عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 11 - (بابُ من أحَبَّ العَتَاقَةَ فِي
كُسُوفِ الشَّمْسِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان من أحب الْعتْق فِي حَالَة
كسوف الشَّمْس، والعتاقة بِفَتْح الْعين: الْحُرِّيَّة:
أَي: من أحب عتق الرَّقِيق سَوَاء صدر الْإِعْتَاق مِنْهُ
أَو من غَيره. فَإِن قلت: مَا فَائِدَة تَقْيِيد حب
الْعتَاقَة فِي الْكُسُوف، وَهُوَ عمل مَحْبُوب فِي كل
حَال؟ قلت: لِأَن أَسمَاء بنت أبي بكر هِيَ الَّتِي رَوَت
قصَّة كسوف الشَّمْس، وَهَذَا قِطْعَة مِنْهُ، أما أَن
يكون هِشَام بن عُرْوَة حدث بِهِ هَكَذَا، فَسَمعهُ مِنْهُ
زَائِدَة بن قدامَة، أَو يكون زَائِدَة اخْتَصَرَهُ.
4501 - حدَّثنا رَبِيعُ بنُ يَحْيَى قَالَ حدَّثنا
زَائِدَةُ عنْ هِشَامٍ عنْ فاطِمَةَ عنْ أسْمَاءَ قالَتْ
لَقَدْ أمَرَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
بِالعَتَاقَةِ فِي كُسُوفِ الشَّمْسِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَمر بالعتاقة فِي الْكُسُوف، وكل مَا أَمر بِهِ
فَهُوَ مَحْبُوب.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: ربيع بن يحيى أَبُو
الْفضل الْبَصْرِيّ، مَاتَ سنة أَربع وَعشْرين
وَمِائَتَيْنِ، وَيجوز فِيهِ اللَّام وَتَركه كَمَا فِي
الْحسن. الثَّانِي: زَائِدَة بن قدامَة، وَقد مر.
الثَّالِث: هِشَام بن عُرْوَة بن الزبير. الرَّابِع:
فَاطِمَة بنت الْمُنْذر بن الزبير وَهِي زَوْجَة هِشَام.
الْخَامِس: أَسمَاء بنت أبي بكر الصّديق، جدة فَاطِمَة.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شيخ البُخَارِيّ من
أَفْرَاده. وَفِيه: أَن أول الروَاة بَصرِي وَالثَّانِي
كُوفِي وَالثَّالِث مدنِي. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ
عَن التابعية عَن الصحابية. وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَن
امْرَأَته، وَرِوَايَة الْمَرْأَة عَن جدَّتهَا.
والْحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي الْكُسُوف عَن
مُوسَى بن مَسْعُود وَفِي الْعتْق عَن مُحَمَّد بن أبي بكر
الْمقدمِي. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِي الصَّلَاة عَن
زُهَيْر بن حَرْب عَن مُعَاوِيَة عَن زَائِدَة.
قَوْله: (لقد أَمر) وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد: (كَانَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يَأْمر) ، وَفِي
رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ: (كَانَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَأْمُرهُم) ، وَالظَّاهِر أَن الْأَمر
للاستحباب ترغيبا للنَّاس فِي فعل الْبر.
21 - (بابُ صَلاَةِ الكُسُوفِ فِي المَسْجَدَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان صَلَاة الْكُسُوف فِي
الْمَسْجِد.
