عمدة القاري شرح صحيح البخاري

161 - (بابُ وُضُوءِ الصِّبْيَانِ ومَتَى يَجِبُ عَلَيْهِمْ الغُسْلُ والطُّهُورُ وَحُضُورِهِمِ الجَمَاعَةَ وَالعِيدَيْنِ والجَنَائِزَ وَصُفُوفِهِمْ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وضوء الصّبيان، وَلم يبين مَا حكمه: هَل هُوَ وَاجِب أَو ندب؟ لِأَنَّهُ لَو قَالَ: وَاجِب، لاقتضى أَن يُعَاقب الصَّبِي على تَركه، وَلَيْسَ كَذَلِك. وَلَو قَالَ: ندب، لاقتضى صِحَة صلَاته بِغَيْر وضوء، وَلَيْسَ كَذَلِك. فأبهم ليسلم من ذَلِك وَالصبيان جمع: صبي. قَالَ الْجَوْهَرِي: الصَّبِي الْغُلَام، وَالْجمع: صبية وصبيان، وَهُوَ من الواوي، وَلم يَقُولُوا: أصبية اسْتغْنَاء بصبية. كَمَا لم يَقُولُوا: أغلمة اسْتغْنَاء بغلمة، وَقَالَ فِي الْغُلَام: الْغُلَام مَعْرُوف. انْتهى. قلت: مَا دَامَ الْوَلَد فِي بطن أمه فَهُوَ جَنِين، فَإِذا وَلدته سمي صَبيا مَا دَامَ رضيعا، فَإِذا فطم سمي غُلَاما إِلَى سبع سِنِين، ثمَّ يصير يافعا إِلَى عشر حجج، ثمَّ يصير حزورا إِلَى خمس عشرَة سنة، ثمَّ يصير فمدا إِلَى خمس وَعشْرين سنة، ثمَّ يصير عنطنطا إِلَى ثَلَاثِينَ سنة، ثمَّ يصير صملاً إِلَى خمسين سنة، ثمَّ يصير شَيخا إِلَى ثَمَانِينَ سنة، ثمَّ يصير هما بعد ذَلِك فانيا كَبِيرا، هَكَذَا ذكر فِي كتاب (خلق الْإِنْسَان) عَن الْأَصْمَعِي وَغَيره. فَإِن قلت: روى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم من طَرِيق عبد الْملك بن الرّبيع بن صبرَة عَن أَبِيه عَن جده مَرْفُوعا: (علمُوا الصَّبِي الصَّلَاة ابْن سبع سِنِين، واضربوه عَلَيْهَا ابْن عشر) . فَهَذَا يدل على أَن الصَّبِي يُطلق على من سنه سبع سِنِين، فَكيف قيل: الْمَوْلُود سمي صَبيا مَا دَامَ رضيعا؟ قلت: أفْصح الفصحاء أطلق على ابْن سبع سِنِين لفظ الصَّبِي، وَهُوَ الَّذِي يقبل، وَعَن هَذَا قَالَ الْجَوْهَرِي: الصَّبِي الْغُلَام، وَقد ذكرنَا الْآن أَن الْمَوْلُود من حِين يفطم يُسمى غُلَاما إِلَى سبع سِنِين. قَوْله: (وَمَتى يجب عَلَيْهِم الْغسْل) وَبَين ذَلِك فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، الْآتِي عَن قريب، فَإِنَّهُ قَالَ: (الْغسْل يَوْم الْجُمُعَة وَاجِب على كل محتلم) ، فيفهم مِنْهُ أَن الِاحْتِلَام هُوَ شَرط لوُجُوب الْغسْل. فَإِن قلت: الحَدِيث الَّذِي ذكرته عَن أبي دَاوُد وَغَيره يَقْتَضِي تعْيين وَقت الْوضُوء لتوقف الصَّلَاة عَلَيْهَا: وَإِن لم يَحْتَلِم؟ قلت: لم يقل الْجُمْهُور بِظَاهِرِهِ، فَإِنَّهُم قَالُوا: لَا تجب عَلَيْهِ إلاّ بِالْبُلُوغِ، وَقَالُوا: إِن التَّعْلِيم بِالصَّلَاةِ وَالضَّرْب عَلَيْهَا عِنْد عشر سِنِين للتدريب، وَقَالَ بِظَاهِرِهِ قوم حَتَّى قَالُوا: تجب الصَّلَاة على الصَّبِي لِلْأَمْرِ بضربه على تَركهَا، وَهَذِه صفة الْوُجُوب، وَبِه قَالَ أَحْمد فِي رِوَايَة، وَالشَّافِعِيّ مَال إِلَيْهِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: الحَدِيث الْمَذْكُور مَنْسُوخ بِحَدِيث: (رفع الْقَلَم عَن الصَّبِي حَتَّى يَحْتَلِم) . قَوْله: (وَالطهُور) ، من عطف الْعَام على الْخَاص. قَوْله: (وحضورهم) ، بِالْجَرِّ عطفا على قَوْله: (وضوء الصّبيان) ، قَوْله: (الْجَمَاعَة) مَنْصُور بِالْمَصْدَرِ الْمُضَاف إِلَى فَاعله و: (الْعِيدَيْنِ) عطف عَلَيْهِ و: (الْجَنَائِز) بِالنّصب كَذَلِك عطف على مَا قبله. قَوْله: (وصفوفهم) بِالْجَرِّ أَيْضا، عطف على مَا قبله أَي: وصفوف الصّبيان، والترجمة الْمَذْكُورَة مركبة من سِتَّة أَجزَاء.

857 - حدَّثنا مُحَمِّدُ بنُ المُثَنَّى قالَ حدَّثَنِي غُنْدُرٌ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ سَمِعْتُ سُلَيْمَانَ الشَّيْبَانِيَّ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ. قَالَ أَخْبرنِي منْ مَرَّ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى قَبْرٍ مَنْبُوذٍ فأمَّهُمْ وَصَفُّوا عَلَيْهِ فَقُلْتُ يَا أبَا عَمْرٍ ومنْ حَدَّثَكَ فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. .

مطابقته للجزء الأول من التَّرْجَمَة، وَهُوَ وضوء الصّبيان، وللجزء الثَّالِث وَهُوَ قَوْله: (وحضورهم الْجَمَاعَة) ، وللجزء السَّادِس وَهُوَ

(6/150)


