عمدة القاري شرح صحيح البخاري

24 - (بابُ النَّوْمِ قَبْلَ العِشَاءِ لِمَنْ غُلِبَ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم النّوم قبل صَلَاة الْعشَاء، لمن غُلب، على صِيغَة الْمَجْهُول، أَي: لمن غلب عَلَيْهِ النّوم، وَتَمام الْكَلَام مُقَدّر، يَعْنِي: لَا بَأْس بِهِ، والْحَدِيث الثَّانِي فِي هَذَا الْبَاب يدل على هَذَا.

569 - حدَّثنا أيُّوبُ بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدَّثني أبُو بَكْرٍ عنْ سُلَيْمَانَ قَالَ صالِحُ بنُ كَيْسَانَ أَخْبرنِي ابنُ شِهَابٍ عَن عُرْوَةَ أنَّ عَائِشَةَ قالَتْ أعْتَمَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالعِشَاءِ حَتَّى نادَاهُ عُمَرُ الصَّلاَةَ نامَ النِّساءُ والصِّبْيَانُ فَخَرَجَ فقالَ مَا يَنْتَظِرُهَا أحَدٌ مِنْ أهْلِ الأرْضِ غَيْرُكُمُ قَالَ ولاَ تُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إلاَّ بِالمَدِينَةِ قَالَ وكانُوا يُصَلُّونَ العِشَاءَ فِيما بَيْنَ أنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلِثِ اللَّيْلِ الأوَّلِ. (انْظُر الحَدِيث 566 وطرفييه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (نَام النِّسَاء وَالصبيان) فَإِنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يُنكر على من نَام من الَّذين كَانُوا

(5/66)


ينتظرون خُرُوجه لصَلَاة الْعشَاء، وَلم يكن نومهم إِلَّا حِين غلب النّوم عَلَيْهِم.
ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: أَيُّوب ابْن سُلَيْمَان بن بِلَال، مولى عبد الله بن أبي عَتيق، واسْمه: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق، مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: أَبُو بكر، هُوَ عبد الحميد بن أبي أويس، واسْمه: عبد الله أَخُو إِسْمَاعِيل شيخ البُخَارِيّ، وَيعرف بالأعشى. الثَّالِث: سُلَيْمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب، وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد الْقرشِي التَّيْمِيّ، مولى عبد الله بن أبي عَتيق الْمَذْكُور آنِفا. الرَّابِع: صَالح ابْن كيسَان أَبُو مُحَمَّد، وَيُقَال: أَبُو الْحَارِث الْغِفَارِيّ مَوْلَاهُم. الْخَامِس: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. السَّادِس: عُرْوَة ابْن الزبير. السَّابِع: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي مَوضِع وبصيغة الْإِخْبَار المفردة من الْمَاضِي. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: شيخ البُخَارِيّ من الْأَفْرَاد. وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَمَّن روى عَن أَبِيه. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابَة. وَفِيه: القَوْل، فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أعتم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قد مر مَعْنَاهُ فِي بَاب فضل الْعشَاء لِأَن الحَدِيث قد تقدم فِيهِ، رَوَاهُ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب. قَوْله: (الصَّلَاة) ، نصب على الإغراء. قَوْله: (نَام النِّسَاء) من تَتِمَّة كَلَام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وَلَا تصلَّى) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. أَي: لَا تصل الصَّلَاة بالهيئة الْمَخْصُوصَة بِالْجَمَاعَة إلاَّ بِالْمَدِينَةِ، وَبِه صرح الدَّاودِيّ، لِأَن من كَانَ بِمَكَّة من الْمُسْتَضْعَفِينَ لم يَكُونُوا يصلونَ إلاَّ سرّا، وَأما غير مَكَّة وَالْمَدينَة من الْبِلَاد فَلم يكن الْإِسْلَام دَخلهَا. قَوْله: (قَالَ) ، أَي: الرَّاوِي، وَلم يقل: قَالَت، نظرا إِلَى الرَّاوِي سَوَاء كَانَ الْقَائِل بِهِ عَائِشَة أَو غَيرهَا. قَوْله: (بَين أَن يغيب) لَا بُد من تَقْدِير أَجزَاء المغيب حَتَّى يَصح دُخُول: بَين، عَلَيْهِ. و: (الشَّفق) الْبيَاض دون الْحمرَة عِنْد أبي حنيفَة، وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ هُوَ: الْحمرَة. قَوْله: (الأول) بِالْجَرِّ صفة: الثُّلُث، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب زِيَادَة فِي هَذَا الحَدِيث، وَهِي: قَالَ ابْن شهَاب: (وَذكر لي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَمَا كَانَ لَكِن أَن تنزروا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، للصَّلَاة، وَذَلِكَ حِين صَاح عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) قَوْله: (تنزروا) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون النُّون وَضم الزَّاي بعْدهَا رَاء أَي: تلحوا عَلَيْهِ، وَرُوِيَ بِضَم أَوله بعْدهَا بَاء مُوَحدَة ثمَّ رَاء مَكْسُورَة ثمَّ زَاي أَي: تحرجوا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: مَا ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث الأول فِي بَاب فضل الْعشَاء. وَفِيه: تذكير الإِمَام. وَفِيه: أَنه إِذا تَأَخّر عَن أَصْحَابه، أَو جرى مِنْهُ مَا يظنّ أَنه يشق عَلَيْهِم، يعْتَذر إِلَيْهِم وَيَقُول لَهُم: لكم فِيهِ مصلحَة من جِهَة كَذَا، أَو: كَانَ لي عذر، وَنَحْوه.
570 - 571 حدَّثنا مَحْمُودُ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبرنِي ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبرنِي نافِعٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً فَأخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي المَسْجِدِ ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثمَّ رَقَدْنَا ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَاثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ قَالَ لَيْسَ أحَدٌ مِنْ أهْلِ الأرْضِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ غَيْرُكُمْ وكانَ ابنُ عُمَرَ لَا يُبَالِي أقَدَّمَهَا أم أخَّرَهَا إذَا كانَ لاَ يَخْشَى أنْ يَغْلِبَهُ النوْمُ عنْ وَقْتِهَا وكانَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا قَالَ ابنُ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ فقَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ أعْتَمَ رسولُ الله لَيْلَةً بِالعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ واسْتَيْقَظُوا وَرَقَدُوا واسْتَيْقَظُوا فقامَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ فَقَالَ الصَّلاَةَ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابنُ عبَّاسٍ فِخَرَجَ نَبِيُّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كأنِّي أنْظُرُ إلَيْهِ الآنَ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاء واضِعا يَدَهُ عَلَى رَأسِهِ فَقَالَ لَوْلاَ أنْ أشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أنْ يُصَلُّوها هَكَذَا فاسْتَثْبَتُّ عَطَاءً كَيْفَ وضعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَهُ عَلَى رَأسِهِ كَمَا أنْبَأَهُ ابنُ عبَّاسٍ فَبَدَّدَ لِي عَطَاءٌ بَيْنَ أصَابِعِهِ شَيْئَا مِنْ تَبْدِيدٍ ثمَّ وَضَعَ أطْرَافَ أصَابِعِه على

(5/67)


قَرْنِ الرَّأْسِ ثُمَّ ضَمَّهَا يُمِرُّهَا عَلى الرَّأْسِ حَتَّى مَسَّت إبهَامُهُ طَرَفَ الأُذُنِ مِمَّا يَلِي الوَجْهَ عَلى الصُّدْغِ وناحِيَةَ اللِّحْيَةِ لاَ يُقَصِّرُ ولاَ يَبْطُشُ إِلَّا كَذَلِكَ وَقَالَ لَوْلاَ أنْ أشقَّ عَلى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَن يُصَلّوا هَكذَا. (الحَدِيث 571 طرفه فِي: 7239) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حَتَّى رقدنا فِي الْمَسْجِد) وَفِي قَوْله: (رقد النَّاس) ، وَفِي قَوْله: (وَكَانَ يرقد قبلهَا) ، أَي: كَانَ ابْن عمر يرقد قبل الْعشَاء، وَحمله البُخَارِيّ على مَا إِذا غَلبه النّوم، وَهُوَ اللَّائِق بِحَال ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مَحْمُود بن غيلَان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: الْحَافِظ الْمروزِي، تقدم. الثَّانِي: عبد الرَّزَّاق الْيَمَانِيّ، تقدم. الثَّالِث: عبد الْملك بن جريج. الرَّابِع: نَافِع مولى ابْن عمر. الْخَامِس: عبد الله بن عمر.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي مَوضِع. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي ويماني ومكي ومدني.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن رَافع. وَأخرجه: أَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَة عَن أَحْمد ابْن حَنْبَل إِلَى قَوْله: (لَيْسَ أحد ينْتَظر الصَّلَاة غَيْركُمْ) . وَأخرجه مُسلم عَن عَطاء مُفردا مَفْصُولًا من حَدِيث نَافِع بِلَفْظ: (قلت لعطاء: أَي: حِين أحب إِلَيْك أَن أُصَلِّي الْعشَاء؟ فَقَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس) الحَدِيث. قلت: لعطاء: كم ذكر لَك أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَخّرهَا ليلتئذ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي. قَالَ عَطاء: وَأحب إِلَيّ أَن تصليها إِمَامًا وخلوا مؤخرة، كَمَا صلاهَا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ليلتئذ، فَإِن شقّ ذَلِك عَلَيْك خلوا. أَو على النَّاس فِي الْجَمَاعَة وَأَنت إمَامهمْ فصلها وسطا لَا مُعجلَة وَلَا مؤخرة. وَعند النَّسَائِيّ: عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، وَعَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: (أخر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشَاء ذَات لَيْلَة حَتَّى ذهب اللَّيْل، فَقَامَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَنَادَى: الصَّلَاة يَا رَسُول الله، رقد النِّسَاء والولدان. فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمَاء يقطر من رَأسه، فَقَالَ: إِنَّه للْوَقْت، لَوْلَا أشق على أمتِي لصليت بهم هَذِه السَّاعَة) .
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (شغل) ، بِلَفْظ الْمَجْهُول، قَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال: شغلت عَنْك بِكَذَا، على مَا لم يسم فَاعله. قَوْله: ((عَنْهَا) أَي: عَن وَقتهَا، أَي: متجاوزا عَنهُ. قَوْله: (وَكَانَ ابْن عمر لَا يُبَالِي) أَي: لَا يكترث أقدَّم الْعشَاء أم أَخّرهَا عِنْد عدم خَوفه من غَلَبَة النّوم عَن وَقت الْعشَاء، وَقد (كَانَ يرقد قبلهَا) أَي: قبل الْعشَاء. قَوْله: (قَالَ ابْن جريج) أَي: قَالَ عبد الْملك بن جريج بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قبله، وَهُوَ: مَحْمُود بن غيلَان عَن عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج، وَلَيْسَ هُوَ بتعليق، وَقد أخرجه عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) بالإسنادين، وَأخرجه من طَرِيقه الطَّبَرَانِيّ وَعنهُ أَبُو نعيم فِي (مستخرجه) . قَوْله: (فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَقَالَ: الصَّلَاة)) وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: زَاد: (رقد النِّسَاء وَالصبيان) ، كَمَا فِي حَدِيث عَائِشَة، و: الصَّلَاة، مَنْصُوبَة على الإغراء. قَوْله: (يقطر رَأسه مَاء) جملَة فعلية مضارعية وَقت حَالا بِدُونِ: الْوَاو، وَالْمعْنَى: يقطر مَاء رَأسه، لِأَن التَّمْيِيز فِي حكم الْفَاعِل. قَوْله: (وَاضِعا يَده على رَأسه) ، أَيْضا حَال. وَكَانَ قد اغْتسل قبل أَن يخرج. وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: (على رَأْسِي) ، وَهَذَا وهم. قَوْله: (فاستثبت) . مقول ابْن جريج بِلَفْظ الْمُتَكَلّم، والاستثبات: طلب التثبيت، وَهُوَ التَّأْكِيد فِي سُؤَاله. قَوْله: (عَطاء) مَنْصُوب بقوله: فاستثبت) وَهُوَ عَطاء ابْن أبي رَبَاح، وَقد تردد فِيهِ الْكرْمَانِي بَين عَطاء بن يسَار وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَالْحَامِل عَلَيْهِ كَون كل مِنْهُمَا يروي عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ بَعضهم: وَوهم من زعم أَنه ابْن يسَار. قلت: أَرَادَ بِهِ الْكرْمَانِي: وَلكنه مَا جزم بِأَنَّهُ ابْن يسَار، بل قَالَ: الظَّاهِر أَنه عَطاء بن يسَار، وَيحْتَمل عَطاء بن أبي رَبَاح. قَوْله: (كَمَا أنبأه) أَي: مثل مَا أخبرهُ ابْن عَبَّاس. قَوْله: (فبدد) أَي: فرق، التبديد: التَّفْرِيق. قَوْله: (على قرن الرَّأْس) ، الْقرن، بِسُكُون الرَّاء: جَانب الرَّأْس. قَوْله: (ثمَّ ضمهَا) أَي: ثمَّ ضم أَصَابِعه، وَهُوَ بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْمِيم. وَفِي رِوَايَة مُسلم: (وصبها) ، بالصَّاد الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقَالَ عِيَاض، رَحمَه الله: هُوَ الصَّوَاب، لِأَنَّهُ يصف عصر المَاء من الشّعْر بِالْيَدِ. قَوْله: (حَتَّى مست إبهامه طرف الْأذن) ، فإبهامه مَرْفُوع بالفاعلية، وطرف الْأذن مَنْصُوب على المفعولية. وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني بإفراد الْإِبْهَام، وَفِي رِوَايَة غَيره إبهاميه بالتثنية وَالنّصب، ووجهها أَن يكون قَوْله: (إبهاميه)

(5/68)


