عمدة القاري شرح
صحيح البخاري 91 - (كتابُ التَّهَجُّدِ)
1 - (بابُ التَّهَجُّدِ بِاللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ،
وَفِي رِوَايَة الْكشميهني من اللَّيْل وَهُوَ أوفق للفظ
الْقُرْآن، وَفِي بعض النّسخ: كتاب التَّهَجُّد
بِاللَّيْلِ.
وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ
بِهِ نافِلَةً لَكَ
وَقَوله: بِالْجَرِّ عطف على مَا قبله، دَاخل فِي
التَّرْجَمَة، وَزَاد أَبُو ذَر فِي رِوَايَة: أسهر بِهِ،
وَحَكَاهُ الطَّبَرِيّ كَذَلِك، وَفِي كتاب (الْمجَاز)
لأبي عُبَيْدَة {فتهجد بِهِ} (الْإِسْرَاء: 97) . أَي:
إسهر بِصَلَاة، يُقَال: تهجدت أَي سهرت، وهجدت أَي: نمت
وَفِي (الموعب) لِابْنِ التياني عَن صَاحب (الْعين) : هجد
الْقَوْم هجودا: نَامُوا، وتهجدوا أَي: استيقظوا للصَّلَاة
أَو لأمر، قَالَ تَعَالَى: {فتهجد بِهِ} (الْإِسْرَاء: 97)
. أَي: انتبه بعد النّوم، واقرأ الْقُرْآن، وَقَالَ قطرب:
التَّهَجُّد، الْقيام، وَقَالَ كرَاع: التَّهَجُّد صَلَاة
اللَّيْل خَاصَّة، وَعَن الْأَصْمَعِي: هجد يهجد هجودا:
نَام،
(7/164)
وَبَات متهجدا، أَي: ساهرا. وَفِي (مَعَاني
الْقُرْآن) للزجاج: هجدته إِذا نومته، وَفِي (الْمُحكم) :
هجد يهجد هجوا وأهجد نَام والهاجد والهجود الْمُصَلِّي
بِاللَّيْلِ، وَالْجمع: هجود وهجد، وَفِي (الْجَامِع) :
الهاجد النَّائِم وَقد يكون الساهر من الأضداد، فَأَما
التَّهَجُّد فَأكْثر مَا يكون يسْتَعْمل فِي السهر،
وَأكْثر النَّاس على أَن هجد: نَام. قَوْله: (نَافِلَة
لَك) (الْإِسْرَاء: 97) . النَّافِلَة الزِّيَادَة، وَذكر
ابْن بطال عَن الْبَعْض: إِنَّمَا خص سيدنَا رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لِأَنَّهَا كَانَت فَرِيضَة
عَلَيْهِ، وَلغيره تطوع، وَمِنْهُم من قَالَ: بِأَن صَلَاة
اللَّيْل كَانَت وَاجِبَة، ثمَّ نسخت فَصَارَت نَافِلَة،
أَي: تَطَوّعا. وَذكر فِي كَونهَا نَافِلَة أَن الله
تَعَالَى غفر لَهُ من ذنُوبه مَا تقدم وَمَا تَأَخّر، فَكل
طَاعَة يَأْتِي بهَا سوى الْمَكْتُوبَة تكون زِيَادَة فِي
كَثْرَة الثَّوَاب فَلهَذَا سمي نَافِلَة بِخِلَاف الْأمة
فَإِن لَهُم ذنوبا محتاجة إِلَى الْكَفَّارَات، فَثَبت أَن
هَذِه الطَّاعَات إِنَّمَا تكون زَوَائِد ونوافل فِي حق
سيدنَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَا فِي حق
غَيره، وَأما الَّذين قَالُوا: إِن صَلَاة اللَّيْل كَانَت
وَاجِبَة عَلَيْهِ قَالُوا: معنى كَونهَا نَافِلَة على
التَّخْصِيص أَي: أَنَّهَا فَرِيضَة لَك زَائِدَة على
الصَّلَوَات الْخمس، خصصت بهَا من بَين أمتك وَذكر بعض
السّلف أَنه يجب على الْأمة قيام اللَّيْل مَا يَقع
عَلَيْهِ الِاسْم، وَلَو قدر حلب شَاة، وَقَالَ
النَّوَوِيّ: وَهَذَا غلط ومردود، وَقيام اللَّيْل أَمر
مَنْدُوب إِلَيْهِ وَسنة متأكدة. قَالَ أَبُو هُرَيْرَة
فِي (صَحِيح مُسلم) : (أفضل الصَّلَاة بعد الْمَكْتُوبَة
صَلَاة اللَّيْل، فَإِن قسمت اللَّيْل نِصْفَيْنِ فالنصف
الآخر أفضل. وَإِن قسمته أَثلَاثًا. فالأوسط أفضلهَا) .
وَأفضل مِنْهُ صَلَاة السُّدس الرَّابِع وَالْخَامِس
لحَدِيث ابْن عَمْرو فِي صَلَاة دَاوُد صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَيكرهُ أَن يقوم كل اللَّيْل لقَوْله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم لعبد الله بن عمر، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا: (بَلغنِي أَنَّك تقوم اللَّيْل؟ قلت: نعم،
قَالَ: لكني أُصَلِّي وأنام، فَمن رغب عَن سنتي فَلَيْسَ
مني) . فَإِن قيل: مَا الْفرق بَينه وَبَين صَوْم الدَّهْر
غير أَيَّام النَّهْي فَإِنَّهُ لَا يكره عِنْد
الشَّافِعِيَّة؟ قيل لَهُ: صَلَاة كل اللَّيْل تضر
بِالْعينِ وَسَائِر الْبدن بِخِلَاف الصَّوْم فَإِنَّهُ
يَسْتَوْفِي فِي اللَّيْل مَا فَاتَهُ من أكل النَّهَار،
وَلَا يُمكنهُ نوم النَّهَار إِذا صلى اللَّيْل كُله لما
فِيهِ من تَفْوِيت مصَالح دُنْيَاهُ وَعِيَاله، وَأما بعض
اللَّيَالِي فَلَا يكره إحياؤها مثل الْعشْر الْأَوَاخِر
من رَمَضَان وليلتي الْعِيد.
0211 - حدَّثنا عَلِيُّ بنُ عَبْدِ الله قَالَ حدَّثنا
سُفْيَانُ قَالَ حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ أبِي مُسْلِمٍ
عنْ طَاوُوسٍ سَمِعَ ابنَ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُمَا قَالَ كانَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
إذَا قامَ مِنَ اللَّيْلِ يَتَهَجَّدُ قَالَ اللَّهُمَّ
لَكَ الحَمْدُ أنْتَ قَيِّمُ السَّماواتِ والأرْضِ وَمَنْ
فِيهِنَّ وَلَكَ الحَمْدُ لَكَ مُلْكُ السَّماواتِ
وَالأرْضِ وَمَنْ فِيهِنَّ وَلَكَ الحَمْدُ نُورُ
السَّماوات وَالأرضِ ولَكَ الحَمْدُ وَوَعْدُكَ الحَقُّ
وَلِقَاؤُكَ حَقٌّ وقولك حق وَالْجنَّة حق وَالنَّار حق
والنبيون حق ومحمَّدٌ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حَقٌّ
والسَّاعَةُ حَقٌّ اللَّهُمَّ لَكَ أسْلَمْتُ وَبِكَ
آمَنْتُ وَعَلَيْكَ تَوَكَّلْتُ وَإلَيْكَ أنَبْتُ وبِكَ
خاصَمْتُ وإلَيْكَ حاكَمْتُ فاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْتُ
وَمَا أخَّرْتُ وَمَا أسْرَرْتُ وَمَا أعْلَنْتُ أنْتَ
المُقَدِّمُ وَأنْتَ المُؤَخِّرُ لاَ إلَهَ إلاَّ أنْتَ
أوْ لاَ إلاهَ غَيْرَكَ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ من جملَة
التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: عَليّ بن عبد الله
الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. الثَّانِي: سُفْيَان بن
عُيَيْنَة. الثَّالِث: سُلَيْمَان بن أبي مُسلم الْمَكِّيّ
الْأَحول عبد الله خَال ابْن أبي نجيح، وَأَبُو مُسلم
يُقَال اسْمه: عبد الله. الرَّابِع: طَاوُوس بن كيسَان
الْيَمَانِيّ. الْخَامِس: عبد الله بن عَبَّاس.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع وَاحِد.
وَفِيه: السماع. وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع.،
وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي وسُفْيَان وَسليمَان مكيان
وطاووس يماني.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي الدَّعْوَات عَن عبد الله بن مُحَمَّد، وَفِي
التَّوْحِيد عَن ثَابت بن مُحَمَّد مرَّتَيْنِ وَعَن
قبيصَة بن عقبَة كِلَاهُمَا عَن سُفْيَان الثَّوْريّ وَعَن
مَحْمُود عَن عبد الرَّزَّاق، كِلَاهُمَا عَن ابْن جريج
عَنهُ بِهِ. وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن عَمْرو
النَّاقِد وَمُحَمّد بن عبد الله بن نمير وَابْن أبي عمر
ثَلَاثَتهمْ عَن ابْن عُيَيْنَة بِهِ وَعَن مُحَمَّد
(7/165)
ابْن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق بِهِ.
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة وَفِي (النعوت)
عَن مُحَمَّد بن مَنْصُور كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة
بِهِ، وَفِي (النعوت) أَيْضا عَن مَحْمُود بن غيلَان وَعبد
الْأَعْلَى بن وَاصل بن عبد الْأَعْلَى، كِلَاهُمَا عَن
يحيى بن آدم عَن الثَّوْريّ بِهِ. وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي
الصَّلَاة عَن هِشَام بن عمار وَأبي بكر بن خلاف فرقهما،
كِلَاهُمَا عَن ابْن عُيَيْنَة بِهِ.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (إِذا قَامَ من اللَّيْل يتهجد) ،
وَفِي رِوَايَة مَالك عَن أبي الزبير عَن طَاوُوس: (إِذا
قَامَ إِلَى الصَّلَاة من جَوف اللَّيْل يتهجد) ، وَظَاهر
الْكَلَام أَنه كَانَ يَدْعُو بِهَذَا الدُّعَاء أول مَا
يَقُول إِلَى الصَّلَاة، ويخلص الثَّنَاء على الله
تَعَالَى بِمَا هُوَ أَهله وَالْإِقْرَار بوعده ووعيده،
وَفِي رِوَايَة ابْن عَبَّاس حِين بَات عِنْد مَيْمُونَة
أَنه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لما اسْتَيْقَظَ تَلا
الْعشْر الْآيَات من آخر آل عمرَان، فَبلغ مَا شهده أَو
بلغه، وَقد يكون كُله فِي وَقت وَاحِد، وَسكت هُوَ عَنهُ
أَو نَسيَه النَّاقِل. قَوْله: (اللَّهُمَّ) أَصله: يَا
الله، قَوْله: (أَنْت قيم السَّمَوَات وَالْأَرْض) ، وَفِي
بعض النّسخ: (أللهم لَك الْحَمد قيم السَّمَوَات
وَالْأَرْض) ، بِدُونِ لَفْظَة: أَنْت، وَلكنه مُقَدّر فِي
صُورَة الْحَذف، لِأَن قيم السَّمَوَات وَالْأَرْض
مَرْفُوع على أَنه خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف، وَهُوَ: أَنْت،
وَفِي رِوَايَة أبي الزبير الْمَذْكُور: (أَنْت قيام
السَّمَوَات وَالْأَرْض) ، والقيم وَالْقِيَام والقيوم
بِمَعْنى وَاحِد، وَهُوَ الدَّائِم الْقيام بتدبير الْخلق
الْمُعْطِي لَهُ مَا بِهِ قوامه، أَو الْقَائِم بِنَفسِهِ
الْمُقِيم لغيره، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: وقرىء الْقيام
والقيم، وَقيل: قَرَأَ بهما عمر بن الْخطاب، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، وَقَالَ ابْن عَبَّاس: القيوم هُوَ
الَّذِي لَا يَزُول وَقيل هُوَ الْقَائِم على كل نفس،
وَمَعْنَاهُ مُدبر أمرهَا، وَقيل: قيام على الْمُبَالغَة
من قَامَ بالشَّيْء إِذا هيأ لَهُ جَمِيع مَا يحْتَاج
إِلَيْهِ، وَقيل: قيم السَّمَوَات وَالْأَرْض خالقهما
وممسكهما أَن تَزُولَا، وَقَرَأَ عَلْقَمَة {الْحَيّ
الْقيم} وَأَصله: قيوم، على وزن: فيعل، مثل: صيب أَصله:
صيوب، اجْتمعت الْوَاو وَالْيَاء وسبقت إِحْدَاهمَا
بِالسُّكُونِ، فقلبت الْوَاو يَاء وأدغمت الْيَاء فِي
الْيَاء، وَقَالَ ابْن الْأَنْبَارِي: أصل القيوم القيووم،
فَلَمَّا اجْتمعت الْيَاء وَالْوَاو، وَالسَّابِق سَاكن
جعلتا: يَاء، مُشَدّدَة وأصل: الْقيام القوام، قَالَ
الْفراء وَأهل الْحجاز: يصرفون الفعال إِلَى الفيعال،
يَقُولُونَ للصواغ: صياغ. قَالَه الْأَنْبَارِي فِي
(الْكتاب الزَّاهِر) ، وَقَالَ قَتَادَة: معنى الْقيم
الْقَائِم على خلقه بآجالهم وأعمالهم وأرزاقهم، وَقَالَ
الْكَلْبِيّ:) هُوَ الَّذِي لَا بديل لَهُ، وَقَالَ أَبُو
عُبَيْدَة: القيوم الْقَائِم على الْأَشْيَاء. قَوْله:
(أَنْت نور السَّمَوَات وَالْأَرْض) أَي: منورهما وقرىء
{الله نور السَّمَوَات وَالْأَرْض} (النُّور: 53) . على
صِيغَة الْمَاضِي من التَّنْوِير، وَقَالَ ابْن عَبَّاس:
هادىء أهلهما. وَقيل: منزه فِي السَّمَوَات وَالْأَرْض من
كل عيب ومبرأ من كل رِيبَة، وَقيل: هُوَ اسْم مدح، يُقَال:
فلَان نور الْبَلَد وشمس الزَّمَان. وَقَالَ أَبُو
الْعَالِيَة: مزين السَّمَوَات بالشمس وَالْقَمَر والنجوم،
ومزين الأَرْض بالأنبياء وَالْعُلَمَاء والأولياء. وَقَالَ
ابْن بطال: (أَنْت نور السَّمَوَات وَالْأَرْض وَمن
فِيهِنَّ) ، أَي: بنورك يَهْتَدِي من فِي السَّمَوَات
وَالْأَرْض. وَقيل: مَعْنَاهُ ذُو نور السَّمَوَات
وَالْأَرْض. قَوْله: (أَنْت ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض)
كَذَا فِي رِوَايَة الْأَكْثَرين وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني: (لَك ملك السَّمَوَات وَالْأَرْض) . قَوْله:
(أَنْت الْحق) ، مَعْنَاهُ: المتحقق وجوده، وكل شَيْء
صَحَّ وجوده وَتحقّق فَهُوَ حق، وَمِنْه قَوْله تَعَالَى:
{الحاقة} (الحاقة: 01) . أَي: الكائنة حَقًا بِغَيْر شكّ،
وَهَذَا الْوَصْف لله تَعَالَى بِالْحَقِيقَةِ والخصوصية
وَلَا يَنْبَغِي لغيره، وَقَالَ ابْن التِّين: يحْتَمل أَن
يكون مَعْنَاهُ: أَنْت الْحق بِالنِّسْبَةِ إِلَى من
يَدعِي فِيهِ أَنه إِلَه، أَو بِمَعْنى: أَن من سماك إل
هَا فقد قَالَ الْحق، وَإِنَّمَا عرف الْحق فِي
الْمَوْضِعَيْنِ، وهما: (أَنْت الْحق وَوَعدك الْحق) ،
ونكر فِي الْبَوَاقِي لِأَن الْمسَافَة بَين الْمُعَرّف
بِاللَّامِ الجنسية والنكرة قريبَة: بل صَرَّحُوا بِأَن
مؤداهما وَاحِد لَا فرق إلاَّ بِأَن فِي الْمعرفَة
إِشَارَة إِلَى أَن الْمَاهِيّة الَّتِي دخل عَلَيْهَا
اللَّام مَعْلُومَة للسامع، وَفِي النكرَة لَا إِشَارَة
إِلَيْهِ، وَقَالَ الطَّيِّبِيّ: عرفهما للحصر لِأَن الله
هُوَ الْحق الثَّابِت الْبَاقِي وَمَا سواهُ فِي معرض
الزَّوَال، وَكَذَا وعده مُخْتَصّ بالإنجاز دون وعد غَيره،
والتنكير فِي الْبَوَاقِي للتعظيم. قَوْله: (وَوَعدك
الْحق) الْوَعْد يُطلق وَيُرَاد بِهِ الْخَيْر وَالشَّر
كِلَاهُمَا، وَالْخَيْر أَو الشَّرّ خَاصَّة. قَالَ الله
تَعَالَى: {الشَّيْطَان يَعدكُم الْفقر} (الْبَقَرَة: 862)
. وَلَيْسَ فِي وعد الله خلف، فَلَا يخلف الميعاد
{وَيجْزِي الَّذين أساؤا بِمَا عمِلُوا} (النَّجْم: 13) .