قَوْله: (وصفوفهم) ، فَإِن ابْن عَبَّاس كَانَ فِي ذَلِك الْوَقْت صَغِيرا طفْلا وَقد حضر الْجَمَاعَة وَدخل فِي صفهم وَصلى مَعَهم، وَلم يكن صلى إلاّ بِوضُوء.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن الْمثنى، هُوَ مُحَمَّد بن عبد الله بن الْمثنى بن عبد الله بن مَالك بن أنس الْأنْصَارِيّ الْبَصْرِيّ. الثَّانِي: غنْدر، بِضَم الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَسُكُون النُّون وَفتح الدَّال الْمُهْملَة وَفِي آخِره رَاء: وَهُوَ لقب مُحَمَّد بن جَعْفَر الْبَصْرِيّ. الثَّالِث: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الرَّابِع: سُلَيْمَان بن أبي سُلَيْمَان، واسْمه: فَيْرُوز أَبُو إِسْحَاق الشَّيْبَانِيّ الْكُوفِي. الْخَامِس: عَامر الشّعبِيّ. السَّادِس: صَحَابِيّ لم يسم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: السماع فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي. وَفِيه: القَوْل فِي سِتَّة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه مَنْسُوب إِلَى جده. وَفِيه: أَن أحد الروَاة مَذْكُور بلقبه. وَفِيه: صَحَابِيّ مَجْهُول، وَلَكِن جَهَالَة الصَّحَابِيّ لَا تضر صِحَة الْإِسْنَاد. وَفِيه: أَن الْأَوَّلين من رُوَاته بصريان، وَالثَّالِث واسطي، وَالرَّابِع كُوفِي، وَالْخَامِس كَذَلِك كُوفِي. وَفِيه: سُلَيْمَان مُمَيّز بنسبته. وَفِيه: أَن أحدهم يذكر كَذَلِك بنسبته إِلَى قبيلته. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ، وهما سُلَيْمَان وَالشعْبِيّ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْجَنَائِز عَن مُسلم بن إِبْرَاهِيم وَسليمَان ابْن حَرْب وحجاج بن منهال، فرقهم أربعتهم عَن شُعْبَة، وَفِيه أَيْضا عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل. وَأخرجه مُسلم فِي الْجَنَائِز عَن مُحَمَّد ابْن الْمثنى بِهِ وَعَن الْحسن بن الرّبيع وَأبي كَامِل الجحدري وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن الْحسن ابْن الرّبيع وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير وَعَن يحيى بن يحيى وَعَن مُحَمَّد بن حَاتِم وَعَن إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَهَارُون بن عبد الله وَعَن أبي غَسَّان مُحَمَّد بن عَمْرو الرَّازِيّ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُحَمَّد بن الْعَلَاء بِهِ. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن أَحْمد بن منيع. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم وَعَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (من مر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: حَدثنَا الشّعبِيّ (أَخْبرنِي من رأى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، قَوْله: (على قبر منبوذ) ، بِفَتْح الْمِيم وَسُكُون النُّون وَضم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفِي آخِره ذال مُعْجمَة: أَي على قبر مُنْفَرد عَن الْقُبُور. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: وَقد رَوَاهُ قوم: (على قبر منبوذ) ، بِإِضَافَة: قبر: إِلَى: منبوذ، وفسروه باللقيط. قَالَ: وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْء لِأَن فِي بعض الْأَلْفَاظ: (أَتَى قبرا مَنْبُوذًا) . انْتهى. قلت: يُؤَيّد مَا قَالَه رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: (وَرَأى قبرا منتبذا فَصف أَصْحَابه) الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة الصَّحِيح: (على قبر منبوذ) ، على أَن المنبوذ صفة للقبر، بِمَعْنى: مُنْفَرد، كَمَا ذكرنَا. وَقَالَ الْخطابِيّ أَيْضا: إِنَّه رُوِيَ على وَجْهَيْن: يَعْنِي بلإضافة وَالصّفة. قَالَ الْحَافِظ الدمياطي: من رَوَاهُ منونا فيهمَا على النَّعْت أَي: منتبذا عَن الْقُبُور نَاحيَة، يُقَال جَلَست: نبذة، بِالْفَتْح وَالضَّم أَي: نَاحيَة، وَيرجع إِلَى معنى الطرح، فَكَأَنَّهُ طرح فِي غير مَوضِع قُبُور النَّاس، وَمن رَوَاهُ بِغَيْر تَنْوِين على الْإِضَافَة فَمَعْنَاه: قبر لَقِيط وَولد مطروح، وَالرِّوَايَة الأولى أصح لِأَنَّهُ جَاءَ فِي بعض طرق البُخَارِيّ عَن ابْن عَبَّاس فِي الَّتِي كَانَت تقم الْمَسْجِد.
وَلما روى التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن أنس وَبُرَيْدَة وَيزِيد بن ثَابت وَأبي هُرَيْرَة وعامر بن ربيعَة وَأبي قَتَادَة وَسَهل بن حنيف، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. قلت: وَفِي الْبَاب أَيْضا عَن جَابر وَأبي سعيد وَأبي أُمَامَة بن سهل. أما حَدِيث أنس، فَرَوَاهُ مُسلم عَنهُ: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على قبر) ، وَرَوَاهُ ابْن مَاجَه أَيْضا وَزَاد (بَعْدَمَا دفن) . وَأما حَدِيث بُرَيْدَة فَرَوَاهُ ابْن مَاجَه من رِوَايَة ابْن بُرَيْدَة عَن أَبِيه: (أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على ميت بَعْدَمَا دفن) . وَأما حَدِيث يزِيد بن ثَابت، فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه من رِوَايَة خَارِجَة بن زيد بن ثَابت عَن عَمه يزِيد بن ثَابت (أَنهم خَرجُوا مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات يَوْم فَرَأى قبرا حَدِيثا. قَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذِه فُلَانَة مولاة أبي فلَان. .) الحَدِيث، وَفِيه: (فَقَامَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وصف النَّاس خَلفه فَكبر عَلَيْهَا أَرْبعا) . وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة، فمتفق عَلَيْهِ على مَا يَجِيء إِن شَاءَ الله تَعَالَى. وَأما حَدِيث عَامر بن ربيعَة فَرَوَاهُ ابْن مَاجَه عَنهُ (أَن امْرَأَة سَوْدَاء مَاتَت) الحَدِيث وَفِيه: (قَالَ لأَصْحَابه: صفوا عَلَيْهَا، وَصلى عَلَيْهَا) ،. وَأما حَدِيث أبي قَتَادَة فَرَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ عَنهُ فِي وَفَاة الْبَراء بن معْرور، وَصَلَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم على قَبره) . وَأما حَدِيث سهل بن حنيف فَرَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) عَنهُ (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على قبر امْرَأَة فَكبر أَرْبعا) . وَأما حَدِيث جَابر فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنهُ (أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على قبر امْرَأَة بَعْدَمَا دفنت) وَأما حَدِيث أبي سعيد فراواه ابْن مَاجَه عَنهُ قَالَ: (كَانَت سَوْدَاء تقم

(6/151)


الْمَسْجِد) الحَدِيث، وَفِيه: (فَخرج) أَي: النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى (بِأَصْحَابِهِ فَوقف على قبرها فَكبر عَلَيْهَا وَالنَّاس خَلفه) . وَأما حَدِيث أبي أُمَامَة بن سهل فَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنهُ أَنه قَالَ: (مَرضت امْرَأَة من أهل العوالي) الحَدِيث وَفِيه: (فَأتى قبرها فصلى عَلَيْهَا فَكبر أَرْبعا) . قَالَ النَّوَوِيّ فِي الْخُلَاصَة: وَأَبُو أُمَامَة لَهُ صُحْبَة. وَقَالَ شَيخنَا زين الدّين الْعِرَاقِيّ: لَهُ رُؤْيَة، وَأما الصُّحْبَة فَلَا، وَقَالَ الذَّهَبِيّ فِي كتاب (تَجْرِيد الصَّحَابَة) : أَبُو أُمَامَة بن سهل بن حنيف اسْمه: أسعد سَمَّاهُ، رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَدِيثه مُرْسل.
قَوْله: (وصفوا عَلَيْهِ) أَي: على الْقَبْر. قَوْله: (فَقلت: يَا با عَمْرو) أَصله يَا أَبَا عَمْرو، حذفت الْهمزَة للتخفف، وَأَبُو عَمْرو كنية الشّعبِيّ رَحمَه الله. قَوْله: (قَالَ ابْن عَبَّاس) أَي: قَالَ: حَدثنِي ابْن عَبَّاس، وفاعل قَالَ: هُوَ الَّذِي مر مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: جَوَاز الصَّلَاة على الْقَبْر، قَالَ أَصْحَابنَا: وَإِن دفن الْمَيِّت وَلم يصل عَلَيْهِ صلى على قَبره، وَلَا يخرج مِنْهُ وَيُصلي عَلَيْهِ مَا لم يعلم أَنه تفرق، هَكَذَا ذكر فِي (الْمَبْسُوط) وَهَذَا يُشِير إِلَى أَنه إِذا شكّ فِي تفرقه وتفسخه يصلى عَلَيْهِ، وَقد نَص الْأَصْحَاب على أَنه يُصَلِّي عَلَيْهِ مَعَ الشَّك فِي ذَلِك، ذكره فِي (الْمُفِيد) و (الْمَزِيد) و (جَوَامِع الْفِقْه) . وبقولنا: قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد، وَهُوَ قَول ابْن عمر وَأبي مُوسَى وَعَائِشَة وَابْن سِيرِين وَالْأَوْزَاعِيّ. ثمَّ: هَل يشْتَرط فِي جَوَاز الصَّلَاة على قَبره كَونه مَدْفُونا بعد الْغسْل؟ فَالصَّحِيح أَنه يشْتَرط، وَرَوَاهُ ابْن سَمَّاعَة عَن مُحَمَّد أَنه: لَا يشْتَرط، وَهَذَا الَّذِي ذكرنَا إِذا دفن بعد الْغسْل قبل الصَّلَاة عَلَيْهِ، وَإِذا دفنوه بعد الصَّلَاة عَلَيْهِ ثمَّ ذكرُوا أَنهم لم يغسلوه، فَإِن لم يهيلوا التُّرَاب عَلَيْهِ يخرج وَيغسل وَيصلى عَلَيْهِ، وَإِن أهالوا التُّرَاب عَلَيْهِ لم يخرج. ثمَّ: هَل يصلى عَلَيْهِ ثَانِيًا فِي الْقَبْر؟ ذكر الْكَرْخِي أَنه: يصلى عَلَيْهِ، وَفِي (النَّوَادِر) عَن مُحَمَّد: الْقيَاس أَن لَا يصلى عَلَيْهِ، وَفِي الِاسْتِحْسَان: أَن يصلى عَلَيْهِ، وَفِي (الْمُحِيط) : لَو صلى عَلَيْهِ من لَا ولَايَة عَلَيْهِ يصلى على قَبره وَالِاعْتِبَار فِي كَونه قبل التفسخ غَالب الظَّن، فَإِن كَانَ غَالب الظَّن أَنه تفسخ لَا يصلى عَلَيْهِ، وإلاّ يصلى عَلَيْهِ. وَعَن أبي يُوسُف يصلى عَلَيْهِ إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام. وللشافعية: سِتَّة أوجه: أَولهَا: إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام. ثَانِيهَا: إِلَى شهر كَقَوْل أَحْمد. ثَالِثهَا: مَا لم يبل جسده. رَابِعهَا: يصلى عَلَيْهِ من كَانَ من أهل الصَّلَاة عَلَيْهِ يَوْم مَوته خَامِسهَا يُصَلِّي عَلَيْهِ من كَانَ من أهل فرض الصَّلَاة عَلَيْهِ يَوْم مَوته يُصَلِّي عَلَيْهِ أبدا، فعلى هَذَا تجوز الصَّلَاة على قُبُور الصَّحَابَة وَمن قبلهم الْيَوْم، وَاتَّفَقُوا على تضعيفة. وَمِمَّنْ صرح بِهِ الْمَاوَرْدِيّ والمحاملي والفوراني وَالْبَغوِيّ وَإِمَام الْحَرَمَيْنِ وَالْغَزالِيّ، وَقَالَ إِسْحَاق: يُصَلِّي القادم من السّفر إِلَى شهر، والحاضر إِلَى ثَلَاثَة أَيَّام. وَقَالَ سَحْنُون من الْمَالِكِيَّة: لَا يصلى على الْقَبْر، وَقَالَت الْمَالِكِيَّة، فِي جَوَاب الحَدِيث الْمَذْكُور بِأَنَّهُ: علل الصَّلَاة على الْقَبْر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة بِأَن هَذِه الْقُبُور ممتلئة على أَهلهَا ظلمَة، وَأَن الله ينورها بصلاتي عَلَيْهِم. قَالُوا: فَاثْبتْ أَن تنويرها بِصَلَاتِهِ هُوَ عَلَيْهِم لَا بِصَلَاة غَيره. وَقَالَ ابْن حبَان: وَلَو كَانَ خَاصّا لزجر أَصْحَابه أَن يصطفوا خَلفه ويصلوا مَعَه على الْقَبْر، فَفِي ترك إِنْكَاره أبين الْبَيَان أَنه فعل مُبَاح لَهُ ولأمته مَعًا. فَإِن قلت: روى البُخَارِيّ عَن عقبَة بن عَامر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى على قَتْلَى أحد بعد ثَمَان سِنِين؟ قلت: أجَاب السَّرخسِيّ فِي (الْمَبْسُوط) وَغَيره: أَن ذَلِك مَحْمُول على الدُّعَاء، وَلكنه غير سديد، لِأَن الطَّحَاوِيّ روى عَن عقبَة بن عَامر أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج يَوْمًا فصلى على قَتْلَى أحد صلَاته على الْمَيِّت، وَالْجَوَاب السديد أَن أَجْسَادهم لم تبل. وَفِي (الْمُوَطَّإِ) : أَن عَمْرو بن الجموح وَعبد الله بن عَمْرو الأنصاريين كَانَ السَّيْل قد حفر قبرهما وهما من شُهَدَاء أحد، فوجدا لم يتغيرا كَأَنَّهُمَا مَاتَا بالْأَمْس، ولقتلهما سِتّ وَأَرْبَعُونَ سنة. وَفِيه: أَن اللَّقِيط إِذا وجد فِي بِلَاد الْإِسْلَام كَانَ حكمه حكم الْمُسلمين فِي الصَّلَاة عَلَيْهِ، وَنَحْوهَا من أَحْكَام الدّين، وَاسْتدلَّ بِهِ قوم على كَرَاهَة الصَّلَاة إِلَى الْمَقَابِر لِأَنَّهُ جعل انتباذ الْقَبْر عَن الْقُبُور شرطا فِي جَوَاز الصَّلَاة، وَفِيه نظر.