مَنْصُوبًا على المفعولية. و: (طرف الْأذن) مَرْفُوعا بالفاعلية، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن حجاج عَن ابْن جريج: (حَتَّى مست إبهاماه طرف الْأذن) . فَإِن قلت: فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: كَيفَ أنث الْفِعْل الْمسند إِلَى الطّرف وَهُوَ مُذَكّر؟ قلت: لِأَن الْمُضَاف اكْتسب التَّأْنِيث من الْمُضَاف إِلَيْهِ لشدَّة الِاتِّصَال بَينهمَا، فأنث كَذَلِك. قَوْله: (لَا يقصر) ، بِالْقَافِ من التَّقْصِير، وَمَعْنَاهُ لَا يبطىء. وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَا يعصر، بِالْعينِ. قَوْله: (وَلَا يبطش) أَي: لَا يستعجل. قَوْله: (لأمرتهم) أَي: انْتِفَاء الْأَمر لوُجُود الْمَشَقَّة. قَوْله: (وَهَكَذَا) أَي: فِي هَذَا الْوَقْت بَين ذَلِك فِي رِوَايَة أُخْرَى بقوله: (إِنَّه للْوَقْت) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: إِبَاحَة النّوم قبل الْعشَاء لمن يغلب عَلَيْهِ النّوم وَلمن تعرض لَهُ ضَرُورَة لَازِمَة. وَفِيه: الدّلَالَة على فَضِيلَة صَلَاة الْعشَاء. وَفِيه: تذكير الإِمَام والإعلام بِالصَّلَاةِ. وَفِيه: اسْتِحْبَاب حُضُور النِّسَاء وَالصبيان الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة. وَفِيه: أَن النّوم من الْقَاعِد لَا ينْقض الْوضُوء إِذا كَانَ مَقْعَده مُمكنا، وَهَذَا هُوَ محمل الحَدِيث، وَهُوَ مَذْهَب الْأَكْثَرين، وَالصَّحِيح من مَذْهَب الشَّافِعِي، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه لم يذكر أحد من الروَاة أَنهم توضأوا من ذَلِك النّوم، وَلَا يدل لفظ: (ثمَّ استيقظوا) ، على النّوم الْمُسْتَغْرق الَّذِي يزِيل الْعقل، لِأَن الْعَرَب تَقول: اسْتَيْقَظَ من سنته وغفلته. وَفِيه: رد على الْمُزنِيّ حَيْثُ يَقُول: قَلِيل النّوم وَكَثِيره حدث ينْقض الْوضُوء. لِأَنَّهُ محَال أَن يذهب على أَصْحَابه أَن النّوم حدث فيصلون بِهِ.
ثمَّ إعلم أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي النّوم، فمذهب الْبَعْض إِلَى أَن النّوم لَا ينْقض الْوضُوء على أَي حَالَة كَانَ، وَهَذَا محكي عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَسَعِيد بن الْمسيب وَأبي مجلز وَحميد الْأَعْرَج وَشعْبَة. وَمذهب الْبَعْض أَنه ينْقض بِكُل حَال، وَهُوَ مَذْهَب الْحسن الْبَصْرِيّ والمزني وَأبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَهُوَ قَول غَرِيب للشَّافِعِيّ. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَبِه أَقُول. قَالَ: وَقد رُوِيَ مَعْنَاهُ عَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة. وَمذهب الْبَعْض أَن كَثِيره ينقص بِكُل حَال وقليله لَا ينْقض بِكُل حَال، وَهُوَ مَذْهَب الزُّهْرِيّ وَرَبِيعَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَأحمد فِي رِوَايَة. وَمذهب الْبَعْض أَنه إِذا نَام على هَيْئَة من هيئات الْمُصَلِّين: كالراكع والساجد والقائم والقاعد، لَا ينْتَقض وضوؤه، سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو لم يكن، وَإِن نَام مضطجعآ أَو مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ انْتقض، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَدَاوُد وَقَول غَرِيب للشَّافِعِيّ، وَمذهب الْبَعْض أَنه لَا ينْقض إِلَّا نوم الرَّاكِع والساجد، وَرُوِيَ هَذَا عَن أَحْمد أَيْضا. وَمذهب الْبَعْض: لَا ينْقض النّوم فِي الصَّلَاة بِكُل حَال، وينقض خَارج الصَّلَاة. وَهُوَ قَول ضَعِيف للشَّافِعِيّ. وَمذهب الْبَعْض أَنه إِذا نَام جَالِسا مُمكنا مقعدته من الأَرْض لم ينْتَقض، وإلاَّ انْتقض، سَوَاء قل أَو كثر، وَسَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو خَارِجهَا، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي.

569 - حدَّثنا أيُّوبُ بنُ سُلَيْمَانَ قَالَ حدَّثني أبُو بَكْرٍ عنْ سُلَيْمَانَ قَالَ صالِحُ بنُ كَيْسَانَ أَخْبرنِي ابنُ شِهَابٍ عَن عُرْوَةَ أنَّ عَائِشَةَ قالَتْ أعْتَمَ رَسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالعِشَاءِ حَتَّى نادَاهُ عُمَرُ الصَّلاَةَ نامَ النِّساءُ والصِّبْيَانُ فَخَرَجَ فقالَ مَا يَنْتَظِرُهَا أحَدٌ مِنْ أهْلِ الأرْضِ غَيْرُكُمُ قَالَ ولاَ تُصَلَّى يَوْمَئِذٍ إلاَّ بِالمَدِينَةِ قَالَ وكانُوا يُصَلُّونَ العِشَاءَ فِيما بَيْنَ أنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلِثِ اللَّيْلِ الأوَّلِ. (انْظُر الحَدِيث 566 وطرفييه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (نَام النِّسَاء وَالصبيان) فَإِنَّهُ، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، لم يُنكر على من نَام من الَّذين كَانُوا ينتظرون خُرُوجه لصَلَاة الْعشَاء، وَلم يكن نومهم إِلَّا حِين غلب النّوم عَلَيْهِم.
ذكر رِجَاله: وهم سَبْعَة: الأول: أَيُّوب ابْن سُلَيْمَان بن بِلَال، مولى عبد الله بن أبي عَتيق، واسْمه: مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن أبي بكر الصّديق، مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: أَبُو بكر، هُوَ عبد الحميد بن أبي أويس، واسْمه: عبد الله أَخُو إِسْمَاعِيل شيخ البُخَارِيّ، وَيعرف بالأعشى. الثَّالِث: سُلَيْمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب، وَيُقَال: أَبُو مُحَمَّد الْقرشِي التَّيْمِيّ، مولى عبد الله بن أبي عَتيق الْمَذْكُور آنِفا. الرَّابِع: صَالح ابْن كيسَان أَبُو مُحَمَّد، وَيُقَال: أَبُو الْحَارِث الْغِفَارِيّ مَوْلَاهُم. الْخَامِس: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. السَّادِس: عُرْوَة ابْن الزبير. السَّابِع: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي مَوضِع وبصيغة الْإِخْبَار المفردة من الْمَاضِي. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: شيخ البُخَارِيّ من الْأَفْرَاد. وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَمَّن روى عَن أَبِيه. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابَة. وَفِيه: القَوْل، فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أعتم الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) قد مر مَعْنَاهُ فِي بَاب فضل الْعشَاء لِأَن الحَدِيث قد تقدم فِيهِ، رَوَاهُ عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب. قَوْله: (الصَّلَاة) ، نصب على الإغراء. قَوْله: (نَام النِّسَاء) من تَتِمَّة كَلَام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَوْله: (وَلَا تصلَّى) ، على صِيغَة الْمَجْهُول. أَي: لَا تصل الصَّلَاة بالهيئة الْمَخْصُوصَة بِالْجَمَاعَة إلاَّ بِالْمَدِينَةِ، وَبِه صرح الدَّاودِيّ، لِأَن من كَانَ بِمَكَّة من الْمُسْتَضْعَفِينَ لم يَكُونُوا يصلونَ إلاَّ سرّا، وَأما غير مَكَّة وَالْمَدينَة من الْبِلَاد فَلم يكن الْإِسْلَام دَخلهَا. قَوْله: (قَالَ) ، أَي: الرَّاوِي، وَلم يقل: قَالَت، نظرا إِلَى الرَّاوِي سَوَاء كَانَ الْقَائِل بِهِ عَائِشَة أَو غَيرهَا. قَوْله: (بَين أَن يغيب) لَا بُد من تَقْدِير أَجزَاء المغيب حَتَّى يَصح دُخُول: بَين، عَلَيْهِ. و: (الشَّفق) الْبيَاض دون الْحمرَة عِنْد أبي حنيفَة، وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد وَالشَّافِعِيّ هُوَ: الْحمرَة. قَوْله: (الأول) بِالْجَرِّ صفة: الثُّلُث، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن يُونُس عَن ابْن شهَاب زِيَادَة فِي هَذَا الحَدِيث، وَهِي: قَالَ ابْن شهَاب: (وَذكر لي أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: وَمَا كَانَ لَكِن أَن تنزروا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، للصَّلَاة، وَذَلِكَ حِين صَاح عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ) قَوْله: (تنزروا) ، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَسُكُون النُّون وَضم الزَّاي بعْدهَا رَاء أَي: تلحوا عَلَيْهِ، وَرُوِيَ بِضَم أَوله بعْدهَا بَاء مُوَحدَة ثمَّ رَاء مَكْسُورَة ثمَّ زَاي أَي: تحرجوا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: مَا ذَكرْنَاهُ فِي الحَدِيث الأول فِي بَاب فضل الْعشَاء. وَفِيه: تذكير الإِمَام. وَفِيه: أَنه إِذا تَأَخّر عَن أَصْحَابه، أَو جرى مِنْهُ مَا يظنّ أَنه يشق عَلَيْهِم، يعْتَذر إِلَيْهِم وَيَقُول لَهُم: لكم فِيهِ مصلحَة من جِهَة كَذَا، أَو: كَانَ لي عذر، وَنَحْوه.
570 - 571 حدَّثنا مَحْمُودُ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أَخْبرنِي ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبرنِي نافِعٌ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ عُمَرَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شُغِلَ عَنْهَا لَيْلَةً فَأخَّرَهَا حَتَّى رَقَدْنَا فِي المَسْجِدِ ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَا ثمَّ رَقَدْنَا ثُمَّ اسْتَيْقَظْنَاثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ قَالَ لَيْسَ أحَدٌ مِنْ أهْلِ الأرْضِ يَنْتَظِرُ الصَّلاَةَ غَيْرُكُمْ وكانَ ابنُ عُمَرَ لَا يُبَالِي أقَدَّمَهَا أم أخَّرَهَا إذَا كانَ لاَ يَخْشَى أنْ يَغْلِبَهُ النوْمُ عنْ وَقْتِهَا وكانَ يَرْقُدُ قَبْلَهَا قَالَ ابنُ جُرَيْجٍ قُلْتُ لِعَطَاءٍ فقَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ أعْتَمَ رسولُ الله لَيْلَةً بِالعِشَاءِ حَتَّى رَقَدَ النَّاسُ واسْتَيْقَظُوا وَرَقَدُوا واسْتَيْقَظُوا فقامَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ فَقَالَ الصَّلاَةَ قَالَ عَطَاءٌ قَالَ ابنُ عبَّاسٍ فِخَرَجَ نَبِيُّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كأنِّي أنْظُرُ إلَيْهِ الآنَ يَقْطُرُ رَأْسُهُ مَاء واضِعا يَدَهُ عَلَى رَأسِهِ فَقَالَ لَوْلاَ أنْ أشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أنْ يُصَلُّوها هَكَذَا فاسْتَثْبَتُّ عَطَاءً كَيْفَ وضعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدَهُ عَلَى رَأسِهِ كَمَا أنْبَأَهُ ابنُ عبَّاسٍ فَبَدَّدَ لِي عَطَاءٌ بَيْنَ أصَابِعِهِ شَيْئَا مِنْ تَبْدِيدٍ ثمَّ وَضَعَ أطْرَافَ أصَابِعِه على قَرْنِ الرَّأْسِ ثُمَّ ضَمَّهَا يُمِرُّهَا عَلى الرَّأْسِ حَتَّى مَسَّت إبهَامُهُ طَرَفَ الأُذُنِ مِمَّا يَلِي الوَجْهَ عَلى الصُّدْغِ وناحِيَةَ اللِّحْيَةِ لاَ يُقَصِّرُ ولاَ يَبْطُشُ إِلَّا كَذَلِكَ وَقَالَ لَوْلاَ أنْ أشقَّ عَلى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ أَن يُصَلّوا هَكذَا. (الحَدِيث 571 طرفه فِي: 7239) .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حَتَّى رقدنا فِي الْمَسْجِد) وَفِي قَوْله: (رقد النَّاس) ، وَفِي قَوْله: (وَكَانَ يرقد قبلهَا) ، أَي: كَانَ ابْن عمر يرقد قبل الْعشَاء، وَحمله البُخَارِيّ على مَا إِذا غَلبه النّوم، وَهُوَ اللَّائِق بِحَال ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مَحْمُود بن غيلَان، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: الْحَافِظ الْمروزِي، تقدم. الثَّانِي: عبد الرَّزَّاق الْيَمَانِيّ، تقدم. الثَّالِث: عبد الْملك بن جريج. الرَّابِع: نَافِع مولى ابْن عمر. الْخَامِس: عبد الله بن عمر.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي مَوضِع. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين مروزي ويماني ومكي ومدني.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن رَافع. وَأخرجه: أَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَة عَن أَحْمد ابْن حَنْبَل إِلَى قَوْله: (لَيْسَ أحد ينْتَظر الصَّلَاة غَيْركُمْ) . وَأخرجه مُسلم عَن عَطاء مُفردا مَفْصُولًا من حَدِيث نَافِع بِلَفْظ: (قلت لعطاء: أَي: حِين أحب إِلَيْك أَن أُصَلِّي الْعشَاء؟ فَقَالَ: سَمِعت ابْن عَبَّاس) الحَدِيث. قلت: لعطاء: كم ذكر لَك أَن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَخّرهَا ليلتئذ؟ فَقَالَ: لَا أَدْرِي. قَالَ عَطاء: وَأحب إِلَيّ أَن تصليها إِمَامًا وخلوا مؤخرة، كَمَا صلاهَا النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ليلتئذ، فَإِن شقّ ذَلِك عَلَيْك خلوا. أَو على النَّاس فِي الْجَمَاعَة وَأَنت إمَامهمْ فصلها وسطا لَا مُعجلَة وَلَا مؤخرة. وَعند النَّسَائِيّ: عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس، وَعَن ابْن جريج عَن عَطاء عَن ابْن عَبَّاس: (أخر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الْعشَاء ذَات لَيْلَة حَتَّى ذهب اللَّيْل، فَقَامَ عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَنَادَى: الصَّلَاة يَا رَسُول الله، رقد النِّسَاء والولدان. فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالْمَاء يقطر من رَأسه، فَقَالَ: إِنَّه للْوَقْت، لَوْلَا أشق على أمتِي لصليت بهم هَذِه السَّاعَة) .
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (شغل) ، بِلَفْظ الْمَجْهُول، قَالَ الْجَوْهَرِي: يُقَال: شغلت عَنْك بِكَذَا، على مَا لم يسم فَاعله. قَوْله: ((عَنْهَا) أَي: عَن وَقتهَا، أَي: متجاوزا عَنهُ. قَوْله: (وَكَانَ ابْن عمر لَا يُبَالِي) أَي: لَا يكترث أقدَّم الْعشَاء أم أَخّرهَا عِنْد عدم خَوفه من غَلَبَة النّوم عَن وَقت الْعشَاء، وَقد (كَانَ يرقد قبلهَا) أَي: قبل الْعشَاء. قَوْله: (قَالَ ابْن جريج) أَي: قَالَ عبد الْملك بن جريج بِالْإِسْنَادِ الَّذِي قبله، وَهُوَ: مَحْمُود بن غيلَان عَن عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج، وَلَيْسَ هُوَ بتعليق، وَقد أخرجه عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) بالإسنادين، وَأخرجه من طَرِيقه الطَّبَرَانِيّ وَعنهُ أَبُو نعيم فِي (مستخرجه) . قَوْله: (فَقَامَ عمر بن الْخطاب فَقَالَ: الصَّلَاة)) وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ: زَاد: (رقد النِّسَاء وَالصبيان) ، كَمَا فِي حَدِيث عَائِشَة، و: الصَّلَاة، مَنْصُوبَة على الإغراء. قَوْله: (يقطر رَأسه مَاء) جملَة فعلية مضارعية وَقت حَالا بِدُونِ: الْوَاو، وَالْمعْنَى: يقطر مَاء رَأسه، لِأَن التَّمْيِيز فِي حكم الْفَاعِل. قَوْله: (وَاضِعا يَده على رَأسه) ، أَيْضا حَال. وَكَانَ قد اغْتسل قبل أَن يخرج. وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: (على رَأْسِي) ، وَهَذَا وهم. قَوْله: (فاستثبت) . مقول ابْن جريج بِلَفْظ الْمُتَكَلّم، والاستثبات: طلب التثبيت، وَهُوَ التَّأْكِيد فِي سُؤَاله. قَوْله: (عَطاء) مَنْصُوب بقوله: فاستثبت) وَهُوَ عَطاء ابْن أبي رَبَاح، وَقد تردد فِيهِ الْكرْمَانِي بَين عَطاء بن يسَار وَعَطَاء بن أبي رَبَاح، وَالْحَامِل عَلَيْهِ كَون كل مِنْهُمَا يروي عَن ابْن عَبَّاس. وَقَالَ بَعضهم: وَوهم من زعم أَنه ابْن يسَار. قلت: أَرَادَ بِهِ الْكرْمَانِي: وَلكنه مَا جزم بِأَنَّهُ ابْن يسَار، بل قَالَ: الظَّاهِر أَنه عَطاء بن يسَار، وَيحْتَمل عَطاء بن أبي رَبَاح. قَوْله: (كَمَا أنبأه) أَي: مثل مَا أخبرهُ ابْن عَبَّاس. قَوْله: (فبدد) أَي: فرق، التبديد: التَّفْرِيق. قَوْله: (على قرن الرَّأْس) ، الْقرن، بِسُكُون الرَّاء: جَانب الرَّأْس. قَوْله: (ثمَّ ضمهَا) أَي: ثمَّ ضم أَصَابِعه، وَهُوَ بالضاد الْمُعْجَمَة وَالْمِيم. وَفِي رِوَايَة مُسلم: (وصبها) ، بالصَّاد الْمُهْملَة وَالْبَاء الْمُوَحدَة، وَقَالَ عِيَاض، رَحمَه الله: هُوَ الصَّوَاب، لِأَنَّهُ يصف عصر المَاء من الشّعْر بِالْيَدِ. قَوْله: (حَتَّى مست إبهامه طرف الْأذن) ، فإبهامه مَرْفُوع بالفاعلية، وطرف الْأذن مَنْصُوب على المفعولية. وَهَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني بإفراد الْإِبْهَام، وَفِي رِوَايَة غَيره إبهاميه بالتثنية وَالنّصب، ووجهها أَن يكون قَوْله: (إبهاميه) مَنْصُوبًا على المفعولية. و: (طرف الْأذن) مَرْفُوعا بالفاعلية، وَوَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ عَن حجاج عَن ابْن جريج: (حَتَّى مست إبهاماه طرف الْأذن) . فَإِن قلت: فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: كَيفَ أنث الْفِعْل الْمسند إِلَى الطّرف وَهُوَ مُذَكّر؟ قلت: لِأَن الْمُضَاف اكْتسب التَّأْنِيث من الْمُضَاف إِلَيْهِ لشدَّة الِاتِّصَال بَينهمَا، فأنث كَذَلِك. قَوْله: (لَا يقصر) ، بِالْقَافِ من التَّقْصِير، وَمَعْنَاهُ لَا يبطىء. وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: لَا يعصر، بِالْعينِ. قَوْله: (وَلَا يبطش) أَي: لَا يستعجل. قَوْله: (لأمرتهم) أَي: انْتِفَاء الْأَمر لوُجُود الْمَشَقَّة. قَوْله: (وَهَكَذَا) أَي: فِي هَذَا الْوَقْت بَين ذَلِك فِي رِوَايَة أُخْرَى بقوله: (إِنَّه للْوَقْت) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: إِبَاحَة النّوم قبل الْعشَاء لمن يغلب عَلَيْهِ النّوم وَلمن تعرض لَهُ ضَرُورَة لَازِمَة. وَفِيه: الدّلَالَة على فَضِيلَة صَلَاة الْعشَاء. وَفِيه: تذكير الإِمَام والإعلام بِالصَّلَاةِ. وَفِيه: اسْتِحْبَاب حُضُور النِّسَاء وَالصبيان الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة. وَفِيه: أَن النّوم من الْقَاعِد لَا ينْقض الْوضُوء إِذا كَانَ مَقْعَده مُمكنا، وَهَذَا هُوَ محمل الحَدِيث، وَهُوَ مَذْهَب الْأَكْثَرين، وَالصَّحِيح من مَذْهَب الشَّافِعِي، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ أَنه لم يذكر أحد من الروَاة أَنهم توضأوا من ذَلِك النّوم، وَلَا يدل لفظ: (ثمَّ استيقظوا) ، على النّوم الْمُسْتَغْرق الَّذِي يزِيل الْعقل، لِأَن الْعَرَب تَقول: اسْتَيْقَظَ من سنته وغفلته. وَفِيه: رد على الْمُزنِيّ حَيْثُ يَقُول: قَلِيل النّوم وَكَثِيره حدث ينْقض الْوضُوء. لِأَنَّهُ محَال أَن يذهب على أَصْحَابه أَن النّوم حدث فيصلون بِهِ.
ثمَّ إعلم أَن الْعلمَاء اخْتلفُوا فِي النّوم، فمذهب الْبَعْض إِلَى أَن النّوم لَا ينْقض الْوضُوء على أَي حَالَة كَانَ، وَهَذَا محكي عَن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَسَعِيد بن الْمسيب وَأبي مجلز وَحميد الْأَعْرَج وَشعْبَة. وَمذهب الْبَعْض أَنه ينْقض بِكُل حَال، وَهُوَ مَذْهَب الْحسن الْبَصْرِيّ والمزني وَأبي عبيد الْقَاسِم بن سَلام وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه، وَهُوَ قَول غَرِيب للشَّافِعِيّ. وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَبِه أَقُول. قَالَ: وَقد رُوِيَ مَعْنَاهُ عَن ابْن عَبَّاس وَأبي هُرَيْرَة. وَمذهب الْبَعْض أَن كَثِيره ينقص بِكُل حَال وقليله لَا ينْقض بِكُل حَال، وَهُوَ مَذْهَب الزُّهْرِيّ وَرَبِيعَة وَالْأَوْزَاعِيّ وَمَالك وَأحمد فِي رِوَايَة. وَمذهب الْبَعْض أَنه إِذا نَام على هَيْئَة من هيئات الْمُصَلِّين: كالراكع والساجد والقائم والقاعد، لَا ينْتَقض وضوؤه، سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو لم يكن، وَإِن نَام مضطجعآ أَو مُسْتَلْقِيا على قَفاهُ انْتقض، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَدَاوُد وَقَول غَرِيب للشَّافِعِيّ، وَمذهب الْبَعْض أَنه لَا ينْقض إِلَّا نوم الرَّاكِع والساجد، وَرُوِيَ هَذَا عَن أَحْمد أَيْضا. وَمذهب الْبَعْض: لَا ينْقض النّوم فِي الصَّلَاة بِكُل حَال، وينقض خَارج الصَّلَاة. وَهُوَ قَول ضَعِيف للشَّافِعِيّ. وَمذهب الْبَعْض أَنه إِذا نَام جَالِسا مُمكنا مقعدته من الأَرْض لم ينْتَقض، وإلاَّ انْتقض، سَوَاء قل أَو كثر، وَسَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو خَارِجهَا، وَهُوَ مَذْهَب الشَّافِعِي.

