عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 8 - (بابُ الخُطْبَةِ بَعْدَ العيدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان أَن الْخطْبَة تكون بعد صَلَاة
الْعِيد. فَإِن قلت: كَون الْخطْبَة بعد صَلَاة الْعِيد،
علم من حَدِيث عبد الله بن عمر وَحَدِيث جَابر بن عبد الله
الْمَذْكُورين فِي الْبَاب الَّذِي قبله، وَكَذَلِكَ علم
من حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الْمَذْكُور فِي بَاب
الْخُرُوج إِلَى الْمصلى بِغَيْر مِنْبَر، فَلم كرر هَذَا؟
وَمَا فَائِدَة إِعَادَة هَذَا الحكم؟ قلت: لشدَّة
الاعتناء بِهِ، وَمَا هَذَا شَأْنه يذكر بطرِيق
الِاسْتِقْلَال والاستبداد، وَالْمَذْكُور فِي
الْأَحَادِيث السَّابِقَة، وَإِن كَانَ فِي بَعْضهَا
تَصْرِيح بِهِ، وَلكنه بطرِيق التّبعِيَّة. وَالَّذِي يذكر
بطرِيق التّبعِيَّة لَا يكون مثل الَّذِي يذكر بطرِيق
الِاسْتِقْلَال.
962 - حدَّثنا أبُو عَاصِمٍ قَالَ أخبرنَا ابنُ جُرَيْجٍ
قَالَ أَخْبرنِي الحَسَنُ بنُ مُسْلِمٍ عنْ طاوُوسٍ عنِ
ابنِ عَبَّاسٍ. قَالَ شَهِدْتُ العِيدَ مَعَ رسولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأبي بَكْرٍ وَعُمَرَ
وَعُثْمَانَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم فكُلُّهُمْ
كانُوا يُصَلُّونَ قَبْلَ الخُطْبَةِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، لِأَن الصَّلَاة إِذا
كَانَت قبل الْخطْبَة تكون الْخطْبَة بعْدهَا ضَرُورَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو عَاصِم الضَّحَّاك
بن مخلد، بِفَتْح الْمِيم: الشَّيْبَانِيّ النَّبِيل
الْبَصْرِيّ. الثَّانِي: عبد الْملك بن عبد الْعَزِيز بن
جريج. الثَّالِث: الْحسن ابْن مُسلم، بِضَم الْمِيم: من
الْإِسْلَام ابْن يناق، بِفَتْح الْيَاء آخر الْحُرُوف
وَتَشْديد النُّون وَبعد الْألف قَاف. الرَّابِع: طَاوُوس
بن كيسَان. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع، وَكَذَلِكَ بِصِيغَة الْإِخْبَار فِي مَوضِع
وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه: العنعنة فِي
موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
أَن شَيْخه بَصرِي والراوي الثَّانِي وَالثَّالِث مكيان
وَالرَّابِع يماني.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي تَفْسِير سُورَة الممتحنة عَن مُحَمَّد بن عبد
الرَّحِيم. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة أَيْضا عَن
مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج إِلَى
آخِره مطولا. وَأخرج أَبُو دَاوُد عَن ابْن عَبَّاس من
طَرِيق عَطاء (أَنه، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، خرج يَوْم
فطر فصلى ثمَّ خطب. .) الحَدِيث، وَبَقِيَّة الْكَلَام قد
مرت.
963 - حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ قَالَ حدَّثنا
أبُو أسَامَةَ قَالَ حدَّثنا عُبَيْدُ الله عنْ نَافِعٍ
عنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ كانَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم وأبُو بَكْرٍ وعُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
يُصَلُّونَ العِيدَيْنِ قَبْلَ الخُطْبَةِ. (انْظُر
الحَدِيث 957) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَيَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم
الدَّوْرَقِي أَبُو يُوسُف، وَأَبُو أُسَامَة حَمَّاد بن
أُسَامَة، وَعبيد الله بن عمر ابْن حَفْص، وَقد مر عَن
قريب. وَأخرجه مُسلم عَن ابْن أبي شيبَة عَن عَبدة بن
سُلَيْمَان وَأبي أُسَامَة عَن عبيد الله عَن نَافِع (عَن
ابْن عمر: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَأَبا
بكر وَعمر كَانُوا يصلونَ الْعِيدَيْنِ قبل الْخطْبَة) .
964 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا
شُعْبَةُ عنْ عَدِيِّ بنِ ثابِتٍ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ
عنِ ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ النبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
صَلَّى يَوْمَ الفِطْرِ رَكْعَتَيْنِ لَمْ يُصَلِّ
قَبْلَهُمَا ولاَ بَعْدَهُمَا ثُمَّ أتَى النِّسَاءَ
ومَعَهُ بِلاَلٌ فأَمَرَهُنَّ بِالصَّدَقَةِ فَجَعَلْنَ
يُلْقِينَ تُلْقِي المَرْأَةُ خُرْصَهَا وَسِخَابَهَا.
(6/283)
مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي بالتكلف من
حَيْثُ إِن التَّرْجَمَة مُشْتَمِلَة على الْعِيد،
وَالْمرَاد مِنْهُ: صَلَاة الْعِيد، وَأَشَارَ
بِالْحَدِيثِ إِلَى أَن صَلَاة الْعِيد رَكْعَتَانِ.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: كَيفَ يدل على
التَّرْجَمَة؟ قلت: كَأَنَّهُ جعل أَمر النِّسَاء
بِالصَّدَقَةِ من تَتِمَّة الْخطْبَة، وَتَبعهُ بَعضهم على
هَذَا. قلت: الَّذِي ذكرته من الْوَجْه فِي الدّلَالَة على
التَّرْجَمَة قد استبعدته، وذكرته بالتعسف، فَالَّذِي ذكره
الْكرْمَانِي أبعد من ذَلِك.
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن أبي الْوَلِيد فِي
الْعِيدَيْنِ وَفِي الزَّكَاة أَيْضا عَن مُسلم بن
إِبْرَاهِيم، وَفِي اللبَاس عَن مُحَمَّد بن عرْعرة وحجاج
بن منهال فرقهما. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عبيد
الله بن معَاذ عَن أَبِيه وَعَن عَمْرو النَّاقِد وَعَن
بنْدَار وَأبي بكر بن نَافِع كِلَاهُمَا عَن غنْدر،
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن حَفْص بن عمر. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن غيلَان، وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عبيد الله بن سعيد. وَأخرجه ابْن
مَاجَه فِيهِ عَن بنْدَار.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (تلقي الْمَرْأَة) فَائِدَة
التّكْرَار فِيهِ أَنه ذكر الْإِلْقَاء أَولا مُجملا ثمَّ
ذكره مفصلا، وَهَذَا أوقع فِي الْقُلُوب، لِأَنَّهُ يكون
علمين: علم إجمالي وَعلم تفصيلي، والعلمان خير من علم
وَاحِد. قَوْله: (خرصها) الْخرص، بِضَم الْخَاء
الْمُعْجَمَة وَكسرهَا: القرط بِحَبَّة وَاحِدَة، وَقيل:
هِيَ الْحلقَة من الذَّهَب أَو الْفضة، وَالْجمع: خرصة،
والخرصة لُغَة فِيهَا وَفِي (الصِّحَاح) : الْخرص
بِالضَّمِّ وبالكسر وَالْجمع: خرصان. قَوْله: (وسخابها) ،
بِكَسْر السِّين وبالخاء الْمُعْجَمَة الْخَفِيفَة وَبعد
الْألف بَاء مُوَحدَة، وَقَالَ أَبُو الْمَعَالِي: وَهُوَ
قلادة تتَّخذ من طيب وَغَيره لَيْسَ فِيهَا جَوْهَر،
وَرُبمَا عمل من خَرَزَات أَو نوى الزَّيْتُون، وَالْجمع:
سخب، مثل كتاب وَكتب. وَقَالَ ابْن سَيّده: هِيَ قلادة
تتَّخذ من قرنفل وسك ومحلب. وَفِي (الْجَامِع) للقزاز:
وَيكون من الطّيب والجوهر والخرز. وَقيل: هُوَ خيط فِيهِ
خرز، وَسمي سخابا لصوت خرزه عِنْد الْحَرَكَة، مَأْخُوذ من
السخب وَهُوَ اخْتِلَاط الْأَصْوَات، يُقَال: بالصَّاد
وبالسين.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: وَهُوَ على ثَلَاثَة أوجه:
الأول: أَن صَلَاة الْعِيد رَكْعَتَانِ، قَالَ ابْن بزيزة:
انْعَقَد الْإِجْمَاع على أَن صَلَاة الْعِيد رَكْعَتَانِ
لَا أَكثر إلاّ مَا رُوِيَ عَن عَليّ فِي (الْجَامِع) :
أَربع، فَإِن صليت فِي الْمصلى فَهِيَ رَكْعَتَانِ كَقَوْل
الْجُمْهُور.
الثَّانِي: أَن الحَدِيث يدل على أَن لَا تنفل قبل صَلَاة
الْعِيد وَلَا بعْدهَا، وَقد اخْتلف الْعلمَاء فِيهِ فَذهب
أَبُو حنيفَة وَالثَّوْري إِلَى أَنه يجوز التَّنَفُّل بعد
صَلَاة الْعِيد، وَلَا يتَنَفَّل قبلهَا. وَقَالَ
الشَّافِعِي: يتَنَفَّل قبلهَا وَبعدهَا، وروى ابْن وهب
وَأَشْهَب عَن مَالك: لَا يتَنَفَّل قبلهَا وَيُبَاح
بعْدهَا. وَفِي (البدرية) : يجوز فِي بَيته. وَعَن ابْن
حبيب: قَالَ قوم: هِيَ سبْحَة ذَلِك الْيَوْم يقْتَصر
عَلَيْهَا إِلَى الزَّوَال، قَالَ: وَهُوَ أحب إِلَيّ.
وَفِي (الذَّخِيرَة) : لَيْسَ قبل صَلَاة الْعِيد صَلَاة،
كَذَا ذكره مُحَمَّد بن الْحسن فِي الأَصْل، وَإِن شَاءَ
تطوع قبل الْفَرَاغ من الْخطْبَة، يَعْنِي: لَيْسَ قبلهَا
صَلَاة مسنونة لَا إِنَّهَا تكره إلاّ أَن الْكَرْخِي نَص
على الْكَرَاهَة قبل الْعِيد حَيْثُ قَالَ: يكره لمن حضر
الْمصلى التَّنَفُّل قبل صَلَاة الْعِيد. وَفِي (شرح
الْهِدَايَة) : كَانَ مُحَمَّد بن مقَاتل الْمروزِي
يَقُول: لَا بَأْس بِصَلَاة الضُّحَى قبل الْخُرُوج إِلَى
الْمصلى، وَإِنَّمَا تكره فِي الْجَبانَة، وَعَامة
الْمَشَايِخ على الْكَرَاهَة مُطلقًا. وَعَن عَليّ وَابْن
مَسْعُود وَجَابِر وَابْن أبي أوفى أَنهم كَانُوا لَا
يرونها قبل وَلَا بعد، وَهُوَ قَول ابْن عمر ومسروق
وَالشعْبِيّ وَالضَّحَّاك وَسَالم وقاسم وَالزهْرِيّ
وَمعمر وَابْن جريج وَأحمد، وَقَالَ أنس وَالْحسن وَسَعِيد
بن أبي الْحسن وَابْن زيد وَعُرْوَة وَالشَّافِعِيّ:
يُصَلِّي قبلهَا وَبعدهَا، وَزَاد ابْن أبي شيبَة: أَبَا
الشعْثَاء وَأَبا بردة الْأَسْلَمِيّ ومكحولاً وَالْأسود
وَصَفوَان بن مُحرز ورجالاً من الصَّحَابَة، وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي فِي غير (الْأُم) : وَقَالَ أَبُو مَسْعُود
البدري: لَا يُصَلِّي قبلهَا وَيُصلي بعْدهَا، وَهُوَ قَول
عَلْقَمَة وَالْأسود وَالثَّوْري وَالنَّخَعِيّ
وَالْأَوْزَاعِيّ وَابْن أبي ليلى. وَقَالَ التِّرْمِذِيّ،
بعد أَن أخرج حَدِيث ابْن عَبَّاس الْمَذْكُور: وَالْعَمَل
عَلَيْهِ عِنْد بعض أهل الْعلم من أَصْحَاب النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم، وَبِه يَقُول الشَّافِعِي
وَأحمد وَإِسْحَاق، وَقد رأى طَائِفَة من أهل الْعلم
الصَّلَاة بعد صَلَاة الْعِيد وَقبلهَا من أَصْحَاب رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَغَيرهم، وَالْقَوْل الأول
أصح. وَلما روى التِّرْمِذِيّ حَدِيث ابْن عَبَّاس هَذَا،
قَالَ: وَفِي الْبَاب عَن عبد الله بن عمر وَأبي سعيد؟
قلت: قد أخرج ابْن مَاجَه حَدِيث عبد الله بن عمر وَمن
حَدِيث عَمْرو بن شُعَيْب عَن أَبِيه عَن جده: (أَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصل قبلهَا وَلَا
بعْدهَا) ، وَانْفَرَدَ بِإِخْرَاجِهِ ابْن مَاجَه. وَأما
حَدِيث أبي سعيد فقد أخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا،
وَانْفَرَدَ بِهِ من حَدِيث عَطاء بن يسَار: (عَن أبي سعيد
الْخُدْرِيّ قَالَ: كَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَا يُصَلِّي قبل الْعِيد شَيْئا، فَإِذا
(6/284)
رَجَعَ إِلَى منزله صلى رَكْعَتَيْنِ) .