إلاّ مَا تجَاوز عَنهُ: {وَيجْزِي الَّذين احسنوا
بِالْحُسْنَى} (النَّجْم: 13) . وَقيل فِي قَوْله: {إِن
الله وَعدكُم وعد الْحق} (ابراهيم: 22) . أَي: وعد
الْجنَّة من أطاعه ووعد النَّار من كفر بِهِ، وَيحْتَمل
أَن يُرِيد: أَن وعده حق بِمَعْنى إِثْبَات أَنه قد وعد
بالخق بِالْبَعْثِ والحشر وَالثَّوَاب وَالْعِقَاب إنكارا
لقَوْل من أنكر وعده بذلك، وَكذب الرُّسُل فِيمَا بلغوه من
وعده ووعيده. قَوْله: (ولقاؤك حق) اللِّقَاء الْبَعْث أَو
رُؤْيَة الله تَعَالَى، وَقيل: الْمَوْت، وَفِيه ضعف ورده
النَّوَوِيّ. قَوْله: (وقولك حق) أَي: صدق وَعدل. وَقَالَ
الْكرْمَانِي: فَإِن قلت: القَوْل يُوصف بِالصّدقِ
وَالْكذب، يُقَال: قَول صدق أَو كذب، وَلِهَذَا قيل:
الصدْق هُوَ بِالنّظرِ إِلَى القَوْل المطابق
(7/166)
للْوَاقِع، وَالْحق بِالنّظرِ إِلَى
الْوَاقِع المطابق لِلْقَوْلِ. قلت: قد يُقَال أَيْضا:
قَول ثَابت ثمَّ إنَّهُمَا متلازمان. قَوْله: (وَالْجنَّة
حق وَالنَّار حق) فِيهِ الْإِقْرَار بهما وبالأنبياء،
وَقَالَ ابْن التِّين: فِيهِ ثَلَاثَة أوجه: أَحدهَا: أَن
خَبره بذلك لَا يدْخلهُ كذب وَلَا تَغْيِير. ثَانِيهَا:
أَن خبر من أخبر عَنهُ بذلك وبلغه حق. ثَالِثهَا:
أَنَّهُمَا قد خلقتا. قَوْله: (والنبيون حق) ، بِأَنَّهُم
من عِنْد الله. قَوْله: (وَمُحَمّد حق) ، إِنَّمَا خص
مُحَمَّدًا من النَّبِيين، وَإِن كَانَ دَاخِلا فيهم،
وَعطفه عَلَيْهِم إِيذَانًا بالتغاير، وَأَنه فائق
عَلَيْهِم بأوصاف مُخْتَصَّة بِهِ، فَإِن تغير الْوَصْف
ينزل منزلَة تَغْيِير الذَّات، ثمَّ جرده عَن ذَاته
كَأَنَّهُ غَيره، فَوَجَبَ عَلَيْهِ الْإِيمَان بِهِ
وتصديقه، وَهَذَا مُبَالغَة فِي إِثْبَات نبوته، كَمَا فِي
التَّشَهُّد. قَوْله: (والساعة حق) أَي: يَوْم
الْقِيَامَة، وأصل السَّاعَة: الْقطعَة من الزَّمَان، ثمَّ
أطلق على يَوْم الْقِيَامَة فَصَارَ إسما لَهَا، وَتَأْتِي
الْوُجُوه الْمَذْكُورَة فِيهَا، وَوجه ذَلِك أَنه لما لم
يكن هُنَاكَ شمس وَلَا قمر وَلَا كواكب يقدر بهَا
الزَّمَان وَسميت بالساعة فَإِن قلت: مَا وَجه إِطْلَاق
إسم الْحق على مَا ذكر من الْأُمُور؟ وَمَا وَجه تكْرَار
لفظ الْحق؟ قلت: أما وَجه الْإِطْلَاق فللإيذان بِأَنَّهُ
لَا بُد من كَونهَا، وَأَنَّهَا مِمَّا يجب أَن يصدق بهَا،
وَأما وَجه التّكْرَار فللمبالغة فِي التَّأْكِيد،
والتكرير يَسْتَدْعِي التَّقْرِير. قَوْله: (أللهم لَك
أسلمت) أَي: انقدت وخضعت لأمرك ونهيك، واستسلمت لجَمِيع
مَا أمرت بِهِ ونهيت عَنهُ. قَوْله: (وَبِك آمَنت) أَي:
صدقت بك وَبِمَا أنزت من أَخْبَار وَأمر وَنهي، فَظَاهره
أَن الْإِيمَان لَيْسَ بِحَقِيقَة الْإِسْلَام وَإِنَّمَا
الْإِيمَان التَّصْدِيق. وَقَالَ القَاضِي أَبُو بكر:
الْإِيمَان الْمعرفَة بِاللَّه، وَالْأول أشهر فِي كَلَام
الْعَرَب. قَالَ الله تَعَالَى: {وَمَا أَنْت بِمُؤْمِن
لنا} (يُوسُف: 71) . أَي: بمصدق إلاّ أَن الْإِسْلَام إِذا
كَانَ بِمَعْنى الانقياد وَالطَّاعَة فقد ينقاد الْمُكَلف
بِالْإِيمَان فَيكون مُؤمنا مُسلما وَقد يكون مُصدقا فِي
بعض الْأَحْوَال دون بعض فَيكون مُسلما لامؤمنا وَقَالَ
الْخطابِيّ الْمُسلم قد يكون مُؤمنا فِي بعض الْأَحْوَال
دون بعض، وَالْمُؤمن مُسلم فِي جَمِيع الْأَحْوَال، فَكل
مُؤمن مُسلم، وَلَيْسَ كل مُسلم مُؤمنا. قلت: الْبَحْث
فِيهِ دَقِيق وَقد اسْتَوْفَيْنَاهُ فِي كتاب الْإِيمَان.
قَوْله: (وَعَلَيْك توكلت) أَي: فوضت الْأَمر إِلَيْك
قَاطعا للنَّظَر عَن الْأَسْبَاب العادية، وَيُقَال: أَي:
تبرأت من الْحول وَالْقُوَّة وصرفت أَمْرِي إِلَيْك،
وأيقنت أَنه لن يُصِيبنِي إلاّ مَا كتب لي وَعلي، ففوضت
أَمْرِي إِلَيْك، ونِعْمَ الْمُفَوض إِلَيْهِ. قَالَ
الْفراء: الْوَكِيل الْكَافِي. قَوْله: (وَإِلَيْك أنبت)
أَي: رجعت إِلَيْك فِي تَدْبِير أَمْرِي، والإنابة
الرُّجُوع أَي: رجعت إِلَيْك مُقبلا بِالْقَلْبِ عَلَيْك،
وَمَعْنَاهُ: رجعت إِلَى عبادتك. قَوْله: (وَبِك خَاصَمت)
أَي: وَبِمَا أَعْطَيْتنِي من الْبُرْهَان والسنان خَاصَمت
المعاند وقمعته بِالْحجَّةِ وَالسيف. قَوْله: (وَإِلَيْك
حاكمت) أَي: كل من جحد الْحق حاكمته إِلَيْك وجعلتك
الْحَاكِم بيني وَبَينه، لَا غَيْرك مِمَّا كَانَت تحاكم
إِلَيْهِ الْجَاهِلِيَّة من صنم وكاهن ونار وَنَحْو ذَلِك،
والمحاكمة: رفع الْقَضِيَّة إِلَى الْحَاكِم. وَقيل:
ظَاهره أَن لَا يحاكمهم إلاّ الله وَلَا يرضى إِلَّا
بِحكمِهِ. قَالَ الله تَعَالَى: {رَبنَا افْتَحْ بَيْننَا
وَبَين قَومنَا بِالْحَقِّ وَأَنت خير الفاتحين}
(الْأَعْرَاف: 98) . وَقَالَ: {أفغير الله ابْتغى حكما}
(الأنعما: 411) . ثمَّ من قَوْله: (لَك أسلمت) إِلَى
قَوْله: (وَإِلَيْك حاكمت) قدم صَلَاة الْأَفْعَال
الْمَذْكُورَة فِيهِ للإشعار بالتخصيص وإفادة الْحصْر،
وَكَذَلِكَ فِي قَوْله: (وَلَك الْحَمد) فِي أَرْبَعَة
مَوَاضِع فَافْهَم. قَوْله: (فَاغْفِر لي مَا قدمت وَمَا
أخرت) إِنَّمَا قَالَ ذَلِك، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
مَعَ أَنه مغْفُور لَهُ لوَجْهَيْنِ: أَحدهمَا: للتواضع
وهضم النَّفس والإجلال لله تَعَالَى والتعظيم لَهُ عز
وَجل. الثَّانِي: للتعليم لأمته ليقتدوا بِهِ فِي أصل
الدُّعَاء والخضوع وَحسن التضرع وَالرَّغْبَة والرهبة،
وَالْمَغْفِرَة: تَغْطِيَة الذَّنب وكل مَا غطى فقد غفر
وَمِنْه: المغفر. قَوْله: (وَمَا قدمت) أَي: قبل هَذَا
الْوَقْت (وَمَا أخرت) ، عَنهُ أَمر الْأَنْبِيَاء،
عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، بالإشفاق وَالدُّعَاء
إِلَى الله تَعَالَى وَالرَّغْبَة إِلَيْهِ أَن يغْفر مَا
يكون من غَفلَة تعتري الْبشر، وَمَا قدم: مَا مضى، وَمَا
أخر: مَا يسْتَقْبل، وَذَلِكَ مثل قَوْله تَعَالَى: {ليغفر
لَك الله مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر} (الْفَتْح: 2)
. وَقَالَ أهل التَّفْسِير: الغفران فِي حَقه يتَنَاوَل من
أَفعاله الْمَاضِي والمستقبل. قَوْله: (وَمَا أسررت) أَي:
وَمَا أخفيت. (وَمَا أعلنت) أَي: وَمَا أظهرت أَو
الْمَعْنى: مَا حدثت بِهِ نَفسِي وَمَا تحرّك بِهِ لساني،
وَفِي (التَّوْحِيد) زَاد من طَرِيق ابْن جريج عَن سلمَان:
(وَمَا أَنْت أعلم بِهِ مني) ، وَهُوَ من عطف الْعَام بعد
الْخَاص. قَوْله: (أَنْت الْمُقدم وَأَنت الْمُؤخر) قَالَ
ابْن التِّين: أَنْت الأول وَأَنت الآخر. وَقَالَ ابْن
بطال يَعْنِي: أَنه قدم فِي البعص إِلَى النَّاس على غَيره
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقوله: (نَحن الْآخرُونَ
السَّابِقُونَ) ، ثمَّ قدمه عَلَيْهِم يَوْم الْقِيَامَة
بالشفاعة بِمَا فَضله بِهِ على سَائِر الْأَنْبِيَاء،
عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام، فَسبق بذلك الرُّسُل.
وَقَالَ الْكرْمَانِي: هَذَا الحَدِيث من جَوَامِع
الْكَلم، إِذْ لفظ: الْقيم إِشَارَة إِلَى أَن وجود
الْجَوْهَر وقوامه مِنْهُ والنور إِلَى أَن الْإِعْرَاض
مِنْهُ، وَالْملك لما أَنه
(7/167)
حَاكم فِيهَا إيجادا وإعداما يفعل مَا
يَشَاء، وكل هَذِه نعم من الله تَعَالَى على عباده،
فَلهَذَا قرن كلا مِنْهَا بِالْحَمْد. وَخص الْحَمد بِهِ،
ثمَّ قَوْله: (أَنْت الْحق) إِشَارَة إِلَى المبدأ
وَالْقَوْل، وَنَحْوه إِلَى المعاش والساعة إِلَى
الْمعَاد.
