عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 109 - (بابٌ إذَا أسْمَعَ الإمامُ الآيَةَ)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: إِذا أسمع الإِمَام الْقَوْم
الْآيَة من الَّذِي يَقْرَؤُهُ، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: إِذا سمع، بتَشْديد
(6/46)
الْمِيم، من التسميع، وَالْأول من الإسماع،
وَهَذَا فِي السّريَّة. وَجَوَاب: إِذا، مَحْذُوف،
يَعْنِي: لَا يضرّهُ ذَلِك خلافًا لمن قَالَ يسْجد
للسَّهْو إِن كَانَ سَاهِيا، وَخِلَافًا لمن قَالَ: يسْجد
مُطلقًا.
778 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ يُوسُ قالَ حدَّثنا
الأَوْزَاعِي قَالَ حدَّثني يَحْيَى بنُ أبِي كَثِيرٍ
قَالَ حدَّثني عبْدُ الله بنُ أبِي قَتَادَةَ عنْ أبِيهِ
أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَقْرأُ
بِأُمِّ الكِتَابِ وَسُورَةٍ مَعَهَا فِي الرَّكْعَتَيْنِ
الأُولَيَيْنِ مِنْ صَلاَةِ الظُّهُرِ وصَلاَةِ العَصْرِ
وَيُسْمِعُنَا الآيَةَ أحْيَانا وكانَ يُطِيلُ فِي
الرَّكْعَةِ الأُولى. .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ويسمعنا الْآيَة
أَحْيَانًا) ، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب
الْقِرَاءَة فِي الْعَصْر، خرجه عَن مكي بن إِبْرَاهِيم
عَن هِشَام عَن يحيى بن أبي كثير. وَهَهُنَا: أخرجه عَن
مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن
عَمْرو الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى إِلَى آخِره، وَقد مر
الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
110 - (بابٌ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولى)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته يطول الْمُصَلِّي الرَّكْعَة
الأولى بِالْقِرَاءَةِ فِي جَمِيع الصَّلَوَات وَفِي
الصُّبْح عِنْد أبي حنيفَة خَاصَّة.
779 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا هِشَامٌ عنْ
يَحْيَى بنِ أبي كَثِيرٍ عنْ عَبْدِ الله بنِ أبي
قَتَادَةَ عنْ أبِيهِ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم كانَ يُطَوِّلُ فِي الرَّكْعَةِ الأُولَى مِنْ
صَلاَةِ الظُّهْرِ وَيُقَصِّرُ فِي الرَّكْعَةِ
الثَّانِيةِ ويَفْعَلُ ذَلِكَ فِي صَلاةِ الصُّبْحِ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِي فِي قَوْله: (كَانَ
يُطِيل فِي الرَّكْعَة الأولى) ، وَقد مضى الحَدِيث فِي:
بَاب يقْرَأ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَة الْكتاب عَن
قريب، أخرجه هُنَاكَ: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل عَن همام
عَن يحيى إِلَى آخِره، وَهَهُنَا: عَن أبي نعيم الْفضل
ابْن دُكَيْن عَن هِشَام الدستوَائي، عَن يحيى إِلَى
آخِره، وَقد تقدم الْبَحْث فِيهِ هُنَاكَ.
111 - (بابُ جَهْرِ الإمامِ بِالتَّأمِين)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم جهر الإِمَام وجهر النَّاس
بالتأمين، على وزن: التفعيل، من: أَمن يُؤمن، إِذا قَالَ:
آمين، وَهُوَ بِالْمدِّ وَالتَّخْفِيف فِي جَمِيع
الرِّوَايَات وَعند جَمِيع الْقُرَّاء كَذَلِك. وَحكى
الواحدي عَن حَمْزَة وَالْكسَائِيّ: الإمالة فِيهَا،
وفيهَا ثَلَاث لُغَات أخر، وَهِي شَاذَّة: الأولى: الْقصر،
حَكَاهُ ثَعْلَب وَأنكر عَلَيْهِ ابْن درسْتوَيْه.
الثَّانِيَة: الْقصر مَعَ التَّشْدِيد. وَالثَّالِثَة:
الْمَدّ مَعَ التَّشْدِيد، وَجَمَاعَة من أهل اللُّغَة
قَالُوا: إنَّهُمَا خطأ. وَقَالَ عِيَاض: حُكيَ عَن الْحسن
الْمَدّ وَالتَّشْدِيد، قَالَ: وَهِي شَاذَّة مَرْدُودَة،
وَنَصّ ابْن السّكيت وَغَيره من أهل اللُّغَة: على أَن
التَّشْدِيد لحن الْعَوام وَهُوَ خطأ فِي الْمذَاهب
الْأَرْبَعَة، وَاخْتلف الشَّافِعِيَّة فِي بطلَان
الصَّلَاة بذلك، وَفِي (التَّجْنِيس) : وَلَو قَالَ: آمين،
بتَشْديد الْمِيم، فِي صلَاته تفْسد، وَإِلَيْهِ أَشَارَ
صَاحب (الْهِدَايَة) بقوله: وَالتَّشْدِيد خطأ فَاحش،
وَلكنه لم يذكر هُنَا فَسَاد الصَّلَاة بِهِ، لِأَن فِيهِ
خلافًا، وَهُوَ: أَن الْفساد قَول أبي حنيفَة،
وَعِنْدَهُمَا: لَا تفْسد، لِأَنَّهُ يُوجد فِي الْقُرْآن
مثله، وَهُوَ قَوْله تَعَالَى: {وَلَا آمين الْبَيْت
الْحَرَام} (الْمَائِدَة: 2) . وعَلى قَوْلهمَا
الْفَتْوَى، وَأما وزن: آمين، فَلَيْسَ من أوزان كَلَام
الْعَرَب، وَهُوَ مثل: هابيل وقابيل. وَقيل: هُوَ تعريب
همين. وَقيل: أَصله: يَا الله استجب دعاءنا، وَهُوَ اسْم
من أَسمَاء الله تَعَالَى، إلاَّ أَنه أسقط اسْم النداء،
فأقيم الْمَدّ مقَامه، فَلذَلِك أنكر جمَاعَة الْقصر
فِيهِ، وَقَالُوا: الْمَعْرُوف فِيهِ الْمَدّ. وروى عبد
الرَّزَّاق عَن أبي هُرَيْرَة بِإِسْنَاد ضَعِيف أَنه اسْم
من أَسمَاء الله تَعَالَى. وَعَن هِلَال بن يسَاف
التَّابِعِيّ مثله، وَهُوَ اسْم فعل مثل: صه، بِمَعْنى:
أسكت. وَيُوقف عَلَيْهِ بِالسُّكُونِ، فَإِن وصل
بِغَيْرِهِ حرك لالتقاء الساكنين، وَيفتح طلبا للخفة لأجل
الْبناء: كأين وَكَيف. وَأما مَعْنَاهُ، فَقيل: ليكن
كَذَلِك، وَقيل: قبل. وَقيل: لَا تخيب رجاءنا. وَقيل: لَا
يقدر على هَذَا غَيْرك، وَقيل: طَابع الله على عباده يدْفع
بِهِ
(6/47)
عَنْهُم الْآفَات، وَقيل: هُوَ كنز من كنوز
الْعَرْش لَا يعلم تَأْوِيله الا الله. وَقيل: من شدد
وَمد، فَمَعْنَاه: قَاصِدين إِلَيْك. وَنقل ذَلِك عَن
جَعْفَر الصَّادِق. وَقيل: من قصر وشدد فَهِيَ كلمة
عبرانية أَو سريانية، وَعَن أبي زُهَيْر النميري، قَالَ:
(وقف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على رجل ألح فِي
الدُّعَاء فَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: وَجب إِن ختم،
فَقَالَ رجل من الْقَوْم: بِأَيّ شَيْء يخْتم؟ قَالَ:
بآمين، فَإِنَّهُ إِن ختم بآمين فقد وَجب) . رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد. قلت: أَبُو زُهَيْر صَحَابِيّ، وَهُوَ بِضَم
الزَّاي وَفتح الْهَاء. وَفِي (المجتبي) : لَا خلاف أَن:
آمين، لَيْسَ من الْقُرْآن حَتَّى قَالُوا بارتداد من
قَالَ: إِنَّه مِنْهُ، وَإنَّهُ مسنون فِي حق الْمُنْفَرد
وَالْإِمَام وَالْمَأْمُوم والقارىء خَارج الصَّلَاة،
وَاخْتلف الْقُرَّاء فِي التَّأْمِين بعد الْفَاتِحَة إِذا
أَرَادَ ضم سُورَة إِلَيْهَا، وَالأَصَح أَنه يَأْتِي
بهَا.
وقالَ عَطَاءٌ آمِينَ دُعَاءٌ أمَّنَ بنُ الزُّبَيْرِ
ومَنْ وَرَاءَهُ حَتَّى إنَّ لِلْمَسْجِدِ لَلَجَّةً
مُطَابقَة هَذَا الْأَثر للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن عَطاء
لما قَالَ: آمين، دَعَاهُ وَالدُّعَاء يشْتَرك فِيهِ
الإِمَام وَالْمَأْمُوم، ثمَّ أكد ذَلِك بِمَا رَوَاهُ عَن
ابْن الزبير، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وَعَطَاء بن
أبي رَبَاح، وَابْن الزبير: هُوَ عبد الله بن الزبير بن
الْعَوام، وَهَذَا تَعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق عَن ابْن
جريج: (عَن عَطاء قلت لَهُ: أَكَانَ ابْن الزبير يُؤمن على
إِثْر أم الْقُرْآن؟ قَالَ: نعم، ويؤمن من وراءة حَتَّى
إِن لِلْمَسْجِدِ للجة، ثمَّ قَالَ: إِنَّمَا آمين دُعَاء)
. وَرَوَاهُ الشَّافِعِي عَن مُسلم بن خَالِد عَن ابْن
جريج: (عَن عَطاء، قَالَ: كنت أسمع الْأَئِمَّة ابْن
الزبير وَمن بعده يَقُولُونَ: آمين، وَيَقُول من خَلفه:
آمين، حَتَّى إِن لِلْمَسْجِدِ للجة) . وَفِي (المُصَنّف)
: حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة قَالَ: لَعَلَّه عَن ابْن جريج
عَن عَطاء: (عَن ابْن الزبير، قَالَ: كَانَ لِلْمَسْجِدِ
رجة، أَو قَالَ: لجة، إِذْ قَالَ الإِمَام {وَلَا
الضَّالّين} ) . وروى الْبَيْهَقِيّ عَن خَالِد بن أبي
أَيُّوب (عَن عَطاء قَالَ: أدْركْت مِائَتَيْنِ من
أَصْحَاب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي هَذَا
الْمَسْجِد إِذا قَالَ الإِمَام {غير المغضوب عَلَيْهِم
وَلَا الضَّالّين} سَمِعت لَهُم رجة: بآمين) قَوْله:
(حَتَّى إِن لِلْمَسْجِدِ للجة) كلمة: إِن، بِالْكَسْرِ،
وللمسجد أَي: وَلأَهل الْمَسْجِد، للجة: اللَّام الأولى
للتَّأْكِيد، وَالثَّانيَِة من نفس الْكَلِمَة، وبتشديد
الْجِيم: وَهِي الصَّوْت الْمُرْتَفع، وَكَذَلِكَ اللجلجة،
ويروى: (لجلبة) ، بِفَتْح الْجِيم وَاللَّام وَالْبَاء
الْمُوَحدَة، وَهِي الْأَصْوَات المختلطة. وَفِي رِوَايَة
الْبَيْهَقِيّ: لرجة، بالراء مَوضِع اللَّام. قَوْله:
(آمين دُعَاء) مُبْتَدأ وَخبر مقول القَوْل. قَوْله: (أَمن
ابْن الزبير) ابْتِدَاء كَلَام من إِخْبَار عَطاء)
وكانَ أبُو هُرَيْرَةَ يُنَادِي الإمامَ لَا تَفُتْنِي
بِآمِينَ
مُطَابقَة هَذَا للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يَقْتَضِي
أَن يَقُول الإِمَام وَالْمَأْمُوم كِلَاهُمَا: آمين،
وَلَا يخْتَص بِهِ أَحدهمَا. قَوْله: (لَا تفتني) ،
بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق، هِيَ تَاء الْخطاب،
وَضم الْفَاء وَسُكُون التَّاء: من الْفَوات وَمَعْنَاهُ:
لَا تدعني أَن يفوت مني القَوْل بآمين. ويروى: لَا يسبقني،
من السَّبق، وَهَكَذَا وصل ابْن أبي شيبَة هَذَا
التَّعْلِيق فَقَالَ: حَدثنَا وَكِيع حَدثنَا كثير بن زيد
عَن الْوَلِيد بن رَبَاح (عَن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ
يُؤذن بِالْبَحْرَيْنِ فَقَالَ للْإِمَام: لَا تسبقني
بآمين) . وَأخْبرنَا أَبُو أُسَامَة عَن هِشَام عَن
مُحَمَّد عَنهُ مثله. انْتهى. وَكَانَ الإِمَام
بِالْبَحْرَيْنِ الْعَلَاء بن الْحَضْرَمِيّ، وروى صَاحب
(الْمحلى) : عَن عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن يحيى بن أبي
كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة أَنه كَانَ مُؤذنًا
للعلاء بن الْحَضْرَمِيّ بِالْبَحْرَيْنِ، فَاشْترط
عَلَيْهِ أَن لَا يسْبقهُ بآمين. وروى الْبَيْهَقِيّ من
حَدِيث أبي رَافع أَن أَبَا هُرَيْرَة، كَانَ يُؤذن لمروان
بن الحكم فَاشْترط أَن لَا يسْبقهُ بالضالين، حَتَّى يعلم
أَنه قد دخل الصَّفّ، فَكَانَ إِذا قَالَ مَرْوَان: {وَلَا
الضَّالّين} قَالَ أَبُو هُرَيْرَة: آمين، يمد بهَا صَوته.
وَقَالَ: إِذا وَافق تَأْمِين أهل الأَرْض تَأْمِين أهل
السَّمَاء غفر لَهُم. وَرُوِيَ عَن بِلَال نَحْو قَول أبي
هُرَيْرَة أخرجه أَبُو دَاوُد: حَدثنَا إِسْحَاق بن
إِبْرَاهِيم بن رَاهَوَيْه أخبرنَا وَكِيع عَن سُفْيَان
عَن عَاصِم عَن أبي عُثْمَان (عَن بِلَال أَنه قَالَ: يَا
رَسُول الله لَا تسبقني بآمين) . وَقد أول الْعلمَاء
قَوْله: لَا تسبقني على وَجْهَيْن: الأول: أَن بِلَالًا
كَانَ يقْرَأ الْفَاتِحَة فِي السكتة الأولى من سكتتي
الإِمَام، فَرُبمَا يبْقى عَلَيْهِ شَيْء مِنْهَا،
وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد فرغ مِنْهَا
فاستمهله بِلَال فِي التَّأْمِين بِقدر مَا يتم فِيهِ
قِرَاءَة بَقِيَّة السُّورَة، حَتَّى ينَال بركَة
مُوَافَقَته فِي التَّأْمِين. الثَّانِي: أَن بِلَالًا
كَانَ يُقيم فِي الْموضع الَّذِي يُؤذن فِيهِ من وَرَاء
الصُّفُوف، فَإِذا قَالَ: قد قَامَت الصَّلَاة، كبر
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَرُبمَا سبقه بِبَعْض
مَا يَقْرَؤُهُ، فاستمهله بِلَال قدر مَا يلْحق
الْقِرَاءَة والتأمين. قلت: هَذَا الحَدِيث مُرْسل،
وَقَالَ الْحَاكِم فِي (الْأَحْكَام) : قيل
(6/48)
إِن أَبَا عُثْمَان لم يدْرك بِلَالًا،
وَقَالَ أَبُو حَاتِم الرَّازِيّ: رَفعه خطأ، وَرَوَاهُ
الثِّقَات عَن عَاصِم عَن أبي عُثْمَان مُرْسلا، وَقَالَ
الْبَيْهَقِيّ: وَقيل عَن أبي عُثْمَان عَن سلمَان، قَالَ:
قَالَ بِلَال، وَهُوَ ضَعِيف لَيْسَ بِشَيْء. قلت: عَاصِم
هُوَ الْأَحول، وَأَبُو عُثْمَان هُوَ عبد الرَّحْمَن ابْن
مل النَّهْدِيّ.