25 - (بابُ وقْتِ العِشَاءِ إلَى نِصْفِ الليْلِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن وَقت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل، وَهَذِه التَّرْجَمَة تدل على أَن اخْتِيَاره فِي آخر وَقت الْعشَاء إِلَى نصف اللَّيْل، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ حَدِيث الْبَاب، وَقد تكلمنا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة فِي بَاب وَقت الْعَصْر فِيمَا مضى. وَقَالَ الْكرْمَانِي: ظَاهر التَّرْجَمَة مشْعر بِأَن مَذْهَب البُخَارِيّ: أَن وَقت الْعشَاء إِلَى النّصْف فَقَط، وَلِهَذَا لم يذكر حَدِيثا يدل على امتداد وقته إِلَى الصُّبْح. انْتهى. قلت: مُرَاده من هَذَا وَقت الِاخْتِيَار لَا وَقت الْجَوَاز، وَهُوَ صَرِيح بذلك قبل كَلَامه هَذَا بِأَن المُرَاد من التَّرْجَمَة الْوَقْت الْمُخْتَار من الْعشَاء. وَقَالَ الْكرْمَانِي أَيْضا: فَإِن قلت: قد تقدم أَن الْوَقْت الْمُخْتَار إِلَى الثُّلُث كَمَا قَالَ فِي الْبَاب السَّابِق: (وَكَانُوا يصلونَ فِيمَا بَين أَن يغيب الشَّفق، إِلَى ثلث اللَّيْل) ؟ قلت: لَا مُنَافَاة بَينهمَا إِذْ الثُّلُث دَاخل فِي النّصْف.
وقالَ أبُو بَرْزَةَ كانَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَسْتَحِبُّ تأخِيرَهَا
هَذَا طرف من حَدِيث أبي بَرزَة الَّذِي تقدم فِي بَاب وَقت الْعَصْر، وَهُوَ الَّذِي رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن مقَاتل، وَفِيه: (وَكَانَ يسْتَحبّ أَن يُؤَخر الْعشَاء الَّتِي تدعونها الْعَتَمَة) . فَإِن قلت: هَذَا لَا يُطَابق التَّرْجَمَة لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهِ إِلَّا نصف اللَّيْل. قلت: لما وَردت أَحَادِيث فِي هَذَا الْبَاب بَعْضهَا مُقَيّد بِالثُّلثِ وَبَعضهَا بِالنِّصْفِ، كَانَ النّصْف غَايَة التَّأْخِير، فَدلَّ على التَّرْجَمَة دلَالَة لَا تَصْرِيحًا.

572 - حدَّثنا عَبْدُ الَّرحِيمِ المحَارِبي قَالَ حدَّثنا زَائِدَةُ عنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عنْ أنَسٍ

(5/69)


قَالَ أخَّرَ النَّبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلاَةَ العِشَاء إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ ثُمَّ صَلَّى ثُمَّ قَالَ قَدْ صَلَّى النَّاسُ ونامُوا أمَا إنَّكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُوهَا.

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة صَرِيحًا.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: عبد الرَّحِيم بن عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْمحَاربي الْكُوفِي، ويكنى أَبَا زِيَاد، وَهُوَ من قدماء شُيُوخ البُخَارِيّ، مَاتَ سنة إِحْدَى عشرَة وَمِائَتَيْنِ. وَلَيْسَ للْبُخَارِيّ فِي الصَّحِيح عَنهُ غير هَذَا الحَدِيث الْوَاحِد. قَوْله: (الْمحَاربي) ، بِضَم الْمِيم وإهمال الْحَاء وَكسر الرَّاء وبالباء الْمُوَحدَة، وَهُوَ نِسْبَة إِلَى: محَارب ابْن عَمْرو بن وَدِيعَة بن لكيز بن أفصى بن عبد الْقَيْس. الثَّانِي: زَائِدَة بن قدامَة، بِضَم الْقَاف، وَقد تقدم. الثَّالِث: حميد، بِضَم الْحَاء: الطَّوِيل. الرَّابِع: أنس بن مَالك.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ لَيْسَ لَهُ هَهُنَا إلاَّ هَذَا الحَدِيث. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي وبصري.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قد صلى النَّاس) ، أَي: المعهودون من الْمُسلمين إِذْ ذَاك. قَوْله: ((أما إِنَّكُم) ، بتَخْفِيف الْمِيم حرف التَّنْبِيه. قَوْله: (مَا انتظرتموها) أَي: مُدَّة انتظاركم، وَالْمعْنَى: أَن الرجل إِذا انْتظر الصَّلَاة فَكَأَنَّهُ فِي نفس الصَّلَاة.
وزَادَ ابنُ أبي مَرْيَمَ أخبرنَا يَحْيَى بنُ أيُّوبَ قَالَ حدَّثني حُمَيْدٌ أنَّهُ سَمِعَ أنَسا قَالَ كأنِّي أنْظُرُ إلَى وَبِيصِ خاتَمِهِ لَيْلَتَئِذٍ
وَهَذَا تَعْلِيق نبه بِهِ على أَن حميد الطَّوِيل سمع أنسا، وَذكر هَذَا التَّعْلِيق أَيْضا فِي اللبَاس بِلَفْظ: وَقَالَ يحيى بن أَيُّوب عَن حميد ... فَذكره. وَأخرجه مُسلم أَيْضا، وَوَصله الْبَغَوِيّ: حَدثنَا أَحْمد بن مَنْصُور، قَالَ حَدثنَا ابْن أبي مَرْيَم. . إِلَى آخِره، وَأول الحَدِيث: (سُئِلَ أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، هَل اتخذ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خَاتمًا؟ قَالَ: نعم، أخر الْعشَاء) . فَذكره وَفِي آخِره: (فَكَأَنِّي أنظر إِلَى وبيص خَاتمه ليلتئذ) . وَابْن أبي مَرْيَم: هُوَ سعيد بن الحكم الْمصْرِيّ. قَوْله: (وبيص خَاتمه) ، الوبيص، بِفَتْح الْوَاو وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وبالصاد الْمُهْملَة: البريث واللمعان. و: (الْخَاتم) فِيهِ أَربع لُغَات: كسر التَّاء وخاتام وخيتام. قَوْله: (ليلتئذ) أَي: لَيْلَة إِذْ أخر الصَّلَاة، والتنوين عوض عَن الْمُضَاف إِلَيْهِ.

26 - (بابُ فَضْلِ صَّلاَةِ الفَجْرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صَلَاة الْفجْر. قَوْله: (وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر وَلم يَقع فِي رِوَايَة غَيره. قَالَ الْكرْمَانِي: وَلم تظهر مُنَاسبَة لفظ الحَدِيث فِي هَذَا الْموضع، وَقد يُقَال: الْغَرَض مِنْهُ بَاب كَذَا: وَبَاب الحَدِيث الْوَارِد فِي فضل صَلَاة الْفجْر. وَقَالَ بَعضهم: وَلم يظْهر لي تَوْجِيه لهَذَا: اللَّفْظ، واستبعد تَوْجِيه الْكرْمَانِي، ثمَّ قَالَ: وَالظَّاهِر أَن هَذَا وهم، وَيدل لذَلِك أَنه ترْجم لحَدِيث جرير إيضا بَاب صَلَاة الْعَصْر بِغَيْر زِيَادَة، وَيحْتَمل أَنه كَانَ فِيهِ بَاب فضل صَلَاة الْفجْر وَالْعصر، فتحرفت الْكَلِمَة الْأَخِيرَة. قلت: استبعاده كَلَام الْكرْمَانِي بعيد، لِأَنَّهُ لَا يبعد أَن يُقَال: تَقْدِير كَلَامه: بَاب فِي بَيَان فضل الْفجْر، وَفِي بَيَان الحَدِيث الْوَارِد فِيهِ، وَهَذَا أوجه من إدعاء الْوَهم، وَلَا يلْزم من قَوْله: لفظ الحَدِيث فِي بَاب صَلَاة الْفجْر، أَن تكون هَذِه اللَّفْظَة هَهُنَا وهما، وَالِاحْتِمَال الَّذِي ذكره بعيد، لِأَن تحرف الْعَصْر بِالْحَدِيثِ بعيد جدا.
فَإِن قلت: فَمَا وَجه خُصُوصِيَّة هَذَا الْبَاب بِهَذِهِ اللَّفْظَة دون سَائِر الْأَبْوَاب الَّذِي يذكر فِيهَا فَضَائِل الْأَعْمَال؟ قلت: يحْتَمل أَن يكون وَجه ذَاك أَن صَلَاة الْفجْر إِنَّمَا هِيَ عقيب النّوم، وَالنَّوْم أَخُو الْمَوْت، أَلا ترى كَيفَ ورد أَن يُقَال عِنْد الاستيقاظ من النّوم: (الْحَمد لله الَّذِي أَحْيَانًا بَعْدَمَا أماتنا وَإِلَيْهِ النشور) . فَإِذا كَانَ كَذَلِك يَنْبَغِي أَن يجْتَهد المستيقظ على أَدَاء صَلَاة الْفجْر شكرا لله على حَيَاته وإعادة روحه إِلَيْهِ، وَيعلم أَن لإقامتها فضلا عَظِيما لوُرُود الْأَحَادِيث فِيهِ، فنبه على ذَلِك بقوله: والْحَدِيث، وَخص هَذَا الْبَاب بِهَذِهِ الزِّيَادَة.