قلت: وَفِي الْبَاب أَيْضا عَن عَليّ بن أبي طَالب وَأبي
مَسْعُود وَكَعب بن عجْرَة وَعبد الله بن أبي أوفى،
فَحَدِيث عَليّ عِنْد الْبَراء فِي حَدِيث طَوِيل، وَفِيه:
(أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يصل قبلهَا
وَلَا بعْدهَا، فَمن شَاءَ فعل وَمن شَاءَ ترك) . وَحَدِيث
أبي مَسْعُود عِنْد الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير (عَن أبي
مَسْعُود، قَالَ: لَيْسَ من السّنة الصَّلَاة قبل خُرُوج
الإِمَام يَوْم الْعِيد) . وَحَدِيث كَعْب بن عجْرَة عِنْد
الطَّبَرَانِيّ أَيْضا فِي حَدِيث وَفِيه: (إِن هَاتين
الرَّكْعَتَيْنِ سبْحَة هَذَا الْيَوْم حَتَّى تكون
الصَّلَاة تدعوك) ، وَحَدِيث ابْن أبي أوفى عِنْده أَيْضا
من رِوَايَة قَائِد أبي الورقاء، قَالَ: قدت عبد الله بن
أبي أوفى فِي يَوْم الْعِيد إِلَى الْجَبانَة فَقَالَ:
أدنني من الْمِنْبَر، فأدنيته فَجَلَسَ فَلم يصل قبلهَا
وَلَا بعْدهَا، وَأخْبر أَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لم يصل قبلهَا وَلَا بعْدهَا، وقائد مَتْرُوك.
الْوَجْه الثَّالِث: إِتْيَانه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
النِّسَاء بعد خطبَته وأمرهن بِالصَّدَقَةِ. وَفِيه:
اسْتِحْبَاب عظتهن وتذكيرهن الْآخِرَة وحثهن على
الصَّدَقَة، وَهَذَا إِذا لم يَتَرَتَّب عَلَيْهِ مفْسدَة
وَخَوف على الْوَاعِظ والموعوظ أَو غَيرهمَا، وَهَذِه
الْأَوْجه الثَّلَاثَة صرح بهَا ظَاهر الحَدِيث. وَفِيه:
أَيْضا أَن صَدَقَة التَّطَوُّع لَا تحْتَاج إِلَى إِيجَاب
وَقبُول بل يَكْفِي فِيهَا المعاطاة، لِأَنَّهُنَّ ألقين
الصَّدَقَة فِي ثوب بِلَال من غير كَلَام مِنْهُنَّ وَلَا
من بِلَال وَلَا من غَيره، وَهُوَ الصَّحِيح من مَذْهَب
الشَّافِعِي، وَأكْثر الْعِرَاقِيّين قَالُوا: تفْتَقر
إِلَى الْإِيجَاب وَالْقَبُول بِاللَّفْظِ كَالْهِبَةِ.
وَفِيه: جَوَاز خُرُوج النِّسَاء للعيدين، وَاخْتلف السّلف
فِي ذَلِك، فَرَأى جمَاعَة ذَلِك حَقًا عَلَيْهِنَّ
مِنْهُم: أَبُو بكر وَعلي وَابْن عمر، وَغَيرهم وَقَالَ
أَبُو قلَابَة: (قَالَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا: كَانَت الكواعب تخرج لرَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي الْفطر والأضحى) . وَكَانَ عَلْقَمَة
وَالْأسود يخرجَانِ نِسَاءَهُمْ فِي الْعِيد ويمنعانهن
الْجُمُعَة، وروى ابْن نَافِع عَن مَالك أَنه: لَا بَأْس
أَن يخرج النِّسَاء إِلَى الْعِيدَيْنِ وَالْجُمُعَة
وَلَيْسَ بِوَاجِب،. وَمِنْهُم من مَنعهنَّ ذَلِك،
مِنْهُم: عُرْوَة وَالقَاسِم وَالنَّخَعِيّ وَيحيى
الْأنْصَارِيّ وَأَبُو يُوسُف وَأَجَازَهُ أَبُو حنيفَة
مرّة وَمنعه مرّة، وَقَول: من رأى خروجهن أصح بِشَهَادَة
السّنة الثَّابِتَة لَهُ. قلت: الْغَالِب فِي هَذَا
الزَّمَان الْفِتْنَة وَالْفساد فَيَنْبَغِي أَن يمنعهن
عَن ذَلِك مُطلقًا. وَفِيه: إِن النِّسَاء إِذا حضرن
صَلَاة الرِّجَال ومجامعهم يكن بمعزل عَنْهُم خوفًا من
الْفِتْنَة وَالْفساد. وَفِيه: جَوَاز صَدَقَة الْمَرْأَة
من مَالهَا، وَعَن مَالك: لَا يجوز الزِّيَادَة على ثلث
مَالهَا إلاّ برضى زَوجهَا.
965 - حدَّثنا آدَمْ قَالَ حدَّثنا شُعْبَةُ قَالَ حدَّثنا
زُبَيْدٌ قَالَ سَمِعْتُ الشَّعْبِيَّ عنِ البَرَاءِ بنَ
عازِبٍ قَالَ قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ
أوَّلَ مَا نَبْدَأ بهِ فِي يَوْمِنَا هاذا أنْ نُصَلِّيَ
ثُمَّ نَرْجِعُ فَنَنْحَرَ فَمَنْ فَعَلَ ذالِكَ فقَدْ
أصَابَ سُنَّتَنَا ومَنْ نَحَرَ قَبْلَ الصَّلاَةِ
فإنَّمَا هُوَ لَحْمٌ قَدَّمَهُ لأِهْلِهِ لَيْسَ مِنَ
النّسْكِ فِي شَيءٍ فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ يُقالُ
لَهُ أبُو بُرْدَةَ بنَ نِيَارٍ يَا رسولَ الله ذَبَحْتُ
وعِنْدِي جَذَعَةٌ خُيْرٌ منْ مُسِنَّةٍ فقالَ اجْعَلْهُ
مكانَهُ ولَنْ تُوفِيَ أوْ تَجْزِيَ عنْ أحَدٍ بَعْدَكَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد ذكر الحَدِيث فِي:
بَاب سنة الْعِيدَيْنِ لأهل الْإِسْلَام، غير أَنه رُوِيَ
هُنَاكَ: عَن حجاج عَن شُعْبَة وَهَهُنَا عَن آدم بن أبي
إِيَاس عَن شُعْبَة إِلَى آخِره نَحوه. وَزَاد هَهُنَا:
(وَمن نحر قبل الصَّلَاة) إِلَى آخِره، وَقد ذكرنَا
هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء.
قَوْله: (ذبحت) أَي: قبل الصَّلَاة. قَوْله: (مُسِنَّة) ،
هِيَ الَّتِي تدلت أسنانها، قَالَه الدَّاودِيّ، وَقَالَ
غَيره: هِيَ الثَّنية. قَوْله: (إجعله مَكَانَهُ) ،
إِنَّمَا ذكر الضميرين مَعَ أَنَّهُمَا يرجعان إِلَى
الْمُؤَنَّث اعْتِبَارا لمسماهما، إِذْ الْجَذعَة عبارَة
عَن معز ذِي سنة، والمسنة عَن معز ذِي سنتَيْن. قَوْله:
(وَلنْ توفّي أَو تجزي) ، شكّ من الْبَراء. قَالَ
الْخطابِيّ: يُقَال: وفى وأوفى بِمَعْنى وَاحِد، وَيُقَال
جزى يَجْزِي هَهُنَا مهموزا، لِأَن المهموز لَا يسْتَعْمل
مَعَه: عَن، عِنْد الْعَرَب، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ: هَذَا
يَجْزِي من هَذَا، أَي: يكون مَكَانَهُ، وَبَنُو تَمِيم
يَقُولُونَ: أَجْزَأَ يجزىء بِالْهَمْزَةِ، وَقَالَ
الْخطابِيّ: هَذَا من النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
تَخْصِيص لعين من الْأَعْيَان بِحكم مُنْفَرد وَلَيْسَ من
بَاب النّسخ فَإِن الْمَنْسُوخ إِنَّمَا يَقع للْأمة
عَامَّة غير خَاص لبَعْضهِم.
(6/285)
9 - (بابُ مَا يُكْرَهُ مِنْ حَمْلِ
السِّلاَحِ فِي العِيدِ والحَرَمِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الَّذِي يكره من حمل
السِّلَاح، وَكلمَة: من، بَيَانِيَّة. أعترض بِأَن هَذِه
التَّرْجَمَة تخَالف التَّرْجَمَة الَّتِي هِيَ قَوْله:
بَاب الخراب والدرق يَوْم الْعِيد. بَيَان ذَلِك أَن
التَّرْجَمَة تدل على الْإِبَاحَة وَالنَّدْب لدلَالَة
حَدِيثهَا عَلَيْهَا، وَهَذِه التَّرْجَمَة تدل على
الْكَرَاهَة وَالتَّحْرِيم، لقَوْل عبد الله بن عمر فِي
الحَدِيث الَّذِي يَأْتِي: من أَمر بِحمْل السِّلَاح فِي
يَوْم لَا يحل فِيهِ حمله. . وَأجِيب: بِأَن حَدِيث
التَّرْجَمَة الأولى يدل على وُقُوعهَا مِمَّن حملهَا
بالتحفظ عَن إِصَابَة أحد من النَّاس، وَطلب السَّلامَة من
إِيصَال الْإِيذَاء إِلَى أحد، وَحَدِيث هَذِه
التَّرْجَمَة يدل على قلَّة مبالاة حامله وَعدم احترازه
عَن إِيصَال الْأَذَى إِلَى أحد مِنْهُ، بل الظَّاهِر أَن
حمله إِيَّاه هَهُنَا لم يكن إلاّ بطرا وأشرا، وَلَا
سِيمَا عِنْد مزاحمة النَّاس والمسالك الضيقة.
وقالَ الحَسَنُ نُهُوا أنْ يَحْمِلُوا السِّلاَحَ يَوْمَ
عِيدٍ إلاّ أَن يَخَافُوا عدُوّا
الْحسن: هُوَ الْبَصْرِيّ وَقَوله: (نوا) بِضَم النُّون
وَأَصله: نهيوا، مثل نفوا أَصله: نفيوا. استثقلت الضمة على
الْيَاء فنقلت إِلَى مَا قبلهَا بعد سلب حَرَكَة مَا
قبلهَا ثمَّ حذفت الْيَاء لالتقاء الساكنين. وَجه النَّهْي
خوفًا من إِيصَال أَذَى لأحد، وَوجه الِاسْتِثْنَاء أَن
الْخَوْف من الْعَدو يُبِيح مَا حرم من حمل السِّلَاح
للضَّرُورَة، وروى عبد الرَّزَّاق بِإِسْنَاد مُرْسل،
قَالَ: (نهى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن يخرج
بِالسِّلَاحِ يَوْم الْعِيد) ، وروى ابْن مَاجَه
بِإِسْنَاد ضَعِيف عَن ابْن عَبَّاس: (إِن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم نهى أَن يلبس السِّلَاح فِي بِلَاد
الْإِسْلَام فِي الْعِيدَيْنِ إلاّ أَن يَكُونُوا
بِحَضْرَة الْعَدو) .
966 - حدَّثنا زَكَرِيَّاءُ بنُ يَحْيَى أبُو السُّكَيْنِ
قَالَ حدَّثنا المُحَارِبِيُّ قَالَ حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ
سُوقَةَ عنْ سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ قَالَ كُنْتُ مَعَ ابنِ
عُمَرَ حِينَ أصابَهُ سِنَانُ الرُّمْحِ فِي أخْمَصِ
قَدَمِهِ فلَزِقَتْ قَدَمُهُ بِالرِّكَابِ فنَزَلْتُ
فَنَزَعْتُهَا وَذالِكَ بِمِنىً فبَلَغَ الحَجَّاجُ
فجَعَلَ يَعُودُهُ فقالَ الحَجِّاجُ لَوْ نَعْلَمُ منْ
أصابَكَ فَقَالَ ابنُ عُمَرَ أنْتَ أصَبْتَنِي قَالَ
وكَيْفَ قَالَ حَمَلْتَ السِّلاَحَ فِي يَوْمٍ لَمْ يَكُنْ
يُحْمَلُ فِيهِ وأدْخَلْتَ السِّلاَحَ الحَرَمَ ولَمْ
يَكُنْ السِّلاَحُ يُدْخَلُ الحَرَمَ (الحَدِيث 966 طرفه
فِي: 967) .