5501 - حدَّثنا إسْمَاعِيلُ قَالَ حدَّثني مالِكٌ عنْ
يَحْيى بن سعِيدٍ عنْ عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمانِ
عَنْ عائِشَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أنَّ
يَهُودِيَّةً جاءَتْ تَسْألُهَا فقالَتْ أعَاذَكَ الله
مِنْ عَذَابِ القَبْرِ فَسَألَتْ عائِشَةُ رسولَ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم أيُعَذَّبُ النَّاسُ فِي قُبُورِهِمْ
فَقَالَ رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عائِذا
بِاللَّه منْ ذالِكَ. ثمَّ رَكِبَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم ذَاتَ غَدَاة مَرْكَبا فَكَسَفَتِ
الشَّمْسُ فَرَجَعَ ضُحىً فَمَرَّ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الحُجَرِ ثُمَّ قامَ
فَصَلَّى وقامَ النَّاسُ وَرَاءَهُ فقامَ قِيَاما طَوِيلاً
ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعا طَوِيلا ثُمَّ رَفَعَ فَقَامَ قيَاما
طَويلا وَهُوَ دون الْقيام الأول ثمَّ ركع رُكُوعًا طَويلا
وَهُوَ دون الرُّكُوع الأول ثمَّ رفع فَسَجَدَ سُجُودا
طَوِيلاً ثُمَّ قامَ فقامَ قِياما طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ
القِيَامِ الأوَّلِ ثُمَّ رَكَعَ رُكُوعا طَوِيلاً وَهْوَ
دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ ثُمَّ قامَ قِيَاما طَوِيلاً
وَهْوَ دُونَ القِيَامِ الأوَّلِ ثُمَّ ركَعَ رُكُوعا
طَوِيلاً وَهْوَ دُونَ الرُّكُوعِ الأوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ
وَهْوَ دُونَ السُّجُودِ الأوَّلِ ثُمَّ انْصَرَفَ فقالَ
رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَهْوَ دُونَ
الرُّكُوعِ الأوَّلِ ثُمَّ سَجَدَ وَهْوَ دُونَ السُّجُودِ
الأوَّلِ ثُمَّ انْصَرَفَ فقالَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم مَا شاءَ الله أنْ يَقُولَ ثُمَّ أمَرَهُمْ
أنْ يَتَعَوَّذُوا مِنْ عَذَابِ القَبْرِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة تُؤْخَذ من قَوْله: (فصلى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم) ، يَعْنِي فِي الْمَسْجِد،
وَقد صرح مُسلم بِذكر
(7/86)
الْمَسْجِد فِي رِوَايَته هَذَا الحَدِيث،
وَفِيه: (فَخرجت فِي نسْوَة بَين ظهراني الْحجر فِي
الْمَسْجِد فَأتى النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم من
مركبه حَتَّى انْتهى إِلَى مُصَلَّاهُ الَّذِي كَانَ
يُصَلِّي فِيهِ) ، وَالْأَحَادِيث يُفَسر بَعْضهَا
بَعْضًا. وَقد ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي: بَاب
التَّعَوُّذ من عَذَاب الْقَبْر، قبل هَذَا الْبَاب
بأَرْبعَة أَبْوَاب، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ هُنَاكَ
مُسْتَوفى. والمركب الَّذِي كَانَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِيهِ بِسَبَب موت ابْنه إِبْرَاهِيم،
عَلَيْهِ السَّلَام، وَالله أعلم.
31 - (بابٌ لاَ تَنْكَسِفُ الشَّمْسُ لِمَوْتِ أحِدٍ وَلاَ
لِحَيَاتِهِ)
أَي: هَذَا بَاب يذكر فِيهِ لَا تنكسف الشَّمْس لمَوْت أحد
وَلَا لِحَيَاتِهِ.
