عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 22 - (بابٌ مَتَى يَقُومُ النَّاسُ إذَا
رَأوُا الإِمامَ عِنْدَ الإِقَامَةِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ مَتى تقوم الْجَمَاعَة إِذا
رَأَوْا الإِمَام عِنْد إِقَامَة الصَّلَاة، وَحَدِيث
الْبَاب يبين ذَلِك.
637 - حدَّثنا مُسْلِمُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا
هِشَامٌ قَالَ كَتَبَ إلَيَّ يَحْيَى عنْ عَبْدِ الله بنِ
أبي قَتَادَةَ عنْ أبِيهِ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذا أُقِيمَتِ االصَّلاَةُ فَلاَ
تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي ي: 638، 909) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن معنى الحَدِيث أَن
الْجَمَاعَة لَا يقومُونَ عِنْد الْإِقَامَة إلاَّ حِين
يرَوْنَ أَن الإِمَام قَامَ، وَقد بَين ذَلِك معنى
التَّرْجَمَة الَّتِي فِيهَا الِاسْتِفْهَام عَن وَقت قيام
النَّاس إِلَى الصَّلَاة، وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِي وَقت
قيام النَّاس إِلَى الصَّلَاة على مَا نبينه عَن قريب إِن
شَاءَ الله تَعَالَى.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة، قد ذكرُوا. و: هِشَام هُوَ
الدستوَائي، وَأَبُو قَتَادَة الْحَارِث بن ربعي.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه:
الْكِتَابَة وَهِي طَرِيق من طرق الحَدِيث، وَهُوَ أَن
يكْتب مسموعه لغَائِب أَو حَاضر إِمَّا أَن تكون مقرونة
بِالْإِجَازَةِ أَو لَا، وَذَلِكَ عِنْدهم مَعْدُود فِي
الْمسند الْمَوْصُول، وَظَاهر قَوْله: (كتب إِلَيّ يحيى)
أَنه لم يسمعهُ مِنْهُ، وَقد رَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من
طَرِيق هشيم عَن هِشَام وحجاج الصَّواف، وَكِلَاهُمَا عَن
يحيى، وَهُوَ من تَدْلِيس الصِّيَغ، وَصرح أَبُو نعيم فِي
(الْمُسْتَخْرج) من وَجه آخر: عَن هِشَام أَن يحيى كتب
إِلَيْهِ أَن عبد الله بن أبي قَتَادَة حَدثهُ، فأمن من
تَدْلِيس يحيى. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن أبي نعيم عَن شَيبَان عَن يحيى
بِهِ، وَعَن عَمْرو بن عَليّ عَن أبي قُتَيْبَة. وَأخرجه
مُسلم فِيهِ عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم وَعَن ابْن أبي شيبَة عَن إِسْمَاعِيل بن علية
وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعبيد الله بن سعيد. وَأخرجه
أَبُو دَاوُد عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم ومُوسَى بن
إِسْمَاعِيل وَعَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى وَعَن أَحْمد بن
صَالح. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن
مُحَمَّد. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن الْحُسَيْن ابْن
حُرَيْث وَعَن عَليّ بن حجر.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَوْله: (أُقِيمَت الصَّلَاة)
أَي: ذكرت أَلْفَاظ الْإِقَامَة وَنُودِيَ بهَا. قَوْله:
(حَتَّى تروني) أَي: تبصروني خرجت، وَبِه صرح ابْن حبَان
من طَرِيق عبد الرَّزَّاق وَحده: (حَتَّى تروني خرجت) ،
وَلَا بُد فِيهِ من التَّقْدِير، تَقْدِيره: لَا تقوموا
حَتَّى تروني خرجت فَإِذا رَأَيْتُمُونِي خرجت فَقومُوا.
وَقد اخْتلف السّلف مَتى يقوم النَّاس إِلَى الصَّلَاة؟
فَذهب مَالك وَجُمْهُور الْعلمَاء إِلَى أَنه لَيْسَ
لقيامهم حد، وَلَكِن اسْتحبَّ عامتهم الْقيام إِذا أَخذ
الْمُؤَذّن فِي الْإِقَامَة، وَكَانَ أنس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، يقوم إِذا قَالَ الْمُؤَذّن: قد قَامَت
الصَّلَاة وَكبر الإِمَام، وَحَكَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن
سُوَيْد بن غَفلَة، وَكَذَا قيس بن أبي حَازِم وَحَمَّاد،
وَعَن سعيد بن الْمسيب وَعمر بن عبد الْعَزِيز: إِذا قَالَ
الْمُؤَذّن: الله إكبر، وَجب الْقيام، وَإِذا قَالَ: حَيّ
على الصَّلَاة، اعتدلت الصُّفُوف، وَإِذا قَالَ: لَا إِلَه
إِلَّا الله، كبر الإِمَام. وَذَهَبت عَامَّة الْعلمَاء
إِلَى أَنه: لَا يكبر حَتَّى يفرغ الْمُؤَذّن من
الْإِقَامَة. وَفِي (المُصَنّف) : كره هِشَام يَعْنِي ابْن
عُرْوَة أَن يقوم حَتَّى يَقُول الْمُؤَذّن: قد قَامَت
الصَّلَاة، وَعَن يحيى بن وثاب: إِذا فرغ الْمُؤَذّن كبر،
وَكَانَ إِبْرَاهِيم يَقُول: إِذا قَامَت الصَّلَاة كبر،
وَمذهب الشَّافِعِي وَطَائِفَة أَنه يسْتَحبّ أَن لَا يقوم
حَتَّى يفرغ الْمُؤَذّن من الْإِقَامَة، وَهُوَ قَول أبي
يُوسُف، وَعَن
(5/153)
مَالك رَحمَه الله تَعَالَى: السّنة فِي
الشُّرُوع فِي الصَّلَاة بعد الْإِقَامَة وبداية اسْتِوَاء
الصَّفّ. وَقَالَ أَحْمد: إِذا قَالَ الْمُؤَذّن: قد
قَامَت الصَّلَاة، يقوم. وَقَالَ زفر: إِذا قَالَ
الْمُؤَذّن: قد قَامَت الصَّلَاة، مرّة قَامُوا، وَإِذا
قَالَ ثَانِيًا افتتحوا. وَقَالَ أَبُو حنيفَة وَمُحَمّد:
يقومُونَ فِي الصَّفّ إِذا قَالَ: حَيّ على الصَّلَاة،
فَإِذا قَالَ: قد قَامَت الصَّلَاة كبر الإِمَام،
لِأَنَّهُ أَمِين الشَّرْع، وَقد أخبر بقيامها فَيجب
تَصْدِيقه وَإِذا لم يكن الإِمَام فِي الْمَسْجِد فَذهب
الْجُمْهُور إِلَى أَنهم لَا يقومُونَ حَتَّى يروه. فَإِن
قلت: روى مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة: (أُقِيمَت
الصَّلَاة فقمنا فعدلنا الصُّفُوف قبل أَن يخرج إِلَيْنَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَفِي رِوَايَة:
(إِن الصَّلَاة كَانَت تُقَام لرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَيَأْخُذ النَّاس مَصَافهمْ قبل أَن يقوم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مقَامه) . وَفِي
رِوَايَة جَابر بن سَمُرَة: (كَانَ بِلَال يُؤذن، إِذا
دحضت الشَّمْس، فَلَا يُقيم حَتَّى يخرج النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، فَإِذا خرج الإِمَام أَقَامَ الصَّلَاة
حِين يرَاهُ) وَبَين هَذِه الرِّوَايَات مُعَارضَة. قلت:
وَجه الْجمع بَينهمَا: أَن بِلَالًا كَانَ يراقب خُرُوج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من حَيْثُ لَا يرَاهُ
غَيره، أَو إلاَّ الْقَلِيل، فَعِنْدَ أول خُرُوجه يُقيم،
وَلَا يقوم النَّاس حَتَّى يروه، ثمَّ لَا يقوم مقَامه
حَتَّى بِعدْل الصُّفُوف. وَقَوله فِي رِوَايَة أبي
هُرَيْرَة: (فَيَأْخُذ النَّاس مَصَافهمْ قبل خُرُوجه) ،
لَعَلَّه كَانَ مرّة أَو مرَّتَيْنِ أَو نَحْوهمَا،
لبَيَان الْجَوَاز؛ أَو لعذر. وَلَعَلَّ قَوْله، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (فَلَا تقوموا حَتَّى تروني) كَانَ بعد
ذَلِك. قَالَ الْعلمَاء: وَالنَّهْي عَن الْقيام قبل أَن
يروه لِئَلَّا يطول عَلَيْهِم الْقيام، لِأَنَّهُ قد يعرض
لَهُ عَارض فَيتَأَخَّر بِسَبَبِهِ.
23 - (بابٌ لاَ يَسْعَى إلَى الصَّلاَةِ مُسْتَعْجِلاً
وَلْيُقِمْ بِالسَّكِينَةِ والوَقَارِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: لَا يقوم الشَّخْص إِلَى
الصَّلَاة حَال كَونه مستعجلاً، وليقم إِلَى الصَّلَاة
متلبسا بِالسَّكِينَةِ وَالْوَقار، وَقد مر مَعْنَاهُ،
وَالْفرق بَينهمَا، وَهَذَا هَكَذَا هُوَ رِوَايَة
الْحَمَوِيّ، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: بَاب لَا
يسْعَى إِلَى الصَّلَاة، وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ: بَاب
لَا يسْعَى إِلَى الصَّلَاة وَلَا يقوم إِلَيْهَا
مستعجلاً.
638 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ عَنْ
يَحْيَى عنْ عبْدِ الله ابنِ أبي قَتَادَةَ عنْ أبِيهِ
قَالَ قالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا
أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَلاَ تَقُومُوا حَتَّى تَرَوْنِي
وَعَلَيْكُمْ بالسَّكِينَةِ (انْظُر الحَدِيث 637) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَأَبُو نعيم الْفضل بن
دُكَيْن، وشيبان بن عبد الرَّحْمَن النَّحْوِيّ، وَيحيى بن
أبي كثير، وَهَذَا الحَدِيث قد مر عَن مُسلم بن
إِبْرَاهِيم عَن هِشَام عَن يحيى عَن عبد الله بن أبي
قَتَادَة عَن أَبِيه، وَفِي هَذَا زِيَادَة على ذَلِك
وَهُوَ قَوْله: (وَعَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ) ، وَهَذَا
هَكَذَا فِي رِوَايَة أبي ذَر وكريمة، وَفِي رِوَايَة
الْأصيلِيّ وَأبي الْوَقْت: (وَعَلَيْكُم بِالسَّكِينَةِ)
بِحَذْف: الْبَاء، وَكَذَا أخرجه أَبُو عوَانَة من طَرِيق
شَيبَان، وَقد ذكرنَا إِعْرَاب الْوَجْهَيْنِ عَن قريب.
تَابَعَهُ عَلِيُّ بنُ المُبَارَكِ
أَي: تَابع عَليّ بن الْمُبَارك الْبَصْرِيّ شَيبَان عَن
يحيى بن أبي كثير، وَقد وصل البُخَارِيّ هَذِه
الْمُتَابَعَة فِي كتاب الْجُمُعَة، وَلَفظه: (وَعَلَيْكُم
بِالسَّكِينَةِ) بِغَيْر: بَاء. وَقَالَ أَبُو الْعَبَّاس
الطرقي: تفرد شَيبَان وَعلي بن الْمُبَارك عَن يحيى
بِهَذِهِ الزِّيَادَة، ورد عَلَيْهِ ذَلِك، لِأَن
مُعَاوِيَة بن سَلام تابعهما عَن يحيى، ذكره أَبُو دَاوُد
عقيب رِوَايَة أبان عَن يحيى، فَقَالَ: رَوَاهُ مُعَاوِيَة
بن سَلام وَعلي بن الْمُبَارك عَن يحيى وَقَالا فِيهِ:
(حَتَّى تروني وَعَلَيْكُم السكينَة) .
