عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 6 - (بابُ قَوْلِ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يُخَوِّفُ الله عِبَادَهُ بالكُسُوفِ
قَالَه أبُو مُوسَى عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: هَذَا بَاب فِي ذكر قَول النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي حَدِيث أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ: (يخوف الله،
عز وَجل، عباده بالكسوف) ، وَسَيَأْتِي حَدِيث أبي مُوسَى
هَذَا فِي: بَاب الذّكر الْكُسُوف.
8401 - حدَّثنا قُتَيْبَةُ بنُ سَعِيدٍ قَالَ حدَّثنا
حَمَّادُ بنُ زَيْدٍ عنْ يُوُنُسَ عنِ الحَسَنِ عنْ أبي
بَكْرَةَ قَالَ قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آياتِ الله لاَ
يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولاَ لِحَيَاتِهِ ولاكِنَّ
الله تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهَا عِبَادَهُ..
قد مضى الْكَلَام فِي حَدِيث أبي بكرَة فِي أول أَبْوَاب
الْكُسُوف، ومطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
قَوْله: (وَلَكِن الله يخوف بهما) ، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: (وَلَكِن الله يخوف) . قَوْله: (يخوف) ، فِيهِ
رد على أهل الْهَيْئَة حَيْثُ يَزْعمُونَ أَن الْكُسُوف
أَمر عادي لَا يتَأَخَّر وَلَا يتَقَدَّم، فَلَو كَانَ
كَذَلِك لم يكن فِيهِ تخويف، فَيصير بِمَنْزِلَة الجزر
وَالْمدّ فِي الْبَحْر، وَقد جَاءَ فِي حَدِيث أبي مُوسَى،
على مَا يَأْتِي: (فَقَامَ فَزعًا يخْشَى أَن تكون
السَّاعَة) ، فَلَو كَانَ الْكُسُوف بِالْحِسَابِ لم يَقع
الْفَزع، وَلم يكن لِلْأَمْرِ بِالْعِتْقِ وَالصَّدَََقَة
وَالصَّلَاة وَالذكر معنى، وَقد رددنا عَلَيْهِم فِيمَا
مضى، وَيرد عَلَيْهِم أَيْضا بِمَا جَاءَ فِي رِوَايَة
أَحْمد وَالنَّسَائِيّ وَغَيرهمَا: (إِن الشَّمْس
وَالْقَمَر لَا ينكسفا لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ،
ولكنهما آيتان من آيَات الله، وَإِن الله إِذا تجلى لشَيْء
من خلقه خضع لَهُ) . وَقَالَ الْغَزالِيّ: هَذِه
الزِّيَادَة لم تثبت فَيجب تَكْذِيب ناقلها، وَلَو صحت
لَكَانَ أَهْون من مُكَابَرَة أُمُور قَطْعِيَّة لَا تصادم
الشَّرِيعَة، ورد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ: كَيفَ يسلم دَعْوَى
الفلاسفة وَيَزْعُم أَنَّهَا لَا تصادم الشَّرِيعَة مَعَ
أَنَّهَا مَبْنِيَّة على أَن الْعَالم
(7/76)
كري الشكل وَظَاهر الشَّرْع خلاف ذَلِك؟
وَالثَّابِت من قَوَاعِد الشَّرْع أَن الْكُسُوف أثر
الْإِرَادَة الْقَدِيمَة، وَفعل الْفَاعِل الْمُخْتَار
فيخلق فِي هذَيْن الجرمين النُّور مَتى شَاءَ والظلمة مَتى
شَاءَ من غير تَوْقِيف على سَبَب أَو ربط باقتراب، وَكَيف
يرد الحَدِيث الْمَذْكُور وَقد أثْبته جمَاعَة من
الْعلمَاء وَصَححهُ ابْن خُزَيْمَة وَالْحَاكِم؟ وَلَئِن
سلمنَا أَن مَا ذكره أهل الْحساب صَحِيح فِي نفس الْأَمر،
فَإِنَّهُ لَا يُنَافِي كَون ذَلِك مخوفا لعباد الله
تَعَالَى.
وَقَالَ أبُو عُبَيه الله لَمْ يَذْكُرْ عبْدُ الوَارِثِ
وشُعْبَةُ وخالِدُ بنُ عَبْدِ الله وحَمَّادُ بنُ سَلَمَةَ
عنْ يُونُسَ يُخوِّفُ بِهِمَا عِبَادِهِ
أَشَارَ بِهَذَا الْكَلَام إِلَى أَن عبد الْوَارِث بن
سعيد التنوري وَشعْبَة بن الْحجَّاج وخَالِد بن عبد الله
الطَّحَّان الوَاسِطِيّ وَحَمَّاد بن سَلمَة، بِفَتْح
اللَّام، لم يذكرُوا فِي روايتهم عَن يُونُس بن عبيد
الْمَذْكُور عَن قريب لفظ: (يخوف الله بهما عباده) فِي
رِوَايَته عَن الْحسن الْبَصْرِيّ عَن أبي بكرَة. أما
رِوَايَة عبد الْوَارِث فَذكرهَا البُخَارِيّ بعد عشرَة
أَبْوَاب فِي بَاب الصَّلَاة فِي كسوف الْقَمَر، وَلَيْسَ
فِيهَا هَذَا اللَّفْظ، على مَا ستقف عَلَيْهَا، وَلَكِن
ثَبت ذَلِك عَن عبد الْوَارِث من وَجه آخر رَوَاهُ
النَّسَائِيّ عَن عمرَان بن مُوسَى عَن عبد الْوَارِث،
قَالَ: حَدثنَا يُونُس عَن الْحسن عَن أبي بكرَة قَالَ:
(كُنَّا عِنْد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فانكسفت الشَّمْس فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم يجر رِدَاءَهُ حَتَّى انْتهى إِلَى الْمَسْجِد وثاب
إِلَيْهِ النَّاس، فصلى بِنَا رَكْعَتَيْنِ، فَلَمَّا
انكشفت قَالَ: إِن الشَّمْس وَالْقَمَر آيتان من آيَات
الله يخوف الله بهما عباده، وإنهما لَا ينخسفان لمَوْت أحد
وَلَا لِحَيَاتِهِ، فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فصلوا حَتَّى
يكسف مَا بكم، وَذَلِكَ أَن ابْنا لَهُ مَاتَ يُقَال لَهُ:
إِبْرَاهِيم، فَقَالَ نَاس فِي ذَلِك) . وَأما رِوَايَة
شُعْبَة فأخرجها البُخَارِيّ فِي: بَاب كسوف الْقَمَر،
حَدثنَا مَحْمُود بن غيلَان، قَالَ: حَدثنَا سعيد بن
عَامر، قَالَ: حَدثنَا شُعْبَة عَن يُونُس عَن الْحسن (عَن
أبي بكرَة قَالَ: انكسفت الشَّمْس على عهد النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم فصلى رَكْعَتَيْنِ) . وَأما رِوَايَة
خَالِد بن عبد الله فقد مَضَت فِي أول أَبْوَاب الْكُسُوف.
وَأما رِوَايَة حَمَّاد بن سَلمَة فأخرجها الطَّبَرَانِيّ
فِي (المعجم الْكَبِير) : عَن عَليّ بن عبد الْعَزِيز،
قَالَ: حَدثنَا حجاج بن منهال حَدثنَا حَمَّاد بن سَلمَة
عَن يُونُس فَذكره، وأخرجها الْبَيْهَقِيّ أَيْضا من
طَرِيق أبي زَكَرِيَّا السيلَحِينِي عَن حَمَّاد بن سَلمَة
عَن يُونُس فَذكره.
وتَابَعَهُ مُوسى عنْ مُبَارَكٍ عنِ الحَسَنِ قَالَ
أَخْبرنِي أبُو بَكْرَةَ عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أنَّ الله تَعَالَى يُخَوِّفُ بِهِمَا عِبَادَهُ
أَي: تَابع يُونُس فِي رِوَايَته عَن الْحسن مُوسَى عَن
مبارك، وَاخْتلف فِي المُرَاد بمُوسَى، فَقيل: هُوَ مُوسَى
بن إِسْمَاعِيل التَّبُوذَكِي وَجزم بِهِ الْحَافِظ
الْمزي، وَقيل: هُوَ مُوسَى بن دَاوُد الضَّبِّيّ، وَمَال
إِلَيْهِ الْحَافِظ الدمياطي وَجَمَاعَة. قيل: الأول أرجح
لكَون مُوسَى بن إِسْمَاعِيل مَعْرُوفا فِي رجال
البُخَارِيّ، ومبارك هُوَ: ابْن فضَالة بن أبي أُميَّة
الْقرشِي الْعَدوي الْبَصْرِيّ، وَفِيه مقَال، وَأَرَادَ
بِهِ البُخَارِيّ تنصيص الْحسن على سَمَاعه من أبي بكرَة،
فَإِن ابْن خَيْثَمَة ذكر فِي (تَارِيخه الْكَبِير) عَن
يحيى أَنه لم يسمع مِنْهُ، وَذكر هَذِه الْمُتَابَعَة
للرَّدّ عَلَيْهِ، فَإِنَّهُ صرح فِيهَا أَن الْحسن قَالَ:
أَخْبرنِي أَبُو بكرَة، وَقد علم أَن الْمُثبت يرجح على
النَّافِي. قَوْله: (يخوف الله بهما) أَي: بكسوف الشَّمْس
وكسوف الْقَمَر، ويروى: (بهَا) ، أَي: بِالْآيَةِ، فَإِن
كسوفهما آيَة من الْآيَات، وَفِي رِوَايَة غير أبي ذَر:
(إِن الله يخوف) .
وتابَعَهُ أشْعَثُ عنِ الحَسَنِ
يَعْنِي: تَابع مبارك بن فضَالة أَشْعَث بن عبد الْملك
الحمراني عَن الْحسن كَذَلِك، لَكِن بِلَا ذكر التخويف،
رَوَاهُ النَّسَائِيّ كَذَلِك عَن الفلاس عَن خَالِد بن
الْحَارِث عَن أَشْعَث عَن الْحسن (عَن أبي بكرَة، قَالَ:
كُنَّا جُلُوسًا عِنْد النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فكسفت الشَّمْس فَوَثَبَ يجر ثَوْبه فصلى رَكْعَتَيْنِ
حَتَّى انجلت الشَّمْس) . وَقَالَ بَعضهم: وَقع قَوْله:
(تَابعه أَشْعَث) ، فِي بعض
(7/77)
الرِّوَايَات عقيب مُتَابعَة مُوسَى،
وَالصَّوَاب تَقْدِيمه لخلو رِوَايَة أَشْعَث عَن ذكر
التخويف. قلت: لَا يلْزم من مُتَابعَة أَشْعَث لمبارك بن
فضَالة فِي الرِّوَايَة عَن الْحسن أَن يكون فِيهِ ذكر
التخويف، لِأَن مُجَرّد الْمُتَابَعَة تَكْفِي فِي
الرِّوَايَة، وَقد ذهل صَاحب (التَّلْوِيح) هُنَا حَيْثُ
قَالَ: فِي قَوْله: (تَابعه أَشْعَث عَن الْحسن) يَعْنِي:
تَابع مبارك بن فضَالة عَن الْحسن بِذكر التخويف رَوَاهُ
النَّسَائِيّ إِلَى آخِره، وَلَيْسَ فِي رِوَايَة
النَّسَائِيّ عَن الْأَشْعَث ذكر التخويف، وَالله أعلم
بِحَقِيقَة الْحَال.
