عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 69 - (بابُ الصَّلاَةِ بَيْنَ السَّوَارِي
فَي غَيْرِ جَمَاعَةٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الصَّلَاة بَين السَّوَارِي
أَي: الأساطين والأعمدة فِي غير جمَاعَة، يَعْنِي إِذا
كَانَ مُنْفَردا لَا بَأْس فِي الصَّلَاة بَين الساريتين،
إِذا لم يكن فِي جمَاعَة، وَقيد بِغَيْر جمَاعَة لِأَن لَك
يقطع الصُّفُوف، وتسوية الصُّفُوف فِي الْجَمَاعَة
مَطْلُوبَة.
505451 - حدّثنا عَبْدُ ااِ بنُ يُوسُفَ قَالَ أخْبرنَا
مالِكٌ عنْ نافِعٍ عنْ عَبْدِ ااِ بنِ عُمَرَ أنَّ رَسُولَ
ااِ دَخَلَ الكَعْبَةَ وأُسامَةُ بنُ زَيْدٍ وبِلاَلٌ
وعُثْمَانُ بنُ طَلْحَةَ الْحَجَبِيُّ فأغْلَقَها علَيْهِ
ومَكَثَ فِيهَا فَسألْتُ بِلاَلاً حِينَ خَرَجَ مَا صَنَعَ
النبيُّ قَالَ جَعَلَ عَمُوداً عنْ يَسَارِهِ وَعَمُوداً
عنْ يَمِينِهِ وثَلاثَةَ أعْمِدَةٍ ورَاءَهُ وكانَ
البَيْتُ يَوْمَئِذٍ عَلى سِتَّةِ أعْمِدَةٍ ثُمَّ صَلَّى.
وَقَالَ لنَا إسْماعِيلُ حدّثني مَالك وَقَالَ عَمُودَيْنِ
عنْ يَمِينِهِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَجعل عموداً) إِلَى
آخِره. وَرِجَاله قد تكرروا. قَوْله: (وَأُسَامَة)
بِالنّصب عطفا على: رَسُول ا، وَيجوز رَفعه عطفا على فَاعل
دخل. قَوْله: (الحَجبي) بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة ثمَّ
بِالْجِيم وبالباء الْمُوَحدَة الْمَكْسُورَة. قَوْله:
(فأغلقها) ، أَي: أغلق عُثْمَان، الْكَعْبَة أَي: فَإِن
قلت: فِي رِوَايَة مَالك إِشْكَال لِأَنَّهُ عموداً عَن
يسَاره وعموداً عَن يَمِينه، وَهَذَانِ إثنان، ثمَّ قَالَ:
وَثَلَاثَة أعمدة وَرَاءه، فَتكون الْجُمْلَة خَمْسَة،
ثمَّ قَالَ: وَكَانَ الْبَيْت يَوْمئِذٍ على سِتَّة أعمدة.
قلت: أجَاب الْكرْمَانِي عَنهُ بِأَن لفظ العمود جنس
يحْتَمل الْوَاحِد الإثنتين فَهُوَ مُجمل بَينه مَالك فِي
رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي أويس عَنهُ، وَهِي قَوْله:
وَقَالَ لنا إِسْمَاعِيل: حَدثنِي مَالك؟ فَقَالَ: عمودين
عَن يَمِينه، فَحِينَئِذٍ تكون الأعمدة سِتَّة. وَقَالَ
خلف: لم أَجِدهُ من حَدِيث إِسْمَاعِيل. وَقد اخْتلف عَن
مَالك فِي لَفظه فَرَوَاهُ مُسلم: (عمودين عَن يسَاره
وعموداً عَن يَمِينه) ، عكس رِوَايَة
(4/284)
إِسْمَاعِيل، وَفِي رِوَايَة البُخَارِيّ
(عموداً عَن يَمِينه وعموداً عَن يسَاره) . قَالَ
الْبَيْهَقِيّ: وَهُوَ الصَّحِيح، وَفِي رِوَايَة: (جعل
عموداً عَن يَمِينه وعمودين عَن يسَاره) ، عكس مَا سبق.
وَقد ذكر الدَّارَقُطْنِيّ الِاخْتِلَاف على مَالك فِيهِ،
فَوَافَقَ الْجُمْهُور عبد ابْن يُوسُف فِي قَوْله:
(عموداً عَن يَمِينه) ؛ وَوَافَقَ إِسْمَاعِيل فِي قَوْله:
(عمودين عَن يَمِينه) ؛ ابْن الْقَاسِم والقعنبي وَأَبُو
مُصعب وَمُحَمّد بن الْحسن وَأَبُو حذافة، وَكَذَلِكَ
الشَّافِعِي وَابْن مهْدي فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
عَنْهُم، وَأجَاب قوم عَنهُ بِاحْتِمَال تعدد الْوَاقِعَة،
وروى عُثْمَان بن عمر عَن مَالك: (جعل عمودين عَن يَمِينه
وعمودين عَن يسَاره) ، فعلى هَذَا تكون الأعمدة سَبْعَة،
ويردها قَوْله: (وَكَأن الْبَيْت يَوْمئِذٍ على سِتَّة
أعمدة) ، بعد قَوْله: (وَثَلَاثَة أعمدة وَرَاءه) وَعَن
هَذَا قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: لم يُتَابع عُثْمَان بن عمر
على ذَلِك، وَأجَاب الْكرْمَانِي بجوابين آخَرين: الأول:
هُوَ أَن الأعمدة الثَّلَاثَة الْمُقدمَة مَا كَانَت على
سمت وَاحِد، بل عمودان مسامتان وَالثَّالِث على غير سمتها؛
وَلَفظ المقدمين فِي الحَدِيث السَّابِق يشْعر بِهِ، فتعرض
للعمودين المسامتين وَسكت عَن ثَالِثهَا. وَالثَّانِي: أَن
تكون الثَّلَاثَة على سمت وَاحِد، وَقَامَ رَسُول الله
عِنْد الوسطاني.
قَوْله: (وَقَالَ لنا إِسْمَاعِيل) وَهُوَ أبي أويس بن
أُخْت مَالك بن أنس، وَهَذَا مَوْصُول بِوَاسِطَة قَوْله
لنا، وَهِي رِوَايَة كَرِيمَة، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر
والأصيلي: وَقَالَ إِسْمَاعِيل، بِدُونِ لفظ: قَالَ لنا،
أحط دَرَجَة من: حدّثنا. قَوْله: (حَدثنِي مَالك) ،
يَعْنِي: بِهَذَا الحَدِيث.
79 - (بابٌ)
أَي: هَذَا بَاب، فَإِذا لم يقدر شَيْئا لَا يكون معرباً،
لِأَن الْإِعْرَاب يكون بِالْعقدِ والتركيب، كَذَا وَقع
لفظ: بَاب، بِلَا تَرْجَمَة فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين،
وَلَيْسَ لفظ بَاب فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، وعَلى قَول
الْأَكْثَرين: هُوَ كالفصل من الْبَاب الَّذِي قبله،
وَإِنَّمَا فَصله لِأَن فِيهِ زِيَادَة، وَهِي مِقْدَار
مَا كَانَ بَينه وَبَين الْجِدَار من الْمسَافَة.
605551 - ح دّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ حدّثنا
أبُو ضَمْرَةَ قَالَ حدّثنا مُوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ
نافِعٍ أنَّ عَبْدَ ااِ كانَ إذَا دَخَلَ الكَعْبَةَ مَشَى
قِبَلَ وَجْهِهِ حِينَ يَدْخلُ وجَعَلَ البَابَ قِبَلَ
ظَهْرِهِ فَمَشَى حَتَّى يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ
الجِدَارِ الذِي قِبَلَ وَجْهِهِ قَرِيباً منْ ثَلاَثَةِ
أذْرُعٍ صَلَّى يَتَوَخَّى المَكَانَ الَّذِي أخْبرهُ
بِلالٌ أنَّ النبيَّ صَلَّى فيهِ قَالَ وَلَيْسَ علَى
أحَدِنا بَأْسٌ أنْ صلى فِي أيِّ نَوَاحِي البَيْتِ شاءَ.
.
مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة بطرِيق الإستلزام،
وَهُوَ أَن الْموضع الْمَذْكُور من كَونه مُقَابلا للباب
قَرِيبا من الْجِدَار يسْتَلْزم كَون صلَاته بَين
الساريتين.
ذكر رِجَاله ومهم خَمْسَة: الأول: إِبْرَاهِيم بن
الْمُنْذر أَبُو إِسْحَاق الْحزَامِي الْمَدِينِيّ.
الثَّانِي: أَبُو ضَمرَة، بِفَتْح الضَّاد الْمُعْجَمَة
وَسُكُون الْمِيم وبالراء: اسْمه أنس بن عِيَاض، مر فِي
بَاب التبرز فِي الْبيُوت. الثَّالِث: مُوسَى بن عقبَة بن
أبي عَيَّاش الْمَدِينِيّ، مَاتَ سنة إِحْدَى وَأَرْبَعين
وَمِائَة. الرَّابِع: نَافِع مولى ابْن عمر. الْخَامِس:
عبد ابْن عمر.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من
أَفْرَاده.
ذكر بِمَعْنَاهُ) : قَوْله: (قبل وَجهه) ، بِكَسْر الْقَاف
وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: أَي مُقَابل وَجهه، وَكَذَلِكَ
الْكَلَام فِي: (قبل وَجهه) الَّذِي بعده. قَوْله:
(قَرِيبا) كَذَا وَقع بِالنّصب، ويروى بِالرَّفْع وَهُوَ
الأَصْل لِأَنَّهُ اسْم: يكون، وَوجه النصب أَن يكون اسْمه
محذوفاً وَالتَّقْدِير: يكون الْقدر أَو الْمَكَان قَرِيبا
من ثَلَاثَة أَذْرع، وَلَفظه: (بِثَلَاثَة) بالتأنيث فِي
رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة أبي ذَر من: ثَلَاث
أَذْرع، بِلَا تَاء. فَإِن قلت: الذِّرَاع مُذَكّر فَمَا
وَجهه ترك التَّأْنِيث. قلت: أجَاب بَعضهم أَن الذِّرَاع
يذكر وَيُؤَنث، وَلَيْسَ كَذَلِك على الْإِطْلَاق بل
الذِّرَاع الَّذِي يذرع بِهِ يذكر، وذراع الْيَد يذكر
وَيُؤَنث، وَهَهُنَا شبه بِذِرَاع الْيَد. قَوْله: (صلى) ،
جملَة استئنافية. قَوْله: (يتوخى) أَي: يتحَرَّى، يُقَال:
توخيت مرضاتك. أَي: تحريت
(4/285)
وقصدت. قَوْله: (قَالَ) أَي: ابْن عمر.
قَوْله: (إِن صلى) ، بِكَسْر الْهمزَة، وَصلى بِلَفْظ
الْمَاضِي، وَفِي رِوَايَة الكشمهني: (أَن يُصَلِّي)
بِفَتْح الْهمزَة وَلَفظ الْمُضَارع، وَالتَّقْدِير: وَلَا
بَأْس بِأَن يُصَلِّي، وَحذف حرف سَائِغ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ جَوَاز الصَّلَاة فِي نفس
الْبَيْت. وَفِيه: الدنو من الستْرَة. وَقد أَمر الشَّارِع
بالدنو مِنْهَا لِئَلَّا يَتَخَلَّل الشَّيْطَان ذَلِك.
وَفِيه: الستْرَة بَين الْمُصَلِّي والقبلة ثَلَاثَة
أَذْرع، وَادّعى ابْن بطال أَن الَّذِي واظب عَلَيْهِ
الشَّارِع فِي مُقَدّر ذَلِك ممر الشَّاة، كَمَا جَاءَ فِي
الْآثَار. وَفِيه: أَنه لَا يشْتَرط فِي صِحَة الصَّلَاة
فِي الْبَيْت مُوَافقَة الْمَكَان الَّذِي صلى فِيهِ
النَّبِي، كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ ابْن عمر، وَلَكِن
الْمُوَافقَة أولى وَإِن كَانَ يحصل الْغَرَض بِغَيْرِهِ،
وَقد ذكرنَا أَن الحَدِيث لَا يدل صَرِيحًا على الصَّلَاة
بَين الساريتين، وَإِنَّمَا دلَالَته على ذَلِك بطرِيق
الاستلزام، وَقد بَيناهُ. وَقد اخْتلف السّلف فِي
الصَّلَاة بَين السَّوَارِي، فكرهه أنس بن مَالك لوُرُود
النَّهْي بذلك، رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ، وَقَالَ ابْن
مَسْعُود: لَا تصفوا بَين الأساطين واتموا الصُّفُوف) .
وَأَجَازَهُ الْحسن وَابْن سِيرِين، وَكَانَ سعيد بن
جُبَير وَإِبْرَاهِيم التَّيْمِيّ وسُويد بن غَفلَة
يؤمُّونَ قَومهمْ بَين الأساطين، وَهُوَ قَول الْكُوفِيّين
وَقَالَ مَالك فِي (الْمُدَوَّنَة) لَا بَأْس باصلاة
بَينهمَا لضيق الْمَسْجِد. وَقَالَ ابْن حبيب: لَيْسَ
النَّهْي عَن تقطيع الصُّفُوف إِذْ ضَاقَ الْمَسْجِد،
وَإِنَّمَا نهى عَنهُ إِذا كَانَ الْمَسْجِد وَاسِعًا.
