عمدة القاري شرح صحيح البخاري

18 - (بابُ وقْتِ المغْرَبَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وَقت صَلَاة الْمغرب.
وَوجه الْمُنَاسبَة بَين هَذَا الْبَاب وَالْبَاب الَّذِي قبله ظَاهر لَا يخفى.
وَقَالَ عَطَاءٌ يَجْمَعُ المَرِيضُ بَيْنَ المَغْرَبَ والعِشَاءِ
عَطاء هُوَ ابْن أبي رَبَاح، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) عَن ابْن جريج عَنهُ، وَبِقَوْلِهِ: قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق وَبَعض الشَّافِعِيَّة، وَهَذَا بِنَاء على أَن وَقت الْمغرب وَالْعشَاء وَاحِد عِنْده، وَقَالَ عِيَاض: الْجمع بَين الصَّلَوَات الْمُشْتَركَة فِي الْأَوْقَات تكون تَارَة سنة وَتارَة رخصَة، فَالسنة الْجمع بِعَرَفَة والمزدلفة. وَأما الرُّخْصَة فالجمع فِي السّفر وَالْمَرَض والمطر، فَمن تمسك بِحَدِيث صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَقد أمَّه، لم ير الْجمع فِي ذَلِك، وَمن خصّه أثبت جَوَاز الْجمع فِي السّفر بالأحاديث الْوَارِدَة فِيهِ، وقاس الْمَرَض عَلَيْهِ، فَنَقُول: إِذا أُبِيح للْمُسَافِر الْجمع بِمَشَقَّة السّفر، فأحرى أَن يُبَاح للْمَرِيض. وَقد قرن الله تَعَالَى الْمَرِيض بالمسافر فِي الترخيص لَهُ فِي الْفطر وَالتَّيَمُّم، وَأما الْجمع فِي الْمَطَر فَالْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك إثْبَاته فِي الْمغرب وَالْعشَاء، وَعنهُ قولة شَاذَّة: إِنَّه لَا يجمع إلاَّ فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمذهب الْمُخَالف جَوَاز الْجمع بَين الظّهْر وَالْعصر، وَالْمغْرب وَالْعشَاء، فِي الْمَطَر.
فَإِن قلت: مَا وَجه مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة؟ قلت: من حَيْثُ إِن وَقت الْمغرب يَمْتَد إِلَى الْعشَاء، والترجمة فِي بَيَان وَقت الْمغرب.

(5/54)


559 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مَهْرَانَ قَالَ حدَّثنا الوَلِيدُ قَالَ حدَّثنا الأَوْزَاعِيُّ قَالَ حدَّثنا أبُو النَّجَاشِيِّ مَوْلَى رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ وَهْوَ عَطَاءُ بنُ صُهَيْبٍ قَالَ سَمِعْتُ رَافِعَ بنَ خَدِيجٍ يَقُولُ كُنَّا نُصَلِّي المَغْرِبَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَيَنْصَرِفُ أحَدُنَا وإِنَّهُ لَيُبْصِرَ مَوَاقِعَ نَبْلِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يدل بِالْإِشَارَةِ لَا بالتصريح، فَإِن الْمَفْهُوم مِنْهُ لَيْسَ إِلَّا مُجَرّد الْمُبَادرَة إِلَى صَلَاة الْمغرب خوفًا أَن تتأخر إِلَى اشتباك النُّجُوم. وَقد روى ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم من حَدِيث الْعَبَّاس بن عبد الْمطلب: (لَا تزَال أمتِي على الْفطْرَة مَا لم يؤخروا الْمغرب إِلَى النُّجُوم) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن مهْرَان الْجمال، بِالْجِيم: الْحَافِظ الرَّازِيّ أَبُو جَعْفَر، مَاتَ سنة ثَمَان وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: الْوَلِيد بن مُسلم، بِكَسْر اللَّام الْخَفِيفَة: أَبُو الْعَبَّاس الْأمَوِي عَالم أهل الشَّام، مَاتَ سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة. الثَّالِث: عبد الرَّحْمَن بن عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ، وَقد مر فِي بَاب الْخُرُوج فِي طلب الْعلم. الرَّابِع: أَبُو النَّجَاشِيّ، بِفَتْح النُّون وَتَخْفِيف الْجِيم وبالشين الْمُعْجَمَة: واسْمه عَطاء بن صُهَيْب، بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة، مولى رَافع بن خديج. الْخَامِس: رَافع، بِالْفَاءِ: ابْن خديج، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الدَّال الْمُهْملَة وبالجيم: الْأنْصَارِيّ الأوسي الْمدنِي.
بَيَان لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: السماع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين رازي وشامي ومدني. .
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن مهْرَان بِهِ وَعَن اسحاق بن إِبْرَاهِيم عَن شُعَيْب بن إِسْحَاق عَن الْأَوْزَاعِيّ بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن دُحَيْم عَن الْوَلِيد بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ليبصر) ، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف: من الإبصار. وَاللَّام: فِيهِ للتَّأْكِيد. قَوْله: (مواقع نبله) ، المواقع جمع: موقع، وَهُوَ مَوضِع الْوُقُوع. و: النبل، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: السِّهَام الْعَرَبيَّة، وَهِي مُؤَنّثَة. وَقَالَ ابْن سَيّده: لَا وَاحِد لَهُ من لَفظه. وَقيل: واحدتها: نبلة، مثل: تمر وَتَمْرَة، وَفِي (المغيث) لأبي مُوسَى: هُوَ سهم عَرَبِيّ لطيف غير طَوِيل، لَا كسهام النشاب، والحسيان أَصْغَر من النبل يرْمى بهَا على القسي الْكِبَار فِي مجاري الْخشب.
وَمعنى الحَدِيث أَنه: يبكر بالمغرب فِي أول وَقتهَا بِمُجَرَّد غرُوب الشَّمْس حَتَّى ينْصَرف أَحَدنَا وَيَرْمِي النبل عَن قوسه، ويبصر موقعه لبَقَاء الضَّوْء.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: دلّ الحَدِيث الْمَذْكُور على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الْمغرب عِنْد غرُوب الشَّمْس وبادر بهَا بِحَيْثُ إِنَّه لما فرغ مِنْهَا كَانَ الضَّوْء بَاقِيا، وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور. وَذهب طَاوُوس وَعَطَاء ووهب بن مُنَبّه إِلَى أَن أول وَقت الْمغرب حِين طُلُوع النَّجْم، وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث أبي بصرة الْغِفَارِيّ، قَالَ: (صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعَصْر بالمحمض، فَقَالَ: إِن هَذِه الصَّلَاة عرضت على من كَانَ قبلكُمْ فضيعوها، فَمن حَافظ عَلَيْهَا كَانَ لَهُ أجره مرَّتَيْنِ، وَلَا صَلَاة بعْدهَا حَتَّى يطلع الشَّاهِد، وَالشَّاهِد: النَّجْم) ، أخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ والطَّحَاوِي، وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَنهُ بِأَن قَوْله: (وَلَا صَلَاة بعْدهَا حِين يرى الشَّاهِد) ، يحْتَمل أَن يكون هُوَ آخر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَمَا ذكره اللَّيْث، وَلَكِن الَّذِي رَوَاهُ غَيره تَأَول أَن الشَّاهِد هُوَ النَّجْم، فَقَالَ ذَلِك بِرَأْيهِ لَا عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على أَن الْآثَار قد تَوَاتَرَتْ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه كَانَ يُصَلِّي الْمغرب إِذا تَوَارَتْ الشَّمْس بالحجاب. و: أَبُو بصرة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة، واسْمه: جميل، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف، وَقيل: جميل: بِالْجِيم، وَالْأول أصح، و: المحمض، بِفَتْح الميمين وَسُكُون الْحَاء الْمُهْملَة وَفِي آخِره ضاد مُعْجمَة: وَهُوَ الْموضع الَّذِي ترعى فِيهِ الْإِبِل الحمض، وَهُوَ: مَا حمض وملح وَأمر من النَّبَات: كالرمث والأثل والطرفا وَنَحْوهَا، و: الْخلَّة، من النبت مَا كَانَ حلوا. تَقول الْعَرَب: الْخلَّة خبز الْإِبِل، والحمض فاكهتها.
ذكر اخْتِلَاف أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث وَاخْتِلَاف رُوَاته: رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (كُنَّا نصلي الْمغرب ثمَّ نرمي فَيرى أَحَدنَا موقع نبله) . وَعَن كَعْب بن مَالك: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الْمغرب ثمَّ يرجع النَّاس (إِلَى أَهْليهمْ ببني سَلمَة وهم يبصرون مواقع النبل حِين يرْمى بهَا) . قَالَ أَبُو حَاتِم: صَحِيح مُرْسل. وَعَن أبي طريف: (كنت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حِين حاصر الطَّائِف، فَكَانَ يُصَلِّي بِنَا صَلَاة الْبَصَر، حَتَّى لَو أَن رجلا رمى بِسَهْم لرَأى مَوضِع نبله) . قَالَ أَحْمد بن

(5/55)


حَنْبَل: صَلَاة الْبَصَر: الْمغرب، وَعند أَحْمد من حَدِيث جَابر رَضِي الله عَنهُ وَلَفظه: (نأتي بني سَلمَة وَنحن نبصر مواقع النبل) . وَعند الشَّافِعِي، من حَدِيثه عَن إِبْرَاهِيم: (ثمَّ نخرج نتناضل حَتَّى ندخل بيُوت بني سَلمَة فَنَنْظُر مواقع النبل من الْإِسْفَار) . وَعند النَّسَائِيّ، بِسَنَد صَحِيح: عَن رجل من أسلم: أَنهم كَانُوا يصلونَ مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمغرب، ثمَّ يرجعُونَ إِلَى أَهْليهمْ إِلَى أقْصَى الْمَدِينَة، ثمَّ يرْمونَ فيبصرون مواقع نبلهم، وَعند الطَّبَرَانِيّ فِي (المعجم الْكَبِير) من حَدِيث زيد بن خَالِد: (كُنَّا نصلي مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمغرب ثمَّ ننصرف حَتَّى نأتي السُّوق، وإنَّا لنرى مَوَاضِع النبل) . وَعَن أم حَبِيبَة بنت أبي سُفْيَان نَحوه، ذكره أَبُو عَليّ الطوسي فِي (الْأَحْكَام) فَإِن قلت: وَردت أَحَادِيث تدل على تَأْخِيره إِلَى قرب سُقُوط الشَّفق؟ قلت: هَذِه لبَيَان جَوَاز التَّأْخِير.
ثمَّ اخْتلفُوا فِي خُرُوج وَقت الْمغرب، فَقَالَ الثَّوْريّ وَابْن أبي ليلى وطاووس وَمَكْحُول وَالْحسن بن حَيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَاق وَدَاوُد: إِذا غَابَ الشَّفق وَهُوَ الْحمرَة خرج وقتهاوممن قَالَ ذَلِك أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد. وَقَالَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَعبد الله بن الْمُبَارك وَالْأَوْزَاعِيّ، فِي رِوَايَة، وَمَالك فِي رِوَايَة وَزفر بن الْهُذيْل وَأَبُو ثَوْر والمبرد وَالْفراء: لَا يخرج حَتَّى يغيب الشَّفق الْأَبْيَض، وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي بكر الصّديق وَعَائِشَة وَأبي هُرَيْرَة ومعاذ بن جبل وَأبي ابْن كَعْب وَعبد الله بن الزبير، وَإِلَيْهِ ذهب أَبُو حنيفَة. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَكَانَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ يَقُولُونَ: لَا وَقت لَهَا إلاَّ وقتا وَاحِدًا إِذا غَابَتْ الشَّمْس، وَقد روينَا عَن طَاوُوس (أَنه قَالَ: لَا تفوت الْمغرب وَالْعشَاء حَتَّى الْفجْر.