وَفِيه: إِشَارَة إِلَى النُّبُوَّة وَإِلَى الْجَزَاء
ثَوابًا وعقابا. وَفِيه: وجوب الْإِيمَان وَالْإِسْلَام
والتوكل والإنابة والتضرع إِلَى الله تَعَالَى
وَالِاسْتِغْفَار وَغَيره انْتهى. وَيُقَال: وَفِيه:
زِيَادَة معرفَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعظمة
ربه وَعظم قدرته ومواظبته على الذّكر وَالدُّعَاء
وَالثنَاء على ربه، وَالِاعْتِرَاف لله بحقوقه
وَالْإِقْرَار بِصدق وعده ووعيده. وَفِيه: اسْتِحْبَاب
تَقْدِيم الثَّنَاء على الْمَسْأَلَة عِنْد كل مَطْلُوب
اقْتِدَاء بِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَالَ سُفْيَانُ وزَادَ عَبْدُ الكَرِيمِ أبُو أمَيَّةَ
وَلاَ حَوْلَ ولاَ قُوَّةَ إلاَّ بِاللَّه. قَالَ
سُفْيَانُ قَالَ سُلَيْمَانُ بنُ أبي مُسْلِمٍ سَمِعَهُ
طَاوُوسُ عنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا
عنِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
سُفْيَان هُوَ ابْن عُيَيْنَة الْمَذْكُور فِي سَنَد
الحَدِيث، وَقيل: هَذَا مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول،
وَوضع الْمزي على هَذَا عَلامَة التَّعْلِيق، وَأَبُو
أُميَّة كنية عبد الْكَرِيم بن أبي الْمخَارِق
الْبَصْرِيّ، وَأَبُو الْمخَارِق اسْمه: قيس، وَقَالَ
الْحَافِظ الْمُنْذِرِيّ: قد اسْتشْهد البُخَارِيّ بِابْن
أبي الْمخَارِق هَذَا فِي: بَاب التَّهَجُّد بِاللَّيْلِ،
فَقَالَ: وَقَالَ سُفْيَان يَعْنِي ابْن عُيَيْنَة، وَزَاد
عبد الْكَرِيم أَبُو أُميَّة: (وَلَا حول وَلَا قُوَّة
إِلَّا بِاللَّه) . وَقَالَ الْمَقْدِسِي فِي كتاب (رجال
الصَّحِيحَيْنِ) : فِيمَن اسْمه عبد الْكَرِيم بن أبي
الْمخَارِق: سمع مُجَاهدًا فِي الْحَج، روى عَن سُفْيَان
بن عُيَيْنَة، وَهُوَ حَدِيث وَاحِد عِنْدهمَا عَن
مُجَاهِد عَن ابْن أبي ليلِي (عَن عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: أَمرنِي رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَن أقوم على بُدنه وَأَن أقسم جلودها
وجلالها، وَأَمرَنِي أَن لَا أعطي الجازر مِنْهَا،
وَقَالَ: نَحن نُعْطِيه من عندنَا) . فَهَذَا كَمَا
رَأَيْت كَلَام الْمُنْذِرِيّ يُقَوي مَا مَال إِلَيْهِ
الْمزي من أَنه مُعَلّق، وَأَن عبد الْكَرِيم اسْتشْهد
بِهِ البُخَارِيّ، وَكَلَام الْمَقْدِسِي يُصَرح بِأَنَّهُ
من رجال البُخَارِيّ، وَبِهَذَا يرد مَا قَالَه بَعضهم:
وَلَيْسَ لعبد الْكَرِيم هَذَا فِي (صَحِيح البُخَارِيّ)
إلاَّ هَذَا الْموضع، وَلم يقْصد البُخَارِيّ التَّخْرِيج
لَهُ، فلأجل ذَلِك لَا يعدونه من رِجَاله، وَإِنَّمَا
وَقعت عَنهُ زِيَادَة فِي الْخَبَر غير مَقْصُودَة بذاتها.
قلت: بَين كَلَامه هَذَا وَبَين قَوْله فِيمَا مضى: هَذَا
مَوْصُول بِالْإِسْنَادِ الأول، تنَاقض لَا يخفى. قَوْله:
(قَالَ سُفْيَان) هُوَ ابْن عُيَيْنَة أَيْضا. قَالَ
سُلَيْمَان بن أبي مُسلم ... إِلَى آخِره، وَأَرَادَ
سُفْيَان بذلك بَيَان سَماع سُلَيْمَان لَهُ من طَاوُوس
لِأَنَّهُ أَولا أوردهُ بالعنعنة، وَصرح بذلك أَيْضا
الْحميدِي فِي (مُسْنده) : عَن سُفْيَان قَالَ: حَدثنَا
سُلَيْمَان الْأَحول خَال ابْن أبي نجيح: سَمِعت طاووسا. .
فَذكر الحَدِيث، وَقَالَ فِي آخِره: قَالَ سُفْيَان،
وَزَاد فِي رخره عبد الْكَرِيم: (وَلَا حول وَلَا قُوَّة
إلاّ بك) ، فِيهِ لم يقلها سُلَيْمَان، وَفِي
(التَّلْوِيح) : وَفِي نُسْخَة سمعته من طَاوُوس وَعلي بن
خشرم، وَلم يذكرهُ أحد من رجال البُخَارِيّ، رَحمَه الله،
وَإِنَّمَا ذكر فِي رجال مُسلم، وَالله تَعَالَى أعلم.
2 - (بابُ فَضْلِ قِيَامِ الليْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان قيام اللَّيْل، وَهُوَ
الصَّلَاة فِي اللَّيْل.
1211 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حدَّثنا
هِشَامٌ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ (ح) وحدَّثني مَحْمُودٌ
قَالَ حدَّثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ
عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ سالِمٍ عنْ أبِيهِ رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ قَالَ كانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ النبيِّ
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إذَا رَأي رُؤْيا قَصَّهَا عَلَى
رَسُولِ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَتَمَنَّيْتُ أنْ
أرَى رُؤْيَا فأقُصُّهَا عَلَى رَسُولِ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم وكُنْتُ غُلاما شابّا وَكُنْتُ أنامُ فِي
المَسْجِدِ عَلَى عَهْدِ رسولِ الله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم فَرَأيْتُ فِي النَّوْمِ كَأنَّ مَلَكَيْنِ
أخَذَانِي فذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ فإذَا هِيَ
مطْوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئْرِ وِإذَا لَهَا قَرْنَانِ
وَإذَا فِيهَا أُنَاسٌ قَدْ عَرَفتُهُمْ فَجَعَلْتُ أقُولُ
أعُوذُ بِالله مِنَ النَّارِ. قَالَ فَلَقِينَا مَلَكٌ
آخَرُ فقالَ لِي لَمْ تُرَعْ.
. فقصصتها على حَفْصَة فقصتها حَفْصَة على رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ نعم الرجل
عبد الله
(7/168)
لَو كَانَ يُصَلِّي من اللَّيْل فَكَانَ
بعد لَا ينَام من اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا) مطابقته
للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " نعم الرجل عبد الله لَو كَانَ
يُصَلِّي من اللَّيْل " وَذَلِكَ أَن الرجل إِذا كَانَ
يُصَلِّي بِاللَّيْلِ يسْتَحق أَن يُوصف بنعم الرجل هَذَا
واستحقاقه لذَلِك بِسَبَب مُبَاشَرَته صَلَاة اللَّيْل
وَلَو لم يكن لصَلَاة اللَّيْل فضل لما اسْتحق فاعلها
الثَّنَاء الْجَمِيل وَفِي رِوَايَة نَافِع عَن ابْن عمر
فِي التَّعْبِير " أَن عبد الله رجل صَالح لَو كَانَ
يُصَلِّي من اللَّيْل " وَهَذَا أصرح فِي الْمَدْح وَأبين
فِي الْمَقْصُود (ذكر رِجَاله) وهم ثَمَانِيَة. الأول عبد
الله بن مُحَمَّد الْجعْفِيّ المسندي. الثَّانِي هِشَام بن
يُوسُف الصَّنْعَانِيّ. الثَّالِث معمر بِفَتْح الميمين
ابْن رَاشد. الرَّابِع مَحْمُود بن غيلَان بِفَتْح
الْغَيْن الْمُعْجَمَة الْمروزِي. الْخَامِس عبد
الرَّزَّاق بن همام. السَّادِس مُحَمَّد بن مُسلم
الزُّهْرِيّ السَّابِع سَالم بن عبد الله. الثَّامِن
أَبوهُ عبد الله بن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهُم (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة
الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وبصيغة الْإِفْرَاد فِي
مَوضِع وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين
وَفِيه العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه القَوْل فِي
ثَلَاثَة مَوَاضِع وَجعل خلف هَذَا الحَدِيث فِي مُسْند
ابْن عمر وَجعل بعضه فِي مُسْند حَفْصَة وَأوردهُ ابْن
عَسَاكِر فِي مُسْند ابْن عمر والْحميدِي فِي مُسْند
حَفْصَة وَذكر فِي رِوَايَة نَافِع عَن ابْن عمر
أَنَّهُمَا من مُسْند ابْن عمر وَقَالَ إِذْ لَا ذكر
فِيهَا لحفصة فحاصله أَنهم جعلُوا رِوَايَة سَالم من
مُسْند حَفْصَة وَرِوَايَة نَافِع من مُسْند ابْن عمر (ذكر
تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا
فِي بَاب نوم الرِّجَال فِي الْمَسْجِد فِيمَا مضى وَأخرجه
فِيمَا يَأْتِي فِي بَاب فضل من تعار من اللَّيْل فِي
مَنَاقِب ابْن عمر وَأخرجه مُسلم فِي فَضَائِل عبد الله بن
عمر حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم وَعبد الله بن حميد
وَاللَّفْظ لعبد قَالَا أخبرنَا عبد الرَّزَّاق " حَدثنَا
معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن سَالم عَن ابْن عمر قَالَ كَانَ
الرجل فِي حَيَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - إِذا رأى رُؤْيا قصها على رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فتمنيت أَن أرى
رُؤْيا أقصها على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - قَالَ وَكنت غُلَاما شَابًّا عزبا وَكنت
أَنَام فِي الْمَسْجِد على عهد رَسُول الله - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَرَأَيْت فِي النّوم كَأَن
ملكَيْنِ أخذاني فذهبا بِي إِلَى النَّار " الحَدِيث (ذكر
مَعْنَاهُ) قَوْله " كَانَ الرجل " الْألف وَاللَّام فِيهِ
لَا تصلح أَن تكون للْعهد على مَا لَا يخفى بل هِيَ
للْجِنْس قَوْله " رُؤْيا " على وزن فعلى بِالضَّمِّ بِلَا
تَنْوِين وَهُوَ يخْتَص بالمنام كَمَا أَن الرَّأْي يخْتَص
بِالْقَلْبِ والرؤية تخْتَص بِالْعينِ قَوْله " قصها " من
قصصت الرُّؤْيَا على فلَان إِذا أخْبرته بهَا وأقصها قصا
والقص الْبَيَان قَوْله " فتمنيت أَن أرى " وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني " إِنِّي أرى " وَزَاد فِي التَّعْبِير من وَجه
آخر " فَقلت فِي نَفسِي لَو كَانَ فِيك خير لرأيت مثل مَا
يرى هَؤُلَاءِ " وَيُؤْخَذ مِنْهُ أَن الرُّؤْيَا
الصَّالِحَة تدل على خير رائيها قَوْله " فَإِذا هِيَ
مطوية " كلمة إِذا للمفاجأة وَمعنى مطوية مَبْنِيَّة
الجوانب فَإِن لم تبن فَهِيَ القليب قَوْله " فَإِذا لَهَا
قرنان " أَي جانبان وقرنا الرَّأْس جانباه وَيُقَال
القرنان منارتان عَن جَانِبي الْبِئْر تجْعَل عَلَيْهِمَا
الْخَشَبَة الَّتِي تعلق عَلَيْهَا البكرة قَالَ
الْكرْمَانِي أَو ضفيرتان وَفِي بَعْضهَا قرنين (فَإِن
قلت) فَمَا وَجهه إِذْ هُوَ مُشكل (قلت) إِمَّا أَن يُقَال
تَقْدِيره فَإِذا لَهَا مثل قرنين فَحذف الْمُضَاف وَترك
الْمُضَاف إِلَيْهِ على إعرابه وَهُوَ كَقِرَاءَة {وَالله
يُرِيد الْآخِرَة} بجر الْآخِرَة أَي عرض الْآخِرَة
وَإِمَّا أَن يُقَال إِذا المفاجأة تَتَضَمَّن معنى
الوجدان فَكَأَنَّهُ قَالَ فَإِذا وجدت لَهَا قرنين كَمَا
يَقُول الْكُوفِيُّونَ فِي قَوْلهم كنت أَظن الْعَقْرَب
أَشد لسعا من الزنبور فَإِذا هُوَ إِيَّاهَا أَن مَعْنَاهُ
فَإِذا وجدته هُوَ إِيَّاهَا قَوْله " لم ترع " بِضَم
التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفتح الرَّاء وَسُكُون
الْعين الْمُهْملَة مَعْنَاهُ لم تخف قَالَ الْجَوْهَرِي
يُقَال لَا ترع مَعْنَاهُ لَا تخف وَلَا يلحقك خوف وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني " لن تراع " وَزَاد فِيهِ " إِنَّك
رجل صَالح " وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ إِنَّمَا فسر الشَّارِع
من رُؤْيا عبد الله بِمَا هُوَ ممدوح لِأَنَّهُ عرض على
النَّار ثمَّ عوفي مِنْهَا وَقيل لَهُ لَا روع عَلَيْك
وَذَلِكَ لصلاحه غير أَنه لم يكن يقوم من اللَّيْل فَحصل
لعبد الله من ذَلِك تَنْبِيه على أَن قيام اللَّيْل مِمَّا
يَتَّقِي بِهِ النَّار والدنو
(7/169)
مِنْهَا فَلذَلِك لم يتْرك قيام اللَّيْل
بعد ذَلِك وَقَالَ الْمُهلب السِّرّ فِي ذَلِك كَون عبد
الله كَانَ ينَام فِي الْمَسْجِد وَمن حق الْمَسْجِد أَن
يتعبد فِيهِ فنبه على ذَلِك بالتخويف بالنَّار قَوْله "
لَو كَانَ يُصَلِّي " كلمة لَو لِلتَّمَنِّي لَا للشّرط
وَلذَلِك لم يذكر لَهَا جَوَاب. (ذكر مَا يُسْتَفَاد
مِنْهُ) فِيهِ قصّ الرُّؤْيَا على النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِأَنَّهَا من الْوَحْي
وَهِي جُزْء من سِتَّة وَأَرْبَعين جُزْء من النُّبُوَّة
كَمَا نطق بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
وَفِيه تمني الرُّؤْيَا الصَّالِحَة ليعرف صَاحبهَا مَا
لَهُ عِنْد الله وتمني الْخَيْر وَالْعلم والحرص عَلَيْهِ.
وَفِيه جَوَاز النّوم فِي الْمَسْجِد وَلَا كَرَاهَة فِيهِ
عِنْد الشَّافِعِي وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وَقد رخص قوم من
أهل الْعلم فِيهِ وَقَالَ ابْن عَبَّاس لَا تتخذه مَيتا
وَلَا مقيلا وَذهب إِلَيْهِ قوم من أهل الْعلم وَقَالَ
ابْن الْعَرَبِيّ وَذَلِكَ لمن كَانَ لَهُ مأوى فَأَما
الْغَرِيب فَهُوَ دَاره والمعتكف فَهُوَ بَيته وَيجوز
للْمَرِيض أَن يَجعله الإِمَام فِي الْمَسْجِد إِذا
أَرَادَ افتقاده كَمَا كَانَت الْمَرْأَة صَاحِبَة الوشاح
سَاكِنة فِي الْمَسْجِد وكما ضرب الشَّارِع قبَّة لسعد
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فِي الْمَسْجِد حِين سَالَ
الدَّم من جرحه وَمَالك وَابْن الْقَاسِم يكرهان الْمبيت
فِيهِ للحاضر الْقوي وَجوزهُ ابْن الْقَاسِم للضعيف
الْحَاضِر. وَفِيه رُؤْيَة الْمَلَائِكَة فِي الْمَنَام
وتحذيرهم للرائي لقَوْله " فَرَأَيْت ملكَيْنِ أخذاني ".
وَفِيه الانطلاق بالصالح إِلَيْهَا فِي الْمَنَام تخويفا.