قَالَ الْقُرْطُبِيّ: وَسبب الْكَرَاهَة بَين الأساطين
أَنه رُوِيَ أَنه مصلى الْجِنّ الْمُؤمنِينَ.
89 - (بابُ الصَّلاَةِ إِلَى الرَّاحِلَةِ والبَعَيرِ
والشَّجَرِ والرَّحْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّلَاة بالتوجه إِلَى
الرَّاحِلَة إِلَى آخِره، وَالرَّاحِلَة: النَّاقة الَّتِي
يختارها الرجل لمركبه ورحله على النجابة وَتَمام الْخلق
وَحسن النّظر، فَإِذا كَانَت فِي جمَاعَة الْإِبِل عرفت،
و: الْهَاء، فِيهِ للْمُبَالَغَة كَمَا يُقَال: رجل داهية
وراوية. وَقيل: إِنَّمَا سميت: رَاحِلَة، لِأَنَّهَا ترحل.
قَالَ اتعالى. {فِي عيشة راضية} (الحاقة: 12،
وَالْقَارِعَة: 7) أَي: مرضية، وَالْبَعِير من الْإِبِل
بِمَنْزِلَة الْإِنْسَان من النَّاس. وَيُقَال للجمل: بعير
وللناقة: بعير، وَبَنُو تَمِيم يَقُولُونَ: بعير وشعير
بِكَسْر الْبَاء والشين، وَالْفَتْح هُوَ الفصيح،
وَإِنَّمَا يُقَال لَهُ: بعير إِذا أجذع، وَالْجمع:
أَبْعِرَة فِي أدنى الْعدَد، وأباعر فِي الْكثير، وأباعير
وبعران، وَهَذِه عَن الْفراء. وَمعنى: بأجذع، إِذا دخل فِي
السّنة الْخَامِسَة. فَإِن قلت: إِذا أطلق الْبَعِير على
النَّاقة، وَالرَّاحِلَة هِيَ: النَّاقة، فَمَا فَائِدَة
ذكر الْبَعِير؟ قلت: ذهب بَعضهم إِلَى أَن الرَّاحِلَة لَا
تقع إلاَّ على الْأُنْثَى، وَلأَجل ذَلِك أردفه بالبعير،
فَإِنَّهُ يَقع عَلَيْهِمَا. قَوْله: (وَالشَّجر) هُوَ
الْمَعْرُوف، وَفِي حَدِيث عَليّ، رَضِي اعنه، قَالَ: (لقد
رَأَيْتنَا يَوْم بدر وَمَا فِينَا إِنْسَان إلاَّ نَائِم
إلاَّ رَسُول ا،، فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي إِلَى شَجَرَة
يَدْعُو حَتَّى أصبح) . رَوَاهُ النَّسَائِيّ بِإِسْنَاد
حسن. قَوْله: (والرحل) بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْحَاء
الْمُهْملَة: وَهُوَ للبعير أَصْغَر من القتب، وَهُوَ
الَّذِي يركب عَلَيْهِ. وَهُوَ: الكور بِضَم الْكَاف.
فَإِن قلت: حَدِيث الْبَاب لَا يدل إلاَّ على الصَّلَاة
إِلَى الْبَعِير وَالشَّجر؟ قلت: كَأَنَّهُ وضع
التَّرْجَمَة على أَنه يَأْتِي لكل جُزْء مِنْهَا
بِحَدِيث، فَلم يجد على شَرطه إلاَّ حَدِيث الْبَاب،
وَهُوَ يدل على الصَّلَاة إِلَى الرَّاحِلَة والرحل،
وَاكْتفى بِهِ عَن بَقِيَّة ذَلِك بِالْقِيَاسِ على
الرَّاحِلَة، وَقد روى غَيره: فِي الصَّلَاة إِلَى
الْبَعِير وَالشَّجر، أما الصَّلَاة إِلَى الْبَعِير
فَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة ووهب بن
بَقِيَّة وَعبد ابْن سعيد، قَالَ عُثْمَان: أخبرنَا أَبُو
خَالِد، قَالَ: أخبرنَا عبيد اعن نَافِع عَن ابْن عمر:
(أَن النَّبِي كَانَ يُصَلِّي إِلَى بعيره) . وَأما
الصَّلَاة إِلَى الشّجر فقد ذَكرْنَاهُ الْآن عَن
النَّسَائِيّ.
705651 - ح دّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ
الْبَصْرِيُّ قَالَ حدّثنا مُعْتَمِرٌ عنْ عُبَيْدِ ااِ
عَنْ نافِعٍ عَن ابنِ عُمَرَ عنِ النبيِّ أنَّهُ كانَ
يُعَرِّضُ رَاحِلَتَهُ فَيُصَلِّي إلَيْها قُلْتُ
أفَرَأيْتَ إِذا هَبَّتِ الرِّكابُ قَالَ كَانَ يَأْخُذُ
هذَا الرَّحْلَ فَيُعَدِّلُهُ فَيُصَلِّي إِلَيّ آخِرَتِهِ
أَو قَالَ مُؤَخِّرِهِ وكانَ ابنُ عُمَرَ رَضِي ااُ عَنهُ
يَفْعَلُهُ. (انْظُر الحَدِيث 034) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي. قَوْله: (يعرض رَاحِلَته
فَيصَلي إِلَيْهَا) . وَفِي قَوْله: (كَانَ يَأْخُذ الرحل)
: إِلَى آخِره. وَأما ذكر الْبَعِير
(4/286)
وَالشَّجر فِي التَّرْجَمَة فقد ذكرنَا
وَجهه آنِفا.
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة تكَرر ذكرهم. وَفِيه: التحديث
بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن أَحْمد بن
حَنْبَل، وَلَفظه: (آخِرَة الرحل) ، وَأخرجه أَيْضا من
حَدِيث أبي ذَر، وَأبي هُرَيْرَة وَأخرج النَّسَائِيّ من
حَدِيث عَائِشَة: (سُئِلَ رَسُول فِي غَزْوَة تَبُوك عَن
ستْرَة الْمُصَلِّي؟ فَقَالَ: مثل مؤخرة الرحل.
ذكر مَعْنَاهُ) : قَوْله: (يعرض) ، بتَشْديد الرَّاء من
التَّعْرِيض أَي: يَجْعَلهَا عرضا. قَوْله: (أَفَرَأَيْت؟)
الْفَاء عاطفة على مُقَدّر بعد الْهمزَة أَي: أَرَأَيْت
فِي تِلْكَ الْحَالة، فَرَأَيْت فِي هَذِه الْحَالة
الْأُخْرَى، وَالْمعْنَى: أَخْبرنِي عَن هَذِه وَفِي بعض
النّسخ: (أَرَأَيْت) بِدُونِ: الْفَاء. فَإِن قلت: من
السَّائِل هُنَا وَمن المسؤول عَنهُ؟ قلت: الَّذِي يدل
عَلَيْهِ الظَّاهِر أَنه كَلَام نَافِع، وَهُوَ السَّائِل.
والمسؤول عَنهُ هُوَ ابْن عمر، وَلَكِن وَقع فِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق عُبَيْدَة بن حميد: عَن عبيد
ابْن عمر أَنه كَلَام عبيد ا، والمسؤول نَافِع، فعلى هَذَا
يكون هُوَ مُرْسلا، لِأَن فَاعل: يَأْخُذ، هُوَ النَّبِي
وَلم يُدْرِكهُ نَافِع. قَوْله: (إِذا هبت الركاب) ، هبت
بِمَعْنى: هَاجَتْ وتحركت، يُقَال: هَب الْفَحْل إِذا هاج،
وهب العير فِي السّير إِذا نشط. وَقَالَ ابْن بطال: هبت
أَي زَالَت عَن موضعهَا وتحركت. يُقَال: هَب النَّائِم من
نَومه إِذا قَامَ، وَقَيده الْأصيلِيّ بِضَم الْهَاء،
وَالْفَتْح أصوب، والركاب، بِكَسْر الرَّاء وَتَخْفِيف
الْكَاف: الْإِبِل الَّتِي يسَار عَلَيْهَا وَالْوَاحد
الرَّاحِلَة، وَلَا وَاحِد لَهَا من لَفظهَا، وَالْجمع
الركب مثل الْكتب. قَوْله: (فيعدله) ، من التَّعْدِيل
وَهُوَ تَقْوِيم الشَّيْء. يُقَال: عدلته فاعتدل أَي:
قومته فاستقام، وَالْمعْنَى يقيمه تِلْقَاء وَجهه، لِأَن
الْإِبِل إِذا هَاجَتْ شوشت على الْمُصَلِّي لعدم
استقرارها، فَحِينَئِذٍ كَانَ النَّبِي،، يعدل عَنْهَا
إِلَى الراحل فَيَجْعَلهُ ستْرَة. وَقد ضبط بَعضهم:
فيعدله، بِفَتْح أَوله وَسُكُون الْعين وَكسر الدَّال،
ثمَّ فسره بقوله: أَي يقيمه تِلْقَاء وَجهه، وَالصَّوَاب
مَا ذَكرْنَاهُ لِأَنَّهُ من بَاب: فعل، بِالتَّشْدِيدِ،
لكنه يَأْتِي بِمَعْنى: فعل بِالتَّخْفِيفِ، كَمَا يُقَال:
زلتحه وزيلته، وَكِلَاهُمَا بِمَعْنى: فرقته. قَوْله:
(إِلَى آخرته) ، بِفَتْح الْهمزَة وَالْخَاء وَالرَّاء
بِلَا مد أَي: فصلى إِلَى آخِرَة الرحل، وَيجوز الْمَدّ
فِي الْهمزَة، وَلَكِن بِكَسْر الْخَاء، وَهِي الْخَشَبَة
الَّتِي يسْتَند إِلَيْهَا الرَّاكِب. قَوْله: (أَو قَالَ
مؤخرته) ، فِي ضَبطه وُجُوه: الأول: بِضَم الْمِيم وَكسر
الْخَاء وهمزة سَاكِنة، قَالَه النَّوَوِيّ. وَالثَّانِي:
بِفَتْح الْهمزَة وَفتح الْخَاء الْمُشَدّدَة.
وَالثَّالِث: إسكان الْهمزَة وَتَخْفِيف الْهَاء، وَقَالَ
أَبُو عبيد: يجوز كسر الْخَاء وَفتحهَا، وَأنكر ابْن
قُتَيْبَة الْفَتْح، وَقَالَ ابْن مكي: لَا يُقَال مقدم
ومؤخر بِالْكَسْرِ إلاَّ فِي العير خَاصَّة، وَأما فِي
غَيرهَا فَلَا يُقَال: إِلَّا بِالْفَتْح فَقَط، وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: مؤخرة الرحل لُغَة قَليلَة فِي أَخَّرته،
وَقَالَ ابْن التِّين: روينَاهُ بِفَتْح الْهمزَة
وَتَشْديد الْخَاء وَفتحهَا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: مؤخرة
الرحل الْعود الَّذِي يكون فِي آخر الرحل بِضَم الْمِيم
وَكسر الْخَاء. وَالرَّابِع روى بَعضهم بِفَتْح الْهمزَة
وَتَشْديد الْخَاء. قَوْله: (وَكَانَ ابْن عمر يَفْعَله) ،
مقول: نَافِع، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِي: يَفْعَله،
يرجع إِلَى كل وَاحِد من التَّعْرِيض وَالتَّعْدِيل
اللَّذين يدل عَلَيْهِمَا، قَوْله: يعرض، وَقَوله: فيعدله،
من قبيل قَوْله تَعَالَى: {أعدلوا هُوَ أقرب للتقوى}
(الْمَائِدَة: 8) أَي: الْعدْل أقرب للتقوى، فَافْهَم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ قَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ:
دَلِيل على جَوَاز الستْرَة بِمَا يثبت من الْحَيَوَان.
قَالَ ابْن بطال: وَكَذَلِكَ تجوز الصَّلَاة إِلَى كل
شَيْء طَاهِر. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث
دَلِيل على جَوَاز التستر بِالْحَيَوَانِ، وَلَا يُعَارضهُ
النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي معاطن الْإِبِل لِأَن المعاطن
مَوَاضِع إِقَامَتهَا عِنْد المَاء، وَكَرَاهَة الصَّلَاة
حِينَئِذٍ عِنْدهَا إِمَّا لشدَّة نتنها، وَإِمَّا لأَنهم
كَانُوا يتخلون بهَا مستترين بهَا. وَقيل: عِلّة النَّهْي
فِي ذَلِك كَون الْإِبِل خلقت من الشَّيَاطِين، وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي بَاب الصَّلَاة فِي
مَوَاضِع الْإِبِل.