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (لم يكن يحمل فِيهِ)
إِلَى آخر الحَدِيث.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: زَكَرِيَّا بن يحيى بن
عمر الطَّائِي الْكُوفِي، وكنيته أَبُو السكين، بِضَم
السِّين الْمُهْملَة وَفتح الْكَاف وَسُكُون الْيَاء آخر
الْحُرُوف وَفِي آخِره نون، وَقد مر فِي أول كتاب
التَّيَمُّم. الثَّانِي: الْمحَاربي، بِضَم الْمِيم
وَبِالْحَاءِ الْمُهْملَة وَكسر الرَّاء وبالباء
الْمُوَحدَة، وَهُوَ عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد يكنى
أَبَا مُحَمَّد، مَاتَ سنة خمس وَتِسْعين وَمِائَة.
الثَّالِث: مُحَمَّد بن سوقة، بِضَم السِّين الْمُهْملَة
وَسُكُون الْوَاو وَفتح الْقَاف: أَبُو بكر الغنوي
الْكُوفِي. الرَّابِع: سعيد بن جُبَير، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ. الْخَامِس: عبد الله بن عمر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن
شَيْخه من أَفْرَاده. وَفِيه: أَن الروَاة كلهم كوفيون.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ، لِأَن
مُحَمَّد بن سوقة تَابِعِيّ صَغِير من أجلة النَّاس.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْعِيدَيْنِ عَن أَحْمد
بن يَعْقُوب عَن إِسْحَاق بن سعيد عَن مُحَمَّد بن سوقة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَخْمص قدمه) ، بِإِسْكَان
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح الْمِيم وبالصاد الْمُهْملَة،
قَالَ ثَابت فِي (كتاب خلق الْإِنْسَان) : وَفِي الْقدَم
الأخمص وَهُوَ خصر بَاطِنهَا الَّذِي يتجافى عَن الأَرْض
لَا يُصِيبهَا إِذا مَشى الْإِنْسَان. وَفِي (الْمُحكم) :
هُوَ بَاطِن الْقدَم، وَمَا رق من أَسْفَلهَا. قَوْله:
(فنزعتها) ، أَي: فنزعت السنان، وَإِنَّمَا أنث الضَّمِير
إِمَّا بِاعْتِبَار السِّلَاح لِأَنَّهُ مؤنث، وَإِمَّا
بِاعْتِبَار أَنَّهَا حَدِيدَة، أَو يكون الضَّمِير رَاجعا
إِلَى: الْقدَم، فَيكون من بَاب الْقلب كَمَا يُقَال:
أدخلت الْخُف فِي الرجل. قَوْله: (وَذَلِكَ بمنى) أَي: مَا
ذكر وَقع فِي منى، وَهُوَ يصرف وَيمْنَع، سمي بهَا لِأَن
الدِّمَاء تمنى فِيهَا أَي: تراق، أَو لِأَن جِبْرِيل،
عَلَيْهِ السَّلَام، لما أَرَادَ مُفَارقَة آدم، عَلَيْهِ
السَّلَام،
(6/286)
قَالَ لَهُ: تمن فَقَالَ: أَتَمَنَّى
الْجنَّة، أَو لتقدير الله فِيهَا الشعائر من منى الله
أَي: قدره. قَوْله: (فَبلغ الْحجَّاج) أَي: ابْن يُوسُف
الثَّقَفِيّ، وَكَانَ إِذْ ذَاك أَمِيرا على الْحجاز،
وَذَلِكَ بعد قتل عبد الله بن الزبير بِسنة، وَكَانَ
عَاملا على الْعرَاق عشْرين سنة وَفعل فِيهَا مَا فعل من
سفك الدِّمَاء والإلحاد فِي حرم الله وَغير ذَلِك من
الْمَفَاسِد، مَاتَ بواسط سنة خمس وَتِسْعين وَدفن بهَا،
وَعفى قَبره وَأجْرِي عَلَيْهِ المَاء. قَوْله: (فجَاء) ،
أَي: الْحجَّاج (يعودهُ) أَي: يعود عبد الله بن عمر، وَهِي
جملَة فِي مَحل النصب على الْحَال. وَقَوله: (فجَاء) ،
رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي وَيُؤَيِّدهُ رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ (فآتاه) وَفِي رِوَايَة غَيره: (فَجعل
يعودهُ) ، وَهُوَ من أَفعَال المقاربة الَّتِي وضعت
للدلالة على الشُّرُوع فِي الْعَمَل، وَيعود خَبره.
قَوْله: (لَو نعلم) ، بنُون الْمُتَكَلّم، (مَا أَصَابَك)
كَذَا هُوَ فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ
وَالْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة غَيرهمَا: (لَو نعلم من
أَصَابَك) ، وَجَوَاب: لَو، مَحْذُوف تَقْدِيره: لجازيناه
أَو عزرناه، وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا جَاءَ فِي رِوَايَة
ابْن سعد عَن ابي نعيم عَن إِسْحَاق بن سعيد، فَقَالَ
فِيهِ: (لَو نعلم من أَصَابَك عاقبناه) . وَله من وَجه آخر
قَالَ: لَو أعلم الَّذِي أَصَابَك لضَرَبْت عُنُقه، وَيجوز
أَن تكون كلمة: لَو، لِلتَّمَنِّي، فَلَا تحْتَاج إِلَى
جَوَاب، وَاعْلَم أَن الْإِصَابَة تسْتَعْمل متعدية إِلَى
مفعول نَحْو أَصَابَهُ سِنَان الرمْح، وَإِلَى مفعولين
نَحْو أَنْت أصبتني أَي سنانه. قَوْله: (أَنْت أصبتني)
خطاب ابْن عمر للحجاج، وَفِيه نِسْبَة الْفِعْل إِلَى
الْآمِر بِشَيْء يتسبب مِنْهُ ذَلِك الْفِعْل، لَكِن حكى
الزبير فِي (الْأَنْسَاب) : أَن عبد الْملك لما كتب إِلَى
الْحجَّاج: أَن لَا يُخَالف ابْن عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا، شقّ عَلَيْهِ، فَأمر رجلا مَعَه حَرْبَة،
يُقَال: إِنَّهَا مَسْمُومَة، فلصق ذَلِك الرجل بِهِ،
فَأمر الحربة على قدمه فَمَرض مِنْهَا أَيَّامًا ثمَّ
مَاتَ. وَذَلِكَ فِي سنة أَربع وَسبعين. قَوْله: (قَالَ:
وَكَيف؟) أَي: قَالَ الْحجَّاج: وَكَيف أصبتك. قَالَ ابْن
عمر: حملت السِّلَاح فِي يَوْم أَي فِي يَوْم الْعِيد لم
يكن يحمل فِيهِ سلَاح، وأدخلت السِّلَاح فِي حرم مَكَّة
وخالفت السّنة من وَجْهَيْن: لِأَنَّهُ حمل السِّلَاح فِي
غير مَكَانَهُ وَغير زَمَانه.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن منى من الْحرم.
وَفِيه: الْمَنْع من حمل السِّلَاح فِي الْحرم للأمن
الَّذِي جعله الله لجَماعَة الْمُسلمين فِيهِ لقَوْله
تَعَالَى: {وَمن دخله كَانَ آمنا} (آل عمرَان: 97) . وَحمل
السِّلَاح فِي الْمشَاهد الَّتِي لَا يحْتَاج إِلَى
الْحَرْب فِيهَا مَكْرُوه لما يخْشَى فِيهَا من الْأَذَى
والعقر عِنْد تزاحم النَّاس، وَقد قَالَ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم للَّذي رَآهُ يحمل: (أمسك بنصالها لَا تعقرن بهَا
مُسلما) . فَإِن خَافُوا عدوا فمباح حملهَا، كَمَا قَالَ
الْحسن: وَقد أَبَاحَ الله تَعَالَى حمل السِّلَاح فِي
الصَّلَاة فِي الْخَوْف. فَإِن قلت: ذكر فِي كتاب
الصريفيني، لما أنكر عبد الله على الْحجَّاج نصب المنجنيق
يَعْنِي: على الْكَعْبَة، وَقتل عبد الله بن الزبير، أَمر
الْحجَّاج بقتْله، فَضَربهُ بِهِ رجل من أهل الشَّام
ضَرْبَة، فَلَمَّا أَتَاهُ الْحجَّاج يعودهُ قَالَ لَهُ
عبد الله: تقتلني ثمَّ تعودني؟ كفى الله حكما بيني
وَبَيْنك؟ هَذَا صَرِيح بِأَنَّهُ أَمر بقتْله وَهُوَ
قَاتله، وَلِهَذَا قَالَ عبد الله: تقتلني ثمَّ تعودني؟
وَفِيمَا حَكَاهُ الزبير فِي (الْأَنْسَاب) الْأَمر
بِالْقَتْلِ غير صَرِيح، وروى ابْن سعد من وَجه آخر أَن
الْحجَّاج دخل على ابْن عمر يعودهُ لما أُصِيبَت رجله،
فَقَالَ لَهُ: يَا أَبَا عبد الرَّحْمَن هَل تَدْرِي من
أصَاب رجلك؟ قَالَ: لَا. قَالَ أما وَالله لَو علمت من
أَصَابَك لقتلته! قَالَ: فَأَطْرَقَ ابْن عمر، فَجعل لَا
يكلمهُ وَلَا يلْتَفت إِلَيْهِ، فَوَثَبَ كالمغضب. قلت:
يحْتَمل تعدد الْوَاقِعَة وتعدد السُّؤَال، وَأما أَمر عبد
الله مَعَه فَثَلَاثَة أَحْوَال: الأولى: عرض بِهِ،
وَالثَّانيَِة: صرح بِهِ، وَالثَّالِثَة: أعرض عَنهُ وَلم
يتَكَلَّم بِشَيْء. وَفِيه: ميل من البُخَارِيّ إِلَى أَن
قَول الصَّحَابِيّ: كَانَ يفعل كَذَا، على صِيغَة
الْمَجْهُول حكم مِنْهُ بِرَفْعِهِ.
967 - حدَّثنا أحْمَدُ بنُ يَعْقُوبَ قَالَ حدَّثني
إسْحَاقُ بنُ سَعيدٍ بنِ عَمْرِو بنِ سعِيدِ بنِ العَاصِي
عنْ أبِيهِ قَالَ دَخَلَ الحجَّاجُ عَلَى ابنِ عُمَرَ
وَأنَا عِنْدَهُ فَقَالَ كَيْفَ هُوَ فَقَالَ صالِحٌ
فَقَالَ منْ أصَابَكَ قَالَ أصَابَنِي مَنْ أمَرَ بِحَمْلِ
السِّلاَحِ فِي يَوْمٍ لاَ يَحِلُّ فِيهِ حَمْلُهُ يَعْنِي
الحَجَّاجَ. (انْظُر الحَدِيث 966) .
مطابقته للجزء الْأَخير للتَّرْجَمَة وَهُوَ قَوْله: (من
أَمر بِحمْل السِّلَاح. .) إِلَخ، وَأحمد بن يَعْقُوب
أَبُو يَعْقُوب المَسْعُودِيّ الْكُوفِي، وَهُوَ من
أَفْرَاده، وَإِسْحَاق بن سعيد هُوَ أَخُو خَالِد بن سعيد
الْأمَوِي الْقرشِي، مَاتَ سنة سِتّ وَسبعين وَمِائَة،
وَأَبُو سعيد بن عَمْرو بن سعيد ابْن الْعَاصِ الْقرشِي
الْأمَوِي، يكنى أَبَا عُثْمَان، مر فِي: بَاب
الِاسْتِنْجَاء بِالْحِجَارَةِ، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (يَعْنِي: الْحجَّاج) بِالنّصب على المفعولية،
وقائله هُوَ ابْن عمر، وَزَاد الْإِسْمَاعِيلِيّ فِي هَذِه
الطَّرِيق قَالَ: لَو عَرفْنَاهُ لعاقبناه، قَالَ:
وَذَلِكَ لِأَن النَّاس
(6/287)
نفروا عَشِيَّة وَرجل من أَصْحَاب
الْحجَّاج عَارض حربته، فَضرب ظهر قدم ابْن عمر فَأصْبح
وَهنا مِنْهَا ثمَّ مَاتَ.
10 - (بابُ التَّبْكِيرِ إلَى العِيدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التبكير للعيد، من بكَّر إِذا
بَادر وأسرع، وَكَذَا هُوَ للأكثرين: بِالْبَاء،
الْمُوَحدَة قبل الْكَاف، وَكَذَا شَرحه الشارحون، وَوَقع
للمستملي: بَاب التَّكْبِير، بِتَقْدِيم الْكَاف. قيل:
هُوَ تَحْرِيف، وَفِي بعض النّسخ: بَاب التَّكْبِير إِلَى
الْعِيد.
