عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 98 - (بابُ المَسَاجِدِ الَّتِي عَلَى
طُرُقِ المَدِينَةِ وَالمَوِاضِعِ الَّتِي صَلَّى فِيها
النبيُّ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْمَسَاجِد فِي الطّرق
الَّتِي بَين الْمَدِينَة النَّبَوِيَّة وَمَكَّة المشرفة،
وَفِي أَكثر النّسخ على طرق الْمَدِينَة، والمواضع الَّتِي
صلى فِيهَا النَّبِي.
384041 - ح دّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ المُقَدَّمِيُّ
قَالَ حدّثنا فضيْلُ بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدّثنا مُوسَى
ابنُ عُقْبَةَ قالَ رَأيْتُ سالِمَ بنَ عَبْدِ اللَّهِ
يَتَحَرَّى أمَاكِنَ مِنَ الطَّرِيقِ فَيُصَلِّي فِيها
وَيُحَدِّثُ أنَّ أباهُ كانَ يُصَلِّي فِيها وأنَّهُ رَأى
النبيُّ يُصَلِّي فِي تِلْكَ الأَمْكِنَةِ حدّثني نافِعٌ
عنِ ابنِ عُمَرَ أنَّهُ كانَ يُصَلِّي فِي تِلْكَ
الأَمْكِنَةِ وَسألْتُ سالما فَلا أعْلَمْهُ إلاَّ وَافَقَ
نافِعاً فِي الأَمْكِنَةِ كُلِّهَا إِلَّا أنَّهُما
اخْتَلَفا فِي مَسْجِدٍ بِشَرَفِ الروْحاءَ. (الحَدِيث 384
أَطْرَافه فِي: 5351، 6332، 5437) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن أبي بكر بن
عَليّ بن عَطاء بن مقدم، على وزن اسْم الْمَفْعُول،
(4/268)
الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة أَربع وَثَلَاثِينَ
وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: فُضَيْل، بِضَم الْفَاء وَفتح
الضَّاد الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف:
النميري بِضَم النُّون. الثَّالِث: مُوسَى بن عقبَة بِضَم
الْعين وَسُكُون الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة، تقدم
فِي بَاب إسباغ الْوضُوء. الرَّابِع: سَالم ابْن عبد ابْن
عمر بن الْخطاب، تقدم فِي بَاب الْحيَاء من الْإِيمَان.
الْخَامِس: نَافِع، مولى ابْن عمر، وَقد تكَرر ذكره.
السَّادِس: عبد ابْن عمر.
ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: الرِّوَايَة بِصِيغَة
الْمَاضِي للتكلم. وَفِيه: صِيغَة التحديث بِلَفْظ
الْمُضَارع الْمُفْرد وبلفظ الْمَاضِي الْمُفْرد. وَفِيه:
العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين
بَصرِي ومدني.
ذكر مَعْنَاهُ وَمَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) قَوْله:
(يتحَرَّى) أَي: يقْصد ويختار ويجتهد. قَوْله: (أَن
أَبَاهُ) أَي: عبد ابْن عمر بن الْخطاب. قَوْله: (وَأَنه)
أَي: وَأَن أَبَاهُ رأى النَّبِي، وَهَذَا مُرْسل من سَالم
إِذا مَا اتَّصل سَنَده. قَوْله: (وحَدثني نَافِع)
الْقَائِل ذَلِك هُوَ مُوسَى بن عقبَة، وَهُوَ عطف على:
رَأَيْت، أَي: قَالَ مُوسَى: وحَدثني. و: سَأَلت، أَيْضا
عطف عَلَيْهِ. قَوْله: (بشرف الروحاء) ، وَهُوَ مَوضِع
ارْتَفع من مَكَان الروحاء، وَهِي بحاء مُهْملَة ممدودة.
قَالَ أَبُو عبيد االبكري: هِيَ قَرْيَة جَامِعَة لمزينة
على لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة بَينهمَا أحد
وَأَرْبَعُونَ ميلًا. وَقَالَ كثير عزة: سميت الروحاء
لِكَثْرَة أرواحها وبالروحاء بِنَاء يَزْعمُونَ أَنه قبر
مُضر بن نزار. وَقَالَ أَبُو عبيد: وَالنِّسْبَة
إِلَيْهَا: روحاني، على غير قِيَاس. وَقد قيل: روحاوي، على
الْقيَاس. وَفِي (كتاب الْجبَال) للزمخشري: بَين
الْمَدِينَة والروحاء أَرْبَعَة برد إلاَّ ثَلَاثَة
أَمْيَال. وَفِي (صَحِيح مُسلم) فِي بَاب الْأَذَان:
(سِتَّة وَثَلَاثُونَ ميلًا) . وَفِي كتاب ابْن أبي شيبَة:
على ثَلَاثِينَ ميلًا. وَقَالَ ابْن قرقول: وَهِي من عمل
الْفَرْع على نَحْو من أَرْبَعِينَ ميلًا من الْمَدِينَة.
وَقَالَ أَبُو عبيد: روى نَافِع عَن مَوْلَاهُ أَن بِهَذَا
الْموضع الْمَسْجِد الصَّغِير دون الْموضع الَّذِي بالشرف،
قَالَ: وروى أَصْحَاب الزُّهْرِيّ عَنهُ عَن حَنْظَلَة بن
عَليّ عَن أبي هُرَيْرَة: (سَمِعت رَسُول الله يَقُول:
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ ليلهن ابْن مَرْيَم،
عَلَيْهِمَا السَّلَام، بفج روحاء حَاجا أَو مُعْتَمِرًا
أَو بثنيتها) وَفِي رِوَايَة الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة
مثله، وروى غير وَاحِد أَن رَسُول الله قَالَ، وَقد وصل
الْمَسْجِد الَّذِي بِبَطن الروحاء عِنْد عرق الظبية:
هَذَا وَاد من أَوديَة الْجنَّة، وَصلى فِي هَذَا الْوَادي
قبلي سَبْعُونَ نَبيا، عَلَيْهِم السَّلَام، وَقد مر بِهِ
مُوسَى بن عمرَان حَاجا ومعتمراً فِي سبعين ألفا من بني
إِسْرَائِيل.
فَإِن قلت: قد جَاءَ عَن عمر بن الْخطاب خلاف فعل ابْنه،
روى الْمَعْرُور بن سُوَيْد: كَانَ عمر فِي سفر فصلى
الْغَدَاة، ثمَّ أَتَى على مَكَان فَجعل النَّاس يأتونه،
وَيَقُولُونَ: صلى فِيهِ النَّبِي، فَقَالَ عمر: إِنَّمَا
هلك أهل الْكتاب أَنهم اتبعُوا آثَار أَنْبِيَائهمْ
واتخذوها كنائس وبيعاً، فَمن عرضت لَهُ الصَّلَاة فَليصل
وإلاَّ فليمض قلت: إِن عمر إِنَّمَا خشِي أَن يلْتَزم
النَّاس الصَّلَاة فِي تِلْكَ الْمَوَاضِع حَتَّى يشكل على
من يَأْتِي بعدهمْ فَيرى ذَلِك وَاجِبا، وَعبد ابْن عمر
كَانَ مَأْمُونا من ذَلِك، وَكَانَ يتبرك بِتِلْكَ
الْأَمَاكِن، وتشدده فِي الإتباع مَشْهُور، وَغَيره لَيْسَ
فِي هَذَا الْمقَام.
484 - ح دّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ حدّثنا
أنَسُ بنُ عِياضٍ قَالَ حدّثنا مْوسَى بنُ عُقْبَةَ عنْ
نافِعٍ أنَّ عَبْدَ اللَّهِ أخْبَرَهُ أنَّ رسولَ اللَّهِ
كانَ يَنْزِلُ بِذِي الحُلَيْفَةِ حِينَ يَعْتَمِرُ وفِي
حَجَّتِهِ حِينَ حَجَّ تَحْتَ سَمُرَةٍ فِي مَوْضِعِ
المَسْجَدِ الَّذِي بِذِي الْحُلَيْفَةِ وكانَ إذَا رَجَعَ
مِن غَزْوٍ كانَ فِي تِلْكَ الطَّرِيقِ أوْ فِي حَجٍ أوْ
عُمْرَةٍ هَبَطَ مِنْ بَطْنِ وادٍ فإِذَا ظْهَرَ مِنْ
بَطْنِ وَادٍ أنَاخَ بالبَطْحَاءِ الَّتِي عَلَى شفِيرِ
الوَادِي الشَّرقِيَّةِ فَعِرَّسَ ثَمَّ حَتَّى يُصْبِحَ
لَيْسَ عِنْدَ المَسْجِدِ الَّذِي بِحِجَارَةٍ وَلاَ عَلَى
الأكِمَةِ الَّتِي عَلَيْها المَسْجِدُ كانَ ثَمَّ خَلِيجٌ
يُصَلِّي عَبْدُ اللَّهِ عِنْدَهُ فِي بَطْنِهِ كُثُبٌ
كانَ رسولُ اللَّهِ ثَمَّ يُصَلِّي فَدَحا السيَّلُ فيهِ
بِالبَطْحاءِ حَتَّى دَفَنَ ذَلِكَ المَكانَ الذِي كانَ
عَبْدِ اللَّهِ يُصَلَّي فِيهِ.
584 - وأنَّ عَبْدَ اللَّهِ بنِ عُمَرَ حدَّثَهُ أنَّ
النبيَّ صَلَّى حَيْثُ المَسْجِدُ الصَّغِيرُ الذِي دُونَ
المَسْجِدِ الذِي بِشَرَفِ الرَّوْحاءِ وقَدْ كانَ عَبْدُ
اللَّهِ يَعْلَمُ المَكانَ الذِي كانَ صَلى فِيهِ
(4/269)
النبيُّ يَقولُ ثَمَّ عنْ يَمِينِكَ حِينَ
تَقُومُ فِي المَسْجِدِ تُصَلِّي وَذَلِكَ المَسْجِدُ
عَلَى حافَةِ الطَّرِيق اليُمْنَى وأنْتَ ذَاهِبٌ إلَى
مَكَةَ بَيْنَهُ وبَيْنَ المَسْجِدِ رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ أوْ
نَحْوُ ذَلِكَ.
684 - وأنَّ عُمَرَ كانَ يُصَلِّي إلَى العِرْقِ عِنْدَ
مُنْصَرَفِ الرَّوْحاءِ وذَلِكَ العِرْقُ انْتِهاءُ
طَرَفِهِ عَلَى حافَةِ الطَّرِيقِ دُونَ المَسْجِدِ الذِي
بَيْنَهُ وبَيْنَ المُنْصَرَفِ وَأنْتَ ذَاهِبٌ إلَى
مَكَّةَ وَقَدْ أبْتَنِي ثَمَّ مَسْجِدٌ فَلَمْ يَكُنْ
عَبْدُ ااِ يُصَلِّي فِي ذَلِكَ المَسْجِدِ كانَ يَتْرُكهُ
عنْ يَسَارِهِ وورَاءَهُ ويُصَلِّي أمامَهُ إلَى العِرْقِ
نَفْسِهِ وكانَ عَبْدُ ااِ يَرُوحُ مِن الرَّوْحاءِ فَلاَ
يُصَلِّي الظُّهْرَ حَتَّى يَأْتِيَ ذَلِكَ المَكانَ
فَيُصَلِّي فِيهِ الظُهْرَ وإذَا أقْبَلَ منْ مَكَّةَ
فإِنْ مَرَّ بِهِ قَبْلَ الصبْحِ بِسَاعَةٍ أوْ منْ آخِرِ
السَّحَر عَرَّسَ حَتى يُصَلِّي بهَا الصُّبْحَ.
784 - وَأنَّ عَبْدُ ااِ حَدَّثَهُ أَن النبيَّ كانَ
يَنْزلُ تَحْتَ سَرْحَةٍ ضَخْمَةٍ دُونَ الرُّوَيْثَةِ
عَنْ الطَّرِيقِ ووِجاهُ الطَّريق فِي مكانٍ بَطْحٍ سَهْلٍ
حَتَّى يُفْضِيَ منْ أكَمَةٍ دُوَيْنَ بَرِيدِ
الرُّوَيْثَةِ بميلَيْنِ وَقَدِ انْكَسَرَ أعْلاَها
فانْثَنَى فِي جَوْفِها وَهِي قائِمَةٌ عَلَى ساقٍ وفِي
ساقِهَا كُثُبٌ كَثِيرَةٍ.
884 - وأنَّ عَبْدُ ااِ بنُ عُمَرَ حَدَّثَهُ أنَّ النبيَّ
صَلَّى فِي طَرَفِ تَلْعةٍ مِنْ وَرَاءِ العَرْجِ وَأنْتَ
ذَاهِبٌ إِلَى هَضْبَةٍ عنْدَ ذلِكَ المَسْجِدِ قَبْرَان
أوْ ثَلاَثَةٌ عَلَى القُبُورِ رَضْمٌ مِن حِجَارَةٍ عَنْ
يَمِينِ الطَّرِيقِ عِنْدَ سَلْمَاتِ الطَّريقِ بَيْنَ
أُولئكَ فيُصلَّي السَّلِمَاتِ كانَ عَبْدُ ااِ يَرُوحُ
مِنَ العَرْجِ بعْدَ أنْ تَمِيلَ الشَّمْسُ بالهَاجِرَةِ
الظهْرَ فِي ذَلِكَ المَسْجِدِ.
984 - وأنَّ عَبْدُ ااِ بنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أنَّ رَسولَ
ااِ نَزَلَ عِنْدَ سَرْحاتٍ عَنْ يَسَارِ الطَّرِيقِ فِي
مَسِيلٍ دُونَ هَرْشَى، ذَلِكَ المَسيلُ لاَصِقٌ بِكُرَاعِ
هَرْشى بَيْنَهُ وبَيْنَ الطَّرِيقِ قريبٌ مِنْ غَلْوَةٍ
وكانَ عَبْدُ ااِ يُصَّلِّي إِلَى سَرْحَةٍ هِى أقْرَبُ
السَّرَحاتِ إلَى الطَّرِيقِ وَهْي أطْوَلُهُنَّ.
094 - وأنَّ عَبْدَ ااِ بنِ عُمَر حَدَّثَهُ أنَّ النبيَّ
كانَ يَنْزِلُ فِي المَسْيلِ الَّذِي أدْنَى فِي
الظَّهْرَانِ قَبْلَ المَدِينَةِ حِينَ يَهْبِطُ مِنَ
الصَّفْرَوَاتِ يَنْزِلُ فِي بَطْنِ ذَلِكَ المَسِيلِ عنْ
يَسَارِ الطَّرِيقِ وأنْتَ ذَاهِبٌ إلَى مَكَّة لَيْسَ
بَيْنَ مَنْزِلِ رسولِ اللَّهِ وبَيْنَ الطَّرِيقِ إلاَّ
رَمْيَةٌ بِحَجَرٍ.
