عمدة القاري شرح
صحيح البخاري بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
10 - (كِتَابُ الأذَانِ)
أَي: هَذَا كتاب فِي بَيَان أَحْكَام الآذان. وَفِي بعض
النّسخ، بعد الْبَسْمَلَة: أَبْوَاب الآذان. وَسَقَطت
الْبَسْمَلَة فِي رِوَايَة الْقَابِسِيّ
(5/101)
وَغَيره.
والآذان فِي اللُّغَة: الْإِعْلَام. قَالَ الله تَعَالَى:
{وأذان من الله وَرَسُوله} (التَّوْبَة: 3) . من: أذن
يُؤذن تأذينا وأذانا، مثل: كلم يكلم تكليما وكلاما،
فالأذان وَالْكَلَام: اسْم الْمصدر القياسي. وَقَالَ
الْهَرَوِيّ: وَالْأَذَان والأذين والتأذين بِمَعْنى.
وَقيل: الأذين: الْمُؤَذّن، فعيل بِمَعْنى مفعل. وَأَصله
من الْأذن كَأَنَّهُ يلقِي فِي آذان النَّاس بِصَوْتِهِ
مَا يَدعُوهُم إِلَى الصَّلَاة. وَفِي الشَّرِيعَة:
الْأَذَان إِعْلَام مَخْصُوص بِأَلْفَاظ مَخْصُوصَة فِي
أَوْقَات مَخْصُوصَة، وَيُقَال: الْإِعْلَام بِوَقْت
الصَّلَاة الَّتِي عينهَا الشَّارِع بِأَلْفَاظ مثناة.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ وَغَيره: الْأَذَان على قلَّة
أَلْفَاظه مُشْتَمل على مسَائِل العقيدة، لِأَنَّهُ بَدَأَ
بالأكبرية، وَهِي تَتَضَمَّن وجود الله تَعَالَى وكماله،
ثمَّ ثنى بِالتَّوْحِيدِ وَنفي الشَّرِيك، ثمَّ بِإِثْبَات
الرسَالَة، ثمَّ دَعَا إِلَى الطَّاعَة الْمَخْصُوصَة عقيب
الشَّهَادَة بالرسالة لِأَنَّهَا لَا تعرف إلاَّ من جِهَة
الرَّسُول، ثمَّ دَعَا إِلَى الْفَلاح وَهُوَ الْبَقَاء
الدَّائِم، وَفِيه الْإِشَارَة إِلَى الْمعَاد، ثمَّ أعَاد
مَا أعَاد توكيدا. وَيحصل من الْأَذَان الْإِعْلَام
بِدُخُول الْوَقْت، وَالدُّعَاء إِلَى الْجَمَاعَة،
وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام، وَالْحكمَة فِي
اخْتِيَار القَوْل لَهُ دون الْفِعْل وسهولة القَوْل
وتيسره لكل أحد فِي كل زمَان وَمَكَان، وَالله أعلم.
1 - (بابُ بِدْءَ الأَذَانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ابْتِدَاء الْأَذَان، وَلَيْسَ
فِي رِوَايَة أبي ذَر لفظ: بَاب.
وقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: وإذَا نادَيْتُمْ إلَى
الصَّلاَةِ اتخذُوهَا هُزُوا ولَعِبا ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ
قَوْمٌ لاَ يَعْقِلُونَ} (الْمَائِدَة: 58) . وقَولُهُ:
{إذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِنْ يَوْمِ الجُمُعَةِ}
(الْجُمُعَة: 9)
وَقَول الله مجرور لِأَنَّهُ عطف على لفظ: بَدْء، وَقَوله
الثَّانِي عطف عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا ذكر هَاتين
الْآيَتَيْنِ إِمَّا للتبرك أَو لإِرَادَة مَا بوب لَهُ:
وَهُوَ بَدْء الْأَذَان. وَإِن ذَلِك كَانَ
بِالْمَدِينَةِ، والآيتان المذكورتان مدنيتان. وَعَن ابْن
عَبَّاس: إِن فرض الْأَذَان نزل مَعَ الصَّلَاة {يَا
أَيهَا الَّذين آمنُوا إِذا نُودي للصَّلَاة من يَوْم
الْجُمُعَة} (الْجُمُعَة: 9) . رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ،
أما الْآيَة الأولي فَفِي سُورَة الْمَائِدَة، وإيراد
البُخَارِيّ هَذِه الْآيَة هَهُنَا إِشَارَة إِلَى بَدْء
الْأَذَان بِالْآيَةِ الْمَذْكُورَة، كَمَا ذكرنَا. وَعَن
هَذَا قَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي (تَفْسِيره) : قيل: فِيهِ
دَلِيل على ثُبُوت الْأَذَان بِنَصّ الْكتاب لَا بالمنام
وَحده. قَوْله: {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة}
(الْمَائِدَة: 58) . يَعْنِي: إِذا أذن الْمُؤَذّن
للصَّلَاة، وَإِنَّمَا أضَاف النداء إِلَى جَمِيع
الْمُسلمين لِأَن الْمُؤَذّن يُؤذن لَهُم ويناديهم، فأضاف
إِلَيْهِم، فَقَالَ: {وَإِذا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاة
اتَّخَذُوهَا هزوا وَلَعِبًا} (الْمَائِدَة: 58) .
يَعْنِي: الْكفَّار إِذا سمعُوا الْأَذَان استهزؤا بهم،
وَإِذا رَأَوْهُمْ رُكُوعًا سجودا ضحكوا عَلَيْهِم
واستهزأو بذلك. قَوْله: {ذَلِك} (الْمَائِدَة: 58) .
يَعْنِي: الِاسْتِهْزَاء {بِأَنَّهُم قوم لَا يعْقلُونَ}
(الْمَائِدَة: 58) . يَعْنِي: لَا يعلمُونَ ثوابهم.
وَقَالَ أَسْبَاط عَن السّديّ، قَالَ: (كَانَ رجل من
النَّصَارَى بِالْمَدِينَةِ إِذا سمع الْمُنَادِي يُنَادي:
أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، قَالَ: حرق الْكَاذِب،
فَدخلت خادمته لَيْلَة من اللَّيَالِي بِنَار وَهُوَ
نَائِم وَأَهله نيام، فَسَقَطت شرارة فأحرقت الْبَيْت
فَاحْتَرَقَ هُوَ وَأَهله) . رَوَاهُ ابْن جرير وَابْن أبي
حَاتِم. وَأما الْآيَة الثَّانِيَة فَفِي سُورَة
الْجُمُعَة، فَقَوله: {إِذا نُودي للصَّلَاة} (الْجُمُعَة:
9) . أَرَادَ بِهَذَا النداء الْأَذَان عِنْد قعُود
الإِمَام على الْمِنْبَر للخطبة، ذكره النَّسَفِيّ فِي
(تَفْسِيره) وَاخْتلفُوا فِي هَذَا، فَمنهمْ من قَالَ: إِن
الْأَذَان كَانَ وَحيا لَا مناما. وَقيل: إِنَّه أَخذ من
أَذَان إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي
الْحَج. {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ يأتوك رجَالًا
وعَلى كل ضامر} (الْحَج: 27) ، قَالَ: فَأذن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقيل: نزل بِهِ جِبْرِيل،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَالْأَكْثَرُونَ على أَنه كَانَ برؤيا
عبد الله بن زيد وَغَيره، على مَا يَجِيء إِن شَاءَ الله
تَعَالَى.
وَاعْلَم أَن النداء عدى فِي الْآيَة الأولى بِكَلِمَة:
إِلَى، وَفِي الثَّانِيَة: بِاللَّامِ، لِأَن صَلَاة
الْأَفْعَال تخْتَلف بِحَسب مَقَاصِد الْكَلَام،
وَالْمَقْصُود فِي الأولى: معنى الِانْتِهَاء، وَفِي
الثَّانِيَة: معنى الِاخْتِصَاص. وَيحْتَمل أَن يكون:
إِلَى، بِمَعْنى: اللَّام، وَبِالْعَكْسِ، لِأَن الْحُرُوف
يَنُوب بَعْضهَا عَن بعض.
603 - حدَّثنا عِمْرَانُ بنُ مَيْسَرَةَ قَالَ حدَّثنا
عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ الحَذَاء عنْ أبي
(5/102)
قِلاَبَةَ عنْ أنَسٍ قَالَ ذكَرْوا
النَّارَ والنَّاقُوسَ فَذَكَرُوا اليَهُودَ والنَّصَارَي
فَامِرَ بِلاَل أنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وأنْ يُوتِرَ
الإِقَامَةَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن بَدْء الْأَذَان كَانَ
بِأَمْر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِلَالًا،
لأَنهم كَانُوا يصلونَ قبل ذَلِك فِي أَوْقَات الصَّلَوَات
بالمناداة فِي الطّرق: الصَّلَاة الصَّلَاة، وَالدَّلِيل
عَلَيْهِ حَدِيث أنس أَيْضا، رَوَاهُ أَبُو الشَّيْخ ابْن
حبَان فِي (كتاب الْأَذَان) تأليفه، من حَدِيث عَطاء بن
أبي مَيْمُونَة عَن خَالِد عَن أبي قلَابَة: (عَن أنس،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَت الصَّلَاة إِذا حضرت
على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سعى رجل فِي
الطَّرِيق فينادي: الصَّلَاة الصَّلَاة، فَاشْتَدَّ ذَلِك
على النَّاس، فَقَالُوا: لَو اتخذنا ناقوسا {فَقَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاك لِلنَّصَارَى،
فَقَالُوا: لَو اتخذنا بوقا} فَقَالَ: ذَاك للْيَهُود،
فَقَالُوا: لَو رفعنَا نَارا. فَقَالَ رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَاك للمجوس. فَأمر بِلَال ... .)
الحَدِيث، وَعند الطَّبَرَانِيّ من هَذَا الطَّرِيق:
(فَأمر بِلَالًا) . فَإِن قلت: قد أخرج التِّرْمِذِيّ فِي
تَرْجَمَة بَدْء الْأَذَان حَدِيث عبد الله بن يزِيد مَعَ
حَدِيث عبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
فَلِمَ اخْتَار البُخَارِيّ فِيهِ حَدِيث أنس؟ قلت:
لِأَنَّهُ لم يكن على شَرطه.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عمرَان بن ميسرَة ضد
الميمنة وَقد تقدم. الثَّانِي: عبد الْوَارِث ابْن سعيد
التنوري. الثَّالِث: خَالِد الْحذاء. الرَّابِع: أَبُو
قلَابَة، بِكَسْر الْقَاف: عبد الله بن زيد الْجرْمِي.
الْخَامِس: أنس بن مَالك.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه:
القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من
أَفْرَاده. وَفِيه: أَن رُوَاته بصريون.
بَيَان تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي ذكر بني إِسْرَائِيل عَن عمرَان بن ميسرَة،
وَعَن مُحَمَّد بن سَلام، وَعَن عَليّ بن عبد الله، وَعَن
سُلَيْمَان بن حَرْب، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن خلف
بن هِشَام، وَعَن يحيى بن يحيى وَعَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم، وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم، وَعَن عبيد الله
بن عمر. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن سُلَيْمَان بن
حَرْب وَعبد الرَّحْمَن ابْن الْمُبَارك، وَعَن مُوسَى
ابْن إِسْمَاعِيل، وَعَن حميد بن مسْعدَة، وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة عَن عبد الْوَهَّاب
وَيزِيد بن زُرَيْع. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا عَن
قُتَيْبَة. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عبد الله بن
الْجراح، وَعَن نصر بن عَليّ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (والناقوس) ، وَهُوَ الَّذِي
يضْربهُ النَّصَارَى لأوقات الصَّلَاة. وَقَالَ ابْن
سَيّده: النقس: ضرب من النواقيس، وَهُوَ الْخَشَبَة
الطَّوِيلَة والوبيلة القصيرة. وَقَالَ الجواليقي: ينظر
فِيهِ هَل هُوَ مُعرب أَو عَرَبِيّ؟ وَهُوَ على وزن:
فاعول، قَالَ ابْن الْأَعرَابِي: لم يَأْتِ فِي الْكَلَام:
فاعول، لَام الْكَلِمَة فِيهِ: سين إلاَّ الناقوس. وَذكر
ألفاظا أخر على هَذَا الْوَزْن، وَلم يذكر فِيهَا الناقوس،
وَالظَّاهِر أَنه مُعرب. قَوْله: (فَذكرُوا الْيَهُود
وَالنَّصَارَى) ، وَعبد الْوَارِث اختصر هَذَا الحَدِيث،
وَفِي رِوَايَة روح بن عَطاء عَن خَالِد عَن أبي الشَّيْخ،
وَلَفظه: (فَقَالُوا: لَو اتخذنا ناقوسا، فَقَالَ رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: ذَاك لِلنَّصَارَى،
فَقَالُوا: لَو اتخذنا بوقا، فَقَالَ: ذَاك للْيَهُود،
فَقَالُوا: لَو رفعنَا نَارا! فَقَالَ: ذَاك للمجوس) ،
فعلى هَذَا كَأَنَّهُ كَانَ فِي رِوَايَة عبد الْوَارِث:
وَذكروا النَّار والناقوس والبوق، فَذكرُوا الْيَهُود
وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوس، فَهَذَا لف وَنشر غير مُرَتّب،
لِأَن الناقوس لِلنَّصَارَى، والبوق للْيَهُود، وَالنَّار
للمجوس. قَوْله: (فَأمر بِلَال) أَمر بِضَم الْهمزَة على
صِيغَة الْمَجْهُول، وَهَذِه الصِّيغَة يحْتَمل أَن يكون
الْآمِر فِيهَا غير الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَفِيه خلاف عِنْد الْأُصُولِيِّينَ كَمَا عرف فِي
مَوْضِعه. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَالصَّوَاب وَعَلِيهِ
الْأَكْثَر: أَنه مَرْفُوع لِأَن إِطْلَاق مثله ينْصَرف
عرفا إِلَى صَاحب الْأَمر وَالنَّهْي. وَهُوَ: رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. قلت: مَقْصُود من هَذَا
الْكَلَام تَقْوِيَة مذْهبه، وقوى بَعضهم هَذَا بقوله:
وَقد وَقع فِي رِوَايَة روح عَن عَطاء: فَأمر بِلَالًا،
بِالنّصب، وفاعل: أَمر، هُوَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم. قلت: روى الْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنه الْكَبِير) من
حَدِيث ابْن الْمُبَارك: عَن يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن
سعيد عَن عبد الله بن زيد بن عبد ربه. وَأَبُو عوَانَة فِي
(صَحِيحه) من حَدِيث الشّعبِيّ: عَنهُ، وَلَفظه: (أذن مثنى
وَأقَام مثنى) . وَحَدِيث أبي مَحْذُورَة عِنْد
التِّرْمِذِيّ مصححا: (علمه الْأَذَان مثنى مثنى،
وَالْإِقَامَة مثنى مثنى) . وَحَدِيث أبي جُحَيْفَة: أَن
بِلَالًا، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، (كَانَ يُؤذن مثنى
مثنى) . وروى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث وَكِيع: عَن
إِبْرَاهِيم ابْن إِسْمَاعِيل عَن مجمع بن حَارِثَة عَن
عبيد، مولى سَلمَة بن الْأَكْوَع كَانَ (يثني الآذان
وَالْإِقَامَة) .
(5/103)
حَدثنَا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة حَدثنَا
مُحَمَّد بن سِنَان حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة عَن حَمَّاد
بن إِبْرَاهِيم، قَالَ: (كَانَ ثَوْبَان، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، يُؤذن مثنى مثنى، وَيُقِيم مثنى مثنى) .
حَدثنَا يزِيد بن سِنَان حَدثنَا يحيى بن سعيد الْقطَّان
حَدثنَا قطر بن خَليفَة عَن مُجَاهِد قَالَ: فِي
الْإِقَامَة مرّة مرّة، إِنَّمَا هُوَ شَيْء أحدثه
الْأُمَرَاء، وَأَن الأَصْل التَّثْنِيَة. قلت: وَقد ظهر
لَك بِهَذِهِ الدَّلَائِل أَن قَول النَّوَوِيّ فِي (شرح
مُسلم) : وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الْإِقَامَة سبع عشرَة
كلمة، وَهَذَا الْمَذْهَب شَاذ، قَول واهٍ لَا يلْتَفت
إِلَيْهِ، وَكَيف يكون شاذا مَعَ وجود هَذِه الْأَحَادِيث
وَالْأَخْبَار الصَّحِيحَة؟ فَإِن قَالُوا: حَدِيث أبي
مَحْذُورَة لَا يوازي حَدِيث أنس الْمَذْكُور من جِهَة
وَاحِدَة، فضلا عَن الْجِهَات كلهَا، مَعَ أَن جمَاعَة من
الْحفاظ ذَهَبُوا إِلَى أَن اللَّفْظَة فِي تَثْنِيَة
الْإِقَامَة غير مَحْفُوظَة، ثمَّ رووا من طَرِيق
البُخَارِيّ: عَن عبد الْملك بن أبي مَحْذُورَة: أَنه سمع
أَبَا مَحْذُورَة يَقُول: (إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أمره أَن يشفع الْأَذَان ويوتر الْإِقَامَة) .
قُلْنَا: قد ذكرنَا أَن التِّرْمِذِيّ صَححهُ، وَكَذَا
ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان صححا هَذِه اللَّفْظَة، فَإِن
قَالُوا: سلمنَا أَن هَذِه مَحْفُوظَة، وَأَن الحَدِيث
ثَابت، وَلَكِن نقُول: إِنَّه مَنْسُوخ لِأَن أَذَان
بِلَال هُوَ آخر الأذانين؟ قُلْنَا: لَا نسلم أَنه
مَنْسُوخ، لِأَن حَدِيث بِلَال إِنَّمَا كَانَ أول مَا شرع
الْأَذَان، كَمَا دلّ عَلَيْهِ حَدِيث أنس، وَحَدِيث أبي
مَحْذُورَة كَانَ عَام حنين، وَبَينهمَا مُدَّة مديدة.
قَوْله: (ويوتر) ، بِالنّصب عطفا على: يشفع، من: أوتر
إيتارا أَي: يَأْتِي بِالْإِقَامَةِ فُرَادَى.
ذكر مَا يستنبط مِنْهُ فِيهِ: التَّصْرِيح بِأَن الْأَذَان
مثنى مثنى، وَالْإِقَامَة فُرَادَى، وَبِه قَالَ
الشَّافِعِي وَأحمد، وَحَاصِل مَذْهَب الشَّافِعِي: أَن
الْأَذَان تسع عشرَة كلمة بِإِثْبَات الترجيع،
وَالْإِقَامَة إِحْدَى عشرَة، وَأسْقط مَالك تربيع
التَّكْبِير فِي أَوله وَجعله مثنى، وَجعل الْإِقَامَة
عشرَة بإفراد كلمة الْإِقَامَة. وَقَالَ الْخطابِيّ:
وَالَّذِي جرى بِهِ الْعَمَل فِي الْحَرَمَيْنِ والحجاز
وَالشَّام واليمن ومصر وَالْمغْرب إِلَى أقْصَى بِلَاد
الْإِسْلَام: أَن الْإِقَامَة فُرَادَى، وَمذهب عَامَّة
الْعلمَاء أَن يكون لفظ: قد قَامَت الصَّلَاة مكررا،
إِلَّا مَالِكًا، فَالْمَشْهُور عَنهُ: أَنه لَا تَكْرِير،
وَقَالَ: فرق بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة فِي
التَّثْنِيَة والإفراد ليعلم أَن الْأَذَان إِعْلَام بورود
الْوَقْت، وَالْإِقَامَة أَمارَة لقِيَام الصَّلَاة، وَلَو
سوى بَينهمَا لاشتبه الْأَمر فِي ذَلِك، وَصَارَ سَببا
لِأَن يفوت كثير من النَّاس صَلَاة الْجَمَاعَة إِذا
سمعُوا الْإِقَامَة، فظنوا أَنَّهَا الْأَذَان. انْتهى.
قلت: الْعجب من الْخطابِيّ كَيفَ يصدر عَنهُ مثل هَذَا
الْكَلَام الَّذِي تمجه الأسماع، وَمثل هَذَا الْفرق
الَّذِي بَين الْأَذَان وَالْإِقَامَة غير صَحِيح، لِأَن
الْأَذَان إِعْلَام الغائبين، وَلِهَذَا لَا يكون إِلَّا
على الْمَوَاضِع الْعَالِيَة كالمنائر وَنَحْوهَا،
وَالْإِقَامَة إِعْلَام الْحَاضِرين من الْجَمَاعَة
للصَّلَاة، فَكيف يَقع الِاشْتِبَاه بَينهمَا؟ فَالَّذِي
يتَأَمَّل الْكَلَام لَا يَقُول هَذَا، وَأبْعد من ذَلِك
قَوْله: إِن تَثْنِيَة الْإِقَامَة تكون سَببا لفَوَات
كثير من النَّاس صَلَاة الْجَمَاعَة لظنهم أَنَّهَا
الْأَذَان، وَكَيف يظنون هَذَا وهم حاضرون، لِأَن
الْإِقَامَة إِعْلَام الْحَاضِرين؟ وبمثل هَذَا الْكَلَام
يحْتَج أحد لنصرة مذْهبه وتمشية قَوْله، وأعجب من هَذَا
قَول الْكرْمَانِي: قَالَ أَبُو حنيفَة: تثنى الْإِقَامَة،
والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ، وَكَيف يكون حجَّة عَلَيْهِ
وَقد تمسك فِيمَا ذهب إِلَيْهِ بالأحاديث الصَّحِيحَة
الدَّالَّة على تَثْنِيَة الْإِقَامَة على مَا ذَكرنَاهَا
عَن قريب؟ وَنحن أَيْضا نقُول: هَذِه الْأَحَادِيث حجَّة
على الشَّافِعِي، وَرُوِيَ عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، أَنه مر بمؤذن أوتر الْإِقَامَة فَقَالَ لَهُ:
اشفعها لَا أم لَك. وَرُوِيَ عَن النَّخعِيّ أَنه قَالَ:
أول من أفرد الْإِقَامَة مُعَاوِيَة، وَقَالَ مُجَاهِد:
كَانَت الْإِقَامَة فِي عهد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم مثنى مثنى حَتَّى استخفه بعض أُمَرَاء الْجور
لحَاجَة لَهُم، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب. وَقَالَ
الْكرْمَانِي أَيْضا: ظَاهر الْأَمر للْوُجُوب، لَكِن
الْأَذَان سنة؟ قلت: ظَاهر صِيغَة الْأَمر لَهُ لَا ظَاهر
لَفظه، يَعْنِي: (أَمر) ، وَهَهُنَا لم تذكر الصِّيغَة،
سلمنَا أَنه للْإِيجَاب، لكنه لإِيجَاب الشفع لَا لأصل
الْأَذَان، وَلَا شكّ أَن الشفع وَاجِب ليَقَع الْأَذَان
مَشْرُوعا، كَمَا أَن الطَّهَارَة وَاجِبَة لصِحَّة صَلَاة
النَّفْل، وَلَئِن سلمنَا أَنه لنَفس الْأَذَان يُقَال:
إِنَّه فرض كِفَايَة، لِأَن أهل بَلْدَة لَو اتَّفقُوا على
تَركه قاتلناهم، أَو أَن الْإِجْمَاع مَانع عَن الْحمل على
ظَاهره قلت: كَيفَ يَقُول: إِن الْإِجْمَاع مَانع عَن
الْحمل على ظَاهره، وَقد حمله قوم على ظَاهره، وَقَالُوا:
إِنَّه وَاجِب؟ وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: إِنَّه فرض
كِفَايَة فِي حق الْجَمَاعَة فِي الْحَضَر وَالسّفر،
وَقَالَ مَالك: يجب فِي مَسْجِد الْجَمَاعَة. وَقَالَ
عَطاء وَمُجاهد: لَا تصح الصَّلَاة بِغَيْر أَذَان، وَهُوَ
قَول الْأَوْزَاعِيّ، وَعنهُ: يُعَاد فِي الْوَقْت.
وَقَالَ أَبُو عَليّ والاصطخري: هُوَ فرض فِي الْجُمُعَة.
وَقَالَ: الظَّاهِرِيَّة هما واجبان لكل صَلَاة،
وَاخْتلفُوا فِي صِحَة الصَّلَاة بدونهما. وَقَالَ دَاوُد:
هما فرض الْجَمَاعَة وليسا بِشَرْط لصحتها. وَذكر مُحَمَّد
بن الْحسن مَا يدل على وُجُوبه، فَإِنَّهُ قَالَ: لَو
(5/104)
أَن أهل بَلْدَة اجْتَمعُوا على ترك
الْأَذَان لقاتلتهم عَلَيْهِ، وَلَو تَركه وَاحِد ضَربته
وحبسته. وَقيل: إِنَّه عِنْد مُحَمَّد من فروض
الْكِفَايَة، وَفِي (الْمُحِيط) و (التُّحْفَة) و
(الْهِدَايَة) : الآذان سنة مُؤَكدَة، وَهُوَ مَذْهَب
الشَّافِعِي وَإِسْحَاق. وَقَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ قَول
جُمْهُور الْعلمَاء.
604 - حدَّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ قالَ حدَّثَنا
عَبْدُ الرَّزَّاق قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ
أَخْبرنِي نافِعٌ أنَّ ابنَ عُمَرَ كانَ يَقُولُ كانَ
المُسْلِمُونَ حَينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ
فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاةَ لَيْسَ يُنَادِي لَهَا
فَتَكَلَّمُوا يَوْما فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ
اتَّخَذُوا ناقُوسا مِثْلَ ناقُوسِ النَّصَارَى وَقَالَ
بَعْضُهُمْ بَلْ بُوقا مِثْلَ قَرْنِ اليَهُودِ فَقَالَ
عُمَرُ أوَ لاَ تَبْعَثُونَ رَجُلاً مِنْكُمْ يُنَادِي
بِالصَّلاَةِ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَا بِلاَلُ قُمْ فنَادِ بِالصَّلاَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله) (يَا بِلَال قُم فَنَادِ
بِالصَّلَاةِ) . . فَإِن قلت: كَيفَ يُطَابق التَّرْجَمَة
والترجمة فِي بَدْء الْأَذَان والْحَدِيث يدل على أَنه صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِلَالًا بالنداء بِالصَّلَاةِ،
والنداء لَا يفهم مِنْهُ الْأَذَان الْمَعْهُود بالكلمات
الْمَخْصُوصَة؟ قلت: المُرَاد بالنداء الْأَذَان
الْمَعْهُود، وَيدل على أَن الْإِسْمَاعِيلِيّ أخرج هَذَا
الحَدِيث، وَلَفظه: (فَأذن بِالصَّلَاةِ) . وَكَذَا قَالَ
أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: إِن المُرَاد الْأَذَان
الْمَشْرُوع. فَإِن قلت: قَالَ القَاضِي عِيَاض: المُرَاد
الْإِعْلَام الْمَحْض بِحُضُور وَقتهَا، لَا خُصُوص
الْأَذَان الْمَشْرُوع. قلت: يحمل أَنه اسْتندَ فِي ذَلِك
على ظَاهر اللَّفْظ، وَلَئِن سلمنَا مَا قَالَه فالمطابقة
بَينهمَا مَوْجُودَة بِاعْتِبَار أَن أمره صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لِبلَال بالنداء بِالصَّلَاةِ كَانَ بَدْء
الْأَمر فِي هَذَا الْبَاب، فَإِنَّهُ لم يسْبق أَمر بذلك
قبله، بل إِنَّمَا قَالَ ذَلِك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بعد تحينهم للصَّلَاة وتشاورهم فِيمَا بَينهم مَاذَا
يَفْعَلُونَ فِي الْإِعْلَام بِالصَّلَاةِ.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة قد تكَرر ذكرهم. و: غيلَان،
بالغين الْمُعْجَمَة، وَابْن جريج هُوَ: عبد الْملك.
