عمدة القاري شرح صحيح البخاري

15 - (بابُ خُرُوجِ النِّسَاءِ وَالحُيَّضِ إلَى المُصَلَّى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم خُرُوج النِّسَاء الطاهرات وَالنِّسَاء الْحيض إِلَى الْمصلى يَوْم الْعِيد، وَالْحيض، بِضَم الْحَاء وَتَشْديد الْيَاء: جمع حَائِض، وَهُوَ من عطف الْخَاص على الْعَام.
23 - (حَدثنَا عبد الله بن عبد الْوَهَّاب قَالَ حَدثنَا حَمَّاد بن زيد عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أم عَطِيَّة قَالَت أمرنَا أَن نخرج الْعَوَاتِق وَذَوَات الْخُدُور) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " خُرُوج النِّسَاء فَقَط " وَهُوَ الْجُزْء الأول للتَّرْجَمَة وَحَدِيث أَيُّوب عَن حَفْصَة يُطَابق الْجُزْء الثَّانِي للتَّرْجَمَة وَهُوَ قَوْله " وَالْحيض " وَقد مر حَدِيث أم عَطِيَّة هَذِه فِي بَاب التَّكْبِير أَيَّام منى عَن قريب قَوْله " حَمَّاد بن زيد " كَذَا وَقع بِالنِّسْبَةِ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة حَدثنَا حَمَّاد بِلَا نِسْبَة قَوْله " أمرنَا " بِفَتْح الرَّاء كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْمُسْتَمْلِي والحموي وَفِي رِوَايَة البَاقِينَ " أمرنَا " بِضَم الْهمزَة على صِيغَة الْمَجْهُول بِدُونِ لفظ نَبينَا وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن أبي الرّبيع الزهْرَانِي عَن حَمَّاد " قَالَت أمرنَا " يَعْنِي النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله " الْعَوَاتِق " جمع العاتق وَهِي الَّتِي بلغت وَسميت بهَا لِأَنَّهَا عتقت عَن أمهاتها فِي الْخدمَة أَو عَن قهر أَبَوَيْهَا يُقَال عتقت الْجَارِيَة فَهِيَ عاتق مثل حَاضَت فَهِيَ حَائِض والعتيق الْقَدِيم وَقَالَ ابْن الْأَثِير ويروى فِي حَدِيث أم عَطِيَّة " أمرنَا أَن نخرج فِي الْعِيدَيْنِ الْحيض والعتيق " والخدور جمع خدر وَهُوَ السّتْر وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوْفِي فِي كتاب الْحيض فِي بَاب شُهُود الْحَائِض الْعِيدَيْنِ
(وَعَن أَيُّوب عَن حَفْصَة بِنَحْوِهِ) هُوَ مَعْطُوف على الْإِسْنَاد الْمَذْكُور وَالْحَاصِل أَن حمادا روى عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أم عَطِيَّة وروى أَيْضا عَن أَيُّوب عَن حَفْصَة بنت سِيرِين عَن أم عَطِيَّة بِنَحْوِهِ أَي بِنَحْوِ مَا روى أَيُّوب عَن مُحَمَّد وكلتا الرِّوَايَتَيْنِ رَوَاهُمَا أَبُو دَاوُد أما الأولى فرواها عَن مُوسَى بن إِسْمَاعِيل حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب وَيُونُس وحبِيب وَيحيى بن عَتيق وَهِشَام فِي آخَرين " عَن مُحَمَّد أَن أم عَطِيَّة قَالَت أمرنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن نخرج ذَوَات الْخُدُور يَوْم الْعِيد " الحَدِيث وَأما الثَّانِيَة فرواها عَن مُحَمَّد بن عبيد حَدثنَا حَمَّاد حَدثنَا أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أم عَطِيَّة بِهَذَا الْخَبَر قَالَ وَحدث عَن حَفْصَة عَن امْرَأَة تحدثه امْرَأَة أُخْرَى أَي حدث مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أُخْته حَفْصَة بنت سِيرِين وَيُقَال هَذَا كَانَ فِي ذَلِك الزَّمَان لأمنهن عَن الْمفْسدَة بِخِلَاف الْيَوْم وَلِهَذَا صَحَّ " عَن عَائِشَة لَو رأى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا أحدث النِّسَاء لمنعهن الْمَسَاجِد كَمَا منعت نسَاء بني إِسْرَائِيل " فَإِذا كَانَ الْأَمر قد تغير فِي زمن عَائِشَة حَتَّى قَالَت هَذَا القَوْل فَمَاذَا يكون الْيَوْم الَّذِي عَم الْفساد فِيهِ وفشت الْمعاصِي من الْكِبَار وَالصغَار فنسأل الله الْعَفو والتوفيق
(وَزَاد فِي حَدِيث حَفْصَة قَالَ أَو قَالَت الْعَوَاتِق وَذَوَات الْخُدُور ويعتزلن الْحيض الْمصلى) أَي وَزَاد أَيُّوب فِي حَدِيث حَفْصَة فِي رِوَايَة عَنْهَا قَالَ أَو قَالَت حَفْصَة يَعْنِي شكّ أَيُّوب فِي أَنَّهَا قَالَت نخرج الْعَوَاتِق ذَوَات الْخُدُور على أَن ذَوَات الْخُدُور تكون صفة للعواتق أَو قَالَت وَذَوَات الْخُدُور بواو الْعَطف وَمَعْنَاهَا صَوَاحِب الْخُدُور

(6/296)


وإعراب ذَوَات كإعراب مسلمات قَوْله " ويعتزلن الْحيض " من بَاب أكلوني البراغيث وَالْأَمر بالاعتزال إِمَّا لِئَلَّا يلْزم الِاخْتِلَاف بَين النَّاس من صَلَاة بَعضهم وَترك الصَّلَاة لبَعْضهِم أَو لِئَلَّا تنجس الْمَوَاضِع أَو لِئَلَّا تؤذي جارتها إِن حصل أَذَى مِنْهَا -
16 - (بابُ خُرُوجِ الصِّبْيَانِ إلَى المُصَلَّى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان خُرُوج الصّبيان إِلَى مصلى الْعِيد مَعَ الْقَوْم، وَإِنَّمَا قَالَ: إِلَى الْمصلى، وَلم يقل: إِلَى صَلَاة الْعِيد ليشْمل من يَتَأَتَّى مِنْهُ الصَّلَاة وَمن لَا يَتَأَتَّى.