وقالَ عَبْدُ الله بنُ بُسْرٍ إنْ كُنَّا فَرَغْنَا فِي
هاذِهِ السَّاعَةِ وَذالِكَ حِينَ التَّسْبِيحِ
عبد الله بن بسر، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون
السِّين الْمُهْملَة وَفِي آخِره رَاء: أَبُو صَفْوَان
السّلمِيّ الْمَازِني الصَّحَابِيّ ابْن الصَّحَابِيّ،
مَاتَ بحمص فَجْأَة وَهُوَ يتَوَضَّأ سنة ثَمَان
وَثَمَانِينَ، وَهُوَ آخر من مَاتَ من الصَّحَابَة
بِالشَّام، وَهُوَ مِمَّن صلى إِلَى الْقبْلَتَيْنِ.
وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله أَبُو دَاوُد: حَدثنَا أَحْمد
بن حَنْبَل حَدثنَا أَبُو الْمُغيرَة حَدثنَا صَفْوَان
حَدثنَا يزِيد بن خمير الرَّحبِي قَالَ: (خرج عبد الله بن
بسر صَاحب النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، مَعَ
النَّاس فِي يَوْم عيد فطر أَو أضحى، فَأنْكر إبطاء
الإِمَام، وَقَالَ: إِن كُنَّا قد فَرغْنَا ساعتنا هَذِه
وَذَلِكَ حِين التَّسْبِيح) . وَأخرجه ابْن مَاجَه أَيْضا.
قلت: أَبُو الْمُغيرَة عبد القدوس بن الْحجَّاج الْحِمصِي
الشَّامي، وخمير، بِضَم الْخَاء الْمُعْجَمَة وَفتح
الْمِيم: أَبُو عمر الشَّامي الرَّحبِي نِسْبَة إِلَى
رحبة، بِفَتْح الرَّاء والحاء الْمُهْملَة وَالْبَاء
الْمُوَحدَة، وَهُوَ رحبة بن زرْعَة بن سبأ الْأَصْفَر.
بطن من حمير.
قَوْله: (إِن كُنَّا) ، وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد:
(إِنَّا كُنَّا) ، وَكلمَة: إِن، هَهُنَا هِيَ المخففة من
الثَّقِيلَة، وَأَصله:
إِنَّه، بضمير الشان. قَوْله: (وَذَلِكَ حِين التَّسْبِيح)
أَي: حِين صَلَاة السبحة، وَهِي صَلَاة الضُّحَى، وَذَلِكَ
إِذا مضى وَقت الْكَرَاهَة. وَفِي رِوَايَة صَحِيحَة
للطبراني: (وَذَلِكَ حِين تَسْبِيح الضُّحَى) ، وَقَالَ
الْكرْمَانِي: حِين التَّسْبِيح أَي: حِين صَلَاة الضُّحَى
أَو حِين صَلَاة الْعِيد، لِأَن صَلَاة الْعِيد سبْحَة
ذَلِك الْيَوْم.
968 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا
شُعْبَةُ عنْ زُبَيْدٍ عنِ الشَّعْبِيِّ عنِ البَرَاءِ
قَالَ خطَبَنَا النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَوْمَ
النَّحْرِ قَالَ إنَّ أوَّلَ مَا يبْدَأ بِهِ فِي
يَوْمِنَا هاذا أنْ نُصَلِّيَ ثُمَّ نَرْجِعَ فَنَنْحَرَ
فَمَنْ فَعَلَ ذالِكَ فَقَدْ أصَابَ سُنَّتَنَا ومَنْ
ذَبَحَ قَبْلَ أنْ يُصَلِّيَ فإنَّمَا هُوَ لَحْمٌ
عَجَّلَهُ لأِهْلِهِ لَيْسَ مِنَ النُّسُكِ فِي شَيْءٍ
فقامَ خَالِي أبُو بُرْدَةَ بنُ نِيَارٍ فَقَالَ يَا رسولَ
الله أنَا ذَبَحْتُ قَبْلَ أنْ أُصَلِّيَ وعِنْدِي
جَذَعَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّةٍ قَالَ اجْعَلْهَا مَكانَها
أَو قالَ اذْبَحْهَا ولَنْ تَجْزِيَ جَذَعَةٌ عنْ أحَدٍ
بَعْدَكَ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة حَيْثُ إِن الِابْتِدَاء
بِالصَّلَاةِ يَوْم الْعِيد والمبادرة إِلَيْهَا قبل
الِاشْتِغَال بِكُل شَيْء غير التأهب لَهَا، وَمن لَوَازِم
ذَلِك التبكير إِلَيْهَا، والْحَدِيث قد مر فِي: بَاب
الْأكل يَوْم النَّحْر عَن قريب. وَأخرجه هُنَاكَ عَن
عُثْمَان عَن جرير عَن مَنْصُور عَن الشّعبِيّ ... إِلَى
آخِره، فَانْظُر إِلَى التَّفَاوُت الَّذِي بَينهمَا فِي
الْأَلْفَاظ. وَأخرجه أَيْضا فِي: بَاب الْخطْبَة بعد
الْعِيد، عَن آدم عَن شُعْبَة عَن زبيد. . ألى آخِره،
وَهَذَا الْإِسْنَاد وَإسْنَاد حَدِيث الْبَاب وَاحِد غير
الْمُغَايرَة فِي شَيْخه الَّذِي روى عَنهُ.
وَالِاخْتِلَاف فِي متنيهما قَلِيل، وَفِي حَدِيث هَذَا
الْبَاب: (وَمن ذبح) وَهُنَاكَ: (وَمن نحر) . وَالْفرق
بَينهمَا أَن الْمَشْهُور أَن النَّحْر فِي الْإِبِل
وَالذّبْح فِي غَيره. وَقَالُوا: النَّحْر فِي اللب مثل
الذّبْح فِي الْحلق، وَهنا أطلق النَّحْر على الذّبْح
بِاعْتِبَار أَن كلا مِنْهُمَا إنهار الدَّم، وَاخْتلفُوا
فِي وَقت الغدو إِلَى الْعِيد، فَكَانَ ابْن عمر يُصَلِّي
الصُّبْح ثمَّ يَغْدُو، وكما هُوَ إِلَى الْمصلى، وَفعله
سعيد بن الْمسيب، وَقَالَ إِبْرَاهِيم: كَانُوا يصلونَ
الْفجْر وَعَلَيْهِم ثِيَابهمْ يَوْم الْعِيد، وَعَن أبي
مجلز مثله، وَعَن رَافع بن خديج: أَنه كَانَ يجلس فِي
الْمَسْجِد بنيه، فَإِذا طلعت الشَّمْس صلى رَكْعَتَيْنِ،
ثمَّ يذهبون إِلَى الْفطر والأضحى، وَكَانَ عُرْوَة لَا
يَأْتِي الْعِيد حَتَّى تشعل الشَّمْس، وَهُوَ قَول عَطاء
وَالشعْبِيّ. وَفِي (الْمُدَوَّنَة) : عَن مَالك يَغْدُو
من دَاره أَو من الْمَسْجِد إِذا طلعت الشَّمْس. وَقَالَ
عَليّ بن زِيَاد عَنهُ: وَمن غَدا إِلَيْهَا قبل الطُّلُوع
فَلَا
(6/288)
بَأْس، وَلَكِن لَا يكبر حَتَّى تطلع
الشَّمْس، وَلَا يَنْبَغِي أَن يَأْتِي الْمُصَلِّي حَتَّى
تحين الصَّلَاة، وَقَالَ الشَّافِعِي يَأْتِي إِلَى
الْمصلى حِين تبرز الشَّمْس فِي الْأَضْحَى، وَيُؤَخر
الغدو فِي الْفطر قَلِيلا.
11 - (بابُ فَضْلِ العَمَلَ فِي أيَّامِ التَّشْرِيقِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل الْعَمَل فِي أَيَّام
التَّشْرِيق، وَهُوَ مصدر من شَرق اللَّحْم إِذا بَسطه فِي
الشَّمْس ليجف، وَسميت بذلك أَيَّام التَّشْرِيق لِأَن
لُحُوم الْأَضَاحِي كَانَت تشرق فِيهَا بمنى، وَقيل: سميت
بِهِ لِأَن الْهَدْي والضحايا لَا تنحر حَتَّى تشرق
الشَّمْس، أَي: تطلع. وَكَانَ الْمُشْركُونَ يَقُولُونَ:
أشرق ثبير كَيْمَا نغير، و: ثبير، بِفَتْح الثَّاء
الْمُثَلَّثَة وَكسر الْبَاء الْمُوَحدَة وَسُكُون الْيَاء
آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره رَاء: وَهُوَ جبل بمنى، أَي:
أَدخل أَيهَا الْجَبَل فِي الشروق، وَهُوَ ضوء الشَّمْس،
كَيْمَا نغير أَي: ندفع للنحر، وَذكر بَعضهم أَن أَيَّام
التَّشْرِيق سميت بذلك، وَقيل: التَّشْرِيق صَلَاة الْعِيد
لِأَنَّهَا تُؤدِّي عِنْد إشراق الشَّمْس وارتفاعها، كَمَا
جَاءَ فِي الحَدِيث: (لَا جُمُعَة وَلَا تَشْرِيق إلاّ فِي
مصر جَامع) . أخرجه أَبُو عبيد بِإِسْنَاد صَحِيح إِلَى
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، مَوْقُوفا،
وَمَعْنَاهُ: لَا صَلَاة جُمُعَة وَلَا صَلَاة عيد. وَفِي
(الْخُلَاصَة) : أَيَّام النَّحْر ثَلَاثَة، وَأَيَّام
التَّشْرِيق ثَلَاثَة، ويمضي ذَلِك فِي أَرْبَعَة أَيَّام،
فَإِن الْعَاشِر من ذِي الْحجَّة نحر خَاص، وَالثَّالِث
عشر تَشْرِيق خَاص، وَمَا بَينهمَا اليومان للنحر والتشريق
جَمِيعًا.
وَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ وَاذْكُرُوا الله فِي أيَّامٍ
مَعْلُومَاتٍ أيامُ العَشْرِ والأيَّامُ المَعْدُودَاتُ
أيَّامُ التَّشْرِيقِ
قَالَ ابْن عَبَّاس: واذْكُرُوا الله ... إِلَى آخِره،
رِوَايَة كَرِيمَة وَابْن شبويه وَرِوَايَة الْمُسْتَمْلِي
والحموي: {ويذكروا الله فِي أَيَّام معدودات} (الْحَج: 28)
. وَرِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني: {ويذكروا الله فِي
أَيَّام مَعْلُومَات} (الْبَقَرَة: 203) . الْحَاصِل من
ذَلِك إِن ابْن عَبَّاس لَا يُرِيد بِهِ لفظ الْقُرْآن،
إِذْ لَفظه هَكَذَا: {ويذكروا اسْم الله فِي أَيَّام
مَعْلُومَات} (الْحَج: 28) . وَمرَاده أَن الْأَيَّام
المعلومات هِيَ: الْعشْر الأول من ذِي الْحجَّة
وَالْأَيَّام المعدودات الْمَذْكُورَة فِي قَوْله
تَعَالَى: {واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات} (الْحَج:
28) . هِيَ الْأَيَّام الثَّلَاثَة هِيَ: الْحَادِي عشر من
ذِي الْحجَّة الْمُسَمّى بِيَوْم النَّفر، وَالثَّانِي عشر
وَالثَّالِث عشر المسميان بالنفر الأول والنفر الثَّانِي.
وَالتَّعْلِيق الْمَذْكُور وَصله عبد الله بن حميد فِي
تَفْسِيره: حَدثنَا قبيصَة عَن سُفْيَان عَن ابْن جريج:
(عَن عَمْرو بن دِينَار: سَمِعت ابْن عَبَّاس يَقُول:
اذْكروا الله فِي أَيَّام معدودات: الله أكبر، واذْكُرُوا
الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات: الله أكبر الْأَيَّام
المعدودات أَيَّام التَّشْرِيق وَالْأَيَّام المعلومات
الْعشْر) . وَاخْتلف السّلف فِي الْأَيَّام المعدودات
والمعلومات، فالأيام المعلومات الْعشْر، والمعدودات
أَيَّام التَّشْرِيق وَهِي ثَلَاثَة أَيَّام بعد يَوْم
النَّحْر عِنْد أبي حنيفَة، رَوَاهُ عَنهُ الْكَرْخِي،
وَهُوَ قَول الْحسن وَقَتَادَة، وَرُوِيَ عَن عَليّ وَابْن
عمر أَن المعلومات هِيَ: ثَلَاثَة أَيَّام النَّحْر،
والمعدودات: أَيَّام التَّشْرِيق، وَهُوَ قَول أبي يُوسُف
وَمُحَمّد: سميت معدودات لقلتهن ومعلومات لجزم النَّاس على
علمهَا لأجل فعل الْمَنَاسِك فِي الْحَج، وَقَالَ
الشَّافِعِي: من الْأَيَّام المعلومات النَّحْر، وَرُوِيَ
عَن عَليّ وَعمر: يَوْم النَّحْر ويومان بعده، وَبِه قَالَ
مَالك. قَالَ الطَّحَاوِيّ: وَإِلَيْهِ أذهب لقَوْله
تَعَالَى: {لِيذكرُوا اسْم الله فِي أَيَّام مَعْلُومَات
على مَا رزقهم من بَهِيمَة الْأَنْعَام} (الْحَج: 28) .