وَمن لطائفه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين،
والإخبار فِي موضِعين: أَحدهمَا: بِصِيغَة الْجمع،
وَالْآخر: بِصِيغَة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي. وَفِيه:
القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
بَيَان من أخرحه غَيره: وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن
مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق وَعَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم، وَعَن هَارُون بن عبد الله. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي النَّضر. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل
وَإِبْرَاهِيم بن الْحسن.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن ابْن عمر كَانَ يَقُول) ،
وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن عبد الله بن عمر: أَنه قَالَ:
قَوْله: (حِين قدمُوا الْمَدِينَة) ، أَي: من مَكَّة
مُهَاجِرين. قَوْله: (فيتحينون) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة،
أَي: يقدرُونَ حينها ليأتوا إِلَيْهَا، وَهُوَ من التحين
من بَاب التفعل الَّذِي وضع للتكلف غَالِبا، والتحين من
الْحِين وَهُوَ الْوَقْت والزمن. قَوْله: (لَيْسَ يُنادَى
لَهَا) ، أَي: للصَّلَاة، وَهُوَ على بِنَاء الْمَفْعُول.
وَقَالَ ابْن مَالك: هَذَا شَاهد على جَوَاز اسْتِعْمَال:
لَيْسَ، حرفا لَا اسْم لَهَا وَلَا خبر لَهَا، أَشَارَ
إِلَيْهَا سِيبَوَيْهٍ، وَيحْتَمل أَن يكون اسْمهَا ضمير
الشَّأْن، وَالْجُمْلَة بعْدهَا خَبرا. قَوْله:
(اتَّخذُوا) على صُورَة الْأَمر. قَوْله: (بوقا) أَي:
قَالَ بَعضهم: اتَّخذُوا بوقا، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَبعد الْوَاو الساكنة قَاف، وَهُوَ الَّذِي ينْفخ فِيهِ،
وَوَقع فِي بعض النّسخ: (بل قرنا) ، وَهِي رِوَايَة مُسلم
وَالنَّسَائِيّ، والبوق والقرن معروفان، وَهُوَ من شعار
الْيَهُود، وَيُسمى أَيْضا: الشبور، بِفَتْح الشين
الْمُعْجَمَة وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة المثقلة. قَوْله:
(فَقَالَ عمر أَوَلاَ تبعثون؟) الْهمزَة للاستفهام،
وَالْوَاو للْعَطْف على مُقَدّر، أَي: أتقولون بموافقتهم
وَلَا تبعثون؟ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الْهمزَة إِنْكَار
للجملة الأولى، أَي: الْمقدرَة، وَتَقْرِير للجملة
الثَّانِيَة. قَوْله: (رجلا مِنْكُم) هَكَذَا رِوَايَة
الْكشميهني، وَلَيْسَ لَفْظَة: مِنْكُم، فِي رِوَايَة
غَيره. قَوْله: (يُنَادي) جملَة فعلية مضارعية فِي مَحل
النصب على الْحَال من الْأَحْوَال الْمقدرَة. وَقَالَ
الْقُرْطُبِيّ: يحْتَمل أَن يكون عبد الله بن زيد لما أخبر
برؤياه، وَصدقه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَادر
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: (أَولا تبعثون
رجلا يُنَادي؟) أَي: يُؤذن بالرؤيا الْمَذْكُورَة.
(فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُم يَا
بِلَال) . فعلى هَذَا: فالفاء، فِي قَوْله: فَقَالَ عمر.
فَاء الفصيحة، وَالتَّقْدِير: فافترقوا، فَرَأى عبد الله
بن زيد، فجَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَقص عَلَيْهِ فَصدقهُ، فَقَالَ عمر: أَولا تبعثوني؟
انْتهى. قلت: هَذَا يُصَرح أَن معنى قَوْله عَلَيْهِ
السَّلَام: (قُم يَا بِلَال فَنَادِ بِالصَّلَاةِ) ، أَي:
فَأذن بالرؤيا الْمَذْكُورَة، وَقَالَ بَعضهم: وَسِيَاق
حَدِيث عبد الله بن زيد يُخَالف ذَلِك. فَإِن فِيهِ: لما
قصّ رُؤْيَاهُ على النَّبِي، صلى
(5/105)
الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لَهُ: ألقها
على بِلَال فليؤذن بهَا، قَالَ: فَسمع عمر الصَّوْت، فَخرج
فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: لقد
رَأَيْت مثل الَّذِي رأى، فَدلَّ على أَن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، لم يكن حَاضرا لما قصّ عبد الله بن زيد
رُؤْيَاهُ، وَالظَّاهِر أَن إِشَارَة عمر بإرسال رجل
يُنَادي بِالصَّلَاةِ كَانَت عقيب الْمُشَاورَة فِيمَا
يَفْعَلُونَهُ، وَأَن رُؤْيا عبد الله بن زيد كَانَت بعد
ذَلِك. قلت: أما حَدِيث عبد الله بن زيد فَأخْرجهُ أَبُو
دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن مَنْصُور الطوسي حَدثنَا
يَعْقُوب حَدثنَا أبي عَن مُحَمَّد ابْن اسحاق حَدثنِي
مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث التَّيْمِيّ عَن
مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه، قَالَ: حَدثنَا
أبي عبد الله ابْن زيد قَالَ: (لما أَمر رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم بالناقوس يعْمل ليضْرب بِهِ للنَّاس
لجمع الصَّلَاة، طَاف بِي وَأَنا نَائِم رجل يحمل ناقوسا
فِي يَده، فَقلت: يَا عبد الله أتبيع الناقوس؟ قَالَ:
وَمَا تصنع بِهِ؟ فَقلت: نَدْعُو بِهِ إِلَى الصَّلَاة.
فَقَالَ: أَلاَ أدلك على مَا هُوَ خير من ذَلِك؟ قَالَ:
فَقلت لَهُ: بلَى. فَقَالَ: تَقول: الله أكبر، الله أكبر
الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله أشهد
أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول
الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حَيّ على الصَّلَاة
حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح حَيّ على الْفَلاح،
الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله. ثمَّ
اسْتَأْخَرَ غير بعيد، ثمَّ قَالَ: ثمَّ تَقول إِذا أَقمت
إِلَى الصَّلَاة: الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه
إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، حى على
الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح، قد قَامَت الصَّلَاة قد
قَامَت الصَّلَاة، الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا
الله، فَلَمَّا أَصبَحت أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَأَخْبَرته بِمَا رَأَيْته، فَقَالَ: إِنَّهَا
لرؤيا حق إِن شَاءَ الله، فَقُمْ مَعَ بِلَال فألق
عَلَيْهِ مَا رَأَيْت فليؤذن بِهِ، فَإِنَّهُ أندى صَوتا
مِنْك، فَقُمْت مَعَ بِلَال فَجعلت ألقيه عَلَيْهِ وَيُؤذن
بِهِ، قَالَ: فَسمع ذَلِك عمر بن الْخطاب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ فِي بَيته، فَخرج يجر رِدَاءَهُ
يَقُول: وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ يَا رَسُول الله، لقد
رَأَيْت مثل مَا رأى، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَللَّه الْحَمد) ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ
أَيْضا. فَلم يذكر فِيهِ كَلِمَات الْأَذَان وَلَا
الْإِقَامَة. وَقَالَ: حَدِيث حسن صَحِيح وَرَوَاهُ ابْن
مَاجَه أَيْضا فَلم يذكر فِيهِ لفظ الْإِقَامَة، وَزَاد
فِيهِ شعرًا، فَقَالَ عبد الله بن زيد فِي ذَلِك
(أَحْمد الله ذَا الْجلَال وَذَا الإ ... كرام حمدا على
الْأَذَان كثيرا)
(إِذا أَتَانِي بِهِ البشير من الله ... فألم بِهِ لدي
بشيرا)
(فِي ليالٍ وافي بِهن ثلا ... ث، كلما جَاءَ زادني توقيرا)
وَأخرج ابْن حبَان أَيْضا هَذَا الحَدِيث فِي (صَحِيحه) .
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) وَقَالَ أَبُو عمر ابْن
عبد الْبر: روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
قصَّة عبد الله بن زيد فِي بَدْء الْأَذَان جمَاعَة من
الصَّحَابَة بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وَمَعَان مُتَقَارِبَة،
وَكلهَا تتفق على أمره عِنْد ذَلِك. والأسانيد فِي ذَلِك
من وُجُوه صِحَاح، وَفِي مَوضِع آخر: من وُجُوه حسان،
وَنحن نذْكر أحْسنهَا، فَذكر مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد:
حَدثنَا عباد بن مُوسَى الْخُتلِي وَحدثنَا زِيَاد بن
أَيُّوب، وَحَدِيث عباد أتم، قَالَا: أخبرنَا هشيم عَن أبي
بشر، قَالَ زِيَاد: أخبرنَا أَبُو بشر عَن أبي عُمَيْر
ابْن أنس عَن عمومة لَهُ من الْأَنْصَار قَالَ: (اهتم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصَّلَاة كَيفَ يجمع
النَّاس لَهَا، فَقيل لَهُ: أنصب راية عِنْد حُضُور
الصَّلَاة فَإِذا رأوها آذن بَعضهم بَعْضًا، فَلم يُعجبهُ
ذَلِك، قَالَ: فَذكر لَهُ القنع، يَعْنِي: الشبور، وَقَالَ
زِيَاد: شبور الْيَهُود. فَلم يُعجبهُ ذَلِك، وَقَالَ:
هُوَ من أَمر الْيَهُود، قَالَ فَذكر لَهُ الناقوس،
فَقَالَ: هُوَ من أَمر النَّصَارَى، فَانْصَرف عبد الله بن
زيد وَهُوَ مهتم لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فأري الْأَذَان فِي مَنَامه، قَالَ: فغدا على رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ، فَقَالَ: يَا رَسُول
الله إِنِّي لبين نَائِم ويقظان إِذْ أَتَانِي آتٍ
فَأرَانِي الْأَذَان، قَالَ: وَكَانَ عمر بن الْخطاب،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قد رَآهُ قبل ذَلِك فكتمه
عشْرين يَوْمًا، قَالَ: ثمَّ أخبر بِهِ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَا مَنعك أَن تخبرنا؟ فَقَالَ:
سبقني عبد الله بن زيد فَاسْتَحْيَيْت، فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا بِلَال قُم فَانْظُر
مَا يَأْمُرك بِهِ عبد الله ابْن زيد فافعله، فَأذن
بِلَال) . فَأَبُو دَاوُد ترْجم لهَذَا الحَدِيث بقوله:
بَاب بَدْء الْأَذَان، فَهَذَا الَّذِي هُوَ أحسن
أَحَادِيث هَذَا الْبَاب، كَمَا ذكره أَبُو عمر يُقَوي
كَلَام الْقُرْطُبِيّ الَّذِي ذَكرْنَاهُ آنِفا، لِأَنَّهُ
لَيْسَ فِيهِ مَا يُخَالف حَدِيث عبد الله بن زيد بِهَذِهِ
الطَّرِيقَة، لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهَا أَن عمر سمع
الصَّوْت فَخرج فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَدلَّ بِحَسب الظَّاهِر أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، كَانَ حَاضرا فَهُوَ يرد كَلَام بَعضهم الَّذِي
ذَكرْنَاهُ عَنهُ، وَهُوَ قَوْله: فَدلَّ على أَن عمر لم
يكن حَاضرا لما قصّ عبد الله بن زيد رُؤْيَاهُ إِلَى آخر
مَا ذكره. فَافْهَم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن قَوْله: (قُم يَا
بِلَال فَنَادِ أَو فَأذن) ، يدل على مَشْرُوعِيَّة
الْأَذَان قَائِما، وَأَنه لَا يجوز قَاعِدا،
(5/106)
وَهُوَ مَذْهَب الْعلمَاء كَافَّة إِلَّا
أَبَا ثَوْر، فَإِنَّهُ جوزه، وَوَافَقَهُ أَبُو الْفرج
الْمَالِكِي، رَحمَه الله تَعَالَى، واستضعفه النَّوَوِيّ
لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: المُرَاد بالنداء هَهُنَا
الْإِعْلَام. الثَّانِي: المُرَاد: قُم واذهب إِلَى مَوضِع
بارز فَنَادِ فِيهِ بِالصَّلَاةِ، وَلَيْسَ فِيهِ تعرض
للْقِيَام فِي حَال الْأَذَان. قَالَ النَّوَوِيّ: ومذهبنا
الْمَشْهُور أَنه سنة، فَلَو أذن قَاعِدا بِغَيْر عذر
صَحَّ أَذَانه، لَكِن فَاتَتْهُ الْفَضِيلَة وَلم يثبت فِي
اشْتِرَاط الْقيام شَيْء. وَفِي كتاب أبي الشَّيْخ،
بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن وَائِل بن حجر، قَالَ: حق
وَسنة مسنونة ألاَّ يُؤذن إِلَّا وَهُوَ طَاهِر، وَلَا
يُؤذن إلاَّ وَهُوَ قَائِم. وَفِي (الْمُحِيط) : إِن أذن
لنَفسِهِ فَلَا بَأْس أَن يُؤذن قَاعِدا من غير عذر،
مُرَاعَاة لسنة الْأَذَان وَعدم الْحَاجة إِلَى إِعْلَام
النَّاس، وَإِن أذن قَاعِدا لغير عذر صَحَّ، وفاتته
الْفَضِيلَة، وَكَذَا لَو أذن قَاعِدا مَعَ قدرته على
الْقيام صَحَّ أَذَانه، وَفِيه: دَلِيل على مَشْرُوعِيَّة
طلب الْأَحْكَام من الْمعَانِي المستنبطة دون الِاقْتِصَار
على الظَّوَاهِر. وَفِيه: منقبة ظَاهِرَة لعمر بن الْخطاب،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِيه: التشاور فِي الْأُمُور
المهمة، وَأَنه يَنْبَغِي للمتشاورين أَن يَقُول كل
مِنْهُم مَا عِنْده، ثمَّ صَاحب الْأَمر يفعل مَا فِيهِ
الْمصلحَة. وَفِيه: التحين لأوقات الصَّلَاة.
فَوَائِد: الأولى: الاستشكال فِي إِثْبَات الْأَذَان برؤيا
عبد الله بن زيد، لِأَن رُؤْيا غير الْأَنْبِيَاء،
عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، لَا يَبْنِي عَلَيْهَا
حكم شَرْعِي، وَالْجَوَاب: مُقَارنَة الْوَحْي لذَلِك،
وَفِي مُسْند الْحَارِث بن أبي أُسَامَة: (أول من أذن
بِالصَّلَاةِ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
فِي السَّمَاء الدُّنْيَا، فَسَمعهُ عمر وبلال، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، فَسبق عمر بِلَالًا إِلَى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخْبرهُ بهَا، فَقَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِبلَال: سَبَقَك بهَا عمر) .
وَقَالَ الدَّاودِيّ: (رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، بِالْأَذَانِ قبل أَن يُخبرهُ عبد الله بن
زيد وَعمر بِثمَانِيَة أَيَّام) . ذكره ابْن إِسْحَاق،
قَالَ: وَهُوَ أحسن مَا جَاءَ فِي الْأَذَان، وَقد ذكرنَا
فِي أول الْبَاب أَن الزَّمَخْشَرِيّ نقل عَن بَعضهم أَن
الْأَذَان بِالْوَحْي لَا بالمنام وَحده. وَفِي كتاب أبي
الشَّيْخ: من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن عمرَان عَن أبي
المؤمل عَن أبي الرهين عَن عبد الله بن الزبير قَالَ:
(أَخذ الْأَذَان من أَذَان إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ
يأتوك رجَالًا ... } (الْحَج: 27) . الْآيَة، قَالَ: فَأذن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَقَالَ
السُّهيْلي: الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص الْأَذَان برؤيا رجل.
وَلم يكن بِوَحْي، فَلِأَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قد أريه لَيْلَة الْإِسْرَاء فَوق سبع
سموات، وَهُوَ أقوى من الْوَحْي. فَلَمَّا تَأَخّر فرض
الْأَذَان إِلَى الْمَدِينَة، وَأَرَادَ إِعْلَام النَّاس
بِوَقْت الصَّلَاة، فَلبث الْوَحْي حَتَّى رأى عبد الله
الرُّؤْيَا، فَوَافَقت مَا كَانَ رَآهُ فِي السَّمَاء،
قَالَ: إِنَّهَا لرؤيا حق إِن شَاءَ الله تَعَالَى) .
وَعلم حِينَئِذٍ أَن مُرَاد الله بِمَا أرَاهُ فِي
السَّمَاء أَن يكون سنة فِي الأَرْض، وَقَوي ذَلِك
مُوَافقَة رُؤْيا عمر، مَعَ أَن السكينَة تنطق على لِسَان
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، واقتضت الْحِكْمَة
الإلهية أَن يكون الْأَذَان على غير لِسَان النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، لما فِيهِ من التنويه بِعَبْدِهِ،
وَالرَّفْع لذكره، فَلِأَن يكون ذَلِك على لِسَان غَيره
أنوه وأفخر لشأنه، وَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: {ورفعنا
لَك ذكرك} (الشَّرْح: 2) . وروى عبد الرَّزَّاق وَأَبُو
دَاوُد فِي (الْمَرَاسِيل) : من طَرِيق عبيد ابْن عُمَيْر
اللَّيْثِيّ، أحد كبار التَّابِعين: (أَن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، لما رأى الْأَذَان جَاءَ ليخبر النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدَ الْوَحْي قد ورد بذلك،
فَمَا راعه إلاَّ أَذَان بِلَال، فَقَالَ لَهُ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَبَقَك بذلك الْوَحْي) .
الثَّانِيَة: هَل أذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قطّ بِنَفسِهِ؟ فروى التِّرْمِذِيّ من طَرِيق يَدُور على
عمر بن الرماح يرفعهُ إِلَى أبي هُرَيْرَة: (أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن فِي سفر وَصلى بِأَصْحَابِهِ،
وهم على رواحلهم، السَّمَاء من فَوْقهم، والبلة من أسفلهم)
. هَكَذَا قَالَه السُّهيْلي. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح)
: هَذَا الحَدِيث لم يُخرجهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي
هُرَيْرَة، كَمَا ذكره السُّهيْلي، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْده
من حَدِيث عمر بن الرماح: عَن كثير بن زِيَاد عَن عَمْرو
بن عُثْمَان بن يعلى بن مرّة الثَّقَفِيّ عَن أَبِيه عَن
جده، وَقَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيب، تفرد
بِهِ عمر بن الرماح الْبَلْخِي، لَا يعرف إلاَّ من
حَدِيثه، وَمن هَذِه الطَّرِيقَة أخرجه الْبَيْهَقِيّ
وَضَعفه، وَكَذَا ابْن الْعَرَبِيّ، وَسكت عَنهُ الإشبيلي،
وَعَابَ ذَلِك عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان بِأَن عمرا وأباه
عُثْمَان لَا يعرف حَالهمَا. وَلما ذكره النَّوَوِيّ
صَححهُ؛ وَمن حَدِيث يعلى أخرجه أَحْمد فِي (مُسْنده) ،
وَأحمد بن منيع وَابْن أُميَّة وَالطَّبَرَانِيّ فِي
(الْكَبِير) و (الْأَوْسَط) والعدني، وَفِي (التَّارِيخ)
للأثرم، و (تَارِيخ الْخَطِيب) وَغَيرهم، وَقَالَ
الذَّهَبِيّ: يعلى بن مرّة بن وهب الثَّقَفِيّ بَايع تَحت
الشَّجَرَة وَله دَار بِالْبَصْرَةِ.
الثَّالِثَة: الترجيع فِي الْأَذَان، وَهُوَ أَن يرجع
وَيرْفَع صَوته بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَمَا خفض بهما،
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك، إِلَّا إِنَّه لَا
يُؤْتى بِالتَّكْبِيرِ فِي أَوله. إلاَّ مرَّتَيْنِ.
وَقَالَ أَحْمد: إِن رجَّع فَلَا بَأْس بِهِ، وَإِن لم
يرجع فَلَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق
(5/107)
من أَصْحَاب الشَّافِعِي: إِن ترك الترجيع
يعْتد بِهِ، وَحكى عَن بعض أَصْحَابه أَنه لَا يعْتد بِهِ
كَمَا لَو ترك سَائِر كَلِمَاته، كَذَا فِي (الْحِلْية) .
وَفِي (شرح الْوَجِيز) : وَالأَصَح أَنه إنْ ترك الترجيع
لم يضرّهُ، وَحجَّة الشَّافِعِي حَدِيث أبي مَحْذُورَة:
(أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علمه الْأَذَان:
الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله،
أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا
رَسُول الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، ثمَّ يعود
فَيَقُول: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا
إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أشهد
أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على
الصَّلَاة، حَيّ على الْفَلاح حَيّ على الْفَلاح، الله
أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله) . رَوَاهُ
الْجَمَاعَة إلاَّ البُخَارِيّ من حَدِيث عبد الله بن
محيريز عَن أبي مَحْذُورَة، وَحجَّة أَصْحَابنَا حَدِيث
عبد الله بن زيد من غير تَرْجِيع فِيهِ، وَكَأن حَدِيث أبي
مَحْذُورَة لأجل التَّعْلِيم فكرره، فَظن أَبُو مَحْذُورَة
أَنه تَرْجِيع، وَأَنه فِي أصل الْأَذَان، وروى
الطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه الْأَوْسَط) عَن أبي
مَحْذُورَة أَنه قَالَ: (ألْقى عَليّ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم الْأَذَان حرفا حرفا: الله أكبر الله أكبر)
إِلَى آخِره، لم يذكر فِيهِ ترجيعا. وأذان بِلَال
بِحَضْرَة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سفرا
وحضرا، وَهُوَ مُؤذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بإطباق أهل الْإِسْلَام إِلَى أَن توفّي رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، ومؤذن أبي بكر الصّديق رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ إِلَى أَن توفّي من غير تَرْجِيع.
الرَّابِعَة: أَن التَّكْبِير فِي أول الْأَذَان مربع، على
مَا فِي حَدِيث أبي مَحْذُورَة، رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو
عوَانَة وَالْحَاكِم، وَهُوَ الْمَحْفُوظ عَن الشَّافِعِي
من حَدِيث ابْن زيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ
أَبُو عمر: ذهب مَالك وَأَصْحَابه إِلَى أَن التَّكْبِير
فِي أول الْأَذَان مرَّتَيْنِ، قَالَ: وَقد رُوِيَ ذَلِك
من وُجُوه صِحَاح فِي أَذَان أبي مَحْذُورَة، وأذان ابْن
زيد، وَالْعَمَل عِنْدهم بِالْمَدِينَةِ على ذَلِك فِي آل
سعد الْقرظ إِلَى زمانهم، قُلْنَا: الَّذِي ذَهَبْنَا
إِلَيْهِ هُوَ أَذَان الْملك النَّازِل من السَّمَاء.
الْخَامِسَة: فِي أَذَان الْفجْر: الصَّلَاة خير من
النّوم، مرَّتَيْنِ بعد الْفَلاح لما روى الطَّبَرَانِيّ
فِي (مُعْجَمه الْكَبِير) بِإِسْنَادِهِ عَن بِلَال أَنه
أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤذنهُ بالصبح،
فَوَجَدَهُ رَاقِدًا، فَقَالَ: الصَّلَاة خير من النّوم،
مرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(مَا أحسن هَذَا يَا بِلَال إجعله فِي أذانك) . وَأخرجه
الْحَافِظ أَبُو الشَّيْخ فِي (كتاب الْأَذَان) ، لَهُ عَن
ابْن عمر قَالَ: (جَاءَ بِلَال إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُؤذنهُ بِالصَّلَاةِ، فَوَجَدَهُ قد أغفى،
فَقَالَ: الصَّلَاة خير من النّوم، فَقَالَ لَهُ: إجعله
فِي أذانك إِذا أَذِنت للصبح، فَجعل بِلَال يَقُولهَا إِذا
أذن للصبح) . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث سعيد بن
الْمسيب: (عَن بِلَال أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُؤذنهُ بِصَلَاة الْفجْر، فَقيل: هُوَ
نَائِم، فَقَالَ: الصَّلَاة خير من النّوم، الصَّلَاة خير
من النّوم. فأقرت فِي تأذين الْفجْر) ، وَخص الْفجْر بِهِ
لِأَنَّهُ وَقت نوم وغفلة.
السَّادِسَة: فِي مَعَاني كَلِمَات الْأَذَان: ذكر ثَعْلَب
أَن أهل الْعَرَبيَّة اخْتلفُوا فِي معنى: أكبر، فَقَالَ
أهل اللُّغَة: مَعْنَاهُ كَبِير، وَاحْتَجُّوا بقوله
تَعَالَى: {وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ} (الرّوم: 27) .
مَعْنَاهُ وَهُوَ هَين عَلَيْهِ، وكما فِي قَول الشَّاعِر:
(تمنى رجال أَن أَمُوت وَإِن أمت [/ عفتلك سَبِيل لست
فِيهَا بأوحد)
أَي: لست فِيهَا بِوَاحِد. وَقَالَ الْكسَائي وَالْفراء
وَهِشَام: مَعْنَاهُ أكبر من كل شَيْء، فحذفت: من، كَمَا
فِي قَول الشَّاعِر:
(إِذا مَا ستور الْبَيْت أرخيت لم يكن ... سراج لنا إلاَّ
ووجهك أنور)
أَي: أنور من غَيره، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي:
وَأَجَازَ أَبُو الْعَبَّاس: ألله كبر، وَاحْتج بِأَن
الْأَذَان سمع وَقفا لَا إِعْرَاب فِيهِ. قَوْله: (أشهد
أَن لَا إِلَه إِلَّا الله) مَعْنَاهُ: أعلم وَأبين، وَمن
ذَلِك: شهد الشَّاهِد عِنْد الْحَاكِم، مَعْنَاهُ: قد بَين
لَهُ وأعلمه الْخَبَر الَّذِي عِنْده، وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدَة: مَعْنَاهُ أَقْْضِي، كَمَا فِي: {شهد الله} (آل
عمرَان: 18) . مَعْنَاهُ: قضى الله. وَقَالَ الزجاجي:
لَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا حَقِيقَة الشَّهَادَة هُوَ
تَيَقّن الشَّيْء وتحققه من شَهَادَة الشَّيْء أَي:
حُضُوره. قَوْله: (رَسُول الله) قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي:
الرَّسُول مَعْنَاهُ فِي اللُّغَة: الَّذِي تتَابع
الْأَخْبَار من الَّذِي بَعثه من قَول الْعَرَب، قد جَاءَت
الْإِبِل رسلًا أَي: جَاءَت متتابعة. وَيُقَال فِي تثنيته:
رسولان، وَفِي جمعه: رسل، وَمن الْعَرَب من يوحده فِي
مَوضِع التَّثْنِيَة وَالْجمع، فَيَقُول: الرّجلَانِ
رَسُولك، وَالرِّجَال رَسُولك، قَالَ الله تَعَالَى:
إِنَّا رَسُولا رَبك} (طه: 47) . وَفِي مَوضِع آخر: {أَنا
رَسُول رب الْعَالمين} (مَرْيَم: 190) ، فَفِي الأول خرج
الْكَلَام على ظَاهره لِأَنَّهُ إِخْبَار عَن مُوسَى
وَهَارُون، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفِي
الثَّانِي بِمَعْنى الرسَالَة، كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّا
رِسَالَة رب الْعَالمين، قَالَه يُونُس، وَقَالَ أَبُو
إِسْحَاق الزّجاج: لَيْسَ مَا ذكره ابْن الْأَنْبَارِي فِي
اشتقاق الرَّسُول صَحِيحا، وَإِنَّمَا الرَّسُول الْمُرْسل
المبعد من أرْسلت 9 أبعدت وَبعثت، وَإِنَّمَا توهم
(5/108)
فِي ذَلِك لِأَنَّهُ رَآهُ على فعول،
فتوهمه مِمَّا جَاءَ على الْمُبَالغَة، وَلَا يكون ذَلِك
إلاَّ لتكرار الْفِعْل فَهُوَ ضروب وَشبهه، وَلَيْسَ
كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ اسْم لغير تَكْثِير الْفِعْل
بِمَنْزِلَة: عَمُود وعنود. وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي:
وفصحاء الْعَرَب أهل الْحجاز وَمن والاهم يَقُولُونَ: أشهد
أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، وَجَمَاعَة من الْعَرَب
يبدلون من الْألف عينا فَيَقُولُونَ: أشهد عَن. قَوْله:
(حَيّ على الصَّلَاة) . قَالَ الْفراء مَعْنَاهُ: هَلُمَّ،
وَفتحت الْيَاء من حَيّ لسكون الْيَاء الَّتِي قبلهَا.