وَقَالَ نافِعٌ كانَ ابنُ عُمَرَ لاَ يَدَعُهُ
ويَحُضُّهُمْ وَسَمِعْتُ مِنْهُ فِي ذَلِكَ خَيْرا
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه كَانَ لَا يتْرك
التَّأْمِين، وَهَذَا يتَنَاوَل أَن يكون إِمَامًا أَو
مَأْمُوما، وَكَانَ فِي الصَّلَاة أَو خَارج الصَّلَاة،
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج:
أَخْبرنِي نَافِع أَن ابْن عمر كَانَ إِذا ختم أم
الْقُرْآن قَالَ: آمين، لَا يدع أَن يُؤمن إِذا خَتمهَا،
ويحضهم على قَوْلهَا. قَوْله: (لَا يَدعه) أَي: لَا
يتْركهُ. قَوْله: (ويحضهم) ، بالضاد الْمُعْجَمَة أَي:
يحثهم على القَوْل بآمين، وَأَن لَا يتْركُوا. قَوْله:
(وَسمعت مِنْهُ) أَي: من ابْن عمر (فِي ذَلِك) ، أَي: فِي
القَوْل بآمين (خيرا) ، بِالْيَاءِ آخر الْحُرُوف، وَهِي
رِوَايَة الْكشميهني، أَي: فضلا وثوابا. وَقَالَ السفاقسي:
أَي خيرا مَوْعُودًا لمن فعله. وَفِي رِوَايَة غَيره:
خيرا، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة، حَدِيثا مَرْفُوعا.
ويستأنس فِي ذَلِك بِمَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ: كَانَ ابْن
عمر إِذا أَمن النَّاس أَمن مَعَهم، ويروى: ذَلِك من
السّنة.
780 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسفَ قَالَ أخْبرنَا
مالِكٌ عَنِ ابنِ شِهَابٍ عَن سَعِيدِ بنِ المُسَيَّبِ
وأبِي سَلَمَةَ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنَّهُمَا
أخْبَرَاهُ عنْ أبي هُرَيْرَةَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا أمَّنَ الإمامُ فأمِّنُوا
فإنَّهُ منْ وافَقَ تأمِينُهُ تَأْمِينَ المَلاَئِكَةِ
غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. وقالَ ابنُ
شِهَابٍ وَكَانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُولُ آمِينَ. (الحَدِيث 780 طرفه فِي: 6402) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَمر الْقَوْم بالتأمين عِنْد تَأْمِين
الإِمَام.
وَرِجَاله قد ذَكرُوهُ غير مرّة، وَابْن شهَاب هُوَ
مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد،
والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع وَاحِد وبصيغة التَّثْنِيَة
من الْمَاضِي فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة
مَوَاضِع.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن يحيى بن يحيى،
وَأَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي، وَالتِّرْمِذِيّ
فِيهِ عَن أبي كريب عَن زيد بن الْحباب، وَالنَّسَائِيّ
فِيهِ وَفِي الْمَلَائِكَة عَن قُتَيْبَة، خمستهم عَن
مَالك عَن الزُّهْرِيّ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا أَمن الإِمَام) أَي: إِذا
قَالَ الإِمَام: آمين، بعد قِرَاءَة الْفَاتِحَة
(فَأمنُوا) أَي: فَقولُوا: آمين. قَوْله: (فَإِنَّهُ) أَي:
فَإِن الشان. قَوْله: (من وَافق تأمينه تَأْمِين
الْمَلَائِكَة) ، زَاد يُونُس عَن ابْن شهَاب عِنْد مُسلم:
(فَإِن الْمَلَائِكَة تؤمن) قبل قَوْله: (فَمن وَافق) ،
كَذَا فِي رِوَايَة ابْن عُيَيْنَة: عَن ابْن شهَاب عِنْد
البُخَارِيّ فِي الدَّعْوَات، وَقَالَ ابْن حبَان فِي
(صَحِيحه) : (فَإِن الْمَلَائِكَة تَقول: آمين) ، ثمَّ
قَالَ: يُرِيد أَنه إِذا أَمن كتأمين الْمَلَائِكَة من غير
إعجاب وَلَا سمعة وَلَا رِيَاء خَالِصا لله تَعَالَى،
فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يغْفر لَهُ. قلت: هَذَا التَّفْسِير
ينْدَفع بِمَا فِي (الصَّحِيحَيْنِ) : عَن مَالك عَن أبي
الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا قَالَ أحدكُم: آمين،
وَقَالَت الْمَلَائِكَة فِي السَّمَاء، ووافقت إِحْدَاهمَا
الْأُخْرَى غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه) . انْتهى. وَزَاد
فِيهِ مُسلم: (إِذا قَالَ أحدكُم فِي الصَّلَاة) وَلم
يقلها البُخَارِيّ وَغَيره، وَهِي زِيَادَة حَسَنَة نبه
عَلَيْهَا عبد الْحق فِي (الْجمع بَين الصَّحِيحَيْنِ) ،
وَفِي هَذَا اللَّفْظ فَائِدَة أُخْرَى. وَهِي: اندراج
الْمُنْفَرد فِيهِ، وَغير هَذَا اللَّفْظ إِنَّمَا هُوَ
فِي الإِمَام وَفِي الْمَأْمُوم أَو فيهمَا، وَالله أعلم.
وَاخْتلفُوا فِي هَؤُلَاءِ الْمَلَائِكَة، فَقيل هم
الْحفظَة، وَقيل: الْمَلَائِكَة المتعاقبون، وَقيل: غير
هَؤُلَاءِ لما روى الْبَيْهَقِيّ بِلَفْظ: (إِذا قَالَ
القاريء: {غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} ،
وَقَالَ من خَلفه: آمين، وَوَافَقَ ذَلِك قَول أهل
السَّمَاء: آمين، غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه) . وَرَوَاهُ
الدَّارمِيّ أَيْضا فِي (مُسْنده) وَقيل: هم جَمِيع
الْمَلَائِكَة، بِدَلِيل عُمُوم اللَّفْظ لِأَن الْجمع
الْمحلى بِاللَّامِ يُفِيد الِاسْتِغْرَاق بِأَن يَقُولهَا
الْحَاضِرُونَ من الْحفظَة وَمن فَوْقهم حَتَّى يَنْتَهِي
إِلَى الْمَلأ الْأَعْلَى، وَأهل السَّمَوَات. قَوْله:
(غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه) وَوَقع فِي رِوَايَة بَحر بن
نصر: عَن ابْن وهب عَن يُونُس فِي آخر هَذَا الحَدِيث:
(وَمَا تَأَخّر)
(6/49)
ذكرهَا الْجِرْجَانِيّ فِي (أَمَالِيهِ)
قيل: إِنَّهَا شَاذَّة لِأَن ابْن الْجَارُود روى فِي
(الْمُنْتَقى) : عَن بَحر بن نصر بِدُونِ هَذِه
الزِّيَادَة، وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم عَن حَرْمَلَة،
وَفِي رِوَايَة ابْن خُزَيْمَة عَن يُونُس بن عبد
الْأَعْلَى، كِلَاهُمَا عَن ابْن وهب بِدُونِ هَذِه
الزِّيَادَة، وَالَّذِي وَقع فِي نُسْخَة لِابْنِ مَاجَه:
عَن هِشَام بن عمار وَأبي بكر ابْن أبي شيبَة، كِلَاهُمَا
عَن ابْن عُيَيْنَة بِإِثْبَات هَذِه الزِّيَادَة غير
صَحِيح، لِأَن ابْن أبي شيبَة قد روى هَذَا الحَدِيث فِي
(مُسْنده) و (مُصَنفه) بِدُونِ هَذِه الزِّيَادَة،
وَكَذَلِكَ الْحفاظ من أَصْحَاب ابْن عُيَيْنَة مثل
الْحميدِي وَابْن الْمَدِينِيّ وَغَيرهمَا رووا بِدُونِ
هَذِه الزِّيَادَة، ثمَّ قَوْله: (غفر) ، ظَاهره يعم غفران
جَمِيع الذُّنُوب الْمَاضِيَة إلاّ مَا يتَعَلَّق بِحُقُوق
النَّاس، وَذَلِكَ مَعْلُوم من الْأَدِلَّة الخارجية
المخصصة لعمومات مثله، وَأما الْكَبَائِر فَإِن عُمُوم
اللَّفْظ يَقْتَضِي الْمَغْفِرَة، ويستدل بِالْعَام مَا لم
يظْهر الْمُخَصّص.
قَوْله: (وَقَالَ ابْن شهَاب) إِلَى آخِره، صورته صُورَة
إرْسَال لَكِن مُتَّصِل إِلَيْهِ بِرِوَايَة عَنهُ،
وَلَيْسَ بتعليق، وَوَصله الدَّارَقُطْنِيّ فِي (الغرائب)
من طَرِيق حَفْص بن عمر الْعَدنِي عَن مَالك، وَقَالَ:
تفرد بِهِ حَفْص ابْن عمر، وَهُوَ ضَعِيف، وَيُؤَيّد مَا
ذكره ابْن شهَاب فِي هَذَا الحَدِيث من حَيْثُ الْمَعْنى
مَا أخرجه النَّسَائِيّ فِي (سنَنه) من حَدِيث الزُّهْرِيّ
عَن سعيد بن الْمسيب عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا قَالَ الإِمَام: {غير المغضوب
عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} فَقولُوا: آمين، فَإِن
الْمَلَائِكَة تَقول: آمين، وَإِن الإِمَام يَقُول: آمين،
فَمن وَافق تأمينه تَأْمِين الْمَلَائِكَة غفر لَهُ مَا
تقدم من ذَنبه.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن الإِمَام يُؤمن،
خلافًا لمَالِك، كَمَا قَالَ بَعضهم عَنهُ، وَفِي
(الْمُعَارضَة) قَالَ مَالك: لَا يُؤمن الإِمَام فِي
صَلَاة الْجَهْر، وَقَالَ ابْن حبيب: يُؤمن، وَقَالَ ابْن
بكير: هُوَ بِالْخِيَارِ، وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن
الإِمَام لَا يَأْتِي بِهِ فَإِن قلت: مَا جَوَابه عَن
الحَدِيث على هَذِه الرِّوَايَة؟ قلت: جَوَابه أَنه
إِنَّمَا سمي الإِمَام مُؤمنا بِاعْتِبَار التَّسَبُّب،
والمسبب يجوز أَن يُسمى باسم الْمُبَاشر، كَمَا يُقَال:
بنى الْأَمِير دَاره، وَاسْتدلَّ بعض الْمَالِكِيَّة
لمَالِك أَن الإِمَام لَا يَقُولهَا بقوله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا قَالَ الإِمَام: {وَلَا الضَّالّين}
فَقولُوا: آمين) ، لِأَنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قسم
ذَلِك بَينه وَبَين الْقَوْم، وَالْقِسْمَة تنَافِي
الشّركَة، وحملوا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا
أَمن الإِمَام) على بُلُوغ مَوضِع التَّأْمِين، وَقَالُوا:
سنة الدُّعَاء تَأْمِين السَّامع دون الدَّاعِي، وَآخر
الْفَاتِحَة دُعَاء فَلَا يُؤمن الإِمَام، لِأَنَّهُ دَاع.
وَقَالَ القَاضِي أَبُو الطّيب: هَذَا غلط بل الدَّاعِي
أولى بالاستيجاب، واستبعد أَبُو بكر بن الْعَرَبِيّ
تأويلهم لُغَة وَشرعا، وَقَالَ: الإِمَام أحد الداعين
وأولهم وأولاهم.
وَفِيه: أَن الْمُؤْتَم يَقُولهَا بِلَا خلاف.
وَفِيه: رد على الإمامية فِي قَوْلهم: إِن التَّأْمِين
يبطل الصَّلَاة، لِأَنَّهُ لفظ لَيْسَ بقرآن وَلَا ذكر.
وَقَالَ السفاقسي: وَزَعَمت طَائِفَة من المبتدعة أَن لَا
فَضِيلَة فِيهَا، وَعَن بَعضهم: إِنَّهَا تفْسد الصَّلَاة،
وَقَالَ ابْن حزم: يَقُولهَا الإِمَام سنة وَالْمَأْمُوم
فرضا.
وَفِيه أَنه مِمَّا تمسك بِهِ الشَّافِعِي فِي الْجَهْر
بالتأمين، وَذكر الْمُزنِيّ فِي (مُخْتَصره) : وَقَالَ
الشَّافِعِي: لَا يجْهر الإِمَام فِي الصَّلَاة الَّتِي
يجْهر فِيهَا بِالْقِرَاءَةِ، وَالْمَأْمُوم يُخَافت.
وَفِي (الْخُلَاصَة) للغزالي: وَمن سنَن الصَّلَاة أَن
يجْهر بالتأمين فِي الجهرية، وَفِي (التَّلْوِيح) : ويجهر
فِيهَا الْمَأْمُوم عِنْد أَحْمد وَإِسْحَاق وَدَاوُد،
وَقَالَ جمَاعَة: يخفيها، وَهُوَ قَول أبي حنيفَة
والكوفيين وَأحد قولي مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْجَدِيد،
وَفِي الْقَدِيم: يجْهر، وَعَن القَاضِي حُسَيْن عَكسه،
قَالَ النَّوَوِيّ: وَهُوَ غلط، وَلَعَلَّه من النَّاسِخ،
وَاحْتج أَصْحَابنَا بِمَا رَوَاهُ أَحْمد وَأَبُو دَاوُد
الطَّيَالِسِيّ وَأَبُو يعلى الْموصِلِي فِي (مسانيدهم)
وَالطَّبَرَانِيّ فِي (مُعْجَمه) وَالدَّارَقُطْنِيّ فِي
(سنَنه) وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) من حَدِيث شُعْبَة
عَن سَلمَة بن كهيل عَن حجر بن العنبس (عَن عَلْقَمَة بن
وَائِل عَن أَبِيه أَنه: صلى مَعَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا بلغ {غير المغضوب عَلَيْهِم وَلَا
الضَّالّين} قَالَ: آمين، وأخفى بهَا صَوته) . وَلَفظ
الْحَاكِم فِي كتاب (الْقرَاءَات) : (وخفض بهَا صَوته) .