7 - (بابُ التَّعَوُّذِ مِنْ عذَابِ القَبْرِ فِي
الكُسُوفِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّعَوُّذ من عَذَاب
الْقَبْر فِي حَالَة الْكُسُوف، سَوَاء كَانَ فِي
الصَّلَاة حِين يَدْعُو فِيهَا أَو بعد الْفَرَاغ مِنْهَا.
والمناسبة فِي ذَلِك من حَيْثُ كَون كل وَاحِد من
الْكُسُوف والقبر مُشْتَمِلًا على الظلمَة، فَيحصل
الْخَوْف من هَذَا كَمَا يحصل من هَذَا، فَإِذا تعوذ
بِاللَّه تَعَالَى رُبمَا يحصل لَهُ الاتعاظ فِي الْعَمَل
بِمَا ينجيه من عَاقِبَة الْأَمر.
9401 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالَكٍ عنْ
يَحْيى بنِ سَعِيدٍ عنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الراحْمانِ
عنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أنَّ يَهُودِيَّةً جاءَتْ تَسْألُهَا فقَالَتْ لَهَا
أعَاذَكِ الله مِنْ عَذَابِ القَبْرِ فَسَألَتْ عائِشَةُ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ فَقَالَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عائذا بِاللَّه مِنْ
ذالِكَ..
ثُمَّ رَكِبَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاتَ
غَدَاةٍ مَرْكَبا فَخَسَفَتِ الشَّمْسُ فَرَجَعَ ضُحىً
فَمَرَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ
ظَهْرَانَي الحُجَرِ ثُمَّ قامَ يُصَلِّي وقامَ النَّاسُ
وَرَاءَهُ فَقَامَ قِيَاما طَوِيلاً ثمَّ ركع رُكُوعًا
طَويلا ثمَّ رفع مقَام فَقَامَ قيَاما طَويلا وَهُوَ دون
الْقيام الأول ثمَّ ركع رُكُوعًا طَويلا وَهْوَ دُونَ
الرُّكُوعِ الأوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ ثُمَّ قامَ
فَقَامَ قِيَاما طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ القِيامِ الأوَّلِ
ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ
الأوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ ثُمَّ قامَ قِيَاما
طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ القِيَامِ الأوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ
رُكُوعا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ ثُمَّ
رَفَعَ فَسَجَدَ وَانْصَرَفَ فَقَالَ مَا شاءَ الله أنْ
يَقُولَ ثُمَّ أمَرَهُمْ أنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ
القَبْرِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ أَمرهم أَن
يتعوذوا من عَذَاب الْقَبْر) .
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس
عَن مَالك. وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن القعْنبِي وَعَن
مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن ابْن أبي عمر. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عَليّ وَعَن مُحَمَّد بن
سَلمَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن يَهُودِيَّة) أَي: امْرَأَة
يَهُودِيَّة، وَفِي (مُسْند السراج) من حَدِيث أَشْعَث بن
الشعشاء عَن أَبِيه عَن مَسْرُوق، قَالَ: (دخلت
يَهُودِيَّة على عَائِشَة فَقَالَت لَهَا: أسمعتِ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذكر شَيْئا فِي عَذَاب
الْقَبْر؟ فَقَالَت عَائِشَة: لَا، وَمَا عَذَاب الْقَبْر؟
قَالَت: فسليه، فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَسَأَلته عَائِشَة عَن عَذَاب الْقَبْر، فَقَالَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: عَذَاب الْقَبْر حق. قَالَت عَائِشَة:
فَمَا صلى بعد ذَلِك صَلَاة إلاّ سمعته يتَعَوَّذ من
عَذَاب الْقَبْر) . وَفِي حَدِيث مَنْصُور عَن أبي وَائِل
(عَن مَسْرُوق عَنْهَا، قَالَت: دخل على عجوزتان من
عَجَائِز الْيَهُود، فَقَالَت: إِن أهل الْقُبُور
يُعَذبُونَ فِي قُبُورهم، فكذبتهما وَلم أصدقهما، فَدخل
على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت لَهُ: دخل
عَليّ عجوزتان من عجز الْيَهُود فَقَالَتَا: إِن أهل
الْقُبُور يُعَذبُونَ فِي قُبُورهم، فَقَالَ: إِنَّهُم
ليعذبون فِي قُبُورهم عذَابا تسمعه البهائر) . وَفِي هَذَا
دَلِيل على أَن الْيَهُودِيَّة كَانَت تعلم عَذَاب
الْقَبْر، إِمَّا سَمِعت ذَلِك من التَّوْرَاة أَو فِي
كتاب من كتبهمْ. قَوْله: (أيعذب النَّاس؟) الْهمزَة فِيهِ
للاستفهام (ويعذب) ، على صِيغَة الْمَجْهُول فِيهِ دَلِيل
على أَن عَائِشَة لم تكن قبل ذَلِك علمت بِعَذَاب
الْقَبْر، لِأَنَّهَا كَانَت تعلم أَن الْعَذَاب
وَالثَّوَاب إِنَّمَا يكونَانِ بعد الْبَعْث. قَوْله:
(عائذا بِاللَّه) على وزن: فَاعل، مصدر لِأَن الْمصدر قد
يَجِيء على هَذَا الْوَزْن كَمَا فِي قَوْلهم: عافاه الله
عَافِيَة، فعلى هَذَا انتصابه على المصدرية
(7/78)
تَقْدِيره: أعوذ عائذا بِاللَّه، أَي: أعوذ
عياذا بِاللَّه، وَيجوز أَن يكون: عائذا، على بَابه،
وَيكون مَنْصُوبًا على الْحَال، وَذُو الْحَال مَحْذُوف
تَقْدِيره: أعوذ حَال كوني عائذا بِاللَّه. وَرُوِيَ:
(عَائِذ بِاللَّه) ، بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ
مَحْذُوف أَي: أَنا عَائِذ بِاللَّه. قَوْله: (من ذَلِك)
أَي: من عَذَاب الْقَبْر. قَوْله: (ذَات غَدَاة) ،
لَفْظَة: (ذَات) ، زَائِدَة. وَقَالَ الدَّاودِيّ: لَفْظَة
(ذَات) بِمَعْنى: فِي، أَي: فِي غَدَاة ورد عَلَيْهِ ابْن
التِّين: بِأَنَّهُ غير صَحِيح، بل تَقْدِيره: فِي ذَات
غَدَاة. قلت: الصَّوَاب مَعَه لِأَنَّهُ لم يقل أحد: إِن
ذَات بِمَعْنى: فِي، وَيجوز أَن يكون من بَاب إِضَافَة
الْمُسَمّى إِلَى اسْمه. قَوْله: (ضحى) بِضَم الضَّاد
مَقْصُور، فَوق الضحوة وَهِي ارْتِفَاع أول النَّهَار.
قَوْله: (بَين ظهراني الْحجر) ، أَي: فِي ظَهْري الْحجر،
الْألف وَالنُّون زائدتان، وَيُقَال: الْكَلِمَة كلهَا
زَائِدَة، وَالْحجر، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح
الْجِيم: جمع حجرَة وَالْمرَاد بهَا بيُوت أَزوَاج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ: أَنه: يدل على أَن عَذَاب
الْقَبْر حق، وَأهل السّنة مجمعون على الْإِيمَان بِهِ
والتصديق، وَلَا يُنكره إلاّ مُبْتَدع. وَإِن من لَا علم
لَهُ بذلك لَا يَأْثَم، وَأَن من سمع بذلك وَجب عَلَيْهِ
أَن يسْأَله أهل الْعلم ليعلم صِحَّته. وَفِيه: مَا يدل
على أَن حَال عَذَاب الْقَبْر عَظِيم، فَلذَلِك أَمر
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك الْوَقْت
بالتعوذ مِنْهُ. وَفِيه: أَن وَقت صَلَاة الْكُسُوف وَقت
الضُّحَى على مَا صلى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك
الْوَقْت بِحَسب حُصُول الْكُسُوف فِيهِ، وَالْعُلَمَاء
اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ ابْن التِّين: أول وقته وَقت
جَوَاز النَّافِلَة، وَأما آخِره فَقَالَ مَالك: إِنَّهَا
إِنَّمَا تصلى ضحوة النَّهَار وَلَا تصلى بعد الزَّوَال،
فَجَعلهَا كالعيدين، وَهِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم، وروى
عَنهُ ابْن وهب: تصلى فِي وَقت صَلَاة النَّافِلَة وَإِن
زَالَت الشَّمْس، وَعنهُ: لَا تصلى بعد الْعَصْر، وَلَكِن
يجْتَمع النَّاس فِيهِ فَيدعونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ويرغبون.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لَا يصلونَ فِي الْأَوْقَات
الْمنْهِي عَن الصَّلَاة فِيهَا لوُرُود النَّهْي بذلك،
وتصلى فِي سَائِر الْأَوْقَات، وَهُوَ قَول ابْن أبي
مليكَة وَعَطَاء وَجَمَاعَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: تصلى
فِي كل وَقت، نصف النَّهَار وَبعد الْعَصْر وَالصُّبْح،
وَهُوَ قَول أبي ثَوْر وَابْن الْجلاب الْمَالِكِي:
وَقَالَ أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: وَقتهَا الْمُسْتَحبّ
كَسَائِر الصَّلَوَات، وَلَا تصلى فِي الْأَوْقَات
الْمَكْرُوهَة، وَبِه قَالَ الْحسن وَعَطَاء بن أبي رَبَاح
وَعِكْرِمَة وَعَمْرو بن شُعَيْب وَقَتَادَة وَأَيوب
وَإِسْمَاعِيل بن علية وَأحمد، وَقَالَ إِسْحَاق: يصلونَ
بعد الْعَصْر مَا لم تصفر الشَّمْس، وَبعد صَلَاة الصُّبْح
وَلَو كسفت فِي الْغُرُوب لم تصل أجماعا، وَلَو طلعت
مكسوفة لم تصل حَتَّى تحل النَّافِلَة، وَبِه قَالَ مَالك
وَأحمد وَآخَرُونَ، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَبِه أَقُول،
خلافًا للشَّافِعِيّ.