وَقَالَ ابْن الانباري: فِيهِ سِتّ لُغَات، حَيّ هلا،
بِالتَّنْوِينِ، وَفتح اللَّام بِغَيْر تَنْوِين، وتسكين
الْهَاء، وَفتح الَّلام، وَحي هلن، لَا وَحي هلين، قَالَه
الزجاجي.
الْوَجْه الْخَامِس: بالنُّون هُوَ الأول، بِعَيْنِه لِأَن
التَّنْوِين وَالنُّون سَوَاء، وَمعنى الْفَلاح الْفَوْز،
يُقَال: أَفْلح الرجل إِذا فَازَ.
(بابٌ الأَذان مَثْنَى مَثْنَى)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْأَذَان مثنى مثنى، ومثنى
هَكَذَا مكررا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره:
مثنى مُفردا، ومثنى مثنى، معدول من اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ،
وَالْعدْل على قسمَيْنِ: عدل تحقيقي وَهَذَا مِنْهُ، وَعدل
تقديري كعمرو وَزفر، وَقد عرف فِي مَوْضِعه، وَفَائِدَة
التّكْرَار للتوكيد، إِن كَانَ التّكْرَار يفهم من صِيغَة
الْمثنى لِأَنَّهَا معدولة عَن: اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ،
كَمَا ذَكرْنَاهُ. وَيُقَال الأول لإِفَادَة التَّثْنِيَة
لكل أَلْفَاظ الْأَذَان، وَالثَّانِي لكل أَفْرَاد
الْأَذَان، أَي: الأول: لبَيَان تَثْنِيَة الْأَجْزَاء،
وَالثَّانِي: لبَيَان تَثْنِيَة الجزئيات.
604 - حدَّثنا مَحْمُودُ بنُ غَيْلاَنَ قالَ حدَّثَنا
عَبْدُ الرَّزَّاق قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ
أَخْبرنِي نافِعٌ أنَّ ابنَ عُمَرَ كانَ يَقُولُ كانَ
المُسْلِمُونَ حَينَ قَدِمُوا المَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ
فَيَتَحَيَّنُونَ الصَّلاةَ لَيْسَ يُنَادِي لَهَا
فَتَكَلَّمُوا يَوْما فِي ذَلِكَ فَقَالَ بَعْضُهُمْ
اتَّخَذُوا ناقُوسا مِثْلَ ناقُوسِ النَّصَارَى وَقَالَ
بَعْضُهُمْ بَلْ بُوقا مِثْلَ قَرْنِ اليَهُودِ فَقَالَ
عُمَرُ أوَ لاَ تَبْعَثُونَ رَجُلاً مِنْكُمْ يُنَادِي
بِالصَّلاَةِ فَقَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَا بِلاَلُ قُمْ فنَادِ بِالصَّلاَةِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله) (يَا بِلَال قُم فَنَادِ
بِالصَّلَاةِ) . . فَإِن قلت: كَيفَ يُطَابق التَّرْجَمَة
والترجمة فِي بَدْء الْأَذَان والْحَدِيث يدل على أَنه صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَمر بِلَالًا بالنداء بِالصَّلَاةِ،
والنداء لَا يفهم مِنْهُ الْأَذَان الْمَعْهُود بالكلمات
الْمَخْصُوصَة؟ قلت: المُرَاد بالنداء الْأَذَان
الْمَعْهُود، وَيدل على أَن الْإِسْمَاعِيلِيّ أخرج هَذَا
الحَدِيث، وَلَفظه: (فَأذن بِالصَّلَاةِ) . وَكَذَا قَالَ
أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ: إِن المُرَاد الْأَذَان
الْمَشْرُوع. فَإِن قلت: قَالَ القَاضِي عِيَاض: المُرَاد
الْإِعْلَام الْمَحْض بِحُضُور وَقتهَا، لَا خُصُوص
الْأَذَان الْمَشْرُوع. قلت: يحمل أَنه اسْتندَ فِي ذَلِك
على ظَاهر اللَّفْظ، وَلَئِن سلمنَا مَا قَالَه فالمطابقة
بَينهمَا مَوْجُودَة بِاعْتِبَار أَن أمره صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لِبلَال بالنداء بِالصَّلَاةِ كَانَ بَدْء
الْأَمر فِي هَذَا الْبَاب، فَإِنَّهُ لم يسْبق أَمر بذلك
قبله، بل إِنَّمَا قَالَ ذَلِك صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بعد تحينهم للصَّلَاة وتشاورهم فِيمَا بَينهم مَاذَا
يَفْعَلُونَ فِي الْإِعْلَام بِالصَّلَاةِ.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة قد تكَرر ذكرهم. و: غيلَان،
بالغين الْمُعْجَمَة، وَابْن جريج هُوَ: عبد الْملك.
وَمن لطائفه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين،
والإخبار فِي موضِعين: أَحدهمَا: بِصِيغَة الْجمع،
وَالْآخر: بِصِيغَة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي. وَفِيه:
القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
بَيَان من أخرحه غَيره: وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن
مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق وَعَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم، وَعَن هَارُون بن عبد الله. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي النَّضر. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل
وَإِبْرَاهِيم بن الْحسن.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن ابْن عمر كَانَ يَقُول) ،
وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن عبد الله بن عمر: أَنه قَالَ:
قَوْله: (حِين قدمُوا الْمَدِينَة) ، أَي: من مَكَّة
مُهَاجِرين. قَوْله: (فيتحينون) ، بِالْحَاء الْمُهْملَة،
أَي: يقدرُونَ حينها ليأتوا إِلَيْهَا، وَهُوَ من التحين
من بَاب التفعل الَّذِي وضع للتكلف غَالِبا، والتحين من
الْحِين وَهُوَ الْوَقْت والزمن. قَوْله: (لَيْسَ يُنادَى
لَهَا) ، أَي: للصَّلَاة، وَهُوَ على بِنَاء الْمَفْعُول.
وَقَالَ ابْن مَالك: هَذَا شَاهد على جَوَاز اسْتِعْمَال:
لَيْسَ، حرفا لَا اسْم لَهَا وَلَا خبر لَهَا، أَشَارَ
إِلَيْهَا سِيبَوَيْهٍ، وَيحْتَمل أَن يكون اسْمهَا ضمير
الشَّأْن، وَالْجُمْلَة بعْدهَا خَبرا. قَوْله:
(اتَّخذُوا) على صُورَة الْأَمر. قَوْله: (بوقا) أَي:
قَالَ بَعضهم: اتَّخذُوا بوقا، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَبعد الْوَاو الساكنة قَاف، وَهُوَ الَّذِي ينْفخ فِيهِ،
وَوَقع فِي بعض النّسخ: (بل قرنا) ، وَهِي رِوَايَة مُسلم
وَالنَّسَائِيّ، والبوق والقرن معروفان، وَهُوَ من شعار
الْيَهُود، وَيُسمى أَيْضا: الشبور، بِفَتْح الشين
الْمُعْجَمَة وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة المثقلة. قَوْله:
(فَقَالَ عمر أَوَلاَ تبعثون؟) الْهمزَة للاستفهام،
وَالْوَاو للْعَطْف على مُقَدّر، أَي: أتقولون بموافقتهم
وَلَا تبعثون؟ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الْهمزَة إِنْكَار
للجملة الأولى، أَي: الْمقدرَة، وَتَقْرِير للجملة
الثَّانِيَة. قَوْله: (رجلا مِنْكُم) هَكَذَا رِوَايَة
الْكشميهني، وَلَيْسَ لَفْظَة: مِنْكُم، فِي رِوَايَة
غَيره. قَوْله: (يُنَادي) جملَة فعلية مضارعية فِي مَحل
النصب على الْحَال من الْأَحْوَال الْمقدرَة. وَقَالَ
الْقُرْطُبِيّ: يحْتَمل أَن يكون عبد الله بن زيد لما أخبر
برؤياه، وَصدقه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَادر
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَقَالَ: (أَولا تبعثون
رجلا يُنَادي؟) أَي: يُؤذن بالرؤيا الْمَذْكُورَة.
(فَقَالَ النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: قُم يَا
بِلَال) . فعلى هَذَا: فالفاء، فِي قَوْله: فَقَالَ عمر.
فَاء الفصيحة، وَالتَّقْدِير: فافترقوا، فَرَأى عبد الله
بن زيد، فجَاء إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَقص عَلَيْهِ فَصدقهُ، فَقَالَ عمر: أَولا تبعثوني؟
انْتهى. قلت: هَذَا يُصَرح أَن معنى قَوْله عَلَيْهِ
السَّلَام: (قُم يَا بِلَال فَنَادِ بِالصَّلَاةِ) ، أَي:
فَأذن بالرؤيا الْمَذْكُورَة، وَقَالَ بَعضهم: وَسِيَاق
حَدِيث عبد الله بن زيد يُخَالف ذَلِك. فَإِن فِيهِ: لما
قصّ رُؤْيَاهُ على النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
قَالَ لَهُ: ألقها على بِلَال فليؤذن بهَا، قَالَ: فَسمع
عمر الصَّوْت، فَخرج فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، فَقَالَ: لقد رَأَيْت مثل الَّذِي رأى، فَدلَّ على
أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لم يكن حَاضرا لما
قصّ عبد الله بن زيد رُؤْيَاهُ، وَالظَّاهِر أَن إِشَارَة
عمر بإرسال رجل يُنَادي بِالصَّلَاةِ كَانَت عقيب
الْمُشَاورَة فِيمَا يَفْعَلُونَهُ، وَأَن رُؤْيا عبد الله
بن زيد كَانَت بعد ذَلِك. قلت: أما حَدِيث عبد الله بن زيد
فَأخْرجهُ أَبُو دَاوُد: حَدثنَا مُحَمَّد بن مَنْصُور
الطوسي حَدثنَا يَعْقُوب حَدثنَا أبي عَن مُحَمَّد ابْن
اسحاق حَدثنِي مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث
التَّيْمِيّ عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن زيد بن عبد ربه،
قَالَ: حَدثنَا أبي عبد الله ابْن زيد قَالَ: (لما أَمر
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالناقوس يعْمل
ليضْرب بِهِ للنَّاس لجمع الصَّلَاة، طَاف بِي وَأَنا
نَائِم رجل يحمل ناقوسا فِي يَده، فَقلت: يَا عبد الله
أتبيع الناقوس؟ قَالَ: وَمَا تصنع بِهِ؟ فَقلت: نَدْعُو
بِهِ إِلَى الصَّلَاة. فَقَالَ: أَلاَ أدلك على مَا هُوَ
خير من ذَلِك؟ قَالَ: فَقلت لَهُ: بلَى. فَقَالَ: تَقول:
الله أكبر، الله أكبر الله أكبر الله أكبر، أشهد أَن لَا
إِلَه إِلَّا الله أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَأشْهد
أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول
الله، حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ على
الْفَلاح حَيّ على الْفَلاح، الله أكبر الله أكبر، لَا
إِلَه إِلَّا الله. ثمَّ اسْتَأْخَرَ غير بعيد، ثمَّ
قَالَ: ثمَّ تَقول إِذا أَقمت إِلَى الصَّلَاة: الله أكبر
الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن
مُحَمَّدًا رَسُول الله، حى على الصَّلَاة، حَيّ على
الْفَلاح، قد قَامَت الصَّلَاة قد قَامَت الصَّلَاة، الله
أكبر الله أكبر، لَا إِلَه إِلَّا الله، فَلَمَّا أَصبَحت
أتيت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأَخْبَرته بِمَا
رَأَيْته، فَقَالَ: إِنَّهَا لرؤيا حق إِن شَاءَ الله،
فَقُمْ مَعَ بِلَال فألق عَلَيْهِ مَا رَأَيْت فليؤذن
بِهِ، فَإِنَّهُ أندى صَوتا مِنْك، فَقُمْت مَعَ بِلَال
فَجعلت ألقيه عَلَيْهِ وَيُؤذن بِهِ، قَالَ: فَسمع ذَلِك
عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ فِي
بَيته، فَخرج يجر رِدَاءَهُ يَقُول: وَالَّذِي بَعثك
بِالْحَقِّ يَا رَسُول الله، لقد رَأَيْت مثل مَا رأى،
فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَللَّه
الْحَمد) ، وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا. فَلم يذكر فِيهِ
كَلِمَات الْأَذَان وَلَا الْإِقَامَة. وَقَالَ: حَدِيث
حسن صَحِيح وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا فَلم يذكر فِيهِ
لفظ الْإِقَامَة، وَزَاد فِيهِ شعرًا، فَقَالَ عبد الله بن
زيد فِي ذَلِك
(أَحْمد الله ذَا الْجلَال وَذَا الإ ... كرام حمدا على
الْأَذَان كثيرا)
(إِذا أَتَانِي بِهِ البشير من الله ... فألم بِهِ لدي
بشيرا)
(فِي ليالٍ وافي بِهن ثلا ... ث، كلما جَاءَ زادني توقيرا)
وَأخرج ابْن حبَان أَيْضا هَذَا الحَدِيث فِي (صَحِيحه) .
وَرَوَاهُ أَحْمد فِي (مُسْنده) وَقَالَ أَبُو عمر ابْن
عبد الْبر: روى عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
قصَّة عبد الله بن زيد فِي بَدْء الْأَذَان جمَاعَة من
الصَّحَابَة بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة وَمَعَان مُتَقَارِبَة،
وَكلهَا تتفق على أمره عِنْد ذَلِك. والأسانيد فِي ذَلِك
من وُجُوه صِحَاح، وَفِي مَوضِع آخر: من وُجُوه حسان،
وَنحن نذْكر أحْسنهَا، فَذكر مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد:
حَدثنَا عباد بن مُوسَى الْخُتلِي وَحدثنَا زِيَاد بن
أَيُّوب، وَحَدِيث عباد أتم، قَالَا: أخبرنَا هشيم عَن أبي
بشر، قَالَ زِيَاد: أخبرنَا أَبُو بشر عَن أبي عُمَيْر
ابْن أنس عَن عمومة لَهُ من الْأَنْصَار قَالَ: (اهتم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصَّلَاة كَيفَ يجمع
النَّاس لَهَا، فَقيل لَهُ: أنصب راية عِنْد حُضُور
الصَّلَاة فَإِذا رأوها آذن بَعضهم بَعْضًا، فَلم يُعجبهُ
ذَلِك، قَالَ: فَذكر لَهُ القنع، يَعْنِي: الشبور، وَقَالَ
زِيَاد: شبور الْيَهُود. فَلم يُعجبهُ ذَلِك، وَقَالَ:
هُوَ من أَمر الْيَهُود، قَالَ فَذكر لَهُ الناقوس،
فَقَالَ: هُوَ من أَمر النَّصَارَى، فَانْصَرف عبد الله بن
زيد وَهُوَ مهتم لَهُم النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فأري الْأَذَان فِي مَنَامه، قَالَ: فغدا على رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَأخْبرهُ، فَقَالَ: يَا رَسُول
الله إِنِّي لبين نَائِم ويقظان إِذْ أَتَانِي آتٍ
فَأرَانِي الْأَذَان، قَالَ: وَكَانَ عمر بن الْخطاب،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قد رَآهُ قبل ذَلِك فكتمه
عشْرين يَوْمًا، قَالَ: ثمَّ أخبر بِهِ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَقَالَ: مَا مَنعك أَن تخبرنا؟ فَقَالَ:
سبقني عبد الله بن زيد فَاسْتَحْيَيْت، فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا بِلَال قُم فَانْظُر
مَا يَأْمُرك بِهِ عبد الله ابْن زيد فافعله، فَأذن
بِلَال) . فَأَبُو دَاوُد ترْجم لهَذَا الحَدِيث بقوله:
بَاب بَدْء الْأَذَان، فَهَذَا الَّذِي هُوَ أحسن
أَحَادِيث هَذَا الْبَاب، كَمَا ذكره أَبُو عمر يُقَوي
كَلَام الْقُرْطُبِيّ الَّذِي ذَكرْنَاهُ آنِفا، لِأَنَّهُ
لَيْسَ فِيهِ مَا يُخَالف حَدِيث عبد الله بن زيد بِهَذِهِ
الطَّرِيقَة، لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهَا أَن عمر سمع
الصَّوْت فَخرج فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَدلَّ بِحَسب الظَّاهِر أَن عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، كَانَ حَاضرا فَهُوَ يرد كَلَام بَعضهم الَّذِي
ذَكرْنَاهُ عَنهُ، وَهُوَ قَوْله: فَدلَّ على أَن عمر لم
يكن حَاضرا لما قصّ عبد الله بن زيد رُؤْيَاهُ إِلَى آخر
مَا ذكره. فَافْهَم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن قَوْله: (قُم يَا
بِلَال فَنَادِ أَو فَأذن) ، يدل على مَشْرُوعِيَّة
الْأَذَان قَائِما، وَأَنه لَا يجوز قَاعِدا، وَهُوَ
مَذْهَب الْعلمَاء كَافَّة إِلَّا أَبَا ثَوْر، فَإِنَّهُ
جوزه، وَوَافَقَهُ أَبُو الْفرج الْمَالِكِي، رَحمَه الله
تَعَالَى، واستضعفه النَّوَوِيّ لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا:
المُرَاد بالنداء هَهُنَا الْإِعْلَام. الثَّانِي:
المُرَاد: قُم واذهب إِلَى مَوضِع بارز فَنَادِ فِيهِ
بِالصَّلَاةِ، وَلَيْسَ فِيهِ تعرض للْقِيَام فِي حَال
الْأَذَان. قَالَ النَّوَوِيّ: ومذهبنا الْمَشْهُور أَنه
سنة، فَلَو أذن قَاعِدا بِغَيْر عذر صَحَّ أَذَانه، لَكِن
فَاتَتْهُ الْفَضِيلَة وَلم يثبت فِي اشْتِرَاط الْقيام
شَيْء. وَفِي كتاب أبي الشَّيْخ، بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ
عَن وَائِل بن حجر، قَالَ: حق وَسنة مسنونة ألاَّ يُؤذن
إِلَّا وَهُوَ طَاهِر، وَلَا يُؤذن إلاَّ وَهُوَ قَائِم.
وَفِي (الْمُحِيط) : إِن أذن لنَفسِهِ فَلَا بَأْس أَن
يُؤذن قَاعِدا من غير عذر، مُرَاعَاة لسنة الْأَذَان وَعدم
الْحَاجة إِلَى إِعْلَام النَّاس، وَإِن أذن قَاعِدا لغير
عذر صَحَّ، وفاتته الْفَضِيلَة، وَكَذَا لَو أذن قَاعِدا
مَعَ قدرته على الْقيام صَحَّ أَذَانه، وَفِيه: دَلِيل على
مَشْرُوعِيَّة طلب الْأَحْكَام من الْمعَانِي المستنبطة
دون الِاقْتِصَار على الظَّوَاهِر. وَفِيه: منقبة ظَاهِرَة
لعمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِيه:
التشاور فِي الْأُمُور المهمة، وَأَنه يَنْبَغِي
للمتشاورين أَن يَقُول كل مِنْهُم مَا عِنْده، ثمَّ صَاحب
الْأَمر يفعل مَا فِيهِ الْمصلحَة. وَفِيه: التحين لأوقات
الصَّلَاة.
فَوَائِد: الأولى: الاستشكال فِي إِثْبَات الْأَذَان برؤيا
عبد الله بن زيد، لِأَن رُؤْيا غير الْأَنْبِيَاء،
عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، لَا يَبْنِي عَلَيْهَا
حكم شَرْعِي، وَالْجَوَاب: مُقَارنَة الْوَحْي لذَلِك،
وَفِي مُسْند الْحَارِث بن أبي أُسَامَة: (أول من أذن
بِالصَّلَاةِ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
فِي السَّمَاء الدُّنْيَا، فَسَمعهُ عمر وبلال، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، فَسبق عمر بِلَالًا إِلَى النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأخْبرهُ بهَا، فَقَالَ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِبلَال: سَبَقَك بهَا عمر) .
وَقَالَ الدَّاودِيّ: (رُوِيَ أَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَتَاهُ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، بِالْأَذَانِ قبل أَن يُخبرهُ عبد الله بن
زيد وَعمر بِثمَانِيَة أَيَّام) . ذكره ابْن إِسْحَاق،
قَالَ: وَهُوَ أحسن مَا جَاءَ فِي الْأَذَان، وَقد ذكرنَا
فِي أول الْبَاب أَن الزَّمَخْشَرِيّ نقل عَن بَعضهم أَن
الْأَذَان بِالْوَحْي لَا بالمنام وَحده. وَفِي كتاب أبي
الشَّيْخ: من حَدِيث عبد الْعَزِيز بن عمرَان عَن أبي
المؤمل عَن أبي الرهين عَن عبد الله بن الزبير قَالَ:
(أَخذ الْأَذَان من أَذَان إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، {وَأذن فِي النَّاس بِالْحَجِّ
يأتوك رجَالًا ... } (الْحَج: 27) . الْآيَة، قَالَ: فَأذن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَقَالَ
السُّهيْلي: الْحِكْمَة فِي تَخْصِيص الْأَذَان برؤيا رجل.
وَلم يكن بِوَحْي، فَلِأَن سيدنَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قد أريه لَيْلَة الْإِسْرَاء فَوق سبع
سموات، وَهُوَ أقوى من الْوَحْي. فَلَمَّا تَأَخّر فرض
الْأَذَان إِلَى الْمَدِينَة، وَأَرَادَ إِعْلَام النَّاس
بِوَقْت الصَّلَاة، فَلبث الْوَحْي حَتَّى رأى عبد الله
الرُّؤْيَا، فَوَافَقت مَا كَانَ رَآهُ فِي السَّمَاء،
قَالَ: إِنَّهَا لرؤيا حق إِن شَاءَ الله تَعَالَى) .
وَعلم حِينَئِذٍ أَن مُرَاد الله بِمَا أرَاهُ فِي
السَّمَاء أَن يكون سنة فِي الأَرْض، وَقَوي ذَلِك
مُوَافقَة رُؤْيا عمر، مَعَ أَن السكينَة تنطق على لِسَان
عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، واقتضت الْحِكْمَة
الإلهية أَن يكون الْأَذَان على غير لِسَان النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، لما فِيهِ من التنويه بِعَبْدِهِ،
وَالرَّفْع لذكره، فَلِأَن يكون ذَلِك على لِسَان غَيره
أنوه وأفخر لشأنه، وَهُوَ معنى قَوْله تَعَالَى: {ورفعنا
لَك ذكرك} (الشَّرْح: 2) . وروى عبد الرَّزَّاق وَأَبُو
دَاوُد فِي (الْمَرَاسِيل) : من طَرِيق عبيد ابْن عُمَيْر
اللَّيْثِيّ، أحد كبار التَّابِعين: (أَن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، لما رأى الْأَذَان جَاءَ ليخبر النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَوجدَ الْوَحْي قد ورد بذلك،
فَمَا راعه إلاَّ أَذَان بِلَال، فَقَالَ لَهُ النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: سَبَقَك بذلك الْوَحْي) .
الثَّانِيَة: هَل أذن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قطّ بِنَفسِهِ؟ فروى التِّرْمِذِيّ من طَرِيق يَدُور على
عمر بن الرماح يرفعهُ إِلَى أبي هُرَيْرَة: (أَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أذن فِي سفر وَصلى بِأَصْحَابِهِ،
وهم على رواحلهم، السَّمَاء من فَوْقهم، والبلة من أسفلهم)
. هَكَذَا قَالَه السُّهيْلي. وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح)
: هَذَا الحَدِيث لم يُخرجهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث أبي
هُرَيْرَة، كَمَا ذكره السُّهيْلي، وَإِنَّمَا هُوَ عِنْده
من حَدِيث عمر بن الرماح: عَن كثير بن زِيَاد عَن عَمْرو
بن عُثْمَان بن يعلى بن مرّة الثَّقَفِيّ عَن أَبِيه عَن
جده، وَقَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيث غَرِيب، تفرد
بِهِ عمر بن الرماح الْبَلْخِي، لَا يعرف إلاَّ من
حَدِيثه، وَمن هَذِه الطَّرِيقَة أخرجه الْبَيْهَقِيّ
وَضَعفه، وَكَذَا ابْن الْعَرَبِيّ، وَسكت عَنهُ الإشبيلي،
وَعَابَ ذَلِك عَلَيْهِ ابْن الْقطَّان بِأَن عمرا وأباه
عُثْمَان لَا يعرف حَالهمَا. وَلما ذكره النَّوَوِيّ
صَححهُ؛ وَمن حَدِيث يعلى أخرجه أَحْمد فِي (مُسْنده) ،
وَأحمد بن منيع وَابْن أُميَّة وَالطَّبَرَانِيّ فِي
(الْكَبِير) و (الْأَوْسَط) والعدني، وَفِي (التَّارِيخ)
للأثرم، و (تَارِيخ الْخَطِيب) وَغَيرهم، وَقَالَ
الذَّهَبِيّ: يعلى بن مرّة بن وهب الثَّقَفِيّ بَايع تَحت
الشَّجَرَة وَله دَار بِالْبَصْرَةِ.
الثَّالِثَة: الترجيع فِي الْأَذَان، وَهُوَ أَن يرجع
وَيرْفَع صَوته بِالشَّهَادَتَيْنِ بَعْدَمَا خفض بهما،
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَمَالك، إِلَّا إِنَّه لَا
يُؤْتى بِالتَّكْبِيرِ فِي أَوله. إلاَّ مرَّتَيْنِ.
وَقَالَ أَحْمد: إِن رجَّع فَلَا بَأْس بِهِ، وَإِن لم
يرجع فَلَا بَأْس بِهِ. وَقَالَ أَبُو إِسْحَاق من
أَصْحَاب الشَّافِعِي: إِن ترك الترجيع يعْتد بِهِ، وَحكى
عَن بعض أَصْحَابه أَنه لَا يعْتد بِهِ كَمَا لَو ترك
سَائِر كَلِمَاته، كَذَا فِي (الْحِلْية) . وَفِي (شرح
الْوَجِيز) : وَالأَصَح أَنه إنْ ترك الترجيع لم يضرّهُ،
وَحجَّة الشَّافِعِي حَدِيث أبي مَحْذُورَة: (أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم علمه الْأَذَان: الله أكبر
الله أكبر، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا
إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أشهد
أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، ثمَّ يعود فَيَقُول: أشهد أَن
لَا إِلَه إِلَّا الله، أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله،
أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله أشهد أَن مُحَمَّدًا
رَسُول الله حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الصَّلَاة، حَيّ
على الْفَلاح حَيّ على الْفَلاح، الله أكبر الله أكبر لَا
إِلَه إِلَّا الله) . رَوَاهُ الْجَمَاعَة إلاَّ
البُخَارِيّ من حَدِيث عبد الله بن محيريز عَن أبي
مَحْذُورَة، وَحجَّة أَصْحَابنَا حَدِيث عبد الله بن زيد
من غير تَرْجِيع فِيهِ، وَكَأن حَدِيث أبي مَحْذُورَة لأجل
التَّعْلِيم فكرره، فَظن أَبُو مَحْذُورَة أَنه تَرْجِيع،
وَأَنه فِي أصل الْأَذَان، وروى الطَّبَرَانِيّ فِي
(مُعْجَمه الْأَوْسَط) عَن أبي مَحْذُورَة أَنه قَالَ:
(ألْقى عَليّ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
الْأَذَان حرفا حرفا: الله أكبر الله أكبر) إِلَى آخِره،
لم يذكر فِيهِ ترجيعا. وأذان بِلَال بِحَضْرَة رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سفرا وحضرا، وَهُوَ مُؤذن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بإطباق أهل الْإِسْلَام
إِلَى أَن توفّي رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
ومؤذن أبي بكر الصّديق رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ إِلَى
أَن توفّي من غير تَرْجِيع.