رَوَاهُ أبُو بَكْرَةَ وَالمُغِيرَة وأبُو مُوساى وابنُ
عَبَّاسٍ وابنُ عُمَرَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم
أَي: روى الْكَلَام الْمَذْكُور وَهُوَ قَوْله: (لَا تنكسف
الشَّمْس لمَوْت أحد وَلَا لِحَيَاتِهِ) ، هَؤُلَاءِ
الصَّحَابَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم، وهم أَبُو
بكرَة نفيع بن الْحَارِث، والمغيرة بن شُعْبَة، وَأَبُو
مُوسَى عبد الله بن قيس، وَعبد الله بن عَبَّاس، وَعبد
الله بن عمر. أما حَدِيث أبي بكرَة فقد رَوَاهُ فِي أول
أَبْوَاب الْكُسُوف. وَأما حَدِيث الْمُغيرَة، فَمضى فِي
أول أَبْوَاب الْكُسُوف، وَعَن قريب يَأْتِي فِي: بَاب
الدُّعَاء فِي الْكُسُوف أَيْضا. وَأما حَدِيث أبي مُوسَى
الْأَشْعَرِيّ فَكَذَلِك يَأْتِي فِي: بَاب الذّكر فِي
الْكُسُوف. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فقد مضى فِي بَاب
صَلَاة الْكُسُوف جمَاعَة. وَأما حَدِيث ابْن عمر فقد مضى
فِي أول أَبْوَاب الْكُسُوف، وَقد ذكر البُخَارِيّ أَيْضا
فِي هَذَا الْبَاب حَدِيث ابْن مَسْعُود، وَحَدِيث
عَائِشَة. وَفِي الْبَاب مِمَّا لم يذكرهُ عَن جَابر عِنْد
مُسلم وَعَن عبد الله بن عَمْرو والنعمان بن بشير وَقبيصَة
وَأبي هُرَيْرَة، كلهَا عِنْد النَّسَائِيّ وَغَيره، وَعَن
ابْن مَسْعُود وَسمرَة ابْن جُنْدُب ومحمود بن لبيد عِنْد
أَحْمد، وَغَيره، وَعَن عقبَة بن عَمْرو وبلال عِنْد
الطَّبَرَانِيّ وَغَيره، فَهَذِهِ كلهَا تكذب من زعم أَن
الْكُسُوف لمَوْت أحد أَو لحياة أحد.
7501 - حدَّثنا مُسَدَّد قَالَ حدَّثنا يَحْيى عنْ
إسْمَاعِيلَ قَالَ حدَّثني قيْسٌ عنْ أبِي مَسْعُودٍ قَالَ
قَالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم الشَّمْسُ
والقمَرُ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحدٍ وَلاَ
لِحَيَاتِهِ وَلاكِنَّهُمَا آيَتَانِ منْ آيَاتِ الله
فإذَا رأيْتُمُوهُمَا فصَلُّوا.
(أنظر الحَدِيث 1401 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُسَدّد وَقد تكَرر
ذكره. الثَّانِي: يحيى بن سعيد الْقطَّان الْبَصْرِيّ
الْأَحول. الثَّالِث: إِسْمَاعِيل بن أبي خَالِد الأخمسي
الْكُوفِي. الرَّابِع: قيس بن أبي حَازِم الْكُوفِي.
الْخَامِس: أَبُو مَسْعُود عقبَة بن عَامر الْأنْصَارِيّ
البدري.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين وبصيغة الْإِفْرَاد فِي مَوضِع، وَفِيه: العنعنة
فِي موضِعين. وَفِيه: القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع.
وَفِيه: أَن النّصْف الأول من الروَاة بَصرِي وَالنّصف
الثَّانِي كُوفِي. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن
التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ. وَفِيه: أَن الروَاة
الْأَرْبَعَة ذكرُوا بِلَا نِسْبَة، وَالْخَامِس ذكر
بكنيته.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الْكُسُوف عَن شهَاب بن عباد وَفِي بَدْء
الْخلق عَن أبي مُوسَى عَن يحيى. وَأخرجه مُسلم فِي الخسوف
عَن يحيى بن يحيى وَعَن عبيد الله بن معَاذ وَعَن يحيى بن
حبيب وَعَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَعَن إِسْحَاق بن
أبراهيم وَعَن ابْن أبي عمر. وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ
عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم عَن يحيى الْقطَّان بِهِ،
وَأخرجه ابْن مَاجَه عَن مُحَمَّد بن عبد الله بن نمير عَن
أَبِيه بِهِ.