560 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ جَعْفَرٍ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةَ عنْ سَعْدٍ عنْ مُحَمَّدِ ابنِ عَمْرِو بنِ الحَسَنِ بنِ عَليٍّ قَالَ قَدِمَ الحَجّاجُ فَسَأَلْنا جَابِرَ بنَ عَبْدِ الله فقالَ كانَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالهَاجِرَةِ والعَصْرَ والشَّمْسُ نَقِيَّةٌ وَالْمَغْرِبَ إذَا وَجَبَتْ والعِشَاءَ أَحْيَانا وأَحْيَانا إذَا رَآهُمُ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ وَإِذَا رَآهُمْ أبْطَأُوا أخَّرَ والصُّبْحَ كانُوا أوْ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ. (الحَدِيث 560 طرفه فِي: 565) .

مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث الأول.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: مُحَمَّد بن جَعْفَر هُوَ غنْدر وَقد تكَرر ذكره، وَسعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، وَمُحَمّد بن عَمْرو بِالْوَاو بن الْحسن بن عَليّ بن أبي طَالب أَبُو عبد الله، وَجَابِر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: السُّؤَال. وَفِيه: تابعيان. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي ومدني وكوفي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ إيضا فِي الصَّلَاة عَن مُسلم. وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن أبي بكر وَبُنْدَار وَأبي مُوسَى، ثَلَاثَتهمْ عَن غنْدر، وَعَن عبيد الله بن معَاذ عَن أَبِيه عَن شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَنهُ بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عَليّ وَبُنْدَار، وَكِلَاهُمَا عَن غنْدر بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: ((قدم الْحجَّاج) هُوَ ابْن يُوسُف الثَّقَفِيّ وَالِي الْعرَاق، وَقَالَ بَعضهم: وَزعم الْكرْمَانِي أَن الرِّوَايَة بِضَم أَوله قَالَ: وَهُوَ جمع حَاج. قَالَ: وَهُوَ تَحْرِيف بِلَا خلاف. قلت: لم يقل الْكرْمَانِي: إِن الرِّوَايَة بِضَم أَوله، وَإِنَّمَا قَالَ: الْحجَّاج، بِضَم أَوله جمع الْحَاج، وَفِي بَعْضهَا بِفَتْحِهَا، وَهُوَ ابْن يُوسُف الثَّقَفِيّ، وَهَذَا أصح ذكره فِي مُسلم وَلم يقف الْكرْمَانِي على الضَّم بل نبه على الْفَتْح، ثمَّ قَالَ: وَهَذَا أصح. وَقَوله فِي مُسلم: هُوَ مَا رَوَاهُ من طَرِيق معَاذ عَن شُعْبَة: كَانَ الْحجَّاج يُؤَخر الصَّلَوَات. قَوْله: (قدم الْحجَّاج) يَعْنِي: قدم الْمَدِينَة واليا من قبل عبد الْملك بن مَرْوَان سنة أَربع وَسبعين، وَذَلِكَ عقيب قتل ابْن الزبير، رَضِي الله عَنْهُمَا، فأمَّره عبد الْملك على الْحَرَمَيْنِ قَوْله: (فسألنا جَابر بن عبد الله) لم يبين المسؤول مَا هُوَ تَقْدِيره، فسألنا جَابر بن عبد الله عَن وَقت الصَّلَاة وَقد فسره فِي حَدِيث أبي عوَانَة فِي (صَحِيحه) من طَرِيق أبي النَّضر عَن شُعْبَة، سَأَلنَا جَابر بن عبد الله فِي زمن الْحجَّاج، وَكَانَ يُؤَخر الصَّلَاة عَن وَقت الصَّلَاة. قَوْله: (بالهاجرة) الهاجرة: شدَّة الْحر، وَالْمرَاد بهَا نصف النَّهَار بعد الزَّوَال، سميت بهَا لِأَن الْهِجْرَة هِيَ التّرْك، وَالنَّاس يتركون التَّصَرُّف حِينَئِذٍ لشدَّة الْحر لأجل القيلولة وَغَيرهَا. فَإِن قلت: يُعَارضهُ حَدِيث الْإِبْرَاد، لِأَن قَوْله: (كَانَ

(5/56)


يُصَلِّي الظّهْر بالهاجرة) ، يشْعر بِالْكَثْرَةِ والدوام عرفا. قلت: لَا تعَارض بَينهمَا، لِأَنَّهُ أطلق الهاجرة على الْوَقْت بعد الزَّوَال مُطلقًا. والإبراد مُقَيّد بِشدَّة الْحر. قَوْله: (وَالْعصر) ، بِالنّصب أَي: وَكَانَ يُصَلِّي الْعَصْر. قَوْله: (وَالشَّمْس نقية) جملَة إسمية وَقعت حَالا على الأَصْل بِالْوَاو، وَمعنى: نقية، خَالِصَة صَافِيَة لم يدخلهَا بعد صفرَة وَتغَير. قَوْله: (وَالْمغْرب) ، بِالنّصب أَيْضا، أَي: وَكَانَ يُصَلِّي الْمغرب إِذا وَجَبت، أَي: إِذا غَابَتْ الشَّمْس. وأصل الْوُجُوب السُّقُوط، وَالْمرَاد سُقُوط قرص الشَّمْس. وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم: (وَالْمغْرب إِذا غربت) . وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة من طَرِيق أبي النَّضر عَن شُعْبَة: (وَالْمغْرب حِين تجب الشَّمْس) أَي: حِين تسْقط. قَوْله: (وَالْعشَاء) بِالنّصب أَيْضا أَي: وَكَانَ يُصَلِّي الْعشَاء. قَوْله: (أَحْيَانًا وَأَحْيَانا) منصوبان على الظَّرْفِيَّة، وَالْمعْنَى، كَانَ يُصَلِّي الْعشَاء فِي أحيان بالتقديم، وَفِي أحيان بِالتَّأْخِيرِ. وَقَوله: (إِذا رَآهُمْ اجْتَمعُوا على عجل) بَيَان لقَوْله: (أَحْيَانًا) يَعْنِي: إِذا رأى الْجَمَاعَة اجْتَمعُوا عجل بالعشاء، لِأَن فِي تَأْخِيرهَا تنفيرهم. وَقَوله: (وَإِذا رَآهُمْ إبطأوا أخر) بَيَان لقَوْله: (وَأَحْيَانا) يَعْنِي: إِذا رأى الْجَمَاعَة تَأَخَّرُوا بالعشاء لإحراز فَضِيلَة الْجَمَاعَة، والأحيان جمع: حِين، وَهُوَ اسْم مُبْهَم يَقع على الْقَلِيل وَالْكثير من الزَّمَان، وَهُوَ الْمَشْهُور، وَهُوَ المُرَاد هَهُنَا. وَإِن كَانَ جَاءَ بِمَعْنى أَرْبَعِينَ سنة وَبِمَعْنى سِتَّة أشهر. وَقَوله: (أبطأوا) على وزن: أفعلوا، بِفَتْح الطَّاء وَضم الْهمزَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: والجملتان الشرطيتان فِي مَحل النصب حالان من الْفَاعِل، أَي: يُصَلِّي الْعشَاء معجلا إِذا اجتمعووا، ومؤخرا إِذا تباطأوا، وَيحْتَمل أَن يَكُونَا من الْمَفْعُول. والراجع إِلَيْهِ مَحْذُوف، إِذْ التَّقْدِير: عجلها وأخرها. قلت: لَا نسلم أَن: إِذا هَهُنَا للشّرط، بل على أَصْلهَا للْوَقْت، وَالْمعْنَى: كَانَ يُصَلِّي الْعشَاء أَحْيَانًا بالتعجيل إِذا رَآهُمْ اجْتَمعُوا، وَكَانَ يُصَلِّي أَحْيَانًا بِالتَّأْخِيرِ إِذا رَآهُمْ تَأَخَّرُوا، والجملتان بيانيتان كَمَا ذكرنَا، وكل وَاحِد من: عجل وَأخرج جَوَاب: إِذا. قَوْله: (وَالصُّبْح) بِالنّصب أَيْضا أَي: وَكَانَ يُصَلِّي الصُّبْح. وَقَوله: (يُصليهَا بِغَلَس) ، إِضْمَار على شريطة التَّفْسِير، وَقد علم أَن الْإِضْمَار على شريطة التَّفْسِير كل اسْم بعده فعل أَو شُبْهَة مشتغل عَنهُ بضميره أَو مُتَعَلّقه، لَو سلط عَلَيْهِ لنصبه. وَهَهُنَا الإسم هُوَ قَوْله: (الصُّبْح) . وَقَوله: (يُصليهَا) ، فعل وَقع بعده قَوْله: (كَانُوا أَو كَانَ) بِكَلِمَة الشَّك، وَقَالَ الْكرْمَانِي: الشَّك من الرَّاوِي عَن جَابر، ومعناهما متلازمان لِأَن أَيهمَا كَانَ يدْخل فِيهِ الآخر إِن أَرَادَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فالصحابة فِي ذَلِك كَانُوا مَعَه، وَإِن أَرَادَ الصَّحَابَة فالنبي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إمَامهمْ، وَخبر: كَانُوا، مَحْذُوف يدل عَلَيْهِ كَانَ يُصليهَا، أَي: كَانُوا يصلونَ. وَقَالَ ابْن بطال: ظَاهره أَن الصُّبْح كَانَ يُصليهَا بِغَلَس، اجْتَمعُوا أَو لم يجتمعوا، وَلَا يفعل فِيهَا كَمَا يفعل فِي الْعشَاء، وَهَذَا من أفْصح الْكَلَام، وَفِيه حذفان: حذف خبر: كَانُوا، وَهُوَ جَائِز كحذف خبر الْمُبْتَدَأ، كَقَوْلِه تَعَالَى: {واللائي لم يحضن} (الطَّلَاق: 4) . وَالْمعْنَى: واللائي لم يحضن فعدتهن مثل ذَلِك ثَلَاثَة أشهر، والحذف الثَّانِي حذف الْجُمْلَة الَّتِي هِيَ الْخَبَر لدلَالَة مَا تقدم عَلَيْهِ، وَحذف الْجُمْلَة الَّتِي بعد: أَو مَعَ كَونهَا مقتضية لَهَا. وَقَالَ السفاقسي: تَقْدِيره: أَو لم يَكُونُوا مُجْتَمعين، وَيصِح أَن تكون: كَانَ، تَامَّة غير نَاقِصَة، فَتكون بِمَعْنى الْحُضُور والوقوع، وَيكون الْمَحْذُوف مَا بعد: أَو، وخاصة. وَقَالَ ابْن الْمُنِير: يحْتَمل أَن يكون شكا من الرَّاوِي، هَل قَالَ: كَانَ النَّبِي، أَو كَانُوا؟ وَيحْتَمل أَن يكون تَقْدِيره: وَالصُّبْح كَانُوا مُجْتَمعين مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَو كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَحده يُصليهَا بِغَلَس قلت: الْأَوْجه مَا قَالَه الْكرْمَانِي، وَقَول كل وَاحِد من الثَّلَاثَة لَا يَخْلُو عَن تعسف لَا يخفى ذَلِك على المتأمل. قَوْله: بِغَلَس) مُتَعَلق بقوله: (كَانُوا) ، أَو: (كَانَ) بِاعْتِبَار الشَّك، فَإِن علقتها بقوله: (كَانُوا) لَا يلْزم مِنْهُ أَن لَا يكون النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَهم، وَإِن علقتها: (بكان) لَا يلْزم أَن لَا يكون أَصْحَابه مَعَه، والغلس، بِفتْحَتَيْنِ: ظلمَة آخر اللَّيْل.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: بَيَان معرفَة أَوْقَات الصَّلَاة الْخمس. وَفِيه: بَيَان الْمُبَادرَة إِلَى الصَّلَاة فِي أول وَقتهَا إلاَّ مَا ورد فِيهِ الْإِبْرَاد بِالظّهْرِ والإسفار بالصبح، وَتَأْخِير الْعشَاء عِنْد تَأَخّر الْجَمَاعَة. وَفِيه: السُّؤَال عَن أهل الْعلم. وَفِيه: تعين الْجَواب على المسؤول عَنهُ إِذا علم بالمسؤول.