وَفِيه السّتْر على مُسلم وَترك غيبته وَذَلِكَ قَوْله "
وَإِذا فِيهَا أنَاس قد عرفتهم " إِنَّمَا أخبر بهم على
الْإِجْمَال ليزدجروا وَسكت عَن بيانهم لِئَلَّا يغتابهم
إِن كَانُوا مُسلمين وَلَيْسَ ذَلِك مِمَّا يخْتم
عَلَيْهِم بالنَّار وَإِمَّا أَن يكون ذَلِك تحذيرا كَمَا
حذر ابْن عمر رَضِي الله عَنْهُمَا وَفِيه القص على
الْمَرْأَة وَفِيه تَبْلِيغ حَفْصَة وَفِيه قبُول خبر
الْمَرْأَة. وَفِيه استحياء ابْن عمر عَن قصه على النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِنَفسِهِ. وَفِيه
فَضِيلَة قيام اللَّيْل وَعَلِيهِ بوب البُخَارِيّ هَذَا
الْبَاب. وَفِيه أَن قيام اللَّيْل منج من النَّار. وَفِيه
فضل عبَادَة الشَّاب. وَفِيه مدح لِابْنِ عمر. وَفِيه
تَنْبِيه على صَلَاحه. وَفِيه كَرَاهَة كَثْرَة النّوم
بِاللَّيْلِ وروى سعيد عَن يُوسُف بن مُحَمَّد بن
الْمُنْكَدر عَن أَبِيه عَن جَابر مَرْفُوعا " قَالَت أم
سُلَيْمَان لِسُلَيْمَان يَا بني لَا تكْثر النّوم
بِاللَّيْلِ فَإِن كَثْرَة النّوم بِاللَّيْلِ تدع الرجل
فَقِيرا يَوْم الْقِيَامَة " وَالله أعلم بِحَقِيقَة
الْحَال -
3 - (بابُ طُولِ السجُودِ فِي قِيامِ اللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان فضل طول السُّجُود فِي صَلَاة
اللَّيْل.
3211 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي عُرْوَةُ أنَّ عائِشَةَ
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أخبَرَتْهُ أنَّ رسولَ الله
كانَ يُصَلِّي إحْدَى عَشْرَةَ ركْعَةً كانَتْ تِلْكَ
صَلاَتَهُ يَسْجُدُ السَّجْدَةَ مِنْ ذالِكَ قَدْرَ مَا
يَقْرَأُ أحَدُكُمْ خَمْسِينَ آيَةً قَبْلَ أنْ يَرْفَعَ
رَأْسَهُ وَيَرْكَعُ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلاَةِ الفَجْرِ
ثُمَّ يَضْطَجِعُ عَلَى شِقِّهِ الأيْمَنِ حتَّى
يَأْتِيِهِ المُنَادِي لِلصَّلاَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (يسْجد السَّجْدَة من
ذَلِك قدر مَا يقْرَأ أحدكُم خمسين آيَة قبل أَن يرفع
رَأسه) ، فَإِن هَذَا الْمِقْدَار من الْقِرَاءَة فِي
السَّجْدَة يدل على طول السَّجْدَة، والْحَدِيث أخرجه فِي:
بَاب مَا جَاءَ فِي الْوتر، بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد عَن
أبي الْيَمَان الحكم بن نَافِع عَن شُعَيْب بن أبي حَمْزَة
عَن مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ إِلَى آخِره، نَحوه،
غير أَن لَفظه هُنَاكَ: (حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُؤَذّن) ،
وَقد مر الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى. قَوْله: (تِلْكَ) أَي:
أحد عشرَة، والتعريف فِي السَّجْدَة للْجِنْس، فَيحْتَمل
تنَاوله لكل سَجدَات تِلْكَ الصَّلَاة، وَالتَّاء الَّتِي
فِيهَا لَا تنافيها. قَوْله: (قدر) ، مَنْصُوب بِنَزْع
الْخَافِض أَي: بِقدر. قَوْله: (للصَّلَاة) أَي: لصَلَاة
الصُّبْح. وَقَالَ ابْن بطال: مَا طول سُجُوده صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي قيام اللَّيْل، فَذَلِك لاجتهاده فِيهِ
بِالدُّعَاءِ والتضرع إِلَى الله تَعَالَى، فَإِن ذَلِك
أبلغ أَحْوَال التَّوَاضُع والتذلل إِلَيْهِ، وَكَانَ
ذَلِك شكرا على مَا أنعم الله بِهِ عَلَيْهِ، وَقد كَانَ
غفر لَهُ مَا تقدم من ذَنبه وَمَا تَأَخّر فِيهِ الأسوة
الْحَسَنَة، وَكَانَ السّلف يَفْعَلُونَ ذَلِك، وَقَالَ
يحيى بن وثاب: كَانَ ابْن الزبير، رَحمَه الله تَعَالَى،
يسْجد حَتَّى تنزل العصافير على ظَهره كَأَنَّهُ حَائِط.
(7/170)
4 - (بابُ تَرْكِ القِيَامِ لِلْمَرِيضِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان ترك قيام اللَّيْل للْمَرِيض.
4211 - حدَّثنا أبُو نُعَيْمٍ قَالَ حدَّثنا سُفْيَانُ عنِ
الأسْوَدِ قَالَ سَمِعْتُ جُنْدبا يَقُولُ اشْتَكَى
النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَلَمْ يَقُمْ لَيْلَةً
أوْ لَيْلَتَيْنِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة.
ذكر رِجَاله: وهم أَرْبَعَة: الأول: الْفضل بن دُكَيْن.
الثَّانِي: سُفْيَان الثَّوْريّ، وَكَذَلِكَ فِي إِسْنَاد
الحَدِيث الْآتِي، سُفْيَان هُوَ الثَّوْريّ، نَص عَلَيْهِ
الْمزي فِي (الْأَطْرَاف) وَصرح فِي رِوَايَة
التِّرْمِذِيّ: سُفْيَان بن عُيَيْنَة. الثَّالِث: الْأسود
بن قيس. الرَّابِع: جُنْدُب، بِضَم الْجِيم وَسُكُون
النُّون وَفتح الدَّال وَضمّهَا وبالباء الْمُوَحدَة: ابْن
عبد الله، وَقد تقدم فِي: بَاب النَّحْر فِي الْمصلى، فِي
كتاب الْعِيد، وَوَقع فِي رِوَايَة البُخَارِيّ فِي كتاب
التَّفْسِير فِي {وَالضُّحَى} جُنْدُب بن أبي سُفْيَان
وَهُوَ جُنْدُب بن عبد الله بن أبي سُفْيَان إِلَّا أَنه
تَارَة ينْسب إِلَى أَبِيه وَتارَة إِلَى جده، وَلَا يظنّ
أَن جُنْدُب ابْن أبي سُفْيَان غير جُنْدُب ابْن عبد الله
فَافْهَم.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين، وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع. وَفِيه: السماع.
وَفِيه: القَوْل فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: أَن
رِجَاله كوفيون. والْحَدِيث من الرباعيات.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا فِي قيام اللَّيْل عَن مُحَمَّد بن كثير وَفِي
فَضَائِل الْقُرْآن عَن أبي نعيم أَيْضا وَفِي التَّفْسِير
عَن أَحْمد بن يُونُس وَعَن بنْدَار عَن غنْدر، وَأخرجه
مُسلم فِي الْمَغَازِي عَن إِسْحَاق عَن سُفْيَان بن
عُيَيْنَة وَعَن إِسْحَاق وَمُحَمّد بن رَافع وَعَن أبي
بكر وَأبي مُوسَى وَبُنْدَار، ثَلَاثَتهمْ عَن غنْدر وَعَن
إِسْحَاق عَن الْملَائي. وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي
التَّفْسِير عَن ابْن أبي عمر عَن سُفْيَان ابْن عُيَيْنَة
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن إِسْمَاعِيل بن مَسْعُود.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (اشْتَكَى النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم) ، أَي: مرض، وَكَذَلِكَ: تشكى، قَالَ
الْجَوْهَرِي: اشْتَكَى عضوا من أَعْضَائِهِ وتشكى
بِمَعْنى، وَأَصله من الشكو، قَالَ ابْن الْأَثِير: الشكو
والشكوى والشكاة والشكاية: الْمَرَض. وَفِي (الصِّحَاح) :
شَكَوْت فلَانا أشكوه شكوى وشكاية وشكية وشكاة إِذا أخْبرت
عَنهُ بِسوء فعله بك، فَهُوَ مشكو ومشكي، والإسم: الشكوى.
قَوْله: (فَلم يقم) ، من الْقيام، وانتصاب لَيْلَة على
الظَّرْفِيَّة، وَهَكَذَا وَقع مُخْتَصرا هَهُنَا، وَقد
سَاقه فِي فَضَائِل الْقُرْآن تَاما من شَيْخه أبي نعيم
أَيْضا، قَالَ: حَدثنَا أَبُو نعيم حَدثنَا سُفْيَان (عَن
الْأسود بن قيس، قَالَ: سَمِعت جندبا يَقُول: اشْتَكَى
النَّبِي، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يقم لَيْلَة أَو
لَيْلَتَيْنِ، فَأَتَتْهُ امْرَأَة، فَقَالَت: يَا
مُحَمَّد مَا أرى شَيْطَانك إلاّ قد تَركك؟ فَأنْزل الله،
عز وَجل: {وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك
وَمَا قلى} (وَالضُّحَى: 1 3) . وَرَوَاهُ أَيْضا فِي كتاب
التَّفْسِير فِي {وَالضُّحَى} : حَدثنَا أَحْمد بن يُونُس
حَدثنَا زُهَيْر حَدثنَا الْأسود بن قيس قَالَ: سَمِعت
جُنْدُب بن سُفْيَان (قَالَ: اشْتَكَى رَسُول الله، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فَلم يقم لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا،
فَجَاءَت امْرَأَة فَقَالَت: يَا مُحَمَّد إِنِّي لأرجو
أَن يكون شَيْطَانك قد تَركك؟ لم أره قربك مُنْذُ
لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا؟ فَأنْزل الله عز وَجل:
{وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك وَمَا
قلى} (وَالضُّحَى: 3) . وَرَوَاهُ أَيْضا فِي {وَالضُّحَى}
: حَدثنَا مُحَمَّد بن بشار حَدثنَا مُحَمَّد بن جَعْفَر
حَدثنَا غنْدر حَدثنَا شُعْبَة (عَن الْأسود بن قيس قَالَ:
سَمِعت جندبا البَجلِيّ. . قَالَت امْرَأَة: يَا رَسُول
الله مَا أرى صَاحبك إلاّ أَبْطَأَ عَنْك؟ فَنزلت: {مَا
وَدعك رَبك وَمَا قلى} (وَالضُّحَى: 3) . وَرَوَاهُ أَيْضا
عَن مُحَمَّد بن كثير، وَيَأْتِي عَن قريب فِي هَذَا
الْبَاب، وروى مُسلم: حَدثنَا إِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم
أخبرنَا سُفْيَان (عَن الْأسود بن قيس أَنه سمع جندبا
يَقُول: أَبْطَأَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
فَقَالَ الْمُشْركُونَ: قد ودع مُحَمَّد، فَأنْزل الله
تَعَالَى: {وَالضُّحَى وَاللَّيْل إِذا سجى مَا وَدعك رَبك
وَمَا قلى} (وَالضُّحَى: 1 3) . وروى مُسلم أَيْضا من
رِوَايَة زُهَيْر (عَن الْأسود بن قيس، قَالَ: سَمِعت
جُنْدُب بن سُفْيَان يَقُول: اشْتَكَى رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَتَيْنِ أَو ثَلَاثًا. .)
الحَدِيث، مثل رِوَايَة البُخَارِيّ عَن أَحْمد بن يُونُس،
وروى التِّرْمِذِيّ وَقَالَ: حَدثنَا ابْن أبي عمر، قَالَ:
حَدثنَا سُفْيَان بن عُيَيْنَة (عَن الْأسود بن قيس عَن
جُنْدُب البَجلِيّ، قَالَ: كنت مَعَ النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي أَنْمَار، فدميت إصبعه فَقَالَ: هَل
أَنْت إِلَّا اصبع دميت. وَفِي سَبِيل الله مَا لقِيت،
قَالَ: وَأَبْطَأ جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام،
(7/171)
فَقَالَ الْمُشْركُونَ: قد ودع مُحَمَّد،
فَأنْزل الله تبَارك وَتَعَالَى: {مَا وَدعك رَبك وَمَا
قلى} (الضُّحَى: 3) . وروى الواحدي من حَدِيث هِشَام ابْن
عُرْوَة عَن أَبِيه: (أَبْطَأَ جِبْرِيل على النَّبِي، صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم، فجزع جزعا شَدِيدا فَقَالَت
خَدِيجَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا: قد قلاك رَبك لما
يرى من جزعك، فَنزلت السُّورَة) . وروى الْحَاكِم من
حَدِيث عبد الله بن مُوسَى أخبرنَا إِسْرَائِيل عَن أبي
إِسْحَاق (عَن زيد بن أَرقم: لما نزلت {تبت} جَاءَت
امْرَأَة أبي لَهب فَقَالَت: يَا مُحَمَّد على مَا تهجوني؟
فَقَالَ: مَا هجوتك، مَا هجاك إلاّ الله، وَمكث رَسُول
الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، أَيَّامًا لَا ينزل
عَلَيْهِ وَحي، فَأَتَتْهُ فَقَالَت: يَا مُحَمَّد مَا أرى
صَاحبك إلاّ قد قلاك؟ فَنزلت السُّورَة) . وَفِي (تَفْسِير
ابْن عَبَّاس) رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد
الشَّامي: (أَبْطَأَ الْوَحْي عَن النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَقَالَ كَعْب بن
الْأَشْرَف: قد أطفأ الله نور مُحَمَّد وَانْقطع الْوَحْي
عَنهُ، فهبط جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
بعد الْأَرْبَعين يَوْمًا فَقَالَ النَّبِي، صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: مَا أبطأك عني فَنزلت: {وَمَا نَتَنَزَّل
إلاّ بِأَمْر رَبك} (مَرْيَم: 46) . وَأنزل سُورَة
الضُّحَى وتكذيبا لكعب: {يُرِيدُونَ ليطفئوا نور الله
بأفواههم} (الصَّفّ: 8) . وَفِي (الْمعَانِي) للفراء و
(الْإِيضَاح) تَفْسِير الْقُرْآن لأبي الْقَاسِم
إِسْمَاعِيل بن مُحَمَّد الْجَوْزِيّ: قيل (سَبَب
نُزُولهَا أَن الْوَحْي كَانَ تَأَخّر خَمْسَة عشر يَوْمًا
فَتكلم الْكفَّار) الحَدِيث. وَزعم ابْن إِسْحَاق أَن
سَبَب تَأْخِير جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام،
أَن الْمُشْركين لما سَأَلُوهُ عَن ذِي القرنين وَالروح
وعدهم بِالْجَوَابِ إِلَى غَد، وَلم يسْتَثْن، فَنزل
عَلَيْهِ بعد بطئه سُورَة الضُّحَى، وبجواب سُؤَاله.