9401 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالَكٍ عنْ
يَحْيى بنِ سَعِيدٍ عنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الراحْمانِ
عنْ عائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أنَّ يَهُودِيَّةً جاءَتْ تَسْألُهَا فقَالَتْ لَهَا
أعَاذَكِ الله مِنْ عَذَابِ القَبْرِ فَسَألَتْ عائِشَةُ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ فَقَالَ رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عائذا بِاللَّه مِنْ
ذالِكَ..
ثُمَّ رَكِبَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَاتَ
غَدَاةٍ مَرْكَبا فَخَسَفَتِ الشَّمْسُ فَرَجَعَ ضُحىً
فَمَرَّ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ
ظَهْرَانَي الحُجَرِ ثُمَّ قامَ يُصَلِّي وقامَ النَّاسُ
وَرَاءَهُ فَقَامَ قِيَاما طَوِيلاً ثمَّ ركع رُكُوعًا
طَويلا ثمَّ رفع مقَام فَقَامَ قيَاما طَويلا وَهُوَ دون
الْقيام الأول ثمَّ ركع رُكُوعًا طَويلا وَهْوَ دُونَ
الرُّكُوعِ الأوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ ثُمَّ قامَ
فَقَامَ قِيَاما طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ القِيامِ الأوَّلِ
ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ
الأوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَسَجَدَ ثُمَّ قامَ قِيَاما
طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ القِيَامِ الأوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ
رُكُوعا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ ثُمَّ
رَفَعَ فَسَجَدَ وَانْصَرَفَ فَقَالَ مَا شاءَ الله أنْ
يَقُولَ ثُمَّ أمَرَهُمْ أنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ
القَبْرِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (ثمَّ أَمرهم أَن
يتعوذوا من عَذَاب الْقَبْر) .
وَرِجَاله قد ذكرُوا غير مرّة.
وَأخرجه البُخَارِيّ أَيْضا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس
عَن مَالك. وَأخرجه مُسلم فِيهِ عَن القعْنبِي وَعَن
مُحَمَّد بن الْمثنى وَعَن ابْن أبي عمر. وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن عَمْرو بن عَليّ وَعَن مُحَمَّد بن
سَلمَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (أَن يَهُودِيَّة) أَي: امْرَأَة
يَهُودِيَّة، وَفِي (مُسْند السراج) من حَدِيث أَشْعَث بن
الشعشاء عَن أَبِيه عَن مَسْرُوق، قَالَ: (دخلت
يَهُودِيَّة على عَائِشَة فَقَالَت لَهَا: أسمعتِ رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يذكر شَيْئا فِي عَذَاب
الْقَبْر؟ فَقَالَت عَائِشَة: لَا، وَمَا عَذَاب الْقَبْر؟
قَالَت: فسليه، فجَاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَسَأَلته عَائِشَة عَن عَذَاب الْقَبْر، فَقَالَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: عَذَاب الْقَبْر حق. قَالَت عَائِشَة:
فَمَا صلى بعد ذَلِك صَلَاة إلاّ سمعته يتَعَوَّذ من
عَذَاب الْقَبْر) . وَفِي حَدِيث مَنْصُور عَن أبي وَائِل
(عَن مَسْرُوق عَنْهَا، قَالَت: دخل على عجوزتان من
عَجَائِز الْيَهُود، فَقَالَت: إِن أهل الْقُبُور
يُعَذبُونَ فِي قُبُورهم، فكذبتهما وَلم أصدقهما، فَدخل
على رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقلت لَهُ: دخل
عَليّ عجوزتان من عجز الْيَهُود فَقَالَتَا: إِن أهل
الْقُبُور يُعَذبُونَ فِي قُبُورهم، فَقَالَ: إِنَّهُم
ليعذبون فِي قُبُورهم عذَابا تسمعه البهائر) . وَفِي هَذَا
دَلِيل على أَن الْيَهُودِيَّة كَانَت تعلم عَذَاب
الْقَبْر، إِمَّا سَمِعت ذَلِك من التَّوْرَاة أَو فِي
كتاب من كتبهمْ. قَوْله: (أيعذب النَّاس؟) الْهمزَة فِيهِ
للاستفهام (ويعذب) ، على صِيغَة الْمَجْهُول فِيهِ دَلِيل
على أَن عَائِشَة لم تكن قبل ذَلِك علمت بِعَذَاب
الْقَبْر، لِأَنَّهَا كَانَت تعلم أَن الْعَذَاب
وَالثَّوَاب إِنَّمَا يكونَانِ بعد الْبَعْث. قَوْله:
(عائذا بِاللَّه) على وزن: فَاعل، مصدر لِأَن الْمصدر قد
يَجِيء على هَذَا الْوَزْن كَمَا فِي قَوْلهم: عافاه الله
عَافِيَة، فعلى هَذَا انتصابه على المصدرية تَقْدِيره:
أعوذ عائذا بِاللَّه، أَي: أعوذ عياذا بِاللَّه، وَيجوز
أَن يكون: عائذا، على بَابه، وَيكون مَنْصُوبًا على
الْحَال، وَذُو الْحَال مَحْذُوف تَقْدِيره: أعوذ حَال
كوني عائذا بِاللَّه. وَرُوِيَ: (عَائِذ بِاللَّه) ،
بِالرَّفْع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف أَي: أَنا
عَائِذ بِاللَّه. قَوْله: (من ذَلِك) أَي: من عَذَاب
الْقَبْر. قَوْله: (ذَات غَدَاة) ، لَفْظَة: (ذَات) ،
زَائِدَة. وَقَالَ الدَّاودِيّ: لَفْظَة (ذَات) بِمَعْنى:
فِي، أَي: فِي غَدَاة ورد عَلَيْهِ ابْن التِّين:
بِأَنَّهُ غير صَحِيح، بل تَقْدِيره: فِي ذَات غَدَاة.
قلت: الصَّوَاب مَعَه لِأَنَّهُ لم يقل أحد: إِن ذَات
بِمَعْنى: فِي، وَيجوز أَن يكون من بَاب إِضَافَة
الْمُسَمّى إِلَى اسْمه. قَوْله: (ضحى) بِضَم الضَّاد
مَقْصُور، فَوق الضحوة وَهِي ارْتِفَاع أول النَّهَار.
قَوْله: (بَين ظهراني الْحجر) ، أَي: فِي ظَهْري الْحجر،
الْألف وَالنُّون زائدتان، وَيُقَال: الْكَلِمَة كلهَا
زَائِدَة، وَالْحجر، بِضَم الْحَاء الْمُهْملَة وَفتح
الْجِيم: جمع حجرَة وَالْمرَاد بهَا بيُوت أَزوَاج
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
وَمِمَّا يستنبط مِنْهُ: أَنه: يدل على أَن عَذَاب
الْقَبْر حق، وَأهل السّنة مجمعون على الْإِيمَان بِهِ
والتصديق، وَلَا يُنكره إلاّ مُبْتَدع. وَإِن من لَا علم
لَهُ بذلك لَا يَأْثَم، وَأَن من سمع بذلك وَجب عَلَيْهِ
أَن يسْأَله أهل الْعلم ليعلم صِحَّته. وَفِيه: مَا يدل
على أَن حَال عَذَاب الْقَبْر عَظِيم، فَلذَلِك أَمر
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك الْوَقْت
بالتعوذ مِنْهُ. وَفِيه: أَن وَقت صَلَاة الْكُسُوف وَقت
الضُّحَى على مَا صلى صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي ذَلِك
الْوَقْت بِحَسب حُصُول الْكُسُوف فِيهِ، وَالْعُلَمَاء
اخْتلفُوا فِيهِ، فَقَالَ ابْن التِّين: أول وقته وَقت
جَوَاز النَّافِلَة، وَأما آخِره فَقَالَ مَالك: إِنَّهَا
إِنَّمَا تصلى ضحوة النَّهَار وَلَا تصلى بعد الزَّوَال،
فَجَعلهَا كالعيدين، وَهِي رِوَايَة ابْن الْقَاسِم، وروى
عَنهُ ابْن وهب: تصلى فِي وَقت صَلَاة النَّافِلَة وَإِن
زَالَت الشَّمْس، وَعنهُ: لَا تصلى بعد الْعَصْر، وَلَكِن
يجْتَمع النَّاس فِيهِ فَيدعونَ وَيَتَصَدَّقُونَ ويرغبون.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: لَا يصلونَ فِي الْأَوْقَات
الْمنْهِي عَن الصَّلَاة فِيهَا لوُرُود النَّهْي بذلك،
وتصلى فِي سَائِر الْأَوْقَات، وَهُوَ قَول ابْن أبي
مليكَة وَعَطَاء وَجَمَاعَة. وَقَالَ الشَّافِعِي: تصلى
فِي كل وَقت، نصف النَّهَار وَبعد الْعَصْر وَالصُّبْح،
وَهُوَ قَول أبي ثَوْر وَابْن الْجلاب الْمَالِكِي:
وَقَالَ أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة: وَقتهَا الْمُسْتَحبّ
كَسَائِر الصَّلَوَات، وَلَا تصلى فِي الْأَوْقَات
الْمَكْرُوهَة، وَبِه قَالَ الْحسن وَعَطَاء بن أبي رَبَاح
وَعِكْرِمَة وَعَمْرو بن شُعَيْب وَقَتَادَة وَأَيوب
وَإِسْمَاعِيل بن علية وَأحمد، وَقَالَ إِسْحَاق: يصلونَ
بعد الْعَصْر مَا لم تصفر الشَّمْس، وَبعد صَلَاة الصُّبْح
وَلَو كسفت فِي الْغُرُوب لم تصل أجماعا، وَلَو طلعت
مكسوفة لم تصل حَتَّى تحل النَّافِلَة، وَبِه قَالَ مَالك
وَأحمد وَآخَرُونَ، وَقَالَ ابْن الْمُنْذر: وَبِه أَقُول،
خلافًا للشَّافِعِيّ.