56 - ح دَّثنا المَكِّيُّ بنُ إبْرَاهِيمَ قالَ حدَّثَنا يَزِيدُ بنُ أبِي عُبَيْدٍ عَنْ سَلَمَةَ قَالَ كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم المَغْرِبَ إذَا تَوَارَتْ بالحِجَابِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ يعلم مِنْهُ أَن وَقت الْمغرب بغيبوبة الشَّمْس.
ذكر رِجَاله: وهم ثَلَاثَة: الْمَكِّيّ

(5/57)


بن إِبْرَاهِيم ابْن بشير بن فرقد الْبَلْخِي، وَيزِيد بن أبي عبيد مولى سَلمَة هَذَا. وَهُوَ سَلمَة بن الْأَكْوَع الصَّحَابِيّ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن هَذَا من ثلاثيات البُخَارِيّ. وَفِيه: أَن اسْم شيخ البُخَارِيّ على صُورَة الْمَنْسُوب، وَرُبمَا يتَوَهَّم أَنه شخص مَنْسُوب إِلَى مَكَّة وَلَيْسَ كَذَلِك.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه أَيْضا مُسلم فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة، وَأَبُو دَاوُد عَن عَمْرو بن عَليّ وَالتِّرْمِذِيّ عَن قُتَيْبَة وَابْن مَاجَه عَن يَعْقُوب بن حميد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (الْمغرب) أَي: صَلَاة الْمغرب. قَوْله: (إِذا تَوَارَتْ) أَي: الشَّمْس، وَلَا يُقَال: إِن الضَّمِير فِيهِ مُبْهَم لَا يعلم مرجعه، لِأَن قَوْله: (الْمغرب) قرينَة تدل على أَن الضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى الشَّمْس كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {حَتَّى تَوَارَتْ بالحجاب} (ص: 32) . وَالظَّاهِر أَن طي ذكر الْفَاعِل فِيهِ من شيخ البُخَارِيّ، لِأَن عبد بن حميد رَوَاهُ عَن صَفْوَان بن عِيسَى، والإسماعيلي كَذَلِك عَن يزِيد بن أبي عبيد بِلَفْظ: (كَانَ يُصَلِّي الْمغرب سَاعَة تغرب الشَّمْس حِين يغيب حاجبها) . وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن سَلمَة: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي الْمغرب سَاعَة مغرب الشَّمْس إِذا غَابَ حاجبها) . قَوْله: (سَاعَة) نصب على الظّرْف ومضاف إِلَى الْجُمْلَة. قَوْله: (إِذا غَابَ حاجبها) ، بدل من قَوْله: سَاعَة تغرب الشَّمْس) وحاجب الشَّمْس، طرفها الْأَعْلَى من قرصها، وحواجبها نَوَاحِيهَا. وَقيل: سمي بذلك لِأَنَّهُ أول مَا يَبْدُو مِنْهَا كحاجب الْإِنْسَان، فعلى هَذَا يخْتَص الْحَاجِب بالحرف الْأَعْلَى البادي أَولا، وَلَا يُسمى جَمِيع جوانبها حواجب.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن أول وَقت صَلَاة الْمغرب حِين تغرب الشَّمْس، وَفِي خُرُوج وقته اخْتِلَاف، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب.

19 - (بابُ مَنْ كَرِهَ أنْ يُقَالَ لِلْمَغْرِبِ العِشَاءُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قَول من كره أَن يُقَال للمغرب: الْعشَاء، وَإِنَّمَا لم يجْزم بقوله: بَاب، كَرَاهِيَة كَذَا، لِأَن لفظ الحَدِيث لَا يَقْتَضِي نهيا مُطلقًا، لِأَن النَّهْي فِيهِ عَن غَلَبَة الْإِعْرَاب على ذَلِك، فَكَأَنَّهُ رأى جَوَاز إِطْلَاقه بالعشاء على وَجه لَا يتْرك التَّسْمِيَة الْأُخْرَى، كَمَا ترك الْإِعْرَاب. والمشروع أَن يُقَال لَهَا: الْمغرب، لِأَنَّهُ اسْم يشْعر بمسماها وبابتداء وَقتهَا. وَوجه كَرَاهَة إِطْلَاق الْعشَاء عَلَيْهَا لأجل الالتباس بِالصَّلَاةِ الْأُخْرَى، فعلى هَذَا لَا يكره أَن يُقَال للمغرب: الْعشَاء الأولى، وَيُؤَيِّدهُ قَوْلهم الْعشَاء الْآخِرَة كَمَا ثَبت فِي الصَّحِيح وَنقل ابْن بطال عَن بَعضهم انه لَا يُقَال للمغرب الْعشَاء الأولى وَيحْتَاج إِلَى دَلِيل خَاص لِأَنَّهُ لَا حجَّة لَهُ من حَدِيث الْبَاب. وَقَالَ الْمُهلب: إِنَّمَا كره أَن يُقَال للمغرب: الْعشَاء، لِأَن التَّسْمِيَة من الله تَعَالَى وَرَسُوله، قَالَ تَعَالَى: {وَعلم آدم الْأَسْمَاء كلهَا} (الْبَقَرَة: 31) .

563 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ هُوَ عَبْدُ الله بنُ عَمْرٍ وَقَالَ حدَّثنا عَبْد الوَارِثِ عَنِ الحُسَيْنِ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ عَبْدُ الله بنُ بُرَيْدَةَ قَالَ حدَّثني عَبْدُ الله المُزَنِيُّ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ تَغْلِبَنَّكُمْ الأَعْرَابُ عَلَى إسْمِ صَلاَتِكُمْ المَغْرِبِ قالَ وتَقُولُ الأَعْرَابُ هِيَ العِشَاءُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَاهُم أَن يسموا الْمغرب بِالِاسْمِ الَّذِي تسميه الْأَعْرَاب وَهُوَ: الْعشَاء.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو معمر، بِفَتْح الميمين: واسْمه عبد الله بن عَمْرو بن أبي الْحجَّاج الْمنْقري المقعد الْبَصْرِيّ. الثَّانِي: عبد الْوَارِث بن سعيد التنوري الثالثص الْحُسَيْن الْمعلم. الرَّابِع: عبد الله بن بُرَيْدَة، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالدال الْمُهْملَة: قَاضِي مرو، مَاتَ بهَا سنة خمس عشرَة وَمِائَة. الْخَامِس: عبد الله بن مُغفل، بِضَم الْمِيم وَفتح

(5/58)


الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَتَشْديد الْفَاء: الْمُزنِيّ من أَصْحَاب الشَّجَرَة، قَالَ: (كنت أرفع أَغْصَانهَا عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، رُوِيَ لَهُ ثَلَاثَة وَأَرْبَعُونَ حَدِيثا للْبُخَارِيّ مِنْهَا خَمْسَة، وَهُوَ أول من دخل تستر وَقت الْفَتْح، مَاتَ سنة سِتِّينَ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون، وَهَذَا الحَدِيث من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لَا يغلبنكم الْأَعْرَاب) ، قَالَ الْأَزْهَرِي: مَعْنَاهُ: لَا يَغُرنكُمْ فعلهم هَذَا عَن صَلَاتكُمْ فتؤخروها، وَلَكِن صلوها إِذا كَانَ وَقتهَا، وَالْعشَاء أول ظلام اللَّيْل، وَذَلِكَ من حِين يكون غيبوبة الشَّفق. فَلَو قيل فِي الْمغرب: عشَاء، لَأَدَّى إِلَى اللّبْس بالعشاء الْآخِرَة، وَالْكَرَاهَة فِي ذَلِك أَن لَا تتبع الْأَعْرَاب فِي هَذِه التَّسْمِيَة. وَقيل: إِن الْأَعْرَاب يسمونها: الْعَتَمَة لكَوْنهم يؤخرون الْحَلب إِلَى شدَّة الظلام. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: لِئَلَّا يعدل بهَا عَمَّا سَمَّاهَا الله تَعَالَى، فَهُوَ إرشاد إِلَى مَا هُوَ الأولى لَا على التَّحْرِيم وَلَا على أَنه لَا يجوز. أَلاَ ترَاهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد قَالَ: (وَلَو يعلمُونَ مَا فِي الْعَتَمَة وَالصُّبْح) . وَقد أَبَاحَ تَسْمِيَتهَا بذلك أَبُو بكر وَابْن عَبَّاس فِيمَا ذكره ابْن أبي شيبَة. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: يُقَال: غَلبه على كَذَا: غصبه مِنْهُ، أَو أَخذه مِنْهُ قهرا، وَالْمعْنَى: لَا تتعرضوا لما هُوَ من عَادَتهم من تَسْمِيَة الْمغرب بالعشاء، وَالْعشَاء بالعتمة، فيغصب مِنْكُم الْأَعْرَاب اسْم الْعشَاء الَّتِي سَمَّاهَا الله تَعَالَى بهَا، قَالَ: فالنهي على الظَّاهِر للأعراب، وعَلى الْحَقِيقَة لَهُم. وَقَالَ غَيره: معنى الْغَلَبَة أَنكُمْ تسمونها إسما وهم يسمونها إسما، فَإِن سميتموها بِالِاسْمِ الَّذِي يسمونها بِهِ وافقتموهم، وَإِذا وَافق الْخصم خَصمه صَار كَأَنَّهُ انْقَطع لَهُ حَتَّى غَلبه، وَلَا يحْتَاج إِلَى تَقْدِير غصب وَلَا أَخذ. قلت: لما فسر الطَّيِّبِيّ الْغَلَبَة: بِالْغَصْبِ، يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّقْدِير ليتضح الْمَعْنى، وَقَالَ التوربشتي شَارِح (المصابيح) : الْمَعْنى: لَا تطلقوا هَذَا الِاسْم على مَا هُوَ متداول بَينهم فيغلب مصطلحهم على الِاسْم الَّذِي شرعته لكم. قَوْله: (الْأَعْرَاب) قَالَ الْقُرْطُبِيّ: الْأَعْرَاب من كَانَ من أهل الْبَادِيَة وَإِن لم يكن عَرَبيا، والعربي من ينْسب إِلَى الْعَرَب وَلَو لم يسكن الْبَادِيَة. وَقَالَ ابْن الْأَثِير: الْأَعْرَاب ساكنو الْبَادِيَة من الْعَرَب الَّذين لَا يُقِيمُونَ فِي الْأَمْصَار وَلَا يدْخلُونَهَا إلاَّ لحَاجَة، وَالْعرب اسْم لهَذَا الجيل من النَّاس، وَلَا وَاحِد لَهُ من لَفظه، وَسَوَاء أَقَامَ بالبادية أَو المدن. وَالنِّسْبَة إِلَيْهِمَا أَعْرَابِي وعربي. قَوْله: (على اسْم صَلَاتكُمْ الْمغرب) ، كلمة: على، مُتَعَلقَة بقوله: (لَا يغلبنكم) . و (الْمغرب) ، بِالْجَرِّ صفة: للصَّلَاة، وَهَذِه اللَّفْظَة ترد تَفْسِير الْأَزْهَرِي: لَا يغلبنكم الْأَعْرَاب، وَهُوَ الَّذِي ذَكرْنَاهُ عَنهُ عَن قريب. قَوْله: (قَالَ: وَتقول الْأَعْرَاب) ، قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: قَالَ عبد الله الْمُزنِيّ: وَكَانَ الْأَعْرَاب يَقُولُونَ، ويريدون بِهِ الْمغرب، فَكَانَ يشْتَبه ذَلِك على الْمُسلمين بالعشاء الْآخِرَة فَنهى عَن إِطْلَاق الْعشَاء على الْمغرب دفعا للالتباس. وَقَالَ بَعضهم: وَقد جزم الْكرْمَانِي بِأَنَّهُ فَاعل: قَالَ، هُوَ عبد الله الْمُزنِيّ رَاوِي الحَدِيث، وَيحْتَاج إِلَى نقل خَاص لذَلِك، وإلاَّ فَظَاهر إِيرَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ: أَنه من تَتِمَّة الحَدِيث، فَإِنَّهُ أورد بِلَفْظ: فَإِن الْأَعْرَاب تسميها، وَالْأَصْل فِي مثل هَذَا أَن يكون كلَاما وَاحِدًا حَتَّى يقوم دَلِيل على إدراجه. قلت: لم يجْزم الْكرْمَانِي بذلك، وَإِنَّمَا قَالَ: قَالَ عبد الله الْمُزنِيّ، بِنَاء على ظَاهر الْكَلَام، فَإِنَّهُ فصل بَين الْكَلَامَيْنِ بِلَفْظ: قَالَ: وَالظَّاهِر أَنه الرَّاوِي، على أَنه يحْتَمل أَن تكون هَذِه اللَّفْظَة مطوية فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ. قَوْله: (هِيَ الْعشَاء) ، بِكَسْر الْعين وبالمد، وَهُوَ من الْمغرب إِلَى الْعَتَمَة. وَقيل: من الزَّوَال إِلَى طُلُوع الْفجْر. وَاعْلَم أَنه اخْتلف فِي لفظ الْمَتْن الْمَذْكُور، فَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) وَأَبُو نعيم فِي (مستخرجه) وَابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) كَرِوَايَة البُخَارِيّ، وَرَوَاهُ ابو مَسْعُود الرَّازِيّ عَن عبد الصَّمد: (لَا يغلبنكم على اسْم صَلَاتكُمْ، فَإِن الْأَعْرَاب تسميها عتمة) . وَكَذَا رَوَاهُ عَليّ بن عبد الْعَزِيز الْبَغَوِيّ عَن أبي معمر شيخ البُخَارِيّ. وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ كَذَلِك، وَرجح الْإِسْمَاعِيلِيّ رِوَايَة أبي مَسْعُود الرَّازِيّ لموافقته حَدِيث ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، الَّذِي رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق أبي سَلمَة ابْن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف، عَن ابْن عمر بِلَفْظ: (لَا يغلبنكم الْأَعْرَاب على اسْم صَلَاتكُمْ، فَإِنَّهَا فِي كتاب الله الْعشَاء، وَإِنَّهُم يعتمون بحلاب ازبل) . وَلابْن مَاجَه نَحوه من حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِإِسْنَاد حسن، وَلأبي يعلى وَالْبَيْهَقِيّ من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف كَذَلِك.

20 - (بابُ ذِكْرِ العِشَاءِ والعَتْمَةِ ومَنْ رَآهُ واسِعا)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ذكر الْعشَاء وَالْعَتَمَة فِي الْآثَار، وَمن رأى إِطْلَاق إسم الْعَتَمَة على الْعشَاء وَاسِعًا، أَي: جَائِزا وَالْعَتَمَة

(5/59)


بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق: وَقت صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة، وَقَالَ الْخَلِيل: هِيَ بعد غيبوبة الشَّفق. وأعتم: إِذا دخل فِي الْعَتَمَة، وَالْعَتَمَة الإبطاء. يُقَال: أعتم الشَّيْء وعتمه إِذا أَخّرهُ، وعتمت الْحَاجة واعتمت إِذا تَأَخَّرت. فَإِن قلت: سِيَاق الحَدِيث الَّذِي فِي هَذَا الْبَاب، والْحَدِيث الَّذِي فِي الْبَاب الَّذِي قبله وَاحِد، فَمَا وَجه مُغَايرَة الترجمتين؟ قلت: لِأَنَّهُ لم يثبت عَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِطْلَاق إسم الْعشَاء على الْمغرب، وَثَبت عَنهُ إِطْلَاق اسْم الْعَتَمَة على الْعشَاء، فغاير البُخَارِيّ بَين الترجمتين بِحَسب ذَلِك.
وقَالَ أبُو هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أثْقَلُ الصَّلاَةِ عَلَى المُنَافِقِينَ العِشَاءُ والفَجْرُ وَقَالَ لَوْ يَعْلَمُون مَا فِي العَتَمَةِ والفَجْرِ
اللَّفْظ الأول، أسْندهُ البُخَارِيّ فِي فضل الْعشَاء فِي جمَاعَة، وَالثَّانِي أسْندهُ فِي بَاب الْأَذَان والشهادات، وَأَشَارَ البُخَارِيّ بإيراد هَذَا الحَدِيث، وَالْأَحَادِيث الَّتِي بعده محذوفة الْأَسَانِيد، إِلَى جَوَاز تَسْمِيَة الْعشَاء بالعتمة، وَقد أَبَاحَ تَسْمِيَتهَا بالعتمة أَيْضا أَبُو بكر وَابْن عَبَّاس، ذكره ابْن أبي شيبَة
قالَ أبُو عَبْدِ الله والاخْتِيَارُ أنْ يَقُولَ العِشَاءُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ومِن بَعْدِ صَلاَةِ العِشَاءِ
أَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ نَفسه، وَكَأَنَّهُ اقتبس مِمَّا ثَبت أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لَا يغلبنكم الْأَعْرَاب على اسْم صَلَاتكُمْ الْعشَاء، فَإِنَّهَا فِي كتاب الله تَعَالَى: الْعشَاء. قَالَ تَعَالَى: {وَمن بعد صَلَاة الْعشَاء} (النُّور: 58) . وَقَالَ ابْن الْمُنِير: هَذَا لَا يتَنَاوَلهُ لفظ التَّرْجَمَة، فَإِن لَفظهَا يفهم التَّسْوِيَة، وَهَذَا ظَاهر فِي التَّرْجِيح، وَأجِيب عَنهُ بِأَنَّهُ: لَا مُنَافَاة بَين الْجَوَاز والأولوية، فالشيئان إِذا كَانَا جائزي الْفِعْل قد يكون أَحدهمَا أولى من الآخر، وَإِنَّمَا صَار أولى مِنْهُ لموافقته لفظ الْقُرْآن. قلت: لَا نسلم أَن لفظ التَّرْجَمَة يفهم بالتسوية، غَايَة مَا فِي الْبَاب إِنَّمَا تفهم الْجَوَاز عِنْد من رَآهُ وَالْجَوَاز لَا يسْتَلْزم التَّسْوِيَة.
ويُذْكَرُ عنْ أبي مُوسَى قَالَ كُنَّا نَتَنَاوَبُ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدَ صَلاةِ العِشَاءِ فأَعْتَمَ بِهَا
هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي بَاب فضل الْعشَاء مطولا، وَهُوَ الْبَاب الَّذِي يَلِي الْبَاب الَّذِي بعده، وَلَفظه فِيهِ: (فَكَانَ يتناوب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْد صَلَاة الْعشَاء كل لَيْلَة نفر مِنْهُم، فَوَافَقنَا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَنا وأصحابي، وَله بعض الشّغل فِي بعض أمره، فاعتم بِالصَّلَاةِ) ، الحَدِيث. فَإِن قلت: هَذَا صَحِيح عِنْده، فَكيف ذكره بِصِيغَة التمريض قلت غَرَضه بَيَان اطلاقهم الْعَتَمَة وَالْعشَاء عَلَيْهِمَا عَلَيْهِ سَوَاء كَانَ بِصِيغَة التمريض لنَحْو: يذكر، أَو بِصِيغَة التَّصْحِيح نَحْو: قَالَ، كَمَا قَالَ: وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَة، فِيمَا مضى الْآن.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وعَائِشَةُ أعْتَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالعَتْمَةِ بِالعِشَاءِ
هَذَا التَّعْلِيق ذكر بِصِيغَة التَّصْحِيح، وَحَدِيث ابْن عَبَّاس وَصله فِي بَاب النّوم قبل الْعشَاء، وَهُوَ الْبَاب الرَّابِع بعد هَذَا الْبَاب، وَلَفظه فِيهِ: قلت: لعطاء، فَقَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول: (اعتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة بالعشاء حَتَّى رقد النَّاس) الحَدِيث، وَأما حَدِيث عَائِشَة فوصله فِي بَاب فضل الْعشَاء وَلَفظه: عَن عُرْوَة أَن عَائِشَة أخْبرته، قَالَ: (اعتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة بالعشاء) الحَدِيث، وَكَذَا وَصله فِي بَاب النّوم قبل الْعشَاء عَن عُرْوَة أَن عَائِشَة قَالَت: (اعتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالعشاء) الحَدِيث. قَوْله: (اعتم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، بالعتمة) أَي: أخر صَلَاة الْعَتَمَة أَو أَبْطَأَ بهَا. قَوْله: (بالعشاء) ، بدل اشْتِمَال من قَوْله: (بالعتمة) .
وقالَ بَعْضُهُمْ عنْ عَائِشَةَ أعْتَمَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالعَتْمَةِ
هَذَا التَّعْلِيق وَصله البُخَارِيّ فِي بَاب خُرُوج النِّسَاء إِلَى الْمَسَاجِد بِاللَّيْلِ من طَرِيق شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ عَن عُرْوَة عَنْهَا. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا من هَذَا الطَّرِيق قَوْله: (اعتم بالعتمة) ، أَي: دخل فِي وَقت الْعَتَمَة.
وَقَالَ جابرٌ كانَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي العِشَاءَ
لما ذكر ثَلَاث تعليقات عَن ثَلَاثَة من الصَّحَابَة وهم: أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة أم الْمُؤمنِينَ، رَضِي الله تَعَالَى