الرَّابِعَة: أَن التَّكْبِير فِي أول الْأَذَان مربع، على
مَا فِي حَدِيث أبي مَحْذُورَة، رَوَاهُ مُسلم وَأَبُو
عوَانَة وَالْحَاكِم، وَهُوَ الْمَحْفُوظ عَن الشَّافِعِي
من حَدِيث ابْن زيد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ
أَبُو عمر: ذهب مَالك وَأَصْحَابه إِلَى أَن التَّكْبِير
فِي أول الْأَذَان مرَّتَيْنِ، قَالَ: وَقد رُوِيَ ذَلِك
من وُجُوه صِحَاح فِي أَذَان أبي مَحْذُورَة، وأذان ابْن
زيد، وَالْعَمَل عِنْدهم بِالْمَدِينَةِ على ذَلِك فِي آل
سعد الْقرظ إِلَى زمانهم، قُلْنَا: الَّذِي ذَهَبْنَا
إِلَيْهِ هُوَ أَذَان الْملك النَّازِل من السَّمَاء.
الْخَامِسَة: فِي أَذَان الْفجْر: الصَّلَاة خير من
النّوم، مرَّتَيْنِ بعد الْفَلاح لما روى الطَّبَرَانِيّ
فِي (مُعْجَمه الْكَبِير) بِإِسْنَادِهِ عَن بِلَال أَنه
أَتَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُؤذنهُ بالصبح،
فَوَجَدَهُ رَاقِدًا، فَقَالَ: الصَّلَاة خير من النّوم،
مرَّتَيْنِ فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(مَا أحسن هَذَا يَا بِلَال إجعله فِي أذانك) . وَأخرجه
الْحَافِظ أَبُو الشَّيْخ فِي (كتاب الْأَذَان) ، لَهُ عَن
ابْن عمر قَالَ: (جَاءَ بِلَال إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُؤذنهُ بِالصَّلَاةِ، فَوَجَدَهُ قد أغفى،
فَقَالَ: الصَّلَاة خير من النّوم، فَقَالَ لَهُ: إجعله
فِي أذانك إِذا أَذِنت للصبح، فَجعل بِلَال يَقُولهَا إِذا
أذن للصبح) . وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث سعيد بن
الْمسيب: (عَن بِلَال أَنه أَتَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُؤذنهُ بِصَلَاة الْفجْر، فَقيل: هُوَ
نَائِم، فَقَالَ: الصَّلَاة خير من النّوم، الصَّلَاة خير
من النّوم. فأقرت فِي تأذين الْفجْر) ، وَخص الْفجْر بِهِ
لِأَنَّهُ وَقت نوم وغفلة.
السَّادِسَة: فِي مَعَاني كَلِمَات الْأَذَان: ذكر ثَعْلَب
أَن أهل الْعَرَبيَّة اخْتلفُوا فِي معنى: أكبر، فَقَالَ
أهل اللُّغَة: مَعْنَاهُ كَبِير، وَاحْتَجُّوا بقوله
تَعَالَى: {وَهُوَ أَهْون عَلَيْهِ} (الرّوم: 27) .
مَعْنَاهُ وَهُوَ هَين عَلَيْهِ، وكما فِي قَول الشَّاعِر:
(تمنى رجال أَن أَمُوت وَإِن أمت [/ عفتلك سَبِيل لست
فِيهَا بأوحد)
أَي: لست فِيهَا بِوَاحِد. وَقَالَ الْكسَائي وَالْفراء
وَهِشَام: مَعْنَاهُ أكبر من كل شَيْء، فحذفت: من، كَمَا
فِي قَول الشَّاعِر:
(إِذا مَا ستور الْبَيْت أرخيت لم يكن ... سراج لنا إلاَّ
ووجهك أنور)
أَي: أنور من غَيره، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي:
وَأَجَازَ أَبُو الْعَبَّاس: ألله كبر، وَاحْتج بِأَن
الْأَذَان سمع وَقفا لَا إِعْرَاب فِيهِ. قَوْله: (أشهد
أَن لَا إِلَه إِلَّا الله) مَعْنَاهُ: أعلم وَأبين، وَمن
ذَلِك: شهد الشَّاهِد عِنْد الْحَاكِم، مَعْنَاهُ: قد بَين
لَهُ وأعلمه الْخَبَر الَّذِي عِنْده، وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدَة: مَعْنَاهُ أَقْْضِي، كَمَا فِي: {شهد الله} (آل
عمرَان: 18) . مَعْنَاهُ: قضى الله. وَقَالَ الزجاجي:
لَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا حَقِيقَة الشَّهَادَة هُوَ
تَيَقّن الشَّيْء وتحققه من شَهَادَة الشَّيْء أَي:
حُضُوره. قَوْله: (رَسُول الله) قَالَ ابْن الْأَنْبَارِي:
الرَّسُول مَعْنَاهُ فِي اللُّغَة: الَّذِي تتَابع
الْأَخْبَار من الَّذِي بَعثه من قَول الْعَرَب، قد جَاءَت
الْإِبِل رسلًا أَي: جَاءَت متتابعة. وَيُقَال فِي تثنيته:
رسولان، وَفِي جمعه: رسل، وَمن الْعَرَب من يوحده فِي
مَوضِع التَّثْنِيَة وَالْجمع، فَيَقُول: الرّجلَانِ
رَسُولك، وَالرِّجَال رَسُولك، قَالَ الله تَعَالَى:
إِنَّا رَسُولا رَبك} (طه: 47) . وَفِي مَوضِع آخر: {أَنا
رَسُول رب الْعَالمين} (مَرْيَم: 190) ، فَفِي الأول خرج
الْكَلَام على ظَاهره لِأَنَّهُ إِخْبَار عَن مُوسَى
وَهَارُون، عَلَيْهِمَا الصَّلَاة وَالسَّلَام، وَفِي
الثَّانِي بِمَعْنى الرسَالَة، كَأَنَّهُ قَالَ: إِنَّا
رِسَالَة رب الْعَالمين، قَالَه يُونُس، وَقَالَ أَبُو
إِسْحَاق الزّجاج: لَيْسَ مَا ذكره ابْن الْأَنْبَارِي فِي
اشتقاق الرَّسُول صَحِيحا، وَإِنَّمَا الرَّسُول الْمُرْسل
المبعد من أرْسلت 9 أبعدت وَبعثت، وَإِنَّمَا توهم فِي
ذَلِك لِأَنَّهُ رَآهُ على فعول، فتوهمه مِمَّا جَاءَ على
الْمُبَالغَة، وَلَا يكون ذَلِك إلاَّ لتكرار الْفِعْل
فَهُوَ ضروب وَشبهه، وَلَيْسَ كَذَلِك، وَإِنَّمَا هُوَ
اسْم لغير تَكْثِير الْفِعْل بِمَنْزِلَة: عَمُود وعنود.
وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: وفصحاء الْعَرَب أهل الْحجاز
وَمن والاهم يَقُولُونَ: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله،
وَجَمَاعَة من الْعَرَب يبدلون من الْألف عينا
فَيَقُولُونَ: أشهد عَن. قَوْله: (حَيّ على الصَّلَاة) .
قَالَ الْفراء مَعْنَاهُ: هَلُمَّ، وَفتحت الْيَاء من حَيّ
لسكون الْيَاء الَّتِي قبلهَا. وَقَالَ ابْن الانباري:
فِيهِ سِتّ لُغَات، حَيّ هلا، بِالتَّنْوِينِ، وَفتح
اللَّام بِغَيْر تَنْوِين، وتسكين الْهَاء، وَفتح الَّلام،
وَحي هلن، لَا وَحي هلين، قَالَه الزجاجي.
الْوَجْه الْخَامِس: بالنُّون هُوَ الأول، بِعَيْنِه لِأَن
التَّنْوِين وَالنُّون سَوَاء، وَمعنى الْفَلاح الْفَوْز،
يُقَال: أَفْلح الرجل إِذا فَازَ.
(بابٌ الأَذان مَثْنَى مَثْنَى)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْأَذَان مثنى مثنى، ومثنى
هَكَذَا مكررا رِوَايَة الْكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيره:
مثنى مُفردا، ومثنى مثنى، معدول من اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ،
وَالْعدْل على قسمَيْنِ: عدل تحقيقي وَهَذَا مِنْهُ، وَعدل
تقديري كعمرو وَزفر، وَقد عرف فِي مَوْضِعه، وَفَائِدَة
التّكْرَار للتوكيد، إِن كَانَ التّكْرَار يفهم من صِيغَة
الْمثنى لِأَنَّهَا معدولة عَن: اثْنَيْنِ اثْنَيْنِ،
كَمَا ذَكرْنَاهُ. وَيُقَال الأول لإِفَادَة التَّثْنِيَة
لكل أَلْفَاظ الْأَذَان، وَالثَّانِي لكل أَفْرَاد
الْأَذَان، أَي: الأول: لبَيَان تَثْنِيَة الْأَجْزَاء،
وَالثَّانِي: لبَيَان تَثْنِيَة الجزئيات.
606 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الوَهَّابِ
قَالَ أخبرنَا خالِدٌ الحَذَّاءْ عَنْ أبي قِلاَبَةَ عَن
أنَسِ بنِ مالِكٍ قَالَ لَما كَثرَ الناسُ قَالَ ذَكَرُوا
أنْ يُعْلِمُوا وَقْتَ الصَّلاَةِ بِشَيْءٍ يَعْرِفُونَهُ
فَذَكَرُوا أنْ يُورُوا نَارا أَو يَضْرِبُوا ناقُوسا
فَأُمِرَ بِلاَلٌ أنْ يَشْفَعَ الأَذَانَ وأنْ يُوتِرَ
الإِقَامَةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث الأول.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن سَلام،
هَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره:
حَدثنِي مُحَمَّد غير مَنْسُوب، وَقَالَ أَبُو عَليّ
الجياني: ذكر البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع: حَدثنَا مُحَمَّد،
غير مَنْسُوب: مِنْهَا فِي الصَّلَاة والجنائز والمناقب
وَالطَّلَاق والتوحيد، وَفِي بَعْضهَا: مُحَمَّد بن سَلام
مِنْهَا هَهُنَا على الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور، وَقَالَ
(5/109)
أَبُو نصر الكلاباذي: إِن البُخَارِيّ،
رُوِيَ فِي (الْجَامِع) عَن مُحَمَّد بن سَلام وَمُحَمّد
بن بشار وَمُحَمّد بن الْمثنى وَمُحَمّد بن عبد الله ابْن
حَوْشَب عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ. الثَّانِي: عبد
الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ الثَّالِث خَالِد بن مهْرَان
الْحذاء. الرَّابِع: أَبُو قلَابَة عبد الله بن زيد.
الْخَامِس: أنس بن مَالك.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: حَدثنِي مُحَمَّد، وَفِي بعض
النّسخ: حَدثنَا مُحَمَّد، وَفِيه: حَدثنِي عبد
الْوَهَّاب، وَهِي فِي رِوَايَة كَرِيمَة: اُخْبُرْنَا،
وَفِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: حَدثنَا. وَفِيه: الثَّقَفِيّ
وَلَيْسَ فِي رِوَايَة كَرِيمَة: الثَّقَفِيّ، وَفِيه:
حَدثنَا خَالِد الْحذاء، وَهِي رِوَايَة أبي ذَر الأَصيلي،
ولغيرهما: أخبرنَا.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لما كثر النَّاس) جَوَاب: لما،
قَوْله: (ذكرُوا) وَلَفظ: قَالَ، ثَانِيًا مقحم
تَأْكِيدًا: لقَالَ، أَولا. قَوْله: (أَن يعلمُوا) بِضَم
الْيَاء، مَعْنَاهُ: يجْعَلُونَ لَهُ عَلامَة يعرف بهَا.
قَوْله: (أَن يوروا) أَي: يوقدوا ويشعلوا، يُقَال: أوريت
النَّار أَي: أشعلتها، وروى الزند: إِذا خرجت نارها
واوريته إِذا أخرجتها، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم: (أَن
ينوروا نَارا) أَي: يظهروا نورها، وَقد مر تَفْسِير
الناقوس. قَوْله: (فَأمر) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَوْله:
(وَأَن يُوتر الْإِقَامَة) أَي: أَلْفَاظ الْإِقَامَة
الَّتِي يدْخل بهَا فِي الصَّلَاة.
3 - (بابٌ الإِقامَةُ واحِدَةٌ إِلاَّ قَوْلَهُ قَدْ
قامَتِ الصَّلاَةُ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الْإِقَامَة أَي: الإِقامة
الَّتِي تُقَام بهَا الصَّلَاة، ثمَّ اسْتثْنى مِنْهَا: قد
قَامَت الصَّلَاة، يَعْنِي: قد قَامَت الصَّلَاة،
مرَّتَيْنِ، وَهَذَا لفظ معمر عَن أَيُّوب كَمَا ذكرنَا من
مُسْند السراج عَن قريب.
607 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا
إسماعِيلُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ عنْ أبِي
قِلاَبَةَ عنْ أنَسٍ قَالَ أُمِرَ بِلاَلٌ أنْ يشْفَعَ
الْأَذَان وأَن يُوتِرَ الإِقامَةَ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَأَن يُوتر
الْإِقَامَة) أَي: يوحد ألفاظها، وَقَالَ ابْن الْمُنِير:
خَالف البُخَارِيّ لفظ الحَدِيث فِي التَّرْجَمَة، فَعدل
عَنهُ إِلَى قَوْله: وَاحِدَة، لِأَن لفظ الْوتر غير
منحصرة فِي الْمرة، فَعدل عَن لفظ فِيهِ الِاشْتِرَاك
إِلَى مَا لَا اشْتِرَاك فِيهِ، وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا
قَالَ وَاحِدَة مُرَاعَاة للفظ الْخَبَر الْوَارِد فِي
ذَلِك، وَهُوَ عِنْد ابْن حبَان من حَدِيث ابْن عمر، رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَلَفظه: (الْأَذَان مثنى
وَالْإِقَامَة وَاحِدَة) . قلت: الَّذِي قَالَه ابْن
الْمُنِير هُوَ الْأَوْجه من وضع تَرْجَمَة لحَدِيث لم
يُورِدهُ، وَعلي بن عبد الله هُوَ الْمَدِينِيّ، واسماعيل
بن ابراهيم هُوَ ابْن علية.
قَالَ إِسمَاعِيلُ فَذَكَرْتُهُ لاَِيوبَ فَقَالَ: إِلَّا
الإقامةَ
اسماعيل هَذَا هُوَ الْمَذْكُور فِي أول الإِسناد. قَوْله:
(فَذَكرته) أَي: الحَدِيث هَكَذَا بالضمير فِي رِوَايَة
الأَصيلي والكشميهني، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين:
(فَذكرت) ، بِحَذْف الضَّمِير الَّذِي هُوَ الْمَفْعُول،
وَأَيوب هُوَ السّخْتِيَانِيّ أَرَادَ أَنه: زَاد فِي اخر
الحَدِيث هَذَا الِاسْتِثْنَاء وَأَرَادَ بِهِ قَوْله: (قد
قَامَت الصَّلَاة مرَّتَيْنِ) ، وَقَالَ الْكرْمَانِي:
قَالَ الْمَالِكِيَّة: عمل أهل الْمَدِينَة خلفا عَن سلف
على إِفْرَاد الْإِقَامَة، وَلَو صحب زِيَادَة أَيُّوب
وَمَا رَوَاهُ الْكُوفِيُّونَ من تَثْنِيَة الْإِقَامَة
جَازَ أَن يكون ذَلِك فِي وَقت مَا، ثمَّ ترك لعمل أهل
الْمَدِينَة على الآخر الَّذِي اسْتَقر الإمر عَلَيْهِ،
وَالْجَوَاب: أَن زِيَادَة الثِّقَة مَقْبُولَة وَحجَّة
بِلَا خلاف، وَأما عمل أهل الْمَدِينَة فَلَيْسَ بِحجَّة،
مَعَ أَنه معَارض بِعَمَل أهل مَكَّة وَهِي مجمع
الْمُسلمين فِي المواسم وَغَيرهَا، وَقَالَ بَعضهم:
وَهَذَا الحَدِيث حجَّة على من زعم أَن الْإِقَامَة مثنى
مثنى، مثل الْأَذَان، وَأجَاب بعض الْحَنَفِيَّة بِدَعْوَى
النّسخ، وَأَن إِفْرَاد الْإِقَامَة كَانَ أَولا ثمَّ نسخ
بِحَدِيث أبي مَحْذُورَة، يَعْنِي: الَّذِي رَوَاهُ
أَصْحَاب السّنَن، وَفِيه تَثْنِيَة الْإِقَامَة، وَهُوَ
مُتَأَخّر عَن حَدِيث أنس، وعورض بِأَن فِي بعض طرق حَدِيث
أبي مَحْذُورَة المحسنة التربيع والترجيع، فَكَانَ
يلْزمهُم القَوْل بِهِ، وَقد أنكر أَحْمد على من ادّعى
النّسخ بِحَدِيث أبي مَحْذُورَة، وَاحْتج بِأَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَجَعَ بعد الْفَتْح إِلَى
الْمَدِينَة، وَأقر بِلَالًا على إِفْرَاد الْإِقَامَة،
وَعلمه سعد الْقرظ فَأذن بِهِ بعده، كَمَا رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ وَالْحَاكِم، قلت: الَّذِي رَوَاهُ
التِّرْمِذِيّ من حَدِيث عَمْرو بن مرّة عَن عبد
الرَّحْمَن
(5/110)
ابْن أبي ليلى عَن عبد الله بن زيد، قَالَ:
(كَانَ أَذَان رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شفعا
شفعا فِي الْأَذَان وَالْإِقَامَة) حجَّة على هَذَا
الْقَائِل بقوله: وَهَذَا الحَدِيث حجَّة على من زعم أَن
الْإِقَامَة مثنى مثنى مثل الْأَذَان، وَكَذَلِكَ مَا
رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي (صَحِيحه) وَلَفظه: فَعلمه
الْأَذَان وَالْإِقَامَة مثنى مثنى، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ
ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) : كل هَذِه حجَّة عَلَيْهِ وعَلى
إِمَامه، وَأما الْجَواب عَن وَجه ترك الترجيع وَوجه
النّسخ فقد ذَكرْنَاهُ.
4 - (بابُ فَضْلِ التَّأذِينِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل التأذين، وَهُوَ مصدر:
أذن، بِالتَّشْدِيدِ وَهُوَ مَخْصُوص فِي الِاسْتِعْمَال
بإعلام وَقت الصَّلَاة، وَمِنْه أَخذ أَذَان الصَّلَاة،
وَقَالَ الْجَوْهَرِي: والأذين مثله، وَقد أذن أذانا،
وَأما الإيذان فَهُوَ من اذن على وزن: أفعل وَمَعْنَاهُ:
الْإِعْلَام مُطلقًا، وَإِنَّمَا قَالَ البُخَارِيّ: بَاب
فضل التأذين، وَلم يقل: بَاب فضل الْأَذَان، مُرَاعَاة
للفظ الحَدِيث الْوَارِد فِي الْبَاب، وَقَالَ ابْن
الْمُنِير: وَحَقِيقَة الْأَذَان جَمِيع مَا يصدر عَن
الْمُؤَذّن من قَول وَفعل وهيئة. قلت: لَا نسلم هَذَا
الْكَلَام، لِأَن التأذين مصدر، فَلَا يدل إِلَّا على
حُدُوث فعل فَقَط.
6088 - حدَّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنْ أبي الزِّنَادِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أَن رسولَ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إِذا نُودِي لِلصلاَةِ
أدْبَرَ الشَّيْطانُ وَلَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لاَ يَسْمَعَ
التِّأْذِينَ فإِذا قَضَى النِّدَاءَ أقْبَلَ حَتَّى إِذا
ثُوِّبَ بِالصَّلاَةِ أدْبَرَ حَتَّى إِذا قَضَى
التَّثْوِيبَ أقبَلَ حَتَّى يَخْطرَ بَيْنَ المَرْءِ
ونَفْسِهِ يَقُولُ اذْكُرْ كَذَا اذْكُرْ كَذَا لما لَمْ
يَكُنْ يَذْكُرُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ لَا يَدْرِي كمْ
صَلَّى. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ هروب الشَّيْطَان عَن
الْأَذَان، فَإِن الْأَذَان لَو لم يكن لَهُ فضل عَظِيم
يتَأَذَّى مِنْهُ الشَّيْطَان لم يهرب مِنْهُ، فَمن حُصُول
هَذَا الْفضل للتأذين يحصل أَيْضا للمؤذن، فَإِنَّهُ لَا
يقوم إلاَّ بِهِ.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو
الزِّنَاد بالزاي وَالنُّون المخففة، واسْمه: عبد الله بن
ذكْوَان، والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن ابْن هُرْمُز.
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن القعْنبِي عَن
مَالك. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِيهِ عَن قُتَيْبَة
عَن مَالك.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا نُودي للصَّلَاة) أَي: إِذا
أذن لأجل الصَّلَاة، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ: (إِذا نُودي بِالصَّلَاةِ) ، وَقَالَ
بَعضهم: وَيُمكن حملهَا على معنى وَاحِد، وَسكت على هَذَا
وَلم يبين وَجه الْحمل مَا هُوَ؟ قلت: تكون الْبَاء
للسَّبَبِيَّة كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {فكلاَّ أَخذنَا
بِذَنبِهِ} (العنكبوت: 40) . أَي: بِسَبَب ذَنبه،
وَكَذَلِكَ الْمَعْنى هَهُنَا: بِسَبَب الصَّلَاة، وَمعنى
التَّعْلِيل قريب من معنى السَّبَبِيَّة. قَوْله: (أدبر
الشَّيْطَان) الإدبار: نقيض الإقبال، يُقَال دبر وَأدبر
إِذا ولى، وَالْألف وَاللَّام فِي: الشَّيْطَان، للْعهد،
وَالْمرَاد: الشَّيْطَان الْمَعْهُود. قَوْله: (لَهُ ضراط)
جملَة اسمية وَقعت حَالا، وَالْأَصْل فِيهَا أَن تكون
بِالْوَاو، وَقد تقع بِلَا: وَاو، نَحْو: كَلمته فوه إِلَى
فِي، وَوَقع فِي رِوَايَة الْأصيلِيّ: بِالْوَاو، على
الأَصْل، وَكَذَا وَقع للْبُخَارِيّ فِي بَدْء الْخلق.
وَقَالَ عِيَاض: يُمكن حمله على ظَاهره لِأَنَّهُ جسم منفذ
يَصح مِنْهُ خُرُوج الرّيح. قلت: هَذَا تَمْثِيل لحَال
الشَّيْطَان عِنْد هروبه من سَماع الْأَذَان بِحَال من
خرقه أَمر عَظِيم، واعتراه خطب جسيم، حَتَّى لم يزل يحصل
لَهُ الضراط من شدَّة مَا هُوَ فِيهِ، لِأَن الْوَاقِع فِي
شدَّة عَظِيمَة من خوف وَغَيره تسترخي مفاصله وَلَا يقدر
على أَن يملك نَفسه، فينفتح مِنْهُ مخرج الْبَوْل
وَالْغَائِط. وَلما كَانَ الشَّيْطَان لَعنه الله
يَعْتَرِيه شدَّة عَظِيمَة وداهية جسيمة عِنْد النداء
إِلَى الصَّلَاة فيهرب حَتَّى لَا يسمع الْأَذَان، شبه
حَاله بِحَال ذَلِك الرجل، وَأثبت لَهُ على وَجه الادعاء
الضراط الَّذِي ينشأ من كَمَال الْخَوْف الشَّديد. وَفِي
الْحَقِيقَة ماثم ضراط، وَلَكِن يجوز أَن يكون لَهُ ريح،
لِأَنَّهُ روح، وَلَكِن لم تعرف كيفيته. وَقَالَ
الطَّيِّبِيّ: شبه شغل الشَّيْطَان نَفسه عِنْد سَماع
الْأَذَان بالصوت الَّذِي يمْلَأ السّمع ويمنعه عَن سَماع
غَيره، ثمَّ سَمَّاهُ: ضراطا تقبيحا لَهُ. فَإِن قلت:
كَيفَ يهرب من الْأَذَان وَلَا يهرب من قِرَاءَة الْقرَان،
وَهِي
(5/111)
أفضل من الْأَذَان؟ قلت: إِنَّمَا يهرب من
الْأَذَان حَتَّى لَا يشْهد بِمَا سَمعه إِذا اسْتشْهد
يَوْم الْقِيَامَة، لِأَنَّهُ جَاءَ فِي الحَدِيث: (لَا
يسمع مدى صَوت الْمُؤَذّن جن وَلَا إنس وَلَا شَيْء إِلَّا
شهد لَهُ يَوْم الْقِيَامَة) . والشيطان أَيْضا شَيْء أَو
هُوَ دَاخل فِي الْجِنّ، لِأَنَّهُ من الْجِنّ. فَإِن قلت:
إِنَّه يدبر لعظم أَمر الْأَذَان لما اشْتَمَل عَلَيْهِ من
قَوَاعِد الدّين وَإِظْهَار شَعَائِر الْإِسْلَام وإعلانه.