ب 05 0 194 وأنَّ عَبْدَ ااِ بنَ عُمَرَ حَدَّثَهُ أنَّ
النبيَّ كانَ يَنْزِلُ بِذِي طُوًى وَيَبِيتُ حَتَى
يُصْبِحَ يُصَلَّي الصُّبْحَ حِينَ يَقْدَمُ مَكَّةَ
ومُصَلَّى رسولِ اللَّهِ ذَلِكَ عَلى أكَمَةٍ غَلِيظَةٍ
لَيْسَ فِي المَسْجِدِ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ وَلَكِنْ
أسْفَلَ منْ ذَلِكَ علَى أكَمَةٍ غَلِيظَةٍ.
ب 05 0 ب 05 0 294 وأنَّ عَبْدَ ااِ حَدَّثَهُ أَن النبيَّ
اسْتَقْبَلَ فُرْضَتَي الجَبَلِ الَّذِي بَيْنَهُم
وَبَيْنَ الجَبَلِ الطَّوِيلِ نَحْوَ الكَعْبَةِ فَجَعَلَ
المَسْجِدَ الَّذِي بُنِيَ ثَمَّ يَسَارَ المَسْجِدِ
بِطَرَفِ الأَكِمَةِ وَمُصَلَّى النبيِّ أسْفَلَ مِنْهُ
عَلَى السَّوْدَاءِ تَدَعُ مِنَ الأكِمَةِ عَشْرَةَ
أذْرُعٍ أوْ نَحْوَها ثُمَّ تُصَلِّي مُسْتَقْبَلَ
الفُرْضَتَيْنِ مِنَ الجَبَلِ الذِي بَيْنَكَ وبَيْنَ
الكَعْبَةِ.
(4/270)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة فِي
الْفَصْلَيْنِ.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: الأول: إِبْرَاهِيم بن
الْمُنْذر، بِكَسْر الذَّال الْمُعْجَمَة الْحزَامِي
نِسْبَة إِلَى أجداده، ببيانه إِبْرَاهِيم بن الْمُنْذر بن
عبد ابْن الْمُغيرَة بن عبد ابْن خَالِد بن حزَام بن خويلد
بن أَسد بن عبد الصَّمد ابْن قصي الْمَدِينِيّ، توفّي سنة
سِتّ وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: أنس بن
عِيَاض الْمدنِي، مَاتَ سنة ثَمَانِينَ وَمِائَة.
الثَّالِث: مُوسَى بن عقبَة، تقدم فِي هَذَا الْبَاب.
الرَّابِع: نَافِع، وَقد تقدم. الْخَامِس: عبد ابْن عمر بن
الْخطاب.
ذكر لطائف اسناده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوَاضِع وَاحِد.
وَفِيه: وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْمَاضِي
الْمُفْرد. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده.
وَفِيه: أَن رُوَاته مدنيون.
ذكر مَعْنَاهُ وَإِعْرَابه. قَوْله: (بِذِي الحليفة) ،
بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح اللَّام وَهُوَ:
الْمِيقَات الْمَشْهُور لأهل الْمَدِينَة، وَهُوَ من
الْمَدِينَة على أَرْبَعَة أَمْيَال. وَمن مَكَّة على
مِائَتي ميل غير ميلين. وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي
(مَنَاسِكه) بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة ميل أَو ميلان،
والميل ثلث فَرسَخ وَهُوَ أَرْبَعَة آلَاف ذِرَاع،
وَمِنْهَا إِلَى مَكَّة عشر مراحل، وَقَالَ ابْن التِّين:
هِيَ أبعد الْمَوَاقِيت من مَكَّة تَعْظِيمًا لإحرام
النَّبِي،. قَوْله: (حِين يعْتَمر وَفِي حجَّته حِين حج)
إِنَّمَا قَالَ فِي الْعمرَة بِلَفْظ الْمُضَارع، وَفِي
الْحَج بِلَفْظ الْمَاضِي لِأَنَّهُ،، لم يحجّ إلاّ مرّة
وتكررت مِنْهُ الْعمرَة؛ وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَالْفِعْل
الْمُضَارع قد يُفِيد الِاسْتِمْرَار. قلت: الْمَاضِي أقوى
فِي إِفَادَة الِاسْتِمْرَار من الْمُضَارع، لِأَن
الْمَاضِي قد مضى وَاسْتقر بِخِلَاف الْمُضَارع. قَوْله:
(تَحت سَمُرَة) ، بِضَم الْمِيم: وَهُوَ شجر الطلح، وَهُوَ
الْعَظِيم من الْأَشْجَار الَّتِي لَهَا شوك وَهِي فِي
ألسن النَّاس تعرف بِأم غيلَان. قَوْله: (وَكَانَ فِي
تِلْكَ الطَّرِيق) ، أَي: طَرِيق ذِي الحليفة. قَوْله:
(وَكَانَ) ، جملَة حَالية، ويروى: كَانَ، بِدُونِ:
الْوَاو، وَهِي صفة للغزو، ويروى: من غَزْوَة، بالتأنيث.
فَإِن قلت: على هَذَا مَا وَجه التَّذْكِير فِي: كَانَ؟
قلت: بِاعْتِبَار السّفر، وَيجوز أَن يرجع الضَّمِير فِيهِ
إِلَى رَسُول الله وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: لمَ
مَا أخر لفظ: كَانَ، فِي تِلْكَ الطَّرِيق عَن الْحَج
وَالْعمْرَة. قلت: لِأَنَّهُمَا لم يَكُونَا إِلَّا من
تِلْكَ.
قَوْله: (بالبطحاء) . قَالَ فِي (الْمُحكم) : بطحاء
الْوَادي: تُرَاب لين مِمَّا جرته السُّيُول، وَالْجمع:
بطحاوات وبطاح، فَإِن اتَّسع وَعرض فَهُوَ الأبطح،
وَالْجمع: الأباطح. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الأبطح لَا
ينْبت شَيْئا إِنَّمَا هُوَ بطن السَّيْل. وَفِي
(الْجَامِع) للقزاز: الأبطح والبطحاء: الرمل المنبسط على
وَجه الأَرْض. وَفِي (الواعي) : الْبَطْحَاء: حَصى وَرمل
ينْقل من مسيل المَاء، وَقَالَ نضر بن شُمَيْل: بطحاء
الْوَادي وأبطحه: حصاؤه اللين، وَقَالَ أَبُو سُلَيْمَان:
وَهِي حِجَارَة وَرمل وَقَالَ الدَّاودِيّ: الْبَطْحَاء كل
أَرض منحدرة. وَفِي (الْكِفَايَة) الأبطح والبطحاء منعطف
الْوَادي. وَفِي (الْمُنْتَهى) الأبطح: مسيل وَاسع فِيهَا
دقاق الْحَصَى، وَالْجمع: الأباطح. وَكَذَا الْبَطْحَاء.
وَفِي (الصِّحَاح) : البطاح على غير قِيَاس، والبطيحة مثل
الأبطح. قَوْله: (شَفير الْوَادي) بِفَتْح الشين الْحَرْف
أَي: الطّرف. وَقَالَ ابْن سَيّده: شَفير الْوَادي وشفره
ناحيته من أَعْلَاهُ. قَوْله: (الشرقية) ، صفة
الْبَطْحَاء.
قَوْله: (فعرس) ، بِالتَّشْدِيدِ، وَقَالَ الْأَصْمَعِي:
عرس المسافرون تعريساً: إِذا نزلُوا نزلة فِي وَجه السحر
وأناخوا إبلهم فروحوها سَاعَة حَتَّى ترجع إِلَيْهَا
أَنْفسهَا، وَعَن أبي زيد: عرس الْقَوْم تعريساً فِي
الْمنزل: حَيْثُ نزلُوا بِأَيّ حِين كَانَ من ليل ونهار.
وَفِي (الْمُحكم) : المعرس الَّذِي يسير نَهَاره ويعرس أَي
ينزل أول اللَّيْل. وَفِي (الصِّحَاح) : أعرسوا، لُغَة
فِيهِ قَليلَة، والموضع: معرس ومعرس، وَفِي (الغريبين)
التَّعْرِيس: نومَة الْمُسَافِر بعد إدلاج اللَّيْل، وَفِي
(المغيث) : عرس أَي: نزل للنوم والاستراحة، والتعريس
النُّزُول لغير إِقَامَة. قَوْله: (ثمَّ) ، بِفَتْح
الثَّاء الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الْمِيم، أَي: هُنَاكَ.
قَوْله: (حَتَّى يصبح) ، بِضَم الْيَاء: أَي يدْخل فِي
الصَّباح وَهِي تَامَّة لَا تحْتَاج إِلَى الْخَبَر.
قَوْله: (الأكمة) بِفَتْح الْهمزَة وَالْكَاف، قَالَ ابْن
سَيّده: هِيَ التل من القف من حِجَارَة وَاحِدَة. وَقيل:
هُوَ دون الْجبَال. وَقيل: هُوَ الْموضع الَّذِي قد
اشْتَدَّ ارتفاعه مِمَّا حوله، وَهُوَ غليظ لَا يبلغ أَن
يكون حجرا، وَالْجمع: أكم وأكم وأكمام وإكمام وأءكم كأفلس،
الْأَخِيرَة عَن ابْن جني. وَفِي (الواعي) لأبي مُحَمَّد:
الأكام، دون الضراب. وَفِي (الصَّحِيح) : وَالْجمع أكمات،
وَجمع الأكم: آكام، مثل: عنق وأعناق. قَوْله: (خليج) .
بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر اللَّام. قَالَ فِي
(الْمُنْتَهى) : هُوَ شرم من الْبَحْر اختلج مِنْهُ،
والخليج: النَّهر الْعَظِيم، وَالْجمع: خلجان، وَرُبمَا
قيل للنهر الصَّغِير يختلج من النَّهر الْكَبِير: خليج.
وَفِي (الْمُحكم) : الخليج مَا انْقَطع من مُعظم المَاء
لِأَنَّهُ يختلج مِنْهُ. وَقد اختلج، وَقيل: الخليج
شُعْبَة تتشعب من الْوَادي تغير بعض مَائه إِلَى مَكَان
آخر، وَالْجمع خلج وخلجان، وَفِي كتاب ابْن التِّين:
الخليج وَاد عميق ينشق من آخر أعظم مِنْهُ، وَفِي (كتاب
الْأَمَاكِن) للزمخشري: نحيل خليج أحد جبال مَكَّة، شرفها
ا.
قَوْله: (يصلى عبد ا) ، أَي: عبد
(4/271)
ابْن عمر. قَوْله: (كتب) بِضَم الْكَاف
وَضم الثَّاء الْمُثَلَّثَة: جمع كثيب، قَالَ أَبُو
الْمَعَالِي: وَهُوَ رمل اجْتمع، وكل مَا اجْتمع من شَيْء
وانهار فقد انكثب فِيهِ، وَمِنْه اشتق: الْكَثِيب من
الرمل، فِي معنى مكثوب لِأَنَّهُ انصب فِي مَكَان
وَاجْتمعَ فِيهِ وَالْجمع: كُثْبَان، وَهِي تلال من رمل.
وَفِي (الْمُحكم) : الْكَثِيب من الرمل الْقطعَة تبقى
محدودبة. وَقيل: هُوَ مَا اجْتمع واحدودب، وَالْجمع: أكثبة
وكثب. وَفِي (الْجَامِع) للقزاز: إِنَّمَا سمي كثيباً
لِأَن ترابه دقاق كَأَنَّهُ مكثوب أَي منثور بعضه على بعض
لرخاوته. قَوْله: (كَانَ رَسُول ا) ، هَذَا مُرْسل من
نَافِع. قَوْله: (ثمَّ) ، بِفَتْح الثَّاء وَقد تَكَرَّرت
هَذِه اللَّفْظَة. قَوْله: (فدحا) ، الْفَاء للْعَطْف:
ودحا، من الدحو، وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وَهُوَ: الْبسط،
يُقَال: دحا يدحو ويدحي دحواً، قَالَه ابْن سَيّده. وَفِي
(الغريبين) : كل شَيْء بسطته ووسعته فقد دحوته وَفِي
الْإِسْمَاعِيلِيّ: فَدخل، بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَة
وَاللَّام ويروى: قد جَاءَ، بِكَلِمَة: قد، للتحقيق،
وبكلمة: جَاءَ من الْمَجِيء.
قَوْله: (وَأَن عبد ابْن عمر حَدثهُ) ، أَي:
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور فِيهِ. قَوْله: (حَيْثُ
الْمَسْجِد الصَّغِير) بِالْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف، وبالثاء الْمُثَلَّثَة، ويروى:
(جنب) ، بِالْجِيم وَالنُّون وَالْبَاء الْمُوَحدَة،
وَالْمَسْجِد، مَرْفُوع على الرِّوَايَة الأولى لِأَن
حَيْثُ، لَا تُضَاف إِلَّا إِلَى الْجُمْلَة على الْأَصَح.
فتقديره: حَيْثُ هُوَ الْمَسْجِد، وَنَحْوه، وعَلى
الرِّوَايَة الثَّانِيَة: مجرور. قَوْله: (بشرف الروحاء)
هِيَ: قَرْيَة جَامِعَة على لَيْلَتَيْنِ من الْمَدِينَة
وَهِي آخر السبالة للمتوجه إِلَى مَكَّة، وَالْمَسْجِد
الْأَوْسَط فِي الْوَادي الْمَعْرُوف الْآن بوادي بني
سَالم. قَوْله: (وَقد كَانَ عبد ايعلم) ، بِضَم الْيَاء من
أعلم من الْعَلامَة وَفِي بعض النّسخ، يعلم، بِفَتْح
الْيَاء من الْعلم. قَوْله: (على حافة الطَّرِيق)
بتَخْفِيف: الْفَاء أَي على جَانب الطَّرِيق وحافتا
الْوَادي: جانباه. قَوْله: (إِلَى الْعرق) ، بِكَسْر
الْعين وَسُكُون الرَّاء الْمُهْمَلَتَيْنِ وبالقاف، أَي:
عرق الظيبة. قَالَ الْكرْمَانِي: جبل صَغِير، وَيُقَال
أَيْضا للْأَرْض الْملح الَّتِي لَا تنْبت، وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدَة هُوَ وَاد مَعْرُوف وَقَالَ ابْن فَارس تنْبت
الطرفاء. وَقَالَ أَبُو حنيفَة، رَحمَه ا: تنْبت
الشَّجَرَة. وَقَالَ الْخَلِيل: الْعرق: الْجَبَل
الدَّقِيق من الرمل المستطيل مَعَ الأَرْض قَالَ
الدَّاودِيّ: هُوَ الْمَكَان الْمُرْتَفع. وَفِي
(التَّهْذِيب) لأبي مَنْصُور: الْعرق هُوَ الْجَبَل
الصَّغِير.