وَهِي أَيَّام النَّحْر، وَسميت معدودات لقَوْله تَعَالَى:
{واذْكُرُوا الله فِي أَيَّام معدودات فَمن تعجل فِي
يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْم عَلَيْهِ} (الْبَقَرَة: 203) .
وَسميت أَيَّام التَّشْرِيق معدودات لِأَنَّهُ إِذا زيد
عَلَيْهَا فِي الْبَقَاء كَانَ حصرا. لقَوْله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (لَا يبْقين مُهَاجِرِي بِمَكَّة بعد
قَضَاء نُسكه فَوق ثَلَاث) .
وكانَ ابنُ عُمَرَ وأبُو هُرَيْرَةَ يَخْرُجَانِ إلَى
السُّوقِ فِي أيَّامِ العَشْرِ يُكَبِّرَانِ ويُكَبِّرُ
النَّاسُ بِتَكْبِيرِهِمَا
كَذَا ذكره الْبَغَوِيّ وَالْبَيْهَقِيّ عَن ابْن عمر
وَأبي هُرَيْرَة مُعَلّقا. وَقَالَ صَاحب (التَّوْضِيح) :
أخرجه الشَّافِعِي: حَدثنَا إِبْرَاهِيم بن مُحَمَّد
أَخْبرنِي عبيد الله عَن نَافِع (عَن ابْن عمر: أَنه كَانَ
يَغْدُو إِلَى الْمصلى يَوْم الْفطر إِذا طلعت الشَّمْس
فيكبر حَتَّى يَأْتِي الْمصلى يَوْم الْعِيد، ثمَّ يكبر
بالمصلى حَتَّى إِذا جلس الإِمَام ترك التَّكْبِير) . زَاد
فِي (المُصَنّف) : (وَيرْفَع صَوته حَتَّى يبلغ الإِمَام)
. قلت: الَّذِي
(6/289)
رَوَاهُ الشَّافِعِي لَيْسَ بمطابق لما
علقه البُخَارِيّ، فَكيف يَقُول صَاحب (التَّوْضِيح) :
أخرجه الشَّافِعِي؟ وَلِهَذَا قَالَ صَاحب (التَّلْوِيح)
الَّذِي هُوَ عمدته فِي شَرحه: قَالَ الشَّافِعِي: حَدثنَا
إِبْرَاهِيم ... إِلَى آخِره، وَلم يقل: أخرجه وَلَا
وَصله، وَنَحْو ذَلِك. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: وَرَوَاهُ
عبد الله بن عمر عَن نَافِع عَن إِبْنِ عمر مَرْفُوعا
إِلَى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي رفع الصَّوْت
بالتهليل وَالتَّكْبِير حَتَّى يَأْتِي الْمصلى، وروى فِي
ذَلِك عَن عَليّ وَغَيره من أَصْحَاب النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم. وَأَعْتَرِض: على البُخَارِيّ فِي ذكر
هَذَا الْأَثر فِي تَرْجَمَة الْعَمَل فِي أَيَّام
التَّشْرِيق وَأجِيب: بِأَن البُخَارِيّ كثيرا يذكر
التَّرْجَمَة ثمَّ يضيف إِلَيْهَا مَا لَهُ أدنى مُلَابسَة
بهَا اسْتِطْرَادًا.
وكَبَّرَ مُحَمَّدُ بنُ عَلِيٍّ خَلْفَ النَّافِلَةِ
مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، الْمَعْرُوف بالباقر، مر
فِي: بَاب من لم ير الْوضُوء إلاّ من المخرجين. وَهَذَا
التَّعْلِيق وَصله الدَّارَقُطْنِيّ فِي (المؤتلف) من
طَرِيق معن بن عِيسَى الْقَزاز: أخبرنَا أَبُو وهنة
رُزَيْق الْمدنِي، قَالَ: رَأَيْت أَبَا جَعْفَر مُحَمَّد
بن عَليّ يكبر بمنى فِي أَيَّام التَّشْرِيق خلف
النَّوَافِل، و: أَبُو وهنة، بِفَتْح الْوَاو وَسُكُون
الْهَاء وبالنون. ورزيق بِتَقْدِيم الرَّاء مُصَغرًا.
وَقَالَ السفاقسي: لم يُتَابع مُحَمَّدًا على هَذَا أحد،
وَعَن بعض الشَّافِعِيَّة: يكبر عقيب النَّوَافِل والجنائز
على الْأَصَح. وَعَن مَالك قَولَانِ، وَالْمَشْهُور أَنه:
مُخْتَصّ بالفرائض. قَالَ ابْن بطال: وَهُوَ قَول
الشَّافِعِي، وَسَائِر الْفُقَهَاء لَا يرَوْنَ
التَّكْبِير إلاّ خلف الْفَرِيضَة. وَفِي (الْأَشْرَاف) :
التَّكْبِير فِي الْجَمَاعَة مَذْهَب ابْن مَسْعُود، وَبِه
قَالَ أَبُو حنيفَة، وَهُوَ الْمَشْهُور عَن أَحْمد،
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد وَمَالك وَالشَّافِعِيّ:
يكبر الْمُنْفَرد، وَالصَّحِيح مَذْهَب أبي حنيفَة: إِن
التَّكْبِير وَاجِب. وَفِي (قاضيخان) : سنة، وَبِه قَالَ
الشَّافِعِي وَمَالك وَأحمد، وَاخْتلف الْمَشَايِخ على
قَول أبي حنيفَة: هَل يشْتَرط على إِقَامَتهَا
الْحُرِّيَّة أم لَا؟ وَالأَصَح أَنَّهَا لَيست بِشَرْط
عِنْده، وَكَذَا السُّلْطَان لَيْسَ بِشَرْط عِنْده،
وَلَيْسَ على جمَاعَة النِّسَاء إِذا لم يكن مَعَهُنَّ
رجل، فَإِذا كَانَ يجب عَلَيْهِنَّ بطرِيق التّبعِيَّة.
969 - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ عَرْعَرَةَ قَالَ حدَّثنا
شُعْبَةُ عَنْ سُلَيْمَانَ عنْ مُسْلِمٍ البَطِينِ عنْ
سَعِيدِ بنِ جُبَيْرٍ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ عنِ النَّبِيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أنَّهُ قَالَ مَا العَمَلُ فِي
أيَّامِ العَشْرِ أفْضَلَ مِنَ العَمَلِ فِي هاذِهِ قالُوا
وَلاَ الجِهَادُ قَالَ وَلاَ الجِهَادُ إلاَّ رَجُلٌ
خَرَجَ يُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ ومالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ
بِشَيءٍ.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة إِن كَانَ المُرَاد من
قَوْله: (فِي هَذِه) أَيَّام التَّشْرِيق. فَإِن قلت:
المُرَاد مِنْهُ أَيَّام الْعشْر، بِدَلِيل أَن
التِّرْمِذِيّ روى الحَدِيث الْمَذْكُور من حَدِيث
الْأَعْمَش: عَن مُسلم عَن سعيد عَن ابْن عَبَّاس بِلَفْظ:
(مَا من أيامٍ العملُ الصَّالح فيهم أحب إِلَى الله من
هَذِه الْأَيَّام الْعشْر) الحَدِيث، فَحِينَئِذٍ لَا يكون
الحَدِيث مطابقا للتَّرْجَمَة. قلت: يحْتَمل أَن
البُخَارِيّ زعم أَن قَوْله: (فِي هَذِه) ، إِشَارَة إِلَى
أَيَّام التَّشْرِيق وَفسّر الْعَمَل بِالتَّكْبِيرِ
لكَونه أورد الْآثَار الْمَذْكُورَة الْمُتَعَلّقَة
بِالتَّكْبِيرِ فَقَط. فَإِن قلت: الْأَكْثَرُونَ من
الروَاة على أَن قَوْله: (فِي هَذِه) على الْإِبْهَام،
إلاّ رِوَايَة كَرِيمَة عَن الْكشميهني: (مَا الْعَمَل فِي
أَيَّام الْعشْر أفضل من الْعَمَل فِي هَذِه) . قلت: هَذَا
مِمَّا يُقَوي مَا زَعمه البُخَارِيّ. فَإِن قلت: رِوَايَة
كَرِيمَة شَاذَّة مُخَالفَة لما رَوَاهُ أَبُو ذَر، وَهُوَ
من الْحفاظ عَن الْكشميهني شيخ كَرِيمَة بِلَفْظ: (مَا
الْعَمَل فِي أَيَّام أفضلُ مِنْهَا فِي هَذَا الْعشْر) ،
وَكَذَا أخرجه أَحْمد وَغَيره عَن غنْدر عَن شُعْبَة
بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور، وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد
الطَّيَالِسِيّ فِي (مُسْنده) عَن شُعْبَة فَقَالَ: (فِي
أَيَّام أفضل مِنْهُ فِي عشر ذِي الْحجَّة) ، وَكَذَا
رَوَاهُ الدَّارمِيّ عَن سعيد بن الرّبيع عَن شُعْبَة،
وروى أَبُو عوَانَة وَابْن حبَان فِي (صَحِيحَيْهِمَا) من
حَدِيث جَابر: (مَا من أيامٍ أفضل عِنْد الله من أَيَّام
عشر ذِي الْحجَّة) ، فَظهر من هَذَا كُله أَن المُرَاد
بِالْأَيَّامِ فِي حَدِيث الْبَاب أَيَّام عشر ذِي
الْحجَّة، فعلى هَذَا لَا مُطَابقَة بَين الحَدِيث
والترجمة. قلت: الشَّيْء يشرف بمجاورته للشَّيْء الشريف،
وَأَيَّام التَّشْرِيق تقع تلو أَيَّام الْعشْر، وَقد ثَبت
بِهَذَا الحَدِيث أَفضَلِيَّة أَيَّام الْعشْر، وَثَبت
أَيْضا بذلك أَفضَلِيَّة أَيَّام التَّشْرِيق، وَأَيْضًا
قد ذكرنَا أَن من جملَة صَنِيع البُخَارِيّ فِي جَامعه
أَنه يضيف إِلَى تَرْجَمَة شَيْئا من غَيرهَا لأدنى
مُلَابسَة بهَا.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد بن عرْعرة،
بِفَتْح الْعَينَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وتكرير الرَّاء،
وَقد تقدم. الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث:
سُلَيْمَان
(6/290)
الْأَعْمَش. الرَّابِع: مُسلم، بِلَفْظ
الْفَاعِل من الْإِسْلَام، وَهُوَ مُسلم بن أبي عمرَان
الْكُوفِي، والبطين، بِفَتْح الْبَاء الْمُوَحدَة وَكسر
الطَّاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي
آخِره نون: وَهُوَ صفة لمُسلم، لقب بذلك لعظم بَطْنه.
الْخَامِس: سعيد بن جُبَير، وَقد تكَرر ذكره. السَّادِس:
عبد الله بن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه:
أَن شَيْخه بَصرِي وَالثَّانِي من الروَاة بسطامي والبقية
كوفيون. وَفِيه: أَن الْأَعْمَش يروي عَن البطين بالعنعنة،
وَفِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ عَن الْأَعْمَش سَمِعت
مُسلما، وَأخرجه أَبُو دَاوُد من رِوَايَة وَكِيع عَن
الْأَعْمَش، فَقَالَ: عَن مُسلم وَمُجاهد وَأبي صَالح عَن
ابْن عَبَّاس أما طَرِيق مُجَاهِد فقد رَوَاهُ أَبُو
عوَانَة من طَرِيق مُوسَى بن أبي عَائِشَة عَن مُجَاهِد،
فَقَالَ: عَن ابْن عمر بدل عَن ابْن عَبَّاس. وَأما طَرِيق
أبي صَالح فقد رَوَاهَا أَبُو عوَانَة أَيْضا من طَرِيق
مُوسَى بن أعين عَن الْأَعْمَش فَقَالَ: عَن أبي صَالح عَن
أبي هُرَيْرَة، وَالْمَحْفُوظ فِي هَذَا حَدِيث ابْن
عَبَّاس، وَفِيه اخْتِلَاف آخر عَن الْأَعْمَش، رَوَاهُ
أَبُو إِسْحَاق الْفَزارِيّ عَن الْأَعْمَش، فَقَالَ: عَن
أبي وَائِل عَن ابْن مَسْعُود أخرجه الطَّبَرَانِيّ.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصّيام عَن
عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن وَكِيع عَن الْأَعْمَش. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِيهِ عَن هناد، وَقَالَ: حسن صَحِيح
غَرِيب. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد
عَن أبي مُعَاوِيَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مَا الْعَمَل) ، قَالَ ابْن بطال:
الْعَمَل فِي أَيَّام التَّشْرِيق هُوَ التَّكْبِير
الْمسنون، وَهُوَ أفضل من صَلَاة النَّافِلَة، لِأَنَّهُ
لَو كَانَ هَذَا الْكَلَام حضا على الصَّلَاة وَالصِّيَام
فِي هَذِه الْأَيَّام لعارضه مَا قَالَه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم: (إِنَّهَا أَيَّام أكل وَشرب) . وَقد نهى عَن
صِيَام هَذِه الْأَيَّام، وَهَذَا يدل على تَفْرِيغ هَذِه
الْأَيَّام للْأَكْل وَالشرب، فَلم يبْق تعَارض إِذا عَنى
بِالْعَمَلِ التَّكْبِير، ورد عَلَيْهِ بِأَن الَّذِي يفهم
من الْعَمَل عِنْد الْإِطْلَاق: الْعِبَادَة، وَهِي لَا
تنَافِي اسْتِيفَاء حَظّ النَّفس من الْأكل وَسَائِر مَا
ذكر، فَإِن ذَلِك لَا يسْتَغْرق الْيَوْم وَاللَّيْلَة.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: الْعَمَل فِي أَيَّام التَّشْرِيق
لَا ينْحَصر فِي التَّكْبِير، بل الْمُتَبَادر مِنْهُ
إِلَى الذِّهْن أَنه هُوَ الْمَنَاسِك من: الرَّمْي
وَغَيره، الَّذِي يجْتَمع بِالْأَكْلِ وَالشرب، مَعَ أَنه
لَو حمل على التَّكْبِير لم يبْق لقَوْله بعده: بَاب
التَّكْبِير أَيَّام منى، معنى، وَيكون تَكْرَارا مَحْضا.