573 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يحْيَى عنْ إسْماعِيلَ قَالَ حدَّثنا قَيْسٌ قَالَ لي جَرِيرُ بنُ عَبْدِ الله كنَّا عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذْ نَظَرَ إلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ فَقَالَ أمَا إنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكم

(5/70)


كَمَا تَرَوْنَ هَذَا لاَ تُضَامُّونَ أوْ لاَ تُضَاهُونَ فِي رُؤيَتِهِ فإِنْ اسْتَطَعْتُمْ أنْ لَا تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْس وقَبْلَ غُرُوبِهَا فأفْعَلُوا ثمَّ قَالَ فسَبِّحْ بحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طلوعِ الشَّمْس وقَبْلَ غُرُوبِهَا. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: ((على صَلَاة قبل طُلُوع الشَّمْس) ، وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي بَاب فضل صَلَاة الْعَصْر، وَرَوَاهُ هُنَاكَ عَن الْحميدِي عَن مَرْوَان بن مُعَاوِيَة عَن إِسْمَاعِيل عَن قيس عَن جرير، وَهَهُنَا عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان عَن إِسْمَاعِيل ابْن أبي خَالِد عَن قيس ابْن أبي حَازِم، قَالَ: قَالَ لي جرير بن عبد الله، وَهُنَاكَ: قَالَ عَن جرير، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ متعلقات الحَدِيث كلهَا. قَوْله: (أوَ لَا تضاهون) من المضاهاة، وَهِي المشابهة. قَالَ النَّوَوِيّ: مَعْنَاهُ لَا يشْتَبه عَلَيْكُم وَلَا ترتابون فِيهِ.

574 - حدَّثنا هُدْبَةُ بنُ خَالِدٍ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ قَالَ حدَّثني أبُو جَمْرَةَ عنْ أبِي بَكْرٍ بن أبي مُوسَى عنْ أبِيهِ أنَّ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ من صَلى البَرْدَيْنِ دَخَلَ الجَنَّةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن أحد البردين صَلَاة الْفجْر.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: هدبة، بِضَم الْهَاء وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة: ابْن خَالِد الْقَيْسِي الْبَصْرِيّ الْحَافِظ، مَاتَ سنة خمس وَثَلَاثِينَ وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: همام بن يحيى، وَقد تقدم. الثَّالِث: أَبُو جَمْرَة، بِالْجِيم وَالرَّاء: نصر بن عمرَان الضبعِي الْبَصْرِيّ. الرَّابِع: أَبُو بكر بن عبد الله بن قيس، هُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ. الْخَامِس: أَبوهُ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن أَبِيه. وَفِيه: ثَلَاثَة بصريون بالتوالي. وَفِيه: فِي أبي بكر اخْتلفُوا فَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: قَالَ بعض أهل الْعلم: هُوَ أَبُو بكر بن عمَارَة ابْن رؤيبة الثَّقَفِيّ، وَهَذَا الحَدِيث مَحْفُوظ عَنهُ. وَقَالَ الْبَزَّار: لَا نعلمهُ يروي عَن أبي مُوسَى إِلَّا من هَذَا الْوَجْه، وَإِنَّمَا يعرف: عَن أبي بكر بن عمَارَة بن رؤيبة عَن أَبِيه، وَلَكِن هَكَذَا قَالَ همام، يعنيان بذلك حَدِيث أبي بكر بن عمَارَة بن رؤيبة الْمخْرج عِنْد مُسلم بِلَفْظ، قَالَ عمَارَة: (سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: لن يلج النَّار أحد صلى قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا) . يَعْنِي الْفجْر وَالْعصر، وروى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث السّري بن إِسْمَاعِيل عَن الشّعبِيّ عَن عمَارَة بن رؤيبة: (لن يدْخل النَّار من مَاتَ لَا يُشْرك بِاللَّه شَيْئا، وَكَانَ يُبَادر بِصَلَاتِهِ قبل طُلُوع الشَّمْس وَقبل غُرُوبهَا) .
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (البردين) : تَثْنِيَة برد، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الرَّاء، وَالْمرَاد بهما: صَلَاة الْفجْر وَالْعصر. وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: قَالَ كثير من الْعلمَاء: البردان الْفجْر وَالْعصر، وسميا بذلك لِأَنَّهُمَا يفْعَلَانِ فِي وَقت الْبرد. وَقَالَ الْخطابِيّ: لِأَنَّهُمَا يصليان فِي بردي النَّهَار، وهما طرفاه حِين يطيب الْهَوَاء وَتذهب سُورَة الْحر. وَقَالَ السفاقسي عَن أبي عُبَيْدَة: المُرَاد الصُّبْح وَالْعصر وَالْمغْرب، وَفِيه نظر لِأَن الْمَذْكُور تَثْنِيَة وَمَعَ هَذَا لم يتبعهُ على هَذَا أحد، وَزعم الْقَزاز أَنه اجْتهد فِي تَمْيِيز هذَيْن الْوَقْتَيْنِ لعظم فائدتهما، فَقَالَ: إِن الله تَعَالَى أَدخل الْجنَّة كل من صلى تِلْكَ الصَّلَاة مِمَّن آمن بِهِ فِي أول دَعوته، وَبشر بِهَذَا الْخَبَر أَن من صلاهما مَعَه فِي أول فَرْضه إِلَى أَن نسخ لَيْلَة الْإِسْرَاء، أدخلهم الله الْجنَّة كَمَا بَادرُوا إِلَيْهِ من الْإِيمَان تفضلاً مِنْهُ تَعَالَى. انْتهى. قلت: كَلَامه يُؤَدِّي إِلَى أَن هَذَا مَخْصُوص ((لِأُنَاس مُعينين، وَلَا عُمُوم فِيهِ؛ وَأَنه مَنْسُوخ، وَلَيْسَ كَذَلِك من وُجُوه: الأول: أَن رَاوِيه أَبَا مُوسَى سَمعه فِي آواخر الْإِسْلَام، وَأَنه فهم الْعُمُوم، وَكَذَا غَيره فهم ذَلِك لِأَنَّهُ خير فضل لمُحَمد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ولأمته. الثَّانِي: أَن الْفَضَائِل لَا تنسخ. الثَّالِث: أَن كلمة: من، شَرْطِيَّة. وَقَوله: (دخل الْجنَّة) جَوَاب الشَّرْط، فَكل من أَتَى بِالشّرطِ فقد اسْتحق الْمَشْرُوط لعُمُوم كلمة الشَّرْط، وَلَا يُقَال: إِن مَفْهُومه يَقْتَضِي أَن من لم يصلها لم يدْخل الْجنَّة، لأَنا نقُول: الْمَفْهُوم لَيْسَ بِحجَّة وَأَيْضًا فَإِن قَوْله: (دخل الْجنَّة) خرج مخرج الْغَالِب، لِأَن الْغَالِب أَن من صلاهما وراعاهما، انْتهى. عَمَّا ينافيهما من فحشاء ومنكر، لِأَن الصَّلَاة تنْهى عَن الْفَحْشَاء وَالْمُنكر، أَو يكون آخر أمره دُخُول الْجنَّة. وَأما وَجه التَّخْصِيص بهما فَهُوَ لزِيَادَة شرفهما وترغيبا فِي حفظهما لشهود الْمَلَائِكَة فيهمَا، كَمَا تقدم، وَقد مضى مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِيهِ

(5/71)


وروى أَبُو الْقَاسِم بن الْجَوْزِيّ من حَدِيث ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَوْقُوفا (يُنَادي مُنَاد عِنْد صَلَاة الصُّبْح يَا بني آدم قومُوا فاطفئوا مَا أوقدتم على أَنفسكُم، وينادي عِنْد الْعَصْر كَذَلِك، فيتطهرون وَيصلونَ وينامون وَلَا ذَنْب لَهُم) . وَوجه الْعُدُول عَن الأَصْل وَهُوَ أَن يَقُول: يدْخل الْجنَّة، بِصِيغَة الْمُضَارع لإِرَادَة التَّأْكِيد فِي وُقُوعه بِجعْل مَا هُوَ للوقوع كالواقع، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: ( {ونادى أَصْحَاب الْجنَّة} (الْأَعْرَاف: 44) .
وَقَالَ ابنُ رجاءٍ حدَّثنا هُمَّامٌ عنْ أبي جَمْرَةَ أنَّ أَبَا بَكْرٍ بنَ عَبْدِ الله بنِ قَيْسٍ أخْبَرَه بِهذَا
أورد البُخَارِيّ هَذَا التَّعْلِيق عَن شَيْخه عبد الله بن رَجَاء، بِفَتْح الرَّاء وَالْجِيم وبالمد: الغداني الْبَصْرِيّ ليُفِيد بذلك أَن نِسْبَة أبي بكر إِلَى أَبِيه أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، لِأَن النَّاس اخْتلفُوا فِيهِ، كَمَا ذكرنَا عَن قريب، وَقد وَصله الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) فَقَالَ: حَدثنَا عُثْمَان بن عمر الضَّبِّيّ، قَالَ: حَدثنَا عبد الله بن رَجَاء، فَذكره. قَوْله: (أخبر بِهَذَا) أَي: بِهَذَا الحَدِيث، وَهُوَ مُرْسل لِأَنَّهُ لم يقل: عَن أَبِيه، إلاَّ أَن يُقَال: المُرَاد بِالْمُشَارِ إِلَيْهِ الحَدِيث وَبَقِيَّة الأسناد كِلَاهُمَا.
حدَّثنا إسْحَاقُ عنْ حَبَّانَ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ قَالَ حدَّثنا أبُو جمرَةَ عنْ أبي بَكْرِ بنِ عَبْدِ الله عنْ أبِيهِ عنِ النَّبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِثْلُهُ.
أَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَا أَيْضا بِأَن شيخ أبي جَمْرَة هُوَ أَبُو بكر بن عبد الله بن قيس، وَهُوَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، ردا على من زعم أَنه ابْن عمَارَة بن رؤيبة. وَقد ذكرنَا أَن حَدِيث عمَارَة أخرجه مُسلم وَغَيره فَظهر من هَذَا أَنَّهُمَا حديثان: أَحدهمَا عَن أبي مُوسَى، وَالْآخر عَن عمَارَة بن رؤيبة. قَوْله: (حَدثنَا إِسْحَاق) قَالَ الغساني فِي كِتَابه (التَّقْيِيد) : لَعَلَّه إِسْحَاق بن مَنْصُور الكوسج، وَقَالَ فِي مَوضِع آخر مِنْهُ: قَالَ ابْن السكن: كل مَا فِي كتاب البُخَارِيّ عَن إِسْحَاق غير مَنْسُوب فَهُوَ ابْن رَاهَوَيْه، وَاسْتدلَّ الغساني على أَنه مَنْصُور بِأَن مُسلما روى عَن إِسْحَاق بن مَنْصُور عَن حبَان بن هِلَال حَدِيثا غير هَذَا. قلت: الْأَصَح أَنه إِسْحَاق بن مَنْصُور، لِأَنَّهُ روى عَن الْفربرِي فِي بَاب البيعان بِالْخِيَارِ: حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور حَدثنَا جَعْفَر ابْن هِلَال، فَذكر حَدِيثا. وحبان هَذَا، بِفَتْح الْحَاء الْمُهْملَة وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة: ابْن هِلَال الْبَاهِلِيّ، مَاتَ سنة سِتّ عشرَة وَمِائَتَيْنِ. قَوْله: (مثله) ، أَي: مثل هَذَا الحَدِيث الْمَذْكُور، ويروى (بِمثلِهِ) بِزِيَادَة الْبَاء.

27 - (بابُ وقتِ الفَجْرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وَقت صَلَاة الْفجْر.

575 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عاصمٍ قَالَ حدَّثنا هَمَّامٌ عنْ قَتَادَةَ عَنْ أنَسٍ أنَّ زَيْدَ بنَ ثَابِتٍ حَدَّثَهُ أنَّهُمْ تَسَحَّرُوا مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثُمَّ قامُوا إِلَى الصَّلاة قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ قَدْرُ خَمْسِينَ أوْ سِتِّينَ يَعْنِي آيَةً. (الحَدِيث 575 طرفه فِي: 1921) .

مطابقته للتَّرْجَمَة من خيث إِنَّهُم قَامُوا إِلَى الصَّلَاة بعد أَن تسحرُوا بِمِقْدَار قِرَاءَة خمسين آيَة أَو نَحْوهَا، وَذَلِكَ أول مَا يطلع الْفجْر، وَهُوَ أول وَقت الصُّبْح. وَاسْتدلَّ البُخَارِيّ بِهَذَا أَن أول وَقت الصُّبْح هُوَ طُلُوع الْفجْر، فَحصل التطابق بَين الحَدِيث والترجمة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَمْرو بن عَاصِم، بِالْوَاو، الْحَافِظ الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة ثَلَاث وَعشْرين وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: همام بن يحيى. الثَّالِث: قَتَادَة بن دعامة. الرَّابِع: أنس بن مَالك. الْخَامِس: زيد بن ثَابت الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي مَوضِع وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: رِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ. وَفِيه: أَن رُوَاته بصريون.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّوْم، عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم عَن هِشَام الدستوَائي عَن قَتَادَة. وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن هِشَام بِهِ. وَعَمْرو النَّاقِد عَن يزِيد بن هَارُون عَن همام بِهِ، وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن سَالم بن نوح عَن عَمْرو بن عَامر عَن قَتَادَة بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن يحيى بن مُوسَى عَن

(5/72)


أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ، وَعَن هناد عَن وَكِيع عَن همام بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن وَكِيع بِهِ، وَعَن إِسْمَاعِيل ابْن مَسْعُود عَن خَالِد بن الْحَارِث عَن همام بِهِ وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن عَليّ بن مُحَمَّد الطنافسي عَن وَكِيع بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَنهم) أَي: أَنه وَأَصْحَابه تسحرُوا. أَي: أكلُوا السّحُور، وَهُوَ بِفَتْح السِّين، اسْم مَا يتسحر بِهِ من الطَّعَام وَالشرَاب، وبالضم الْمصدر، وَالْفِعْل نَفسه. وَأكْثر مَا يروي بِالْفَتْح، وَقيل: إِن الصَّوَاب بِالضَّمِّ، لِأَنَّهُ بِالْفَتْح الطَّعَام وَالْبركَة وَالْأَجْر وَالثَّوَاب فِي الْفِعْل لَا فِي الطَّعَام. قَوْله: (إِلَى الصَّلَاة) أَي: صَلَاة الْفجْر. قَوْله: (كم كَانَ بَينهمَا) ، سقط لفظ: كَانَ، من رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي، وفاعل قلت هُوَ: أنس، وَالضَّمِير فِي بَينهمَا يرجع إِلَى التسحر، وَالْقِيَام إِلَى الصَّلَاة من قبيل: {اعدلوا هُوَ أقرب للتقوى} (الْمَائِدَة: 8) . قَوْله: (قَالَ) أَي: زيد بن ثَابت. قَوْله: (قدر خمسين) مَرْفُوع على الِابْتِدَاء وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره: قدر خمسين آيَة بَينهمَا، والتمييز مَحْذُوف أَشَارَ إِلَيْهِ بقوله: (يَعْنِي آيَة) .
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اسْتِحْبَاب التسحر وتأخيره إِلَى قريب طُلُوع الْفجْر.

576 - حدَّثنا حَسَنُ بنُ صَبَّاحٍ سَمِعَ رَوْحا قَالَ حدَّثنا سَعِيدٌ عنْ قَتَادَةَ عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ أنَّ نَبِيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وزَيْدَ بنَ ثَابتٍ تَسَحَّرَا فلمَّا فَرَغَا منْ سَحُورِهِمَا قامَ نَبِيُّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّيْنَا قُلْتُ لأِنَسٍ كَمْ كانَ بَيْنَ فَرَاغِهِمَا منْ سَحُورِهِمَا ودُخُولِهِمَا فِي الصَّلاَةِ قَالَ قَدْرُ مَا يَقْرَأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً. (الحَدِيث 576 طرفه فِي: 1134) .

ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: الْحسن بن صباح، بتَشْديد الْبَاء الْبَزَّار بالزاي. ثمَّ الرَّاء أحد الْأَعْلَام وَقد تقدم. الثَّانِي: روح، بِفَتْح الرَّاء: بن عبَادَة، بِضَم الْعين وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة، تقدم. الثَّالِث: سعيد بن أبي عرُوبَة، بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة، تقدم الرَّابِع: قَتَادَة بن دعامة. الْخَامِس: أنس بن مَالك، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين، وَالْفرق بَين سَنَد هَذَا الحَدِيث وَسَنَد الحَدِيث السَّابِق أَن هَذَا الحَدِيث من مسانيد أنس، وَذَاكَ من مسانيد زيد بن ثَابت، وَرجح مُسلم رِوَايَة همام عَن قَتَادَة فأخرجها وَلم يخرج رِوَايَة سعيد. قَالَ بَعضهم: وَيدل على رُجْحَانهَا أَيْضا أَن الْإِسْمَاعِيلِيّ أخرج رِوَايَة سعيد من طَرِيق خَالِد بن الْحَارِث عَن سعيد فَقَالَ: عَن أنس عَن زيد بن ثَابت، وَالَّذِي يظْهر لي فِي الْجمع بَين الرِّوَايَتَيْنِ أَن أنسا حضر ذَلِك لكنه لم يتسحر مَعَهُمَا، وَلأَجل ذَلِك سَأَلَ زيدا عَن مِقْدَار وَقت السّحُور. انْتهى. قلت: خرج الطَّحَاوِيّ من حَدِيث هِشَام الدستوَائي عَن قَتَادَة عَن أنس وَزيد بن ثَابت قَالَا: تسحرنا. . الحَدِيث، فَكيف يَقُول هَذَا الْقَائِل: إِن أنسا حضر ذَلِك لكنه لم يتسحر مَعَهُمَا؟
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (سمع روح بن عبَادَة) جملَة وَقعت حَالا، وَكلمَة: قد، مقدرَة فِيهِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أَو جاؤكم حصرت صُدُورهمْ} (النِّسَاء: 90) . أَي: قد حصرت. قَوْله: (تسحرا) ، بالتثنية، وَفِي رِوَايَة السَّرخسِيّ وَالْمُسْتَمْلِي: (تسحرُوا) بِالْجمعِ. قَوْله: (فصلينا) ، بِصِيغَة الْجمع عِنْد الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني بِصِيغَة التَّثْنِيَة، ويروى: (فصلى) بِالْإِفْرَادِ. قَوْله: (قلت لأنس) الْقَائِل قَتَادَة، ويروى: (قُلْنَا) ، بِصِيغَة الْجمع.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: بَيَان أول وَقت الصُّبْح، وَهُوَ طُلُوع الْفجْر لِأَنَّهُ الْوَقْت الَّذِي يحرم فِيهِ الطَّعَام وَالشرَاب على الصَّائِم، والمدة الَّتِي بَين الْفَرَاغ والسحور وَالدُّخُول فِي الصَّلَاة هِيَ قِرَاءَة الْخمسين آيَة أَو نَحْوهَا، وَهِي قدر ثلث خمس سَاعَة، وَاخْتلفُوا فِي آخر وَقت الْفجْر، فَذهب الْجُمْهُور إِلَى آخِره أول طُلُوع جرم الشَّمْس، وَهُوَ مَشْهُور مَذْهَب مَالك، وروى عَنهُ ابْن الْقَاسِم وَابْن عبد الحكم: أَن آخر وَقتهَا الْإِسْفَار الْأَعْلَى؛ وَعَن الاصطخري: من صلاهَا بعد الْإِسْفَار الشَّديد يكون قَاضِيا مُؤديا وَإِن لم تطلع الشَّمْس.

577 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ بنُ أبي أُوَيْسٍ عنْ أخِيهِ عنْ سُلَيْمَانَ عنْ أبي حازمٍ أنَّهُ سمِعَ سَهْلَ بنَ سعْدٍ يَقُولُ كنْت أتَسَحَّرُ فِي أَهْلِي ثمَّ تَكُونُ سُرْعَةٌ بِي أنْ أُدْرِكَ صَلاَةَ الفَجْرِ مَعَ رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. (الحَدِيث 577 طرفه فِي: 1920) .

(5/73)


مطابقته للتَّرْجَمَة بطرِيق الْإِشَارَة أَن أول وَقت صَلَاة الْفجْر طُلُوع الْفجْر. وَقَالَ بَعضهم: الْغَرَض مِنْهُ هَهُنَا الْإِشَارَة إِلَى مبادرة النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، إِلَى صَلَاة الصُّبْح فِي أول الْوَقْت. قلت: التَّرْجَمَة فِي بَيَان وَقت الْفجْر لَا فِيمَا قَالَه، فَلَا تطابق حِينَئِذٍ بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث، وَأَيْضًا لَا يسْتَلْزم سرعَة سهل لإدراك الصَّلَاة مبادرة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بهَا.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: إِسْمَاعِيل بن أبي أويس. وَاسم أبي أويس: عبد الله الأصبحي الْمدنِي، ابْن أُخْت مَالك ابْن أنس، رَحمَه الله. الثَّانِي: أَخُوهُ عبد الحميد بن أبي أويس، يكنى أَبَا بكر. الثَّالِث: سُلَيْمَان بن بِلَال أَبُو أَيُّوب، وَقد تقدم. الرَّابِع: أَبُو حَازِم سَلمَة بن دِينَار الْأَعْرَج، من عبَّاد أهل الْمَدِينَة. الْخَامِس: سهل بن سعد بن مَالك الْأنْصَارِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: السماع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون. وَفِيه: رِوَايَة الْأَخ عَن الْأَخ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (ثمَّ تكون سرعَة) ، يجوز فِي: سرعَة، الرّفْع وَالنّصب؛ أما الرّفْع فعلى أَن: كَانَ، تَامَّة بِمَعْنى: تُوجد سرعَة، وَلَفْظَة: بِي، تتَعَلَّق بِهِ، وَأما النصب فعلى أَن تكون: كَانَ، نَاقِصَة وَيكون اسْم: كَانَ، مضمرا فِيهِ، وَسُرْعَة، خَبره، وَالتَّقْدِير: تكون السرعة سرعَة حَاصِلَة بِي. وَهَكَذَا قدره الْكرْمَانِي، وَقَالَ: وَالِاسْم ضمير يرجع إِلَى مَا يدل عَلَيْهِ لَفْظَة السرعة. قلت: فِيهِ تعسف، الْأَوْجه أَن يُقَال: إِن: كَانَ، نَاقِصَة: وَسُرْعَة، بِالرَّفْع اسْمهَا، وَقَوله: بِي، فِي مَحل الرّفْع على أَنَّهَا صفة سرعَة، وَقَوله: (أَن أدْرك) خبر: كَانَ، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة، وَالتَّقْدِير: وَتَكون سرعَة حَاصِلَة بِي لإدراك صَلَاة الْفجْر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأما نصب: سرعَة، فقد ذكر الْكرْمَانِي فِيهِ وَجْهَيْن: أَحدهمَا مَا ذَكرْنَاهُ، وَالْآخر: أَنه نصب على الِاخْتِصَاص، فَالْأول فِيهِ التعسف، كَمَا ذكرنَا، وَالثَّانِي لَا وَجه لَهُ يظْهر بِالتَّأَمُّلِ.

578 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ أخبرنَا اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَةَ ابنُ الزبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ أخْبَرَتْهُ قالَتْ كُنَّ نِساءُ المُؤْمِنَاتِ يَشْهَدْنَ مَعَ رَسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلاَةَ الفَجْرِ مُتَلَفعاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ ثُمَّ يَنْقَلِبْنَ إلَى بُيُوتِهِنَّ حِينَ يَقْضِينَ الصَّلاَةَ لاَ يَعْرِفُهُنَّ أحَدٌ مِنَ الغَلَسِ
هَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي بَاب كم تصلي الْمَرْأَة من الثِّيَاب؟ عَن أبي الْيَمَان عَن شُعَيْب عَن الزُّهْرِيّ وَهُوَ ابْن شهَاب، وتكلمنا هُنَاكَ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة فِي جَمِيع متعلقات الحَدِيث، ولنتكلم هُنَا بِبَعْض شَيْء زِيَادَة الْإِيضَاح، وَذكر هَذَا الحَدِيث هَهُنَا لَا يُطَابق التَّرْجَمَة. فَإِن قلت: فِيهِ دلَالَة على اسْتِحْبَاب الْمُبَادرَة بِصَلَاة الصُّبْح فِي أول الْوَقْت. قلت: سلمنَا هَذَا، وَلَكِن لَا يدل هَذَا على أَن وَقت الْفجْر عِنْد طُلُوع الْفجْر، لِأَن الْمُبَادرَة تحصل مَا دَامَ الْغَلَس بَاقِيا. قَوْله: (اللَّيْث عَن عقيل) ، اللَّيْث هُوَ ابْن سعد الْمصْرِيّ، وَعقيل بِالضَّمِّ ابْن خَالِد الْأَيْلِي، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
وَفِي الْإِسْنَاد: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، والعنعنة فِي موضِعين، والإخبار بِصِيغَة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي الْمُذكر فِي مَوضِع، وَمثله فِي مَوضِع وَلَكِن بالتأنيث.
قَوْله: (كن) ، أَي: النِّسَاء، وَالْقِيَاس أَن يُقَال: كَانَت النِّسَاء الْمُؤْمِنَات، وَلَكِن هُوَ من قبيل: أكلوني البراغيث، فِي أَن البراغيث إِمَّا بدل أَو بَيَان، وَإِضَافَة النِّسَاء إِلَى الْمُؤْمِنَات مؤولة، لِأَن إِضَافَة الشَّيْء إِلَى نَفسه لَا تجوز، وَالتَّقْدِير نسَاء الْأَنْفس الْمُؤْمِنَات، أَو الْجَمَاعَة الْمُؤْمِنَات. وَقيل: إِن النِّسَاء هَهُنَا بِمَعْنى: الفاضلات، أَي: فاضلات الْمُؤْمِنَات، كَمَا يُقَال: رجال الْقَوْم أَي فضلاؤهم ومتقدموهم. قَوْله: (يشهدن) أَي: يحضرن. قَوْله: (صَلَاة الْفجْر) ، بِالنّصب إِمَّا مفعول بِهِ أَو مفعول فِيهِ، وَكِلَاهُمَا جائزان لِأَنَّهَا مَشْهُودَة ومشهود فِيهَا. قَوْله: (متلفعات) ، حَال أَي: متلحفات، من التلفع وَهُوَ: شدّ اللفاع وَهُوَ مَا يُغطي الْوَجْه ويتلحف بِهِ. قَوْله: (بمروطهن) ، يتَعَلَّق: بمتلفعات، وَهُوَ جمع مرط: بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ: كسَاء من صوف أَو خَز يؤتزر بِهِ. قَوْله: (ثمَّ يَنْقَلِبْنَ) ، أَي: يرجعن إِلَى بُيُوتهنَّ. قَوْله: (لَا يعرفهن أحد) قَالَ الدَّاودِيّ: مَعْنَاهُ لَا يعرفن أنساء أم رجال، يَعْنِي: لَا يظْهر للرائي إِلَّا الأشباح خَاصَّة. وَقيل: لَا يعرف أعيانهن، فَلَا يفرق بَين فَاطِمَة وَعَائِشَة. وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِيهِ نظر لِأَن المتلفعة بِالنَّهَارِ لَا تعرف عينهَا، فَلَا يبْقى فِي الْكَلَام فَائِدَة، ورد بِأَن الْمعرفَة إِنَّمَا تتَعَلَّق بالأعيان، فَلَو كَانَ المُرَاد غَيرهَا لنفى الرُّؤْيَة بِالْعلمِ. وَقَالَ بَعضهم: وَمَا ذكره من أَن المتلفعة بِالنَّهَارِ لَا يعرف عينهَا فِيهِ نظر، لِأَن لكل امْرَأَة هَيْئَة غير هَيْئَة

(5/74)


الْأُخْرَى فِي الْغَالِب، وَلَو كَانَ بدنهَا مغطى. انْتهى. قلت: هَذَا غير موجه، لِأَن الرَّائِي من ايْنَ يعرف هَيْئَة كل امْرَأَة حِين كن مغطيات؟ وَالرجل لَا يعرف هَيْئَة امْرَأَته إِذا كَانَت بَين المغطيات إلاَّ بِدَلِيل من الْخَارِج؟ وَقَالَ الْبَاجِيّ: هَذَا يدل على أَنَّهُنَّ كن سافرات، إِذْ لَو كن متنقبات لمنع تَغْطِيَة الْوَجْه من معرفتهن لَا الْغَلَس. قَوْله: (من الْغَلَس) ، كلمة: من، ابتدائية، وَيجوز أَن تكون تعليلية، والغلس، بِفتْحَتَيْنِ: ظلمَة آخر اللَّيْل، وَلَا مُخَالفَة بَين هَذَا الحَدِيث وَبَين حَدِيث أبي بَرزَة الَّذِي مضى من أَنه كَانَ ينْصَرف حِين يعرف الرجل جليسه، لِأَنَّهُ إِخْبَار عَن رُؤْيَة جليسه، وَهَذَا إِخْبَار عَن رُؤْيَة النِّسَاء من الْبعد.

28 - (بابُ منْ أدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ الفَجْرِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من أدْرك رَكْعَة من صَلَاة الْفجْر، وَقد أشبعنا الْكَلَام فِيهِ فِي بَاب من أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر، فَليرْجع إِلَيْهِ.

579 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ وعَنْ بُسْرِ بنِ سَعِيدٍ وعَنِ الأعْرَجِ يُحَدِّثُونَهُ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ منْ أدْرَكَ مِنَ الصُّبْحِ رَكْعَةً قَبْلَ أنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ الصُّبْحَ ومَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنَ العَصْر قَبْلَ أنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أدْرَكَ العَصْرَ (انْظُر الحَدِيث 556 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، وَبسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وبالراء. والأعرج: هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز. قَوْله: (يحدثونه) ، أَي: يحدثُونَ زيد بن أسلم، وَرِجَال الْإِسْنَاد كلهم مدنيون. قَوْله: (من الصُّبْح) . أَي: من وَقت الصُّبْح، أَو: من نفس صَلَاة الصُّبْح. قَوْله: (رَكْعَة) أَي: قدر رَكْعَة، والإدراك: الْوُصُول إِلَى الشَّيْء، وَقد ذكرنَا مَا المُرَاد من الْإِدْرَاك فِي بَاب من أدْرك رَكْعَة من الْعَصْر، واستوفينا الْكَلَام فِيهِ فِي هَذَا الْبَاب.