858 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدَ الله قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثني صَفْوَانُ بنُ سُلَيْمٍ عَنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عنْ أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ الغُسْلُ يَوْمَ الجُمُعَةِ وَاجِبٌ علِى كُلِّ مُحْتَلِمٍ. .

مطابقته الْجُزْء الثَّانِي من التَّرْجَمَة. وَهُوَ قَوْله: (مَتى يجب الْغسْل عَلَيْهِم) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَليّ

(6/152)


بن عبد الله بن جَعْفَر، أَبُو الْحسن الَّذِي يُقَال لَهُ: ابْن الْمَدِينِيّ الْبَصْرِيّ. الثَّانِي: سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث: صَفْوَان بن سليم، بِضَم السِّين الْمُهْملَة وَفتح اللَّام: الإِمَام الْقدْوَة مِمَّن يستسقى بِهِ، يَقُولُونَ: إِن جَبهته ثقبت من كَثْرَة السُّجُود، وَكَانَ لَا يقبل جوائز السُّلْطَان، مَاتَ سنة اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثِينَ وَمِائَة. الرَّابِع: عَطاء بن يسَار أَبُو مُحَمَّد الْهِلَالِي، مولى مَيْمُونَة بنت الْحَارِث زوج النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَاتَ سنة ثَلَاث وَمِائَة. الْخَامِس: أَبُو سعيد سعد بن مَالك الْخُدْرِيّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين، وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من أَفْرَاده وَأَنه بَصرِي وسُفْيَان مكي وَصَفوَان وَعَطَاء مدنيان.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن يُوسُف والقعنبي، كِلَاهُمَا عَن مَالك. وَفِي الشَّهَادَات أَيْضا عَن عَليّ بن عبد الله. وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن يحيى بن يحيى عَن مَالك بِهِ. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَة عَن القعْنبِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة عَن مَالك بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن سهل بن زَنْجَلَة عَن سُفْيَان بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (وَاجِب) ، أَي: متأكد فِي حَقه، كَمَا يَقُول الرجل لصَاحبه: حَقك وَاجِب عَليّ، أَي متأكد، لَا أَن المُرَاد الْوَاجِب المحتم المعاقب عَلَيْهِ، وَشهد لصِحَّة هَذَا التَّأْوِيل أَحَادِيث صَحِيحَة غَيره، كَحَدِيث سَمُرَة: (من تَوَضَّأ فبها ونعمت، وَمن اغْتسل فَهُوَ أفضل) ، وَسَيَأْتِي الْكَلَام فِيهِ مُبينًا. قَوْله: (على كل محتلم) أَي: بَالغ مدرك.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: احْتج بِظَاهِر هَذَا الحَدِيث أهل الظَّاهِر، وَقَالُوا بِوُجُوب غسل الْجُمُعَة، ويحكى ذَلِك عَن الْحسن الْبَصْرِيّ وَعَطَاء ابْن أبي رَبَاح وَالْمُسَيب بن رَافع. وَقَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : وَقَالَ مَالك: لَا أعلم أحدا أوجب غسل الْجُمُعَة إلاَّ أهل الظَّاهِر، فَإِنَّهُم أوجبوه. ثمَّ قَالَ: روى ابْن وهب عَن مَالك أَنه سُئِلَ عَن غسل يَوْم الْجُمُعَة أواجب هُوَ؟ قَالَ: حسن وَلَيْسَ بِوَاجِب، وَهَذِه الرِّوَايَة عَن مَالك تدل على أَنه مُسْتَحبّ، وَذَلِكَ عِنْدهم دون السّنة، وَأجَاب بعض أَصْحَابنَا عَن هَذَا الحَدِيث وَعَن أَمْثَاله الَّتِي ظَاهرهَا الْوُجُوب: أَنَّهَا مَنْسُوخَة بِحَدِيث: (من تَوَضَّأ فبها ونعمت وَمن اغْتسل فَهُوَ أفضل) . فَإِن قلت: قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ: أَحَادِيث الْوُجُوب أصح وَأقوى، والضعيف لَا ينْسَخ الْقوي. قلت: هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي الطَّهَارَة، وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ: حَدِيث حسن صَحِيح، وَرَوَاهُ أَحْمد فِي (سنَنه) وَالْبَيْهَقِيّ كَذَلِك وَابْن أبي شيبَة فِي (مُصَنفه) وَرَوَاهُ سَبْعَة من الصَّحَابَة وهم: سَمُرَة بن جُنْدُب عِنْد أبي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ، وَأنس عِنْد ابْن مَاجَه، وَأَبُو سعيد الْخُدْرِيّ عِنْد الْبَيْهَقِيّ، وَأَبُو هُرَيْرَة عِنْد الْبَزَّار فِي (مُسْنده) ، وَجَابِر عِنْد عبد بن حميد فِي (مُسْنده) وَعبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه وَإِسْحَاق بن رَاهَوَيْه فِي (مُسْنده) وَابْن عدي فِي (الْكَامِل) وَعبد الرَّحْمَن بن سَمُرَة عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي (الْأَوْسَط) وَابْن عَبَّاس عِنْد الْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنه) فَإِن قلت: أَفضَلِيَّة الْغسْل على الْوضُوء تدل على الْوُجُوب وإلاّ لثبتت الْمُسَاوَاة قلت: السّنة بَعْضهَا أفضل من بعض، فَجَاز أَن يكون الْغسْل من تِلْكَ السّنَن. فَإِن قلت: مَا ذكرنَا مقتضٍ وَمَا ذكرْتُمْ نافٍ فَالْأول رَاجِح. قلت: قَوْله: (فبها ونعمت) ، نَص على السّنة، وَمَا ذكرْتُمْ يحْتَمل أَن يكون أَمر إِبَاحَة فَالْعَمَل بِمَا ذكرنَا أولى.