24 - (بابٌ هَلْ يَخْرُجُ مِنَ المَسْجِدِ لِعِلَّةٍ؟)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ: هَل يخرج الرجل من الْمَسْجِد
بعد إِقَامَة الصَّلَاة لأجل عِلّة؟ أَي: ضَرُورَة؟
وَذَلِكَ مثل أَن يكون مُحدثا أَو جنبا أَو كَانَ حاقنا
أَو حصل بِهِ رُعَاف أَو نَحْو ذَلِك، أَو كَانَ إِمَامًا
بِمَسْجِد آخر؟ فَإِن قلت: رُوِيَ (عَن أبي هُرَيْرَة أَنه
رأى رجلا يخرج من الْمَسْجِد بعد أَن أذن الْمُؤَذّن
بالعصر، فَقَالَ: أما هَذَا فقد عصى أَبَا الْقَاسِم) .
رَوَاهُ مُسلم وَالْأَرْبَعَة. قلت: هَذَا مَحْمُول على من
خرج بِغَيْر ضَرُورَة، وَقد أوضح ذَلِك مَا رَوَاهُ
الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) : من طَرِيق سعيد بن
الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَلَفظه: (لَا يسمع النداء فِي مَسْجِدي ثمَّ يخرج
مِنْهُ إِلَّا لحَاجَة ثمَّ لَا يرجع إِلَيْهِ إلاَّ
مُنَافِق.
(5/154)
639 - حدَّثنا عَبْدُ العَزِيزِ بنِ عَبْدِ
الله قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ سَعْدٍ عنْ صالِحِ بنِ
كَيْسَان عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ أبِي سَلَمَةَ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ أنَّ رسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
خَرَجَ وقَدْ أُقِيمَتِ الصَّلاةُ وَعُدِّلَتِ الصُفُوفُ
حَتَّى إذَا قامَ فِي مُصَلاَّهُ انْتَظَرْنا أنْ
يُكَبِّرَ انْصَرَفَ قالَ عَلَى مَكَانِكُمْ فَمَكَثْنَا
عَلَى هَيْئَتِنَا حَتَّى خَرَجَ إلَيْنَا يَنْطُفُ رأسُهُ
مَاء وقَدِ اغْتَسَلَ (انْظُر الحَدِيث 275 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: عبد الْعَزِيز بن عبد الله بن
يحيى أَبُو الْقَاسِم القريشي، وَابْن شهَاب هُوَ مُحَمَّد
بن مُسلم الزُّهْرِيّ.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين: وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه:
القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ
من أَفْرَاده. وَفِيه: رِوَايَة ثَلَاثَة من التَّابِعين
يروي بَعضهم عَن بعض، وهم صَالح بن كيسَان فَإِنَّهُ رأى
عبد الله بن عمر، وَالزهْرِيّ وَأَبُو سَلمَة. وَفِيه: أَن
رُوَاته كلهم مدنيون.
وَأخرج البُخَارِيّ فِي كتاب الْغسْل فِي: بَاب إِذا ذكر
فِي الْمَسْجِد أَنه جنب يخرج كَمَا هُوَ وَلَا يتَيَمَّم:
حَدثنَا عبد الله بن مُحَمَّد، قَالَ: حَدثنَا عُثْمَان بن
عمر، قَالَ: حَدثنَا يُونُس عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي
سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة، قَالَ: (أُقِيمَت الصَّلَاة
وَعدلت الصُّفُوف قيَاما، فَخرج إِلَيْنَا رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذكر
أَنه جنب، فَقَالَ لنا: مَكَانكُمْ، ثمَّ رَجَعَ فاغتسل
ثمَّ خرج إِلَيْنَا وَرَأسه يقطر، فَكبر وصلينا مَعَه) .
وَقد قُلْنَا هُنَاكَ: إِنَّه أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد
وَالنَّسَائِيّ، وتكلمنا بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة، ولنتكلم
هُنَا بِمَا يتَعَلَّق بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور.
فَقَوله: (خرج) أَي: من الْحُجْرَة، وَقَالَ بَعضهم:
يحْتَمل أَن يكون خُرُوجه فِي حَال الْإِقَامَة، وَيحْتَمل
أَن تكون الْإِقَامَة تقدّمت خُرُوجه، وَهُوَ ظَاهر فِي
الرِّوَايَة الَّتِي فِي الْبَاب الَّذِي بعده لتعقيب
الْإِقَامَة بالتسوية، وتعقيب التَّسْوِيَة بِخُرُوجِهِ
جَمِيعًا بِالْفَاءِ. قلت: لَيْسَ فِيهِ الاحتمالان
اللَّذَان ذكرهمَا، بل معنى الْحَدِيثين سَوَاء، لِأَن
الجملتين أَعنِي قَوْله: (وَقد أُقِيمَت الصَّلَاة وَعدلت
الصُّفُوف) . وقعتا حَالين، وَالْمعْنَى أَنه خرج
وَالْحَال أَنهم أَقَامُوا الصَّلَاة وَعدلُوا الصُّفُوف،
وَكَذَلِكَ معنى الحَدِيث الثَّانِي، لِأَن الْفَاء فِيهِ
لَيست للتعقيب كَمَا ظَنّه هَذَا الْقَائِل، وَإِنَّمَا
هَذِه: الْفَاء، تسمى: فَاء الْحَال، وَالْمعْنَى: حَال
إِقَامَة الصَّلَاة وتعديل الصُّفُوف خرج النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت:
السّنة أَن تكون الْإِقَامَة بِنَظَر الإِمَام، فَلم
أُقِيمَت قبل خُرُوجه؟ وَتقدم حَدِيث: (لَا تقوموا حَتَّى
تروني) فلِمَ عدلت الصُّفُوف قبل ذَلِك؟ قلت: لفظ: قد،
يقرب الْمَاضِي من الْحَال، فَمَعْنَاه خرج فِي حَال
الْإِقَامَة، وَفِي حَال التَّعْدِيل فَلَا يلْزم
المحذوران الْمَذْكُورَان أَو علمُوا بالقرائن خُرُوجه،
أَو أذن لَهُ فِي الْإِقَامَة وَلَهُم فِي الْقيام.
انْتهى. قلت: لَا حَاجَة إِلَى قَوْله: بِأَن لفظ: قد،
يقرب الْمَاضِي من الْحَال، لِأَن الْجُمْلَة الَّتِي دخلت
عَلَيْهَا لَفْظَة: قد، حَالية كَمَا ذكرنَا، وَالْأَصْل
أَن الْجُمْلَة الفعلية الْمَاضِيَة إِذا وَقعت حَالا تدخل
عَلَيْهَا: قد، كَمَا تدخل: الْوَاو، على الْجُمْلَة
الإسمية إِذا وَقعت حَالا، وَإِذا دخلت الْجُمْلَة الفعلية
الْوَاقِعَة حَالا عَن لَفْظَة: قد، ظَاهرا تقدر فِيهَا،
كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {أوجاؤكم حصرت صُدُورهمْ}
(النِّسَاء: 90) . أَي: قد حصرت. قَوْله: (وَعدلت) أَي:
سويت. قَوْله: (حَتَّى إِذا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ انتظرناه
أَن يكبر انْصَرف) . وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق
يُونُس عَن الزُّهْرِيّ: (قبل أَن يكبر فَانْصَرف) .
وَفِيه: دَلِيل على أَنه انْصَرف قبل أَن يدْخل فِي
الصَّلَاة. فَإِن قلت: يُعَارضهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَابْن حبَان: (عَن أبي بكرَة ان النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم دخل فِي صَلَاة الْفجْر فَكبر ثمَّ أَوْمَأ
إِلَيْهِم) ، وَمَا رَوَاهُ مَالك من طَرِيق عَطاء بن
يسَار مُرْسلا أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كبر فِي
صَلَاة من الصَّلَوَات ثمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ، أَن: امكثوا
قلت: إِذا قُلْنَا إنَّهُمَا وَاقِعَتَانِ فَلَا تعَارض،
وإلاَّ فَالَّذِي فِي الصَّحِيح أصح. قَوْله: (انتظرنا) ،
جملَة حَالية عَامل فِي الظّرْف. قَوْله: (أَن يكبر) كلمة:
أَن، مَصْدَرِيَّة أَي: انتظرنا تكبيره. قَوْله: (انْصَرف)
أَي: إِلَى الْحُجْرَة، وَهُوَ جَوَاب: إِذا. قَوْله:
(قَالَ) ، اسْتِئْنَاف. قَوْله: (على مَكَانكُمْ) ، أَي:
توقفوا على مَكَانكُمْ والزموا موضعكم. قَوْله:
(فَمَكثْنَا) ، من: الْمكْث، وَهُوَ: اللّّبْث. قَوْله:
(على هيئتنا) ، بِفَتْح الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفتح الْهمزَة بعْدهَا التَّاء الْمُثَنَّاة من
فَوق: أَي: على الْهَيْئَة وَالصُّورَة الَّتِي كُنَّا
عَلَيْهَا، وَهِي: قيامهم فِي الصُّفُوف المعدلة، وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني: (على هينتنا) بِكَسْر الْهَاء
وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون وَكسر
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، والهينة: الرِّفْق والتأني،
وَرِوَايَة الْجَمَاعَة أصوب وأوجه. قَوْله: (ينطف) ،
بِكَسْر الطَّاء وَضمّهَا أَي: يقطر، كَمَا صرح بِهِ فِي
الرِّوَايَة الَّتِي تَأتي بعْدهَا هَذِه، وَهَذِه
الْجُمْلَة حَال، وَكَذَا
(5/155)
قَوْله: (وَقد اغْتسل) ، و: مَاء، نصب على
التَّمْيِيز، وَفِي رِوَايَة الدَّارَقُطْنِيّ من وَجه
آخر: عَن ابي هُرَيْرَة فَقَالَ: (إِنِّي كنت جنبا فنسيت
أَن أَغْتَسِل) .
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من هَذَا الحَدِيث: جَوَاز النسْيَان
على الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فِي
أَمر الْعِبَادَة للتشريع. وطهارة المَاء الْمُسْتَعْمل.
وانتظار الْجَمَاعَة لإمامهم مَا دَامَ فِي سَعَة من
الْوَقْت. وَجَوَاز الْفَصْل بَين الْإِقَامَة وَالصَّلَاة
لِأَن قَوْله: (فصلى) ، ظَاهر فِي أَن الْإِقَامَة لم تعد،
وَالظَّاهِر أَنه مُقَيّد بِالضَّرُورَةِ، وَعَن مَالك:
إِذا بَعدت الْإِقَامَة من الْإِحْرَام تُعَاد. قلت:
الظَّاهِر أَنه إِذا لم يكن لَهُ عذر، وَفِيه: أَنه لَا
حَيَاء فِي أَمر الدّين. وَفِيه: جَوَاز الْكَلَام بَين
الْإِقَامَة وَالصَّلَاة. وَجَوَاز تَأْخِير الْجنب
الْغسْل عَن وَقت الْحَدث. وَفِيه: أَنه لَا يجب على من
احْتَلَمَ فِي الْمَسْجِد فَأَرَادَ الْخُرُوج مِنْهُ أَن
يتَيَمَّم.
25 - (بابٌ إذَا قالَ الإمامُ مكانَكُمْ حَتَّى نَرْجِعَ
انْتَظِرُوه)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا قَالَ الإِمَام
للْجَمَاعَة: إلزموا مَكَانكُمْ حَتَّى نرْجِع. قَوْله:
(انتظروه) على صِيغَة الْمَاضِي جَوَاب إِذا، وَقَالَ
بَعضهم: هَذَا اللَّفْظ فِي رِوَايَة يُونُس عَن
الزُّهْرِيّ كَمَا مضى فِي الْغسْل. قلت: لَيْسَ هَذَا
اللَّفْظ فِي رِوَايَة يُونُس، فَإِن لَفظه: (فَقَالَ لنا:
مَكَانكُمْ، ثمَّ رَجَعَ) . وَلَو قَالَ: هَذَا اللَّفْظ
أَخذه من معنى رِوَايَة يُونُس لَكَانَ أصوب. قَوْله:
(حَتَّى نرْجِع) ، بالنُّون فِي رِوَايَة الْكشميهني،
وبالهمزة: (أرجع) للأصيلي، (وَيرجع) ، بِالْيَاءِ آخر
الْحُرُوف، لبَقيَّة الروَاة، وعل كل حَال: هُوَ مَنْصُوب
بِأَن الْمقدرَة.