99 - (بابُ الصَّلاَةِ إِلَى السَّرِيرِ)
أَي: بَاب فِي بَيَان حكم الصَّلَاة إِلَى السرير،
وَمرَاده: على السرير، لِأَن لفظ الحَدِيث: (فيتوسط السرير
فَيصَلي) ، فَهَذَا يدل على أَنه يُصَلِّي على السرير، على
أَن فِي بعض النّسخ: بَاب الصَّلَاة على السرير، نبه
عَلَيْهِ الْكرْمَانِي، وَقَالَ: حُرُوف الْجَرّ يُقَام
بَعْضهَا مقَام الْبَعْض. فَإِن قلت: قَوْله: (فيتوسط
السرير) ، يَشْمَل مَا إِذا كَانَ فَوْقه أَو أَسْفَل
مِنْهُ. قلت: لَا نسلم ذَلِك لِأَن معنى قَوْله: (فيتوسط
السرير) يَجْعَل نَفسه فِي وسط السرير. فَإِن قلت: ذكر
البُخَارِيّ فِي الإستئذان حَدِيث الْأَعْمَش عَن مُسلم
عَن مَسْرُوق عَن
(4/287)
عَائِشَة، رَضِي اتعالى عَنْهَا: (كَانَ
يُصَلِّي والسرير بَينه وَبَين الْقبْلَة) . فَهَذَا يبين
أَن المُرَاد من حَدِيث الْبَاب أَسْفَل السرير. قلت: لَا
نسلم ذَلِك لاخْتِلَاف العبارتين مَعَ احْتِمَال كَونهمَا
فِي الْحَالَتَيْنِ، فَإِذا علمت هَذَا علمت أَن قَول
الْإِسْمَاعِيلِيّ: بِأَنَّهُ دَال على الصَّلَاة على
السرير لَا إِلَى السرير، غير وَارِد، يظْهر ذَلِك
بِالتَّأَمُّلِ.
001 - (بابٌ يِرُدُّ المُصَلِّي مَنْ مَرَّ بَيْنَ
يَدَيْهِ)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: يرد الْمُصَلِّي من مر بَين
يَدَيْهِ، وسنبين هَل الرَّد إِذا مر بَين يَدَيْهِ فِي
مَوضِع سُجُوده؟ أَو يردهُ مُطلقًا؟ أَو لَهُ حد مَعْلُوم؟
وَأَن الرَّد وَاجِب أم سنة أم مُسْتَحبّ؟ وَأَنه مُقَيّد
بمَكَان مَخْصُوص أَو فِي جَمِيع الْأَمْكِنَة؟ على مَا
نذكرهُ مفصلا إِن شَاءَ اتعالى.
ورَدَّ ابنُ عُمَرَ المَارَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي
التَّشَهُّدِ وَفِي الْكَعْبَةِ وَقَالَ إنْ أبَى إلاَّ
أنْ تُقَاتِلَهُ قَقَاتِلْهُ
(4/288)
الْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع: الأول فِي
وَجه مطابقته للتَّرْجَمَة وَهِي ظَاهِرَة لِأَن ابْن عمر
رد الْمَار من بَين يَدَيْهِ وَهُوَ فِي الصَّلَاة.
الثَّانِي فِي معنى التَّرْكِيب: فَقَوله: ورد ابْن عمر،
أَي: رد عبد ابْن عمر بن الْخطاب المارَّ بَين يَدَيْهِ
حَال كَونه فِي التَّشَهُّد، وَكَانَ هَذَا الْمَار هُوَ:
عَمْرو بن دِينَار، نبه عَلَيْهِ عبد الرَّزَّاق وَابْن
أبي شيبَة فِي مصنفيهما. قَوْله: (فِي الْكَعْبَة) أَي،
ورد أَيْضا فِي الْكَعْبَة. قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ عطف
على مُقَدّر، أَي: رد الْمَار بَين يَدَيْهِ عِنْد كَونه
فِي الصَّلَاة وَفِي غير الْكَعْبَة وَفِي الْكَعْبَة
أَيْضا، وَيحْتَمل أَن يُرَاد بِهِ كَون الرَّد فِي حَالَة
وَاحِدَة جمعا بَين كَونه فِي التَّشَهُّد وَفِي
الْكَعْبَة، فَلَا حَاجَة إِلَى مقد. وَقَالَ أَبُو
مُحَمَّد الإشبيلي فِي كِتَابه (الْجمع بَين
الصَّحِيحَيْنِ) : كَذَا وَقع، وَفِي الْكَعْبَة. وَقَالَ
ابْن قرقول: ورد ابْن عمر فِي التَّشَهُّد وَفِي
الْكَعْبَة. وَقَالَ الْقَابِسِيّ: وَفِي الرَّكْعَة،
بَدَلا من: الْكَعْبَة، أشبه. وَكَذَا وَقع فِي بعض
الْأُصُول: الرَّكْعَة. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) :
وَالظَّاهِر أَنه: وَفِي الْكَعْبَة، وَهُوَ الصَّوَاب
كَمَا فِي كتاب الصَّلَاة لأبي نعيم: حدّثنا عبد الْعَزِيز
بن الْمَاجشون عَن صَالح بن كيسَان، قَالَ: رَأَيْت ابْن
عمر يُصَلِّي فِي الْكَعْبَة فَلَا يدع أحدا يمر بَين
يَدَيْهِ يبادره. قَالَ بردة: حدّثنا مطر بن خَليفَة
حدّثنا عَمْرو بن دِينَار قَالَ: مَرَرْت بِابْن عمر بعده
مَا جلس فِي آخر صلَاته حَتَّى أنظر مَا يصنع، فارتفع من
مَكَانَهُ، فَدفع فِي صَدْرِي. وَقَالَ ابْن أبي شيبَة:
أخبرنَا ابْن فُضَيْل عَن مطر عَن عَمْرو بن دِينَار،
قَالَ: مَرَرْت بَين يَدي ابْن عمر وَهُوَ فِي الصَّلَاة
فارتفع من قعوده ثمَّ دفع فِي صَدْرِي، وَفِي كتاب
(الصَّلَاة) لأبي نعيم: فانتهزني بتسبيحة، وَقَالَ بَعضهم:
رِوَايَة الْجُمْهُور متجهة، وَتَخْصِيص الْكَعْبَة
بِالذكر لِئَلَّا يتخيل أَنه يغْتَفر فِيهَا الْمُرُور
لكَونهَا مَحل الْمُزَاحمَة. قلت: الْوَاقِع فِي نفس
الْأَمر ان ابْن عمر فِي الرَّد فِي غير الْكَعْبَة، وَفِي
الْكَعْبَة أَيْضا فَلَا يُقَال: فِيهِ التَّخْصِيص،
وَالتَّعْلِيل فِيهِ بِكَوْن مَحل الْمُزَاحمَة غير موجه
لِأَن فِي غير الْكَعْبَة أَيْضا تُوجد الْمُزَاحمَة،
سِيمَا فِي أَيَّام الْجمع فِي الْجَوَامِع وَنَحْو ذَلِك.
قَوْله: (وَقَالَ) أَي: ابْن عمر: (إِن أَبى) أَي:
الْمَار، أَي: امْتنع بِكُل وَجه إلاَّ بِأَن يُقَاتل
الْمُصَلِّي الْمَار قَاتله. قَوْله: (إِلَّا أَن يقاتله)
وَقَوله: قَاتله، على وَجْهَيْن: أَحدهمَا: أَن يكون لفظ:
قَاتله، بِصِيغَة الْفِعْل الْمَاضِي، وَهَذَا عِنْد كَون
لفظ (إِلَّا أَن يقاتله) بِصِيغَة الْفِعْل الْمُضَارع
الْمَعْلُوم، وَالضَّمِير الْمَرْفُوع فِيهِ يرجع إِلَى
الْمَار الَّذِي هُوَ فَاعل لَفْظَة: أبي، والمنصوب يرجع
إِلَى الْمُصَلِّي، وَالضَّمِير الْمَرْفُوع فِي: قَاتله،
يرجع إِلَى الْمُصَلِّي والمنصوب يرجع إِلَى: الْمَار،
وَالْوَجْه الآخر: أَن يكون لَفْظَة (إلاَّ أَن
تُقَاتِلهُ) بِصِيغَة الْمُخَاطب: أَي إلاَّ أَن تقَاتل
الْمَار (فقاتله) بِكَسْر التَّاء وَسُكُون اللَّام على
صِيغَة الْأَمر للحاضر، وَهَذِه رِوَايَة الْكشميهني،
وَالْأول رِوَايَة الْأَكْثَرين. فَإِن قلت: لَفْظَة:
قَاتله، فِي الْوَجْه الثَّانِي جملَة أمرية، وَالْجُمْلَة
الأمرية إِذا وَقعت جَزَاء للشرطية فَلَا بُد فِيهَا من
الْفَاء. قلت: تَقْدِير الْكَلَام: فَأَنت قَاتله، قَالَ
الْكرْمَانِي: وَيجوز حذف الْفَاء مِنْهَا نَحْو:
من يفعل الْحَسَنَات ايشكرها
قلت: حذف الْفَاء مِنْهَا لضَرُورَة الْوَزْن فَلَا يُقَاس
عَلَيْهِ، ويروى: فقاتله بِالْفَاءِ على الأَصْل.
النَّوْع الثَّالِث فِي أَن الْمَرْوِيّ عَن ابْن عمر
هَهُنَا على سَبِيل التَّعْلِيق بِثَلَاثَة أَشْيَاء:
الأول: رده الْمَار فِي التَّشَهُّد، وَقد وَصله أَبُو
نعيم وَابْن أبي شيبَة كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب.
الثَّانِي: رده فِي الْكَعْبَة، وَقد وَصله أَبُو نعيم
أَيْضا كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَفِي حَدِيث يزِيد الْفَقِير:
صليت إِلَى جنب ابْن عمر بِمَكَّة فَلم أر رجلا أكره أَن
يمر بَين يَدَيْهِ مِنْهُ. الثَّالِث: أمره بالمقاتلة
عِنْد عدم امْتنَاع الْمَار من الْمُرُور بَين يَدي
الْمُصَلِّي، وَقد وَصله عبد الرَّزَّاق، وَلَفظه عَن ابْن
عمر قَالَ: لَا تدع أحدا يمر بَين يَديك وَأَنت تصلي،
فَإِن أبي إلاَّ أَن تُقَاتِلهُ فقاتله. وَهَذَا مُوَافق
لرِوَايَة الْكشميهني.
905 - حدّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدّثنا عَبْدُ الوَارِثِ
قَالَ حدّثنا يُونُسُ عنْ حُمَيْدِ بنِ هِلالٍ عنْ أبي
صالِحٍ أنَّ أبَا سعِيدٍ قَالَ قَالَ النبيُّ (ح) وحدّثنا
آدَمُ بنُ أبي إيَاسٍ قَالَ حدّثنا سُلَيْمَانُ بنُ
المُغِيرَةِ قَالَ حدّثنا حُمَيْدُ بنُ هِلاَلٍ الْعَدَوى
قَالَ حدّثنا أبُو صالِحٍ السَّمَّانُ قَالَ رَأيْتُ أَبَا
سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ فِي يَوْم جُمُعَةٍ يُصَلِّي إِلَى
شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فأرَادَ شَابٌّ من بَني
أبي مُعَيْطٍ أنْ يَجْتَازَ بَيْنَ يَدَيْهِ فَدَفَعَ أبُو
سَعِيدٍ فِي صَدْرِهِ فَنَظَرَ الشَّابُّ فَلَمْ يَجِدْ
مَسَاغَاً إِلاَّ بَيْنَ يَدَيْهِ فَعادَ لِيَجْتَازَ
فَدَفَعَهُ أبُو سَعِيدٍ أشَدَّ مِنَ الأُولَى فَنَالَ
مِنْ أبي سَعِيدٍ ثُمَّ دَخَلَ عَلَى مَرْوَانَ
(4/289)
فَشَكَا إليْهِ مَا لَقِيَ مِنْ أبي
سَعِيدٍ ودَخَلَ أبُو سًعيدٍ خَلْفَهُ عَلى مَرْوانَ
فَقَالَ مَا لَكَ وَلاِبْنِ أخِيكَ يَا أبَا سَعِيدٍ قَالَ
سَمِعْت النبيَّ يَقُولُ إذَا صَلَّى أحَدُكُمْ إلَى
شَيْءٍ يَسْتُرُهُ مِنَ النَّاسِ فأرَادَ أحدٌ أنْ
يَجْتَازَ بَيْنَ يدَيْهِ فَلْيَدْفَعْهُ فَإِنْ أبَى
فَلْيُقَاتِلْهُ فإِنمَا هُوَ شَيْطَانٌ. (الحَدِيث 905
طرفَة فِي: 4723) .
11
- 50 مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم ثَمَانِيَة: الأول: أَبُو معمر، بِفَتْح
الميمين: واسْمه عبد ابْن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج المقعد
الْبَصْرِيّ، مَاتَ بِالْبَصْرَةِ سنة أَربع وَعشْرين
وَمِائَتَيْنِ، وَقد تقدم فِي بَاب قَول النَّبِي:
اللَّهُمَّ علمه الْكتاب. الثَّانِي: عبد الْوَارِث بن
سعيد، تقدم أَيْضا فِي هَذَا الْبَاب. الثَّالِث: يُونُس
بن عبيد، بِالتَّصْغِيرِ: ابْن دِينَار أَبُو عبد االبصري،
مَاتَ سنة تسع وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الرَّابِع:
حميد، بِضَم الْحَاء: تَصْغِير الْحَمد بن هِلَال، بِكَسْر
الْهَاء وَتَخْفِيف اللَّام: الْعَدوي، بِفَتْح الْعين
وَالدَّال الْمُهْمَلَتَيْنِ: التَّابِعِيّ الْجَلِيل.
الْخَامِس: أَبُو صَالح ذكْوَان السمان، وَقد تكَرر، ذكره.