8 - (بابُ طُولِ السُّجُودِ فِي الكُسُوفِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان طول السُّجُود فِي صَلَاة
الْكُسُوف، وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى الرَّد على من أنكر
طول السُّجُود فِيهِ، وَهُوَ قَول بعض الْمَالِكِيَّة،
فَإِنَّهُم قَالُوا إِن الَّذِي شرع فِيهِ التَّطْوِيل شرع
تكراره كالقيام وَالرُّكُوع، وَلم تشرع الزِّيَادَة فِي
السُّجُود فَلَا يشرع التَّطْوِيل فِيهِ، وَقد ذكرنَا
فِيمَا مضى أَن الرَّافِعِيّ قَالَ: هَل يطول السُّجُود
فِي هَذِه الصَّلَاة؟ فِيهِ قَولَانِ، وَيُقَال: وَجْهَان:
أظهرهمَا: لَا، وَالثَّانِي: نعم، وَبِه قَالَ ابْن
شُرَيْح، لِأَنَّهُ مَنْقُول فِي بعض الرِّوَايَات: مَعَ
تَطْوِيل الرُّكُوع، أوردهُ مُسلم فِي (الصَّحِيح) . قلت:
لم ينْفَرد بِهِ مُسلم، بل حَدِيث الْبَاب يدل عَلَيْهِ
أَيْضا وَيرد بِهَذَا على من يَقُول: إِن التَّطْوِيل فِي
الْقيام وَالرُّكُوع لِإِمْكَان رُؤْيَة انجلاء الشَّمْس،
بِخِلَاف السُّجُود، وعَلى من يَقُول: إِن فِي تَطْوِيل
السُّجُود استرخاء المفاصل المفضي إِلَى النّوم المفضي
إِلَى خُرُوج شَيْء.
1501 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا شَيْبَانُ عنْ
يَحْيى عنْ أبِي سَلَمَةَ عنْ عَبْدِ الله بنِ عَمْرو أَنه
قالَ لَمَّا كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم نُودِيَ إنَّ الصَّلاةَ جامِعَةٌ
فَرَكَعَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رَكْعَتَيْنِ
فِي سَجْدَةٍ ثُمَّ قامَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ فِي
سَجْدَةٍ ثُمَّ جَلَسَ ثُمَّ جُلِّيَ عنِ الشَّمْسِ قالَ
وقالَتْ عائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا مَا
سَجَدْتُ سُجُودا قطّ كانَ أطْوَلَ مِنْهَا.
(أنظر الحَدِيث 5401) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَهِي قَول عَائِشَة فِي
آخر الحَدِيث.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: أَبُو نعيم، بِضَم
النُّون: الْفضل بن دُكَيْن. الثَّانِي: شَيبَان بن عبد
الرَّحْمَن التَّمِيمِي، أَصله من الْبَصْرَة وَسكن
الْكُوفَة. الثَّالِث: يحيى بن أبي كثير اليمامي
(7/79)
الطَّائِي من أهل الْبَصْرَة سكن
الْيَمَامَة. الرَّابِع: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن
بن عَوْف. الْخَامِس: عبد الله بن عَمْرو، بِفَتْح الْعين
وَفِي آخِره وَاو، وَوَقع فِي رِوَايَة الْكشميهني: عبد
الله بن عمر، بِضَم الْعين وَفتح الْمِيم بِلَا وَاو، قيل:
إِنَّه وهم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن رُوَاته مَا
بَين كُوفِي ويمامي ومدني. وَفِيه: راويان بكنية وراويان
بِلَا نِسْبَة.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
فِي الْكُسُوف عَن إِسْحَاق عَن يحيى بن صَالح عَن
مُعَاوِيَة بن سَلام عَن يحيى ببه مُخْتَصرا، كَمَا هُنَا،
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن رَافع وَعَن
عبد الله بن عبد الرَّحْمَن الدَّارمِيّ، وَأخرجه
النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مَحْمُود بن خَالِد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (على عهد رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) أَي: على زَمَنه. قَوْله: (نُودي) ، على
صِيغَة الْمَجْهُول من النداء وَهُوَ الْإِعْلَام.
وَقَوله: (إِن الصَّلَاة جَامِعَة) ، قد مر الْكَلَام
فِيهِ عَن قريب. قَوْله: (فِي سَجْدَة) أَي: فِي رَكْعَة،
وَقد يعبر بِالسَّجْدَةِ عَن الرَّكْعَة من بَاب إِطْلَاق
الْجُزْء على الْكل. قَوْله: (ثمَّ جلى) ، بِضَم الْجِيم
وَتَشْديد اللَّام على صِيغَة الْمَجْهُول: من التجلية،
وَهُوَ الانكشاف. قَوْله: (قَالَ: وَقَالَت) أَي: قَالَ
أَبُو سَلمَة: (قَالَت عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا: مَا سجدت سجودا قطّ) . وَفِي رِوَايَة مُسلم:
(مَا ركعت رُكُوعًا قطّ وَلَا سجدت سجودا قطّ كَانَ أطول
مِنْهُ) ، وَيحْتَمل أَن يكون فَاعل: قَالَ، هُوَ عبد الله
بن عَمْرو، فَيكون فِيهِ رِوَايَة صَحَابِيّ عَن صحابية.
فَإِن قلت: مَا وَجه رِوَايَة البُخَارِيّ: أطول مِنْهَا
بتأنيث الضَّمِير وَالسُّجُود مُذَكّر؟ قلت: وَقع فِي
رِوَايَة مُسلم وَغَيره مِنْهُ بتذكير الضَّمِير، وَهُوَ
الأَصْل، ويؤول فِي رِوَايَة البُخَارِيّ السُّجُود
بِالسَّجْدَةِ، فتأنيث الضَّمِير بِهَذَا الِاعْتِبَار.
وإطالة السُّجُود وَردت فِي أَحَادِيث كَثِيرَة. مِنْهَا:
مَا تقدم فِي رِوَايَة عُرْوَة عَن عَائِشَة بِلَفْظ:
(ثمَّ سجد فَأطَال السُّجُود) . وَمِنْهَا: مَا تقدم فِي
أَوَائِل صفة الصَّلَاة من حَدِيث أَسمَاء بنت أبي بكر
مثله. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن عبد الله
ابْن عَمْرو: (ثمَّ رفع رَأسه وسجدها فَأطَال السُّجُود) ،
وَنَحْوه مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ أَيْضا عَن أبي
هُرَيْرَة. وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الشَّيْخَانِ من حَدِيث
أبي مُوسَى (بأطول قيام وركوع وَسُجُود) . وَمِنْهَا: مَا
رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث سَمُرَة:
(كأطول مَا سجد بِنَا فِي صَلَاة) ، وَقَالَ بعض
الْمَالِكِيَّة: لَا يلْزم من كَونه أَطَالَ السُّجُود أَن
يكون بلغ بِهِ حد الإطالة فِي الرُّكُوع، ورد عَلَيْهِم
بِمَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث جَابر بِلَفْظ: (وَسُجُوده
نَحْو من رُكُوعه) ، وَبِه قَالَ أَحْمد وَإِسْحَاق،
وَهُوَ أحد قولي الشَّافِعِي، وَادّعى صَاحب (الْمُهَذّب)
: أَنه لم يقل بِهِ الشَّافِعِي، ورد عَلَيْهِ بِأَن
الشَّافِعِي نَص عَلَيْهِ فِي الْبُوَيْطِيّ، وَلَفظه:
(ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ طويلتين يُقيم فِي كل سَجْدَة
نَحوا مِمَّا قَامَ لَهُ فِي رُكُوعه) ، وَحَدِيث جَابر
الَّذِي رَوَاهُ مُسلم يدل على تَطْوِيل الِاعْتِدَال
الَّذِي يَلِيهِ السُّجُود، وَلَفظه: (فَأطَال الْقيام
حَتَّى جعلُوا يخرجُون، ثمَّ ركع فَأطَال ثمَّ رفع فَأطَال
ثمَّ ركع فَأطَال ثمَّ رفع فَأطَال ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ)
، الحَدِيث. وَأنكر النَّوَوِيّ هَذِه الرِّوَايَة،
وَقَالَ: هَذِه رِوَايَة شَاذَّة مُخَالفَة فَلَا يعْمل
بهَا، أَو المُرَاد: زِيَادَة الطُّمَأْنِينَة فِي
الِاعْتِدَال، ورد عَلَيْهِ بِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ
وَابْن خُزَيْمَة وَغَيرهمَا من حَدِيث عبد الله بن
عَمْرو، فَفِيهِ: (ثمَّ ركع فَأطَال حَتَّى قيل: لَا يرفع،
ثمَّ رفع فَأطَال حَتَّى قيل: لَا يسْجد، ثمَّ سجد فَأطَال
حَتَّى قيل: لَا يرفع، ثمَّ رفع فَجَلَسَ فَأطَال
الْجُلُوس حَتَّى قيل: لَا يسْجد ثمَّ سجد) ، فَهَذَا يدل
على تَطْوِيل الْجُلُوس بَين السَّجْدَتَيْنِ، وَبِهَذَا
يرد على الْغَزالِيّ فِي نَقله الِاتِّفَاق على ترك
إطالته، أللهمّ إلاّ إِذا أَرَادَ بِهِ: بالِاتِّفَاقِ من
أهل الْمَذْهَب. وَالله أعلم.
9 - (بابُ صَلاَةِ الكُسُوفِ جَمَاعَةً)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صَلَاة الْكُسُوف
بِالْجَمَاعَة، أَشَارَ بِهَذَا إِلَى أَن صَلَاة
الْكُسُوف بِالْجَمَاعَة سنة. وَقَالَ صَاحب (الذَّخِيرَة:
من أَصْحَابنَا: الْجَمَاعَة فِيهَا سنة، وَيُصلي بهم
الإِمَام الَّذِي يُصَلِّي الْجُمُعَة وَالْعِيدَيْنِ،
وَفِي (المرغيناني) : يؤمهم فِيهَا إِمَام حيهم بِإِذن
السُّلْطَان، لِأَن اجْتِمَاع النَّاس رُبمَا أوجب فتْنَة
وخللاً، وَلَا يصلونَ فِي مَسَاجِدهمْ بل يصلونَ جمَاعَة
وَاحِدَة، وَلَو لم يقمها الإِمَام صلى النَّاس فُرَادَى.