قَوْله: {وَلَا تقولن لشَيْء إِنِّي فَاعل ذَلِك غَدا إلاّ
أَن يَشَاء الله} (الْكَهْف: 32) . قَالَ الواحدي: وَعَن
خَوْلَة خادمة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (أَن
جروا دخل تَحت السرير، فَمَكثَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم أَيَّامًا لَا ينزل عَلَيْهِ الْوَحْي، فَقَالَ: يَا
خَوْلَة مَا حدث فِي بَيْتِي؟ جِبْرِيل لَا يأتيني؟ قَالَت
خَوْلَة: فَقلت لَو هيأت الْبَيْت وكنسته، قَالَت:
فَأَهْوَيْت بالمكنسة تَحت السرير فَإِذا شَيْء ثقيل،
فَإِذا هُوَ جرو ميت، فألقيته خلف الْجِدَار. قَالَت:
فجَاء رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يرعد فَقَالَ:
يَا خَوْلَة دثريني فَأنْزل الله تَعَالَى: {وَالضُّحَى
وَاللَّيْل} (الضُّحَى: 1 و 2) . زَاد ابْن إِسْحَاق:
فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لجبريل،
عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام: مَا أخرك؟ فَقَالَ: أما
علمت أَنا لَا ندخل بَيْتا فِيهِ كلب وَلَا صُورَة؟ وَفِي
(تَفْسِير النَّسَفِيّ) قَالَ ابْن جرير: قَالَ
الْمُشْركُونَ: أَن مُحَمَّدًا ودعه ربه وقلاه، وَلَو
كَانَ امْرَهْ من الله لتتابع عَلَيْهِ كَمَا كَانَ يفعل
بِمن كَانَ قبله من الْأَنْبِيَاء، عَلَيْهِم الصَّلَاة
وَالسَّلَام، وَقَالَ الْمُسلمُونَ: يَا رَسُول الله أما
ينزل عَلَيْك الْوَحْي؟ فَقَالَ: وَكَيف ينزل عَليّ
الْوَحْي وَأَنْتُم لَا تنتقون براجمكم وَلَا تقلمون
أظافركم؟ فَأنْزل الله تَعَالَى، جِبْرِيل، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، بِهَذِهِ السُّورَة، فَقَالَ
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: يَا جِبْرِيل مَا جِئْت
حَتَّى اشْتقت إِلَيْك {فَقَالَ جِبْرِيل، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام: وَأَنا كنت أَشد شوقا، وَلَكِنِّي
عبد مَأْمُور {وَمَا نَتَنَزَّل إِلَّا بِأَمْر رَبك}
(مَرْيَم: 46) [/ ح.
ثمَّ الْكَلَام فِي هَذَا الْبَاب على أَنْوَاع. الأول:
أَن اشتكاء النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لم يبين فِي
شَيْء من طرق هَذَا الحَدِيث، قيل: وَظن بعض الشُّرَّاح
أَن الَّذِي وَقع فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ من طَرِيق
ابْن عُيَيْنَة من الحَدِيث، وَقد ذَكرْنَاهُ عَن قريب:
هُوَ بَيَان للشكاية المجملة فِي الصَّحِيح، وَلَيْسَ
كَمَا ظن، فءن فِي طَرِيق عبد الله بن شَدَّاد الَّتِي
يَأْتِي التَّنْبِيه عَلَيْهَا أَن نزُول هَذِه السُّورَة
كَانَ فِي أَوَائِل الْبعْثَة، وجندب لم يصحب النَّبِي صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم إلاّ مُتَأَخِّرًا، حَكَاهُ
الْبَغَوِيّ فِي (مُعْجم الصَّحَابَة) عَن الإِمَام
أَحْمد، وَيُقَال: يحْتَمل أَن يكون سَبَب الشكاية بطء
الْوَحْي.
الثَّانِي: أَن هَذِه الْمَرْأَة الْمَذْكُورَة فِي
الْأَحَادِيث الْمَذْكُورَة مُخْتَلف فِيهَا، فَفِي
رِوَايَة الْحَاكِم: امْرَأَة أبي لَهب، وَهِي أم جميل
العوراء بنت حَرْب بن أُميَّة بن عبد شمس بن عبد منَاف،
وَهِي أُخْت أبي سُفْيَان بن حَرْب، وَقيل: امْرَأَة من
أَهله أَو من قومه. قلت: لَا شكّ أَن أم جميلَة من قومه
لِأَنَّهَا من بني عبد منَاف، وَفِي رِوَايَة سنيد بن
دَاوُد: إِنَّهَا عَائِشَة، وَقد غلط سنيد فِيهِ، وَفِي
رِوَايَة الطَّبَرِيّ عَن أبي كريب عَن وَكِيع، فَقَالَ
فِيهِ: قَالَت خَدِيجَة. وَكَذَلِكَ أخرجه ابْن أبي
حَاتِم، وَقد أنكر ذَلِك، لِأَن خَدِيجَة قَوِيَّة
الْإِيمَان فَلَا يَلِيق نِسْبَة هَذَا القَوْل إِلَيْهَا
وَإِن كَانَ رَوَاهُ إِسْمَاعِيل القَاضِي فِي (أَحْكَامه)
بِإِسْنَاد صَحِيح، وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّبَرِيّ فِي
(تَفْسِيره) وَأَبُو دَاوُد فِي (أَعْلَام النُّبُوَّة)
لَهُ، كلهم من طَرِيق عبد الله بن شَدَّاد بن الْهَاد،
وَمَعَ هَذَا لَيْسَ فِي رِوَايَة وَاحِد مِنْهُم أَنَّهَا
عبرت بقولِهَا: شَيْطَانك، وَهَذِه لَفْظَة مستنكرة جدا،
وَزعم أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن عَليّ بن عَسْكَر أَن
القائلة ذَاك إِحْدَى عماته صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، ثمَّ
الظَّاهِر أَن الْمَرْأَة الَّتِي قَالَت: يَا مُحَمَّد}
مَا أرى شَيْطَانك إلاّ قد تَركك؟ ير الْمَرْأَة الَّتِي
قَالَت: مَا أرى صَاحبك إلاّ قد أَبْطَأَ عَنْك؟ لِأَن
هَذِه قَالَت: يَا رَسُول الله، وَتلك قَالَت: يَا
مُحَمَّد، وَالَّتِي قَالَت: شَيْطَانك قَالَت تهكما
وشماتة، وَالَّتِي قَالَت: صَاحبك، قَالَت تأسفا وتوجعا.
الثَّالِث: أَن مُدَّة بطء الْوَحْي اخْتلف فِيهَا، فَقيل:
أَرْبَعُونَ يَوْمًا، كَمَا ذكر
(7/172)
فِي رِوَايَة إِسْمَاعِيل بن أبي زِيَاد،
وَقيل: خَمْسَة عشر يَوْمًا، كَمَا ذكر فِي (كتاب
الْمعَانِي) للفراء، وَقيل: خَمْسَة وَعِشْرُونَ يَوْمًا
وَعَن ابْن جريج: اثْنَي عشر يَوْمًا.
5211 - حدَّثنا محَمَّدُ بنُ كَثِيرٍ قَالَ أخبرنَا
سُفْيَانُ عنِ الأسْوَدِ بنِ قَيْسٍ عنْ جُنْدَبِ بنِ
عَبْدِ الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. قَالَ احْتَبَسَ
جِبْرِيلُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلَى النبيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فقالَتْ امْرَأةٌ مِنْ قُرَيْشٍ أبْطأَ
عَلَيْهِ شَيْطَانُهُ فَنَزَلَتْ وَالضُّحَى واللَّيْلِ
إذَا سَجى مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن هَذَا من تَتِمَّة
الحَدِيث السَّابِق، وَيدْفَع بِهَذَا مَا قَالَه ابْن
التِّين: ذكر احتباس جِبْرِيل، عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام، فِي هَذَا الْبَاب لَيْسَ فِي مَوْضِعه،
وَذَلِكَ لِأَن الحَدِيث وَاحِد لِاتِّحَاد مخرجه، وَإِن
كَانَ السَّبَب مُخْتَلفا، وسُفْيَان فِيهِ هُوَ
الثَّوْريّ، كَمَا فِي الحَدِيث الأول، وَقد ذكرنَا أَن
فِي رِوَايَة التِّرْمِذِيّ سُفْيَان بن عُيَيْنَة،
وَكَذَلِكَ فِي رِوَايَة مُسلم، وَلَا يضر هَذَا لِأَن
الظَّاهِر أَن الْأسود حدث بِهِ على الْوَجْهَيْنِ، فَحمل
عَنهُ كل وَاحِد مَا لم يحملهُ الآخر، وَحمل عَنهُ
الثَّوْريّ الْأَمريْنِ، فَحدث بِهِ مرّة كَمَا فِي هَذَا
الحَدِيث الأول، وَمرَّة كَمَا فِي هَذَا الحَدِيث.
قَوْله: (شَيْطَانه) ، بِرَفْع النُّون لِأَنَّهُ فَاعل:
أَبْطَأَ. قَوْله: (فَنزلت وَالضُّحَى) أَي: نزلت سُورَة
وَالضُّحَى إِلَى آخرهَا، وَفِي (تَفْسِير النَّسَفِيّ) و
{الضُّحَى} قيل: أَرَادَ النَّهَار كُله، وَدَلِيله قَوْله
تَعَالَى: {وَاللَّيْل إِذا سجى} (الضُّحَى: 2) . فقابله
بِاللَّيْلِ، وَقَالَ قَتَادَة وَمُقَاتِل: أَرَادَ وَقت
الضُّحَى، وَهُوَ صدر النَّهَار حِين ترْتَفع الشَّمْس،
ويعتدل النَّهَار من الْحر وَالْبرد فِي الشتَاء والصيف،
وَقيل: هِيَ السَّاعَة الَّتِي كلم الله تَعَالَى فِيهَا
مُوسَى، عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام، والساعة الَّتِي
ألْقى فِيهَا السَّحَرَة سجدا بَيَانه {وان يحْشر النَّاس
ضحى} (طه: 95) . وَقيل فِيهِ وَفِي أَمْثَاله إِضْمَار:
رب، أَي: وَرب الضُّحَى. قَوْله: (وَاللَّيْل إِذا سجى)
أَي: أقبل بظلامه، وَقَالَ الضَّحَّاك: غطى كل شَيْء،
وَقَالَ مُجَاهِد وَقَتَادَة: سكن بالخلق وَاسْتقر ظلامه،
يُقَال: ليل سَاج وبحر سَاج إِذا كَانَ سَاكِنا. وَقَالَ
الطَّبَرِيّ: أولى اوقوال عِنْدِي هَذَا، وَقَالَ الراجز:
(يَا حبذا القمراء وَاللَّيْل الساج ... وطرق مثل ملاء
النساج)
وَعَن الْحسن: سجى جَاءَ، وَعَن عَليّ بن أبي طَلْحَة عَن
ابْن عَبَّاس: سجى بِمَعْنى ذهب. قَوْله: (مَا وَدعك)
جَوَاب الْقسم أَي: مَا قَطعك رَبك قطع الْمُودع، وَقَالَ
ابْن التِّين: معنى التَّشْدِيد مَا هُوَ آخر عَهْدك
بِالْوَحْي، وَمعنى التَّخْفِيف مَا تَركك، وَالْمعْنَى
وَاحِد. وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: خبر أبي نعيم عَن
سُفْيَان وَجه الْقِرَاءَة فِيهِ بِالتَّخْفِيفِ، وَوجه
الْقِرَاءَة فِي رِوَايَة وَكِيع عَن سُفْيَان: وَدعك
بِالتَّشْدِيدِ، وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ: التوديع
مُبَالغَة فِي الودع، لِأَن من وَدعك مفارقا فقد بَالغ فِي
تَركك. قلت: قِرَاءَة التَّخْفِيف شَاذَّة، وَالْعرب
أماتوا ماضي: يدع، ويورد قِرَاءَة التَّخْفِيف وَيُجَاب
بالشذوذ. قَوْله: (وَمَا قلى) أَي: وَمَا قلاك، أَي: وَمَا
بغضك من: القلى، بِكَسْر الْقَاف وَتَخْفِيف اللَّام
وَهُوَ: البغض. فَإِن فتحت الْقَاف مددت تَقول: قلاه يقليه
قلى وقلاء ويقلاه، لُغَة طي، وتقلى أَي: تبغض، وَإِنَّمَا
حذف الْمَفْعُول حَيْثُ لم يقل: وَمَا قلاك، رِعَايَة
للفواصل.
5 - (بابُ تَحْرِيضِ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَلَى صَلاَةِ اللَّيْلِ والنَّوَافِلِ مِنْ غَيْرِ
إيجَابٍ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان تحريض النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أمته أَو الْمُؤمنِينَ على قيام اللَّيْل،
أَي: على صَلَاة اللَّيْل، وَكَذَا فِي رِوَايَة
الْأصيلِيّ وكريمة على صَلَاة اللَّيْل، وَهَذَا الْبَاب
يشْتَمل على أَرْبَعَة أَحَادِيث: الأول: لأم سَلمَة.
وَالثَّانِي: لعَلي بن أبي طَالب. وَالثَّالِث
وَالرَّابِع: لأم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، قيل: اشْتَمَلت
التَّرْجَمَة على أَمريْن: التحريض وَنفي الْإِيجَاب،
فَحَدِيث أم سَلمَة وَعلي للْأولِ، وحديثا عَائِشَة
للثَّانِي، وَقَالَ بَعضهم: بل يُؤْخَذ من الْأَحَادِيث
الْأَرْبَعَة نفي الْإِيجَاب، وَيُؤْخَذ التحريض من حَدِيث
عَائِشَة من قَوْلهَا: (كَانَ يدع الْعَمَل وَهُوَ
يُحِبهُ) ، لِأَن كل شَيْء أحبه استلزم التحريض عَلَيْهِ
لَوْلَا مَا عَارضه من خشيَة الإفتراض. انْتهى. قلت: لَا
نسلم أَن حَدِيث أم سَلمَة يدل على نفي الْإِيجَاب، بل
ظَاهره يُوهم الْإِيجَاب على مَا لَا يخفى على المتأمل،
وَلكنه سَاكِت عَنهُ، وَظَاهره التحريض، وَلَا نسلم أَيْضا
استلزام التحريض فِي شَيْء أحبه، وَكَذَلِكَ ظَاهر حَدِيث
عَليّ يُوهم الْإِيجَاب بِدَلِيل قَوْله صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم حِين ولي: {وَكَانَ الْإِنْسَان أَكثر شَيْء جدلا}
(الْكَهْف: 45) . وَلَكِن ظَاهره التحريض. قَوْله:
(والنوافل) جمع نَافِلَة عطف
(7/173)
على: قيام اللَّيْل، أَي: والتحريض على
النَّوَافِل، فَإِن كَانَ المُرَاد من قيام اللَّيْل
الصَّلَاة فَقَط، يكون من عطف الْعَام على الْخَاص، وَإِن
كَانَ المُرَاد من قيام الَّيْلِ أَعم من الصَّلَاة
وَالْقُرْآن وَالذكر والتفكر فِي الملكوت العلوية والسفلية
وَغير ذَلِك، يكون من عطف الْخَاص على الْعَام.
وَطَرَقَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاطِمَةَ
وَعَلِيَّا عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ لَيْلَةً لِلصَّلاَةِ
هَذَا التَّعْلِيق ذكره عقيب هَذَا بقوله: حَدثنَا أَبُو
الْيَمَان ... إِلَى آخِره. قَوْله: (طرق) ، من الطروق،
وَهُوَ الْإِتْيَان بِاللَّيْلِ، يَعْنِي: أتاهما
بِاللَّيْلِ للتحريض على الْقيام للصَّلَاة.