975 - حدَّثنا عَمْرُو بنُ عَبَّاسٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّحْمانِ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنْ عَبْدِ الرَّحْمانِ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاس قَالَ خَرَجْتُ معَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ فطْرٍ أوْ أضْحَى فَصَلَّى العِيدَ ثُمَّ خطَبَ ثُمَّ أَتَى النِّسَاءَ فَوَعَظَهُنَّ وذَكَّرَهُنَّ وأمَرَهُنَّ بالصَّدَقَةِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن ابْن عَبَّاس كَانَ وَقت خُرُوجه مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَى صَلَاة الْعِيد طفْلا، لِأَنَّهُ عِنْد وَفَاة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ ابْن ثَلَاث عشرَة سنة. فَإِن قلت: لَيْسَ فِي الحَدِيث مَا يشْعر بِكَوْن ابْن عَبَّاس طفْلا حِينَئِذٍ؟ قلت: سَيَأْتِي فِي: بَاب الْعلم الَّذِي بالمصلى، قَالَ: (وَلَوْلَا مَكَاني من الصغر مَا شهدته) ، فجرت عَادَته فِي التراجم أَنه يترجم بِمَا ورد فِي بعض طرق الحَدِيث الَّذِي يُورِدهُ.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَمْرو بن عَبَّاس أَبُو عُثْمَان الْبَصْرِيّ، وَعَمْرو بِالْوَاو، وعباس، بِالْبَاء الْمُوَحدَة الْمُشَدّدَة، وَقد تقدم ذكره. الثَّانِي: عبد الرَّحْمَن بن مهْدي بن حسان الْأَزْدِيّ الْعَنْبَري. الثَّالِث: سُفْيَان الثَّوْريّ. الرَّابِع: عبد الرَّحْمَن بن عَابس، بِالْعينِ الْمُهْملَة وَبعد الْألف بَاء مُوَحدَة مَكْسُورَة، تقدم فِي آخر كتاب الصَّلَاة. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن شَيْخه من أَفْرَاده وَهُوَ بَصرِي وَشَيْخه كَذَلِك، وسُفْيَان كُوفِي وَعبد الرَّحْمَن بن عَابس كَذَلِك، وَفِيه: سُفْيَان عَن عبد الرَّحْمَن، وَصرح يحيى الْقطَّان عَنهُ بِأَن عبد الرَّحْمَن الْمَذْكُور حَدثهُ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن عَمْرو بن عَليّ فِي الصَّلَاة وَفِي الْعِيدَيْنِ عَن مُسَدّد وَعَن أَحْمد بن مُحَمَّد وَفِي الِاعْتِصَام عَن مُحَمَّد بن كثير، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن كثير بِهِ، وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عَليّ بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَو أضحى) ، شكّ من الرَّاوِي، وَالظَّاهِر أَن الشَّك من عبد الرَّحْمَن بن عَابس. قَوْله: (فوعظهن) الْوَعْظ: الْإِنْذَار بالعقاب. قَوْله: (وذكرهن) ، بتَشْديد الْكَاف: من التَّذْكِير، وَهُوَ الْإِخْبَار بالثواب، وَيجوز أَن تكون هَذِه الْجُمْلَة تَفْسِيرا لقَوْله: (وعظهن) أَو تَأْكِيدًا لَهَا. وَقيل: التَّذْكِير لأمر علم سَابِقًا.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: خُرُوج الصّبيان إِلَى الْمصلى وَلَكِن بِشَرْط التَّمْيِيز، أَلا يرى أَن ابْن عَبَّاس كَيفَ ضبط الْقِصَّة؟ وَفِيه: خُرُوج النِّسَاء أَيْضا، وَسَوَاء فِيهِ الطاهرات وَالْحيض، كَمَا جَاءَ فِي الحَدِيث السَّابِق. وَفِيه: أَن الصَّلَاة قبل الْخطْبَة. وَفِيه: الْوَعْظ للنِّسَاء وَالْأَمر لَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ دون الرِّجَال، لِأَنَّهُنَّ أَكثر أهل النَّار، وَالله أعلم.

71 - (بابُ اسْتِقْبَالِ الإمَامِ النَّاسَ فِي خُطْبَةِ العِيدِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اسْتِقْبَال الإِمَام النَّاس وَقت خطبَته بعد صَلَاة الْعِيد. فَإِن قلت: قد تقدم فِي كتاب الْجُمُعَة: بَاب اسْتِقْبَال النَّاس الإِمَام إِذا خطب، وَعلم من ذَلِك أَن الِاسْتِقْبَال سنة فِي الْخطْبَة فَيكون هَذَا تَكْرَارا. قلت: أُجِيب بِأَنَّهُ إِنَّمَا ذكر هَذِه التَّرْجَمَة لدفع وهم من يتَوَهَّم أَن الْعِيد يُخَالف الْجُمُعَة فِي ذَلِك، لِأَن اسْتِقْبَال الإِمَام فِي الْجُمُعَة ضَرُورِيّ لِأَنَّهُ يخْطب على مِنْبَر، بِخِلَاف الْعِيد فَإِنَّهُ يخْطب فِيهِ على رجلَيْهِ كَمَا تقدم فِي بَاب خطْبَة الْعِيد.

(6/297)


قَالَ أبُو سَعِيدٍ قَامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُقَابِلَ النَّاسِ
هَذَا طرف من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ، وَصله البُخَارِيّ فِي: بَاب الْخُرُوج إِلَى الْمصلى بِغَيْر مِنْبَر، قاال: (كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يخرج يَوْم الْفطر والأضحى إِلَى الْمصلى، فَأول شَيْء يبْدَأ بِهِ الصَّلَاة ثمَّ ينْصَرف فَيقوم مُقَابل النَّاس. .) الحَدِيث، وَفِي رِوَايَة مُسلم: (قَامَ فَأقبل على النَّاس. .) الحَدِيث.

18 - (بابُ العَلَمِ الَّذِي بالمُصَلَّى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الْعلم الَّذِي هُوَ بمصلى الْعِيد، وَالْعلم بِفتْحَتَيْنِ هُوَ الشَّيْء الَّذِي عمل من بِنَاء أَو وضع حجر أَو نصب عَمُود وَنَحْو ذَلِك ليعرف بِهِ الْمصلى.

977 - حدَّثنا مُسَدَّدٌ قل حدَّثنا يَحْيى عَن سُفْيَانَ قَالَ حدَّثني عَبْدُ الرَّحْمانِ بنُ عَابِسٍ قَالَ سَمِعْتُ ابنَ عَبَّاسٍ قِيلَ لهُ أشَهِدْتَ العِيدَ مَعَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ نَعَمْ ولَوْلاَ مَكانِي مِنَ الصِّغَرِ مَا شَهِدْتُهُ حَتَّى أتَى العَلَمَ الَّذِي عِنْدَ دَارِ كَثِيرِ بنِ الصَّلْتِ فَصلَّى ثُمَّ خَطَبَ ثُمَّ أتَى النِّسَاءَ ومَعَهُ بِلالٌ فَوَعَظَهُنَّ وذَكَّرَهِنَّ وأمَرَهُنَّ بالصَّدَقَةِ فَرَأيْتُهُنَّ يَهْوِينَ بِأيْدِيهِنَّ يَقْذِفْنَهُ فِي ثَوْبِ بِلاَلٍ ثُمَّ انْطَلَقَ هُوَ وبِلاَلٌ إلاى بَيْتِهِ.