وَقيل: ليأسه من وَسْوَسَة الْإِنْسَان عِنْد الإعلان
بِالتَّوْحِيدِ. فَإِن قلت: كَيفَ يهرب من الْأَذَان
وَيَدْنُو من الصَّلَاة وفيهَا الْقرَان ومناجاة الْحق؟
قلت: هروبه من الآذان ليأسه من الوسوسة، كَمَا ذَكرْنَاهُ،
وَفِي الصَّلَاة، يفتح لَهُ أَبْوَاب الوساوس. قَوْله:
(حَتَّى لَا يسمع التأذين) ، الظَّاهِر أَن هَذِه
الْغَايَة لاجل إدباره، وَقَالَ بَعضهم: ظَاهره أَنه
يتَعَمَّد إِخْرَاج ذَلِك إِمَّا ليشتغل بِسَمَاع الصَّوْت
الَّذِي يُخرجهُ عَن سَماع الْمُؤَذّن، وَإِمَّا أَنه يصنع
ذَلِك اسْتِخْفَافًا كَمَا يَفْعَله السُّفَهَاء قلت:
الظَّاهِر كَمَا ذكرنَا، لِأَنَّهُ وَقع بَيَان الْغَايَة
فِي رِوَايَة لمُسلم من حَدِيث جَابر، فَقَالَ: حَتَّى
يكون مَكَان الروحاء، وَحكى الْأَعْمَش عَن أبي سُفْيَان
رِوَايَة عَن جَابر أَن بَين الْمَدِينَة والروحاء سِتَّة
وَثَلَاثُونَ ميلًا، قَوْله: (فَإِذا قضي النداء) ، بِضَم
الْقَاف على صِيغَة الْمَجْهُول، أسْند الى فَاعله وَهُوَ
النداء الْقَائِم مقَام الْمَفْعُول، وَرُوِيَ على صِيغَة
الْمَعْلُوم وَيكون الْفَاعِل هُوَ الضَّمِير فِيهِ،
وَهُوَ الْمُؤَذّن، والنداء مَنْصُوب على المفعولية،
وَالْقَضَاء يَأْتِي لمعان كَثِيرَة، وَهَهُنَا بِمَعْنى:
الْفَرَاغ. تَقول: قضيت حَاجَتي أَي: فرغت مِنْهَا أَو
بِمَعْنى الِانْتِهَاء. قَوْله: (اقبل) زَاد مُسلم فِي
رِوَايَة أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة: (فوسوس) قَوْله:
(حَتَّى إِذا ثوب بِالصَّلَاةِ) ، بِضَم الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وَتَشْديد الْوَاو الْمَكْسُورَة، أَي:
حَتَّى إِذا أقيم للصَّلَاة، والتثويب هَهُنَا
الْإِقَامَة، والعامة لَا تعرف التثويب إِلَّا قَول
الْمُؤَذّن فِي صَلَاة الْفجْر: الصَّلَاة خير من النّوم،
حسب، وَمعنى التثويب فِي الأَصْل الْإِعْلَام بالشَّيْء
والإنذار بِوُقُوعِهِ، وَأَصله أَن يلوح الرجل لصَاحبه
بِثَوْبِهِ فيديره عِنْد أَمر يرهقه من خوف أَو عَدو، ثمَّ
كثر اسْتِعْمَاله فِي كل إِعْلَام يجْهر بِهِ صَوت،
وَإِنَّمَا سميت الْإِقَامَة: تثويبا، لِأَنَّهُ عود إِلَى
النداء، من: ثاب إِلَى كَذَا إِذا عَاد إِلَيْهِ، وَقَالَ
الْقُرْطُبِيّ: ثوَّب بِالصَّلَاةِ أَي: أَقَامَ لَهَا،
وَأَصله أَنه رَجَعَ إِلَى مَا يشبه الْأَذَان، وكل مردد
صَوتا فَهُوَ مثوب، وَيدل عَلَيْهِ رِوَايَة مُسلم فِي
رِوَايَة أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة: (فَإِذا سمع
الْإِقَامَة ذهب) . قَوْله: (حَتَّى يخْطر) ، بِضَم
الطَّاء وَكسرهَا، وَقَالَ عِيَاض: ضبطناه من المتقنين
بِالْكَسْرِ، وسمعناه من أَكثر الروَاة بِالضَّمِّ، قَالَ:
وَالْكَسْر هُوَ الْوَجْه، وَمَعْنَاهُ: يوسوس، من
قَوْلهم: خطر الْفَحْل بِذَنبِهِ إِذا حركه يضْرب بِهِ
فَخذيهِ، وَأما الضَّم، فَمن المروراي: يدنو مِنْهُ فِيمَا
بَينه وَبَين قلبه فيشغله عَمَّا هُوَ فِيهِ، وَبِهَذَا
فسره السراج، وبالأول فسره الْخَلِيل، وَقَالَ الْبَاجِيّ:
فيحول بَين الْمَرْء وَمَا يُرِيد يحاول من نَفسه من
إقباله على صلَاته وإخلاصه. قَالَ الهجري فِي (نوادره) :
يخْطر، بِالْكَسْرِ، فِي كل شَيْء، وبالضم ضَعِيف. قَوْله:
(بَين الْمَرْء وَنَفسه) أَي: قلبه، وَكَذَا وَقع
للْبُخَارِيّ من وَجه اخر فِي بَدْء الْخلق: وَبِهَذَا
التَّفْسِير يحصل الْجَواب عَمَّا قيل: كَيفَ يتَصَوَّر
خطورة بَين الْمَرْء وَنَفسه، وهما عبارتان عَن شَيْء
وَاحِد؟ وَقد يُجَاب بِأَن يكون تمثيلاً لغاية الْقرب
مِنْهُ. قَوْله: (أذكر كَذَا أذكر كَذَا) ، هَكَذَا هُوَ
بِلَا وَاو الْعَطف فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَوَقع فِي
رِوَايَة كَرِيمَة بواو الْعَطف (اذكر كَذَا وَاذْكُر
كَذَا) و: كَذَا، فِي رِوَايَة مُسلم وللبخاري أَيْضا فِي
صَلَاة السَّهْو، وَزَاد مُسلم فِي رِوَايَة عبد ربه عَن
الْأَعْرَج، (فهناه ومناه وَذكره من حَاجته مَا لم يكن
يذكر) . قَوْله: (لما لم يذكر) أَي: لشَيْء لم يكن على
ذكره قبل دُخُوله فِي الصَّلَاة، وَفِي رِوَايَة لمُسلم:
(لما لم يذكر من قبل) . قَوْله: (حَتَّى يظل الرجل) ،
بِفَتْح الظَّاء أَي: حَتَّى يصير الرجل مَا يدْرِي كم صلى
من الرَّكْعَات، ويسهو، وَرِوَايَة الْجُمْهُور بِالطَّاءِ
المثالة الْمَفْتُوحَة وَمَعْنَاهُ فِي الأَصْل ...
الْمخبر عَنهُ بالْخبر نَهَارا لَكِنَّهَا هَهُنَا
بِمَعْنى يصير كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {ظلّ وَجهه}
وَقيل مهناه يبْقى ويدوم وَوَقع عِنْد الْأَصْلِيّ (يضل)
بالضاد الْمَكْسُورَة أَي ينسى وَيذْهب وهمه ويسهو قَالَ
الله تَعَالَى: {أَن تضل أَحدهمَا} (الْبَقَرَة: 282) .
وَقَالَ ابْن قرقول: وَحكى الدَّاودِيّ أَنه رُوِيَ: يضل
ويضل، من الضلال وَهُوَ الْحيرَة. قَالَ: وَالْكَسْر فِي
الْمُسْتَقْبل أشهر، وَقَالَ الْقشيرِي: وَلَو روى هَذَا
الرجل حَتَّى يضل الرجل لَكَانَ وَجها صَحِيحا، يُرِيد:
حَتَّى يضل الشَّيْطَان الرجل عَن درايته كم صلى؟ قَالَ:
لَا أعلم أحدا رَوَاهُ، لكنه لَو رُوِيَ لَكَانَ وَجها
صَحِيحا فِي الْمَعْنى، غير خَارج عَن مُرَاد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي
صَلَاة السَّهْو: إِن يدْرِي كم صلى) ، وَكَذَا فِي
رِوَايَة أبي دَاوُد. وَكلمَة: إِن، بِالْكَسْرِ، نَافِيَة
بِمَعْنى: مَا يدْرِي، قَالَ القَاضِي عِيَاض: وَرُوِيَ
بِفَتْحِهَا، قَالَ: وَهِي رِوَايَة ابْن عبد الْبر،
وَادّعى أَنَّهَا رِوَايَة أَكْثَرهم، وَكَذَا ضَبطه
الْأصيلِيّ فِي
(5/112)
(كتاب البُخَارِيّ) ، وَالصَّحِيح الْكسر،
قلت: الْفَتْح إِنَّمَا يتَوَجَّه على رِوَايَة: يضل،
بالضاد فَيكون: أَن، مَعَ الْفِعْل بعْدهَا بِتَأْوِيل
الْمصدر، أَي: يجهل درايته وينسى عدد ركعاته. فَإِن قلت:
ثَبت لَهُ الضراط فِي إدباره الأول وَلم يثبت فِي
الثَّانِي؟ قلت: لِأَن الشدَّة فِي الأول تلْحقهُ على
سَبِيل الْغَفْلَة فَيكون أعظم، أَو يكون اكْتفى بِذكرِهِ
فِي الأول عَن ذكره فِي الثَّانِي.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: أَن الْأَذَان لَهُ فضل
عَظِيم حَتَّى يلْحق الشَّيْطَان مِنْهُ أَمر عَظِيم،
كَمَا ذَكرْنَاهُ، وَكَذَلِكَ الْمُؤَذّن، لَهُ أجر
عَظِيم، إِذْ كَانَ أَذَانه احتسابا لله تَعَالَى، وَفِي
(صَحِيح) ، ابْن خُزَيْمَة وَابْن حبَان:) الْمُؤَذّن
يغْفر لَهُ مد صَوته، ويستغفر لَهُ كل رطب ويابس، وَشَاهد
الصَّلَاة يكْتب لَهُ خمس وَعِشْرُونَ حَسَنَة وَيكفر
عَنهُ مَا بَينهمَا) وَعند أَحْمد: (ويصدقه كل رطب ويابس
سَمعه) ، وَعند أبي الشَّيْخ: (كل مَدَرَة وصخرة سَمِعت
صَوته) . وَفِي كتاب (الْفَضَائِل) لحميد بن زَنْجوَيْه.
من حَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (يكْتب الْمُؤَذّن
عِنْد أَذَانه أَرْبَعُونَ وَمِائَة حَسَنَة، وَعند
الأقامة عشرُون وَمِائَة حَسَنَة) ، وَفِي كتاب أبي
الْقَاسِم الْجَوْزِيّ عَن أبي سعيد، وَغَيره: (ثَلَاثَة
يَوْم الْقِيَامَة على كثب من مسك أسود لَا يهولهم فزع
وَلَا ينالهم حِسَاب) . الحَدِيث، وَفِيه: (رجل أذن ودعا
إِلَى الله عزوجل ابْتِغَاء وَجه الله تَعَالَى) وَعند
السراج عَن أبي هُرَيْرَة بِسَنَد جيد: (المؤذنون أطول
أعناقا، لقَولهم: لَا إِلَه إِلَّا الله،) . وَفِي لفظ:
(يعْرفُونَ بطول أَعْنَاقهم يَوْم الْقِيَامَة) ، أخرجه
أَيْضا ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) . وَعند أبي الشَّيْخ (من
أذن خمس صلوَات إِيمَانًا واحتسابا غفر لَهُ مَا تقدم من
ذَنبه) ، وَفِي (كتاب الصَّحَابَة) لأبي مُوسَى من حَدِيث
كثير بن مرّة الْحَضْرَمِيّ مَرْفُوعا: (أول من يكسى من
حلل الْجنَّة بعد النَّبِيين، عَلَيْهِم الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَالشُّهَدَاء: بِلَال وَصَالح المؤذنين) .
وَفِي كتاب (شعب الْإِيمَان) للبيهقي، من حَدِيث أبي
مُعَاوِيَة: عَن أبي يعِيش السكونِي عَن عبَادَة بن نسي
يرفعهُ: (من حَافظ على النداء بِالْأَذَانِ سنة أوجب
الْجنَّة) ، وَعند أبي أَحْمد بن عدي، من حَدِيث عمر بن
حَفْص الْعَبْدي، وَهُوَ مَتْرُوك، عَن ثَابت عَن أنس:
(يَد الله تَعَالَى على رَأس الْمُؤَذّن حَتَّى يفرغ من
أَذَانه، أَو أَنه ليغفر لَهُ مد صَوته واين بلغ) . زَاد
أَبُو الشَّيْخ من حَدِيث النُّعْمَان: (فَإِذا فرغ قَالَ
الرب تَعَالَى: صدقت عَبدِي وَشهِدت شَهَادَة الْحق فأبشر)
. وَعند أبي الففرج (يحْشر المؤذنون) على نُوق من نُوق
الْجنَّة يخَاف النَّاس وَلَا يخَافُونَ ويحزن النَّاس
وَلَا يَحْزَنُونَ وَعند ابي الشَّيْخ من حَدِيث أبي
مُوسَى: (يبْعَث يَوْم الْجُمُعَة زاهرا منيرا وَأهل
الْجنَّة محفوفون بِهِ كالعروس تهدى إِلَى بَيت زَوجهَا،
لَا يخالطهم إلاَّ المؤذنون المحتسبون) . وَحَدِيث جَابر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (قيل: يَا رَسُول الله! مَن
أول النَّاس دُخُولا الْجنَّة؟ قَالَ: الْأَنْبِيَاء، ثمَّ
الشُّهَدَاء، ثمَّ مؤذنوا الْكَعْبَة، ثمَّ مؤذنوا بَيت
الْمُقَدّس، ثمَّ مؤدنوا مَسْجِدي هَذَا، ثمَّ سَائِر
المؤذنين) ، سندهما صَالح، وَحَدِيث أبي بن كَعْب، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ: (دخلت الْجنَّة فَرَأَيْت فِيهَا
جنابذ اللُّؤْلُؤ، فَقلت: لمن هَذَا يَا جِبْرِيل؟
فَقَالَ: للمؤذنين وَالْأَئِمَّة من أمتك) ، وَقَالَ أَبُو
حَاتِم الرَّازِيّ: هَذَا حَدِيث مُنكر، وَعند عبد
الرَّزَّاق: من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن سعيد بن عمار بن
سعد الْمُؤَذّن عَن صَفْوَان بن سليم عَن أنس رَفعه: (إِذا
أذن فِي قَرْيَة أمنها الله تَعَالَى من عَذَابه ذَلِك
الْيَوْم) . وَعند السراج بِسَنَد صَحِيح: (الإِمَام
ضَامِن، والمؤذن مؤتمن أللهم أرشد الْأَئِمَّة واغفر
للمؤذنين) . وَمن هَذَا أَخذ الشَّافِعِي أَن الْأَذَان
أفضل من الْإِمَامَة، وَعِنْدنَا الْإِمَامَة أفضل
لِأَنَّهَا وَظِيفَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ: أَن السَّهْو الَّذِي يحصل
للْمُصَلِّي فِي صلَاته من وَسْوَسَة الشَّيْطَان.
5 - (بابُ رَفْعِ الصَّوْتِ بالنِّدَاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان رفع الصَّوْت بالنداء، أَي:
رفع الْمُؤَذّن صَوته بِالْأَذَانِ، قَالَ ابْن الْمُنِير:
لم ينص على حكم رفع الصَّوْت لِأَنَّهُ من صفة الْأَذَان،
وَهُوَ لم ينص فِي أصل الْأَذَان على حكم، قلت: هُوَ فِي
الْحَقِيقَة صفة الْمُؤَذّن لَا صفة الْأَذَان، وَلَا
يحْتَاج إِلَى نَص الحكم ظَاهرا، لِأَن حَدِيث الْبَاب يدل
على أَن المُرَاد ثَوَاب رفع الْمُؤَذّن صَوته، فَيكون
تَقْدِير كَلَامه: بَاب فِي بَيَان ثَوَاب رفع الْمُؤَذّن
صَوته عِنْد الْأَذَان، كَمَا ترْجم النَّسَائِيّ: بَاب
الثَّوَاب على رفع الصَّوْت بِالْأَذَانِ.
وَقَالَ عُمَرُ بنُ عَبْدِ العَزِيزِ أذانْ أذانا سمْحا
وإلاِّ فاعْتَزِلْنَا
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة، مَا قَالَه
الدَّاودِيّ: لَعَلَّ هَذَا الْمُؤَذّن لم يكن يحسن مد
الصَّوْت إِذا رفع بِالْأَذَانِ فَعلمه، وَلَيْسَ
(5/113)
أَنه نَهَاهُ عَن رفع الصَّوْت، قلت:
كَأَنَّهُ كَانَ يطرب فِي صَوته ويتنغم، وَلَا ينظر إِلَى
مد الصَّوْت مُجَردا عَن ذَلِك، فَأمره عمر بن عبد
الْعَزِيز بالسماحة. وَهِي: السهولة، وَهُوَ أَن يسمح بترك
التطريب ويمد صَوته، وَيدل على ذَلِك مَا رَوَاهُ
الدَّارَقُطْنِيّ بِإِسْنَاد فِيهِ لين من حَدِيث ابْن
عَبَّاس: (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ لَهُ مُؤذن
يطرب، فَقَالَ لَهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: الْمُؤَذّن
سهل سمح، فَإِن كَانَ أذانك سهلاً سَمحا وإلاَّ فَلَا
تؤذن) ، وَيحْتَمل أَن هَذَا الْمُؤَذّن لم يكن يفصح فِي
كَلَامه، ويغمغم فَأمره عبد الْعَزِيز بالسماحة فِي
أَذَانه، وَهِي: ترك الغمغمة بِإِظْهَار الفصاحة، وَهَذَا
لَا يكون إِلَّا بِمد الصَّوْت بحدة. وروى مجاشع عَن
هَارُون بن مُحَمَّد عَن نَافِع عَن ابْن عمر قَالَ: قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يُؤذن لكم
إلاَّ فصيح) ، وَقَالَ ابْن عدي: هَارُون هَذَا لَا يعرف،
وَأما التَّعْلِيق الْمَذْكُور فَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة
عَن وَكِيع عَن سُفْيَان عَن عمر بن سعد عَن أبي الْحسن:
أَن مُؤذنًا أذن فطرب لَهُ فِي أَذَانه، فَقَالَ لَهُ عمر
ابْن عبد الْعَزِيز: أذن أذانا سَمحا وإلاَّ فاعتزلنا.
قَوْله: (أذن) بِلَفْظ الْأَمر من الْفِعْل، وَهُوَ خطاب
لمؤذنه. قَوْله: (سَمحا) أَي: سهلا بِلَا نغمات وتطريب.
قَوْله: (فاعتزلنا أَي: فاترك منصب الْأَذَان.
609 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنْ عَبْدِ الرَّحْمَن بنِ عَبْدِ الله بنِ عبدِ
الرَّحْمَنِ بنِ أبي صَعْصَعْة الأنْصَارِيِّ ثُمَّ
المَازِنِيِّ عنْ أبِيهِ أنَّهُ أخْبَرَهُ أنَّ أَبَا
سعِيدٍ الخُدْرِيَّ قَالَ لَهُ إنِّي أراكَ تُحِبُّ
الغَنَمَ والبَادِيَةَ فَإذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أوْ
بَادِيَتِكَ فَأَذَّنْتَ بالصَّلاَةِ فارْفَعْ صَوْتَكَ
بِالنِّدَاءِ فإِنَّهُ لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ
المُؤذِّنٌّ جِنُّ ولاَ إنْسٌ ولاَ شَيْءٌ إلأَّ شَهِدَ
لهُ يَوْمَ القِيَامَةِ قَالَ أبُو سَعِيدٍ سَمِعْتُهُ منْ
رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فارفع صَوْتك بالنداء)
.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عبد الله بن يُوسُف
التنيسِي. الثَّانِي: الإِمَام مَالك بن أنس. الثَّالِث:
عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن عبد الرَّحْمَن بن أبي
صعصعة، بالمهملات المفتوحات إِلَّا الْعين الأولى،
فَإِنَّهَا سَاكِنة: الْأنْصَارِيّ الْمَازِني: بالزاي
وَالنُّون، مَاتَ فِي خلَافَة أبي جَعْفَر، وَمِنْهُم من
ينْسبهُ إِلَى جده، وَاسم أبي صعصعة: عَمْرو بن زيد بن
عَوْف مبذول بن عَمْرو بن غنم بن مَازِن بن النجار، مَاتَ
أَبُو صعصعة فِي الْجَاهِلِيَّة وَابْنه عبد الرَّحْمَن
صَحَابِيّ. الرَّابِع: أَبوهُ عبد الله بن عبد الرَّحْمَن.
الْخَامِس: أَبُو سعيد الْخُدْرِيّ. ذكر لطائف إِسْنَاده
فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد،
والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد، وبصيغة الإِفراد فِي
مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: أَن
عبد الرَّحْمَن بن عبد الله من أَفْرَاد البُخَارِيّ.
وَفِيه: أَن رُوَاته مدنيون مَا خلا شيخ البُخَارِيّ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي ذكر الْجِنّ عَن قُتَيْبَة، وَفِي التَّوْحِيد
عَن اسماعيل وَعَن ابي نعيم عَن عبد الْعَزِيز بن أبي
سَلمَة الْمَاجشون عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي صعصعة عَن
أَبِيه. ذكره خلف وَحده، وَقَالَ أَبُو الْقَاسِم، لم
أَجِدهُ وَلَا ذكره أَبُو مَسْعُود، وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم
عَن مَالك بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد
بن الصَّباح عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة عَن عبد الله بن
عبد الرَّحْمَن ابْن أبي صعصعة عَن أَبِيه عَن أبي سعيد
بِهِ، كَذَا يَقُول سُفْيَان.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (قَالَ لَهُ) ، أَي: قَالَ أَبُو
سعيد لعبد الله بن عبد الرَّحْمَن. قَوْله: (والبادية) ،
أَي: وتحب الْبَادِيَة أَيْضا لأجل الْغنم، لِأَن محب
الْغنم يحْتَاج إِلَى إصلاحها بالمرعى، وَهُوَ فِي
الْغَالِب يكون فِي الْبَادِيَة، وَهِي الصَّحرَاء الَّتِي
لَا عمَارَة فِيهَا. قَوْله: (فَإِذا كنت فِي غنمك) ، أَي:
بَين غنمك، وَكلمَة: فِي، تَأتي بِمَعْنى بَين، كَمَا فِي
قَوْله تَعَالَى: {فادخلي فِي عبَادي} (الْفجْر: 29) .
وَفِي (الْمُخَصّص) : الْغنم جمع لَا وَاحِد لَهُ من
لَفظه. وَقَالَ ابو حَاتِم: وَهِي انثى. وَعَن صَاحب
(الْعين) : الْجمع أَغْنَام وأغانم وغنوم. وَفِي
(الْمُحكم) : ثنوه فَقَالُوا: غنمان. وَفِي (الْجَامِع) :
هُوَ اسْم لجمع الضَّأْن والمعز. وَفِي (الصِّحَاح) :
مَوْضُوع للْجِنْس يَقع على الذُّكُور وَالْإِنَاث
وَعَلَيْهِمَا جَمِيعًا. قَوْله: (أَو باديتك) كلمة: أَو،
هُنَا يحْتَمل أَن تكون للشَّكّ من الرَّاوِي، أَو تكون
للتنويع، لِأَنَّهُ قد يكون فِي غنم بِلَا بادية، وَقد
يكون فِي بادية بِلَا غنم، وَقد يكون فيهمَا مَعًا. وَقد
لَا يكون فيهمَا مَعًا، وعَلى كل حَال لَا يتْرك
الْأَذَان. قَوْله: (فَأَذنت للصَّلَاة) أَي: لأجل
(5/114)
الصَّلَاة، وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ
فِي بَدْء الْخلق: (بِالصَّلَاةِ) ، وَالْبَاء
للسَّبَبِيَّة ومعناهما قريب. قَوْله: (بالنداء) أَي:
الْأَذَان. قَوْله: (مدى صَوت) ، أَي: لَا يسمع غَايَة
صَوت الْمُؤَذّن. قَالَ التوربشتي: إِنَّمَا ورد الْبَيَان
على الْغَايَة مَعَ حُصُول الْكِفَايَة بقوله: (لَا يسمع
صَوت الْمُؤَذّن) ، تَنْبِيها على أَن آخر مَا يَنْتَهِي
إِلَيْهِ صَوته يشْهد لَهُ كَمَا يشْهد لَهُ الْأَولونَ.
وَقَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ: غَايَة الصَّوْت تكون
أخْفى لَا محَالة. فَإِذا شهد لَهُ من بعد عَنهُ وَوصل
إِلَيْهِ هَمس صَوته فَلِأَنَّهُ يشْهد لَهُ من هُوَ أدنى
مِنْهُ وَسمع مبادي صَوته أولى. قَوْله: (لَا شَيْء) هَذَا
من عطف الْعَام على الْخَاص، لَان الْجِنّ وَالْإِنْس
يدخلَانِ فِي: شَيْء، وَهُوَ يَشْمَل الْحَيَوَانَات
والجمادات. قيل: إِنَّه مَخْصُوص بِمن تصح مِنْهُ
الشَّهَادَة مِمَّن يسمع: كالملائكة، نَقله الْكرْمَانِي.
وَقيل: المُرَاد بِهِ كل مَا يسمع الْمُؤَذّن من
الْحَيَوَان حَتَّى مَا لَا يعقل دون الجمادات. وَقيل:
عَام حَتَّى فِي الجمادات أَيْضا، وَالله تَعَالَى يخلق
لَهَا إدراكا وعقلاً، وَهُوَ غير مُمْتَنع عقلا وَلَا
شرعا. وَقَالَ ابْن بزيزة: تقرر فِي الْعَادة أَن السماع
وَالشَّهَادَة وَالتَّسْبِيح لَا يكون إِلَّا من حَيّ،
فَهَل ذَلِك إلاَّ حِكَايَة على لِسَان الْحَال؟ لِأَن
الموجودات ناطقة بِلِسَان حَالهَا بِجلَال باريها. قَوْله:
(إلاَّ شهد لَهُ) . وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (إلاَّ
يشْهد لَهُ) . وَالْمرَاد من الشَّهَادَة {وَكفى بِاللَّه
شَهِيدا} (النِّسَاء: 79 و 166، الْفَتْح: 28) . اشتهاره
يَوْم الْقِيَامَة فِيمَا بَينهم بِالْفَضْلِ وعلو
الدرجَة، وكما أَن الله يفضح قوما بِشَهَادَة الشَّاهِدين،
كَذَلِك يكرم قوما بهَا، تجميلاً لَهُم وتكميلاً لسرورهم
وتطمينا لقُلُوبِهِمْ قَوْله: (سمعته من رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم) قَالَ الْكرْمَانِي: أَي: سَمِعت
هَذَا الْكَلَام الْأَخير، وَهُوَ قَوْله: (فَإِنَّهُ لَا
يسمع) إِلَى آخِره. قلت: أَشَارَ بذلك إِلَى أَن من
قَوْله: (إِنِّي أَرَاك) ، إِلَى قَوْله: (فَإِنَّهُ لَا
يسمع) ، مَوْقُوف، وَيُؤَيّد ذَلِك مَا رَوَاهُ ابْن
خُزَيْمَة من رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة وَلَفظه: (قَالَ
أَبُو سعيد: إِذا كنت فِي الْبَوَادِي فارفع صَوْتك
بالنداء فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: لَا يسمع مدى صَوت الْمُؤَذّن) فَذكره،
وَرَوَاهُ يحيى الْقطَّان أَيْضا عَن مَالك بِلَفْظ: (أَن
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: إِذا أَذِنت
فارفع صَوْتك فَإِنَّهُ لَا يسمع) فَذكره، وَقد أورد
الْغَزالِيّ والرافعي وَالْقَاضِي حُسَيْن هَذَا الحَدِيث
وجعلوه كُله مَرْفُوعا، وَلَفظه: (أَن النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ لأبي سعيد: إِنَّك رجل تحب الْغنم)
. وساقوه إِلَى آخِره، ورده النَّوَوِيّ، وتصدى ابْن
الرّفْعَة للجواب عَنْهُم بِأَنَّهُم فَهموا أَن قَول أبي
سعيد: سمعته من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يرجع
إِلَى كل مَا ذكر، وَالصَّوَاب مَعَ النَّوَوِيّ لما
ذَكرْنَاهُ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: اسْتِحْبَاب رفع
الصَّوْت بِالْأَذَانِ ليكْثر من يشْهد لَهُ وَلَو أذن على
مَكَان مُرْتَفع ليَكُون أبعد لذهاب الصَّوْت، وَكَانَ
بِلَال، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، يُؤذن على بَيت
امْرَأَة من بني النجار، بَيتهَا أطول بَيت حول
الْمَسْجِد. وَفِيه: الْعُزْلَة عَن النَّاس خُصُوصا فِي
أَيَّام الْفِتَن. وَفِيه: اتِّخَاذ الْغنم وَالْمقَام
بالبادية، وَهُوَ من فعل السّلف. وَفِيه: أَن أَذَان
الْمُنْفَرد مَنْدُوب، وَلَو كَانَ فِي بَريَّة، لِأَنَّهُ
إِن لم يحضر من يُصَلِّي مَعَه يحصل لَهُ شَهَادَة من
سَمعه من الْحَيَوَانَات والجمادات. وَللشَّافِعِيّ فِي
أَذَان الْمُنْفَرد ثَلَاثَة أَقْوَال: أَصَحهَا: نعم،
لحَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ هَذَا، وَالثَّانِي: وَهُوَ
الْقَدِيم: لَا ينْدب لَهُ لِأَن الْمَقْصُود من الْأَذَان
والإبلاغ والإعلام، وَهَذَا لَا يَنْتَظِم فِي
الْمُنْفَرد. وَالثَّالِث: أَن رجى حُضُور جمَاعَة أذن
لإعلامهم، وإلاَّ فَلَا، وَحمل حَدِيث أبي سعيد على أَنه
كَانَ يَرْجُو حُضُور غلمانه. وَفِيه: أَن الْجِنّ
يسمعُونَ أصوات بني آدم. وَفِيه: أَن بعض الْخلق يشْهد
لبَعض.
6 - (بابُ مَا يُحْقَنُ بِالآذَانِ مِنَ الدِّمَاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يمْنَع من الدِّمَاء
بِسَبَب الْأَذَان، يُقَال: حقنت لَهُ دَمه أَي: منعت من
قَتله وإراقته، أَي: جمعته لَهُ وحبسته عَلَيْهِ، وأصل
الحقن الْحَبْس، وَمِنْه الحاقن لِأَنَّهُ يحبس بَوْله أَو
غائطه فِي بَطْنه، وَمِنْه: حقن اللَّبن، إِذا حَبسه فِي
السقاء، والدماء جمع: دم.