(5/60)


عَنْهُم، وفيهَا ذكر الْعَتَمَة وأعتم، شرع يذكر عَن خَمْسَة من الصَّحَابَة بِالتَّعْلِيقِ فِيهَا ذكر الْعشَاء: الأول عَن جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، وَهَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث وَصله البُخَارِيّ فِي بَاب وَقت الْمغرب عَن مُحَمَّد بن بشار عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم إِلَى آخِره. وَفِيه: (وَالْعشَاء أَحْيَانًا وَأَحْيَانا) الحَدِيث، وَوَصله أَيْضا فِي بَاب وَقت الْعشَاء الَّذِي يَلِي الْبَاب الَّذِي نَحن فِيهِ.
وَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤَخِّرُ العِشَاءَ
هَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث وَصله البُخَارِيّ فِي بَاب وَقت الْعَصْر الَّذِي مضى قبل هَذَا الْبَاب بِسِتَّة أَبْوَاب من حَدِيث سيار بن سَلامَة، قَالَ: (دخلت أَنا وَأبي على أبي بَرزَة) الحَدِيث وَفِيه: (وَكَانَ يسْتَحبّ أَن يُؤَخر الْعشَاء.
وَقَالَ أنَسٌ أخَّرَّ النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم العِشَاءَ الآخِرَةَ
وَهَذَا التَّعْلِيق طرف من حَدِيث وَصله البُخَارِيّ فِي بَاب وَقت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل، وَهُوَ بعد الْبَاب الَّذِي نَحن فِيهِ بأَرْبعَة أَبْوَاب، من حَدِيث حميد الطَّوِيل عَن أنس، قَالَ: (أخر النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، صَلَاة الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل)
وقالَ ابنُ عُمَرَ وأبُو أيُّوبَ وابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم صلى النَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمَغْرِبَ والعِشَاءَ
وَهَذَا التَّعْلِيق فِيهِ ثَلَاثَة من الصَّحَابَة: عبد الله بن عمر، وَأَبُو أَيُّوب خَالِد بن زيد الخزرجي، وَعبد الله بن عَبَّاس. أما حَدِيث ابْن عمر فوصله البُخَارِيّ فِي الْحَج بِلَفْظ: (صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْمغرب وَالْعشَاء بِالْمُزْدَلِفَةِ) . وَأما حَدِيث أبي أَيُّوب فوصله أَيْضا بِلَفْظ: (جمع النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي حجَّة الْوَدَاع بَين الْمغرب وَالْعشَاء) . وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فوصله فِي بَاب تَأْخِير الظّهْر إِلَى الْعَصْر، وَكَذَا أسْندهُ أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه.

564 - حدَّثنا عَبْدَانُ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله قَالَ أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ سالِمٌ أَخْبرنِي عَبْد الله قَالَ صلَّى لَنَا رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةً صَلاَةَ العِشَاءِ وَهْيَ الَّتِي يَدْعُو النَّاسُ العَتْمَةَ ثُمَّ انْصَرَفَ فأقْبَلَ عَلَيْنَا فَقَالَ أرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ فَإنَّ رَأْسَ مَائَةِ سنَةٍ مِنْهَا لاَيَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الأَرْضِ أحَدٌ. . (انْظُر الحَدِيث 116 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، فَإِن فِيهِ ذكر الْعشَاء وَالْعَتَمَة.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عَبْدَانِ، بِفَتْح العيم الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة: وَهُوَ لقب عبد الله بن عُثْمَان الْمروزِي. الثَّانِي: عبد الله بن الْمُبَارك. الثَّالِث: يُونُس بن يزِيد الْأَيْلِي. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: سَالم بن عبد الله بن عمر بن الْخطاب. السَّادِس: أَبوهُ عبد الله بن عمر.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: رِوَايَة الإبن عَن أَبِيه بِذكر إسمه وَهُوَ قَوْله: قَالَ سَالم: أَخْبرنِي: عبد الله، فَإِن سالما هُوَ ابْن عبد الله بن عمر، وَشَيْخه هُنَا هُوَ أَبوهُ عبد الله بن عمر. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي ومدني وأيلي. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: قد ذكرنَا فِي كتاب الْعلم فِي بَاب السمر بِالْعلمِ أَن البُخَارِيّ أخرج هَذَا الحَدِيث فِيهِ عَن سعيد بن عفير عَن اللَّيْث عَن عبد الرَّحْمَن بن خَالِد عَن ابْن شهَاب هُوَ الزُّهْرِيّ عَن سَالم وَأبي بكر بن سُلَيْمَان بن أبي خَيْثَمَة أَن عبد الله بن عمر، قَالَ: (صلى لنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي آخر حَيَاته، فَلَمَّا سلم قَالَ: أَرَأَيْتكُم) الحَدِيث، وَأخرجه أَيْضا عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب الزُّهْرِيّ. وَأخرجه مُسلم فِي الْفَضَائِل عَن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن عَن شُعَيْب بِهِ، وَعَن أبي رَافع وَعبد بن حميد عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (صلى لنا) ، ويروى: (صلى بِنَا) ، وَمعنى: اللَّام، صلى إِمَامًا لنا، وإلاَّ فَالصَّلَاة لله لَا لَهُم. قَوْله: (لَيْلَة) أَي: فِي لَيْلَة من اللَّيَالِي. قَوْله: (وَهِي الَّتِي يَدْعُو النَّاس الْعَتَمَة) وَقد مر نَظِيره فِي حَدِيث أبي بَرزَة فِي قَوْله: (وَكَانَ يسْتَحبّ أَن يُؤَخر الْعشَاء الَّتِي تدعونها الْعَتَمَة) ، وَهَذَا يدل على غَلَبَة استعمالهم لَهَا بِهَذَا الإسم مِمَّن لم يبلغهم النَّهْي، وَأما من عرف النَّهْي

(5/61)


عَن ذَلِك يحْتَاج إِلَى ذكره لقصد التَّعْرِيف. قَوْله: (ثمَّ انْصَرف) ، أَي: من الصَّلَاة. قَوْله: (أَرَأَيْتكُم) بِفَتْح الرَّاء وتاء الْخطاب، وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِي بَاب السمر بِالْعلمِ. قَوْله: (فَإِن رَأس) ، وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: (فَإِن على رَأس مائَة سنة) . قَوْله: (مِنْهَا) ، أَي: من تِلْكَ اللَّيْلَة. قَوْله: (لَا يبْقى) ، خبر: إِن، وَالتَّقْدِير: لَا يبْقى عِنْده أَو فِيهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ: المُرَاد أَن كل من كَانَ تِلْكَ اللَّيْلَة على الأَرْض لَا يعِيش بعْدهَا أَكثر من مائَة سنة، سَوَاء قل عمره بعد ذَلِك أَو لَا وَلَيْسَ فِيهِ نفي عَيْش أحد بعد تِلْكَ اللَّيْلَة فَوق مائَة سنة. وَقَالَ ابْن بطال: إِنَّمَا أَرَادَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن هَذِه الْمدَّة تخترم الجيل الَّذين هم فِيهَا، فوعظهم بقصر أعمارهم وأعلمهم أَن أعمارهم لَيست كأعمار من تقدم من الْأُمَم ليجتهدوا فِي الْعِبَادَة. وَقيل: أَرَادَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْأَرْضِ: الْبَلدة الَّتِي هُوَ فِيهَا: وَقَالَ تَعَالَى: {ألَمْ تكن أَرض الله وَاسِعَة} (النِّسَاء: 97) . يُرِيد الْمَدِينَة. وَقَوله: (مِمَّن هُوَ على وَجه الأَرْض) إحتراز عَن الْمَلَائِكَة، وَقد أمعنا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِهِ البُخَارِيّ وَمن قَالَ بقوله على موت الْخضر، وَالْجُمْهُور على خِلَافه، وَقَالَ السُّهيْلي، عَن أبي عمر بن عبد الْبر: قد تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار باجتماع الْخضر بسيدنا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهَذَا يرد قَول من قَالَ: لَو كَانَ حَيا لاجتمع بنبينا صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَأَيْضًا عدم إِتْيَانه إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْسَ مؤثرا فِي الْحَيَاة وَلَا غَيرهَا، لأَنا عهدنا جمَاعَة آمنُوا بِهِ وَلم يروه مَعَ الْإِمْكَان، وَزعم ابْن عَبَّاس ووهب: أَن الْخضر كَانَ نَبيا مُرْسلا، وَمِمَّنْ قَالَ بنبوته أَيْضا: مقَاتل وَإِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد الشَّامي. وَقيل: كَانَ وليا. وَقَالَ أَبُو الْفرج: وَالصَّحِيح أَنه نَبِي، وَلَا يعْتَرض على الحَدِيث بِعِيسَى، لِأَنَّهُ لَيْسَ على وَجه الأَرْض، وَلَا بالخضر لِأَنَّهُ فِي الْبَحْر، وَلَا لِأَنَّهُمَا ليسَا ببشر، وَكَذَا الْجَواب فِي إِبْلِيس. وَيُقَال معنى الحَدِيث: لَا يبْقى مِمَّن تَرَوْنَهُ وتعرفونه، فَالْحَدِيث عَام أُرِيد بِهِ الْخُصُوص، وَالْجَوَاب الْأَوْجه فِي هَذَا أَن نقُول: إِن المُرَاد مِمَّن هُوَ على ظهر الأَرْض: أمته، وكل من هُوَ على ظهر الأَرْض: أمته الْمُسلمُونَ أمة إِجَابَة، وَالْكفَّار أمة دَعْوَة، وَعِيسَى وَالْخضر ليسَا داخلين فِي الْأمة، والشيطان لَيْسَ من بني آدم.