859 - حدَّثنا علِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ أخبرنَا سُفْيَانُ عنْ عَمْرٍ وَقَالَ أَخْبرنِي كرَيْبٌ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً فَنَامَ النبِيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمَّا كانَ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ قامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فتَوَضَّأ مِنْ شنٍّ مُعَلَّق وُضُوءا خَفِيفا يُخَفِّفُهُ عَمْرٌ ووَيُقَلِّلُهُ جِدَّا ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي فَقُمْتُ فَتَوَضَّأتُ نَحْوا مِمَّا تَوَضَّأ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ عنْ يَسَارِهِ فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي عَنْ يَمِينهِ ثُمَّ صَلَّى مَا شاءَ الله ثُمَّ اضْطَجَعَ حَتَّى نَفَخَ فأتَاهُ المُنَادِي يَأذِنُهُ بِالصَّلاَةِ فَقَامَ مَعَهُ إلَى الصَّلاَةِ فَصَلَّى ولَمْ

(6/153)


يَتَوَضَّأ قُلْنَا إنَّ نَاسا يَقُولُونَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم تَنَامُ عَيْنُهُ ولاَ يَنامُ قَلْبُهُ قَالَ عَمْرٌ وسَمِعْتُ عُبَيْدَ بنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ إنَّ رُؤيَا الأنْبِيَاءِ وَحْيٌ ثُمَّ قَرَأ إنِّي أرَى فِي المَنَامِ أنِّي أذْبَحُكَ ...

مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة، فَإِن فِيهِ وضوء ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُوَ قَوْله: (فَتَوَضَّأت نَحوا مِمَّا تَوَضَّأ) . وَكَانَ إِذْ ذَاك صَغِيرا، وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور مضى فِي أول: بَاب التَّخْفِيف فِي الْوضُوء، وَعلي بن عبد الله الْمَدِينِيّ، وسُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة، وَعَمْرو هُوَ ابْن دِينَار، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهَذَا الحَدِيث.

860 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ إسْحَاقَ بنِ عَبْدِ الله بنِ أبِي طَلْحَةَ عَنْ أنَسِ ابنِ مالِكٍ أنَّ جدَّتَهُ مُلَيْكَةَ دَعَتْ رَسُولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِطَعَامٍ صَنَعَتْهُ لَهُ فَأكَلَ مِنْهُ فَقَالَ قُومُوا فَلاَصَليَ بِكُمْ فَقُمْتُ إلَى حَصِيرٍ لَنَا قَدِ اسْوَدَّ مِنْ طُولِ مَا لُبِسَ فَنَضَحْتُهُ بِمَاءٍ فَقامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم واليَتِيمُ مَعِي والعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا فَصَلَّى بِنَا رَكْعَتَيْنِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (واليتيم معي) ، لِأَن الْيَتِيم دَال على الصَّبِي، إِذْ لَا يتم بعد الِاحْتِلَام، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب الصَّلَاة على الْحَصِير، أخرجه هُنَاكَ: عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك بن أنس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهَهُنَا أخرجه: عَن إِسْمَاعِيل ابْن أبي أويس عَن مَالك، وَقد بَينا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ، ومليكة، بِضَم الْمِيم، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مستقصىً.

618 - ح دَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مَالِكٍ عنِ ابنِ شِهَابٍ عَنْ عُبَيْد الله بنِ عَبْدِ الله ابنِ عُتْبَةَ عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَّهُ قَالَ أقْبَلَتُ رَاكِبا عَلى حِمَارٍ أتانٍ وَأَنا يَوْمَئِذٍ قَدْ ناهِزْتُ الإحْتِلاَمَ ورَسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي بالنَّاسِ بِمِنَى إلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَمَرَرْتُ بَيْنع يَدَيْ بَعْضِ الصَّفِّ فنزَلْتُ وَأرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ ودَخَلْتُ فِي الصَّفِّ فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أحَدٌ. .

مطابقته للجزء الثَّالِث وَالسَّادِس للتَّرْجَمَة، وَالثَّالِث فِي حُضُور الصّبيان الْجَمَاعَة، وَالسَّادِس فِي قَوْله: (وصفوفهم) ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مستقصىً فِي: بَاب مَتى يَصح سَماع الصَّغِير، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن إِسْمَاعِيل ابْن أبي أويس عَن مَالك، وَهَهُنَا: عَن عبد الله بن مسلمة القعْنبِي.

862 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ أنَّ عائِشَةَ قالَتْ أعْتَمَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَقَالَ عَيَّاشٌ حدَّثنا عَبْدُ الأعلَى قَالَ حدَّثنا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عَائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ أعْتَمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي العِشَاءِ حَتَّى نادَاهُ عُمَرُ قَدْ نامَ النِّسَاءُ والصِّبْيَانُ فَخَرَجَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَالَ إنَّهُ لَيْسَ أحَدٌ مِنْ أهْلِ الأرْضِ يُصَلِّي هاذِهِ الصَّلاَةَ غَيْرُكُمْ ولَمْ يَكُنْ أحَدٌ يَوْمَئِذٍ يُصَلِّي غَيْرَ أهْلِ المَدِينَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِيمَا قَالَه الْكرْمَانِي فِي لفظ الصّبيان، لِأَن المُرَاد مِنْهُم إِمَّا الْحَاضِرُونَ مِنْهُم فِي الْمَسْجِد لصَلَاة الْجَمَاعَة، وَإِمَّا الغائبون، وعَلى التَّقْدِيرَيْنِ فالمقصود حَاصِل. انْتهى. قلت: على تَقْدِير كَونهم غائبين لَا يحصل الْمَقْصُود، وَقَالَ ابْن رشيد، وَلَيْسَ الحَدِيث صَرِيحًا فِي ذَلِك، يَعْنِي فِي كَونهم حاضرين فِي الْمَسْجِد، إِذْ يحْتَمل أَنهم نَامُوا فِي الْبيُوت. انْتهى. الظَّاهِر من كَلَام عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه شَاهد النِّسَاء اللَّاتِي حضرن فِي مَسْجِد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قد نمن وصبيانهن مَعَهُنَّ، وكونهن فِي بُيُوتهنَّ وصبيانهن مَعَهُنَّ احْتِمَال بعيد، وَلَوْلَا فهم البُخَارِيّ أَنَّهُنَّ مَعَ صبيانهن كن حضورا فِي الْمَسْجِد لما ذكر هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب الَّذِي من

(6/154)


أَجزَاء تَرْجَمته: (وحضورهم) ، أَي: وَحُضُور الصّبيان، كَمَا ذكرنَا. وَهَذَا الحَدِيث قد مضى فِي: بَاب فضل الْعشَاء، أخرجه هُنَاكَ: عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل عَن ابْن شهَاب عَن عُرْوَة عَن عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، وَأَبُو الْيَمَان الحكم بن نَافِع وَشُعَيْب ابْن أبي حَمْزَة وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب، وَقد مضى الْكَلَام هُنَاكَ فِيمَا يتَعَلَّق بِهِ. قَوْله: (أعتم) ، أَي: أخر حَتَّى اشتدت ظلمَة اللَّيْل، وَهِي عتمته. قَوْله: (غَيْركُمْ) بِالرَّفْع وَالنّصب.

863 - ح دَّثنا عَمْرُو بنُ علِيٍ ّ قَالَ حدَّثنا يَحْيَى قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ قَالَ حدَّثني عَبْدُ الرَّحمانِ بنِ عابِسٍ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ لَهُ رَجَلٌ شَهِدْتُ الخُرُوجَ مَعَ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نَعَمْ ولَوْلاَ مَكانِي مِنْهُ مَا شَهِدْتُهُ يَعْنِي مِنْ صِغَرِهِ أتَى العلَمَ الذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بنِ الصَّلْتِ ثُمَّ خَطُبَ ثُمَّ أتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وذَكَرَهُنَّ وَأمَرَهُنَّ أنْ يَتَصَدَّقْنَ فَجَعَلَتِ المَرْأَةُ تَهْوِي بِيَدِهَا إلَى علَقِهَا تُلْقِي فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ ثُمَّ أتَى هُوَ وبِلاَلٌ البَيْتَ. .

مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (مَا شهدته) يَعْنِي من صغره.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَمْرو بن عَليّ بن بَحر أَبُو حَفْص الْبَصْرِيّ الصَّيْرَفِي. الثَّانِي: يحيى الْقطَّان. الثَّالِث: سُفْيَان الثَّوْريّ. الرَّابِع: عبد الرَّحْمَن بن عَابس، بِالْعينِ الْمُهْملَة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة وَفِي آخِره سين مُهْملَة: ابْن ربيعَة النَّخعِيّ الْكُوفِي، مَاتَ سنة عشر وَمِائَة. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد من الْمَاضِي فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين بَصرِي وكوفي.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْعِيدَيْنِ عَن مُسَدّد، وَفِيه عَن عَمْرو بن الْعَاصِ وَعَن أَحْمد بن مُحَمَّد وَفِي الِاعْتِصَام عَن مُحَمَّد بن كثير. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن كثير بِهِ. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عَليّ بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (شهِدت) أَي: حضرت الْخُرُوج إِلَى مصلى الْعِيد مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: نعم، أَي: شهدته. قَوْله: (وَلَوْلَا مَكَاني مِنْهُ) أَي: من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي: لَوْلَا قربي ومنزلتي مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا شهدته. قَوْله: (يَعْنِي من صغره) من كَلَام الرَّاوِي، وَكلمَة: من، للتَّعْلِيل، وَقَالَ بَعضهم: الضَّمِير فِي: مِنْهُ، يرجع إِلَى غير مَذْكُور، وَهُوَ الصغر. قلت: هَذَا تعسف غير مؤد للمراد على مَا لَا يخفى، قَالَ ابْن بطال: يُرِيد بِهِ أَنه شهد مَعَه النِّسَاء، وَلَوْلَا صغره لم يشهدن مَعَه. قَالَ الْكرْمَانِي: الأولى أَن يُقَال: مَعْنَاهُ لَوْلَا تمكني من الصغر وغلبتي عَلَيْهِ مَا شهدته، يَعْنِي: كَانَ قربه من الْبلُوغ سَببا لشهوده، وَزَاد على الْجَواب بتفصيل حِكَايَة مَا جرى إشعارا بِأَنَّهُ كَانَ مراهقا ضابطا، أَو: لَوْلَا منزلتي عِنْده ومقداري لَدَيْهِ لما شهِدت لصغري. قَوْله: (أُتِي الْعلم) ، بِفَتْح الْعين وَاللَّام: وَهُوَ الْمنَار والجبل والراية والعلامة، (وَكثير بن الصَّلْت) ، هُوَ أَبُو عبد الله، ولد فِي عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَله دَار كَبِيرَة بِالْمَدِينَةِ قبْلَة الْمصلى للعيدين، وَكَانَ اسْمه: قَلِيلا، فَسَماهُ عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ: كثيرا، وَكَانَ يعد فِي أهل الْحجاز. وَقَالَ الذَّهَبِيّ: كثير بن الصَّلْت ابْن معدي الْكِنْدِيّ، أَخُو زيد، روى عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر: أَن كثير بن الصَّلْت كَانَ اسْمه: قَلِيلا، فَسَماهُ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: كثيرا، الْأَصَح أَن الَّذِي سَمَّاهُ كثيرا عمر بن الْخطاب. قَوْله: (وذكرهن) ، بتَشْديد الْكَاف من التَّذْكِير. قَوْله: (تهوي بِيَدِهَا إِلَى حلقها) أَي: تمدها نَحوه وتميلها إِلَيْهِ، يُقَال: أَهْوى يَده وَبِيَدِهِ إِلَى الشَّيْء ليأخذه. قَوْله: (إِلَى حلقها) ، بِفَتْح اللَّام جمع: حَلقَة، وَهِي الْخَاتم لَا فص لَهُ. قَوْله: (تلقي) من الْإِلْقَاء وَهُوَ الرَّمْي، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (فَجعلْنَ النِّسَاء يشرن إِلَى آذانهن وحلوقهن) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن الصَّبِي إِذا ملك نَفسه وضبطها عَن اللّعب وعقل الصَّلَاة وَشرع لَهُ حُضُور الْعِيد وَغَيره. وَفِيه: الْمُسْتَحبّ للْإِمَام أَن يعظ النِّسَاء ويذكرهن إِذا حضرن مصلى الْعِيد، ويأمرهن بِالصَّدَقَةِ. وَفِيه: الْخطْبَة فِي صَلَاة الْعِيد بعْدهَا، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (فصلى ثمَّ خطب) ، وَلم يذكر أذانا وَلَا إِقَامَة. قَالَ: ثمَّ أَمر بِالصَّدَقَةِ. وَفِيه: الْمُسْتَحبّ أَن يصلى فِي الصَّحرَاء.

(6/155)


162 - (بابُ خُرُوجِ النِّسَاءِ إِلَى المسَاجِدِ بِاللَّيْلِ والغَلَسِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم خُرُوج النِّسَاء إِلَى الْمَسَاجِد لأجل الصَّلَاة. قَوْله: (بِاللَّيْلِ) يتَعَلَّق بِالْخرُوجِ. قَوْله: (والغلس) ، بِفَتْح الْغَيْن الْمُعْجَمَة وَاللَّام: بَقِيَّة ظلمَة اللَّيْل. فَإِن قلت: لم يبين حكم هَذَا الْخُرُوج: هَل هُوَ جَائِز أَو غير جَائِز؟ وَهل هُوَ لكل النِّسَاء أَو لِنسَاء مَخْصُوصَة؟ قلت: لما كَانَ فِي هَذَا الْبَاب خلاف بَين الْأَئِمَّة لم يجْزم بِنَفْي وَلَا إِثْبَات، وَسَنذكر الْخلاف فِيهِ، إِن شَاءَ الله تَعَالَى.

864 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ أعْتَمَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالعَتَمَةِ حَتَّى نادَاهُ عُمَرُ نامَ النِّسَاءُ والصِّبْيَانُ فَخَرَجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقالَ مَا يَنْتَظِرُهَا أحَدٌ غيْرَكُمُ مِنْ أهْلِ الأَرْضِ ولاَ يُصَلى يَوْمَئِذٍ إلاَّ بِالْمَدِينَةِ وكانُوا يُصَلُّونَ العَتَمَةَ فِيما بَيْنَ أنْ يَغِيبَ الشَّفَقُ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ الأوَّلِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْلنَا: (نَام النِّسَاء) ، وَلَوْلَا فهم البُخَارِيّ أَن النِّسَاء كن حضورا فِي الْمَسْجِد لما وَضعه فِي هَذَا الْبَاب بِهَذِهِ التَّرْجَمَة. وَأما الحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد فقد مضى فِي الْبَاب السَّابِق عَن أبي الْيَمَان. . إِلَى آخِره، وَبَينهمَا بعض التَّفَاوُت فِي الْمَتْن.
قَوْله: (اعتم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بالعتمة) بِفتْحَتَيْنِ، أَي: أَبْطَأَ بهَا وأخرها. قَوْله: (الأول) ، بِالْجَرِّ صفة الثُّلُث لَا اللَّيْل، وَقد ذكرنَا مَا يتَعَلَّق بِهِ من جَمِيع الْأَشْيَاء، غير أَن هَهُنَا التَّرْجَمَة فِي خُرُوج النِّسَاء إِلَى الْمَسَاجِد، وَقَيده بِاللَّيْلِ لينبه على أَن حكم النَّهَار خلاف اللَّيْل. فَإِن قلت: بعض الْأَحَادِيث مُطلق. مِنْهَا: قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (لَا تمنعوا إِمَاء الله مَسَاجِد الله) . قلت: حمل الْمُطلق فِي ذَلِك على الْمُقَيد، وَبنى البُخَارِيّ عَلَيْهِ التَّرْجَمَة، وللعلماء فِيهِ أَقْوَال وتفاصيل. قَالَ صَاحب (الْهِدَايَة) : وَيكرهُ لَهُنَّ حُضُور الْجَمَاعَات. قَالَت الشُّرَّاح: وَيَعْنِي الشوابَّ مِنْهُنَّ. وَقَوله: الْجَمَاعَات، يتَنَاوَل الجُمَعَ والأعياد والكسوف وَالِاسْتِسْقَاء، وَعَن الشَّافِعِي: يُبَاح لَهُنَّ الْخُرُوج. قَالَ أَصْحَابنَا: لِأَن فِي خروجهن خوف الْفِتْنَة وَهُوَ سَبَب لِلْحَرَامِ، وَمَا يُفْضِي إِلَى الْحَرَام فَهُوَ حرَام، فعلى هَذَا قَوْلهم: يكره، مُرَادهم يحرم، لَا سِيمَا فِي هَذَا الزَّمَان لشيوع الْفساد فِي أَهله، قَالَ: لَا بَأْس وللعجوز أَن تخرج فِي الْفجْر وَالْمغْرب وَالْعشَاء لحُصُول الْأَمْن، وَهَذَا عِنْد أبي حنيفَة، وَعَن أبي يُوسُف وَمُحَمّد: يخْرجن فِي الصَّلَوَات كلهَا لِأَنَّهُ لَا فتْنَة فِيهِ لقلَّة الرَّغْبَة، ثمَّ قَالُوا: إِن حضورهن إِمَّا للصلوات أَو لتكثير الْجمع، فروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن خروجهن للصَّلَاة، يقمن فِي آخر الصُّفُوف فيصلين مَعَ الرِّجَال لِأَنَّهُنَّ من أهل الْجَمَاعَة تبعا للرِّجَال، وروى أَبُو يُوسُف عَن أبي حنيفَة: أَن خروجهن لتكثير السوَاد يقمن فِي نَاحيَة وَلَا يصلين لِأَنَّهُ قد صَحَّ أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مر الْحيض بذلك فَإِنَّهُنَّ لسن من أهل الصَّلَاة.

