُ عِنْد كتاب الْإِيمَان ثمَّ شرع بِذكر الْكتب الْمُتَعَلّقَة بالعبادات وقدمها على غَيرهَا من الْكتب الْمُتَعَلّقَة بِنَحْوِ الْمُعَامَلَات والآداب وَالْحُدُود وَغير ذَلِك لِأَن ذكرهَا عقيب كتاب الْعلم وَالْإِيمَان أنسب لِأَن أصل الْعِبَادَات ومبناها الْإِيمَان ومعرفتها على مَا يجب وَيَنْبَغِي بِالْعلمِ ثمَّ قدم كتاب الصَّلَاة بأنواعها على غَيرهَا من كتب الْعِبَادَات لكَونهَا تالية الْإِيمَان فِي الْكتاب وَالسّنة وَلِأَن الِاحْتِيَاج إِلَى مَعْرفَتهَا أَشد لِكَثْرَة دورانها ثمَّ قدم كتاب الْوضُوء لِأَنَّهَا شَرط الصَّلَاة وَشرط الشَّيْء يسْبقهُ وَوَقع فِي بعض النّسخ كتاب الطَّهَارَة وَبعده بَاب مَا جَاءَ فِي الْوضُوء وَهَذَا أنسب لِأَن الطَّهَارَة أَعم من الْوضُوء وَالْكتاب الَّذِي يذكر فِيهِ نوع من الْأَنْوَاع يَنْبَغِي أَن يترجم بِلَفْظ عَام حَتَّى يَشْمَل جَمِيع أَقسَام ذَلِك الْكتاب ثمَّ الْكَلَام فِي لفظ الْكتاب قد مر عِنْد كتاب الْإِيمَان. وَالطَّهَارَة فِي اللُّغَة مصدر من طهر الشَّيْء بِضَم الْهَاء وَفتحهَا وَفِي الْعباب طهر الشَّيْء وطهر أَيْضا بِالضَّمِّ وبالفتح أَعلَى طَهَارَة وَالطُّهْر بِالضَّمِّ الِاسْم والطهرة اسْم من التَّطْهِير وَالطُّهْر نقيض الْحيض والتركيب يدل على نقاء وَإِزَالَة دنس. وَفِي الشَّرْع الطَّهَارَة هِيَ النَّظَافَة وَالْوُضُوء بِضَم الْوَاو من الْوَضَاءَة وَهُوَ الْحسن والنظافة تَقول وضؤ الرجل أَي صَار وضيئا وَالْمَرْأَة وضيئة وَالْوُضُوء بِالْفَتْح المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ وَفِي الْعباب الْوضُوء أَيْضا يَعْنِي بِالْفَتْح مصدر من تَوَضَّأت للصَّلَاة مثل الْقبُول وَأنكر أَبُو عَمْرو بن الْعَلَاء الْفَتْح فِي غير الْقبُول وَقَالَ الْأَصْمَعِي قلت لأبي عَمْرو مَا الْوضُوء بِالْفَتْح قَالَ المَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ قلت فَمَا الْوضُوء بِالضَّمِّ قَالَ لَا أعرفهُ وَأما إسباغ الْوضُوء فبفتح الْوَاو لَا غير لِأَنَّهُ فِي معنى إبلاغ الْوضُوء موَاضعه وَذكر الْأَخْفَش فِي قَوْله تَعَالَى {وقودها النَّاس وَالْحِجَارَة} فَقَالَ الْوقُود بِالْفَتْح الْحَطب والوقود بِالضَّمِّ الإيقاد وَهُوَ الْمصدر قَالَ وَمثل ذَلِك الْوضُوء وَهُوَ المَاء وَالْوُضُوء وَهُوَ الْمصدر ثمَّ قَالَ وَزَعَمُوا أَنَّهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنى وَاحِد تَقول الْوقُود والوقود يجوز أَن يَعْنِي بهما الْحَطب وَيجوز أَن يَعْنِي بهما الْمصدر وَقَالَ غَيره الْقبُول والولوع مفتوحان وهما مصدران شَاذان وَمَا سواهُمَا من المصادر فمبني على الضَّم قلت الْحَاصِل أَن فِي الْوضُوء ثَلَاث لُغَات أشهرها أَنه بِضَم الْوَاو اسْم للْفِعْل وَبِفَتْحِهَا اسْم للْمَاء الَّذِي يتَوَضَّأ بِهِ ونقلها ابْن الْأَنْبَارِي عَن الْأَكْثَرين الثَّانِي أَنه بِفَتْح الْوَاو فيهمَا وَهُوَ قَول جماعات مِنْهُم الْخَلِيل قَالَ وَالضَّم لَا يعرف الثَّالِث أَنه بِالضَّمِّ فيهمَا وَهِي غَرِيبَة ضَعِيفَة حَكَاهَا صَاحب الْمطَالع وَهَذِه اللُّغَات الثَّلَاث مثلهَا فِي الطّهُور

(بَاب مَا جَاءَ فِي الْوضُوء وَقَول الله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} )
هَكَذَا وَقع فِي النّسخ الصَّحِيحَة وَهِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة. بَاب فِي الْوضُوء وَقَوله عز وَجل إِذا قُمْتُم. الخ وَوَقع فِي أصل الدمياطي بَاب مَا جَاءَ فِي الْوضُوء وَقَول الله عز وَجل وَعَلِيهِ مَشى ابْن بطال فِي شَرحه وَكَذَا مَشى عَلَيْهِ الْكرْمَانِي فِي شَرحه غير أَن قبله كتاب الطَّهَارَة وَكَذَا فِي شرح الْحَافِظ مغلطاي كتاب الطَّهَارَة مَوضِع كتاب الْوضُوء ثمَّ قَوْله بَاب مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف مُضَاف إِلَى مَا بعده وَالتَّقْدِير هَذَا بَاب فِي بَيَان ماجاء فِي قَول الله عز وَجل وَأَشَارَ بِهِ إِلَى مَا جَاءَ من اخْتِلَاف الْعلمَاء فِي معنى قَوْله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} هَل فِيهِ تَقْدِير أَو الْأَمر على ظَاهره وعمومه على مَا نبينه إِن شَاءَ الله تَعَالَى فَنَقُول الْكَلَام فِي هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة على أَنْوَاع (الأول) افْتتح كتاب الْوضُوء بِهَذِهِ الْآيَة لكَونهَا أصلا فِي استنباط مسَائِل هَذَا الْبَاب أَو لأجل التَّبَرُّك فِي الِافْتِتَاح بِآيَة من الْقُرْآن وَإِن كَانَ حق الدَّلِيل أَن يُؤَخر عَن الْمَدْلُول لِأَن الأَصْل فِي الدَّعْوَى تَقْدِيم الْمُدَّعِي (الثَّانِي فِي بَيَان أَلْفَاظ هَذِه الْآيَة) فَقَوله يَا حرف نِدَاء للبعيد حَقِيقَة أَو حكما وَقد يُنَادى بِهِ الْقَرِيب توكيدا وَقيل هِيَ مُشْتَركَة بَين الْبعيد والقريب وَقيل بَينهمَا وَبَين الْمُتَوَسّط وَهِي أَكثر حُرُوف النداء اسْتِعْمَالا وَلِهَذَا لَا يقدر عِنْد الْحَذف سواهَا نَحْو {يُوسُف أعرض عَن هَذَا} وَلَا يُنَادى اسْم الله تَعَالَى وَالِاسْم المستغاث وأيها وأيتها إِلَّا بهَا وَلَا الْمَنْدُوب

(2/225)


إِلَّا بهَا أَو بوا. وَقَول من قَالَ أَن الْيَاء مُشْتَركَة بَين الْقَرِيب والبعيد هُوَ الْأَصَح لِأَن أَصْحَاب اللُّغَة ذكرُوا أَن يَا حرف يُنَادى بِهِ الْقَرِيب والبعيد فَإِن قلت مَا تَقول فِي قَول الدَّاعِي يَا الله وَقد قَالَ الله تَعَالَى {وَنحن أقرب إِلَيْهِ من حَبل الوريد} قلت هَذَا استقصار مِنْهُ لنَفسِهِ واستبعاد عَن مظان الْقبُول لعمله وَأي اسْم يَأْتِي لخمسة معَان الأول للشّرط نَحْو {أيا مَا تدعوا فَلهُ الْأَسْمَاء الْحسنى} الثَّانِي للاستفهام نَحْو {أَيّكُم زادته هَذِه إِيمَانًا} الثَّالِث يكون مَوْصُولا نَحْو {لننزعن من كل شيعَة أَيهمْ أَشد} التَّقْدِير لننزعن الَّذِي هُوَ أَشد نَص عَلَيْهِ سِيبَوَيْهٍ الرَّابِع يكون صفة لنكرة نَحْو زيد أَي رجل أَي كَامِل فِي صِفَات الرِّجَال وَحَالا للمعرفة نَحْو مَرَرْت بِعَبْد الله أَي رجل الْخَامِس وصلَة إِلَى نِدَاء مَا فِيهِ ال نَحْو يَا أَيهَا الرجل وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} وَزعم الْأَخْفَش أَن أيا هَذِه هِيَ الموصولة حذف صدر صلتها وَهُوَ الْعَائِد وَالْمعْنَى يَا من هُوَ الرجل وَكَذَلِكَ يكون التَّقْدِير هَهُنَا على قَوْله يَا من هم الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة. وَهَا تسْتَعْمل على ثَلَاثَة أوجه. الأول يكون اسْما لفعل وَهُوَ خُذ تَقول هَاء للمذكر بِالْفَتْح وهاء للمؤنث بِالْكَسْرِ وهاؤما وهاؤم وهاؤن قَالَ الله تَعَالَى {هاؤم اقرؤا كِتَابيه} وَالثَّانِي يكون ضميرا للمؤنث نَحْو ضربهَا وغلامها وَالثَّالِث يكون للتّنْبِيه فَتدخل على أَرْبَعَة: الأول الْإِشَارَة نَحْو هَذَا. الثَّانِي ضمير الرّفْع الْمخبر عَنهُ باسم الْإِشَارَة نَحْو {هَا أَنْتُم أولاء} الثَّالِث اسْم الله تَعَالَى فِي الْقسم عِنْد حذف الْحَرْف نَحْوهَا الله بِقطع الْهمزَة وَوَصلهَا وَكِلَاهُمَا مَعَ إِثْبَات ألفها وحذفها. الرَّابِع نعت أَي فِي النداء نَحْو أَيهَا الرجل وَهِي فِي هَذَا وَاجِبَة للتّنْبِيه على أَنه الْمَقْصُود بالنداء وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} قَوْله {الَّذين} اسْم مَوْصُول مَوْضُوع للْجمع وَلَيْسَ هُوَ جمع الَّذِي لِأَن الَّذِي عَام لذِي الْعلم وَغَيره وَالَّذين يخْتَص بذوي الْعلم وَلَا يكون الْجمع أخص من مفرده وَقَول بعض شرَّاح الْهِدَايَة من أَصْحَابنَا أَن الَّذين جمع الَّذِي صادر من غير تَحْقِيق ثمَّ إِن الَّذين لَا يَخْلُو إِمَّا أَن يكون صفة لأي أَو يكون موصوفها محذوفا تَقْدِيره يَا أَيهَا النَّاس الَّذين آمنُوا أَو يَا أَيهَا الْقَوْم الَّذين آمنُوا وَنَحْو ذَلِك لِأَن الموصولات وضعت وصلَة إِلَى المعارف بالجمل وَأي لَيْسَ بِمَعْرِِفَة فَلَا يكون الَّذين صفة لَهُ فَإِن قلت كَيفَ يكون الَّذين صفة لأي وَصفَة أَي هُوَ الْمُقدر من النَّاس أَو الْقَوْم قلت الْمَجْمُوع كُله هُوَ صفة أَي لَا الْمُقدر وَحده وَلَا الْمَوْصُول وَحده فَعَن هَذَا سقط اعْتِرَاض الشَّيْخ قوام الدّين الْأَتْقَانِيّ على الشَّيْخ حَافظ الدّين النَّسَفِيّ فِي قَوْله {الَّذين آمنُوا} صفة لأي بِأَنَّهُ لَيْسَ كَذَلِك لِأَن صفة أَي هُوَ الْمُقدر من الْقَوْم أَو النَّاس ثمَّ آمنُوا صفة لتِلْك الصّفة الْمقدرَة لأي بِوَاسِطَة الَّذين قَوْله {آمنُوا} فعل مَاض للْجمع الْمُذكر الغائبين من آمن يُؤمن إِيمَانًا قَوْله {إِذا} تسْتَعْمل فِي الْكَلَام على وَجْهَيْن الأول أَن تكون للمفاجأة فتختص بالجمل الاسمية وَلَا تحْتَاج إِلَى الْجَواب وَلَا تقع فِي الِابْتِدَاء وَمَعْنَاهَا الْحَال لَا الِاسْتِقْبَال نَحْو خرجت فَإِذا الْأسد بِالْبَابِ وَمِنْه {فَإِذا هِيَ حَيَّة تسْعَى} وَالثَّانِي أَن تكون ظرفا للمستقبل متضمنة معنى الشَّرْط وتختص بِالدُّخُولِ على الْجُمْلَة الفعلية وَمن هَذَا الْقَبِيل قَوْله تَعَالَى {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} فَإِن إِذا هُنَا ظرف تضمن معنى الشَّرْط قَوْله {قُمْتُم} فعل مَاض للْجمع الْمُذكر المخاطبين قَوْله {إِلَى الصَّلَاة} كلمة إِلَى تَأتي لثمانية معَان الأول انْتِهَاء الْغَايَة الزمانية نَحْو {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} والمكانية نَحْو {من الْمَسْجِد الْحَرَام إِلَى الْمَسْجِد الْأَقْصَى} الثَّانِي الْمَعِيَّة نَحْو {من أَنْصَارِي إِلَى الله} الثَّالِث التَّبْيِين وَهِي المبينة لفاعلية مجرورها بعد مَا يُفِيد حبا أَو بغضا من فعل تعجب أَو اسْم تَفْضِيل نَحْو {رب السجْن أحب إِلَيّ} الرَّابِع بِمَعْنى اللَّام نَحْو الْأَمر إِلَيْك الْخَامِس بِمَعْنى فِي نَحْو {ليجمعنكم إِلَى يَوْم الْقِيَامَة} السَّادِس الِابْتِدَاء كَقَوْلِه
(تَقول وَقد عاليت بالكوز فَوْقهَا ... أيسقى فَلَا يرْوى إِلَى ابْن احمرا)
السَّابِع بِمَعْنى عِنْد نَحْو أشهى إِلَيّ من الرَّحِيق السلسل أَي عِنْدِي الثَّامِن التوكيد وَهِي الزَّائِدَة أثبت ذَلِك الْفراء مستدلا بِقِرَاءَة بَعضهم {أَفْئِدَة من النَّاس تهوي إِلَيْهِم} بِفَتْح الْوَاو قَوْله {الصَّلَاة} على وزن فعلة من صلى كَالزَّكَاةِ من زكى واشتقاقها من الصلا وَهُوَ الْعظم الَّذِي عَلَيْهِ الأليان لِأَن الْمُصَلِّي يُحَرك صلويه فِي الرُّكُوع وَالسُّجُود وَقيل للثَّانِي من خيل السباق الْمُصَلِّي لِأَن رَأسه يَلِي صلوي السَّابِق وَيُقَال الصَّلَاة الدُّعَاء وَمِنْه قَول الْأَعْشَى فِي وصف الْخمر
(وقابلها الرّيح فِي دنها ... وَصلى على دنها وارتسم)
أَي دَعَا لَهَا بالسلامة وَالْبركَة. وَأما فِي الشَّرْع فَهِيَ عبارَة عَن الْأَفْعَال الْمَعْهُودَة والأذكار الْمَعْلُومَة فَإِن قلت كَيفَ يكون

(2/226)


الْمَعْنى فِي الْوَجْهَيْنِ قلت على الْوَجْه الأول يكون لفظ الصَّلَاة من الْأَسْمَاء الْمُغيرَة شرعا وعَلى الْوَجْه الثَّانِي يكون من الْأَسْمَاء المنقولة شرعا لوُجُود الْمَعْنى اللّغَوِيّ مَعَ زِيَادَة فِيهَا شرعا وَفِي النَّقْل المعني اللّغَوِيّ مرعي وَفِي التَّغْيِير يكون بَاقِيا وَلكنه زيد عَلَيْهَا شَيْء آخر قَوْله {فَاغْسِلُوا} أَمر للْجمع الْمُذكر الْحَاضِرين من غسل يغسل غسلا وغسلا بِالْفَتْح وَالضَّم كِلَاهُمَا مصدران وَقيل الْغسْل بِالْفَتْح مصدر وبالضم اسْم للاغتسال وَفِي الشَّرْع الْغسْل إمرار المَاء على الْموضع إِذا لم يكن هُنَاكَ نَجَاسَة فَإِن كَانَ هُنَاكَ نَجَاسَة فغسلها إِزَالَتهَا بِالْمَاءِ أَو مَا يقوم مقَامه قَوْله {وُجُوهكُم} جمع وَجه وَحكى الْفراء حَيّ الْوُجُوه وَحي الْأَوْجه وَقَالَ ابْن السّكيت ويفعلون ذَلِك كثيرا فِي الْوَاو إِذا انضمت وَهُوَ فِي اللُّغَة مَأْخُوذ من المواجهة وَهِي الْمُقَابلَة وَحده فِي الطول من مُبْتَدأ سطح الْجَبْهَة إِلَى مُنْتَهى اللحيين وهما عظما الحنك ويسميان الفكين وَعَلَيْهِمَا منابت الْأَسْنَان السُّفْلى وَمن الْأذن إِلَى الْأذن فِي الْعرض وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ والأقطع حَده من قصاص الشّعْر إِلَى أَسْفَل الذقن إِلَى شحمة الْأذن حكى ذَلِك أَبُو الْحسن الْكَرْخِي عَن أبي سعيد البردعي وَقَالَ الرَّازِيّ وَلَا نعلم خلافًا بَين الْفُقَهَاء فِي هَذَا الْمَعْنى وَكَذَلِكَ يَقْتَضِي ظَاهر الِاسْم إِذا كَانَ إِنَّمَا سمي وَجها لظُهُوره وَلِأَنَّهُ يواجه الشَّيْء ويقابل بِهِ وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ من تَحْدِيد الْوَجْه هُوَ الَّذِي يواجه الْإِنْسَان ويقابله من غَيره فَإِن قلت فَيَنْبَغِي أَن يكون الأذنان من الْوَجْه بِهَذَا الْمَعْنى قلت لَا يجب ذَلِك لِأَن الْأُذُنَيْنِ تستران بالعمامة والإزار والقلنسوة وَنَحْوهَا وَقَالَ فِي الْبَدَائِع لم يذكر حد الْوَجْه فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَذكر فِي غير الْأُصُول كَمَا ذكره فِي الْكتاب وَقَالَ هَذَا حد صَحِيح فَيخرج دَاخل الْعَينَيْنِ وَالْأنف والفم وأصول شعر الحاجبين واللحية والشارب ودنيم الذُّبَاب وَدم البراغيث لخروجها عَن المواجهة وَقَالَ أَبُو عبد الله الْبَلْخِي لَا تسْقط وَبِه قَالَ الشَّافِعِي فِي الْخَفِيف والمزني وَأَبُو ثَوْر وَإِسْحَق مُطلقًا وَحكى الرَّافِعِيّ قولا وَفِي الْمَبْسُوط الْعين غير دَاخل فِي غسل الْوَجْه لما فِي إِيصَال المَاء إِلَيْهَا من الْحَرج لِأَنَّهُ شَحم لَا يقبل المَاء وَمن تكلّف من الصَّحَابَة فِيهِ كف بَصَره فِي آخر عمره كَابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُم وَفِي الْغَايَة للسروجي عَن أَحْمد بن إِبْرَاهِيم أَن من غمض عَيْنَيْهِ فِي غسل الْوَجْه تغميضا شَدِيدا لَا يجْزِيه الْوضُوء وَقل من رمدت عينه فرمصت وَاجْتمعَ رماصها تكلّف إِيصَال المَاء تَحت مُجْتَمع الرمص وَيجب إِيصَال المَاء إِلَى الماق كَذَا فِي الْمُجْتَبى وَفِي المغنى وَالْوَجْه من منابت شعر الرَّأْس إِلَى ماانحدر من اللحيين والذقن إِلَى أصُول الْأُذُنَيْنِ وَلَا يعْتَبر كل أحد بِنَفسِهِ بل لَو كَانَ أجلح ينحسر شعره عَن مقدم رَأسه غسل إِلَى حد منابت الشّعْر فِي الْغَالِب والأقرع الَّذِي ينزل شعره إِلَى الْوَجْه يجب عَلَيْهِ غسل الشّعْر الَّذِي ينزل عَن حد الْغَالِب وَفِي الْأَحْكَام لِابْنِ بزيزة للْوَجْه حد طولا وعرضا فحده طولا من منابت الشّعْر الْمُعْتَاد إِلَى الذقن وَقَوْلنَا الْمُعْتَاد احْتِرَاز عَن الأغم والأقرع وَاخْتلف الْمَذْهَب فِي حَده عرضا على أَرْبَعَة أَقْوَال فَقيل من الْأذن إِلَى الْأذن وَقيل من العذار إِلَى العذار فِي حق الملتحي وَمن الْأذن إِلَى الْأذن فِي حق الْأَمْرَد وَالْقَوْل الرَّابِع أَن غسل الْبيَاض الَّذِي بَين الصدغ وَالْأُذن سنة قَوْله {وَأَيْدِيكُمْ} جمع يَد وَأَصلهَا يدى على وزن فعل بِسُكُون الْعين لِأَن جمعهَا أَيدي ويدى مثل فلس وأفلس وفلوس وَلَا يجمع فعل على أفعل إِلَّا أحرف يسيرَة مَعْدُودَة مثل زمن وأزمن وجبل وأجبل وعصا وأعص وَقد جمعت الْأَيْدِي فِي الشّعْر على أياد قَالَ الشَّاعِر
(كَأَنَّهُ بالصحصحان الأنجد ... قطن سخام بأيادي غزل)
وَهُوَ جمع الْجمع مثل أكرع وأكارع وَالْيَد اسْم يَقع على هَذَا الْعُضْو من طرف الْأَصَابِع إِلَى الْمنْكب وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن عمارا رَضِي الله عَنهُ تيَمّم إِلَى الْمنْكب وَقَالَ تيممنا إِلَى المناكب مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَكَانَ ذَلِك بِعُمُوم قَوْله تَعَالَى {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ إِلَى الْمرَافِق} وَلم يُنكر عَلَيْهِ من جِهَة اللُّغَة بل هُوَ كَانَ من أهل اللُّغَة فَكَانَ عِنْده أَن الِاسْم للعضو إِلَى الْمنْكب فَثَبت بذلك أَن الِاسْم يتَنَاوَل إِلَى الْمنْكب فَإِذا كَانَ الْإِطْلَاق يَقْتَضِي ذَلِك ثمَّ ذكر التَّحْدِيد فَجعل الْمرَافِق غَايَة كَانَ ذكرهَا لإِسْقَاط مَا وَرَاءَهَا قَوْله {إِلَى الْمرَافِق} جمع مرفق بِكَسْر الْمِيم وَفتح الْفَاء وعَلى الْعَكْس وَهُوَ مُجْتَمع طرف الساعد والعضد قلت الأول هُوَ اسْم الْآلَة كالمحلب وَالثَّانِي اسْم الْمَكَان وَيجوز فِيهِ فتح الْمِيم وَالْفَاء على أَن يكون مصدرا أَو اسْم مَكَان على الأَصْل وَذكر ابْن سَيّده فِي الْمُخَصّص أَن أَبَا عُبَيْدَة قَالَ الْمرْفق والمرفق من الْإِنْسَان وَالدَّابَّة على الذِّرَاع وأسفل الْعَضُد والمرفق المتكأ قَالَ الْأَصْمَعِي الْمرْفق من الْإِنْسَان وَالدَّابَّة بِكَسْر الْفَاء والمرفق الْأَمر الرفيق

(2/227)


بِفَتْحِهَا وَفِي الْجَامِع للقزاز قَالَ قوم الْمرْفق من الْيَد والمتكأ وَالْأَمر بِكَسْر الْمِيم وَلذَلِك قَرَأَ الْأَعْمَش وَالْحسن وَأَبُو عَمْرو وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ {ويهيء لكم من أَمركُم مرفقا} بِكَسْر الْمِيم وَقرأَهَا أهل الْمَدِينَة وَعَاصِم بِالْفَتْح وَبِهَذَا يرد على الْجَوْهَرِي حَيْثُ زعم أَن الْفَتْح لم يقْرَأ أحد بِهِ وَفِي الغريبين الْفَتْح أَقيس وَالْكَسْر أَكثر فِي مرفق الْيَد قَوْله {وامسحوا} أَمر من مسح يمسح مسحا من بَاب فعل يفعل بِالْفَتْح فيهمَا قَالَ الْجَوْهَرِي مسح بِرَأْسِهِ وتمسح بِالْأَرْضِ وَمسح الأَرْض مساحة أَي ذرعها وَمسح الْمَرْأَة أَي جَامعهَا ومسحه بِالسَّيْفِ أَي قطعه ومسحت الْإِبِل يَوْمهَا أَي سَارَتْ وَمسح الرحل بِالْكَسْرِ مسحا من الأمسح وَهُوَ الَّذِي يُصِيب أحد ربلتيه قلت الربلة بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتحهَا هُوَ بَاطِن الْفَخْذ وَقَالَ الْأَصْمَعِي الْفَتْح أفْصح وَالْجمع ربلات وَفِي الشَّرْع الْمسْح الْإِصَابَة وَقد يَجِيء بِمَعْنى الْغسْل على مَا يَجِيء إِن شَاءَ الله تَعَالَى والرؤس جمع رَأس وَهُوَ جمع كَثْرَة وَجمع الْقلَّة أرؤس قَوْله {وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} الأرجل جمع رجل والكعب فِيهِ أَقْوَال الأول هُوَ الناشز عِنْد ملتقى السَّاق والقدم وَأنكر الْأَصْمَعِي قَول النَّاس أَنه فِي ظهر الْقدَم نَقله عَنهُ الْجَوْهَرِي وَقَالَ الزّجاج الكعبان العظمان الناتئان فِي آخر السَّاق مَعَ الْقدَم وكل مفصل للعظام فَهُوَ كَعْب إِلَّا أَن هذَيْن الْكَعْبَيْنِ ظاهران عَن يمنة الْقدَم ويسرته فَلذَلِك لم يحْتَج أَن يُقَال الكعبان اللَّذَان من صفتهما كَذَا وَكَذَا وَفِي الْمُخَصّص فِي كل رجل كعبان وهما طرفا عظمي السَّاق وملتقى الْقَدَمَيْنِ قَالَ ابْن جني وَقَول أبي كَبِير
(وَإِذا يهب من الْمَنَام رَأَيْته ... كرتوب كَعْب السَّاق لَيْسَ بزمل)
يدل على أَن الْكَعْبَيْنِ هما الناجمان فِي أَسْفَل كل سَاق من جنبيها وَأَنه لَيْسَ الشاخص فِي ظهر الْقدَم وَفِي التَّهْذِيب للأزهري عَن ثَعْلَب الكعبان المنجمان الناتئان قَالَ وَهُوَ قَول أبي عَمْرو بن الْعَلَاء والأصمعي وَفِي كتاب الْمُنْتَهى وجامع الْقَزاز الكعب الناشر عِنْد ملتقى السَّاق والقدم وَلكُل رجل كعبان الْجمع كعوب وكعاب وَقَالَت الإمامية وكل من ذهب إِلَى الْمسْح أَنه عظم مستدير مثل كَعْب الْغنم وَالْبَقر مَوْضُوع تَحت عظم السَّاق حَيْثُ يكون مفصل السَّاق والقدم عِنْد معقد الشرَاك وَقَالَ فَخر الدّين ابْن الْخَطِيب اخْتَار الْأَصْمَعِي قَول الإمامية فِي الكعب وَقَالَ الطرفان الناتئان يسميان النجمين وَهُوَ خلاف مَا نَقله عَنهُ الْجَوْهَرِي وَحجَّة الْجُمْهُور لَو كَانَ الكعب مَا ذَكرُوهُ لَكَانَ فِي كل رجل كَعْب وَاحِد فَكَانَ يَنْبَغِي أَن يَقُول إِلَى الكعاب لِأَن الأَصْل أَن مَا يُوجد من خلق الْإِنْسَان مُفردا فتثنيته بِلَفْظ الْجمع كَقَوْلِه تَعَالَى {فقد صغت قُلُوبكُمَا} وَتقول رَأَيْت الزيدين أَنفسهمَا وَمَتى كَانَ مثنى فتثنيته بِلَفْظ التَّثْنِيَة فَلَمَّا لم يقل إِلَى الكعاب علم أَن المُرَاد من الكعب مَا أردناه الثَّانِي أَنه شَيْء خَفِي لَا يعرفهُ إِلَّا المشرحون وَمَا ذَكرْنَاهُ مَعْلُوم لكل أحد ومناط التَّكْلِيف على الظُّهُور دون الخفاء الثَّالِث حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ غسل رجله الْيُمْنَى إِلَى الْكَعْبَيْنِ ثمَّ الْيُسْرَى كَذَلِك أخرجه مُسلم فَدلَّ على أَن فِي كل رجل كعبين وَحَدِيث النُّعْمَان بن بشير رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي تَسْوِيَة الصُّفُوف فقد رَأَيْت الرجل يلصق كَعبه بكعب صَاحبه ومنكبه بمنكبه رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْبَيْهَقِيّ بأسانيد جَيِّدَة وَالْبُخَارِيّ فِي صَحِيحه تَعْلِيقا وَلَا يتَحَقَّق إلصاق الكعب بالكعب فِيمَا ذَكرُوهُ وَحَدِيث طَارق بن عبد الله أخرجه إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده وَقَالَ حَدثنَا الْفضل بن مُوسَى عَن يزِيد بن زِيَاد ابْن أبي الْجَعْد عَن جَامع بن شَدَّاد عَن طَارق بن عبد الله الْمحَاربي رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي سوق ذِي الْمجَاز وَعَلِيهِ جُبَّة حَمْرَاء وَهُوَ يَقُول يَا أَيهَا النَّاس قُولُوا لَا إِلَه إِلَّا الله تُفْلِحُوا وَرجل يتبعهُ ويرميه بِالْحِجَارَةِ وَقد أدْمى عرقوبه وكعبيه وَهُوَ يَقُول يَا أَيهَا النَّاس لَا تطيعوه فَإِنَّهُ كَذَّاب فَقلت من هَذَا فَقَالُوا هَذَا ابْن عبد الْمطلب قلت فَمن هَذَا الَّذِي يتبعهُ ويرميه بِالْحِجَارَةِ قَالُوا هَذَا عبد الْعُزَّى أَبُو لَهب وَهَذَا يدل على أَن الكعب هُوَ الْعظم الناتىء فِي جَانب الْقدَم لِأَن الرَّمية إِذا كَانَت من وَرَاء الْمَاشِي لَا تصيب ظهر الْقدَم فَإِن قلت روى هِشَام بن عبد الله الرَّازِيّ عَن مُحَمَّد بن الْحسن رَحمَه الله أَنه فِي ظهر الْقدَم عِنْد معقد الشرَاك قلت قَالُوا أَن ذَلِك سَهْو عَن هِشَام فِي نَقله عَن مُحَمَّد لِأَن مُحَمَّدًا قَالَ ذَلِك فِي مَسْأَلَة الْمحرم إِذا لم يجد النَّعْلَيْنِ حَيْثُ يقطع خفيه أَسْفَل الْكَعْبَيْنِ وَأَشَارَ مُحَمَّد بِيَدِهِ إِلَى مَوضِع الْقطع فنقله هِشَام إِلَى الطَّهَارَة وَقَالَ ابْن بطال فِي شَرحه قَالَ أَبُو حنيفَة الكعب هُوَ الْعظم الشاخص فِي ظهر الْقدَم ثمَّ قَالَ وَأهل اللُّغَة لَا يعْرفُونَ مَا قَالَه قلت هَذَا جهل مِنْهُ بِمذهب أبي

(2/228)