640 - حدَّثنا إسْحَاقُ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ
يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا الأوزاعيُّ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ
أبي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عنْ أبي هُرَيْرَةَ
قالَ أقِيمَتِ الصَّلاةُ فَسَوَّى النَّاسُ صُفُوفَهُمْ
فَخَرَجَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَقَدَّمَ
وَهْوَ جنُبٌ ثُمَّ قَالَ عَلَى مكانِكُمْ فاغْتَسَلَ
ثُمَّ خَرَجَ وَرَأْسُهُ يَقطُرُ مَاء فَصَلَّى بِهِمْ.
(انْظُر الحَدِيث 275 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَإِسْحَاق هَذَا وَقع غير
مَنْسُوب فِي جَمِيع الرِّوَايَات، قَالَ الغساني:
لَعَلَّه إِسْحَاق بن مَنْصُور، وَجوزهُ ابْن طَاهِر،
وَجزم بِهِ الْمزي. وَمُحَمّد بن يُوسُف: هُوَ
الْفرْيَابِيّ وَهُوَ شيخ البُخَارِيّ، وَأكْثر
الرِّوَايَة عَنهُ بِغَيْر وَاسِطَة، وَهَهُنَا روى عَنهُ
بِوَاسِطَة، وَالْأَوْزَاعِيّ: هُوَ عبد الرَّحْمَن بن
عَمْرو، وَالزهْرِيّ: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن زُهَيْر بن
حَرْب عَن الْوَلِيد بن مُسلم عَن الْأَوْزَاعِيّ. نَحوه:
(أُقِيمَت الصَّلَاة وصف النَّاس صفوفهم وَخرج رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ مقَامه، فَأَوْمأ
إِلَيْهِم بِيَدِهِ أَن: مَكَانكُمْ، فَخرج وَقد اغْتسل
وَرَأسه يقطر المَاء، فصلى بهم) . وَعَن إِبْرَاهِيم بن
مُوسَى عَن الْوَلِيد بن مُسلم مُخْتَصرا، وَأخرجه أَبُو
دَاوُد فِي الطَّهَارَة عَن مُؤَمل بن الْفضل عَن
الْوَلِيد بن مُسلم نَحْو حَدِيث زُهَيْر بن حَرْب، وَفِي
الصَّلَاة عَن مَحْمُود بن خَالِد وَدَاوُد بن رشيد،
وَكِلَاهُمَا عَن الْوَلِيد بن مُسلم نَحْو حَدِيث
إِبْرَاهِيم ابْن مُوسَى، قَوْله: (فَتقدم وَهُوَ جنب) ،
يَعْنِي: فِي نفس الْأَمر، لَا أَنهم اطلعوا على ذَلِك
مِنْهُ، قبل أَن يعلمهُمْ، وَقد مضى فِي رِوَايَة يُونُس
فِي الْغسْل: (فَلَمَّا قَامَ فِي مُصَلَّاهُ ذكر أَنه
جنب) ، وَفِي رِوَايَة أبي نعيمٍ: (ذكر أَنه لم يغْتَسل) .
قَوْله: (على مَكَانكُمْ) ، أَي: اثبتوا فِي مَكَانكُمْ
وَلَا تفَرقُوا. قَوْله: (فَرجع) أَي: إِلَى الْحُجْرَة.
قَوْله: (وَرَأسه) مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله: (يقطر) ،
وَالْجُمْلَة حَال، و: مَا، نصب على التَّمْيِيز. قَوْله:
(فصلى بهم) ، ظَاهره أَنه لم يَأْمُرهُم بِإِعَادَة
الْإِقَامَة، وَفِي بعض النّسخ بعده، قيل لأبي عبد الله:
إِن بدا لِأَحَدِنَا مثل هَذَا يفعل كَمَا فعل النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قَالَ: فَأَي شَيْء يصنع؟ فَقيل:
ينتظرونه قيَاما وقعودا، قَالَ: إِن كَانَ قبل التَّكْبِير
فَلَا بَأْس، أَن يقعدوا، وَإِن كَانَ بعد التَّكْبِير
ينتظرونه قيَاما.
26 - (بابُ قَوْلِ الرَّجلِ مَا صَلَّيْنا)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ قَول الرجل: مَا صلينَا، وَفِي
بعض النّسخ: بَاب قَول الرجل للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: مَا صلينَا. وَقَالَ ابْن بطال:
(5/156)
فِيهِ رد لقَوْل إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ:
يكره أَن يَقُول الرجل: لم نصل، وَكَرَاهَة النَّخعِيّ
لَيست على إِطْلَاقهَا، بل إِنَّمَا هِيَ فِي حق منتظر
الصَّلَاة، ومنتظر الصَّلَاة فِي الصَّلَاة، فَقَوْل
المنتظر: مَا صلينَا يَقْتَضِي نفي مَا أثْبته الشَّارِع،
فَلذَلِك كرهه، وَالدَّلِيل على ذَلِك أَن البُخَارِيّ لَو
أَرَادَ الرَّد عَلَيْهِ مُطلقًا لصرح بذلك كَمَا صرح
بِالرَّدِّ على ابْن سِيرِين فِي تَرْجَمَة: فاتتنا
الصَّلَاة.
641 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ عنْ
يَحْيَى قَالَ سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ يَقُولُ أخبرنَا
جابِرُ بنُ عَبْدِ الله أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم جاءَهُ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يَوْمَ الخَنْدَقِ
فَقَالَ يَا رسولَ الله وَالله مَا كِدْتُ أنْ أصَلِّيَ
حَتَّى كادَتِ الشَّمْسُ تَغْرُبُ وذَلِكَ بَعْدَ مَا
أفْطَرَ الصَّائِمُ فَقَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وَالله مَا صَلَّيْتُها فَنَزَلَ النبيُّ ألَى
بُطْحَانَ وأنَا مَعَهُ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى يَعْنِي
العَصْرَ بَعْدَ مَا غَرَبَتِ الشَّمْسُ ثُمَّ صَلَّى
بَعْدَهَا المَغْرِبَ. .
قَالَ الْكرْمَانِي: مَا يظْهر من كَلَامه أَن مُطَابقَة
الحَدِيث للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مَا كدت أَن أُصَلِّي)
، وَهُوَ معنى: مَا صليت، بِحَسب عرف الِاسْتِعْمَال،
فَهَذَا قَول عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، للنَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقَالَ بَعضهم: ثمَّ إِن
اللَّفْظ الَّذِي أوردهُ الْمُؤلف وَقع النَّفْي فِيهِ من
قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا من قَول الرجل،
لَكِن فِي بعض طرقه وُقُوع ذَلِك من الرجل أَيْضا، وَهُوَ
عمر كَمَا أوردهُ فِي الْمَغَازِي، وَهَذِه عَادَة
مَعْرُوفَة للمؤلف، يترجم بِبَعْض مَا وَقع فِي طرق
الحَدِيث الَّذِي يَسُوقهُ، وَلَو لم يَقع فِي الطَّرِيق
الَّتِي يوردها فِي تِلْكَ التَّرْجَمَة. انْتهى. قلت:
الَّذِي قَالَه الْكرْمَانِي هُوَ الْأَوْجه لِأَنَّهُ لَا
يحسن أَن يترجم بِبَعْض مَا فِي حَدِيث أورد فِي غير
الْبَاب الَّذِي ترْجم بِهِ، وَالْأَحْسَن أَن تقع
الْمُطَابقَة بَين التَّرْجَمَة والْحَدِيث فِي الْبَاب
الَّذِي ذكره.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة قد ذكرُوا غير مرّة، وَأَبُو
نعيم: الْفضل بن دُكَيْن، وشيبان بن عبد الرَّحْمَن
النَّحْوِيّ وَيحيى ابْن أبي كثير.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار
كَذَلِك فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
وَهَذَا الحَدِيث قد مر فِي: بَاب من صلى بِالنَّاسِ
جمَاعَة بعد ذهَاب الْوَقْت، وَقد اسْتَوْفَيْنَا
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ.
قَوْله: (مَا كدت أَن أُصَلِّي) خبر: كَاد، قد يسْتَعْمل:
بِأَن اسْتِعْمَال: عَسى، وَالْأَصْل عدمهَا، وَقد
اسْتعْمل هَهُنَا على الْوَجْهَيْنِ حَيْثُ قَالَ: (ان
اصلي وتغرب) . قَوْله: (وَذَلِكَ) أَي: القَوْل. قَوْله:
(بَعْدَمَا أفطر الصَّائِم) أَي: بعد الْغُرُوب، قَالَ
الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ يكون الْمَجِيء بعد
الْغُرُوب، وَقد صرح بِأَنَّهُ جَاءَ يَوْم الخَنْدَق؟
قلت: أَرَادَ بِالْيَوْمِ الزَّمَان، كَمَا يُقَال
رَأَيْته يَوْم ولادَة فلَان، وَإِن كَانَت بِاللَّيْلِ،
وَالْغَرَض مِنْهُ بَيَان التَّارِيخ لَا خُصُوصِيَّة
الْوَقْت. قَوْله: (بطحان) ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة
وَسُكُون الطَّاء، وَهُوَ وَاد بِالْمَدِينَةِ، غير منصرف.
27 - (بابُ الإمامِ تَعْرِضُ لَهُ الحاجَةُ بَعْدَ
الإِقَامَةِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ الإِمَام تعرض ... إِلَى
آخِره، و: تعرض، بِكَسْر الرَّاء: أَي، تظهر، وَبعده
مُقَدّر، تَقْدِيره: هَل يُبَاح لَهُ التشاغل بِالْحَاجةِ
قبل الدُّخُول فِي الصَّلَاة أم لَا؟ وَالْحَاصِل: أَنه
يجوز. وَقيد بقوله: (بعد الْإِقَامَة) ، لِأَن قبل
الْإِقَامَة الْجَوَاز بِالطَّرِيقِ الأولى
642 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرِ عَبْدُ الله بنُ عَمْرٍ
وَقَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثَنا عَبْدُ
العَزِيزِ ابنُ صُهَيْبٍ عَنْ أنَسٍ قَالَ أقِيمَتِ
الصَّلاَةُ وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُنَاجِي
رَجُلاً فِي جانِبِ المَسْجِدِ فَما قامَ إلَى الصَّلاَةِ
حَتَّى نَامَ القَوْمُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَنَّهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ناجى ذَلِك الرجل وَالصَّلَاة قد أُقِيمَت،
وَأطَال الْمُنَاجَاة فَهَذَا هُوَ عرُوض الْحَاجة لَهُ،
فَلذَلِك قيد فِي التَّرْجَمَة بِالْإِمَامِ. وَقَالَ ابْن
الْمُنِير: خص الإِمَام بِالذكر يَعْنِي فِي التَّرْجَمَة
مَعَ أَن الحكم عَام. قلت: إِنَّمَا قيدها بِالْإِمَامِ
لتَعلق هَذَا الحكم بِهِ، لِأَن الْمَأْمُوم إِذا عرضت
لَهُ حَاجَة لَا يتَقَيَّد بِهِ غَيره من الْقَوْم،
بِخِلَاف الإِمَام، فَإِنَّهُ إِذا
(5/157)
عرضت لَهُ حَاجَة يتَقَيَّد بِهِ الْقَوْم
جَمِيعًا، وَمَعَ هَذَا فقد أَشَارَ إِلَى بَيَان عُمُوم
الحكم بِالْبَابِ الَّذِي بعده، على مَا يَأْتِي إِن شَاءَ
الله تَعَالَى.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة قد ذكرُوا، وَأَبُو معمر
بِفَتْح الميمين، وَعبد الْوَارِث بن سعيد، وَعبد
الْعَزِيز بن صُهَيْب، بِضَم الصَّاد الْمُهْملَة وَفتح
الْهَاء وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره بَاء
مُوَحدَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن
رُوَاته كلهم بصريون. قَوْله: (عَن أنس) وَفِي رِوَايَة
لمُسلم: (سمع أنسا) .