السَّادِس: آدم بن أبي إِيَاس. السَّابِع سُلَيْمَان بن
الْمُغيرَة الْقَيْسِي الْبَصْرِيّ. الثَّامِن: أَبُو سعيد
الْخُدْرِيّ، رَضِي اتعالى عَنهُ، واسْمه: سعد بن مَالك.
وَذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع من
الْمَاضِي فِي سَبْعَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي
موضِعين. وَفِيه: القَوْل والرؤية. وَفِيه: رِوَايَة
التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم
بصريون إلاَّ أَبَا صَالح فَإِنَّهُ مدنِي، وآدَم
فَإِنَّهُ عسقلاني. وَفِيه: أَن آدم من أَفْرَاد
البُخَارِيّ. وَفِيه: أَن البُخَارِيّ لم يخرج
لِسُلَيْمَان بن الْمُغيرَة شَيْئا مَوْصُولا إلاَّ هَذَا
الحَدِيث، ذكره أَبُو مَسْعُود وَغَيره. وَفِيه:
التَّحْوِيل من إِسْنَاد إِلَى إِسْنَاد آخر قبل ذكر
الحَدِيث، وعلامته حرف: الْحَاء، المفردة. وَفِيه: فِي
الْإِسْنَاد الأول: حميد عَن أبي صَالح أَن أَبَا سعيد،
وَفِي الثَّانِي: قَالَ أَبُو صَالح: رَأَيْت أَبَا سعيد.
وَالثَّانِي أقوى. وَفِيه: أَن فِي الثَّانِي ذكر قصَّة
لَيست فِي الأول، وَقد سَاق البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث
فِي كتاب بَدْء الْخلق بِالْإِسْنَادِ الَّذِي سَاقه
هُنَاكَ من رِوَايَة يُونُس بِعَيْنِه، وَهَهُنَا من لفظ
سُلَيْمَان بن الْمُغيرَة لَا من لفظ يُونُس.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا عَن أبي معمر فِي صفة إِبْلِيس. وَأخرجه مُسلم فِي
الصَّلَاة أَيْضا عَن شَيبَان بن فروخ. وَأخرجه أَبُو
دَاوُد فِيهِ عَن مُوسَى ابْن اسماعيل.
ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله: (فَأَرَادَ شَاب من بني أبي معيط)
وَوَقع فِي (كتاب الصَّلَاة) لأبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن،
قَالَ: حدّثنا عبد ابْن عَامر عَن زيد بن أسلم، قَالَ:
(بَيْنَمَا أَبُو سعيد قَائِم يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد
فَأقبل الْوَلِيد بن عقبَة بن أبي معيط، فَأَرَادَ أَن يمر
بَين يَدَيْهِ فَرده، فَأبى إلاَّ أَن يمر فَدفعهُ ولكمه)
. فَهَذَا يدل على أَن هَذَا الشَّاب هُوَ الْوَلِيد بن
عقبَة، وَفِي (المُصَنّف) لِابْنِ أبي شيبَة: حدّثنا أَبُو
مُعَاوِيَة عَن عَاصِم عَن ابْن سِيرِين، قَالَ: (كَانَ
أَبُو سعيد قَائِما يُصَلِّي فجَاء عبد الرَّحْمَن بن
الْحَارِث ابْن هِشَام يمر بَين يَدَيْهِ فَمَنعه، فَأبى
إلاَّ أَن يَجِيء فَدفعهُ أَبُو سعيد فطرحه. فَقيل لَهُ:
تصنع هَذَا بِعَبْد الرَّحْمَن؟ فَقَالَ: وَا لَو أَبى
إِلَّا أَن آخذ بِشعرِهِ لأخذت) . وروى عبد الرَّزَّاق
حَدِيث الْبَاب عَن دَاوُد بن قيس عَن زيد بن أسلم عَن عبد
الرَّحْمَن بن أبي سعيد عَن أَبِيه فَقَالَ فِيهِ: إِذْ
جَاءَ شَاب، وَلم يسمعهُ. وَعَن معمر عَن زيد بن أسلم
فَقَالَ فِيهِ: فَذهب ذُو قرَابَة لمروان. وَمن طَرِيق أبي
الْعَالِيَة عَن أبي سعيد فَقَالَ فِيهِ: فَمر رجل بَين
يَدَيْهِ من بني مَرْوَان، وَالنَّسَائِيّ من وَجه آخر
فَمر ابْن لمروان، وَسَماهُ عبد الرَّزَّاق من طَرِيق
سُلَيْمَان بن مُوسَى دَاوُد بن مَرْوَان، وَلَفظه:
أَرَادَ دَاوُد بن مَرْوَان أَن يمر بَين يَدي أبي سعيد،
ومروان يَوْمئِذٍ أَمِير بِالْمَدِينَةِ، فَذكر الحَدِيث
وَبِه جزم ابْن الْجَوْزِيّ، وَهَذَا كَمَا رَأَيْت
الِاخْتِلَاف فِي تَسْمِيَة الْمُبْهم الَّذِي فِي
الصَّحِيح، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال بِتَعَدُّد
الْوَاقِعَة لأبي سعيد مَعَ غير وَاحِد، لِأَن فِي تعْيين
وَاحِد من هَؤُلَاءِ مَعَ كَون اتِّحَاد الْوَاقِعَة نظرا،
لَا يخفى.
قَوْله: (من بني أبي معيط) ، بِضَم الْمِيم وَفتح الْعين
الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره
طاء مُهْملَة. وَأَبُو معيط فِي قُرَيْش واسْمه: أبان بن
أبي عَمْرو زكوان بن أُميَّة الْأَكْبَر هُوَ وَالِد عقبَة
بن أبي معيط الَّذِي قَتله رَسُول الله صبرا. ومعيط
تَصْغِير: أمعط، وَهُوَ الَّذِي لَا شعرعليه، والأمعط
والأمرط سَوَاء. قَوْله: (أَن يجتاز) ، بِالْجِيم من
الْجَوَاز. قَوْله: (فَلم يجد مساغاً) ، بِفَتْح الْمِيم
وبالغين الْمُعْجَمَة أَي: طَرِيقا يُمكنهُ الْمُرُور
مِنْهَا. يُقَال: سَاغَ الشَّرَاب فِي الْحلق إِذا نزل من
غير الضَّرَر، وساغ الشَّيْء طَابَ. قَوْله: (من الأولى)
أَي: من الْمرة
(4/290)
الأولى أَو الدفعة الأولى. قَوْله: (فنال
من أبي سعيد) بالنُّون أَي: أصَاب من عرضة بالشتم، وَهُوَ
من النّيل، وَهُوَ الْإِصَابَة. قَوْله: (ثمَّ دخل على
مَرْوَان) ، وَهُوَ مَرْوَان بن الحكم، بِفَتْح الْكَاف: ر
الْأمَوِي أَبُو عبد الْملك، يُقَال: إِنَّه رأى النَّبِي،
قَالَه الْوَاقِدِيّ وَلم يحفظ عَنهُ شَيْئا، توفّي
النَّبِي، وَهُوَ ابْن ثَمَان سِنِين، مَاتَ بِدِمَشْق
لثلاث خلون من رَمَضَان سنة خمس وَسِتِّينَ وَهُوَ ابْن
ثَلَاث وَسِتِّينَ سنة، وَقد تقدم ذكره فِي بَاب البزاق
والمخاط. قَوْله: (فَقَالَ: مَالك؟) أَي فَقَالَ مَرْوَان،
فكلمة: مَا مُبْتَدأ و: لَك خَبره. (و: لِابْنِ أَخِيك)
عطف عَلَيْهِ بِإِعَادَة الْخَافِض، وَأطلق الْأُخوة
بِاعْتِبَار أَن الْمُؤمنِينَ أخوة، وَفِيه تأييد لقَوْل
من قَالَ إِن الْمَار بَين يَدي أبي سعيد الَّذِي دَفعه
غير الْوَلِيد، لِأَن أَبَاهُ عقبَة قتل كَافِرًا. فَإِن
قلت: لِمَ لَمْ يقل: ولأخيك، بِحَذْف الأبن. قلت: نظرا
إِلَى أَنه كَانَ شَابًّا أَصْغَر مِنْهُ.
قَوْله: (فليدفعه) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (فليدفع فِي
نَحره) . قَالَ الْقُرْطُبِيّ: أَي بِالْإِشَارَةِ، ولطيف
الْمَنْع. قَوْله: (فليقاتله) ، بِكَسْر اللَّام الجازمة
وبسكونها. قَوْله: (فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان) ، هَذَا من
بَاب التَّشْبِيه حذف مِنْهُ أَدَاة التَّشْبِيه
للْمُبَالَغَة أَي: إِنَّمَا هُوَ كشيطان، أَو يُرَاد بِهِ
شَيْطَان الْإِنْس، وَإِطْلَاق الشَّيْطَان على المارد من
الْإِنْس سَائِغ شَائِع، وَقد جَاءَ فِي الْقُرْآن قَوْله
تَعَالَى: {شياطين الْإِنْس وَالْجِنّ} (الْأَنْعَام: 211)
وَقَالَ الْخطابِيّ: مَعْنَاهُ أَن الشَّيْطَان يحملهُ على
ذَلِك ويحركه إِلَيْهِ، وَقد يكون أَرَادَ بالشيطان
الْمَار بَين يَدَيْهِ نَفسه، وَذَلِكَ أَن الشَّيْطَان
هُوَ المارد الْخَبيث من الْجِنّ وَالْإِنْس. وَقَالَ
الْقُرْطُبِيّ: وَيحْتَمل أَن يكون مَعْنَاهُ: الْحَامِل
لَهُ على ذَلِك الشَّيْطَان، وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث ابْن عمر
عِنْد مُسلم: (لَا يدع أحدا يمر بَين يَدَيْهِ فَإِن أَبى
فليقاتله فَإِن مَعَه القرين) . وَعند أبن مَاجَه: (قَالَ:
القرين) ، وَقَالَ المنكدري: فَإِنَّهُ مَعَه الْعُزَّى
وَقيل: مَعْنَاهُ: إِنَّمَا هُوَ فعل الشَّيْطَان لشغل قلب
الْمُصَلِّي، كَمَا يخْطر الشَّيْطَان بَين الْمَرْء
وَنَفسه.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ من الْأَحْكَام وَهُوَ على وُجُوه.
الأول: فِيهِ اتِّخَاذ الستْرَة للْمُصَلِّي، وَزعم ابْن
الْعَرَبِيّ أَن النَّاس اخْتلفُوا فِي وجوب وضع الستْرَة
بَين يَدي الْمُصَلِّي على ثَلَاثَة أَقْوَال. الأول: أَنه
وَاجِب، فَإِن لم يجد وضع خطا، وَبِه قَالَ أَحْمد،
كَأَنَّهُ اعْتمد حَدِيث ابْن عمر الَّذِي صَححهُ
الْحَاكِم: (لَا تصلي إلاَّ إِلَى ستْرَة وَلَا تدع أحدا
يمر بَين يَديك) . وَعَن أبي نعيم فِي (كتاب الصَّلَاة) :
حدّثنا سُلَيْمَان، أَظُنهُ عَن حميد بن هِلَال، قَالَ عمر
ابْن الْخطاب: لَو يعلم الْمُصَلِّي مَا ينقص من صلَاته
مَا صلى إِلَّا إِلَى شَيْء يستره من النَّاس، وَعند ابْن
أبي شيبَة، عَن ابْن مَسْعُود: (إِنَّه ليقطع نصف صَلَاة
الْمَرْء الْمُرُور بَين يَدَيْهِ) . الثَّانِي: أَنَّهَا
مُسْتَحبَّة، ذهب إِلَيْهِ أَبُو حنيفَة وَمَالك
وَالشَّافِعِيّ. الثَّالِث: جَوَاز تَركهَا، وَرُوِيَ
ذَلِك عَن مَالك. قلت: قَالَ أَصْحَابنَا: الأَصْل فِي
الستْرَة أَنَّهَا مُسْتَحبَّة. وَقَالَ إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ: كَانُوا يستحبون إِذا صلوا فِي الفضاء أَن
يكون بَين أَيْديهم مَا يسترهم. وَقَالَ عَطاء، لَا بَأْس
بترك الستْرَة، وَصلى الْقَاسِم وَسَالم فِي الصَّحرَاء
إِلَى غير ستْرَة، ذكر ذَلِك كُله ابْن أبي شيبَة فِي
(مُصَنفه) .
وَاعْلَم أَن الْكَلَام فِي هَذَا على عشرَة أَنْوَاع:
الأول: أَن الستْرَة وَاجِبَة أَو لَا؟ وَقد مر الْآن.
الثَّانِي: مِقْدَار مَوضِع يكره الْمُرُور فِيهِ، فَقيل:
مَوضِع سُجُوده، وَهُوَ اخْتِيَار شمس الْأَئِمَّة
السَّرخسِيّ وَشَيخ الْإِسْلَام قاضيخان، وَقيل: مِقْدَار
صفّين أَو ثَلَاثَة، وَقيل: بِثَلَاثَة أَذْرع، وَقيل:
بِخَمْسَة أَذْرع. وَقيل: بِأَرْبَعِينَ ذِرَاعا، وَقدر
الشَّافِعِي وَأحمد بِثَلَاثَة أَذْرع، وَلم يحد مَالك فِي
ذَلِك حدا إلاّ أَن ذَلِك بِقدر مَا يرْكَع فِيهِ وَيسْجد
ويتمكن من دفع من مر بَين يَدَيْهِ. وَالثَّالِث: أَنه
يسْتَحبّ لمن صلى فِي الصَّحرَاء أَن يتَّخذ أَمَامه
ستْرَة، وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة أَن
رَسُول الله قَالَ: (إِذا صلى أحدكُم فليجعل تِلْقَاء
وَجهه شَيْئا، فَإِن لم يجد فلينصب عَصا، فَإِن لم يكن
لَهُ عَصا، فليخط خطا وَلَا يضرّهُ مَا مر أَمَامه) .
وخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) وَذكر عبد الْحق أَن ابْن
الْمَدِينِيّ وَأحمد بن حَنْبَل صَحَّحَاهُ، وَقَالَ
عِيَاض: هَذَا الحَدِيث ضَعِيف وَإِن كَانَ قد أَخذ بِهِ
أَحْمد. وَقَالَ سُفْيَان بن عُيَيْنَة: لم نجد شَيْئا
نَشد بِهِ هَذَا الحَدِيث. وَكَانَ إِسْمَاعِيل بن أُميَّة
إِذا حدث بِهَذَا الحَدِيث يَقُول: عنْدكُمْ شَيْء تشدون
بِهِ، وَأَشَارَ الشَّافِعِي إِلَى ضعفه. وَقَالَ
النَّوَوِيّ: فِيهِ ضعف وأضطراب. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ:
وَلَا بَأْس بِهِ فِي مثل هَذَا الجكم.
الرَّابِع: مِقْدَار الستْرَة، قد ورد: قدر ذِرَاع، وَقد
ذكرنَا الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِيمَا مضى عَن قريب.
وَالْخَامِس: يَنْبَغِي أَن يكون فِي غلظ الإصبع لِأَن مَا
دونه لَا يَبْدُو للنَّاظِر من بعيد. وَالسَّادِس: يقرب من
الستْرَة، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى فِي بَاب
ستْرَة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه. وَالسَّابِع: أَن
يَجْعَل الستْرَة على حَاجِبه الْأَيْمن، أَو على
الْأَيْسَر، وَأخرج أَبُو دَاوُد من حَدِيث الْمِقْدَاد بن
الْأسود، قَالَ: (مَا رَأَيْت سَوَّلَ الله يُصَلِّي إِلَى
عود وَلَا عَمُود وَلَا شَجَرَة إلاَّ جعله على حَاجِبه
الْأَيْمن أَو الْأَيْسَر، وَلَا يصمد لَهُ صمداً) ،
يَعْنِي لم يَقْصِدهُ قصدا بالمواجهة،
(4/291)
والصمد هُوَ الْقَصْد فِي اللُّغَة.
وَالثَّامِن: أَن ستْرَة الإِمَام ستْرَة للْقَوْم، وَقد
مر الْكَلَام فِيهِ. وَالتَّاسِع: ذكر أَصْحَابنَا أَن
الْمُعْتَمد الغرز دون الْإِلْقَاء، والخط، لِأَن
الْمَقْصُود هُوَ الدرء فَلَا يحصل بالإلقاء وَلَا بالخط،
وَفِي (مَبْسُوط) شيخ الْإِسْلَام: إِنَّمَا يغرز إِذا
كَانَت الأَرْض رخوة، فَإِذا كَانَت صلبة لَا يُمكنهُ
فَيَضَع وضعا. لِأَن الْوَضع قد وري كَمَا رُوِيَ الغرز،
لَكِن يضع طولا لَا عرضا. وروى أَبُو عصمَة عَن مُحَمَّد:
إِذا لم يجد ستْرَة؟ قَالَ: لَا يخط بَين يَدَيْهِ، فَإِن
الْخط وَتَركه سَوَاء، لِأَنَّهُ لَا يَبْدُو للنَّاظِر من
بعيد. وَقَالَ الشَّافِعِي بالعراق: إِن لم يجد مَا يخط
خطا طولا، وَبِه أَخذ بعض الْمُتَأَخِّرين. وَفِي
(الْمُحِيط) : الْخط لَيْسَ بِشَيْء. وَفِي (الذَّخِيرَة)
للقرافي: الْخط بَاطِل، وَهُوَ قَول الْجُمْهُور، وَجوزهُ
أَشهب فِي (الْعُتْبِيَّة) وَهُوَ قَول سعيد بن جُبَير
وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ بالعراق، ثمَّ قَالَ
بِمصْر: لَا يخط، والمانعون أجابوا عَن حَدِيث أبي
هُرَيْرَة الْمَذْكُور أَنه ضَعِيف. وَقَالَ عبد الْحق:
ضعفه جمَاعَة ابْن حزم فِي (الْمحلى) : لم يَصح فِي الْخط
شَيْء وَلَا يجوز القَوْل بِهِ. والعاشر: أَن الستْرَة
إِذا كَانَت مَغْصُوبَة فَهِيَ مُعْتَبرَة عندنَا وَعَن
أَحْمد تبطل صلَاته، وَمثله الصَّلَاة فِي الثَّوْب
الْمَغْصُوب عِنْده.
الثَّانِي من الْأَحْكَام أَن الدرء، وَهُوَ: دفع الْمَار
بَين يَدي الْمُصَلِّي هَل هُوَ وَاجِب أَو ندب؟ فَقَالَ
النَّوَوِيّ: هَذَا الْأَمر، أَعنِي قَوْله: (فليدفعه) ،
أَمر ندب متأكد وَلَا أعلم أحدا من الْفُقَهَاء أوجبه.
قلت: قَالَ أهل الظَّاهِر بِوُجُوبِهِ لظَاهِر الْأَمر،
فَكَأَن النَّوَوِيّ مَا أطلع على هَذَا، أَو اعْتد
بخلافهم. وَقَالَ ابْن بطال: اتَّفقُوا على دفع الْمَار
إِذا صلى إِلَى ستْرَة، فَأَما إِذا صلى إِلَى غير
الستْرَة فَلَيْسَ لَهُ، لِأَن التَّصَرُّف وَالْمَشْي
مُبَاح لغيره فِي ذَلِك الْموضع الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ،
فَلم يسْتَحق أَن يمنعهُ إلاَّ مَا قَامَ الدَّلِيل
عَلَيْهِ، وَهِي الستْرَة الَّتِي وَردت السّنة بمنعها.
الثَّالِث: إِنَّه يجوز لَهُ الْمَشْي إِلَيْهِ من
مَوْضِعه ليَرُدهُ، وَإِنَّمَا يدافعه وَيَردهُ من
مَوْضِعه، لِأَن مفْسدَة الْمَشْي أعظم من مروره بَين
يَدَيْهِ، وَإِنَّمَا أُبِيح لَهُ قدر مَا يَنَالهُ من
موقفه، وَإِنَّمَا يردهُ إِذا كَانَ بَعيدا مِنْهُ
بِالْإِشَارَةِ وَالتَّسْبِيح، وَلَا يجمع بَينهمَا.
وَقَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: لَا يَنْتَهِي دفع الْمَار
إِلَى منع مُحَقّق، بل يومىء وَيُشِير بِرِفْق فِي صَدره
من يمر بِهِ، وَفِي الْكَافِي للروياني يَدْفَعهُ ويصر على
ذَلِك، وَإِن أدّى إِلَى قَتله. وَقيل: يَدْفَعهُ دفعا
شَدِيدا أَشد من الدرء، وَلَا يَنْتَهِي إِلَى مَا يفْسد
صلَاته، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور عِنْد مَالك وَأحمد.
وَقَالَ أَشهب فِي (الْمَجْمُوعَة) إِن قرب مِنْهُ درأه
وَلَا ينازعه، فَإِن مَشى لَهُ ونازعه لم تبطل صلَاته،
وَإِن تجاوزه لَا يردهُ لِأَنَّهُ مُرُور ثَان، وَكَذَا
رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم من أَصْحَاب مَالك، وَبِه قَالَ
الشَّافِعِي وَأحمد. وَقَالَ أَبُو مَسْعُود وَسَالم:
يردهُ من حَيْثُ جَاءَ، وَإِذا مر بَين يَدَيْهِ مَا لَا
تُؤثر فِيهِ إِلَّا الْإِشَارَة كالهرة. قَالَت
الْمَالِكِيَّة: دَفعه بِرجلِهِ أَو ألصقه إِلَى السّتْر.
الرَّابِع: هَل يقاتله؟ فِيهِ: فَإِن أَبى فليقاتله. قَالَ
عِيَاض: أَجمعُوا على أَنه لَا تلْزمهُ مقاتلته
بِالسِّلَاحِ، وَلَا بِمَا يُؤَدِّي إِلَى هَلَاكه فَإِن
دَفعه بِمَا يجوز فَهَلَك من ذَلِك فَلَا قَود عَلَيْهِ
بِاتِّفَاق الْعلمَاء، وَهل تجب دِيَته أم تكون هدرا؟
فِيهِ مذهبان للْعُلَمَاء، وهما قَولَانِ فِي مَذْهَب
مَالك. قَالَ ابْن شعْبَان: عَلَيْهِ الدِّيَة فِي مَاله
كَامِلَة، وَقيل: هِيَ على عَاقِلَته، وَقيل: هدر، ذكره
ابْن التِّين. وَاخْتلفُوا فِي معنى: فليقاتله،
وَالْجُمْهُور على أَن مَعْنَاهُ: الدّفع بالقهر لَا
جَوَاز الْقَتْل، وَالْمَقْصُود: الْمُبَالغَة فِي
كَرَاهَة الْمُرُور. وَأطلق جمَاعَة من الشَّافِعِيَّة أَن
لَهُ أَن يقاتله حَقِيقَة، ورد ابْن الغربي ذَلِك،
وَقَالَ: المُرَاد بالمقاتلة المدافعة. وَقَالَ بَعضهم:
معنى فليقاتله، فليلعنه. قَالَ اتعالى. {قتل الخراصون}
(الذاريات: 01) أَي: لعنُوا وَأنْكرهُ بَعضهم وَقَالَ ابْن
الْمُنْذر: يدْفع فِي نَحره أول مرّة، ويقاتله فِي
الثَّانِيَة، وَهِي المدافعة. وَقيل: يؤاخذه على ذَلِك بعد
إتْمَام الصَّلَاة ويؤنبه. وَقيل: يَدْفَعهُ دفعا أَشد من
الرَّد مُنْكرا عَلَيْهِ. وَفِي (التَّمْهِيد) : الْعَمَل
الْقَلِيل فِي الصَّلَاة جَائِز، نَحْو قتل البرغوث، وحك
الْجَسَد، وَقتل الْعَقْرَب بِمَا خف من الضَّرْب مَا لم
تكن الْمُتَابَعَة والطول، وَالْمَشْي إِلَى الْفرج إِذا
كَانَ ذَلِك قَرِيبا، ودرء الْمُصَلِّي وَهَذَا كُله مَا
لم يكثر، فَإِن كثر فسد.
الْخَامِس: فِيهِ أَن الْمَار كالشيطان، فِي أَنه يشغل
قلبه عَن مُنَاجَاة ربه.
السَّادِس: فِيهِ أَنه يجوز أَن يُقَال للرجل إِذا فتن فِي
الدّين: إِنَّه شَيْطَان.
السَّابِع: فِيهِ أَن الحكم للمعاني لَا للأسماء،
لِأَنَّهُ يَسْتَحِيل أَن يصير الْمَار شَيْطَانا بمروره
بَين يَدَيْهِ.
الثَّامِن: فِيهِ أَن دفع الأسوأ إِنَّمَا بالأسهل
فالأسهل.
التَّاسِع: فِيهِ أَن فِي المنازعات لَا بُد من الرّفْع
إِلَى الْحَاكِم وَلَا ينْتَقم الْخصم بِنَفسِهِ.
الْعَاشِر: فِيهِ أَن رِوَايَة الْعدْل مَقْبُولَة وَإِن
كَانَ الرَّاوِي لَهُ مُنْتَفعا بِهِ.
101 - (بابُ إثْمِ المَارِ بَيْنَ يَدَيِ المصَلِّي)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان إِثْم الْمَار بَين يَدي
الْمُصَلِّي، وأصل الْمَار: مارر، فاسكنت الرَّاء اللأولى
وادغمت الثَّانِيَة، والإدغام فِي مثله وَاجِب.
(4/292)
015951 - حدّثنا عَبْدُ ااِ بنُ يُوسُفَ
أخْبَرَنا مالِكٌ عنْ أبي النَّضُرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ
عُبَيْدِ ااِ عنْ بُسْرِ بنِ سعِيد أنَّ زَيْدَ بْنَ
خَالِدٍ أرْسَلَهُ إلَى أبي جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ ماذَا
سَمِعَ مِن رَسُولِ ااِ فِي الْمَارِ بَيْنَ يَدَي
الْمُصَلِّي فَقَالَ أبُو جُهَيْمٍ قَالَ رسُولُ ااِ لَوْ
يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَي الْمُصَلّي ماذَا لَكَانَ
أنْ يَقِفَ أرْبَعِينَ خَيراً لَهُ مِنْ أنْ يَمُرَّ
بَيْنَ يَدَيْهِ قَالَ أبُو النَّضْرِ لاَ أدْرِي أقَال
أرْبَعِينَ يَوْماً أوْ شَهْراً أوْ سَنَةً.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة قد ذكرُوا. وَأَبُو النَّضر،
بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: اسْمه
سَالم ابْن أبي أُميَّة، و: بسر، بِضَم الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة: الْحَضْرَمِيّ
الْمدنِي الزَّاهِد، مَاتَ سنة مائَة، وَلم يخلف كفناً.