حنيفَة رَضِي الله عَنهُ فَإِن ذَلِك لَيْسَ قَوْله وَلَا نَقله عَنهُ أحد من أَصْحَابه فَكيف يَقُول قَالَ أَبُو حنيفَة كَذَا وَكَذَا وَهَذَا جَرَاءَة على الْأَئِمَّة (النَّوْع الثَّالِث فِي إِعْرَاب الْآيَة) فَقَوله {يَا} حرف نِدَاء وَأي منادى وَالْهَاء مقحمة للتّنْبِيه وَالَّذِي صفة لأي وَالتَّقْدِير يَا أَيهَا الْقَوْم الَّذين كَمَا بَيناهُ وَنَظِير ذَلِك يَا أَيهَا الرجل قَوْله {آمنُوا} جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل وَقعت صلَة للموصول وَلَا مَحل لَهَا من الْإِعْرَاب لِأَن الْجُمْلَة لَا يكون لَهَا مَحل من الْإِعْرَاب إِلَّا إِذا وَقعت موقع الْمُفْرد كَمَا بَين ذَلِك فِي مَوْضِعه قَوْله {إِذا} للشّرط و {قُمْتُم} جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل فعل الشَّرْط وَقَوله {فَاغْسِلُوا} جَوَاب الشَّرْط فَلذَلِك دخلت الْفَاء وَهُوَ جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل قَوْله {وُجُوهكُم} كَلَام إضافي مَفْعُوله وَقَوله {أَيْدِيكُم} بِالنّصب عطف على وُجُوهكُم التَّقْدِير فَاغْسِلُوا أَيْدِيكُم وَقَوله {وامسحوا} جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل عطف على {فَاغْسِلُوا} وَقَوله {برؤسكم} جَار ومجرور فِي مَحل النصب على المفعولية قَوْله {وأرجلكم} بِنصب اللَّام وخفضها فالنصب فِي قِرَاءَة نَافِع وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ والخفض فِي قِرَاءَة البَاقِينَ وَقَالَ الرَّازِيّ فِي الْأَحْكَام قَرَأَ ابْن عَبَّاس وَالْحسن وَعِكْرِمَة وَحَمْزَة وَابْن كثير {وأرجلكم} بالخفض وتأولوها على الْمسْح وَقَرَأَ عَليّ وَعبد الله بن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة وَإِبْرَاهِيم وَالضَّحَّاك وَنَافِع وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ وَحَفْص عَن عَاصِم بِالنّصب وَكَانُوا يرَوْنَ غسلهمَا وَاجِبا وَسَيَجِيءُ مزِيد الْكَلَام فِيهِ إِن شَاءَ الله تَعَالَى (النَّوْع الرَّابِع فِيمَا يتَعَلَّق بالمعاني وَالْبَيَان) فِيهَا الِافْتِتَاح بالنداء الَّذِي هُوَ نوع من أَنْوَاع الطّلب لِأَنَّهُ طلب إقبال الْمُخَاطب بِحرف نَائِب مناب ادعوا وفيهَا تَقْيِيد الْفِعْل بِحرف الشَّرْط وَذَلِكَ يكون فِي التراكيب لاعتبارات شَتَّى لَا تعرف ذَلِك إِلَّا بِمَعْرِِفَة أدوات الشَّرْط الَّتِي هِيَ إِن وَإِمَّا وَإِذا وَإِذا مَا وَإِذ وإذما وَمَتى وَمَتى مَا وَأَيْنَ وأينما وَحَيْثُ وحيثما وَمن وَمَا وَمهما وَأي وأنى وَلَو وَصَاحب الْمعَانِي لَا يتَكَلَّم إِلَّا فِي إِذا وَإِن وَلَو لِكَثْرَة دورانها مَعَ تعلق اعتبارات لَطِيفَة بهَا أما إِن وَإِذا فللشرط مَعَ الِاسْتِقْبَال يَعْنِي لتعليق الْفِعْل على الْفَاعِل فِي الزَّمَان الْمُسْتَقْبل لَكِن أصل إِن عدم الْجَزْم بِوُقُوع الشَّرْط يَعْنِي عدم جزم الْقَائِل بِوُقُوع شَرطهَا وَلَا وُقُوعه بل تَجْوِيز كل مِنْهُمَا لكَونه غير مُحَقّق الْوُقُوع كَمَا فِي إِذا طلعت الشَّمْس واللاوقوع كَمَا فِي إِن طَار إِنْسَان وَنَحْو إِن يكرمني أكرمك إِذا لم يعلم الْقَائِل أيكرمه أم لَا وأصل إِذا الْجَزْم أَي جزم الْقَائِل بِوُقُوع الشَّرْط تَحْقِيقا كَمَا مر أَو خطابيا كَقَوْلِك إِذا جَاءَ محبي فَإِن مَجِيئه لَيْسَ قَطْعِيا تَحْقِيقا كطلوع الشَّمْس بل تَقْديرا بِاعْتِبَار خطابي أَي ظَنِّي وَهُوَ أَن الْمُحب يزوره الْمُحب فَإِذا تمهد هَذَا فَنَقُول ذكر فِي الْآيَة الْكَرِيمَة بإذا دون إِن وَذكر فِي آيَة الْغسْل بإن دون إِذا وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لما كَانَ الْقيام إِلَى الصَّلَاة من الْأُمُور اللَّازِمَة والأشياء الْغَالِبَة بِالنِّسْبَةِ إِلَى حَالَة الْمُؤمن ذكره بإذا الَّذِي تدخل على أَمر كَائِن أَو منتظر لَا محَالة بِخِلَاف الْجَنَابَة فَإِنَّهَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْقيام إِلَى الصَّلَاة قَليلَة جدا وَهُوَ من الْأَشْيَاء المترددة الْوُجُود والأمور الْعَارِضَة فَلذَلِك خصت بِأَن فَإِن قلت مَا تَقول فِي قَوْلهم إِن مَاتَ فلَان قلت هَذِه الْجَهَالَة فِي وَقت الْمَوْت لَا فِي وُقُوعه فَلَا يقْدَح ذَلِك وفيهَا اسْتِعْمَال الْغَائِب مَوضِع الْمُخَاطب وَذَلِكَ لِأَن الْقيَاس فِي قَوْله {آمنُوا} أَن يُقَال آمنتم لِأَن من حق المنادى بِكَوْنِهِ مُخَاطبا أَن يعبر عَنهُ بالضمير فَيُقَال يَا إياك وَيَا أَنْت إِذْ مُقْتَضى الْحَال فِي الْمُخَاطب أَن يعبر عَنهُ بضميره لَكِن لما كَانَ النداء لطلب الإقبال ليخاطب بعده بِالْمَقْصُودِ والمنادى ذاهل عَن كَونه مُخَاطبا نزل منزلَة الْغَائِب فَعبر عَنهُ بالمظهر الَّذِي هُوَ للْغَائِب ليَكُون أقضى لحق الْبَيَان. وفيهَا اخْتِيَار لفظ الْمَاضِي على الْمُضَارع فِي قَوْله {قُمْتُم} وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لما تمّ النداء واستحضر المنادى أَتَى بضمير الْمُخَاطب بقوله {قُمْتُم} وَلما جَاءَ الِاخْتِلَاف بَين {آمنُوا} و {قُمْتُم} ذهب بَعضهم إِلَى أَن هَذَا من قبيل الِالْتِفَات لِأَن آمنُوا مغايبة وقمتم مُخَاطبَة وَمِمَّنْ قَالَ ذَلِك الشَّيْخ حَافظ الدّين النَّسَفِيّ فِي الْمُسْتَصْفى فِي شرح النافع وشنع عَلَيْهِ الشَّيْخ قوام الدّين الأتراوي فِي شَرحه وَنسبه فِي ذَلِك إِلَى الْغَلَط وَقَالَ وَلَيْسَ الْأَمر كَذَلِك لِأَن الِالْتِفَات إِنَّمَا يكون فِيمَا إِذا كَانَ حق الْكَلَام بالغيبة وَذكر بِالْخِطَابِ أَو بِالْعَكْسِ وَلم يَقع الْكَلَام فِي الْآيَة إِلَّا فِي الْموضع الَّذِي اقْتَضَاهُ قلت على تَقْرِيره كَلَام النَّسَفِيّ صَحِيح والحط عَلَيْهِ مَرْدُود يفهم ذَلِك من التَّقْرِير الَّذِي سبق بل الصَّحِيح أَن منع الِالْتِفَات هَهُنَا مَبْنِيّ على أَن آمنُوا صلَة الَّذين والموصولات غيب وَالضَّمِير الَّذِي يكون رَاجعا من الصِّلَة إِلَى الْمَوْصُول لَا يكون إِلَّا غَائِبا وَلَكِن الْجُمْلَة كلهَا أَعنِي قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} فِي حكم الْخطاب لِأَنَّهُ

(2/229)


منادى فَوَجَبَ أَن يكون مَا بعده خطابا فَكَانَ قَوْله {قُمْتُم} بِالْخِطَابِ وَاقعا فِي مَحَله مخرج على مُقْتَضى ظَاهره فَلَا يكون من الِالْتِفَات لِأَنَّهُ انْتِقَال من صِيغَة إِلَى صِيغَة أُخْرَى سَوَاء كَانَ من الضمائر بَعْضهَا إِلَى بعض أَو من غَيرهَا ثمَّ اعْلَم أَن بَعضهم قد ذكر بِنَاء على مَا سبق من أَن قَوْله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} فِي حكم الْخطاب أَن الغائبين إِنَّمَا يدْخلُونَ تَحت الْخطاب بِالدّلَالَةِ أَو الْإِجْمَاع وَقَالَ بَعضهم إِنَّمَا قَالَ {آمنُوا} وَلم يقل آمنتم ليدْخل تَحْتَهُ كل من آمن إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَلَو قَالَ آمنتم لاختص بِمن كَانُوا فِي عصر النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام. وفيهَا إِرَادَة الْفِعْل بِالْفِعْلِ لِأَن معنى قَوْله {إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} إِذا أردتم الْقيام إِلَى الصَّلَاة وَأَنْتُم محدثون فَاغْسِلُوا كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِذا قَرَأت الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه} التَّقْدِير فَإِذا أردْت قِرَاءَة الْقُرْآن فاستعذ بِاللَّه قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فَإِن قلت لم جَازَ أَن يعبر عَن إِرَادَة الْفِعْل بِالْفِعْلِ قلت لِأَن الْفِعْل يُوجد بقدرة الْفَاعِل عَلَيْهِ وإرادته لَهُ وَهِي قَصده إِلَيْهِ وخلوص داعيه فَكَمَا عبر عَن الْقُدْرَة على الْفِعْل بِالْفِعْلِ فِي قَوْلهم الْإِنْسَان لَا يطير وَالْأَعْمَى لَا يبصر أَي لَا يقدران على الطيران والإبصار كَذَلِك عبر عَن إِرَادَة الْفِعْل بِالْفِعْلِ وَذَلِكَ لِأَن الْفِعْل مسبب عَن الْقُدْرَة والإرادة فأقيم الْمُسَبّب مقَام السَّبَب للملابسة بَينهمَا ولإيجاز الْكَلَام (النَّوْع الْخَامِس فِي استنباط الْأَحْكَام) وَهُوَ على أَنْوَاع الأول ظَاهر الْآيَة يَقْتَضِي وجوب الطَّهَارَة بعد الْقيام إِلَى الصَّلَاة لِأَنَّهُ جعل الْقيام إِلَيْهَا شرطا لفعل الطَّهَارَة وَحكم الْجَزَاء أَن يتَأَخَّر عَن الشَّرْط أَلا ترى أَن من قَالَ لامْرَأَته إِن دخلت الدَّار فَأَنت طَالِق إِنَّمَا يَقع الطَّلَاق بعد الدُّخُول وَهَذَا لَا خلاف فِيهِ بَين أهل اللُّغَة أَنه مُقْتَضى اللَّفْظ وَحَقِيقَته وَإِلَى هَذَا ذهب أهل الظَّاهِر فَقَالُوا الْوضُوء سَببه الْقيام إِلَى الصَّلَاة فَكل من قَامَ إِلَيْهَا فَعَلَيهِ أَن يتَوَضَّأ وَالْجَوَاب عَن هَذَا أَن معنى الْآيَة إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة من مضاجعكم فَاغْسِلُوا الخ أَو إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة وَأَنْتُم محدثون فَاغْسِلُوا وَالدَّلِيل على ذَلِك من السّنة وَالْقِيَاس أما السّنة فَمَا رَوَاهُ مُسلم وَقَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير قَالَ حَدثنَا أبي قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن عَلْقَمَة بن مرْثَد وحَدثني مُحَمَّد بن حَاتِم وَاللَّفْظ لَهُ قَالَ أخبرنَا يحيى بن سعيد عَن سُفْيَان قَالَ حَدثنِي عَلْقَمَة بن مرْثَد عَن سُلَيْمَان بن بُرَيْدَة عَن أَبِيه أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الصَّلَوَات يَوْم الْفَتْح بِوضُوء وَاحِد وَمسح على خفيه فَقَالَ لَهُ عمر رَضِي الله عَنهُ لقد صنعت الْيَوْم شَيْئا لم تكن تَصنعهُ فَقَالَ عمدا صَنعته يَا عمر وَرَوَاهُ الطَّحَاوِيّ وَالتِّرْمِذِيّ أَيْضا وَقَالَ حَدِيث حسن صَحِيح فَدلَّ هَذَا الحَدِيث على أَن الْقيام إِلَى الصَّلَاة غير مُوجب للطَّهَارَة إِذْ لم يجدد النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام الطَّهَارَة لكل صَلَاة فَثَبت بذلك أَن فِي الْآيَة مُقَدرا يتَعَلَّق بِهِ إِيجَاب الْوضُوء وَهُوَ إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة من مضاجعكم وروى الطَّحَاوِيّ فِي مَعَاني الْآثَار وَأَبُو بكر الرَّازِيّ فِي الْأَحْكَام وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من طَرِيق جَابر عَن عبد الله بن أبي بكر بن مُحَمَّد بن عَمْرو بن حزم عَن عبد الله بن عَلْقَمَة بن الغفراء عَن أَبِيه كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا أجنب أَو أهرق المَاء إِنَّمَا نكلمه فَلَا يُكَلِّمنَا ونسلم عَلَيْهِ فَلَا يرد علينا حَتَّى نزلت {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة} فَدلَّ هَذَا الحَدِيث على أَن الْآيَة نزلت فِي إِيجَاب الْوضُوء من الْحَدث عِنْد الْقيام إِلَى الصَّلَاة وَأَن التَّقْدِير فِي الْآيَة إِذا قُمْتُم إِلَى الصَّلَاة وَأَنْتُم محدثون فَإِن قلت حَدِيث جَابر الْجعْفِيّ غير ثَابت فَلَا يتم بِهِ الِاسْتِدْلَال قلت لَا نسلم ذَلِك لِأَن سُفْيَان يَقُول كَانَ جَابر ورعا فِي الحَدِيث مَا رَأَيْت أورع فِي الحَدِيث مِنْهُ وَعَن شُعْبَة هُوَ صَدُوق فِي الحَدِيث وَعَن وَكِيع ثِقَة وروى ذَلِك أَيْضا عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم فروى البُخَارِيّ عَن مُسَدّد قَالَ حَدثنَا يحيى عَن سُفْيَان قَالَ حَدثنِي عَمْرو بن عَامر عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ كَانَ النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام يتَوَضَّأ عِنْد كل صَلَاة قلت كَيفَ كُنْتُم تَصْنَعُونَ قَالَ يَجْزِي أَحَدنَا الْوضُوء مَا لم يحدث وَقَالَ الطَّحَاوِيّ حَدثنَا أَبُو بكرَة قَالَ حَدثنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن عَمْرو بن عَامر قَالَ سَمِعت أنسا رَضِي الله عَنهُ يَقُول كُنَّا نصلي الصَّلَوَات كلهَا بِوضُوء وَاحِد مَا لم نُحدث وروى ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه وَقَالَ حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن مَسْعُود بن عَليّ عَن عِكْرِمَة قَالَ قَالَ سعد إِذا تَوَضَّأت فصل بوضوئك ذَلِك مَا لم تحدث وروى الطَّحَاوِيّ وَقَالَ حَدثنَا أَبُو بكرَة قَالَ حَدثنَا أَبُو دَاوُد قَالَ حَدثنَا شُعْبَة قَالَ أَخْبرنِي مَسْعُود بن عَليّ عَن عِكْرِمَة أَن سَعْدا كَانَ يُصَلِّي الصَّلَوَات كلهَا بِوضُوء وَاحِد مَا لم يحدث وَرِجَاله ثِقَات وَأَبُو دَاوُد هُوَ الطَّيَالِسِيّ صَاحب الْمسند ومسعود بن عَليّ الْبَصْرِيّ وَثَّقَهُ ابْن حبَان وَغَيره وروى عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه وَقَالَ حَدثنَا معمر عَن قَتَادَة عَن يُونُس بن جُبَير أبي غلاب عَن عَطاء بن عبد الله الرقاشِي قَالَ كُنَّا مَعَ أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي جَيش على سَاحل دجلة إِذْ حضرت

(2/230)


الصَّلَاة فَنَادَى مناديه لِلظهْرِ فَقَامَ النَّاس إِلَى الْوضُوء فَتَوَضَّأ ثمَّ صلى بهم ثمَّ جَلَسُوا حلقا فَلَمَّا حضرت الْعَصْر نَادَى مُنَاد الْعَصْر فَهَب النَّاس للْوُضُوء أَيْضا فَأمر مناديه أَلا لَا وضوء إِلَّا على من أحدث قَالَ أوشك الْعلم أَن يذهب وَيظْهر الْجَهْل حَتَّى يضْرب الرجل أمه بِالسَّيْفِ من الْجَهْل وروى ذَلِك أَيْضا عَن جمَاعَة من التَّابِعين فروى الطَّحَاوِيّ عَن مُحَمَّد بن خُزَيْمَة قَالَ حَدثنَا الْحجَّاج قَالَ حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد أَن شريحا كَانَ يُصَلِّي الصَّلَوَات كلهَا بِوضُوء وَاحِد وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَحَمَّاد هُوَ ابْن سَلمَة وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين وروى ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه وَقَالَ حَدثنَا عبد الله بن إِدْرِيس عَن هِشَام عَن الْحسن قَالَ يُصَلِّي الرجل الصَّلَوَات كلهَا بِوضُوء وَاحِد مَا لم يحدث فَكَذَلِك التَّيَمُّم وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا نَحوا مِنْهُ وَقَالَ أَيْضا حَدثنَا حَفْص عَن لَيْث عَن عَطاء وَطَاوُس وَمُجاهد أَنهم كَانُوا يصلونَ الصَّلَوَات كلهَا بِوضُوء وَاحِد حَدثنَا يحيى بن سعيد عَن مجَالد قَالَ رَأَيْت سَعْدا يُصَلِّي الصَّلَوَات كلهَا بِوضُوء وَاحِد وروى عبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه وَقَالَ حَدثنَا يحيى بن الْعَلَاء عَن الْأَعْمَش عَن عمَارَة بن عُمَيْر قَالَ كَانَ الْأسود بن يزِيد يتَوَضَّأ بقدح قدري الرجل ثمَّ يُصَلِّي بذلك الْوضُوء الصَّلَوَات كلهَا مَا لم يحدث وَأما الْقيَاس فَلِأَنَّهُ لَو كَانَ الْأَمر كَمَا ذكرُوا كَانَ كل من جلس يتَوَضَّأ لزمَه إِذا قَامَ إِلَى الصَّلَاة وضوء آخر وَفِي ذَلِك تَفْوِيت الصَّلَاة بالاشتغال بِالْوضُوءِ وَهَذَا تَفْوِيت الْمَقْصُود الْأَصْلِيّ بالاشتغال بمقدماته وَهَذَا لَا يجوز وَلِأَن الْحَدث شَرط وجوب الْوضُوء بِدلَالَة النَّص فَإِنَّهُ ذكر التَّيَمُّم فِي قَوْله {وَإِن كُنْتُم مرضى أَو على سفر أَو جَاءَ أحد مِنْكُم من الْغَائِط} إِلَى قَوْله {فَتَيَمَّمُوا صَعِيدا طيبا} مَقْرُونا بِذكر الْحَدث وَهُوَ بدل عَن الْوضُوء وَالنَّص فِي الْبَدَل نَص فِي الأَصْل فَإِن قلت إِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك فَلم أضمر الْحَدث فِي الْآيَة قلت كَرَاهَة أَن يفْتَتح آيَة الطَّهَارَة بِذكر الْحَدث كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {هدى لِلْمُتقين} حَيْثُ لم يقل هدى للضالين الصائرين إِلَى التَّقْوَى بعد الضلال كَرَاهَة أَن يفْتَتح أولى الزهراوين بِذكر الضَّلَالَة فَإِن اعْترض على الأول بِأَن الْجُلُوس فِي الْوضُوء لَيْسَ بِوَاجِب فَلَا يتم مَا ذكرْتُمْ وعَلى الثَّانِي بِأَن الْآيَة بعبارتها تدل على وجوب الْوضُوء على كل قَائِم وَآيَة التَّيَمُّم تدل بدلالتها على وُجُوبه على الْمُحدثين والعبارة قاضية على الدّلَالَة كَمَا عرف فَالْجَوَاب عَن الأول سلمنَا أَن الْجُلُوس فِي الْوضُوء غير وَاجِب لَكِن خلاف مَا ذكرنَا يُفْضِي إِلَى وجوب الْقيام للْوُضُوء دَائِما لِأَن أَدَاء الصَّلَاة لَا يتَحَقَّق إِذْ ذَاك وَذَلِكَ بَاطِل بِالْإِجْمَاع وَمَا يُفْضِي إِلَى الْبَاطِل بَاطِل وَإِذا ثَبت هَذَا ظهر أَن ظَاهر الْآيَة غير مُرَاد فَلَا يَقْتَضِي وجوب الْوضُوء على كل قَائِم فتسلم الدّلَالَة عَن الْمعَارض وَيسْقط السُّؤَال الثَّانِي فَإِن الْمُعْتَرض اعْترض بِأَن الِاسْتِدْلَال فَاسد هَهُنَا لِأَنَّهَا تدل على اشْتِرَاط وجوب التَّيَمُّم بِوُجُود الْحَدث وَالتَّيَمُّم يدل وَيجوز أَن يتَخَلَّف الْبَدَل عَن الأَصْل فِي الشَّرْط فَإِنَّهُ خَالفه فِي اشْتِرَاط النِّيَّة وَهِي شَرط لَا محَالة أُجِيب بِأَن كلامنا فِي مُخَالفَة الْبَدَل الأَصْل فِي شَرط السَّبَب فَإِن إِرَادَة الْقيام إِلَى الصَّلَاة بِشَرْط الْحَدث سَبَب لوُجُوب التَّيَمُّم وَالْبدل لَا يُخَالف الأَصْل فِي سَببه وَمَا ذكره لَيْسَ بِشَرْط السَّبَب فَإِن إِرَادَة الْقيام إِلَى الصَّلَاة بِشَرْط نِيَّة التَّيَمُّم لَيست بِسَبَب لَهُ وَإِنَّمَا النِّيَّة شَرط صِحَة التَّيَمُّم لَا شَرط سَببه (فَإِن قلت) قد رُوِيَ عَن الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة رَضِي الله عَنْهُم أَنهم كَانُوا يتوضؤن لكل صَلَاة قلت هُوَ مَحْمُول على الْفَضِيلَة للدلائل الَّتِي ذَكرنَاهَا فَثَبت بِمَا ذكرنَا أَن سَبَب وجوب الْوضُوء إِرَادَة الصَّلَاة بِشَرْط الْحَدث وَهَكَذَا ذكر فِي الْمُحِيط والمفيد وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ سَببه الْحَدث عِنْد الْقيام إِلَى الصَّلَاة وَالْمُخْتَار هُوَ الأول وَفِي الْحَوَاشِي الْحَدث شَرطه بِدلَالَة النَّص وصيغته أما صيغته فَلِأَنَّهُ ذكر الْحَدث فِي التَّيَمُّم الَّذِي هُوَ بدل عَن الْوضُوء وَالْبدل إِنَّمَا وَجب بِمَا وَجب بِهِ فِي الأَصْل فَكَانَ ذكر الْحَدث فِي الْبَدَل ذكرا فِي الْمُبدل وَأما الدّلَالَة فَقَوله {إِذا قُمْتُم} أَي من مضاجعكم وَهُوَ كِنَايَة عَن النّوم وَهُوَ حدث وَإِنَّمَا صرح بِذكر الْحَدث فِي الْغسْل وَالتَّيَمُّم دون الْوضُوء ليعلم أَن الْوضُوء يكون سنة وفرضا وَالْحَدَث شَرط فِي الْفَرْض دون السّنة لِأَن الْوضُوء على الْوضُوء نور على نور وَالْغسْل على الْغسْل وَالتَّيَمُّم على التَّيَمُّم لَيْسَ كَذَلِك وَهُوَ الْمَشْهُور فيهمَا عِنْد الشَّافِعِي قَالَ الْمُتَوَلِي والشاشي من الشَّافِعِيَّة فِي مُوجب الْوضُوء ثَلَاثَة أوجه. أَحدهَا الْحَدث فلولاه لم يجب. الثَّانِي الْقيام إِلَى الصَّلَاة لِأَنَّهُ لَا يتَعَيَّن عَلَيْهِ قبله. الثَّالِث وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد الْمُتَوَلِي وَغَيره أَنه يجب بهما. ثمَّ الْحَدث على جَمِيع الْبدن فِي وَجه كالجنابة حَتَّى منع من مس الْمُصحف بظهره وبطنه والاكتفاء بِغسْل الْأَعْضَاء الْأَرْبَعَة تَخْفيف وَفِي وَجه يخْتَص بالأربعة وَعدم جَوَاز الْمس لعدم

(2/231)


طَهَارَة جَمِيع الْبدن وَيشكل بِالنَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّة وَفِي الْأَصَح اخْتِلَاف عِنْدهم قَالَ الشاطي الْعُمُوم وَقَالَ الْبَغَوِيّ وَغَيره الِاخْتِصَاص وَرجحه النَّوَوِيّ (النَّوْع الثَّانِي من النَّوْع الْخَامِس) أَن قَوْله {إِلَى الصَّلَاة} يتَنَاوَل سَائِر الصَّلَوَات من المفروضات والنوافل لِأَن الصَّلَاة اسْم للْجِنْس فَاقْتضى أَن يكون من شَرط الصَّلَاة الطَّهَارَة أَي صَلَاة كَانَت الثَّالِث اسْتدلَّ بِظَاهِر الْآيَة طَائِفَة أَن الْوضُوء لَا يجزىء إِلَّا بعد دُخُول وَقت الصَّلَاة وَكَذَلِكَ التَّيَمُّم وَهَذَا فَاسد لِأَنَّهُ لم يُقيد فِي النَّص دُخُول وَقت الصَّلَاة وَيُؤَيّد مَا ذَكرْنَاهُ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَغَيره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من اغْتسل يَوْم الْجُمُعَة غسل الْجَنَابَة وَرَاح فَكَأَنَّمَا قرب بَدَنَة وَمن رَاح فِي السَّاعَة الثَّانِيَة فَكَأَنَّمَا قرب بقرة وَمن رَاح فِي السَّاعَة الثَّالِثَة فَكَأَنَّمَا قرب كَبْشًا وَمن رَاح فِي السَّاعَة الرَّابِعَة فَكَأَنَّمَا قرب دجَاجَة وَمن رَاح فِي السَّاعَة الْخَامِسَة فَكَأَنَّمَا قرب بَيْضَة فَإِذا خرج الإِمَام حضرت الْمَلَائِكَة يَسْتَمِعُون الذّكر فَهَذَا نَص جلي على جَوَاز الْوضُوء للصَّلَاة قبل دُخُول وَقتهَا لِأَن الإِمَام يَوْم الْجُمُعَة لَا بُد ضَرُورَة من أَن يخرج قبل الْوَقْت أَو بعده وَأي الْأَمريْنِ كَانَ يتَطَهَّر الرَّائِح من أول النَّهَار كَانَ قبل وَقت الْجُمُعَة بِلَا شكّ الرَّابِع {فَاغْسِلُوا} يَقْتَضِي إِيجَاب الْغسْل وَهُوَ اسْم لإمرار المَاء على الْموضع إِذا لم يكن هُنَاكَ نَجَاسَة فَإِن كَانَت هُنَاكَ نَجَاسَة فغسلها إِزَالَتهَا بإمرار المَاء أَو مَا يقوم مقَامه وَلَيْسَ عَلَيْهِ غسل ذَلِك الْموضع بِيَدِهِ وَإِنَّمَا عَلَيْهِ إمرار المَاء حَتَّى يجْرِي على الْموضع قَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ وَقد اخْتلف فِي ذَلِك على ثَلَاثَة أوجه فَقَالَ مَالك بن أنس عَلَيْهِ إمرار المَاء ودلك الْموضع بِهِ وَإِلَّا لم يكن غاسلا وَقَالَ آخَرُونَ وَهُوَ قَول أَصْحَابنَا وَعَامة الْفُقَهَاء عَلَيْهِ إِجْرَاء المَاء وَلَيْسَ عَلَيْهِ دلكه بِهِ وروى هِشَام عَن أبي يُوسُف أَنه يمسح الْموضع بِالْمَاءِ كَمَا يمسح بالدهن وَفِي التُّحْفَة الْغسْل تسييل المَاء على الْموضع وَالْمسح إمراره عَلَيْهِ فقد فسر الْمسْح بِمَا فسر الرَّازِيّ الْغسْل بِهِ وَفِي الْبَدَائِع لَو اسْتعْمل المَاء من غير إسالة كالتدهن بِهِ لَا يجوز فِي ظَاهر الرِّوَايَة وَعَن أبي يُوسُف أَنه يجوز وعَلى هَذَا لَو تَوَضَّأ بالثلج وَلم يقطر مِنْهُ شَيْء لَا يجوز وَلَو قطر قطرتان أَو ثَلَاث جَازَ لوُجُود الإسالة وَفِي الذَّخِيرَة تَأْوِيل مَا رُوِيَ عَن أبي يُوسُف أَنه إِن سَالَ من الْعُضْو قَطْرَة أَو قطرتان وَلم يتدارك وَفِي الْأَحْكَام لِابْنِ بزيزة صفة الْغسْل فِي الْأَعْضَاء المغسولة أَن يلقى الْعُضْو بِالْمَاءِ لِأَن يبله وَقَالَ أَبُو يُوسُف إِذا مسح الْأَعْضَاء كمسح الدّهن يجوز وَقَالَ بعض التَّابِعين مَا عهدناهم يلطمون وُجُوههم بِالْمَاءِ وَجَمَاعَة الْعلمَاء على خلاف مَا قَالَه أَبُو يُوسُف لِأَن تِلْكَ الْهَيْئَة الَّتِي قَالَ بهَا لَا تسميها الْعَرَب غسلا الْبَتَّةَ الْخَامِس قَوْله {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم} يَقْتَضِي فَرضِيَّة غسل الْوَجْه وَقد ذكرنَا حَده السَّادِس مَا ذكرنَا من حد الْوَجْه يدل على أَن الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق غير واجبتين بِالْآيَةِ إِذْ لَيْسَ دَاخل الْأنف والفم مواجهين لمن قَابل الْوَجْه فَمن قَالَ بوجوبهما فقد زَاد على الْكتاب وَهُوَ غير جَائِز السَّابِع أَن اللِّحْيَة يحْتَمل أَن تكون من الْوَجْه لِأَنَّهَا تواجه الْمُقَابل وَلَا تتغطى فِي الْأَكْثَر كَسَائِر الْوَجْه فَيَقْتَضِي ذَلِك وجوب غسلهَا وَيحْتَمل أَن لَا تكون من الْوَجْه لِأَن الْوَجْه مَا واجهك من الْبشرَة دون الشّعْر النَّابِت عَلَيْهِ بَعْدَمَا كَانَت الْبشرَة ظَاهِرَة دونه فَلذَلِك اخْتلفُوا فِي غسل اللِّحْيَة وتخليلها ومسحها الثَّامِن قَوْله {فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم} يَقْتَضِي جَوَاز الصَّلَاة بِوُجُود الْغسْل سَوَاء قارنته النِّيَّة أَو لم تقارنه وَذَلِكَ لِأَن الْغسْل اسْم شَرْعِي مَفْهُوم الْمَعْنى فِي اللُّغَة وَهُوَ إمرار المَاء على الْموضع وَلَيْسَ هُوَ عبارَة عَن النِّيَّة فَمن شَرط فِيهِ النِّيَّة فقد زَاد على النَّص التَّاسِع قَوْله {وَأَيْدِيكُمْ} يدل على فَرضِيَّة غسل الْيَدَيْنِ وَيجب غسل كل مَا كَانَ مركبا على الْيَدَيْنِ من الْأَصَابِع الزَّائِدَة والكف الزَّائِدَة وَإِن خلق على الْعَضُد غسل مَا يُحَاذِي مَحل الْفَرْض لَا مَا فَوْقه وَفِي مغنى الْحَنَابِلَة وَإِن خلق لَهُ اصبع زَائِد أَو يَد زَائِدَة فِي مَحل الْفَرْض كالعضد أَو الْمنْكب لم يجب غسلهَا سَوَاء كَانَت قَصِيرَة أَو طَوِيلَة هَذَا قَول ابْن حَامِد وَابْن عقيل وَقَالَ القَاضِي إِن كَانَ بَعْضهَا يُحَاذِي مَحل الْفَرْض غسل مَا يحاذيه مِنْهَا وَالْأول أصح وَاخْتلف أَصْحَاب الشَّافِعِي فِي ذَلِك كَمَا ذكرنَا وَإِن تعلّقت جلدَة من غير مَحل الْفَرْض حَتَّى تدلت من مَحل الْفَرْض وَجب غسلهَا لِأَن أَصْلهَا فِي مَحل الْفَرْض فَأَشْبَهت الْأصْبع الزَّائِدَة وَإِن تعلّقت فِي مَحل الْفَرْض حَتَّى صَارَت متدلية من غير مَحل الْفَرْض غسلهَا قَصِيرَة كَانَت أَو طَوِيلَة بِلَا خلاف وَإِن تعلّقت فِي أحد المحلين والتحم رَأسهَا فِي الآخر وَبَقِي وَسطهَا متجافيا صَارَت كالنابتة فِي المحلين يجب غسل مَا يُحَاذِي مَحل الْفَرْض من ظَاهرهَا وباطنها وَغسل مَا تحتهَا من مَحل الْفَرْض وَفِي الْحِلْية لَو خلق لَهُ يدان على منْكب

(2/232)