610 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا
إسْمَاعِيلُ بنُ جَعْفَرٍ عنْ حُمَيْدٍ عنْ أنَس بن
مَالِكٍ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ
إِذا غَزَا بِنَا قوْما لَمْ يَكُنْ يَغْزُو بِنَا حَتَّى
يُصْبِحَ ويَنْظُرَ فإنْ سَمِعَ
(5/115)
أذَانا كَفَّ عَنْهُمْ وإنْ لَمْ يَسْمَعْ
أذَانا أغَارَ عَلَيْهِمْ قَالَ فَخَرَجْنَا إلَى خَيْبَرَ
فانْتَهَيْنَا إلَيْهِمْ لَيْلاً فلَمَّا أصْبَحَ ولَمْ
يَسْمَعْ أذَانا رَكِبَ وَرَكِبْتُ خَلْفَ أبي طلْحَةَ
وإنَّ قَدَمي لَتَمَسُّ قَدَمَ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ فَخَرَجُوا إلَيْنَا بِمَكاتِلِهِمْ
وَمَسَاحِيهِمْ فلَمَّا رَأُوا النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالُوا مُحَمَّدٌ واللَّهِ مُحَمَّدٌ والخَمِيسُ
قَالَ فَلَمَّا رَآهُمُ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قالَ الله أكبرُ الله أكبرُ خَربَتْ خَيْبَرُ إنَّا
إِذا نَزَلْنا بِسَاحَةِ قَوْمٍ فَسَاءَ صَبَاحُ
المُنْذَرِينَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: وَهَذَا الْإِسْنَاد
بِعَيْنِه قد سبق فِي: بَاب خوف الْمُؤمن أَن يحبط عمله،
وَإِسْمَاعِيل بن جَعْفَر أَبُو إِبْرَاهِيم
الْأنْصَارِيّ، وَحميد الطَّوِيل.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن قُتَيْبَة فِي الْجِهَاد،
وروى مُسلم طرفه الْمُتَعَلّق بِالْأَذَانِ من طَرِيق
حَمَّاد بن سَلمَة عَن ثَابت عَن أنس، قَالَ: (كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُغير إِذا طلع
الْفجْر وَكَانَ يستمع الْأَذَان، فَإِن سمع الْأَذَان
أمسك وإلاَّ أغار.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا غزا بِنَا) أَي: مصاحبا،
فالباء للمصاحبة. قَوْله: (لم يَغْزُو بِنَا) قَالَ
الْكرْمَانِي: فِيهِ خمس نسخ. قلت: الأولى: لم يَغْزُو،
من: غزا يغزوا غزوا، وَالِاسْم: الْغُزَاة، وَكَانَ
الأَصْل فِيهِ إِسْقَاط: الْوَاو عَلامَة، للجزم، وَلكنه
على بعض اللُّغَات، وَهُوَ عدم إِسْقَاط الْوَاو، وإخراجه
عَن الأَصْل. ثمَّ قيل: هَذِه لُغَة، وَقيل: ضَرُورَة،
وَلَا ضَرُورَة إلاَّ فِي الشّعْر كَمَا قَالَ الشَّاعِر:
(لم تهجو وَلم تدع)
ووروده هَكَذَا يدل على أَنَّهَا لُغَة، وَهِي، رِوَايَة
كَرِيمَة. وَالثَّانيَِة: لم يغز، مَجْزُومًا على أَنه بدل
من لفظ: لم يكن. وَهِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي.
الثَّالِثَة: لم يُغير، من الإغارات بِإِثْبَات الْيَاء
بعد الْغَيْن، وَهِي رِوَايَة الْأصيلِيّ، وَهُوَ على غير
الأَصْل. الرَّابِعَة: لم يغر من الإغارة أَيْضا لكنه على
الأَصْل. الْخَامِسَة: لم يَغْدُو، بِإِسْكَان الْغَيْن
وبالدال الْمُهْملَة من: الغدو، ونقيض الرواح وَهِي
رِوَايَة الْكشميهني. قَوْله: (وَينظر) ، أَي: ينْتَظر.
قَوْله: (فخرجنا إِلَى خَيْبَر) ، وخيبر بلغَة الْيَهُود:
حصن، وَقد ذكرنَا تَحْقِيق هَذَا فِي: بَاب مَا يذكر من
الْفَخْذ، فَإِن البُخَارِيّ ذكر بعض هَذَا الحَدِيث
هُنَاكَ عَن أنس رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَن رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم غزا خَيْبَر فصلينا عِنْدهَا
صَلَاة الْغَدَاة بِغَلَس، فَركب رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَركب أَبُو طَلْحَة وَأَنا رَدِيف أبي
طَلْحَة، فَأجرى نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي
زقاق خَيْبَر، وَإِن ركبتي لتمس فَخذ نَبِي الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ حسر الْإِزَار عَن فَخذه حَتَّى
كَأَنِّي أنظر إِلَى بَيَاض فَخذ نَبِي الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا دخل الْقرْيَة قَالَ: الله أكبر،
خربَتْ خَيْبَر إِنَّا إِذا نزلنَا بِسَاحَة قوم فسَاء
صباح الْمُنْذرين، قَالَهَا ثَلَاثًا) الحَدِيث. وَأَبُو
طَلْحَة وَهُوَ الصَّحَابِيّ الْمَشْهُور، واسْمه: زيد بن
سهل، وَهُوَ زوج أم أنس. وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم:
(لصوت أبي طَلْحَة فِي الْجَيْش خير من فِئَة) ، وَرُوِيَ:
(من مائَة رجل) قَوْله: (بمكاتلهم) ، هُوَ جمع: المكتل،
بِكَسْر الْمِيم وَهُوَ: القفة، أَي: الزنبيل، والمساحي،
جمع: مسحاة وَهِي: المجرفة إِلَّا أَنَّهَا من الْحَدِيد.
قَوْله: (والجيش) أَي: جَاءَ مُحَمَّد والجيش، وَرُوِيَ
بِالنّصب على أَنه مفعول مَعَه، ويروى (وَالْخَمِيس) ،
بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَكسر الْمِيم وَهُوَ
بِمَعْنى: الْجَيْش، سمي بِهِ لِأَنَّهُ خَمْسَة أَقسَام:
قلب وميمنة وميسرة ومقدمة وساقة. قَوْله: (خربَتْ خَيْبَر)
، إِنَّمَا قَالَ بخرابها لما رأى فِي أَيْديهم من الات
الخراب من الْمساحِي وَغَيرهَا، وَقيل: أَخذه من اسْمهَا،
وَالأَصَح أَنه أعلمهُ الله تَعَالَى بذلك. قَوْله:
(بِسَاحَة) الساحة: الفناء، وَأَصلهَا: الفضاء بَين
الْمنَازل. قَوْله: (فسَاء) كلمة: سَاءَ، مثل: بئس، من
أَفعَال الذَّم و: (صباح) مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل: سَاءَ
و: (الْمُنْذرين) ، بِفَتْح الذَّال الْمُعْجَمَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الْخطابِيّ: فِيهِ:
بَيَان أَن الْأَذَان شعار لدين الْإِسْلَام، وَأَنه أَمر
وَاجِب لَا يجوز تَركه، وَلَو أَن أهل بلد اجْتَمعُوا على
تَركه وامتنعوا كَانَ للسُّلْطَان قِتَالهمْ عَلَيْهِ،
وَقَالَ التَّيْمِيّ: وَإِنَّمَا يحقن الدَّم بِالْأَذَانِ
لِأَن فِيهِ الشَّهَادَة بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِقْرَار
بِالنَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: وَهَذَا لمن
قد بلغته الدعْوَة، وَكَانَ يمسك عَن هَؤُلَاءِ حَتَّى
يسمع الْأَذَان ليعلم أَكَانَ النَّاس مجيبين للدعوة أم
لَا، لِأَن الله وعده إِظْهَار دينه على الدّين كُله،
وَكَانَ يطْمع فِي إسْلَامهمْ، وَلَا يلْزم الْيَوْم
الْأَئِمَّة أَن يكفوا عَمَّن بلغته الدعْوَة لكَي يسمعوا
أذانا، لِأَنَّهُ قد علم غائلتهم للْمُسلمين، فَيَنْبَغِي
أَن تنتهز الفرصة فيهم. وَفِيه: جَوَاز الإرداف على
الدَّابَّة إِذا كَانَت مطيقة. وَفِيه: اسْتِحْبَاب
التبكير عِنْد لِقَاء الْعَدو. وَفِيه: جَوَاز الاستشهاد
بالقران فِي الْأُمُور المحققة، وَيكرهُ مَا كَانَ على ضرب
(5/116)
الْأَمْثَال فِي المحاورات ولغو الحَدِيث،
تَعْظِيمًا لكتاب الله تَعَالَى. وَفِيه: أَن الإغارة على
الْعَدو يسْتَحبّ كَونهَا فِي أول النَّهَار، لِأَنَّهُ
وَقت غفلتهم، بِخِلَاف ملاقاة الجيوش. وَفِيه: أَن
النُّطْق بِالشَّهَادَتَيْنِ يكون إسلاما، قَالَه
الْكرْمَانِي، وَفِيه خلاف مَشْهُور.
7 - (بابُ مَا يَقُولُ إذَا سَمِعَ المُنَادِي)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا يَقُول الرجل إِذا سمع
الْمُؤَذّن يُؤذن، إِنَّمَا لم يُوضح مَا يَقُول السَّامع
لأجل الْخلاف فِيهِ، وَلكنه ذكر حديثين: أَحدهمَا: عَن أبي
سعيد الْخُدْرِيّ، وَالْآخر: عَن مُعَاوِيَة، فَالْأول
عَام، وَالثَّانِي يخصصه، فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِهَذَا
إِلَى أَن الْمُرَجح عِنْده مَا ذهب إِلَيْهِ الْجُمْهُور،
وَهُوَ أَن يَقُول مثل مَا يَقُوله الْمُؤَذّن إلاَّ فِي
الحيعلتين، على مَا نبينه عَن قريب إِن شَاءَ الله
تَعَالَى.
611 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابً عَن عَطَاءِ بنِ يِزِيدَ
اللَّيْثِي عنْ أبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ أنَّ رسولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ
فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ المُؤَذِّنُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مثل مَا يَقُول
الْمُؤَذّن) ، فَهَذَا يُوضح الْإِبْهَام الَّذِي فِي
قَوْله: (مَا يَقُول إِذا سمع الْمُنَادِي) ، وَقد تكَرر
ذكر رِجَاله، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن
شهَاب الزُّهْرِيّ، وَعَطَاء بن يزِيد من الزِّيَادَة
اللَّيْثِيّ، وَفِي رِوَايَة ابْن وهب عَن مَالك وَيُونُس
عَن الزُّهْرِيّ أَن عَطاء بن يزِيد أخبرهُ، أخرجه أَبُو
عوانه، وَاخْتلف على الزُّهْرِيّ فِي إِسْنَاد هَذَا
الحَدِيث، وعَلى مَالك أَيْضا، لكنه اخْتِلَاف لَا يقْدَح
فِي صِحَّته، فَرَوَاهُ عبد الرَّحْمَن بن إِسْحَاق عَن
الزُّهْرِيّ عَن سعيد عَن أبي هُرَيْرَة، أخرجه
النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه، وَقَالَ أَحْمد بن صَالح
وَأَبُو حَاتِم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ: حَدِيث
مَالك وَمن تَابعه أصح، وَرَوَاهُ أَيْضا يحيى الْقطَّان
عَن مَالك عَن الزُّهْرِيّ عَن السَّائِب بن يزِيد. أخرجه
مُسَدّد فِي (مُسْنده) عَنهُ: وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيّ:
إِنَّه خطأ، وَالصَّوَاب الرِّوَايَة الأولى.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن
يحيى بن يحيى، وَأَبُو دَاوُد عَن القعْنبِي
وَالتِّرْمِذِيّ عَن قُتَيْبَة وَعَن إِسْحَاق بن مُوسَى
عَن معن، وَالنَّسَائِيّ عَن قُتَيْبَة، وَفِي الْيَوْم
وَاللَّيْلَة عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى ابْن سعيد.
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن أبي بكر وَأبي كريب، كِلَاهُمَا
عَن زيد بن الْحباب، كلهم عَن مَالك. وَقَالَ
التِّرْمِذِيّ: حسن صَحِيح.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (النداء) أَي: الْأَذَان. قَوْله:
(فَقولُوا مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن) مثل مَنْصُوب على
أَنه صفة لمصدر مَحْذُوف، أَي: قُولُوا قولا مثل مَا
يَقُول الْمُؤَذّن، وَكلمَة: مَا، مَصْدَرِيَّة أَي: مثل
قَول الْمُؤَذّن، والمثل هُوَ النظير، يُقَال: مثل وَمثل
ومثيل مثل: شبه وَشبه وشبيه، والمماثلة بَين الشَّيْئَيْنِ
اتحادهما فِي النَّوْع: كزيد وَعَمْرو فِي الإنسانية.
وَقَالَ ابْن وضاح: قَوْله الْمُؤَذّن، مدرج والْحَدِيث:
(فَقولُوا مثل مَا يَقُول) ، وَلَيْسَ فِيهِ الْمُؤَذّن،
وَفِيه نظر لِأَن الإدراج لَا يثبت بِمُجَرَّد الدَّعْوَى،
وَالرِّوَايَات فِي الصَّحِيحَيْنِ: (مثل مَا يَقُول
الْمُؤَذّن) ، وَحذف صَاحب (الْعُمْدَة) لفظ: الْمُؤَذّن،
لَيْسَ بِشَيْء، وَإِنَّمَا قَالَ: مثل مَا يَقُول
الْمُؤَذّن، بِلَفْظ الْمُضَارع، وَلم يقل: مثل مَا قَالَ
الْمُؤَذّن، بِلَفْظ الْمَاضِي، ليَكُون قَول السَّامع بعد
كل كلمة مثل كلمتها، والصريح فِي ذَلِك مَا رَوَاهُ
النَّسَائِيّ من حَدِيث أم حَبِيبَة: (أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا كَانَ عِنْدهَا فَسمع الْمُؤَذّن
قَالَ مثل مَا يَقُول حِين يسكت) ، وَأخرجه ابْن خُزَيْمَة
فِي (صَحِيحه) وَقَالَ الْحَاكِم: صَحِيح على شَرط
الشَّيْخَيْنِ. قلت: قَوْله: على شَرط الشَّيْخَيْنِ، غير
جيد، لِأَن فِي سَنَده من لَيْسَ عِنْدهمَا، وَلَا عِنْد
أَحدهمَا، وَهُوَ: عبد الله بن عتبَة بن أبي سُفْيَان،
وَرَوَاهُ أَبُو عمر بن عبد الْبر من حَدِيث أبي عوَانَة
عَن أبي بشر عَنْهَا، وَكَذَا أَبُو الشَّيْخ
الْأَصْبَهَانِيّ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بقوله: (فَقولُوا)
أَصْحَابنَا أَن إِجَابَة الْمُؤَذّن وَاجِبَة على
السامعين لدلَالَة الْأَمر على الْوُجُوب، وَبِه قَالَ
ابْن وهب من أَصْحَاب مَالك، والظاهرية، أَلا ترى أَنه يجب
عَلَيْهِم قطع الْقِرَاءَة وَترك الْكَلَام وَالسَّلَام
ورده وكل عمل غير الْإِجَابَة؟ فَهَذَا كُله أَمارَة
الْوُجُوب. وَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد
وَجُمْهُور الْفُقَهَاء: الْأَمر فِي هَذَا الْبَاب على
الِاسْتِحْبَاب دون الْوُجُوب، وَهُوَ اخْتِيَار
الطَّحَاوِيّ أَيْضا. وَقَالَ النَّوَوِيّ: تسْتَحب
إِجَابَة الْمُؤَذّن بالْقَوْل، مثل قَوْله لكل من
(5/117)
سَمعه من متطهر ومحدث وجنب وحائض وَغَيرهم
مِمَّن لَا مَانع لَهُ من الْإِجَابَة.
فَمن أَسبَاب الْمَنْع: أَن يكون فِي الْخَلَاء، أَو جماع
أَهله أَو نَحْوهَا. وَمِنْهَا: أَن يكون فِي صَلَاة، فَمن
كَانَ فِي صَلَاة فَرِيضَة أَو نَافِلَة وَسمع الْمُؤَذّن
لم يُوَافقهُ فِي الصَّلَاة، فَإِذا سلم أَتَى بِمثلِهِ،
فَلَو فعله فِي الصَّلَاة هَل يكره؟ فِيهِ قَولَانِ
للشَّافِعِيّ، فَفِي أظهرهمَا يكره، لَكِن لَا تبطل
صلَاته، فَلَو قَالَ: حَيّ على الصَّلَاة، وَالصَّلَاة خير
من النّوم، بطلت صلَاته إِن كَانَ عَالما بِتَحْرِيمِهِ،
لِأَنَّهُ كَلَام آدَمِيّ، وَلَو سمع الْأَذَان وَهُوَ فِي
قِرَاءَة وتسبيح وَنَحْوهمَا قطع مَا هُوَ فِيهِ وأتى
بمتابعة الْمُؤَذّن، ويتابعه فِي الْإِقَامَة كالأذان
إلاَّ أَنه يَقُول فِي لفظ الْإِقَامَة: أَقَامَهَا الله
وأدامها، وَإِذا ثوب الْمُؤَذّن فِي صَلَاة الصُّبْح
فَقَالَ: الصَّلَاة خير من النّوم، قَالَ سامعه: صدقت
وبررت. انْتهى.
وَقَالَ أَصْحَابنَا: يجب على السَّامع أَن يَقُول مثل مَا
قَالَ الْمُؤَذّن، إلاَّ قَوْله: حَيّ على الصَّلَاة،
فَإِنَّهُ يَقُول مَكَان قَوْله: حَيّ على الصَّلَاة: لَا
حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم،
وَمَكَان قَوْله: حَيّ على الْفَلاح: مَا شَاءَ الله كَانَ
وَمَا لم يَشَأْ لم يكن، لِأَن إِعَادَة ذَلِك تشبه
المحاكاة والاستهزاء، وَكَذَا إِذا قَالَ الْمُؤَذّن:
الصَّلَاة خير من النّوم، وَلَا يَقُول السَّامع مثله،
وَلَكِن يَقُول: صدقت وبررت، وَيَنْبَغِي أَن لَا
يتَكَلَّم السَّامع فِي خلال الْأَذَان وَالْإِقَامَة،
وَلَا يقْرَأ الْقرَان، وَلَا يسلم وَلَا يرد السَّلَام،
وَلَا يشْتَغل بِشَيْء من الْأَعْمَال سوى الْإِجَابَة،
وَلَو كَانَ فِي قِرَاءَة الْقرَان يقطع وَيسمع الْأَذَان
ويجيب، وَفِي (فَوَائِد) الرستغفني: لَو سمع وَهُوَ فِي
الْمَسْجِد يمْضِي فِي قِرَاءَته، وَإِن كَانَ فِي بَيته
فَكَذَلِك، إِن لم يكن أَذَان مَسْجده، وَعَن الْحلْوانِي:
لَو أجَاب اللِّسَان وَلم يمش إِلَى الْمَسْجِد لَا يكون
مجيبا. وَلَو كَانَ فِي الْمَسْجِد وَلم يجب لَا يكون
اثما، وَلَا تجب الْإِجَابَة على من لَا تجب عَلَيْهِ
الصَّلَاة، ولأجيب إيضا وَهُوَ فِي الصَّلَاة سَوَاء
كَانَت فرضا أَو نفلا. وَقَالَ عِيَاض: اخْتلف
أَصْحَابنَا: هَل يحْكى الْمُصَلِّي لفظ الْمُؤَذّن فِي
حَالَة الْفَرِيضَة أَو النَّافِلَة أم لَا يحكيه فيهمَا،
أم يَحْكِي فِي النَّافِلَة دون الْفَرِيضَة؟ على ثَلَاثَة
أَقْوَال. انْتهى. ثمَّ اخْتلف أَصْحَابنَا: هَل يَقُول
عِنْد سَماع كل مُؤذن أم الأول فَقَط؟ وَسُئِلَ ظهير
الدّين عَن هَذِه الْمَسْأَلَة فَقَالَ: يجب عَلَيْهِ
إِجَابَة مُؤذن مَسْجده بِالْفِعْلِ. فَإِن قلت: روى مُسلم
من حَدِيث أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُغير إِذا طلع
الْفجْر، وَكَانَ يستمع الْأَذَان، فَإِن سمع الْأَذَان
أمسك وإلاَّ أغار. قَالَ: فَسمع رجلا يَقُول: الله أكبر
الله أكبر، فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
على الْفطْرَة، ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا
الله. فَقَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: خرجت
من النَّار، فنظروا فَإِذا هُوَ راعي معزى) . وَأخرجه
الطَّحَاوِيّ من حَدِيث عبد الله قَالَ: (كُنَّا مَعَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي بعض أَسْفَاره فَسمع
مناديا وَهُوَ يَقُول: الله أكبر الله أكبر، فَقَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: على الْفطْرَة،
فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله. فَقَالَ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرجت من النَّار، فابتدرناه
فَإِذا هُوَ صَاحب مَاشِيَة أَدْرَكته الصَّلَاة فَأذن
لَهَا) . قَالَ الطَّحَاوِيّ: فَهَذَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم قد سمع الْمُنَادِي يُنَادي وَقَالَ
غير مَا قَالَ، فَدلَّ ذَلِك على أَن قَوْله: (إِذا
سَمِعْتُمْ الْمُنَادِي فَقولُوا مثل الَّذِي يَقُول) ،
إِن ذَلِك لَيْسَ على الْإِيجَاب، وَأَنه على
الِاسْتِحْبَاب والندبة إِلَى الْخَيْر وإصابة الْفضل،
كَمَا قد علم النَّاس من الدُّعَاء الَّذِي أَمرهم أَن
يَقُولُوا فِي دبر الصَّلَوَات وَمَا أشبه ذَلِك. قلت:
الْأَمر الْمُطلق الْمُجَرّد عَن الْقَرَائِن يدل على
الْوُجُوب، وَلَا سِيمَا قد تأيد ذَلِك بِمَا رُوِيَ من
الْأَخْبَار والْآثَار فِي الْحَث على الْإِجَابَة، وَقد
روى ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : عَن وَكِيع عَن
سُفْيَان عَن عَاصِم عَن الْمسيب بن رَافع عَن عبد الله
قَالَ: من الْجفَاء أَن تسمع الْمُؤَذّن ثمَّ لَا تَقول
مثل مَا يَقُول. انْتهى. وَلَا يكون من الْجفَاء إِلَّا
ترك الْوَاجِب، وَترك الْمُسْتَحبّ لَيْسَ من الْجفَاء،
وَلَا تَاركه جَاف، وَالْجَوَاب عَن الْحَدِيثين:
أَنَّهُمَا لَا يُنَافِي إِجَابَة الرَّسُول لذَلِك
الْمُنَادِي بِمثل مَا قَالَ، وَيكون الرَّاوِي ترك ذكره
أَو يكون الْأَمر بالإجابة بعد هَذِه الْقَضِيَّة. قَوْله:
على الْفطْرَة، أَي: على الْإِسْلَام، إِذا كَانَ
الْأَذَان شعارهم، وَلِهَذَا كَانَ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم إِذا سمع أذانا أمسك، وَإِن لم يسمع أغار، لِأَنَّهُ
كَانَ فرق مَا بَين بلد الْكفْر وبلد الْإِسْلَام. فَإِن
قلت: كَيفَ يكون مُجَرّد الْقبُول بِلَا إِلَه إِلَّا الله
إِيمَانًا؟ قلت: هُوَ إِيمَان بِاللَّه فِي حق الْمُشرك،
وَحقّ من لم يكن بَين الْمُسلمين. أما الْكِتَابِيّ
وَالَّذِي يخالط الْمُسلمين لَا يصير مُؤمنا إِلَّا
بالتلفظ بكلمتي الشَّهَادَة، بل شَرط بَعضهم التبري مِمَّا
كَانَ عَلَيْهِ من الدّين الَّذِي يَعْتَقِدهُ. وَأما
الدَّلِيل على مَا ذهب إِلَيْهِ أَصْحَابنَا فِي الحيعلتين
وَالصَّلَاة خير من النّوم، فسنذكره فِي الحَدِيث الْآتِي
إِن شَاءَ الله تَعَالَى.
612 - حدَّثنا مُعَاذُ بنُ فَضَالةَ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ
عنْ يَحْيَى عنْ مُحَمَّدِ بنِ إبْراهِيمَ بنِ الحَارِثِ
قَالَ حدَّثني عِيسَى بنْ طَلْحَةَ أنَّهُ سَمِعَ
مُعَاوِيَةَ يَوْما فَقال مِثْلَهُ إلَى قَوْلِهِ وأشْهَدُ
أنَّ مُحَمَّدا رسولُ الله.
(5/118)
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه
يُوضح الْإِبْهَام. فِي قَوْله: (مَا يَقُول إِذا سمع
الْمُؤَذّن) ، وَقد قُلْنَا: إِنَّه أبهم التَّرْجَمَة
لاحتمالها الْوَجْهَيْنِ، فَحَدِيث أبي سعيد أوضح الْوَجْه
الأول، وَحَدِيث مُعَاوِيَة هَذَا أوضح الْوَجْه
الثَّانِي.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: معَاذ بن فضَالة، بِضَم
الْمِيم وَفتح الْفَاء، تقدم ذكره. الثَّانِي: هِشَام
الدستوَائي. الثَّالِث: يحيى بن أبي كثير، الرَّابِع:
مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن الْحَارِث الْمدنِي، مضى ذكره
فِي: بَاب الصَّلَاة الْخمس كَفَّارَة. الْخَامِس: عِيسَى
بن طَلْحَة بن عبيد الله التَّيْمِيّ الْقرشِي من أفاضل
أهل الْمَدِينَة، مَاتَ فِي زَمَنه عمر بن عبد الْعَزِيز.