وَفِي (مَبْسُوط) بكر، عَن أبي حنيفَة فِي غير رِوَايَة
الْأُصُول: لكل إِمَام مَسْجِد أَن يُصَلِّي بِجَمَاعَة
فِي مَسْجده، وَكَذَا فِي (الْمُحِيط) . وَقَالَ
الْإِسْبِيجَابِيّ: لَكِن بِإِذن الإِمَام الْأَعْظَم،
وَقَالَ بَعضهم: بَاب صَلَاة الْكُسُوف جمَاعَة، أَي:
وَإِن لم يحضر الإِمَام. قلت:
(7/80)
إِذا لم يكن الإِمَام حَاضرا كَيفَ يصلونَ
جمَاعَة؟ وَلَا تكون الصَّلَاة بِالْجَمَاعَة إلاّ إِذا
كَانَ فيهم إِمَام؟ فَإِن لم يكن إِمَام وصلوا فُرَادَى
لَا يُقَال صلوا بِجَمَاعَة، وَإِن كَانُوا جماعات؟ فَإِن
قلت: بِمَ انتصب جمَاعَة؟ قلت: يجوز أَن يكون بِنَزْع
الْخَافِض، كَمَا قدرناه، فَإِن قلت: هَل يجوز أَن يكون
حَالا؟ قلت: يجوز إِذا قدر هَكَذَا: بَاب صَلَاة الْقَوْم
الْكُسُوف حَال كَونهم جمَاعَة، فطوى ذكر الْفَاعِل للْعلم
بِهِ.
وصَلَّى ابنُ عَبَّاس لَهُمْ فِي صُفَّةِ زَمْزَمَ
أَي: صلى للْقَوْم عبد الله بن عَبَّاس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، فِي صفة زَمْزَم، وَالصّفة، بِضَم
الصَّاد الْمُهْملَة وَتَشْديد الْفَاء، قَالَ ابْن
التِّين: صفة زَمْزَم، قيل: كَانَت أبنية يُصَلِّي فِيهَا
ابْن عَبَّاس، وَالصّفة مَوضِع مظلل يَجْعَل فِي دَار أَو
فِي حوش. وَقَالَ ابْن الْأَثِير، فِي ذكر أهل الصّفة: هم
فُقَرَاء الْمُهَاجِرين، وَلم يكن لوَاحِد مِنْهُم منزل
يسكنهُ، فَكَانُوا يأوون إِلَى مَوضِع مظلل فِي مَسْجِد
الْمَدِينَة يسكنونة. وَقَالَ الْكرْمَانِي: صفة، بِضَم
الْمُهْملَة وَفِي بَعْضهَا بِالْمُعْجَمَةِ وَهِي
بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح: جَانب الْوَادي، وصفتاه جانباه،
وَهَذَا التَّعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن غنْدر:
حَدثنَا ابْن جريج عَن سُلَيْمَان الْأَحول عَن طَاوُوس:
أَن الشَّمْس انكسفت على عهد ابْن عَبَّاس، رَضِي الله
تَعَالَى عَنْهُمَا، وَصلى على صفة زَمْزَم رَكْعَتَيْنِ
فِي كل رَكْعَة أَرْبَعَة سَجدَات، وَرَوَاهُ الشَّافِعِي
وَسَعِيد بن مَنْصُور جَمِيعًا: عَن سُفْيَان بن عُيَيْنَة
عَن سُلَيْمَان الْأَحول (سَمِعت طاووسا يَقُول: كسفت
الشَّمْس فصلى بِنَا ابْن عَبَّاس فِي صفة زَمْزَم سِتّ
ركوعات فِي أَربع سَجدَات، وَبَين الرِّوَايَتَيْنِ
مُخَالفَة. وَقَالَ الْبَيْهَقِيّ: روى عبد الله بن أبي
بكر عَن صَفْوَان بن عبد الله بن صَفْوَان قَالَ: رَأَيْت
ابْن عَبَّاس، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، صلى على ظهر
زَمْزَم فِي كسوف الشَّمْس رَكْعَتَيْنِ فِي كل رَكْعَة
ركوعان. وَقَالَ الشَّافِعِي: إِذا كَانَ عَطاء وَعَمْرو
وَصَفوَان وَالْحسن يروون عَن ابْن عَبَّاس خلاف
سُلَيْمَان الْأَحول كَانَت رِوَايَة ثَلَاثَة أولى أَن
تقبل، وَلَو ثَبت عَن ابْن عَبَّاس أشبه أَن يكون ابْن
عَبَّاس فرق بَين خُسُوف الشَّمْس وَالْقَمَر وَبَين
الزلزلة، فقد رُوِيَ أَنه صلى فِي زَلْزَلَة ثَلَاث ركوعات
فِي رَكْعَة، فَقَالَ: مَا أَدْرِي أزلزلت الأَرْض أم بِي
أَرض، أَي: رعدة؟ قَالَ الْجَوْهَرِي: الأَرْض: النفضة
والرعدة ثمَّ نقل قَول ابْن عَبَّاس، هَذَا، قَالَ أَبُو
عمر: لم يَأْتِ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
وَجه صَحِيح: أَن الزلزلة كَانَت فِي عصره وَلَا صحت عَنهُ
فِيهَا سنة، وَأول مَا جَاءَت فِي الْإِسْلَام على عهد عمر
بن الْخطاب، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَفِي (الْمعرفَة)
للبيهقي: صلى عَليّ بن أبي طَالب، رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ، فِي زَلْزَلَة سِتّ ركوعات فِي أَربع سَجدَات
وَخمْس رَكْعَات وسجدتين فِي رَكْعَة وركعة، وسجدتين فِي
رَكْعَة، وَقَالَ الشَّافِعِي: لَو ثَبت هَذَا الْخَبَر
عَن عَليّ، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، لقلنا بِهِ، وهم
يثبتونه وَلَا يَقُولُونَ بِهِ.
وجَمَّعَ عَلِيُّ بنُ عَبْد، الله بنِ عَبَّاسٍ وصَلَّى
ابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم.
أَي: جمع النَّاس عَليّ بن عبد الله لصَلَاة الْكُسُوف،
وَعلي بن عبد الله تَابِعِيّ ثِقَة، روى لَهُ مُسلم
وَالْأَرْبَعَة، وروى لَهُ البُخَارِيّ فِي (الْأَدَب)
وَكَانَ أَصْغَر ولد أَبِيه سنا، وَكَانَ يدعى:
السَّجَّاد، وَكَانَ يسْجد كل يَوْم ألف سَجْدَة، ولدليلة
قتل عَليّ بن أبي طَالب فِي شهر رَمَضَان سنة أَرْبَعِينَ،
فَسُمي باسمه وكني بكنيته: أَبَا الْحسن، وَفِي وَلَده
الْخلَافَة، مَاتَ سنة أَربع عشرَة وَمِائَة، وَعَن يحيى
بن معِين: مَاتَ سنة ثَمَان عشرَة وَمِائَة بالحميمة من
أَرض البلقاء فِي أَرض الشَّام وَهُوَ ابْن ثَمَان أَو تسع
وَسبعين سنة، قَوْله: (وَصلى ابْن عمر) يَعْنِي: صَلَاة
الْكُسُوف بِالنَّاسِ، وَأخرج ابْن أبي شيبَة قَرِيبا من
مَعْنَاهُ: حَدثنَا وَكِيع عَن سُفْيَان عَن عَاصِم بن
عبيد الله، قَالَ: رَأَيْت ابْن عمر يُهَرْوِل إِلَى
الْمَسْجِد فِي كسوف وَمَعَهُ نعلاه، يَعْنِي لأجل
الْجَمَاعَة، وَأَشَارَ البُخَارِيّ بِهَذَيْنِ الأثرين
إِلَى أَن صَلَاة الْكُسُوف بِالْجَمَاعَة، وَهَذَا هُوَ
الْمُطَابقَة بَينهمَا وَبَين التَّرْجَمَة.
2501 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ عنْ مالِكٍ عنْ
زَيْدِ بنِ أسْلَمَ عنْ عَطَاءِ بنِ يَسَارٍ عنْ عَبْدِ
الله بنِ عَبَّاسٍ قَالَ انْخَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى
عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصلَّى رسولُ
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَقَامَ قِيَاما نَحْوا منْ
قِرَاءَةِ سُورَةِ البَقَرَةِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعا
طَوِيلا ثُمَّ رَفَعَ فقَامَ قِيَاما طَوِيلا وَهْوَ
(7/81)
دُونَ القِيَامِ الأوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ
رُكُوعا طَوِيلا وهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ ثُمَّ
سَجَدَ ثُمَّ قامَ قِيَاما طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ
القِيَامِ الأوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعا طَوِيلاً وَهْوَ
دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قِياما
طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ القِيامِ الأوَّلِ ثُمَّ ركعَ
رُكُوعا طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ ثُمَّ
سَجَدَ ثُمَّ انْصَرَفَ وقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فقالَ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ
آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ
وَلاَ لِحَيَاتِهِ فَإذَا رَأيْتُمْ ذالِكَ فاذْكُرُوا
الله قالُوا يَا رسولَ الله رَأيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئا
فِي مَقامِكَ ثُمَّ رَأيْنَاكَ كَعْكَعْتَ قَالَ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إنِّي رَأيْتُ الجَنَّةَ فَتَنَاوَلْتُ
عُنْقُودا وَلَوْ أصَبْتهُ لأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا
بَقِيَتِ الدُّنْيَا وأُرِيتُ النَّارَ فَلَمْ أرَ
مَنْظَرا كاليَوْمِ قَطُّ أفْظَعَ وَرَأيْتُ أكثَرَ
أهْلِهَا النِّسَاءَ قَالُوا بِمَ يَا رسولَ الله قَالَ
بِكُفْرِهِنَّ قِيلَ يَكْفُرْنَ بِالله قَالَ يَكْفُرْنَ
العَشِيرَ ويَكْفُرْنَ الإحْسَانَ لوْ أحْسَنْتَ إلَى
إحْدَاهُنَّ الدَّهْرَ كُلَّهُ ثُمَّ رَأتْ مِنْكَ شَيْئا
قالَتْ مَا رأيْتُ مِنْكَ خَيْرا قَط..
مطابقته للتَّرْجَمَة تَأتي بِمَحْذُوف مُقَدّر فِي
قَوْله: (فصلى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ،
أَي: صلى بِالْجَمَاعَة، وَهَذَا لَا يشك فِيهِ، وَلَكِن
الرَّاوِي طوى ذكره إِمَّا اختصارا وَإِمَّا اعْتِمَادًا
على الْقَرِينَة الحالية، لِأَنَّهُ لم ينْقل عَنهُ أَنه
صلى صَلَاة الْكُسُوف وَحده.