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (حَتَّى أَتَى الْعلم الَّذِي عِنْد دَار كثير بن الصَّلْت) ، والْحَدِيث قد مر فِي: بَاب وضوء الصّبيان وَمَتى يجب عَلَيْهِم الْغسْل وَالطهُور، قبل كتاب الْجُمُعَة بأَرْبعَة أَبْوَاب. فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عَمْرو بن عَليّ عَن يحيى عَن سُفْيَان، وَهنا أخرجه: عَن مُسَدّد عَن يحيى، وَيحيى هُوَ الْقطَّان وسُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، وَقد تكلمنا هُنَاكَ على جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء، ولنذكر هُنَا مَا يحْتَاج إِلَيْهِ.
قَوْله: (قيل لَهُ) ، أَي: لِابْنِ عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَهُنَاكَ: (وَقَالَ لَهُ رجل) . قَوْله: (أشهدت؟) أَي: أحضرت؟ والهمزة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار. قَوْله: (وَلَوْلَا مَكَاني من الصغر مَا شهدته) ، فِيهِ تَقْدِيم وَتَأْخِير

(6/298)


وَحذف تَقْدِيره: وَلَوْلَا مَكَاني من رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم أشهده لأجل الصغر، وَكلمَة: من، للتَّعْلِيل، والْحَدِيث الْمَذْكُور هُنَاكَ يُؤَيّد هَذَا الْمَعْنى. وَهُوَ قَوْله: (لَوْلَا مَكَاني مِنْهُ مَا شهدته) أَي: لَوْلَا مَكَاني من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا حَضرته أَي: الْعِيد، وَفسّر الرَّاوِي هُنَاكَ عِلّة عدم الْحُضُور بقوله: (يَعْنِي من صغره) ، فالصغر عِلّة لعدم الْحُضُور، وَلَكِن قرب ابْن عَبَّاس مِنْهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ومكانه عِنْده كَانَ سَببا لحضوره. قَوْله: (حَتَّى أَتَى الْعلم) ، بِفتْحَتَيْنِ، وَهُوَ الْعَلامَة الَّتِي عملت عِنْد دَار كثير بن الصَّلْت، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب وضوء الصّبيان، و: كلمة: حَتَّى، للغاية وَلَكِن فِيهِ مُقَدّر تَقْدِيره: خرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَتَّى أَتَى الْعلم. قَوْله: (وَمَعَهُ بِلَال) أَي: مَعَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَالْوَاو فِيهِ للْحَال. قَوْله: (يهوين) ، بِضَم الْيَاء آخر الْحُرُوف من: أَهْوى يهوي إهواءً. يُقَال: أَهْوى الرجل بِيَدِهِ إِلَى الشَّيْء ليتناوله وَيَأْخُذهُ، وَقَالَ ابْن الْأَثِير: يُقَال: أَهْوى بِيَدِهِ إِلَيْهِ أَي: مدها نَحوه، وأمالها إِلَيْهِ، يُقَال أَهْوى يَده وَبِيَدِهِ إِلَى الشَّيْء ليأخذه، وَالْمعْنَى هُنَا يمددن أَيْدِيهنَّ بِالصَّدَقَةِ ليتناولها بِلَال، وَفَسرهُ بَعضهم بقوله: أَي: يلقين، وَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن لفظ: (يلقين) تَفْسِير قَوْله: (يقذفنه، وَإِذا فسر: يهوين بيلقين يكون قَوْله: (يقذفنه) تَكْرَارا بِلَا فَائِدَة، وَمحل: (يقذفنه) من الْإِعْرَاب النصب لِأَنَّهَا وَقعت حَالا، وَالضَّمِير الْمَنْصُوب فِيهِ يرجع إِلَى الْمُتَصَدّق بِهِ، يدل عَلَيْهِ لفظ الصَّدَقَة. وَبَقِيَّة فَوَائده ذكرت هُنَاكَ.

19 - (بابُ مَوْعِظَةِ الإمَامِ النِّسَاءِ يَوْمَ العِيدِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان وعظ الإِمَام النِّسَاء يَوْم الْعِيد إِذا لم يسمعن الْخطْبَة مَعَ الرِّجَال.

978 - حدَّثني إسْحَاقُ بنُ إبْرَاهِيمَ بنِ نَصْرٍ قَالَ حدَّثني عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ حدَّثنا ابنُ جُرَيْجٍ قَالَ أَخْبرنِي عَطاءٌ عنْ جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله قَالَ سَمِعْتُهُ يقُولُ قَامَ النبيُّ يَوْمَ الفِطْرِ فَصَلَّى فَبَدأ بِالصَّلاَةِ ثُمَّ خَطَبَ فَلَمَّا فَرَغَ نَزَلَ فأتَى النِّسَاءَ فَذَكَّرَهُنَّ وَهْوَ يَتَوَكَّأُ عَلَى يَدِ بِلاَلٍ وبِلاَلٌ بَاسِطٌ ثَوْبَهُ يُلْقِي فِيهِ النِّسَاءُ الصَّدَقَةَ قُلْتُ لِعَطَاءٍ زكاةَ يَوْمَ الفِطْرِ قالَ لاَ ولاكِنْ صَدَقَةً يَتَصَدَّقْنَ حِينَئِذٍ تُلْقى فَتَخَهَا ويُلْقِينَ قُلْتُ أتُرَى حَقّا عَلَى الإمَامِ ذالِكَ ويُذَكِّرُهُنَّ قَالَ إنَّهُ لَحَق علَيْهِمْ وَمَا لهُمْ لاَ يَفْعَلُونَهُ. (انْظُر الحَدِيث 958 وطرفه) .

979 - قالَ ابنُ جُرَيْجٍ وأخْبرَنِي الحسَنُ بنُ مُسْلِمٍ عنْ طَاوُوسٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ شَهِدْتُ الفِطْرَ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بَكْرٍ وعُمَرَ وعُثْمَانَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم يُصَلُّونَهَا قَبْلَ الخُطْبَةِ ثُمَّ يخْطبُ بَعْدُ خَرِجَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأنِّي أنْظُرُ إليْهِ حِينَ يُجْلِسُ بِيَدِهِ ثُمَّ أقْبَلَ يَشُقُّهُمْ حَتَّى جاءَ النِّسَاءَ مَعَهُ بِلاَلٌ فَقَالَ يَا أيُّهَا النَّبِي إذَا جاءَكَ المُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ الآيَةَ ثُمَّ قَالَ حِينَ فرَغَ مِنْهَا آنْتُنَّ عَلَى ذالِكَ قالَتِ امْرَأةٌ وَاحِدَةٌ مِنْهُنَّ لَمْ يُجِبْهُ غَيْرُها نَعَمْ لاَ يَدْرِي حَسَنٌ مَنْ هِيَ قَالَ فتَصَدَّقْنَ فبَسَطَ بِلالٌ ثَوْبَهُ ثُمَّ هَلُمَّ لَكُنَّ فِدَاءُ أبي وأمِّي فيُلْقِينَ الفَتَخَ والخَوَاتِيمَ فِي ثَوْبِ بِلالٍ، قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ الفتخ الخَوَاتِيمُ العِظَامُ كانَتْ فِي الجَاهِلِيَّةِ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَأتى النِّسَاء فَذَكرهنَّ) .
ذكر رِجَاله: وهم ثَمَانِيَة: الأول: إِسْحَاق بن نصر: هُوَ إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم بن نصر أَبُو إِبْرَاهِيم السَّعْدِيّ البُخَارِيّ. الثَّانِي: عبد الرَّزَّاق بن همام صَاحب (الْمسند) و (المُصَنّف) . الثَّالِث: عبد الْملك ابْن عبد الْعَزِيز بن جريج، وَقد تكَرر ذكره. الرَّابِع: عَطاء بن أبي رَبَاح. الْخَامِس: جَابر بن عبد الله الْأنْصَارِيّ. السَّادِس: الْحسن بن مُسلم بن يناق الْمَكِّيّ. السَّابِع: طَاوُوس بن كيسَان. الثَّامِن: عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم. .
ذكر

(6/299)


لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي تِسْعَة مَوَاضِع. وَفِيه: إِن شَيْخه من أَفْرَاده وَأَن نسبته إِلَى جده وَهُوَ رِوَايَة الْأصيلِيّ فَإِنَّهُ روى عَنهُ فِي كِتَابه فِي مَوَاضِع، فَمرَّة يَقُول: حَدثنَا إِسْحَاق بن نصر فينسبه إِلَى جده، وَمرَّة يَقُول: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم، فينسبه إِلَى أَبِيه. وَفِيه: أَن شَيْخه بخاري سكن الْمَدِينَة وَالثَّانِي يماني وَالثَّالِث وَالرَّابِع مكيان وَالسَّادِس كَذَلِك وَالسَّابِع يماني.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن مُحَمَّد بن عبد الرَّحِيم. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن رَافع وَعبد بن حميد، كِلَاهُمَا عَن عبد الرَّزَّاق بِهِ، وَلم يذكر حَدِيث عَطاء عَن جَابر، وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن مُسَدّد. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن أبي بكر بن خَلاد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فَلَمَّا فرغ) أَي: عَن الْخطْبَة، نزل قيل: فِيهِ إِشْعَار أَنه كَانَ يخْطب على مَكَان مُرْتَفع، لِأَن النُّزُول يدل على ذَلِك. (وَاعْترض عَلَيْهِ) بِأَن تقدم فِي: بَاب الْخُرُوج إِلَى الْمصلى، أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ يخْطب فِي الْمصلى على الأَرْض. وَأجِيب: بِأَن الرَّاوِي لَعَلَّه ضمن النُّزُول معنى الِانْتِقَال قلت: يحْتَمل تعدد الْقَضِيَّة. قَوْله: (وَهُوَ يتَوَكَّأ) الْوَاو فِيهِ للْحَال، وَكَذَلِكَ: الْوَاو فِي: (وبلال) . قَوْله: (تلقي) بِضَم التَّاء من الإقاء، وَالنِّسَاء بِالرَّفْع فَاعله. قَوْله: (قلت لعطاء) الْقَائِل هُوَ ابْن جريج، وَهُوَ مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول. قَوْله: (زَكَاة يَوْم الْفطر) ، كَلَام إضافي مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف مَعَ تَقْدِير الِاسْتِفْهَام أَي: أَهِي زَكَاة يَوْم الْفطر؟ وَأطلق على صَدَقَة الْفطر اسْم: الزَّكَاة، فَدلَّ أَنَّهَا وَاجِبَة. قَوْله: (وَلَكِن صَدَقَة) أَي: وَلَكِن هِيَ صَدَقَة، فارتفاعها على أَنَّهَا خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف. قَوْله: (تلقي) ، بِضَم التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق من الْإِلْقَاء أَي: تلقي النِّسَاء، وَالنِّسَاء، وَإِن كَانَ جمعا للْمَرْأَة من غير لَفظه، وَلكنه مُفْرد لفظا. قَوْله: (فتخها) ، بِالنّصب مفعول: تلقي، الفتخ، بِفَتْح الْفَاء وَالتَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَالْخَاء الْمُعْجَمَة: جمع فتخة، وَهُوَ خَوَاتِم بِلَا فصوص كَأَنَّهَا حلق، وَسَيَأْتِي تَفْسِيره عَن قريب. قَوْله: (يلقين) ، من الْإِلْقَاء أَيْضا وَإِنَّمَا كرر ليُفِيد الْعُمُوم. وَقَالَ بَعضهم: الْمَعْنى تلقي الْوَاحِدَة وَكَذَلِكَ الْبَاقِيَات. قلت: التَّرْكِيب لَا يَقْتَضِي هَذَا على مَا لَا يخفى، ومفعول: (يلقين) ، مَحْذُوف وَهُوَ: كل نوع من أَنْوَاع حليهن. قَوْله: (قلت لعطاء) الْقَائِل هُوَ ابْن جريج أَيْضا والمسؤول عَطاء. قَوْله: (أَتَرَى حَقًا على الإِمَام ذَلِك؟) الْهمزَة فِيهِ للإستفهام، و: حَقًا، مَنْصُوب على أَنه مفعول: ترى، وَذَلِكَ إِشَارَة إِلَى مَا ذكر من الْوَعْظ للنِّسَاء وَالْأَمر إياهن بِالصَّدَقَةِ، وَالظَّاهِر أَن عَطاء يرى وجوب ذَلِك، وَلِهَذَا قَالَ عِيَاض: لم يقل بذلك غَيره، وَالنَّوَوِيّ وَغَيره حملوه على الِاسْتِحْبَاب.
قَوْله: (قَالَ ابْن جريج: وَأَخْبرنِي حسن بن مُسلم) مَعْطُوف على الْإِسْنَاد الأول، وَقد أخرج مُسلم هَذَا الحَدِيث وَلكنه قدم الثَّانِي على الأول، قَالَ: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَمُحَمّد بن رَافع، قَالَ ابْن رَافع: حَدثنَا عبد الرَّزَّاق، قَالَ: أخبرنَا ابْن جريج، قَالَ: أَخْبرنِي عَطاء (عَن جَابر بن عبد الله قَالَ: سمعته يَقُول: إِن النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، قَامَ يَوْم الْفطر فصلى فَبَدَأَ بِالصَّلَاةِ قبل الْخطْبَة ثمَّ خطب النَّاس، فَلَمَّا فرغ نَبِي الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، نزل فَأتى النِّسَاء فَذَكرهنَّ وَهُوَ يتَوَكَّأ على يَد بِلَال، وبلال باسط ثَوْبه، يلقين النِّسَاء صَدَقَة. قلت لعطاء: زَكَاة الْفطر؟ قَالَ: لَا وَلَكِن صَدَقَة يتصدقن بهَا حِينَئِذٍ، تلقي الْمَرْأَة فتخها ويلقين. قلت لعطاء: أحقا على الإِمَام الْآن إِن يَأْتِي النِّسَاء حِين يفرغ فيذكرهن؟ قَالَ: أَي لعمري إِن ذَلِك لحق عَلَيْهِم، وَمَا لَهُم لَا يَفْعَلُونَ ذَلِك؟ قَوْله: (ثمَّ يخْطب بعد) لفظ: (يخْطب) على صِيغَة الْمَجْهُول. قَالَ الْكرْمَانِي: مَعْنَاهُ: ثمَّ يخْطب كل وَاحِد، فعلى تَفْسِيره هُوَ على صِيغَة الْمَعْلُوم، وَبعد مَبْنِيّ على الضَّم أَي: بعد إِن يصلوا. قَوْله: (خرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، كَذَا وَقع بِدُونِ حرف الْعَطف. قيل: قد حذف مِنْهُ حرف الْعَطف وَأَصله: وَخرج. قلت: لَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك، لِأَن هَذَا ابْتِدَاء كَلَام من ابْن عَبَّاس. قَوْله: (حِين يجلس بِيَدِهِ) ، بتَشْديد اللَّام الْمَكْسُورَة من: التجليس، ومفعوله مَحْذُوف أَي: حِين يجلس النَّاس بِيَدِهِ، وتفسره رِوَايَة مُسلم قَالَ: (فَنزل نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَأَنِّي أنظر إِلَيْهِ حِين يجلس الرِّجَال بِيَدِهِ) . وَذَلِكَ لأَنهم أَرَادوا الِانْصِرَاف فَأَمرهمْ بِالْجُلُوسِ حَتَّى يفرغ من حَاجته ثمَّ ينصرفوا جَمِيعًا، أَو، أَنهم: أَرَادوا أَن يتبعوه فَمَنعهُمْ وَأمرهمْ بِالْجُلُوسِ. قَوْله: (يشقهم) ، أَي: يشق صُفُوف الرِّجَال الجالسين. قَوْله: (مَعَه بِلَال) جملَة حَالية وَقعت بِلَا وَاو قَوْله: (فَقَالَ: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات} ) (الممتحنة: 12) . أَي: قَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، يَعْنِي: تَلا هَذِه الْآيَة. وَفِي صَحِيح مُسلم: (فَتلا هَذِه الْآيَة حَتَّى فرغ) مِنْهَا، وَهَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة فِي سُورَة الممتحنة: {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تَتَّخِذُوا عدوي وَعَدُوكُمْ أَوْلِيَاء} (الممتحنة: 1) . ثمَّ الْآيَة الْمَذْكُورَة