السَّادِس: مُعَاوِيَة بن أبي سُفْيَان.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة
فِي موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي
موضِعين. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وأهوازي
ويماني ومدني.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن
مَحْمُود بن خَالِد عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن
الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن أبي كثير بِهِ، وَلم يذكر
الزِّيَادَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فَقَالَ مثله) ، أَي: مثل مَا
يَقُول الْمُؤَذّن، ويروى: بِمثلِهِ، وَهَهُنَا سَأَلَ
الْكرْمَانِي سؤالين: الأول: أَن السماع لَا يَقع إِلَّا
على الذوات إِلَّا إِذا وصف بالْقَوْل، وَنَحْوه،
كَقَوْلِه تَعَالَى: {سمعنَا مناديا يُنَادي للْإيمَان}
(ال عمرَان: 193) . وَأجَاب بِأَن القَوْل مُقَدّر، أَي:
سمع مُعَاوِيَة قَالَ يَوْمًا، وَلَفظ: فَقَالَ، مُفَسّر:
لقَالَ الْمُقدر، وَمثل هَذِه: الْفَاء، تسمى بِالْفَاءِ
التفسيرية. وَالثَّانِي: كلمة: إِلَى، للغاية، وَحكم مَا
بعْدهَا خلاف مَا قبلهَا، وَيلْزم أَن لَا يَقُول فِي أشهد
أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله مثله، وَأجَاب بِأَن: إِلَى،
هَهُنَا بِمَعْنى: الْمَعِيَّة كَقَوْلِه تَعَالَى: {وَلَا
تَأْكُلُوا أَمْوَالهم إِلَى أَمْوَالكُم} (النِّسَاء: 2)
. سلمنَا أَنَّهَا بِمَعْنى الِانْتِهَاء، لَكِن حكمهَا
متفاوت، فقد لَا تدخل الْغَايَة تَحت المغيا؟ قَالَ صَاحب
(الْحَاوِي) : الْإِقْرَار بقوله من وَاحِد إِلَى عشرَة
إِقْرَار بِتِسْعَة، وَقد تدخل: قَالَ الرَّافِعِيّ: هُوَ
إِقْرَار بِالْعشرَةِ، وَعَلِيهِ الْجُمْهُور، سلمنَا وجوب
الْمُخَالفَة بَين مَا بعْدهَا وَمَا قبلهَا. لَكِن لَا
نسلم وُجُوبهَا بَين نفس الْغَايَة وَمَا قبلهَا، كَمَا
يُقَال: مَا بعد الْمرْفق حكم مُخَالف لحكم مَا قبله، لَا
نفس الْمرْفق. فَفِي مَسْأَلَتنَا: تجب مُخَالفَة حكم
الحيعلة لما قبلهَا، لَا حكم الشَّهَادَة بالرسالة. قلت:
الأَصْل فِي الْمَسْأَلَة الْمَذْكُورَة عِنْد أبي حنيفَة
أَنه لَا يدْخل الِابْتِدَاء وَلَا يدْخل الِانْتِهَاء،
وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد: يدخلَانِ جَمِيعًا. وَعند
زفر: لَا يدخلَانِ جَمِيعًا، فَالَّذِي يلْزمه عِنْد أبي
حنيفَة تِسْعَة، وَعِنْدَهُمَا عشرَة، وَعند زفر
ثَمَانِيَة.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ الْمُسْتَفَاد من حَدِيث
مُعَاوِيَة فِي هَذَا الْبَاب: أَن يَقُول السَّامع من
الْمُؤَذّن مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن إلاَّ فِي
الحيعلتين، وَاخْتصرَ البُخَارِيّ حَدِيث مُعَاوِيَة
هَهُنَا، وَقد روى حَدِيثه بِأَلْفَاظ مُخْتَلفَة،
وَلِهَذَا قَالَ أَبُو عمر: حَدِيث مُعَاوِيَة فِي هَذَا
الْبَاب مُضْطَرب الْأَلْفَاظ، بَيَان ذَلِك أَنه روى مثل
مَا يَقُول طَائِفَة، وَهُوَ أَن يَقُول مثل مَا يَقُول
الْمُؤَذّن من أول الْأَذَان إِلَى آخِره، رُوِيَ هَذَا
عَن الطَّحَاوِيّ: حَدثنَا مُحَمَّد بن خُزَيْمَة، قَالَ:
حَدثنَا مُحَمَّد بن عبد الله الْأنْصَارِيّ، قَالَ:
حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو اللَّيْثِيّ عَن أَبِيه عَن
جده، قَالَ: (كُنَّا عِنْد مُعَاوِيَة فَأذن الْمُؤَذّن،
فَقَالَ مُعَاوِيَة: سَمِعت النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول: إِذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّن يُؤذن فَقولُوا
مثل مقَالَته) . أَو كَمَا قَالَ، وروى عَنهُ: (مثل مَا
يَقُول) ، طَائِفَة أُخْرَى، وَهُوَ أَن يَقُول مثل مَا
يَقُول الْمُؤَذّن فِي كل شَيْء إِلَّا قَوْله: حى على
الصَّلَاة حى على الْفَلاح، فَإِنَّهُ يَقُول فيهمَا: لَا
حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، ثمَّ يتم الْأَذَان،
وَهُوَ رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) : حَدثنَا
معَاذ بن الْمثنى، قَالَ: حَدثنَا مُسَدّد حَدثنَا يحيى
عَن مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أَبِيه عَن جده، قَالَ: (أذن
الْمُؤَذّن عِنْد مُعَاوِيَة فَقَالَ: الله أكبر الله
أكبر، قَالَ مُعَاوِيَة الله اكبر الله اكبر: أشهد أَن لَا
إِلَه إِلَّا الله، قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا
الله. فَقَالَ: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. قَالَ:
أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله. فَقَالَ: حَيّ على
الصَّلَاة، قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه،
فَقَالَ: حَيّ على الْفَلاح، قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة
إِلَّا بِاللَّه. فَقَالَ: الله أكبر الله أكبر، قَالَ
مُعَاوِيَة: الله أكبر الله أكبر. ثمَّ قَالَ: هَكَذَا
سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَرُوِيَ
عَنهُ: مثل مَا يَقُول، طَائِفَة أُخْرَى، وَهُوَ أَن
يَقُول مثل مَا يَقُول الْمُؤَذّن فِي التَّشَهُّد
وَالتَّكْبِير دون سَائِر الْأَلْفَاظ، وَهُوَ رِوَايَة
عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) : عَن ابْن عُيَيْنَة عَن
مجمع الْأنْصَارِيّ أَنه سمع أَبَا أُمَامَة بن سهل بن
حنيف حِين سمع الْمُؤَذّن كبر وَتشهد بِمَا تشهد بِهِ،
ثمَّ قَالَ: هَكَذَا حَدثنَا مُعَاوِيَة أَنه سمع رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُول كَمَا يَقُول
الْمُؤَذّن، فَإِذا قَالَ: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول
الله، فَقَالَ: وَأَنا أشهد، ثمَّ سكت. وروى عَنهُ: مثل
مَا يَقُول طَائِفَة أُخْرَى، وَهُوَ أَن يَقُول مثل مَا
يَقُول الْمُؤَذّن حَتَّى يبلغ: حَيّ على الصَّلَاة حَيّ
على الْفَلاح، فَيَقُول: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا
بِاللَّه، بدل كل مِنْهُمَا مرَّتَيْنِ، على حسب مَا
يَقُول الْمُؤَذّن، ثمَّ لَا يزِيد على ذَلِك، وَلَيْسَ
عَلَيْهِ أَن يخْتم الْأَذَان، وَهُوَ رِوَايَة
البُخَارِيّ
(5/119)
عَن معَاذ بن فضَالة الْمَذْكُور فِي هَذَا
الْبَاب الخ.
ثمَّ مَذَاهِب الْعلمَاء فِي ذَلِك، فَقَالَ النَّخعِيّ
وَالشَّافِعِيّ وَأحمد فِي رِوَايَة وَمَالك فِي رِوَايَة:
يَنْبَغِي لمن سمع الْأَذَان أَن يَقُول كَمَا يَقُول
الْمُؤَذّن حَتَّى يفرغ من أَذَانه، وَهُوَ مَذْهَب أهل
الظَّاهِر أَيْضا. وَقَالَ الثَّوْريّ وَأَبُو حنيفَة
وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَأحمد فِي الْأَصَح، وَمَالك
فِي رِوَايَة: يَقُول سامع الْأَذَان مثل مَا يَقُول
الْمُؤَذّن إِلَّا فِي الحيعلتين فَإِنَّهُ يَقُول فيهمَا:
لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه. وَاحْتَجُّوا بِمَا
رَوَاهُ مُسلم: حَدثنِي إِسْحَاق بن مَنْصُور، قَالَ:
أخبرنَا أَبُو جَعْفَر مُحَمَّد ابْن جَهْضَم الثَّقَفِيّ،
قَالَ: حَدثنَا إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن عمَارَة بن
غزيَّة عَن حبيب بن عبد الله بن أساف عَن حَفْص بن عَاصِم
بن عمر بن الْخطاب عَن أَبِيه عَن جده عمر بن الْخطاب،
قَالَ: (قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: إِذا
قَالَ الْمُؤَذّن: الله أكبر الله أكبر، فَقَالَ أحدكُم:
الله أكبر الله أكبر، ثمَّ قَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه
إِلَّا الله، فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله،
ثمَّ قَالَ: أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَقَالَ:
أشهد أَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، ثمَّ قَالَ: حَيّ على
الصَّلَاة، فَقَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا
بِاللَّه، ثمَّ قَالَ: حَيّ على الْفَلاح، فَقَالَ: لَا
حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، ثمَّ قَالَ: الله أكبر
الله أكبر. فَقَالَ: الله أكبر الله أكبر. ثمَّ قَالَ: لَا
إِلَه إِلَّا الله، فَقَالَ: لَا إل هـ إلاَّ اللَّهُ، من
قلبه دخل الْجنَّة) وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ
والطَّحَاوِي. قَوْله: (من قلبه) أَي: قَالَ ذَلِك خَالِصا
من قلبه، لِأَن الأَصْل فِي القَوْل وَالْفِعْل
وَالْإِخْلَاص.
613 - حدَّثنا إسْحَاقُ بنُ رَاهَوَيْهِ قَالَ حدَّثنا
وَهْبُ بنُ جَرِيرٍ قَالَ حدَّثنا هشامٌ عنْ يَحْيَى
نحْوَهُ. قَالَ يحْيى وحدَّثني بَعْضُ إخْوانِنا أنَّهُ
قَالَ لمَّا قَالَ حَيَّ عَلى الصَّلاَةِ قَالَ لاَ حَوْلَ
ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّهِ وَقَالَ هَكَذَا سَمِعْنَا
نَبِيَّكُمْ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَقُولُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة مثل مُطَابقَة الحَدِيث السَّابِق.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: إِسْحَاق: هُوَ ابْن
رَاهَوَيْه. قَالَ الغساني: قَالَ ابْن السكن: كل مَا روى
البُخَارِيّ عَن إِسْحَاق غير مَنْسُوب فَهُوَ ابْن
رَاهَوَيْه، وَكَذَلِكَ صرح بِهِ أَبُو نعيم فِي (مستخرجه)
وَأخرجه من طَرِيق عبد الله بن شيرويه عَنهُ. الثَّانِي:
وهب بن جرير، بِفَتْح الْجِيم: وَقد مر غير مرّة.
الثَّالِث: هِشَام الدستوَائي. الرَّابِع: يحيى بن أبي
كثير.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع،
وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي
مَوضِع. وَفِيه: القَوْل فِي خَمْسَة مَوَاضِع. وَفِيه:
السماع بِصِيغَة الْجمع.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (نَحوه) أَي: نَحْو التحديث
الْمَذْكُور بِالْإِسْنَادِ الْمُتَقَدّم. قَوْله: (قَالَ
يحيى، وحَدثني بعض إِخْوَاننَا) هَذَا من بَاب الرِّوَايَة
عَن الْمَجْهُول. قَالَ الْكرْمَانِي: قيل المُرَاد بِهِ
الْأَوْزَاعِيّ، وَقَالَ بَعضهم: وَفِيه نظر، لِأَن
الظَّاهِر أَن قَائِل ذَلِك ليحيى حَدثهُ بِهِ عَن
مُعَاوِيَة، وَأَيْنَ عصر الْأَوْزَاعِيّ من عصر
مُعَاوِيَة؟ انْتهى.
قلت: أخرج الطَّحَاوِيّ حَدِيث مُعَاوِيَة هَذَا من أَربع
طرق: الأول: من حَدِيث مُحَمَّد بن عَمْرو اللَّيْثِيّ عَن
أَبِيه عَن جده، قَالَ: كُنَّا عِنْد مُعَاوِيَة ...
الحَدِيث، وجده عَلْقَمَة ابْن وَقاص الْمدنِي، روى لَهُ
الْجَمَاعَة. وَالثَّانِي: كَذَلِك، وَلَفظه: أَن
مُعَاوِيَة قَالَ مثل ذَلِك، ثمَّ قَالَ: هَكَذَا قَالَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. والثاالث: عَن
عَمْرو بن يحيى عَن عبد الله بن عَلْقَمَة، قَالَ: كنت
جَالِسا إِلَى جنب مُعَاوِيَة، فَذكر مثله، ثمَّ قَالَ
مُعَاوِيَة: هَكَذَا سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يَقُول. وَالرَّابِع: عَن عَمْرو بن يحيى أَن عِيسَى
بن عَمْرو أخبرهُ عَن عبد الله بن عَلْقَمَة بن وَقاص،
فَذكر نَحوه. وَأخرجه الدَّارمِيّ فِي (سنَنه) : حَدثنَا
سعيد بن عَامر حَدثنَا مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أَبِيه عَن
جده: أَن مُعَاوِيَة سمع الْمُؤَذّن قَالَ: الله أكبر الله
أكبر فَقَالَ مُعَاوِيَة: الله أكبر الله أكبر) الحَدِيث.
وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير) من حَدِيث دَاوُد
بن عبد الرَّحْمَن الْعَطَّار: حَدثنِي عَمْرو بن يحيى عَن
عبد الله بن عَلْقَمَة بن وَقاص عَن أَبِيه قَالَ: كنت
جَالِسا مَعَ مُعَاوِيَة ... الحَدِيث. وَأخرجه
الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة) من حَدِيث ابْن جريج،
قَالَ: أخبرنَا عَمْرو بن يحيى الْمَازِني عَن عِيسَى بن
عَمْرو أخبرهُ عَن عبد الله بن عَلْقَمَة بن وَقاص، قَالَ:
(أَنِّي لعِنْد مُعَاوِيَة) الحَدِيث. وَأخرجه
النَّسَائِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن عَلْقَمَة عَن
أَبِيه عَلْقَمَة بن وَقاص عَن مُعَاوِيَة. وَكَذَلِكَ
أخرجه ابْن خُزَيْمَة، وَأخرج أَيْضا من طَرِيق يحيى
الْقطَّان عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة عَن أَبِيه
عَن جده، قَالَ: كنت عِنْد مُعَاوِيَة ... الحَدِيث. وَفِي
هَذِه الطّرق كلهَا الرَّاوِي عَن مُعَاوِيَة هُوَ
عَلْقَمَة بن وَقاص، وَعَن عَلْقَمَة ابْنه عبد الله،
وَابْنه عَمْرو، وَيحيى بن أبي كثير إِن كَانَ أدْرك
عَلْقَمَة فَالْمُرَاد من قَوْله: بعض اخواننا هُوَ:
عَلْقَمَة، وَأَن لم يدْرك فَالْمُرَاد غَالِبا أحد ابْني
عَلْقَمَة، وهما: عبد الله وَعَمْرو، وَالله أعلم. وَقد
روى عَن مُعَاوِيَة أَيْضا نهشل التَّمِيمِي، أخرجه
الطَّبَرَانِيّ بإسنادٍ واهٍ.
(5/120)
ثمَّ إعلم أَن قَوْله: (قَالَ يحيى
وحَدثني) إِلَى آخِره، صورته صُورَة التَّعْلِيق، وَلَيْسَ
بتعليق كَمَا زَعمه بَعضهم، بل هُوَ دَاخل فِي إِسْنَاد
إِسْحَاق، وَلِهَذَا قَالَ الشَّيْخ الْحَافِظ قطب الدّين
فِي (شَرحه) : أَن يحيى رَوَاهُ بالإسنادين،
وَالْبُخَارِيّ أحَال الْإِسْنَاد الأول بقوله: نَحوه، على
الَّذِي قبله، وَالَّذِي قبله لَيْسَ بِتمَام، وَقد ذكرنَا
تَمَامه فِيمَا مضى. قَوْله: (وَلما قَالَ) أَي:
الْمُؤَذّن لما قَالَ الحيعلة يَعْنِي: حَيّ على
الصَّلَاة، قَالَ: أَي مُعَاوِيَة، الحوقلة وَهِي: لَا حول
وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، وَإِنَّمَا لم يذكر حكم
حَيّ على الْفَلاح اكْتِفَاء بِذكر إِحْدَى الحيعلتين عَن
الْأُخْرَى لظُهُوره. قَوْله: (لَا حول وَلَا قُوَّة
إِلَّا بِاللَّه) يجوز فِيهِ خَمْسَة أوجه. الأول: فتحهما
بِلَا تَنْوِين. وَالثَّانِي: فتح الأول وَنصب الثَّانِي
منونا. الثَّالِث: رفعهما منونين. وَالرَّابِع: فتح الأول
وَرفع الثَّانِي منونا. وَالْخَامِس: عَكسه. والحول:
الْحَرَكَة أَي: لَا حَرَكَة وَلَا استطاعة إِلَّا
بِمَشِيئَة الله تَعَالَى، قَالَه ثَعْلَب وَغَيره.
وَقَالَ بَعضهم: لَا حول فِي دفع شَرّ، وَلَا قُوَّة فِي
تَحْصِيل خير، إِلَّا بِاللَّه. وَقيل: لَا حول عَن
مَعْصِيّة الله إِلَّا بعصمته، وَلَا قُوَّة على طَاعَته
إِلَّا بمعونته. وَحكي هَذَا عَن ابْن مَسْعُود، وَحكى
الْجَوْهَرِي لُغَة غَرِيبَة ضَعِيفَة أَنه يُقَال: لَا
حيل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه، بِالْيَاءِ، قَالَ:
والحيل والحول بِمَعْنى. قلت: لَا ينْسب إِلَيْهِ الضعْف
فِي ذَلِك، وَقد ذكر فِي (الْجَامِع) و (الْمُنْتَهى) و
(الموعب) و (الْمُخَصّص) و (الْمُحكم) : الْحول والحيل
والحول وَالْحِيلَة والحويل والمحالة والاحتيال والتحول
والتحيل، كل ذَلِك: جودة النّظر وَالْقدر على التَّصَرُّف،
فَلَا ينْفَرد إِذا بِهَذِهِ اللَّفْظَة. وَقَالَ
الْأَزْهَرِي: يُقَال فِي التَّعْبِير عَن قَوْلهم: لَا
حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه: الحوقلة، وَقَالَ
الْجَوْهَرِي: الحوقلة، فعلى الأول وَهُوَ الْمَشْهُور
الْحَاء وَالْوَاو من الْحول، وَالْقَاف من الْقُوَّة،
وَاللَّام من اسْم الله. وعَلى الثَّانِي: الْحَاء
وَاللَّام من الْحول، وَالْقَاف من الْقُوَّة، وَمثلهَا:
الحيعلة والبسملة والحمدلة والهيللة والسبحلة، فِي حَيّ
على الصَّلَاة وَحي على الْفَلاح، وبسم الله، وَالْحَمْد
لله وَلَا إِلَه إِلَّا الله، وَسُبْحَان الله. وَقَالَ
المطرزي: فِي (كتاب اليواقيت) وَفِي غَيره: إِن
الْأَفْعَال الَّتِي اخذت من أسمائها سَبْعَة وَهِي: بسمل
الرجل، إِذا قَالَ: بِسم الله، وسبحل، إِذا قَالَ:
سُبْحَانَ الله، وحوقل، إِذا قَالَ: لَا حول وَلَا قُوَّة
إِلَّا بِاللَّه، وحيعل، إِذا قَالَ: حَيّ على الْفَلاح.
وَيَجِيء على الْقيَاس: حيصل، إِذا قَالَ: حَيّ على
الصَّلَاة، وَلم يذكر: وحمدل، إِذا قَالَ: الْحَمد لله. و:
هيلل، إِذا قَالَ: لَا أَله إِلَّا الله، و: جعفل، إِذا
قَالَ: جعلت فداءك. زَاد الثعالبي: الطيقلة، إِذا قَالَ:
أَطَالَ الله بَقَاءَك، و: الدمعزة، إِذا قَالَ: أدام الله
عزك. وَقَالَ عِيَاض: قَوْله: الحيصلة على قِيَاس الحيعلة
غير صَحِيح، بل الحيعلة تطلق على حَيّ على الصَّلَاة وَحي
على الْفَلاح، كلهَا حيعلة، وَلَو كَانَ على قِيَاسه فِي
الحيصلة لَكَانَ الَّذِي يُقَال فِي: حَيّ على الْفَلاح،
الحيفلة بِالْفَاءِ، وَهَذَا لم يقل، وَإِنَّمَا الحيعلة
من قَوْلهم: حَيّ على كَذَا، فَكيف وَهُوَ بَاب مسموع لَا
يُقَاس عَلَيْهِ؟ وَانْظُر قَوْله: جعفل، فِي: جعلت فدَاك،
لَو كَانَ على قِيَاس الحيعلة لقَالَ جعلف، إِذْ اللَّام
مُقَدّمَة على الْفَاء، كَذَلِك: والطيقلة، تكون اللَّام
على الْقيَاس قبل الْقَاف، وَالله تَعَالَى أعلم.
(بابُ الدُّعاءِ عِنْدَ النِّدَاءِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء عِنْد تَمام النداء،
وَهُوَ الْأَذَان. وَقَالَ بَعضهم: إِنَّمَا لم يُقَيِّدهُ
بذلك إتباعا لإِطْلَاق الحَدِيث. قلت: لَيْسَ فِي لفظ
الحَدِيث هَذِه اللَّفْظَة، وَفِي لفظ الحَدِيث أَيْضا
مُقَدّر، وإلاَّ يلْزم أَن يَدْعُو وَهُوَ يسمع، وَحَالَة
السماع وَقت الْإِجَابَة، وَالدُّعَاء بعد تَمام السماع.
614 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَيَّاشٍ قَالَ حدَّثنا شُعَيبُ
ابنُ أبي حَمْزَةَ عنْ مُحَمَّدٍ بنِ المُنْكدِرِ عنْ
جابِرِ بنِ عبدِ الله أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ
اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ
والصَّلاَةِ القَائِمَةِ آتٍ مُحَمَّدا الوَسِيلَةَ
والفَضِيلَة وابْعَثْهُ مَقَاما مَحْمُودا الَّذِي
وعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ.
(الحَدِيث 614 طرفه فِي: 4719) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: عَليّ بن عَيَّاش،
بِفَتْح الْعين الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَبعد الْألف شين مُعْجمَة: الْأَلْهَانِي،
بِفَتْح الْهَمْز وَسُكُون اللَّام وبالنون بعد الْألف:
الْحِمصِي، مَاتَ سنة تسع عشرَة وَمِائَتَيْنِ، وَهُوَ من
كبار شُيُوخ البُخَارِيّ. الثَّانِي: شُعَيْب بن أبي
حَمْزَة، بِالْحَاء الْمُهْملَة وَالزَّاي: الْحِمصِي،
وَقد تقدم.
(5/121)
الثَّالِث: مُحَمَّد بن الْمُنْكَدر،
بِوَزْن اسْم الْفَاعِل من الانكدار، وَقد تقدم.
الرَّابِع: جَابر بن عبد الله.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل
فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَلم
يرو عَنهُ أحد من السِّتَّة غَيره، وَقد حدث عَنهُ القدماء
بِهَذَا الحَدِيث، أخرجه أَحْمد فِي (مُسْنده) عَنهُ،
وَرَوَاهُ عَليّ بن الْمَدِينِيّ شيخ البُخَارِيّ مَعَ
تقدمه عَن أَحْمد عَنهُ، أخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ من
طَرِيقه، وَذكر التِّرْمِذِيّ أَن شعيبا تفرد بِهِ عَن
ابْن الْمُنْكَدر، فَهُوَ غَرِيب مَعَ صِحَّته، وَقد توبع
ابْن الْمُنْكَدر عَلَيْهِ عَن جَابر. أخرجه
الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) من طَرِيق أبي الزبير عَن
جَابر نَحوه، وَوَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ:
أَخْبرنِي ابْن الْمُنْكَدر. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين
حمصيين ومدنيين.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عَليّ بن عَيَّاش، وَأخرجه
أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن أَحْمد بن حَنْبَل.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن سهل بن
عَسْكَر، وَإِبْرَاهِيم بن يَعْقُوب. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِيهِ وَفِي الْيَوْم وَاللَّيْلَة عَن عَمْرو بن
مَنْصُور. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن مُحَمَّد بن يحيى
وَالْعَبَّاس بن الْوَلِيد وَمُحَمّد ابْن أبي الْحُسَيْن،
سبعتهم عَن عَليّ بن عَيَّاش،.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (من قَالَ حِين يسمع النداء) ،
أَي: الْأَذَان، وَظَاهر الْكَلَام كَانَ يَقْتَضِي أَن
يُقَال: حِين سمع، بِلَفْظ الْمَاضِي، لِأَن الدُّعَاء
مسنون بعد الْفَرَاغ من الْأَذَان، لَكِن مَعْنَاهُ: حِين
يفرغ من السماع أَو المُرَاد من النداء تَمَامه، إِذْ
الْمُطلق مَحْمُول على الْكَامِل، وَيسمع، حَال لَا
إستقبال، وَيُؤَيِّدهُ حَدِيث عبد الله بن عَمْرو بن
الْعَاصِ، أخرجه مُسلم بِلَفْظ: (قُولُوا مثل مَا يَقُول،
ثمَّ صلوا عَليّ ثمَّ سلوا الله لي الْوَسِيلَة) . فَفِي
هَذَا: إِن ذَلِك إِنَّمَا يُقَال عِنْد فرَاغ الْأَذَان.
قَوْله: (اللَّهُمَّ) ، يَعْنِي: يَا ألله، وَالْمِيم عوض
عَن الْيَاء، فَلذَلِك لَا يَجْتَمِعَانِ. قَوْله: (رب) ،
مَنْصُوب على النداء، وَيجوز رَفعه على أَنه خبر مُبْتَدأ
مَحْذُوف أَي: أَنْت رب هَذِه الدعْوَة، والرب: المربي
المصلح للشأن. وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: ربه يربه فَهُوَ
رب، وَيجوز أَن يكون وَصفا بِالْمَصْدَرِ للْمُبَالَغَة،
كَمَا فِي الْوَصْف بِالْعَدْلِ، وَلم يطلقوا الرب إلاَّ
فِي: الله، وَحده وَفِي غَيره على التَّقْيِيد
بِالْإِضَافَة، كَقَوْلِهِم: رب الدَّار، وَنَحْوه.
قَوْله: (االدعوة) ، بِفَتْح الدَّال وَفِي (الْمُحكم) :
الدعْوَة والدعوة بِالْفَتْح وَالْكَسْر، والمدعاة: مَا
دَعَوْت إِلَيْهِ، وَخص اللحياني بالمفتوحة: الدُّعَاء
إِلَى الْوَلِيمَة. قلت: قَالُوا: الدعْوَة، بِالْفَتْح
فِي الطَّعَام، والدعوة بِالْكَسْرِ فِي النّسَب، والدعوة
بِالضَّمِّ فِي الْحَرْب، وَالْمرَاد: بالدعوة، هَهُنَا
أَلْفَاظ الْأَذَان الَّتِي يدعى بهَا الشَّخْص إِلَى
عبَادَة الله تَعَالَى. وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ: من
طَرِيق مُحَمَّد بن عَوْف عَن عَليّ ابْن عَيَّاش:
اللَّهُمَّ إِنِّي أَسأَلك بِحَق هَذِه الدعْوَة،
وَالْمرَاد بهَا: دَعْوَة التَّوْحِيد، كَقَوْلِه
تَعَالَى: {لَهُ دَعْوَة الْحق} (الرَّعْد: 14) . قَوْله:
(التَّامَّة) صفة للدعوة، وصفت بالتمام لِأَن الشّركَة
نقص، وَقيل: مَعْنَاهَا الَّتِي لَا يدخلهَا تَغْيِير
وَلَا تَبْدِيل، بل هِيَ بَاقِيَة إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة. وَقيل: وصفت بالتمام لِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي
تسْتَحقّ صفة التَّمام، وَمَا سواهَا معرض الْفساد.
وَقَالَ ابْن التِّين: وصفت بالتامة لِأَن فِيهَا أتم
القَوْل، وَهُوَ: لَا إِلَه إِلَّا الله. وَقيل:
التَّامَّة الْكَامِلَة، وكمالها أَن لَا يدخلهَا نقص
وَلَا عيب كَمَا يدْخل فِي كَلَام النَّاس. وَقيل: معنى
التَّمام كَونهَا محمية عَن النّسخ بَاقِيَة إِلَى يَوْم
الْقِيَامَة. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: من أَوله إِلَى
قَوْله: مُحَمَّد رَسُول الله، هِيَ الدعْوَة التَّامَّة.