وَرِجَاله تكَرر ذكرهم. قَوْله: (عَن عَطاء بن يسَار عَن
ابْن عَبَّاس) كَذَا فِي (الْمُوَطَّأ) وَجَمِيع من أخرجه
من طَرِيق مَالك، وَوَقع فِي رِوَايَة اللؤْلُؤِي فِي
(سنَن أبي دَاوُد) : عَن أبي هُرَيْرَة بدل ابْن عَبَّاس
قيل: هُوَ غلط نبه عَلَيْهِ ابْن عَسَاكِر، وَقَالَ
الْمزي: هُوَ وهم.
وَأخرجه البُخَارِيّ فِي الصَّلَاة وَفِي صَلَاة الخسوف
وَفِي الْإِيمَان عَن القعْنبِي وَفِي النِّكَاح عَن عبد
الله بن يُوسُف وَفِي بَدْء الْخلق عَن إِسْمَاعِيل بن أبي
أويس. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن مُحَمَّد بن رَافع
عَن سُوَيْد بن سعيد. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن
القعْنبِي. وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن مُحَمَّد بن سَلمَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (نَحوا من قِرَاءَة سُورَة
الْبَقَرَة) وَفِي لفظ: (نَحوا من قيام سُورَة الْبَقَرَة)
، وَعند مُسلم: (قدر سُورَة الْبَقَرَة) ، وَهَذَا يدل على
أَن الْقِرَاءَة كَانَت سرا، وَكَذَا فِي بعض طرق حَدِيث
عَائِشَة. (فحزرت قِرَاءَته فَرَأَيْت أَنه قَرَأَ سُورَة
الْبَقَرَة) . وَقيل: إِن ابْن عَبَّاس كَانَ صَغِيرا
فمقامه آخر الصُّفُوف فَلم يسمع الْقِرَاءَة فحزر
الْمدَّة، ورد على هَذَا بِأَن فِي بعض طرقه: (قُمْت إِلَى
جَانب النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَمَا سَمِعت
مِنْهُ حرفا) ، ذكره أَبُو عمر. قَوْله: (رَأَيْنَاك
تناولت شَيْئا) ، كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين:
(تناولت) ، بِصِيغَة الْمَاضِي، وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: (تنَاول شَيْئا) ، بِالْخِطَابِ من
الْمُضَارع، وَأَصله: تتَنَاوَل، بتاءين لِأَنَّهُ من بَاب
التفاعل فحذفت مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، ويروى:
(تتَنَاوَل) على الأَصْل. قَوْله: (كعكعت) قد مر الْكَلَام
فِيهِ فِي: بَاب رفع الْبَصَر إِلَى الْأَمَام، لِأَنَّهُ
أخرج هَذَا الحَدِيث فِيهِ مُخْتَصرا. وَفِيه: تكعكعت) ،
وَهُوَ رِوَايَة الْكشميهني بِزِيَادَة التَّاء فِي أَوله،
وَفِي رِوَايَة غَيره: كعكعت، ومعناهما: تَأَخَّرت.
وَقَالَ ابْن عبد الْبر: مَعْنَاهُ تقهقرت، وَهُوَ
الرُّجُوع إِلَى وَرَائه. وَقَالَ أَبُو عبيد: كعكعته
فتكعكع. قلت: هَذَا يدل على أَن: كعكع، مُتَعَدٍّ: وتكعكع
لَازم، فَإِن قلت: فعلى هَذَا قَوْله: (كعكعت) يَقْتَضِي
مَفْعُولا فَمَا هُوَ؟ قلت: على هَذَا مَعْنَاهُ:
رَأَيْنَاك كعكعت نَفسك، وَأما رِوَايَة: تكعكعت فظاهرة.
فَإِن قلت: هَذَا من الرباعي الأَصْل أَو من الْمَزِيد؟
قلت: نقل أهل اللُّغَة هَذِه الْمَادَّة يدل على أَنه
جَاءَ من الْبَابَيْنِ، فَقَوْل أبي عبيد يدل على أَنه
رباعي مُجَرّد، وَقَول الْجَوْهَرِي وَغَيره يدل على أَنه
ثلاثي مزِيد فِيهِ، لِأَنَّهُ نقل عَن يُونُس: كع يكع،
بِالضَّمِّ. وَقَالَ سِيبَوَيْهٍ: يكع، بِالْكَسْرِ أَجود،
وَأَصله: كعع، فأسكنت الْعين الأولى وأدرجت فِي
الثَّانِيَة: كمد وفر، وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني،
كععت وكععت بِالْكَسْرِ وَالْفَتْح أكع وأكع بِالْكَسْرِ
وَالْفَتْح كعا وكعاعةً بِالْفَتْح، وَقَالَ صَاحب
(الْعين) : كع كعوعا وَهُوَ الَّذِي لَا يمْضِي فِي عزم،
وَفِي (الْمُحكم) : كع كعوعا
(7/82)
وكعاعة وكيعوعة وكعكعه عَن الْورْد: نحاه.
وَيُقَال: أكعه الْفرق إكعاعا إِذا حَبسه عَن وَجهه،
وَيُقَال: أصل كعكعت كععت، فَفرق بَينهمَا بِحرف مُكَرر
للاستثقال. قلت: هَذَا تصرف من غير التصريف، وَوَقع فِي
رِوَايَة مُسلم: (رَأَيْنَاك كَفَفْت) ، من الْكَفّ،
وَهُوَ الْمَنْع. قَوْله: (إِنِّي رَأَيْت الْجنَّة) ،
ظَاهره من رُؤْيَة الْعين: كشف الله تَعَالَى الْحجب
الَّتِي بَينه وَبَين الْجنَّة وطوى الْمسَافَة الَّتِي
بَينهمَا حَتَّى أمكنه أَن يتَنَاوَل مِنْهَا عنقودا،
وَالَّذِي يُؤَيّد هَذَا حَدِيث أَسمَاء الَّذِي مضى فِي
أَوَائِل صفة الصَّلَاة بِلَفْظ: (دنت مني الْجنَّة حَتَّى
لَو اجترأت عَلَيْهَا لجئتكم بقطاف من قطافها) ، وَمن
الْعلمَاء من حمل هَذَا على أَن الْجنَّة مثلت لَهُ فِي
الْحَائِط كَمَا ترى الصُّورَة فِي الْمرْآة. فَرَأى
جَمِيع مَا فِيهَا. وَاسْتَدَلُّوا على هَذَا بِحَدِيث أنس
على مَا سَيَأْتِي فِي التَّوْحِيد: (لقد عرضت عَليّ
الْجنَّة وَالنَّار آنِفا فِي عرض هَذَا الْحَائِط وَأَنا
أُصَلِّي) ، وَفِي رِوَايَة: (لقد مثلت، وَفِي رِوَايَة
مُسلم: (لقد صورت) فَإِن قلت: انطباع الصُّورَة إِنَّمَا
يكون فِي الْأَجْسَام الصقيلة؟ قلت: هَذَا من حَيْثُ
الْعَادة فَلَا يمْتَنع خرق الْعَادة لَا سِيمَا فِي حق
هَذَا النَّبِي الْعَظِيم صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَمَعَ
هَذَا هَذِه قصَّة أُخْرَى وَقعت فِي صَلَاة الظّهْر،
وَتلك فِي صَلَاة الْكُسُوف، وَلَا مَانع أَن ترى الْجنَّة
وَالنَّار مرَّتَيْنِ وَأكْثر على صور مُخْتَلفَة، وَقَالَ
الْقُرْطُبِيّ: لَيْسَ من الْمحَال إبْقَاء هَذِه
الْأُمُور على ظواهره، لَا سِيمَا على مَذْهَب أهل السّنة
فِي أَن الْجنَّة وَالنَّار وَقد خلقتا وهما موجودتان
الْآن، فَيرجع إِلَى أَن الله تَعَالَى خلق لنَبيه صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إدراكا خَاصّا بِهِ أدْرك بِهِ
الْجنَّة وَالنَّار على حقيقتهما، وَمِنْهُم من تَأَول
الرُّؤْيَة هُنَا بِالْعلمِ، وَقد أبعد لعدم الْمَانِع من
الْأَخْذ بِالْحَقِيقَةِ والعدول عَن الأَصْل من غير
ضَرُورَة. قَوْله: (عنقودا) بِضَم الْعين. قَوْله: (وَلَو
أصبته) فِي رِوَايَة مُسلم: (وَلَو أَخَذته) . قَوْله:
(مَا بقيت الدُّنْيَا) أَي: مُدَّة بَقَاء الدُّنْيَا،
لِأَن طَعَام الْجنَّة لَا ينفذ وثمار الْجنَّة لَا
مَقْطُوعَة وَلَا مَمْنُوعَة، وَحكى ابْن الْعَرَبِيّ عَن
بعض شُيُوخه: إِن معنى قَوْله: (لأكلتم مِنْهُ مَا بقيت
الدُّنْيَا) ، أَن يخلق فِي نفس الْآكِل مثل الَّذِي أكل:
دَائِما بِحَيْثُ لَا يغيب عَن ذوقه، وَقد رد عَلَيْهِ
بِأَن هَذَا رَأْي فلسفي مَبْنِيّ على أَن دَار الْآخِرَة
لَا حقائق لَهَا، وَإِنَّمَا هِيَ أَمْثَال، وَالْحق أَن
ثمار الْجنَّة لَا تقطع وَلَا تمنع، فَإِذا قطعت خلقت فِي
الْحَال فَلَا مَانع أَن يخلق الله مثل ذَلِك فِي
الدُّنْيَا إِذا شَاءَ، وَفِيه بحث، لِأَن كَلَام هَذَا
الْقَائِل لَا يسْتَلْزم نفي حَقِيقَة دَار الْآخِرَة،
لِأَن مَا قَالَه فِي حَال الدُّنْيَا وَالْفرق بَين حَال
الدُّنْيَا وَحَال الْآخِرَة ظَاهر. فَإِن قلت: بَين
قَوْله: (وَلَو أصبته) ، أَو: (لَو أَخَذته) . وَبَين
قَوْله: (رَأَيْنَاك تناولت شَيْئا) ، مُنَافَاة ظَاهرا؟
قلت: يحمل التَّنَاوُل على تكلّف الْأَخْذ لَا حَقِيقَة
الْأَخْذ. قلت: لَا يحْتَاج إِلَى هَذَا التَّأْوِيل
بالتكلف لعدم وُرُود السُّؤَال الْمَذْكُور، لِأَن قَوْله:
(تناولت) خطاب للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مِنْهُم،
وَقَوله: (وَلَو أصبته) إِخْبَار النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَن نَفسه، وَلَا مُنَافَاة بَين
الإخبارين، فكأنهم تخيلوا التَّنَاوُل من النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم وَلم يكن فِي نفس الْأَمر حَقِيقَة
التَّنَاوُل مَوْجُودَة يدل عَلَيْهِ معنى. قَوْله:
(وتناولت عنقودا) د، يَعْنِي تناولته حَقِيقَة فِي
الْجنَّة، وَلَكِن لم يُؤذن لي بقطفه وَهُوَ معنى قَوْله:
(وَلَو أصبته) ، يَعْنِي: لَو أذن لي بقطفه لأصبته،
وأخرجته مِنْهَا إِلَيْكُم، وَلَكِن لم يقدر لي لِأَنَّهُ
من طَعَام الْجنَّة، وَهُوَ لَا يفنى وَالدُّنْيَا فانية،
فَلَا يجوز أَن يُؤْكَل فِيهَا مَا لَا يفنى، لِأَنَّهُ
يلْزم من أكل مَا لَا يفنى أَن لَا يفنى آكله، وَهُوَ
محَال فِي الدُّنْيَا.