8501 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا
هِشَامٌ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنْ الزُّهْرِيِّ
وَهِشَامِ بنِ عُرْوَةَ عنْ عُرْوَةَ عنْ عَائِشَةَ رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ كَسَفَتِ الشَّمْسُ عَلَى
عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فقَامَ النبيُّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَصَلَّى بالنَّاسِ فأطَالَ
القِرَاءَةَ ثُمَّ ركَعَ فأطَالَ الرُّكُوعَ ثُمَّ رَفَعَ
رَأْسَهُ فأطَالَ القِرَاءَةَ وَهْيَ دُونَ قِرَاءَتِهِ
الأولى ثُمَّ رَكَعَ فأطَالَ الرُّكُوعَ دُونَ رُكُوعِهِ
الأوَّلِ ثُمَّ رَفَعَ رَأسَهُ فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ
ثُمَّ
(7/87)
قامَ فصَنَعَ فِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ
مِثْلَ ذالِكَ ثُمَّ قامَ فقالَ إنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ
لاَ يَخْسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدَ ولاَ لِحَيَاتِهِ
ولاكِنَّهُمَا آيَتَانِ مِنْ آياتِ الله يُرِيهِمَا
عِبَادَهُ فإذَا رَأيْتُمْ ذالِكَ فافْزَعُوا إِلَى
الصَّلاَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَرِجَاله قد ذكرُوا غير
مرّة، وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف الصَّنْعَانِيّ معمر بن
رَاشد. قَوْله: (وَهِشَام ابْن عُرْوَة) ، بِالْجَرِّ عطفا
على الزُّهْرِيّ.
41 - (بابُ الذِّكْرِ فِي الكسوفِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الذّكر عِنْد كسوف الشَّمْس.
رَوَاهُ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا.
أَي: روى الذّكر فِي الْكُسُوف عبد الله بن عَبَّاس عَن
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، وَقد تقدم فِي حَدِيثه
فِي: بَاب صَلَاة الْكُسُوف جمَاعَة، وَفِيه: (فَإِذا
رَأَيْتُمْ ذَلِك فاذكروا الله) .
9501 - حدَّثنا مُحَمَّدُ بنُ العَلاَءِ قَالَ حدَّثنا
أبُو أسامَةَ عنْ بُرَيْدِ بنِ عَبْدِ الله عنْ أبي
بُرْدَةَ عنْ أبِي مُوسى ا. قَالَ خَسَفَتِ الشَّمْسُ
فقامَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَزَعا يَخْشَى أنْ
تكُونَ السَّاعَةُ فَأتى المَسْجِدَ فَصَلَّى بِأطْوَلِ
قِيَامٍ ورُكُوعٍ وَسُجُودٍ رَأيْتُهُ قَط يَفْعَلُهُ
وَقَالَ هاذِهِ الآياتُ الَّتِي يُرْسِلُ الله عَزَّ
وَجَلَّ لاَ تَكُونُ لِمَوْتِ أحَدٍ وَلاَ لِحَيَاتِهِ
وَلاكِنْ يُخَوِّفُ الله بهِ عِبَادَهُ فإذَا رَأيْتُمْ
شَيْئا مِنْ ذالِكَ فافْزَعُوا إلَى ذِكْرِ الله
وَدُعَائِهِ وَاسْتِغْفَارِهِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (فافزعوا إِلَى ذكر
الله) .
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُحَمَّد بن الْعَلَاء
بن كريب الْهَمدَانِي الْكُوفِي. الثَّانِي: أَبُو
أُسَامَة حَمَّاد بن زيد الْقرشِي الكوفى. الثَّالِث:
بريد، بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الرَّاء: ابْن عبد
الله ابْن أبي بردة بن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ
الْكُوفِي. الرَّابِع: جده أَبُو بردة اسْمه الْحَارِث بن
أبي مُوسَى، وَيُقَال: عَامر بن أبي مُوسَى، وَيُقَال:
اسْمه كنيته. الْخَامِس: عبد الله بن قيس الْأَشْعَرِيّ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن رجال إِسْنَاده كوفيون.
وَفِيه: ثَلَاثَة مكيون، وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَن جده
وجده عَن أَبِيه.