إِحْدَاهمَا نَاقِصَة فالتامة هِيَ الْأَصْلِيَّة والناقصة خلقَة زَائِدَة فَإِن حَاذَى مِنْهَا مَحل الْفَرْض وَجب غسله عندنَا وَالشَّافِعِيّ وَمن أَصْحَابه من قَالَ لَا يجب غسلهَا بِحَال وَفِي الْغَايَة وَمن شلت يَده الْيُسْرَى وَلم يجد من يصب عَلَيْهِ المَاء وَلَا مَاء جَارِيا لَا يستنجي وَإِن وجد ذَلِك يستنجي بِيَمِينِهِ وَإِن شلت يَدَاهُ مسح يَدَيْهِ على الأَرْض وَوجه على الْحَائِط وَلَا يدع الصَّلَاة وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن مَقْطُوع الْيَدَيْنِ من الْمرْفقين وَالرّجلَيْنِ من الْكَعْبَيْنِ يوضىء وَجهه ويمس أَطْرَاف الْمرْفقين والكعبين بِالْمَاءِ وَلَا يجْزِيه غير ذَلِك وَهُوَ قَول أبي يُوسُف وَفِي الدِّرَايَة لَو قطعت يَده من الْمرْفق لَا فرض عَلَيْهِ وَفِي المغنى وَإِن قطعت يَده من دون الْمرْفق غسل مَا بَقِي من مَحل الْفَرْض وَإِن قطعت من الْمرْفق غسل الْعظم الَّذِي هُوَ طرف الْعَضُد وَإِن كَانَ من فَوق الْمرْفقين سقط الْغسْل لعدم مَحَله وَإِن كَانَ أقطع الْيَدَيْنِ فَوجدَ من يوضئه مُتَبَرعا لزمَه ذَلِك لِأَنَّهُ قَادر عَلَيْهِ وَإِن لم يجد من يوضئه إِلَّا بِأَجْر يقدر عَلَيْهِ لزمَه أَيْضا كَمَا يلْزمه شِرَاء المَاء وَقَالَ ابْن عقيل يحْتَمل أَن لَا يلْزمه كَمَا لَو عجز عَن الْقيام لم يلْزمه استيجار من يقيمه ويعتمد عَلَيْهِ وَإِن عجز عَن الْأجر أَو لم يقدر على من يستأجره صلى على حسب حَاله كعادم المَاء وَالتُّرَاب إِن وجد من ييممه وَلم يجد من يوضئه لزمَه التَّيَمُّم وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي وَلَا أعلم فِيهِ خلافًا وَفِي مَبْسُوط أبي بكر قَالَ الإسكاف يجب إِيصَال المَاء إِلَى مَا تَحت الْعَجِين أَو الطين فِي الْأَظْفَار دون الدَّرن لتولده فِيهِ وَقَالَ الصفار يجب إِيصَال المَاء إِلَى مَا تَحْتَهُ إِن طَال الظفر وَإِلَّا فَلَا وَفِي النَّوَازِل يجب فِي حق الْمصْرِيّ دون الْقَرَوِي لِأَن فِي أظفار الْمصْرِيّ دسومة فَيمْنَع وُصُول المَاء إِلَى مَا تَحْتَهُ وَفِي أظفار الْقَرَوِي طين لَا يمْنَع وَلَو كَانَ جلد سمك أَو خبز ممضوغ جَاف يمْنَع وُصُول المَاء لم يجز وَفِي ونيم الذُّبَاب والبرغوث جَازَ وَفِي الْجَامِع الْأَصْغَر إِذا كَانَ وافر الْأَظْفَار وفيهَا طين أَو عجين أَو الْمَرْأَة تضع الْحِنَّاء جَازَ فِي الْقَرَوِي وَالْمَدَنِي إِذْ لَا يَسْتَطِيع الِامْتِنَاع عَنهُ إِلَّا بحرج قَالَ الدبوسي وَهَذَا صَحِيح وَعَلِيهِ الْفَتْوَى وَفِي فَتَاوَى مَا وَرَاء النَّهر وَلَو بَقِي من مَوضِع الْغسْل قدر رَأس إبرة أَو لزق بِأَصْل ظفره طين يَابِس لم يجزه وَلَو تلطخت يَدهَا بخميرة أَو حناء جَازَ وَفِي المغنى إِذا كَانَ تَحت أَظْفَاره وسخ يمْنَع وُصُول المَاء إِلَى مَا تَحْتَهُ فَقَالَ ابْن عقيل لَا تصح طَهَارَته حَتَّى يُزِيلهُ وَيحْتَمل أَن لَا يلْزمه ذَلِك لِأَن هَذَا مستتر عَادَة وَفِي الْأَحْكَام لِابْنِ بزيزة إِذا طَالَتْ الْأَظْفَار فقد اخْتلف الْعلمَاء هَل يجب غسلهَا لِأَنَّهَا من الْيَدَيْنِ حسا وإطلاقا وَحكما وَمن الْعلمَاء من اسْتحبَّ تقصيص الزَّائِد على الْمُعْتَاد وَلم يُوجب بعض الْعلمَاء غسل الْأَظْفَار إِذا طَالَتْ وَفِي الْمُجْتَبى وَلَا يجب نزع الْخَاتم وتحريكه فِي الْوضُوء إِذا كَانَ وَاسِعًا وَفِي الضّيق اخْتِلَاف الْمَشَايِخ وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة عدم اشْتِرَاط النزع والتحريك فَإِن قلت روى الدَّارَقُطْنِيّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا تَوَضَّأ حرك خَاتمه قلت فِي سَنَده معمر بن مُحَمَّد بن عبد الله هُوَ وَأَبوهُ ضعيفان وَفِي الْأَحْكَام لِابْنِ بزيزة تَحْرِيك الْخَاتم فِي الْوضُوء وَالْغسْل اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ فَقيل يحركه فِي الْوضُوء وَالْغسْل وَالتَّيَمُّم وَقيل لَا يحركه مُطلقًا وَقيل إِن كَانَ ضيقا حركه وَإِن كَانَ وَاسِعًا لَا يحركه وَقيل يحركه فِي الْوضُوء وَالْغسْل ويزيله فِي التَّيَمُّم النَّوْع الْعَاشِر قَوْله {إِلَى الْمرَافِق} يدل على أَن الْمرَافِق غَايَة والغاية هَل تدخل تَحت المغيا أم لَا فِيهِ خلاف فَقَالَ زفر الْغَايَة لَا تدخل تَحت المغيا وَأَرَادَ بالغاية الْحَد وبالمغيا الْمَحْدُود كَمَا لَا يدْخل اللَّيْل فِي الصَّوْم فِي قَوْله تَعَالَى {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} بِخِلَاف قَوْله {حَتَّى يطهرن} حَيْثُ دخلت الْغَايَة فِي المغيا لِأَنَّهَا إِنَّمَا لم تدخل إِذا كَانَت عينا أَو وقتا وَهَهُنَا الْغَايَة لَا عين وَلَا وَقت بل فعل وَالْفِعْل لَا يُوجد بِنَفسِهِ فَلَا بُد من وجود الْفِعْل الَّذِي هُوَ غَايَة النَّهْي لانْتِهَاء النَّهْي فَيبقى الْفِعْل دَاخِلا فِي النَّهْي ضَرُورَة وَهَذَا الَّذِي ذكره الإِمَام المرغيناني لزفَر وَذكر غَيره تعَارض الْأَشْيَاء وَهُوَ أَن من الغايات مَا يدْخل كَقَوْلِه قَرَأت الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره وَمِنْهَا مَا لَا يدْخل كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَإِن كَانَ ذُو عسرة فنظرة إِلَى ميسرَة} وَقَوله {ثمَّ أَتموا الصّيام إِلَى اللَّيْل} وَهَذِه الْغَايَة أَعنِي الْمرَافِق تشبه كلا مِنْهُمَا فَلَا تدخل بِالشَّكِّ وَبقول زفر قَالَ أَبُو بكر بن دَاوُد وَأَشْهَب فِي رِوَايَة عَن مَالك وَذكر المرغيناني لِأَصْحَابِنَا أَن هَذِه الْغَايَة لإِسْقَاط مَا وَرَاءَهَا إِذْ لولاها لشملت وَظِيفَة الْغسْل كل الْيَد وكل الرجل بَيَان ذَلِك أَن الْغَايَة على نَوْعَيْنِ غَايَة إِسْقَاط وَغَايَة إِثْبَات فَيعلم ذَلِك بصدر الْكَلَام فَإِن كَانَ صدر الْكَلَام يثبت الحكم فِي الْغَايَة وَمَا وَرَاءَهَا قبل ذكر الْغَايَة فَذكرهَا لإِسْقَاط مَا وَرَاءَهَا وَإِلَّا فلإمداد الحكم إِلَى تِلْكَ الْغَايَة والغاية فِي صُورَة النزاع من قبيل الْإِسْقَاط وَفِي الْمَقِيس عَلَيْهِ من قبيل الْإِثْبَات فَلَا يَصح الْقيَاس هَذَا

(2/233)


تَقْرِيره قَالَه المرغيناني وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا الْمقَام أَن هُنَا مدارك الأول أَن إِلَى بِمَعْنى مَعَ قَالَه ثَعْلَب وَغَيره من أهل اللُّغَة وَاحْتَجُّوا بقوله تَعَالَى {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم} وبقولهم إِلَى الذودابل وَفِيه ضعف فَإِنَّهُ يُوجب غسل الْعَضُد لاشتمال الْيَد عَلَيْهِ وعَلى الْمرْفق مَعَ أَنا نمْنَع أَن يكون إِلَى فِيمَا اسْتشْهد بِهِ بِمَعْنى مَعَ لِأَن معنى الْآيَة وَلَا تَأْكُلُوهَا مَضْمُومَة إِلَى أَمْوَالكُم أَي وَلَا تضموها إِلَى أَمْوَالكُم آكلين لَهَا وَكَذَا الذوداي مَضْمُومَة إِلَى الزودابل الْمدْرك الثَّانِي أَن الْحَد يدْخل إِذا كَانَ التَّحْدِيد شَامِلًا للحد والمحدود قَالَ سِيبَوَيْهٍ والمبرد وَغَيرهمَا مَا بعد إِلَى إِذا كَانَ من نوع مَا قبلهَا دخل فِيهِ وَالْيَد عِنْد الْعَرَب من رُؤْس الْأَصَابِع إِلَى الْمنْكب وَالرجل إِلَى أَعلَى الْفَخْذ حَتَّى تيَمّم عمار رَضِي الله عَنهُ إِلَى الْمنْكب وَلِهَذَا لَو قَالَ بِعْتُك هَذِه الْأَشْجَار من هَذِه إِلَى هَذِه دخل الْحَد وَيكون المُرَاد بالغاية إِخْرَاج مَا وَرَاء الْحَد فَكَانَ المُرَاد بِذكر الْمرَافِق والكعبين إِخْرَاج مَا وَرَاءَهَا الثَّالِث أَن إِلَى تفِيد الْغَايَة ودخولها فِي الحكم وخروجها مِنْهُ يَدُور مَعَ الدَّلِيل فَقَوله تَعَالَى {فنظرة إِلَى ميسرَة} مِمَّا لَا يدْخل فِيهِ لِأَن الْإِعْسَار عِلّة الِانْتِظَار فيزول بِزَوَال علته وَكَذَا اللَّيْل فِي الصَّوْم لَو دخل لوَجَبَ الْوِصَال وَمِمَّا فِيهِ دَلِيل الدُّخُول قَوْلك حفظت الْقُرْآن من أَوله إِلَى آخِره وَقطعت يَد فلَان من الْخِنْصر إِلَى السبابَة فالحد يدْخل فِي الْمَحْدُود فَإِذا كَانَ الدُّخُول وَعدم الدُّخُول يقف على دَلِيل فقد وجد دَلِيل الدُّخُول هَهُنَا لوجوه ثَلَاثَة. الأول حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَنه تَوَضَّأ فَغسل يَدَيْهِ حَتَّى أشرع فِي العضدين وَغسل رجلَيْهِ حَتَّى أشرع فِي السَّاقَيْن ثمَّ قَالَ هَكَذَا رَأَيْته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يتَوَضَّأ رَوَاهُ مُسلم وَلم ينْقل تَركهَا فَكَانَ فعله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيَانا أَنه مِمَّا يدْخل قَوْله حَتَّى أشرع الْمَعْرُوف شرع فِي كَذَا أَي دخل وَحكى فِيهِ شرع وأشرع وروى حَتَّى أَسْبغ فِي الْعَضُد وَحَتَّى أَسْبغ فِي السَّاق. الْوَجْه الثَّانِي أَن الْمرْفق مركب من عظمي الساعد والعضد وجانب الساعد وَاجِب الْغسْل دون الْعَضُد وَقد تعذر التَّمْيِيز بَينهمَا فَوَجَبَ غسل الْمرْفق لِأَن مَا لَا يتم الْوَاجِب إِلَّا بِهِ فَهُوَ وَاجِب. الْوَجْه الثَّالِث قد وَجَبت الصَّلَاة فِي ذمَّته وَالطَّهَارَة شَرط سُقُوطهَا فَلَا تسْقط بِالشَّكِّ. الْمدْرك الرَّابِع مَتى كَانَ ذكر الْغَايَة لمد الحكم إِلَيْهَا لَا تدخل الْغَايَة فِي المغيا كَمَا فِي الصَّوْم لِأَنَّهُ عبارَة عَن الْإِمْسَاك أدنى سَاعَة حَقِيقَة وَشرعا حَتَّى لَو حلف لَا يَصُوم يَحْنَث بِالصَّوْمِ سَاعَة وَكَذَا لَو قَالَ ثمَّ أَتموا الصّيام اقْتضى صَوْم سَاعَة وَمَتى كَانَ يتأبد قبل ذكر الْغَايَة أَو يتَنَاوَل زِيَادَة على الْغَايَة تدخل الْغَايَة فِي الحكم وَيكون المُرَاد بهَا إِخْرَاج مَا وَرَاء الْغَايَة مَعَ بَقَاء الْغَايَة وَالْحَد دَاخِلا فِي الحكم وَاسم الْيَد يتَنَاوَل من رُؤْس الْأَصَابِع إِلَى الْإِبِط وَاسم الرجل يَتَنَاوَلهَا إِلَى أَعلَى الْفَخْذ فَكَانَ ذكر الْغَايَة لإِخْرَاج مَا وَرَاءَهَا وإسقاطه من الْإِيجَاب فَبَقيت الْغَايَة وَمَا قبلهَا دَاخِلا تَحت الْإِيجَاب. وَأورد على هَذَا الْمدْرك مَسْأَلَة الْيَمين وَهِي أَنه لَو حلف لَا يكلم فلَانا إِلَى رَمَضَان لَا يدْخل رَمَضَان فِي الْيَمين مَعَ أَنه لَوْلَا الْغَايَة لكَانَتْ الْيَمين متأبدة وَلم يَجْعَل ذكر الْغَايَة مسْقطًا لما وَرَاءَهَا فاليد هَهُنَا كالأيد فِي الْيَمين قَالَ خُوَاهَر زَاده وَلَا وَجه لتخريج هَذَا النَّقْض إِلَّا بِالْمَنْعِ على رِوَايَة الْحسن عَن أبي حنيفَة وَقَالَ رَضِي الدّين النَّيْسَابُورِي هَذِه الْغَايَة لمد الْيَمين لَا للإسقاط لِأَن قَوْله لَا أكلم للْحَال فَكَانَ مدا لَهَا إِلَى الْأَبَد قلت هَذَا مَمْنُوع فَإِن الْمُضَارع مُشْتَرك بَين الْحَال والاستقبال والمشترك يعم فِي النَّفْي حَتَّى لَو حلف لَا يكلم موَالِي فلَان يتَنَاوَل الْأَعْلَى والأسفل ذكره فِي وَصَايَا الْهِدَايَة وَغَيرهَا وعَلى هَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة رَضِي الله عَنهُ لَو شَرط الْخِيَار فِي البيع وَالشِّرَاء إِلَى الْغَد فَلهُ الْخِيَار فِي الْغَد كُله لِأَنَّهُ لَو اقْتصر على قَوْله أَنى بِالْخِيَارِ يتَنَاوَل الْأَبَد فَيكون ذكر الْغَد لإِسْقَاط مَا وَرَاءه أما وَجه ظَاهر الرِّوَايَة فِي الْيَمين فالعرف ومبنى الْإِيمَان عَلَيْهِ حَتَّى لَو حلف لَا يكلمهُ إِلَى عشرَة أَيَّام يدْخل الْيَوْم الْعَاشِر وَلَو قَالَ إِن تزوجت إِلَى خمس سِنِين دخلت السّنة الْخَامِسَة فِي الْيَمين وَكَذَا لَو اسْتَأْجر دَارا إِلَى خمس سِنِين دخلت الْخَامِسَة فِيهَا وَهَذَا الْمدْرك الرَّابِع هُوَ المتداول فِي الْكتب. النَّوْع الْحَادِي عشر قَوْله {وامسحوا برؤسكم} يدل على فَرضِيَّة مسح الرَّأْس وَاخْتلفُوا فِي الْمَفْرُوض مِنْهُ فروى أَصْحَابنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا ربع الرَّأْس وَالْأُخْرَى مِقْدَار ثَلَاثَة أَصَابِع وَيبدأ بِمقدم الرَّأْس وَقَالَ الْحسن بن الصَّالح يبْدَأ بمؤخر الرَّأْس وَقَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث يمسح بِمقدم الرَّأْس وَقَالَ مَالك الْفَرْض مسح جَمِيع الرَّأْس وَإِن ترك الْقَلِيل مِنْهُ جَازَ وَقَالَ الشَّافِعِي الْفَرْض مسح بعض رَأسه وَلم يحد شَيْئا قلت للفقهاء فِي هَذَا ثَلَاثَة عشر قولا سِتَّة عَن الْمَالِكِيَّة حَكَاهَا ابْن الْعَرَبِيّ والقرطبي وَقَالَ ابْن مسلمة صَاحب مَالك يجْزِيه مسح ثُلثَيْهِ وَقَالَ أَشهب وَأَبُو الْفرج يجْزِيه الثُّلُث وروى

(2/234)


البرقي عَن أَشهب يجْزِيه مقدم رَأسه وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث وَظَاهر مَذْهَب مَالك الِاسْتِيعَاب وعنهم يجْزِيه أدنى مَا يُطلق عَلَيْهِ اسْم الْمسْح وَالسَّادِس مسح كُله فرض ويعفى عَن ترك شَيْء يسير مِنْهُ يعزى إِلَى الطرطوشي وللشافعية قَولَانِ صرح أَكْثَرهم بِأَن مسح بعض شَعْرَة وَاحِدَة يجْزِيه وَقَالُوا يتَصَوَّر ذَلِك بِأَن يكون رَأسه مطليا بِالْحِنَّاءِ بِحَيْثُ لم يبْق من الشّعْر ظَاهرا إِلَّا شَعْرَة وَاحِدَة فَأمر يَده عَلَيْهَا وَهَذَا ضَعِيف جدا فَإِن الشَّرْع لَا يرد بالصورة النادرة الَّتِي يتَكَلَّف فِي تصورها وَقَالَ ابْن القَاضِي الْوَاجِب ثَلَاث شَعرَات وَهُوَ أخف من الأول وَيحصل أَضْعَاف ذَلِك بِغسْل الْوَجْه وَهُوَ يجزىء عَن الْمسْح فِي الصَّحِيح وَالنِّيَّة عِنْد كل عُضْو لَيست بِشَرْط بِلَا خلاف عِنْدهم وَدَلِيل التَّرْتِيب ضَعِيف وَعِنْدنَا فِي الْمَفْرُوض مِنْهُ ثَلَاث رِوَايَات فِي ظَاهر الرِّوَايَات ثَلَاث أَصَابِع ذكره فِي الْمُحِيط والمفيد وَهُوَ رِوَايَة هِشَام عَن أبي حنيفَة وَفِي رِوَايَة الْكَرْخِي والطَّحَاوِي مِقْدَار الناصية وَذكر فِي اخْتِلَاف زفر عَن أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف أَنَّهُمَا قَالَا لَا يجْزِيه إِلَّا أَن يمسح مِقْدَار ثلث رَأسه أَو ربعه وروى يحيى بن أكتم عَن مُحَمَّد أَنه اعْتبر ربع الرَّأْس وَقَالَ أَبُو بكر عندنَا فِيهِ رِوَايَتَانِ الرّبع وَثَلَاث أَصَابِع وَبَعض الْمَشَايِخ صحّح الرِّوَايَة بِثَلَاث أَصَابِع وَبَعْضهمْ رِوَايَة الرّبع احْتِيَاطًا وَفِي جَوَامِع الْفِقْه عَن الْحسن يجب مسح أَكثر الرَّأْس وَعَن أَحْمد يجب مسح جَمِيعه وَعنهُ يجزىء مسح بعضه وَالْمَرْأَة يجزيها مسح مقدم رَأسهَا فِي ظَاهر قَوْله وَفِي المغنى وَاخْتلف فِي قدر الْوَاجِب فروى عَن أَحْمد وجوب مسح جَمِيعه فِي حق كل أحد وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ وَمذهب مَالك وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة يجزىء مسح بعضه قَالَ أَبُو الْحَارِث قلت لِأَحْمَد فَإِن مسح بِرَأْسِهِ وَترك بعضه قَالَ يجْزِيه ثمَّ قَالَ وَمن يُمكنهُ أَن يَأْتِي على الرَّأْس كُله وَنقل عَن سَلمَة بن الْأَكْوَع أَنه كَانَ يمسح مقدم رَأسه وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا مسح اليافوخ وَمِمَّنْ قَالَ بمسح الْبَعْض الْحسن وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَأَصْحَاب الرَّأْي إِلَّا أَن الظَّاهِر عَن أَحْمد فِي حق الرجل وجوب الِاسْتِيعَاب وَفِي حق الْمَرْأَة يجزيها مقدم الرَّأْس قَالَ الْخلال الْعَمَل فِي مَذْهَب أبي عبد الله أَنَّهَا إِن مسحته بِمقدم رَأسهَا أجزأها وَقَالَ مهني قَالَ أَحْمد أَرْجُو أَن تكون الْمَرْأَة فِي مسح الرَّأْس أسهل وَقَالَ فِي الرَّوْضَة الْوَاجِب فِي مسح الرَّأْس مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم وَلَو بعض شَعْرَة أَو قدره من الْبشرَة وَفِي وَجه شَاذ يشْتَرط ثَلَاث شَعرَات وَشرط الشّعْر الْمَمْسُوح أَن لَا يخرج عَن حد الرَّأْس لَو مد سبطا كَانَ أَو جَعدًا انْتهى اعْلَم أَن الَّذِي ذهب إِلَيْهِ الشَّافِعِي فِي مسح الرَّأْس لم يُوجد لَهُ نَص فِي الْأَحَادِيث الَّتِي رويت فِي صفة وضوء النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِخِلَاف مَا ذهب إِلَيْهِ مَالك وأصحابنا أما مَا ذهب إِلَيْهِ مَالك فَهُوَ حَدِيث عبد الله بن زيد بن عَاصِم رَوَاهُ مَالك عَن عَمْرو بن يحيى الْمَازِني عَن أَبِيه قَالَ شهِدت عَمْرو بن أبي حسن سَأَلَ عبد الله بن زيد عَن وضوء رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فأكفأ على يَدَيْهِ من التور فَغسل يَدَيْهِ ثَلَاثًا ثمَّ أَدخل يَده فِي التور فَمَضْمض واستنشق واستنثر ثَلَاثًا بِثَلَاث غرفات ثمَّ أَدخل يَده فِي التور فَغسل وَجهه ثَلَاثًا وَيَديه إِلَى الْمرْفقين مرَّتَيْنِ ثمَّ أَدخل يَده فِي التور فَمسح رَأسه فَأقبل بهما وَأدبر مرّة وَاحِدَة ثمَّ غسل رجلَيْهِ أخرجه الْجَمَاعَة كلهم من حَدِيث مَالك وَأما مَا ذهب إِلَيْهِ أَصْحَابنَا فَهُوَ حَدِيث الْمُغيرَة بن شُعْبَة أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تَوَضَّأ وَمسح بناصيته وعَلى الْعِمَامَة وعَلى الْخُفَّيْنِ رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه مطولا ومختصرا وَقَالَ أَصْحَابنَا قَوْله تَعَالَى {وامسحوا برؤسكم} مُجمل فالتحق الحَدِيث بَيَانا بِهِ فَإِن قلت الحَدِيث يَقْتَضِي بَيَان عين الناصية وَالْمُدَّعِي ربع غير معِين وَهُوَ مِقْدَار الناصية فَلَا يُوَافق الدَّلِيل الْمَذْكُور قلت الحَدِيث يحْتَمل مَعْنيين بَيَان الْمُجْمل وَبَيَان الْمِقْدَار وَخبر الْوَاحِد يصلح بَيَانا لمجمل الْكتاب والإجمال فِي الْمِقْدَار دون الْمحل لِأَنَّهُ الرَّأْس وَهُوَ مَعْلُوم فَلَو كَانَ المُرَاد مِنْهُ الْمعِين يلْزم نسخ الْكتاب بِخَبَر الْوَاحِد فَإِن قلت لَا نسلم أَن الْإِجْمَال فِي الْمِقْدَار لِأَن المُرَاد مِنْهُ مُطلق الْبَعْض بِدَلِيل دُخُول الْبَاء فِي الْمحل وَالْمُطلق لَا يحْتَاج إِلَى الْبَيَان قلت المُرَاد بعض لَا مُطلق الْمِقْدَار لوجوه الأول أَن الْمسْح على أدنى مَا ينْطَلق عَلَيْهِ الِاسْم وَهُوَ مِقْدَار شَعْرَة غير مُمكن إِلَّا بِزِيَادَة غير مَعْلُومَة. وَالثَّانِي أَن الله أفرد الْمسْح بِالذكر وَلَو كَانَ المُرَاد بِالْمَسْحِ مسح مُطلق الْبَعْض وَهُوَ حَاصِل فِي ضمن الْغسْل لم يكن للإفراد بِالذكر فَائِدَة. وَالثَّالِث أَن الْمَفْرُوض فِي سَائِر الْأَعْضَاء غسل مِقْدَار فَكَذَا فِي هَذِه الْوَظِيفَة فَكَانَ مُجملا فِي حق الْمِقْدَار فَيكون فعله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم بَيَانا وَيُقَال الْبَاء للإلصاق فَاقْتضى إلصاق آلَة الْمسْح بِالرَّأْسِ لَكِن الإلصاق يحصل مَعَ

(2/235)


الْبَعْض كَمَا يحصل مَعَ الْكل وَالْبَعْض الملصق مُجمل فَكَانَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيَانا وَقَالَ صَاحب الِاخْتِيَار الْإِجْمَال فِي النَّص من حَيْثُ أَنه يحْتَمل إِرَادَة الْجَمِيع كَمَا قَالَ مَالك وَيحْتَمل إِرَادَة الرّبع كَمَا قُلْنَا وَيحْتَمل إِرَادَة الْأَقَل كَمَا قَالَ الشَّافِعِي وَهَذَا ضَعِيف لِأَن فِي احْتِمَال إِرَادَة الْجَمِيع تكون الْبَاء فِي برؤسكم زَائِدَة وَهُوَ بِمَنْزِلَة الْمجَاز لَا يُعَارض الأَصْل كَمَا ذكر فِي الْأُصُول وَالْعَمَل هُنَا مُمكن بِأَيّ بعض كَانَ فَلَا يكون النَّص بِهَذَيْنِ الِاحْتِمَالَيْنِ مُجملا فَإِن قلت لَا نسلم أَن الْكتاب مُجمل لِأَن الْمُجْمل مَا لَا يُمكن الْعَمَل بِهِ إِلَّا بِبَيَان من الْمُجْمل وَالْعَمَل بِهَذَا النَّص مُمكن بِحمْلِهِ على الْأَقَل لتيقنه قلت لَا نسلم أَن الْعَمَل بِهِ قبل الْبَيَان مُمكن والأقل لَا يكون أقل من شَعْرَة وَالْمسح عَلَيْهَا لَا يكون إِلَّا بِزِيَادَة عَلَيْهَا وَمَا لَا يُمكن إِلَّا بِهِ فَهُوَ فرض وَالزِّيَادَة غير مَعْلُومَة فتحقق الْإِجْمَال فِي الْمِقْدَار فَإِن قلت سلمنَا أَنه مُجمل وَالْخَبَر بَيَان لَهُ وَلَكِن الدَّلِيل أخص من الْمَدْلُول فَإِن الْمَدْلُول مِقْدَار الناصية وَهُوَ ربع الرَّأْس وَالدَّلِيل يدل على تعْيين الناصية وَمثله لَا يُفِيد الْمَطْلُوب قلت الْبَيَان لما فِيهِ من الْإِجْمَال فَكَأَن الناصية بَيَانا للمقدار لَا للمحل الْمُسَمّى نَاصِيَة إِذْ لَا إِجْمَال فِي الْمحل فَكَانَ من بَاب ذكر الْخَاص وَإِرَادَة الْعَام وَهُوَ مجَاز شَائِع فَكَانَا متساويين فِي الْعُمُوم فَإِن قلت لَا نسلم أَن مِقْدَار الناصية فرض لِأَن الْفَرْض مَا ثَبت بِدَلِيل قَطْعِيّ وَخبر الْوَاحِد لَا يُفِيد الْقطع وَلَئِن سلمناه وَلَكِن لَازمه هُوَ تَكْفِير الجاحد مُنْتَفٍ فَيَنْتَفِي الْمَلْزُوم قلت الأَصْل فِي هَذَا أَن خبر الْوَاحِد إِذا لحق بَيَانا للمجمل كَانَ الحكم بعده مُضَافا إِلَى الْمُجْمل دون الْبَيَان والمجمل من الْكتاب وَالْكتاب دَلِيل قَطْعِيّ وَلَا نسلم انْتِفَاء اللَّازِم لِأَن الجاحد من لَا يكون مؤولا وَمُوجب الْأَقَل والجميع مؤول يعْتَمد شُبْهَة قَوِيَّة وَقُوَّة الشُّبْهَة تمنع التَّكْفِير من الْجَانِبَيْنِ أَلا ترى أَن أهل الْبدع لَا يكفرون بِمَا منعُوا مِمَّا دلّ عَلَيْهِ الدَّلِيل الْقطعِي فِي نظر أهل السّنة لتأويلهم فَافْهَم. وَقَالَ أَبُو بكر الرَّازِيّ فِي الْأَحْكَام قَوْله تَعَالَى {وامسحوا برؤسكم} يَقْتَضِي مسح بعضه وَذَلِكَ لِأَنَّهُ مَعْلُوم أَن هَذِه الأدوات مَوْضُوعَة لإِفَادَة الْمعَانِي وَإِن كَانَ قد يجوز دُخُولهَا فِي بعض الْمَوَاضِع صلَة فَتكون ملغاة وَيكون وجودهَا وَعدمهَا سَوَاء وَلَكِن لما أمكن هَهُنَا اسْتِعْمَالهَا على وَجه الْفَائِدَة لم يجز الغاؤها فَلذَلِك قُلْنَا أَنَّهَا للتَّبْعِيض وَالدَّلِيل على ذَلِك أَنَّك إِذا قلت مسحت يَدي بِالْحَائِطِ كَانَ معقولا مسحها بِبَعْضِه دون جَمِيعه وَلَو قلت مسحت الْحَائِط كَانَ الْمَعْقُول مسح جَمِيعه دون بعضه فوضح الْفرق بَين إدخالها وإسقاطها فِي الْعرف واللغة فَإِذا كَانَ كَذَلِك تحمل الْبَاء فِي الْآيَة على التَّبْعِيض تَوْفِيَة لحقها وَإِن كَانَت فِي الأَصْل للإلصاق إِذْ لَا مُنَافَاة بَينهمَا لِأَنَّهَا تكون مستعملة للإلصاق فِي الْبَعْض الْمَفْرُوض وَالدَّلِيل على أَنَّهَا للتَّبْعِيض مَا روى عمر بن عَليّ بن مقدم عَن إِسْمَعِيل بن حَمَّاد عَن أَبِيه حَمَّاد عَن إِبْرَاهِيم فِي قَوْله {وامسحوا برؤسكم} قَالَ إِذا مسح بِبَعْض الرَّأْس أَجزَأَهُ قَالَ فَلَو قَالَ وامسحوا رؤسكم كَانَ الْفَرْض مسح الرَّأْس كُله فَأخْبر أَن الْبَاء للتَّبْعِيض وَقد كَانَ من أهل اللُّغَة مَقْبُول القَوْل فِيهَا وَيدل على أَنه قد أُرِيد بهَا التَّبْعِيض فِي الْآيَة اتِّفَاق الْجَمِيع على جَوَاز ترك الْقَلِيل من الرَّأْس فِي الْمسْح والاقتصار على الْبَعْض وَهَذَا هُوَ اسْتِعْمَال اللَّفْظ على التَّبْعِيض فَحِينَئِذٍ احْتَاجَ إِلَى دلَالَة فِي إِثْبَات الْمِقْدَار الَّذِي هُوَ حَده فَإِن قلت إِذا كَانَت للتَّبْعِيض لما جَازَ أَن يُقَال مسحت برأسي كُله كَمَا لَا يُقَال مسحت بِبَعْض رَأْسِي كُله قلت قد بَينا أَن حَقِيقَتهَا إِذا أطلقت التَّبْعِيض مَعَ احْتِمَال كَونهَا ملغاة فَإِذا قَالَ مسحت برأسي كُله علمنَا أَنه أَرَادَ أَن تكون الْبَاء ملغاة نَحْو قَوْله تَعَالَى {مَا لكم من إِلَه غَيره} وَنَحْو ذَلِك فَإِن قلت قَالَ ابْن جنى وَابْن برهَان من زعم أَن الْبَاء للتَّبْعِيض فقد جَاءَ أهل اللُّغَة بِمَا لَا يعرفونه قلت أثبت الْأَصْمَعِي والفارسي والقتيبي وَابْن مَالك التَّبْعِيض وَقيل هُوَ مَذْهَب الْكُوفِيّين وَجعلُوا مِنْهُ (عينا يشرب بهَا عباد الله) وَقَول الشَّاعِر
(شربن بِمَاء الْبَحْر ثمَّ ترفعت ... )
وَيُقَال أَن الْبَاء فِي الْآيَة للاستعانة وَأَن فِي الْكَلَام حذفا وَقَلْبًا فَإِن مسح يتَعَدَّى إِلَى المزال عَنهُ بِنَفسِهِ وَإِلَى المزيل بِالْبَاء فَالْأَصْل امسحوا رؤسكم بِالْمَاءِ وَالتَّحْقِيق فِي هَذَا الْموضع أَن الْبَاء للإلصاق فَإِن دخلت فِي آلَة الْمسْح نَحْو مسحت الْحَائِط بيَدي يتَعَدَّى إِلَى الْمحل فَيتَنَاوَل كُله وَإِن دخلت فِي الْمحل نَحْو فامسحوا برؤسكم لَا يتَنَاوَل كل الْمحل تَقْدِيره الصقوها برؤسكم فَإِذا لم يتَنَاوَل كل الْمحل يَقع الْإِجْمَال فِي قدر الْمَفْرُوض مِنْهُ وَيكون الحَدِيث مُبينًا لذَلِك كَمَا قَرَّرْنَاهُ. النَّوْع الثَّانِي عشر قَوْله {وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ} يدل على فَرضِيَّة غسل الرجلَيْن فِي الْوضُوء عِنْد جَمَاهِير الْعلمَاء بَيَان ذَلِك أَن قَوْله {وأرجلكم} قرىء بِالنّصب والخفض كَمَا ذكرنَا والقراءتان نقلهما الْأَئِمَّة تلقيا من رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم وَلَا يخْتَلف أهل اللُّغَة أَن كل وَاحِدَة من الْقِرَاءَتَيْن مُحْتَملَة للمسح بعطفها على الرَّأْس ومحتملة للْغسْل بعطفها على المغسول فَلَا يَخْلُو حِينَئِذٍ القَوْل من أحد معَان ثَلَاثَة أما أَن يُقَال أَن المُرَاد هما