قَوْله: (عِنْد منصرف الروحاء) ، بِفَتْح الرَّاء فِي:
منصرف، أَي: عِنْد آخرهَا. قَوْله: (وَقد ابتني) ، بِضَم
التَّاء المنثناة من فَوق على صِيغَة الْمَجْهُول من
الْمَاضِي. قَوْله: (وورائه) بِالْجَرِّ عطف على: يسَاره،
وَبِالنَّصبِ بِتَقْدِير: فِي، ظرفا. قَوْله: (وأمامة)
أَي: قُدَّام الْمَسْجِد. قَوْله: (من آخر السحر) ، وَهُوَ
عبارَة عَمَّا بَين الصُّبْح: الْكَاذِب والصادق، وَالْفرق
بَين العبارتين أَعنِي قَوْله: (آخر السحر) ، هُوَ أَنه
أَرَادَ بآخر السحر، أقل من سَاعَة. أَو أَرَادَ
الْإِبْهَام ليتناول قدر السَّاعَة، وَأَقل وَأكْثر
مِنْهُ.
قَوْله: (سرحة) ، بِفَتْح السِّين الْمُهْملَة وَسُكُون
الرَّاء وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة، وَأَرَادَ بهَا:
الشَّجَرَة الضخمة أَي: الْعَظِيمَة. وَقَالَ أَبُو حنيفَة
فِي (كتاب النَّبَات) إِن أَبَا زيد قَالَ: السَّرْح من
العضاه، واحدته سرحة، والسرح طوال فِي السَّمَاء، وَقد
تكون السرحة دوحة محلا لَا وَاسِعَة يحل تحتهَا النَّاس
فِي الصَّيف ويبنون تحتهَا الْبيُوت، وَقد تكون مِنْهُ
العشة القليلة الْفُرُوع وَالْوَرق، وللسرح عِنَب يُسمى:
آآء، واحدته: آءة، يَأْكُلهُ النَّاس أَبيض، ويربون مِنْهُ
الرب، وورقته صَغِيرَة عريضة تَأْكُله الْمَاشِيَة لَو
تقدر عَلَيْهِ، وَلَكِن لَا تقدر لطوله وَلَا صمغ لَهُ
وَلَا مَنْفَعَة فِيهِ أَكثر مِمَّا أَخْبَرتك، إلاَّ أَن
ظله صَالح فَمن أجل ذَلِك قَالَ الشَّاعِر، عَنْهَا
بِامْرَأَة:
فيا سرحة الركْبَان ظلك بَارِد وماؤك عذب لَا يحل لشارب
وَلَيْسَ للسرح شوك. وَقَالَ أَبُو عمر: والسرح يشبه
الزَّيْتُون، وروى الْفراء عَن أبي الْهَيْثَم: أَن كل
شَجَرَة لَا شوك فِيهَا فَهِيَ سرحة، يُقَال: ذهب إِلَى
السَّرْح، وَهُوَ أسهل من كل شَيْء، وَأَخْبرنِي
أَعْرَابِي قَالَ فِي السرحة غبرة، وَهِي دون الأثل فِي
الطول، وورقها صغَار. وَهِي بسيطة الأفنان قَالَ: وَهِي
مائلة النبتية أبدا وميلها من بَين جَمِيع الْأَشْجَار فِي
شقّ الْيَمين، وَلم أبل على هَذَا الْأَعرَابِي كذبا،
وَزعم بعض الروَاة: أَن السَّرْح من نَبَات القف. وَقَالَ
غَيره: من نَبَات السهل، وَهُوَ قَول الْأَصْمَعِي. وَفِي
(الْمُنْتَهى) : السَّرْح شجر عِظَام طوال. وَفِي
(الْجَامِع) كل شَجَرَة طَالَتْ فَهِيَ سرحة. وَفِي
(الْمطَالع) : قيل: هِيَ الدفلى، وَقَالَ أَبُو عَليّ:
هُوَ نبت. وَقيل: لَهَا هدب وَلَيْسَ لَهَا ورق، وَهُوَ
يشبه الصُّوف.
قَوْله: (دون الرُّوَيْثَة) أَي: تحتهَا قريب مِنْهَا:
والرويثة بِضَم الرَّاء وَفتح الْوَاو وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف وَفتح الثَّاء الْمُثَلَّثَة، على لفظ
التصغير، قَالَ الْبكْرِيّ: وَهِي قَرْيَة جَامِعَة
بَينهَا وَبَين الْمَدِينَة سَبْعَة عشر فرسخاً، وَمن
الرُّوَيْثَة إِلَى السقيا عشر فراسخ، وَعقبَة العرج على
أحد عشر ميلًا من الرُّوَيْثَة، بَينهَا وَبَين العرج
ثَلَاثَة أَمْيَال، وَهِي غير الرُّوَيْثَة مَاء لبني عجل
بَين طَرِيق الْكُوفَة وَالْبَصْرَة، وَذكره ياقوت قَالَ
الْكرْمَانِي: وَفِي بعض النّسخ الرقشة،
(4/272)
بِفَتْح الرَّاء وَسُكُون الْقَاف وإعجام
الشين. قلت: لم يذكر الْبكْرِيّ إِلَّا الرقاش، وَقَالَ:
هُوَ بلد. قَوْله: (ووجاه) ، بِضَم الْوَاو وَكسرهَا
الْمُقَابل، وَهُوَ عطف على (الْيَمين) ، وَيجوز بِالنّصب
على الظَّرْفِيَّة. قَوْله: (بطح) ، بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَكسر الطَّاء وسكونها: أَي وَاسع. قَوْله:
(حَتَّى يُفْضِي) بِالْفَاءِ من الْإِفْضَاء بِمَعْنى
الْخُرُوج يُقَال: أفضيت إِذا خرجت إِلَى الفضاء أَو
بِمَعْنى الدّفع كَقَوْلِه تَعَالَى: {وفإذا أَفَضْتُم من
عَرَفَات} . أَو بِمَعْنى الْوُصُول. قلت: الضَّمِير فِي:
يُفْضِي، يرجع إِلَى مَاذَا؟ قلت يرجع إِلَى الرَّسُول،،
وَيجوز أَن يرجع إِلَى الْمَكَان. وَقَالَ الْكرْمَانِي:
فِي بعض النّسخ بِلَفْظ الْخطاب. قَوْله: (دوين) ، مصغر
الدون، وَهُوَ نقيض: الفوق، وَيُقَال: هُوَ دون ذَاك. أَي:
قريب مِنْهُ. والبريد هُوَ الْمُرَتّب وَاحِد بعد وَاحِد،
وَالْمرَاد بِهِ مَوضِع الْبَرِيد، وَالْمعْنَى: بَينه
وَبَين الْمَكَان الَّذِي ينزل فِيهِ الْبَرِيد بالرويثة
ميلان، وَيُقَال: المُرَاد بالبريد سكَّة الطَّرِيق.
قَوْله: (فانثنى) ، بِفَتْح الثَّاء الْمُثَلَّثَة على
صِيغَة الْمَعْلُوم من الْمَاضِي، وَمَعْنَاهُ: انعطف.
قَوْله: (وَهِي قَائِمَة على سَاق) أَي: كالبنيان لَيست
متسعة من أَسْفَل وضيقة من فَوق.
قَوْله: (فِي طرف تلعة) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة
وَسُكُون اللَّام وَفتح الْعين الْمُهْملَة: وَهِي أَرض
مُرْتَفعَة عريضة يتَرَدَّد فِيهَا السَّيْل، والتعلة:
مجْرى المَاء من أَعلَى الْوَادي، والتلعة مَا انهبط من
الأَرْض. وَقيل: التلعة مثل الرحبة، وَالْجمع فِي كل
ذَلِك: تلع وتلاع، وَعَن صَاحب (الْعين) : التلعة: أَرض
مُرْتَفعَة غَلِيظَة، وَرُبمَا كَانَت على غلظها عريضة.
وَفِي (الْجَامِع) : التلعة من الْوَادي مَا اتَّسع من
فوهته. وَقيل: هِيَ مسيل من الأَرْض المرتفعة إِلَى بطن
الْوَادي، فَإِن صغر عَن ذَلِك فَهِيَ: شُعْبَة، فَإِذا
عظم فَكَانَ نصف الْوَادي فَهِيَ: الميثاء وَعَن الرماني:
الأَصْل فِي التلعة الِارْتفَاع. قَوْله: (العرج) ،
بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الرَّاء ثمَّ جِيم:
قَرْيَة جَامِعَة على طَرِيق مَكَّة من الْمَدِينَة
بَينهَا وَبَين الرُّوَيْثَة أَرْبَعَة عشر ميلًا. قَالَ
الْبكْرِيّ: قَالَ السكونِي: الْمَسْجِد النَّبَوِيّ على
خَمْسَة أَمْيَال متن العرج وَأَنت ذَاهِب إِلَى هضبة
عِنْدهَا قبران أَو ثَلَاثَة عَلَيْهَا رضم حِجَارَة.
قَالَ كثير: إِنَّمَا سمي العرج لتعريجه، وَبَين العرج
إِلَى السقيا سَبْعَة عشر ميلًا. وَقَالَ ياقوت: العرج
قَرْيَة جَامِعَة من نواحي الطَّائِف، وَالْعَرج: عقبَة
بَين مَكَّة وَالْمَدينَة على جادة الطَّرِيق، تذكر مَعَ
السقيا، وسوق العرج: بلد بَين المحالب والمهجم. وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ: العرج وَاد بِالطَّائِف، وَالْعَرج
أَيْضا: منزل بَين الْمَدِينَة وَمَكَّة، وَجَاء فِيهِ فتح
الرَّاء أَيْضا.
قَوْله: (إِلَى هضبة) ، بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الضَّاد
الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة: وَهِي الْجَبَل
المنبسط على وَجه الأَرْض. وَقَالَ أَبُو زيد: الهضبة من
الْجبَال مَا طَال واتسع وَانْفَرَدَ، وَهِي الهضبات
والهضاب، وَعَن سِيبَوَيْهٍ: وَقد قَالُوا: هضبة وهضب.
وَقَالَ صَاحب (الْعين) الهضبة كل جبل خلق من صَخْرَة
وَاحِدَة، وكل صَخْرَة ضخمة صلبة راسية تسمى هضبة. وَفِي
(الْجَامِع) : هِيَ الْقطعَة المرتفعة من أَعلَى الْجَبَل.
وَفِي (الْمُجْمل) : هِيَ أكمة ملساء قَليلَة النَّبَات.
وَفِي (الْمطَالع) : هِيَ فَوق الْكَثِيب فِي الِارْتفَاع
وَدون الْجَبَل. قَوْله: (رضم حِجَارَة) ، الرضم هِيَ
الْحِجَارَة الْبيض، والرضمة: الصَّخْرَة الْعَظِيمَة مثل
الْجَزُور وَلَيْسَت بثابتة، وَالْجمع: رضم ورضام، ورضم
الْحِجَارَة جعل بَعْضهَا على بعض، وكل بِنَاء بني بصخر
رضيم، ذكره ابْن سَيّده. وَفِي (الْجَامِع) : ومرضوم،
وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: رضم من حِجَارَة بتحريك
الضَّاد. قَوْله: (عِنْد سلمات الطَّرِيق) ، بِفَتْح
السِّين الْمُهْملَة وَكسر اللَّام فِي رِوَايَة أبي ذرة
والأصيلي، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ، بِفَتْح اللَّام.
قيل: هِيَ بِالْكَسْرِ: الصخرات، وبالفتح: الشجرات.
وَقَالَ أَبُو زِيَاد. من الْعضَاة السّلم، وَهُوَ سليب
العيدان طولا يشبه القضبان لَيْسَ لَهُ خشب وَإِن عظم،
وَله شوك دقاق طوال حَار، إِذا أصَاب رجل الْإِنْسَان وكل
شَيْء من السلمة مر يدبغ بِهِ، قَالَه أَبُو حنيفَة.
وَقَالَ غَيره من الروَاة: السلمة أطيب الغضاه ريحًا،
وبرمتها أطيب الْبرم ريحًا، وَهِي صفراء تُؤْكَل، وَقيل:
لَيْسَ شَجَرَة أردى من سَلمَة، وَلم يُوجد فِي ذرى سَلمَة
صرد قطّ، وَيجمع على: أسلام، وَأَرْض مسلوم: إِذا كَانَت
كَثِيرَة السّلم. وَفِي (الْجَامِع) : يجمع أَيْضا على:
سلامى. قَوْله: (بَين أُولَئِكَ السلمات) ، وَفِي بعض
النّسخ من أُولَئِكَ السلمات، وَهِي فِي النُّسْخَة الأولى
ظَاهر التَّعَلُّق بِمَا قبله، وَفِي الثَّانِيَة بِمَا
بعده. قَوْله: (بالهاجرة) وَهِي: نصف النَّهَار عِنْد
اشتداد الْحر.
قَوْله: (فِي مسيل) ، بِفَتْح الْمِيم: وَهُوَ الْمَكَان
المنحدر. قَوْله: (دون هرشى) ، بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون
الرَّاء وَفتح الشين الْمُعْجَمَة مَقْصُور، على وزن:
فعلى. قَالَ أَبُو عبيد: هُوَ جبل من بِلَاد تهَامَة،
وَهُوَ على ملتقى طَرِيق الشَّام وَالْمَدينَة فِي أَرض
مستوية هضبة ململمة لَا تنْبت شَيْئا، وَهِي قَرْيَة بَين
الْمَدِينَة وَالشَّام قريبَة من الْجحْفَة. يرى مِنْهَا
الْبَحْر وَيقرب مِنْهَا طفيل، بِفَتْح الطَّاء وَكسر
الْفَاء وَهُوَ جبل أسود، على الطَّرِيق من
(4/273)
ثنية هرشى ثَلَاث أَوديَة غزال وَذُو ذوران
وكلية، وَكلهَا لخزاعة، وبأعلى كُلية ثَلَاثَة أجبل صغَار
يُقَال لَهَا: سنابك، وغدير خم وَاد يصب فِي الْبَحْر،
وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني: هرشى ثنية قَرْيَة من
الْجحْفَة وَفِي (أَسمَاء الْجبَال) للزمخشري: هرشى هضبة
دون الْمَدِينَة. وَقَالَ الشريف: على هرشى نقب فِي حرَّة
بَين الأخيمصمي وَبَين السقيا على طَرِيق الْمَدِينَة،
ويليه جبال يُقَال لَهَا: طوال هرشى. وَفِي (المغيث)
للمديني: قيل سميت هرشى لمهارشة كَانَت بَينهم، والتهريش
الْإِفْسَاد بَين النَّاس. قَوْله: (من غلوة) ، بِفَتْح
الْغَيْن الْمُعْجَمَة. قَالَ الْجَوْهَرِي: الغلوة
الْغَايَة مِقْدَار رمية. وَفِي (المغيث) لَا تكون الغلوة
إِلَّا مَعَ تصعيد السهْم. وَقَالَ ابْن سَيّده: غلا
بِالسَّهْمِ غلواً وغلواً وغالا بِهِ غلاءً وَرفع بِهِ
يَده يُرِيد أقْصَى الْغَايَة، وَهُوَ من التجاوز. وَرجل
غلاء: بعيد الغلو بِالسَّهْمِ، وغلا السهْم نَفسه: ارْتَفع
فِي ذَهَابه، وَجَاوَزَ المدى، وَكَذَلِكَ الْحجر، وكل
مرماة: غلوة. وَالْجمع غلواة وَغَلَاء، وَقد تسْتَعْمل
الغلوة فِي سباق الْخَيل. قَالَت الْفُقَهَاء: الغلوة
أَرْبَعمِائَة ذِرَاع.