ورد عَلَيْهِ بَعضهم: بِأَن التَّرْجَمَة الأولى لفضل
التَّكْبِير، وَالثَّانيَِة لمشروعيته أَو صفته. أَو
أَرَادَ تَفْسِير الْعَمَل الْمُجْمل فِي الأولى
بِالتَّكْبِيرِ الْمُصَرّح بِهِ فِي الثَّانِيَة، فَلَا
تكْرَار. قلت: الَّذِي يدل على فضل التَّكْبِير يدل على
مشروعيته أَيْضا بِالضَّرُورَةِ، والمجمل والمفسر فِي نفس
الْأَمر شَيْء وَاحِد. قَوْله: (مِنْهَا) أَي: فِي هَذِه
الْأَيَّام أَي: فِي أَيَّام التَّشْرِيق على تَأْوِيل من
أَوله بِهَذَا، وَلَكِن الَّذِي يدل عَلَيْهِ رِوَايَة
التِّرْمِذِيّ: أَنَّهَا أَيَّام الْعشْر، كَمَا
ذَكرْنَاهُ مُبينًا عَن قريب. قَوْله: (وَلَا الْجِهَاد)
أَي: وَلَا الْجِهَاد أفضل مِنْهَا. وَفِي رِوَايَة سَلمَة
بن كهيل: (فَقَالَ رجل: وَلَا الْجِهَاد) ، وَفِي رِوَايَة
غنْدر عِنْد الْإِسْمَاعِيلِيّ، قَالَ: (وَلَا الْجِهَاد
فِي سَبِيل الله، مرَّتَيْنِ) . قَوْله: (إلاّ رجلٌ) فِيهِ
حذف أَي: إلاّ جهادُ رجلٍ. قَوْله: (يخاطر بِنَفسِهِ) ،
جملَة حَالية أَي: يكافح الْعَدو بِنَفسِهِ وسلاحه وجواده
فَيسلم من الْقَتْل أَو لَا يسلم، فَهَذِهِ المخاطرة
وَهَذَا الْعَمَل أفضل من هَذِه الْأَيَّام وَغَيرهَا،
مَعَ أَن هَذَا الْعَمَل لَا يمْنَع صَاحبه من إتْيَان
التَّكْبِير والإعلان بِهِ، وَفِي رِوَايَة
الْمُسْتَمْلِي: (وَلَا الْجِهَاد إلاّ من خرج يخاطر) .
قَوْله: (فَلم يرجع بِشَيْء) أَي: من مَاله وَيرجع هُوَ
وَيحْتَمل أَن لَا يرجع هُوَ وَلَا مَاله فيرزقه الله
الشَّهَادَة، وَقد وعد الله عَلَيْهَا الْجنَّة. قيل:
قَوْله: (فَلم يرجع بِشَيْء) يسْتَلْزم أَنه يرجع
بِنَفسِهِ، وَلَا بُد ورد بِأَن. قَوْله: (بِشَيْء) نكرَة
فِي سِيَاق النَّفْي، فتعم مَا ذكر. وَقَالَ الْكرْمَانِي:
(بِشَيْء) أَي: لَا بِنَفسِهِ وَلَا بِمَالِه كليهمَا، أَو
لَا بِمَالِه إِذْ صدق هَذِه السالبة يحْتَمل أَن يكون
بِعَدَمِ الرُّجُوع، وَأَن يكون بِعَدَمِ المرجوع بِهِ.
وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة من طَرِيق إِبْرَاهِيم بن حميد
عَن شُعْبَة بِلَفْظ: (إِلَّا من عقر جَوَاده وَأُهْرِيقَ
دَمه) ، وَله فِي رِوَايَة الْقَاسِم بن أبي أَيُّوب:
(إِلَّا من لَا يرجع بِنَفسِهِ وَلَا مَاله) . وَفِي
طَرِيق سَلمَة بن كهيل، فَقَالَ: (لَا إلاّ أَن لَا يرجع)
وَفِي حَدِيث جَابر: (إلاّ من عفر وَجهه فِي التُّرَاب) .
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: تَعْظِيم قدر الْجِهَاد
وتفاوت درجاته، وَأَن الْغَايَة القصوى فِيهِ بذل النَّفس
لله تَعَالَى. وَفِيه: تَفْضِيل بعض الْأَزْمِنَة على بعض،
كالأمكنة، وَفضل أَيَّام عشر ذِي الْحجَّة على غَيرهَا من
أَيَّام السّنة، وَتظهر فَائِدَة ذَلِك فِيمَن نذر الصّيام
أَو علق عملا من الْأَعْمَال بِأَفْضَل الْأَيَّام، فَلَو
أفرد يَوْمًا مِنْهَا تعين يَوْم عَرَفَة لِأَنَّهُ على
الصَّحِيح أفضل أَيَّام الْعشْر
(6/291)
الْمَذْكُور، فَإِن أَرَادَ أفضل أَيَّام
الْأُسْبُوع تعين يَوْم الْجُمُعَة جمعا بَين حَدِيث
الْبَاب وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا: (خير يَوْم
طلعت فِيهِ الشَّمْس يَوْم الْجُمُعَة) . رَوَاهُ مُسلم.
وَقَالَ الدَّاودِيّ: لم يرد صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَن
هَذِه الْأَيَّام خير من يَوْم الْجُمُعَة، لِأَنَّهُ قد
يكون فِيهَا يَوْم الْجُمُعَة فَيلْزم تَفْضِيل الشَّيْء
على نَفسه، ورد بِأَن المُرَاد أَن كل يَوْم من أَيَّام
الْعشْر أفضل من غَيره من أَيَّام السّنة، سَوَاء كَانَ
يَوْم الْجُمُعَة أم لَا، وَيَوْم الْجُمُعَة فِيهِ أفضل
من يَوْم الْجُمُعَة فِي غَيره. لِاجْتِمَاع الفضيلتين
فِيهِ، وَالله أعلم.
12 - (بابُ التَّكْبِيرِ أيَّامَ مِنًى وإذَا غَدَا إلَى
عَرَفَةَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّكْبِير أَيَّام منى،
وَهِي يَوْم الْعِيد وَالثَّلَاثَة بعده. قَوْله: (وَإِذا
غَدا إِلَى عَرَفَة) أَي: صَبِيحَة يَوْم التَّاسِع.
وكانَ عُمَرُ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يكَبِّرُ فِي
قُبَّتِهِ بِمِنىً فَيَسْمَعُهُ أهْلُ المَسْجِدِ
فَيُكَبِّرُونَ ويُكَبِّرُ أهْلُ الأسْوَاقِ حَتَّى
تَرْتَجَّ مِنًى تكْبِيرا
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ
تَعْلِيق وَصله سعيد بن مَنْصُور من رِوَايَة عبيد بن
عُمَيْر، قَالَ: (كَانَ عمر يكبر فِي قُبَّته بمنى وَيكبر
أهل الْمَسْجِد وَيكبر أهل السُّوق حَتَّى ترتج منى
تَكْبِيرا) . قَوْله: (فِي قُبَّته) د الْقبَّة بِضَم
الْقَاف وَتَشْديد الْبَاء الْمُوَحدَة من الْخيام: بَين
صَغِير مستدير، وَهُوَ من بيُوت الْعَرَب. قَوْله: (حَتَّى
ترتج) يُقَال: ارتج الْبَحْر، بتَشْديد الْجِيم إِذا
اضْطربَ، والرج: التحريك. قَوْله: (منى) فَاعل: ترتج.
قَوْله: (تَكْبِيرا) نصب على التَّعْلِيل، أَي: لأجل
التَّكْبِير، وَهُوَ مُبَالغَة فِي إجتماع رفع
الْأَصْوَات.
وكانَ ابنُ عُمَرَ يُكَبِّرُ بِمنىً تِلْكَ الأيَّامُ
وخَلْفَ الصَّلَوَاتِ وعَلَى فِرَاشِهِ وفِي فُسْطَاطِهِ
ومَجْلِسِهِ ومَمْشَاهُ تِلْكَ الأيَّامُ جَمِيعا
مطابقته للجزء الأول للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهُوَ
تَعْلِيق وَصله ابْن الْمُنْذر، والفاكهي فِي (أَخْبَار
مَكَّة) من طَرِيق ابْن جريج: أَخْبرنِي نَافِع أَن ابْن
عمر ... فَذكره سَوَاء، ذكره الْبَيْهَقِيّ أَيْضا.
قَوْله: (تِلْكَ الْأَيَّام) أَي: أَيَّام منى. قَوْله:
(خلف الصَّلَوَات) ظَاهره يتَنَاوَل الْفَرَائِض والنوافل.
قَوْله: (وعَلى فرشه) ، ويروى (فرَاشه) . قَوْله: (وَفِي
فسطاطه) فِيهِ سِتّ لُغَات: فسطاط وفستاط وفساط بتَشْديد
السِّين أَصله فسساط فأدغمت السِّين وأصل فسساط فستاط قلبت
التَّاء سينا وأدغمت السِّين فِي السِّين لِاجْتِمَاع
المثلثين وبضم الْفَاء وَكسرهَا. قَالَ الْكرْمَانِي: هُوَ
بَيت من الشّعْر، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: هُوَ ضرب من
الْأَبْنِيَة فِي السّفر دون السرادق، وَبِه سميت
الْمَدِينَة الَّتِي فيهمَا مُجْتَمع النَّاس، وكل
مَدِينَة فسطاط. وَيُقَال لمصر وَالْبَصْرَة: الْفسْطَاط،
وَيُقَال: الْفسْطَاط الْخَيْمَة الْكَبِيرَة. قَوْله:
(وممشاه) ، بِفَتْح الْمِيم الأولى مَوضِع الْمَشْي،
وَيجوز أَن يكون مصدرا ميميا بِمَعْنى الْمَشْي. قَوْله:
(تِلْكَ الْأَيَّام) أَي: فِي تِلْكَ الْأَيَّام،
وَإِنَّمَا كَرَّرَه للتَّأْكِيد وَالْمُبَالغَة، وأكده
أَيْضا بِلَفْظ (جَمِيعًا) ويروى: (وَتلك الْأَيَّام) بواو
الْعَطف، وَبِدُون الْوَاو رِوَايَة أبي ذَر على أَن يكون
ظرفا للمذكورات.
وكانَتْ مَيْمُونَةُ تُكَبِّرُ يَوْمَ النَّحْرِ
مَيْمُونَة: هِيَ بنت الْحَارِث الْهِلَالِيَّة، زوج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، تزَوجهَا رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سنة سِتّ من الْهِجْرَة، توفيت
بسرف وَهُوَ مَا بَين مَكَّة وَالْمَدينَة حَيْثُ بنى بهَا
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَذَلِكَ سنة
إِحْدَى وَخمسين، وَصلى عَلَيْهَا عبد الله بن عَبَّاس،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، وروى الْبَيْهَقِيّ أَيْضا
تَكْبِير مَيْمُونَة يَوْم النَّحْر.