865 - حدَّثنا عُبَيْدُ الله بنُ مُوسَى عنْ حَنْظَلَةَ عنْ سَالِمِ بن عَبْدِ الله عنِ ابنِ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ إذَا اسْتَأذَنَكُمْ نِسَاؤُكُمْ بِاللَّيْلِ إلَى المَسْجِدِ فَأْذَنُوا لَهُنَّ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ تَقْيِيده بِاللَّيْلِ، وَهُوَ ظَاهر.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: عبيد الله بتصغير العَبْد ابْن مُوسَى الْعَبْسِي الْكُوفِي. الثَّانِي: حَنْظَلَة ابْن أبي سُفْيَان الجُمَحِي من أهل مَكَّة، وَاسم أبي سُفْيَان: الْأسود بن عبد الرَّحْمَن، وَلم يذكر أَكثر الروَاة عَن حَنْظَلَة. الثَّالِث: سَالم بن عبد الله بن عمر. الرَّابِع: عبد الله بن عمر بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا بَين كُوفِي ومكي ومدني.
وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير.
قَوْله: (بِاللَّيْلِ) ، كَذَا بِهَذَا الْقَيْد فِي رِوَايَة مُسلم وَغَيره، وَقد اخْتلف فِيهِ الزُّهْرِيّ عَن سَالم أَيْضا، فَأوردهُ البُخَارِيّ فِي: بَاب اسْتِئْذَان الْمَرْأَة زَوجهَا بِالْخرُوجِ

(6/156)


إِلَى الْمَسْجِد، بِغَيْر تَقْيِيد بِاللَّيْلِ، وَكَذَلِكَ مُسلم من رِوَايَة يُونُس ين يزِيد، وَأحمد من رِوَايَة عقيل والسراج من رِوَايَة الْأَوْزَاعِيّ كلهم عَن الزُّهْرِيّ بِغَيْر ذكر اللَّيْل، وَقد قُلْنَا: إِن الْمُطلق فِي ذَلِك مَحْمُول على الْمُقَيد، وَفِيه أَنه يَنْبَغِي أَن يَأْذَن لَهَا وَلَا يمْنَعهَا مِمَّا فِيهِ مَنْفَعَتهَا، وَذَلِكَ إِذا لم يخف الْفِتْنَة عَلَيْهَا وَلَا بهَا، وَقد كَانَ هُوَ الْأَغْلَب فِي ذَلِك الزَّمَان بِخِلَاف زَمَاننَا هَذَا، فَإِن الْفساد فِيهِ فاشٍ والمفسدون كَثِيرُونَ. وَحَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، الَّذِي يَأْتِي يدل على هَذَا، وَعَن مَالك: إِن هَذَا الحَدِيث وَنَحْوه مَحْمُول على الْعَجَائِز. وَقَالَ النَّوَوِيّ: لَيْسَ للْمَرْأَة خير من بَيتهَا وَإِن كَانَت عجوزا. وَقَالَ ابْن مَسْعُود: الْمَرْأَة عَورَة، وَأقرب مَا تكون إِلَى الله فِي قَعْر بَيتهَا، فَإِذا خرجت استشرفها الشَّيْطَان. وَكَانَ ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، يقوم يحصب النِّسَاء يَوْم الْجُمُعَة يخرجهن من الْمَسْجِد. وَقَالَ أَبُو عَمْرو الشَّيْبَانِيّ: سَمِعت ابْن مَسْعُود حلف فَبَالغ فِي الْيَمين: مَا صلت امْرَأَة صَلَاة أحب إِلَى الله تَعَالَى من صلَاتهَا فِي بَيتهَا إلاّ فِي حجَّة أَو عمْرَة، إِلَّا امْرَأَة قد يئست من البعولة. وَقَالَ ابْن مَسْعُود لامْرَأَة سَأَلته عَن الصَّلَاة فِي الْمَسْجِد يَوْم الْجُمُعَة، قَالَ: صَلَاتك فِي مخدعك أفضل من صَلَاتك فِي بَيْتك، وصلاتك فِي بَيْتك أفضل من صَلَاتك فِي حجرتك، وصلاتك فِي حجرتك أفضل من صَلَاتك فِي مَسْجِد قَوْمك. وَكَانَ إِبْرَاهِيم يمْنَع نِسَاءَهُ الْجُمُعَة وَالْجَمَاعَة. وَسُئِلَ الْحسن الْبَصْرِيّ عَن امْرَأَة حَلَفت إِن خرج زَوجهَا من السجْن أَن تصلي فِي كل مَسْجِد تجمع فِيهِ الصَّلَاة بِالْبَصْرَةِ رَكْعَتَيْنِ،، فَقَالَ الْحسن: تصلي فِي مَسْجِد قَومهَا لِأَنَّهَا لَا تطِيق ذَلِك،، لَو أدْركهَا عمر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لأوجع رَأسهَا.
وَفِيه إِشَارَة إِلَى أَن الْإِذْن الْمَذْكُور لغير الْوَاجِب، لِأَنَّهُ لَو كَانَ وَاجِبا لانتفى معنى الاسْتِئْذَان، لِأَن ذَلِك إِنَّمَا يتَحَقَّق إِذا كَانَ المستأذن مُخَيّرا فِي الْإِجَابَة أَو الرَّد.
تابَعَهُ شُعْبَةُ عنِ الأعْمَشِ عنْ مُجَاهِدٍ عنِ ابنِ عُمَرَ عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَي: تَابع عبيد الله بن مُوسَى شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن سُلَيْمَان الْأَعْمَش عَن مُجَاهِد عَن عبد الله بن عمر عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد وَصلهَا أَحْمد فِي (مُسْنده) قَالَ: حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر قَالَ: أخبرنَا شُعْبَة ... فَذكره.

163 - (بابٌ)

866 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا عُثْمَانُ بنُ عُمَرَ قَالَ أخبرنَا يُونُسُ عنِ الزُّهْرِيُّ قَالَ حَدَّثَتْنِي هِنْدُ بِنْتُ الحَارِثِ أنَّ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أخْبَرَتْهَا أنَّ النِّسَاءَ فِي عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كُنَّ إذَا سَلَّمْنَ مِنَ المَكْتُوبَةِ قُمْنَ وثَبَتَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومَنْ صَلَّى مِنَ الرِّجَالِ مَا شَاءَ الله فإذَا قامَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قامَ الرِّجَالُ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه يدل على أَن النِّسَاء كن يخْرجن إِلَى الْمَسَاجِد، ودلالته على ذَلِك أَعم من أَن يكون ذَلِك بِاللَّيْلِ أَو بِالنَّهَارِ، وَعبد الله بن مُحَمَّد هُوَ المسندي الْحَافِظ الْبَصْرِيّ، وَعُثْمَان بن عمر بن فَارس الْبَصْرِيّ، وَيُونُس بن يزِيد وَالزهْرِيّ هُوَ مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب. والْحَدِيث مضى فِي: بَاب التَّسْلِيم، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ.
قَوْله: (وَثَبت) عطف على قَوْله: (قمن) ، أَي: كن إِذا سلمن ثَبت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي مَكَانَهُ بعد قيامهن. قَوْله: (وَمن صلى) أَي: ثَبت أَيْضا من صلى مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من الرِّجَال.

867 - ح دَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ ح وحدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا مالِكٌ عنْ يَحْيى بنِ سَعِيدٍ عنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمانِ عنْ عَائِشَةَ قالَتْ إنْ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيُصَلِّي الصُّبْحَ فَيَنْصَرِفُ النِّسَاءُ مُتَلَفّعَاتٍ بِمُرُوطِهِنَّ مَا يُعْرَفْنَ مِنَ الغَلَسِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِي خُرُوج النِّسَاء إِلَى الْمَسَاجِد بِاللَّيْلِ. وَأخرجه من طَرِيقين: الأول: عَن عبد الله بن مسلمة القعْنبِي عَن مَالك عَن يحيى إِلَى آخِره، وَالثَّانِي: عَن عبد الله بن يُوسُف التنيسِي عَن مَالك، وَقد مر الحَدِيث فِي: بَاب كم تصلي الْمَرْأَة من الثِّيَاب، وَفِي: بَاب وَقت الْفجْر، وَقد تكلمنا هُنَاكَ بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة.
قَوْله: (إِن كَانَ) إِن: هَذِه مُخَفّفَة من المثقلة أَصله: أَنه كَانَ، أَي: إِن الشان، وَاللَّام فِي: (ليُصَلِّي) مَفْتُوحَة، وَهِي لَام التَّأْكِيد. قَوْله: (متلفعات) حَال من النِّسَاء أَي: متلحفات، من التلفع وَهُوَ شدّ اللفاع

(6/157)


وَهُوَ مَا يُغطي الْوَجْه ويتلحف بِهِ، والمروط: جمع مرط، بِكَسْر الْمِيم: وَهُوَ كسَاء من صوف أَو خَز يؤتزر بِهِ، والغلس، بِفَتْح اللَّام: بَقِيَّة ظلمَة اللَّيْل.