قَوْله: (مر الظهْرَان) زعم الْبكْرِيّ أَنه بِفَتْح أَوله
وَتَشْديد ثَانِيه، مُضَاف إِلَى: الظهْرَان، بِظَاء
مُعْجمَة مَفْتُوحَة: بَين مر وَالْبَيْت سِتَّة عشر
ميلًا. قلت: هُوَ الْوَادي الَّذِي تسميه الْعَامَّة بطن
مر، وبسكون الرَّاء بعْدهَا وَاو، وَقَالَ كثير عزة سميت
مرا لمرارة مَائِهَا. وَقَالَ أَبُو غَسَّان: سميت بذلك
لِأَن فِي بطن الْوَادي بِئْرا ونخلة كبابة بعرق من
الأَرْض أَبيض هجامر، إلاَّ أَن الْمِيم مَوْصُولَة
بالراء، وببطن مر تخزعت خُزَاعَة من أخواتها فَبَقيت
بِمَكَّة شرفها اتعالى، وسارت أخواتها إِلَى الشَّام
أَيَّام سيل العرم. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: مر الظهْرَان
بتهامة قريب من عَرَفَة. وَعَن صَاحب (الْعين) : الظهْرَان
من قَوْلك: مر ظهْرهمْ، وَقَالَ الْفراء: لم أسمع إِلَّا
بتثنيته لم يجمع وَلم يوحد. قَوْله: (قبل الْمَدِينَة) ،
بِكَسْر الْقَاف وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة أَي: مقابلها
وجهتها. قَوْله: (من الصفراوات) ، بِفَتْح الصَّاد
الْمُهْملَة وَسُكُون الْفَاء جمع صفراء، وَهِي الأودية
أَو الْجبَال بعد مر الظهْرَان.
قَوْله: (تنزل) بِلَفْظ الْخطاب ليُوَافق أَنْت. قَوْله:
(بِذِي طوى) ، بِضَم الطَّاء فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين
وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: بِذِي
الطوى، بِزِيَادَة الْألف وَاللَّام. وَقَيده الْأصيلِيّ
بِالْكَسْرِ، وَحكى عِيَاض وَغَيره الْفَتْح أَيْضا.
وَقَالَ النَّوَوِيّ: ذُو طوى، بِالْفَتْح على الْأَفْصَح،
وَيجوز ضمهَا وَكسرهَا، وبفتح الْوَاو المخففة. وَفِيه
لُغَتَانِ: الصّرْف وَعَدَمه، عِنْد بَاب مَكَّة بأسفلها.
وَقَالَ الْجَوْهَرِي: ذُو طوى، بِالضَّمِّ مَوضِع
بِمَكَّة وَأما طوى، فَهُوَ اسْم مَوضِع بِالشَّام تكسر
طاؤه وتضم. قَوْله: (وَلَكِن أَسْفَل) بِالرَّفْع، خبر
مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَبِالنَّصبِ أَي: فِي أَسْفَل.
قَوْله: (فرضتي الْجَبَل) ، وَيُقَال أَيْضا لمدخل النَّهر
وفرضة الْبِئْر ثلمته الَّتِي تسقى مِنْهَا وَفِي
(الْمُحكم) فرضة النَّهر مشرب المَاء مِنْهُ وَالْجمع: فرض
وفراض. قَوْله: (نَحْو الْكَعْبَة) ، أَي: ناحيتها، وَهُوَ
مُتَعَلق بالطويل أَو ظرف للجبل أَو بدل من الفرضة.
قَوْله: (فَجعل) الظَّاهِر أَنه من كَلَام نَافِع، وفاعله:
عبد ا، ويسار مفعول ثَان. قَوْله: (بِطرف الأكمة) صفة
لِلْمَسْجِدِ الثَّانِي.
ذكر بَاقِي المتعلقات وَالْكَلَام فِيهِ على وُجُوه.
الأول: فِي ذكر الْمَسَاجِد الَّتِي بِالْمَدِينَةِ، وَفِي
الْمَوَاضِع الَّتِي صلى فِيهَا النَّبِي. وَأخرج أَبُو
دَاوُد فِي (كتاب الْمَرَاسِيل) من حَدِيث ابْن لَهِيعَة:
عَم بكير بن عبد االأشج قَالَ: كَانَ بِالْمَدِينَةِ
تِسْعَة مَسَاجِد مَعَ مَسْجِد النَّبِي يسمع أَهله تأذين
بِلَال، رَضِي اتعالى عَنهُ، فيصلون فِي مَسَاجِدهمْ
أقربها مَسْجِد بني عَمْرو بن مبذول، وَمَسْجِد بني
سَاعِدَة، وَمَسْجِد بني عبيد، وَمَسْجِد بني سَلمَة،
وَمَسْجِد بني رَايِح بن عبد الْأَشْهَل، وَمَسْجِد بني
زُرَيْق، وَمَسْجِد غفار، وَمَسْجِد أسلم، وَمَسْجِد
جُهَيْنَة، وَشك فِي التَّاسِع. وَفِي كتاب (أَخْبَار
الْمَدِينَة) لأبي زيد عَمْرو بن شبة النميري النَّحْوِيّ
الأخباري، بِسَنَد لَهُ فِي ذكر الْمَسَاجِد الَّتِي
بِالْمَدِينَةِ: عَن رَافع بن خديج: صلى النَّبِي، فِي
الْمَسْجِد الصَّغِير الَّذِي بِأحد فِي شعب الجرار على
يَمِينك اللازق بِالْجَبَلِ: وَعَن أسيد بن أبي أسيد عَن
أشياخه أَن النَّبِي،، دَعَا على الْجَبَل الَّذِي
عَلَيْهِ مَسْجِد الْفَتْح. وَصلى فِي الْمَسْجِد
الصَّغِير الَّذِي بِأَصْل الْجَبَل حِين تصعد الْجَبَل:
وَعَن عمَارَة ابْن أبي الْيُسْر: صلى النَّبِي فِي
الْمَسْجِد الْأَسْفَل. وَعَن جَابر: دَعَا النَّبِي
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام. فِي الْمَسْجِد
الْمُرْتَفع وَرفع يَدَيْهِ مدا، وَعَن عَمْرو بن
شُرَحْبِيل أَن النَّبِي صلى فِي مَسْجِد بني خدارة، وَعَن
عَمْرو بن قَتَادَة أَن النَّبِي عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، صلى لَهُم فِي مَسْجِد فِي بني أُميَّة من
الْأَنْصَار، وَكَانَ فِي مَوضِع الخربتين اللَّتَيْنِ
عِنْد مَال نهيك. وَعَن الْأَعْرَج أَن النَّبِي عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، صلى على ذُبَاب وَهُوَ: جبل
بِالْمَدِينَةِ، بِضَم الذَّال الْمُعْجَمَة وبالبائين
الموحدتين،
(4/274)
وَفِي لفظٍ كَانَ ضرب قُبَّته يَوْم
الخَنْدَق عَلَيْهِ، وَعَن جَابر بن أُسَامَة قَالَ: خطّ
النَّبِي، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، مَسْجِد
جُهَيْنَة لَيْلًا، وَفِي لفظٍ (وَصلى فِيهِ) ، وَعَن سعد
بن إِسْحَاق: (إِن النَّبِي صلى فِي مَسْجِد بني سَاعِدَة
الْخَارِج من بيُوت الْمَدِينَة، وَفِي مَسْجِد بني بياضة
وَفِي مَسْجِد بني الحبلى وَمَسْجِد بني عصية) . وَعَن
الْعَبَّاس بن سهل أَن النَّبِي صلى فِي مَسْجِد بني
سَاعِدَة، وَعَن يحيى بن سعد: (كَانَ النَّبِي يخْتَلف
إِلَى مَسْجِد أبي فَيصَلي فِيهِ غير مرّة أَو مرَّتَيْنِ،
وَقَالَ: لَوْلَا أَن يمِيل النَّاس إِلَيْهِ لأكثرت
الصَّلَاة فِيهِ) . وَعَن يحيى بن النضرة: (أَن النَّبِي
صلى فِي مَسْجِد أبي بن كَعْب فِي بني جديلة وَمَسْجِد بني
عمر بن مبذول وَمَسْجِد بني دِينَار وَمَسْجِد النَّابِغَة
وَمَسْجِد ابْن عدي، وَجلسَ فِي كَهْف سلع: وَعَن هِشَام
بن عُرْوَة: (أَن النَّبِي، صلى فِي مَسْجِد بلحارث بن
الْخَزْرَج وَمَسْجِد السخ وَمَسْجِد بني خطمة وَمَسْجِد
الفضيح وَفِي صَدَقَة الزبير وَفِي بني محمم وَفِي بَيت
صرمة فِي بني عدي) .
وَعَن الْحَارِث بن سعيد: (أَن النَّبِي صلى فِي مَسْجِد
بني حَارِثَة وَبني ظفر وَبني عبد الْأَشْهَل) . وَعَن
اسماعيل بن حَبِيبَة (إِن النَّبِي صلى فِي مَسْجِد واقم)
. وَعَن ابْن عمر: (أَن النَّبِي صلى فِي مَسْجِد بني
مُعَاوِيَة) . وَعَن كَعْب بن عجْرَة: (أَن النَّبِي صلى
فِي مَسْجِد عَاتِكَة فِي بني سَالم) . وَعَن جَابر: (أَن
النَّبِي صلى فِي مَسْجِد الخربة، وَمَسْجِد
الْقبْلَتَيْنِ وَمَسْجِد بني حزَام الَّذِي بالقاع) .
وَعَن مُحَمَّد بن عتبَة بن أبي مَالك: (أَن النَّبِي، صلى
فِي صدقته) . وَعَن يحيى بن إِبْرَاهِيم: (أَن النَّبِي،
فِي مَسْجِد رَايِح) . وَعَن زيد بن سعد: (أَن النَّبِي
صلى فِي حَائِط أبي الْهَيْثَم) . وَعَن جَابر: (أَن
النَّبِي صلى الظّهْر يَوْم أحد على عينين) . وَعَن عَليّ
بن رَافع: (أَن النَّبِي، صلى فِي بَيت امْرَأَة من
الْخضر، فَأدْخل ذَلِك فِي الْبَيْت فِي مَسْجِد بني
قُرَيْظَة) . وَعَن سَلمَة الخطمي: (أَن النَّبِي، صلى فِي
بَيت المقعدة عِنْد مَسْجِد وَائِل فِي مَسْجِد العجوزة) .
وَعَن أبي هُرَيْرَة: (أَن النَّبِي، عرض الْمُسلمين
بالسقيا الَّتِي بِالْحرَّةِ مُتَوَجها إِلَى بدر وَصلى
بهَا) .
وَعَن الْمطلب: (أَن النَّبِي صلى فِي بني سَاعِدَة، وَصلى
فِي الْمَسْجِد الَّذِي عِنْد السخين وَبَات فِيهِ وَهُوَ
الَّذِي عِنْد (البَائِع)) . وَعَن هِشَام: (أَن النَّبِي
صلى فِي مَسْجِد الشَّجَرَة بالمعرس) . وَعَن أبي
هُرَيْرَة: (أَن النَّبِي، صلى فِي مَسْجِد الشَّجَرَة) .
وَعَن ربيعَة بن عُثْمَان: (أَن النَّبِي صلى فِي بَيت
إِلَى جنب مَسْجِد بني خدرة) . قَالَ أَبُو غَسَّان: قَالَ
لي غير وَاحِد من أهل الْعلم: إِن كل مَسْجِد من مَسَاجِد
الْمَدِينَة ونواحيها مَبْنِيّ بِالْحِجَارَةِ المنقوشة
الْمُطَابقَة فقد صلى فِيهِ النَّبِي، وَذكر أَن عمر بن
عبد الْعَزِيز حِين بنى مَسْجِد النَّبِي سَأَلَ،
وَالنَّاس يَوْمئِذٍ متوافرون، عَن الْمَسَاجِد الَّتِي
صلى فِيهَا النَّبِي فِي دَار الشفا عَن يَمِين من دخل
الدَّار، وَصلى فِي دَار بسرة بنت صَفْوَان، وَفِي دَار
عَمْرو بن أُميَّة الضمرى. قلت: قد اندرس أَكثر هَذِه
الْمَسَاجِد وَبَقِي من الْمَشْهُور الْآن مَسْجِد قبا،
وَمَسْجِد بني قُرَيْظَة، ومشربة أم إِبْرَاهِيم وَهِي
شمَالي مَسْجِد قُرَيْظَة، وَمَسْجِد بني ظفر، شَرْقي
البقيع وَيعرف: بِمَسْجِد البغلة، وَمَسْجِد بني
مُعَاوِيَة وَيعرف بِمَسْجِد الْإِجَابَة، وَمَسْجِد
الْفَتْح قريب من جبل سلع، وَمَسْجِد الْقبْلَتَيْنِ فِي
بني سَلمَة.
الْوَجْه الثَّانِي فِي بَيَان وَجه تتبع عبد ابْن عمر
الْمَوَاضِع الَّتِي صلى فِيهَا رَسُول ا، وَهُوَ أَنه
يسْتَحبّ التتبع لآثار النَّبِي والتبرك بهَا، وَلم يزل
النَّاس يتبركون بمواضع الصَّالِحين. وَقد روى شُعْبَة عَن
سُلَيْمَان التَّيْمِيّ عَن الْمَعْرُور بن سُوَيْد،
قَالَ: كَانَ عمر بن الْخطاب، رَضِي اعنه، فِي سفر فصلى
الْغَدَاة ثمَّ أَتَى على مَكَان فَجعل النَّاس يأتونه
وَيَقُولُونَ: صلى فِيهِ النَّبِي. فَقَالَ عمر: إِنَّمَا
هلك أهل الْكتاب، إِنَّهُم كَانُوا اتبعُوا آثَار
أَنْبِيَائهمْ فاتخذوا كنائس وبيعاً، فَمن عرضت لَهُ
الصَّلَاة فَليصل، وَإِلَّا فليمض. قَالُوا: أما مَا
رُوِيَ عَن عمر، رَضِي اتعالى عَنهُ، أَنه ذكر ذَلِك
فَلِأَنَّهُ خشِي أَن يلْتَزم النَّاس الصَّلَاة فِي
تِلْكَ الْمَوَاضِع، فيشكل ذَلِك على من يَأْتِي بعدهمْ،
وَيرى ذَلِك وَاجِبا. وَكَذَا يَنْبَغِي للْعَالم إِذا رأى
النَّاس يلبتزمون النَّوَافِل التزاماً شَدِيدا أَن يترخص
فِيهَا فِي بعض المرات وَيَتْرُكهَا ليعلم بِفِعْلِهِ،
ذَلِك أَنَّهَا غير وَاجِبَة، كَمَا فعل ابْن عَبَّاس فِي
ترك الْأُضْحِية.