21

- (بابُ وَقْتِ العِشَاءِ إذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أوْ تَأَخَّرُوا
(
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وَقت الْعشَاء عِنْد اجْتِمَاع الْجَمَاعَة وَعند تأخرهم، فوقتها عِنْد الِاجْتِمَاع أول الْوَقْت، وَعند التَّأَخُّر التَّأْخِير وَأما حد التَّأْخِير فَفِي حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ: وَقتهَا إِلَى نصف اللَّيْل الْأَوْسَط، وَفِي رِوَايَة بُرَيْدَة أَنه صلى فِي الْيَوْم الثَّانِي بَعْدَمَا ذهب ثلث اللَّيْل، وَفِي رِوَايَة: عِنْدَمَا ذهب ثلث اللَّيْل، وَمثله فِي حَدِيث أبي مُوسَى: حِين كَانَ ثلث اللَّيْل، وَفِي حَدِيث جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حِين ذهب سَاعَة من اللَّيْل، وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس: إِلَى ثلث اللَّيْل، وَفِي حَدِيث أبي بَرزَة: إِلَى نصف اللَّيْل أَو ثلثه، وَقَالَ مرّة: إِلَى نصف اللَّيْل، وَمرَّة إِلَى ثلث اللَّيْل، وَفِي حَدِيث أنس: شطره، وَفِي حَدِيث ابْن عمر: حِين ذهب ثلثه، وَفِي حَدِيث جَابر: إِلَى شطره، وَعنهُ إِلَى ثلثه، وَفِي حَدِيث عَائِشَة: حِين ذهب عَامَّة اللَّيْل. وَاخْتلف الْعلمَاء بِحَسب هَذَا، وَقَالَ عِيَاض: وبالثلث قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي قَول: وبنصف قَالَ أَصْحَاب الرَّأْي وَأَصْحَاب الحَدِيث وَالشَّافِعِيّ فِي قَول، وَابْن حبيب من أَصْحَابنَا. وَعَن النَّخعِيّ: الرّبع، وَقيل: وَقتهَا إِلَى طُلُوع الْفجْر، وَهُوَ قَول دَاوُد، وَهَذَا عِنْد مَالك وَقت الضَّرُورَة. قلت: مَذْهَب أبي حنيفَة: التَّأْخِير أفضل إلاَّ فِي ليَالِي الصَّيف، وَفِي (شرح الْهِدَايَة: تَأْخِيرهَا إِلَى نصف اللَّيْل مُبَاح، وَقيل: تَأْخِيرهَا بعد الثُّلُث مَكْرُوه، وَفِي (الْقنية) : تَأْخِيرهَا على النّصْف مَكْرُوه كَرَاهَة تَحْرِيم. وَقَالَ بَعضهم: أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى الرَّد على من قَالَ: إِنَّهَا تسمى الْعشَاء إِذا عجلت، وَالْعَتَمَة إِذا أخرت. قلت: هَذَا كَلَام واه، لِأَن التَّرْجَمَة لَا تدل على هَذَا أصلا، وَإِنَّمَا أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن اخْتِيَاره فِي وَقت الْعشَاء التَّقْدِيم عِنْد الإجتماع، وَالتَّأْخِير عِنْد التَّأَخُّر، وَهُوَ نَص الشَّافِعِي أَيْضا فِي (الْأُم) أَنهم إِذا اجْتَمعُوا عجل، وَإِذا أبطأوا أخر.
42 - (حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن مُحَمَّد بن عَمْرو وَهُوَ ابْن الْحسن بن عَليّ قَالَ سَأَلنَا جَابر بن عبد الله عَن صَلَاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -

(5/62)


فَقَالَ كَانَ النَّبِي يُصَلِّي الظّهْر بالهاجرة وَالْعصر وَالشَّمْس حَيَّة وَالْمغْرب إِذا وَجَبت وَالْعشَاء إِذا كثر النَّاس عجل وَإِذا قلوا أخروا الصُّبْح بِغَلَس) قد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي بَاب وَقت الْمغرب عَن قريب رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن بشار عَن مُحَمَّد بن جَعْفَر عَن شُعْبَة فَانْظُر بَينهمَا فِي التَّفَاوُت فِي الروَاة وَمتْن الحَدِيث وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصى -
21

- (بابُ وَقْتِ العِشَاءِ إذَا اجْتَمَعَ النَّاسُ أوْ تَأَخَّرُوا
(
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وَقت الْعشَاء عِنْد اجْتِمَاع الْجَمَاعَة وَعند تأخرهم، فوقتها عِنْد الِاجْتِمَاع أول الْوَقْت، وَعند التَّأَخُّر التَّأْخِير وَأما حد التَّأْخِير فَفِي حَدِيث عَمْرو بن الْعَاصِ: وَقتهَا إِلَى نصف اللَّيْل الْأَوْسَط، وَفِي رِوَايَة بُرَيْدَة أَنه صلى فِي الْيَوْم الثَّانِي بَعْدَمَا ذهب ثلث اللَّيْل، وَفِي رِوَايَة: عِنْدَمَا ذهب ثلث اللَّيْل، وَمثله فِي حَدِيث أبي مُوسَى: حِين كَانَ ثلث اللَّيْل، وَفِي حَدِيث جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، حِين ذهب سَاعَة من اللَّيْل، وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس: إِلَى ثلث اللَّيْل، وَفِي حَدِيث أبي بَرزَة: إِلَى نصف اللَّيْل أَو ثلثه، وَقَالَ مرّة: إِلَى نصف اللَّيْل، وَمرَّة إِلَى ثلث اللَّيْل، وَفِي حَدِيث أنس: شطره، وَفِي حَدِيث ابْن عمر: حِين ذهب ثلثه، وَفِي حَدِيث جَابر: إِلَى شطره، وَعنهُ إِلَى ثلثه، وَفِي حَدِيث عَائِشَة: حِين ذهب عَامَّة اللَّيْل. وَاخْتلف الْعلمَاء بِحَسب هَذَا، وَقَالَ عِيَاض: وبالثلث قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي قَول: وبنصف قَالَ أَصْحَاب الرَّأْي وَأَصْحَاب الحَدِيث وَالشَّافِعِيّ فِي قَول، وَابْن حبيب من أَصْحَابنَا. وَعَن النَّخعِيّ: الرّبع، وَقيل: وَقتهَا إِلَى طُلُوع الْفجْر، وَهُوَ قَول دَاوُد، وَهَذَا عِنْد مَالك وَقت الضَّرُورَة. قلت: مَذْهَب أبي حنيفَة: التَّأْخِير أفضل إلاَّ فِي ليَالِي الصَّيف، وَفِي (شرح الْهِدَايَة: تَأْخِيرهَا إِلَى نصف اللَّيْل مُبَاح، وَقيل: تَأْخِيرهَا بعد الثُّلُث مَكْرُوه، وَفِي (الْقنية) : تَأْخِيرهَا على النّصْف مَكْرُوه كَرَاهَة تَحْرِيم. وَقَالَ بَعضهم: أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى الرَّد على من قَالَ: إِنَّهَا تسمى الْعشَاء إِذا عجلت، وَالْعَتَمَة إِذا أخرت. قلت: هَذَا كَلَام واه، لِأَن التَّرْجَمَة لَا تدل على هَذَا أصلا، وَإِنَّمَا أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن اخْتِيَاره فِي وَقت الْعشَاء التَّقْدِيم عِنْد الإجتماع، وَالتَّأْخِير عِنْد التَّأَخُّر، وَهُوَ نَص الشَّافِعِي أَيْضا فِي (الْأُم) أَنهم إِذا اجْتَمعُوا عجل، وَإِذا أبطأوا أخر.

22

- (يايُ فَضْلِ العِشَاءِ
(
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الْعشَاء. وَوجه الْمُنَاسبَة بَين هَذِه الْأَبْوَاب ظَاهر.

22

- (يايُ فَضْلِ العِشَاءِ
(
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الْعشَاء. وَوجه الْمُنَاسبَة بَين هَذِه الْأَبْوَاب ظَاهر.

566 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا الليْثُ عَن عقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عَنْ عُرْوَةَ أنَّ عائِشَةَ أَخْبَرَتْهُ قالَتْ أعْتَمَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةً بالعِشَاءِ وذَلِكَ قَبْلَ أنْ يَفْشُوَ الإسْلاَمُ فَلَمْ يَخْرُجْ حَتَّى قَالَ عُمَرُ نامَ النِّسَاءُ والصِّبْيَانُ فَخَرَجَ فَقَالَ لأِهْلِ المَسْجِدِ مَا يَنْتَظِرُها أحَدٌ مِن أهْلِ الأَرْضِ غَيْرُكُمْ. .