868 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ مِسْكِينٍ قَالَ حدَّثنا بِشْرٌ قَالَ أخبرنَا الأوزاعِيُّ قَالَ حدَّثني يَحْيَى بنُ أبِي كَثِيرٍ عنْ عَبْدِ الله بن أبي قَتَادَةَ الأنْصَارِيِّ عَن ابيه قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنّي لأقُومُ إلَى الصَّلاةِ وَأَنا أريدُ أنْ أُطَوِّلَ فيهَا فَأَسْمع بكاءَ الصَّبِيّ فَأَتَجَوَّزُ فِي صَلاَتِي كَرَاهِيَةَ أنْ أشُقَّ عَلى أُمِّهِ. (انْظُر الحَدِيث 707) .

مطابقته للتَّرْجَمَة تفهم من قَوْله: (كَرَاهِيَة أَن أشق على أمه) ، لِأَنَّهُ يدل على حُضُور النِّسَاء إِلَى الْمَسَاجِد مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَهُوَ أَيْضا أَعم من أَن يكون بِاللَّيْلِ أَو بِالنَّهَارِ، وَقد مضى هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب من أخف الصَّلَاة عِنْد بكاء الصَّبِي، أخرجه هُنَاكَ: عَن إِبْرَاهِيم بن مُوسَى عَن الْوَلِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ ... إِلَى آخِره، وَالْأَوْزَاعِيّ هُوَ عبد الرَّحْمَن بن عمر.
قَوْله: (فأتجوز) ، أَي: أخفف. قَوْله: (كَرَاهِيَة) ، نصب على التَّعْلِيل، أَي: لأجل كَرَاهِيَة أَن أشق، ويروى مَخَافَة أَن أشق، وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ مُسْتَوفى.
250 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف. قَالَ أخبرنَا مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن عمْرَة بنت عبد الرَّحْمَن عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت لَو أدْرك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا أحدث النِّسَاء لمنعهن كَمَا منعت نسَاء بني إِسْرَائِيل قلت لعمرة أَو منعن قَالَت نعم) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة. وَرِجَاله تكَرر ذكرهم. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن القعْنبِي عَن سُلَيْمَان بن بِلَال وَعَن مُحَمَّد بن الْمثنى عَن عبد الْوَهَّاب الثَّقَفِيّ وَعَن عَمْرو النَّاقِد عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن أبي خَالِد الْأَحْمَر وَعَن اسحق بن إِبْرَاهِيم عَن عِيسَى بن يُونُس وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي عَن مَالك ستتهم عَن يحيى بن سعيد بِهِ (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " مَا أحدث النِّسَاء " فِي مَحل النصب على أَنه مفعول أدْرك أَي مَا أحدثت من الزِّينَة وَالطّيب وَحسن الثِّيَاب وَنَحْوهَا (قلت) لَو شاهدت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا مَا أحدث نسَاء هَذَا الزَّمَان من أَنْوَاع الْبدع والمنكرات لكَانَتْ أَشد إنكارا وَلَا سِيمَا نسَاء مصر فَإِن فِيهِنَّ بدعا لَا تُوصَف ومنكرات لَا تمنع. مِنْهَا ثيابهن من أَنْوَاع الْحَرِير المنسوجة أطرافها من الذَّهَب والمرصعة باللآلىء وأنواع الْجَوَاهِر وَمَا على رءوسهن من الأقراص المذهبة المرصعة باللآلىء والجواهر الثمينة والمناديل الْحَرِير المنسوج بِالذَّهَب وَالْفِضَّة الممدودة وقمصانهن من أَنْوَاع الْحَرِير الواسعة الأكمام جدا السابلة أذيالها على الأَرْض مِقْدَار أَذْرع كَثِيرَة بِحَيْثُ يُمكن أَن يَجْعَل من قَمِيص وَاحِد ثَلَاثَة قمصان وَأكْثر وَمِنْهَا مشيهن فِي الْأَسْوَاق فِي ثِيَاب فاخرة وَهن متبخترات متعطرات مائلات متبخترات متزاحمات مَعَ الرِّجَال مكشوفات الْوُجُوه فِي غَالب الْأَوْقَات. وَمِنْهَا ركوبهن على الْحمير الْغرَّة وأكمامهن سابلة من الْجَانِبَيْنِ فِي أزر رفيعة جدا. وَمِنْهَا ركوبهن على مراكب فِي نيل مصر وخلجانها مختلطات بِالرِّجَالِ وبعضهن يغنين بِأَصْوَات عالية مطربة والأقداح تَدور بَينهُنَّ. وَمِنْهَا غلبتهن على الرِّجَال وقهرهن إيَّاهُم وحكمهن عَلَيْهِم بِأُمُور شَدِيدَة. ومنهن نسَاء يبعن الْمُنْكَرَات بالإجهار ويخالطن الرِّجَال فِيهَا. ومنهن قوادات يفسدن الرِّجَال وَالنِّسَاء ويمشين بَينهُنَّ بِمَا لم يرض بِهِ الشَّرْع. ومنهن صنف بَغَايَا قاعدات مترصدات للْفَسَاد ومنهن صنف دائرات على أرجلهن يصطدن الرِّجَال. ومنهن نصف سوارق من الدّرّ والحمامات. ومنهن صنف سواحر يسحرن وينفثن فِي العقد ومنهن بياعات فِي الْأَسْوَاق يتعايطن بِالرِّجَالِ. ومنهن دلالات نصابات على النِّسَاء. ومنهن صنف نوائح ودفافات يرتكبن هَذِه الْأُمُور القبيحة بِالْأُجْرَةِ. ومنهن مغنيات يغنين بأنواع الملاهي بِالْأُجْرَةِ للرِّجَال

(6/158)


وَالنِّسَاء ومنهن صنف خطابات يخطبن للرِّجَال نسَاء لَهَا أَزوَاج بفتن يوقعنها بَينهم وَغير ذَلِك من الْأَصْنَاف الْكَثِيرَة الْخَارِجَة عَن قَوَاعِد الشَّرِيعَة فَانْظُر إِلَى مَا قَالَت الصديقة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا من قَوْلهَا لَو أدْرك رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا أحدثت النِّسَاء وَلَيْسَ بَين هَذَا القَوْل وَبَين وَفَاة النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَّا مُدَّة يسيرَة على أَن نسَاء ذَلِك الزَّمَان مَا أحدثن جزأ من ألف جُزْء مِمَّا أحدثت نسَاء هَذَا الزَّمَان قَوْله " كَمَا منعت نسَاء بني إِسْرَائِيل " يحْتَمل أَن تكون شريعتهم الْمَنْع وَيحْتَمل أَن يكون منعن بعد الْإِبَاحَة وَيحْتَمل غير ذَلِك مِمَّا لَا طَرِيق لنا إِلَى مَعْرفَته إِلَّا بالْخبر قَوْله " قلت لعمرة " الْقَائِل يحيى بن سعيد قَوْله " أَو منعن " بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وواو الْعَطف وَفعل الْمَجْهُول وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ يعود إِلَى نسَاء بني إِسْرَائِيل قَالَ الْكرْمَانِي (فَإِن قلت) من أَيْن علمت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا هَذِه الْمُلَازمَة وَالْحكم بِالْمَنْعِ وَعَدَمه لَيْسَ إِلَّا الله تَعَالَى (قلت) مِمَّا شاهدت من الْقَوَاعِد الدِّينِيَّة الْمُقْتَضِيَة لحسم مواد الْفساد وَالْأولَى فِي هَذَا الْبَاب أَن ينظر إِلَى مَا يخْشَى مِنْهُ الْفساد فيجتنب لإشارته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى ذَلِك بِمَنْع الطّيب والتزين لما روى مُسلم من حَدِيث زَيْنَب امْرَأَة ابْن مَسْعُود " إِذا شهِدت إحداكن الْمَسْجِد فَلَا تمس طيبا " وروى أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ " لَا تمنعوا إِمَاء الله مَسَاجِد الله وَلَكِن ليخرجن وَهن تفلات " وَكَذَلِكَ قيد ذَلِك فِي بعض الْمَوَاضِع بِاللَّيْلِ ليتَحَقَّق الْأَمْن فِيهِ من الْفِتْنَة وَالْفساد وَبِهَذَا يمْنَع اسْتِدْلَال بَعضهم فِي الْمَنْع مُطلقًا فِي قَول عَائِشَة لِأَنَّهَا علقته على شَرط لم يُوجد فَقَالَت لَو رأى لمنع فَيُقَال عَلَيْهِ لم ير وَلم يمْنَع على أَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا لم تصرح بِالْمَنْعِ وَإِن كَانَ ظَاهر كَلَامهَا يَقْتَضِي أَنَّهَا ترى الْمَنْع وَأَيْضًا فالإحداث لم يَقع من الْكل بل من بَعضهم فَإِن تعين الْمَنْع فَيكون فِي حق من أحدثت لَا فِي حق الْكل وَقَالَ التَّيْمِيّ فِيهِ دَلِيل على أَنه لَا يَنْبَغِي للنِّسَاء أَن يخْرجن من الْمَسَاجِد إِذا حدث فِي النِّسَاء الْفساد انْتهى (قلت) الَّذِي يعول عَلَيْهِ مَا قُلْنَاهُ وَلم يحدث الْفساد فِي الْكل قَوْله (تفلات) جمع تفلة بِفَتْح التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَكسر الْفَاء من التفل وَهُوَ سوء الرَّائِحَة يُقَال امْرَأَة تفلة إِذا لم تطيب وَيُقَال رجل تفل وَامْرَأَة تفلة ومتفال (فَإِن قلت) لم قَالَ " لَا تمنعوا إِمَاء الله " وَلم يقل لَا تمنوا نساءكم (قلت) لِأَنَّهُ لما قَالَ مَسَاجِد الله رَاعى الْمُنَاسبَة فَقَالَ (إِمَاء الله) وَهُوَ أوقع فِي النَّفس من لفظ النِّسَاء -