قَوْله: (وَالصَّلَاة الْقَائِمَة) أَي: الدائمة الَّتِي
لَا يغيرها مِلَّة وَلَا ينسخها شَرِيعَة، وَأَنَّهَا
قَائِمَة مَا دَامَت السَّمَوَات وَالْأَرْض. قَوْله:
(آتٍ) أَي: أعْط وَهُوَ أَمر من الإيتاء، وَهُوَ
الْإِعْطَاء. قَوْله: (الْوَسِيلَة) وَهِي فِي اللُّغَة:
مَا يتَقرَّب بِهِ إِلَى الْغَيْر والمنزلة عِنْد الْملك،
يُقَال: وسل فلَان إِلَى ربه وَسِيلَة، وتوسل إِلَيْهِ
بوسيلة: إِذا تقرب بِعَمَل، وَهِي على وزن فعيلة، وَتجمع
على: وَسَائِل ووسل، وفسرها فِي حَدِيث مُسلم بِأَنَّهَا:
منزلَة فِي الْجنَّة، حَدثنَا مُحَمَّد بن مسلمة
الْمرَادِي حَدثنَا عبد الله بن وهب عَن حَيْوَة وَسَعِيد
بن أبي أَيُّوب وَغَيرهمَا عَن كَعْب بن عَلْقَمَة عَن عبد
الرَّحْمَن بن جُبَير: (عَن عبد الله بن عَمْرو بن
الْعَاصِ أَنه سمع رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: إِذا سَمِعْتُمْ الْمُؤَذّن فَقولُوا مثل مَا
يَقُول، ثمَّ صلوا عَليّ فَإِنَّهُ من صلى عَليّ صَلَاة
صلى الله تَعَالَى عَلَيْهِ بهَا عشرا. ثمَّ سلوا الله لي
الْوَسِيلَة، فَإِنَّهَا منزلَة فِي الْجنَّة لَا تنبغي
لأحد إلاَّ لعبد من عباد الله، وَأَرْجُو أَن أكون أَنا
هُوَ، فَمن سَأَلَ الله لي الْوَسِيلَة حلت لَهُ
الشَّفَاعَة) . وَأخرجه أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ إيضا
وَأخرجه الطَّحَاوِيّ وَلَفظه: (فَإِنَّهَا منزلَة فِي
الْجنَّة) ، فالمنزل والمنزلة وَاحِد، وَهِي المنهل
وَالدَّار. قَوْله: (والفضيلة) أَي: الْمرتبَة الزَّائِدَة
على سَائِر الْخَلَائق، وَيحْتَمل أَن تكون الْفَضِيلَة
منزلَة أُخْرَى. وَقَالَ بَعضهم: أَو تكون تَفْسِيرا
للوسيلة. قلت: لَا إِبْهَام فِي الْوَسِيلَة مَعَ أَنَّهَا
بيّنت فِي الحَدِيث الَّذِي رُوِيَ عَن عبد الله بن
عَمْرو. قَوْله: (مقَاما مَحْمُودًا) انتصاب مقَاما
(5/122)
على أَن يُلَاحظ معنى الْإِعْطَاء فِي
الْبَعْث، فحينئذٍ يكون مَفْعُولا ثَانِيًا لَهُ، وَذكر
الْكرْمَانِي فِيهِ وُجُوهًا أُخْرَى مَا تمشي إِلَّا
بالتعسف، وَقد استبعد بَعضهم بِأَن قَالَ: نصب على
الظَّرْفِيَّة، وَهُوَ مَكَان غير مُبْهَم، فَلَا يجوز أَن
يقدر فِيهِ كلمة: فِي. فَإِن قلت: مَا وَجه التنكير فِيهِ؟
قلت: ليَكُون حِكَايَة عَن لفظ الْقُرْآن. وَقَالَ
الطَّيِّبِيّ: إِنَّمَا نكر لِأَنَّهُ أفحم وأجزل،
كَأَنَّهُ قيل: مقَاما، أَي: مقَاما مَحْمُودًا بِكُل
لِسَان. وَقَالَ النَّوَوِيّ: ثبتَتْ الرِّوَايَة
بالتنكير. قلت: وَقع فِي رِوَايَة النَّسَائِيّ وَابْن
خُزَيْمَة وَغَيرهمَا: الْمقَام الْمَحْمُود، بِالْألف
وَاللَّام. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: الْأَكْثَر على أَن
المُرَاد يالمقام الْمَحْمُود: الشَّفَاعَة. وَقيل: إجلاسه
على الْعَرْش. وَقيل: على الْكُرْسِيّ وَقيل: مَعْنَاهُ:
الَّذِي يحمده الْقَائِم فِيهِ وكل من رَآهُ وعرفه، وَهُوَ
مُطلق فِي كل مَا يجلب الْحَمد من أَنْوَاع الكرامات.
وَعَن ابْن عَبَّاس: مقَام يحمدك فِيهِ الْأَولونَ
وَالْآخرُونَ، وتشرف فِيهِ على جَمِيع الْخَلَائق، تُسأل
فتعطي، لَيْسَ أحدا إلاَّ تَحت لوائك. وَعَن أبي هُرَيْرَة
عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: هُوَ الْمقَام
الَّذِي أشفع فِيهِ لأمتي. فَإِن قلت: قد وعده الله
بالْمقَام الْمَحْمُود، وَهُوَ لَا يخلف الميعاد، فَمَا
الْفَائِدَة فِي دُعَاء الْأمة بذلك؟ قلت: أما لطلب
الدَّوَام والثبات، وَإِمَّا للْإِشَارَة إِلَى جَوَاز
دُعَاء الشَّخْص لغيره، والاستعانة بدعائه فِي حَوَائِجه،
وَلَا سِيمَا من الصَّالِحين. قَوْله: (الَّذِي وعدته) بدل
من قَوْله: مقَاما، أَو مَرْفُوع بِتَقْدِير: هُوَ، أَو
مَنْصُوب على الْمَدْح. فَإِن قلت: هَل يجوز أَن يكون صفة
للمقام؟ قلت: أَن قُلْنَا: الْمقَام الْمَحْمُود، صَار
علما لذَلِك الْمقَام يجوز أَن يكون صفة، وإلاَّ لَا يجوز
لِأَنَّهُ نكرَة. وَأما على رِوَايَة النَّسَائِيّ:
الْمقَام الْمَحْمُود، فَيجوز بِلَا نزاع، وَالْمرَاد
بالوعد، مَا قَالَه تَعَالَى: {عَسى أَن يَبْعَثك رَبك
مقَاما مَحْمُودًا} (الْإِسْرَاء: 79) . وَأطلق عَلَيْهِ:
الْوَعْد، لِأَن عَسى من الله وَاقع، وَلَيْسَ على بَابه
فِي حق الله تَعَالَى، وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ:
(الَّذِي وعدته إِنَّك لَا تخلف الميعاد) . قَوْله: (حلت
شَفَاعَتِي) ، جَوَاب: من. وَمعنى: حلت أَي: اسْتحقَّت،
وَيكون من الْحَلَال لِأَنَّهُ من كَانَ الشَّيْء حَلَاله
كَانَ مُسْتَحقّا لذَلِك، وَبِالْعَكْسِ، وَيجوز أَن يكون
من الْحُلُول بِمَعْنى النُّزُول، وَتَكون اللَّام
بِمَعْنى: على، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة مُسلم: (حلت
عَلَيْهِ) ، وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ من حَدِيث ابْن
مَسْعُود: (وَجَبت لَهُ) ، وَلَا يجوز أَن يكون من الْحل
خلاف الْحُرْمَة، لِأَنَّهَا لم تكن قبل ذَلِك مُحرمَة.
فَإِن قيل: كَيفَ جعل ذَلِك ثَوابًا بالقائل ذَلِك مَعَ
أَنه ثَبت أَن الشَّفَاعَة للمذنبين؟ وَأجِيب: بِأَن
للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شفاعات مُتعَدِّدَة:
كإدخال الْجنَّة بِغَيْر حِسَاب، وَرفع الدَّرَجَات،
فَيشفع لكل أحد بِمَا يُنَاسب حَاله. وَنقل القَاضِي
عِيَاض عَن بعض شُيُوخه: أَنه كَانَ يرى تَخْصِيص ذَلِك
بِمن قَالَ مخلصا مستحضرا لجلال الله تَعَالَى، لَا بِمن
قصد بذلك مُجَرّد الثَّوَاب وَنَحْو ذَلِك، وَهَذَا
مُجَرّد تحكم، فَلَيْسَ بمناسب. وَقَالَ بَعضهم: وَلَو
كَانَ أخرج من ذَلِك الغافل اللاهي لَكَانَ أشبه، وَفِيه
نظر أَيْضا على مَا لَا يخفى.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: الحض على الدُّعَاء فِي
أَوْقَات الصَّلَاة حِين تفتح أَبْوَاب السَّمَاء للرحمة،
وَقد جَاءَ: (ساعتان لَا يرد فيهمَا الدُّعَاء: حَضْرَة
النداء بِالصَّلَاةِ، وحضرة الصَّفّ فِي سَبِيل الله) .
فدلهم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على أَوْقَات الْإِجَابَة.
فَإِن قلت: هَل الْإِتْيَان بِهَذِهِ الْأَلْفَاظ
الْمَذْكُورَة سَببا لاسْتِحْقَاق الشَّفَاعَة، أَو
غَيرهَا يقوم مقَامهَا؟ قلت: روى الطَّحَاوِيّ من حَدِيث
عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَن
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَالَ: (مَا من
مُسلم يَقُول، إِذا سمع النداء، فيكبر الْمُنَادِي فيكبر،
ثمَّ يشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك
لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا رَسُول الله، فَيشْهد على ذَلِك
ثمَّ يَقُول: اللَّهُمَّ أعْط مُحَمَّدًا الْوَسِيلَة
واجعله فِي الأعلين دَرَجَته، وَفِي المصطفين محبته، وَفِي
المقربين ذكره إلاَّ وَجَبت لَهُ شَفَاعَتِي يَوْم
الْقِيَامَة) . وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ أَيْضا. قَوْله:
(واجعله) أَي: وَاجعَل لَهُ دَرَجَة فِي الأعلين، وَهُوَ
جمع أَعلَى، وَهُوَ صفة من يعقل هَهُنَا لِأَن المُرَاد
مِنْهُم الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام،
فَلذَلِك جمع بِالْوَاو وَالنُّون، فإعرابه بِالْوَاو
حَالَة الرّفْع وبالياء حالتي النصب والجر، وَهَذَا
مَقْصُور، والضمة والكسرة فِيهِ مقدرتان فِي حالتي النصب
والجر. قَوْله: (المصطفين) ، بِفَتْح الْفَاء جمع: مصطفى،
وَهُوَ أَيْضا كَذَلِك بِالْوَاو وبالياء حالتي النصب
والجر، والمصطفى: الْمُخْتَار من الصفوة، وَأَصله مصتفى،
بِالتَّاءِ، فقلبت طاء كَمَا عرف فِي مَوْضِعه. وروى
الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث أم سَلمَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا، أَنَّهَا قَالَت: (عَلمنِي رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ: يَا أم سَلمَة إِذا
كَانَ عِنْد أَذَان الْمغرب فَقولِي: اللَّهُمَّ عِنْد
اسْتِقْبَال ليلك، وإدبار نهارك، وأصوات دعائك، وَحُضُور
صلواتك، إغفر لي) وَأخرجه أَبُو دَاوُد، وَلَفظه:
(اللَّهُمَّ هَذَا إقبال ليلك وإدبار نهارك وأصوات دعائك
فَاغْفِر لي) . وَأخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي (الْكَبِير)
وَفِي آخِره: وَكَانَت إِذا تعارت من اللَّيْل تَقول: رب
إغفر وَارْحَمْ، واهد السَّبِيل الأقوم، وروى أَبُو
(5/123)
الشَّيْخ من حَدِيث ابْن عَبَّاس يرفعهُ:
(من سمع النداء فَقَالَ: أشهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله
وَحده لَا شريك لَهُ، وَأَن مُحَمَّدًا عَبده وَرَسُوله،
أبلغه الدرجَة والوسيلة عنْدك، واجعلنا فِي شَفَاعَته
يَوْم الْقِيَامَة، إلاَّ وَجَبت لَهُ الشَّفَاعَة)
وَفِيه: إِثْبَات الشَّفَاعَة للْأمة صَالحا وطالحا
لزِيَادَة الثَّوَاب أَو إِسْقَاط الْعقَاب، لِأَن
لَفْظَة: من، عَامَّة، فَهُوَ حجَّة على الْمُعْتَزلَة
حَيْثُ خصصوها بالمطيع لزِيَادَة درجاته فَقَط.
(بابُ الاستِهَامِ فِي الأذَانِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الاستهام أَي: الاقتراع
فِي الْأَذَان. قَالَ الْخطابِيّ: وَإِنَّمَا قيل لَهُ
الاستهام: لأَنهم كَانُوا يَكْتُبُونَ أَسْمَاءَهُم على
سِهَام إِذا اخْتلفُوا فِي الشَّيْء، فَمن خرج سَهْمه غلب،
والقرعة أصل من أصُول الشَّرِيعَة فِي حَال من اسْتَوَت
دَعوَاهُم فِي الشَّيْء لترجيح أحدهم، وفيهَا تطبيب
الْقُلُوب.
ويُذْكَرُ أنَّ أقْوَاما اخْتَلَفُوا فِي الآذَانِ
فَأقْرَعَ بَيْنَهُمْ سَعْدٌ
ويروى: (أَن قوما) . قَوْله: (الْأَذَان) أَي: فِي منصب
التأذين، يَعْنِي: اخْتلَافهمْ لم يكن فِي نفس الْأَذَان،
وَإِنَّمَا كَانَ فِي التأذين، وَالْأَذَان يَأْتِي
بِمَعْنى: التأذين، وَسعد هُوَ سعد بن أبي وَقاص، أحد
الْعشْرَة المبشرة، وَكَانَ ذَلِك عِنْد فتح
الْقَادِسِيَّة فِي خلَافَة عمر بن الْخطاب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، فِي سنة خمس عشرَة، وَكَانَ سعد يَوْمئِذٍ
أَمِيرا على النَّاس. وَذكره البُخَارِيّ هَكَذَا
مُعَلّقا، وَأخرجه سعيد ابْن مَنْصُور، وَالْبَيْهَقِيّ من
طَرِيق أبي عبيد، كِلَاهُمَا عَن هشيم عَن عبد الله بن
شبْرمَة قَالَ: تشاح النَّاس فِي الْأَذَان بالقادسية
فاختصموا إِلَى سعد بن أبي وَقاص، فأقرع بَينهم، وَهَذَا
مُنْقَطع، وَقد وَصله سيف بن عمر فِي (الْفتُوح) والطبري
من طَرِيقه: عَنهُ عَن عبد الله بن شبْرمَة عَن شَقِيق
وَهُوَ أَبُو وَائِل قَالَ: افتتحنا الْقَادِسِيَّة صدر
النَّهَار، فتراجعنا وَقد أُصِيب الْمُؤَذّن، فَذكره
وَزَاد: فَخرجت الْقرعَة لرجل مِنْهُم، فَأذن. وَقَالَ
الصغاني: الْقَادِسِيَّة قَرْيَة على طَرِيق الْحَاج على
مرحلة من الْكُوفَة. وَقيل: مر إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، بالقادسية فَوجدَ هُنَاكَ عجوزا،
فغسلت رَأسه فَقَالَ: قدست من أَرض، فسميت:
الْقَادِسِيَّة. وَقيل: سميت بهَا لنزول أهل قادس بهَا،
وقادس قَرْيَة بمروالروذ.
615 - حدَّثنا عَبْدُ اللَّهِ بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنْ سُمَيٍّ مَوْلَى أبِي بَكْرٍ عنْ أبي صَالِحٍ
عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ لَوْ يَعْلمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ
وَالصَّفِّ الأوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إلاَّ أنْ
يَسْتَهِمُوا عليهِ لاستهموا ولَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي
التَّهْجِيرِ لاَسْتَبَقُوا إلَيْهِ ولَوْ يَعْلَمُونَ مَا
فِي العَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لأَتَوْهُمَا ولَوْ حَبْوا. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لَو يعلم النَّاس مَا
فِي النداء) وَهُوَ الْأَذَان.
ذكر رِجَاله وهم خَمْسَة: عبد الله التنيسِي، وَمَالك ابْن
أنس، وَسمي، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم
وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف؛ مولى أبي بكر بن عبد
الرَّحْمَن بن الْحَارِث بن هِشَام الْقرشِي الْمدنِي،
قَتله الحرورية بِقديد سنة ثَلَاثِينَ وَمِائَة، وَأَبُو
صَالح ذكْوَان الزيات.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وَاحِد، وبصيغة الْإِخْبَار كَذَلِك فِي مَوضِع،
وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن
رُوَاته مدنيون مَا خلا شيخ البُخَارِيّ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الشَّهَادَات عَن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم
فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ
فِيهِ عَن إِسْحَاق بن مُوسَى عَن معن بن عِيسَى. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عتبَة بن عبد الله وقتيبة فرقهما
وَعَن الْحَارِث بن مِسْكين عَن عبد الرَّحْمَن بن
الْقَاسِم، سبعتهم عَن مَالك بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (لَو يعلم النَّاس) قَالَ
الطَّيِّبِيّ: وضع الْمُضَارع مَوضِع الْمَاضِي ليُفِيد
اسْتِمْرَار الْعلم. قَوْله: (مَا فِي النداء) أَي:
الْأَذَان، وَهِي رِوَايَة بشر بن عمر عَن مَالك عِنْد
السراج. فَإِن قلت: مَا الْفرق بَين النداء وَالْأَذَان؟
قلت: لَفْظَة الْأَذَان والتأذين أخص من لفظ النداء لُغَة
وَشرعا. وَالْفرق بَين الْأَذَان والتأذين أَن التأذين
يتَنَاوَل جَمِيع مَا يصدر من الْمُؤَذّن من قَول وَفعل
وهيئة وَنِيَّة، وَأما الْأَذَان فَهُوَ حَقِيقَة تعقل
بِدُونِ ذَلِك. قَوْله: (والصف الأول) زَاد أَبُو الشَّيْخ
فِي رِوَايَة لَهُ
(5/124)
من طَرِيق الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة:
(من الْخَيْر وَالْبركَة) ، وَالتَّقْدِير: لَو يعلم
النَّاس مَا فِي الصَّفّ الأول؟ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ:
أطلق مفعول: يعلم، وَهُوَ كلمة: مَا، وَلم يبين
الْفَضِيلَة مَا هِيَ ليُفِيد ضربا من الْمُبَالغَة،
وَأَنه مِمَّا لَا يدْخل تَحت الْوَصْف. قَوْله: (ثمَّ لَا
يَجدونَ) ، هَذِه رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي والحموي، وَفِي
رِوَايَة غَيرهمَا: (لم يَجدوا) . وَقَالَ الْكرْمَانِي:
وَفِي بعض الرِّوَايَات: (لَا يَجدوا) ، ثمَّ قَالَ: جوز
بَعضهم حذف النُّون بِدُونِ الناصب والجازم، قَالَ ابْن
مَالك: حذف نون الرّفْع فِي مَوضِع الرّفْع لمُجَرّد
التَّخْفِيف ثَابت فِي اللُّغَة فِي الْكَلَام الفصيح نظمه
ونثره. قَوْله: (إِلَّا أَن يستهموا عَلَيْهِ) من الاستهام
وَهُوَ الاقتراع، يُقَال: استهموا فسهمهم فلَان سَهْما
إِذا أقرعهم، وَقَالَ صَاحب (الْعين) : الْقرعَة مِثَال
الظلمَة، الاقتراع، وَقد اقترعوا وتقارعوا وقارعته فقرعته
أَي: أصابتني الْقرعَة دونه، وأقرعت بَينهم: إِذا أَمرتهم
أَن يقترعوا، وقارعت بَينهم أَيْضا، وَالْأول أصوب، ذكره
ابْن التياني فِي (الموعب) وَفِي (التَّهْذِيب) لأَبي
مَنْصُور عَن ابْن الْأَعرَابِي: القرع والسبق وَالنَّدْب:
الْخطر الَّذِي يستبق عَلَيْهِ. وَقَالَ النَّوَوِيّ:
مَعْنَاهُ أَنهم لَو علمُوا فَضِيلَة الْأَذَان وعظيم
جَزَائِهِ، ثمَّ لم يَجدوا طَرِيقا يحصلونه بِهِ لضيق
الْوَقْت أَو لكَونه لَا يُؤذن لِلْمَسْجِدِ إلاَّ وَاحِد
لاقترعوا فِي تَحْصِيله. وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: الْمَعْنى:
لَو علمُوا مَا فِي النداء والصف الأول من الْفَضِيلَة،
ثمَّ حاولوا الاستباق، لوَجَبَ عَلَيْهِم ذَلِك، وأتى:
بثم، الْمُؤَذّن بتراخي رُتْبَة الاستباق من الْعلم، وَقدم
ذكر الْأَذَان دلَالَة على تهيء الْمُقدمَة الموصلة إِلَى
الْمَقْصُود الَّذِي هُوَ المثول بَين يَدي رب الْعِزَّة.
قَوْله: (عَلَيْهِ) أَي: على كل وَاحِد من الْأَذَان والصف
الأول، وَقد نَازع ابْن عبد الْبر والقرطبي فِي مرجع
الضَّمِير، فَقَالَ ابْن عبد الْبر: يرجع إِلَى الصَّفّ
الأول لِأَنَّهُ أقرب الْمَذْكُورين. وَقَالَ
الْقُرْطُبِيّ: يلْزم مِنْهُ أَن يبْقى النداء ضائعا لَا
فَائِدَة لَهُ، بل الضَّمِير يعود على معنى الْكَلَام
الْمُتَقَدّم، مثل قَوْله تَعَالَى: {وَمن يفعل ذَلِك يلق
أثاما} (الْفرْقَان: 68) . أَي: جَمِيع مَا ذكر. قلت:
الصَّوَاب مَعَ الْقُرْطُبِيّ، وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ
عبد الرَّزَّاق عَن مَالك بِلَفْظ: (لاستهموا عَلَيْهِمَا)
، فَدلَّ ذَلِك على صِحَة التَّقْدِير الَّذِي قدرناه.
قَوْله: (مَا فِي التهجير) أَي: التَّكْبِير إِلَى
الصَّلَوَات. قَالَه الْهَرَوِيّ: وَقَالَ غَيره: المُرَاد
التبكير بِصَلَاة الظّهْر، يَعْنِي الأتيان إِلَى صَلَاة
الظّهْر فِي أول الْوَقْت، لِأَن التهجير مُشْتَقّ من
الهاجرة وَهِي شدَّة الْحر نصف النَّهَار، وَهُوَ أول وَقت
الظّهْر. قلت: الصَّوَاب مَعَ الْهَرَوِيّ، لِأَن اللَّفْظ
مُطلق وتخصيصه بالاشتقاق لَا وَجه لَهُ. ثمَّ المُرَاد من
التبكير إِلَى الصَّلَوَات التهيء والاستعداد لَهَا، وَلَا
يلْزم من ذَلِك إِقَامَتهَا فِي أول أَوْقَاتهَا، وَكَيف
وَقد أَمر الشَّارِع بالإبراد فِي الظّهْر، والإسفار فِي
الْفجْر؟ وَأَيْضًا الهاجرة تطلق على وَقت الظّهْر إِلَى
أَن يقرب الْعَصْر، فَإِذا أبرد يصدق عَلَيْهِ أَنه هجر
على مَا لَا يخفى. قَوْله: (لاستبقوا إِلَيْهِ) أَي: إِلَى
التهجير. وَقَالَ ابْن أبي حَمْزَة: المُرَاد من الاستباق
التبكير، بِأَن يسْبق غَيره فِي الْحُضُور إِلَى
الصَّلَاة. قَوْله: (مَا فِي الْعَتَمَة) ، وَهِي صَلَاة
الْعشَاء، يَعْنِي: لَو يعلمُونَ مَا فِي ثَوَاب
أَدَائِهَا وَأَدَاء (الصُّبْح لأتوهما وَلَو حبوا) أَي:
وَلَو كَانُوا حابين، من: حبى الصَّبِي إِذا مَشى على
أَربع. قَالَه صَاحب (الْمُجْمل) . وَيُقَال: إِذا مَشى
على يَدَيْهِ أَو رُكْبَتَيْهِ أَو أسته.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: فَضِيلَة الْأَذَان وَقد
ذكرنَا فِيمَا مضى من ذَلِك. وَفِيه: فَضِيلَة الصَّفّ
الأول لاستماع الْقُرْآن إِذا جهر الإِمَام، والتأمين
عِنْد فَرَاغه من الْفَاتِحَة، وَالتَّكْبِير عقيب
تَكْبِير الإِمَام، وَأَيْضًا يحْتَمل أَن يحْتَاج
الإِمَام إِلَى اسْتِخْلَاف عِنْد الْحَدث فَيكون هُوَ
خَلِيفَته، فَحصل لَهُ بذلك أجر عَظِيم، أَو يضْبط صفة
الصَّلَاة وينقلها وَيعلمهَا النَّاس، وروى مُسلم: (خير
صُفُوف الرِّجَال أَولهَا وشرها آخرهَا، وَخير صُفُوف
النِّسَاء آخرهَا وشرها أَولهَا) . وَفِي (الْأَوْسَط)
للطبراني: (اسْتغْفر صلى الله عَلَيْهِ وَسلم للصف الأول
ثَلَاث مَرَّات، وَللثَّانِي مرَّتَيْنِ، وللثالث مرّة) .
وَعَن جَابر بن سَمُرَة من حَدِيث مُسلم: (أَلا تصفون
كَمَا تصف الْمَلَائِكَة عِنْد رَبهَا، يتمون الصَّفّ
الأول؟) وَعند ابْن مَاجَه عَن عَائِشَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهَا: (لَا يزَال قوم يتأخرون عَن الصَّفّ
الأول حَتَّى يؤخرهم الله إِلَى النَّار) . وَعَن عبد
الرَّحْمَن بن عَوْف: (إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على
الصَّفّ الأول) . وَعند ابْن حبَان عَن الْبَراء عَن
عَازِب: (إِن الله وَمَلَائِكَته يصلونَ على الصَّفّ
الأول) . وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ اخْتلف فِي الصَّفّ الأول:
هَل هُوَ الَّذِي يَلِي الإِمَام أَو المبكر؟ وَالصَّحِيح:
أَنه الَّذِي يَلِي الإِمَام، فَإِن كَانَ بَين الإِمَام
وَبَين النَّاس حَائِل، كَمَا أحدث النَّاس المقاصير،
فالصف الأول الَّذِي على الْمَقْصُورَة. وَفِي
(التَّوْضِيح) : الصَّفّ الأول مَا يَلِي الإِمَام، وَلَو
وَقع فِيهِ حَائِل، خلافًا لمَالِك. وَأبْعد من قَالَ:
إِنَّه المبكر، وَلَو جَاءَ رجل وَرَأى الصَّفّ الأول
مسدودا لَا يَنْبَغِي لَهُ أَن يزاحمهم، وَقد
(5/125)
رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس يرفعهُ: (من ترك الصَّفّ الأول
مَخَافَة أَن يُؤْذِي مُسلما أَضْعَف الله لَهُ الْأجر) .
وَفِيه: فَضِيلَة التبكير إِلَى الصَّلَاة. وَفِيه: حث
عَظِيم على حُضُور صَلَاتي الْعَتَمَة وَالصُّبْح،
وَالْفضل الْكثير فِي ذَلِك لما فيهمَا من الْمَشَقَّة على
النَّفس من تنقيص أول النّوم وَآخره. وَفِيه: تَسْمِيَة
الْعشَاء بالعتمة. فَإِن قلت: قد ثَبت النَّهْي عَنهُ.
قلت: هَذِه التَّسْمِيَة لبَيَان الْجَوَاز وَإِن النَّهْي
لَيْسَ للتَّحْرِيم وَأَيْضًا اسْتِعْمَال الْعَتَمَة
هَهُنَا لمصْلحَة، لِأَن الْعَرَب كَانَت تسْتَعْمل
الْعشَاء فِي الْمغرب، فَلَو قَالَ: مَا فِي الْعشَاء
لحملوها على الْمغرب، ففسد الْمَعْنى، وَفَاتَ
الْمَطْلُوب، فَاسْتعْمل الْعَتَمَة الَّتِي لَا يَشكونَ
فِيهَا، فقواعد الشَّرْع متظاهرة على احْتِمَال اخف
المفسدتين لدفع أعظمهما. وَفِيه: أَن الصَّفّ الثَّانِي
أفضل من الثَّالِث، وَالثَّالِث أفضل من الرَّابِع وهلم
جرا. وَفِيه: دلَالَة لمشروعية الْقرعَة. وَفِيه: مَا
اسْتدلَّ بِهِ بَعضهم لمن قَالَ بالاقتصار على مُؤذن
وَاحِد، وَهَذَا لَيْسَ بِظَاهِر لصِحَّة إستهام أَكثر من
وَاحِد فِي مُقَابلَة أَكثر من وَاحِد، وَزعم بعض من شرح
الحَدِيث الْمَذْكُور أَن المُرَاد بالاستهام هَهُنَا
الترامي بِالسِّهَامِ، وَأَنه أخرج مخرج الْمُبَالغَة،
واستأنس لذَلِك بِحَدِيث: (لتجالدوا عَلَيْهِ
بِالسُّيُوفِ) . قلت: الَّذِي قَصده البُخَارِيّ، وَذهب
إِلَيْهِ هُوَ، الْأَوْجه وَالْأولَى، وَلذَلِك اسْتشْهد
بقضية سعد، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. |