والْحَدِيث أخرجه مُسلم أَيْضا عَن عبد الله بن براد وَأبي
كريب، وَأخرجه النَّسَائِيّ عَن مُوسَى بن عبد الرَّحْمَن.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (فَزعًا) بِكَسْر الزَّاي صفة
مشبهة، وَيجوز أَن يكون بِفَتْح الزَّاي وَيكون مصدرا
بِمَعْنى الصّفة. قَوْله: (يخْشَى) جملَة فِي مَحل النصب
على الْحَال. قَوْله: (أَن يكون) ، فِي مَحل النصب على
أَنه مفعول: يخْشَى. قَوْله: (السَّاعَة) ، بِالنّصب
وَالرَّفْع، أما النصب فعلى أَن يكون خبر: يكون نَاقِصَة،
وَالضَّمِير الَّذِي فِيهِ يرجع إِلَى الْخَسْف الَّذِي
يدل عَلَيْهِ: (خسفت) ، وَأما الرّفْع فعلى أَن يكون تكون
تَامَّة، قَالَ الْكرْمَانِي، وَهَذَا تَمْثِيل من
الرَّاوِي كَأَنَّهُ قَالَ: فَزعًا كالخاشي، أَن تكون
الْقِيَامَة، وإلاّ فَكَانَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم عَالما بِأَن السَّاعَة لَا تقوم، وَهُوَ بَين
أظهرهم، وَقد وعده الله إعلاء دينه على الْأَدْيَان كلهَا،
وَلم يبلغ الْكتاب أَجله. وَقَالَ النَّوَوِيّ: قد
يسْتَشْكل هَذَا من حَدِيث أَن السَّاعَة لَهَا مُقَدمَات
كَثِيرَة لَا بُد من وُقُوعهَا: كطلوع الشَّمْس من
مغْرِبهَا، وَخُرُوج الدَّابَّة والدجال وَغَيرهَا، وَكَيف
الخشية من قِيَامهَا حِينَئِذٍ، وَيُجَاب بِأَنَّهُ:
لَعَلَّ هَذَا الْكُسُوف كَانَ قبل إِعْلَامه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم بِهَذِهِ العلامات، أَو لَعَلَّه خشِي أَن
تكون بعض مقدماتها أَو أَن الرَّاوِي ظن أَن النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم خشِي أَن تكون السَّاعَة، وَلَيْسَ
يلْزم من ظَنّه أَن يكون صلى الله عَلَيْهِ وَسلم خشِي
حَقِيقَة، بل رُبمَا خَافَ وُقُوع عَذَاب الْأمة، فَظن
الرَّاوِي ذَلِك. قلت: كل وَاحِد من هَذِه الْأَجْوِبَة
لَا يَخْلُو عَن نظر، إِذا تَأمله النَّاظر، وَالْأَوْجه
فِي ذَلِك مَا قَالَه الْكرْمَانِي، أَو أَنه
(7/88)
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم جعل مَا سيقع
كالواقع إِظْهَارًا لتعظيم شَأْن الْكُسُوف وتنبيها لأمته
أَنه إِذا وَقع بعده يَخْشونَ أَمر ذَلِك ويفزعون إِلَى
ذكر الله وَالصَّلَاة وَالصَّدَََقَة، لِأَن ذَلِك مِمَّا
يدْفع الله بِهِ الْبلَاء. قَوْله: (رَأَيْته قطّ
يَفْعَله) كلمة: قطّ، لَا تقع إلاّ بعد الْمَاضِي
الْمَنْفِيّ، وَهنا وَقعت بِدُونِ كلمة: مَا، مَعَ أَن فِي
كثير من النّسخ وَقعت على الأَصْل، وَهُوَ: (مَا رَأَيْته
قطّ يَفْعَله) ، وَوجه ذَلِك: إِمَّا أَن يقدر حرف
النَّفْي، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {تالله تفتؤ تذكر
يُوسُف} (يُوسُف: 58) . وَإِمَّا أَن لفظ: أطول، فِيهِ
معنى عدم الْمُسَاوَاة أَي: بِمَا لم يساو قطّ قيَاما
رَأَيْته يَفْعَله، وَإِمَّا أَن يكون قطّ بِمَعْنى: حسب،
أَي: صلى فِي ذَلِك الْيَوْم فَحسب بأطول قيام رَأَيْته
يَفْعَله، أَو يكون بِمَعْنى: أبدا، وَيَنْبَغِي أَن تكون
لَفْظَة: قطّ، فِي النُّسْخَة الَّتِي مَا تقدمها حرف
النَّفْي بِفَتْح الْقَاف، وَسُكُون الطَّاء، لِأَنَّهُ
حِينَئِذٍ يكون بِمَعْنى: حسب، فَلَا يَقْتَضِي حرف