وكُنَّ النِّسَاءُ يُكَبِّرْنَ خَلْفَ أبانَ بنِ عُثْمَانَ
وعُمَرَ بنِ عَبْدِ العَزِيزِ لَيالِيَ التَّشْرِيقِ مَعَ
الرِّجَالِ فِي الْمَسْجِدِ
أبان، بِفَتْح الْهمزَة وَتَخْفِيف الْبَاء الْمُوَحدَة
وَبعد الْألف نون: ابْن عُثْمَان بن عَفَّان، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَكَانَ فَقِيها مُجْتَهدا، مَاتَ
بِالْمَدِينَةِ سنة خمس وَمِائَة، وَعمر بن عبد الْعَزِيز،
أَمِير الْمُؤمنِينَ من الْخُلَفَاء الرَّاشِدين، وَقد
تقدم فِي أول كتاب الْإِيمَان. قَوْله:
(6/292)
(وَكَانَ النِّسَاء) هَكَذَا هُوَ فِي
رِوَايَة أبي ذَر، وَفِي رِوَايَة غَيره: (وَكن النِّسَاء)
على لُغَة: أكلوني البراغيث، وَقد دلّت هَذِه الْآثَار
الْمَذْكُورَة على اسْتِحْبَاب التَّكْبِير أَو وُجُوبه
على الِاخْتِلَاف فِي أَيَّام التَّشْرِيق ولياليها عقيب
الصَّلَاة.
وَفِيه اخْتِلَاف من وُجُوه:
الأول: إِن تَكْبِير التَّشْرِيق وَاجِب عِنْد
أَصْحَابنَا، وَلَكِن عِنْد أبي حنيفَة عقيب الصَّلَوَات
الْمَفْرُوضَة على المقيمين فِي الْأَمْصَار فِي
الْجَمَاعَة المستحبة، فَلَا يكبر عقيب الْوتر وَصَلَاة
الْعِيد وَالسّنَن والنوافل، وَلَيْسَ على الْمُسَافِرين
وَلَا على الْمُنْفَرد، وَهُوَ مَذْهَب ابْن مَسْعُود،
وَبِه قَالَ الثَّوْريّ، وَهُوَ الْمَشْهُور عَن أَحْمد.
وَقَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد: على كل من صلى
الْمَكْتُوبَة، سَوَاء كَانَ مُقيما أَو مُسَافِرًا أَو
مُنْفَردا أَو بِجَمَاعَة. وَبِه قَالَ الْأَوْزَاعِيّ
وَمَالك، وَعند الشَّافِعِي: يكبر فِي النَّوَافِل
والجنائز على الْأَصَح، وَلَيْسَ على جمَاعَة النِّسَاء
إِذا لم يكن مَعَهُنَّ رجل، وَلَا على الْمُسَافِرين إِذا
لم يكن مَعَهم مُقيم.
الثَّانِي: فِي وَقت التَّكْبِير فَعِنْدَ أَصْحَابنَا
يبْدَأ بعد صَلَاة الْفجْر يَوْم عَرَفَة وَيخْتم عقيب
الْعَصْر يَوْم النَّحْر، عِنْد أبي حنيفَة، وَهُوَ قَول
عبد الله بن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وعلقمة
وَالْأسود وَالنَّخَعِيّ، وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد:
يخْتم عقيب صَلَاة الْعَصْر من آخر أَيَّام التَّشْرِيق،
وَهُوَ قَول عمر بن الْخطاب وَعلي بن أبي طَالب وَعبد الله
بن عَبَّاس، وَبِه قَالَ سُفْيَان الثَّوْريّ وسُفْيَان بن
عُيَيْنَة وَأَبُو ثَوْر وَأحمد وَالشَّافِعِيّ فِي قَول،
وَفِي (التَّحْرِير) ذكر عُثْمَان مَعَهم، وَفِي
(الْمُفِيد) : وَأَبا بكر، وَعَلِيهِ الْفَتْوَى،
وَهَهُنَا تِسْعَة أَقْوَال وَقد ذكرنَا الْقَوْلَيْنِ.
الثَّالِث: يخْتم بعد ظهر يَوْم النَّحْر، وَرُوِيَ ذَلِك
عَن ابْن مَسْعُود، فعلى هَذَا يكبر فِي سبع صلوَات، وعَلى
قَوْله: الأول فِي ثَمَان صلوَات، وعَلى قَوْلهمَا: فِي
ثَلَاث وَعشْرين صَلَاة. الرَّابِع: يكبر من ظهر يَوْم
النَّحْر وَيخْتم فِي صبح آخر أَيَّام التَّشْرِيق، وَهُوَ
قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ فِي الْمَشْهُور، وَيحيى
الْأنْصَارِيّ. وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَعمر بن عبد
الْعَزِيز، وَهُوَ رِوَايَة عَن أبي يُوسُف. الْخَامِس: من
ظهر عَرَفَة إِلَى عصر آخر أَيَّام التَّشْرِيق، حكى ذَلِك
عَن ابْن عَبَّاس وَسَعِيد بن جُبَير. السَّادِس: يبْدَأ
من ظهر يَوْم النَّحْر إِلَى ظهر يَوْم النَّفر الأول،
وَهُوَ قَول بعض أهل الْعلم. السَّابِع: حَكَاهُ ابْن
الْمُنْذر عَن ابْن عُيَيْنَة، وَاسْتَحْسنهُ أَحْمد: إِن
أهل منى يبدأون من ظهر يَوْم النَّحْر، وَأهل الْأَمْصَار
من صبح يَوْم عَرَفَة، وَإِلَيْهِ مَال أَبُو ثَوْر.
الثَّامِن: من ظهر عَرَفَة إِلَى ظهر يَوْم النَّحْر،
حَكَاهُ ابْن الْمُنْذر. التَّاسِع: من مغرب لَيْلَة
النَّحْر عِنْد بَعضهم، قَالَه قاضيخان وَغَيره.
الثَّالِث: فِي صفة التَّكْبِير، وَهُوَ أَن يَقُول مرّة
وَاحِدَة: الله أكبر الله أكبر، لَا إِلَه لَا الله وَالله
كبر الله كبر وَللَّه الْحَمد. وَهُوَ قَول عمر بن الْخطاب
وَابْن مَسْعُود، وَبِه قَالَ النوري وَأحمد وإسخاق.
وَفِيه أَقْوَال أخر: الأول: قَول الشَّافِعِي: إِنَّه
يكبر ثَلَاثًا نسقا وَهُوَ قَول ابْن جُبَير. الثَّانِي:
قَول مَالك، إِنَّه يقف على الثَّانِيَة ثمَّ يقطع
فَيَقُول: الله كبر، لَا إِلَه إِلَّا الله، حَكَاهُ
الثَّعْلَبِيّ عَنهُ. الثَّالِث: عَن ابْن عَبَّاس: الله
كبر الله كبر الله أكبر وَأجل الله أكبر وَللَّه الْحَمد.
الرَّابِع: الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه إِلَّا الله
وَحده لَا شريك لَهُ، لَهُ الْملك وَله الْحَمد وَهُوَ على
كل شَيْء قدير، وَهُوَ مَرْوِيّ عَن ابْن عمر. الْخَامِس:
عَن ابْن عَبَّاس أَيْضا: الله أكبر الله أكبر لَا إِلَه
إلاّ الله هُوَ الْحَيّ القيوم يحيي وَيُمِيت وَهُوَ على
كل شَيْء قدير. السَّادِس: عَن عبد الرَّحْمَن: الله أكبر
الله أكبر لَا إِلَه إلاّ الله الله أكبر الْحَمد لله،
ذكره فِي (الْمحلى) . السَّابِع: أَنه لَيْسَ فِيهِ شَيْء
مُؤَقّت، قَالَه الْحَاكِم وَحَمَّاد، وَقَول أَصْحَابنَا
أولى لِأَن عَلَيْهِ جمَاعَة من الصَّحَابَة
وَالتَّابِعِينَ، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وَلم يثبت
فِي شَيْء من ذَلِك حَدِيث وَأَصَح مَا ورد فِيهِ عَن
الصَّحَابَة قَول عَليّ وَابْن مَسْعُود، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه: من صبح يَوْم عَرَفَة إِلَى آخر
أَيَّام منى، أخرجهُمَا ابْن الْمُنْذر وَغَيره.
970 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا مالِكٌ بنُ
أنَسٍ قَالَ حدَّثني مُحَمَّدُ بنُ أبي بَكْرٍ الثَّقَفِي
قالَ سألْتُ أنَسا وَنَحْنُ غادِيَانِ مِنْ مِنًى إلَى
عَرَفَاتٍ عنِ التَّلْبِيَةِ كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ
مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَالَ كانَ
يُلَبِّي المُلَبِّي لاَ يُنْكَره عَلَيْهِ ويُكَبِّرُ
المُكَبِّرُ فَلاَ يُنْكَرُ عَلَيْهِ (الحَدِيث 970 طرفه
فِي: 1659) .
مطابقته للجزء الثَّانِي للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَيكبر
المكبر) .
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: أَبُو نعيم، الْفضل بن
دُكَيْن تكَرر ذكره، وَمُحَمّد بن أبي بكر بن عَوْف بن
رَبَاح الثَّقَفِيّ، بالثاء الْمُثَلَّثَة وَالْقَاف
المفتوحتين.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع. وَفِيه:
السُّؤَال. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الْحَج عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك،
وَأخرجه مُسلم فِي الْمَنَاسِك عَن يحيى بن
(6/293)
يحيى عَن مَالك وَعَن شُرَيْح بن يُونُس
عَن عبد الله بن رَجَاء. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن
إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم عَن أبي نعيم بِهِ، وَعَن
إِسْحَاق بن عبد الله بن رَجَاء بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه
فِيهِ عَن مُحَمَّد بن يحيى.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (سَأَلت أنسا) وَفِي رِوَايَة أبي
ذَر: (سَأَلت أنس بن مَالك) . قَوْله: (وَنحن) الْوَاو
للْحَال، قَوْله: (غاديان) ، من غَدا يَغْدُو غدوا،
وَالْمعْنَى: نَحن سائران من منى متوجهان إِلَى عَرَفَات.
قَوْله: (عَن التَّلْبِيَة) ، يتَعَلَّق بقوله: (سَأَلت) .
قَوْله: (كَانَ) أَي: الشان. قَوْله: (لَا يُنكر عَلَيْهِ)
، على صِيغَة الْمَعْلُوم فِي الْمَوْضِعَيْنِ،
وَالضَّمِير الْمَرْفُوع الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَالتَّكْبِير
الْمَذْكُور من نوع من الذّكر، أدخلهُ الملبي فِي خلال
التَّلْبِيَة من غير ترك لِلتَّلْبِيَةِ، لِأَن
الْمَرْوِيّ عَن الشَّارِع أَنه لم يقطع التَّلْبِيَة
حَتَّى رمى جَمْرَة الْعقبَة، وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة
وَالشَّافِعِيّ، قَالَ مَالك: يقطع إِذا زَالَت الشَّمْس،
وَقَالَ مرّة أُخْرَى: إِذا وقف، وَقَالَ أَيْضا: إِذا
رَاح إِلَى مَسْجِد عَرَفَة. وَقَالَ الْخطابِيّ: السّنة
الْمَشْهُورَة فِيهِ أَن لَا يقطع التَّلْبِيَة حَتَّى
يَرْمِي أول حَصَاة من جَمْرَة الْعقبَة يَوْم النَّحْر،
وَعَلَيْهَا الْعَمَل. وَأما قَول أنس هَذَا فقد يحْتَمل
أَن يكون تَكْبِير المكبر مِنْهُم شَيْئا من الذّكر
يدخلونه فِي خلال التَّلْبِيَة الثَّابِتَة فِي السّنة من
غير ترك التَّلْبِيَة.
971 - حدَّثنا مُحَمَّدٌ قَالَ حدَّثنا عُمَر بنُ حَفْصٍ
قَالَ حدَّثنا أبي عنْ عاصِمٍ عنْ حَفْصَةَ عنْ أمِّ
عطيَّةَ قالَتْ كُنَّا نُؤْمَرُ أنْ نَخْرُجَ يَوْمَ
العِيدِ حَتَّى نُخْرِجَ البكْرَ مِنْ خِدْرِهَا حَتَّى
نخْرِجَ الحُيَّضَ فَيَكُنَّ خَلْفَ النَّاسِ
فَيُكَبِّرْنَ بِتَكْبِيرِهِمْ ويدْعُونَ بِدُعَائِهِمْ
يَرْجُونَ بَرَكَةَ ذالِكَ اليَوْمَ وطُهْرَتَهُ. .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن يَوْم الْعِيد يَوْم
مشهود كأيام منى، فَكَمَا أَن التَّكْبِير فِي أَيَّام
منى، فَكَذَلِك فِي أَيَّام الأعياد، وَالْجَامِع بَينهمَا
كَونهَا أَيَّامًا مشهودات.