والْحَدِيث أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن شَيبَان
بن فروخ، وَأَبُو دَاوُد عَن مُسَدّد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أُقِيمَت الصَّلَاة) ، وَكَانَت
صَلَاة الْعشَاء، بَينه حَمَّاد بن ثَابت عَن أنس عَن
مُسلم، ودلت الْقَرِينَة أَيْضا أَنَّهَا كَانَت صَلَاة
الْعشَاء، وَهِي قَوْله: (حَتَّى نَام الْقَوْم) قَوْله
(وَالنَّبِيّ) ، مُبْتَدأ وَخَبره، قَوْله: (يُنَاجِي) ،
وَالْجُمْلَة حَال، وَالْمعْنَى: يُنَاجِي رجلا يحادثه.
وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (وَرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وسلمنجي فِي جَانب الْمَسْجِد) ، يَعْنِي: مناج،
كنديم، بِمَعْنى: منادم، ووزير بِمَعْنى موازر، وَإِنَّمَا
ذكر من بَاب المفاعلة ليدل على أَن الرجل أَيْضا
يُشَارِكهُ فِي الحَدِيث. قيل: لم يعرف اسْم الرجل مَا
هُوَ؟ وَقيل: كَانَ كَبِيرا فِي قومه فَأَرَادَ أَن
يتألفه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، على الْإِسْلَام،
وَلَيْسَ لهَذَا دَلِيل. قلت: لَا يبعد أَن يكون هَذَا
ملكا، وَأنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، رَآهُ فِي صُورَة
رجل. قَوْله: (حَتَّى نَام الْقَوْم) ، وَزَاد شُعْبَة عَن
عبد الْعَزِيز: (ثمَّ قَامَ فصلى) ، وَهَذِه الزِّيَادَة
عِنْد البُخَارِيّ فِي الاسْتِئْذَان، وَلمُسلم أَيْضا.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: ونام الْقَوْم، أَي: نعس بعض
الْقَوْم. قلت: الظَّاهِر أَنه فسر هَذَا هَكَذَا من
عِنْده، وَلكنه وَقع هَكَذَا فِي رِوَايَة ابْن حبَان من
وَجه آخر: عَن أنس، وَوَقع فِي مُسْند إِسْحَاق بن
رَاهَوَيْه: عَن ابْن علية عَن عبد الْعَزِيز فِيهِ:
حَتَّى نعس بعض الْقَوْم، وَلَو كَانَ وَقت الْكرْمَانِي
على هَذَا لَكَانَ أَشَارَ إِلَيْهِ بِوَجْه مَا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ فِيهِ: جَوَاز مُنَاجَاة
الِاثْنَيْنِ بِحُضُور الْجَمَاعَة، وَقَالَ بَعضهم: وَفِي
الحَدِيث جَوَاز مُنَاجَاة الْوَاحِد بِحَضْرَة
الْجَمَاعَة. قلت: بَاب المفاعلة لَا يسند إِلَى
الْوَاحِد، وَلَو كَانَ هَذَا الْقَائِل وقف على مَعَاني
الْأَفْعَال لقَالَ مثل مَا قُلْنَا. وَفِيه: جَوَاز
الْفَصْل بَين الْإِقَامَة وَالْإِحْرَام للضَّرُورَة،
وَقَالَ صَاحب (التَّلْوِيح) وَفِيه: جَوَاز الْكَلَام بعد
الْإِقَامَة، وَإِن كَانَ إِبْرَاهِيم وَالزهْرِيّ وتبعهما
الحنفيون: كَرهُوا ذَلِك، حَتَّى قَالَ بعض أَصْحَاب أبي
حنيفَة: إِذا قَالَ الْمُؤَذّن: قد قَامَت الصَّلَاة وَجب
على الإِمَام التَّكْبِير. وَقَالَ مَالك: إِذا بَعدت
الْإِقَامَة رَأَيْت أَن تُعَاد الْإِقَامَة اسْتِحْبَابا.
قلت: إِنَّمَا كره الْحَنَفِيَّة الْكَلَام بَين
الْإِقَامَة وَالْإِحْرَام إِذا كَانَ لغير ضَرُورَة،
وَأما إِذا كَانَ لأمر من أُمُور الدّين فَلَا يكره.
وَفِيه: جَوَاز تَأْخِير الصَّلَاة عَن أول وَقتهَا.
28 -
بابُ الكَلاَمِ إذَا أُقِيمَتِ الصَّلاةُ أَي: هَذَا بَاب
جَوَاز الْكَلَام لأجل مُهِمّ من الْأُمُور عِنْد إِقَامَة
الصَّلَاة، وَكَأن البُخَارِيّ أَرَادَ بذلك الرَّد على من
كرهه مُطلقًا.
643 - حدَّثنا عَيَّاشُ بنُ الوَلِيدِ قالَ حدَّثنا عَبْدُ
الأعْلى قَالَ حدَّثنا حُمَيْدٌ قالَ سألْتُ ثابِتا
البُنَانِيَّ عنِ الرَّجُلِ يَتَكَلَّمُ بَعْدَ مَا
تُقَامُ الصَّلاَةُ فَحَدَّثَنِي عنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ
قَالَ أُقِيمَتِ الصَّلاَةُ فَعَرَضَ للنبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رَجُلٌ فَحَبَسَهُ بَعْدَ مَا أُقِيمَتِ
الصَّلاَةُ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فحبسه بَعْدَمَا
أُقِيمَت الصَّلَاة) ، لِأَن مَعْنَاهُ: حَبسه عَن
الصَّلَاة بِسَبَب التَّكَلُّم مَعَه.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَيَّاش، بِفَتْح الْعين
الْمُهْملَة وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره
شين مُعْجمَة: ابْن الْوَلِيد، بِفَتْح الْوَاو وَكسر
اللَّام، وَقد تقدم فِي: بَاب الْجنب يخرج. الثَّانِي: عبد
الْأَعْلَى بن عبد الْأَعْلَى السَّامِي، بِالسِّين
الْمُهْملَة، مر فِي: بَاب الْمُسلم من سلم الْمُسلمُونَ.
الثَّالِث: حميد، بِضَم الْحَاء: الطَّوِيل، وَقد تقدم.
الرَّابِع: ثَابت، بالثاء الْمُثَلَّثَة: ابْن أسلم
الْبنانِيّ، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَتَخْفِيف النُّون
وَبعد الْألف نون أُخْرَى مَكْسُورَة، وَهِي نِسْبَة
إِلَى: بنانة، زَوْجَة سعد بن لؤَي بن غَالب ابْن فهر.
وَقيل: كَانَت حاضنة لِبَنِيهِ فَقَط، وَقَالَ ابْن
دُرَيْد فِي (الوشاح) : فِي: بَاب من دخل فِي قبائل
قُرَيْش وهم فيهم إِلَى الْيَوْم؛
(5/158)
وهم الَّذين يُقَال لَهُم: بَنو بنانة،
وبنانة حاضنتهم، وَلَيْسَ بِنسَب. الْخَامِس: أنس بن
مَالك.
ذكر لطائف إِسْنَاده فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع، وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع.
وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَقَوله: عَن الرجل،
لَيْسَ لَهُ تعلق فِي الْإِسْنَاد. وَفِيه: السُّؤَال.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن حميدا
روى هَهُنَا عَن أنس بِوَاسِطَة، وَهُوَ يروي عَنهُ كثيرا
بِلَا وَاسِطَة. وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم بصريون.
والْحَدِيث أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن
حُسَيْن بن معَاذ عَن عبد الْأَعْلَى.
قَوْله: (فحبسه) أَي: مَنعه من الدُّخُول فِي الصَّلَاة،
وَزَاد هشيم فِي رِوَايَته: (حَتَّى نعس بعض الْقَوْم) .
وَقَالَ التَّيْمِيّ: هَذَا رد على من قَالَ: إِذا قَالَ
الْمُؤَذّن: قد قَامَت الصَّلَاة، وَجب على الإِمَام
تَكْبِيرَة الْإِحْرَام.
وَفِيه: دَلِيل على ان اتِّصَال الْإِقَامَة بِالصَّلَاةِ
لَيْسَ من وَكيد السّنَن، وَإِنَّمَا هُوَ مستحبها.
29 - (بابُ وُجُوبِ صَلاَةِ الجَمَاعَةِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وجوب الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة،
وَقَالَ بَعضهم: هَكَذَا بت الحكم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة،
وَكَانَ ذَلِك لقُوَّة دليلها عِنْده، لَكِن أطلق
الْوُجُوب وَهُوَ أَعم من كَونه وجوب عين أَو كِفَايَة،
إلاَّ أَن الْأَثر الَّذِي ذكره عَن الْحسن يشْعر
بِأَنَّهُ يُرِيد وجوب عين. قلت: لَا يُقَال: هَذِه
الْقِسْمَة إلاَّ فِي الْفَرْض، فَيُقَال: فرض عين وَفرض
كِفَايَة، أللهم إلاَّ أَن يكون عِنْد من لم يفرق بَين
الْوَاجِب وَالْفَرْض، وَمن أَيْن علم أَن البُخَارِيّ
أَرَادَ وجوب الْعين؟ وَمن أَيْن يدل عَلَيْهِ أثر الْحسن؟
وَكَيف يجوز الِاسْتِدْلَال على وجوب الْعين بالأثر
الْمَرْوِيّ عَن التَّابِعِيّ وَهَذَا مَحل نظر.
وقالَ الحَسَنُ إنْ مَنَعَتْهُ أُمُّهُ عَنِ العِشَاءِ فِي
الجَماعَةِ شَفَقَةً لَمْ يُطِعْهَا
الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ، يَعْنِي إِن منعت الرجل أمه عَن
الْحُضُور إِلَى صَلَاة الْعشَاء مَعَ الْجَمَاعَة شَفَقَة
عَلَيْهِ أَي: لأجل الشَّفَقَة لم يطع أمه فِيهِ، فَهَذَا
يدل على أَن الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة فرض عِنْده،
وَلِهَذَا قَالَ: لم يطع أمه، مَعَ أَن طَاعَة الْوَالِدين
فرض فِي غير الْمعْصِيَة، وَإِنَّمَا عين الْعشَاء، مَعَ
أَن الحكم فِي كل الصَّلَوَات سَوَاء لكَونهَا من أثقل
الصَّلَاة على الْمُنَافِقين. فَإِن قلت: الْفجْر كَذَلِك.
قلت: ذكر أَحدهمَا يُغني عَن الآخر، وَإِنَّمَا عين الْأُم
مَعَ أَن الْأَب كَذَلِك فِي وجوب طاعتهما، لِأَن الْأُم
أَكثر شَفَقَة من الْأَب على الْأَوْلَاد، وَلم يذكر صَاحب
(التَّلْوِيح) وَلَا صَاحب (التَّوْضِيح) وصل هَذَا
الْأَثر مَعَ كَثْرَة تتبع صَاحب (التَّلْوِيح) لمثل
هَذَا، واتساع اطِّلَاعه فِي هَذَا الْبَاب، وَذكر بَعضهم
أَنه وجد مَعْنَاهُ، بل أتم مِنْهُ، وأصرح، فِي كتاب
(الصّيام) للحسين بن الْحسن الْمروزِي بِإِسْنَاد صَحِيح:
عَن الْحسن فِي رجل يَصُوم، يَعْنِي تَطَوّعا فتأمره أمه
أَن يفْطر. قَالَ: فليفطر، وَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَله أجر
الصَّوْم وَأجر الْبر. قيل: فتنهاه أَن يُصَلِّي الْعشَاء
بِجَمَاعَة. قَالَ: لَيْسَ ذَاك لَهَا، هَذِه فَرِيضَة.