(2/236)


جَمِيعًا فَيكون عَلَيْهِ أَن يمسح وَيغسل أَو يكون المُرَاد أَحدهمَا على وَجه التَّخْيِير يفعل المتوضىء أَيهمَا شَاءَ وَيكون مَا يَفْعَله هُوَ الْمَفْرُوض أَو يكون المُرَاد أَحدهمَا بِعَيْنِه لَا على التَّخْيِير فَلَا سَبِيل إِلَى الأول لِاتِّفَاق الْجَمِيع على خِلَافه وَكَذَا لَا سَبِيل إِلَى الثَّانِي إِذْ لَيْسَ فِي الْآيَة ذكر التَّخْيِير وَلَا دلَالَة عَلَيْهِ فَتعين الْوَجْه الثَّالِث ثمَّ يحْتَاج بعد ذَلِك إِلَى طلب الدَّلِيل على المُرَاد مِنْهُمَا فالدليل على أَن المُرَاد الْغسْل دون الْمسْح اتِّفَاق الْجَمِيع على أَنه إِذا غسل فقد أدّى فَرْضه وأتى بالمراد وَأَنه غير ملوم على ترك الْمسْح فَثَبت أَن المُرَاد الْغسْل وَالصَّحَابَة أَيْضا فَهُوَ صَار فِي حكم الْمُجْمل المفتقر إِلَى الْبَيَان فَمَا ورد فِيهِ من الْبَيَان عَن الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من فعل أَو قَول علمنَا أَنه مُرَاد الله تَعَالَى وَقد ورد الْبَيَان عَنهُ بِالْغسْلِ قولا وفعلا أما فعلا فَهُوَ مَا ثَبت بِالنَّقْلِ المستفيض الْمُتَوَاتر أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غسل رجلَيْهِ فِي الْوضُوء وَلم تخْتَلف الْأَئِمَّة فِيهِ وَأما قولا فَمَا رَوَاهُ جَابر وَأَبُو هُرَيْرَة وَعَائِشَة وَعبد الله بن عَمْرو وَعبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء الزبيدِيّ وخَالِد بن الْوَلِيد وَيزِيد بن أبي سُفْيَان وشرحبيل بن حَسَنَة وَأَبُو أُمَامَة وَأَبُو بكر الصّديق وَأنس بن مَالك وَمُحَمّد بن مَحْمُود وَله صُحْبَة وَبَعض الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم. أما حَدِيث جَابر بن عبد الله فَأخْرجهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه ثَنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَق عَن سعيد ابْن أبي كريب عَن جَابر بن عبد الله رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم يَقُول ويل لِلْعَرَاقِيبِ من النَّار وَأخرجه ابْن مَاجَه من طَرِيق ابْن أبي شيبَة وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا وَلَفظه رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي قدم رجل لمْعَة لم يغسلهَا فَقَالَ ويل لِلْعَرَاقِيبِ من النَّار. وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَأخْرجهُ البُخَارِيّ حَدثنَا آدم بن أبي إِيَاس قَالَ حَدثنَا شُعْبَة قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن زِيَاد قَالَ سَمِعت أَبَا هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ وَكَانَ يمر بِنَا وَالنَّاس يتوضؤن من المطهرة فَقَالَ أَسْبغُوا الْوضُوء فَإِن أَبَا الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار وَأخرجه مُسلم أَيْضا وَأخرجه الدَّارمِيّ أَيْضا فِي مُسْنده وَلَفظه ويل للعقب وَأما حَدِيث عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا فَأخْرجهُ مُسلم من طَرِيق سَالم مولى شَدَّاد قَالَ دخلت على عَائِشَة زوج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْم توفّي سعد بن أبي وَقاص فَدخل عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَتَوَضَّأ عِنْدهَا فَقَالَت يَا عبد الرَّحْمَن أَسْبغ الْوضُوء فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار وَأخرجه الطَّحَاوِيّ أَيْضا. وَأما حَدِيث عبد الله بن عَمْرو فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا يحيى عَن سُفْيَان حَدثنِي مَنْصُور عَن هِلَال بن يسَاف عَن أبي يحيى عَن عبد الله بن عَمْرو أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى قوما وَأَعْقَابهمْ تلوح فَقَالَ ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار أَسْبغُوا الْوضُوء وَهَذَا إِسْنَاد صَحِيح وَرِجَاله ثِقَات وَأَبُو يحيى اسْمه مصدع مولى عبد الله بن عَمْرو وروى لَهُ الْجَمَاعَة سوى البُخَارِيّ والْحَدِيث أخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا وَلما ذكر ابْن مَاجَه حَدِيث جَابر ويل لِلْعَرَاقِيبِ من النَّار قَالَ هَذَا أعجب إِلَيّ من حَدِيث عبد الله بن عَمْرو وَحَدِيث عبد الله بن عمر وَأخرجه أَيْضا أَبُو نعيم الْأَصْبَهَانِيّ فِي مستخرجه وَابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه وَلَفْظهمَا وَأَعْقَابهمْ بيض تلوح لم يَمَسهَا المَاء. وَأما حَدِيث عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء فَأخْرجهُ أَحْمد فِي مُسْنده حَدثنَا هَارُون قَالَ حَدثنَا عبد الله بن وهب أَخْبرنِي حَيْوَة بن شُرَيْح أَخْبرنِي عقبَة بن مُسلم عَن عبد الله بن الْحَارِث بن جُزْء الزبيدِيّ وَهُوَ من أَصْحَاب رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم يَقُول سَمِعت رَسُول الله صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم يَقُول ويل لِلْأَعْقَابِ وبطون الْأَقْدَام من النَّار وَإِسْنَاده جيد حسن وَأخرجه الطَّحَاوِيّ وَالطَّبَرَانِيّ أَيْضا وَصَححهُ الْحَاكِم. وَأما حَدِيث خَالِد بن الْوَلِيد وَيزِيد بن أبي سُفْيَان وشرحبيل بن حَسَنَة فَأخْرجهُ ابْن أبي خُزَيْمَة وَلَفظه أَسْبغُوا الْوضُوء وَأَتمُّوا الرُّكُوع وَالسُّجُود ويل لِلْأَعْقَابِ. وَأما حَدِيث أبي أُمَامَة فَأخْرجهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث لَيْث عَن ابْن سابط عَن أبي أُمَامَة أَو عَن أخي أبي أُمَامَة رأى قوما يتوضؤن فَبَقيَ على أَقْدَامهم قدر الدِّرْهَم لم يصبهُ المَاء فَقَالَ صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار فَكَانَ أحدهم ينظر فَإِن رأى موضعا لم يصبهُ المَاء أعَاد الْوضُوء وَرَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط عَن أبي أُمَامَة وأخيه من غير شكّ وَلَا تردد وَقَالَ أَبُو زرْعَة لما سُئِلَ عَن هَذَا الحَدِيث أَخُو أبي أُمَامَة لَا أعرف اسْمه وَأما حَدِيث أبي بكر الصّديق فَأخْرجهُ أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه من حَدِيث عمر عَن أبي بكر الصّديق تَوَضَّأ رجل وَبَقِي على ظهر قدمه مثل ظفر إبهامه فَقَالَ لَهُ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ارْجع فَأَتمَّ وضوءك قَالَ فَفعل وَأما حَدِيث أنس فَأخْرجهُ أَبُو عوَانَة فِي صَحِيحه نَحْو حَدِيث أبي بكر وَأما حَدِيث مُحَمَّد بن مَحْمُود فَأخْرجهُ

(2/237)


أَبُو مُوسَى الْمَدِينِيّ فِي كتاب الصَّحَابَة وَأخرجه الشَّافِعِي فِي مُسْنده قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لأعمى يتَوَضَّأ اغسل بطن الْقدَم فَجعل الْأَعْمَى يغسل بطن الْقدَم وَقَالَ أَبُو إِسْحَق الثَّعْلَبِيّ فِي تَفْسِيره فَسمى الْأَعْمَى أَبَا غسيل وَأما حَدِيث بعض الصَّحَابَة فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد عَن خَالِد بن معدان عَن بعض الصَّحَابَة أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى رجلا يُصَلِّي وَفِي ظهر قدمه لمْعَة قدر الدِّرْهَم لم يصبهَا المَاء فَأمره النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يُعِيد الْوضُوء وَالصَّلَاة وَزعم أَبُو إِسْحَق الفيروزباذي فِي كتاب غسل الرجلَيْن أَن أَبَا سعيد رَوَاهُ أَيْضا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهَذَا غير مُسْتَقِيم لِأَن حَدِيث أبي سعيد لَيْسَ فِيهِ إِلَّا أَسْبغُوا الْوضُوء وَلم يذكر فِيهِ الأعقاب كَذَا ذكره الطَّبَرَانِيّ وَأَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ وَأحمد بن حَنْبَل فِي آخَرين فَقَوله ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار وَعِيد لايجوز أَن يسْتَحق إِلَّا بترك الْمَفْرُوض فَهَذَا يُوجب اسْتِيعَاب الرجل بِالْغسْلِ وَفِي الْغَايَة أما وَظِيفَة الرجلَيْن ففيهما أَرْبَعَة مَذَاهِب الأول هُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الْأَرْبَعَة وَغَيرهم من أهل السّنة وَالْجَمَاعَة أَن وظيفتهما الْغسْل وَلَا يعْتد بِخِلَاف من خَالف ذَلِك الثَّانِي مَذْهَب الإمامية من الشِّيعَة أَن الْفَرْض مسحهما الثَّالِث هُوَ مَذْهَب الْحسن الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ وَأبي عَليّ الجبائي أَنه مُخَيّر بَين الْمسْح وَالْغسْل الرَّابِع مَذْهَب أهل الظَّاهِر وَهُوَ رِوَايَة عَن الْحسن أَن الْوَاجِب الْجمع بَينهمَا وَعَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا هما غسلتان ومسحتان وَعنهُ أَمر الله بِالْمَسْحِ وأبى النَّاس إِلَّا الْغسْل وروى أَن الْحجَّاج خطب بالأهواز فَذكر الْوضُوء فَقَالَ اغسلوا وُجُوهكُم وَأَيْدِيكُمْ وامسحوا برؤسكم وأرجلكم إِلَى الْكَعْبَيْنِ فَإِنَّهُ لَيْسَ شَيْء من ابْن آدم أقرب من مَسّه من قَدَمَيْهِ فَاغْسِلُوا بطونهما وَظُهُورهمَا وعراقيبهما فَسمع ذَلِك أنس بن مَالك رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَقَالَ صدق الله وَكذب الْحجَّاج قَالَ الله تَعَالَى {وامسحوا برؤسكم وأرجلكم} وَكَانَ عِكْرِمَة يمسح رجلَيْهِ وَيَقُول لَيْسَ فِي الرجلَيْن غسل وَإِنَّمَا هُوَ مسح وَقَالَ الشّعبِيّ نزل جِبْرِيل عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بِالْمَسْحِ وَقَالَ قَتَادَة افْترض الله غسلين ومسحين وَلِأَن قِرَاءَة الْجَرّ محكمَة فِي الْمسْح لِأَن الْمَعْطُوف يُشَارك الْمَعْطُوف عَلَيْهِ فِي حكمه لِأَن الْعَامِل الأول ينصب عَلَيْهِمَا انصبابة وَاحِدَة بِوَاسِطَة الْوَاو عِنْد سِيبَوَيْهٍ وَعند آخَرين يقدر للتابع من جنس الأول وَالنّصب يحْتَمل الْعَطف على الأول على بعد فَإِن أَبَا عَليّ قَالَ قد أجَاز قوم النصب عطفا على وُجُوهكُم وَإِنَّمَا يجوز شبهه فِي الْكَلَام المعقد وَفِي ضَرُورَة الشّعْر وَمَا يجوز على مثله محبَّة العي وظلمة اللّبْس وَنَظِيره اعط زيدا وعمرا جوائزهما وَمر ببكر وخَالِد فَأَي بَيَان فِي هَذَا وَأي لبس أقوى من هَذَا ذكره المرسي حاكيا عَنهُ فِي ري الظمآن وَيحْتَمل الْعَطف على مَحل برؤسكم كَقَوْلِه تَعَالَى {يَا جبال أوبي مَعَه وَالطير} بِالنّصب عطفا على الْمحل لِأَنَّهُ مفعول بِهِ وكقول الشَّاعِر
(معاوي أننا بشر فاسجح ... فلسنا بالجبال وَلَا الحديدا)
بِالنّصب على مَحل الْجبَال لِأَنَّهُ خبر لَيْسَ فَوَجَبَ أَن يحمل الْمُحْتَمل على الْمُحكم. وَلنَا الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة المستفيضة فِي صفة وضوء النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه غسل رجلَيْهِ وَهُوَ حَدِيث عُثْمَان الْمُتَّفق على صِحَّته وَحَدِيث عَليّ وَابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة وَعبد الله بن زيد وَالربيع بنت معوذ بن عفراء وَعَمْرو بن عبسة رَضِي الله عَنْهُم وَثَبت أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام رأى جمَاعَة توضؤا وَبقيت أَعْقَابهم تلوح فَلم يَمَسهَا المَاء فَقَالَ ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار وَلم يثبت عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه مسح رجلَيْهِ بِغَيْر خف فِي حضر وَلَا سفر وَالْآيَة قُرِئت بالحركات الثَّلَاث بِالنّصب وَله وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون مَعْطُوفًا على وُجُوهكُم فيشاركها فِي حكمهَا وَهُوَ الْغسْل وَإِنَّمَا أخرت عَن الْمسْح بعد المغسولين لوُجُوب تَأْخِير غسلهمَا عَن مسح الرَّأْس عِنْد قوم ولاستحبابه عِنْد آخَرين وَالثَّانِي أَن يكون عَامله مُقَدرا وَهُوَ واغسلوا لَا بالْعَطْف على وُجُوهكُم كَمَا تَقول أكلت الْخبز وَاللَّبن أَي شربته وَإِن لم يتَقَدَّم للشُّرْب ذكر وَهَهُنَا تقدم للْغسْل ذكر فَكَانَ أولى بالاضمار وَمِنْه علفتها تبنا وَمَاء بَارِدًا أَي سقيتها وَقَالَ رَأَيْت زَوجك فِي الوغى مُتَقَلِّدًا سَيْفا ورمحا أَي وحاملا رمحا وَقَالَ. شراب البان وتمر وأقط. أَي وآكل تمر وأقط. وبالجر وَعنهُ أجوبة. الأول أَنَّهَا جرت على مجاورة رؤسكم وَإِن كَانَت مَنْصُوبَة كَقَوْلِه تَعَالَى {إِنِّي أَخَاف عَلَيْكُم عَذَاب يَوْم أَلِيم} على جوَار يَوْم وَإِن كَانَ صفة للعذاب وكقولهم هَذَا جُحر ضَب خرب صفة جُحر وَإِن كَانَ مَرْفُوعا فَإِذا قلت جحرا ضَب خربين وجحرة ضباب خربة لم يجزه الْخَلِيل فِي التَّثْنِيَة وَأَجَازَهُ فِي الْجمع وَاشْترط أَن يكون الآخر مثل الأول وَأَجَازَهُ سِيبَوَيْهٍ فِي الْكل الْجَواب الثَّانِي أَنَّهَا عطفت على الرؤس لِأَنَّهَا تغسل

(2/238)


بصب المَاء عَلَيْهَا فَكَانَت مَظَنَّة لإسراف المَاء الْمنْهِي عَنهُ لَا لتمسح وَلَكِن لينبه على وجوب الاقتصاد فِي صب المَاء عَلَيْهَا فجيء بالغاية ليعلم أَن حكمهَا مُخَالف لحكم الْمَعْطُوف عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا غَايَة فِي الْمَمْسُوح قَالَه صَاحب الْكَشَّاف. الْجَواب الثَّالِث هُوَ مَحْمُول على حَالَة اللّبْس للخف وَالنّصب على الْغسْل عِنْد عَدمه وروى همام بن الْحَارِث أَن جرير بن عبد الله رَضِي الله عَنهُ بَال ثمَّ تَوَضَّأ وَمسح على خفيه فَقيل لَهُ أتفعل هَذَا قَالَ وَمَا يَمْنعنِي وَقد رَأَيْت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَفْعَله وَكَانَ يعجبهم حَدِيث جرير لِأَن إِسْلَامه كَانَ بعد نزُول الْمَائِدَة قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح وَقَالَ ابْن الْعَرَبِيّ اتّفق النَّاس على صِحَة حَدِيث جرير وَهَذَا نَص يرد مَا ذَكرُوهُ فَإِن قلت روى مُحَمَّد بن عمر الْوَاقِدِيّ أَن جَرِيرًا أسلم فِي سنة عشر فِي شهر رَمَضَان وَأَن الْمَائِدَة نزلت فِي ذِي الْحجَّة يَوْم عَرَفَة قلت هَذَا لَا يثبت لِأَن الْوَاقِدِيّ فِيهِ كَلَام وَإِنَّمَا نزل يَوْم عَرَفَة {الْيَوْم أكملت لكم دينكُمْ} الْجَواب الرَّابِع أَن الْمسْح يسْتَعْمل بِمَعْنى الْغسْل الْخَفِيف يُقَال مسح على أَطْرَافه إِذا تَوَضَّأ قَالَه أَبُو زيد وَابْن قُتَيْبَة وَأَبُو عَليّ الْفَارِسِي وَفِيه نظر وَمَا ذكر عَن ابْن عَبَّاس قَالَ مُحَمَّد بن جرير إِسْنَاده صَحِيح والضعيف الثَّابِت عَنهُ أَنه كَانَ يقرؤ وأرجلكم بِالنّصب فَيَقُول عطف على المغسول هَكَذَا رَوَاهُ الْحفاظ عَنهُ مِنْهُم الْقَاسِم بن سَلام وَالْبَيْهَقِيّ وَغَيرهمَا وَثَبت فِي صَحِيح البُخَارِيّ عَنهُ أَنه تَوَضَّأ وَغسل رجلَيْهِ وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْت رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأما قَوْله {يَا جبال أوبي مَعَه وَالطير} بِالنّصب على الْمحل فَمَمْنُوع لِأَنَّهُ مفعول مَعَه وَلَو سلم الْعَطف على الْمحل فَإِنَّمَا يجوز مثل ذَلِك عِنْد عدم اللّبْس نقل ذَلِك عَن سِيبَوَيْهٍ وَهَهُنَا لبس فَلَا يجوز وَأما الْبَيْت فَغير مُسلم فَإِنَّهُ ذكر فِي العقد أَن سِيبَوَيْهٍ غلط فِيهِ وَإِنَّمَا قَالَ الشَّاعِر بالخفض وَالْقَصِيدَة كلهَا مجرورة فَمَا كَانَ مُضْطَرّا إِلَى أَن ينصب هَذَا الْبَيْت ويحتال بحيلة ضَعِيفَة قَالَ
(معاوي أننا بشر فاسجح ... فلسنا بالجبال وَلَا الْحَدِيد)

(أكلْتُم أَرْضنَا وجزرتموها ... فَهَل من قَائِم أَو من حصيد)

(أتطمع فِي الخلود إِذا هلكنا ... وَلَيْسَ لنا وَلَا لَك من خُلُود)
وَقيل هما قصيدتان مجرورة. ومنصوبة وَفِيه بعد قلت ملخص الْكَلَام هَهُنَا أَنه ثَبت الْأَوْجه الثَّلَاثَة فِي قَوْله {وأرجلكم} الرّفْع قَرَأَ بِهِ نَافِع رَوَاهُ عَنهُ الْوَلِيد بن مُسلم وَهُوَ قِرَاءَة الْأَعْمَش وَالنّصب قَرَأَ بِهِ عَليّ وَابْن مَسْعُود وَابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة وَإِبْرَاهِيم وَالضَّحَّاك وَابْن عَامر وَالْكسَائِيّ وَحَفْص وَعَاصِم وَعلي بن حَمْزَة وَقَالَ الْأَزْهَرِي وَهِي قِرَاءَة ابْن عَبَّاس وَالْأَعْمَش وَحَفْص عَن أبي بكر وَمُحَمّد بن إِدْرِيس الشَّافِعِي والجر قَرَأَ بِهِ ابْن عَبَّاس فِي رِوَايَة وَالْحسن وَعِكْرِمَة وَحَمْزَة وَابْن كثير وَقَالَ الْحَافِظ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ وَقَرَأَ أنس وعلقمة وَأَبُو جَعْفَر بالخفض وَالْمَشْهُور هُوَ قِرَاءَة النصب والجر وَبَينهمَا تعَارض وَالْحكم فِي تعَارض الرِّوَايَتَيْنِ كَالْحكمِ فِي تعَارض الْآيَتَيْنِ وَهُوَ أَنه إِن أمكن الْعَمَل بهما مُطلقًا يعْمل وَإِن لم يُمكن يعْمل بهما بِالْقدرِ الْمُمكن وَهَهُنَا لَا يُمكن الْجمع بَين الْغسْل وَالْمسح فِي عُضْو وَاحِد فِي حَالَة وَاحِدَة لِأَنَّهُ لم يقل بِهِ أحد من السّلف وَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تكْرَار الْمسْح لِأَن الْغسْل يتَضَمَّن الْمسْح وَالْأَمر الْمُطلق لَا يَقْتَضِي التّكْرَار فَيعْمل فِي حالتين فَيحمل فِي قِرَاءَة النصب على مَا إِذا كَانَت الرّجلَانِ باديتين وَتحمل قِرَاءَة الْخَفْض على مَا إِذا كَانَتَا مستورتين بالخفين تَوْفِيقًا بَين الْقِرَاءَتَيْن وَعَملا بهما بِالْقدرِ الْمُمكن وَقد يُقَال أَن قِرَاءَة من قَرَأَ وأرجلكم بِالْجَرِّ مُعَارضَة لمن نصبها فَلَا حجَّة إِذا لوُجُود الْمُعَارضَة فَإِن قلت نَحن نحمل قِرَاءَة النصب على أَنَّهَا مَنْصُوبَة على الْمحل فَإِذا حملناه على ذَلِك لم يكن بَينهمَا تعَارض بل يكون مَعْنَاهُمَا النصب وَإِن اخْتلف اللَّفْظ فيهمَا وَمَتى أمكن الْجمع لم يجز الْحمل على التَّعَارُض وَالِاخْتِلَاف وَالدَّلِيل على جَوَاز الْعَطف على الْمحل قَوْله تَعَالَى {وَاتَّقوا الله الَّذِي تساءلون بِهِ والأرحام} وَقَالَ الشَّاعِر
(أَلا حَيّ نَدْمَانِي عُمَيْر بن عَامر ... إِذا مَا تلاقينا من الْيَوْم أَو غَدا)
فنصب غَدا على الْمحل قلت الْعَطف على الْمحل خلاف السّنة وَإِجْمَاع الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم أما السّنة فَحَدِيث عَمْرو بن عبسة الَّذِي أخرجه مُسلم وَفِيه ثمَّ يغسل قَدَمَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ الحَدِيث وَأما الْإِجْمَاع فَهُوَ مَا روى عَاصِم عَن أبي عبد الرَّحْمَن السّلمِيّ قَالَ بَينا يَوْم نَحن وَالْحسن يقْرَأ على عَليّ رَضِي الله عَنهُ وجليس قَاعد إِلَى جنبه يحادثه فَسَمعته يقْرَأ (وأرجلكم) فَفتح عَلَيْهِ الجليس بالخفض فَقَالَ عَليّ وزجره إِنَّمَا هُوَ (فَاغْسِلُوا وُجُوهكُم واغسلوا أَرْجُلكُم) من

(2/239)


تَقْدِيم الْقُرْآن الْعَظِيم وتأخيره وَكَذَلِكَ عَن عُرْوَة وَمُجاهد وَالْحسن وَمُحَمّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن وَعبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج وَالضَّحَّاك وَعبد الله بن عَمْرو بن غيلَان زَاد الْبَيْهَقِيّ عَطاء وَيَعْقُوب الْحَضْرَمِيّ وَإِبْرَاهِيم بن يزِيد التَّيْمِيّ وَأَبا بكر بن عَيَّاش وَذكر ابْن الْحَاجِب فِي أَمَالِيهِ أَنه نصب على الِاسْتِئْنَاف وَقيل المُرَاد بِالْمَسْحِ فِي حق الرجل الْغسْل وَلَكِن أطلق عَلَيْهِ لفظ الْمسْح للمشاكلة كَقَوْلِه تَعَالَى {وَجَزَاء سَيِّئَة سَيِّئَة مثلهَا} وَقيل إِنَّمَا ذكر بِلَفْظ الْمسْح لِأَن الأرجل من بَين سَائِر الْأَعْضَاء مَظَنَّة إِسْرَاف المَاء بالصب فعطف على الْمَمْسُوح وَإِن كَانَت مغسولة للتّنْبِيه على وجوب الاقتصاد فِي الصب لَا للمسح وَجِيء بالغاية فَقيل إِلَى الْكَعْبَيْنِ إمَاطَة لظن ظان يحسبها أَنَّهَا ممسوحة إِذْ الْمسْح لم يصرف لَهُ غَايَة فَافْهَم فَإِن قلت رويت أَحَادِيث فِي مسح الرجلَيْن مِنْهَا حَدِيث رِفَاعَة بن رَافع عَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه قَالَ لَا يتم صَلَاة لأحد حَتَّى يسبغ الْوضُوء كَمَا أمره الله تَعَالَى فَيغسل وَجهه وَيَديه إِلَى الْمرْفقين وَيمْسَح بِرَأْسِهِ وَرجلَيْهِ إِلَى الْكَعْبَيْنِ حسنه أَبُو عَليّ الطوسي الْحَافِظ وَأَبُو عِيسَى التِّرْمِذِيّ وَأَبُو بكر الْبَزَّار وَصَححهُ الْحَافِظ ابْن حبَان وَابْن حزم وَمِنْهَا حَدِيث عبد الله بن زيد أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي مُسْنده عَن أبي عبد الرَّحْمَن بن الْمقري عَن سعيد ابْن أبي أَيُّوب حَدثنِي أَبُو الْأسود عَن عباد بن تَمِيم عَن عبد الله بن زيد أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ وَمسح بِالْمَاءِ على رجلَيْهِ وَرَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه عَن أبي زُهَيْر عَن الْمقري بِهِ وَمِنْهَا حَدِيث رجل من قيس رَوَاهُ أَبُو مُسلم الْكَجِّي فِي سنَنه عَن حجاج حَدثنَا حَمَّاد عَن أبي جَعْفَر الخطمي عُمَيْر بن يزِيد عَن عمَارَة بن خُزَيْمَة بن ثَابت عَن رجل من قُرَيْش قَالَ تبِعت النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام بقدح فِيهِ مَاء فَلَمَّا قضى حَاجته تَوَضَّأ وضوءه للصَّلَاة قَالَ فِيهِ ثمَّ مسح على قدمه الْيُمْنَى ثمَّ قبض أُخْرَى فَمسح قدمه الْيُسْرَى وَمِنْهَا حَدِيث جَابر بن عبد الله أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْأَوْسَط وَمِنْهَا حَدِيث عمر رَضِي الله عَنهُ أخرجه ابْن شاهين فِي كتاب النَّاسِخ والمنسوخ وَمِنْهَا حَدِيث أَوْس بن أَوْس أخرجه ابْن شاهين أَيْضا وَمِنْهَا حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أخرجه أَبُو دَاوُد مَرْفُوعا فَقبض قَبْضَة من المَاء فرش على رجله الْيُمْنَى وفيهَا النَّعْل ثمَّ مسحها بيدَيْهِ يَد فَوق الْقدَم وَيَد تَحت النَّعْل ثمَّ صنع باليسرى مثل ذَلِك وَمِنْهَا حَدِيث عُثْمَان رَضِي الله عَنهُ ذكره أَحْمد بن عَليّ القَاضِي فِي كِتَابه مُسْند عُثْمَان بِسَنَد صَحِيح أَنه تَوَضَّأ ثمَّ مسح رَأسه ثمَّ ظهر قَدَمَيْهِ ثمَّ رَفعه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قلت أما حَدِيث رِفَاعَة فقد قَالَ ابْن القطام فِي إِسْنَاده يحيى بن عَليّ بن خَلاد وَهُوَ مَجْهُول وَلَكِن يخدشه قَول من صَححهُ أَو حسنه كَمَا ذَكرْنَاهُ وَيحيى ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات وَأما حَدِيث عبد الله بن زيد فقد قَالَ أَبُو عمر إِسْنَاده لَا تقوم بِهِ حجَّة وَقَالَ الجوزقاني فِي كِتَابه هَذَا حَدِيث مُنكر وَأما حَدِيث رجل من قيس فَإِن الْمسْح فِيهِ مَحْمُول على الْغسْل الْخَفِيف وَأما حَدِيث جَابر وَعمر فَفِي إسنادهما عبد الله بن لَهِيعَة وَأما حَدِيث أَوْس بن أَوْس فَإِنَّهُ كَأَن فِي مبدأ الْإِسْلَام ثمَّ نسخ وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَإِن أَبَا إِسْحَق الْحَرْبِيّ لما ذكره من جِهَة معمر قَالَ لَو شِئْت لحدثتكم أَن زيد بن أسلم حَدثنِي عَن عَطاء بن يسَار عَن ابْن عَبَّاس قَالَ أَبُو إِسْحَق الْحَمد لله الَّذِي لم يقدر على لِسَان عمر أَن يحدث بِهِ على حَقِيقَته إِنَّمَا حدث بِهِ على حسبان لِأَنَّهُ حَدِيث مُنكر الْإِسْنَاد وَالْخَبَر جَمِيعًا. وَأما حَدِيث عُثْمَان فَإِنَّهُ مَحْمُول على أَن الْمسْح فِيهِ كَانَ على الْخُف (قَالَ أَبُو عبد الله وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن فرض الْوضُوء مرّة مرّة وَتَوَضَّأ أَيْضا مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا وَلم يزدْ على ثَلَاث) أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه قَوْله وَبَين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَعْلِيق وسيذكره مَوْصُولا فِي بَاب مُفْرد لذَلِك وَكَذَا قَوْله وَتَوَضَّأ أَيْضا إِلَى آخِره تَعْلِيق وسيذكره مَوْصُولا فِي بَاب مُفْرد لذَلِك وَأَشَارَ بهما إِلَى أَن الْأَمر من حَيْثُ هُوَ لإيجاد حَقِيقَة الشَّيْء الْمَأْمُور بِهِ لَا يَقْتَضِي الْمرة وَلَا التّكْرَار بل هُوَ مُحْتَمل لَهما فَبين النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن المُرَاد مِنْهُ الْمرة حَيْثُ غسل مرّة وَاحِدَة وَاكْتفى بهَا إِذْ لَو لم يكن الْفَرْض إِلَّا مرّة وَاحِدَة لم يجز الاجتزاء بهَا وَأَشَارَ أَيْضا بقوله مرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا إِلَى أَن الزِّيَادَة عَلَيْهَا مَنْدُوب إِلَيْهَا لِأَن فعل الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يدل على النّدب غَالِبا إِذا لم يكن دَلِيل على الْوُجُوب لكَونه بَيَانا للْوَاجِب مثلا فَإِن قلت فِي أَيْن وَقع بَيَان النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِأَن فرض الْوضُوء مرّة مرّة قلت هُوَ فِي حَدِيث ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم

(2/240)