الْوَجْه الثَّالِث: فِيمَا نقل عَن الْفُقَهَاء فِي
ذَلِك، روى أَشهب عَن مَالك أَنه سُئِلَ عَن الصَّلَاة فِي
الْمَوَاضِع الَّتِي صلى فِيهَا الشَّارِع؟ فَقَالَ: مَا
يُعجبنِي
(4/275)
ذَلِك إِلَّا فِي مَسْجِد قبا لِأَنَّهُ،،
كَانَ يَأْتِيهِ رَاكِبًا وماشياً وَلم يفعل ذَلِك فِي
تِلْكَ الْأَمْكِنَة. وَقَالَ الْبَغَوِيّ: إِن
الْمَسَاجِد الَّتِي ثَبت أَن رَسُول الله صلى فِيهَا لَو
انذر أحد الصَّلَاة فِي شَيْء مِنْهَا تعين كَمَا تعين
الْمَسَاجِد الثَّلَاثَة.
أبْوَابُ سُترَةِ المُصَلِّي 09
(بابٌ سُتْرَةُ الإِمامِ سُتْرَةُ مَنْ خَلْفَهُ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَون ستْرَة الإِمَام الَّذِي
يُصَلِّي وَلَيْسَ بَين يَدَيْهِ جِدَار وَنَحْوه ستْرَة
لمن كَانَ يُصَلِّي خَلفه من الْمُصَلِّين. والسترة، بِضَم
السِّين: مَا يستر بِهِ، وَالْمرَاد هَهُنَا عكازة أَو
عَصا أَو عنزة، وَنَحْو ذَلِك. وَفِي بعض النّسخ قبل
قَوْله بَاب ستْرَة الإِمَام، أيواب ستْرَة الْمُصَلِّي.
أَي: هَذِه أَبْوَاب فِي بَيَان أَحْكَام ستْرَة
الْمُصَلِّي.
وَجه الْمُنَاسبَة بَين هَذِه الْأَبْوَاب والأبواب
الَّتِي قبلهَا من حَيْثُ أَن الْأَبْوَاب السَّابِقَة فِي
أَحْكَام الْمَسَاجِد بوجوهها، وَهَذِه الْأَبْوَاب فِي
بَيَان أَحْكَام الْمُصَلِّين فِي غَيرهَا. وَهِي خَمْسَة
أَبْوَاب متناسقة.
142 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك
عَن ابْن شهَاب عَن عبيد الله بن عبد الله بن عتبَة عَن
عبد الله بن عَبَّاس أَنه قَالَ أَقبلت رَاكِبًا على حمَار
أتان وَأَنا يَوْمئِذٍ قد ناهزت الِاحْتِلَام وَرَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي
بِالنَّاسِ بمنى إِلَى غير جِدَار فمررت بَين يَدي بعض
الصَّفّ فَنزلت وَأرْسلت الأتان ترتع وَدخلت فِي الصَّفّ
فَلم يُنكر ذَلِك عَليّ أحد) مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث
للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة تستنبط من قَوْله إِلَى غير جِدَار
لِأَن هَذَا اللَّفْظ مشْعر بِأَن ثمَّة ستْرَة لِأَن لفظ
غير يَقع دَائِما صفة وَتَقْدِيره إِلَى شَيْء غير جِدَار
وَهُوَ أَعم من أَن يكون عَصا أَو عنزة أَو نَحْو ذَلِك
وَقَالَ بَعضهم فِي الِاسْتِدْلَال بِهَذَا الحَدِيث نظر
لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - صلى إِلَى ستْرَة وَقد بوب عَلَيْهِ
الْبَيْهَقِيّ بَاب من صلى إِلَى غير ستْرَة (قلت) دَلِيله
لَا يساعد نظره لِأَنَّهُ لم يقف على دقة الْكَلَام
وَالْبَيْهَقِيّ أَيْضا لم يقف على هَذِه النُّكْتَة
وَالْبُخَارِيّ دقق نظره فأورد هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا
الْبَاب للْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ على أَن ذَلِك
مَعْلُوم من حَال النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه بِهَذَا
الْإِسْنَاد قد تقدم فِي كتاب الْعلم فِي بَاب مَتى يَصح
سَماع الصَّغِير غير أَن هُنَاكَ شَيْخه إِسْمَاعِيل عَن
مَالك وَهَهُنَا عبد الله بن يُوسُف عَنهُ وَهُنَاكَ
حَدثنِي مَالك وَهَهُنَا أخبرنَا مَالك وَهُنَاكَ فَلم
يُنكر ذَلِك على صِيغَة الْمَجْهُول مَعَ طي ذكر الْفَاعِل
وَهَهُنَا على صِيغَة الْمَعْلُوم وَالْفَاعِل هُوَ قَوْله
أحد وَقد ذكرنَا مبَاحث هَذَا الحَدِيث هُنَاكَ مستوفاة
143 - (حَدثنَا إِسْحَاق قَالَ حَدثنَا عبد الله بن نمير
قَالَ حَدثنَا عبيد الله بن عمر عَن نَافِع عَن ابْن عمر
أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
كَانَ إِذا خرج يَوْم الْعِيد أَمر بالحربة فتوضع بَين
يَدَيْهِ فَيصَلي إِلَيْهَا وَالنَّاس وَرَاءه وَكَانَ
يفعل فِي السّفر فَمن ثمَّ اتخذها الْأُمَرَاء) مطابقته
للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة (فَإِن قلت) كَيفَ الظُّهُور
والترجمة فِي أَن ستْرَة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه
وَلَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يدل على ذَلِك (قلت) يدل على
ذَلِك من وُجُوه ثَلَاثَة. الأول أَنه لم ينْقل وجود
ستْرَة لأحد من الْمَأْمُومين وَلَو كَانَ ذَلِك لنقل
لتوفر الدَّوَاعِي على نقل الْأَحْكَام الشَّرْعِيَّة
فَدلَّ ذَلِك على أَن سترته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - كَانَت ستْرَة لمن خَلفه. الثَّانِي أَن
قَوْله " فَيصَلي إِلَيْهَا وَالنَّاس وَرَاءه " يدل على
دُخُول النَّاس فِي الستْرَة لأَنهم تابعون للْإِمَام فِي
جَمِيع مَا يَفْعَله. الثَّالِث أَن قَوْله وَرَاءه يدل
على أَنهم كَانُوا وَرَاء الستْرَة أَيْضا إِذْ لَو كَانَت
لَهُم ستْرَة لم يَكُونُوا وَرَاءه بل كَانُوا وَرَاءَهَا
وَقد نقل القَاضِي عِيَاض الِاتِّفَاق على أَن
الْمَأْمُومين يصلونَ إِلَى ستْرَة يَعْنِي بِهِ ستْرَة
الإِمَام وَقَالَ وَلَكِن اخْتلفُوا هَل سترتهم ستْرَة
الإِمَام أَو سترتهم الإِمَام نَفسه وَقَالَ بَعضهم فِيهِ
نظر لما رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن الحكم بن عَمْرو
الْغِفَارِيّ الصَّحَابِيّ أَنه صلى بِأَصْحَابِهِ فِي سفر
وَبَين يَدَيْهِ ستْرَة فمرت حمير بَين يَدي أَصْحَابه
فَأَعَادَ بهم الصَّلَاة وَفِي رِوَايَة أَنه قَالَ لَهُم
" إِنَّهَا
(4/276)
لم تقطع صَلَاتي وَلَكِن قطعت صَلَاتكُمْ "
(قلت) لَا يرد هَذَا على مَا نَقله عِيَاض من الِاتِّفَاق
لاحْتِمَال أَنه لم يقف على قَوْله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ستْرَة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه
أخرجه الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث أنس رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ وَكَذَا روى عَن ابْن عمر أخرجه عبد الرَّزَّاق
مَوْقُوفا عَلَيْهِ على أَن الرِّوَايَة عَن الحكم
مُخْتَلفَة وَمَعَ هَذَا لَا يُقَاوم مَا رُوِيَ عَن ابْن
عمر ثمَّ قَالَ هَذَا الْقَائِل وَيظْهر أثر هَذَا الْخلاف
الَّذِي نَقله عِيَاض فِيمَا لَو مر بَين يَدي الإِمَام
أحد فعلى قَول من يَقُول أَن الإِمَام نَفسه ستْرَة لمن
خَلفه تضر صلَاته وصلاتهم وعَلى قَول من يَقُول أَن ستْرَة
الإِمَام ستْرَة من خَلفه تضر صلَاته وَلَا تضر صلَاتهم
(قلت) ستْرَة الإِمَام ستْرَة مُطلقًا بِالْحَدِيثِ
الْمَذْكُور فَإِذا وجدت ستْرَة لَا تضر صَلَاة الإِمَام
وَلَا صَلَاة الْمَأْمُوم. (بَيَان رِجَاله) وهم خَمْسَة.
الأول اسحق قَالَ أَبُو عَليّ الجياني لم أجد اسحق هَذَا
مَنْسُوبا من الروَاة وَقَالَ الْكرْمَانِي وَفِي بعض
النّسخ اسحق بن مَنْصُور (قلت) كَذَا جزم بِهِ أَبُو نعيم
وَخلف. الثَّانِي عبد الله بن نمير بِضَم النُّون وَقد
تكَرر ذكره. الثَّالِث عبيد الله بن عمر بن حَفْص بن
عَاصِم بن عمر بن الْخطاب أَبُو عُثْمَان الْقرشِي
الْعَدوي الْمدنِي توفّي سنة تسع وَأَرْبَعين وَمِائَة.
الرَّابِع نَافِع مولى ابْن عمر. الْخَامِس عبد الله بن
عمر بن الْخطاب. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث
بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه العنعنة فِي
موضِعين وَفِيه أَن رُوَاته مَا بَين كوفيين ومدنيين
وَفِيه أَن شَيْخه الرَّاوِي عَن ابْن نمير غير مَنْسُوب
(ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة
عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير وَعَن مُحَمَّد بن
الْمثنى وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن الْحسن بن عَليّ
الْخلال عَن عبد الله بن نمير. (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله "
أَمر بالحربة " أَي خادمه بِأخذ الحربة وللبخاري فِي
الْعِيدَيْنِ من طَرِيق الْأَوْزَاعِيّ عَن نَافِع " كَانَ
يَغْدُو إِلَى الْمصلى والعنزة تحمل وتنصب بَين يَدَيْهِ
فَيصَلي إِلَيْهَا " وَزَاد ابْن مَاجَه وَابْن خُزَيْمَة
والإسماعيلي " وَذَلِكَ أَن الْمصلى كَانَ فضاء لَيْسَ
فِيهِ شَيْء يستره " قَوْله " وَالنَّاس " بِالرَّفْع عطف
على فَاعل يُصَلِّي ووراءه مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة
قَوْله " ذَلِك " أَي الْأَمر بالحربة والوضع بَين
يَدَيْهِ وَالصَّلَاة إِلَيْهَا لم يكن مُخْتَصًّا بِيَوْم
الْعِيد قَوْله " فَمن ثمَّ " بِفَتْح الثَّاء
الْمُثَلَّثَة أَي فَمن أجل ذَلِك اتخذ الحربة الْأُمَرَاء
وَهُوَ الرمْح العريض النصل يخرج بهَا بَين أَيْديهم فِي
الْعِيد وَنَحْوه وَهَذِه الْجُمْلَة أَعنِي قَوْله فَمن
ثمَّ اتخذها الْأُمَرَاء من كَلَام نَافِع كَمَا أخرجه
ابْن مَاجَه بِدُونِ هَذِه الْجُمْلَة فَقَالَ حَدثنَا
مُحَمَّد بن الصَّباح أخبرنَا عبد الله بن رَجَاء
الْمَكِّيّ عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ "
كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يخرج لَهُ حَرْبَة فِي السّفر فينصبها فَيصَلي إِلَيْهَا "
(ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ الِاحْتِيَاط وَأخذ
آلَة دفع الْأَعْدَاء سِيمَا فِي السّفر. وَفِيه جَوَاز
الِاسْتِخْدَام وَأمر الْخَادِم. وَفِيه أَنه ستْرَة
الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه وَادّعى بَعضهم فِيهِ
الْإِجْمَاع نَقله ابْن بطال قَالَ الستْرَة عِنْد
الْعلمَاء سنة مَنْدُوب إِلَيْهَا وَقَالَ الْأَبْهَرِيّ
ستْرَة الْمَأْمُوم ستْرَة إِمَامه فَلَا يضر الْمُرُور
بَين يَدَيْهِ لِأَن الْمَأْمُوم تعلّقت صلَاته بِصَلَاة
إِمَامه قَالَ وَلَا خلاف أَنه الستْرَة مَشْرُوعَة إِذا
كَانَ فِي مَوضِع لَا يَأْمَن الْمُرُور بَين يَدَيْهِ
وَفِي الْأَمْن قَولَانِ عِنْد مَالك وَعند الشَّافِعِي
مَشْرُوعَة مُطلقًا لعُمُوم الْأَحَادِيث وَلِأَنَّهَا
تصون الْبَصَر قَالَ فَإِن كَانَ فِي الفضاء فَهَل
يُصَلِّي إِلَى غير ستْرَة أجَازه ابْن الْقَاسِم لحَدِيث
ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور وَقَالَ الْمطرف وَابْن
الْمَاجشون لَا بُد من ستْرَة وَذكر عَن عُرْوَة وَعَطَاء
وَسَالم وَالقَاسِم وَالشعْبِيّ وَالْحسن أَنهم كَانُوا
يصلونَ فِي الفضاء إِلَى غير ستْرَة (قلت) قَالَ مُحَمَّد
يسْتَحبّ لمن يُصَلِّي فِي الصَّحرَاء أَن يكون بَين
يَدَيْهِ شَيْء مثل عَصا وَنَحْوهَا فَإِن لم يجد يسْتَتر
بشجرة وَنَحْوهَا (فَإِن قلت) الحربة الْمَذْكُورَة هَل
لَهَا حد فِي الطول وَمَا الْمُعْتَبر فِي طول الستْرَة
(قلت) قَالَ أَصْحَابنَا مقدارها ذِرَاع فَصَاعِدا
وَأخذُوا ذَلِك بِحَدِيث طَلْحَة بن عبيد الله قَالَ قَالَ
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
إِذا جعلت بَين يَديك مثل مؤخرة الرحل فَلَا يَضرك من يمر
بَين يَديك " رَوَاهُ مُسلم وَذكر شيخ الْإِسْلَام فِي
مبسوطه من حَدِيث أبي جُحَيْفَة الْآتِي ذكره أَن مِقْدَار
العنزة طول ذِرَاع فِي غلظ أصْبع وَيُؤَيّد هَذَا قَول
ابْن مَسْعُود يجزىء من الستْرَة السهْم وَفِي الذَّخِيرَة
طول السهْم ذِرَاع وَعرضه قدر أصْبع وَاخْتلف مَشَايِخنَا
فِيمَا إِذا كَانَت الستْرَة أقل من ذِرَاع وَقَالَ شيخ
الْإِسْلَام لَو وضع قناة أَو جعبة بَين يَدَيْهِ وارتفع
قدر ذِرَاع كَانَت ستْرَة بِلَا خلاف وَإِن كَانَت دونه
فَفِيهِ خلاف وَفِي
(4/277)
غَرِيب الرِّوَايَة النَّهر الْكَبِير
لَيْسَ بسترة كالطريق وَكَذَا الْحَوْض الْكَبِير وَقَالَت
الْمَالِكِيَّة تجوز القلنسوة الْعَالِيَة والوسادة
بِخِلَاف السَّوْط وَجوز فِي الْعُتْبِيَّة الستْرَة
بِالْحَيَوَانِ الطَّاهِر بِخِلَاف الْخَيل وَالْبِغَال
وَالْحمير وَجوز بِظهْر الرجل وَمنع بِوَجْهِهِ وَتردد فِي
جنبه وَمنع بِالْمَرْأَةِ وَاخْتلفُوا فِي الْمَحَارِم
وَلَا يسْتَتر بنائم وَلَا مَجْنُون ومأبون فِي دبره وَلَا
كَافِر انْتهى. -
594441 - ح دّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدّثنا شُعْبَةُ
عنْ عَوْنِ بنِ أبي جُحَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ أبي أنَّ
النبيَّ صَلى بِهِمْ بالبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ
عَنْزَةٌ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ والعَصْرَ رَكْعَتَيْنِ
تمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ المَرْأةُ وَالحِمَارُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من الْوَجْه الَّذِي ذَكرْنَاهُ فِي
الحَدِيث السَّابِق.