40 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن
أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة أَن
رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ
وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لقد هَمَمْت أَن آمُر بحطب
فيحطب ثمَّ آمُر بِالصَّلَاةِ فَيُؤذن لَهَا ثمَّ آمُر
رجلا فيؤم النَّاس ثمَّ أُخَالِف إِلَى رجال فَأحرق
عَلَيْهِم بُيُوتهم وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ لَو يعلم
أحدهم أَنه يجد عرقا سمينا أَو مرماتين حسنتين لشهد
الْعشَاء) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَنه يدل على
وجوب الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة لما فِيهِ من وَعِيد شَدِيد
يدل على أَن تاركها يدْخل فِيهِ (ذكر رِجَاله ولطائف
إِسْنَاده) أما رِجَاله فقد ذكرُوا غير مرّة وَأَبُو زناد
بالزاي وَالنُّون عبد الله بن ذكْوَان والأعرج عبد
الرَّحْمَن بن هُرْمُز. وَأما لطائف إِسْنَاده فَفِيهِ
التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَالْأَخْبَار كَذَلِك
فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه
اثْنَان لم يذكرَا باسمهما فأحدهما ذكر بالكنية وَالْآخر
باللقب وَفِيه عَن الْأَعْرَج وَفِي رِوَايَة السراج من
طَرِيق شُعَيْب عَن أبي الزِّنَاد سمع الْأَعْرَج. وَفِيه
أَن رُوَاته كلهم مدنيون مَا خلا شيخ البُخَارِيّ (ذكر
تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا
فِي الْأَحْكَام عَن إِسْمَاعِيل وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي
الصَّلَاة
(5/159)
أَيْضا عَن قُتَيْبَة عَن مَالك. (ذكر
اخْتِلَاف أَلْفَاظ هَذَا الحَدِيث) وَعند البُخَارِيّ فِي
بَاب فضل صَلَاة الْعشَاء فِي الْجَمَاعَة لَيْسَ صَلَاة
أثقل على الْمُنَافِقين من الْفجْر وَالْعشَاء " الحَدِيث
وَفِي لفظ لَهُ " لقد هَمَمْت أَن آمُر الْمُؤَذّن فيقيم "
وَفِيه " ثمَّ آخذ شعلا من نَار فَأحرق على من لَا يخرج
إِلَى الصَّلَاة بِغَيْر عذر " وَفِي لفظ " ثمَّ أُخَالِف
إِلَى أَقوام لَا يشْهدُونَ الصَّلَاة فَأحرق عَلَيْهِم "
وَعند أَحْمد بن حَنْبَل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ "
لَوْلَا مَا فِي الْبيُوت من النِّسَاء والذرية أَقمت
صَلَاة الْعشَاء وَأمرت فتياني يحرقون مَا فِي الْبيُوت
بالنَّار " وَعند أبي دَاوُد " ثمَّ آتِي قوما يصلونَ فِي
بُيُوتهم لَيست بهم عِلّة فأحرقها عَلَيْهِم " وَفِي
مُسْند السراج " آمُر فتيتي إِذا سمعُوا الْإِقَامَة من
تخلف أَن يحرقوا عَلَيْهِم أَنكُمْ لَو تعلمُونَ مَا
فيهمَا لأتيتموهما وَلَو حبوا " وَفِي لفظ آخر " أخر
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة
الْعشَاء حَتَّى تهور اللَّيْل وَذهب ثلثه أَو نَحوه ثمَّ
خرج إِلَى الْمَسْجِد فَإِذا النَّاس عزون وَإِذا هم
قَلِيلُونَ فَغَضب غَضبا شَدِيدا لَا أعلم أَنِّي رَأَيْته
غضب غَضبا أَشد مِنْهُ ثمَّ قَالَ لقد هَمَمْت أَن آمُر
رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثمَّ أتتبع هَذِه الدّور الَّتِي
تخلف أهلوها عَن هَذِه الصَّلَاة فأضرمها عَلَيْهِم
بالنيران " وَفِي كتاب الطوسي مصححا " ثمَّ آتِي قوما
يتخلفون عَن هَذِه الصَّلَاة فَأحرق عَلَيْهِم " يَعْنِي
صَلَاة الْعشَاء وَفِي مُسْند عبد الله بن وهب حَدثنَا
ابْن أبي ذِئْب حَدثنَا عجلَان عَنهُ " لينتهين رجال من
حول الْمَسْجِد لَا يشْهدُونَ الْعشَاء أَو لأحرقن
بُيُوتهم " وَفِي كتاب الثَّوَاب لحميد بن زَنْجوَيْه "
آمُر رجَالًا فِي أَيْديهم حزم حطب لَا يُؤْتى رجل فِي
بَيته سمع الْأَذَان إِلَّا أضرم عَلَيْهِ بَيته " وَفِي
الْأَوْسَط للطبراني " آمُر رجَالًا إِذا أُقِيمَت
الصَّلَاة أَن يتخلفوا دون من لَا يشْهد الصَّلَاة فيضرموا
عَلَيْهِم بُيُوتهم " قَالَ " وَلَو أَن رجلا أذن النَّاس
إِلَى طَعَام لأتوه وَالصَّلَاة يُنَادى بهَا فَلَا
يأتونها " وَفِي مُعْجمَة الصَّغِير " ثمَّ أنظر فَمن لم
يشْهد الْمَسْجِد فَأحرق عَلَيْهِ بَيته " وَفِي كتاب
التَّرْغِيب والترهيب لأبي مُوسَى الْمَدِينِيّ
الْأَصْبَهَانِيّ " خرج بَعْدَمَا تهور اللَّيْل فَذهب
ثلثه ثمَّ قَالَ لَو أَن رجلا نَادَى النَّاس إِلَى عرق
أَو مرماتين أَتَوْهُ لذَلِك وهم يتخلفون عَن هَذِه
الصَّلَاة " وَعند الدَّارَقُطْنِيّ فِي مُسْنده " لَو
كَانَ عرقا سمينا أَو مغرفتين لشهدوها " وَفِي مُصَنف عبد
الرَّزَّاق بِسَنَد صَحِيح " لقد هَمَمْت أَن آمُر فتياني
أَن يجمعوا إِلَيّ حزما من حطب ثمَّ أَنطلق فَأحرق على قوم
بُيُوتهم لَا يشْهدُونَ الْجُمُعَة " رَوَاهُ عَن جَعْفَر
بن برْقَان عَن يزِيد بن الْأَصَم عَن أبي هُرَيْرَة وَلما
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من طَرِيق أَحْمد بن مَنْصُور
الرَّمَادِي عَن عبد الرَّزَّاق كَذَا قَالَ كَذَا
الْجُمُعَة وَكَذَلِكَ رُوِيَ عَن أبي الْأَحْوَص عَن ابْن
مَسْعُود وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ سَائِر الرِّوَايَات أَنه
عبر بِالْجمعَةِ عَن الْجَمَاعَات وَرُوِيَ فِي المعجم
الْأَوْسَط عَن ابْن مَسْعُود بِالْإِطْلَاقِ من غير
تَقْيِيد بِالْجمعَةِ وَالَّذِي فِيهِ التَّقْيِيد
بِالْجمعَةِ رَوَاهُ السراج عَن أبي الْأَحْوَص عَن عبد
الله (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ
" أَي وَالله الَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ وَهُوَ قسم كَانَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كثيرا
مَا كَانَ يقسم بِهِ قَوْله " لقد هَمَمْت " جَوَاب الْقسم
أكده بِاللَّامِ وَكلمَة قد وَمعنى هَمَمْت أَي قصدت من
الْهم وَهُوَ الْعَزْم وَقيل دونه قَوْله " فيحطب "
بِالْفَاءِ وَهُوَ على صِيغَة الْمَجْهُول وَهُوَ رِوَايَة
الْكشميهني وَفِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي "
ليحطب " بِاللَّامِ وَرِوَايَة الْكشميهني هُوَ رِوَايَة
الْأَكْثَرين وَرِوَايَة الْمُوَطَّأ أَيْضا وَقَالَ
الْكرْمَانِي وَفِي بعض الرِّوَايَات " ليحطب " بِالنّصب
وَلَام كي وبالجزم وَلَام الْأَمر وَقَالَ أَيْضا ليحتطب
أَي ليجمع يُقَال حطبت واحتطبت إِذا جمعت الْحَطب وَقَالَ
بَعضهم وَمعنى يحطب يكسر ليسهل إشعال النَّار بِهِ (قلت)
لَيْسَ الْمَعْنى كَذَلِك وَالْمعْنَى أَن آمُر بحطب فيحطب
أَي فَيجمع وَكَذَلِكَ معنى يحتطب كَمَا ذَكرْنَاهُ وَلم
يقل أحد من أهل اللُّغَة أَن معنى يحطب يكسر قَوْله " ثمَّ
آمُر بِالصَّلَاةِ " الْألف وَاللَّام فِيهَا إِن كَانَت
للْجِنْس فَهُوَ عَام وَإِن كَانَت للْعهد فَفِي رِوَايَة
أَنَّهَا الْعشَاء وَفِي أُخْرَى الْفجْر وَفِي أُخْرَى
الْجُمُعَة وَفِي أُخْرَى يتخلفون عَن الصَّلَاة مُطلقًا
وَلَا تضَاد بَينهَا لجَوَاز تعدد الْوَاقِعَة نعم إِذا
كَانَ المُرَاد الْجُمُعَة فالجماعة شَرط فِيهَا وَمحل
الْخلاف إِنَّمَا هُوَ فِي غَيرهَا وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ
وَالَّذِي يدل عَلَيْهِ سَائِر الرِّوَايَات أَنه عبر
بِالْجمعَةِ عَن الْجَمَاعَة ونوزع فِيهِ لِأَن أَبَا
دَاوُد وَالطَّبَرَانِيّ رويا من طَرِيق يزِيد بن جَابر
عَن يزِيد بن الْأَصَم فَذكر الحَدِيث قَالَ يزِيد قلت
ليزِيد بن الْأَصَم يَا أَبَا عَوْف الْجُمُعَة أَو
غَيرهَا قَالَ صمت أذناي إِن لم أكن سَمِعت أَبَا
هُرَيْرَة يؤثره عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا ذكر جُمُعَة وَلَا غَيرهَا
فَظهر من ذَلِك أَن الرَّاجِح من حَدِيث أبي هُرَيْرَة
أَنَّهَا غير الْجُمُعَة وَظهر من هَذَا أَن الْبَيْهَقِيّ
وهم فِي هَذَا نعم جَاءَ فِي حَدِيث ابْن
(5/160)
مَسْعُود أخرجه مُسلم وَفِيه الْجَزْم
بِالْجمعَةِ وَهُوَ حَدِيث مُسْتَقل بِرَأْسِهِ ومخرجه
مُغَاير لحَدِيث أبي هُرَيْرَة لَا يقْدَح أَحدهمَا فِي
الآخر لِإِمْكَان كَونهمَا وَاقِعَتَيْنِ كَمَا أَشَرنَا
إِلَى ذَلِك عَن قريب قَوْله " فَيُؤذن لَهَا " كَذَا هُوَ
بِاللَّامِ أَي أعلم النَّاس لأَجلهَا ويروى بِالْبَاء أَي
أعلمت بهَا وَالْهَاء مفعول ثَان قَوْله " ثمَّ أُخَالِف "
من بَاب المفاعلة قَالَ الْجَوْهَرِي قَوْلهم هُوَ يُخَالف
إِلَى فلَان أَي يَأْتِيهِ إِلَى غَابَ عَنهُ وَقَالَ
الزَّمَخْشَرِيّ يُقَال خالفني إِلَى كَذَا إِذا قَصده
وَأَنت مولى عَنهُ قَالَ تَعَالَى {وَمَا أُرِيد أَن
أخالفكم إِلَى مَا أنهاكم عَنهُ} وَالْمعْنَى أُخَالِف
المشتغلين بِالصَّلَاةِ قَاصِدا إِلَى بيُوت الَّذين لم
يخرجُوا عَنْهَا إِلَى الصَّلَاة فأحرقها عَلَيْهِم
وَيُقَال معنى أُخَالِف إِلَى رجال أذهب إِلَيْهِم
وَالتَّقْيِيد بِالرِّجَالِ يخرج الصّبيان وَالنِّسَاء
قَوْله " فَأحرق " بِالتَّشْدِيدِ من التحريق وَالْمرَاد