تَوَضَّأ مرّة مرّة وَهُوَ بَيَان بِالْفِعْلِ لمجمل الْآيَة وَحَدِيث أبي بن كَعْب رَضِي الله عَنهُ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم دَعَا بِمَاء فَتَوَضَّأ مرّة مرّة وَقَالَ هَذَا وضوء لَا تقبل الصَّلَاة إِلَّا بِهِ فَفِيهِ بَيَان بالْقَوْل وَالْفِعْل وَهَذَا أخرجه ابْن مَاجَه وَلكنه ضَعِيف وَله طرق أُخْرَى كلهَا ضَعِيفَة وَقَالَ مهنى سَأَلت أَبَا عبد الله يَعْنِي أَحْمد بن حَنْبَل عَن الْوضُوء مرّة مرّة فَقَالَ الْأَحَادِيث فِيهِ ضَعِيفَة وَفِيه نظر لِأَنَّهُ صَحَّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا الْمَذْكُور وَجَمِيع مَا ذكره البُخَارِيّ وَقع فِي حَدِيث ابْن مَاجَه عَن عبد الله بن عَامر حَدثنَا شريك عَن ثَابت الْبنانِيّ قَالَ سَأَلت أَبَا جَعْفَر قلت لَهُ حَدثَك جَابر بن عبد الله أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ مرّة مرّة قَالَ نعم قلت مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا قَالَ نعم قلت قَالَ التِّرْمِذِيّ روى وَكِيع هَذَا عَن ثَابت قلت لأبي جَعْفَر حَدثَك جَابر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ مرّة مرّة وَهَذَا أصح من حَدِيث شريك لِأَنَّهُ روى من غير وَجه هَذَا غير ثَابت نَحْو رِوَايَة وَكِيع وَشريك كثير الْغَلَط وَسُئِلَ البُخَارِيّ عَن الْحَدِيثين فِيمَا ذكره فِي الْعِلَل الْكَبِير فَقَالَ الصَّحِيح مَا رَوَاهُ وَكِيع وَحَدِيث شريك لَيْسَ بِصَحِيح وَلما ذكر الْبَزَّار حَدِيث شريك قَالَ لَا نعلمهُ يروي عَن جَابر إِلَّا بِهَذَا الْإِسْنَاد وَلَا رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن عَليّ إِلَّا أَبُو حَمْزَة الثمالِي انْتهى وَفِيه نظر لما ذكره الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي مُعْجَمه حَدثنَا مُحَمَّد بن عَليّ بن حَفْص حَدثنَا عبد الله بن هَاشم الطوسي حَدثنَا الْحَارِث بن عمرَان الْجَعْفَرِي عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه قلت لجَابِر فَذكره وَقَالَ ابْن مَاجَه أَيْضا أَنبأَنَا أَبُو بكر بن خَلاد حَدثنِي مَرْحُوم بن عبد الْعَزِيز حَدثنِي عبد الرَّحِيم بن زيد الْعمي عَن أَبِيه عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا قَالَ تَوَضَّأ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَاحِدَة وَاحِدَة وَقَالَ هَذَا وضوء من لَا يقبل الله مِنْهُ صَلَاة إِلَّا بِهِ ثمَّ تَوَضَّأ مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ وَقَالَ هَذَا وضوء الْقدر من الْوضُوء وَتَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا وَقَالَ هَذَا أَسْبغ الْوضُوء وَهُوَ وضوئي ووضوء الْخَلِيل إِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ الْمَقْدِسِي هَذَا حَدِيث غير ثَابت وَقَالَ أَبُو حَاتِم فِي الْعِلَل لَا يَصح هَذَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ أَبُو زرْعَة هُوَ عِنْدِي حَدِيث واه وَمُعَاوِيَة بن قُرَّة لم يلْحق ابْن عمر قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ فِي كتاب الْعِلَل رَوَاهُ إِسْرَائِيل الْملَائي عَن الْعمي عَن نَافِع عَن ابْن عمر وَوهم فِيهِ وَالصَّوَاب قَول من قَالَ عَن مُعَاوِيَة بن قُرَّة وَرَوَاهُ أَبُو عرُوبَة الْحَرَّانِي فِي كتاب الطَّبَقَات الْكَبِير عَن الْمسيب بن وَاضح حَدثنَا جَعْفَر بن ميسرَة عَن عبد الله بن دِينَار عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَلما رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي سنَنه قَالَ تفرد بِهِ الْمسيب وَهُوَ ضَعِيف وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ هَذَا الحَدِيث من هَذَا الْوَجْه تفرد بِهِ الْمسيب وَلَيْسَ بِالْقَوِيّ وَقَالَ فِي الْمعرفَة وَالْمُسَيب غير مُحْتَج بِهِ وَرُوِيَ من أوجه كلهَا ضَعِيفَة قلت قَالَ أَبُو حَاتِم فِيهِ صَدُوق وَكَانَ يخطىء كثيرا فَإِذا قيل لَهُ لم يقبل وَقَالَ ابو عرُوبَة كَانَ لَا يحدث إِلَّا بِشَيْء يعرفهُ يقف عَلَيْهِ وَقَالَ أَبُو نصر بن فاخر كَانَ شَيخا جَلِيلًا ثِقَة يخطىء وَكَانَ النَّسَائِيّ حسن الرَّأْي فِيهِ وَيَقُول النَّاس يؤذوننا فِيهِ وَقَالَ ابْن عدي لَا بَأْس بِهِ وَهُوَ مِمَّن يكْتب حَدِيثه قَوْله مرّة مرّة روى فيهمَا الرّفْع وَالنّصب أما الرّفْع فعلى الخبرية لِأَن وَهُوَ أقرب الْأَوْجه وَأما النصب فعلى أوجه الأول مفعول مُطلق أَي فرض الْوضُوء غسل الْأَعْضَاء غسلة وَاحِدَة. الثَّانِي أَنه ظرف أَي فرض الْوضُوء ثَابت فِي الزَّمَان الْمُسَمّى بالمرة وَهَذَا ذكره الْكرْمَانِي وَفِيه بعد. الثَّالِث أَنه حَال قد سدت مسد الْخَبَر كَقِرَاءَة بَعضهم {وَنحن عصبَة} بِنصب عصبَة. الرَّابِع أَنه نصب على لُغَة من ينصب الجزئين لِأَن فَإِن قلت مَا فَائِدَة تكْرَار لفظ مرّة قلت إِمَّا التَّأْكِيد وَإِمَّا إِرَادَة التَّفْصِيل أَي فرض الْوضُوء غسل الْوَجْه مرّة وَغسل الْيَدَيْنِ مرّة وَغسل الرجل مرّة نَحْو بوبت الْكتاب بَابا بَابا أَو فرض الْوضُوء فِي كل الْوضُوء مرّة فِي هَذَا الْوضُوء وَمرَّة فِي ذَاك الْوضُوء. فالتفصيل إِمَّا بِالنّظرِ إِلَى أَجزَاء الْوضُوء وَإِمَّا بِالنّظرِ إِلَى جزئيات الْوضُوء قَوْله مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ كَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر بالتكرار وَفِي رِوَايَة غَيره بِلَا تكْرَار وَوجه انتصابهما مثل انتصاب مرّة قَوْله وَثَلَاثًا أَي وَتَوَضَّأ أَيْضا ثَلَاثًا أَي ثَلَاث مَرَّات وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ وَثَلَاثًا ثَلَاثًا وَفِي بعض النّسخ وَثَلَاثَة بِالْهَاءِ قَوْله وَلم يزدْ على ثَلَاث أَي وَلم يزدْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي وضوئِهِ على ثَلَاث مَرَّات وَقَالَ بعض الشَّارِحين وَلم يزدْ على ثَلَاثَة كَذَا ثَبت وَكَأن الأَصْل ثَلَاث كَمَا تَقول عِنْدِي ثَلَاث نسْوَة قلت بل النّسخ الصَّحِيحَة على ثَلَاث على الأَصْل وَلَا يحْتَاج إِلَى التعسف

(2/241)


الْمَذْكُور وَحَاصِل الْمَعْنى لم يَأْتِ فِي شَيْء من الْأَحَادِيث المرفوعة فِي صفة وضوء النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَنه زَاد على ثَلَاث بل ورد عَنهُ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ذمّ من زَاد عَلَيْهَا وَهُوَ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من طَرِيق عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده أَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَسلم تَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ من زَاد على هَذَا أَو نقص فقد أَسَاءَ وظلم. وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الإِمَام هَذَا الحَدِيث صَحِيح عِنْد من يصحح حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده لصِحَّة الْإِسْنَاد إِلَى عَمْرو فَإِن قلت كَيفَ يكون ظَالِما فِي النُّقْصَان وَقد ورد فِي الْأَحَادِيث الْوضُوء مرّة مرّة ومرتين مرَّتَيْنِ كَمَا ذكر قلت أُجِيب عَنهُ بأجوبة. الأول فِيهِ حذف تَقْدِيره أَو نقص من وَاحِدَة وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ أَبُو نعيم بن حَمَّاد من طَرِيق الْمطلب بن حنْطَب مَرْفُوعا الْوضُوء مرّة ومرتين وَثَلَاثًا فَإِن نقص من وَاحِدَة أَو زَاد على ثَلَاث فقد أَخطَأ وَهُوَ مُرْسل وَرِجَاله ثِقَات الثَّانِي أَن الروَاة لم يتفقوا على ذكر النَّقْص فِيهِ بل أَكْثَرهم اقتصروا على قَوْله فَمن زَاد فَقَط كَذَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده قَالَ جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فَسَأَلَهُ عَن الْوضُوء فَأرَاهُ ثَلَاثًا ثَلَاثًا ثمَّ قَالَ هَذَا الْوضُوء فَمن زَاد على هَذَا فقد أَسَاءَ وتعدى وظلم ثمَّ قَالَ لم يُوصل هَذَا الْخَبَر غير الْأَشْجَعِيّ ويعلى وَزعم أَبُو دَاوُد فِي كتاب التفرد أَنه من منفردات أهل الطَّائِف وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه فِي سنَنه كَذَلِك وَرَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَالنَّسَائِيّ فِي سنَنه بِلَفْظ فقد أَسَاءَ وتعدى وظلم الثَّالِث أَنه يكون ظَالِما لنَفسِهِ فِي ترك الْفَضِيلَة والكمال وَإِن كَانَ يجوز مرّة مرّة أَو مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ الرَّابِع أَنه إِنَّمَا يكون ظَالِما إِذا اعْتقد خلاف السّنيَّة فِي الثَّلَاث وَيُقَال معنى أَسَاءَ فِي الْأَدَب بِتَرْكِهِ السّنة والتأدب بآداب الشَّرِيعَة وَمعنى ظلم أَي ظلم نَفسه بِمَا نَقصهَا من الثَّوَاب وَفِي تَركه الْفَضِيلَة والكمال وَيُقَال إِنَّمَا يكون ظَالِما إِذا اعْتقد خلاف السّنيَّة فِي الثَّلَاث وَيُقَال الْإِسَاءَة ترجع إِلَى الزِّيَادَة وَالظُّلم إِلَى النُّقْصَان لِأَن الظُّلم وضع الشَّيْء فِي غير مَحَله قلت الزِّيَادَة على الثَّلَاث أَيْضا وضع الشَّيْء فِي غير مَحَله وَأَيْضًا إِنَّمَا يتمشى هَذَا فِي رِوَايَة تَقْدِيم الْإِسَاءَة على النُّقْصَان وَفِي الْبَدَائِع اخْتلف فِي تَأْوِيله فَقيل زَاد على مَوضِع الْوضُوء وَنقص عَن موَاضعه وَقيل زَاد على ثَلَاث مَرَّات وَلم ينْو ابْتِدَاء الْوضُوء وَنقص عَن الْوَاحِدَة وَالصَّحِيح أَنه مَحْمُول على الِاعْتِقَاد دون نفس الْعَمَل مَعْنَاهُ فَمن زَاد على الثَّلَاث أَو نقص وَلم ير الثَّلَاث سنة لِأَن من لم ير سنة النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فقد ابتدع فيلحقه الْوَعيد حَتَّى لَو زَاد على الثَّلَاث أَو نقص وَرَأى الثَّلَاث سنة لَا يلْحقهُ هَذَا الْوَعيد لِأَن الزِّيَادَة على الثَّلَاث من بَاب الْوضُوء على الْوضُوء إِذا نوى بِهِ وَأَنه نور على نور على لِسَان النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. ثمَّ اعْلَم أَن الثَّلَاث سنة والواحدة تجزىء وَقَالَ أَصْحَابنَا الأولى فرض وَالثَّانيَِة مُسْتَحبَّة وَالثَّالِثَة سنة وَقيل الأولى فرض وَالثَّانيَِة سنة وَالثَّالِثَة إِكْمَال السّنة وَقيل الثَّانِيَة وَالثَّالِثَة سنة وَقيل الثَّانِيَة سنة وَالثَّالِثَة نفل وَقيل عَكسه وَعَن أبي بكر الأسكاف أَن الثَّلَاث تقع فرضا كَمَا إِذا أَطَالَ الرُّكُوع وَالسُّجُود وَقَالَ بعض أَصْحَابنَا أَن الزَّائِد على الثَّلَاث لَا يَقع طَهَارَة وَلَا يصير المَاء بِهِ مُسْتَعْملا إِلَّا إِذا قصد بِهِ تَجْدِيد الْوضُوء وَمَا ذكر فِي الْجَامِع أَن مَاء الرَّابِعَة فِي غسل الثَّوْب النَّجس طهُور وَفِي الْعُضْو النَّجس مُسْتَعْمل مَحْمُول على مَا إِذا نوى بِهِ الْقرْبَة وَفِي العتابي وَمَاء الرَّابِعَة مُسْتَعْمل فِي الْعُضْو النَّجس لِأَن الظَّاهِر هُوَ قصد الْقرْبَة حَتَّى يقوم الدَّلِيل على خِلَافه وَفِي شرح النَّسَفِيّ فِيهِ لِأَنَّهُ وجد فِيهِ معنى الْقرْبَة لِأَن الْوضُوء على الْوضُوء نور على نور وَلِهَذَا صَار المَاء مُسْتَعْملا بِهِ وَفِي الْمُحِيط والاسبيجاني أَن مَاء الرَّابِعَة لَا يصير مُسْتَعْملا إِلَّا بِالنِّيَّةِ وَعند الشَّافِعِيَّة خَمْسَة أوجه أَصَحهَا إِن صلى بِالْوضُوءِ الأول فرضا أَو نفلا اسْتحبَّ وَإِلَّا فَلَا وَبِه قطع الْبَغَوِيّ وَثَانِيها إِن صلى فرضا اسْتحبَّ وَإِلَّا فَلَا وَبِه قطع الفوراني. وَثَالِثهَا مُسْتَحبّ إِن فعل بِالْوضُوءِ الأول مَا يقْصد لَهُ الْوضُوء وَإِلَّا فَلَا ذكره الشَّاشِي. وَرَابِعهَا إِن صلى بِالْأولِ أَو سجد لتلاوة أَو شكر أَو قَرَأَ الْقُرْآن فِي مصحف اسْتحبَّ وَإِلَّا فَلَا وَبِه قطع أَبُو مُحَمَّد الْجُوَيْنِيّ. وخامسها مُسْتَحبّ وَإِن لم يفعل بِالْوضُوءِ الأول شَيْئا أصلا حَكَاهُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ قَالَ وَهَذَا إِنَّمَا يَصح إِذا تخَلّل بَين الْوضُوء والتجديد زمن يَقع بِمثلِهِ تَفْرِيق فَأَما إِذا وَصله بِالْوضُوءِ فَهُوَ فِي حكم غسلة رَابِعَة (وَكره أهل الْعلم الْإِسْرَاف فِيهِ وَأَن يجاوزوا فعل النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) كره مُشْتَقّ من الْكَرَاهَة وَهِي اقْتِضَاء التّرْك مَعَ عدم الْمَنْع من النقيض وَقد يعرف الْمَكْرُوه بِأَنَّهُ مَا يمدح تَاركه وَلَا يذم فَاعله كَذَا قَالَه الْكرْمَانِي قلت هَذَا لَا يمشي على إِطْلَاقه وَإِنَّمَا يمشي هَذَا فِي كَرَاهَة التَّنْزِيه وَأما فِي كَرَاهَة التَّحْرِيم فَلَا قَوْله الْإِسْرَاف

(2/242)


هُوَ صرف الشَّيْء فِيمَا يَنْبَغِي زَائِدا على مَا يَنْبَغِي بِخِلَاف التبذير فَإِنَّهُ صرف الشَّيْء فِيمَا لَا يَنْبَغِي قَوْله فِيهِ أَي فِي الْوضُوء وَأَشَارَ بذلك إِلَى مَا أخرجه ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه من طَرِيق هِلَال بن يسَاف أحد التَّابِعين قَالَ كَانَ يُقَال فِي الْوضُوء إِسْرَاف وَلَو كنت على شاطىء نهر وَأخرج نَحوه عَن أبي الدَّرْدَاء وَابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنْهُمَا وروى فِي مَعْنَاهُ حَدِيث مَرْفُوع أخرجه ابْن مَاجَه بِإِسْنَاد لين حَدثنَا ابْن مصفى حَدثنَا بَقِيَّة عَن مُحَمَّد بن الْفضل عَن سَالم عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَآله وَسلم رجلا يتَوَضَّأ فَقَالَ لَا تسرف لَا تسرف قَالَ وَحدثنَا مُحَمَّد بن يحيى حَدثنَا قُتَيْبَة حَدثنَا ابْن لَهِيعَة عَن يحيى بن عبد الله عَن الجباني عَن ابْن عَمْرو أَن رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مر بِسَعْد وَهُوَ يتَوَضَّأ فَقَالَ مَا هَذَا السَّرف قَالَ أَفِي الْوضُوء إِسْرَاف قَالَ نعم وَإِن كنت على نهر جَار وَقَالَ بعض الشَّارِحين قَول البُخَارِيّ هَذَا إِشَارَة إِلَى نقل الْإِجْمَاع على منع الزِّيَادَة على الثَّلَاث قلت وَفِيه نظر فَإِن الشَّافِعِي رَضِي الله عَنهُ قَالَ فِي الْأُم لَا أحب الزِّيَادَة عَلَيْهَا فَإِن زَاد لم أكره إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَحَاصِل مَا ذكره الشَّافِعِيَّة فِي الْمَسْأَلَة ثَلَاثَة أوجه. أَصَحهَا أَن الزِّيَادَة عَلَيْهَا مَكْرُوهَة كَرَاهَة تَنْزِيه. وَثَانِيها أَنَّهَا حرَام. وَثَالِثهَا أَنَّهَا خلاف الأولى وَأبْعد قوم فَقَالُوا أَنه إِذا زَاد على الثَّلَاث يبطل الْوضُوء كَمَا لَو زَاد فِي الصَّلَاة حَكَاهُ الدَّارمِيّ فِي استذكاره عَنْهُم وَهُوَ خطأ ظَاهر وَخلاف مَا عَلَيْهِ الْعلمَاء قَوْله وَإِن يجاوزوا عطف على قَوْله الْإِسْرَاف فِيهِ وَهُوَ عطف تفسيري للإسراف إِذْ لَيْسَ المُرَاد بالإسراف إِلَّا الْمُجَاوزَة عَن فعل النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام أَي الثَّلَاث وروى ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه عَن ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ لَيْسَ بعد الثَّلَاث شَيْء وَقَالَ أَحْمد وَإِسْحَق لَا تجوز الزِّيَادَة على الثَّلَاث وَقَالَ ابْن الْمُبَارك لَا آمن إِن يَأْثَم. فَإِن قلت الْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب كُله تَرْجَمَة فَأَيْنَ الحَدِيث قلت لَا نسلم ذَلِك لِأَن قَوْله وَبَين النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم أَن فرض الْوضُوء مرّة مرّة حَدِيث لِأَن المُرَاد من الحَدِيث أَعم من قَول الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غَايَة مَا فِي الْبَاب أَنه ذكره على سَبِيل التَّعْلِيق وَكَذَا قَوْله وَتَوَضَّأ أَيْضا مرَّتَيْنِ مرَّتَيْنِ حَدِيث لما ذكرنَا وَلَا شكّ أَن كلا مِنْهُمَا بَيَان للسّنة وَهُوَ الْمَقْصُود من الْبَاب وَهَذَا الَّذِي ذَكرْنَاهُ على مَا وجد فِي بعض النّسخ من ذكر لفظ بَاب هَهُنَا وَأما على بعض النّسخ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا ذكر لفظ بَاب فَلَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّكَلُّف

(بَاب لَا تقبل صَلَاة بِغَيْر طهُور)
بَاب منون غير مُضَاف خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي هَذَا بَاب وَفِي بعض النّسخ لَا يقبل الله صَلَاة بِغَيْر طهُور وَهُوَ بِضَم الطَّاء وَهُوَ الْفِعْل الَّذِي هُوَ الْمصدر وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا أَعم من الْوضُوء وَالْغسْل وَلَيْسَ كَمَا قَالَه الْكرْمَانِي وَالْمرَاد بِهِ هَهُنَا الْوضُوء وَأما بِفَتْح الطَّاء فَهُوَ المَاء الَّذِي يتَطَهَّر بِهِ وَتَقْدِيم هَذَا الْبَاب على مَا بعده من الْأَبْوَاب ظَاهر لِأَن الْكتاب فِي أَحْكَام الْوضُوء وَالْغسْل اللَّذين لَا تجوز الصَّلَاة أصلا إِلَّا بِأَحَدِهِمَا وَهَذِه التَّرْجَمَة لفظ حَدِيث رَوَاهُ مُسلم وَغَيره من حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا بِزِيَادَة قَوْله وَلَا صَدَقَة من غلُول وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من طَرِيق أبي الْمليح عَن أَبِيه عَن النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم قَالَ لَا يقبل الله تَعَالَى صَدَقَة من غلُول وَلَا صَلَاة بِغَيْر طهُور وَله طرق كَثِيرَة لَكِن لَيْسَ فِيهَا شَيْء على شَرط البُخَارِيّ فَلهَذَا عدل عَنهُ إِلَى مَا ذكره من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَعَ أَن حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مُطَابق لما ترْجم لَهُ وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة يقوم مقَامه
1 - (حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم الْحَنْظَلِي قَالَ أخبرنَا عبد الرَّزَّاق قَالَ أخبرنَا معمر عَن همام بن مُنَبّه أَنه سمع أَبَا هُرَيْرَة يَقُول قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا تقبل صَلَاة من أحدث حَتَّى يتَوَضَّأ قَالَ رجل من حضر موت مَا الْحَدث يَا أَبَا هُرَيْرَة قَالَ فسَاء أَو ضراط) قيل أَن الحَدِيث لَيْسَ بمطابق للتَّرْجَمَة لِأَن التَّرْجَمَة عَام والْحَدِيث خَاص وَجَوَابه أَنه وَإِن كَانَ خَاصّا وَلكنه يسْتَدلّ بِهِ على أَن الْأَعَمّ مِنْهُ نَحوه بل أولى على أَنا قُلْنَا أَن الْأَحَادِيث الَّتِي تطابق التَّرْجَمَة بِحَسب الظَّاهِر لَيست على شَرطه فَلذَلِك لم يذكرهَا وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة هَذَا على شَرطه فَذكره عوضا عَنْهَا لِأَنَّهُ يقوم مقَامهَا من الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ الْآن

(2/243)


(بَيَان رِجَاله) وهم خَمْسَة كلهم ذكرُوا وَأخرج أَصْحَاب السِّتَّة للْجَمِيع إِلَّا إِسْحَق بن رَاهَوَيْه فَإِن ابْن مَاجَه لم يخرج لَهُ وَإِسْحَق بن إِبْرَاهِيم هُوَ الْمَشْهُور بِابْن رَاهَوَيْه وَعبد الرَّزَّاق هُوَ ابْن همام وَمعمر هُوَ ابْن رَاشد ومنبه بِضَم الْمِيم وَفتح النُّون وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة الْمَكْسُورَة (بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والإخبار والعنعنة وَمِنْهَا أَن رُوَاته كلهم يمانيون إِلَّا إِسْحَق وَمِنْهَا أَنهم كلهم أَئِمَّة أجلاء أَصْحَاب مسانيد (بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي ترك الْحِيَل عَن إِسْحَق بن نصر وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن مُحَمَّد بن رَافع وَأَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَالتِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان كلهم عَن عبد الرَّزَّاق بِهِ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح. (بَيَان اللُّغَات) قَوْله أحدث أَي وجد مِنْهُ الْحَدث أَو أَصَابَهُ الْحَدث أَو دخل فِي الْحَدث من الْحُدُوث وَهُوَ كَون شَيْء لم يكن قَالَ الصغاني أحدث الرجل من الْحَدث فَأَما قَول الْفُقَهَاء أحدث أَي أَتَى مِنْهُ مَا نقض طَهَارَته فَلَا تعرفه الْعَرَب قَوْله من حضر موت بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة وَفتح الْمِيم وَهُوَ اسْم بلد بِالْيمن وقبيلة أَيْضا وهما اسمان جعلا اسْما وَاحِدًا وَالِاسْم الأول مِنْهُ مَبْنِيّ على الْفَتْح على الْأَصَح إِن قيل ببنائهما وَقيل بإعرابهما فَيُقَال حضر موت بِرَفْع الرَّاء وجر التَّاء وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِيهِ لُغَتَانِ التَّرْكِيب وَمنع الصّرْف وَالثَّانيَِة الْإِضَافَة فَإِذا أضيف جَازَ فِي الْمُضَاف إِلَيْهِ الصّرْف وَتَركه وَفِي الْمطَالع حضر موت من بِلَاد الْيمن وهذيل وَيُقَال حضر موت بِضَم الْمِيم وَالنِّسْبَة إِلَيْهِ حضرمي والتصغير حضيرموت يصغر الْمصدر مِنْهُمَا وَكَذَلِكَ الْجمع فَيُقَال فلَان من الحضارمة قَوْله فسَاء بِضَم الْفَاء وبالمد والضراط بِضَم الضَّاد وهما مشتركان فِي كَونهمَا ريحًا خَارِجا من الدبر ممتازان بِكَوْن الأول بِدُونِ الصَّوْت وَالثَّانِي مَعَ الصَّوْت وَفِي الصِّحَاح فسا يفسو فسوا وَالِاسْم الفساء بِالْمدِّ وتفاست الخنافس إِذا أخرجت استها لذَلِك وَفِي الْعباب قَالَ ابْن دُرَيْد الضراط مَعْرُوف يُقَال ضرط يضرط ضرطا وضروطا وضريطا وضراطا. (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله يَقُول جملَة وَقعت حَالا قَوْله لَا يقبل الله إِلَى آخِره مقول القَوْل قَوْله صَلَاة مَنْصُوب أَو مَرْفُوع على اخْتِلَاف الرِّوَايَتَيْنِ مُضَاف إِلَى قَوْله من وَهِي مَوْصُولَة وأحدث جملَة صلتها قَوْله حَتَّى للغاية بِمَعْنى إِلَى وَالْمعْنَى عدم قبُول الصَّلَاة مغيا بالتوضىء قَوْله قَالَ رجل فعل وفاعل وَقَوله من حضر موت جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا صفة لرجل قَوْله مَا الْحَدث جملَة من الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر وَقعت مقول القَوْل قَوْله يابا هُرَيْرَة حذفت الْهمزَة للتَّخْفِيف قَوْله فسَاء مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي هُوَ فسَاء أَي الْحَدث فسَاء أَو ضراط (بَيَان الْمعَانِي) قَوْله لَا يقبل الله صَلَاة من أحدث كَذَا وَقع فِي بعض النّسخ وَهَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي ترك الْحِيَل عَن إِسْحَاق بن نصر وَكَذَا روى أَبُو دَاوُد عَن أَحْمد بن حَنْبَل كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّزَّاق وَفِي أَكثر النّسخ لَا تقبل صَلَاة من أحدث على الْبناء لما لم يسم فَاعله وَالْمرَاد بِالْقبُولِ هُنَا مَا يرادف الصِّحَّة وَهُوَ الْإِجْزَاء وَحَقِيقَة الْقبُول وُقُوع الطَّاعَة مجزئة رَافِعَة لما فِي الذِّمَّة وَلما كَانَ الْإِتْيَان بشروطها مَظَنَّة الْإِجْزَاء الَّذِي هُوَ الْقبُول عبر عَنهُ بِالْقبُولِ مجَازًا وَأما الْقبُول الْمَنْفِيّ فِي مثل قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من أَتَى عرافا لم تقبل لَهُ صَلَاة فَهُوَ الْحَقِيقِيّ لِأَنَّهُ قد يَصح الْعَمَل وَلَكِن يتَخَلَّف الْقبُول لمَانع وَلِهَذَا كَانَ يَقُول بعض السّلف لِأَن تقبل لي صَلَاة وَاحِدَة أحب إِلَيّ من جَمِيع الدُّنْيَا. وَالتَّحْقِيق هَهُنَا أَن الْقبُول يُرَاد بِهِ شرعا حُصُول الثَّوَاب وَقد تخلف عَن الصِّحَّة بِدَلِيل صِحَة صَلَاة العَبْد الْآبِق وشارب الْخمر مَا دَامَ فِي جسده شَيْء مِنْهَا وَالصَّلَاة فِي الدَّار الْمَغْصُوبَة على الصَّحِيح عِنْد الشَّافِعِيَّة أَيْضا وَأما مُلَازمَة الْقبُول للصِّحَّة فَفِي قَوْله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يقبل الله صَلَاة حَائِض إِلَّا بخمار وَالْمرَاد بالحائض من بلغت سنّ الْحيض فَإِنَّهَا لَا تقبل صلَاتهَا إِلَّا بالسترة وَلَا تصح وَلَا تقبل مَعَ انكشاف الْعَوْرَة وَالْقَبُول يُفَسر بترتب الْغَرَض الْمَطْلُوب من الشَّيْء على الشَّيْء فَقَوله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام لَا يقبل الله صَلَاة من أحدث حَتَّى يتَوَضَّأ عَام فِي عدم الْقبُول فِي جَمِيع الْمُحدثين فِي جَمِيع أَنْوَاع الصَّلَاة وَالْمرَاد بِالْقبُولِ وُقُوع الصَّلَاة مجزئة بمطابقتها لِلْأَمْرِ فعلى هَذَا يلْزم من الْقبُول الصِّحَّة ظَاهرا وَبَاطنا وَكَذَلِكَ الْعَكْس وَنقل عَن بعض الْمُتَأَخِّرين أَن الصِّحَّة عبارَة عَن ترَتّب الثَّوَاب والدرجات على الْعِبَادَة والإجزاء عبارَة عَن مُطَابقَة الْأَمر فهما متغايران أَحدهمَا أخص من الآخر وَلَا يلْزم من نفى الْأَخَص نفى الْأَعَمّ فالقبول على هَذَا

(2/244)