(6/300)


هِيَ: {يَا أَيهَا النَّبِي إِذا جَاءَك الْمُؤْمِنَات يبايعنك على أَن لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّه شَيْئا وَلَا يَسْرِقن وَلَا يَزْنِين وَلَا يقتلن أَوْلَادهنَّ وَلَا يَأْتِين بِبُهْتَان يَفْتَرِينَهُ بَين أَيْدِيهنَّ وَأَرْجُلهنَّ وَلَا يَعْصِينَك فِي مَعْرُوف فبايعهن واستغفر لَهُنَّ الله إِن الله غَفُور رَحِيم} (الممتحنة: 12) . وَإِنَّمَا تَلا النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم هَذِه الْآيَة الْكَرِيمَة ليذكرهن الْبيعَة الَّتِي وَقعت بَينه وَبَين النِّسَاء لما فتح النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَكَّة، وَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما فرغ من أَمر الْفَتْح اجْتمع النَّاس لِلْبيعَةِ، فَجَلَسَ بهم على الصَّفَا، وَلما فرغ من بيعَة الرِّجَال بَايع النِّسَاء وَذكر لَهُنَّ مَا ذكر الله فِي الْآيَة الْمَذْكُورَة. قَوْله: (انتن على ذَلِك) مقول القَوْل، وَالْخطاب للنِّسَاء أَي: انتن على مَا ذكر فِي هَذِه الْآيَة. قَوْله: (فَقَالَت امْرَأَة وَاحِدَة مِنْهُنَّ) أَي: من النِّسَاء. قَوْله: (نعم) ، مقول القَوْل أَي: نعم نَحن على ذَلِك. قَوْله: (لَا يدْرِي حسن من هِيَ) أَي: لَا يدْرِي حسن بن مُسلم الرَّاوِي عَن طَاوُوس الْمَذْكُور فِيهِ من هِيَ الْمَرْأَة المجيبة، وَوَقع فِي رِوَايَة مُسلم وَحده: (لَا يدْرِي حِينَئِذٍ من هِيَ) ، هَكَذَا وَقع فِي جَمِيع نسخ مُسلم، وَكَذَا نَقله القَاضِي عَن جَمِيع النّسخ. قَالَ: هُوَ وَغَيره، وَهُوَ تَصْحِيف وَصَوَابه: (لَا يدْرِي حسن من هِيَ) ، كَمَا فِي رِوَايَة البُخَارِيّ قيل: يحْتَمل أَن تكون هَذِه الْمَرْأَة هِيَ: أَسمَاء بنت يزِيد بن السكن الَّتِي تعرف بخطيبة النِّسَاء فَإِنَّهَا رَوَت أصل هَذِه الْقِصَّة فِي حَدِيث أخرجه الطَّبَرَانِيّ، وَغَيره من طَرِيق شهر بن حَوْشَب: (عَن أَسمَاء بنت يزِيد أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خرج إِلَى النِّسَاء، وَأَنا مَعَهُنَّ، فَقَالَ: يَا معشر النِّسَاء إنكن أَكثر حطب جَهَنَّم، فناديت رَسُول الله، وَكنت عَلَيْهِ جريئة: لِمَ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: لأنكن تكثرن اللَّعْن وتكفرن العشير) . فَلَا يبعد أَن تكون هِيَ الَّتِي أَجَابَتْهُ أَولا: بنعم، فَإِن الْقِصَّة وَاحِدَة. قلت: هَذَا تخمين وحسبان، وَيحْتَمل إِن يكون غَيرهَا، وَبَاب الِاحْتِمَال وَاسع. قَوْله: (قَالَ: فتصدقن) هَذِه صِيغَة الْأَمر أمرهن صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِالصَّدَقَةِ، وَهَذِه الصِّيغَة تشترك فِيهَا جمَاعَة النِّسَاء من الْمَاضِي، وَمن الْأَمر لَهُنَّ وَيفرق بَينهمَا بِالْقَرِينَةِ. فَإِن قلت: مَا هَذِه الْفَاء فِيهَا؟ قلت: يجوز أَن تكون للجواب لشرط مَحْذُوف تَقْدِيره: إِن كنتن على ذَلِك فتصدقن، وَيجوز أَن تكون للسَّبَبِيَّة. قَوْله: (ثمَّ قَالَ: هَلُمَّ) أَي: ثمَّ قَالَ بِلَال: وَلَفظ: هَلُمَّ من أَسمَاء الْأَفْعَال المتعدية نَحْو: هَلُمَّ زيدا: أَي: هاته وقربه، وَهُوَ مركب من: الْهَاء، و: لم، من: لممت الشَّيْء جمعته، وَيَسْتَوِي فِيهِ الْوَاحِد والمثنى وَالْجمع والمذكر والمؤنث. تَقول: هَلُمَّ يَا رجل، هَلُمَّ يَا رجلَانِ، هَلُمَّ يَا رجال، هَلُمَّ يَا امْرَأَة، هَلُمَّ يَا امْرَأَتَانِ، هَلُمَّ يَا نسْوَة. هَذِه لُغَة أهل الْحجاز، وَأما بَنو تَمِيم فَيَقُولُونَ: هَلُمَّ هلما هلموا هَلُمِّي هلما هلممن، وَالْأولَى أفْصح، وَيَجِيء لَازِما أَيْضا، قَالَ تَعَالَى: {والقائلين لإخوانهم هَلُمَّ إِلَيْنَا} (الْأَحْزَاب: 18) . قَوْله: (لَكِن) ، بِضَم الْكَاف وَتَشْديد النُّون، لِأَنَّهُ خطاب للنِّسَاء، فَإِذا وَقع لفظ: هَلُمَّ، مُتَعَدِّيا تدخل عَلَيْهِ اللَّام، وَيُقَال: هَلُمَّ لَك هَلُمَّ لَكمَا هَلُمَّ لكم هَلُمَّ لكِ بِكَسْر الْكَاف، هَلُمَّ لَكمَا هَلُمَّ لَكِن. قَوْله: (فدَاء) إِذا كسر الْفَاء يمد وَيقصر، وَإِذا فتح فَهُوَ مَقْصُور، وَالْفِدَاء: فكاك الْأَسير. يُقَال: فدَاه يفْدِيه فدَاء وفدىً وفاداه يفاديه مفاداة، إِذا أعْطى فداءه وأنقذه، وفداه بِنَفسِهِ وفداه إِذا قَالَ لَهُ: جعلت فدَاك. وَقيل: المفاداة أَن يفتك الإسير بأسير مثله. قَوْله: (فدَاء) مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر لقَوْله: (أبي وَأمي) عطف عَلَيْهِ، وَالتَّقْدِير: أبي وَأمي مفدىً لَكِن. قَوْله: (فيلقين) ، بِضَم الْيَاء من الْإِلْقَاء وَهُوَ الرَّمْي. قَوْله: (الفتخ) مَنْصُوب لِأَنَّهُ مفعول: (يلقين) . قَوْله: (وَالْخَوَاتِيم) عطف عَلَيْهِ، والفتخ، بِفتْحَتَيْنِ: جمع فتخة، وَقد فسرناها عَن قريب، وفسرها عبد الرَّزَّاق بِمَا ذكره فِي الْكتاب، وَلَكِن لم يذكر فِي أَي شَيْء كَانَت تلبس، وَقد ذكر ثَعْلَب أَنَّهُنَّ كن يلبسنها فِي أَصَابِع الأرجل، وَلِهَذَا عطف عَلَيْهَا: الخواتيم، لِأَنَّهَا عِنْد الْإِطْلَاق تَنْصَرِف إِلَى مَا يلبس فِي الْأَيْدِي، وَقد ذكرنَا عَن الْخَلِيل أَن: الفتخ: الخواتيم الَّتِي لَا فصوص لَهَا، فعلى هَذَا يكون هَذَا من عطف الْعَام على الْخَاص، وَالْخَوَاتِيم جمع: ختام، أَو خاتام، وهما لُغَتَانِ فِي: خَاتم.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: اسْتِحْبَاب وعظ النِّسَاء وتعليمهن أَحْكَام الْإِسْلَام وتذكيرهن بِمَا يجب عَلَيْهِنَّ، وَمَا يسْتَحبّ، وحثهن على الصَّدَقَة وتخصيصهن بذلك فِي مجْلِس مُنْفَرد، وَمحل ذَلِك كُله إِذا أمنت الْفِتْنَة والمفسدة. وَقَالَ ابْن بطال: أما إِتْيَانه إِلَى النِّسَاء ووعظهن فَهُوَ خَاص بِهِ عِنْد الْعلمَاء، لِأَنَّهُ أَب لَهُنَّ وهم مجمعون أَن الْخَطِيب لَا يلْزمه خطْبَة أُخْرَى للنِّسَاء وَلَا يقطع خطبَته ليتمها عِنْد النِّسَاء. وَفِيه: جَوَاز التفدية بِالْأَبِ وَالأُم. وَفِيه: ملاطفة الْعَامِل على الصَّدَقَة بِمن يَدْفَعهَا إِلَيْهِ. وَفِيه: أَن الصَّدَقَة من دوافع الْعَذَاب لِأَنَّهُ أمرهن بِالصَّدَقَةِ ثمَّ علل بأنهن أَكثر أهل النَّار لما يَقع مِنْهُنَّ من كفران النعم وَغير ذَلِك. وَفِيه: بذل النَّصِيحَة والإغلاظ بهَا لمن احْتِيجَ فِي حَقه إِلَى ذَلِك. وَفِيه: جَوَاز طلب الصَّدَقَة من الْأَغْنِيَاء للمحتاجين. وَفِيه: مبادرة تِلْكَ النسْوَة إِلَى الصَّدَقَة بِمَا يعز عَلَيْهِنَّ من حليهن، مَعَ ضيق الْحَال فِي ذَلِك الْوَقْت، وَفِي ذَلِك