النَّفْي. وَأما إِذا كَانَ على بَابه فَهُوَ بِفَتْح
الْقَاف وَضمّهَا وَتَشْديد الطَّاء وتخفيفها،
وَبِفَتْحِهَا وَكسر الطَّاء المخففة. قَوْله: (هَذِه
الْآيَات) أَشَارَ بهَا إِلَى الْآيَات الَّتِي تقع مثل:
الْكُسُوف والخسوف والزلزلة وهبوب الرّيح الشَّدِيدَة
وَنَحْوهَا، فَفِي كل وَاحِدَة مِنْهَا تخويف الله
تَعَالَى لِعِبَادِهِ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {وَمَا
نرسل بِالْآيَاتِ إلاّ تخويفا} (الْإِسْرَاء: 95) . وَيفهم
من هَذَا أَن الْمُبَادرَة وَالذكر وَالدُّعَاء لَا يخْتَص
بالكسوفين، وَبِه قَالَ أَصْحَابنَا، وَحكى ذَلِك عَن أبي
مُوسَى، وَقَالَ بَعضهم: لم يَقع فِي هَذِه الرِّوَايَة
ذكر الصَّلَاة فَلَا حجَّة فِيهِ لمن استحبها عِنْد كل
آيَة. قلت: لم تَنْحَصِر الْحجَّة بِهَذِهِ الرِّوَايَة بل
فِي قَوْله: (افزعوا إِلَى ذكر الله) حجَّة لمن قَالَ
ذَلِك، لِأَن الصَّلَاة يُطلق عَلَيْهَا: ذكر الله، لِأَن
فِيهَا أنواعا من ذكر الله تَعَالَى، وَقد ورد ذَلِك فِي
(صَحِيح مُسلم) : (إِن هَذِه الصَّلَاة لَا يصلح فِيهَا
شَيْء من كَلَام النَّاس، إِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيح
وَالتَّكْبِير وَقِرَاءَة الْقُرْآن) .
51 - (بابُ الدُّعَاءِ فِي الخُسُوفِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الدُّعَاء فِي الْكُسُوف،
وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة وَأبي الْوَقْت: بَاب الدُّعَاء
فِي الخسوف.
قالَهُ أبُو مُوسى وَعَائِشَةُ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا عنِ النَّبِيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
أَي: قَالَ مَا ذكر من الدُّعَاء فِي الْكُسُوف أَبُو
مُوسَى الْأَشْعَرِيّ، وَهُوَ فِي حَدِيثه الْمَذْكُور قبل
هَذَا الْبَاب، وَهُوَ قَوْله: (فافزعوا إِلَى ذكره ودعائه
واستغفاره) ، وَأما حَدِيث عَائِشَة فقد تقدم فِي الْبَاب
الثَّانِي، وَهُوَ: بَاب الصَّدَقَة فِي الْكُسُوف،
ولفظها: (فَإِذا رَأَيْتُمْ ذَلِك فادعو الله) .
0601 - حدَّثنا أبُو الوَلِيدِ قَالَ حدَّثنا زَائِدَةُ
قَالَ حدَّثنا زيادُ بن عِلاَقَة قَالَ سَمِعْتُ
المُغِيرَةَ بنَ شُعْبَةَ يَقُولِ انْكَسَفَتِ الشَّمْسُ
يَوْمَ ماتَ إبْرَاهِيمُ فقالَ النَّاسُ انْكَسَفَتْ
لِمَوْتِ إبْرَاهِيمَ فقالَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أنَّ الشَّمْسَ والقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ الله
لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أحَدٍ ولاَ لِحَيَاتِهِ فإذَا
رَأيْتُمُوهُمِا فادْعُوا الله وَصَلّوا حَتَّى
تَنْجَلِيَ.
(أنظر الحَدِيث 3401 وطرفه) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد تقدم فِي الْبَاب
الأول، أخرجه عَن عبد الله بن مُحَمَّد عَن هَاشم بن
الْقَاسِم عَن شَيبَان بن مُعَاوِيَة عَن زِيَاد بن علاقَة
عَن الْمُغيرَة، وَهَذَا من الخماسيات، وَالَّذِي فِي
هَذَا الْبَاب من الرباعيات، وَهُنَاكَ: عَن زِيَاد عَن
الْمُغيرَة، وَهنا: التَّصْرِيح بِسَمَاعِهِ من
الْمُغيرَة، وَأَبُو الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك
الطَّيَالِسِيّ.