التَّفْسِير أخص من الصِّحَّة فَكل مَقْبُول صَحِيح وَلَا عكس قَوْله من أحدث قد قُلْنَا أَن مَعْنَاهُ من وجد مِنْهُ الْحَدث وَهُوَ عبارَة عَمَّا نقض الْوضُوء وَهُوَ بموضوعه يُطلق على الْأَكْبَر كالجنابة وَالْحيض وَالنّفاس والأصغر كنواقض الْوضُوء وَقد يُسمى الْمَنْع الْمُرَتّب عَلَيْهِ حَدثا وَبِه يَصح قَوْلهم رفعت الْحَدث ونويت رَفعه وَإِلَّا اسْتَحَالَ مَا يرفع أَن لَا يكون رَافعا وَكَأن الشَّارِع جعل أمد الْمَنْع الْمُرَتّب على خُرُوج الْخَارِج إِلَى اسْتِعْمَال المطهر وَبِهَذَا يقوى قَول من يرى أَن التَّيَمُّم يرفع الْحَدث لكَون الْمُرْتَفع هُوَ الْمَنْع وَهُوَ مُرْتَفع بِالتَّيَمُّمِ لكنه مَخْصُوص بِحَالَة مَا أَو بِوَقْت مَا وَلَيْسَ ذَلِك ببدع فَإِن الْأَحْكَام قد تخْتَلف باخْتلَاف محلهَا وَقد كَانَ الْوضُوء فِي صدر الْإِسْلَام وَاجِبا لكل صَلَاة فقد ثَبت أَنه كَانَ مُخْتَصًّا بِوَقْت مَعَ كَونه رَافعا للْحَدَث اتِّفَاقًا وَلَا يلْزم من انتهائه فِي ذَلِك الْوَقْت بانتهاء وَقت الصَّلَاة إِلَّا يكون رَافعا للْحَدَث ثمَّ زَالَ ذَلِك الْوُجُوب كَمَا عرف. وَقد ذكر الْفُقَهَاء أَن الْحَدث وصف حكمي مُقَدّر قِيَامه بالأعضاء على معنى الْوَصْف الْحسي وينزلون الْوَصْف الْحكمِي منزلَة الْحسي فِي قِيَامه بالأعضاء فَمن يَقُول بِأَن التَّيَمُّم لَا يرفع الْحَدث يَقُول أَن الأمد الْمُقدر الْحكمِي بَاقٍ لم يزل وَالْمَنْع الَّذِي هُوَ مُرَتّب عَلَيْهِ التَّيَمُّم زائل قَوْله حَتَّى يتَوَضَّأ نفى الْقبُول إِلَى غَايَة وَهُوَ الْوضُوء وَمَا بعد الْغَايَة مُخَالف لما قبلهَا فَاقْتضى قبُول الصَّلَاة بعد الْوضُوء مُطلقًا وَدخل تَحْتَهُ الصَّلَاة الثَّانِيَة قبل الْوضُوء لَهَا ثَانِيًا وتحقيقه أَن لفظ صَلَاة اسْم جنس فَيعم ثمَّ اعْلَم أَن معنى قَوْله حَتَّى يتَوَضَّأ بِالْمَاءِ أَو مَا يقوم مقَامه لِأَنَّهُ قد أَتَى بِمَا أَمر بِهِ على أَن التَّيَمُّم من أَسْمَائِهِ الْوضُوء قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الصَّعِيد الطّيب وضوء الْمُسلم وَإِن لم يجد المَاء عشر سِنِين رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي ذَر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَأطلق الشَّارِع على التَّيَمُّم أَنه وضوء لكَونه قَامَ مقَامه وَإِنَّمَا اقْتصر على ذكر الْوضُوء نظرا إِلَى كَونه الأَصْل وَهَهُنَا قيد آخر ترك ذكره للْعلم بِهِ وَهُوَ حَتَّى يتَوَضَّأ مَعَ بَاقِي شُرُوط الصَّلَاة وَالضَّمِير فِي قَوْله حَتَّى يتَوَضَّأ يرجع إِلَى قَوْله من أحدث وَسَماهُ مُحدثا وَإِن كَانَ طَاهِرا بِاعْتِبَار مَا كَانَ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَآتوا الْيَتَامَى أَمْوَالهم} وَقَوله حَتَّى يتَوَضَّأ هُوَ آخر الحَدِيث وَالْبَاقِي إدراج وَالظَّاهِر أَنه من همام قَوْله فسَاء أَو ضراط قَالَ ابْن بطال إِنَّمَا اقْتصر على بعض الْأَحْدَاث لِأَنَّهُ أجَاب سَائِلًا سَأَلَهُ عَن الْمُصَلِّي يحدث فِي صلَاته فَخرج جَوَابه على مَا سبق الْمُصَلِّي من الإحداث فِي صلَاته لِأَن الْبَوْل وَالْغَائِط وَنَحْوهمَا غير مَعْهُود فِي الصَّلَاة وَقَالَ الْخطابِيّ لم يرد بِذكر هذَيْن النَّوْعَيْنِ تخصيصهما وَقصر الحكم عَلَيْهِمَا بل دخل فِي مَعْنَاهُ كل مَا يخرج من السَّبِيلَيْنِ وَالْمعْنَى إِذا كَانَ أوسع من الحكم كَانَ الحكم للمعنى وَلَعَلَّه أَرَادَ بِهِ أَن يثبت الْبَاقِي بِالْقِيَاسِ عَلَيْهِ للمعنى الْمُشْتَرك بَينهمَا قلت وَلَعَلَّ ذَلِك لِأَن مَا هُوَ أغْلظ من الفساء بِالطَّرِيقِ الأولى وَيحْتَمل أَن يُقَال الْمجمع عَلَيْهِ من أَنْوَاع الْحَدث لَيْسَ إِلَّا الْخَارِج النَّجس من الْمُعْتَاد وَمَا يكون مَظَنَّة لَهُ كزوال الْعقل فَأَشَارَ إِلَيْهِ على سَبِيل الْمِثَال كَمَا يُقَال الِاسْم زيد أَو كزيد وَيُسمى مثله تعريفا بالمثال أَو يُقَال كَانَ أَبُو هُرَيْرَة يعلم أَنه عَارِف بِسَائِر أَنْوَاع الْحَدث جَاهِل بكونهما حَدثا فتعرض لحكمهما بَيَانا لذَلِك كَذَا قَالَ بعض الشَّارِحين وَفِيه بعد وَالْأَقْرَب أَن يُقَال أَنه أجَاب السَّائِل بِمَا يحْتَاج إِلَى مَعْرفَته فِي غَالب الْأَمر كَمَا ورد نَحْو ذَلِك فِي حَدِيث آخر لَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا. (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول فِيهِ الدّلَالَة على أَن الصَّلَوَات كلهَا مفتقرة إِلَى الطَّهَارَة وَيدخل فِيهَا صَلَاة الْجِنَازَة وَالْعِيدَيْنِ وَغَيرهمَا وَحكى عَن الشّعبِيّ وَمُحَمّد بن جرير الطَّبَرِيّ أَنَّهُمَا أجازا صَلَاة الْجِنَازَة بِغَيْر وضوء وَهُوَ بَاطِل لعُمُوم هَذَا الحَدِيث وَالْإِجْمَاع وَمن الْغَرِيب أَن قَوْلهمَا قَالَ بِهِ بعض الشَّافِعِيَّة فَلَو صلى مُحدثا مُتَعَمدا بِلَا عذر أَثم وَلَا يكفر عِنْد الْجُمْهُور وَبِه قَالَت الشَّافِعِيَّة وَحكى عَن أبي حنيفَة أَنه يكفر لتلاعبه الثَّانِي فِيهِ الدَّلِيل على بطلَان الصَّلَاة بِالْحَدَثِ سَوَاء كَانَ خُرُوجه اختياريا أَو اضطراريا لعدم التَّفْرِقَة فِي الحَدِيث بَين حدث وَحدث فِي حَالَة دون حَالَة الثَّالِث قَالَ بعض الشَّارِحين هَذَا الحَدِيث رد على من يَقُول إِذا سبقه الْحَدث يتَوَضَّأ وَيَبْنِي على صلَاته قلت هَذَا قَول أبي حنيفَة رَحمَه الله وَحكى عَن مَالك وَهُوَ قَول الشَّافِعِي فِي الْقَدِيم وَهُوَ لَيْسَ يرد عَلَيْهِم أصلا لِأَن من سبقه الْحَدث إِذا ذهب وَتَوَضَّأ وَبنى على صلَاته يصدق عَلَيْهِ أَنه تَوَضَّأ وَصلى بِالْوضُوءِ وَإِن كَانَ الْقيَاس يَقْتَضِي بطلَان صلَاته على أَنه ورد الْأَثر فِيهِ الرَّابِع قَالَ الْكرْمَانِي فِيهِ أَن الطّواف لَا يجزىء بِغَيْر طهُور لِأَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سَمَّاهُ صَلَاة فَقَالَ الطّواف صَلَاة إِلَّا أَنه أُبِيح فِيهِ الْكَلَام قلت اشْتِرَاط الطَّهَارَة للطَّواف بِخَبَر

(2/245)


الْوَاحِد زِيَادَة على النَّص وَهِي نسخ فَلَا يثبت بِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وليطوفوا بِالْبَيْتِ} غير أَنا نقُول بِوُجُوبِهَا لخَبر الْوَاحِد وَمعنى الحَدِيث الطّواف كَالصَّلَاةِ والتشبيه فِي الثَّوَاب دون الحكم لِأَن التَّشْبِيه لَا عُمُوم لَهُ أَلا ترى أَن الانحراف وَالْمَشْي فِيهِ لَا يُفْسِدهُ

(بَاب فضل الْوضُوء والغر المحجلون من آثَار الْوضُوء)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الْوضُوء وَالْبَاب مُضَاف إِلَى قَوْله فضل الْوضُوء قَوْله والغر المحجلين بِالْجَرِّ فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي عطفا على الْوضُوء وَالتَّقْدِير وَفضل الغر المحجلين وَصرح بِهِ الْأصيلِيّ فِي رِوَايَته وَفِي أَكثر الرِّوَايَات والغر المحجلون بِالرَّفْع وَذكر فِي وَجهه أَقْوَال فَقَالَ الْكرْمَانِي وَجهه أَن يكون الغر مُبْتَدأ وَخَبره محذوفا أَي مفضلون على غَيرهم وَنَحْوه أَو يكون من آثَار الْوضُوء خَبره أَي الغر المحجلون منشؤهم آثَار الْوضُوء وَقَالَ بَعضهم الْوَاو استئنافية والغر المحجلون مُبْتَدأ وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره لَهُم فضل قلت بل الْوَاو عاطفة لِأَن التَّقْدِير بَاب فضل الْوضُوء وَبَاب هَذِه الْجُمْلَة وَقَالَ بعض الشُّرَّاح والغر المحجلون بِالرَّفْع وَإِنَّمَا قطعه عَمَّا قبله لِأَنَّهُ لَيْسَ من جملَة التَّرْجَمَة قلت لَيْسَ الْأَمر كَمَا قَالَه بل هُوَ من جملَة التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يدل عَلَيْهَا صَرِيحًا لمطابقة مَا فِي حَدِيث الْبَاب إِيَّاهَا على مَا نذكرهُ عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقَالَ الْكرْمَانِي وَيحْتَمل أَن يكون مَرْفُوعا على سَبِيل الْحِكَايَة مِمَّا ورد هَكَذَا أمتِي الغر المحجلون من آثَار الْوضُوء قلت وَقع فِي رِوَايَة مُسلم أَنْتُم الغر المحجلون فَإِن قلت مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ قلت من حَيْثُ أَن الْمَذْكُور فِي الْبَاب السَّابِق عدم قبُول الصَّلَاة إِلَّا بِالْوضُوءِ وَالْمَذْكُور فِي هَذَا الْبَاب فضل هَذَا الْوضُوء الَّذِي يحصل بِهِ الْقبُول ويفضل بِهِ على غَيره من الْأُمَم
2 - (حَدثنَا يحيى بن بكير قَالَ حَدثنَا اللَّيْث عَن خَالِد عَن سعيد بن أبي هِلَال عَن نعيم المجمر قَالَ رقيت مَعَ أبي هُرَيْرَة على ظهر الْمَسْجِد فَتَوَضَّأ فَقَالَ إِنِّي سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول إِن أمتِي يدعونَ يَوْم الْقِيَامَة غرا محجلين من آثَار الْوضُوء فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم أَن يُطِيل غرته فَلْيفْعَل) مُطَابقَة الحَدِيث للترجمتين ظَاهِرَة أما مطابقته للأولى وَهِي قَوْله فضل الْوضُوء فبطريق سوق الْكَلَام لَهُ وَأما مطابقته للثَّانِيَة وَهِي قَوْله والغر المحجلين من آثَار الْوضُوء فبطريق التَّصْرِيح فِي لفظ الحَدِيث (بَيَان رِجَاله) وهم سِتَّة الأول يحيى بن بكير بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْكَاف الْمصْرِيّ وَقد تقدم الثَّانِي اللَّيْث بن سعد الْمصْرِيّ وَقد تقدم غير مرّة الثَّالِث خَالِد بن يزِيد من الزِّيَادَة الإسْكَنْدراني الْبَرْبَرِي الأَصْل أَبُو عبد الرَّحْمَن الْمصْرِيّ الْفَقِيه الْمُفْتِي التَّابِعِيّ الثِّقَة مَاتَ سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَة الرَّابِع سعيد بن أبي هِلَال اللَّيْثِيّ مَوْلَاهُم أَبُو الْعَلَاء الْمصْرِيّ ولد بِمصْر وَنَشَأ بِالْمَدِينَةِ ثمَّ رَجَعَ إِلَى مصر فِي خلَافَة هِشَام وَتُوفِّي فِي سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَة الْخَامِس نعيم بِضَم النُّون وَفتح الْعين وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف ابْن عبد الله وَقيل مُحَمَّد الْمدنِي الْعَدوي من آل عمر روى عَن أبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَغَيرهمَا وَعنهُ ابْنه مُحَمَّد وَمَالك وَجَمَاعَة وَثَّقَهُ أَبُو حَاتِم وَآخَرُونَ وجالس أَبَا هُرَيْرَة عشْرين سنة قَوْله المجمر اسْم فَاعل من الإجمار على الْأَشْهر وَيُقَال المجمر بتَشْديد الْمِيم من التجمير وَهُوَ التبخير سمى بِهِ نعيم وَأَبوهُ أَيْضا بذلك لِأَنَّهُمَا كَانَا يبخران مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ النَّوَوِيّ المجمر صفة لعبد الله وَيُطلق على ابْنه نعيم مجَازًا وَقَالَ بَعضهم فِيهِ نظر فقد جزم إِبْرَاهِيم الْحَرْبِيّ بِأَن نعيما كَانَ يُبَاشر ذَلِك قلت كل مِنْهُمَا كَانَ يبخر الْمَسْجِد نقل ذَلِك عَن جمَاعَة فَحِينَئِذٍ إِطْلَاق المجمر على كل مِنْهُمَا بطرِيق الْحَقِيقَة فَلَا يَصح دَعْوَى الْمجَاز فِي نعيم فَائِدَة فِي الصَّحَابَة نعيم بن عبد الله النحام وَهُوَ من الْأَفْرَاد وَفِيهِمْ نعيم جمَاعَة بِدُونِ ابْن عبد الله السَّادِس أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ (بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والعنعنة وَالسَّمَاع وَمِنْهَا أَن نصف الْإِسْنَاد مصري وَنصفه مدنِي وَمِنْهَا أَن فِيهِ رِوَايَة ثَلَاثَة من التَّابِعين بَعضهم عَن بعض وَمِنْهَا أَن فِيهِ من بَاب رِوَايَة الأقران وَهِي رِوَايَة خَالِد عَن سعيد وَمِنْهَا أَن رِجَاله كلهم من فرسَان الْكتب السِّتَّة إِلَّا يحيى بن بكير فَإِنَّهُ من رجال البُخَارِيّ وَمُسلم وَابْن مَاجَه فَقَط (بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الطَّهَارَة عَن هَارُون بن سعيد الْأَيْلِي عَن ابْن وهب عَن عَمْرو بن الْحَارِث

(2/246)


عَن سعيد بن أبي هِلَال وَعَن أبي كريب وَالقَاسِم بن زَكَرِيَّا وَعبد بن حميد ثَلَاثَتهمْ عَن خَالِد بن مخلد عَن سُلَيْمَان بن بِلَال عَن عمَارَة بن غزيَّة كِلَاهُمَا عَن نعيم المجمر بِهِ وَقَالَ بعض الشَّارِحين هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مَعَ أبي هُرَيْرَة سَبْعَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم ذكرهم ابْن مَنْدَه فِي مستخرجه ابْن مَسْعُود وَجَابِر بن عبد الله وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ وَأَبُو أُمَامَة الْبَاهِلِيّ وَأَبُو ذَر الْغِفَارِيّ وَعبد الله بن بسر الْمَازِني وَحُذَيْفَة بن الْيَمَان رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم قلت وَرَوَاهُ أَيْضا أَبُو الدَّرْدَاء أخرجه أَحْمد وَالطَّبَرَانِيّ بِإِسْنَاد فِيهِ ابْن لَهِيعَة فَقَالَ أَبُو الدَّرْدَاء قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا أول من يُؤذن لَهُ بِالسُّجُود يَوْم الْقِيَامَة وَأول من يرفع رَأسه فَأنْظر بَين يَدي فأعرف أمتِي من بَين سَائِر الْأُمَم وَمن خَلْفي مثل ذَلِك وَعَن يَمِيني مثل ذَلِك وَعَن شمَالي مثل ذَلِك فَقَالَ رجل كَيفَ تعرف أمتك يَا رَسُول الله من بَين سَائِر الْأُمَم فِيمَا بَين نوح إِلَى أمتك قَالَ هم غر محجلون من أثر الْوضُوء لَيْسَ لأحد كَذَلِك غَيرهم وأعرفهم أَنه يُؤْتونَ كتبهمْ بأيمانهم وأعرفهم تسْعَى بَين أَيْديهم ذُرِّيتهمْ (بَيَان اللُّغَات) قَوْله رقيت بِكَسْر الْقَاف أَي صعدت وَحكى صَاحب الْمطَالع فتح الْقَاف بِالْهَمْز وَبِدُون الْهَمْز قلت فَهَذِهِ ثَلَاث لُغَات واللغة الصَّحِيحَة الْمَشْهُورَة كسر الْقَاف وَقَالَ كرَاع الْهَمْز أَجود وَخَالفهُ صَاحب الْجَامِع فَقَالَ عَدمه أصح وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ لَا أعلم صِحَة الْفَتْح وَهَذَا من الرقى أما من الرّقية فرقيت بِالْفَتْح كَمَا اخْتَارَهُ ثَعْلَب فِي فصيحه وَقَالَ الْجَوْهَرِي رقيت فِي السّلم بِالْكَسْرِ رقيا ورقيا إِذا صعدت وارتقيت مثله وَفِي الْعباب رقأت الدرجَة لُغَة فِي رقيت قَوْله غرا بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الرَّاء وَهُوَ جمع أغر أَي ذُو غرَّة بِالضَّمِّ قَالَ ابْن سَيّده الْغرَّة بَيَاض فِي الْجَبْهَة فرس أغر وغراء وَقيل الْأَغَر من الْخَيل الَّذِي غرته أَكثر من الدِّرْهَم قد وسطت جَبهته وَلم تصب وَاحِدَة من الْعَينَيْنِ وَلم تمل على وَاحِدَة من الدّين وَلم تسل سفلى وَهِي أفشى من القرحة وَقَالَ بَعضهم بل يُقَال للأغر أقرح لِأَنَّك إِذا قلت أغر فَلَا بُد من أَن تصف الْغرَّة بالطول وَالْعرض والصغر والعظم والدقة وكلهن غرر فالغرة جَامِعَة لَهُنَّ وغرة الْفرس بَيَاض يكون فِي وَجهه فَإِن كَانَت مؤزرة فَهِيَ وتيرة وَإِن كَانَت طَوِيلَة فَهِيَ شادخة وَعِنْدِي أَن الْغرَّة نفس الْقدر الَّذِي يشْغلهُ الْبيَاض والأغر الْأَبْيَض من كل شَيْء وَقد غر وَجهه يغر بِالْفَتْح غرا وغرة وعرارة صَار ذَا غرَّة قَوْله محجلين جمع محجل بتَشْديد الْجِيم الْمَفْتُوحَة من التحجيل قَالَ ابْن سَيّده هُوَ بَيَاض يكون فِي قَوَائِم الْفرس كلهَا قَالَ
(ذُو ميعة محجل القوائم ... )
وَقيل هُوَ أَن يكون الْبيَاض فِي ثَلَاث قَوَائِم مِنْهُنَّ دون الْأُخْرَى فِي رجل ويدين قَالَ
(تعادى من قَوَائِمهَا ثَلَاث ... بتحجيل وقائمة بهيم)
وَلَا يكون التحجيل فِي الْيَدَيْنِ خَاصَّة إِلَّا مَعَ الرجلَيْن وَلَا فِي يَد وَاحِدَة دون الْأُخْرَى إِلَّا مَعَ الرجلَيْن والتحجيل بَيَاض قل أَو كثر حَتَّى يبلغ نصف الوظيف ولون سائره مَا كَانَ وَفِي الصِّحَاح يُجَاوز الأرساغ وَلَا يُجَاوز الرُّكْبَتَيْنِ والعرقوبين وَفِي المغيث فَإِذا كَانَ الْبيَاض فِي طرف الْيَد فَهُوَ الْعِصْمَة يُقَال فرس أعصم وَفِي الْعباب التحجيل بَيَاض فِي قَوَائِم الْفرس أَو فِي ثَلَاث مِنْهَا أَو فِي رجلَيْنِ قل أَو كثر بعد أَن يُجَاوز الأرساغ وَلَا يُجَاوز الرُّكْبَتَيْنِ والعرقوبين لِأَنَّهَا مَوَاضِع الأحجال وَهِي الخلاخيل والقيود يُقَال فرس محجل وحجلت قوائمه تحجيلا فَإِذا كَانَ الْبيَاض فِي قوائمه الْأَرْبَع فَهُوَ محجل أَربع وَإِن كَانَ فِي الرجلَيْن جَمِيعًا فَهُوَ محجل الرجلَيْن وَإِن كَانَ بِإِحْدَى رجلَيْهِ وَجَاوَزَ الأرساغ فَهُوَ محجل الرجل الْيُمْنَى أَو الْيُسْرَى وَإِن كَانَ الْبيَاض فِي ثَلَاث قَوَائِم دون رجل أَو دون يَد فَهُوَ محجل ثَلَاث مُطلق يَد أَو رجل فَإِن كَانَ محجل يَد وَرجل من شقّ فَهُوَ مُمْسك الأيامن مُطلق الأياسر أَو مُمْسك الأياسر مُطلق الأيامن وَإِن كَانَ من خلاف قل أَو كثر فَهُوَ مشكول انْتهى قلت الأحجال جمع حجل بِالْفَتْح وَهُوَ الْقَيْد والخلخال أَيْضا والحجل بِالْكَسْرِ والحجل لُغَة فيهمَا وَالْأَصْل فِيهِ الْقَيْد والحجلان مشْيَة الْمُقَيد (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله على ظهر الْمَسْجِد يتَعَلَّق بقوله رقيت قَوْله فَتَوَضَّأ هَكَذَا وَقع لجمهور الروَاة بِلَفْظ تَوَضَّأ وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني يَوْمًا بدل تَوَضَّأ وَهُوَ تَصْحِيف ثمَّ هُوَ فَتَوَضَّأ بِالْفَاءِ فِي غَالب النّسخ وَقد رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ وَغَيره من الْوَجْه الَّذِي أوردهُ البُخَارِيّ بِلَفْظ ثمَّ تَوَضَّأ وَوَقع فِي بعض النّسخ تَوَضَّأ بِدُونِ حرف الْعَطف وَإِلَى هَذَا ذهب الْكرْمَانِي وَلِهَذَا قَالَ تَوَضَّأ اسْتِئْنَاف كَأَن قَائِلا يَقُول مَاذَا فعل قَالَ تَوَضَّأ ثمَّ قَالَ وَلِهَذَا لم يذكر فِيهِ وَاو الْعَطف ثمَّ قَالَ وَفِي بعض النّسخ وَتَوَضَّأ بِالْوَاو وَقلت فِي أَكثر النّسخ فَتَوَضَّأ بِالْفَاءِ التعقيبية كَمَا ذكرنَا قَوْله قَالَ اسْتِئْنَاف وَلِهَذَا لم يذكر فِيهِ حرف

(2/247)


للْعَطْف كَأَن قَائِلا قَالَ ثمَّ مَاذَا قَالَ فَقَالَ قَالَ إِنِّي سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله يَقُول جملَة وَقعت حَالا من النَّبِي قَوْله إِن أمتِي الخ مقول القَوْل وَقَوله أمتِي كَلَام إضافي اسْم إِن وَقَوله يدعونَ على صِيغَة الْمَجْهُول فِي مَحل الرّفْع على أَنه خبر إِن قَوْله يَوْم الْقِيَامَة نصب على الظّرْف قَوْله غرا فِي انتصابه وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون حَالا من الضَّمِير الَّذِي فِي يدعونَ وَالْمعْنَى يدعونَ يَوْم الْقِيَامَة وهم بِهَذِهِ الصّفة وَيدعونَ يتَعَدَّى فِي الْمَعْنى بالحرف وَالتَّقْدِير يدعونَ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {يدعونَ إِلَى كتاب الله} وَالْوَجْه الآخر أَن يكون مَفْعُولا ثَانِيًا ليدعون على تضمنه معنى يسمون بِهَذَا الِاسْم كَمَا يُقَال فلَان يدعى زيدا وأصل يدعونَ يدعوون بواوين تحركت الأولى وَانْفَتح مَا قبلهَا فقلبت ألفا فَاجْتمع ساكنان الْألف وَالْوَاو بعْدهَا فحذفت الْألف لالتقاء الساكنين فَصَارَ يدعونَ قَوْله محجلين يحْتَمل الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورين قَوْله من آثَار الْوضُوء كلمة من تصلح أَن تكون للتَّعْلِيل أَي لأجل آثَار الْوضُوء قَوْله فَمن كلمة من مَوْصُولَة تَتَضَمَّن معنى الشَّرْط فِي مَحل الرّفْع على الِابْتِدَاء وَخَبره قَوْله فَلْيفْعَل وَدخلت الْفَاء فِيهِ لتضمن الْمُبْتَدَأ معنى الشَّرْط قَوْله اسْتَطَاعَ جملَة صلَة الْمَوْصُول قَوْله أَن يُطِيل فِي مَحل النصب بقوله اسْتَطَاعَ وَأَن مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم إطالة غرته فَلْيفْعَل ومفعول فَلْيفْعَل مَحْذُوف للْعلم بِهِ أَي فَلْيفْعَل الْغرَّة أَو الإطالة (بَيَان الْمعَانِي) قَوْله الْمَسْجِد الْألف وَاللَّام فِيهِ للْعهد أَي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَوْله يَقُول بِصُورَة الْمُضَارع لأجل الاستحضار لصورة الْمَاضِيَة أَو لأجل الْحِكَايَة عَنْهَا وَإِلَّا فَالْأَصْل أَن يُقَال قَالَ بِلَفْظ الْمَاضِي قَوْله إِن أمتِي الْأمة فِي اللَّفْظ وَاحِد وَفِي الْمَعْنى جمع وَهِي فِي اللُّغَة الْجَمَاعَة وكل جنس من الْحَيَوَان أمة وَفِي الحَدِيث لَوْلَا أَن الْكلاب أمة من الْأُمَم لأمرت بقتلها وتستعمل فِي اللُّغَة لمعان كَثِيرَة الطَّرِيقَة وَالدّين يُقَال فلَان لَا أمة لَهُ أَي لَا دين لَهُ وَلَا تَحِلَّة لَهُ والحين قَالَ تَعَالَى {وادكر بعد أمة} أَي بعد حِين وَالْملك وَالرجل الْجَامِع للخير وَالرجل الْمُنْفَرد بِدِينِهِ لَا يشركهُ فِيهِ أحد وَالْأمة اتِّبَاع الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَأمة مُحَمَّد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تطلق على مَعْنيين أمة الدعْوَة وَهِي من بعث إِلَيْهِم وَأمة الْإِجَابَة وَهِي من صدقه وآمن بِهِ وَهَذِه هِيَ المرادة مِنْهَا قَوْله يدعونَ أما من الدُّعَاء بِمَعْنى النداء أَي يدعونَ إِلَى موقف الْحساب أَو إِلَى الْمِيزَان أَو إِلَى غير ذَلِك وَأما من الدُّعَاء بِمَعْنى التَّسْمِيَة نَحْو دَعَوْت ابْني زيدا أَي سميته بِهِ قَوْله يَوْم الْقِيَامَة يَوْم من الْأَسْمَاء الشاذة لوُقُوع الْفَاء وَالْعين فِيهِ حرفي عِلّة فَهُوَ من بَاب وَيْح وويل وَهُوَ اسْم لبياض النَّهَار وَهُوَ من طُلُوع الْفجْر الصَّادِق إِلَى غرُوب الشَّمْس وَالْقِيَامَة فعالة من قَامَ يقوم وَأَصلهَا قَوَّامَة قلبت الْوَاو يَاء لانكسار مَا قبلهَا قَوْله من آثَار الْوضُوء الْآثَار جمع أثر وَأثر الشَّيْء هُوَ بَقِيَّته وَمِنْه أثر الْجرْح وَالْوُضُوء بِضَم الْوَاو وَيجوز فتحهَا أَيْضا فَإِن الْغرَّة والتحجيل نشآ عَن الْغسْل بِالْمَاءِ فَيجوز أَن ينْسب إِلَى كل مِنْهُمَا قَوْله فَمن اسْتَطَاعَ أَي قدر أَن يُطِيل غرته أَي يغسل غرته بِأَن يُوصل المَاء من فَوق الْغرَّة إِلَى تَحت الحنك طولا وَمن الْأذن إِلَى الْأذن عرضا وَفِيه بَاب الِاخْتِصَار حَيْثُ حذف الْمَفْعُول فِي قَوْله فَلْيفْعَل لأَنا قُلْنَا أَن التَّقْدِير فَلْيفْعَل الْغرَّة أَو الإطالة وَفِيه أَيْضا الِاحْتِرَاز عَن التّكْرَار والإشعار بِأَن أصل هَذَا الْفِعْل مهتم بِهِ وَفِيه بَاب الِاكْتِفَاء حَيْثُ اقْتصر على ذكر الْغرَّة وَلم يذكر التحجيل وَذَلِكَ للْعلم بِهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {سرابيل تقيكم الْحر} وَالْمرَاد الْحر وَالْبرد وَلم يذكر الْبرد للْعلم بِهِ وَالدَّلِيل على أَن المُرَاد كِلَاهُمَا مَا جَاءَ فِي رِوَايَة مُسلم بِذكر كليهمَا مُصَرحًا من طَرِيق عمَارَة بن غزيَّة وَهُوَ قَوْله فليطل غرته وتحجيله وَإِنَّمَا اقْتصر على ذكر الْغرَّة وَهِي مُؤَنّثَة دون التحجيل وَهُوَ مُذَكّر لِأَن مَحل الْغرَّة أشرف أَعْضَاء الْوضُوء وَأول مَا يَقع عَلَيْهِ النّظر من الْإِنْسَان وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقشيرِي كَانَ ذَلِك من بَاب التغليب بِالذكر لأحد الشَّيْئَيْنِ على الآخر وَإِن كَانَا بسبيل وَاحِد للترغيب فِيهِ وَقد اسْتعْمل الْفُقَهَاء ذَلِك فَقَالُوا يسْتَحبّ تَطْوِيل الْغرَّة ومرادهم الْغرَّة والتحجيل قلت هَذَا لَيْسَ بتغليب حَقِيقِيّ إِذْ لم يُؤْت فِيهِ إِلَّا بِأحد الاسمين والتغليب اجْتِمَاع الاسمين أَو الْأَسْمَاء ويغلب أَحدهمَا على الآخر نَحْو القمرين والعمرين وَنَحْوهمَا ورد عَلَيْهِ بعض الشَّارِحين بِأَن الْقَاعِدَة فِي التغليب أَن يغلب الْمُذكر على الْمُؤَنَّث لَا بِالْعَكْسِ وَالْأَمر هُنَا بِالْعَكْسِ لتأنيث الْغرَّة وتذكير التحجيل قلت نقل عَن ابْن بابشاد أَنه قَالَ تَغْلِيب الْمُؤَنَّث على الْمُذكر وَقع فِي موضِعين أَحدهمَا ضبعان للخفة وَالْآخر فِي بَاب التَّارِيخ وَأَن التَّارِيخ عِنْد الْعَرَب من اللَّيْل لَا من النَّهَار فغلبوا اللَّيْلَة على النَّهَار وَالثَّانِي مَرْدُود لما ذكرنَا أَن حَقِيقَة التغليب أَن

(2/248)


يجْتَمع شَيْئَانِ ويغلب أَحدهمَا على الآخر وَهَذَا لم يجْتَمع فِيهِ شَيْئَانِ وَإِنَّمَا جعلت التَّارِيخ بالليلة دون النَّهَار لِأَن أشهر الْعَرَب قمرية فَافْهَم ثمَّ اعْلَم أَن هَذَا كُله على تَقْدِير أَن يكون قَوْله فَمن اسْتَطَاعَ مِنْكُم إِلَى آخِره من الحَدِيث لِأَن الْمَرْفُوع مِنْهُ إِلَى قَوْله من آثَار الْوضُوء وَبَاقِي ذَلِك من قَول أبي هُرَيْرَة أدرجه فِي آخر الحَدِيث وَقد أنكر ذَلِك بعض الشَّارِحين فَقَالَ وَفِي هَذِه الدَّعْوَى بعد عِنْدِي قلت لَيْسَ فِيهَا بعد وَكَيف وَقد رَوَاهُ أَحْمد رَحمَه الله من طَرِيق فليح عَن نعيم وَفِي آخِره قَالَ نعيم لَا أَدْرِي قَوْله من اسْتَطَاعَ إِلَى آخِره من قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَو من قَول أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَقد روى هَذَا الحَدِيث عشرَة من الصَّحَابَة وَلَيْسَ فِي رِوَايَة وَاحِد مِنْهُم هَذِه الْجُمْلَة وَكَذَا رَوَاهُ جمَاعَة عَن أبي هُرَيْرَة وَلَيْسَ فِي رِوَايَة أحد مِنْهُم غير مَا وجد فِي رِوَايَة نعيم عَنهُ فَهَذَا كُله أَمارَة الإدراج وَالله أعلم (بَيَان الْبَيَان) فِيهِ تَشْبِيه بليغ حَيْثُ شبه النُّور الَّذِي يكون على مَوضِع الْوضُوء يَوْم الْقِيَامَة بغرة الْفرس وتحجيله وَيجوز أَن يكون كِنَايَة بِأَن يكون كنى بالغرة عَن نور الْوَجْه وَقد علم أَن الْأُصُول فِي هَذَا الْبَاب ثَلَاثَة التَّشْبِيه وَالْمجَاز وَالْكِنَايَة فالتشبيه هُوَ الدّلَالَة على مُشَاركَة أَمر لأمر فِي وصف من أَوْصَاف أَحدهمَا فِي نَفسه كالشجاعة فِي الْأسد والنور فِي الشَّمْس وَاللَّفْظ المُرَاد بِهِ لَازم مَا وضع لَهُ أَن قَامَت قرينَة على عدم إِرَادَته فمجاز كَقَوْلِه رَأَيْت أسدا يرْمى وَإِن لم تقم قرينَة على عدم إِرَادَة مَا وضع لَهُ فَهُوَ كِنَايَة كَقَوْلِك زيد طَوِيل النجاد وَمعنى الْمجَاز كجزء معنى الْكِنَايَة من حَيْثُ أَن الْكِنَايَة لَا تنَافِي إِرَادَة الْحَقِيقَة فَلَا يمْتَنع أَن يُرَاد من قَوْلهم فلَان طَوِيل النجاد طول نجاده من غير ارْتِكَاب تَأَول مَعَ إِرَادَة طول قامته بِخِلَاف الْمجَاز فَإِنَّهُ يُنَافِي الْحَقِيقَة فَيمْتَنع أَن يُرَاد معنى الْأسد من غير تَأْوِيل فِي نَحْو رَأَيْت أسدا فِي الْحمام فالحقيقة جَائِزَة الْإِرَادَة مَعَ الْكِنَايَة غير جَائِزَة الْإِرَادَة مَعَ الْمجَاز فَإِن الْمجَاز بِهَذَا الِاعْتِبَار جُزْء من الْكِنَايَة فَافْهَم (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) وَهُوَ على وُجُوه الأول قَالُوا فِيهِ تَطْوِيل الْغرَّة وَهُوَ غسل شَيْء من مقدم الرَّأْس وَمَا يُجَاوز الْوَجْه زَائِدا على الْقدر الَّذِي يجب غسله لاستيقان كَمَال الْوَجْه وَفِيه تَطْوِيل التحجيل وَهُوَ غسل مَا فَوق الْمرْفقين والكعبين وَادّعى ابْن بطال ثمَّ القَاضِي عِيَاض ثمَّ ابْن التِّين اتِّفَاق الْعلمَاء على أَنه لَا يسْتَحبّ الزِّيَادَة فَوق الْمرْفق والكعب وَهِي دَعْوَى بَاطِلَة فقد ثَبت ذَلِك عَن فعل رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي هُرَيْرَة وَعمل الْعلمَاء وفتواهم عَلَيْهِ فهم محجوجون بِالْإِجْمَاع وَقد ثَبت عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا من فعله أخرجه ابْن أبي شيبَة وَأَبُو عبيد بِإِسْنَاد حسن ثمَّ اخْتلف الْعلمَاء فِي الْقدر الْمُسْتَحبّ من التَّطْوِيل فِي التحجيل فَقيل إِلَى الْمنْكب وَالركبَة وَقد ثَبت عَن أبي هُرَيْرَة رِوَايَة ورأيا وَقيل الْمُسْتَحبّ الزِّيَادَة إِلَى نصف الْعَضُد والساق وَقيل إِلَى فَوق ذَلِك وَنقل ذَلِك عَن الْبَغَوِيّ وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة حاصلها ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا أَنه يسْتَحبّ الزِّيَادَة فَوق الْمرْفقين والكعبين من غير تَوْقِيت وَثَانِيها إِلَى نصف الْعَضُد والساق وَثَالِثهَا إِلَى الْمنْكب والركبتين قَالَ وَالْأَحَادِيث تَقْتَضِي ذَلِك كُله وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْقشيرِي لَيْسَ فِي الحَدِيث تَقْيِيد وَلَا تَحْدِيد لمقدار مَا يغسل من العضدين والساقين وَقد اسْتعْمل أَبُو هُرَيْرَة الحَدِيث على إِطْلَاقه وَظَاهره من طلب إطالة الْغرَّة فَغسل إِلَى قريب من الْمَنْكِبَيْنِ وَلم ينْقل ذَلِك عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَلَا كثر اسْتِعْمَاله فِي الصَّحَابَة وَالتَّابِعِينَ فَلذَلِك لم يقل بِهِ الْفُقَهَاء وَرَأَيْت بعض النَّاس قد ذكر أَن حد ذَلِك نصف الْعَضُد والساق انْتهى قلت قَوْله لم يقل بِهِ الْفُقَهَاء مَرْدُود بِمَا ذَكرْنَاهُ وَمن أَوْهَام ابْن بطال وَالْقَاضِي عِيَاض إنكارهما على أبي هُرَيْرَة بُلُوغه المَاء إِلَى إبطَيْهِ وَأَن أحدا لم يُتَابِعه عَلَيْهِ فقد قَالَ بِهِ القَاضِي حُسَيْن وَآخَرُونَ من الشَّافِعِيَّة وَفِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة حَدثنَا وَكِيع عَن الْعمريّ عَن نَافِع عَن ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا أَنه كَانَ رُبمَا بلغ بِالْوضُوءِ إبطه فِي الصَّيف فَإِن قلت روى ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن وَكِيع عَن عقبَة بن أبي صَالح عَن إِبْرَاهِيم أَنه كرهه قلت هَذَا مَرْدُود بِذَاكَ فَإِن قلت اسْتدلَّ ابْن بطال فِيمَا ذهب إِلَيْهِ وَمن تبعه أَيْضا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من زَاد على هَذَا اَوْ نقص فقد أَسَاءَ وظلم قلت هَذَا اسْتِدْلَال فَاسد لِأَن المُرَاد بِهِ الزِّيَادَة فِي عدد المرات أَو النَّقْص عَن الْوَاجِب أَو الثَّوَاب الْمُرَتّب على نقص الْعدَد لَا الزِّيَادَة على تَطْوِيل الْغرَّة أَو التحجيل وَكَذَلِكَ تَأْوِيل ابْن بطال الِاسْتِطَاعَة فِي الحَدِيث على إطالة الْغرَّة والتحجيل بالمواظبة على الْوضُوء لكل صَلَاة فتطول غرته بتقوية نور أَعْضَائِهِ وَبِأَن الطول والدوام مَعْنَاهُمَا مُتَقَارب فَاسد وَوَجهه ظَاهر وَكَذَلِكَ قَوْله الْوَجْه لَا سَبِيل إِلَى الزِّيَادَة فِي غسله إِذْ اسْتِيعَاب الْوَجْه بِالْغسْلِ وَاجِب فَاسد لَا مَكَان