(6/301)


دلَالَة على علو مقامهن فِي الدّين وحرصهن على أَمر الرَّسُول، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. وَفِيه: أَن قَول الْمُخَاطب: نعم، يقوم مقَام الْخطاب. وَفِيه: أَن جَوَاب الْوَاحِد كَاف عَن الْجَمَاعَة. وَفِيه: بسط الثَّوْب لقبُول الصَّدَقَة. وَفِيه: أَن الصَّلَاة يَوْم الْعِيد مُقَدّمَة على الْخطْبَة.

20 - (بابٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ فِي العِيدِ)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال الْمَرْأَة إِذا لم يكن لَهَا جِلْبَاب فِي الْعِيد، وَلم يذكر جَوَاب الشَّرْط اعْتِمَادًا على مَا ورد فِي حَدِيث الْبَاب، وَالتَّقْدِير: إِذا لم يكن لَهَا جِلْبَاب فِي يَوْم الْعِيد تلبسها صاحبتها من جلبابها، كَمَا ذكر فِي متن الحَدِيث، وَيجوز أَن يقدر هَكَذَا، إِذا لم يكن لَهَا جِلْبَاب فِي يَوْم الْعِيد تستعير من غَيرهَا جلبابا فَتخرج فِيهِ. وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون الْمَعْنى: تعيرها من جنس ثِيَابهَا، وَيحْتَمل أَن يكون المُرَاد: تشركها مَعهَا فِي ثوبها، وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة أبي دَاوُد: (تلبسها صاحبتها طَائِفَة من ثوبها) . وَيُؤْخَذ مِنْهُ: جَوَاز اشْتِمَال الْمَرْأَتَيْنِ فِي ثوب وَاحِد. قلت: الَّذِي قَالَ هَذَا الْقَائِل لم يقل بِهِ أحد مِمَّن لَهُ ذوق من مَعَاني التَّرْكِيب. وَإنَّهُ ظن أَن معنى قَوْله فِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (طَائِفَة من ثوبها) ، بَعْضًا من ثوبها بِأَن تدْخلهَا فِي ثوبها حَتَّى تصير كلتاهما فِي ثوب وَاحِد، وَهَذَا لم يقل بِهِ أحد، ويعسر ذَلِك عَلَيْهِمَا جدا فِي الْحَرَكَة، وَإِنَّمَا معنى: طَائِفَة من ثوبها، يَعْنِي: قِطْعَة من ثِيَابهَا من الَّتِي لَا تحْتَاج إِلَيْهَا، مثل الجلباب والخمار والمقنعة، وَنَحْو ذَلِك. وَكَذَا فسروا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فِي حَدِيث الْبَاب: (لتلبسها صاحبتها من جلبابها) ، يَعْنِي: لتعيرها جلبابا لَا تحْتَاج إِلَيْهِ، والجلباب: ثوب أقصر وَأعْرض من الْخمار. قَالَ النَّضر: هُوَ المقنعة. وَقيل: ثوب وَاسع يُغطي صدرها وظهرها، وَقيل: هُوَ كالملحفة. وَقيل: الْإِزَار. وَقيل: الْخمار.