وَقَالَ: حَدِيث صَحِيح الْإِسْنَاد وَلم يخرجَاهُ. فَإِن
قلت: روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن سُفْيَان عَن
سَلمَة بن كهيل عَن حجر بن العنبس عَن وَائِل بن حجر،
وَاللَّفْظ لأبي دَاوُد: (كَانَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إِذا قَرَأَ: {وَلَا الضَّالّين} قَالَ:
آمين، وَرفع بهَا صَوته) وَلَفظ التِّرْمِذِيّ: (وَمد بهَا
صَوته) ، وَقَالَ: حَدِيث حسن، وروى أَبُو دَاوُد
وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق آخر عَن عَليّ بن صَالح،
وَيُقَال الْعَلَاء بن صَالح الْأَسدي، عَن سَلمَة بن كهيل
عَن حجر بن العنبس (عَن وَائِل بن حجر عَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه: صلى فجهر بآمين، وَسلم عَن
يَمِينه وشماله وسكتا عَنهُ) . وروى النَّسَائِيّ: أخبرنَا
قُتَيْبَة حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص عَن أبي إِسْحَاق عَن
عبد الْجَبَّار بن وَائِل (عَن أَبِيه، قَالَ: صليت
(6/50)
خلف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلَمَّا افْتتح الصَّلَاة كبر) الحَدِيث، وَفِيه:
(فَلَمَّا فرغ من الْفَاتِحَة قَالَ: آمين، يرفع بهَا
صَوته) . وروى أَبُو دَاوُد وَابْن مَاجَه عَن بشر بن
رَافع عَن عبد الله ابْن عَم أبي هُرَيْرَة، قَالَ: (كَانَ
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِذا تَلا {غير
المغضوب عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} قَالَ: آمين، حَتَّى
يسمع من الصَّفّ الأول) ، وَزَاد ابْن مَاجَه: (فيرتج بهَا
الْمَسْجِد) . وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي (صَحِيحه)
وَالْحَاكِم فِي (مُسْتَدْركه) وَقَالَ: على شَرط
الشَّيْخَيْنِ، وَرَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ فِي (سنَنه)
وَقَالَ: إِسْنَاده صَحِيح. قلت: الَّذِي رَوَاهُ أَبُو
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ عَن سُفْيَان يُعَارضهُ مَا
رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ أَيْضا عَن شُعْبَة عَن سَلمَة بن
كهيل عَن حجر أبي العنبس عَن عَلْقَمَة بن وَائِل عَن
أَبِيه، وَقَالَ فِيهِ: (وخفض بهَا صَوته) . فَإِن قلت:
قَالَ التِّرْمِذِيّ: سَمِعت مُحَمَّد بن إِسْمَاعِيل
يَقُول: حَدِيث سُفْيَان أصح من حَدِيث شُعْبَة، وَأَخْطَأ
شُعْبَة فِي مَوَاضِع، فَقَالَ حجر أبي العنبس: وَإِنَّمَا
هُوَ حجر بن العنبس، ويكنى أَبَا السكن، وَزَاد فِيهِ
عَلْقَمَة، وَإِنَّمَا هُوَ حجر عَن أبي وَائِل، وَقَالَ:
خفض بهَا صَوته، وَإِنَّمَا هُوَ: مد بهَا صَوته قلت:
تخطئه مثل شُعْبَة خطأ، وَكَيف وَهُوَ أَمِير الْمُؤمنِينَ
فِي الحَدِيث؟ وَقَوله: (هُوَ حجر بن العنبس) ، وَلَيْسَ
بِأبي العنبس، لَيْسَ كَمَا قَالَه، بل هُوَ أَبُو العنبس
حجر بن العنبس، وَجزم بِهِ ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) ،
فَقَالَ: كنيته كاسم أَبِيه، وَقَول مُحَمَّد: يكنى أَبَا
السكن، لَا يُنَافِي أَن تكون كنيته أَيْضا أَبَا العنبس،
لِأَنَّهُ لَا مَانع أَن يكون لشخص كنيتان. وَقَوله:
(وَزَاد فِيهِ عَلْقَمَة) ، لَا يضر، لِأَن الزِّيَادَة من
الثِّقَة مَقْبُولَة، وَلَا سِيمَا من مثل شُعْبَة.
وَقَوله: وَقَالَ: وخفض بهَا صَوته وَإِنَّمَا هُوَ وَمد
بهَا صَوته، يُؤَيّد مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ عَن
وَائِل بن حجر قَالَ: (صليت مَعَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فَسَمعته حِين قَالَ {غير المغضوب
عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} قَالَ: آمين، فأخفى بهَا
صَوته) فَإِن قلت: قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ: وهم شُعْبَة
فِيهِ لِأَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَمُحَمّد بن سَلمَة بن
كهيل وَغَيرهمَا رَوَوْهُ عَن سَلمَة بن كهيل فَقَالُوا:
وَرفع بهَا صَوته، وَهُوَ الصَّوَاب، وَطعن صَاحب
(التَّنْقِيح) فِي حَدِيث شُعْبَة هَذَا بِأَنَّهُ: قد
رُوِيَ عَنهُ خِلَافه، كَمَا أخرجه الْبَيْهَقِيّ فِي
(سنَنه) عَن أبي الْوَلِيد الطَّيَالِسِيّ: حَدثنَا
شُعْبَة عَن سَلمَة بن كهيل سَمِعت حجرا أَبَا العنبس يحدث
(عَن وَائِل الْحَضْرَمِيّ أَنه: صلى خلف النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قَالَ: {وَلَا الضَّالّين}
قَالَ: آمين، رَافعا صَوته) ، قَالَ: فَهَذِهِ الرِّوَايَة
توَافق رِوَايَة سُفْيَان. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي
(الْمعرفَة) إِسْنَاد هَذِه الرِّوَايَة صَحِيح، وَكَانَ
شُعْبَة يَقُول: سُفْيَان أحفظ. وَقَالَ يحيى بن معِين:
إِذا خَالف شُعْبَة قَول سُفْيَان فَالْقَوْل قَول
سُفْيَان: قَالَ: وَقد أجمع الْحفاظ: البُخَارِيّ وَغَيره،
أَن شُعْبَة أَخطَأ قلت: قَول الدَّارَقُطْنِيّ: وهم
شُعْبَة، يدل على قلَّة اعتنائه بِكَلَام هَذَا الْقَائِل
وَإِثْبَات الْوَهم لَهُ، لكَونه غير مَعْصُوم مَوْجُود
فِي سُفْيَان، فَرُبمَا يكون هُوَ وهم، وَيُمكن أَن يكون
كلا الإسنادين صَحِيحا. وَقد قَالَ بعض الْعلمَاء:
وَالصَّوَاب أَن الْخَبَرَيْنِ بالجهر بهَا وبالمخافتة
صَحِيحَانِ، وَعمل بِكُل مِنْهُمَا جمَاعَة من الْعلمَاء.
فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْقطَّان فِي كِتَابه هَذَا:
الحَدِيث فِيهِ أَرْبَعَة أُمُور: اخْتِلَاف سُفْيَان
وَشعْبَة فِي اللَّفْظ وَفِي الكنية. وَحجر لَا يعرف
حَاله. واختلافهما أَيْضا حَيْثُ جعل سُفْيَان من رِوَايَة
حجر عَن عَلْقَمَة بن وَائِل عَن وَائِل. قلت: الْجَواب
عَن الأول: لَا يضر اختلا سُفْيَان وَشعْبَة، لِأَن كلا
مِنْهُمَا إِمَام عَظِيم الشَّأْن، فَلَا تسْقط رِوَايَة
أَحدهمَا بروية الآخر، وَمَا يُقَال من الْوَهم فِي
أَحدهمَا يصدق فِي الآخر، فَلَا ينْتج من ذَلِك شَيْء.
وَعَن الثَّانِي: أَيْضا، لَا يضر الِاخْتِلَاف
الْمَذْكُور فِي الِاسْم والكنية، كَمَا شرحناه الْآن.
وَعَن الثَّالِث: أَنه مَمْنُوع، وَكَيف لَا يعرف حَاله
وَقد ذكره الْبَغَوِيّ وَأَبُو الْفرج وَابْن الْأَثِير
وَغَيرهم فِي جملَة الصَّحَابَة، وَلَئِن نزلناه من
رُتْبَة الصَّحَابَة إِلَى رُتْبَة التَّابِعين فقد وجدنَا
جمَاعَة أثنوا عَلَيْهِ ووثقوه، مِنْهُم: الْخَطِيب أَبُو
بكر الْبَغْدَادِيّ. قَالَ: صَار مَعَ عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، إِلَى النهروان وَورد الْمَدَائِن فِي
صحبته، وَهُوَ ثِقَة احْتج بحَديثه غير وَاحِد من
الْأَئِمَّة، وَذكره ابْن حبَان فِي (الثِّقَات) ، وَقَالَ
ابْن معِين: كُوفِي ثِقَة مَشْهُور. وَعَن الرَّابِع: إِن
دُخُول عَلْقَمَة فِي الْوسط لَيْسَ بِعَيْب لِأَنَّهُ
سَمعه من عَلْقَمَة أَولا بنزول، ثمَّ رَوَاهُ عَن وَائِل
بعلوِّ، بَين ذَلِك الْكَجِّي فِي (سنَنه الْكَبِير) .
وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَفِي إِسْنَاده بشر بن رَافع
الْحَارِثِيّ، وَقد ضعفه البُخَارِيّ وَالتِّرْمِذِيّ
وَالنَّسَائِيّ وَأحمد وَابْن معِين، وَقَالَ ابْن
الْقطَّان فِي كِتَابه: بشر بن رَافع أَبُو الأسباط
الْحَارِثِيّ ضَعِيف، وَهُوَ يروي هَذَا الحَدِيث عَن عبد
الله ابْن عَم أبي هُرَيْرَة، وَأَبُو عبد الله هَذَا لَا
يعرف لَهُ حَال، وَلَا روى عَنهُ غير بشر، والْحَدِيث لَا
يَصح من أَجله، فَسقط بذلك قَول الْحَاكِم: على شَرط
الشَّيْخَيْنِ، وتحسين الدَّارَقُطْنِيّ إِيَّاه.
وَاحْتج أَصْحَابنَا أَيْضا بِمَا رَوَاهُ مُحَمَّد بن
الْحسن فِي كتاب الْآثَار: حَدثنَا أَبُو حنيفَة حَدثنَا
حَمَّاد بن أبي سُلَيْمَان عَن إِبْرَاهِيم النَّخعِيّ
قَالَ: (أَربع
(6/51)
يخفيهم الإِمَام: التَّعَوُّذ. وبسم الله
الرَّحْمَن الرَّحِيم. وسبحانك اللَّهُمَّ. وآمين) .
وَرَوَاهُ عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) : أخبرنَا معمر
عَن حَمَّاد بِهِ فَذكره إلاّ أَنه قَالَ عوض قَوْله:
(سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ. اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد)
. ثمَّ قَالَ: أخبرنَا الثَّوْريّ عَن مَنْصُور عَن
إِبْرَاهِيم قَالَ: (خمس يخفيهن الإِمَام) ، فَذكرهَا
وَزَاد: (سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك) . وَبِمَا
رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ فِي (تَهْذِيب الْآثَار) : حَدثنَا
أَبُو بكر ابْن عَيَّاش عَن أبي سعيد عَن أبي وَائِل،
قَالَ: (لم يكن عمر وَعلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا،
يجهران بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم وَلَا بآمين) ،
وَقَالُوا أَيْضا: آمين دُعَاء، وَالْأَصْل فِي الدُّعَاء
الْإخْفَاء.
وَفِيه: من الْفَضَائِل: تَفْضِيل الْإِمَامَة، لِأَن
تَأْمِين الإِمَام يُوَافق تَأْمِين الْمَلَائِكَة،
وَلِهَذَا شرعت للْإِمَام مُوَافَقَته.
112 - (بابُ فَضْلِ التَّأمِينِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل القَوْل بآمين.
781 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنْ أبي الزِّنادِ عنِ الأعْرَجِ عنْ أبي
هُررَيْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ رسولَ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا قَالَ أحدُكُمْ آمِينَ
وقالتِ المَلاَئِكَةُ فِي السَّمَاءِ آمِينَ فَوَافَقَتْ
إحْدَاهُنَّ الأُخْرَى غُفِرَ لَهُ مَا تقَدَّمَ منْ
ذَنْبِهِ (الحَدِيث 782 طرفه فِي: 4475) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
وَرِجَاله قد تكَرر ذكرهم، وَأَبُو الزِّنَاد: عبد الله بن
ذكْوَان، والأعرج هُوَ: عبد الرَّحْمَن ابْن هُرْمُز.
وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة وَفِي
الْمَلَائِكَة عَن مُحَمَّد بن سَلمَة عَن ابْن الْقَاسِم
عَن مَالك.
قَوْله: (أحدكُم) يتَنَاوَل لكل من قَرَأَ الْفَاتِحَة،
سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو خَارج الصَّلَاة، وَسَوَاء
كَانَ الَّذِي فِي الصَّلَاة إِمَامًا أَو مَأْمُوما،
لِأَن الْكَلَام مُطلق، وَلَكِن جَاءَ فِي رِوَايَة لمُسلم
مُقَيّدا بقوله: (إِذا قَالَ أحدكُم فِي صلَاته) ، قَالَ:
بَعضهم يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد. قلت: لَا، بل يجْرِي
الْمُطلق على إِطْلَاقه والمقيد على تَقْيِيده، وَكَيف
يحمل الْمُطلق على الْمُقَيد وَقد جَاءَ فِي (مُسْند)
أَحْمد من رِوَايَة همام: (إِذا أَمن القارىء فَأمنُوا) ،
فَهَذَا يدل على أَن التَّأْمِين مُسْتَحبّ إِذا أَمن
مُطلقًا لكل من سَمعه، سَوَاء كَانَ فِي الصَّلَاة أَو
خَارِجهَا. قَوْله: (وَقَالَت الْمَلَائِكَة فِي
السَّمَاء) ، يدل على أَن الْمَلَائِكَة لَا تخْتَص
بالحفظة. قَوْله: (فَوَافَقت إِحْدَاهمَا الْأُخْرَى)
يَعْنِي: وَافَقت كلمة تَأْمِين أحدكُم كلمة تَأْمِين
الْمَلَائِكَة. قَوْله: (من ذَنبه) كلمة: من، فِيهِ
بَيَانِيَّة لَا للتَّبْعِيض.
وَاسْتدلَّ بِهِ بعض الْمُعْتَزلَة على تَفْضِيل
الْمَلَائِكَة على الْبشر، وَسَيَجِيءُ الْجَواب عَن ذَلِك
فِي: بَاب الْمَلَائِكَة، إِن شَاءَ الله تَعَالَى، وَالله
أعلم بِحَقِيقَة الْحَال، وَإِلَيْهِ الْمَآل.
113 - (بابُ جَهْر المَأْمُومِ بِالتَّأْمِينِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان جهر الْمَأْمُوم بِلَفْظ:
آمين، وَرَاء الإِمَام، هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة
الْأَكْثَرين، وَوَقع فِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي
والحموي: بَاب جهر الإِمَام بآمين، وَفِي بعض النّسخ:
بالتامين، وَرِوَايَة الْأَكْثَرين أصوب، لِأَنَّهُ عقد
بَابا لجهر الإِمَام بالتأمين، وَقد مر قبل الْبَاب
الَّذِي قبل هَذَا الْبَاب، وَرِوَايَة: بَاب جهر
الإِمَام، هَهُنَا تقع مكررة.
782 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مَالِكٍ عنْ
سُمَيٍّ مَوْلَى أبِي بَكْرٍ عنْ أبِي صالِحٍ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ
إذَا قَالَ الإمامُ غيرِ المَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلاَ
الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ فَإِنَّهُ مَنْ وافَقَ
قَولُهُ قَوْلَ المَلاَئِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِهِ. (الحَدِيث 782 طرفه فِي: 4475) .
قَالَ ابْن الْمُنِير: مُنَاسبَة الحَدِيث للتَّرْجَمَة من
جِهَة أَن فِي الحَدِيث الْأَمر بقول: آمين، وَالْقَوْل
إِذا وَقع بِهِ الْخطاب مُطلقًا حمل على الْجَهْر، وَمَتى
أُرِيد بِهِ الْإِسْرَار أَو حَدِيث النَّفس قيد بذلك.