6211 - حدَّثنا ابنُ مُقَاتِل قَالَ أخبرنَا عَبْدُ الله
قَالَ أخبرنَا مَعْمَرٌ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ هِنْدٍ
بِنْتِ الحَارِثِ عنْ أُمِّ سَلَمَةَ رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا أنَّ النَّبيَّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
اسْتَيْقظَ لَيْلَةً فَقَالَ سُبْحَانَ الله ماذَا
أُنْزِلَ اللَّيلَةَ مِنَ الفتْنَةِ مَاذَا أنزل مِنَ
الخَزَائِنِ مَنْ يُوقِظُ صَوَاحِبَ الحُجُرَاتِ يَا رُبَّ
كاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عارِيَةٍ فِي الآخِرَةِ..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن فِيهِ تحريضا على قيام
اللَّيْل، والْحَدِيث قد مر فِي كتاب الْعلم فِي: بَاب
الْعلم والعظة بِاللَّيْلِ، قَالَ: حَدثنَا صَدَقَة،
قَالَ: أخبرنَا ابْن عُيَيْنَة عَن معمر عَن الزُّهْرِيّ
إِلَى آخِره، وَقد مر الْكَلَام هُنَاكَ مستقصىً. وَعبد
الله هَهُنَا: هُوَ ابْن الْمُبَارك.
قَوْله: (يَا رُبَّ) المنادى مَحْذُوف أَي: يَا قوم رب
كاسية. قَوْله: (عَارِية) بِالْجَرِّ صفة (كاسية)
والْحَدِيث، وَإِن صدر فِي حق أَزوَاجه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَلَكِن الْعبْرَة لعُمُوم اللَّفْظ لَا لخُصُوص
السَّبَب، وَالتَّقْدِير: رب نفس كاسية، وَفِيه أَنه
أعلمهُ الله أَنه يفتح على أمته من الخزائن، وَأَن
الْفِتَن مقرونة بهَا، وَلذَلِك آثر كثير من السّلف
الْقلَّة على الْغنى خوف فتْنَة المَال، وَقد استعاذ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم من فتْنَة الْغنى كَمَا استعاذ من
فتْنَة الْفقر.
7211 - حدَّثنا أبُو اليَمَانِ قَالَ أخبرنَا شُعَيْبٌ عنِ
الزُّهْرِيِّ قَالَ أَخْبرنِي علِيُّ بنُ حُسَيْنٍ أنَّ
حُسَيْنَ بنَ عَلِيٍّ أخْبَرَهُ أنَّ عَلِيَّ بنَ أبي
طالِبٍ أخبرهُ أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
طَرَقَهُ وفاطِمَةَ بِنْتَ النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم لَيْلَةً فَقَالَ ألاَ تُصَلِّيانِ فَقُلْتُ يَا
رسولَ الله أنْفُسُنا بِيَدِ الله فإذَا شاءَ أنْ
يَبْعَثَنَا بَعَثَنَا فانْصَرَفَ حِينَ قُلْنَا ذالِكَ
ولَمْ يَرْجِعْ إلَيَّ شَيْئا ثُمَّ سَمِعْتُهُ وَهْوَ
مُوَلٍّ يَضْرِبُ فَخِذَهُ وهْوَ يَقُولُ وَكانَ
الإنْسَانُ أكْثرَ شيءٍ جدَلاً..
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِنَّه صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم طرق عليا وَفَاطِمَة لَيْلَة وحرضهما على قيام
اللَّيْل بقوله: (أَلا تصليان؟) .
ذكر رِجَاله: وهم سِتَّة: الأول: أَبُو الْيَمَان الحكم بن
نَافِع، الثَّانِي: شُعَيْب بن أبي حَمْزَة. الثَّالِث:
مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ. الرَّابِع: عَليّ بن
الْحُسَيْن بن عَليّ بن أبي طَالب الْمَشْهُور بزين
العابدين، تقدم فِي: بَاب من قَالَ فِي الْخطْبَة أما بعد
فِي الْجُمُعَة. الْخَامِس: أَبوهُ الْحُسَيْن بن عَليّ.
السَّادِس: جده عَليّ بن أبي طَالب.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِخْبَار
بِصِيغَة الْجمع كَذَلِك فِي مَوضِع وبصيغة الْإِفْرَاد
فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه: العنعنة فِي مَوضِع
وَاحِد. وَفِيه: القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: أَن شَيْخه
وَشَيخ شَيْخه حمصيان والبقية مدنيون. وَفِيه: إِن
إِسْنَاد زين العابدين من أصح الْأَسَانِيد وَأَشْرَفهَا
الْوَارِدَة فِيمَن روى عَن أَبِيه عَن جده. وَقَالَ
الدَّارَقُطْنِيّ: رَوَاهُ اللَّيْث عَن عقيل عَن
الزُّهْرِيّ عَن عَليّ بن الْحُسَيْن عَن الْحسن بن عَليّ،
وَكَذَا وَقع فِي رِوَايَة حجاج بن أبي منيع عَن جده عَن
الزُّهْرِيّ فِي (تَفْسِير ابْن مرْدَوَيْه) وَلَيْسَ
كَذَلِك، وَالصَّوَاب عَن الْحُسَيْن بتصغير اللَّفْظ.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ،
وَرِوَايَة الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ.
ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره: أخرجه البُخَارِيّ
أَيْضا عَن أبي الْيَمَان فِي الِاعْتِصَام وَفِي
التَّوْحِيد أَيْضا عَن إِسْمَاعِيل بن أبي أويس،
(7/174)
وَأخرجه أَيْضا فِي التَّفْسِير عَن عَليّ
بن عبد الله، وَفِي الِاعْتِصَام أَيْضا عَن مُحَمَّد بن
سَلام، وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة عَن
لَيْث. وَأخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا فِيهِ عَن قُتَيْبَة
بِهِ وَعَن عبيد الله بن سعيد وَأَعَادَهُ فِي التَّفْسِير
عَن قُتَيْبَة.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (طرقه) أَي: أَتَاهُ لَيْلًا.
قَوْله: (وَفَاطِمَة) بِالنّصب عطفا على الضَّمِير
الْمَنْصُور فِي: طرقه. قَوْله: (لَيْلَة) ، أَي: لَيْلَة
من اللَّيَالِي فَإِن قلت: مَا فَائِدَة ذكر لَيْلَة
والطروق هُوَ الْإِتْيَان بِاللَّيْلِ؟ قلت: يكون
للتَّأْكِيد، وَذكر ابْن فَارس ان معنى: طرق أَتَى من غير
تَقْيِيد بِشَيْء، فعلى هَذَا تكون لَيْلَة لبَيَان وَقت
الْمَجِيء، وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون المُرَاد
بقوله: لَيْلَة، أَي: مرّة وَاحِدَة. قلت: هَذَا غير موجه
لِأَن أحدا لم يقل: إِن التَّنْوِين فِيهِ للمرة، فَظن أَن
كَون لَيْلَة على وزن فعلة يدل على الْمرة وَلَيْسَ
كَذَلِك، وَالْمعْنَى مَا ذَكرْنَاهُ. قَوْله: (أَلا
تصليان؟) كلمة: أَلا، للحث والتحريض وَالْخطاب لعَلي
وَفَاطِمَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا. قَوْله:
(أَنْفُسنَا بيد الله) اقتباس من قَوْله تَعَالَى: {الله
يتوفى الْأَنْفس حِين مَوتهَا} (الزمر: 24) . كَذَا قيل،
وَفِيه نظر. قَوْله: (بعثنَا) ، بِفَتْح الثَّاء
الْمُثَلَّثَة جملَة من الْفِعْل وَالْفَاعِل
وَالْمَفْعُول، أَي: لَو شَاءَ الله أَن يوقظنا أيقظنا،
وأصل الْبَعْث إثارة الشَّيْء من مَوْضِعه. قَوْله:
(فَانْصَرف) أَي: رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم.
قَوْله: (حِين قلت) ، وَفِي رِوَايَة كَرِيمَة: (حِين
قُلْنَا) قَوْله: (ذَلِك) إِشَارَة إِلَى قَوْله: (انفسنا
بيد الله) . قَوْله: (وَلم يرجع إِلَيّ شَيْئا) ، بِفَتْح
الْيَاء مَعْنَاهُ: لم يجبني، وَرجع يَأْتِي لَازِما
ومتعديا. قَوْله: (وَهُوَ مول) جملَة إسمية وَقعت حَالا
أَي: معرض عَنَّا مُدبرا. وَكَذَا قَوْله: (يضْرب فَخذه) ،
جملَة حَالية، وَيفْعل ذَلِك عِنْد التوجع والتأسف.
قَوْله: (وَهُوَ يَقُول كَذَلِك) جملَة حَالية، وَإِنَّمَا
قَالَ ذَلِك تَعَجبا من سرعَة جوابة، وَقيل: إِنَّمَا
قَالَه تَسْلِيمًا لعذره وَأَنه لَا عتب عَلَيْهِ.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: فِيهِ: أَن السُّكُوت يكون
جَوَابا. وَفِيه: جَوَاز ضرب الْفَخْذ عِنْد التأسف.
وَفِيه: جَوَاز الانتزاع من الْقُرْآن. وَفِيه: تَرْجِيح
قَول من قَالَ: إِن اللَّام فِي قَوْله: (وَكَانَ
الْإِنْسَان) للْعُمُوم لَا لخُصُوص الْكفَّار. وَفِيه:
منقبة لعَلي، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، حَيْثُ نقل مَا
فِيهِ عَلَيْهِ أدنى غَضَاضَة، فَقدم مصلحَة نشر الْعلم
وتبليغه على كتمه. وَفِيه: مَا نقل ابْن بطال عَن الْمُهلب
أَنه: لَيْسَ للْإِمَام أَن يشدد فِي النَّوَافِل حَيْثُ
قنع صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بقول عَليّ، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ: (أَنْفُسنَا بيد الله) ، لِأَنَّهُ كَلَام
صَحِيح فِي الْعذر عَن التَّنَفُّل، وَلَو كَانَ فرضا مَا
أعذره. وَفِيه: إِشَارَة إِلَى أَن نفس النَّائِم ممسكة
بيد الله تَعَالَى.
8211 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ قَالَ أخبرنَا
مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ عنْ عَائِشَةَ رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهَا قالَتْ إنْ كانَ رسولُ الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم لَيَدَعَ العَمَلَ وَهْوَ يُحِبُّ أنْ
يَعْمَلَ بِهِ خَشْيَةَ أنْ يَعْمَلَ بِهِ النَّاسُ
فيُفْرَضَ عَلَيْهِمْ وَمَا سَبَّحَ رسولُ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم سُبْحَةَ الضُّحاى قَطُّ وإنِّي
لأُسَبِّحُهَا.
(الحَدِيث 8211 طرفه فِي: 7711) .
مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ إِن الْعَمَل الَّذِي
كَانَ للنَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يحب أَن يعْمل
بِهِ لَا يَخْلُو عَن تحريض أمته عَلَيْهِ، غير أَنه كَانَ
يتْركهُ خشيَة أَن يعْمل بِهِ النَّاس فيفرض عَلَيْهِم،
وَيحْتَمل أَن تكون الْمُطَابقَة للجزء الثَّانِي
للتَّرْجَمَة، وَهُوَ قَوْله: (والنوافل) فَإِنَّهَا أَعم
من أَن تكون بِاللَّيْلِ أَو بِالنَّهَارِ، فَيكون مَحل
الْمُطَابقَة للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (وَإِنِّي
لأُسبحها) ، وَفِيه تحريض على ذَلِك، وَقد تكَرر ذكر
رِجَاله.
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن يحيى بن يحيى، وَأخرجه
أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن القعْنبِي وَأخرجه النَّسَائِيّ
فِيهِ عَن قُتَيْبَة، أربعتهم عَن مَالك عَن مُحَمَّد بن
مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ.