980 - حدَّثنا أبُو مَعْمَرٍ قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الوَارِثِ قَالَ حدَّثنا أيُّوبُ عنْ حَفْصَةَ بِنْتِ سيرِينَ قالَتْ كُنَّا نَمْنَعُ جَوَارِينَا أنْ يَخْرُجْنَ يَوْمَ العِيدِ فَجَاءَتْ امْرَأةٌ فنَزَلَتْ قَصْرَ بَنِي خَلَفٍ فأتَيْتُهَا فَحَدَّثَتْ أنَّ زَوْجَ اخْتِهَا غَزَا معَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ثِنْتَيْ عَشْرَةَ غَزْوَةً فَكانَتْ أُخْتُهَا مَعَهُ فِي سَتِّ غزَوَاتٍ فقَالَتْ فَكُنَّا نَقُومُ عَلَى المَرْضَى وَنُدَاوِي الكَلْمَى فقَالَتْ يَا رسولَ الله عَلَى إحْدَانَا بَأْسٌ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهَا جِلْبَابٌ أنْ لاَ تَخْرُجَ فَقَالَ لِتُلْبِسْهَا صاحِبتُهَا منْ جِلْبَابِهَا فَلْيَشْهَدْنَ الخَيْرَ وَدَعْوَةَ المُؤْمِنِينَ قالَتْ حَفْصَةُ فَلَمَّا قَدِمَتْ أُمُّ عَطِيَّةَ أتَيْتُهَا فسَألْتُهَا أسَمِعْتِ فِي كَذَا وكذَا قالَتْ نَعَمْ بِأبِي وَقَلَّمَا ذَكَرَتِ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إلاّ قالَتْ بِأبِي قَالَ لِيَخْرُجِ العَوَاتِقُ ذَوَاتُ الخُدُورِ أوْ قَالَ العَوَاتِقُ وذَوَاتُ الخُدُورِ شَكَّ أيُّوبُ والحُيَّضُ ويَعْتَزِلُ الحُيَّضُ المُصَلَّى ولْيَشْهَدْنَ الخيْرِ ودَعْوَةَ المُؤمِنِينَ قالَتْ فَقُلْتُ لَهَا آلحُيَّضُ قالَتْ نَعَمْ ألَيْسَ الحَائِضُ تَشْهَدُ عَرَفَاتٍ وتَشْهَدُ كَذَا وتَشْهَدُ كَذَا. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لتلبسها صاحبتها من جلبابها) ، وَقد مر هَذَا الحَدِيث فِي أول: بَاب شُهُود الْحَائِض الْعِيدَيْنِ، فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن عبد الْوَهَّاب عَن أَيُّوب عَن حَفْصَة، وَأخرجه هُنَا: عَن أبي معمر، بِفَتْح الميمين: عبد الله ابْن عَمْرو المقعد عَن عبد الْوَارِث بن سعيد التَّمِيمِي عَن أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ. وَقد ذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء.
قَوْله: (قصر بني خلف) بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَاللَّام: هُوَ بِالْبَصْرَةِ مَنْسُوب إِلَى خلف جد طَلْحَة بن عبد الله بن خلف، جمع: الكليم، وَهُوَ الْمَجْرُوح. قَوْله: (أسمعت؟) بِهَمْزَة الإستفهام. قَوْله: (قَالَت: نعم، بِأبي) أَي: مفدى بِأبي، أَو: أفديه بِأبي، وَهَذِه رِوَايَة كَرِيمَة وَأبي الْوَقْت. وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: (قَالَت: نعم بأبا) ، وَقد ذكرنَا أَن فِيهِ أَربع رِوَايَات: الأولى: هَذِه، وَالثَّانيَِة:

(6/302)


بأبا، وَالثَّالِثَة: بيبي. وَالرَّابِعَة: بيبا. قَوْله: (لتخرج الْعَوَاتِق ذَوَات الْخُدُور) هَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين، وَفِي رِوَايَة الْكشميهني: (أَو قَالَ: الْعَوَاتِق وَذَوَات الْخُدُور) . شكّ أَيُّوب، هَل هُوَ بواو الْعَطف أَو لَا؟ . قَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: هَذَا الْكَلَام مَوْقُوف عَلَيْهَا أَو مَرْفُوع إِلَى رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم؟ قلت: مَرْفُوع، إِذْ معنى قَوْلهَا: نعم، سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ: لتخرج الْعَوَاتِق. قَوْله: (فَقلت لَهَا) القائلة الْمَرْأَة، وَالْمقول لَهَا: أم عَطِيَّة، قيل: يحْتَمل أَن تكون القائلة حَفْصَة وَالْمقول لَهَا امْرَأَة، وَهِي أُخْت أم عَطِيَّة. قَوْله: (وَتشهد كَذَا وَتشهد كَذَا) يُرِيد: مُزْدَلِفَة وَرمي الْجمار.
قَالَ ابْن بطال: فِيهِ تَأْكِيد خروجهن إِلَى الْعِيد لِأَنَّهُ إِذا أَمر من لَا جِلْبَاب لَهَا، فَمن لَهَا جِلْبَاب بِالطَّرِيقِ الأولى. وَقَالَ أَبُو حنيفَة: الملازمات الْبيُوت لَا يخْرجن. وَقَالَ الطَّحَاوِيّ: يحْتَمل أَن يكون هَذَا الْأَمر فِي أول الْإِسْلَام والمسلمون قَلِيل، فَأُرِيد التكثير بحضورهن ترهيبا لِلْعَدو، فَأَما الْيَوْم فَلَا يحْتَاج إِلَى ذَلِك. وَقَالَ الْكرْمَانِي: وَهُوَ مَرْدُود لِأَنَّهُ يحْتَاج إِلَى معرفَة تَارِيخ الْوَقْت، والنسخ لَا يثبت إِلَّا بِالْيَقِينِ، وَأَيْضًا فَإِن التَّرْهِيب لَا يحصل بهم، وَلذَلِك لم يلزمهن الْجِهَاد. قلت: رده مَرْدُود. وَقَوله: فَإِن التَّرْهِيب لَا يحصل بِهن غير مُسلم، لِأَنَّهُنَّ يكثرن السوَاد، والعدو يخَاف من كَثْرَة السوَاد، بل فِيهِنَّ من هِيَ أقوى قلبا من كثير من الرِّجَال الَّذين لَيْسَ لَهُم ثبات عِنْد الْحَرْب. وَقَوله: وَلذَلِك لم يلزمهن الْجِهَاد. قُلْنَا: لَا نسلم ذَلِك، فَعِنْدَ النفير الْعَام يلْزم سَائِر النَّاس حَتَّى تخرج الْمَرْأَة من غير إِذن زَوجهَا، وَالْعَبْد من غير إِذن مَوْلَاهُ، على مَا عرف فِي بَابه. وَقَالَ بَعضهم: وَقد أفتت بِهِ أم عَطِيَّة بعد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بِمدَّة، وَلم يثبت عَن أحد من الصَّحَابَة مخالفتها فِي ذَلِك، والاستنصار بِالنسَاء والتكثر بِهن فِي الْحَرْب دَال على الضعْف. قلت: هَذِه عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، صَحَّ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَت: (لَو رأى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا أحدث النِّسَاء لمنعهن عَن الْمَسَاجِد كَمَا منعت نسَاء بني إِسْرَائِيل) . فَإِذا كَانَ الْأَمر فِي خروجهن إِلَى الْمَسَاجِد هَكَذَا، فبالأحرى أَن يكون ذَلِك فِي خروجهن إِلَى الْمصلى، فَكيف يَقُول هَذَا الْقَائِل: لم يثبت عَن أحد من الصَّحَابَة مخالفتها، وَأَيْنَ أم عَطِيَّة من عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا؟ وَلم يكن فِي حضورهن الْمصلى فِي ذَلِك الْوَقْت استنصار بِهن، بل كَانَ الْقَصْد تَكْثِير السوَاد أثرا فِي إرهاب الْعَدو. أَلا ترى أَن أَكثر الصَّحَابَة كَيفَ كَانُوا يَأْخُذُونَ نِسَاءَهُمْ مَعَهم فِي بعض الفتوحات لتكثير السوَاد؟ بل وَقع مِنْهُنَّ فِي بعض الْمَوَاضِع نصْرَة لَهُم بقتالهن وتشجيعهن الرِّجَال، وَهَذَا لَا يخفى على من لَهُ اطلَاع فِي السّير والتواريخ.