بِهِ التكثير يُقَال حرقه بِالتَّشْدِيدِ إِذا بَالغ فِي
تحريقه ويروى " فَأحرق من الإحراق " وَرِوَايَة
التَّشْدِيد أَكثر وَأشهر قَوْله " وَالَّذِي نَفسِي
بِيَدِهِ " أعَاد يَمِينه لأجل الْمُبَالغَة فِي التهديد
قَوْله " عرقا " بِفَتْح الْعين وَسُكُون الرَّاء جمعه
عراق قَالَ الْأَزْهَرِي فِي التَّهْذِيب هِيَ الْعِظَام
الَّتِي يُؤْخَذ مِنْهَا هبر اللَّحْم وَيبقى عَلَيْهَا
لُحُوم رقيقَة طيبَة فتكسر وتطبخ وَتُؤْخَذ إهالتها من
طفاختها ويؤكل مَا على الْعِظَام من لحم رَقِيق وتشمس
الْعِظَام ولحمها من أطيب اللحوم عِنْدهم يُقَال عرقت
اللَّحْم وتعرقته وأعرقته إِذا أخذت اللَّحْم مِنْهُ نهشا
بأسنانك وَعظم معروق إِذا ألقِي عَنهُ لَحْمه أَي قشر
والعرام مثل الْعرَاق قَالَه الرياشي وَقَالَ القتيبي
سَمِعت الرياشي يروي عَن أبي زيد أَنه قَالَ قَول النَّاس
ثريدة كَثِيرَة الْعرَاق خطأ لِأَن الْعرَاق الْعِظَام
وَفِي الموعب لِابْنِ التياني عَن ابْن قُتَيْبَة تسمى
عراقا إِذا كَانَت جرداء لَا لحم عَلَيْهَا وَتسَمى عراقا
وَعَلَيْهَا اللَّحْم وَزعم الْكَلْبِيّ أَن الْعرَاق
الْعظم الَّذِي أَخذ أَكثر مِمَّا بَقِي عَلَيْهِ وَبَقِي
عَلَيْهِ شَيْء يسير وَعَن الْأَصْمَعِي الْعرق بجزم
الرَّاء الفدرة من اللَّحْم وَفِي الْمُحكم الْعرَاق
الْعظم بِغَيْر لحم فَإِن كَانَ عَلَيْهِ لحم فَهُوَ عرق
والعرق الفدرة من اللَّحْم وَجَمعهَا عراق وَهُوَ من
الْجمع الْعَزِيز وَحكى ابْن الْأَعرَابِي فِي جمعه عراق
بِالْكَسْرِ وَهُوَ أَقيس وَفِي الْمغرب الْعرق الْعظم
قَوْله " أَو مرماتين " بِكَسْر الْمِيم وَفتحهَا وَهِي
تَثْنِيَة مرماة وَقَالَ الْخَلِيل هِيَ مَا بَين ظلفي
الشَّاة وَحَكَاهُ أَبُو عبيد وَقَالَ لَا أَدْرِي مَا
وَجهه وَنَقله الْمُسْتَمْلِي فِي رِوَايَته فِي كتاب
الْأَحْكَام عَن الْفربرِي عَن مُحَمَّد بن سُلَيْمَان عَن
البُخَارِيّ قَالَ المرماة بِكَسْر الْمِيم مثل منساة
وميضاة مَا بَين ظلفي الشَّاة من اللَّحْم قَالَ عِيَاض
فالميم على هَذَا أَصْلِيَّة وَقَالَ الْأَخْفَش المرماة
لعبة كَانُوا يلعبونها بنصال محددة يَرْمُونَهَا فِي كوم
من تُرَاب فَأَيهمْ أثبتها فِي الكوم غلب وَهِي المرماة
والمدحاة وَحكى الْحَرْبِيّ عَن الْأَصْمَعِي أَن المرماة
سهم الهدف وَقَالَ وَيُؤَيِّدهُ مَا حَدثنِي ثمَّ سَاق من
طَرِيق أبي رَافع عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ " لَو أَن
أحدهم إِذا شهد الصَّلَاة معي كَانَ لَهُ عظم من شَاة
سَمِينَة أَو سَهْمَان لفعل " وَقيل المرماة سهم يتَعَلَّم
عَلَيْهِ الرَّمْي وَهُوَ سهم دَقِيق مستو غير محدد
وَقَالَ أَبُو سعيد المرماتان فِي الحَدِيث سَهْمَان
يَرْمِي بهما الرجل فيحرز سبقه يَقُول يسابق إِلَى
إِحْرَاز الدُّنْيَا وسبقها ويدع سبق الْآخِرَة (فَإِن
قلت) لم وصف الْعرق بالسمن والمرماة بالْحسنِ (قلت)
ليَكُون الْبَاعِث النفساني فِي تحصيلهما وَقَالَ
الطَّيِّبِيّ الحسنتين بدل المرماتين إِذا أُرِيد بهَا
الْعظم الَّذِي لَا لحم عَلَيْهِ وَإِن أُرِيد بهما
السهْمَان الصغيران فالحسنتان بِمَعْنى الجيدتان صفة
للمرماتين قَالَ والمضاف مَحْذُوف يَعْنِي فِي قَوْله "
لشهد الْعشَاء " أَي صَلَاة الْعشَاء فَالْمَعْنى لَو علم
أَنه لَو حضر الصَّلَاة لوجد نفعا دنيويا وَإِن كَانَ
خسيسا حَقِيرًا لحضرها لقُصُور همته على الدُّنْيَا وَلَا
يحضرها لما لَهَا من مثوبات العقبى وَنَعِيمهَا (ذكر مَا
يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ أَن جمَاعَة استدلوا بِهِ على
أَن الْجَمَاعَة فرض عين وَقَالَ صَاحب التَّلْوِيح اخْتلف
فِي صَلَاة الْجَمَاعَة هَل هِيَ شَرط فِي صِحَة الصَّلَاة
كَمَا قَالَ دَاوُد بن عَليّ وَأحمد بن حَنْبَل أَو فرض
على الْأَعْيَان كَمَا قَالَه جمَاعَة من الْعلمَاء ابْن
خُزَيْمَة وَابْن الْمُنْذر وَهُوَ قَول عَطاء
وَالْأَوْزَاعِيّ وَأبي ثَوْر وَهُوَ الصَّحِيح عِنْد
أَحْمد وَقَالَ فِي شرح الْمُهَذّب وَقيل أَنه قَول
للشَّافِعِيّ وَعَن أَحْمد وَاجِبَة لَيست بِشَرْط وَقيل
سنة مُؤَكدَة كَمَا قَالَه الْقَدُورِيّ وَفِي شرح
الْهِدَايَة عَامَّة مَشَايِخنَا أَنَّهَا وَاجِبَة وَقد
سَمَّاهَا بعض أَصْحَابنَا سنة مُؤَكدَة وَفِي الْمُفِيد
الْجَمَاعَة وَاجِبَة وتسميتها سنة لوُجُوبهَا بِالسنةِ
وَفِي الْبَدَائِع إِذا فَاتَتْهُ الْجَمَاعَة لَا يجب
عَلَيْهِ الطّلب فِي مَسْجِد آخر بِلَا خلاف بَين
أَصْحَابنَا لَكِن إِن أَتَى مَسْجِدا يَرْجُو إِدْرَاك
الْجَمَاعَة فِيهِ فَحسن وَإِن صلى فِي مَسْجِد حيه فَحسن
وَعَن الْقَدُورِيّ يجمع بأَهْله وَفِي التُّحْفَة
إِنَّمَا تجب على من قدر عَلَيْهَا من غير
(5/161)
حرج وَتسقط بالعذر فَلَا تجب على الْمَرِيض
وَلَا على الْأَعْمَى والزمن وَنَحْوهم هَذَا إِذا لم يجد
الْأَعْمَى والزمن من يحملهُ وَكَذَا إِذا وجدا عِنْد أبي
حنيفَة وَعِنْدَهُمَا يجب وَعَن شرف الْأَئِمَّة وَغَيره
تَركهَا بِغَيْر عذر يُوجب التعذير وَيَأْثَم الْجِيرَان
بِالسُّكُوتِ عَن تاركها وَعَن بَعضهم لَا تقبل شَهَادَته
فَإِن اشْتغل بتكرار اللُّغَة لَا يعْذر فِي ترك
الْجَمَاعَة وبتكرار الْفِقْه أَو مطالعته يعْذر فَإِن
تَركهَا أهل نَاحيَة قوتلوا بِالسِّلَاحِ وَفِي الْقنية
يشْتَغل بكرار الْفِقْه لَيْلًا وَنَهَارًا وَلَا يحضر
الْجَمَاعَة لَا يعْذر وَلَا نقبل شَهَادَته وَقَالَ أَبُو
حنيفَة سَهَا أَو نَام أَو شغله عَن الْجَمَاعَة شغل جمع
بأَهْله فِي منزله وَإِن صلى وَحده يجوز وَاخْتلف
الْعلمَاء فِي إِقَامَتهَا فِي الْبَيْت وَالأَصَح
أَنَّهَا كإقامتها فِي الْمَسْجِد وَفِي شرح خُوَاهَر
زَاده هِيَ سنة مُؤَكدَة غَايَة التَّأْكِيد وَقيل فرض
كِفَايَة وَهُوَ اخْتِيَار الطَّحَاوِيّ والكرخي
وَغَيرهمَا وَهُوَ قَول الشَّافِعِي الْمُخْتَار وَقيل سنة
وَفِي الْجَوَاهِر عَن مَالك هِيَ سنة مُؤَكدَة وَقيل فرض
كِفَايَة وَاسْتدلَّ من قَالَ بفرضية عينهَا بِحَدِيث
الْبَاب وَقَالَ لَو كَانَت فرض كِفَايَة لَكَانَ قيام
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
وَأَصْحَابه بهَا كَافِيا وَلَو كَانَت سنة فتارك السّنة
لَا يحرق عَلَيْهِ بَيته إِذْ سيدنَا رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لَا يهم إِلَّا بِحَق وَيدل
على وُجُوبهَا صَلَاة الْخَوْف إِذْ فِيهَا أَعمال
مُنَافِيَة للصَّلَاة وَلَا يعْمل ذَلِك لأجل فرض كِفَايَة
وَلَا سنة وَبِمَا فِي صَحِيح مُسلم " أَن أعمى قَالَ يَا
رَسُول الله لَيْسَ لي قَائِد يقودني إِلَى الْمَسْجِد
قَالَ هَل تسمع النداء قَالَ نعم قَالَ فأجب " وخرجه أَبُو
عبد الله فِي مُسْتَدْركه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن
عَبَّاس عَن ابْن أم مَكْتُوم " قلت يَا رَسُول الله إِن
الْمَدِينَة كَثِيرَة الْهَوَام وَالسِّبَاع قَالَ تسمع
حَيّ على الصَّلَاة حَيّ على الْفَلاح قَالَ نعم قَالَ
فَحَيَّهَلا " وَقَالَ صَحِيح الْإِسْنَاد إِن كَانَ سمع
عَن ابْن أم مَكْتُوم وَأخرجه من حَدِيث زَائِدَة عَن
عَاصِم عَن أبي رزين عَن ابْن أم مَكْتُوم بِلَفْظ "
إِنِّي كَبِير شاسع الدَّار لَيْسَ لي قَائِد يلازمني
فَهَل تَجِد لي من رخصَة قَالَ تسمع النداء قلت نعم قَالَ
مَا أجد لَك رخصَة " قَالَ الْحَاكِم وَله شَاهد
بِإِسْنَاد صَحِيح فَذكر حَدِيث أبي جَعْفَر الرَّازِيّ
عَن حُسَيْن بن عبد الرَّحْمَن عَن عبد الله بن شَدَّاد
عَنهُ " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - اسْتقْبل النَّاس فِي صَلَاة الْعشَاء فَقَالَ "
يَعْنِي ابْن أم مَكْتُوم " فَقَالَ لقد هَمَمْت أَن آتِي
هَؤُلَاءِ الَّذين يتخلفون عَن هَذِه الصَّلَاة فَأحرق
عَلَيْهِم بُيُوتهم قَالَ فَقلت يَا رَسُول الله لقد علمت
مَا بِي " الحَدِيث وَعند أَحْمد " أَتَى النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْمَسْجِد فَوجدَ
فِي الْقَوْم رقة فَقَالَ إِنِّي لأهم أَن أجعَل للنَّاس
إِمَامًا ثمَّ أخرج فَلَا أقدر على إِنْسَان يتَخَلَّف عَن
الصَّلَاة فِي بَيته إِلَّا أحرقته عَلَيْهِ فَقَالَ ابْن
أم مَكْتُوم يَا رَسُول الله إِن بيني وَبَين الْمَسْجِد
نخلا وشجرا وَلَا أقدر على قَائِد كل سَاعَة أيسعني أَن
أُصَلِّي فِي بَيْتِي فَقَالَ أتسمع إِقَامَة الصَّلَاة
قَالَ نعم قَالَ فَأْتِهَا " وأعل ابْن الْقطَّان حَدِيث
ابْن أم مَكْتُوم فَقَالَ لِأَن الرَّاوِي عَنهُ أَبُو
رزين وَابْن أبي ليلى فَأَما أَبُو رزين فَإنَّا لَا نعلم
سنه وَلَكِن أكبر مَا عِنْده من الصَّحَابَة عَليّ رَضِي
الله عَنهُ وَابْن أم مَكْتُوم قتل بالقادسية زمن عمر
رَضِي الله عَنهُ وَابْن أبي ليلى مولده لست بَقينَ من
خلَافَة عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ انْتهى قَالَ صَاحب