164 - (بابُ صَلاَةِ النِّسَاءِ خَلْفَ الرِّجَالِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن صَلَاة النِّسَاء خلف صُفُوف الرِّجَال، لِأَن مبْنى أمرهن على السّتْر وتأخرهن عَن الرِّجَال أستر لَهُنَّ.

875 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ قَزَعَةَ قَالَ حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بن سَعْدٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ هِنْدٍ بِنْتِ الحَارِثِ عنْ أمِّ سَلَمَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا سَلَّمَ قامَ النِّسَاءُ حِينَ يَقْضِي تَسْلِيمَهُ ويَمْكُثُ هُوَ فِي مَقَامِهِ يَسِيرا قَبْلَ أنْ يَقُومَ. قَالَ نَرَي وَالله أعْلَمُ أنَّ ذَلِكَ كانَ لِكَيْ يَنْصَرِفَ النِّسَاءُ قَبْلَ أنْ يُدْرِكَهُنَّ مِنَ الرِّجَالِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن صف النِّسَاء لَو كَانَ أَمَام الرِّجَال أَو بَعضهم للَزِمَ من انصرافهن قبل أَن يتخطينهم، وَذَلِكَ مَنْهِيّ عَنهُ. قلت: هَذَا على مَذْهَبهم، وَأما على مَذْهَب الْحَنَفِيَّة إِذا تقدم صف من النِّسَاء على صف من الرِّجَال يفْسد ذَلِك صَلَاة هَؤُلَاءِ الصَّفّ بِتَمَامِهِ، كَمَا علم من مَذْهَبهم فِي حكم الْمُحَاذَاة، وَهَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه مضى فِي: بَاب التَّسْلِيم، أخرجه هُنَاكَ: عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل، قَالَ: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن سعد، وَهَهُنَا: عَن يحيى بن قزعة، بِالْقَافِ وَالزَّاي وَالْعين الْمُهْملَة المفتوحات، وَقد تسكن الزَّاي: الْمَكِّيّ الْمُؤَذّن عَن إِبْرَاهِيم بن سعد. قَوْله: (قَالَ نرى) أَي: قَالَ الزُّهْرِيّ، وَهَذَا إدراج مِنْهُ. قَوْله: (قبل أَن يدركهن من الرِّجَال) ، ويروى: (قبل أَن يدركهن أحد من الرِّجَال) .
252 - (حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا ابْن عُيَيْنَة عَن إِسْحَاق عَن أنس رَضِي الله عَنهُ قَالَ صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي بَيت أم سليم فَقُمْت ويتيم خَلفه وَأم سليم خلفنا)

(6/159)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " وَأم سليم خلفنا " فَإِنَّهَا صلت خلف الرِّجَال وهم أنس وَمن مَعَه والْحَدِيث مضى فِي بَاب الْمَرْأَة تكون وَحدهَا صفا فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن سُفْيَان عَن إِسْحَاق عَن أنس وَهَهُنَا عَن أبي نعيم الْفضل بن دُكَيْن عَن سُفْيَان إِلَى آخِره نَحوه قَوْله " فَقُمْت " الْقَائِل أنس قَوْله " ويتيم " عطف عَلَيْهِ وَفِيه شَاهد لمَذْهَب الْكُوفِيّين فِي إجَازَة الْعَطف على الْمَرْفُوع الْمُتَّصِل بِدُونِ التَّأْكِيد وعَلى مَذْهَب الْبَصرِيين يجب نصب الْمَعْطُوف على أَنه مفعول مَعَه واليتيم الْمَذْكُور اسْمه ضميرَة بِضَم الضَّاد الْمُعْجَمَة وَقد مر فِي بَاب الصَّلَاة على الْحَصِير -

165 - (بابُ سُرْعَةِ انْصِرَافِ النِّسَاءِ مِنَ الصُّبْحِ وَقِلَّةِ مَقَامِهِنَّ فِي المَسْجِدِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي سرعَة انصراف النِّسَاء من صَلَاة الصُّبْح، وَإِنَّمَا قيدة بالصبح لِأَنَّهُ طول التَّأْخِير فِيهِ يُفْضِي إِلَى الْإِسْفَار، فَالْمُنَاسِب هُوَ الْإِسْرَاع، بِخِلَاف الْعشَاء فَإِنَّهُ يُفْضِي إِلَى زِيَادَة الظلمَة، فَلَا يضر الْمكْث. قَوْله: (مقامهن) ، بِفَتْح الْمِيم بِمَعْنى: قيامهن، وَقلة توقفهن فِي الْمَسْجِد خوفًا من أَن ينتشر الضياء ويعرفن حِينَئِذٍ.

872 - حدَّثنا يَحْيَى بنُ موساى قَالَ حدَّثنا سَعِيدُ بنُ مَنْصُور قالَ حدَّثنا فُلَيْحٌ عنْ عَبْدِ الرَّحْمان بنِ القاسِمِ عنْ أبِيهِ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يُصَلِّي الصُّبْحَ بِغَلَسٍ فَيَنْصَرِفْنَ نِسَاءُ المُؤْمِنِينَ لَا يُعْرَفْنَ مِنَ الغلَس أوْ لاَ يَعْرِفُ بَعْضُهُنَّ بَعْضا. .

مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد مضى الحَدِيث، وَأخرجه هَهُنَا: عَن يحيى بن مُوسَى الْبَلْخِي، يُقَال لَهُ: خت، بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَتَشْديد التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق. وَيُقَال لَهُ: الختي، مَاتَ سنة أَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ، وَسَعِيد بن مَنْصُور من شُيُوخ البُخَارِيّ، وَقد روى عَنهُ هَهُنَا بالواسطة. قَوْله: (فينصرفن نسَاء الْمُؤمنِينَ) ، هُوَ عَليّ لُغَة: أكلوني البراغيث، وَهِي لُغَة بني الْحَارِث. وَكَذَا قَوْله: (لَا يعرفن بَعضهنَّ بَعْضًا) ، وَهَذَا فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ والكشميهني، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: (لَا يعرف) ، بِالْإِفْرَادِ على الأَصْل. قَوْله: (الْمُؤمنِينَ) ذكر الْكرْمَانِي أَن فِي بعض النّسخ: نسَاء الْمُؤْمِنَات، ثمَّ قَالَ: تَأْوِيله نسَاء الْأَنْفس الْمُؤْمِنَات، أَو الْإِضَافَة بَيَانِيَّة نَحْو: شجر الْأَرَاك. وَقيل: إِن النِّسَاء بِمَعْنى الفاضلات، أَي فاضلات الْمُؤْمِنَات.
قَالَ: وَفِيه دَلِيل على وجوب قطع الذرائع الداعية إِلَى الْفِتْنَة وَطلب إخلاص الْفِكر، لاشتغال النَّفس بِمَا جبلت عَلَيْهِ من أُمُور النِّسَاء، وَالله تَعَالَى أعلم بِحَقِيقَة الْحَال.