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: أَبُو الْوَلِيد هِشَام
بن عبد الْملك الطَّيَالِسِيّ الْبَصْرِيّ. الثَّانِي:
شُعْبَة بن حجاج. الثَّالِث: عون بِفَتْح الْعين
الْمُهْملَة وَسُكُون الْوَاو وبالنون. الرَّابِع: أَبوهُ
أَبُو حنيفَة، بِضَم الْجِيم وَفتح الْحَاء، مر فِي كتاب
الْعلم واسْمه: وهب بن عبد االسوائي، بِضَم السِّين
الْمُهْملَة.
ذكر لطائف اسناده) فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه:
السماع. وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْمُضَارع الْمُفْرد.
وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن آدم. وَأخرجه مطولا ومختصراً فِي
بَاب اسْتِعْمَال وضوء النَّاس، وَفِي ستر الْعَوْرَة،
وَفِي الآذان، وَفِي صفة النَّبِي فِي موضِعين، وَفِي
اللبَاس فِي موضِعين، وَأخرجه أَيْضا بعد بَابَيْنِ فِي
بَاب الصَّلَاة إِلَى العنزة، وَفِي بَاب الستْرَة
بِمَكَّة وَغَيرهَا. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة.
وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد والترمزي وَابْن ماجة، وَقد
ذَكرْنَاهُ فِي بَاب الصَّلَاة فِي الثَّوْب الْأَحْمَر.
ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله: قَوْله: (بالبطحاء) أَي: بطحاء
مَكَّة، وَيُقَال لَهَا: الأبطح أَيْضا. قَوْله: (وَبَين
يَدَيْهِ عنزة) ، جملَة وَقعت حَالا. قَوْله: (الظّهْر)
مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول: صلى. قَوْله: (رَكْعَتَيْنِ)
نصب إِمَّا على أَنه حَال، وَإِمَّا على أَنه بدل من
الظّهْر، وَكَذَلِكَ الْكَلَام فِي قَوْله: (وَالْعصر
رَكْعَتَيْنِ) . قَوْله: (تمر بَين الْمَرْأَة وَالْحمار)
، جملَة وَقعت حَالا، وَالْجُمْلَة الفعلية إِذا وَقعت
حَالا وَكَانَ فعلهَا مضارعاً يجوز فِيهَا الْوَاو
وَتركهَا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جعل الستْرَة بَين
يَدَيْهِ إِذا كَانَ فِي الصَّحرَاء. وَفِيه: أَن مُرُور
الْمَرْأَة وَالْحمار لَا يقطع الصَّلَاة، وَهُوَ قَول
عَامَّة الْعلمَاء، وَرُوِيَ عَن أنس وَمَكْحُول وَأبي
الْأَحْوَص وَالْحسن وَعِكْرِمَة: يقطع الصَّلَاة الْكَلْب
وَالْحمار وَالْمَرْأَة. وَعَن ابْن عَبَّاس: يقطع
الصَّلَاة الْكَلْب الْأسود وَالْمَرْأَة الْحَائِض. وَعَن
عِكْرِمَة يقطع الصَّلَاة الْكَلْب وَالْحمار
وَالْخِنْزِير وَالْمَرْأَة واليهودي وَالنَّصْرَانِيّ
والمجوسي. وَعَن عَطاء: لَا يقطع الصَّلَاة إِلَّا
الْكَلْب الْأسود وَالْمَرْأَة الْحَائِض. وَعَن أَحْمد،
فِي الْمَشْهُور عَنهُ: يقطع الصَّلَاة مُرُور الْكَلْب
الْأسود البهيم. وَفِي رِوَايَة: يقطعهَا أَيْضا الْحمار
وَالْمَرْأَة وَالْكَلب البهيم الَّذِي لَا يخالط لَونه
لون آخر. وَفِي (جَامع شمس الْأَئِمَّة) : تفْسد الصَّلَاة
بمرور الْمَرْأَة بَين يَدَيْهِ. وَفِي (الْكَافِي) :
عِنْد أهل الْعرَاق تفْسد بمرور الْكَلْب وَالْمَرْأَة
وَالْحمار وَالْخِنْزِير. والْحَدِيث الْمَذْكُور حجَّة
على من يَقُول بِقطع الصَّلَاة بمرور الْمَرْأَة
وَالْحمار، وَالْحجّة على من يرى بِقطع الصَّلَاة بالأشياء
الْمَذْكُورَة من هَؤُلَاءِ الْمَذْكُورين مَا رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد فِي سنَنه: عَن أبي سعيد الْخُدْرِيّ قَالَ:
قَالَ رَسُول ا: (لَا يقطع الصَّلَاة شَيْء، وادرؤا مَا
اسْتَطَعْتُم فَإِنَّمَا هُوَ شَيْطَان) . وَفِي الْبَاب
عَن ابْن عمر وَأبي أُمَامَة وَأنس وَجَابِر، فَحَدِيث
ابْن عمر عِنْد الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه) وَحَدِيث أبي
أُمَامَة وَأنس أَيْضا عِنْده، وَحَدِيث جَابر عِنْد
الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) . قلت: أما حَدِيث
الْخُدْرِيّ فَفِيهِ مقَال، وَأما حَدِيث ابْن عمر وَأبي
أَمَانَة وَأنس، فَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: لَا يَصح
مِنْهَا شَيْء. وَأما حَدِيث جَابر فَفِيهِ عِيسَى بن
مَيْمُون، قَالَ ابْن حبَان: لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ،
ومستند الْمَذْكُورين مَا رَوَاهُ مُسلم: عَن عبد اابن
الصَّامِت عَن أبي ذَر قَالَ: قَالَ رَسُول ا: (تقطع
صَلَاة الرجل إِذا لم يكن بَين يَدَيْهِ كأخرة الرحل
الْمَرْأَة وَالْحمار وَالْكَلب الْأسود. قلت مَا بَال
الْأسود من الْأَحْمَر؟ قَالَ: يَا أَبَا أخي، سَأَلت
رَسُول الله كَمَا سأاتني فَقَالَ: الْكَلْب الْأسود
شَيْطَان) . وَحجَّة الْعَامَّة مَا رَوَاهُ البُخَارِيّ
وَمُسلم عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة قَالَت: (كَانَ رَسُول
الله يُصَلِّي وَأَنا مُعْتَرضَة بَين يَدَيْهِ كاعتراض
الْجِنَازَة) . وَقد رُوِيَ هَذَا بِوُجُود مُخْتَلفَة،
مِنْهَا مَا فِيهِ: وَأَنا حزاءه، وَأَنا حَائِض. وَجه
الِاسْتِدْلَال بِهِ أَن اعْتِرَاض
(4/278)
الْمَرْأَة خُصُوصا الْحَائِض بَين
الْمُصَلِّي وَبَين الْقبْلَة لَا يقطع الصَّلَاة، فالمارة
بطرِيق الأولى. وَبَوَّبَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد فِي
(سنَنه) بَاب من قَالَ الْحمار لَا يقطع الصَّلَاة.
وَبَوَّبَ أَيْضا بَاب من قَالَ الْكَلْب لَا يقطع
الصَّلَاة، ثمَّ روى عَن الْفضل بن عَبَّاس قَالَ:
(أَتَانَا رَسُول الله وَنحن فِي بادية وَمَعَهُ عَبَّاس،
فصلى فِي صحراء لَيْسَ بَين يَدَيْهِ ستْرَة وحمارة، لنا
وكلبة تعبثان بَين يَدَيْهِ، فَمَا بالى ذَلِك) . وَأخرجه
النَّسَائِيّ أَيْضا. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَتَأَول
الْجُمْهُور الْقطع الْمَذْكُور فِي الْأَحَادِيث
الْمَذْكُورَة على قطع الْخُشُوع، جمعا بَين الْأَحَادِيث.
فَإِن قلت: قلت: هَذَا جيد فِيمَا إِذا كَانَت
الْأَحَادِيث الَّتِي رويت فِي هَذَا الْبَاب مستوية
الْأَقْدَام، وَأما إِذا قُلْنَا: أَحَادِيث الْجُمْهُور
أقوى وَأَصَح من أَحَادِيث من خالفهم فالأخذ بالأقوى أولى
وَأقوى: فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْقصار: من قَالَ: إِن
الْحمار يقطع الصَّلَاة؟ قَالَ: إِن مُرُور حمَار عبد اكان
خلف الإِمَام بَين يَدي بعض الصَّفّ، وَالْإِمَام ستْرَة
لمن خَلفه. قلت: رد هَذَا بِمَا رَوَاهُ الْبَزَّار أَن
الْمُرُور كَانَ بَين يَدَيْهِ: فَإِن قلت: روى أَبُو
دَاوُد من حَدِيث سعيد بن غَزوَان عَن أَبِيه أَنه نزل
بتبوك وَهُوَ حَاج، فَإِذا بِرَجُل مقْعد فَسَأَلَهُ عَن
أمره فَقَالَ: سأحدثك بِحَدِيث فَلَا تحدث بِهِ مَا
سَمِعت، إِنِّي حَيّ: أَن رَسُول الله نزل بتبوك إِلَى
نَخْلَة فَقَالَ: هَذِه قبلتنا، ثمَّ صلى إِلَيْهَا.
فَأَقْبَلت وَأَنا غُلَام أسعى حَتَّى مَرَرْت بَينه
وَبَينهَا فَقَالَ: قطع صَلَاتنَا قطع اأثره، فَمَا قُمْت
عَلَيْهَا إِلَى يومي هَذَا. قلت: قَوْله: عَلَيْهَا، أَي:
على رجْلي وَلَيْسَ بإضمار قبل الذّكر لوُجُود
الْقَرِينَة. قلت: أَبُو دَاوُد سكت عَنهُ. وَقَالَ غير
حَدِيث واهٍ، وَلَئِن سلمنَا صِحَّته فَهُوَ مَنْسُوخ
بِحَدِيث ابْن عَبَّاس، لِأَن ذَلِك كَانَ بتبوك وَحَدِيثه
كَانَ فِي حجَّة الْوَدَاع بعْدهَا. وَا أعلم. وَفِيه:
جَوَاز قصر الصَّلَاة الرّبَاعِيّة، بل هُوَ أفضل من
الْإِتْمَام، وَهل هُوَ رخصَة أَو عَزِيمَة؟ فِيهِ خلاف
بَيْننَا وَبَين الشَّافِعِي على مَا يَأْتِي بَيَانه فِي
مَوْضِعه إِن شَاءَ اتعالى.
19 - (بابُ قَدْرِ كِمْ يَنْبَغِي أنْ يَكُونَ بَيْنَ
المُصَلِّي وَالسُّتْرَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قدركم ذِرَاع يَنْبَغِي أَن
يكون بَين الْمُصَلِّي والسترة؟ وَقد علم أَن لَفْظَة: كم،
سَوَاء كَانَت إستفهامية أَو خبرية لَهَا صدر الْكَلَام،
وَإِنَّمَا قدم لفظ: قدر، عَلَيْهَا لِأَن الْمُضَاف
والمضاف إِلَيْهِ فِي حكم كلمة وَاحِدَة. ومميز: كم،
مَحْذُوف، لِأَن الْفِعْل لَا يَقع مُمَيّزا،
وَالتَّقْدِير: كم زراع وَنَحْوه، كَمَا ذكرنَا:
(وَالْمُصَلي) ، بِكَسْر اللَّام: اسْم فَاعل. قيل:
يحْتَمل أَن يكون بِفَتْح اللَّام، أَي: الْمَكَان الَّذِي
يُصَلِّي فِيهِ. قلت: هَذَا احْتِمَال أَخذه قائلة من
كَلَام الْكرْمَانِي حَيْثُ قَالَ: فَإِن قلت: الحَدِيث
دلّ على الْقدر الَّذِي بَين الْمُصَلِّي بِفَتْح اللَّام
والسترة، والترجمة بِكَسْر اللَّام؟ قلت: مَعْنَاهُمَا
متلازمان. انْتهى. قلت: لَا يلْزم من تلازمهما عقلا
اعْتِبَار الْمِقْدَار، لِأَن اعْتِبَار الْمِقْدَار بَين
الْمُصَلِّي وَبَين الستْرَة لَا بَينهَا وَبَين الْمَكَان
الَّذِي يُصَلِّي فِيهِ.