التَّلْوِيح فِيهِ نظر من وُجُوه الأول أَن قَوْله أَبُو
رزين لَا نعلم مولده غير جيد لِأَن ابْن حبَان ذكر أَنه
كَانَ أكبر سنا من أبي وَائِل وَأَبُو وَائِل قد علم
إِدْرَاكه لسيدنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - فعلى هَذَا لَا تنكر رِوَايَته عَن ابْن أم
مَكْتُوم الثَّانِي قَوْله أَعلَى مَا لَهُ الرِّوَايَة
عَن عَليّ مَرْدُود بروايته الصَّحِيحَة عَن ابْن مَسْعُود
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ الثَّالِث قَوْله مَاتَ ابْن أم
مَكْتُوم بالقادسية مَرْدُود بقول ابْن حبَان فِي كتاب
الصَّحَابَة شهد الْقَادِسِيَّة ثمَّ رَجَعَ إِلَى
الْمَدِينَة فَمَاتَ بهَا فِي خلَافَة عمر رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ الرَّابِع قَوْله أَن سنّ ابْن أبي ليلى
لَا يَقْتَضِي لَهُ السماع من عمر مَرْدُود بقول أبي
حَاتِم الرَّازِيّ وَسَأَلَهُ ابْنه هَل يسمع عبد
الرَّحْمَن من بِلَال فَقَالَ بِلَال خرج إِلَى الشَّام
قَدِيما فِي خلَافَة عمر فَإِن كَانَ رَآهُ صَغِيرا
فَهَذَا أَبُو حَاتِم لم يُنكر سَمَاعه من بِلَال
الْمُتَوفَّى سنة سبع عشرَة أَو ثَمَان عشرَة بل جوزه
فَكيف يُنكر من عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ وَرَوَاهُ
الْبَيْهَقِيّ من حَدِيث ابْن شهَاب الْخياط عَن الْعَلَاء
بن الْمسيب عَن ابْن أم مَكْتُوم " قلت يَا رَسُول الله
إِن لي قائدا لَا يلازمني فِي هَاتين الصَّلَاتَيْنِ
الْعشَاء وَالصُّبْح فَقَالَ لَو يعلم الْقَاعِدُونَ
عَنْهُمَا مَا فيهمَا لأتوهما وَلَو حبوا " وَفِي
الْأَوْسَط من حَدِيث الْبَزَّار " أَن ابْن أم مَكْتُوم
شكى إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- وَسَأَلَهُ أَن يرخص لَهُ فِي صَلَاة الْعشَاء
وَالْفَجْر وَقَالَ أَن بيني وَبَيْنك أشب " بِفَتْح
الْهمزَة وَفتح الشين الْمُعْجَمَة وَفِي آخِره بَاء
مُوَحدَة وَهُوَ كَثِيرَة الشّجر يُقَال بَلْدَة أشبة إِذا
كَانَت ذَات شجر وَأَرَادَ هَهُنَا النّخل فَقَالَ هَل
تسمع الْأَذَان قَالَ نعم مرّة أَو مرَّتَيْنِ فَلم يرخص
لَهُ فِي ذَلِك وَعِنْده أَيْضا من حَدِيث
(5/162)
عدي بن ثَابت عَن عبد الرَّحْمَن بن أبي
ليلى عَن كَعْب بن عجْرَة " جَاءَ رجل ضَرِير إِلَى
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ
إِنِّي أسمع النداء فلعلي لَا أجد قائدا ويشق عَليّ أَن
أَتَّخِذ مَسْجِدا فِي بَيْتِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أيبلغك النداء قَالَ فَإِذا سَمِعت
فأجب " وَقَالَ تفرد بِهِ زيد بن أبي أنيسَة عَن عبد الله
بن مُغفل وَعند مُسلم من حَدِيث أبي هُرَيْرَة " أَتَى
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رجل أعمى
فَقَالَ يَا رَسُول الله لَيْسَ لي قَائِد يقودني إِلَى
الْمَسْجِد فَسَأَلَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - أَن يرخص لَهُ فَيصَلي فِي بَيته فَرخص لَهُ
فَلَمَّا ولى دَعَاهُ فَقَالَ هَل تسمع النداء
بِالصَّلَاةِ قَالَ نعم قَالَ فأجب " وَأخرجه السراج فِي
مُسْنده من حَدِيث عَاصِم عَن أبي صَالح عَن أبي هُرَيْرَة
قَالَ أَتَى ابْن أم مَكْتُوم الْأَعْمَى الحَدِيث وَبِمَا
رُوِيَ عَن ابْن عَبَّاس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " من يسمع النداء
فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر " خرجه ابْن
حبَان فِي صَحِيحه من حَدِيث سعيد بن جُبَير عَنهُ وَفسّر
الْعذر فِي حَدِيث سلمَان بن قرم بِلَفْظ " من سمع النداء
يُنَادى بِهِ صَحِيحا فَلم يَأْته من غير عذر لم يقبل الله
لَهُ صَلَاة غَيرهَا قيل وَمَا الْعذر قَالَ الْمَرَض
وَالْخَوْف " وَبِمَا رَوَاهُ ابْن ماجة من حَدِيث
الدستوَائي عَن يحيى بن أبي كثير عَن الحكم بن مينا
أَخْبرنِي ابْن عَبَّاس وَابْن عمر رَضِي الله عَنْهُم
سمعا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
يَقُول على أعواده " لينتهين أَقوام عَن ودعهم الْجَمَاعَة
أَو ليختمن الله على قُلُوبهم " وَبِمَا رَوَاهُ ابْن ماجة
أَيْضا من حَدِيث الْوَلِيد بن مُسلم عَن الزبْرِقَان بن
عَمْرو الضمرِي عَن أُسَامَة بن زيد قَالَ قَالَ رَسُول
الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لينتهين
رجال على ترك الْجَمَاعَة أَو لأحرقن بُيُوتهم " وَبِمَا
رَوَاهُ أَبُو سعيد بن يُونُس فِي تَارِيخه من حَدِيث واهب
بن عبد الله المغافري عَن ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا مَرْفُوعا " لأَنا على أمتِي فِي غير الْخمر
أخوف عَلَيْهِم من الْخمر سُكْنى الْبَادِيَة وَترك
الْمَسَاجِد " وَبِمَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي
الْأَوْسَط بِسَنَد جيد عَن أنس رَضِي الله عَنهُ " لَو
أَن رجلا دَعَا النَّاس إِلَى عرق أَو مرماتين لأجابوه وهم
يدعونَ إِلَى هَذِه الصَّلَاة فِي جمَاعَة فَلَا يؤتونها
لقد هَمَمْت أَن آمُر رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ فِي
جمَاعَة فأضرمها عَلَيْهِم نَارا فَإِنَّهُ لَا يتَخَلَّف
إِلَّا مُنَافِق " وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه
بِسَنَد لَا بَأْس بِهِ عَن أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا "
مَا من ثَلَاثَة فِي قَرْيَة وَلَا بَدو لَا تُقَام فيهم
الصَّلَاة إِلَّا قد استحوذ عَلَيْهِم الشَّيْطَان
فَعَلَيْك بِالْجَمَاعَة فَإِنَّمَا يَأْكُل الذِّئْب
القاصية " وَبِمَا رَوَاهُ ابْن عدي من حَدِيث أبي
هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَرْفُوعا " من سمع
النداء فَلم يجب فَلَا صَلَاة لَهُ إِلَّا من عذر "
وَضَعفه وَبِمَا رَوَاهُ أَبُو نعيم الدكيني بِسَنَد
صَحِيح يرفعهُ " من سمع النداء فَلم يجب من غير عذر فَلَا
صَلَاة لَهُ " وَبِمَا رَوَاهُ الْكَجِّي فِي سنَنه عَن
حَارِثَة بن النُّعْمَان يرفعهُ " يخرج الرجل فِي غنيمته
فَلَا يشْهد الصَّلَاة حَتَّى يطبع على قلبه " فِي
إِسْنَاده عمر مولى عفرَة وَعَن أبي زُرَارَة
الْأنْصَارِيّ قَالَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " من سمع النداء فَلم يجب كتب من
الْمُنَافِقين " ذكره أَبُو يعلى أَحْمد بن عَليّ الْمثنى
فِي مُسْنده بِسَنَد فِيهِ ضعف. وَبِمَا رَوَاهُ
الطَّحَاوِيّ فِي شرح مُشكل الْآثَار عَن جَابر رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم
َ - " لَوْلَا شَيْء لأمرت رجلا يُصَلِّي بِالنَّاسِ ثمَّ
لحرقت بُيُوتًا على مَا فِيهَا ". وَأما اسْتِدْلَال من
قَالَ بِأَنَّهَا سنة أَو فرض كِفَايَة فِيمَا تقدم فِي
هَذَا الْكتاب من الْأَحَادِيث الَّتِي فِيهَا صَلَاة
الْجَمَاعَة تفضل على صَلَاة الْفَذ لِأَن صِيغَة أفعل
تَقْتَضِي الِاشْتِرَاك فِي الْفضل وترجيح أحد
الْجَانِبَيْنِ وَمَا لَا يَصح لَا فضل فِيهِ وَلَا يجوز
أَن يُقَال أَن أفضل قد يسْتَعْمل بِمَعْنى الْفَاضِل
وَلَا يُقَال أَن ذَلِك مَحْمُول على صَلَاة الْمَعْذُور
فَذا لِأَن الْفَذ مَعْرُوف بِالْألف وَاللَّام فَيُفِيد
الْعُمُوم وَيدخل تَحْتَهُ كل فذ من مَعْذُور وَغَيره
وَيدل أَيْضا أَنه أَرَادَ غير الْمَعْذُور بقوله " أَو
فِي سوقه " لِأَن الْمَعْذُور لَا يروح إِلَى السُّوق
وَأَيْضًا فَلَا يجوز أَن يحمل على الْمَعْذُور لِأَن
الْمَعْذُور فِي أجر الصَّلَاة كَالصَّحِيحِ
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضا بِمَا رَوَاهُ الْحَاكِم وَصَححهُ
عَن أبي بن كَعْب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " صَلَاة
الرجل مَعَ الرجل أزكى من صلَاته وَحده وَصلَاته مَعَ
رجلَيْنِ أزكى من صلَاته مَعَ رجل وَمَا كثر فَهُوَ أحب
إِلَى الله عز وَجل " وَبِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - للَّذين صليا فِي رحالهما من غير
جمَاعَة " إِذا صليتما فِي رحالكما ثمَّ أتيتما الْمَسْجِد
فَصَليَا فَإِنَّهَا لَكمَا نَافِلَة " فَلَو كَانَت
الْجَمَاعَة فرضا لأمرهما بِالْإِعَادَةِ وَمثل هَذَا جرى
لمحجن الديلِي ذكره فِي الْمُوَطَّأ وَأما الْجَواب عَن
حَدِيث الْبَاب فعلى أوجه. أَحدهمَا مَا قَالَه ابْن بطال
وَهُوَ أَن الْجَمَاعَة لَو كَانَت فرضا لقَالَ حِين توعد
بالإحراق من تخلف عَن الْجَمَاعَة لم تجزيه صلَاته
لِأَنَّهُ وَقت الْبَيَان وَنظر فِيهِ ابْن دَقِيق الْعِيد
بِأَنَّهُ الْبَيَان قد يكون بالتنصيص وَقد يكون
بِالدّلَالَةِ فَلَمَّا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - " لقد هَمَمْت " الخ دلّ على وجوب الْحُضُور
وَهُوَ كَاف فِي الْبَيَان (قلت) لَيست فِيهِ دلَالَة
(5/163)
من الدلالات الثَّلَاث الْمُطَابقَة
والتضمن والالتزام وَلَا فِيهِ دلَالَة أصولية ففهم.