وَزيد بن خَالِد الْجُهَنِيّ الصَّحَابِيّ، وَأَبُو جهيم،
بِضَم الْجِيم وَفتح الْهَاء: واسْمه عبد ابْن جهيم.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وَاحِد، والإخبار كَذَلِك. وَفِيه: العنعنة فِي
موضِعين. وَفِيه: تَابِعِيّ وصحابيان. وَفِيه: أَبُو جهيم،
بِالتَّصْغِيرِ مر فِي بَاب التَّيَمُّم فِي الْحَضَر،
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: رَاوِي حَدِيث الْمُرُور هُوَ غير
رَاوِي حَدِيث التَّيَمُّم، وَقَالَ الكلاباذي: أَبُو
جهيم، وَيُقَال: أَبُو جهم بن الْحَارِث، روى عَنهُ
البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة وَالتَّيَمُّم. وَقَالَ
النَّوَوِيّ: أَبُو جهيم رَاوِي حَدِيث الْمُرُور وَحَدِيث
التَّيَمُّم غير أبي الجهم مكبر الْمَذْكُور فِي حَدِيث
الخميصة والأنبجانية، لِأَن اسْمه: عبد ا، وَهُوَ
أَنْصَارِي، وَاسم ذَلِك عَامر، وَهُوَ عدوي وَقَالَ
الذَّهَبِيّ: أَبُو الْجُهَيْم، يُقَال: أَبُو الجهم بن
الْحَارِث بن الصمَّة، كَانَ أَبوهُ من كبار الصَّحَابَة،
ثمَّ قَالَ: أَبُو جهيم عبد ابْن جهيم جعله، وَابْن
الصمَّة وَاحِدًا أَبُو نعيم وَابْن مندة، وَكَذَا قَالَه
مُسلم فِي بعض كتبه، وجعلهما ابْن عبد الْبر اثْنَيْنِ
وَهُوَ أشبه، لَكِن متن الحَدِيث وَاحِد.
ذكر من أخرجه غَيره أخرجه بَقِيَّة السِّتَّة، قَالَ ابْن
ماجة: حدّثنا هِشَام بن عمار حدّثنا ابْن عُيَيْنَة عَن
أبي النَّضر عَن بسر، قَالَ: (أرسلوني إِلَى زيد بن خَالِد
أسأله عَن الْمُرُور بَين يَدي الْمُصَلِّي فَأَخْبرنِي
عَن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ:
لِأَن يقوم أَرْبَعِينَ خير لَهُ من أَن يمر بَين
يَدَيْهِ. قَالَ سُفْيَان. وَلَا أَدْرِي أَرْبَعِينَ سنة
أَو شهرا أَو صباحاً أَو سَاعَة) . وَفِي (مُسْند
الْبَزَّار) : أخبرنَا أَحْمد بن عَبدة حدّثنا سُفْيَان
بِهِ، وَفِيه: (أَرْسلنِي أَبُو جهيم إِلَى زيد بن خَالِد.
فَقَالَ: لِأَن يقوم أَرْبَعِينَ خَرِيفًا خير لَهُ من أَن
يمر بَين يَدَيْهِ) . وَقَالَ أَبُو عمر فِي (التَّمْهِيد)
: رَوَاهُ ابْن عُيَيْنَة مقلوباً، وَالْقَوْل عندنَا قَول
مَالك، وَمن تَابعه، وَقَالَ ابْن الْقطَّان فِي حَدِيث
الْبَزَّار خطىء فِيهِ ابْن عُيَيْنَة وَلَيْسَ خَطؤُهُ
بمتعين لاحْتِمَال أَن يكون أَبُو جهيم بعث بسراً إِلَى
زيد، وَزيد بَعثه إِلَى أبي جهيم يستثبت كل وَاحِد مَا
عِنْد الآخر، فَأخْبر كل مِنْهُمَا بمحفوظه فَشك أَحدهمَا
وَجزم الآخر. وَاجْتمعَ ذَلِك كُله عِنْد أبي النَّضر.
قلت: قَول مَالك فِي (الْمُوَطَّأ) لم يخْتَلف عَلَيْهِ
فِيهِ أَن الْمُرْسل هُوَ زيد، وَأَن الْمُرْسل إِلَيْهِ
هُوَ أَبُو جهيم، وَتَابعه سُفْيَان الثَّوْريّ عَن أبي
النَّضر عِنْد مُسلم وَابْن مَاجَه وَغَيرهمَا،
وَخَالَفَهُمَا ابْن عُيَيْنَة عَن أبي النَّضر فَقَالَ:
عَن بسر بن سعيد، قَالَ: (أَرْسلنِي أَبُو جهيم إِلَى زيد
بن خَالِد أسأله) فَذكر هَذَا الحَدِيث: قلت: هَذَا عكس
متن (الصَّحِيحَيْنِ) لِأَن المسؤول فيهمَا هُوَ أَبُو
جهيم، وَهُوَ الرَّاوِي عَن النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَعند الْبَزَّار المسؤول زيد بن خَالِد.
ذكر مَعْنَاهُ. قَوْله: (مَاذَا عَلَيْهِ) ، أَي: من
الْإِثْم والخطيئة، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (مَاذَا
عَلَيْهِ من الْإِثْم) ، وَلَيْسَت هَذِه الزِّيَادَة فِي
شَيْء من الرِّوَايَات غَيره، وَكَذَا فِي (الْمُوَطَّأ)
لَيست هَذِه الزِّيَادَة، وَكَذَا فِي سَائِر المسندات.
وَفِي المستخرجات، غير أَنه وَقع فِي (مُصَنف ابْن أبي
شيبَة) : مَاذَا عَلَيْهِ، يَعْنِي من الْإِثْم، وعيب على
الْمُحب الطَّبَرِيّ حَيْثُ عزا هَذِه الزِّيَادَة فِي
الْأَحْكَام للْبُخَارِيّ. قَوْله: (بَين يَدي
الْمُصَلِّي) أَي: أَمَامه بِالْقربِ مِنْهُ، وَعبر
باليدين لكَون أَكثر الشّغل يَقع بهما. قَوْله: (أَن يقف
أَرْبَعِينَ) ، وَقد ذكرنَا أَن فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه:
(أَرْبَعِينَ سنة أَو شهرا أَو صباحاً أَو سَاعَة) . وَفِي
رِوَايَة الْبَزَّار: (أَرْبَعِينَ خَرِيفًا) وَفِي
(صَحِيح ابْن حبَان) : عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ
رَسُول ا: لَو يعلم أحدكُم مَا لَهُ فِي أَن يمر بَين يَدي
أَخِيه مُعْتَرضًا فِي الصَّلَاة كَانَ لِأَن يُقيم مائَة
عَام خيرا لَهُ من الخطوة الَّتِي خطأ) . وَفِي
(الْأَوْسَط) للطبراني: عَن عبد ابْن عَمْرو مَرْفُوعا:
(إِن
(4/293)
الَّذِي يمر بَين يَدي الْمُصَلِّي عمدا
يتَمَنَّى يَوْم الْقِيَامَة أَنه شَجَرَة يابسة) . وَفِي
المُصَنّف عَن عبد الحميد، عَامل عمر بن عبد الْعَزِيز،
قَالَ: (لَو يعلم الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي مَا
عَلَيْهِ لأحب أَن ينكسر فَخذه وَلَا يمر بَين يَدَيْهِ) .
وَقَالَ ابْن مَسْعُود: (الْمَار بَين يَدي الْمُصَلِّي
أنقص من الْمَمَر عَلَيْهِ، وَكَانَ إِذا مر أحد بَين
يَدَيْهِ الْتَزمهُ حَتَّى يردهُ) . وَقَالَ ابْن بطال:
قَالَ عمر، رَضِي اعنه: (لَكَانَ يقوم حولا خير لَهُ من
مروره) . وَقَالَ كَعْب الْأَحْبَار: (لَكَانَ أَن يخسف
بِهِ خيرا لَهُ من أَن يمر بَين يَدَيْهِ) . قَوْله:
(قَالَ أَبُو النَّضر) قَالَ الْكرْمَانِي: إِمَّا من
كَلَام مَالك فَهُوَ مُسْند، وَإِمَّا تَعْلِيق من
البُخَارِيّ. قلت: هُوَ كَلَام مَالك وَلَيْسَ هُوَ من
تَعْلِيق البُخَارِيّ لِأَنَّهُ ثَابت فِي (الْمُوَطَّأ)
من جَمِيع الطّرق، وَكَذَا ثَبت فِي رِوَايَة الثَّوْريّ
وَابْن عُيَيْنَة. قَوْله: (أقَال؟) الْهمزَة فِيهِ
للإستفهام، وفاعله: بسرا أَو رَسُول الله كَذَا قَالَه
الْكرْمَانِي. قلت: الظَّاهِر أَنه بسر بن أُميَّة.
ذكر إعرابه) قَوْله: (مَاذَا عَلَيْهِ؟) كلمة مَا:
اسْتِفْهَام وَمحله الرّفْع على الِابْتِدَاء، وَكلمَة:
ذَا، إِشَارَة خَبره، وَالْأولَى أَن تكون: ذَا مَوْصُولَة
بِدَلِيل افتقاره إِلَى شَيْء بعده لِأَن تَقْدِيره:
مَاذَا عَلَيْهِ من الْإِثْم، ثمَّ إِن: مَاذَا عَلَيْهِ،
فِي مَحل النصب على أَنه سد مسد المفعولين لقَوْله: (لَو
يعلم) ، وَقد علق عمله بالإستفهام. قَوْله: (لَكَانَ)
جَوَاب: لَو، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير:
لَو يعلم الْمَار مَا الَّذِي عَلَيْهِ من الْإِثْم من
مروره بَين يَدي الْمُصَلِّي لَكَانَ وُقُوفه أَرْبَعِينَ
خيرا لَهُ من أَن يمر؟ أَي: من مروره بَين يَدَيْهِ.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: جَوَاب: لَو، لَيْسَ هُوَ
الْمَذْكُور، إِذْ التَّقْدِير: لَو يعلم مَاذَا عَلَيْهِ
لوقف أَرْبَعِينَ، لَو وقف أَرْبَعِينَ لَكَانَ خيرا لَهُ.
قلت: لَا ضَرُورَة إِلَى هَذَا التَّقْدِير وَهُوَ تصرف
فِيهِ تعسف، وَحقّ التَّرْكِيب مَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله:
(خيرا) فِيهِ رِوَايَتَانِ: النصب وَالرَّفْع. أما النصب
فَظَاهر لِأَنَّهُ خبر: لَكَانَ، وَاسم، كَانَ، هُوَ
قَوْله: أَن يقف، لأَنا قُلْنَا: إِن كلمة: أَن،
مَصْدَرِيَّة، وَأَن التَّقْدِير: لَكَانَ وُقُوفه
أَرْبَعِينَ خيرا لَهُ. وَأما وَجه الرّفْع، فقد قَالَ
ابْن الْعَرَبِيّ: هُوَ اسْم: وَلم يذكر خبر مَا هُوَ،
وَخبر هُوَ قَوْله: أَن يقف، وَالتَّقْدِير: لَو يعلم
الْمَار مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ خير وُقُوفه أَرْبَعِينَ،
وتعسف بَعضهم فَقَالَ: يحْتَمل أَن يُقَال: اسْمهَا ضمير
الشَّأْن وَالْجُمْلَة خَبَرهَا.