قلت: الْمُطلق يتَنَاوَل الْجَهْر والإخفاء، وتخصيصه
بالجهر وَالْحمل عَلَيْهِ تحكم لَا يجوز، وَقَالَ ابْن
رشيد: تُؤْخَذ الْمُنَاسبَة من جِهَة أَنه قَالَ: إِذا
قَالَ الإِمَام فَقولُوا، فقابل القَوْل بالْقَوْل،
وَالْإِمَام إِنَّمَا قَالَ ذَلِك جَهرا فَكَانَ الظَّاهِر
الِاتِّفَاق فِي الصّفة قلت: هَذَا أبعد من الأول وَأكْثر
تعسفا، لِأَن ظَاهر الْكَلَام أَن لَا يَقُولهَا الإِمَام
كَمَا رُوِيَ عَن مَالك، لِأَنَّهُ قسم، وَالْقِسْمَة
تنَافِي الشّركَة. وَقَوله: إِنَّمَا قَالَ ذَلِك جَهرا،
لَا يدل عَلَيْهِ معنى الحَدِيث
(6/52)
أصلا، فَكيف يَقُول: فَكَانَ الظَّاهِر
الِاتِّفَاق فِي الصّفة. والْحَدِيث لَا يدل على ذَات
التَّأْمِين عَن الإِمَام؟ فَكيف يطْلب الِاتِّفَاق فِي
الصّفة وَهِي مَبْنِيَّة على الذَّات؟ وَقَالَ ابْن بطال:
قد تقدم أَن الإِمَام يجْهر، وَتقدم أَن الْمَأْمُوم
مَأْمُور بالاقتداء بِهِ، فَلَزِمَ من ذَلِك جهره بجهر
قلت: هَذَا أبعد من الْكل، والملازمة مَمْنُوعَة، فعلى مَا
قَالَه يلْزم أَن يجْهر الْمَأْمُوم بِالْقِرَاءَةِ، وَلم
يقل بِهِ أحد، والكرماني أَيْضا ذكر هَذَا الْوَجْه،
فَكَأَنَّهُ أَخذه من ابْن بطال فَبَطل عَلَيْهِ، وَيُمكن
أَن يُوَجه وَجه لمناسبة الحَدِيث للتَّرْجَمَة، وَهُوَ
أَن يُقَال: أما ظَاهر الحَدِيث فَإِنَّهُ يدل على أَن
الْمَأْمُوم يَقُولهَا، وَهَذَا لَا نزاع فِيهِ، وَأما
أَنه يدل على جهره بالتأمين، فَلَا يدل. وَلَكِن يسْتَأْنس
لَهُ بِمَا ذكره قبل ذَلِك، وَهُوَ قَوْله: (أَمن ابْن
الزبير) ، إِلَى قَوْله: (خيرا) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة قد مضى ذكرهم غير مرّة، و: سمي،
بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْمِيم وَتَشْديد
الْيَاء آخر الْحُرُوف: مولى أبي بكر بن عبد الرَّحْمَن،
وَأَبُو صَالح: ذكْوَان الزيات.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن رُوَاته كلهم مدنيون.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: قد ذكرنَا فِي: بَاب
جهر الإِمَام وَالنَّاس بالتأمين، أَن مُسلما وَأَبا
دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ أَخْرجُوهُ،
وَكَذَلِكَ ذكرنَا جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ هُنَاكَ.
وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا لَا يُخَالف مَا قَالَ: إِذا
أَمن الإِمَام فَأمنُوا، لِأَنَّهُ نَص بِالتَّعْيِينِ
مرّة، وَدلّ بالتقدير أُخْرَى، فَكَأَنَّهُ قَالَ: إِذا
قَالَ الإِمَام: {وَلَا الضَّالّين} وَأمن، فَقولُوا:
آمين. وَيحْتَمل أَن يكون الْخطاب فِي حَدِيث أبي صَالح
يَعْنِي حَدِيث هَذَا الْبَاب لمن تبَاعد من الإِمَام،
فَكَانَ بِحَيْثُ لَا يسمع التَّأْمِين لِأَن جهر الإِمَام
بِهِ أَخفض من قِرَاءَته على كل حَال فقد يسمع قِرَاءَته
من لَا يسمع تأمينه إِذا كثرت الصُّفُوف وتكاثفت الجموع.
قلت: ذكر الْخطابِيّ الْوَجْهَيْنِ الْمَذْكُورين
بِالِاحْتِمَالِ الَّذِي لَا يدل عَلَيْهِ ظَاهر أَلْفَاظ
الْحَدِيثين، فَإِن كَانَ يُؤْخَذ هَذَا بالإحتمال، فَنحْن
أَيْضا نقُول: يحْتَمل أَن الْجَهْر فِيهِ لأجل تَعْلِيمه
النَّاس بذلك، لأَنا لَا ننازع فِي اسْتِحْبَاب
التَّأْمِين للْإِمَام وللمأموم، وَإِنَّمَا النزاع فِي
الْجَهْر بِهِ، فَنحْن اخترنا الْإخْفَاء لِأَنَّهُ
دُعَاء، وَالسّنة فِي الدُّعَاء الْإخْفَاء، وَالدَّلِيل
على أَنه دُعَاء قَوْله تَعَالَى فِي سُورَة يُونُس: {قد
أجيبت دعوتكما} (يُونُس: 89) . قَالَ أَبُو الْعَالِيَة
وَعِكْرِمَة وَمُحَمّد بن كَعْب وَالربيع بن مُوسَى: كَانَ
مُوسَى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَدْعُو وَهَارُون يُؤمن،
فسماهما الله تَعَالَى: داعيين، فَإِذا ثَبت أَنه دُعَاء
فإخفاؤه أفضل من الْجَهْر بِهِ، لقَوْله تَعَالَى: {ادعوا
رَبك تضرعا وخفية} (الْأَعْرَاف: 55) . على أَنا ذكرنَا
أَخْبَارًا وآثارا فِيمَا مضى تدل على الْإخْفَاء.
فَإِن قلت: تظاهرت الْأَحَادِيث بالجهر. مِنْهَا: مَا
رَوَاهُ الطَّبَرِيّ فِي (التَّهْذِيب) من حَدِيث عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: (أَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا قَالَ {وَلَا الضَّالّين} قَالَ
آمين، وَمد بهَا صَوته) ، وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيّ فِي (الْمعرفَة) : (عَن ابْن أم الْحصين عَن
أمه: أَنَّهَا صلت خلف النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَسَمعته يَقُول: آمين، وَهِي فِي صف النِّسَاء) . قلت:
كَذَلِك تظاهرت الْآثَار بالإخفاء، كَمَا ذكرنَا، وَحَدِيث
الطَّبَرِيّ فِيهِ ابْن أبي ليلى، وَهُوَ مِمَّن لَا
يحْتَج بِهِ، وَالْمَعْرُوف عَنهُ أَيْضا بِخِلَافِهِ،
وَحَدِيث ابْن مَاجَه أَيْضا، قَالَ الْبَزَّار فِي
(سنَنه) : هَذَا حَدِيث لم يثبت من جِهَة النَّقْل،
وَحَدِيث أم الْحصين يُعَارضهُ حَدِيث وَائِل: (أَنه صلى
مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا قَالَ:
{وَلَا الضَّالّين} قَالَ: آمين، وخفض بهَا صَوته) ،
وَالرِّجَال أدرى بِحَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
من النِّسَاء، وَقَالَ النَّوَوِيّ: فِي هَذَا الحَدِيث
دلَالَة ظَاهِرَة على أَن تَأْمِين الْمَأْمُوم يكون مَعَ
تَأْمِين الإِمَام لَا بعده. قلت: بل الْأَمر بِالْعَكْسِ،
لِأَن الْفَاء فِي الأَصْل للتعقيب، وَقَالَ أَيْضا:
وَأولُوا: إِذا أَمن، بِأَن مَعْنَاهُ: إِذا أَرَادَ
التَّأْمِين، جمعا بَين الْحَدِيثين. قلت: لَا خلاف بَين
الْحَدِيثين حَتَّى يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّأْوِيل
الَّذِي هُوَ خلاف الظَّاهِر، لِأَن كلا مِنْهُمَا ورد فِي
حَالَة، لِأَنَّهُ فِي حَالَة أَمر الْمَأْمُوم بالتأمين
وَسكت عَن تَأْمِين الإِمَام، وَفِي حَالَة بيَّن أَن
الإِمَام أَيْضا يُؤمن، وَالْمَقْصُود اسْتِحْبَاب
التَّأْمِين للْإِمَام وللمأموم، وَثَبت ذَلِك
بِالْحَدِيثين الْمَذْكُورين. فَافْهَم.
تابَعَهُ مُحَمَّدُ بنُ عَمْرٍ وعنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبي
هُرَيْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: تَابع سميا مُحَمَّد بن عَمْرو بن عَلْقَمَة
اللَّيْثِيّ، وَأخرج هَذِه الْمُتَابَعَة الْبَيْهَقِيّ
عَن أبي طَاهِر الْفَقِيه: أخبرنَا أَبُو بكر الْقطَّان
حَدثنَا أَحْمد بن مَنْصُور الْمروزِي حَدثنَا النَّضر بن
شُمَيْل أخبرنَا مُحَمَّد بن عَمْرو عَن أبي سَلمَة عَن
أبي هُرَيْرَة، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم:
(6/53)
(إِذا قَالَ الإِمَام: {غير المغضوب
عَلَيْهِم وَلَا الضَّالّين} فَقَالَ من خَلفه: آمين،
وَوَافَقَ ذَلِك قَول أهل السَّمَاء: آمين، غفر لَهُ مَا
تقدم من ذَنبه) . وَرَوَاهُ أَبُو مُحَمَّد الدَّارمِيّ
فِي (مُسْنده) : عَن يزِيد بن هَارُون عَن مُحَمَّد بن
عَمْرو بِهِ، وَرَوَاهُ أَيْضا عَن يزِيد بن هَارُون
وَابْن خُزَيْمَة والسراج وَابْن حبَان وَغَيرهم من طَرِيق
إِسْمَاعِيل بن جَعْفَر عَن مُحَمَّد بن عَمْرو بِهِ.
وَنُعَيْمٌ المُجْمِرُ عنْ أبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ الله
عنهُ
عطف على: مُحَمَّد بن عَمْرو، أَي: تَابع سميّا أَيْضا،
نعيم بن المجمر. وأخرجها الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من طَرِيق
عبد الْملك بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده عَن خَالِد بن
يزِيد عَن سعيد بن أبي هِلَال (عَن نعيم المجمر: صلى بِنَا
أَبُو هُرَيْرَة، فَقَالَ: بِسم الله الرَّحْمَن
الرَّحِيم، ثمَّ قَرَأَ بِأم الْقُرْآن حَتَّى بلغ {وَلَا
الضَّالّين} قَالَ: آمين. ثمَّ قَالَ: إِنِّي لأشبهكم
صَلَاة برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . وَقَالَ:
رُوَاته ثِقَات، وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن خُزَيْمَة
والسراج وَابْن حبَان وَغَيرهم من طَرِيق سعيد بن أبي
هِلَال عَن نعيم المجمر، قَالَ: (صليت وَرَاء أبي
هُرَيْرَة فَقَرَأَ بِبسْم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم ثمَّ
قَرَأَ بِأم الْقُرْآن حَتَّى بلغ: {وَلَا الضَّالّين}
فَقَالَ آمين. وَقَالَ النَّاس: آمين، وَيَقُول كلما سجد:
الله أكبر، وَإِذا قَامَ من الْجُلُوس فِي الاثنتين قَالَ:
الله أكبر، وَيَقُول: إِذا سلم: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ
إِنِّي لأشبهكم صَلَاة برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم) . قلت: التَّشْبِيه لَا عُمُوم لَهُ، فَلَا يلْزم
أَن يكون فِي جَمِيع أَجزَاء الصَّلَاة، بل فِي معظمها.
114 - (بابٌ إذَا رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ)
أَي: هَذَا بَاب تَرْجَمته: إِذا ركع الْمُصَلِّي قبل
وُصُوله إِلَى الصَّفّ، وَقَالَ بَعضهم: كَانَ اللَّائِق
إِيرَاد هَذِه التَّرْجَمَة فِي أَبْوَاب الْإِمَامَة.
قلت: لَا نسلم ذَلِك، لِأَن هَذَا حكم مصل يرْكَع قبل
وُصُوله إِلَى الصَّفّ، فعلى قَوْله: كَانَ يلْزم أَن
يذكر: بَاب إِذا اسْمَع الإِمَام الْآيَة، وَهُوَ
الْمَذْكُور قبل هَذَا الْبَاب بأَرْبعَة أَبْوَاب، فِي
أَبْوَاب الْإِمَامَة، فَإِنَّهُ مُتَعَلق بِالْإِمَامَةِ.
وَلم يراع البُخَارِيّ بَين الْأَبْوَاب من أَي كتاب كَانَ
الْمُنَاسبَة التَّامَّة، وَمَعَ هَذَا فَلَا يَخْلُو عَن
بعض مُنَاسبَة بَين كل بَابَيْنِ مذكورين مَعًا، وَهَهُنَا
يُمكن أَن يُقَال: الْمُنَاسبَة بَين هَذَا الْبَاب
والأبواب الَّتِي قبله من حَيْثُ إِن الرُّكُوع يكون بعد
الْقِرَاءَة الَّتِي هِيَ قِرَاءَة الْفَاتِحَة،
لِأَنَّهَا هِيَ الأَصْل عِنْدهم، وَيكون ختم الْفَاتِحَة
بِلَفْظ: آمين، وَلَيْسَ بَين الْقِرَاءَة وَالرُّكُوع
شَيْء آخر. وَقَالَ ابْن الْمُنِير: هَذِه التَّرْجَمَة
مِمَّا نوزع فِيهَا البُخَارِيّ حَيْثُ لم يَأْتِ بِجَوَاب
إِذا، لإشكال الحَدِيث وَاخْتِلَاف الْعلمَاء فِي المُرَاد
بقوله وَلَا تعد. انْتهى. قلت: جَوَاب: إِذا، على كل حَال
مَحْذُوف، فَيحْتَمل أَن يقدر الْجَواب: يجوز، وَيحْتَمل:
لَا يجوز، وَلَكِن الظَّاهِر: لَا يجوز، لِأَن طَرِيقَته
فِي الْقِرَاءَة خلف الإِمَام تُشِير إِلَى عدم الْجَوَاز.
783 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثنا
هَمَّامٌ عنِ الأعْلَمِ وَهْوَ زِيادٌ عنِ الحَسَنِ عنِ
أبي بَكْرَةَ أنَّهُ انْتَهَى ألَى النَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ رَاكِعٌ فَرَكَعَ قَبْلَ أنْ يَصِلَ
إلَى الصَّفِّ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فقالَ زَادَكَ الله حِرْصا ولاَ تَعُدْ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِي فِي قَوْله:
(فَرَكَعَ قبل أَن يصل إِلَى الصَّفّ) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل
أَبُو سَلمَة الْمنْقري التَّبُوذَكِي، الثَّانِي: همام
على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ ابْن يحيى. الثَّالِث:
الأعلم، على وزن أفعل الَّذِي هُوَ للتفضيل من الْعلم،
بِفتْحَتَيْنِ، من علم علما إِذا صَار أعلم، وَهُوَ
المشقوق الشّفة الْعليا، لَا من الْعلم، بِكَسْر الْعين
وَسُكُون اللَّام. وَقد فسر اسْمه بقوله: وَهُوَ زِيَاد،
بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر الْحُرُوف: ابْن
حسان، على وزن فعال بِالتَّشْدِيدِ. الرَّابِع: الْحسن
الْبَصْرِيّ. الْخَامِس: أَبُو بكرَة، بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الْكَاف، واسْمه: نفيع بن الْحَارِث
بن كلدة، من فضلاء الصَّحَابَة بِالْبَصْرَةِ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: عَن الأعلم، وَفِي
رِوَايَة عَفَّان عَن همام: حَدثنَا زِيَاد الأعلم، أخرجه
ابْن أبي شيبَة. وَفِيه: زِيَاد مَذْكُور بلقبه وَهُوَ:
الأعلم، لقب بِهِ لِأَنَّهُ كَانَ مشقوق الشّفة السُّفْلى،
قَالَ بَعضهم: هَكَذَا السُّفْلى وَلَيْسَ كَذَلِك، بل
الأعلم إِنَّمَا يُقَال
(6/54)
للمشقوق الشّفة الْعليا، كَمَا ذَكرْنَاهُ.