قَالَ بَعضهم: لم أر من تكلم على هَذِه التَّرْجَمَة، فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الْحَدِيثين اللَّذين ذكرهمَا الْمُؤلف فِي هَذَا الْبَاب مَا يَقْتَضِي اخْتِصَاص الْعشَاء بفضيلة ظَاهِرَة، وَكَأَنَّهُ مَأْخُوذ من قَوْله: (مَا ينتظرها أحد من أهل الأَرْض غَيْركُمْ) ، فعلى هَذَا فِي التَّرْجَمَة حذف تَقْدِيره: بَاب فضل انْتِظَار الْعشَاء قلت: هَذَا الْقَائِل نفى أَولا كَلَام النَّاس على هَذِه التَّرْجَمَة. ثمَّ ذكر شَيْئا ادّعى أَنه تفرد بِهِ، وَهُوَ لَيْسَ بِشَيْء لِأَن كَلَامه آل إِلَى الْفضل لانتظار الْعشَاء لَا للعشاء، والترجمة فِي أَن الْفضل للعشاء. فَنَقُول: مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ (إِن الْعشَاء عبَادَة قد اخْتصّت بالانتظار لَهَا من بَين سَائِر الصَّلَوَات، وَبِهَذَا ظهر فَضلهَا فَحسن قَوْله: بَاب فضل الْعشَاء.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة كلهم ذكرُوا غير مرّة، وَاللَّيْث: هُوَ ابْن سعد، وَعقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب هُوَ: مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ، وَعُرْوَة بن الزبير بن الْعَوام.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار بتأنيث الْفِعْل الْمُفْرد من الْمَاضِي. وَفِيه: القَوْل. وَفِيه: عَن عُرْوَة، وَعند مُسلم فِي رِوَايَة: يُونُس عَن ابْن شهَاب أَخْبرنِي عُرْوَة. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي بَاب النّوم قبل الْعشَاء لمن غلب عَلَيْهِ، وَهُوَ الْبَاب الَّذِي يَلِي الْبَاب الَّذِي قبل الْبَاب الَّذِي نَحن فِيهِ. وَأخرجه مُسلم أَيْضا بِإِسْنَاد الْبَاب. وَلَفظ مُسلم: (أعتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَة من اللَّيَالِي بِصَلَاة الْعشَاء وَهِي الَّتِي تدعى: الْعَتَمَة) . قَالَ ابْن شهَاب: (وَذكر لي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَمَا كَانَ لكم أَن تبْرزُوا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على الصَّلَاة، وَذَلِكَ حِين صَاح عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ ابْن شهَاب، وَلَا يُصَلِّي يَوْمئِذٍ إلاَّ بِالْمَدِينَةِ قَالَ: وَكَانُوا يصلونَ فِيمَا بَين أَن يغيب الشَّفق إِلَى ثلث اللَّيْل الأول، وَأخرج مُسلم من حَدِيث أم كُلْثُوم عَن عَائِشَة: (أعتم رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ذَات لَيْلَة حَتَّى ذهب عَامَّة اللَّيْل، وَحَتَّى نَام أهل الْمَسْجِد ثمَّ خرج فصلى، وَقَالَ: إِنَّه لوَقْتهَا لَوْلَا أَن يشق على أمتِي) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أعتم) : أَي: دخل فِي الْعَتَمَة، وَمَعْنَاهُ: أخر صَلَاة الْعَتَمَة، وَذكر ابْن سَيّده: الْعَتَمَة ثلث اللَّيْل الأول بعد غيبوبة الشَّفق، وَقيل: عَن وَقت صَلَاة الْعشَاء الْآخِرَة، وَقيل: هِيَ بَقِيَّة اللَّيْل. وَفِي (المُصَنّف) : حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا شريك عَن أبي فَزَارَة عَن مَيْمُون بن مهْرَان، قَالَ: قلت لِابْنِ عمر: مَن أول من سَمَّاهَا الْعَتَمَة؟ قَالَ: الشَّيْطَان. قَوْله: (وَذَلِكَ قبل أَن يفشو الْإِسْلَام) ، أَي: قبل أَن يظْهر، يَعْنِي: فِي غير الْمَدِينَة، وَإِنَّمَا فَشَا الْإِسْلَام فِي غَيرهَا بعد فتح مَكَّة. قَوْله: (حَتَّى قَالَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) . وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ، تَأتي من رِوَايَة صَالح عَن ابْن شهَاب: (حَتَّى ناداه عمر الصَّلَاة) ، بِالنّصب بِفعل مُضْمر تَقْدِيره: صل الصَّلَاة وَنَحْوهَا. قَوْله: (نَام النِّسَاء وَالصبيان) ، أَرَادَ بهم الْحَاضِرين فِي الْمَسْجِد لَا النائمين فِي بُيُوتهم، وَإِنَّمَا خص

(5/63)


هَؤُلَاءِ بِالذكر لأَنهم مَظَنَّة قلَّة الصَّبْر على النّوم، وَمحل الشَّفَقَة وَالرَّحْمَة. قَوْله: (مَا ينتظرها) أَي: الصَّلَاة فِي هَذِه السَّاعَة، وَذَلِكَ إِمَّا أَنه لَا يُصَلِّي حينئذٍ إلاَّ بِالْمَدِينَةِ، وَإِمَّا لِأَن سَائِر الأقوام لَيست فِي أديانهم صَلَاة فِي هَذَا الْوَقْت. قَوْله: (غَيْركُمْ) ، بِالرَّفْع: صفة لأحد، وَوَقع صفة للنكرة لِأَنَّهُ لَا يتعرف بِالْإِضَافَة إِلَى الْمعرفَة لتوغله فِي الْإِبْهَام، أللهم إلاَّ إِذا أضيف إِلَى المشتهر بالمغايرة، وَيجوز أَن يكون بَدَلا من لفظ: أحد، وَيجوز أَن ينْتَصب على الِاسْتِثْنَاء.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن قَوْله: (أعتم لَيْلَة) ، يدل على أَن غَالب أَحْوَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ تَقْدِيم الْعشَاء. وَفِيه: جَوَاز النّوم قبل الْعشَاء، وَهُوَ الَّذِي بوب عَلَيْهِ البُخَارِيّ: بَاب النّوم قبل الْعشَاء لمن غلب. وَفِيه: الدّلَالَة على فَضِيلَة الْعشَاء كَمَا بيناها فِي أول الْبَاب. وَفِيه: جَوَاز الْإِعْلَام للْإِمَام بِأَن يخرج للصَّلَاة إِذا كَانَ فِي بَيته. وَفِيه: لطف النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وتواضعه حَيْثُ لم يقل شَيْئا عِنْد مناداة عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.

567 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ قَالَ أخبرنَا أبُو أسامةَ عنْ بُرَيْدٍ عنْ أبِي بُرْدَةَ عنْ أبي مُوسَى قَالَ كُنْتُ أَنا وأصْحابِي الَّذِين قَدِمُوا مَعِي فِي السَّفِينَةِ نُزُولاً فِي بَقِيعِ بُطْحَانَ والنَّبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالْمَدِينَةِ فَكَانَ يَتَنَاوَبُ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عِنْدَ صَلاَةِ العِشَاءِ كُلَّ لَيْلَةٍ نَفَرٌ مِنْهُمْ فَوَافَقْنَا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنا وأصْحَابِي وَلَهُ بَعْضُ الشُّغْلِ فِي بَعْضِ أمْرِهِ فأعْتَمَ بِالصَّلاَةِ حَتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ ثُمَّ خَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَلَّى بِهِمْ فَلَمَّا قضَى صَلاتَهُ قَالَ لِمَنْ حَضَرَهُ عَلَى رِسْلِكُمْ أبْشِرُوا إنَّ مِنْ نِعْمَةِ الله عَلَيْكُمْ أنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ مِنَ النَّاسِ يُصَلِّي هَذِهِ السَّاعَةَ غَيْرُكُمْ أوْ قَالَ مَا صَلَّى هَذِهِ السَّاعَةَ أحَدٌ غٍ يْرُكُمْ لاَ نَدْرِي أيَّ الكَلِمَتَيْنِ قَالَ. قَالَ أبُو موسَى فَرَجَعْنَا فَفَرِحْنَا بِمَا سَمِعْنَا منْ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق.
ذكر رِجَاله: كلهم تقدمُوا، وَمُحَمّد بن الْعَلَاء هُوَ أَبُو كريب، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد ابْن أُسَامَة، وبريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة، وَأَبُو بردة اسْمه: عَامر، وَهُوَ جد بريد، وَأَبُو مُوسَى عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل. وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَن جده. وَفِيه: ثَلَاثَة بالكنى. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن أَبِيه. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومدني، وَهَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه مضى فِي بَاب من أدْرك من الْعَصْر رَكْعَة، غير أَن هُنَاكَ ذكر مُحَمَّد بن الْعَلَاء، بكنيته وَهَهُنَا باسمه.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعبد الله بن براد وَأبي كريب، ثَلَاثَتهمْ عَن أبي أُسَامَة عَنهُ بِهِ، وروى أَحْمد وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة وَغَيرهم، من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (صلينَا مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَاة الْعَتَمَة فَلم يخرج حَتَّى مضى نَحْو من شطر اللَّيْل، فَقَالَ: إِن النَّاس قد صلوا وَأخذُوا مضاجعهم، وَإِنَّكُمْ لن تزالوا فِي صَلَاة مَا انتظرتم الصَّلَاة، وَلَوْلَا ضعف الضَّعِيف وسقم السقيم وحاجة ذِي الْحَاجة لأخرت هَذِه الصَّلَاة إِلَى شطر اللَّيْل) . وَأخرجه ابْن ماجة عَن أبي سعيد: (إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى الْمغرب ثمَّ لم يخرج حَتَّى ذهب شطر اللَّيْل، ثمَّ خرج فصلى بهم، وَقَالَ: لَوْلَا الضَّعِيف والسقيم لأحببت أَن أؤخر هَذِه الصَّلَاة إِلَى شطر اللَّيْل) . وروى التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (لَوْلَا أَن أشق على أمتِي لأمرتهم أَن يؤخروا الْعشَاء إِلَى ثلث اللَّيْل أَو نصفه) . وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث معَاذ بن جبل، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يَقُول: (بَقينَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي صَلَاة الْعَتَمَة فَتَأَخر حَتَّى ظن ظان أَنه لَيْسَ بِخَارِج، وَالْقَائِل منا يَقُول: صلى وَأَنا كَذَلِك حَتَّى خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالُوا لَهُ كَمَا قَالُوا، فَقَالَ: أعْتِمُوا بِهَذِهِ الصَّلَاة فَإِنَّكُم قد فضلْتُمْ بهَا على سَائِر الْأُمَم، وَلم تصلها أمة قبلكُمْ) . قَوْله: (بَقينَا) بِفَتْح الْقَاف أَي انتظرناه، يُقَال: بقيت الرجل أبقيته إِذا انتظرته. وَأخرج أَبُو دَاوُد أَيْضا عَن عبد الله بن عمر: (مكثنا ذَات لَيْلَة نَنْتَظِر رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لصَلَاة الْعشَاء: فَخرج إِلَيْنَا حِين

(5/64)