فَإِن قلت: كَيفَ يَقُول: مَعْنَاهُ تناولته حَقِيقَة فِي
الْجنَّة وَلَكِن لم يُؤذن لي بقطفه؟ وَقد وَقع فِي حَدِيث
عقبَة بن عَامر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ عَن ابْن
خُزَيْمَة: (أَهْوى بِيَدِهِ ليتناول شَيْئا) ، وَفِي
رِوَايَة البُخَارِيّ فِي حَدِيث أَسمَاء فِي أَوَائِل صفة
الصَّلَاة: (حَتَّى لَو اجترأت عَلَيْهَا؟) وَكَأن لم
يُؤذن لَهُ فِي ذَلِك، فَلم يجترىء عَلَيْهِ، وَفِي حَدِيث
جَابر عِنْد مُسلم: (وَلَقَد مددت يَدي وَأَنا أُرِيد أَن
أتناول من ثمارها لتنظروا إِلَيْهِ، ثمَّ بدا لي أَن لَا
أفعل) ؟ وَفِي حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا، عِنْد البُخَارِيّ: (لقد رَأَيْت أَن آخذ قطفا من
الْجنَّة حِين رَأَيْتُمُونِي، جعلت أتقدم) ، وَوَقع لعبد
الرَّزَّاق من طَرِيق مُرْسلَة: (أردْت أَن آخذ مِنْهَا
قطفا لأريكموه فَلم يقدر) ؟ قلت: كل هَذِه الرِّوَايَات
لَا تنَافِي مَا قُلْنَا. أما فِي حَدِيث عقبَة فَلَا
يلْزم من قَوْله: (أَهْوى بِيَدِهِ ليتناول شَيْئا) عدم
تنَاوله حَقِيقَة، لرؤيتهم صُورَة التَّنَاوُل وَعدم
رُؤْيَتهمْ حَقِيقَته. وَأما فِي حَدِيث أَسمَاء فَلِأَن
عدم اجترائه على إِخْرَاجه من الْجنَّة لِأَنَّهُ لم يُؤذن
لَهُ بذلك، فَلَا يمْنَع ذَلِك حَقِيقَة التَّنَاوُل.
وَأما فِي حَدِيث جَابر فَلِأَن صُورَة التَّنَاوُل لأجل
إِخْرَاجه إِلَيْهِم لم يكن، لِأَن نظرهم إِلَيْهِ وَهُوَ
يتَنَاوَل فِي الْجنَّة لَا يتَصَوَّر فِي حَقهم لعدم
قدرتهم على ذَلِك، فَهَذَا لَا يُنَافِي حَقِيقَة
التَّنَاوُل فِي الْجنَّة، وَلَكِن لم يُؤذن لَهُ
بِالْإِخْرَاجِ لما قُلْنَا. وَأما فِي حَدِيث عَائِشَة
فلأنهم لَو رَأَوْهُ أَخذ مِنْهَا قطفا حَقِيقَة لَكَانَ
إِيمَانهم بِالشَّهَادَةِ وَلم يكن بِالْغَيْبِ،
وَالْإِيمَان بِالْغَيْبِ هُوَ الْمُعْتَبر، وَهُوَ أَيْضا
لَا يُنَافِي حَقِيقَة التَّنَاوُل فِي حَقه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (وأريت النَّار) أريت، بِضَم الْهمزَة وَكسر
الرَّاء على صِيغَة الْمَجْهُول، وأقيم الْمَفْعُول
الَّذِي هُوَ الرَّائِي فِي
(7/83)
الْحَقِيقَة مقَام الْفَاعِل، وانتصاب
النَّار على أَنه مفعول ثَان، لِأَن: أريت، من الإراءة،
وَهُوَ يَقْتَضِي مفعولين، وَهَذِه رِوَايَة أبي ذَر.
وَفِي رِوَايَة غَيره: (رَأَيْت النَّار) ، وَكَانَت
رُؤْيَة النَّار قبل رُؤْيَة الْجنَّة لما وَقع فِي
رِوَايَة عبد الرَّزَّاق: (عرضت على النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم النَّار فَتَأَخر عَن مُصَلَّاهُ حَتَّى
أَن النَّاس ليركب بَعضهم بَعْضًا، وَإِذ رَجَعَ عرضت
عَلَيْهِ الْجنَّة، فَذهب يمشي حَتَّى وقف فِي مُصَلَّاهُ)
. وروى مُسلم من حَدِيث جَابر، قَالَ: (انكسفت الشَّمْس
على عهد رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم. .) الحَدِيث
بِطُولِهِ، وَفِيه: (مَا من شَيْء توعدونه إلاّ قد
رَأَيْته فِي صَلَاتي هَذِه لقد جِيءَ بالنَّار وذلكم حِين
رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرت مَخَافَة أَن يُصِيبنِي من
لفحها) ، وَفِيه: (ثمَّ جِيءَ بِالْجنَّةِ، وذلكم حِين
رَأَيْتُمُونِي تقدّمت حَتَّى قُمْت فِي مقَامي. .)
الحَدِيث وَجَاء من حَدِيث سَمُرَة، أخرجه ابْن خُزَيْمَة:
(لقد رَأَيْت مُنْذُ قُمْت أُصَلِّي مَا أَنْتُم لاقون فِي
دنياكم وآخرتكم) . فَإِن قلت: رُؤْيَاهُ النَّار من أَي
بَاب كَانَ من أَبْوَاب النيرَان؟ فَإِن قلت: قيل: من
الْبَاب الَّذِي يدْخل مِنْهُ العصاة من الْمُسلمين. قلت:
يحْتَاج هَذَا إِلَى دَلِيل مَعَ أَن قَوْله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: (وَلَقَد رَأَيْت جَهَنَّم يحطم بَعْضهَا
بَعْضًا حَتَّى رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرت، وَرَأَيْت
فِيهَا ابْن لحي وَهُوَ الَّذِي سَبَب السائبة) . رَوَاهُ
مُسلم، فَدلَّ على أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم رأى
النيرَان كلهَا، وَكَذَلِكَ قَوْله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فِي رِوَايَة مُسلم: (وَعرضت عَليّ النَّار
فَرَأَيْت فِيهَا إمرأة من بني إِسْرَائِيل تعذب فِي هرة
لَهَا ربطتها فَلم تطعمها، وَلم تدعها تَأْكُل من حشائش
الأَرْض، وَرَأَيْت أَبَا ثُمَامَة عمر بن مَالك يجر
قَصَبَة فِي النَّار) . قَوْله: (فَلم أر منْظرًا
كَالْيَوْمِ قطّ أفظع) . وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي
والحموي: (فَلم أنظر كَالْيَوْمِ أفظع) . قَوْله:
(منْظرًا) مَنْصُوب بقوله: (لم أر) . و (أفظع) ، أفعل
التَّفْضِيل مَنْصُوب لِأَنَّهُ صفة المنظر. وَقَوله:
(كَالْيَوْمِ قطّ) معترض بَين الصّفة والموصوف، وَالْكَاف
فِيهِ بِمَعْنى الْمثل، وَالْمرَاد من الْيَوْم الْوَقْت
الَّذِي فِيهِ وَتَقْدِير الْكَلَام: لم أر منْظرًا أفظع
مثل الْيَوْم، وَأدْخل كَاف التَّشْبِيه عَلَيْهِ لبشاعة
مَا رأى فِيهِ، وَمعنى أفظع: أبشع وأقبح. وَقَالَ ابْن
سَيّده: فظع الْأَمر فظاعة وَهُوَ فظيع وأفظع وَأَشد وأفظع
افظاعا وَهُوَ مفظع، والإسم الفظاعة وأفظعني هَذَا الْأَمر
وأفظعته وأفظع هُوَ، وَفِي (الصِّحَاح) أفظع الرجل، على
مَا لم يسم فَاعله: إِذا نزل بِهِ أَمر عَظِيم. قَوْله:
(وَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا) أَي: أهل النَّار النِّسَاء.
فَإِن قلت: كَيفَ يلتئم هَذَا مَعَ مَا رَوَاهُ أَبُو
هُرَيْرَة: (إِن أدنى أهل الْجنَّة منزلَة من لَهُ زوجتان
من الدُّنْيَا) ، وَمُقْتَضَاهُ أَن النِّسَاء ثلثا أهل
الْجنَّة؟ قلت: يحمل حَدِيث أبي هُرَيْرَة على مَا بعد
خروجهن من النَّار، وَقيل: خرج هَذَا مخرج التَّغْلِيظ
والتخويف، وَفِيه نظر، لِأَنَّهُ أخبر بِالرُّؤْيَةِ
الْحَاصِلَة. وَقيل: لَعَلَّه مَخْصُوص بِبَعْض النِّسَاء
دون بعض. قَوْله: (بِمَ يَا رَسُول الله؟) أَصله: بِمَا،
لِأَنَّهَا كلمة الِاسْتِفْهَام، فحذفت الْألف تَخْفِيفًا.
قَوْله: (أيكفرن بِاللَّه؟) الْهمزَة فِيهِ للاستفهام.