وَفِيه: عَن الْحسن عَن أبي بكرَة، بِفَتْح الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الْكَاف، أعله بَعضهم بِأَن الْحسن
عنعنه، وَقيل: إِنَّه لم يسمع من أبي بكرَة، وَإِنَّمَا
يروي عَن الْأَحْنَف عَنهُ، ورد هَذَا الإعلال بِمَا
رَوَاهُ النَّسَائِيّ: أخبرنَا حميد بن مسْعدَة عَن يزِيد
بن زُرَيْع، قَالَ: حَدثنَا سعيد عَن زِيَاد الأعلم،
قَالَ: أخبرنَا الْحسن أَن أَبَا بكرَة حَدثهُ أَنه دخل
الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاكِع
فَرَكَعَ دون الصَّفّ. فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: زادك الله حرصا وَلَا تعد. وَفِيه: أَن رُوَاته
كلهم بصريون. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن
التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ، لِأَن زيادا من صغَار
التَّابِعين، وَالْحسن من كبارهم، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا فِي
الصَّلَاة عَن حميد بن مسْعدَة عَن يزِيد بن زُرَيْع عَن
سعيد ابْن أبي عرُوبَة عَن زِيَاد، وَعَن مُوسَى بن
إِسْمَاعِيل عَن حَمَّاد عَن زِيَاد. وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِيهِ عَن حميد بن مسْعدَة بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَنه انْتهى إِلَى النَّبِي، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ رَاكِع) ، أَي: وَالْحَال أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَاكِع. وَفِي رِوَايَة
النَّسَائِيّ عَن زِيَاد: (أخبرنَا الْحسن أَن أَبَا بكرَة
حَدثهُ أَنه دخل الْمَسْجِد وَالنَّبِيّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم رَاكِع) . وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد عَن الْحسن:
(أَن أَبَا بكرَة جَاءَ وَرَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم رَاكِع) . وَفِي رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: عَن الْحسن
عَن أبي بكرَة، قَالَ: (جِئْت وَرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم رَاكِع، وَقد حفزني النَّفس فركعت دون
الصَّفّ) . قَوْله: (فَذكر ذَلِك النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) أَي: فَذكر مَا فعله أَبُو بكرَة من
رُكُوعه دون الصَّفّ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد:
(فَلَمَّا قضى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلَاته،
قَالَ: أَيّكُم الَّذِي ركع دون الصَّفّ ثمَّ مَشى إِلَى
الصَّفّ؟ فَقَالَ أَبُو بكرَة: أَنا. فَقَالَ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: زادك الله حرصا، وَلَا تعد) .
وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ من رِوَايَة حَمَّاد بن
سَلمَة: (فَلَمَّا انْصَرف رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم قَالَ: أَيّكُم دخل الصَّفّ وَهُوَ رَاكِع؟) قَوْله:
(زادك الله حرصا) أَي: على الْخَيْر. قَوْله: (وَلَا تعد)
قَالَ السفاقسي عَن الشَّافِعِي، يَعْنِي: لَا تركع دون
الصَّفّ. وَقيل: لَا تعد أَن تسْعَى إِلَى الصَّلَاة سعيا
يحفزك فِي النَّفس. وَقيل: لَا تعد إِلَى الإبطاء. وَقَالَ
الطَّحَاوِيّ: قَوْله: (لَا تعد) ، عندنَا يحْتَمل معنين:
يحْتَمل وَلَا تعد أَن تركع دون الصَّفّ حَتَّى تقوم فِي
الصَّفّ، كَمَا قد روى عَن أبي هُرَيْرَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: قَالَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (إِذا أَتَى أحدكُم الصَّلَاة فَلَا
يرْكَع دون الصَّفّ حَتَّى يَأْخُذ مَكَانَهُ من الصَّفّ)
. وَيحْتَمل أَي وَلَا تعد أَن تسْعَى إِلَى الصَّفّ سعيا
يحفزك فِيهِ النَّفس، كَمَا جَاءَ عَن أبي هُرَيْرَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، عَن رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: (إِذا أُقِيمَت الصَّلَاة فَلَا
تأتوها وَأَنْتُم تسعون، واتوها وَأَنْتُم تمشون
وَعَلَيْكُم السكينَة، فَمَا أدركتم فصلوا وَمَا فاتكم
فَأتمُّوا) . وَقَالَ القَاضِي الْبَيْضَاوِيّ: يحْتَمل
أَن يكون عَائِدًا إِلَى الْمَشْي إِلَى الصَّفّ فِي
الصَّلَاة، فَإِن الخطوة والخطوتين، وَإِن لم تفْسد
الصَّلَاة، لَكِن الأولى التَّحَرُّز عَنْهَا. ثمَّ
قَوْله: (وَلَا تعد) فِي جَمِيع الرِّوَايَات، بِفَتْح
التَّاء وَضم الْعين: من الْعود. وَقيل: رُوِيَ بِضَم
التَّاء وَكسر الْعين: من الْإِعَادَة، فَإِن صحت هَذِه
الرِّوَايَة فَمَعْنَاه: وَلَا تعد صَلَاتك.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الطَّحَاوِيّ: فِي هَذَا
الحَدِيث أَنه ركع دون الصَّفّ فَلم يَأْمُرهُ رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِإِعَادَة الصَّلَاة. انْتهى.
وَرُوِيَ عَن ابْن مَسْعُود وَزيد بن ثَابت، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا: أَنَّهُمَا فعلا ذَلِك، ركعا دون
الصَّفّ ومشيا إِلَى الصَّفّ رُكُوعًا، وَفعله عُرْوَة بن
الزبير وَسَعِيد بن جُبَير وَأَبُو سَلمَة وَعَطَاء،
وَقَالَ مَالك وَاللَّيْث: لَا بَأْس بذلك إِذا كَانَ
قَرِيبا قدر مَا يلْحق. وحد الْقرب فِيمَا حَكَاهُ
القَاضِي إِسْمَاعِيل عَن مَالك: أَن يصل إِلَى الصَّفّ
قبل سُجُود الإِمَام. وَقيل: يدب قدر مَا بَين الفرجتين.
وَفِي (الغنية) : ثَلَاث صُفُوف، وَفِي (الْأَوْسَط) : من
حَدِيث عَطاء ان ابْن الزبير قَالَ على الْمِنْبَر: إِذا
دخل أحدكُم الْمَسْجِد وَالنَّاس رُكُوع فليركع حِين يدْخل
ثمَّ يدب رَاكِعا حَتَّى يدْخل فِي الصَّفّ، فَإِن ذَلِك
السّنة. قَالَ عَطاء: ورأيته يصنع ذَلِك، وَفِي
(المُصَنّف) بِسَنَد صَحِيح: عَن زيد بن وهب، قَالَ: (خرجت
مَعَ عبد الله من دَاره فَلَمَّا توسطنا الْمَسْجِد ركع
الإِمَام فَكبر عبد الله ثمَّ ركع وركعت مَعَه، ثمَّ مشينا
إِلَى الصَّفّ راكعين حَتَّى رفع الْقَوْم رؤوسهم،
فَلَمَّا قضى الإِمَام الصَّلَاة قُمْت لأصلي فَأخذ بيَدي
عبد الله فأجلسني، وَقَالَ: إِنَّك قد أدْركْت) . وَرُوِيَ
فِي (المُصَنّف) أَيْضا: أَن أَبَا أُمَامَة فعل ذَلِك
وَزيد بن ثَابت وَسَعِيد بن جُبَير وَعُرْوَة بن الزبير
وَمُجاهد وَالْحسن. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكره ذَلِك
للْوَاحِد وَلَا يكره للْجَمَاعَة، ذكره الطَّحَاوِيّ.
وَفِيه: أَن دُخُول أَبَا بكرَة فِي الصَّلَاة دون الصَّفّ
لما كَانَ صَحِيحا كَانَت صَلَاة الْمُصَلِّي كلهَا دون
الصَّفّ صَلَاة صَحِيحَة، وَهُوَ صَلَاة
(6/55)
الْمُنْفَرد خلف الصَّفّ، وَبِه قَالَ
الثَّوْريّ وَعبد الله بن الْمُبَارك وَالْحسن الْبَصْرِيّ
وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَمَالك
وَأَبُو يُوسُف وَمُحَمّد، وَلَكِن بأثم، إِمَّا الْجَوَاز
فَلِأَنَّهُ يتَعَلَّق بالأركان، وَقد وجدت. وَإِمَّا
الْإِسَاءَة فلوجود النَّهْي عَن ذَلِك وَهُوَ قَوْله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا صَلَاة لفرد خلف الصَّفّ) ،
وَمَعْنَاهُ: لَا صَلَاة كَامِلَة، كَمَا فِي قَوْله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا وضوء لمن لم يسم الله) ،
وَقَوله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا صَلَاة لِجَار
الْمَسْجِد إلاّ فِي الْمَسْجِد) ، وَقَالَ حَمَّاد ابْن
أبي سُلَيْمَان وإبرهيم النَّخعِيّ وَابْن أبي ليلى ووكيع
وَالْحكم وَالْحسن بن صَالح وَأحمد وَإِسْحَاق وَابْن
الْمُنْذر: من صلى خلف صف مُنْفَردا فَصلَاته بَاطِلَة.
وَاحْتَجُّوا بِالْحَدِيثِ الْمَذْكُور، وَقد أجبنا عَنهُ.
وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث وابصة بن معبد
الْأَشْجَعِيّ: (أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
رأى رجلا يُصَلِّي خلف الصَّفّ وَحده، فَأمره أَن يُعِيد.
قَالَ سُلَيْمَان: الصَّلَاة) . رَوَاهُ أَبُو دَاوُد
وَغَيره، وَصَححهُ أَحْمد وَابْن خُزَيْمَة. وَالْجَوَاب
عَنهُ أَن فِي سَنَده اخْتِلَافا، بَيَانه أَن الَّذِي
يرويهِ هِلَال بن يسَاف عَن عَمْرو بن رَاشد عَن وابصة،
وَمِنْهُم من قَالَ: هِلَال عَن وابصة، وَعَن هَذَا قَالَ
الشَّافِعِي: لَو ثَبت الحَدِيث لَقلت بِهِ. وَقَالَ
الْحَاكِم: إِنَّمَا لم يُخرجهُ الشَّيْخَانِ لفساد
الطَّرِيق إِلَيْهِ. وَقَالَ الْبَزَّار عَن عَمْرو بن
رَاشد: لَيْسَ مَعْرُوفا بِالْعَدَالَةِ فَلَا يحْتَج
بحَديثه، وهلال لم يسمع من وابصة، فأمسكنا عَن ذكره
لإرساله. وَقَالَ أَبُو عمر: فِيهِ اضْطِرَاب وَلَا تثبته
جمَاعَة. فَإِن قلت: أخرج ابْن مَاجَه فِي (سنَنه) :
حَدثنَا أَبُو بكر بن أبي شيبَة حَدثنَا ملازم بن عَمْرو
عَن عبد الله بن بدر وحَدثني عبد الرَّحْمَن بن عَليّ بن
شَيبَان عَن أَبِيه عَليّ بن شَيبَان، وَكَانَ من
الْوَفْد، قَالَ: (خرجنَا حَتَّى قدمنَا على النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فَبَايَعْنَاهُ وصلينا خَلفه، قَالَ:
ثمَّ صلينَا وَرَاءه صَلَاة أُخْرَى فَقضى الصَّلَاة،
فَرَأى رجلا فَردا يُصَلِّي خلف الصَّفّ قَالَ: فَوقف
عَلَيْهِ نَبِي الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، حَتَّى
انْصَرف قَالَ: اسْتقْبل صَلَاتك، لَا صَلَاة للَّذي خلف
الصَّفّ) . وَأخرجه ابْن حبَان فِي (صَحِيحه) قلت: أخرجه
الْبَزَّار فِي (مُسْنده) وَقَالَ: عبد الله بن بدر،
لَيْسَ بِالْمَعْرُوفِ، إِنَّمَا حدث عَنهُ ملازم بن
عَمْرو وَمُحَمّد بن جَابر، فَأَما ملازم فقد احْتمل
حَدِيثه وَإِن لم يحْتَج بِهِ، وَأما مُحَمَّد بن جَابر
فقد سكت النَّاس عَن حَدِيثه، وَعلي بن شَيبَان لم يحدث
عَنهُ إلاّ ابنع، وَابْنه هَذَا غير مَعْرُوف، وَإِنَّمَا
ترْتَفع جَهَالَة الْمَجْهُول إِذا روى عَنهُ ثقتان
مشهوران، فَأَما إِذا روى عَنهُ من لَا يحْتَج بحَديثه لم
يكن ذَلِك الحَدِيث حجَّة،. وَلَا ارْتَفَعت الْجَهَالَة.
وَأجَاب الطَّحَاوِيّ عَنهُ: أَن معنى قَوْله: (لَا صَلَاة
للَّذي خلف الصَّفّ) ، لَا صَلَاة كَامِلَة، لِأَن من سنة
الصَّلَاة مَعَ الإِمَام اتِّصَال الصُّفُوف وسد الْفرج،
فَإِن قصر عَن ذَلِك فقد أَسَاءَ وَصلَاته مجزية وَلكنهَا
لَيْسَ بِالصَّلَاةِ المتكاملة، فَقيل لذَلِك: لَا صَلَاة
لَهُ، أَي: لَا صَلَاة متكاملة. كَمَا قَالَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (لَيْسَ الْمِسْكِين الَّذِي ترده التمرة
وَالتَّمْرَتَانِ) الحَدِيث، مَعْنَاهُ: لَيْسَ هُوَ
الْمِسْكِين المتكامل فِي المسكنة، إِذْ هُوَ يسْأَل
فَيعْطى مَا يقوته ويواري عَوْرَته، وَلَكِن الْمِسْكِين
الَّذِي لَا يسْأَل النَّاس وَلَا يعرفونه فيتصدقون
عَلَيْهِ.
وَقَالَ الْخطابِيّ وَفِيه: دَلِيل على أَن قيام
الْمَأْمُوم من وَرَاء الإِمَام وَحده لَا يفْسد صلَاته،
وَذَلِكَ أَن الرُّكُوع جُزْء من الصَّلَاة، فَإِذا
أَجزَأَهُ مُنْفَردا عَن الْقَوْم أَجزَأَهُ سَائِر
أَجْزَائِهَا، كَذَلِك، إلاّ أَنه مَكْرُوه لقَوْله:
(فَلَا تعد) ، وَنَهْيه إِيَّاه عَن الْعود إرشاد لَهُ فِي
الْمُسْتَقْبل إِلَى مَا هُوَ أفضل، وَلَو كَانَ نهي
تَحْرِيم لأَمره بِالْإِعَادَةِ.