29 - (بابُ مَنْ أدْرَكَ مِنَ الصَّلاة رَكْعَةً)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من أدْرك من الصَّلَاة رَكْعَة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْفرق بَين الْبَابَيْنِ أَعنِي هَذَا الْبَاب وَالَّذِي قبله أَن الأول فِيمَن أدْرك من الْوَقْت قدر رَكْعَة، وَهَذَا فِيمَن أدْرك من نفس الصَّلَاة رَكْعَة. قلت: ذَاك الْبَاب أخص، وَهَذَا الْبَاب أَعم. لِأَن قَوْله: من الصَّلَاة يَشْمَل الصَّلَوَات الْخمس وَأورد البُخَارِيّ فِي الْبَاب السَّابِق: عَن عَطاء وَمن مَعَه عَن أبي هُرَيْرَة. وَأورد فِي هَذَا الْبَاب عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَكَذَا فِي بَاب من أدْرك من الْعَصْر عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَالْأَحَادِيث الثَّلَاثَة عَن أبي هُرَيْرَة، وَالرِّوَايَة مُخْتَلفَة. وَلما كَانَ ذكر الْعَصْر مقدما على الصُّبْح فِي حَدِيث: بَاب من أدْرك من الْعَصْر، قَالَ فِي التَّرْجَمَة: بَاب من أدْرك من الْفجْر، فراعى الْمُنَاسبَة فِي التَّقْدِيم وَالتَّأْخِير، وَكَذَلِكَ فِي هَذَا الْبَاب لما كَانَ ذكر الصَّلَاة غير مُقَيّدَة بِشَيْء ذكر التَّرْجَمَة بقوله: بَاب من أدْرك من الصَّلَاة، وَهَذِه نُكْتَة مليحة تدل على إمعان نظره فِي التَّصَرُّفَات.

580 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفُ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنِ ابنِ شِهابٍ عَنْ أبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَن عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ منْ أدْرَكَ رَكْعَةً منَ الصَّلاَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلاَةَ (انْظُر الحَدِيث 556 وطرفه) .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرُوَاته تقدمُوا غير مرّة، وَقد ذكرنَا فِي: بَاب من أدْرك من الْعَصْر، اخْتِلَاف الْأَلْفَاظ والرواة فِي هَذَا الحَدِيث، وَذكرنَا مَا يتَعَلَّق بِهِ هُنَاكَ من جَمِيع التعلقات.

30 - (بابُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الفَجْرِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الصَّلَاة بعد صَلَاة الْفجْر إِلَى أَن ترْتَفع الشَّمْس، وَقدر بَعضهم بعد ذكر التَّرْجَمَة: يَعْنِي: مَا حكمهَا؟ قلت: فَلَا حَاجَة إِلَى ذكر ذَلِك لما قَدرنَا.

(5/75)


58 - (حَدثنَا حَفْص بن عمر قَالَ حَدثنَا هِشَام عَن قَتَادَة عَن أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ شهد عِنْدِي رجال مرضيون وأرضاهم عِنْدِي عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن الصَّلَاة بعد الصُّبْح حَتَّى تشرق الشَّمْس وَبعد الْعَصْر حَتَّى تغرب) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة (فَإِن قلت) الحَدِيث مُشْتَمل على الْفجْر وَالْعصر والترجمة بالاقتصار على الْفجْر (قلت) لِأَن الصُّبْح هِيَ الْمَذْكُورَة أَولا فِي سَائِر أَحَادِيث الْبَاب وَلِأَن الْعَصْر صلى بعْدهَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِخِلَاف الْفجْر. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الاول حَفْص بن عمر الحوضي وَقد مر. الثَّانِي هِشَام الدستوَائي كَذَلِك. الثَّالِث قَتَادَة بن دعامة كَذَلِك. الرَّابِع أَبُو الْعَالِيَة الريَاحي بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف واسْمه رفيع بِالتَّصْغِيرِ وَوَقع مُصَرحًا بِهِ عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة غنْدر عَن شُعْبَة. الْخَامِس عبد الله بن عَبَّاس. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي موضِعين وَفِيه أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ. (ذكر من أخرجه غَيره) أخرجه مُسلم وَأخرجه أَبُو دَاوُد حَدثنَا مُسلم بن إِبْرَاهِيم قَالَ حَدثنَا أبان قَالَ حَدثنَا قَتَادَة عَن أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ " شهد عِنْدِي رجال مرضيون وَفِيهِمْ عمر بن الْخطاب وأرضاهم عِنْدِي عمر أَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَا صَلَاة بعد صَلَاة الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَلَا صَلَاة بعد صَلَاة الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس " وَأخرجه التِّرْمِذِيّ حَدثنَا أَحْمد بن منيع قَالَ حَدثنَا هشيم قَالَ أخبرنَا مَنْصُور وَهُوَ ابْن زَاذَان عَن قَتَادَة قَالَ أخبرنَا أَبُو الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ " سَمِعت غير وَاحِد من أَصْحَاب النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مِنْهُم عمر بن الْخطاب وَكَانَ من أحبهم إِلَيّ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن الصَّلَاة بعد الْفجْر حَتَّى تطلع الشَّمْس وَعَن الصَّلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس " وَأخرجه النَّسَائِيّ أخبرنَا أَحْمد بن منيع قَالَ حَدثنَا هشيم قَالَ حَدثنَا مَنْصُور عَن قَتَادَة قَالَ حَدثنَا أَبُو الْعَالِيَة واسْمه رفيع عَن ابْن عَبَّاس نَحْو حَدِيث التِّرْمِذِيّ وَأخرجه ابْن مَاجَه حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر حَدثنَا شُعْبَة عَن قَتَادَة (ح) وَحدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا عَفَّان حَدثنَا همام عَن قَتَادَة عَن أبي الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس نَحْو حَدِيث أَبُو دَاوُد وَرَوَاهُ مُسَدّد فِي مُسْنده وَمن طَرِيقه رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ وَلَفظه حَدثنِي نَاس أعجبهم إِلَيّ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَلما رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ قَالَ وَفِي الْبَاب عَن عَليّ وَابْن مَسْعُود وَأبي سعيد وَعقبَة بن عَامر وَأبي هُرَيْرَة وَابْن عمر وَسمرَة بن جُنْدُب وَسَلَمَة بن الْأَكْوَع وَزيد بن ثَابت وَعبد الله بن عمر ومعاذ بن عفراء والصنابحي وَلم يسمع من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَعَائِشَة وَكَعب بن مرّة وَأبي أُمَامَة وَعَمْرو بن عَنْبَسَة ويعلى بن أُميَّة وَمُعَاوِيَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم (قلت) وَفِي الْبَاب أَيْضا عَن سعد بن أبي وَقاص وَأبي ذَر الْغِفَارِيّ وَأبي قَتَادَة وَأبي الدَّرْدَاء وَحَفْصَة فَحَدِيث عَليّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أخرجه عَنهُ إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده ثمَّ الْبَيْهَقِيّ من جِهَته عَنهُ " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ دبر كل صَلَاة مَكْتُوبَة إِلَّا الْفجْر وَالْعصر " وَحَدِيث ابْن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أخرجه إِسْحَاق بن رَاهَوَيْه أَيْضا بِإِسْنَادِهِ عَن ابْن مَسْعُود قَالَ " بَينا نَحن عِنْد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " الحَدِيث " وَإِذا صليت الْمغرب فَالصَّلَاة مَقْبُولَة مَشْهُودَة حَتَّى تصلي الْفجْر ثمَّ اجْتنب الصَّلَاة حَتَّى ترْتَفع الشَّمْس وتبيض فَإِن الشَّمْس تطلع بَين قَرْني الشَّيْطَان " وَفِيه " فَإِذا مَالَتْ الشَّمْس فَالصَّلَاة مَقْبُولَة مَشْهُودَة حَتَّى تصفر الشَّمْس فَإِن الشَّمْس تغرب بَين قَرْني الشَّيْطَان " وَحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم عَنهُ قَالَ " سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول لَا صَلَاة بعد صَلَاة الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس وَلَا صَلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغيب الشَّمْس " وَحَدِيث عقبَة بن عَامر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أخرجه مُسلم عَنهُ يَقُول " ثَلَاث سَاعَات كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينهانا أَن نصلي فِيهِنَّ أَو أَن نقبر فِيهِنَّ مَوتَانا حِين تطلع الشَّمْس بازعة حَتَّى ترْتَفع وَحين يقوم قَائِم الظهيرة حَتَّى تميل الشَّمْس وَحين تضيف للغروب حَتَّى تغرب " وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة أخرجه البُخَارِيّ على مَا يَأْتِي عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَحَدِيث ابْن عمر أخرجه البُخَارِيّ عَنهُ قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تتحروا بصلاتكم طُلُوع

(5/76)


الشَّمْس وَلَا غُرُوبهَا " الحَدِيث وَحَدِيث سَمُرَة بن جُنْدُب أخرجه عَنهُ أَحْمد فِي مُسْنده عَنهُ عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا تصلوا عِنْد طُلُوع الشَّمْس فَإِنَّهَا تطلع بَين قَرْني الشَّيْطَان وَلَا حِين تغيب فَإِنَّهَا تغيب بَين قَرْني الشَّيْطَان " وَحَدِيث سَلمَة بن الْأَكْوَع أخرجه عَنهُ اسحق بن رَاهَوَيْه فِي مُسْنده قَالَ " كنت أسافر مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَمَا رَأَيْته صلى بعد الْعَصْر وَلَا بعد الصُّبْح " وَحَدِيث زيد بن ثَابت أخرجه عَنهُ أَبُو يعلى الْموصِلِي " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن الصَّلَاة إِذا طلع قرن الشَّمْس أَو غَابَ قرنها فَإِنَّهَا تطلع بَين قَرْني شَيْطَان " وَحَدِيث عبد الله بن عَمْرو أخرجه عَنهُ ابْن أبي شيبَة قَالَ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَا صَلَاة بعد الْفجْر إِلَّا رَكْعَتَيْنِ " وَحَدِيث معَاذ بن عفراء أخرجه البُخَارِيّ عَنهُ على مَا يَأْتِي عَن قريب إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَحَدِيث الصنَابحِي وَلم يسمع من النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَحَدِيث عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أخرجه عَنْهَا أَبُو يعلى الْموصِلِي قَالَت " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينْهَى عَن الصَّلَاة حِين تطلع الشَّمْس حَتَّى ترْتَفع فَإِنَّهَا تطلع بقرن الشَّيْطَان وَينْهى عَن الصَّلَاة حِين تقَارب الْغُرُوب حَتَّى تغيب " وَحَدِيث كَعْب بن مرّة أخرجه عَنهُ وَحَدِيث أبي أُمَامَة أخرجه عَنهُ الْحَارِث بن مُحَمَّد بن أبي أُسَامَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " لَا تصلوا عِنْد طُلُوع الشَّمْس فَإِنَّهَا تطلع بَين قَرْني الشَّيْطَان فَيسْجد لَهَا كل كَافِر " الحَدِيث وَحَدِيث عَمْرو بن عَنْبَسَة أخرجه عَنهُ عبد بن حميد فِي حَدِيث طَوِيل وَفِيه " إِذا صليت الْفجْر فَأمْسك عَن الصَّلَاة حَتَّى تطلع الشَّمْس فَإِنَّهَا تطلع فِي قَرْني الشَّيْطَان فَإِن الْكفَّار يصلونَ لَهَا " الحَدِيث وَحَدِيث أَبُو يعلى بن أُميَّة أخرجه عَنهُ (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " شهد عِنْدِي رجال " يَعْنِي بينوا لي وأعلموني بِهِ قَالَ الله تَعَالَى {شهد الله أَنه لَا إِلَه إِلَّا هُوَ} قَالَ الزّجاج مَعْنَاهُ بَين وَقَالَ الْكرْمَانِي المُرَاد من الشَّهَادَة لازمها وَهُوَ الْإِعْلَام أَي أعلمني رجال عدُول قَوْله " مرضيون " أَي لَا شكّ فِي صدقهم وَدينهمْ قَوْله " وأرضاهم " أفعل التَّفْضِيل للْمَفْعُول قَوْله " بعد الصُّبْح " أَي بعد صَلَاة الصُّبْح لِأَنَّهُ لَا جَائِز أَن يكون الحكم فِيهِ مُعَلّقا بِالْوَقْتِ إِذْ لَا بُد من أَدَاء الصُّبْح قَوْله " حَتَّى تشرق " بِضَم التَّاء من الْإِشْرَاق يُقَال أشرقت الشَّمْس ارْتَفَعت وأضاءت ويروى بِفَتْح أَوله وَضم ثالثه بِوَزْن تغرب يُقَال شَرقَتْ الشَّمْس أَي طلعت وَفِي الْمُحكم أشرقت الشَّمْس أَضَاءَت وانبسطت وَقيل شَرقَتْ وأشرقت أَضَاءَت وشرقت بِالْكَسْرِ دنت للغروب وَكَذَا حَكَاهُ ابْن القطاع فِيهِ أَفعاله وَزعم أَنه قَوْله الْأَصْمَعِي وَابْن خالويه فِي كتاب لَيْسَ وقطرب فِي كتاب الْأَزْمِنَة وَقَالَ عِيَاض المُرَاد من الطُّلُوع ارتفاعها وإشراقها وإضاءتها لَا مُجَرّد طُلُوع قرصها (ذكر مَا يستنبط مِنْهُ) احْتج بِهِ أَبُو حنيفَة على أَنه يكره أَن يتَنَفَّل بعد صَلَاة الْفجْر حَتَّى تطلع الشَّمْس وَبعد صَلَاة الْعَصْر حَتَّى تغرب الشَّمْس وَبِه قَالَ الْحسن الْبَصْرِيّ وَسَعِيد بن الْمسيب والْعَلَاء بن زِيَاد وَحميد بن عبد الرَّحْمَن وَقَالَ النَّخعِيّ كَانُوا يكْرهُونَ ذَلِك وَهُوَ قَول جمَاعَة من الصَّحَابَة وَقَالَ ابْن بطال تَوَاتَرَتْ الْأَحَادِيث عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَنه نهى عَن الصَّلَاة بعد الصُّبْح وَبعد الْعَصْر " وَكَانَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يضْرب على الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر بِمحضر من الصَّحَابَة من غير نَكِير فَدلَّ على أَن صلَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَخْصُوصَة بِهِ دون أمته وَكره ذَلِك عَليّ بن أبي طَالب وَعبد الله بن مَسْعُود وَأَبُو هُرَيْرَة وَسمرَة بن جُنْدُب وَزيد بن ثَابت وَسَلَمَة بن عَمْرو وَكَعب بن مرّة وَأَبُو أُمَامَة وَعَمْرو بن عَنْبَسَة وَعَائِشَة والصنابحي واسْمه عبد الرَّحْمَن بن عسيلة وَعبد الله بن عمر وَعبد الله بن عَمْرو وَفِي مُصَنف ابْن أبي شيبَة عَن أبي الْعَالِيَة قَالَ لَا تصلح الصَّلَاة بعد الْعَصْر حَتَّى تغيب الشَّمْس وَبعد الصُّبْح حَتَّى تطلع الشَّمْس قَالَ وَكَانَ عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يضْرب على ذَلِك وَعَن الأشتر قَالَ كَانَ خَالِد بن الْوَلِيد يضْرب النَّاس على الصَّلَاة بعد الْعَصْر وكرهها سَالم وَمُحَمّد بن سِيرِين وَعَن ابْن عمر قَالَ صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَعَ أبي بكر وَعمر وَعُثْمَان فَلَا صَلَاة بعد الْغَدَاة حَتَّى تطلع الشَّمْس قَالَ أَبُو سعيد تمرتان بزبد أحب إِلَيّ من صَلَاة بعد الْعَصْر وَعَن ابْن مَسْعُود " كُنَّا ننهى عَن الصَّلَاة عِنْد طُلُوع الشَّمْس وَعند غُرُوبهَا " وَقَالَ بِلَال لم ينْه عَن الصَّلَاة إِلَّا عِنْد غرُوب الشَّمْس لِأَنَّهَا تغرب فِي قرن الشَّيْطَان وَرَأى أَبُو مَسْعُود رجلا يُصَلِّي عِنْد طُلُوع الشَّمْس فَنَهَاهُ وَكَذَا شُرَيْح وَقَالَ الْحسن كَانُوا يكْرهُونَ الصَّلَاة عِنْد طُلُوع الشَّمْس حَتَّى