145 - (حَدثنَا عَمْرو بن زُرَارَة قَالَ أخبرنَا عبد
الْعَزِيز بن أبي حَازِم عَن أَبِيه عَن سهل قَالَ كَانَ
بَين مصلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - وَبَين الْجِدَار ممر الشَّاة) مطابقته للتَّرْجَمَة
ظَاهِرَة. (ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة الأول عَمْرو
بِالْوَاو بن زُرَارَة بِضَم الزَّاي ثمَّ بالراء قبل
الْألف وَبعدهَا هَاء أَبُو مُحَمَّد النَّيْسَابُورِي
مَاتَ سنة ثَلَاث وَثَمَانِينَ وَمِائَتَيْنِ الثَّانِي
عبد الْعَزِيز بن أبي حَازِم الثَّالِث أَبوهُ حَازِم
بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي اسْمه سَلمَة بن دِينَار
وَقد تقدم فِي بَاب غسل الْمَرْأَة أَبَاهَا الرَّابِع سهل
بن سعد السَّاعِدِيّ وَقد تقدم فِيهِ أَيْضا. (ذكر لطائف
إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين
وَفِيه العنعنة فِي موضِعين وَفِيه القَوْل وَفِيه عَن
أَبِيه وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد والإسماعيلي أَخْبرنِي
أبي وَفِيه سهل غير مَنْسُوب وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ
عَن سهل بن سعد. (ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي
الصَّلَاة عَن يَعْقُوب الدَّوْرَقِي وَأَبُو دَاوُد فِيهِ
عَن النُّفَيْلِي والقعنبي (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " بَين
مصلى " بِفَتْح اللَّام وَهُوَ الْمَكَان الَّذِي يُصَلِّي
فِيهِ وَالْمرَاد بِهِ مقَامه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي دَاوُد قَالَ
حَدثنَا القعْنبِي والنفيلي قَالَ حَدثنَا عبد الْعَزِيز
هُوَ ابْن أبي حَازِم قَالَ أَخْبرنِي أبي عَن سهل قَالَ "
كَانَ بَين مقَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَبَين الْقبْلَة ممر العنز " وَقَالَ
الْكرْمَانِي المُرَاد بالمصلى مَوضِع الْقدَم (قلت)
يتَنَاوَل ذَلِك مَوضِع الْقدَم وَمَوْضِع السُّجُود
أَيْضا قَوْله " ممر الشَّاة " وَهُوَ مَوضِع مرورها
وَهُوَ مَنْصُوب لِأَنَّهُ خبر كَانَ وَالِاسْم قدر
الْمسَافَة أَو الْمَمَر والسياق يدل عَلَيْهِ كَذَا
قَالَه الْكرْمَانِي ثمَّ قَالَ وَفِي بَعْضهَا بِالرَّفْع
(قلت) وَجه الرّفْع أَن تكون كَانَ تَامَّة وَيكون ممر
الشَّاة
(4/279)
اسْمهَا وَلَا يحْتَاج إِلَى خبر أَو تكون
نَاقِصَة وَالْخَبَر هُوَ الظّرْف وَفِي رِوَايَة أبي
دَاوُد " ممر العنز " كَمَا ذَكرْنَاهُ والعنز هُوَ الماعز
(ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) قَالَ الْقُرْطُبِيّ إِن بعض
الْمَشَايِخ حمل حَدِيث ممر الشَّاة على مَا إِذا كَانَ
قَائِما وَحَدِيث بِلَال رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما صلى
فِي الْكَعْبَة جعل بَينه وَبَين الْقبْلَة قَرِيبا من
ثَلَاث أَذْرع على مَا إِذا ركع أَو سجد قَالَ وَلم يحد
مَالك فِي هَذَا حدا إِلَّا أَن ذَلِك بِقدر مَا يرْكَع
فِيهِ وَيسْجد ويتمكن من دفع من يمر بَين يَدَيْهِ وَقَيده
بعض النَّاس بشبر وَآخَرُونَ بِثَلَاثَة أَذْرع وَبِه
قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَهُوَ قَول عَطاء وَآخَرُونَ
بِسِتَّة أَذْرع وَذكر السفاقسي قَالَ أَبُو اسحق رَأَيْت
عبد الله بن مُغفل يُصَلِّي بَينه وَبَين الْقبْلَة سِتَّة
أَذْرع وَفِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة بِسَنَد صَحِيح نَحوه
وَقد استقصينا الْكَلَام فِي الْبَاب السَّابِق
146 - (حَدثنَا الْمَكِّيّ قَالَ حَدثنَا يزِيد بن أبي
عبيد عَن سَلمَة قَالَ كَانَ جِدَار الْمَسْجِد عِنْد
الْمِنْبَر مَا كَادَت الشَّاة تجوزها) مطابقته
للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة من حَيْثُ أَنه - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يقوم بِجنب الْمِنْبَر
لِأَنَّهُ لم يكن لمَسْجِد محراب فَتكون مَسَافَة مَا
بَينه وَبَين الْجِدَار نَظِير مَا بَين الْمِنْبَر
والجدار فَكَأَنَّهُ قَالَ الَّذِي يَنْبَغِي أَن يكون
بَين الْمُصَلِّي وسترته قدر مَا كَانَ بَين منبره والجدار
القبلي وَقيل غير ذَلِك تَرَكْنَاهُ لِأَنَّهُ لَا طائل
تَحْتَهُ. (ذكر رِجَاله) وهم ثَلَاثَة قد سبقوا بِهَذَا
الْإِسْنَاد فِي بَاب اسْم من كذب على النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَسَلَمَة بِفَتْح اللَّام
هُوَ ابْن الْأَكْوَع الصَّحَابِيّ وَهَذَا من ثلاثيات
البُخَارِيّ رَضِي الله عَنهُ. (ذكر لطائف إِسْنَاده)
فِيهِ التحدي بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة
فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن اسْم شيخ البُخَارِيّ على
صُورَة النِّسْبَة إِلَى مَكَّة والْحَدِيث أخرجه مُسلم
أَيْضا وَهُوَ مَوْقُوف على سَلمَة وَلَكِن فِي الأَصْل
مَرْفُوع يدل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من
طَرِيق أبي عَاصِم عَن يزِيد بن أبي عبيد بِلَفْظ " كَانَ
الْمِنْبَر على عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - لَيْسَ بَينه وَبَين حَائِط الْقبْلَة إِلَّا
قدر مَا يمر العنز ". (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " الْمَسْجِد
" أَي مَسْجِد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَوْله " عِنْد الْمِنْبَر " من تَتِمَّة
اسْم كَانَ أَي الْجِدَار الَّذِي كَانَ عِنْد مِنْبَر
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَخبر
كَانَ الْجُمْلَة أَعنِي قَوْله مَا كَادَت الشَّاة "
تجوزها " وَيجوز أَن يكون الْخَبَر هُوَ قَوْله " عِنْد
الْمِنْبَر " وَقَوله " مَا كَادَت الشَّاة " استئنافا
تَقْدِيره إِذا كَانَ الْجِدَار عِنْد الْمِنْبَر فَمَا
مِقْدَار الْمسَافَة بَينهمَا فَأجَاب مَا كَادَت الشَّاة
تجوزها أَي مِقْدَار مَا كَادَت الشَّاة تجوز الْمسَافَة
وَلَيْسَ بإضمار قبل الذّكر لِأَن سوق الْكَلَام يدل
عَلَيْهِ ثمَّ اعْلَم أَن كَاد من أَفعَال المقاربة
وَخَبره يكون فعلا مضارعا بِغَيْر أَن كَمَا فِي هَذِه
الرِّوَايَة ويروى أَن تجوزها (فَإِن قلت) مَا وَجه دُخُول
أَن (قلت) قد تدخل أَن على خبر كَاد كَمَا تحذف من خبر
عَسى إِذْ هما أَخَوان يتعارضان (فَإِن قلت) إِذا دخل حرف
النَّفْي على كَاد يكون النَّفْي كَمَا فِي سَائِر
الْأَفْعَال فَمَا حكمه هَهُنَا (قلت) الْقَوَاعِد النحوية
تَقْتَضِي النَّفْي والموافق هَهُنَا الْإِثْبَات
للْحَدِيث الأول وَهَذَا الحَدِيث وَالَّذِي قبله يدلان
على أَن الْقرب من الستْرَة مَطْلُوب وَقَالَ ابْن
الْقَاسِم عَن مَالك لَيْسَ من الصَّوَاب أَن يُصَلِّي
وَبَينه وَبَين الستْرَة صفان وروى ابْن الْمُنْذر عَن
مَالك أَنه تبَاعد عَن سترته وَأَن شخصا قَالَ لَهُ أَيهَا
الْمُصَلِّي أَلا تَدْنُو من سترتك فَمشى الإِمَام
إِلَيْهَا وَهُوَ يَقُول {وعلمك مَا لم تكن تعلم وَكَانَ
فضل الله عَلَيْك عَظِيما} -
29 - (بابُ الصَلاَةِ إلَى الحَرْبَةِ)
أَي: بَاب فِي بَيَان الصَّلَاة إِلَى جِهَة الحربة
المركوزة بَينه وَبَين الْقبْلَة، وَقد بَينا أَن الحربة
وَهِي: دون الرمْح العريض النصل، وَقَالَ أهل السّير،
كَانَت للنَّبِي حَرْبَة دون الرمْح يُقَال لَهَا العنزة،
فَكَأَنَّهَا بالغلبة صَارَت علما لَهَا.
147 - (حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا يحيى عَن عبيد الله
أَخْبرنِي نَافِع عَن عبد الله بن عمر رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - كَانَ يركز لَهُ الحربة فَيصَلي إِلَيْهَا)
(4/280)
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة سَاق هَذَا
الحَدِيث فِي الْبَاب السَّابِق وَذكره هَهُنَا مُخْتَصرا.
وَيحيى هُوَ الْقطَّان وَعبيد الله بن عمر بن حَفْص بن
عَاصِم بن عمر بن الْخطاب قَوْله " يركز " من الركز بالزاي
فِي آخِره وَهُوَ الغرز فِي الأَرْض -
39 - (بابُ الصَّلاَةِ إِلَى العَنَزَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الصَّلَاة إِلَى جِهَة العنزة
المركوزة بَينه وَبَين الْقبْلَة، وَقد مر تَفْسِير
العنزة.
994841 - حدّثنا آدَمُ قَالَ حدّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدّثنا
عَوْنُ بنُ أبي جُحَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ أبي قَالَ خرَجَ
عَلَيْنَا رسولُ ااِ بالهَاجِرَةِ فأُتَيَ بِوضُوءٍ
فَتَوَضَّأَ فَصَلَّى بِنَا الظُّهْرَ والعَصْرَ وَبَيْنَ
يَدَيْهِ عَنْزَةٌ وَالمَرْأةُ والحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ
وَرَائِها. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد تقدم حَدِيث أبي
جُحَيْفَة وهب بن عبد االسوائي فِي الْبَاب الَّذِي بَينه
وَبَين هَذَا بَابَانِ، وَهُنَاكَ رَوَاهُ: عَن أبي
الْوَلِيد عَن شُعْبَة، وَهَهُنَا عَن آدم بن أبي إِيَاس
عَن شُعْبَة.
قَوْله: (بالهاجرة) وَهِي: اشتداد الْحر عِنْد الظهيرة.
قَوْله: (فَأتي) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:
(بِوضُوء) بِفَتْح الْوَاو وَهُوَ: المَاء الَّذِي
يتَوَضَّأ بِهِ. قَوْله: (وَبَين يَدَيْهِ عنزة) ، جملَة
حَالية، قيل: فِيهِ تكْرَار، لِأَن العنزة هِيَ الحربة،
ورد بِأَن الحربة غير العنزة لِأَن الحربة هِيَ الرمْح
العريض النصل، ذكرنَا عَن قريب، والعنزة مثل نصف الرمْح.
قَوْله: (يَمرونَ) كَانَ الْقيَاس فِي ذَلِك أَن يُقَال:
يمران، بِلَفْظ التَّثْنِيَة، لِأَن الْمَذْكُور
تَثْنِيَة، وَهِي: الْمَرْأَة، وَالْحمار، ووجهوا هَذَا
بِوُجُوه، فَقَالَ بَعضهم: كَأَنَّهُ أَرَادَ الْجِنْس،
وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة: (النَّاس وَالدَّوَاب يَمرونَ) .
قلت: هَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَنَّهُ الْجِنْس يُرَاد جنس
الْمَرْأَة وجنس الْحمار فَيكون تَثْنِيَة، فَلَا يُطَابق
الْكَلَام. فَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَالظَّاهِر
أَن الَّذِي وَقع هُنَا من تصرف الروَاة، وَهَذَا أَيْضا
لَيْسَ بِشَيْء لِأَن فِيهِ نسبتهم إِلَى ذكر مَا يُخَالف
الْقَوَاعِد. وَقَالَ ابْن مَالك: أَرَادوا الْمَرْأَة
وَالْحمار وراكبه فَحذف الرَّاكِب لدلَالَة الْحمار
عَلَيْهِ، ثمَّ غلب عَلَيْهِ تذكير الرَّاكِب الْمَفْهُوم
على تَأْنِيث الْمَرْأَة، وَذُو الْعقل على الْحمار،
فَقَالَ: يَمرونَ. قلت: هَذَا فِيهِ تعسف وَبعد، وَقَالَ
ابْن التِّين: فِيهِ إِطْلَاق اسْم الْجمع على
التَّثْنِيَة، وَهَذَا أوجه من غَيره لِأَن مثل هَذَا وَقع
فِي الْكَلَام الفصيح. قَوْله: (من وَرَائِهَا) . أَي: من
وَرَاء العنزة.