قَوْله: (أقَال: أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَو شهرا أَو سنة؟)
لِأَنَّهُ ذكر الْعدَد أَعنِي أَرْبَعِينَ، وَلَا بُد من
مُمَيّز، لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو عَن هَذِه الْأَشْيَاء،
وَقد أبهم ذَلِك هَهُنَا. فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة
فِيهِ؟ قلت: قَالَ الْكرْمَانِي: وَأبْهم الْأَمر ليدل على
الفخامة، وَأَنه مِمَّا لَا يقدر قدره وَلَا يدْخل تَحت
الْعبارَة. انْتهى. قلت: الْإِبْهَام هَهُنَا من
الرَّاوِي، وَفِي نفس الْأَمر الْعدَد معِين، ألاَ ترى
كَيفَ تعين فِيمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث أبي
هُرَيْرَة (لَكَانَ أَن يقف مائَة عَام؟) الحَدِيث؟ كَمَا
ذكرنَا، وَكَذَا عين فِي مُسْند الْبَزَّار من طَرِيق
سُفْيَان بن عُيَيْنَة: (لَكَانَ أَن يقف أَرْبَعِينَ
خَرِيفًا) . وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَل للتخصيص
بالأربعين حِكْمَة مَعْلُومَة؟ قلت: أسرار أَمْثَالهَا لَا
يعلمهَا إلاَّ الشَّارِع، وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك لِأَن
الْغَالِب فِي أطوار الْإِنْسَان أَن كَمَال كل طور
بِأَرْبَعِينَ، كاطوار النُّطْفَة، فَإِن كل طور مِنْهَا
بِأَرْبَعِينَ، وَكَمَال عدل الْإِنْسَان فِي أَرْبَعِينَ
سنة، ثمَّ الْأَرْبَعَة أصل جَمِيع الْأَعْدَاد، لِأَن
أجزاءه وَهِي عشرَة، وَمن العشرات المآت، وَمِنْهَا
الألوف، فَلَمَّا أُرِيد التكثير ضوعف كل إِلَى عشرَة
أَمْثَاله. انْتهى. قلت: غفل الْكرْمَانِي عَن رِوَايَة
الْمِائَة حَيْثُ قصر فِي بَيَان الْحِكْمَة على
الْأَرْبَعين، وَقَالَ بَعضهم، فِي التنكيت على
الْكرْمَانِي: بِأَن هَذِه الرِّوَايَة تشعر بِأَن
إِطْلَاق الْأَرْبَعين للْمُبَالَغَة فِي تَعْظِيم الْأَمر
لَا لخُصُوص عدد معِين. قلت: لَا يُنَافِي رِوَايَة
الْمِائَة عَن بَيَان وَجه الْحِكْمَة فِي الْأَرْبَعين،
بل يَنْبَغِي أَن يطْلب وَجه الْحِكْمَة فِي كل مِنْهُمَا،
لِأَن لقَائِل أَن يَقُول: لِمَ أطلق الْأَرْبَعين
للْمُبَالَغَة فِي تَعْظِيم الْأَمر. ولِمَ لَمْ يذكر
الْخمسين أَو سِتِّينَ أَو نَحْو ذَلِك؟ وَالْجَوَاب
الْوَاضِح الشافي فِي ذَلِك أَن تعْيين الْأَرْبَعين
للْوَجْه الَّذِي ذكره الْكرْمَانِي، وَأما وَجه ذكر
الطَّحَاوِيّ أَنه قيد بِالْمِائَةِ بعد التَّقْيِيد
بالأربعين للزِّيَادَة فِي تَعْظِيم الْأَمر على الْمَار،
لِأَن الْمقَام مقَام زجر وتخويف وَتَشْديد. فَإِن قلت: من
أَيْن علم أَن التَّقْيِيد بِالْمِائَةِ بعد التَّقْيِيد
بالأربعين؟ قلت: وقوعهما مَعًا مستعبد، لِأَن الْمِائَة
أَكثر من الْأَرْبَعين، وَكَذَا وُقُوع الْأَرْبَعين بعد
الْمِائَة لعدم الْفَائِدَة، وَكَلَام الشَّارِع كُله
حِكْمَة وَفَائِدَة، والمناسبة أَيْضا تَقْتَضِي تَأْخِير
الْمِائَة عَن الْأَرْبَعين. فَإِن قلت: قد علم فِيمَا مضى
وَجه الْحِكْمَة فِي الْأَرْبَعين، فَمَا وَجه الْحِكْمَة
فِي تعْيين الْمِائَة؟ قلت: الْمِائَة وسط بِالنِّسْبَةِ
إِلَى العشرات والألوف، وَخير الْأُمُور أوسطها، وَهَذَا
مِمَّا تفردت بِهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ من الْأَحْكَام) فِيهِ: أَن
الْمُرُور بَين يَدي الْمُصَلِّي مَذْمُوم، وفاعله مرتكب
الْإِثْم. وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ دَلِيل على تَحْرِيم
الْمُرُور، فَإِن فِي الحَدِيث النَّهْي الأكيد والوعيد
الشَّديد، فَيدل على ذَلِك. قلت: فعلى مَا ذكره يَنْبَغِي
أَن
(4/294)
الْمُرُور بَين يَدي الْمُصَلِّي من
الْكَبَائِر، ويعد من ذَلِك، وَاخْتلف فِي تَحْدِيد ذَلِك،
فَقيل: إِذا مر بَينه وَبَين مِقْدَار سُجُوده وَقيل:
بَينه وَبَين السَّاتِر ثَلَاث أَذْرع. وَقيل: بَينهمَا
قدر رمية بِحجر، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
وَفِيه: قَالَ ابْن بطال: يفهم من قَوْله: (لَو يعلم) أَن
الْإِثْم يختصر بِمن يعلم بالمنهي وارتكبه. قَالَ بَعضهم:
فِيهِ: بعد قلت: لَيْسَ فِيهِ بعد لِأَن: لَو، للشّرط
فَلَا يَتَرَتَّب الحكم الْمَذْكُور إلاَّ عِنْد وجوده.
وَفِيه: عُمُوم النَّهْي لكل مصلَ وَتَخْصِيص بَعضهم
بِالْإِمَامِ وَالْمُنْفَرد لَا دَلِيل عَلَيْهِ. وَفِيه:
طلب الْعلم والإرسال لأَجله. وَفِيه: جَوَاز الإستنابة.
وَفِيه: أَخذ الْعلمَاء بَعضهم من بعض. وَفِيه: الإقتصار
على النُّزُول مَعَ الْقُدْرَة على الْعُلُوّ لإرسال زيد
بن خَالِد بسر بن سعيد إِلَى جهيم، وَلَو طلب الْعُلُوّ
لسعى هُوَ بِنَفسِهِ إِلَى أبي جهيم. وَفِيه: قبُول خبر
الْوَاحِد.
201 - (بابُ اسْتِقْبالِ الرَّجُلِ وَهُوَ يُصَلِّي)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِقْبَال الرجل الرجل،
وَالْحَال أَنه يُصَلِّي يَعْنِي: هَل يكره أم لَا؟
وَالرجل الأول مُضَاف إِلَيْهِ للاستقبال وَالرجل
الثَّانِي مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: وَفِي بعض النّسخ بَاب اسْتِقْبَال الرجل
صَاحبه أَو غَيره، وَفِي بَعْضهَا اسْتِقْبَال الرجل
وَهُوَ يُصَلِّي، وَفِي بَعْضهَا لفظ: الرجل مُكَرر،
وَلَفظ: هُوَ، يحْتَمل عوده إِلَى الرجل الثَّانِي، فَيكون
الرّجلَانِ متواجهين، وَإِلَى الأول فَلَا يلْزم التواجه.
وكَرِهَ عُثْمَانُ أنْ يُسْتَقْبَلَ الرَّجُلُ وَهُوَ
يُصَلّى.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَعُثْمَان هُوَ ابْن
عَفَّان أحد الْخُلَفَاء الْأَرْبَعَة الرَّاشِدين.
قَوْله: (يسْتَقْبل) ، بِضَم الْيَاء على صِيغَة
الْمَجْهُول، و: (الرجل) مَرْفُوع لنيابته عَن الْفَاعِل،
وَيجوز فتح الْيَاء على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَلَا مَانع
من ذَلِك، والكرماني اقْتصر على الْوَجْه الأول. قَوْله:
(وَهُوَ يُصَلِّي) جملَة إسمية وَقعت حَالا عَن: الرجل،
وَقَالَ بَعضهم: وَلم أر هَذَا الْأَثر عَن عُثْمَان إِلَى
الْآن، وَإِنَّمَا رَأَيْته فِي (مُصَنف) عبد الرَّزَّاق
وَابْن أبي شيبَة وَغَيرهمَا: من طَرِيق هِلَال بن يسَاف
عَن عمر أَنه زجر عَن ذَلِك، وَفِيهِمَا أَيْضا عَن
عُثْمَان مَا يدل على عدم كَرَاهَة ذَلِك، فَلْيتَأَمَّل،
لاحْتِمَال أَن يكون فِيمَا وَقع فِي الأَصْل تَصْحِيف عَن
عمر إِلَى عُثْمَان. قلت: لَا يلْزم من عدم رُؤْيَة هَذَا
الْأَثر من عُثْمَان أَن لَا يكون مَنْقُولًا عَنهُ،
فَلَيْسَ بسديد زعم التَّصْحِيف بِالِاحْتِمَالِ الناشيء
عَن غير دَلِيل. فَإِن قلت: رِوَايَة عبد الرَّزَّاق
وَابْن أبي شيبَة عَن عُثْمَان بِخِلَاف مَا ذكره
البُخَارِيّ عَنهُ دَلِيل الِاحْتِمَال. قلت: لَا نسلم
ذَلِك لاحْتِمَال أَن يكون الْمَنْقُول عَنهُ آخرا
بِخِلَاف مَا نقل عَنهُ أَولا لقِيَام الدَّلِيل عِنْده
بذلك.
وَإنّمَا هذَا إِذا اشْتَغَلَ بهِ فأمَّا إذَا لَمْ
يَشْتَغِلْ فَقَدْ قَالَ زَيْدُ بنُ ثابِتٍ مَا بالبَيْتُ
إنَّ الرَّجُلَ لَا يَقْطَعُ صَلاَةَ الرَّجُلِ.
قَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) : هَذَا من كَلَام البُخَارِيّ
يُشِير بِهِ إِلَى أَن مذْهبه هَهُنَا بالتفصيل، وَهُوَ
أَن اسْتِقْبَال الرجل الرجل فِي الصَّلَاة إِنَّمَا يكره
إِذا اشْتغل الْمُسْتَقْبل الْمُصَلِّي، لِأَن عِلّة
الْكَرَاهَة فِي كف الْمُصَلِّي عَن الْخُشُوع وَحُضُور
الْقلب، وَأما إِذا لم يشْغلهُ فَلَا بَأْس بِهِ،
وَالدَّلِيل عَلَيْهِ قَول زيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ
النجاري الفرضي، كَاتب رَسُول ا: مَا باليت، أَي:
بالاستقبال الْمَذْكُور. يُقَال: لَا أباليه أَي: لَا
أكترث لَهُ. قَوْله: (إِن الرجل) بِكَسْر: إِن لِأَنَّهُ
اسْتِئْنَاف ذكر لتعليل عدم المبالاة. وروى أَبُو نعيم فِي
(كتاب الصَّلَاة) : حدّثنا مسعر، قَالَ: أَرَانِي أول من
سَمعه من الْقَاسِم قَالَ: ضرب عمر رجلَيْنِ: أَحدهمَا
مُسْتَقْبل وَالْآخر يُصَلِّي. وحدّثنا سُفْيَان حدّثنا
رجل عَن سعيد بن جُبَير أَنه: كره أَن يُصَلِّي وَبَين
يَدَيْهِ مخنث مُحدث، وحدّثنا سُفْيَان عَن أَشْعَث بن أبي
الشعْثَاء عَن ابْن جُبَير. قَالَ: إِذا كَانُوا يذكرُونَ
اتعالى فَلَا بَأْس، وَقَالَ ابْن بطال: أجَاز
الْكُوفِيُّونَ وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ الصَّلَاة
خلف المتحدثين، وَكَرِهَهُ ابْن مَسْعُود، وَكَانَ ابْن
عمر لَا يسْتَقْبل من يتَكَلَّم إلاَّ بعد الْجُمُعَة.
وَعَن مَالك: لَا بَأْس أَن يُصَلِّي إِلَى ظهر الرجل،
وَأما إِلَى جنبه فَلَا، وروى عَنهُ التَّخْفِيف فِي
ذَلِك. وَقَالَ: لَا تصلوا إِلَى المتحلقين، لِأَن بَعضهم
يستقبله. قَالَ: وَأَرْجُو أَن يكون وَاسِعًا، وَذَهَبت
طَائِفَة من الْعلمَاء إِلَى أَن الرجل يستر إِلَى الرجل
إِذا صلى. وَقَالَ الْحسن وَقَتَادَة يستره إِذا كَانَ
جَالِسا. وَعَن الْحسن: يستره وَلم يشْتَرط الْجُلُوس
وَلَا تَوْلِيَة الظّهْر، وَأكْثر الْعلمَاء على كَرَاهَة
(4/295)
استقباله بِوَجْهِهِ. وَقَالَ نَافِع:
كَانَ ابْن عمر إِذا لم يجد سَبِيلا إِلَى سَارِيَة
الْمَسْجِد قَالَ لي: ظهرك، وَهُوَ قَول مَالك. وَقَالَ
ابْن سِيرِين: لَا يكون الرجل ستْرَة للْمُصَلِّي.
115061 - ح دّثنا إسْمَاعيلُ بنُ خَلِيلٍ قَالَ حدّثنا
عَليُّ بنُ مُسْهِرٍ عنِ الأَعْمَشِ عَنْ مُسْلِمٍ يَعْنِي
ابْنَ صُبَيْحٍ عنْ مَسْرُوقٍ عنْ عائِشَةَ أنَّهُ ذُكِرَ
عِنْدَها مَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ فَقالُوا يَقْطَعُها
الْكَلْبُ والحِمَارُ والمَرْأةُ قالَتْ لَقدْ
جَعَلْتُمُونا كِلاَباً لَقَدْ رَأيْتُ النبيَّ يُصَلِّي
وإِنِّي لَبَيْنَهُ وَبَيْنُ القِبْلَةِ وَأَنا
مضْطَجِعَةٌ عَلَى السَّرِيرِ فَتَكُونُ لِيَ الحَاجَةُ
فأكْرَهُ أنْ أسْتَقْبِلَهُ فأنْسَلُّ انْسِلاَلاً. .