(2/249)


الإطالة فِي الْوَجْه بِأَن يغسل إِلَى صفحة الْعُنُق مثلا الثَّانِي فِيهِ اسْتِحْبَاب الْمُحَافظَة على الْوضُوء وسننه الْمَشْرُوعَة فِيهِ وإسباغه الثَّالِث فِيهِ مَا أعد الله من الْفضل والكرامة لأهل الْوضُوء يَوْم الْقِيَامَة الرَّابِع فِيهِ دلَالَة قَطْعِيَّة على أَن وَظِيفَة الرجلَيْن غسلهمَا وَلَا يجزىء مسحهما الْخَامِس فِيهِ مَا أطلع الله نبيه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من المغيبات الْمُسْتَقْبلَة الَّتِي لم يطلع عَلَيْهَا نَبيا غَيره من أُمُور الْآخِرَة وصفات مَا فِيهَا السَّادِس فِيهِ قبُول خبر الْوَاحِد وَهُوَ مستفيض فِي الْأَحَادِيث السَّابِع فِيهِ الدَّلِيل على كَون يَوْم الْقِيَامَة والنشور الثَّامِن فِيهِ جَوَاز الْوضُوء على ظهر الْمَسْجِد وَهُوَ من بَاب الْوضُوء فِي الْمَسْجِد وَقد كرهه قوم وَأَجَازَهُ آخَرُونَ وَمن كرهه كرهه لأجل التَّنْزِيه كَمَا ينزه عَن البصاق والنخامة وَحُرْمَة أَعلَى الْمَسْجِد كَحُرْمَةِ دَاخله وَمِمَّنْ أجَازه فِي الْمَسْجِد ابْن عَبَّاس وَابْن عمر وَعَطَاء وَالنَّخَعِيّ وَطَاوُس وَهُوَ قَول ابْن الْقَاسِم وَأكْثر الْعلمَاء وَكَرِهَهُ ابْن سِيرِين وَهُوَ قَول مَالك وَسَحْنُون وَقَالَ ابْن الْمُنْذر أَبَاحَ كل من يحفظ عَنهُ الْعلم الْوضُوء فِيهِ إِلَّا ان يبله ويتأذى بِهِ النَّاس فَإِنَّهُ يكره وَصرح جمَاعَة من الشَّافِعِيَّة بِجَوَازِهِ فِيهِ وَأَن الأولى أَن يكون فِي إِنَاء قَالَ الْبَغَوِيّ وَيجوز نضحه بِالْمَاءِ الْمُطلق وَلَا يجوز بِالْمُسْتَعْملِ لِأَن النَّفس تعافه وَقَالَ أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة يكره الْوضُوء فِي الْمَسْجِد إِلَّا أَن يكون فِي مَوضِع مِنْهُ قد أعد لَهُ التَّاسِع اسْتدلَّ بِهِ جمَاعَة من الْعلمَاء على أَن الْوضُوء من خَصَائِص هَذِه الْأمة وَبِه جزم الْحَلِيمِيّ فِي منهاجه وَفِي الصَّحِيح أَيْضا لكم سيماء لَيست لأحد من الْأُمَم تردون عَليّ غرا محجلين من أثر الْوضُوء وَقَالَ الْآخرُونَ لَيْسَ الْوضُوء مُخْتَصًّا بِهَذِهِ الْأمة وَإِنَّمَا الَّذِي اخْتصّت بِهِ الْغرَّة والتحجيل وَادعوا أَنه الْمَشْهُور من قَول الْعلمَاء وَاحْتَجُّوا بقوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذَا وضوئي ووضوء الْأَنْبِيَاء قبلي وَأجَاب الْأَولونَ عَن هَذَا بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنه حَدِيث ضَعِيف وَالْآخر أَنه لَو صَحَّ لاحتمل اخْتِصَاص الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام فِي هَذِه الخصوصية وامتازت بالغرة والتحجيل وَلَكِن ورد فِي حَدِيث جريج كَمَا سَيَأْتِي فِي مَوْضِعه أَنه قَامَ فَتَوَضَّأ وَصلى ثمَّ كلم الْغُلَام وَثَبت أَيْضا عِنْد البُخَارِيّ فِي قصَّة سارة عَلَيْهَا السَّلَام مَعَ الْملك الَّذِي أَعْطَاهَا هَاجر أَن سارة لما هم الْملك بالدنو مِنْهَا قَامَت تتوضأ وَتصلي وَفِيهِمَا دلَالَة على أَن الْوضُوء كَانَ مَشْرُوعا لَهُم وعَلى هَذَا فَيكون خَاصَّة هَذِه الْأمة الْغرَّة والتحجيل الناشئين عَن الْوضُوء لَا أصل الْوضُوء وَنقل الزناتي الْمَالِكِي شَارِح الرسَالَة عَن الْعلمَاء أَن الْغرَّة والتحجيل حكم ثَابت لهَذِهِ الْأمة من تَوَضَّأ مِنْهُم وَمن لم يتَوَضَّأ كَمَا قَالُوا لَا يكفر أحد من أهل الْقبْلَة كل من آمن بِهِ من أمته سَوَاء صلى أَو لم يصل وَهَذَا نقل غَرِيب وَظَاهر الْأَحَادِيث يَقْتَضِي خُصُوصِيَّة ذَلِك لمن تَوَضَّأ مِنْهُم وَفِي صَحِيح ابْن حبَان يَا رَسُول الله كَيفَ تعرف من لم يَرك من أمتك قَالَ غر محجلون بلق من آثَار الْوضُوء

(بَاب لَا يتَوَضَّأ من الشَّك حَتَّى يستيقن)
أَي هَذَا بَاب وَهُوَ منون غير مُضَاف قَوْله لَا يتَوَضَّأ بِفَتْح أَوله على الْبناء للْفَاعِل وَكلمَة من للتَّعْلِيل أَي لأجل الشَّك كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {مِمَّا خطاياهم اغرقوا} وَقَول الشَّاعِر
(وَذَلِكَ من نبأ جَاءَنِي ... )
الشَّك فِي اللُّغَة خلاف الْيَقِين وَالْيَقِين الْعلم وَزَوَال الشَّك قَالَه الْجَوْهَرِي وَغَيره وَفِي اصْطِلَاح الْفُقَهَاء الشَّك فِيهِ مَا يَسْتَوِي فِيهِ طرف الْعلم وَالْجهل وَهُوَ الْوُقُوف بَين الشَّيْئَيْنِ بِحَيْثُ لَا يمِيل إِلَى أَحدهمَا فَإِذا قوي أَحدهمَا وترجح على الآخر وَلم يَأْخُذ بِمَا ترجح وَلم يطْرَح الآخر فَهُوَ ظن وَإِذا عقد الْقلب على أَحدهمَا وَترك الآخر فَهُوَ أكبر الظَّن وغالب الرَّأْي وَيُقَال الشَّك مَا اسْتَوَى فِيهِ طرفا الْعلم وَالْجهل فَإِذا ترجح أَحدهمَا على الآخر فالطرف الرَّاجِح ظن والطرف الْمَرْجُوح وهم قَوْله حَتَّى يستيقن أَي حَتَّى يتَيَقَّن يُقَال يقنت الْأَمر بِالْكَسْرِ يَقِينا وأيقنت واستيقنت وتيقنت كُله بِمَعْنى فَإِن قلت مَا وَجه الْمُنَاسبَة بَين الْبَابَيْنِ قلت من حَيْثُ اشْتِمَال كل وَاحِد مِنْهُمَا على حكم من أَحْكَام الْوضُوء أما الأول فَلِأَنَّهُ فِي فضل الْوضُوء وَهُوَ حكم من أَحْكَامه وَأما الثَّانِي فَلِأَنَّهُ فِي حكم الْوضُوء الَّذِي يَقع فِيهِ الشَّك وَلَا يُؤثر فِيهِ مَا لم يحصل الْيَقِين فتناسبا من حَيْثُ أَن كلا مِنْهُمَا حكم من أَحْكَام الْوضُوء وَإِن كَانَت الْجِهَة مُخْتَلفَة
3 - (حَدثنَا عَليّ قَالَ حَدثنَا سُفْيَان قَالَ حَدثنَا الزُّهْرِيّ عَن سعيد بن الْمسيب وَعَن عباد بن تَمِيم عَن عَمه أَنه شكا إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل الَّذِي يخيل إِلَيْهِ أَنه يجد الشَّيْء فِي الصَّلَاة فَقَالَ لَا يَنْفَتِل أَو لَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا)

(2/250)


مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله لَا يَنْفَتِل إِلَى آخِره لِأَنَّهُ يفهم مِنْهُ ترك الْوضُوء من الشَّك حَتَّى يستيقن وَهُوَ معنى قَوْله حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا. (بَيَان رِجَاله) وهم سِتَّة الأول عَليّ بن عبد الله الْمَشْهُور بِابْن الْمَدِينِيّ وَقد مر الثَّانِي سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَقد مر غير مرّة الثَّالِث مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ كَذَلِك الرَّابِع سعيد بن الْمسيب بِفَتْح الْيَاء وَقد تقدم الْخَامِس عباد بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة ابْن تَمِيم بن زيد بن عَاصِم الْأنْصَارِيّ الْمدنِي وَقَالَ أعي يَوْم الخَنْدَق وَأَنا ابْن خمس سِنِين فَيَنْبَغِي إِذا أَن يعد فِي الصَّحَابَة وَقَالَ ابْن الْأَثِير وَغَيره أَنه تَابِعِيّ لَا صَحَابِيّ وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من يُسمى عباد بن تَمِيم سواهُ على قَول من يعده صحابيا وَمِمَّنْ عده من الصَّحَابَة الذَّهَبِيّ وَوَقع فِي بعض نسخ ابْن مَاجَه رِوَايَة عباد عَن أَبِيه عَن عَمه حَدِيث الاسْتِسْقَاء وَتَبعهُ ابْن عَسَاكِر وَالصَّوَاب عَن عبد الله بن أبي بكر قَالَ سَمِعت عباد بن تَمِيم يحدث عَن أَبِيه عَن عَمه وَعباد بالضبط الْمَذْكُور يشْتَبه بعباد بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء وَهُوَ وَالِد قيس وَغَيره وبعباد بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء وبعياذ بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف والذال الْمُعْجَمَة وبعناد بِكَسْر الْعين وَتَخْفِيف النُّون وبالدال الْمُهْملَة السَّادِس عَم عباد الْمَذْكُور وَهُوَ عبد الله بن زيد بن عَاصِم بن كَعْب بن عَمْرو بن عَوْف بن مبدول بن غنم بن مَازِن بن النجار الْأنْصَارِيّ الْمَازِني من بني مَازِن ابْن النجار الْمدنِي لَهُ ولأبويه صُحْبَة ولأخيه حبيب بن زيد الَّذِي قطعه مُسَيْلمَة عضوا عضوا فَقضى أَن عبد الله هُوَ الَّذِي شَارك وحشيا فِي قتل مُسَيْلمَة وَهُوَ رَاوِي هَذَا الحَدِيث وَحَدِيث صَلَاة الاسْتِسْقَاء أَيْضا الْآتِي فِي بَابه إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَغَيرهمَا من الْأَحَادِيث وَوهم ابْن عُيَيْنَة فَزعم أَنه روى الْأَذَان أَيْضا وَهُوَ عَجِيب فَإِن ذَاك عبد بن زيد بن عبد ربه بن ثَعْلَبَة بن زيد الْأنْصَارِيّ فكلاهما اتفقَا فِي الِاسْم وَاسم الْأَب والقبيلة وافترقا فِي الْجد والبطن من الْقَبِيلَة فَالْأول مازني وَالثَّانِي حارثي وَكِلَاهُمَا أنصاريان خزرجيان فيدخلان فِي نوع الْمُتَّفق والمفترق وَبَين غلط ابْن عُيَيْنَة فِي ذَلِك البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي بَاب الاسْتِسْقَاء كَمَا ستعلمه هُنَاكَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى وروى لعبد الله الْمَذْكُور فِي الحَدِيث ثَمَانِيَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا اتفقَا على ثَمَانِيَة مِنْهَا وَأما عبد الله بن زيد صَاحب الْأَذَان فَلم يشْتَهر لَهُ إِلَّا حَدِيث وَاحِد وَهُوَ حَدِيث الْأَذَان حَتَّى قَالَ البُخَارِيّ فِيمَا نَقله التِّرْمِذِيّ عَنهُ لَا يعرف لَهُ غَيره لَكِن لَهُ حديثان آخرَانِ وَعبد الله رَاوِي هَذَا الحَدِيث قتل فِي ذِي الْحجَّة بِالْحرَّةِ عَن سبعين سنة وَكَانَت الْحرَّة فِي آخر سنة ثَلَاث وَسِتِّينَ وَهُوَ أحدي وَقَالَ ابْن مَنْدَه وَأَبُو أَحْمد الْحَاكِم وَأَبُو عبد الله صَاحب الْمُسْتَدْرك أَنه بَدْرِي وَهُوَ وهم وَلَيْسَ فِي الصَّحَابَة من اسْمه عبد الله بن زيد بن عَاصِم سوى هَذَا وَفِيهِمْ أَرْبَعَة أخر اسْم كل مِنْهُم عبد الله بن زيد مِنْهُم صَاحب الْأَذَان (بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والعنعنة. وَمِنْهَا ان رِجَاله كلهم من رجال الْكتب السِّتَّة إِلَّا عَليّ بن الْمَدِينِيّ فَإِنَّهُ من رجال البُخَارِيّ وَأبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فَقَط وَمِنْهَا أَنهم كلهم مدنيون خلا ابْن الْمَدِينِيّ فَإِنَّهُ بَصرِي وخلا سُفْيَان فَإِنَّهُ مكي وَمِنْهَا أَن فِيهِ رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ على قَول من يعد عبادا صحابيا قَوْله وَعَن عباد مَعْطُوف على قَوْله عَن سعيد بن الْمسيب لِأَن الزُّهْرِيّ رَحمَه الله يروي عَن سعيد وَعباد كليهمَا وَكِلَاهُمَا يرويان عَن عَم عباد الْمَذْكُور فَقَوله عَن عَمه يتَعَلَّق بهما فَإِن قلت وَقع فِي رِوَايَة كَرِيمَة عَن سعيد بن الْمسيب عَن عباد بِدُونِ وَاو الْعَطف قلت هُوَ غلط قطعا لِأَن سعيدا لَا رِوَايَة لَهُ عَن عباد أصلا فَتنبه لذَلِك. (بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي بَاب من لم ير الْوضُوء إِلَّا من المخرجين الْقبل والدبر عَن أبي الْوَلِيد عَن سُفْيَان بِهِ وَأخرجه فِي الْبيُوع عَن أبي نعيم عَن ابْن عُيَيْنَة عَن الزُّهْرِيّ بِهِ وَأخرجه مُسلم فِي الطَّهَارَة عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب وَعَمْرو النَّاقِد عَن سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن أَحْمد بن أبي خلف عَن سُفْيَان وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ أَيْضا عَن قُتَيْبَة وَمُحَمّد بن مَنْصُور عَن سُفْيَان وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الصَّباح عَن سُفْيَان. (بَيَان اللُّغَات) قَوْله شكى من شَكَوْت فلَانا أشكوه شكوا وشكاية وشكية وشكاة إِذا أخْبرت عَنهُ بِسوء فعله فَهُوَ مشكو وشكى وَالِاسْم الشكوى وَالْيَاء فِي شكى منقلبة عَن وَاو وَأَصله شكو بِدَلِيل يشكو والشكوى وَيجوز أَن تكون أَصْلِيَّة غير منقلبة فِي لُغَة من قَالَ شكى يشكي قَوْله يخيل على صِيغَة الْمَجْهُول أَي يشبه ويخايل وَفُلَان

(2/251)


يمْضِي على المخيل أَي على مَا خيلت أَي شبهت يَعْنِي على غرر من غير تعين وخيل إِلَيْهِ أَنه كَذَا على مَا لم يسم فَاعله من التخييل وَالوهم قَالَ الله تَعَالَى {يخيل إِلَيْهِ من سحرهم أَنَّهَا تسْعَى} قَوْله لَا يَنْفَتِل بِالْفَاءِ وَاللَّام من الانفتال وَهُوَ الِانْصِرَاف يُقَال فتله فَانْفَتَلَ أَي صرفه فَانْصَرف وَهُوَ قلب لفت (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله شكى جملَة فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا خبر أَن وَهُوَ صِيغَة الْمَعْلُوم وَالضَّمِير فِيهِ يرجع إِلَى عبد الله بن زيد عَم عباد لِأَنَّهُ هُوَ الشاكي وَقَوله الرجل بِالنّصب مَفْعُوله وَضَبطه النَّوَوِيّ فِي شرح مُسلم رِوَايَة مُسلم عَن عَمه شكى إِلَى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الرجل يخيل إِلَيْهِ الحَدِيث فَقَالَ شكى بِضَم الشين وَكسر الْكَاف وَالرجل مَرْفُوع ثمَّ قَالَ وَلم يسم هُنَا الشاكي وَجَاء فِي رِوَايَة البُخَارِيّ أَنه عبد الله بن زيد الرَّاوِي قَالَ وَلَا يَنْبَغِي أَن يتَوَهَّم من هَذَا أَن شكى بِفَتْح الشين وَالْكَاف وَيجْعَل الشاكي عَمه الْمَذْكُور فَإِن هَذَا الْوَهم غلط قلت دَعْوَى الْغَلَط غلط بل يجوز الْوَجْهَانِ شكى بِصِيغَة الْمَعْلُوم والشاكي هُوَ عبد الله بن زيد وَالرجل حِينَئِذٍ بِالنّصب مَفْعُوله وشكى بِصِيغَة الْمَجْهُول والشاكي غير مَعْلُوم وَالرجل حِينَئِذٍ بِالرَّفْع على أَنه مفعول نَاب عَن الْفَاعِل وَقَالَ الْكرْمَانِي الرجل هُوَ فَاعل شكى وَهُوَ غلط لَا يخفى قَوْله الَّذِي يخيل إِلَيْهِ مَوْصُول مَعَ صلته صفة فِي مَحل الرّفْع أَو النصب على تَقْدِير الْوَجْهَيْنِ فِي الرجل وَفِي بعض النّسخ الرجل يخيل إِلَيْهِ بِدُونِ الَّذِي وَقَالَ الْكرْمَانِي وَيحْتَمل أَن يكون الَّذِي يخيل مفعول شكى قلت هَذَا الِاحْتِمَال بعيد قَوْله أَنه يجد الشَّيْء أَن مَعَ اسْمهَا وخبرها مفعول لقَوْله يخيل نَاب عَن الْفَاعِل وَقَوله يجد فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهُ خبر أَن وَقَوله الشَّيْء بِالنّصب لِأَنَّهُ مفعول يجد قَوْله فَقَالَ أَي رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَوْله لَا يَنْفَتِل قَالَ الْكرْمَانِي روى مَرْفُوعا بِأَنَّهُ نفى ومجزوما بِأَنَّهُ نهى قَوْله حَتَّى للغاية بِمَعْنى إِلَى أَن يسمع وَيسمع بِالنّصب بِتَقْدِير أَن الناصبة قَوْله أَو يجد بِالنّصب أَيْضا لِأَنَّهُ عطف على مَا قبله من الْمَنْصُوب (بَيَان الْمعَانِي) قَوْله يجد الشَّيْء أَي خَارِجا من الدبر قَوْله أَو لَا ينْصَرف كلمة أَو للشَّكّ من الرَّاوِي قَالَ الْكرْمَانِي وَالظَّاهِر أَنه من عبد الله بن زيد قلت يجوز أَن يكون مِمَّن دونه من الروَاة وَوَقع فِي كتاب الْخطابِيّ وَلَا ينْصَرف بِحَذْف الْهمزَة وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ لَا ينْصَرف من غير شكّ قَوْله حَتَّى يسمع صَوتا أَي من الدبر قَوْله أَو يجد ريحًا أَي من الدبر أَيْضا وَكلمَة أَو للتنويع قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ هَذَا من رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام فِيمَن شكّ فِي خُرُوج ريح مِنْهُ لَا نفي الْوضُوء إِلَّا من سَماع صَوت أَو وجدان ريح وَفِي صَحِيح ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان ومستدرك الْحَاكِم من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا جَاءَ أحدكُم الشَّيْطَان فَقَالَ إِنَّك أحدثت فَلْيقل كذبت إِلَّا مَا وجد ريحًا بِأَنْفِهِ أَو سمع صَوتا بأذنه وَفِي مُسْند أَحْمد من حَدِيث أبي سعيد أَيْضا أَن الشَّيْطَان ليَأْتِي أحدكُم وَهُوَ فِي صلَاته فَيَأْخُذ شَعْرَة من دبره فيمدها فَيرى أَنه أحدث فَلَا ينْصَرف حَتَّى يسمع صَوتا وَفِي إِسْنَاده عَليّ بن زيد بن جدعَان وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة قَوْله فَلْيقل كذبت أَرَادَ فَلْيقل كذبت بضميره لَا بنطق بِلِسَانِهِ إِذْ الْمُصَلِّي غير جَائِز لَهُ أَن يَقُول كذبت نطقا قلت وَيُؤَيّد مَا قَالَه مَا رَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث أبي سعيد أَيْضا مَرْفُوعا إِذا جَاءَ أحدكُم الشَّيْطَان فَقَالَ إِنَّك قد أحدثت فَلْيقل فِي نَفسه كذبت وَفِي صَحِيح مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة يرفعهُ إِذا وجد أحدكُم فِي بَطْنه شَيْئا فأشكل عَلَيْهِ أخرج مِنْهُ شَيْء أم لَا فَلَا يخْرجن من الْمَسْجِد وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ فَوجدَ ريحًا بَين النتنة وَفِي علل ابْن أبي حَاتِم فَوجدَ ريحًا من نَفسه وَفِي كتاب الطّهُور لأبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام يجد الشَّيْء فِي مقعدته قَالَ لَا يتَوَضَّأ إِلَّا أَن يجد ريحًا يعرفهَا أَو صَوتا يسمعهُ وروى ابْن مَاجَه بِسَنَد فِيهِ ضعف عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَطاء قَالَ رَأَيْت السَّائِب بن يزِيد يشم ثَوْبه فَقلت مِم ذَلِك قَالَ سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول لَا وضوء إِلَّا من ريح أَو سَماع وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث عَليّ بن طلق يرفعهُ إِذا نسي أحدكُم فَليَتَوَضَّأ قَالَ مهنى قَالَ أَبُو عبيد الله عَاصِم الْأَحول يخطىء فِي هَذَا الحَدِيث يَقُول عَليّ بن طلق وَإِنَّمَا هُوَ طلق بن عَليّ وأبى ذَلِك البُخَارِيّ فَقَالَ فِيمَا ذكره أَبُو عِيسَى عَنهُ فِي الْعِلَل وَذكر حَدِيث عَليّ بن طلق هَذَا بِلَفْظ جَاءَ أَعْرَابِي إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة والسلامفقال إِنَّا نَكُون بالبادية فَيكون من أَحَدنَا الرويحة فَقَالَ إِن الله تَعَالَى لَا يستحي من الْحق إِذْ فسى أحدكُم فَليَتَوَضَّأ فَقَالَ لَا أعرف

(2/252)


لعَلي بن طلق عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غير هَذَا الحَدِيث وَهُوَ عِنْدِي غير طلق بن عَليّ وَلَا يعرف هَذَا من حَدِيث طلق بن عَليّ وَلما ذكره التِّرْمِذِيّ فِي الْجَامِع من حَدِيث عَليّ بن طلق حسنه وَذكره ابْن حبَان فِي صَحِيحه بِلَفْظ إِذا فسى أحدكُم فِي الصَّلَاة فلينصرف ثمَّ ليتوضأ وليعد صلَاته ثمَّ قَالَ لم يقل أحد وليعد صلَاته إِلَّا جرير بن عبد الحميد وَقَالَ أَبُو عبيد فِي كتاب الطّهُور إِنَّمَا هُوَ عندنَا عَليّ بن طلق لِأَنَّهُ حَدِيثه الْمَعْرُوف وَكَانَ رجلا من بني حنيفَة وَأَحْسبهُ وَالِد طلق بن عَليّ الَّذِي سَأَلَ عَن مس الذّكر وَمِمَّنْ ذكره فِي مُسْند عَليّ بن طلق أَحْمد بن منيع فِي مُسْنده وَالنَّسَائِيّ والكجي فِي سنَنَيْهِمَا وَأَبُو الْحُسَيْن بن قَانِع فِي آخَرين. ثمَّ اعْلَم أَن حَقِيقَة الْمَعْنى فِي قَوْله حَتَّى يسمع صَوتا أَو يجد ريحًا حَتَّى يعلم وجود أَحدهمَا وَلَا يشْتَرط السماع والشم بِالْإِجْمَاع فَإِن الْأَصَم لَا يسمع صَوتا والأخشم الَّذِي راحت حاسة شمه لَا يشم أصلا وَقَالَ الْخطابِيّ لم يرد بِذكر هذَيْن النَّوْعَيْنِ من الْحَدث تخصيصهما وَقصر الحكم عَلَيْهِمَا حَتَّى لَا يحدث بِغَيْرِهِمَا وَإِنَّمَا هُوَ جَوَاب خرج على حرف الْمَسْأَلَة الَّتِي سَأَلَ عَنْهَا السَّائِل وَقد دخل فِي مَعْنَاهُ كل مَا يخرج من السَّبِيلَيْنِ وَقد يخرج مِنْهُ الرّيح وَلَا يسمع لَهَا صَوت وَلَا يجد لَهَا ريحًا فَيكون عَلَيْهِ اسْتِئْنَاف الْوضُوء إِذا تَيَقّن ذَلِك وَقد يكون بأذنه وقر فَلَا يسمع الصَّوْت أَو يكون أخشم فَلَا يجد الرّيح وَالْمعْنَى إِذا كَانَ أوسع من الِاسْم كَانَ الحكم للمعنى وَهَذَا كَمَا رُوِيَ أَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام قَالَ إِذا اسْتهلّ الصَّبِي ورث وَصلى عَلَيْهِ لم يرد تَخْصِيص الاستهلال الَّذِي هُوَ الصَّوْت دون غَيره من إمارات الْحَيَاة من حَرَكَة وَقبض وَبسط وَنَحْوهَا (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول أَن هَذَا الحَدِيث أصل من أصُول الْإِسْلَام وَقَاعِدَة من قَوَاعِد الْفِقْه وَهِي أَن الْأَشْيَاء يحكم ببقائها على أُصُولهَا حَتَّى يتَيَقَّن خلاف ذَلِك وَلَا يضر الشَّك الطارىء عَلَيْهَا وَالْعُلَمَاء متفقون على هَذِه الْقَاعِدَة وَلَكنهُمْ مُخْتَلفُونَ فِي كَيْفيَّة اسْتِعْمَالهَا مِثَاله مَسْأَلَة الْبَاب الَّتِي دلّ عَلَيْهَا الحَدِيث وَهِي أَن من تَيَقّن الطَّهَارَة وَشك فِي الْحَدث يحكم بِبَقَائِهِ على الطَّهَارَة سَوَاء حصل الشَّك فِي الصَّلَاة أَو خَارِجهَا وَهَذَا بالاجماع بَين الْفُقَهَاء إِلَّا عَن مَالك رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا أَنه يلْزمه الْوضُوء إِن كَانَ شكه خَارج الصَّلَاة وَلَا يلْزمه إِن كَانَ فِي الصَّلَاة وَالْأُخْرَى يلْزمه بِكُل حَال وحكيت الأولى عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَهُوَ وَجه شَاذ عِنْد الشَّافِعِيَّة ذكره الرَّافِعِيّ وَالنَّوَوِيّ فِي الرَّوْضَة وحكيت الثَّانِيَة أَيْضا وَجها للشَّافِعِيَّة وَهُوَ غَرِيب وَعَن مَالك رِوَايَة ثَالِثَة رَوَاهَا ابْن قَانِع عَنهُ أَنه لَا وضوء عَلَيْهِ كَمَا قَالَه الْجُمْهُور وحكاها ابْن بطال عَنهُ وَنقل القَاضِي ثمَّ الْقُرْطُبِيّ عَن ابْن حبيب الْمَالِكِي أَن هَذَا الشَّك فِي الرّيح دون غَيره من الْأَحْدَاث وَكَأَنَّهُ تبع ظَاهر الحَدِيث وَاعْتذر عَنهُ بعض الْمَالِكِيَّة بِأَن الرّيح لَا يتَعَلَّق بِالْمحل مِنْهُ شَيْء بِخِلَاف الْبَوْل وَالْغَائِط وَعَن بعض أَصْحَاب مَالك أَنه إِن كَانَ الشَّك فِي سَبَب حَاضر كَمَا فِي الحَدِيث طرح الشَّك وَإِن كَانَ فِي سَبَب مُتَقَدم فَلَا وَأما إِذا تَيَقّن الْحَدث وَشك فِي الطَّهَارَة فَإِنَّهُ يلْزمه الْوضُوء بِالْإِجْمَاع وعَلى هَذَا الأَصْل من شكّ فِي طَلَاق زَوجته أَو عتق عَبده أَو نَجَاسَة المَاء الطَّاهِر أَو طَهَارَة النَّجس أَو نَجَاسَة الثَّوْب أَو غَيره أَو أَنه صلى ثَلَاثًا أَو أَرْبعا أَو أَنه ركع أَو سجد أم لَا أَو نوى الصَّوْم أَو الصَّلَاة أَو الِاعْتِكَاف وَهُوَ فِي أثْنَاء هَذِه الْعِبَادَات وَمَا أشبه هَذِه الْأَمْثِلَة فَكل هَذِه الشكوك لَا تَأْثِير لَهَا وَالْأَصْل عدم الْحَادِث. وَقَالَت الشَّافِعِيَّة تستثنى من هَذِه الْقَاعِدَة بضع عشرَة مَسْأَلَة. مِنْهَا من شكّ فِي خُرُوج وَقت الْجُمُعَة قبل الشُّرُوع فِيهَا قيل أَو فِيهَا وَمن شكّ فِي ترك بعض وضوء أَو صَلَاة بعد الْفَرَاغ لَا أثر لَهُ على الْأَصَح. وَمِنْهَا عشر ذكرهن ابْن الْقَاص بتَشْديد الصَّاد الْمُهْملَة من الشَّافِعِيَّة فِي مُدَّة خف وَإِن إِمَامه مُسَافر أَو وصل وَطنه أَو نوى إِقَامَة وَمسح مُسْتَحَاضَة وثوب خفيت نَجَاسَته وَمَسْأَلَة الظبية وَبطلَان التَّيَمُّم بتوهم المَاء وَتَحْرِيم صيد جرحه فَغَاب فَوَجَدَهُ مَيتا قَالَ الْقفال لم يعْمل بِالشَّكِّ فِي شَيْء مِنْهَا لِأَن الأَصْل فِي الأولى الْغسْل وَفِي الثَّانِيَة الْإِتْمَام وَكَذَا فِي الثَّالِثَة وَالرَّابِعَة أَن أوجبناه وَالْخَامِسَة وَالسَّادِسَة اشْتِرَاط الطَّهَارَة وَلَو ظنا أَو استصحابا وَالسَّابِعَة بَقَاء النَّجَاسَة وَالثَّامِنَة لقُوَّة الظَّن والتاسعة للشَّكّ فِي شَرط التَّيَمُّم وَهُوَ عدم المَاء وَفِي الصَّيْد تَحْرِيمه إِن قُلْنَا بِهِ الثَّانِي من الْأَحْكَام مَا قالته الشَّافِعِيَّة لَا فرق فِي الشَّك بَين تَسَاوِي الِاحْتِمَالَيْنِ فِي وجوب الْحَدث وَعَدَمه وَبَين تَرْجِيح أَحدهمَا وَغَلَبَة الظَّن فِي أَنه لَا وضوء عَلَيْهِ فالشك عِنْدهم خلاف الْيَقِين وَإِن كَانَ خلاف الِاصْطِلَاح الأصولي وَقَوْلهمْ مُوَافق لقَوْل أهل اللُّغَة الشَّك خلاف الْيَقِين نعم يسْتَحبّ الْوضُوء احْتِيَاطًا فَلَو بَان حَدثهُ أَولا فَوَجْهَانِ أصَحهمَا لَا يجْزِيه هَذَا الْوضُوء لتردده فِي نِيَّته بِخِلَاف مَا إِذا تَيَقّن الْحَدث وَشك فِي الطَّهَارَة فَتَوَضَّأ ثمَّ بَان مُحدثا فَإِنَّهُ يجْزِيه قطعا