(5/77)


ترْتَفع وَعند غُرُوبهَا حَتَّى تغيب وَحَكَاهُ ابْن حزم عَن أبي بكرَة وَفِي فَوَائِد أبي الشَّيْخ رأى حُذَيْفَة رجلا يُصَلِّي بعد الْعَصْر فَنَهَاهُ فَقَالَ أَو يُعَذِّبنِي الله عَلَيْهَا قَالَ يعذبك على مُخَالفَة السّنة (فَإِن قلت) أخرجه البُخَارِيّ وَمُسلم عَن الْأسود عَن عَائِشَة قَالَت " لم يكن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يدعهما سرا وَلَا عَلَانيَة رَكْعَتَانِ قبل الصُّبْح وركعتان بعد الْعَصْر " وَفِي لفظ لَهما " مَا كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يأتيني فِي يَوْم بعد الْعَصْر إِلَّا صلى رَكْعَتَيْنِ " وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث قيس بن عَمْرو قَالَ رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجلا يُصَلِّي بعد صَلَاة الصُّبْح رَكْعَتَيْنِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصُّبْح رَكْعَتَانِ فَقَالَ الرجل إِنِّي لم أكن صليت الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ قبلهَا فصليتهما الْآن فَسكت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " هَكَذَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ قيس بن عَمْرو وَفِي رِوَايَة قيس بن قهد بِالْقَافِ (قلت) اسْتَقَرَّتْ الْقَاعِدَة أَن الْمُبِيح والحاظر إِذا تَعَارضا جعل الحاظر مُتَأَخِّرًا وَقد ورد نهي كثير فِي أَحَادِيث كَثِيرَة وَأما حَدِيث الْأسود عَن عَائِشَة فَإِن صلَاته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهِ مَخْصُوصَة بِهِ وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا ذكرنَا أَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ يضْرب على الرَّكْعَتَيْنِ بعد الْعَصْر بِمحضر من الصَّحَابَة من غير نَكِير وَذكر الْمَاوَرْدِيّ من الشَّافِعِيَّة وَغَيره أَيْضا أَن ذَلِك من خصوصياته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ الْخطابِيّ أَيْضا كَانَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَخْصُوصًا بِهَذَا دون الْخلق وَقَالَ ابْن عقيل لَا وَجه لَهُ إِلَّا هَذَا الْوَجْه وَقَالَ الطَّبَرِيّ فعل ذَلِك تَنْبِيها لأمته أَن نَهْيه كَانَ على وَجه الْكَرَاهَة لَا التَّحْرِيم وَقَالَ الطَّحَاوِيّ الَّذِي يدل على الخصوصية أَن أم سَلمَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا هِيَ الَّتِي رَوَت صلَاته إيَّاهُمَا قيل لَهُ أفنقضيهما إِذا فاتتا بعد الْعَصْر قَالَت لَا وَأما حَدِيث قيس بن عَمْرو فَقَالَ فِي الإِمَام إِسْنَاده غير مُتَّصِل وَمُحَمّد بن إِبْرَاهِيم لم يسمع من قيس وَقَالَ ابْن حبَان لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ وَقد أكد النَّهْي حَدِيث عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ رَوَاهُ أَبُو حَفْص حَدثنَا مُحَمَّد بن نوح حَدثنَا شعيبة بن أَيُّوب حَدثنَا أَسْبَاط بن مُحَمَّد وَأَبُو نعيم عَن سُفْيَان عَن أبي إِسْحَاق عَن عَاصِم بن ضَمرَة عَن عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ " كَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يُصَلِّي صَلَاة مَكْتُوبَة إِلَّا صلى بعْدهَا رَكْعَتَيْنِ إِلَّا الْفجْر وَالْعصر " وَزعم ابْن الْعَرَبِيّ أَن الصَّلَاة فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ تُؤَدّى فيهمَا فَرِيضَة دون النَّافِلَة عِنْد مَالك وَعند الشَّافِعِي تُؤَدّى فيهمَا الْفَرِيضَة والنافلة الَّتِي لَهَا سَبَب وَمذهب آخر لَا يصلى فيهمَا بِحَال لَا فَرِيضَة وَلَا نَافِلَة وَمذهب آخر تجوز بِمَكَّة دون غَيرهَا وَزعم الشَّافِعِي فِي كتاب اخْتِلَاف الحَدِيث وَذكر الصَّلَاة الَّتِي لَهَا سَبَب وعددها ثمَّ قَالَ وَهَذِه الصَّلَاة وأشباهها تصلى فِي هَذِه الْأَوْقَات بِالدّلَالَةِ عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَيْثُ قَالَ " من نسي صَلَاة فليصلها إِذا ذكرهَا وَصلى رَكْعَتَيْنِ كَانَ يُصَلِّيهمَا بعد الظّهْر شغل عَنْهُمَا بعد الْعَصْر وَأمر أَن لَا يمْنَع أحد طَاف بِالْبَيْتِ أَي سَاعَة شَاءَ " ولاستثناء الْوَارِد فِي حَدِيث عقبَة إِلَّا بِمَكَّة وَله فِي الْجُمُعَة حَدِيث أبي سعيد " أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - نهى عَن الصَّلَاة فِي نصف النَّهَار إِلَّا يَوْم الْجُمُعَة " وَالْجَوَاب عَن حَدِيث من نسي أَنه مَخْصُوص بِحَدِيث عقبَة وَعَن قَوْله " صلى رَكْعَتَيْنِ كَانَ يُصَلِّيهمَا " أَنه من خواصه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا ذكرنَا وَقَوله " إِلَّا بِمَكَّة " غَرِيب لم يرد فِي الْمَشَاهِير أَو كَانَ قبل النَّهْي (فَإِن قلت) رُوِيَ عَن أنس " كَانَ الْمُؤَذّن إِذا أذن قَامَ نَاس من أَصْحَاب رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يبتدرون السَّوَارِي حَتَّى يخرج النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وهم كَذَلِك يصلونَ رَكْعَتَيْنِ قبل الْمغرب وَلم يكن بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة شَيْء " (قلت) حمل ذَلِك على أول الْأَمر قبل النَّهْي أَو قبل أَن يعلم ذَلِك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَقَالَ أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ اخْتلفت الصَّحَابَة فيهمَا وَلم يَفْعَله بعدهمْ أحد وَقَالَ النَّخعِيّ بِدعَة
(حَدثنَا مُسَدّد قَالَ حَدثنَا يحيى عَن شُعْبَة عَن قَتَادَة سَمِعت أَبَا الْعَالِيَة عَن ابْن عَبَّاس قَالَ حَدثنِي نَاس بِهَذَا) هَذَا طَرِيق آخر فِي الحَدِيث الْمَذْكُور عَن مُسَدّد عَن يحيى الْقطَّان إِلَى آخِره وَذكر هَذِه الطَّرِيقَة ليبين أَن قَتَادَة سمع هَذَا الحَدِيث من أبي الْعَالِيَة وَلم يُصَرح بِالسَّمَاعِ فِي طَرِيق الحَدِيث الأول ولمتابعة شُعْبَة هشاما (فَإِن قلت) كَانَ يَنْبَغِي أَن يبْدَأ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِيهِ سَماع قَتَادَة من أبي الْعَالِيَة (قلت) إِنَّمَا قدم ذَاك الحَدِيث لعلوه قَوْله " بِهَذَا " أَي بِهَذَا الحَدِيث بِمَعْنَاهُ

(5/78)


582 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ عنْ هِشَامٍ قَالَ أخبرَني أبي قَالَ أَخْبرنِي ابنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ تَحَرَّوْا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ ولاَ غُرُوبَهَا. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِشَام هُوَ ابْن عُرْوَة.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي صفة إِبْلِيس عَن مُحَمَّد بن عَبدة. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة مقطعا عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن وَكِيع، وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أَبِيه وَمُحَمّد بن بشر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ أَيْضا مقطعا عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لَا تحروا) ، أَصله: لَا تتحروا، بالتاءين، فحذفت إِحْدَاهمَا أَي: لَا تقصدوا. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: فلَان يتحَرَّى الْأَمر، أَي: يتوخاه ويقصده، وتحرى فلَان بِالْمَكَانِ أَي: مكث، قَالَ التَّيْمِيّ: قَالَ قوم: أَرَادَ بِهِ: لَا تقصدوا وَلَا تبتدروا بهَا ذَلِك الْوَقْت. وَأما من انتبه من نَومه أَو ذكر مَا نَسيَه فَلَيْسَ بقاصد إِلَيْهَا وَلَا متحر، وَإِنَّمَا المتحري القاصد إِلَيْهَا. وَقيل: إِن قوما كَانُوا يتحرون طُلُوع الشَّمْس وغروبها فيسجدون لَهَا عبَادَة من دون الله تَعَالَى، فَنهى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَنهُ كَرَاهَة أَن يتشبهوا بهم. قلت: قَوْله: (لَا تحروا) ، نهي مُسْتَقل فِي كَرَاهَة الصَّلَاة فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورين، سَوَاء قصد لَهَا أم لم يقْصد، وَمِنْهُم من جعل هَذَا تَفْسِيرا للْحَدِيث السَّابِق ومبينا للمراد بِهِ، فَقَالَ: لَا تكره الصَّلَاة بعد الصُّبْح وَلَا بعد الْعَصْر، إلاَّ لمن قصد بِصَلَاتِهِ طُلُوع الشَّمْس وغروبها، وَإِلَيْهِ ذهب الظَّاهِرِيَّة، وَمَال إِلَيْهِ ابْن الْمُنْذر وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ مُسلم من طَرِيق طَاوُوس، عَن عَائِشَة. قَالَت: وهم عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، إِنَّمَا نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يتحَرَّى طُلُوع الشَّمْس وغروبها. وَمِنْهُم من قوَّى ذَلِك بِحَدِيث: (من أدْرك رَكْعَة من الصُّبْح قبل أَن تطلع الشَّمْس فليضف إِلَيْهَا أُخْرَى) ، فَأمر بِالصَّلَاةِ حِينَئِذٍ، فَدلَّ على أَن الْكَرَاهَة مُخْتَصَّة بِمن قصد الصَّلَاة فِي ذَلِك الْوَقْت لَا بِمن وَقع لَهُ اتِّفَاقًا. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: إِنَّمَا قَالَت ذَلِك عَائِشَة لِأَنَّهَا رَأَتْ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بعد الْعَصْر، فَحملت نَهْيه على من قصد ذَلِك لَا على الْإِطْلَاق. وَأجِيب، عَن هَذَا: بِأَن صلَاته، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تِلْكَ كَانَت قَضَاء، كَمَا ذكرنَا، وَقيل: كَانَت خُصُوصِيَّة لَهُ. وَأما النَّهْي مُطلقًا فقد ثَبت بِأَحَادِيث كَثِيرَة عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.

583 - وَقَالَ حدَّثني ابنُ عُمَرَ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا طَلَعَ حاجِبُ الشَّمْسِ فأخَّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَرْتَفِعَ وَإذَا غابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فأَخَّرُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَغِيبَ (الحَدِيث 583 طرفه فِي: 3272) .

أَي: قَالَ عُرْوَة: وحَدثني ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهَذَا أَيْضا حَدِيث مُسْتَقل كَالْأولِ، وأخرجهما الْإِسْمَاعِيلِيّ: الأول: من رِوَايَة عَليّ بن مسْهر وَعِيسَى بن يُونُس وَمُحَمّد بن بشر ووكيع وَمَالك بن سعيد ومحاضر، كلهم عَن هِشَام. وَالثَّانِي: فَقَط من رِوَايَة عبد الله بن نمير عَن هِشَام. فَإِن قلت: قَالَ عُرْوَة فِي الحَدِيث السَّابِق: أَخْبرنِي ابْن عمر، وَفِي هَذَا قَالَ: حَدثنِي، قلت: رِعَايَة للْفرق الَّذِي بَينهمَا عِنْده، وَلَا فرق بَين: حَدثنَا وَأخْبرنَا وَسمعت، عِنْد الْأَكْثَرين، وَجعل الْخَطِيب: سَمِعت، أرفعها وَابْن الصّلاح دونهَا. قَوْله: (حَاجِب الشَّمْس) قيل: هُوَ طرف قرص الشَّمْس الَّذِي يَبْدُو عِنْد الطُّلُوع وَلَا يغيب عِنْد الْغُرُوب، وَقيل: النيازك الَّتِي تبدو إِذا حَان طُلُوعهَا. وَقَالَ الْجَوْهَرِي: حواجب الشَّمْس: نَوَاحِيهَا.
تابَعَهُ عَبْدَةُ
أَي: تَابع عَبدة بن سُلَيْمَان يحيى بن سعيد الْقطَّان على رِوَايَته لهَذَا الحَدِيث عَن هِشَام، وَرِوَايَة عَبدة هَذِه أوصلها البُخَارِيّ فِي بَدْء الْخلق، وَقَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد حَدثنَا عَبدة بن سُلَيْمَان عَن هِشَام، وَفِيه الحديثان مَعًا، وَقَالَ فِيهِ: (حَتَّى تبرز) بدل: (ترْتَفع) . وَقَالَ فِيهِ: (لَا تَحَيَّنُوا) ، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف الْمُشَدّدَة وبالنون، وَزَاد فِيهِ: فَإِنَّهَا تطلع بَين قَرْني شَيْطَان. وَفِيه إِشَارَة إِلَى عِلّة النَّهْي عَن الصَّلَاة فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ، وَزَاد مُسلم من حَدِيث عَمْرو بن عَنْبَسَة حِينَئِذٍ: (تسْجد لَهَا الْكفَّار) ، فالنهي حِينَئِذٍ لترك مشابهة الْكفَّار، وَفِيه الرَّد على أبي مُحَمَّد الْبَغَوِيّ حَيْثُ قَالَ: إِن النَّهْي عَن ذَلِك لَا يدْرك مَعْنَاهُ، وَجعله من قبيل

(5/79)


الْأُمُور التعبدية الَّتِي يجب الْإِيمَان بهَا.