قَوْله: (رأيتموها) أَي: الْآيَة ويروى (رأيتموهما) بتثنية
الضَّمِير، يرجع إِلَى الشَّمْس وَالْقَمَر بِاعْتِبَار
كسوفهما. قَوْله: (حَتَّى تنجلي) ويروى بالتذكير،
والتأنيث، ووجههما ظَاهر.
61 - (بابُ قَوْلِ الإِمَام فِي خُطْبَةِ الكُسوفِ أمَّا
بَعْدُ)
1601 - وقالَ أبُو أسامَةَ حدَّثنا هِشَامٌ قَالَ
أخْبَرَتْنِي فاطِمَة بنْتُ المُنْذِرِ عنْ أسْمَاءَ
قالَتْ فانْصَرَفَ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَقَدْ تَجَلَّتِ الشَّمْسُ فَخَطَبَ فَحَمِدَ الله بِمَا
هُوَ أهْلُهُ ثُمَّ قالَ أمَّا بَعْدُ..
مُطَابقَة هَذَا للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد ذكره فِي:
بَاب من قَالَ فِي الْخطْبَة بعد الثَّنَاء أما بعد، فِي
كتاب الْجُمُعَة. وَقَالَ مَحْمُود: حَدثنَا
(7/89)
أَبُو أُسَامَة، قَالَ: حَدثنَا هِشَام بن عُرْوَة، قَالَ:
أَخْبَرتنِي فَاطِمَة بنت الْمُنْذر (عَن أَسمَاء بنت أبي
بكر الصّديق، قَالَت: دخلت على عَائِشَة وَالنَّاس يصلونَ)
الحَدِيث بِطُولِهِ، وَفِيه: (وَقد تجلت الشَّمْس. .)
إِلَى أَن قَالَ: (أما بعد) ، وَقَالَ مُسلم: (عَن أبي
بكر، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَأبي كريب عَن أبي
أُسَامَة فَذكره، وَقَالَ أَبُو عَليّ الجياني: وَقع فِي
رِوَايَة ابْن السكن فِي إِسْنَاد هَذَا الحَدِيث وهم،
وَذَلِكَ أَنه زَاد فِي الْإِسْنَاد رجلا أَدخل بَين
هِشَام وَفَاطِمَة عُرْوَة بن الزبير، وَالصَّوَاب: هِشَام
عَن فَاطِمَة، وَالله أعلم، وَقد تكلمنا فِيهِ هُنَاكَ
بِمَا فِيهِ الْكِفَايَة.
71 - (بابُ الصَّلاَةِ فِي كُسُوفِ القَمَرِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان الصَّلَاة فِي كسوف الْقَمَر.
2601 - حدَّثنا مَحْمُودٌ قَالَ حدَّثنا سَعِيدُ بنُ
عامِرٍ عنْ شُعْبَةَ عنْ يُونُسَ عنِ الحَسَنُ عنْ أبي
بَكْرَةَ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قالَ انْكَسَفَتِ
الشَّمْسُ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فصَلَّى رَكْعَتَيْنِ..
هَذَا طَرِيق آخر فِي حَدِيث أبي بكرَة، وَقد ذكرنَا
الْكَلَام فِيهِ مستقصىً، ومطابقته للتَّرْجَمَة يُمكن أَن
تُؤْخَذ من قَوْله: (فَإِذا كَانَ ذَلِك) أَي: الْخَسْف
فِي الشَّمْس وَالْقَمَر، وَأَبُو معمر، بِفَتْح الميمين:
عبد الله بن الْمنْقري المقعد الْبَصْرِيّ، وَعبد
الْوَارِث ابْن سعيد. قَوْله: (وثاب إِلَيْهِ النَّاس)
بالثاء الْمُثَلَّثَة أَي: اجْتمع، وَحَدِيث أبي بكرَة
هَذَا بِطرقِهِ حجَّة للحنفية كَمَا ذكرنَا فِي أول
أَبْوَاب الْكُسُوف. |