وَفِيه: أَن من أدْرك الإِمَام على حَال يجب أَن يصنع
كَمَا يصنع الإِمَام، وَقد ورد الْأَمر بذلك صَرِيحًا فِي
(سنَن سعيد بن مَنْصُور) من رِوَايَة عبد الْعَزِيز بن
رفيع عَن أنَاس من أهل الْمَدِينَة: (أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم: قَالَ: من وجدني قَائِما أَو رَاكِعا
أَو سَاجِدا فَلْيَكُن معي على الْحَالة الَّتِي أَنا
عَلَيْهَا) . وَفِي التِّرْمِذِيّ نَحوه عَن عَليّ ومعاذ
بن جبل مَرْفُوعا، وَفِي إِسْنَاده ضعف، وَلكنه يعتضد
بِمَا رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور الْمَذْكُور آنِفا. وَالله
أعلم.
115 - (بابُ إتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوعِ)
أَي: هَذَا بَاب ي بَيَان إتْمَام التَّكْبِير فِي
الرُّكُوع. قَالَ الْكرْمَانِي فَإِن قلت: التَّرْجَمَة
تَامَّة بِدُونِ لفظ: الْإِتْمَام، بِأَن يَقُول: بَاب
التَّكْبِير فِي الرُّكُوع، فَلَا فَائِدَة فِيهِ، بل هُوَ
مخل لِأَن حَقِيقَة التَّكْبِير لَا تزيد وَلَا تنقص. قلت:
المُرَاد مِنْهُ أَن يمد التَّكْبِير الَّذِي هُوَ
للانتقال من الْقيام إِلَى الرُّكُوع بِحَيْثُ يتمه فِي
الرُّكُوع بِأَن تقع وَرَاء الله أكبر فِيهِ، وإتمام
الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوع، أَو إتْمَام عدد
تَكْبِيرَات الصَّلَاة بِالتَّكْبِيرِ فِي الرُّكُوع. قلت:
يجوز أَن يكون المُرَاد من: إتْمَام التَّكْبِير فِي
الرُّكُوع، هُوَ تَبْيِين حُرُوفه من غير
(6/56)
هذّ فِيهِ، والإتمام يرجع إِلَى صفته لَا
إِلَى حَقِيقَته. فَإِن قلت: هَذَا لَا بُد مِنْهُ فِي
سَائِر تَكْبِيرَات الصَّلَاة، فَمَا معنى تَخْصِيصه
بِالرُّكُوعِ هُنَا؟ ثمَّ بِالسُّجُود فِي الْبَاب الَّذِي
بعده؟ قلت: لما كَانَ الرُّكُوع وَالسُّجُود من أعظم
أَرْكَان الصَّلَاة خصهما بِالذكر، وَإِن كَانَ الحكم فِي
تَكْبِيرَات غَيرهمَا مثله فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد من
حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أَبْزي، قَالَ: (صليت خلف
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلم يتم التَّكْبِير) ،
فَهَذَا يُخَالف التَّرْجَمَة؟ قلت: روى البُخَارِيّ فِي
(التَّارِيخ) عَن أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ أَنه قَالَ:
هَذَا عندنَا حَدِيث بَاطِل، وَقَالَ الطَّبَرِيّ
وَالْبَزَّار: تفرد بِهِ الْحسن بن عمرَان، وَهُوَ
مَجْهُول.
قالَ ابنُ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم
أَي: قَالَ بإتمام التَّكْبِير فِي الرُّكُوع عبد الله بن
عَبَّاس، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن ابْن عَبَّاس قَالَ
ذَلِك بِالْمَعْنَى فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ، وَفِي
الْبَاب الَّذِي بعده، أما الأول: فَهُوَ قَوْله: حَدثنَا
عَمْرو بن عون، قَالَ: حَدثنَا هشيم عَن أبي بشر عَن
عِكْرِمَة، قَالَ: (رَأَيْت رجلا عِنْد الْمقَام يكبر فِي
كل خفض وَرفع) الحَدِيث. وَأما الثَّانِي: فَهُوَ قَوْله:
حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، قَالَ: أخبرنَا همام عَن
قَتَادَة عَن عِكْرِمَة، قَالَ: (صليت خلف شيخ بِمَكَّة
فَكبر اثْنَتَيْنِ وَعشْرين تَكْبِيرَة) الحَدِيث.
وفِيِه مالِكُ بنُ الحُوَيْرِثِ
أَي: فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث مَالك بن الْحُوَيْرِث،
وَسَيَأْتِي حَدِيثه فِي: بَاب الْمكْث بَين
السَّجْدَتَيْنِ، وَفِيه: (فَقَامَ ثمَّ ركع فَكبر) .
784 - حدَّثنا أسْحَاقُ الوَاسِطِيُّ قَالَ حدَّثنا خالِدٌ
عنِ الجُرَيْرِيِّ عنْ أبي العَلاءِ عنْ مُطَرِّفٍ عَنْ
عِمْرَانَ بنِ حُصَيْنٍ قَالَ صَلى معَ عَلِيٍّ رَضِي الله
عنْهُ فقالَ ذَكَّرَنَا هَذَا الرَّجُلُ صَلاَةً كُنَّا
نُصَلِّيهَا مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَذَكَرَ أنَّهُ كانَ يُكَبِّرُ كُلَّمَا رَفَعَ وكُلَّمَا
وضعَ
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (كَانَ يكبر كلما رفع) ،
فَإِنَّهُ عبارَة عَن تَكْبِير الرُّكُوع فَإِن قلت:
الحَدِيث يدل على مُجَرّد التَّكْبِير، والترجمة على
إتْمَام التَّكْبِير. قلت: لَا شكّ أَن تَكْبِير النَّبِي
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ بإتمامه إِيَّاه فِي
الْمَعْنى، فالترجمة تَشْمَل الْوَجْهَيْنِ.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: إِسْحَاق بن شاهين أَبُو
بشر الوَاسِطِيّ. الثَّانِي: خَالِد بن عبد الله
الطَّحَّان. الثَّالِث: سعيد بن إِيَاس الْجريرِي، بِضَم
الْجِيم وَفتح الرَّاء الأولى. الرَّابِع: أَبُو الْعَلَاء
يزِيد بن عبد الله بن الشخير، بِكَسْر الشين وَتَشْديد
الْخَاء الْمُعْجَمَة. الْخَامِس: مطرف، بِضَم الْمِيم
وَفتح الطَّاء وَكسر الرَّاء الْمُشَدّدَة وَفِي آخِره
فَاء: هُوَ أَخُو يزِيد بن عبد الله الْمَذْكُور.
السَّادِس: عمرَان بن الْحصين، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع، والإخبار كَذَلِك فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي
أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه:
أَن شَيْخه من أَفْرَاده. وَفِيه: أَن الْأَوَّلين من
الروَاة واسطيان والبقية بصريون. وَفِيه: رِوَايَة الْأَخ
عَن الْأَخ، وَهِي رِوَايَة أبي الْعَلَاء عَن أَخِيه
مطرف. وَقَالَ الْبَزَّار فِي (سنَنه) : هَذَا الحَدِيث
رَوَاهُ غير وَاحِد عَن مطرف عَن عمرَان، وَعَن الْحسن عَن
عمرَان.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (صلى) أَي: عمرَان. قَوْله: (مَعَ
عَليّ) أَي: ابْن أبي طَالب. قَوْله: (بِالْبَصْرَةِ) ،
بِتَثْلِيث الْبَاء ثَلَاث لُغَات، ذكرهَا الْأَزْهَرِي،
وَالْمَشْهُور الْفَتْح، وَحكى الْخَلِيل فِيهَا ثَلَاث
لُغَات أُخْرَى: البصْرة والبصَرة والبصِرة، الأولى
بِسُكُون الصَّاد، وَالثَّانيَِة بِفَتْحِهَا،
وَالثَّالِثَة بِكَسْرِهَا. وَقَالَ السَّمْعَانِيّ:
يُقَال لَهَا: قبَّة الْإِسْلَام وخزانة الْعَرَب بناها
عتبَة بن غَزوَان فِي خلَافَة عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، وَلم يعبد الصَّنَم قطّ على أرْضهَا، وَكَانَ
بناؤها فِي سنة سبع عشرَة، وطولها فرسخان فِي فَرسَخ.
وَقَالَ الرشاطي: الْبَصْرَة فِي الْعرَاق، وَالْبَصْرَة
أَيْضا مَدِينَة فِي الْمغرب بِقرب طنجة، وَهِي الْآن
خراب، وَالْبَصْرَة هِيَ الْحِجَارَة الرخوة تضرب إِلَى
الْبيَاض، وَسميت الْبَصْرَة بِهَذَا لِأَن أرْضهَا
الَّتِي بَين العقيق وَأَعْلَى المربد حِجَارَة،
وَالنِّسْبَة إِلَيْهَا: بَصرِي وبصري بِفَتْح الْبَاء
وَكسرهَا، وَكَانَت صَلَاة عمرَان مَعَ عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، بِالْبَصْرَةِ بعد وقْعَة الْجمل.
قَوْله: (ذكرنَا) ، بتَشْديد الْكَاف وَفتح الرَّاء، وَهِي
جملَة من الْفِعْل وَالْمَفْعُول، وَالْفَاعِل، هُوَ
قَوْله: (هَذَا الرجل) ، وَأَرَادَ عَليّ بن أبي طَالب.
وَقَوله: (ذكرنَا) يدل على أَن التَّكْبِير قد ترك، وَقد
روى أَحْمد والطَّحَاوِي بِإِسْنَاد صَحِيح عَن أبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ، قَالَ: (ذكرنَا عَليّ صَلَاة كُنَّا نصليها
(6/57)
مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إِمَّا نسيناها وَإِمَّا تركناها عمدا) . قَوْله: (صَلَاة)
بِالنّصب مفعول: ذكر، قَوْله: (كُنَّا نصليها) ، جملَة فِي
مَحل النصب على أَنَّهَا صفة لقَوْله: (صَلَاة) . قَوْله:
(كلما رفع وَكلما وضع) يَعْنِي: فِي جَمِيع
الِانْتِقَالَات، وَلَكِن خص مِنْهُ الرّفْع من الرُّكُوع
بِالْإِجْمَاع، فَإِنَّهُ شرع فِيهِ التَّحْمِيد.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن التَّكْبِير فِي كل
خفض وَرفع، وَإِلَيْهِ ذهب عَطاء بن أبي رَبَاح وَالْحسن
الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد بن سِيرِين وَإِبْرَاهِيم
النَّخعِيّ وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَأَبُو حنيفَة
وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وأصحابهم، ويحكى ذَلِك عَن
ابْن مَسْعُود وَأبي هُرَيْرَة وَجَابِر وَقيس بن عبَادَة
وَآخَرين، وَكَانَ عمر بن عبد الْعَزِيز وَمُحَمّد بن
سِيرِين وَالقَاسِم وَسَالم بن عبد الله وَسَعِيد بن
جُبَير وَقَتَادَة لَا يكبرُونَ فِي الصَّلَاة إِذا خفضوا.
وَقَالَ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) : حَدثنَا أَبُو
دَاوُد عَن شُعْبَة عَن الْحسن بن عمرَان أَن عمر بن عبد
الْعَزِيز كَانَ لَا يتم التَّكْبِير. حَدثنَا يحيى بن
سعيد (عَن عبيد الله بن عمر، قَالَ: صليت خلف الْقَاسِم
وَسَالم فَكَانَا لَا يتمان التَّكْبِير) . حَدثنَا غنْدر
عَن شُعْبَة عَن عمر بن مرّة، قَالَ: (صليت مَعَ سعيد بن
جُبَير فَكَانَ لَا يتم التَّكْبِير) . حَدثنَا عَبدة بن
سُلَيْمَان عَن مسعر عَن يزِيد الْفَقِير، قَالَ: كَانَ
ابْن عمر ينقص التَّكْبِير فِي الصَّلَاة. وَقَالَ مسعر:
إِذا انحط بعد الرُّكُوع للسُّجُود لم يكبر فَإِذا أَرَادَ
أَن يسْجد الثَّانِيَة لم يكبر، ويحكى عَن عمر بن الْخطاب
أَيْضا. وَأخرج عبد الرَّزَّاق فِي (مُصَنفه) : عَن
إِسْمَاعِيل بن عبد الله بن أبي الْوَلِيد قَالَ:
أَخْبرنِي شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن رجل عَن ابْن ابزى عَن
أَبِيه أَن عمر بن الْخطاب أمّهم فَلم يكبر هَذَا
التَّكْبِير، ويحكى عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا. وَأخرج عبد
الرَّزَّاق بن عُيَيْنَة عَن عَمْرو بن دِينَار عَن جَابر
بن يزِيد، قَالَ: صليت مَعَ ابْن عَبَّاس بِالْبَصْرَةِ
فَلم يكبر هَذَا التَّكْبِير بِالرَّفْع والخفض. قلت:
الْمَشْهُور عَن هَؤُلَاءِ التَّكْبِير فِي الْخَفْض
وَالرَّفْع، وَرِوَايَات هَؤُلَاءِ مَحْمُولَة على أَنهم
تَرَكُوهُ أَحْيَانًا بَيَانا للْجُوَاز، أَو الرَّاوِي لم
يسمع ذَلِك مِنْهُم لخفا الصَّوْت، وَكَانَت بَنو أُميَّة
يتركون التَّكْبِير فِي الْخَفْض وهم مثل مُعَاوِيَة
وَزِيَاد وَعمر بن عبد الْعَزِيز. قَالَ ابْن أبي شيبَة:
حَدثنَا جرير عَن مَنْصُور عَن أبراهيم قَالَ: أول من نقص
التَّكْبِير زِيَاد، وَقَالَ الطَّبَرِيّ: إِن أَبَا
هُرَيْرَة سُئِلَ: مَن أول من ترك التَّكْبِير إِذا رفع
رَأسه وَإِذا وَضعه؟ قَالَ: مُعَاوِيَة. وَقَالَ أَبُو عبد
الله الْعَدنِي فِي (مُسْنده) : حَدثنَا بشر بن الْحَارِث
حَدثنَا إِسْرَائِيل عَن ثُوَيْر عَن أَبِيه عَن عبد الله
قَالَ: أول من نقص التَّكْبِير الْوَلِيد بن عقبَة،
فَقَالَ عبد الله: نقصوها نقصهم الله، فقد رَأَيْت رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يكبر كلما ركع وَكلما سجد
وَكلما رفع رَأسه، وَعَن بعض السّلف: انه كَانَ لَا يكبر
سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام، وَفرق بَعضهم بَين
الْمُنْفَرد وَغَيره. . فَإِن قلت: مَا تَقول فِي حَدِيث
عبد الرَّحْمَن بن أَبْزي الْخُزَاعِيّ: (أَنه صلى مَعَ
رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَكَانَ لَا يتم
التَّكْبِير) ؟ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد والطَّحَاوِي؟ قلت:
قَالُوا: إِنَّه ضَعِيف ومعلول بالْحسنِ بن عمرَان أحد
رُوَاته. قَالَ الطَّبَرِيّ: هُوَ مَجْهُول لَا يجوز
الِاحْتِجَاج بِهِ. وَقَالَ البُخَارِيّ فِي (تَارِيخه) ،
عَن أبي دَاوُد الطَّيَالِسِيّ: إِنَّه حَدِيث بَاطِل،
وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب فَإِن قلت: شَكَوْت أبي دَاوُد
والطَّحَاوِي يدل على الصِّحَّة عِنْدهمَا؟ قلت: وَلَئِن
سلمنَا صِحَّته فَالْجَوَاب مَا ذَكرْنَاهُ عَن قريب،
وتأوله الْكَرْخِي على حذفه، وَذَلِكَ نُقْصَان صفة عدد،
وَأجَاب الطَّحَاوِيّ: أَن الْآثَار المتواترة على