ذهب ثلث اللَّيْل أَو بعده، فَلَا نَدْرِي أَشَيْء شغله أم غير ذَلِك؟ فَقَالَ حِين خرج: أتنتظرون هَذِه الصَّلَاة؟ لَوْلَا أَن تثقل على أمتِي لصليت بهم هَذِه السَّاعَة، ثمَّ أَمر الْمُؤَذّن فَأَقَامَ الصَّلَاة) . وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ أَيْضا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (نزولا) ، جمع: نَازل، كشهود جمع شَاهد. قَوْله: (فِي بَقِيع بطحان) البقيع، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر الْقَاف وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وبالعين الْمُهْملَة، وَهُوَ من الأَرْض: الْمَكَان المتسع، وَلَا يُسمى بقيعا، إلاَّ وَفِيه شجر أَو أُصُولهَا، و: بطحان، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الطَّاء الْمُهْملَة وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة، غير منصرف: وَاد بِالْمَدِينَةِ، وَقَالَ ابْن قرقول: بطحان، بِضَم الْبَاء، يرويهِ المحدثون أَجْمَعُونَ، وَحكى أهل اللُّغَة فِيهِ بطحان، بِفَتْح الْبَاء وَكسر الطَّاء، وَلذَلِك قَيده أَبُو الْمَعَالِي فِي (تَارِيخه) ، وَأَبُو حَاتِم. وَقَالَ الْبكْرِيّ: بِفَتْح أَوله وَكسر ثَانِيه، على وزن: فعلان، لَا يجوز غَيره. قَوْله: (نفر) مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل: يتناوب، و: النَّفر، عدَّة رجال من ثَلَاثَة إِلَى عشرَة. قَوْله: (فَوَافَقنَا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) بِلَفْظ الْمُتَكَلّم. قَوْله: (وَله بعض الشّغل) ، جملَة حَالية، وَجَاء فِي تَفْسِير: بعض الشّغل، فِي (مُعْجم الطَّبَرَانِيّ) ، من وَجه صَحِيح: عَن الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان عَن جَابر: (كَانَ فِي تجهيز جَيش) ، قَوْله: (فاعتم بِالصَّلَاةِ) أَي: أَخّرهَا عَن أول وَقتهَا. قَوْله: (حَتَّى ابهار اللَّيْل) ، بتَشْديد الرَّاء على وزن: إفعال، كإحمار. وَمَعْنَاهُ: انتصف. وَعَن سِيبَوَيْهٍ: كثرت ظلمته، وابهار الْقَمَر، كثر ضوؤه، ذكره فِي (الموعب) وَفِي (الْمُحكم) : إبهار اللَّيْل إِذا تراكمت ظلمته، وَقيل: إِذا ذهبت عامته. وَفِي كتاب (الواعي) : ابهيرار اللَّيْل: طُلُوع نجومه. وَفِي (الصِّحَاح) : إبهار اللَّيْل ابهيرارا: إِذا ذهب معظمه وَأَكْثَره، وإبهار علينا اللَّيْل أَي: طَال. قَالَ الدَّاودِيّ: انهار اللَّيْل، يَعْنِي بالنُّون، مَوضِع الْبَاء، تَقول: كسر مِنْهُ وَانْهَزَمَ، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى: {فانهار بِهِ فِي نَار جَهَنَّم} (التَّوْبَة: 109) . وَفِيه نظر، وَلم يقلهُ أحد غَيره. قَوْله: (على رسلكُمْ) ، بِكَسْر الرَّاء وَفتحهَا أَي: على هيئتكم، وَالْكَسْر أفْصح. قَوْله: (أَبْشِرُوا) من: أبشر، إبشارا، يُقَال: بشرت الرجل وأبشرته وبشرته بِالتَّشْدِيدِ، ثَلَاث لُغَات بِمَعْنى، وَيُقَال: بَشرته بمولود فأبشر إبشارا أَي: سر. قَوْله: (إِن من نعْمَة الله) كلمة: من، للتَّبْعِيض وَهُوَ اسْم: إِن. وَقَوله: إِنَّه، بِالْفَتْح لِأَنَّهُ خَبره. وَقَالَ بَعضهم: أَنه: بِالْفَتْح للتَّعْلِيل. قلت: لَيْسَ كَذَلِك على مَا لَا يخفى. قَوْله: (ففرحنا) بِلَفْظ الْمُتَكَلّم، عطف على قَوْله: فرجعنا) ، هَذَا فِي رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره: (فرجعنا فرحى) ، على وزن: فعلى. وَقَالَ الْكرْمَانِي: إِمَّا جمع فريح على غير قِيَاس، وَإِمَّا مؤنث الأفرح، وَهُوَ نَحْو: الرِّجَال فعلت. قلت: بل هُوَ جمع: فرحان، كعطشان يجمع على: عطشى، وسكران على سكرى، ويروى (فرجعنا فَرحا) ، بِفَتْح الرَّاء مصدرا بِمَعْنى الفرحين، وَهُوَ نَحْو: الرِّجَال فعلوا، وعَلى الْوَجْهَيْنِ أَعنِي: فرحى وفرحا، نصب على الْحَال من الضَّمِير الَّذِي فِي رَجعْنَا فَإِن قلت: الْمُطَابقَة بَين الْحَال وَذي الْحَال شَرط فِي الْوَاحِد والتثنية وَالْجمع والتذكير والتأنيث، وَفِي رِوَايَة: (فَرحا) ، غير مَوْجُود. قلت: الْفَرح مصدر فِي الأَصْل وَيَسْتَوِي فِيهِ هَذِه الْأَشْيَاء. قَوْله: (بِمَا سمعناه) ، الْبَاء: تتَعَلَّق (بفرحنا) ، وَكلمَة: مَا، مَوْصُولَة، والعائد مَحْذُوف تَقْدِيره: بِمَا سمعناه. فَإِن قلت: مَا سَبَب فَرَحهمْ؟ قلت: علمت باختاصهم بِهَذِهِ الْعِبَادَة الَّتِي هِيَ نعْمَة عظمى مستلزمة للمثوبة الْحسنى، هَذَا الْوَجْه ذكره الْكرْمَانِي، وَعِنْدِي وَجه آخر، وَهُوَ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَعَ كَونه مَشْغُولًا بِأَمْر الْجَيْش، خرج إِلَيْهِم وَصلى بهم، فَحصل لَهُم الْفَرح بذلك. وازدادوا فَرحا ببشارته بِتِلْكَ النِّعْمَة الْعَظِيمَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز الحَدِيث بعد صَلَاة الْعشَاء. وَفِيه: إِبَاحَة تَأْخِير الْعشَاء إِذا علم أَن بالقوم قُوَّة على انتظارها ليحصل لَهُم فضل الِانْتِظَار، لِأَن المنتظر للصَّلَاة فِي الصَّلَاة. وَقَالَ ابْن بطال: وَهَذَا لَا يصلح الْيَوْم لأئمتنا، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما أَمر الْأَئِمَّة بِالتَّخْفِيفِ وَقَالَ: (إِن فيهم الضَّعِيف والسقيم وَذَا الْحَاجة) ، كَانَ ترك التَّطْوِيل عَلَيْهِم فِي انتظارها أولى وَقَالَ مَالك: تَعْجِيلهَا أفضل للتَّخْفِيف، وَقَالَ ابْن قدامَة يسْتَحبّ تَأْخِيرهَا للمنفرد، ولجماعة يرضون بذلك، وَإِنَّمَا نقل التَّأْخِير عَنهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مرّة أَو مرَّتَيْنِ لشغل حصل لَهُ. قلت: قَالَ أَصْحَابنَا: إِن كَانَ الْقَوْم كسَالَى يسْتَحبّ التَّعْجِيل، وَإِن كَانُوا راغبين يسْتَحبّ التَّأْخِير. وَفِيه: أَن التأني فِي الْأُمُور مَطْلُوب. وَفِيه: أَن التبشير لأحد بِمَا يسره مَحْبُوب لِأَن فِيهِ إِدْخَال السرُور فِي قلب الْمُؤمن.

23 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنَ النَّوْمِ قَبْلَ العِشَاءِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان كَرَاهَة النّوم قبل صَلَاة الْعشَاء.

(5/65)


568 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلاَمٍ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ الحَذَّاءُ عَنْ أبِي المِنْهَالِ عنْ أبِي بَرْزَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَكْرَهُ النَّوْمَ قَبْلَ العِشَاءِ والحَدِيثَ بَعْدَهَا. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو الْمنْهَال، بِكَسْر الْمِيم: اسْمه سيار بن سَلامَة الريَاحي، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف. وَأَبُو بَرزَة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء وَفتح الزَّاي الْمُعْجَمَة: اسْمه نَضْلَة بن عبيد الْأَسْلَمِيّ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: مُحَمَّد ابْن سَلام، كَذَا وَقع بِذكر أَبِيه فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَوَافَقَهُ ابْن السكن أَنه: ابْن سَلام، وَوَقع فِي أَكثر الرِّوَايَات: حَدثنَا مُحَمَّد غير مَنْسُوب، وَرِوَايَة أبي ذَر تفسره. وَقَالَ أَبُو نصر: إِن البُخَارِيّ يروي فِي (الْجَامِع) عَن مُحَمَّد بن سَلام وَمُحَمّد بن بشار وَمُحَمّد بن الْمثنى عَن عبد الْوَهَّاب وَسَلام، هَذَا بتَخْفِيف اللَّام.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قبل الْعشَاء) . أَي: قبل صَلَاة الْعشَاء. قَوْله: (والْحَدِيث) بِالنّصب عطف على قَوْله: (النّوم) أَي: وَكَانَ يكره الحَدِيث، أَي: المحادثة بعْدهَا، أَي: بعد الْعشَاء. وَهَذَا مَحْمُول على المحادثة الَّتِي لَا مصلحَة فِيهَا وَالَّتِي فِيهَا الْمصلحَة الدِّينِيَّة أَو الدُّنْيَوِيَّة فَلَا كَرَاهَة فِيهِ، وَبِهَذَا ينْدَفع الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ بِمَا ورد أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (كَانَ يتحدث بعد الْعشَاء) . وَأما سَبَب كَرَاهَة النّوم قبلهَا فَلِأَن فِيهِ تعرضا لفَوَات وَقتهَا باستغراق النّوم، وَلِئَلَّا يتساهل النَّاس فِي ذَلِك فيناموا عَن صلَاتهَا جمَاعَة. وَأما كَرَاهَة الحَدِيث بعْدهَا فَلِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى السهر، وَيخَاف مِنْهُ غَلَبَة النّوم عَن قيام اللَّيْل وَالذكر فِيهِ، أَو عَن صَلَاة الصُّبْح، وَلِأَن السهر سَبَب الكسل فِي النَّهَار عَمَّا يتَوَجَّه من حُقُوق الدّين ومصالح الدُّنْيَا، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: كره أَكثر أهل الْعلم النّوم قبل صَلَاة الْعشَاء، وَرخّص فِيهِ بَعضهم فِي رَمَضَان خَاصَّة، وَحمل الطَّحَاوِيّ الرُّخْصَة على مَا قبل دُخُول وَقت الْعشَاء، وَالْكَرَاهَة على مَا بعد دُخُوله. وَفِي (التَّوْضِيح) : وَاخْتلف السّلف فِي ذَلِك، فَكَانَ ابْن عمر يسب الَّذِي ينَام قبلهَا فِيمَا حَكَاهُ ابْن بطال: وَلَكِن رُوِيَ عَنهُ أَنه كَانَ يرقد قبلهَا، وَذكر عَنهُ: كَانَ ينَام ويوكل من يوقظه. روى معمر عَن أَيُّوب عَن نَافِع عَنهُ: أَنه كَانَ رُبمَا ينَام عَن الْعشَاء الْآخِرَة وَيَأْمُر أَن يُوقِظُوهُ. وَعَن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كُنَّا نجتنب الْفرش قبل الْعشَاء. وَكتب عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: لَا ينَام قبل أَن يُصليهَا، فَمن نَام فَلَا نَامَتْ عَيناهُ. وَكره ذَلِك أَبُو هُرَيْرَة وَابْن عَبَّاس وَعَطَاء وابراهيم وَمُجاهد وطاووس وَمَالك والكوفيون، وَرُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه رُبمَا أغفى قبل الْعشَاء، وَعَن أبي مُوسَى وَعبيدَة، ينَام ويوكل من يوقظه، وَعَن عُرْوَة وَابْن سِيرِين وَالْحكم: أَنهم كَانُوا ينامون نومَة قبل الصَّلَاة، وَكَانَ أَصْحَاب عبد الله يَفْعَلُونَ ذَلِك، وَبِه قَالَ بعض الْكُوفِيّين، وَاحْتج لَهُم بِأَنَّهُ كره ذَلِك لمن خشِي الْفَوات فِي الْوَقْت وَالْجَمَاعَة، أما من وكل بِهِ من يوقظه لوَقْتهَا فمباح، فَدلَّ على أَن النَّهْي لَيْسَ للتَّحْرِيم لفعل الصَّحَابَة، لَكِن الْأَخْذ بِظَاهِر الحَدِيث أحوط.