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: مُحَمَّد، ذكر فِي بعض
النّسخ غير مَنْسُوب، قَالَ أَبُو عَليّ: كَذَا رَوَاهُ
أَبُو ذَر، وَكَذَلِكَ أخرجه أَبُو مَسْعُود الدِّمَشْقِي
فِي كِتَابه: مُحَمَّد عَن عمر، قَالَ أَبُو عَليّ: وَفِي
روايتنا: عَن أبي عَليّ بن السكن وَأبي أَحْمد وَأبي زيد
حَدثنَا عمر بن حَفْص، لم يذكرُوا مُحَمَّدًا قبل عمر،
وَيُشبه أَن يكون مُحَمَّد بن يحيى الذهلي، وَإِلَيْهِ
أَشَارَ الْحَاكِم فِي هَذَا الْموضع. وَأما خلف والطرقي
فذكرا أَن البُخَارِيّ رَوَاهُ عَن عمر بن حَفْص، لم
يذكرَا مُحَمَّدًا قبل عمر، وَكَذَا ذكر أَبُو نعيم أَن
البُخَارِيّ رَوَاهُ عَن عمر بن حَفْص، فعلى هَذَا لَا
وَاسِطَة بَين البُخَارِيّ وَبَين عمر بن حَفْص فِيهِ،
وَقد حدث البُخَارِيّ عَن عمر ابْن حَفْص كثيرا بِغَيْر
وَاسِطَة، وَرُبمَا أَدخل بَينه وَبَينه الْوَاسِطَة
أَحْيَانًا، قيل الرَّاجِح سُقُوط الْوَاسِطَة بَينهمَا
فِي هَذَا الْإِسْنَاد. قلت: لم يبين وَجه الرجحان،
والموضع مَوضِع الِاحْتِمَال، والكرماني جزم بالواسطة،
فَقَالَ مُحَمَّد: أَي ابْن يحيى الذهلي، بِضَم الذَّال
وَسُكُون الْهَاء: أَبُو عبد الله النَّيْسَابُورِي
الْحَافِظ، مَاتَ بعد موت البُخَارِيّ سنة ثَمَان وَخمسين
وَمِائَتَيْنِ. الثَّانِي: عمر بن حَفْص بن غياث
النَّخعِيّ الْكُوفِي. الثَّالِث: أَبُو حَفْص النَّخعِيّ،
وَقد تقدما فِي: بَاب الْمَضْمَضَة وَالِاسْتِنْشَاق فِي
الْجَنَابَة. الرَّابِع: عَاصِم بن سُلَيْمَان الْأَحول،
وَقد مر أَيْضا. الْخَامِس: حَفْصَة بنت سِيرِين أم
الْهُذيْل الْأَنْصَارِيَّة، أُخْت مُحَمَّد بن سِيرِين.
السَّادِس: أم عَطِيَّة، وَاسْمهَا: نسيبة بنت كَعْب
الْأَنْصَارِيَّة، وَقد تقدّمت فِي: بَاب التَّيَمُّن فِي
الْوضُوء.
ذكر لطائف إِسْنَاده: وَفِيه: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة
مَوَاضِع. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
أَن شَيْخه غير مَنْسُوب على الِاخْتِلَاف فِيهِ. وَفِيه:
رِوَايَة التابعية عَن الصحابية. وَفِيه: أَن شَيْخه
نيسابوري على تَقْدِير كَونه الذهلي، وَالثَّانِي من
الروَاة وَالثَّالِث كوفيان، وَالرَّابِع وَالْخَامِس
بصريان.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: قد أخرج البُخَارِيّ
بعضه فِي حَدِيث مطول فِي: بَاب شُهُود الْحَائِض
الْعِيدَيْنِ، عَن مُحَمَّد بن سَلام عَن عبد الْوَهَّاب
عَن أَيُّوب عَن حَفْصَة، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ أَنه أخرجه
أَيْضا فِي الْعِيدَيْنِ: عَن أبي معمر عَن عبد الْوَارِث
عَن عبد الله الحَجبي عَن حَمَّاد، وَفِي الْحَج عَن
مُؤَمل بن هِشَام، أربعتهم عَن أَيُّوب، وَذكرنَا أَيْضا
أَن بَقِيَّة السِّتَّة أَخْرجُوهُ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (كُنَّا نؤمر) ، على صِيغَة
الْمَجْهُول، وَهَذِه الصِّيغَة تعد من الْمَرْفُوع كَمَا
قد ذكرنَا غير مرّة، وَقد جَاءَ
(6/294)
ذَلِك صَرِيحًا كَمَا سَيَجِيءُ إِن شَاءَ
الله تَعَالَى. قَوْله: (أَن نخرج) بنُون الْمُتَكَلّم،
وَكلمَة: أَن، مَصْدَرِيَّة وَالتَّقْدِير: بِأَن نخرج،
أَي: بِالْإِخْرَاجِ. قَوْله: (حَتَّى نخرج الْبكر) كلمة:
حَتَّى، للغاية و: حَتَّى الثَّانِيَة غَايَة الْغَايَة
أَو عطف على الْغَايَة الأولى. وَالْوَاو مَحْذُوف مِنْهَا
وَهُوَ جَائِز عِنْدهم. قَوْله: (من خدرها) ، بِكَسْر
الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الدَّال الْمُهْملَة:
وَهُوَ ستر يكون فِي نَاحيَة الْبَيْت تقعد الْبكر
وَرَاءه. وَقيل: هُوَ الهودج، وَقيل: سَرِير عَلَيْهِ ستر.
وَقيل: هُوَ الْبَيْت، وَقد استقصينا الْكَلَام فِيهِ فِي:
بَاب شُهُود الْحَائِض الْعِيدَيْنِ. قَوْله: (الْحيض)
بِضَم الْحَاء وَتَشْديد الْيَاء آخر الْحُرُوف، جمع
حَائِض. قَوْله: (فيكبرن) أَي: النِّسَاء، وَيدعونَ
كَذَلِك وَهَذِه اللَّفْظَة مُشْتَركَة بَين الْجمع
الْمُذكر وَالْجمع الْمُؤَنَّث، وَالْفرق تقديري، فوزن
الْجمع الْمُذكر: يَفْعَلُونَ، وَوزن الْجمع الْمُؤَنَّث:
يفعلن. قَوْله: (يرجون بركَة ذَلِك الْيَوْم) ، هَذَا
شَأْن الْمُؤمن يَرْجُو عِنْد الْعَمَل وَلَا يقطع وَلَا
يدْرِي مَا يحدث لَهُ. قَوْله: (وطهرته) ، بِضَم الطَّاء
الْمُهْملَة وَسُكُون الْهَاء أَي: طهرة ذَلِك الْيَوْم
أَي طَهَارَته.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ الْخطابِيّ وَابْن بطال:
معنى التَّكْبِير فِي هَذِه الْأَيَّام أَن الْجَاهِلِيَّة
كَانُوا يذبحون لطواغيتها فَجعلُوا التَّكْبِير استشعارا
للذبح لله تَعَالَى حَتَّى لَا يذكر فِي أَيَّام الذّبْح
غَيره. وَفِيه: تَأْخِير النِّسَاء عَن الرِّجَال. وَفِيه:
تَسَاوِي النِّسَاء وَالرِّجَال فِي التَّكْبِير
وَالدُّعَاء. وَفِيه: إِخْرَاج النِّسَاء يَوْم الْعِيد
إِلَى الْمصلى حَتَّى الْحيض مِنْهُنَّ، ولكنهن، يعتزلن
الْمصلى، وَفِيه: اسْتِحْبَاب التَّكْبِير يَوْم الْعِيد،
وَكَذَا فِي ليلته فِي طَرِيق الْمصلى، وَرُوِيَ عَن
عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، أَنه كبر يَوْم
الْأَضْحَى حَتَّى أَتَى الْجَبانَة، وَعَن أبي قَتَادَة:
أَنه كَانَ يكبر يَوْم الْعِيد حَتَّى يبلغ الْمصلى، وَعَن
ابْن عمر أَنه كَانَ يكبر فِي الْعِيد حَتَّى يبلغ الْمصلى
وَيرْفَع صَوته بِالتَّكْبِيرِ، وَهُوَ قَول مَالك
وَالْأَوْزَاعِيّ. وَقَالَ مَالك: يكبر فِي الْمصلى إِلَى
أَن يخرج الإِمَام، فَإِذا خرج قطعه وَلَا يكبر إلاّ إِذا
رَجَعَ. وَقَالَ الشَّافِعِي: أحب إِظْهَار التَّكْبِير
لَيْلَة النَّحْر، وَإِذا غدوا إِلَى الْمصلى حَتَّى يخرج
الإِمَام لَيْلَة الْفطر عقيب الصَّلَوَات فِي الْأَصَح.
وَقَالَ أَبُو حنيفَة: يكبر يَوْم الْأَضْحَى، يخرج فِي
ذَهَابه وَلَا يكبر يَوْم الْفطر، وَقَالَ الطَّحَاوِيّ:
وَمن كبر يَوْم الْفطر تَأَول فِيهِ قَوْله تَعَالَى:
{ولتكبروا الله على مَا هدَاكُمْ} (الْبَقَرَة: 185،
وَالْحج: 37،) . وَتَأَول ذَلِك زيد بن أسلم، وَيجْعَل
ذَلِك تَعْظِيم الله بالأفعال والأقوال كَقَوْلِه: {وَكبره
تَكْبِيرا} (الْإِسْرَاء: 111) . وَالْقِيَاس أَن يكبر فِي
الْعِيدَيْنِ جَمِيعًا، لِأَن صَلَاتي الْعِيدَيْنِ لَا
تختلفان فِي التَّكْبِير فيهمَا، وَالْخطْبَة بعدهمَا
وَسَائِر سنتهما، وَكَذَلِكَ التَّكْبِير فِي الْخُرُوج
إِلَيْهِمَا.
13 - (بابُ الصَّلاَةِ إلَى الحَرْبَةِ يَوْمَ العِيدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الصَّلَاة إِلَى الحربة،
يَعْنِي: يُصَلِّي والحربة بَين يَدَيْهِ، والحربة دون
الرمْح العريض النصل. قَوْله: (يَوْم الْعِيد) ، من
زَوَائِد الْكشميهني.
972 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ بَشَّارٍ قَالَ حدَّثنا
عَبْدُ الوهَّابِ قَالَ حدَّثنا عَبْيدُ الله عنْ نافَعٍ
عَن ابنِ عُمَرَ أنَّ النَّبِيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
كانَ تُرْكَزُ الحَرْبَةُ قُدَّامَهُ يَوْمَ الفِطْرِ
والنَّحْرِ ثُمَّ يُصَلِّي.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد مر هَذَا الحَدِيث
فِي: بَاب ستْرَة الإِمَام ستْرَة لمن خَلفه، فَإِنَّهُ
أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَاق عَن عبد الله بن نمير عَن عبيد
الله بن عمر عَن نَافِع، (عَن ابْن عمر: أَن رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَانَ إِذا خرج يَوْم الْعِيد
أَمر بالحربة فتوضع بَين يَدَيْهِ. .) الحَدِيث. وَأخرجه
أَيْضا فِي: بَاب الصَّلَاة إِلَى الحربة: عَن مُسَدّد عَن
يحيى عَن عبيد الله عَن نَافِع عَن ابْن عمر، وَقد ذكرنَا
فِي: بَاب ستْرَة الإِمَام، جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِهِ من
الْأَشْيَاء، وَعبد الْوَهَّاب هُوَ ابْن عبد الْمجِيد
الثَّقَفِيّ.
14 - (بابْ حَمْلِ العَنْزَةِ أَو الحَرْبَةِ بَيْنَ
يَدَيِ الإمَامِ يَوْمَ العِيدِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حمل العنزة، وَهِي أقصر من
الرمْح وَفِي طرفها زج.
973 - حدَّثنا إبْرَاهِيمُ بنُ المُنْذِرِ قَالَ حدَّثنا
الوَلِيدُ قَالَ حدَّثنا أبُو عَمْرٍ وَقَالَ أَخْبرنِي
نافِعٌ عنِ ابنِ عُمَرَ قَالَ كانَ النَّبِيُّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَغْدُو إلَى المُصَلَّى والعَنَزَةُ
بَيْنَ يَدَيْهِ تُحْمَلُ وَتُنْصَبُ
(6/295)
بالمُصَلَّى بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُصَلِّي إليْهَا.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَإِبْرَاهِيم بن
الْمُنْذر تقدم عَن قريب فِي: بَاب الْمَشْي وَالرُّكُوب
إِلَى الْعِيد، والحزامي، بِالْحَاء الْمُهْملَة وبالزاي،
والوليد هُوَ ابْن مُسلم، وَالْأَوْزَاعِيّ هُوَ عبد
الرَّحْمَن بن عَمْرو. والْحَدِيث أخرجه ابْن مَاجَه فِي
الصَّلَاة عَن هِشَام ابْن عمار عَن عِيسَى بن يُونُس
وَعَن دُحَيْم عَن الْوَلِيد، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
مُسْتَوفى فِي: بَاب ستره الإِمَام.
قَوْله: (فصلى) ، ويروى (يصلى) ، ويروى: (فيصلى) . فَإِن
قلت: صلى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بمنى إِلَى غير
جِدَار، رَوَاهُ ابْن عَبَّاس؟ قلت: ذَلِك ليبين أَن
الستْرَة لَيست شرطا بل سنة، أَو كَانَ ذَلِك نَادرا
مِنْهُ، وَالَّذِي واظب عَلَيْهِ النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، طول دهره: الصَّلَاة إِلَى ستْرَة. |