خِلَافه، وَأَن الْعَمَل على غَيره. فَإِن قلت: تَكْبِيرَة
الِانْتِقَالَات سنة أم وَاجِبَة؟ قلت: اخْتلفُوا فِيهِ،
فَقَالَ قوم: هِيَ سنة، قَالَ ابْن الْمُنْذر: وَبِه قَالَ
أَبُو بكر الصّديق وَعمر وَجَابِر وَقيس بن عبَادَة
وَالشعْبِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَسَعِيد بن عبد الْعَزِيز
وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة، وَنَقله ابْن بطال
أَيْضا عَن عُثْمَان وَعلي وَابْن مَسْعُود وَابْن عمر
وَأبي هُرَيْرَة وَابْن الزبير وَمَكْحُول وَالنَّخَعِيّ
وَأبي ثَوْر، وَقَالَت الظَّاهِرِيَّة وَأحمد فِي
رِوَايَة: كلهَا وَاجِبَة. وَقَالَ أَبُو عمر: قد قَالَ
قوم من أهل الْعلم: إِن التَّكْبِير أَنما هُوَ أذن بحركات
الإِمَام وشعار الصَّلَاة وَلَيْسَ بِسنة إلاّ فِي
الْجَمَاعَة، فَأَما من صلى وَحده فَلَا بَأْس عَلَيْهِ
أَن يكبر. وَقَالَ سعيد بن جُبَير: إِنَّمَا هُوَ شَيْء
يزين بِهِ الرجل صلَاته، وَقَالَ ابْن حزم فِي (الْمحلى) :
وَالتَّكْبِير للرُّكُوع فرض، وَقَول: سُبْحَانَ رَبِّي
الْعَظِيم فِي الرُّكُوع فرض، وَالْقِيَام إِثْر الرُّكُوع
فرض لمن قدر عَلَيْهِ حَتَّى يعتدل قَائِما، وَقَول: سمع
الله لمن حَمده، عِنْد الْقيام من الرُّكُوع فرض، فَإِن
كَانَ مَأْمُوما فَفرض عَلَيْهِ أَن يَقُول بعد ذَلِك،
رَبنَا لَك الْحَمد، أَو: وَلَك الْحَمد، وَلَيْسَ هَذَا
فرضا على إِمَام وَلَا فذ، فَإِن قَالَاه كَانَ حسنا
وَسنة، وَالتَّكْبِير لكل سَجْدَة مِنْهَا فرض، وَقَول:
سُبْحَانَ رَبِّي الْأَعْلَى، فِي كل سَجْدَة فرض، وَوضع
الْجَبْهَة وَالْيَدَيْنِ وَالْأنف والركبتين وصدور
الْقَدَمَيْنِ على مَا هُوَ قَائِم عَلَيْهِ مِمَّا أُبِيح
لَهُ التَّصَرُّف عَلَيْهِ فرض، كل ذَلِك، وَالْجُلُوس
بَين السَّجْدَتَيْنِ فرض، والطمأنينة فِيهِ فرض،
وَالتَّكْبِير
(6/58)
لَهُ فرض لَا تجزىء صَلَاة لأحد من أَن يدع
من هَذَا كُله عَامِدًا، فَإِن لم يَأْتِ بِهِ نَاسِيا
ألغى ذَلِك وأتى بِهِ كَمَا أَمر ثمَّ سجد للسَّهْو، فَإِن
عجز عَن شَيْء مِنْهُ لجهل أَو عذر مَانع سقط عَنهُ، وتمت
صلَاته. انْتهى. وَقَالَ السفاقسي: وَاخْتلفُوا فِيمَن ترك
التَّكْبِير فِي الصَّلَاة، فَقَالَ ابْن الْقَاسِم: من
أسقط ثَلَاث تَكْبِيرَات فَأكْثر، أَو التَّكْبِير كُله
سوى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام يسْجد قبل السَّلَام، وَإِن لم
يسْجد قبل السَّلَام سجد بعده، وَإِن لم يسْجد حَتَّى طَال
بطلت صلَاته. وَفِي (الْمُوَضّحَة) : وَإِن نسي تكبيرتين
سجد قبل أَن يسلم، فَإِن لم يسْجد لم تبطل صلَاته، وَإِن
ترك تَكْبِيرَة وَاحِدَة فَاخْتلف قَوْله: هَل عَلَيْهِ
سُجُود أم لَا؟ وَقَالَ ابْن عبد الحكم وَأصبغ: لَيْسَ على
من ترك التَّكْبِير سوى السُّجُود، فَإِن لم يفعل حَتَّى
تبَاعد فَلَا شَيْء عَلَيْهِ. وَفِي (شرح الْمُهَذّب) :
فَلَو ترك التَّكْبِير عمدا أَو سَهوا حَتَّى ركع لم
يَأْتِ بِهِ لفَوَات مَحَله. وَقَالَ أَصْحَابنَا: لَا يجب
السُّجُود بترك الْأَذْكَار: كالثناء والتعوذ وتكبيرات
الرُّكُوع وَالسُّجُود وتسبيحاتهما.
وَفِيه: فِي قَوْله: (يكبر كلما رفع وَكلما خفض مُتَعَلق
لأبي حنيفَة وَأَصْحَابه أَنه يكبر مَعَ فعل الْخَفْض
وَالرَّفْع، سَوَاء لَا يتقدمه وَلَا يتأخره فِيمَا ذكره
الطَّحَاوِيّ من غير مد، وَالشَّافِعِيّ يَقُول: ينحط
للرُّكُوع وَهُوَ يكبر وَكَذَا فِي الرّفْع وَشبهه، ويمد
التَّكْبِير إِلَى أَن يصل إِلَى حد الراكعين وَقيل: يحرم،
وَالْقَوْلَان جائزان فِي جَمِيع تَكْبِيرَات
الِانْتِقَالَات، وَالصَّحِيح الْمَدّ، قَالَه فِي (شرح
الْمُهَذّب) : فَإِن قلت: مَا الْحِكْمَة فِي
مَشْرُوعِيَّة التَّكْبِير فِي الْخَفْض وَالرَّفْع لكل
مصل؟ قلت: قيل: إِن الْمُكَلف أَمر بِالنِّيَّةِ أول
الصَّلَاة مقرونة بِالتَّكْبِيرِ، وَكَانَ من حَقه أَن
يستصحب النِّيَّة إِلَى آخر الصَّلَاة، فَأمر أَن يجدد
الْعَهْد فِي أَثْنَائِهَا بِالتَّكْبِيرِ الَّذِي هُوَ
شعار النِّيَّة.
785 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ أبي سَلَمَةَ عنْ أبِي
هُرَيْرَةَ أنَّهُ كانَ يُصَلِّي بِهِمْ فَيُكَبِّرُ
كُلَّمَا خَفَضَ ورَفَعَ فَإذَا انْصَرَفَ قَالَ إنِّي
لأَشْبَهُكُمْ صَلاةً بِرَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله قد ذكرُوا غير
مرّة، وَابْن شهَاب هُوَ: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب
الزُّهْرِيّ.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن يحيى بن يحيى عَن
مَالك، وَالنَّسَائِيّ أَيْضا عَن قُتَيْبَة عَن مَالك.
قَوْله: (يُصَلِّي بهم) ، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
(يُصَلِّي لَهُم) . قَوْله: (فَإِذا انْصَرف) ، أَي: عَن
الصَّلَاة. قَوْله: (إِنِّي لأشبهكم صَلَاة برَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) يَعْنِي: فِي تَكْبِيرَات
الِانْتِقَالَات والإتيان بِهِ فِيهَا.
116 - (بابُ إتْمَامِ التَّكْبِيرِ فِي السُّجُودِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان إتْمَام التَّكْبِير فِي
السُّجُود، وَالْكَلَام فِيهِ مَا تقدم فِي أول الْبَاب
الَّذِي قبله.
786 - حدَّثنا أبُو النُّعْمَانِ قَالَ حدَّثنا حَمَّادٌ
عنْ غَيْلاَنَ بنِ جَرِيرٍ عنْ مُطَرِّفَ بنِ عَبْدِ الله
قَالَ صَلَّيْتُ خَلْفَ عَلِيِّ بنِ أبِي طالِبٍ رَضِي
الله عنْهُ أَنا وَعِمْرَانُ بنُ حُصَيْنٍ فَكانَ إذَا
سَجَدَ كَبَّرَ وإذَا رَفَعَ رَأْسَهُ كَبَّرَ وإذَا
نَهَضَ مِنَ الرَّكْعَتَيْنِ كَبَّرَ فلَمَّا قَضَي
الصَّلاَةَ أَخذ بِيَدِي عِمْرَانُ ابنُ حُصَيْنٍ فَقَالَ
قَدْ ذَكَّرَنِي هذَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أوْ قالَ لَقدْ صَلَّى بِنَا صَلاَةَ مُحَمَّدٍ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم (انْظُر الحَدِيث 784 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَكَانَ إِذا سجد كبر)
.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: أَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن
الْفضل السدُوسِي، وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد، وغيلان
بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف، وَابْن جرير بِفَتْح الْجِيم، وطرف بِضَم
الْمِيم قد مضى عَن قريب.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (صليت خلف عَليّ) ، قد مضى فِي
الْبَاب السَّابِق أَن ذَلِك كَانَ بِالْبَصْرَةِ، وَكَذَا
رَوَاهُ سعيد بن مَنْصُور من رِوَايَة حميد بن هِلَال عَن
عمرَان، وَوَقع فِي رِوَايَة أَحْمد من رِوَايَة سعيد ابْن
أبي عرُوبَة عَن غيلَان: بِالْكُوفَةِ، وَكَذَا فِي
رِوَايَة عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة وَغير
وَاحِد عَن مطرف، وَيحْتَمل أَن يكون ذَلِك وَقع
مرَّتَيْنِ: مرّة بِالْبَصْرَةِ وَمرَّة بِالْكُوفَةِ.
قَوْله: (أَنا) إِنَّمَا ذكر هَذِه اللَّفْظَة ليَصِح
الْعَطف على الضَّمِير الَّذِي فِي: صليت، وَهَذَا
(6/59)
على رَأْي الْبَصرِيين. قَوْله: (فَلَمَّا
قضى الصَّلَاة) أَي: أَدَّاهَا، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ
الْقَضَاء الاصطلاحي. قَوْله: (قد ذَكرنِي) ، بتَشْديد
الْكَاف، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (لقد ذَكرنِي) .
قَوْله: (هَذَا) ، أَي: عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ يكبر فِي كل
انتقالاته. قَوْله: (أَو قَالَ) ، شكّ من أحد رُوَاته،
قيل: يحْتَمل أَن يكون الشَّك من حَمَّاد، لِأَن أَحْمد
رَوَاهُ من رِوَايَة سعيد ابْن أبي عرُوبَة بِلَفْظ: (صلى
بِنَا مثل صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ،
وَلم يشك، وَفِي رِوَايَة قَتَادَة: (عَن مطرف قَالَ
عمرَان: مَا صليت مُنْذُ حِين أَو مُنْذُ كَذَا وَكَذَا
أشبه بِصَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
هَذِه الصَّلَاة) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: اسْتدلَّ الْبَعْض بقوله:
(صليت خلف عَليّ بن أبي طَالب أَنا وَعمْرَان) على أَن
موقف الِاثْنَيْنِ يكون خلف الإِمَام خلافًا لمن يَقُول
يَجْعَل أَحدهمَا عَن يَمِينه وَالْآخر عَن شِمَاله. قلت:
هَذَا اسْتِدْلَال غير تَامّ، لِأَنَّهُ لم يذكر فِيهِ
أَنه لم يكن مَعَهُمَا غَيرهمَا. وَفِيه: خص بِذكر
السُّجُود وَالرَّفْع والنهوض من الرَّكْعَتَيْنِ فَقَط،
وَقد عَم فِي رِوَايَة أبي الْعَلَاء إشعارا بِأَن هَذِه
الْمَوَاضِع الثَّلَاثَة هِيَ الَّتِي كَانَ ترك
التَّكْبِير فِيهَا حَتَّى تذكرها عمرَان بِصَلَاة عَليّ،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَفِيه: قَالَ ابْن بطال: ترك
التَّكْبِير فِيمَا ترك التَّكْبِير يدل على أَن السّلف لم
يتلقوه على أَنه ركن من الصَّلَاة، وَقَالَ بَعضهم: وَنقل
الطَّحَاوِيّ الْإِجْمَاع على: أَن من تَركه فَصلَاته
تَامَّة، وَفِيه نظر، لما تقدم عَن أَحْمد، وَالْخلاف فِي
بطلَان صلَاته ثَابت فِي مَذْهَب مَالك، إِلَّا أَن يُرِيد
إِجْمَاعًا سَابِقًا. قلت: لم يقل الطَّحَاوِيّ هَكَذَا،
وَإِنَّمَا قَالَ: هَذِه الْآثَار المروية عَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي التَّكْبِير فِي كل رفع وخفض
أولى من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن أَبْزَى، وَأكْثر
تواترا، وَقد عمل بهَا من بعد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَبُو بكر وَعمر وَعلي، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُم، وتواتر بهَا الْعَمَل إِلَى يَوْمنَا
هَذَا لَا يُنكر ذَلِك مُنكر، وَلَا يَدْفَعهُ دَافع.
انْتهى. قلت: أَرَادَ بالآثار المروية الَّتِي أخرجهَا عَن
عبد الله بن مَسْعُود وَأبي مَسْعُود البدري وَأبي
هُرَيْرَة وَأبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَأنس بن مَالك،
وَأَشَارَ بِهَذَا أَيْضا إِلَى أَن من جملَة أَسبَاب
التَّرْجِيح كَثْرَة عدد الروَاة وشهرة الْمَرْوِيّ حَتَّى
إِذا كَانَ أحد الْخَبَرَيْنِ يرويهِ وَاحِد، وَالْآخر
يرويهِ إثنان، فَالَّذِي يرويهِ إثنان أولى بِالْعَمَلِ
بِهِ. وَقَوله: وتواتر بهَا الْعَمَل. . إِلَى آخِره،
إِشَارَة إِلَى أَنه يصير كالإجماع، وَفرق بَين: كالإجماع
وَالْإِجْمَاع.
787 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَوْنٍ قَالَ حدَّثنا هُشَيْمٌ
عنْ أبِي بِشْرٍ عنْ عِكْرِمَةَ قَالَ رَأيْتُ رَجُلاً
عِنْدَ المَقَامِ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ ورَفْعٍ
وَإذَا قامَ وإذَا وَضَعع فَأخْبَرْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ أوَلَيْسَ تِلْكَ صَلاَةَ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لاَ أُمَّ لَكَ (الحَدِيث
787 طرفه فِي: 788) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَمْرو، بِفَتْح الْعين:
ابْن عون، بِفَتْح الْعين أَيْضا ابْن أَوْس السّلمِيّ
الوَاسِطِيّ. الثَّانِي: هشيم بن بشير السّلمِيّ
الوَاسِطِيّ. الثَّالِث: أَبُو بشر، بِكَسْر الْبَاء
الْمُوَحدَة وَسُكُون الشين الْمُعْجَمَة: واسْمه جَعْفَر
بن أبي وحشية، واسْمه إِيَاس الوَاسِطِيّ. الرَّابِع:
عِكْرِمَة، مولى ابْن عَبَّاس. الْخَامِس: عبد الله بن
عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل
فِي موضِعين. وَفِيه: ثَلَاثَة واسطيون مُتَوَالِيَة.
وَفِيه: عَن أبي بشر، وَفِي رِوَايَة سعيد بن مَنْصُور،
عَن هشيم: أَن أَبَا بشر حَدثهُ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (رَأَيْت رجلا عِنْد الْمقَام)
أَي: مقَام إِبْرَاهِيم، عَلَيْهِ السَّلَام، وَفِي
رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (صليت خلف شيخ بِالْأَبْطح) .