وَجه مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث للتَّرْجَمَة على وُجُوه:
الأول: مَا قَالَه الْكرْمَانِي: حكم الرِّجَال
وَالنِّسَاء وَاحِد فِي الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة إلاَّ
مَا خصّه الدَّلِيل. قلت: بَيَان ذَلِك أَن عَائِشَة
كَانَت مُضْطَجِعَة على السرير، وَكَانَت بَين يَدي
النَّبِي وَبَين الْقبْلَة، فَيكون اسْتِقْبَال الرجل
الْمَرْأَة فِي الصَّلَاة وَلم تكن تشغل النَّبِي، فَدلَّ
على عدم الْكَرَاهَة. وَلَا يُقَال: التَّرْجَمَة
اسْتِقْبَال الرجل الرجل، وَفِيمَا ذكر اسْتِقْبَال الرجل
الْمَرْأَة، لأَنا نقُول: حكم الرِّجَال وَالنِّسَاء
وَاحِد إِلَى آخر مَا ذكرنَا، وَقد ذكرنَا أَن
التَّرْجَمَة رويت على ثَلَاثَة أوجه، وَهَذَا الَّذِي
ذَكرْنَاهُ فِي الْوَجْه الْوَاحِد، وَهُوَ: بَاب
اسْتِقْبَال الرجل الرجل، وَهُوَ يُصَلِّي. وَأما فِي
الْوَجْهَيْنِ الآخرين فالتطابق ظَاهر فَلَا يحْتَاج إِلَى
التَّكَلُّف. الْوَجْه الثَّانِي: ذكره ابْن الْمُنِير
فَقَالَ: لِأَنَّهُ يدل على الْمَقْصُود بطرِيق الأولى،
وَإِن لم يكن تَصْرِيح بِأَنَّهَا كَانَت مُسْتَقْبلَة،
فلعلها كَانَت منحرفة أَو مستدبرة. الْوَجْه الثَّالِث:
ذكره ابْن رشد فَقَالَ: قصد البُخَارِيّ: أَن شغل
الْمُصَلِّي بِالْمَرْأَةِ إِذا كَانَت فِي قبلته، على أَي
حَالَة كَانَت، أَشد من شغله بِالرجلِ، وَمَعَ ذَلِك فَلم
يضر صلَاته، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، لِأَنَّهُ
غير مشتغل بهَا، فَكَذَلِك لَا تضر صَلَاة من لم يشْتَغل
بهَا، وَبِالرجلِ من بَاب أولى.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: كلهم قد ذكرُوا، وَإِسْمَاعِيل بن
خَلِيل أَبُو عبد االخراز الْكُوفِي، تقدم فِي بَاب
مُبَاشرَة الْحَائِض، وَكَذَلِكَ عَليّ بن مسْهر،
وَالْأَعْمَش: هُوَ سُلَيْمَان الْكُوفِي، وَمُسلم: هُوَ
البطين ظَاهرا، قَالَه الْكرْمَانِي. قلت: الظَّاهِر أَنه
مُسلم بن صبيح أَبُو الضُّحَى، ومسروق بن الأجدع.
وَالْكَلَام فِيهِ قد مر فِي بَاب الصَّلَاة إِلَى السرير،
لِأَنَّهُ أخرجه هُنَاكَ من أوجه أخر. قَوْله: (كلابا)
أَي: كالكلاب فِي حكم قطع الصَّلَاة. قَوْله: (رَأَيْت)
أَي: أَبْصرت. قَوْله: (وَإِنِّي لبينه) أَي: لبين
النَّبِي،، وَهَذِه الْجُمْلَة فِي مَحل النصب على
الْحَال، وَكَذَلِكَ: وَأَنا مُضْطَجِعَة. قَوْله: (وأكره)
كَذَا هُوَ بِالْوَاو فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي
رِوَايَة الكشمهيني: (فأكره) بِالْفَاءِ. قَوْله: (فأنسل)
أَي فَأخْرج بالخفية.
وَعنِ الأعْمَش عنْ إبْراهِيمَ عَن الأسْوَدِ عنْ عائِشَةَ
نَحْوَهُ.
أَي وَرُوِيَ عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن إِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ عَن الْأسود بن يزِيد النَّخعِيّ عَن عَائِشَة،
ى ضي اتعالى عَنْهَا، قَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا يحْتَمل
التَّعْلِيق وَكَونه من كَلَام ابْن مسْهر أَيْضا. قلت:
خرجه بعد الْبَابَيْنِ فِي بَاب من قَالَ لَا يقطع
الصَّلَاة شَيْء، وَالْحَاصِل أَن هَذَا مَعْطُوف على
الْإِسْنَاد الَّذِي قبله، وَنبهَ بِهِ على أَن عَليّ بن
مسْهر قد روى هَذَا الحَدِيث عَن الْأَعْمَش باسنادين
إِلَى عَائِشَة. أَحدهمَا: عَن مُسلم عَن مَسْرُوق عَن
عَائِشَة بِاللَّفْظِ الْمَذْكُور. وَالْآخر: عَن
إِبْرَاهِيم عَن الْأسود عَن عَائِشَة، رَضِي اتعالى
عَنْهَا، بِالْمَعْنَى. وَأَشَارَ إِلَيْهِ بقوله. (نَحوه)
وَهُوَ بِالنّصب. فَإِن قلت: كَيفَ يَقُول: نَحوه، وَلَفظ
النَّحْو يَقْتَضِي الْمُمَاثلَة بَينهمَا من كل الْوُجُوه
وَهَهُنَا لَيْسَ كَذَلِك؟ قلت: لَا نسلم أَنه كَذَلِك، بل
يَقْتَضِي الْمُشَاركَة فِي أصل الْمَعْنى الْمَقْصُود
فَقَط.
301 - (بابُ الصَّلاَةِ خَلْفَ النَّائِمِ)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان الصَّلَاة خلف النَّائِم،
يَعْنِي: يجوز وَلَا يكره على مَا سنبينه إِن شَاءَ
اتعالى.
215162 - ح دّثنا مُسدَّدٌ قَالَ حَدَّثنا يحيى قَالَ
حدّثنا هِشَامٌ قَالَ حدّثني أبي عنْ عائِشة
(4/296)
َ قالتْ كانَ النبيُّ يُصَلِّي وَأَنا
رَاقِدَهُ مُعْتَرِضَةٌ عَلى فِرَاشِهِ فإِذَا أرَادَ أنْ
يُوتِرَ أيْقَظَنِي فأوْتَرْتُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. فَإِن قلت: كَيفَ
الظُّهُور والترجمة خلف النَّائِم والْحَدِيث خلف النائمة.
قلت: قد ذكرنَا أَن الرِّجَال وَالنِّسَاء وَاحِد فِي
الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة إلاَّ مَا خصّه الدَّلِيل، أَو
أَنه إِذا جَازَ خلف النائمة فخلف النَّائِم بِالطَّرِيقِ
الأولى، أَو أَرَادَ بالنائم الشَّخْص النَّائِم ذكرا
كَانَ أَو انثى.
ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة، كلهم قد ذكرُوا: وَيحيى هُوَ
الْقطَّان، وَهِشَام بن عُرْوَة. وَأخرجه النَّسَائِيّ
أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عبد ابْن سعيد الْقطَّان بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله: (كَانَ النَّبِي، يُصَلِّي) مثل
هَذَا التَّرْكِيب يُفِيد التّكْرَار. قَوْله: (وَأَنا
رَاقِدَة) جملَة حَالية. قَوْله: (مُعْتَرضَة) ، صفة بعد
صفة. قَوْله: (أَن يُوتر) أَي: إِذا راد أَن يُصَلِّي
الْوتر. قَوْله: (أيقظني) ، من الإيقاظ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ من الْأَحْكَام قَالَ ابْن
بطال: الصَّلَاة خلف النَّائِم جَائِزَة، إِلَّا أَن
طَائِفَة كرهتها خوف مَا يحدث من النَّائِم فيشتغل
الْمُصَلِّي بِهِ أَو يضحكه فتفسد صلَاته. وَقَالَ مَالك:
لَا يصلى إِلَى نَائِم إلاَّ أَن يكون دونه ستْرَة، وَهُوَ
قَول طَاوس. وَقَالَ مُجَاهِد: أَن أُصَلِّي وَرَاء قَاعد
أحب إِلَيّ من أَن أُصَلِّي وَرَاء نَائِم. فَإِن قلت: روى
أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس أَن النَّبِي،، قَالَ: (لَا
تصلوا خلف النَّائِم وَلَا المتحدث) . وَأخرجه ابْن ماجة
أَيْضا، وروى الْبَزَّار عَنهُ أَن النَّبِي، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، قَالَ: (نهيت أَن أُصَلِّي إِلَى
النَّائِم والمتحدث) . وروى ابْن عدي عَن ابْن عمر نَحوه،
وروى الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) عَن أبي هُرَيْرَة
نَحوه.
قلت: قَالَ أَبُو دَاوُد: طرق حَدِيث ابْن عَبَّاس كلهَا
واهية وَقَالَ الْخطابِيّ. هَذَا الحَدِيث يَعْنِي حَدِيث
ابْن عَبَّاس لَا يَصح عَن النَّبِي،، لضعف سَنَده. قلت:
وَفِي (مُسْند) أبي دَاوُد رجل مَجْهُول، وَفِيه عبد ابْن
يَعْقُوب لم يسم من حَدثهُ. قلت: وَفِي مُسْند ابْن مَاجَه
أَبُو الْمِقْدَام هِشَام بن زِيَاد الْبَصْرِيّ لَا
يحْتَج بحَديثه، وَحَدِيث ابْن عمر وَأبي هُرَيْرَة واهيان
أَيْضا، وروى الْبَزَّار أَيْضا من حَدِيث أَحْمد بن يحيى
الْكُوفِي حدّثنا إِسْمَاعِيل بن صبيح حدّثنا إِسْرَائِيل
عَن عبد الْأَعْلَى الثَّعْلَبِيّ عَن مُحَمَّد بن
الْحَنَفِيَّة عَن عَليّ، رَضِي اتعالى عَنهُ: (أَن رَسُول
الله رأى رجلا يُصَلِّي إِلَى رجل فَأمره أَن يُعِيد
الصَّلَاة، قَالَ: يَا رَسُول اإني صليت وَأَنت تنظر
إِلَيّ) ، قَالَ: هَذَا حَدِيث لَا يحفظ إلاَّ بِهَذَا
الْإِسْنَاد، وَكَأن هَذَا الْمُصَلِّي كَانَ مُسْتَقْبل
الرجل وَلم يَتَنَحَّ عَن حياله. وَقَالَ أَبُو بكر بن أبي
شيبَة حدّثنا إِسْمَاعِيل بن علية عَن لَيْث عَن مُجَاهِد
يرفعهُ قَالَ: (لَا يأتم بنائم وَلَا مُحدث) . وَقَالَ
وَكِيع: حدّثنا سُفْيَان عَم عبد الْكَرِيم أبي أُميَّة
عَن مُجَاهِد: (أَن النَّبِي نهى أَن يُصَلِّي خلف النوام
والمتحدثين) ، وَعبد الْكَرِيم مَتْرُوك الحَدِيث.
وَفِيه: اسْتِحْبَاب إيقاظ النَّائِم للطاعة. وَفِيه: أَن
الْوتر يكون بعد النّوم.
401 - (بابُ التَّطَوُّعِ خَلْفَ المَرْأةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم صَلَاة التَّطَوُّع خلف
الْمَرْأَة يَعْنِي يجوز.
315261 - ح دّثنا عَبْدُ ااِ بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنْ أَبي النَضَرِ مَوْلَى عُمَرَ بنِ عُبَيْدَ ااِ
عنْ سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمنِ عنْ عائِشَةَ زَوْج
النبِيِّ أنَّهَا قالَتْ كُنْتُ أَنَام بَيْنَ يَدَيْ
رسولِ ااِ وَرِجْلايَ فِي قِبْلَتِهِ فإذَا سَجَدَ
غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ فإِذَا قامَ بَسَطْتُهُما
قالتْ وَالبُيُوتُ يَوْمَئِذٍ لَيْسَ فِيها مَصابِيحُ.
هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه بِهَذَا الْإِسْنَاد مر فِي بَاب
الصَّلَاة على الْفراش، غير أَن هُنَاكَ أخرجه عَن
إِسْمَاعِيل عَن مَالك، وَهَهُنَا عَن عبد ابْن يُوسُف عَن
مَالك، وَأَبُو النَّضر سَالم مولى عمر بِدُونِ الْوَاو،
وَأَبُو سَلمَة عبد ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَقد
تكلمنا هُنَاكَ فِيمَا يتَعَلَّق بِهِ مُسْتَوفى مستقصىً،
ومطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. قَالَ الْكرْمَانِي:
كَيفَ دلَالَته على التَّطَوُّع إِذْ الصَّلَاة أَعم
مِنْهُ؟ ثمَّ أجَاب بِأَنَّهُ: قد علم من عَادَته أَن
الْفَرَائِض كَانَ يُصليهَا فِي الْمَسْجِد وبالجماعة.
وَقَالَ أَيْضا: لفظ الحَدِيث يَقْتَضِي
(4/297)
أَن يكون ظهر الْمَرْأَة إِلَى الْمُصَلِّي فَمَا وَجه
دلَالَة الحَدِيث عَلَيْهِ؟ ثمَّ أجَاب بقوله لَا نسلم
ذَلِك الِاقْتِضَاء، وَلَئِن سلمنَا فَالسنة للنائم
التَّوَجُّه إِلَى الْقبْلَة، وَالْغَالِب من حَال
عَائِشَة أَنَّهَا لَا تتركها. |