(2/253)


لِأَن الأَصْل بَقَاء الْحَدث فَلَا يضر التَّرَدُّد مَعَه وَلَو تَيَقّن الطَّهَارَة وَالْحَدَث مَعًا وَشك فِي السَّابِق مِنْهُمَا فأوجه أَصَحهَا أَنه يَأْخُذ بضد مَا قبلهمَا إِن عرفه فَإِن لم يعرفهُ لزمَه الْوضُوء مُطلقًا الثَّالِث قَالَ الْخطابِيّ فِيهِ حجَّة لمن أوجب الْحَد على من وجدت مِنْهُ رَائِحَة الْمُسكر وَإِن لم يُشَاهد شربه وَلَا شهد عَلَيْهِ الشُّهُود وَلَا اعْترف بِهِ قلت فِيهِ نظر لِأَن الْحُدُود تدرأ بِالشُّبْهَةِ والشبهة هُنَا قَائِمَة فَافْهَم الرَّابِع فِيهِ مَشْرُوعِيَّة سُؤال الْعلمَاء عَمَّا يحدث من الوقائع وَجَوَاب السَّائِل الْخَامِس فِيهِ ترك الاستحياء فِي الْعلم وَأَنه عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام كَانَ يعلمهُمْ كل شَيْء وَأَنه يُصَلِّي بِوضُوء صلوَات مَا لم يحدث السَّادِس فِيهِ قبُول خبر الْوَاحِد السَّابِع فِيهِ أَن من كَانَ على حَال لَا ينْتَقل عَنهُ إِلَّا بِوُجُود خِلَافه الثَّامِن فِيهِ أَنهم كَانُوا يَشكونَ إِلَى النَّبِي عَلَيْهِ السَّلَام جَمِيع مَا ينزل بهم التَّاسِع اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم على أَن رُؤْيَة الْمُتَيَمم المَاء فِي صلَاته لَا ينْقض طَهَارَته قلت لَا يَصح الِاسْتِدْلَال بِهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ من بَاب مَا ذَكرْنَاهُ من أَن الْمَعْنى إِذا كَانَ أوسع من الِاسْم كَانَ الحكم للمعنى لِأَنَّهُ هُوَ فِيمَا يَقع تَحت الْجِنْس الْوَاحِد وَلَا شكّ أَن الْمَقْصُود بِهِ جنس الخارجات من الْبدن فالتعدي إِلَى غير الْجِنْس الْمَقْصُود بِهِ اغتصاب الْأَحْكَام

(بَاب التَّخْفِيف فِي الْوضُوء)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان جَوَاز التَّخْفِيف فِي الْوضُوء والمناسبة بَين الْبَابَيْنِ من حَيْثُ اشْتِمَال كل مِنْهُمَا على حكم من أَحْكَام الْوضُوء
4 - (حَدثنَا عَليّ بن عبد الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَان عَن عَمْرو قَالَ أَخْبرنِي كريب عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَام حَتَّى نفخ ثمَّ صلى وَرُبمَا قَالَ اضْطجع حَتَّى نفخ ثمَّ قَامَ فصلى ثمَّ حَدثنَا بِهِ سُفْيَان مرّة بعد مرّة عَن عَمْرو عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس قَالَ بت عِنْد خَالَتِي مَيْمُونَة لَيْلَة فَقَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيْل قَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَوَضَّأ من شن مُعَلّق وضوء خَفِيفا يخففه عَمْرو ويقلله وَقَامَ يُصَلِّي فَتَوَضَّأت نَحوا مِمَّا تَوَضَّأ ثمَّ جِئْت فَقُمْت عَن يسَاره وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان عَن شِمَاله فحولني فجعلني عَن يَمِينه ثمَّ صلى مَا شَاءَ الله ثمَّ اضْطجع فَنَامَ حَتَّى نفخ ثمَّ أَتَاهُ الْمُنَادِي فآذنه بِالصَّلَاةِ فَقَامَ مَعَه إِلَى الصَّلَاة فصلى وَلم يتَوَضَّأ قُلْنَا لعَمْرو إِن نَاسا يَقُولُونَ إِن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنام عينه وَلَا ينَام قلبه قَالَ عَمْرو سَمِعت عبيد بن عُمَيْر يَقُول رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي ثمَّ قَرَأَ {إِنِّي أرى فِي الْمَنَام أَنِّي أذبحك} مُطَابقَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله وضوأ خَفِيفا. (بَيَان رِجَاله) وهم خَمْسَة قد ذكر مِنْهُم عَليّ بن عبد الله بن الْمَدِينِيّ وسُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَمْرو بن دِينَار وَعبد الله بن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُم وكريب بِضَم الْكَاف وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره يَاء مُوَحدَة ابْن أبي مُسلم القريشي الْهَاشِمِي مولى عبد الله بن عَبَّاس ويكنى أَبَا رشدين بِكَسْر الرَّاء وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون روى عَن مَوْلَاهُ ابْن عَبَّاس وَغَيره وروى عَنهُ ابناه مُحَمَّد وَرشْدِين ومُوسَى بن عقبَة وَخلق مَاتَ بِالْمَدِينَةِ سنة ثَمَان وَتِسْعين وَهُوَ من أَفْرَاد الْكتب السِّتَّة (بَيَان لطائف إِسْنَاده) مِنْهَا أَن فِيهِ التحديث والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد والعنعنة. وَمِنْهَا أَن رِجَاله كلهم من فرسَان الْكتب السِّتَّة إِلَّا عَليّ بن الْمَدِينِيّ فَإِن مُسلما وَابْن مَاجَه لم يخرجَا لَهُ. وَمِنْهَا أَن كلهم مكيون مَا خلا عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَابْن عَبَّاس مكي أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ أَيْضا. وَمِنْهَا أَن فِيهِ رِوَايَة تَابِعِيّ عَن تَابِعِيّ عَمْرو عَن كريب. (بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عَليّ بن عبد الله عَن سُفْيَان وَفِي الصَّلَاة أَيْضا عَن عقبَة عَن دَاوُد بن عبد الرَّحْمَن كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن ابْن أبي عمر وَمُحَمّد بن حَاتِم كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ وَقَالَ حسن صَحِيح وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الشَّافِعِي عَن

(2/254)


سُفْيَان بِبَعْضِه وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب الْعلم عَن آدم عَن شُعْبَة عَن الحكم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس وَقد ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ وَمن أخرجه أَيْضا بِهَذَا الطَّرِيق وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي مَوَاضِع من الصَّحِيح عَن عَطاء بن أبي رَبَاح وَأبي جَمْرَة وَطَاوُس وَغَيرهم عَن ابْن عَبَّاس (بَيَان اللُّغَات) قَوْله نفخ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة أَي من خيشومه وَهُوَ الْمعبر عَنهُ بالغطيط قَوْله بت بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة من بَات يبيت ويبات بيتوتة قَوْله من شن بِفَتْح الشين الْمُعْجَمَة وَتَشْديد النُّون وَهُوَ الْقرْبَة الْخلق وَكَذَلِكَ الشنة وَكَأَنَّهَا صَغِيرَة وَالْجمع أشنان وَيُقَال الشن الْقرْبَة الَّتِي قربت للبلى قَوْله فآذنه بِالْمدِّ أَي أعلمهُ من الإيذان وَهُوَ الْإِعْلَام. (بَيَان الْإِعْرَاب) قَوْله نَام جملَة فِي مَحل الرّفْع لِأَنَّهَا خبر أَن قَوْله حَتَّى نفخ بِمَعْنى إِلَى أَن نفخ قَوْله وَرُبمَا أَصله للتقليل وَقد تسْتَعْمل للتكثير وَهَهُنَا يحْتَمل الْأَمريْنِ قَوْله ثمَّ حَدثنَا بِفَتْح الثَّاء جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول وَقَوله سُفْيَان بِالرَّفْع فَاعله قَوْله مرّة نصب على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف أَي تحديثا مرّة وَقَوله بعد مرّة كَلَام إضافي صفة لقَوْله مرّة قَوْله مَيْمُونَة لَا ينْصَرف للعلمية والتأنيث وَهُوَ فِي مَوضِع الْجَرّ لِأَنَّهُ عطف بَيَان عَن قَوْله خَالَتِي وَهُوَ مجرور بِالْإِضَافَة قَوْله لَيْلَة نصب على الظّرْف قَوْله فَقَامَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام من اللَّيْل كلمة من هُنَا للابتداء وَالْمعْنَى قَامَ مبتدئا من اللَّيْل أَو التَّقْدِير قَامَ من مضى زمن من اللَّيْل هَذَا على رِوَايَة الْأَكْثَرين قَوْله فَقَامَ بِالْقَافِ من الْقيام وَأما على رِوَايَة ابْن السكن فَنَامَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من اللَّيْل بالنُّون من النّوم فَكَذَلِك للابتداء وَيجوز أَن يكون بِمَعْنى فِي كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم الْجُمُعَة} أَي فِي يَوْم الْجُمُعَة وَالْمعْنَى فَنَامَ فِي بعض اللَّيْل كَمَا جَاءَ فِي الرِّوَايَة الْأُخْرَى فَنَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى انتصف اللَّيْل أَو قبله بِقَلِيل وَقَالَ القَاضِي عِيَاض وَآخَرُونَ أَن رِوَايَة ابْن السكن هِيَ الصَّوَاب لِأَن بعده فَلَمَّا كَانَ فِي بعض اللَّيْل قَامَ فَتَوَضَّأ وَقَالَ بَعضهم لَا يَنْبَغِي الْجَزْم بخطئها لِأَن توجيهها ظَاهر وَهُوَ أَن الْفَاء فِي قَوْله فَلَمَّا تفصيلية فالجملة الثَّانِيَة وَإِن كَانَ مضمونها مَضْمُون الأولى لَكِن الْمُغَايرَة بَينهمَا بالإجمال وَالتَّفْصِيل قلت الصَّوَاب مَا استصوبه القَاضِي وتوجيه هَذَا الْقَائِل غير موجه لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَضْمُون الْجُمْلَة الأولى إِجْمَال وَلَا فِي مَضْمُون الثَّانِيَة تَفْصِيل بل مَضْمُون الْجُمْلَة الأولى إِخْبَار عَن نوم النَّبِي صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم فِي بعض اللَّيْل ومضمون الْجُمْلَة الثَّانِيَة إِخْبَار عَن قِيَامه صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ وَآله وَسلم فِي بعض اللَّيْل فَإِن أَرَادَ هَذَا الْقَائِل إِجْمَال مَا فِي قَوْله من اللَّيْل فَكَذَلِك الْإِجْمَال مَوْجُود فِي قَوْله فِي بعض اللَّيْل فَكيف تكون الثَّانِيَة تَفْصِيلًا للأولى فَإِذا تحقق هَذَا يلْزم من رِوَايَة فَقَامَ بِالْقَافِ التّكْرَار فِي الْكَلَام من غير فَائِدَة وعَلى رِوَايَة فَنَامَ بالنُّون يسلم التَّرْكِيب من هَذَا على مَا لَا يخفى فعلى هَذَا تكون الْفَاء فِي قَوْله فَلَمَّا كَانَ للْعَطْف الْمَحْض لَا كَمَا قَالَه هَذَا الْقَائِل أَنَّهَا تفصيلية وَقَالَ الْكرْمَانِي قَوْله فَلَمَّا كَانَ أَي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَتَبعهُ بَعضهم فِي شَرحه على هَذَا التَّفْسِير قلت التَّرْكِيب يسمح بِهَذَا التَّفْسِير لَا يخفى ذَلِك على من لَهُ ذوق وَالْأَحْسَن أَن يُقَال التَّقْدِير فَلَمَّا كَانَ بعض اللَّيْل قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قلت فعلى هَذَا تكون كلمة فِي زَائِدَة وَهل جَاءَ زيادتها فِي الْكَلَام قلت نعم أجَاز ذَلِك بَعضهم حَتَّى قَالَ التَّقْدِير فِي قَوْله تَعَالَى {وَقَالَ اركبوا فِيهَا} وَقَالَ اركبوها وَيُؤَيّد مَا ذَكرْنَاهُ مَا رَوَاهُ الْكشميهني فَلَمَّا كَانَ من بعض اللَّيْل بِكَلِمَة من عوض كلمة فِي وَلَا شكّ أَن من على هَذِه الرِّوَايَة زَائِدَة وكل مِنْهُمَا يَأْتِي بِمَعْنى الآخر كَمَا ثَبت فِي مَوْضِعه ثمَّ اعْلَم أَن كَانَ هَهُنَا تَامَّة بِمَعْنى وجد وَقَوله قَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جَوَاب لما وَقَوله فَتَوَضَّأ عطف عَلَيْهِ قَوْله مُعَلّق بِالْجَرِّ صفة لقَوْله شن على تَأْوِيل الشن بِالْجلدِ وَفِي رِوَايَة معلقَة بالتأنيث على مَا يَأْتِي بعد أَبْوَاب على تَأْوِيل الشن بالقربة قَوْله وضوأ نصب على المصدرية وَقَوله خَفِيفا صفته قَوْله يخففه عَمْرو جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول وَالْفَاعِل ويقلله جملَة مثلهَا عطف عَلَيْهَا فَإِن قلت مَا محلهَا من الْإِعْرَاب قلت النصب على أَنَّهُمَا صفتان لقَوْله خَفِيفا قَوْله وَقَامَ عطف على قَوْله فَتَوَضَّأ قَوْله يُصَلِّي جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي قَامَ قَوْله فَتَوَضَّأت عطف على قَوْله فَتَوَضَّأ قَوْله نَحوا نصب على أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف أَي تَوَضَّأ نَحوا وَكلمَة مَا فِي قَوْله مِمَّا تَوَضَّأ يجوز أَن تكون مَوْصُولَة وَأَن تكون مَصْدَرِيَّة وَبَقِيَّة الْإِعْرَاب ظَاهِرَة

(2/255)


(بَيَان الْمعَانِي) قَوْله وَرُبمَا قَالَ اضْطجع أَي وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة اضْطجع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى نفخ بدل قَوْله نَام حَتَّى نفخ وَقَالَ الْكرْمَانِي قَالَ فِي هَذِه الرِّوَايَة بدل نَام اضْطجع وَزَاد لَفْظَة قَامَ قلت لَفْظَة قَامَ لَا بُد مِنْهَا فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَلَا يحْتَاج إِلَى أَن يُقَال زَاد لَفْظَة قَامَ لِأَن تَقْدِير الرِّوَايَة الأولى نَام حَتَّى نفخ ثمَّ قَامَ فصلى وَتَقْدِير الثَّانِيَة اضْطجع حَتَّى نفخ ثمَّ قَامَ فصلى وَقَالَ بَعضهم أَي كَانَ سُفْيَان يَقُول تَارَة نَام وَتارَة اضْطجع وليسا مترادفين بل بَينهمَا عُمُوم وخصوص من وَجه لكنه لم يرد إِقَامَة أَحدهمَا مقَام الآخر بل كَانَ إِذا روى الحَدِيث مطولا قَالَ اضْطجع فَنَامَ وَإِذا اخْتَصَرَهُ قَالَ نَام أَي مُضْطَجعا واضطجع أَي نَائِما قلت الِاضْطِجَاع فِي اللُّغَة وضع الْجنب بِالْأَرْضِ وَلَكِن المُرَاد بِهِ هَهُنَا النّوم فَحِينَئِذٍ يكون بَين قَوْله نَام حَتَّى نفخ وَبَين قَوْله اضْطجع حَتَّى نفخ مُسَاوَاة فَكيف يَقُول هَذَا الْقَائِل وليسا مترادفين بل بَينهمَا عُمُوم وخصوص من وَجه وَقَوله لم يرد إِقَامَة أَحدهمَا مقَام الآخر غير صَحِيح لِأَنَّهُ أطلق قَوْله اضْطجع على نَام فِي قَوْله فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اضْطجع حَتَّى نفخ لِأَن مَعْنَاهُ نَام حَتَّى نفخ قَوْله ثمَّ حَدثنَا بِهِ سُفْيَان يَعْنِي قَالَ عَليّ بن الْمَدِينِيّ ثمَّ حَدثنَا بِالْحَدِيثِ سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَأَشَارَ بِهِ إِلَى أَنه كَانَ يُحَدِّثهُمْ بِهِ تَارَة مُخْتَصرا وَتارَة مطولا قَوْله مَيْمُونَة هِيَ أم الْمُؤمنِينَ بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة وَأُخْتهَا لبَابَة بِضَم اللَّام وبالموحدتين زَوْجَة الْعَبَّاس عَم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أم عبد الله وَالْفضل وَغَيرهمَا قَوْله يخففه عَمْرو ويقلله أَي عَمْرو بن دِينَار الْمَذْكُور فِي السَّنَد وَهَذَا إدراج من سُفْيَان بن عُيَيْنَة بَين أَلْفَاظ ابْن الْعَبَّاس وَالْفرق بَين التَّخْفِيف والتقليل أَن التَّخْفِيف يُقَابل التثقيل وَهُوَ من بَاب الكيف والتقليل يُقَابله التكثير وَهُوَ من بَاب الْكمّ وَقَالَ ابْن بطال يُرِيد بِالتَّخْفِيفِ تَمام غسل الْأَعْضَاء دون التكثير من إمرار الْيَد عَلَيْهَا وَذَلِكَ أدنى مَا تجوز الصَّلَاة بِهِ وَإِنَّمَا خففه الْمُحدث لعلمه بِأَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يتَوَضَّأ ثَلَاثًا ثَلَاثًا للفضل والمرة الْوَاحِدَة بِالْإِضَافَة إِلَى الثَّلَاث تَخْفيف وَقَالَ ابْن الْمُنِير يخففه أَي لَا يكثر الدَّلْك ويقلله أَي لَا يزِيد على مرّة مرّة ثمَّ قَالَ وَفِيه دَلِيل إِيجَاب الدَّلْك لِأَنَّهُ لَو كَانَ يُمكن اختصاره لاختصره قلت فِيهِ نظر لِأَن قَوْله يخففه يُنَافِي وجود الدَّلْك فَكيف يكون فِيهِ دَلِيل على وُجُوبه وَالْمرَاد بِالْوضُوءِ الْخَفِيف أَن يكون بَين الوضوءين وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ ترك الإسباغ بل الِاكْتِفَاء بالمرة الْوَاحِدَة مَعَ الإسباغ وَقد جَاءَ فِي رِوَايَة أُخْرَى فِي الْوتر فَتَوَضَّأ فَأحْسن الْوضُوء قَوْله فَتَوَضَّأت نَحوا مِمَّا تَوَضَّأ أَرَادَ أَنه تَوَضَّأ وضُوءًا خَفِيفا مثل وضوء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ الْكرْمَانِي قَالَ نَحوا وَلم يقل مثلا لِأَن حَقِيقَة مِمَّا ثلته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا يقدر عَلَيْهَا غَيره قلت يرد على مَا ذكره مَا ثَبت فِي هَذَا الحَدِيث على مَا يَأْتِي بعد أَبْوَاب فَقُمْت فصنعت مثل مَا صنع فَعلم من ذَلِك أَن المُرَاد من قَوْله نَحوا مثلا لِأَن الحَدِيث وَاحِد والقضية وَاحِدَة وَبَعض أَلْفَاظه يُفَسر بَعْضهَا قَوْله فَقُمْت عَن يسَاره كلمة عَن هَهُنَا على مَعْنَاهَا الْمَوْضُوع لَهَا وَهِي الْمُجَاوزَة وَالْمعْنَى قُمْت مجاوزا عَن يسَاره وَلم يذكر البصريون لَهَا معنى سوى معنى الْمُجَاوزَة وَمَعَ هَذَا يحْتَمل أَن تكون هَهُنَا لِمَعْنى الظَّرْفِيَّة كَمَا فِي قَول الشَّاعِر
(وَأسر سراة الْحَيّ حَيْثُ لقيتهم ... وَلَا تَكُ عَن حمل الرباعة وانيا)
والرباعة نُجُوم الجمالة قَوْله وَرُبمَا قَالَ سُفْيَان عَن شِمَاله هَذَا إدراج من عَليّ بن الْمَدِينِيّ وَالشمَال بِكَسْر الشين هِيَ الْجَارِحَة وَهِي خلاف الْيَمين وبفتح الشين الرّيح الَّتِي تهب من نَاحيَة القطب وَهِي خلاف الْجنُوب قَوْله فآذنه أَي أعلمهُ كَمَا ذَكرْنَاهُ وَفِي بعض النّسخ يُؤذنهُ بِلَفْظ الْمُضَارع بِدُونِ الْفَاء وَفِي بَعْضهَا فناداه بِالصَّلَاةِ قَوْله فَقَامَ مَعَه أَي قَامَ الْمُنَادِي مَعَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام إِلَى الصَّلَاة وَيجوز أَن يُقَال فَقَامَ النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام مَعَ الْمُنَادِي إِلَى الصَّلَاة وَقَالَ الْكرْمَانِي مَعَه أَي مَعَ الْمُنَادِي أَو مَعَ الإيذان قلت قَوْله مَعَ الْمُنَادِي تَرْجِيح بِلَا مُرَجّح وَقَوله أَو مَعَ الإيذان بعيد وَإِن كَانَ لَهُ وَجه قَوْله قُلْنَا لعَمْرو أَي قَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة قُلْنَا لعَمْرو بن دِينَار قَوْله أَن رَسُول الله عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام تنام عينه وَلَا ينَام قلبه حَدِيث صَحِيح وَسَيَأْتِي من وَجه آخر قَوْله عبيد بن عُمَيْر كِلَاهُمَا بِصِيغَة التصغير ابْن قَتَادَة اللَّيْثِيّ الْمَكِّيّ وَعبيد هَذَا من كبار التَّابِعين وَقيل إِنَّه رأى النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام وَهُوَ قاص أهل مَكَّة مَاتَ قبل ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا روى لَهُ الْجَمَاعَة وَأَبوهُ عُمَيْر بن قَتَادَة من الصَّحَابَة رَضِي الله عَنْهُم قَوْله رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي رَوَاهُ مُسلم مَرْفُوعا الرُّؤْيَا مصدر كالرجعى تخْتَص برؤيا الْمَنَام كَمَا اخْتصَّ الرَّأْي بِالْقَلْبِ والرؤية بِالْعينِ وَالِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ عَلَيْهِ من جِهَة أَن الرُّؤْيَا لَو لم تكن وَحيا لما جَازَ لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْإِقْدَام على ذبح وَلَده لِأَنَّهُ محرم فلولا أَنه أُبِيح لَهُ فِي الرُّؤْيَا بِالْوَحْي لما ارْتكب الْحَرَام وَقَالَ الدَّاودِيّ فِي شَرحه قَول عبيد بن عُمَيْر لَا تعلق لَهُ بِهَذَا الْبَاب قلت يُرِيد بذلك أَن التَّبْوِيب على تَخْفيف الْوضُوء فَقَط وَلَكِن ذكر هَذَا لأجل أَن مُرَاده فِيهِ هُوَ نوم الْعين دون نوم الْقلب وَلم يلْتَزم البُخَارِيّ أَن لَا يذكر من الحَدِيث إِلَّا مَا يتَعَلَّق بالترجمة فَقَط وَهَذَا لم يَشْتَرِطه أحد بَيَان استنباط الْأَحْكَام الأول فِيهِ أَن نوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تنام عينه وَلَا ينَام قلبه قَالَ عَمْرو سَمِعت عبيد بن عُمَيْر يَقُول

(2/256)


رَضِي الله عَنْهُم قَوْله رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي رَوَاهُ مُسلم مَرْفُوعا الرُّؤْيَا مصدر كالرجعى تخْتَص برؤيا الْمَنَام كَمَا اخْتصَّ الرَّأْي بِالْقَلْبِ والرؤية بِالْعينِ وَالِاسْتِدْلَال بِالْآيَةِ عَلَيْهِ من جِهَة أَن الرُّؤْيَا لَو لم تكن وَحيا لما جَازَ لإِبْرَاهِيم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام الْإِقْدَام على ذبح وَلَده لِأَنَّهُ محرم فلولا أَنه أُبِيح لَهُ فِي الرُّؤْيَا بِالْوَحْي لما ارْتكب الْحَرَام وَقَالَ الدَّاودِيّ فِي شَرحه قَول عبيد بن عُمَيْر لَا تعلق لَهُ بِهَذَا الْبَاب قلت يُرِيد بذلك أَن التَّبْوِيب على تَخْفيف الْوضُوء فَقَط وَلَكِن ذكر هَذَا لأجل أَن مُرَاده فِيهِ هُوَ نوم الْعين دون نوم الْقلب وَلم يلْتَزم البُخَارِيّ أَن لَا يذكر من الحَدِيث إِلَّا مَا يتَعَلَّق بالترجمة فَقَط وَهَذَا لم يَشْتَرِطه أحد (بَيَان استنباط الْأَحْكَام) الأول فِيهِ أَن نوم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُضْطَجعا لَا ينْقض الْوضُوء وَكَذَا سَائِر الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم السَّلَام فيقظة قلبهم تمنعهم من الْحَدث وَلِهَذَا قَالَ عبيد بن عُمَيْر رُؤْيا الْأَنْبِيَاء وَحي وَقَالَ الْخطابِيّ إِنَّمَا منع النّوم من قلب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليعي الْوَحْي إِذا أوحى إِلَيْهِ فِي الْمَنَام فَإِن قلت روى أَنه تَوَضَّأ بعد النّوم قلت ذَاك على اخْتِلَاف حَاله فِي النّوم فَرُبمَا كَانَ يعلم أَنه استثقل نوما فَاحْتَاجَ مِنْهُ إِلَى الْوضُوء الثَّانِي فِيهِ جَوَاز مبيت من لم يَحْتَلِم عِنْد محرمه الثَّالِث فِيهِ مبيته عِنْد الرجل مَعَ أَهله وَقد روى أَنَّهَا كَانَت حَائِضًا الرَّابِع فِيهِ تواضعه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا كَانَ عَلَيْهِ من مَكَارِم الْأَخْلَاق الْخَامِس فِيهِ صلَة الْقَرَابَة السَّادِس فِيهِ فضل ابْن عَبَّاس رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا السَّابِع فِيهِ الِاقْتِدَاء بأفعاله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الثَّامِن فِيهِ جَوَاز الْإِمَامَة فِي النَّافِلَة وَصِحَّة الْجَمَاعَة فِيهَا التَّاسِع فِيهِ جَوَاز ائتمام وَاحِد بِوَاحِد الْعَاشِر فِيهِ جَوَاز ائتمام صبي ببالغ وَعَلِيهِ ترْجم الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه الْحَادِي عشر فِيهِ أَن موقف الْمَأْمُوم الْوَاحِد عَن يَمِين الإِمَام وَعَن سعيد بن الْمسيب أَن موقف الْوَاحِد مَعَ الإِمَام عَن يسَاره وَعَن أَحْمد إِن وقف عَن يسَاره بطلت صلَاته وَقَالَ ابْن بطال وَهُوَ رد على أبي حنيفَة فِي قَوْله أَن الإِمَام إِذا صلى مَعَ رجل وَاحِد أَنه يقوم خَلفه لَا عَن يَمِينه وَهُوَ مُخَالف لفعل الشَّارِع قلت هَذَا بَاطِل وَلَيْسَ هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَابْن بطال جازف فِي كَلَامه وَقد قَالَ صَاحب الْهِدَايَة وَمن صلى مَعَ وَاحِد أَقَامَهُ عَن يَمِينه لحَدِيث ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنْهُمَا فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى بِهِ وأقامه عَن يَمِينه وَلَا يتَأَخَّر عَن الإِمَام وَإِن صلى خَلفه أَو فِي يسَاره جَازَ وَهُوَ مسيء لِأَنَّهُ خلاف السّنة هَذَا هُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة فَكيف شنع عَلَيْهِ ابْن بطال مَعَ إساءة الْأَدَب على الإِمَام الثَّانِي عشر فِيهِ أَن أقل الْوضُوء يجزىء إِذا أَسْبغ وَهُوَ مرّة مرّة الثَّالِث عشر فِيهِ تَعْلِيم الإِمَام الْمَأْمُوم الرَّابِع عشر فِيهِ التَّعْلِيم فِي الصَّلَاة إِذا كَانَ من أمرهَا الْخَامِس عشر فِيهِ إيذان الإِمَام بِالصَّلَاةِ السَّادِس عشر فِيهِ قيام الإِمَام مَعَ الْمُؤَذّن إِذا آذنه السَّابِع عشر فِيهِ الْجمع بَين النَّوَافِل وَالْفَرْض بِوضُوء وَاحِد وَلَا شكّ فِي جَوَازه الثَّامِن عشر فِيهِ أَن النّوم الْخَفِيف لَا يجب فِيهِ الْوضُوء قَالَه الدَّاودِيّ فِي شَرحه وَفِيه نظر لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم اضْطجع فَنَامَ حَتَّى نفخ وَهَذَا لَا يكون فِي الْغَالِب خَفِيفا التَّاسِع عشر فِيهِ الِاضْطِجَاع على الْجنب بعد التَّهَجُّد الْعشْرُونَ مَا قيل إِن تقدم الْمَأْمُوم على إِمَامه مُبْطل لِأَن الْمَنْقُول أَن الإدارة كَانَت من خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا من قدامه كَمَا حَكَاهُ القَاضِي عِيَاض عَن تَفْسِير مُحَمَّد بن حَاتِم كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان بِهِ وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة بِهِ وَقَالَ حسن صَحِيح وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الطَّهَارَة عَن قُتَيْبَة بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد الشَّافِعِي عَن سُفْيَان بِبَعْضِه وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي كتاب الْعلم عَن آدم عَن شُعْبَة عَن الحكم عَن سعيد بن جُبَير عَن ابْن عَبَّاس وَقد ذَكرْنَاهُ هُنَاكَ وَمن أخرجه أَيْضا بِهَذَا الطَّرِيق وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي مَوَاضِع من الصَّحِيح عَن عَطاء بن أبي حَاتِم وَفِيه نظر لِأَنَّهُ يجوز أَن تكون إدارته من خَلفه لِئَلَّا يمر بَين يَدَيْهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوه الْحَادِي وَالْعشْرُونَ فِيهِ قيام اللَّيْل وَكَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثمَّ نسخ على الْأَصَح الثَّانِي وَالْعشْرُونَ فِيهِ الْمبيت عِنْد الْعَالم ليراقب أَفعاله فيقتدي بهَا الثَّالِث وَالْعشْرُونَ فِيهِ طلب الْعُلُوّ فِي السَّنَد فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتَفِي بِإِخْبَار خَالَته أم الْمُؤمنِينَ رَضِي الله عَنْهَا الرَّابِع وَالْعشْرُونَ فِيهِ أَن النَّافِلَة كالفريضة فِي تَحْرِيم الْكَلَام لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يتَكَلَّم الْخَامِس وَالْعشْرُونَ فِيهِ أَن من الْأَدَب أَن يمشي الصَّغِير عَن يَمِين الْكَبِير والمفضول عَن يَمِين الْفَاضِل ذكره الْخطابِيّ السَّادِس وَالْعشْرُونَ فِيهِ جَوَاز فتل أذن الصَّغِير للتّنْبِيه على التَّعْلِيم والإرشاد وَلم يذكر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور فِي هَذِه الرِّوَايَة كَيْفيَّة التَّحْوِيل وَقد اخْتلف فِيهِ رِوَايَات الصَّحِيح فَفِي بَعْضهَا أَخذ بِرَأْسِهِ فَجعله عَن يَمِينه وَفِي بَعْضهَا فَوضع يَده الْيُمْنَى على رَأْسِي فَأخذ بأذني الْيُمْنَى ففتلها وَفِي بَعْضهَا فَوضع يَده الْيُمْنَى على رَأْسِي فَأخذ بأذني الْيُمْنَى ففتلها فِي بَعْضهَا فَأخذ برأسي من ورائي وَفِي بَعْضهَا بيَدي أَو عضدي وَالرِّوَايَة الثَّانِيَة جَامِعَة لهَذِهِ الرِّوَايَات

(2/257)