21 - (بابُ اعْتِزَالِ الحُيَّضِ المُصَلَّى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان اعتزال الْحيض الْمصلى، بِضَم الْحَاء وَتَشْديد الْيَاء: جمع حَائِض، يَعْنِي: يعتزلن مصلى الْعِيد، وَإِنَّمَا ذكر هَذِه التَّرْجَمَة مَعَ أَن مَضْمُون حَدِيثهَا قد تقدم فِي الْبَاب السَّابِق للاهتمام بِهِ مَعَ التَّنْبِيه على اخْتِلَاف الروَاة.

981 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ المُثَنَّى قَالَ حدَّثنا ابنُ ابي عَدِيٍّ عنِ ابنِ عَوْنٍ عنْ مُحَمَّدٍ. قَالَ قالَتْ أمُّ عَطِيَّةَ أمِرْنَا أنْ نَخْرُجَ فَنُخْرِجَ الحُيَّضَ والعَوَاتِقَ وذَوَاتِ الخُدُورِ قَالَ ابنُ عَوْنٍ أوْ العَواتِقَ ذَوَاتِ الخُدُورِ فأمَّا الحُيَّضُ فَيَشْهَدْنَ جَمَاعَةَ المُسْلِمِينَ ودَعْوَتَهُمْ ويَعْتَزِلْنَ مُصَلاَّهُمْ. .

مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ويعتزلن مصلاهم) ، قد مر الْكَلَام فِيهِ فِي: بَاب شُهُود الْحَائِض الْعِيدَيْنِ، وَابْن أبي عدي هُوَ مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم، مر ذكره فِي: إِذا جَامع ثمَّ عَاد، فِي كتاب الْغسْل، وَابْن عون هُوَ: عبد الله بن عون مر فِي: بَاب قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رب مبلغ، وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين.
قَوْله: (وَقَالَ ابْن عون: أَو الْعَوَاتِق) شكّ فِيهِ، هُوَ كَمَا شكّ أَيُّوب فِي الحَدِيث الَّذِي قبله، وَفِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ: عَن مَنْصُور بن زادان عَن ابْن سِيرِين: (نخرج الْأَبْكَار والعواتق وَذَوَات الْخُدُور) .
وَفِيه: من الْفَوَائِد: جَوَاز مداواة الْمَرْأَة للرِّجَال الْأَجَانِب. وَفِيه: من شَأْن الْعَوَاتِق والمخدرات عدم البروز إلاّ فِيمَا أذن لَهُنَّ فِيهِ. وَفِيه: اسْتِحْبَاب إعداد الجلباب للْمَرْأَة ومشروعية عَارِية الثِّيَاب. قيل: وَفِيه اسْتِحْبَاب خُرُوج النِّسَاء إِلَى شُهُود الْعِيدَيْنِ، سَوَاء كن شواب أَو ذَوَات هيئات أم لَا. قلت: فِي هَذَا الزَّمَان لَا يُفْتِي بِهِ لظُهُور الْفساد وَعدم الْأَمْن، مَعَ أَن جمَاعَة من السّلف منعُوا

(6/303)


ذَلِك، وهم: عُرْوَة وَالقَاسِم وَيحيى الْأنْصَارِيّ وَمَالك وَأَبُو حنيفَة فِي رِوَايَة وَأَبُو يُوسُف. وَمنع الشَّافِعِيَّة ذَوَات الهيئات والمستحسنات لغَلَبَة الْفِتْنَة، وَكَذَلِكَ الثَّوْريّ منع خروجهن الْيَوْم.

22 - (بَاب النَّحْرِ والذبْحِ يَوْمَ النَّحْرِ بِالمُصَلَّى)

أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان النَّحْر. . إِلَى آخِره. قَالُوا: النَّحْر فِي الْإِبِل وَالذّبْح فِي غَيره، والنحر فِي اللبة وَالذّبْح فِي الْحلق، وَإِنَّمَا ذكر النَّحْر وَالذّبْح كليهمَا ليفهم أَنَّهُمَا مشتركان فِي الحكم، وليعلم أَنه لَا يمْنَع أَن يجمع يَوْم النَّحْر بَين النُّسُكَيْنِ أَحدهمَا مِمَّا ينْحَر، وَالْآخر مِمَّا يذبح.

982 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ حدَّثنا اللَّيْثُ قَالَ حدَّثني كَثِيرُ بنُ فَرْقَدٍ عنْ نافَعٍ عنِ ابنِ عُمَرَ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كانَ يَنْحَرُ أوْ يَذْبَحَ بِالمُصَلَّى. .

مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْمَذْكُور فِيهِ النَّحْر وَالذّبْح مَعًا، وَإِن كَانَ بالتردد، وَكثير ضد قَلِيل خَلِيل بن فرقد، بِالْفَاءِ وَالرَّاء وَالْقَاف: نزيل مصر.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْأَضَاحِي عَن يحيى بن بكير. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِي الصَّلَاة وَفِي الْأَضَاحِي عَن مُحَمَّد بن عبد الْملك وَالذّبْح بالمصلى للإعلام بِذبح الإِمَام ليترتب عَلَيْهِ ذبح النَّاس، وَلِأَن الْأُضْحِية من الْقرب الْعَامَّة وإظهارها أفضل لِأَن فِيهِ إحْيَاء لسنتها. وَقد أَمر ابْن عمر نَافِعًا أَن يذبح أضحيته بالمصلى، وَكَانَ مَرِيضا لم يشْهد الْعِيد، أخرجه فِي (الْمُوَطَّأ) . وَقَالَ ابْن حبيب: يسْتَحبّ الإعلان بهَا لكَي تعرف وَيعرف الْجَاهِل سنيتها، وَكَانَ ابْن عمر إِذا ابْتَاعَ أضحيته يَأْمر غُلَامه بحملها فِي السُّوق، يَقُول: هَذِه أضْحِية ابْن عمر، وَهَذَا الْمَعْنى يَسْتَوِي فِيهِ الإِمَام وَغَيره. وَقَالَ ابْن بطال: لما كَانَت أَفعَال الْعِيد وَالْجَمَاعَات إِلَى الإِمَام وَجب أَن يكون مُتَقَدما فِيهَا، وَالنَّاس لَهُ تبع. وَلِهَذَا قَالَ مَالك: لَا يذبح أحد حَتَّى يذبح الإِمَام، وَلم يَخْتَلِفُوا أَن من رمى الْجَمْرَة حل لَهُ الذّبْح، وَإِن لم يذبح الإِمَام إلاّ بعده، فَالْمَعْنى المتعبد بِهِ الْوَقْت لَا الْفِعْل، واجمعوا أَن الإِمَام لَو لم يذبح أصلا وَدخل وَقت الذّبْح أَن الذّبْح حَلَال.