الثَّانِي مَا قَالَه الْبَاجِيّ وَهُوَ أَن الْخَبَر ورد
مورد الزّجر وَحَقِيقَته غير مُرَادة إِنَّمَا المُرَاد
الْمُبَالغَة لِأَن الْإِجْمَاع مُنْعَقد على منع عُقُوبَة
الْمُسلمين بذلك قيل أَن الْمَنْع وَقع بعد نسخ التعذيب
بالنَّار وَكَانَ قبل ذَلِك جَائِزا فَحمل التهديد على
حَقِيقَته غير مُمْتَنع. الثَّالِث مَا قَالَه ابْن بزيزة
عَن بَعضهم أَنه استنبط من نفس الحَدِيث عدم الْوُجُوب
لكَونه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هم بالتوجه
إِلَى المتخلفين فَلَو كَانَت الْجَمَاعَة فرض عين مَا هم
بِتَرْكِهَا إِذا توجه ثمَّ نظر فِيهِ ابْن بزيرة بِأَن
الْوَاجِب يجوز تَركه لما هُوَ أوجب مِنْهُ. الرَّابِع مَا
قيل أَن تَركه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
تحريقهم بعد التهديد يدل على عدم الْفَرْضِيَّة. الْخَامِس
مَا قَالَه عِيَاض وَهُوَ أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - هم وَلم يفعل. السَّادِس مَا قَالَه
النَّوَوِيّ وَهُوَ أَنَّهَا لَو كَانَت فرض عين لما
تَركهم وَهَذَا أقرب من الأول. السَّابِع مَا قيل أَن
المُرَاد بالتهديد قوم تركُوا الصَّلَاة رَأْسا لَا
مُجَرّد الْجَمَاعَة ورد بِمَا رَوَاهُ مُسلم " لَا
يشْهدُونَ الصَّلَاة " أَي لَا يحْضرُون وَفِي رِوَايَة
عجلَان عَن أبي هُرَيْرَة " لَا يشْهدُونَ الْعشَاء فِي
الْجَمِيع " أَي فِي الْجَمَاعَة وَفِي حَدِيث أُسَامَة بن
زيد عِنْد ابْن ماجة مَرْفُوعا " لينتهين رجال عَن تَركهم
الْجَمَاعَات أَو لأحرقن بُيُوتهم ". الثَّامِن مَا قيل
أَن الحَدِيث ورد فِي الْحَقِيقَة على مُخَالفَة أهل
النِّفَاق والتحذير من التَّشَبُّه بهم. التَّاسِع أَنه
ورد فِي حق الْمُنَافِقين فَلَيْسَ التهديد لترك
الْجَمَاعَة بخصوصهم فَلَا يتم الدَّلِيل ورده بَعضهم
بِأَنَّهُ يستبعد الاعتناء بتأديب الْمُنَافِقين على
تَركهم الْجَمَاعَة مَعَ الْعلم بِأَنَّهُ لَا صَلَاة
لَهُم وَبِأَنَّهُ كَانَ معرضًا عَنْهُم وَعَن عقوبتهم
مَعَ علمه بطويتهم " وَقد قَالَ لَا يتحدث النَّاس بِأَن
مُحَمَّدًا يقتل أَصْحَابه " ورده ابْن دَقِيق الْعِيد
بِأَنَّهُ لَا يتم إِلَّا أَن ادّعى أَن ترك معاقبة
الْمُنَافِقين كَانَ وَاجِبا عَلَيْهِ وَلَا دَلِيل على
ذَلِك فَإِذا ثَبت أَنه كَانَ مخبرا فَلَيْسَ فِي إعراضه
عَنْهُم مَا يدل على وجوب ترك عقوبتهم (قلت) قَوْله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَيْسَ صَلَاة
أثقل على الْمُنَافِقين من الْعشَاء وَالْفَجْر " يُوضح
بِأَنَّهُ ورد فِي الْمُنَافِقين وَلَكِن المُرَاد بِهِ
نفاق الْمعْصِيَة لَا نفاق الْكفْر بِدَلِيل قَوْله فِي
رِوَايَة عجلَان " لَا يشْهدُونَ الْعشَاء فِي الْجَمِيع "
وأوضح من ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد " وَيصلونَ فِي
بُيُوتهم وَلَيْسَ بهم عِلّة " فَهَذَا يدل على أَن نفاقهم
نفاق مَعْصِيّة لَا نفاق كفر لِأَن الْكَافِر لَا يُصَلِّي
فِي بَيته وَإِنَّمَا يُصَلِّي فِي الْمَسْجِد رِيَاء
وَسُمْعَة فَإِذا خلا فِي بَيته كَانَ كَمَا وَصفه الله
تَعَالَى بِهِ من الْكفْر والاستهزاء نبه عَلَيْهِ
الْقُرْطُبِيّ وَقَالَ الطَّيِّبِيّ خُرُوج الْمُؤمن من
هَذَا الْوَعيد لَيْسَ من جِهَة أَنهم إِذا سمعُوا النداء
جَازَ لَهُم التَّخَلُّف عَن الْجَمَاعَة بل إِن
التَّخَلُّف لَيْسَ من شَأْنهمْ بل هُوَ من صِفَات
الْمُنَافِقين وَيدل عَلَيْهِ قَول ابْن مَسْعُود رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ لقد رَأَيْتنَا وَمَا يتَخَلَّف عَن
الْجَمَاعَة إِلَّا مُنَافِق. الْعَاشِر مَا قيل أَن
فَرضِيَّة الْجَمَاعَة كَانَ فِي أول الْإِسْلَام لأجل سد
بَاب التَّخَلُّف عَن الصَّلَوَات على الْمُنَافِقين ثمَّ
نسخ حَكَاهُ عِيَاض. الْحَادِي عشر مَا قيل أَن المُرَاد
بِالصَّلَاةِ الْجُمُعَة لَا بَاقِي الصَّلَوَات وَحسنه
الْقُرْطُبِيّ ورد بالأحاديث الْوَارِدَة المصرحة بالعشاء.
وَفِيه من الْفَوَائِد تَقْدِيم الْوَعيد والتهديد على
الْعقُوبَة لِأَن الْمفْسدَة إِذا ارْتَفَعت بالأهون من
الزّجر اكْتفى بِهِ عَن الْأَعْلَى بالعقوبة (قلت) يكون
هَذَا من بَاب الدّفع بالأخف. وَفِيه جَوَاز الْعقُوبَة
بِالْمَالِ بِحَسب الظَّاهِر وَاسْتدلَّ بِهِ قوم من
الْقَائِلين بذلك من الْمَالِكِيَّة وعزى ذَلِك أَيْضا
إِلَى مَالك وَأجَاب الْجُمْهُور عَنهُ بِأَنَّهُ كَانَ
ذَلِك فِي أول الْإِسْلَام ثمَّ نسخ. وَفِيه جَوَاز
إِخْرَاج من طلب بِحَق من بَيته إِذا اختفى فِيهِ وَامْتنع
بِكُل طَرِيق يتَوَصَّل إِلَيْهِ كَمَا أَرَادَ - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِخْرَاج المتخلفين عَن
الصَّلَاة بإلقاء النَّار عَلَيْهِم فِي بُيُوتهم وَحكى
الطَّحَاوِيّ فِي أدب القَاضِي الصَّغِير لَهُ أَن بَعضهم
كَانَ يرى الهجوم على الْغَائِب وَبَعْضهمْ لَا يرى
وَبَعْضهمْ يرى التسمير على الْأَبْوَاب وَبَعْضهمْ لَا
يرَاهُ وَقَالَ بعض الْحُكَّام أَجْلِس رجلا على بَابه
وَيمْنَع من الدُّخُول وَالْخُرُوج من منزله إِلَّا
الطَّعَام وَالشرَاب فَإِنَّهُ لَا يمْنَع عَنْهُمَا ويضيق
حَتَّى يخرج فَيحكم عَلَيْهِ قَالَ الْخصاف وَمن رأى
الهجوم من أَصْحَابنَا على الْخصم فِي منزله إِذا تبين
ذَلِك فَيكون ذَلِك بِالنسَاء والخدم وَالرِّجَال فَيقدم
النِّسَاء فِي الدُّخُول ويفتش الدَّار ثمَّ يدْخل
الْبَيْت الَّذِي فِيهِ النِّسَاء خَاصَّة فَإِذا وجد أخرج
وَلَا يكون الهجم إِلَّا على غَفلَة من غير استئمار يدْخل
النِّسَاء أَولا كَمَا قُلْنَا آنِفا. وَفِيه جَوَاز أَخذ
أهل الجرائم على غرَّة. وَفِيه جَوَاز الْحلف من غير
استحلاف كَمَا فِي حلف النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - وَفِيه جَوَاز التَّخَلُّف عَن الْجَمَاعَة
لعذر كالمرض وَالْخَوْف من ظَالِم أَو حَيَوَان وَمِنْه
خوف فَوَات الْغَرِيم. وَفِيه جَوَاز إِمَامَة الْمَفْضُول
مَعَ وجود الْفَاضِل إِذا كَانَت فِيهِ مصلحَة وَاسْتدلَّ
ابْن الْعَرَبِيّ مِنْهُ فِي شَيْئَيْنِ أَحدهمَا على
جَوَاز اعدام مَحل الْمعْصِيَة كَمَا هُوَ
(5/164)
مَذْهَب مَالك (قلت) وَبِذَلِك رُوِيَ عَن بعض أَصْحَابنَا
وَادّعى الْجُمْهُور النّسخ فِيهِ كَمَا فِي الْعقُوبَة
بِالْمَالِ وَالثَّانِي اسْتدلَّ بِهِ على مَشْرُوعِيَّة
قتل تَارِك الصَّلَاة تهاونا بهَا وَفِيه نظر لَا يخفى
وَالله تَعَالَى أعلم |