005 - حدّثنا مُحَمَّدُ بنُ حامم بنِ بَزيعٍ قَالَ حدّثنا
شَاذَانُ عنْ شُعْبَةَ عنْ عطاءِ بنِ أَبي مَيُمُونَةَ
قَالَ سَمِعْتُ أنَسَ بنَ مالِكٍ قَالَ كَانَ النَّبِي
إذَا خَرَجَ لحَاجَتِهِ تَبِعْتُهُ أَنا وغلاَمٌ ومَعَنَا
عُكَّازَةٌ أوْ عَصاً أوْ عَنْزَةٌ وَمَعَنَا إدَاوَةٌ
فإِذَا فَرَغٍ منْ حاجَتِهِ نَاو لْنَاهُ الإِدَاوَةَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة على مَا وجد فِي أَكثر
النّسخ: (وعنزة) بِالْعينِ الْمُهْملَة وَالنُّون
وَالزَّاي، وَفِي بعض النّسخ: أَو غَيره، بالغين
الْمُعْجَمَة وَالْيَاء آخر الْحُرُوف أَي: أَو غير كل
وَاحِد من الْعَصَا والعكازة. فَإِن صَحَّ هَذَا فَلَيْسَ
فِيهِ مَا يُطَابق التَّرْجَمَة. فَإِن قلت: الضَّمِير
فِي: غَيره، يرجع إِلَى مَاذَا؟ وَالْمَذْكُور شَيْئَانِ،
وهما العكازة والعصا؟ . قلت: تَقْدِيره: أَو غير كل وَاحِد
مِنْهُمَا، قَالَ بَعضهم: الظَّاهِر أَنه تَصْحِيف. قلت:
كَيفَ يكون تصحيفاً وَهِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي
والحموي؟ فَكَأَن هَذَا الْقَائِل ارْتكب هَذَا لِئَلَّا
يُقَال: إِن هَذَا الحَدِيث لَا يُطَابق التَّرْجَمَة،
وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي كتاب الْوضُوء فِي بَاب حمل
العنزة مَعَ المَاء فِي الِاسْتِنْجَاء، وَلَكِن هُنَاكَ
أخرجه عَن مُحَمَّد بن بشار بن جَعْفَر عَن شُعْبَة،
وَهَهُنَا عَن مُحَمَّد بن حَاتِم، بِالْحَاء الْمُهْملَة
وبالتاء الْمُثَنَّاة من فَوق: ابْن بزيع، بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وبكسر الزَّاي وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف
وبالعين الْمُهْملَة: أَبُو سعيد، مَاتَ وبغداد فِي سنة
تسع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ، وشاذان، بالشين
الْمُعْجَمَة: تقدم فِي بَاب حمل العنزة فِي الاستتجاء.
قَوْله: (تَبعته أَنا) ، وَإِنَّمَا أَتَى بضمير الْفَصْل
ليَصِح الْعَطف، وَهَذَا على مَذْهَب الْبَصرِيين.
والإداوة، بِكَسْر الْهمزَة.
وَقَالَ ابْن بطال: فِيهِ الاستنهجاء بِالْمَاءِ. هَذَا
لَيْسَ بِصَرِيح، فَإِن قَوْله: (فَإِذا فرغ من حَاجته)
يَشْمَل الاستجناء بِالْحجرِ
(4/281)
وَنَحْوه، وَتَكون مناولة المَاء لأجل
الْوضُوء. قَالَ. وَفِيه: خدمَة السُّلْطَان والعالم. قلت:
حصره للإثنين لَا وَجه لَهُ، وَالْأَحْسَن أَن يُقَال:
فِيهِ خدمَة الْكَبِير.
49 - (بابُ السُّتْرَةِ بِمَكَّةَ وغَيْرِها)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِحْبَاب الستْرَة لدرء
الْمَار، سَوَاء كَانَ بِمَكَّة أَو غير مَكَّة،
وَإِنَّمَا قيد بِمَكَّة دفعا لتوهم من توهم أَن الستْرَة
قبْلَة، وَلَا يَنْبَغِي أَن يكون لمَكَّة قبْلَة إلاَّ
الْكَعْبَة فَلَا يحْتَاج فِيهَا إِلَى ستْرَة، وكل من
يُصَلِّي فِي مَكَان وَاسع فالمستحب لَهُ أَن يُصَلِّي
إِلَى ستْرَة بِمَكَّة كَانَ أَو غَيرهَا، إلاَّ أَن
يُصَلِّي بِمَسْجِد مَكَّة بِقرب الْكَعْبَة حَيْثُ لَا
يُمكن لأحد الْمُرُور بَينه وَبَينهَا، فَلَا يحْتَاج
إِلَى ستْرَة إِذْ قبْلَة مَكَّة ستْرَة لَهُ، فَإِن صلى
فِي مُؤخر الْمَسْجِد بِحَيْثُ يُمكن الْمُرُور بَين
يَدَيْهِ. أَو فِي سَائِر بقاع مَكَّة إِلَى غير جِدَار
أَو شَجَرَة أَو مَا أشبههما، فَيَنْبَغِي أَن يَجْعَل
أَمَامه مَا يستر من الْمُرُور بَين يَدَيْهِ، كَمَا فعل
الشَّارِع حِين صلى بالبطحاء إِلَى عنزة والبطحاء خَارج
مَكَّة.
59 - (بابُ الصَّلاَةِ إلىَ الاسطُوَانَةِ.)
أَي: هَذَا بَاب فِي اسْتِحْبَاب الصَّلَاة إِلَى جِهَة
الإسطوانة إِذا كَانَ فِي مَوضِع فِيهِ أسطوانة،
والأسطوانة، بِضَم الْهمزَة مَعْرُوفَة، وَالنُّون
أَصْلِيَّة وَزنهَا: أفعوالة، مثل: أقحوانة، لِأَنَّهُ
يُقَال: أساطين مسطنة. وَقَالَ الْأَخْفَش: وَزنهَا:
فعلوانة، وَهَذَا يدل على زِيَادَة الْوَاو وَالْألف
وَالنُّون، وَقَالَ قوم: وَزنهَا أففعلانة، وَهَذَا لَيْسَ
بِشَيْء، لِأَنَّهُ لَو كَانَ كَذَلِك لما جمع على أساطين،
لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْكَلَام: أفاعين، وَقَالَ بَعضهم:
الْغَالِب أَن الأسطوانة تكون من بِنَاء بِخِلَاف العمود
فَإِنَّهُ من حجر وَاحِد. قلت: قيد الْغَالِب لَا طائل
تَحْتَهُ، وَلَا نسلم أَن العمود يكون من حجر وَاحِد
لِأَنَّهُ رُبمَا يكون أَكثر من وَاحِد، وَيكون من خشب
أَيْضا.
وَقَالَ عَمرُ: المُصَلُّونَ أحَقُّ بِالسَّوَارِى من
المتَحَدِّثِينَ إلَيْها
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر ظَاهِرَة، لِأَن السَّوَارِي هِيَ
الأساطين، واسواري جمع سَارِيَة؛. قَالَ ابْن الْأَثِير:
السارية الأسطوانة، وَذكر الْجَوْهَرِي فِي بَاب سرا، ثمَّ
ذكر الْمَادَّة الواوية والمادة اليائية، وَالظَّاهِر أَن
السارية من ذَوَات الْيَاء، وَهَذَا الَّذِي علقه
البُخَارِيّ وَصله أَبُو بكر بن أبي شيبَة من طَرِيق
هَمدَان يُرِيد عمر، رَضِي اتعالى عَنهُ، أَي رَسُوله
إِلَى أهل الْيمن عَن عمر بِهِ، وهمدان بِفَتْح الْهَاء
وَسُكُون الْمِيم وبالدال الْمُهْملَة. قَوْله: (المصلون
أَحَق) ، وَجه الأحقية أَن الْمُصَلِّين والمتحدثين
مشتركان فِي الْحَاجة إِلَى السارية: المتحدثون إِلَى
الإستناد، والمصلون لجعلها ستْرَة، لَكِن الْمُصَلِّين فِي
عبَادَة فَكَانُوا أَحَق. قَوْله: (من المتحدثين) أَي:
الْمُتَكَلِّمين.
وَرَأى عُمَرُ رَجُلاً يُصَلِّي بَيْنَ أسْطُوَانَتَيْن
فأدْنَاهُ إلَى سَارِيَةٍ فَقَالَ صلِّ إلَيْها.
(4/282)
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فأدناه
إِلَى سَارِيَة) ، وَابْن عمر هُوَ عبد ا، وَلذَا وَقع
بِإِثْبَات ابْن فِي رِوَايَة أبي ذَر والأصيلي
وَغَيرهمَا، وَعند الْبَعْض، رأى عمر، بِحَذْف: ابْن قَالَ
بَعضهم: هُوَ أشبه بِالصَّوَابِ، فقد رَوَاهُ ابْن أبي
شيبَة فِي (مُصَنفه) من طَرِيق مُعَاوِيَة ابْن قُرَّة بن
إِيَاس الْمُزنِيّ عَن أَبِيه، وَله صُحْبَة قَالَ:
(رَآنِي عمر وَأَنا اصلي. فَذكر مثله سَوَاء، وَلَكِن
زَاد: فَأخذ بقفاي) . انْتهى. قلت: رِوَايَة الْأَكْثَرين
أشبه بِالصَّوَابِ مَعَ احْتِمَال أَن يكون قضيتان:
إِحْدَاهمَا مَعَ عمر، وَالْأُخْرَى مَعَ ابْنه، وَلَا
مَانع لذَلِك. وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: وَقد عرف
بذلك الْمِيم الْمَذْكُور فِي التَّعَلُّق. قلت: هَذَا
إِنَّمَا يكون إِذا تحقق اتِّحَاد الْقَضِيَّة. قَوْله:
(فأدناه) أَي: قربَة، من: الإدناء، وَهُوَ التَّقْرِيب.
وَادّعى ابْن التِّين أَن عمر إِنَّمَا كره لانْقِطَاع
الصُّفُوف. وَقيل: أرادبذلك أَن تكون صلَاته إِلَى ستْرَة.
205 - حدّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدّثنا يَز
(يدُ بنُ أبي عُبَيْدٍ قَالَ كنْتُ آتِي مَعَ سَلَمَةَ
ابنِ الأَكْوَع فَيُصَلِّي عِنْدَ الأُسْطِوَانَةِ الَّتِي
عنْدَ المُصْحَفِ فَقِلْتُ يَا أبَا مُسْلِمٍ أرَاكَ
تَتَحَرَّى الصَّلاَةَ عنْدَ هَذِهِ الاسْطُوانَلاِ قَالَ
فإِنِّي رأيْتُ النبيَّ يَتَحَرَّى الصلاَةَ عِنْدَها.
13
- 50 مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَيصَلي عِنْد
الأسطوانة) ، وَقَوله: (يتحَرَّى الصَّلَاة عِنْدهَا) .
ذكر رِجَاله وهم ثَلَاثَة: الأول: مكي بن إِبْرَاهِيم.
الثَّانِي: يزِيد بن أبي عُبَيْدَة، مولى سَلمَة بن
الْأَكْوَع. الثَّالِث: سَلمَة بن الْأَكْوَع.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: القَوْل. وَفِيه: أَنه من ثلاثيات
البُخَارِيّ.
ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن
أبي مُوسَى عَن مكي بِهِ، وَعَن اسحاق بن إِبْرَاهِيم،
وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن
يَعْقُوب بن حميد.
ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله: (الَّتِي عِنْد الْمُصحف) ، هَذَا
يدل على أَنه كَانَ فِي مَسْجِد رَسُول الله مَوضِع خَاص
للمصحف الَّذِي كَانَ ثمَّة من عهد عُثْمَان، وَوَقع عِنْد
مُسلم بِلَفْظ: يُصَلِّي وَرَاء الصندوق) ، وَكَأَنَّهُ
كَانَ للمصحف صندوق يوضع فِيهِ والأسطوانة الْمَذْكُورَة
فِيهِ مَعْرُوفَة بأسطوانة الْمُهَاجِرين. قَوْله: (يابا
مُسلم) أَصله: يَا أَبَا مُسلم، حذفت الْهمزَة
للتَّخْفِيف، وَهُوَ كنيته سَلمَة بن الْأَكْوَع. قَوْله:
(أَرَاك) أَي: أبصرك. قَوْله: (تتحرى) ، أَي تجتهد وتختار،
وَقَالَ ابْن بطال: لما كَانَ رَسُول الله يسْتَتر بالعنزة
فِي الصَّحرَاء كَانَت الإسطوانة أولى بذلك، لِأَنَّهَا
أَشد ستْرَة مِنْهَا. قَوْله: (يتحَرَّى الصَّلَاة
عِنْدهَا) ، أَي: عِنْد الأسطوانة أُمَامَة وَلَا نَكُون
إِلَى جنبه لِئَلَّا يَتَخَلَّل الصُّفُوف شَيْء وَلَا
يكون لَهُ ستْرَة.
305251 - ح دّثنا قَبِيصَةُ قَالَ حدّثنا سُفْيَانُ عَنْ
عَمْرِو بنِ عامرٍ بن أنَسٍ قَالَ لقَدْ رَأيْتُ كِبَارَ
أصْحَابِ النبيِّ يَبْتَدِرُونَ السَّوَاري عِنْدَ
المَغْرِبِ. وَزَادَ شُعْبَةُ عنْ عَمْروٍ عنْ أنسٍ حَتَّى
يَخْرُجَ النبيُّ. (الحَدِيث 305 طرفه فِي: 516) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله وهم أَرْبَعَة: الأول: قبيصَة بن عقبَة
الْكُوفِي. الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ. الثَّالِث:
عَمْرو، بِالْوَاو: وَابْن عَامر الْكُوفِي الْأنْصَارِيّ،
وَلَيْسَ هُوَ: عَمْرو بن عَامر الْبَصْرِيّ، فَإِنَّهُ
سلمى، وَلَا وَالِد أَسد فَإِنَّهُ بجلي. الرَّابِع: أنس
بن مَالك.
ذكر لطائف اسناده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: أَن
رُوَاته كوفيون مَا خلا أنس.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره أخرجه البُخَارِيّ
هُنَا عَن قبيصَة وَعَن بنْدَار عَن غنْدر عَن شُعْبَة.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
عَن أبي عَامر عَن سُفْيَان عَنهُ، وَفِي نُسْخَة: عَن
شُعْبَة، بدل: سُفْيَان.
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (لقد أدْركْت) ، هَذَا رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي والحموي، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: (لقد
رَأَيْت) . قَوْله: (كبار أَصْحَاب مُحَمَّد) ، الْكِبَار:
جمع كَبِير، وَالْأَصْحَاب: جمع صَاحب. قَوْله: (يبتدرون
السَّوَارِي) ، يتسارعون إِلَيْهَا. قَوْله: (عِنْد
الْمغرب) أَي: عِنْد آذان الْمغرب، وَصرح بذلك
الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق ابْن مهْدي عَن سُفْيَان،
وَلمُسلم من طَرِيق عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب عَن أنس
(4/283)
نَحوه. قَوْله: (وَزَاد شُعْبَة عَن عَمْرو) إِلَى آخِره
تَعْلِيق، وَقد وَصله البُخَارِيّ فِي كتاب الآذان من
طَرِيق غنْدر عَن عَمْرو بن عَامر الْأنْصَارِيّ، وَزَاد
فِيهِ أَيْضا. (يصلونَ الرَّكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب) .
قَوْله: (حَتَّى يخرج النَّبِي) ويروى: (حِين يخرج)
وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِي حكم الصَّلَاة قبل الْمغرب بعد
الْغُرُوب فِي مَوْضِعه إِن شَاءَ اتعالى. |