وَفِي أول الْبَاب الَّذِي يَلِي هَذَا الْبَاب: (صليت خلف
شيخ بِمَكَّة) ، وَفِي رِوَايَة السراج من طَرِيق خبيب
ابْن الزبير عَن عِكْرِمَة: (رَأَيْت رجلا يُصَلِّي فِي
مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) . فَإِن قلت:
مَا التَّوْفِيق بَين هَذِه الرِّوَايَات الْأَرْبَع؟ قلت:
أما أَنه لَا مُنَافَاة بَين قَوْله: (بالْمقَام) ، وَبَين
قَوْله: (بِمَكَّة) ، و: (بِالْأَبْطح) ، لِأَن الْمقَام
والأبطح فِي مَكَّة، لِأَنَّهُ يحْتَمل أَنه صلى مرّة
بالْمقَام وَمرَّة بِالْأَبْطح، وَيصدق عَلَيْهِ أَنه صلى
بِمَكَّة، وَأما بَين قَوْله: (بِمَكَّة) ، وَبَين قَوْله:
(فِي مَسْجِد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ،
مُنَافَاة ظَاهِرَة، وَلَا يدْفع إلاّ بِالْحملِ على
التَّعَدُّد، أَو يحمل قَوْله: (فِي مَسْجِد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم) على الشذوذ. وَقَالَ بَعضهم: فَإِن
لم يحمل
(6/60)
على التَّجَوُّز وإلاّ فَهِيَ شَاذَّة،
أَي: رِوَايَة السراج. قلت: لَا يصلح أَن يكون مجَازًا
لبعده وَعدم العلاقة. قَوْله: (يكبر) جملَة حَالية، ويروى:
(فَكبر) ، بِالْفَاءِ على صِيغَة الْمَاضِي. قَوْله:
(أوليس؟) الْهمزَة للاستفهام الإنكاري، وَمَعْنَاهُ:
تِلْكَ صَلَاة رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نفي
النَّفْي إِثْبَات. قَوْله: (لَا أم لَك) هِيَ كلمة
تَقُولهَا الْعَرَب عِنْد الزّجر، وَقَالَ ابْن الْأَثِير:
هُوَ ذمّ وَسَب، أَي: أَنْت لَقِيط لَا تعرف لَك أم.
وَقيل: قد يَقع مدحا بِمَعْنى التَّعَجُّب مِنْهُ. وَفِيه
بِعْ، وَيُقَال: هَذَا ذمّ لَهُ حَيْثُ كَانَ جَاهِلا
بِالسنةِ فِيهِ.
117 - (بابُ التَّكْبِيرِ إذَا قامَ مِنَ السُّجُودِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم التَّكْبِير عِنْد الْقيام
من السُّجُود
788 - حدَّثنا مُوسَى بنُ إسْمَاعِيلَ قالَ أخْبرنا
هَمَّامٌ عنْ قَتَادَةَ عنْ عَكْرِمَةَ قَالَ صَلَّيْتُ
خَلْفَ شَيْخٍ بِمَكَّةَ فَكَبَّرَ ثِنْتَيْنِ وعِشْرِينَ
تَكْبِيرَةً فَقُلْتُ لابنِ عبَّاسٍ إنَّهُ أحْمَقُ
فَقَالَ ثَكِلَتْكَ أمُّكَ سُنَّةُ أبي القَاسِمِ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم (انْظُر الحَدِيث 787) .
هَذِه الصَّلَاة الَّتِي صلاهَا عِكْرِمَة كَانَت
ربَاعِية، لِأَنَّهُ لَا يَصح عدد التَّكْبِير الَّذِي
ذكره إلاّ إِذا كَانَت الصَّلَاة ربَاعِية، وَصرح بذلك
الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة عَن
قَتَادَة حَيْثُ قَالَ: الظّهْر، وَأما فِي الثنائية
فَهِيَ إِحْدَى عشرَة تَكْبِيرَة، وَهِي: تَكْبِيرَة
الْإِحْرَام وَخمْس فِي كل رَكْعَة. وَفِي الثلاثية: سبع
عشرَة، وَهِي: تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَتَكْبِيرَة
الْقيام من التَّشَهُّد الأول وَخمْس فِي كل مِنْهَا،
فَفِي الصَّلَوَات الْخمس أَربع وَتسْعُونَ تَكْبِيرَة.
قَوْله: (خلف شيخ) : قد بَين الطَّحَاوِيّ فِي رِوَايَته
أَن هَذَا الشَّيْخ كَانَ أَبَا هُرَيْرَة، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. قَالَ: حَدثنَا ابْن أبي دَاوُد، قَالَ
حَدثنَا مُسَدّد قَالَ: حَدثنَا عبد الْعَزِيز بن
مُخْتَار، قَالَ: أخبرنَا عبد الله الداناج، قَالَ:
حَدثنَا عِكْرِمَة، قَالَ: (صلى بِنَا أَبُو هُرَيْرَة،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، فَكَانَ يكبر إِذا رفع وَإِذا
خفض، فَأتيت ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ،
فَأَخْبَرته بذلك، فَقَالَ: أَو لَيْسَ ذَلِك سنة أبي
الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟) وَرَوَاهُ أَيْضا
هَكَذَا أَحْمد فِي (مُسْنده) وَالطَّبَرَانِيّ فِي
(مُعْجَمه) . قَوْله: (إِنَّه أَحمَق) أَي: قَلِيل الْعقل.
قَوْله: (ثكلتك أمك) ، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَكسر
الْكَاف: من الثكل، وَهُوَ فقدان الْمَرْأَة وَلَدهَا،
وَهِي كلمة كَانَت الْعَرَب تَقُولهَا عِنْد الدُّعَاء على
أحد بِأَن تفقده أمه ويفقد هُوَ أمه، لكِنهمْ قد يطلقون
ذَلِك وَلَا يُرِيدُونَ حَقِيقَته، وَإِنَّمَا قَالَ ابْن
عَبَّاس ذَلِك لعكرمة لِأَنَّهُ نسب ذَلِك الرجل الْجَلِيل
الَّذِي هُوَ أَبُو هُرَيْرَة فِي رِوَايَة غير
البُخَارِيّ إِلَى الْحمق الَّذِي هُوَ غَايَة الْجَهْل،
وَهُوَ برىء من ذَلِك. قَوْله: (سنة أبي الْقَاسِم)
بِرَفْع: سنة، لِأَنَّهُ خبر لمبتدأ مَحْذُوف، تَقْدِيره:
هَذِه الَّتِي فعلهَا ذَلِك الشَّيْخ من التَّكْبِير
الْمَعْدُود سنة أبي الْقَاسِم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَوَقع بِإِظْهَار الْمُبْتَدَأ فِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ من رِوَايَة عبيد الله بن مُوسَى عَن
همام عَن قَتَادَة.
وَقَالَ مُوسَى حَدثنَا أبانُ قَالَ حَدثنَا قَتَادَةُ
قَالَ حَدثنَا عِكْرَمَةُ
مُوسَى هُوَ ابْن إِسْمَاعِيل الْمَذْكُور شيخ البُخَارِيّ
الرَّاوِي عَن همام، وَأَبَان هُوَ ابْن يزِيد الْقطَّان
أَي: روى مُوسَى عَن أبان أَيْضا مثل مَا روى عَن همام،
وَهُوَ مُتَّصِل عِنْده عَن همام وَأَبَان كِلَاهُمَا عَن
قَتَادَة وَأَشَارَ بإفراده هماما لكَونه على شَرطه فِي
الْأُصُول، بِخِلَاف أبان فَإِنَّهُ على شَرطه فِي
المتابعات، وَفِيه فَائِدَة أُخْرَى وَهِي: أَن فِي
رِوَايَة أبان تَصْرِيح قَتَادَة بِالتَّحْدِيثِ عَن
عِكْرِمَة، وبمثله وَقع فِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ من
رِوَايَة سعيد بن أبي عرُوبَة، وَفِي (التَّلْوِيح) ،
وَهُوَ مخرج فِي كتاب (السّنَن) للبزار.
789 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ بُكَيْرٍ قَالَ حدَّثنا
اللَّيْثُ عنْ عُقَيْلٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ قَالَ أَخْبرنِي
أبُو بَكْرِ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ الحَارِثِ أنَّهُ
سَمِعَ أبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ كانَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إذَا قامَ إلَى الصَّلاَةِ يُكَبِّرُ حينَ
يَقُومُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يرْكَعُ ثُمَّ يَقُولُ
سَمِعَ الله لِمَنْ حَمِدَهُ حِينَ يَرْفَعُ صُلْبَهُ مِنَ
الرَّكْعَةِ ثُمَّ يَقُولُ وَهْوَ قَائِمٌ رَبَّنَا لَكَ
الحَمْدُ. قَالَ عَبْدُ الله ولَكَ الحَمْدُ ثُمَّ
يْكَبِّرُ
(6/61)
حِينَ يَهْوِي ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَرْفَعُ رَأسَهُ
ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ يَسْجُدُ ثُمَّ يُكَبِّرُ حِينَ
يَرْفَعُ رَأسَهُ ثُمَّ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ
كُلِّها حَتَّى يَقْضِيهَا ويُكَبِّرُ حِينَ يَقُومُ مِنَ
الثِّنْتَيْنِ بَعْدَ الجُلُوسِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ يكبر حِين يرفع
رَأسه) .
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: يحيى بن بكير، بِضَم
الْبَاء الْمُوَحدَة، هُوَ يحيى بن عبد الله بن بكير أَبُو
زَكَرِيَّا المَخْزُومِي الْبَصْرِيّ. الثَّانِي: اللَّيْث
بن سعد. الثَّالِث: عقيل، بِضَم الْعين: ابْن خَالِد
الْأَيْلِي. الرَّابِع: مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب
الزُّهْرِيّ. الْخَامِس: أَبُو بكر بن عبد الرَّحْمَن بن
الْحَارِث بن هِشَام الْقرشِي المَخْزُومِي الْمدنِي، أحد
الْفُقَهَاء السَّبْعَة، قيل: اسْمه مُحَمَّد، وَقيل:
اسْمه أَبُو بكر، وكنيته: أَبُو عبد الرَّحْمَن،
وَالصَّحِيح: أَن اسْمه وكنيته وَاحِد. السَّادِس: أَبُو
هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد من
الْمَاضِي فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي
موضِعين. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة
مَوَاضِع. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ
عَن الصَّحَابِيّ. قَوْله: (أَخْبرنِي أَبُو بكر بن عبد
الرَّحْمَن) ، كَذَا قَالَ عقيل، وَتَابعه ابْن جريج عَن
ابْن شهَاب عِنْد مُسلم، وَقَالَ مَالك: عَن ابْن شهَاب
عَن أبي سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن، وَكَذَا أخرجه مُسلم
وَالنَّسَائِيّ مطولا من رِوَايَة يُونُس عَن ابْن شهَاب،
وَتَابعه معمر عَن ابْن شهَاب عِنْد السراج، وَلَيْسَ
هَذَا الِاخْتِلَاف قادحا، بل الحَدِيث عِنْد ابْن شهَاب
عَنْهُمَا مَعًا كَمَا سَيَأْتِي فِي: بَاب يهوي
بِالتَّكْبِيرِ، من رِوَايَة شُعَيْب عَنهُ عَنْهُمَا
جَمِيعًا عَن أبي هُرَيْرَة.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن
مُحَمَّد بن رَافع عَن حجين بن الْمثنى عَن اللَّيْث بِهِ
وَعَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج
عَن الزُّهْرِيّ بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن عبد
الْملك بن شُعَيْب بن اللَّيْث بن سعد عَن أَبِيه عَن جده
عَن يحيى بن أَيُّوب عَن ابْن جريج بِهِ. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن رَافع عَن حجين بن
الْمثنى بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَهُوَ قَائِم) ، جملَة حَالية.
قَوْله: (قَالَ عبد الله بن صَالح) ، يَعْنِي: عبد الله بن
صَالح كَاتب اللَّيْث، زَاد فِي رِوَايَته عَن اللَّيْث:
الْوَاو، فِي قَوْله: (وَلَك الْحَمد) ، وَأما بَاقِي
الحَدِيث فاتفقا فِيهِ. فَإِن قلت: لِمَ لَمْ يسقه
عَنْهُمَا مَعًا مَعَ أَنَّهُمَا شيخاه؟ قلت: لِأَن يحيى
من شَرطه فِي الْأُصُول وَابْن صَالح إِنَّمَا يُورِدهُ
فِي المتابعات. قَوْله: (حِين يهوي) ، يُقَال: هوى
بِالْفَتْح يهوى أَي: سقط إِلَى أَسْفَل. قَوْله: (بعد
الْجُلُوس) ، أَي: للتَّشَهُّد.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَنه يكبر بعد إِن
يقوم. وَفِيه: أَنه يكبر حِين يرْكَع. وَفِيه: حجَّة لمن
قَالَ: يجمع الإِمَام بَين التسميع والتحميد، وَهُوَ
مَذْهَب الشَّافِعِي أَيْضا، وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد:
يَقُول الإِمَام: رَبنَا لَك الْحَمد فِي نَفسه، وَبِه
قَالَ الثَّوْريّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَأحمد فِي رِوَايَة،
وَعند أبي حنيفَة: لَا يَقُول الإِمَام: رَبنَا لَك
الْحَمد، وَبِه قَالَ مَالك وَأحمد فِي رِوَايَة،
وَحَكَاهُ ابْن الْمُنْذر عَن ابْن مَسْعُود وَأبي
هُرَيْرَة وَالشعْبِيّ، قَالَ: وَبِه أَقُول، وَاحْتَجُّوا
بِمَا رَوَاهُ البُخَارِيّ وَمُسلم من حَدِيث أنس وَأبي
هُرَيْرَة: أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
قَالَ: (إِذا قَالَ الإِمَام: سمع الله لمن حَمده،
فَقولُوا: رَبنَا لَك الْحَمد) . هَذِه قسْمَة وَهِي
تنَافِي الشّركَة، وَأَجَابُوا عَن حَدِيث الْبَاب: إِنَّه
مَحْمُول على انْفِرَاد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي صَلَاة النَّفْل تَوْفِيقًا بَين الْحَدِيثين،
وَالْمُنْفَرد يجمع بَينهمَا فِي الْأَصَح وَفِيه
الْوَجْهَانِ فِي التَّحْمِيد، فَفِي بعض الرِّوَايَات
يَقُول: رَبنَا لَك الْحَمد، وَفِي بَعْضهَا: وَلَك
الْحَمد، وَفِي بَعْضهَا: اللَّهُمَّ رَبنَا لَك الْحَمد،
وَالْكل فِي الصَّحِيح. وَقَالَ الْأَصْمَعِي: سَأَلت
أَبَا عَمْرو عَن: الْوَاو، فِي قَوْله: (رَبنَا وَلَك
الْحَمد) ، فَقَالَ: هَذِه زَائِدَة، تَقول الْعَرَب:
يَعْنِي هَذَا الثَّوْب! فَيَقُول الْمُخَاطب: نعم، وَهُوَ
لَك بدرهم. فالواو زَائِدَة، وَقيل: عاطفة على مَحْذُوف،
أَي: رَبنَا حمدناك وَلَك الْحَمد. وَقيل: للْحَال وَفِيه
نظر. وَفِيه: أَن التَّحْمِيد يَتَرَتَّب على التسميع،
لِأَن التَّحْمِيد ذكر الِاعْتِدَال، والتسميع ذكر النهوض،
وَهَذَا الحَدِيث فِي الْحَقِيقَة يُفَسر الْأَحَادِيث
الَّتِي فِيهَا التَّكْبِير فِي كل خفض وَرفع الَّتِي
تقدّمت عَن قريب. |