قَوْله: (قَالَ: يكفرن العشير) ، كَذَا وَقع لِلْجُمْهُورِ
عَن مَالك بِدُونِ الْوَاو، وَقيل: ويكفرن، وَكَذَا وَقع
فِي رِوَايَة مُسلم. قَالَ: حَدثنَا حَفْص بن ميسرَة،
قَالَ: حَدثنِي زيد بن أسلم عَن عَطاء بن يسَار عَن ابْن
عَبَّاس، قَالَ: (انكسفت الشَّمْس. .) الحَدِيث بِطُولِهِ،
وَفِيه: (وَرَأَيْت أَكثر أَهلهَا النِّسَاء، قَالُوا:
بِمَ يَا رَسُول الله؟ قَالَ: بكفرهن، قيل: يكفرن
بِاللَّه؟ قَالَ: يكفرن العشير) الحَدِيث، وروى يحيى بن
يحيى عَن مَالك فِي (موطئِهِ) قَالَ: ويكفرن العشير،
بِزِيَادَة الْوَاو، قيل: زِيَادَة الْوَاو غلط. قلت:
لَيْسَ كَذَلِك، لِأَنَّهُ لَا فَسَاد فِيهِ من جِهَة
الْمَعْنى لِأَنَّهُ أجَاب مطابقا للسؤال،. وَزَاد،
وَقَالَ بَعضهم: إِن كَانَ المُرَاد من تغليطه كَونه خَالف
غَيره من الروَاة فَهُوَ كَذَلِك. قلت: لَيْسَ كَذَلِك،
لِأَن الْمُخَالفَة للرواة إِنَّمَا تعد غَلطا إِذا فسد
الْمَعْنى، وَلَا فَسَاد. كَمَا ذكرنَا. فَإِن قلت: كفر
يتَعَدَّى بِالْبَاء، وَقَوله: (أيكفرن بِاللَّه؟) على
الأَصْل، وَقَوله: (يكفرن العشير) بِلَا بَاء؟ قلت: لِأَن
الَّذِي تعدى بِالْبَاء يتَضَمَّن معنى الِاعْتِرَاف،
وَكفر العشير لَا يتَضَمَّن ذَلِك. قَوْله: (ويكفرن
الْإِحْسَان) يحْتَمل أَن يكون تَفْسِيرا لقَوْله: (يكفرن
العشير) ، لِأَن الْمَقْصُود كفر إِحْسَان العشير لَا كفر
ذَاته، والعشير هُوَ الزَّوْج، وَقد مر الْكَلَام فِيهِ
مستقصىً فِي كتاب الْإِيمَان، وَالْمرَاد من كفر
الْإِحْسَان تغطيته وَعدم الِاعْتِرَاف بِهِ أَو جَحده
وإنكاره كَمَا يدل عَلَيْهِ آخر الحَدِيث. قَوْله: (لَو
أَحْسَنت إِلَى إِحْدَاهُنَّ الدَّهْر كُله) ، بَيَان
لِمَعْنى: كفر الْإِحْسَان وَكلمَة: لَو، شَرْطِيَّة
وَيحْتَمل أَن تكون امتناعية بِأَن يكون الحكم ثَابتا على
النقيضين، وَيكون الطّرف الْمَسْكُوت عَنهُ أولى من
الْمَذْكُور، و: الدَّهْر، مَنْصُوب على الظَّرْفِيَّة،
وَيجوز أَن يكون المُرَاد مِنْهُ: مُدَّة عمر الرجل، وَأَن
يكون الزَّمَان كُله مُبَالغَة، وَلَيْسَ المُرَاد من
قَوْله: (أَحْسَنت) ، خطاب رجل بِعَيْنِه، بل كل من
يَتَأَتَّى مِنْهُ أَن يكون مُخَاطبا، كَمَا فِي قَوْله
تَعَالَى: {وَلَو ترى إِذْ المجرمون} (السَّجْدَة: 21) .
لِأَن المُرَاد مِنْهُ
(7/84)
كل من تتأتى مِنْهُ الرُّؤْيَة، فَهُوَ
خطاب خَاص لفظا وعام معنى. قَوْله: (شَيْئا) التَّنْوِين
فِيهِ للتقليل: أَي: شَيْئا قَلِيلا لَا يُوَافق غرضها من
أَي نوع كَانَ.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ غير مَا ذكر فِيمَا مضى:
الْمُبَادرَة إِلَى طَاعَة الله، عز وَجل، عِنْد حُصُول
مَا يخَاف مِنْهُ وَمَا يحذر عَنهُ، وَطلب دفع الْبلَاء
بِذكر الله تَعَالَى وتمجيده وأنواع طَاعَته. وَفِيه:
معْجزَة ظَاهِرَة للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَمَا
كَانَ عَلَيْهِ من نصح أمته وتعليمهم مَا يَنْفَعهُمْ
وتحذيرهم عَمَّا يضرهم. وَفِيه: مُرَاجعَة المتعلم
للْعَالم فِيمَا لَا يُدْرِكهُ فهمه. وَفِيه: جَوَاز
الِاسْتِفْهَام عَن عِلّة الحكم وَبَيَان الْعَالم مَا
يحْتَاج إِلَيْهِ تِلْمِيذه. وَفِيه: تَحْرِيم كفران
الْإِحْسَان. وَفِيه: وجوب شكر الْمُنعم. وَفِيه: إِطْلَاق
الْكفْر على جحود النِّعْمَة. وَفِيه: بَيَان تَعْذِيب أهل
التَّوْحِيد لأجل الْمعاصِي. وَفِيه: جَوَاز الْعَمَل
الْيَسِير فِي الصَّلَاة.
01 - (بابُ صَلاَةِ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجالِ فِي
الكُسُوفِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صَلَاة النِّسَاء مَعَ
الرِّجَال فِي صَلَاة الْكُسُوف، وَقَالَ بَعضهم: أَشَارَ
بِهَذِهِ التَّرْجَمَة إِلَى رد قَول من منع ذَلِك،
وَقَالَ: يصلين فُرَادَى، وَهُوَ مَنْقُول عَن الثَّوْريّ
والكوفيين. قلت: إِن أَرَادَ بالكوفيين أَبَا حنيفَة
وَأَصْحَابه فَلَيْسَ كَذَلِك، لِأَن أَبَا حنيفَة يرى
بِخُرُوج الْعَجَائِز فِيهَا، غير أَنَّهُنَّ يَقِفن
وَرَاء صُفُوف الرِّجَال، وَعند أبي يُوسُف وَمُحَمّد:
يخْرجن فِي جَمِيع الصَّلَوَات لعُمُوم الْمُصِيبَة، فَلَا
يخْتَص ذَلِك بِالرِّجَالِ، وروى الْقُرْطُبِيّ عَن مَالك:
إِن الْكُسُوف يُخَاطب بِهِ من يُخَاطب بِالْجمعَةِ، وَفِي
(التَّوْضِيح) : وَرخّص مَالك والكوفيون للعجائز وكرهوا
للشابة. وَقَالَ الشَّافِعِي: لَا أكره لمن لَا هَيْئَة
لَهُ بارعة من النِّسَاء وَلَا للصبية شُهُود صَلَاة
الْكُسُوف مَعَ الإِمَام، بل أحب لَهُنَّ ونحب لَهُنَّ
ونحب لذات الْهَيْئَة أَن تصليها فِي بَيتهَا، وَرَأى
إِسْحَاق أَن يخْرجن، شبَابًا كن أَو عَجَائِز، وَلَو كن
حيضا، وتعتزل الْحيض الْمَسْجِد وَلَا يقربن مِنْهُ.
3501 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكُ عنْ هِشَام بنِ عُرْوَةَ عنِ امْرَأتِهِ فاطِمَةَ
بِنْتِ المُنْذِرِ عنْ أسْمَاءَ بنتِ أبِي بَكْرٍ رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا أنَهَا قالَتْ أتَيْتُ عائِشَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا زَوجَ النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم حينَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ فإذَا النَّاسُ
قِيَامٌ يُصَلُّونَ وَإذَا هيَ قَائِمَةٌ فَقُلْتُ مَا
لِلَّنَاسِ فأشارَتْ بِيَدِهَا إِلَى السَّمَاءِ وقالَتْ
سُبْحَانَ الله فقُلْتُ آيَة فأشارَتْ أيْ نَعَمْ قالَتْ
فَقُمْتُ حَتَّى تَجَلاَّنِي الغَشْيُ فَجَعَلْتُ أصُبُّ
فَوْقَ رَأسِي المَاءَ فَلَمَّا انْصَرَفَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم حَمِدَ الله وأثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ
قالَ مَا منْ شَيْءٍ كُنْتُ لَمْ أرَهُ إلاّ قَدْ
رَأيْتُهُ فِي مَقَامِي هاذا حَتَّى الجَنَّةَ والنَّارَ
ولَقَدْ أوحِيَ إلَيَّ أنَّكُمْ تُفْتِنُونَ فِي القُبُورِ
مِثْلَ أوْ قَرِيبا مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ لاَ أدْرِي
أيَّتُهُمَا قالَتْ أسْمَاءُ يُؤتَى أحدُكُمْ فَيُقَالُ
لَهُ مَا عِلْمُكَ بِهاذا الرَّجُلِ فأمَّا المُؤمِنُ أوِ
المُوقِنُ لَا أدْرِي أيَّ ذالِكَ قالتْ أسْمَاءُ
فَيَقُولُ مُحَمَّدٌ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
جاءَنا بالبَيِّنَاتِ وَالْهدى فاجَبْنَا وَآمَنَّا
وَاتَّبَعْنَا فَيُقالُ لَهُ نَمْ صالِحا فَقَدْ عَلِمْنَا
إنْ كُنْتَ لَمُوقِنا وَأمَّا المُنَافِقُ أوِ المُرْتَابُ
لاَ أدْرِي أيَّتُهُمَا قالَتْ أسْمَاءُ فيَقُولِ لاَ
أدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ شَيْئا فَقُلْتُهُ.
[/ نه.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فَإِذا النَّاس قيام
يصلونَ (وَإِذا هِيَ قَائِمَة تصلي) ، وَقد مر هَذَا
الحَدِيث فِي: بَاب من أجَاب الْفتيا بِإِشَارَة الْيَد
وَالرَّأْس، فِي كتاب الْعلم. وَأخرجه هُنَاكَ عَن مُوسَى
بن إِسْمَاعِيل عَن وهيب عَن هِشَام عَن فَاطِمَة عَن
أَسمَاء، وَقد ذكرنَا هُنَاكَ أَن البُخَارِيّ أخرجه فِي
مَوَاضِع. وَأخرجه مُسلم أَيْضا فِي الْكُسُوف، وَقد
ذكرنَا مَا يتَعَلَّق بِهِ هُنَاكَ مستقصىً، وَفَاطِمَة
بنت الْمُنْذر بن الزبير بن الْعَوام، وَأَسْمَاء بنت أبي
بكر الصّديق، هِيَ جدة فَاطِمَة وَهِشَام لأبويهما.
قَوْله: (فَأَشَارَتْ أَي نعم) وَفِي رِوَايَة الْكشميهني:
(أَن نعم) ، بالنُّون بدل الْيَاء آخر الْحُرُوف. وَالله
أعلم.
(7/85)
|