584 - حدَّثنا عُبَيْدُ بنُ إسْمَاعِيلَ عَنْ أبِي أُسَامَةَ عنْ عُبَيْدِ الله عَنْ خُبَيْبِ بنِ عبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بنِ عَاصِمٍ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نَهَى عنْ بَيْعَتَيْنِ وعنْ لِبْسَتَيْنِ وعَنْ صَلاَتَيْنِ نَهَى عنِ الصَّلاَةِ بَعْدَ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وبَعْدَ االعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ وعَنِ اشْتِمَالِ الصَّمَّاءِ وعنِ الاحْتِبَاءِ فِي ثَوْبٍ واحِدٍ يُفْضِي بِفَرْجِهِ إلَى السَّماءِ وعنِ المُنَابَذَةِ وَعَن المُلاَمَسَةِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِي فِي قَوْله: (وَعَن صَلَاتَيْنِ) ، إِلَى قَوْله: (حَتَّى تغرب الشَّمْس.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عبيد، بِضَم الْعين: ابْن إِسْمَاعِيل، تقدم فِي بَاب نقض الْمَرْأَة شعرهَا. الثَّانِي: أَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن أُسَامَة. االثالث: عبيد الله بن عمر بن حَفْص الْعمريّ. الرَّابِع: خبيب، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن عبد الرَّحْمَن أَبُو الْحَارِث الْأنْصَارِيّ الخزرجي. الْخَامِس: حَفْص بن عَاصِم بن عمر بن الْخطاب، جد عبيد الله الْمَذْكُور آنِفا. السَّادِس: أَبُو هُرَيْرَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه: شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده واسْمه فِي الأَصْل: عبد الله، يكنى: أَبَا مُحَمَّد الْقرشِي. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي وَهُوَ عَبدة، ومدني وَهُوَ خبيب، والبقية مدنيون. وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَن عَمه وَهُوَ عبيد الله فَإِنَّهُ ابْن أخي خبيب.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن مُحَمَّد بن عَبدة بن سُلَيْمَان، وَأخرجه فِي اللبَاس أَيْضا عَن مُحَمَّد بن بشار عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ. وَأخرجه مُسلم فِي الْبيُوع عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن أَبِيه وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن عبد الْأَعْلَى. وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر بن أبي شيبَة بِهِ مقطعا، فِي الصَّلَاة وَفِي التِّجَارَات.
ذكر مَعْنَاهُ قَوْله: (عَن بيعَتَيْنِ) ، تَثْنِيَة: بيعَة، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسرهَا، وَالْفرق بَينهمَا أَن: فعلة، بِالْفَتْح للمرة، وبالكسر للهيئة. وَأَرَادَ بهما: اللماس والنباذ، بِكَسْر اللَّام وبكسر النُّون، وَقد مر تفسيرهما فِي بَاب مَا يستر من الْعَوْرَة فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة. قَوْله: (وَعَن لبستين) ، بِكَسْر اللَّام: الْهَيْئَة وَالْحَالة، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: وَرُوِيَ بِالضَّمِّ على الْمصدر، وَالْأول هُوَ الْوَجْه. قَوْله: (بعد الْفجْر) أَي: بعد صَلَاة الْفجْر وَبعد صَلَاة الْعَصْر. قَوْله: (وَعَن اشْتِمَال الصماء) ، بالصَّاد الْمُهْملَة وبالمد، قَالَ ابْن الْأَثِير: هُوَ التخلل بِالثَّوْبِ وإرساله من غير أَن يرفع جَانِبه. وَفِي تَفْسِيره اخْتِلَاف قد ذَكرْنَاهُ فِي: بَاب مَا يستر من الْعَوْرَة.، وأمعنا الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ. قَوْله:: (وَعَن الاحتباء فِي ثوب وَاحِد) قَالَ الْخطابِيّ: الاحتباء هُوَ أَن يحتبي الرجل بِالثَّوْبِ وَرجلَاهُ متجافيتان عَن بَطْنه، فَيبقى هُنَاكَ إِذا لم يكن الثَّوْب وَاسِعًا قد أسبل شَيْئا مِنْهُ على فرجه فُرْجَة تبدو عَوْرَته مِنْهَا. قَالَ: وَهُوَ مَنْهِيّ عَنهُ. قَوْله: (يُفْضِي) من الْإِفْضَاء. قَوْله: (فرجه) ، ويروى: (بفرجه) ، بِالْبَاء، قَوْله: (وَعَن الْمُنَابذَة) ، بِالذَّالِ الْمُعْجَمَة مفاعلة من نابذة ومنابذة ونباذا، وَصورتهَا: أَن يطْرَح الرجل ثَوْبه بِالْبيعِ إِلَى رجل قبل أَن يقلبه أَو ينظر إِلَيْهِ. قَوْله: (وَالْمُلَامَسَة) مفاعلة من: لامس ملامسة ولماسا، وَهُوَ: أَن يلمس الثَّوْب بِلَا نظر إِلَيْهِ. قَالَ أَصْحَابنَا: الْمُلَامسَة والمنابذة وإلقاء الْحجر كَانَت بيوعا فِي الْجَاهِلِيَّة، وَكَانَ الرّجلَانِ يتساومان الْمَبِيع فَإِذا ألْقى المُشْتَرِي عَلَيْهِ حَصَاة أَو نبذه البَائِع إِلَى المُشْتَرِي أَو لمسه المُشْتَرِي لزم البيع، وَقد نهى الشَّارِع عَن ذَلِك كُله.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اسْتُفِيدَ مِنْهُ: منع الشَّخْص من فعل عشرَة أَشْيَاء وَهِي: البيعتان واللبستان والصلاتان فِي الْوَقْتَيْنِ الْمَذْكُورين واشتمال الصماء والاحتباء على الصُّورَة الْمَذْكُورَة: فِيهِ والمنابذة وَالْمُلَامَسَة. وَسَيَأْتِي مزِيد الْكَلَام فِيهِ فِي بَاب الْبيُوع واللباس إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَالله تَعَالَى أعلم.

31 - س

(بابٌ لاَ يَتَحَرَّى الصَّلاَةَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن الشَّخْص لَا يتحَرَّى أَي: لَا يقْصد الصَّلَاة قبل غرُوب الشَّمْس، وَفِي بعض النّسخ: بَاب لَا تتحروا.

(5/80)


قَوْله: (لَا يتحَرَّى) على صِيغَة الْمَجْهُول، و: (الصَّلَاة) بِالرَّفْع لِأَنَّهُ نَائِب عَن الْفَاعِل، وَهَذَا يشْعر بِأَنَّهُ إِذا وَقع مِنْهُ اتِّفَاقًا لَا بَأْس بِهِ، وَقد وَقع الْكَلَام فِيهِ فِي الْبَاب السَّابِق مستقصىً.

585 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخْبَرَنَا مالِكٌ عنْ نَافِعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ لاَ يَتَحَرَّى أحَدُكُمْ فَيُصَلِّي عِنْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَلَا عِنْدَ غُروبِهَا.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَلَا عِنْد غُرُوبهَا) . قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: التَّرْجَمَة قبل الْغُرُوب. والْحَدِيث عِنْد الْغُرُوب؟ قلت: المُرَاد مِنْهُمَا وَاحِد.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة، والْحَدِيث مضى فِي الْبَاب الَّذِي قبله. قَوْله: (لَا يتحَرَّى) كَذَا وَقع بِلَفْظ الْخَبَر. قَالَ السُّهيْلي: يجوز الْخَبَر عَن مُسْتَقر أَمر الشَّرْع أَي: لَا يكون إلاَّ هَذَا. قَوْله: (فَيصَلي) ، بِالنّصب وَهُوَ نَحْو: مَا تَأْتِينَا فتحدثنا، فِي أَن يُرَاد بِهِ نفي التَّحَرِّي وَالصَّلَاة كِلَاهُمَا، وَأَن يُرَاد بِهِ نفي الصَّلَاة فَقَط، وَيجوز الرّفْع من جِهَة النَّحْو، أَي: لَا يتحَرَّى أحدكُم الصَّلَاة فِي وَقت كَذَا، فَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: لَا يتحَرَّى، وَهُوَ نفي بِمَعْنى النَّهْي، وَيُصلي، هُوَ مَنْصُوب بِأَنَّهُ جَوَابه. وَيجوز أَن يتَعَلَّق بِالْفِعْلِ الْمنْهِي أَيْضا، فالفعل الْمنْهِي مُعَلل فِي الأول وَالْفِعْل الْمُعَلل مَنْهِيّ فِي الثَّانِي، وَالْمعْنَى على الثَّانِي: لَا يتحَرَّى أحدكُم فعلا يكون سَببا لوُقُوع الصَّلَاة فِي زمَان الْكَرَاهَة، وعَلى الأول كَأَنَّهُ قيل: لَا يتحَرَّى فَقيل: لم ينهانا عَنهُ؟ فَأُجِيب: عَنهُ: خيفة أَن تصلوا، أَو أَن الْكَرَاهَة، وَقَالَ ابْن خروف: يجوز فِي: فَيصَلي، ثَلَاثَة أوجه: الْجَزْم على الْعَطف، أَي: لَا يتحر وَلَا يصل، وَالرَّفْع على الْقطع أَي: لَا يتحَرَّى فَهُوَ يُصَلِّي، وَالنّصب على جَوَاب النَّهْي، وَالْمعْنَى: لَا يتحَرَّى مُصَليا.

586 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا إبْرَهِيمُ بنُ سَعْدٍ عَنْ صَالِحٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي عَطَاءُ بنُ يَزِيدَ الجُنْدَعِيُّ أنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الخُدْرِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الصُّبْحِ حَتَّى تَرْتَفِعَ الشَّمْسُ ولاَ صَلاَةَ بَعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ.

مطابقته للتَّرْجَمَة بطرِيق الْإِشَارَة لِأَنَّهُ يلْزم من نفي الصَّلَاة بعد الصُّبْح قبل ارْتِفَاع الشَّمْس، وَبعد الْعَصْر قبل غُرُوبهَا أَن لَا يتحراها فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن يحيى بن عَمْرو الْقرشِي الْمدنِي. الثَّانِي: إِبْرَاهِيم بن سعد بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف الزُّهْرِيّ الْقرشِي الْمدنِي. الثَّالِث: صَالح بن كيسَان الْغِفَارِيّ، مؤدب ولد عمر ابْن عبد الْعَزِيز، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: عَطاء بن يزِيد من الزِّيَادَة أَبُو يزِيد اللَّيْثِيّ الجندعي الْمدنِي؛ الجندعي، بِضَم الْجِيم وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَضمّهَا بعْدهَا عين مُهْملَة: نِسْبَة إِلَى جندع ابْن لَيْث بن بكر بن عبد مَنَاة بن كنَانَة. السَّادِس: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ، واسْمه: سعد بن مَالك.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: السماع فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن حَرْمَلَة عَن ابْن وهب عَن يُونُس. وَأخرجه النَّسَائِيّ، فِيهِ عَن عبد الحميد بن مُحَمَّد الْحَرَّانِي عَن مخلد بن يزِيد وَعَن مَحْمُود بن خَالِد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لَا صَلَاة) ، كلمة: لَا، لنفي الْجِنْس أَي: لَا صَلَاة حَاصِلَة بعد الصُّبْح، أَي: بعد صَلَاة الصُّبْح، وَيُقَال: هَذَا نفي بِمَعْنى النَّهْي، وَالتَّقْدِير: لَا تصلوا. ثمَّ قيل: إِن النَّهْي للتَّحْرِيم، وَالأَصَح أَنه للكراهة. وبالنظر إِلَى صُورَة نفي الْجِنْس قَالَ أَبُو طَلْحَة: المُرَاد بذلك كل صَلَاة، وَلَا يثبت ذَلِك عَنهُ. وَقَالَ أَصْحَابنَا: وَلَا بَأْس أَن يُصَلِّي فِي هذَيْن الْوَقْتَيْنِ الْفَائِتَة، وَيسْجد للتلاوة، وَيُصلي على الْجِنَازَة.

587 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ أبَانٍ قَالَ حدَّثنا غُنْدُرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ عنْ أبِي التَّيَّاحِ قَالَ سَمِعْتُ حُمْرَانَ بنَ أبَانَ يُحَدِّثُ عَنْ مُعَاوِيَةَ قَالَ إنَّكُمْ لَتُصَلُّونَ صَلاَةَ لَقَدْ صَحِبْنَا رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَمَا رَأَيْنَاهُ يُصَلِّيهَا وَلَقَدْ نَهَى عَنْهُمَا يَعْنِي الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ العَصْرِ (الحَدِيث 587 طرفه فِي: 3766) .

(5/81)


مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن أبان، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة: الْبَلْخِي أَبُو بكر مستملى وَكِيع الْمَعْرُوف بحمدويه، مَاتَ سنة أَربع وَأَرْبَعين وَمِائَتَيْنِ. وَقَالَ بَعضهم: هُوَ مُحَمَّد بن أبان الوَاسِطِيّ لَا الْمَذْكُور. قلت: لكل من الْقَوْلَيْنِ مُرَجّح، وَكِلَاهُمَا ثِقَة. الثَّانِي: غنْدر، مُحَمَّد بن جَعْفَر، وَقد تكَرر ذكره. الثَّالِث: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الرَّابِع: أَبُو التياح، بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره حاء مُهْملَة: واسْمه يزِيد ابْن حميد الضبعِي الْبَصْرِيّ. الْخَامِس: حمْرَان، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْمِيم: ابْن أبان، مر فِي بَاب الْوضُوء. السَّادِس: مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْفِعْل الْمُضَارع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بلخي وواسطي وبصري ومدني. وَفِيه: عَن مُعَاوِيَة، وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: من طَرِيق معَاذ وَغَيره عَن شُعْبَة: خَطَبنَا مُعَاوِيَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَخَالفهُم عُثْمَان بن عَمْرو وَأَبُو دَاوُد الطَّيَالِسِيّ فَقَالَا: عَن ابي التياح عَن معبد الْجُهَنِيّ عَن مُعَاوِيَة وَطَرِيق البُخَارِيّ أرجح، وَيجوز أَن يكون لأبي التياح شَيْخَانِ: أَحدهمَا: حمْرَان، وَالْآخر: معبد الْجُهَنِيّ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لتصلون) : اللَّام، فِيهِ مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد، وَكَذَلِكَ: اللَّام، فِي كلمة: لقد. قَوْله: (يُصليهَا) ، بإفراد الضَّمِير أَي: يُصَلِّي تِلْكَ الصَّلَاة، هَذَا فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ، وَفِي رِوَايَة غَيره: (يُصَلِّيهمَا) ، بضمير التَّثْنِيَة أَي: يُصَلِّي الرَّكْعَتَيْنِ، وَكَذَا وَقع الْخلاف بَين الروَاة فِي قَوْله: عَنْهَا أَو عَنْهُمَا. وَقَالَ بَعضهم: وَمَا نَفَاهُ مُعَاوِيَة من رُؤْيَته صَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهما لقد أثْبته غَيره، والمثبت مقدم على النَّافِي. قلت: نفي مُعَاوِيَة يرجع إِلَى صفة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا إِلَى ذَاتهَا، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يُصَلِّيهمَا على وَجه الخصوصية لَهُ، كَمَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب؛ وَهَؤُلَاء كَانُوا يصلونَ على سَبِيل التَّطَوُّع الرَّاتِب لَهما، كَمَا كَانُوا يصلونَ بعد الظّهْر، فَأنْكر مُعَاوِيَة عَلَيْهِم من هَذَا الْوَجْه، لِأَنَّهُ ثَبت عِنْده وُرُود النَّهْي عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَن ذَلِك، كَمَا ورد عَن غَيره عَن جمَاعَة من الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، على مَا قد ذَكرْنَاهُ. وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا: لَكِن لَيْسَ فِي رِوَايَة الْإِثْبَات مُعَارضَة للأحاديث الْوَارِدَة فِي النَّهْي، لِأَن رِوَايَة الْإِثْبَات لَهَا سَبَب، وَالنَّهْي مَحْمُول على مَا لَا سَبَب لَهُ. قلت: الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي النَّهْي عَامَّة فَلَا يتْرك الْعَمَل بعمومها للأحاديث الْوَارِدَة الَّتِي لَهَا سَبَب الَّتِي لَا تقاومها، على أَنا نقُول: إِن أَحَادِيث النَّهْي مُتَأَخِّرَة، فَالْعَمَل للمتأخر دون الْمُتَقَدّم.

588 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ سَلاَّمٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدَةُ عنْ عُبَيْدِ الله عَنْ خُبَيْبٍ عَنْ حَفْصِ بنِ عَاصِمٍ عَن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ نَهَى رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عنْ صَلاَتَيْنِ بَعْدَ الفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وبعْدَ العَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ.

هَذَا الحَدِيث قد تقدم فِي الْبَاب الَّذِي قبله بأتم مِنْهُ. أخرجه هُنَاكَ: عَن عبيد بن إِسْمَاعِيل عَن أبي أُسَامَة عَن عبيد الله، وَهَهُنَا: عَن مُحَمَّد بن سَلام بتَشْديد اللَّام عَن عَبدة بن سُلَيْمَان عَن عبيد الله بن عمر بن حَفْص عَن خبيب بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة إِلَى آخِره ...