قَوْله: (أَن كَانَ) ، كلمة: إِن، بِكَسْر الْهمزَة
مُخَفّفَة عَن الثَّقِيلَة، وَأَصله: إِنَّه كَانَ، فَحذف
ضمير الشان وخففت النُّون. قَوْله: (ليَدع) ، بِفَتْح
اللَّام الَّتِي للتَّأْكِيد، أَي: ليترك. قَوْله: (خشيَة)
بِالنّصب أَي: لأجل خشيَة أَن يعْمل بِهِ النَّاس، وَهُوَ
مُتَعَلق بقوله: (ليَدع) . قَوْله: (فيفرض) ، بِالنّصب
عطفا على: (أَن يعْمل. قَوْله: (وَمَا سبح) أَي: وَمَا
تفل، وَأَرَادَ بسبحة الضُّحَى: صَلَاة الضُّحَى. قَوْله:
(وَإِنِّي لأسبحها) أَي: أصليها، ويروى لاستحبها من
الِاسْتِحْبَاب، وَقَالَ الْخطابِيّ: هَذَا من عَائِشَة
إِخْبَار عَمَّا عَلمته دون مَا لم تعلم، وَقد ثَبت أَنه
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى صَلَاة الضُّحَى يَوْم
الْفَتْح، وَأوصى أَبَا ذَر وَأَبا هُرَيْرَة، وَقَالَ
ابْن عبد الْبر: أما قَوْلهَا: مَا سبح سبْحَة الضُّحَى
قطّ، فَهُوَ أَن من علم من السّنَن علما خَاصّا يَأْخُذ
عَنهُ بعض أهل الْعلم دون بعض، فَلَيْسَ لأحد من
الصَّحَابَة إلاّ وَقد فَاتَهُ من الحَدِيث مَا أَحْصَاهُ
غَيره، والإحاطة
(7/175)
ممتنعة، وَإِنَّمَا حصل الْمُتَأَخّرُونَ
علم ذَلِك مُنْذُ صَار الْعلم فِي الْكتب، وَالنَّبِيّ صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم مَا كَانَ يكون عِنْد عَائِشَة فِي
وَقت الضُّحَى إِلَّا فِي نَادِر من الْأَوْقَات، فإمَّا
مُسَافر أَو حَاضر فِي الْمَسْجِد أَو غَيره أَو عِنْد بعض
نِسَائِهِ، وَمَتى يَأْتِي يَوْمهَا بعد تِسْعَة فَيصح
قَوْلهَا: مَا رَأَيْته يُصليهَا، وَتَكون قد علمت
بِخَبَرِهِ أَو بِخَبَر غَيره أَنه صلاهَا، أَو المُرَاد
بِمَا يُصليهَا؛ مَا يداوم عَلَيْهَا. فَيكون نفيا
للمداومة لَا لأصلها. وَقَالَ ابْن الْجَوْزِيّ، رَحمَه
الله قَوْله: (فيفرض عَلَيْهِم) ، يحْتَمل على وَجْهَيْن:
أَحدهمَا: فيفرضه الله تَعَالَى. وَالثَّانِي: فيعملوا
بِهِ اعتقادا أَنه مَفْرُوض. وَقَالَ ابْن بطال: يحْتَمل
حَدِيث عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، مَعْنيين:
أَحدهمَا: أَنه يُمكن أَن يكون هَذَا القَوْل مِنْهُ فِي
وَقت فرض عَلَيْهِ قيام اللَّيْل دون أمته، لقَوْله فِي
الحَدِيث الآخر: (لم يَمْنعنِي من الْخُرُوج إِلَيْكُم
إلاّ أَنِّي خشيت أَن تفرض عَلَيْكُم) ، فَدلَّ على أَنه
كَانَ فرضا عَلَيْهِ وَحده، فَيكون معنى قَول عَائِشَة:
(إِن كَانَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَدع
الْعَمَل) أَنه كَانَ يدع عمله لأمته ودعاءهم إِلَى فعلهم
مَعَه، لَا أَنَّهَا أَرَادَت أَنه كَانَ يدع الْعَمَل
أصلا، وَقد فَرْضه الله عَلَيْهِ، أَو نَدبه إِلَيْهِ
لِأَنَّهُ كَانَ أتقى أمته وأشدهم إجتهادا. ألاَ ترَى أَنه
لما اجْتمع النَّاس من اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَو
الرَّابِعَة لم يخرج إِلَيْهِم؟ وَلَا شكّ أَنه صلى حزبه
تِلْكَ اللَّيْلَة فِي بَيته، فخشي إِن خرج إِلَيْهِم
والتزموا مَعَه صَلَاة اللَّيْل أَن يُسَوِّي الله، عز
وَجل، بَينه وَبينهمْ فِي حكمهَا، فيفرضها عَلَيْهِم من
أجل أَنَّهَا فرض عَلَيْهِ إِذْ الْمَعْهُود فِي
الشَّرِيعَة مُسَاوَاة حَال الإِمَام وَالْمَأْمُوم فِي
الصَّلَاة، فَمَا كَانَ مِنْهَا فَرِيضَة فالإمام
وَالْمَأْمُوم فِيهِ سَوَاء، وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْهَا
سنة أَو نَافِلَة. الثَّانِي: أَن يكون خشِي من مواظبتهم
على صَلَاة اللَّيْل مَعَه أَن يضعفوا عَنْهَا فَيكون من
تَركهَا عَاصِيا لله فِي مُخَالفَته لنَبيه وَترك
أَتْبَاعه متوعدا بالعقاب على ذَلِك، لِأَن الله تَعَالَى
فرض اتِّبَاعه، فَقَالَ: {واتبعوه لَعَلَّكُمْ تهتدون}
(الْأَعْرَاف: 851) . وَقَالَ فَيتْرك أَتْبَاعه {فليحذر
الَّذين يخالفون عَن أمره} (النُّور: 36) . فخشي على
تاركها أَن يكون كتارك مَا فرض الله عَلَيْهِ، لِأَن
طَاعَة الرَّسُول كطاعته، وَكَانَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
رَفِيقًا بِالْمُؤْمِنِينَ رحِيما بهم. فَإِن قيل: كَيفَ
يجوز أَن تكْتب عَلَيْهِم صَلَاة اللَّيْل وَقد أكملت
الْفَرَائِض؟ قيل لَهُ: صَلَاة اللَّيْل كَانَت مَكْتُوبَة
على النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأفعاله الَّتِي
تتصل بالشريعة وَاجِب على أمته الِاقْتِدَاء بِهِ فِيهَا،
وَكَانَ أَصْحَابه إِذا رَأَوْهُ يواظب على فعل فِي وَقت
مَعْلُوم يقتدون بِهِ ويرونه وَاجِبا، فَالزِّيَادَة
إِنَّمَا يتَّصل وُجُوبهَا عَلَيْهِم من جِهَة وجوب
الِاقْتِدَاء بِفِعْلِهِ، لَا من جِهَة ابْتِدَاء فرض
زَائِد على الْخمس، أَو يكون أَن الله تَعَالَى لما فرض
الْخمسين وحطها بِشَفَاعَتِهِ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَإِذا عَادَتْ الْأمة فِيمَا استوهبت والتزمت متبرعة مَا
كَانَت استعفت مِنْهُ، لم يستنكر ثُبُوته فرضا عَلَيْهِم،
وَقد ذكر الله تَعَالَى فريقا من النَّصَارَى وَأَنَّهُمْ
ابتدعوا رَهْبَانِيَّة مَا كتبناها عَلَيْهِم، ثمَّ لامهم
لما قصروا فِيهَا بقوله تَعَالَى: {فَمَا رعوها حق
رعايتها} (الْحَدِيد: 72) . فخشي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أَن يَكُونُوا مثلهم، فَقطع الْعَمَل شَفَقَة على أمته.
9211 - حدَّثنا عَبْدُ الله بنُ يُوسُفَ. قالَ أخْبرنا
مالِكٌ عنِ ابنِ شِهَابٍ عنْ عُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ عنْ
عَائِشةَ أمِّ المُؤْمِنِينَ رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا
أنَّ رسولَ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صَلَّى ذَاتَ
لَيْلَةٍ فِي المَسْجِدِ فَصَلَّى بِصَلاَتِهِ ناسٌ ثُمَّ
صَلَّى مِنَ القَابِلَةِ فكَثُرَ النَّاسُ ثُم اجتَمَعُوا
مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةَ أوِ الرَّابِعَةِ فَلَمْ
يَخْرُجْ إلَيْهِمْ رسولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فَلمَّا أصْبَحَ قَالَ قَدْ رَأيْتُ الذِي صَنَعْتُمْ
ولَمْ يَمْنَعْنِي مِنَ الخُرُوجِ إلَيْكُمْ إلاَّ أنِّي
خَشِيتُ أنْ تُفْرَضَ عَلَيْكُمْ وَذالِكَ فِي رَمَضَانَ..
هَذَا الْإِسْنَاد بِعَيْنِه مثل إِسْنَاد الحَدِيث الأول.
قَوْله: (صلى ذَات لَيْلَة فِي الْمَسْجِد) أَي: صلى
صَلَاة اللَّيْل فِي لَيْلَة من ليَالِي رَمَضَان. قَوْله:
(ثمَّ صلى من الْقَابِلَة) أَي: من اللَّيْلَة
الثَّانِيَة، وَفِي رِوَايَة الْمُسْتَمْلِي: (ثمَّ صلى من
الْقَابِل) أَي: من الْوَقْت الْقَابِل من اللَّيْلَة
الْقَابِلَة. قَوْله: (من اللَّيْلَة الثَّالِثَة أَو
الرَّابِعَة) ، كَذَا رَوَاهُ مَالك بِالشَّكِّ، وَفِي
رِوَايَة عقيل عَن ابْن شهَاب: (فصلى النَّاس بِصَلَاتِهِ
فَأصْبح النَّاس فتحدثوا) ، وَفِي رِوَايَة مُسلم عَن
يُونُس عَن ابْن شهَاب: (يتحدثون بذلك) ، وَفِي رِوَايَة
أَحْمد عَن ابْن جريج عَن ابْن شهَاب: (فَلَمَّا أصبح
تحدثُوا أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم صلى فِي
الْمَسْجِد من جَوف اللَّيْل، فَاجْتمع أَكثر مِنْهُم) ،
وَزَاد يُونُس (فَخرج رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
فِي اللَّيْلَة الثَّانِيَة فصلوا مَعَه، فَأصْبح النَّاس
يذكرُونَ ذَلِك، فَكثر أهل الْمَسْجِد فِي اللَّيْلَة
الثَّالِثَة، فَخرج فصلوا بِصَلَاتِهِ، فَلَمَّا كَانَت
الرَّابِعَة عجز الْمَسْجِد عَن أَهله) . وَفِي رِوَايَة
ابْن جريج أَيْضا: (حَتَّى كَاد الْمَسْجِد يعجز عَن
(7/176)
أَهله) ، وَلأَحْمَد فِي رِوَايَة عَن معمر
عَن ابْن شهَاب: امْتَلَأَ الْمَسْجِد حَتَّى اغتص
بأَهْله) ، وَله من رِوَايَة سُفْيَان بن حُسَيْن عَنهُ:
(فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة الرَّابِعَة غص الْمَسْجِد
بأَهْله) . قَوْله: (فَلم يخرج إِلَيْهِم رَسُول الله صلى
الله عَلَيْهِ وَسلم) ، وَفِي رِوَايَة أَحْمد عَن ابْن
جريج: (حَتَّى سَمِعت نَاسا مِنْهُم يَقُولُونَ:
الصَّلَاة) ، وَفِي رِوَايَة سُفْيَان بن حُسَيْن عَنهُ:
(فَقَالُوا مَا شَأْنه؟) وَفِي حَدِيث زيد بن ثَابت، رَضِي
الله تَعَالَى عَنهُ، كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاعْتِصَام:
حَدثنَا إِسْحَاق أخبرنَا عَفَّان حَدثنَا وهيب حَدثنَا
مُوسَى بن عقبَة سَمِعت أَبَا النَّضر يحدث عَن بسر بن
سعيد، (عَن زيد بن ثَابت: أَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم اتخذ حجرَة فِي الْمَسْجِد من حَصِير، فصلى رَسُول
الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِيهَا ليَالِي حَتَّى
اجْتمع إِلَيْهِ نَاس، ثمَّ فقدوا صَوته لَيْلَة فظنوا
أَنه قد نَام، فَجعل بَعضهم يَتَنَحْنَح ليخرج إِلَيْهِم
فَقَالَ: مَا زَالَ بكم الَّذِي رَأَيْت من صنيعكم حَتَّى
خشيت أَن يكْتب عَلَيْكُم، وَلَو كتب عَلَيْكُم مَا
قُمْتُم بِهِ، فصلوا أَيهَا النَّاس فِي بُيُوتكُمْ فَإِن
أفضل صَلَاة الْمَرْء فِي بَيته إلاّ الْمَكْتُوبَة) .
وَأخرجه أَيْضا فِي الْأَدَب، وَلَفظه: (احتجر رَسُول الله
صلى الله عَلَيْهِ وَسلم حجيرة مخصفة، أَو حجيرا فَخرج
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم يُصَلِّي فِيهَا
فتتبع إِلَيْهِ رجال فجاؤا يصلونَ بصلاتهم، ثمَّ جاؤا
لَيْلَة فَحَضَرُوا وَأَبْطَأ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم عَنْهُم، فَلم يخرج إِلَيْهِم، فَرفعُوا
أَصْوَاتهم وحصبوا الْبَاب، فَخرج إِلَيْهِم مغضبا فَقَالَ
لَهُم رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: مَا زَالَ بكم
صنيعكم حَتَّى ظَنَنْت أَنه سيكتب عَلَيْكُم، فَعَلَيْكُم
بِالصَّلَاةِ فِي بُيُوتكُمْ فَإِن خير صَلَاة الْمَرْء
فِي بَيته إلاّ الْمَكْتُوبَة) . وَأخرجه مُسلم أَيْضا
وَفِيه: (فَأَبْطَأَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
عَنْهُم فَلم يخرج إِلَيْهِم، فَرفعُوا أَصْوَاتهم وحصبوا
الْبَاب. .) وَأخرجه أَبُو دَاوُد أَيْضا وَفِيه: (حَتَّى
إِذا كَانَ لَيْلَة من اللَّيَالِي لم يخرج إِلَيْهِم
رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم، فتنحنحوا وَرفعُوا
أَصْوَاتهم وحصبوا بَابه. .) الحَدِيث. وَأخرجه
الطَّحَاوِيّ أَيْضا نَحْو رِوَايَة البُخَارِيّ. قَوْله:
(فَلَمَّا أصبح قَالَ: قد رَأَيْت الَّذِي صَنَعْتُم)
وَفِي رِوَايَة عقيل: (فَلَمَّا قضى صَلَاة الْفجْر أقبل
على النَّاس وَتشهد ثمَّ قَالَ: أما بعد، فَإِنَّهُ لم يخف
على مَكَانكُمْ) . وَفِي رِوَايَة يُونُس وَابْن جريج: (لم
يخف عَليّ شَأْنكُمْ) ، وَفِي رِوَايَة أبي سَلمَة:
(أكلفوا من الْعَمَل مَا تطيقون، وَفِي رِوَايَة معمر أَن
الَّذِي سَأَلَهُ عَن ذَلِك بعد أَن أصبح عمر بن الْخطاب.
قَوْله: (أَن تفرض عَلَيْكُم) أَي: بِأَن تفرض عَلَيْكُم
صَلَاة اللَّيْل، يدل عَلَيْهِ رِوَايَة يُونُس:
(وَلَكِنِّي خشيت أَن تفرض عَلَيْكُم صَلَاة اللَّيْل
فتعجزوا عَنْهَا) ، وَكَذَا فِي رِوَايَة أبي سَلمَة
الْمَذْكُور قبيل صفة الصَّلَاة، (خشيت أَن تكْتب
عَلَيْكُم صَلَاة اللَّيْل) ، فدلت هَذِه الرِّوَايَات على
أَن عدم خُرُوجه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم إِلَيْهِم كَانَ
للخشية عَن فَرضِيَّة هَذِه الصَّلَاة لَا لعِلَّة
أُخْرَى. قَوْله: (وَذَلِكَ فِي رَمَضَان) كَلَام
عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا، ذكرته إدراجا
لتبين أَن هَذِه الْقَضِيَّة كَانَت فِي شهر رَمَضَان.
فَإِن قلت: لم يبين فِي الرِّوَايَات الْمَذْكُورَة عدد
هَذِه الصَّلَاة الَّتِي صلاهَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي تِلْكَ اللَّيَالِي؟ قلت: روى ابْن
خُزَيْمَة وَابْن حبَان من حَدِيث جَابر، رَضِي الله
تَعَالَى عَنهُ، قَالَ: (صلى بِنَا رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي رَمَضَان ثَمَان رَكْعَات ثمَّ أوتر) .
(ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ جَوَاز النَّافِلَة
جمَاعَة وَلَكِن الْأَفْضَل فِيهَا الِانْفِرَاد وَفِي
التَّرَاوِيح اخْتلف الْعلمَاء فَذهب اللَّيْث بن سعد
وَعبد الله بن الْمُبَارك وَأحمد وَإِسْحَق إِلَى أَن قيام
التَّرَاوِيح مَعَ الإِمَام فِي شهر رَمَضَان أفضل مِنْهُ
فِي الْمنَازل وَقَالَ بِهِ قوم من الْمُتَأَخِّرين من
أَصْحَاب أبي حنيفَة وَأَصْحَاب الشَّافِعِي فَمن أَصْحَاب
أبي حنيفَة عِيسَى بن أبان وبكار بن قُتَيْبَة وَأحمد بن
أبي عمرَان أحد مَشَايِخ الطَّحَاوِيّ وَمن أَصْحَاب
الشَّافِعِي إِسْمَاعِيل بن يحيى الْمُزنِيّ وَمُحَمّد بن
عبد الله بن الحكم وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث أبي ذَر عَن
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ "
صمت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
رَمَضَان فَلم يقم بِنَا حَتَّى بَقِي سبع من الشَّهْر
فَلَمَّا كَانَت اللَّيْلَة السَّابِعَة خرج فصلى بِنَا
حَتَّى مضى ثلث اللَّيْل ثمَّ لم يصل بِنَا السَّادِسَة
ثمَّ خرج لَيْلَة الْخَامِسَة فصلى بِنَا حَتَّى مضى شطر
اللَّيْل فَقُلْنَا يَا رَسُول الله لَو نفلتنا فَقَالَ
إِن الْقَوْم إِذا صلوا مَعَ الإِمَام حَتَّى ينْصَرف كتب
لَهُم قيام تِلْكَ اللَّيْلَة ثمَّ لم يصل بِنَا
الرَّابِعَة حَتَّى إِذا كَانَت لَيْلَة الثَّالِثَة خرج
وَخرج بأَهْله فصلى بِنَا حَتَّى خشينا أَن يفوتنا
الْفَلاح فَقلت وَمَا الْفَلاح قَالَ السّحُور " أخرجه
الطَّحَاوِيّ وأخره التِّرْمِذِيّ نَحوه غير أَن فِي لَفظه
" من قَامَ مَعَ الإِمَام حَتَّى ينْصَرف كتب لَهُ قيام
لَيْلَة " وَأخرجه النَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه أَيْضا
ويحكى ذَلِك عَن عمر بن الْخطاب وَمُحَمّد بن سِيرِين
وَطَاوُس (قلت) هُوَ مَذْهَب أَصْحَابنَا الْحَنَفِيَّة
وَقَالَ صَاحب الْهِدَايَة يسْتَحبّ أَن يجْتَمع النَّاس
فِي شهر رَمَضَان بعد الْعشَاء فَيصَلي بهم إمَامهمْ خمس
ترويحات ثمَّ قَالَ وَالسّنة فِيهَا الْجَمَاعَة لَكِن على
وَجه الْكِفَايَة حَتَّى لَو امْتنع أهل الْمَسْجِد من
إِقَامَتهَا كَانُوا مسيئين وَلَو أَقَامَهَا الْبَعْض
فالمتخلف عَن الْجَمَاعَة تَارِك للفضيلة لِأَن أَفْرَاد
الصَّحَابَة يرْوى عَنْهُم التَّخَلُّف (قلت) روى
الطَّحَاوِيّ عَن نَافِع " عَن ابْن عمر أَنه كَانَ لَا
يُصَلِّي خلف الإِمَام فِي شهر
(7/177)
رَمَضَان " وَأخرج ابْن أبي شيبَة أَيْضا
فِي مُصَنفه " عَن ابْن عمر أَنه كَانَ لَا يقوم مَعَ
النَّاس فِي شهر رَمَضَان قَالَ وَكَانَ الْقَاسِم وَسَالم
لَا يقومان مَعَ النَّاس " وَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ
وَرَبِيعَة إِلَى أَن صلَاته فِي بَيته أفضل من صلَاته
مَعَ الإِمَام وَهُوَ قَول إِبْرَاهِيم وَالْحسن
الْبَصْرِيّ وَالْأسود وعلقمة وَقَالَ أَبُو عمر اخْتلفُوا
فِي الْأَفْضَل من الْقيام مَعَ النَّاس أَو الِانْفِرَاد
فِي شهر رَمَضَان فَقَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ صَلَاة
الْمُنْفَرد فِي بَيته أفضل وَقَالَ مَالك وَكَانَ ربيعَة
وَغير وَاحِد من عُلَمَائِنَا يَنْصَرِفُونَ وَلَا
يقومُونَ مَعَ النَّاس وَقَالَ مَالك وَأَنا أفعل ذَلِك
وَمَا قَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - إِلَّا فِي بَيته وَإِلَيْهِ مَال
الطَّحَاوِيّ وَرُوِيَ ذَلِك عَن ابْن عمر وَسَالم
وَالقَاسِم وَنَافِع أَنهم كَانُوا يَنْصَرِفُونَ وَلَا
يقومُونَ مَعَ النَّاس وَقَالَ التِّرْمِذِيّ وَاخْتَارَ
الشَّافِعِي أَن يُصَلِّي الرجل وَحده إِذا كَانَ قَارِئًا
وَالْكَلَام فِي التَّرَاوِيح على أَنْوَاع. الأول أَن
الْعلمَاء اخْتلفُوا فِيهَا هَل هِيَ سنة أَو تطوع
مُبْتَدأ فَقَالَ الإِمَام حميد الدّين الضزيري رَحمَه
الله نفس التَّرَاوِيح سنة وَأما أَدَاؤُهَا بِالْجَمَاعَة
فمستحب وروى الْحسن عَن أبي حنيفَة أَن نفس التَّرَاوِيح
سنة لَا يجوز تَركهَا وَقَالَ الصَّدْر الشَّهِيد هُوَ
الصَّحِيح وَفِي جَوَامِع الْفِقْه التَّرَاوِيح سنة
مُؤَكدَة وَالْجَمَاعَة فِيهَا وَاجِبَة وَفِي رَوْضَة
الْحَنَفِيَّة وَالْجَمَاعَة فَضِيلَة وَفِي الذَّخِيرَة
لنا عَن أَكثر الْمَشَايِخ أَن إِقَامَتهَا بِالْجَمَاعَة
سنة على الْكِفَايَة الثَّانِي أَن عَددهَا عشرُون رَكْعَة
وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَأحمد وَنَقله القَاضِي عَن
جُمْهُور الْعلمَاء وَحكي أَن الْأسود بن يزِيد كَانَ يقوم
بِأَرْبَعِينَ رَكْعَة ويوتر بِسبع وَعند مَالك سِتَّة
وَثَلَاثُونَ رَكْعَة غير الْوتر وَاحْتج على ذَلِك
بِعَمَل أهل الْمَدِينَة وَاحْتج أَصْحَابنَا
وَالشَّافِعِيَّة والحنابلة بِمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ
بِإِسْنَاد صَحِيح " عَن السَّائِب بن يزِيد الصَّحَابِيّ
قَالَ كَانُوا يقومُونَ على عهد عمر رَضِي الله تَعَالَى
عَنهُ بِعشْرين رَكْعَة وعَلى عهد عُثْمَان وَعلي رَضِي
الله تَعَالَى عَنْهُمَا مثله " وَفِي الْمُغنِي عَن عَليّ
أَنه أَمر رجلا أَن يُصَلِّي بهم فِي رَمَضَان بِعشْرين
رَكْعَة قَالَ وَهَذَا كالإجماع (فَإِن قلت) قَالَ فِي
الْمُوَطَّأ عَن يزِيد بن رُومَان قَالَ كَانَ النَّاس فِي
زمن عمر يقومُونَ فِي رَمَضَان بِثَلَاث وَعشْرين رَكْعَة
(قلت) قَالَ الْبَيْهَقِيّ وَالثَّلَاث هُوَ الْوتر
وَيزِيد لم يدْرك عمر فَيكون مُنْقَطِعًا وَالْجَوَاب
عَمَّا قَالَه مَالك أَن أهل مَكَّة كَانُوا يطوفون بَين
كل ترويحتين وَيصلونَ رَكْعَتي الطّواف وَلَا يطوفون بعد
الترويحة الْخَامِسَة فَأَرَادَ أهل الْمَدِينَة مساواتهم
فَجعلُوا مَكَان كل طواف أَربع رَكْعَات فزادوا سِتّ عشرَة
رَكْعَة وَمَا كَانَ عَلَيْهِ أَصْحَاب رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَحَق وَأولى أَن
يتبع الثَّالِث فِي وَقتهَا وَهُوَ بعد الْعشَاء وَقبل
الْوتر عندنَا وَهُوَ قَول عَامَّة مَشَايِخ بُخَارى
وَالأَصَح أَن وَقتهَا بعد الْعشَاء إِلَى آخر اللَّيْل
قبل الْوتر وَبعده وَفِي الْمَبْسُوط الْمُسْتَحبّ فعلهَا
إِلَى نصف اللَّيْل أَو ثلثه كَمَا فِي الْعشَاء وَفِي
الْمُحِيط لَا يجوز قبل الْعشَاء وَيجوز بعد الْوتر وَلم
يحك فِيهِ خلافًا. الرَّابِع أَن أَكثر الْمَشَايِخ على
أَن السّنة فِيهَا الْخَتْم فَلَا يتْرك لكسل الْقَوْم
وَقيل يقْرَأ مِقْدَار مَا يقْرَأ فِي الْمغرب تَحْقِيقا
للتَّخْفِيف قَالَ شمس الْأَئِمَّة هَذَا غير مستحسن وَقيل
يقْرَأ من عشْرين آيَة إِلَى ثَلَاثِينَ آيَة كَمَا أَمر
عمر بن الْخطاب أحد الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة على مَا
رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ بِإِسْنَادِهِ عَن أبي عُثْمَان
النَّهْدِيّ قَالَ دَعَا عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ
بذلك من الْقُرَّاء فاستقرأهم فَأمر أسرعهم قِرَاءَة أَن
يقْرَأ للنَّاس بِثَلَاثِينَ آيَة فِي كل رَكْعَة وأوسطهم
بِخمْس وَعشْرين آيَة وأبطأهم بِعشْرين آيَة (وَمن
فَوَائِد الحَدِيث الْمَذْكُور) جَوَاز الِاقْتِدَاء بِمن
لم ينْو إِمَامَته وَهُوَ مَذْهَب الْجُمْهُور إِلَّا
رِوَايَة عَن الشَّافِعِي. وَفِيه إِذا تَعَارَضَت مصلحَة
وَخَوف مفْسدَة أَو مصلحتان اعْتبر أهمهما لِأَنَّهُ -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ رأى الصَّلَاة
فِي الْمَسْجِد لبَيَان الْجَوَاز أَو أَنه كَانَ معتكفا
فَلَمَّا عَارضه خوف الافتراض عَلَيْهِم تَركه لعظم
الْمفْسدَة الَّتِي تخَاف من عجزهم وتركهم الْفَرْض.
وَفِيه أَن الإِمَام أَو كَبِير الْقَوْم إِذا فعل شَيْئا
خلاف مَا يتوقعه أَتْبَاعه وَكَانَ لَهُ عذر فِيهِ يذكرهُ
لَهُم تطييبا لقُلُوبِهِمْ وإصلاحا لذات الْبَيْت لِئَلَّا
يَظُنُّوا خلاف هَذَا وَرُبمَا ظنُّوا ظن السوء وَفِيه
جَوَاز الْفِرَار من قدر الله إِلَى قدر الله قَالَه
الْمُهلب. وَفِيه مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِي - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الزهادة فِي الدُّنْيَا
والاكتفاء بِمَا قل مِنْهَا والشفقة على أمته والرأفة بهم.
وَفِيه الْأَذَان وَالْإِقَامَة للنوافل إِذا صليت جمَاعَة
قَالَ ابْن بطال. وَفِيه أَن قيام رَمَضَان سنة
بِالْجَمَاعَة وَلَيْسَ كَمَا زَعمه بَعضهم أَنه سنة عمر
رَضِي الله عَنهُ وَقَالَ أَجمعُوا على أَنه لَا يجوز
تَعْطِيل الْمَسَاجِد عَن قيام رَمَضَان فَهُوَ وَاجِب على
الْكِفَايَة
(7/178)
(بَاب قيام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى ترم قدماه)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان قيام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَعْنِي صَلَاة اللَّيْل هَذِه
التَّرْجَمَة على هَذَا الْوَجْه رِوَايَة كَرِيمَة وَفِي
رِوَايَة الْكشميهني بَاب قيام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - اللَّيْل قَوْله " حَتَّى ترم "
كلمة حَتَّى للغاية وَمَعْنَاهَا إِلَى أَن ترم وَلَفْظَة
ترم مَنْصُوبَة بِأَن الْمقدرَة وَهُوَ بِفَتْح التَّاء
الْمُثَنَّاة من فَوق فعل مضارع للمؤنث وماضيه ورم وَهُوَ
من بَاب فعل يفعل بِالْكَسْرِ فيهمَا تَقول ورم يرم ورما
وَمعنى ورم انتفخ وأصل ترم تورم فحذفت الْوَاو مِنْهُ
كَمَا حذفت من بعد ويمق وَنَحْوهمَا فِي كل مَا جَاءَ فِي
هَذَا الْبَاب قيل هَذَا شَاذ وَقيل نَادِر وَلَيْسَ
كَذَلِك وَإِنَّمَا هُوَ قَلِيل لِأَنَّهُ لَا يدْخل فِي
دعائم الْأَبْوَاب وَقَوله " قدماه " مَرْفُوع لِأَنَّهُ
فَاعل ترم.
(وَقَالَت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَامَ النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حَتَّى تفطر قدماه
والفطور الشقوق انفطرت انشقت) ويروى " قَامَ رَسُول الله -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَفِي رِوَايَة
الْكشميهني قَالَت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا "
كَانَ يقوم " وَهَذَا التَّعْلِيق أخرجه البُخَارِيّ فِي
التَّفْسِير مُسْندًا فِي سُورَة الْفَتْح " حَتَّى تفطر "
على وزن تفعل بِالتَّشْدِيدِ بتاء وَاحِدَة وَهُوَ على
صِيغَة الْمَاضِي فَتكون الرَّاء مَفْتُوحَة وَفِي
رِوَايَة الْأصيلِيّ تتفطر بتاءين وَقد يَأْتِي فِيمَا
كَانَ بتاءين حذف إِحْدَاهمَا كَمَا فِي قَوْله " نَار
تلظى " أَصله تتلظى بتاءين فَلم تحذف هَهُنَا فعلى هَذَا
تكون الرَّاء مَضْمُومَة وعَلى الأَصْل رِوَايَة
الْأصيلِيّ وَقَوله " قدماه " مَرْفُوع لِأَنَّهُ فَاعل "
تفطر ".
(حَدثنَا أَبُو نعيم قَالَ حَدثنَا مسعر عَن زِيَاد قَالَ
سَمِعت الْمُغيرَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول إِن كَانَ
النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ليقوم
أَو ليُصَلِّي حَتَّى ترم قدماه أَو ساقاه فَيُقَال لَهُ
فَيَقُول أَفلا أكون عبدا شكُورًا) مطابقته للتَّرْجَمَة
ظَاهِرَة. (ذكر رِجَاله) وهم أَرْبَعَة. الأول أَبُو نعيم
الْفضل بن دُكَيْن. الثَّانِي مسعر بِكَسْر الْمِيم بن
كدام العامري الْهِلَالِي مر فِي بَاب الْوضُوء بِالْمدِّ.
الثَّالِث زِيَاد بِكَسْر الزَّاي وَتَخْفِيف الْيَاء آخر
الْحُرُوف ابْن علاقَة الثَّعْلَبِيّ مر فِي آخر كتاب
الْإِيمَان. الرَّابِع الْمُغيرَة بن شُعْبَة. (ذكر لطائف
إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين
وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَفِيه السماع وَفِيه القَوْل
فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه أَن رجال إِسْنَاده كوفيون
وَهُوَ من الرباعيات وَفِيه مسعر عَن زِيَاد وَقَالَ
البُخَارِيّ فِي الرقَاق عَن خَلاد بن يحيى عَن مسعر
حَدثنَا زِيَاد بن علاقَة والحفاظ من أَصْحَاب مسعر رووا
عَنهُ عَن زِيَاد وَخَالفهُم مُحَمَّد بن بشر وَحده
فَرَوَاهُ عَن مسعر عَن قَتَادَة عَن أنس أخرجه الْبَزَّار
وَقَالَ الصَّوَاب عَن مسعر عَن زِيَاد وَأخرجه
الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير من رِوَايَة أبي قَتَادَة
الْحَرَّانِي عَن مسعر عَن عَليّ بن الْأَقْمَر عَن أبي
جُحَيْفَة قيل أَخطَأ فِيهِ أَيْضا وَالصَّوَاب مسعر عَن
زِيَاد بن علاقَة (قلت) مسعر كَمَا روى عَن زِيَاد روى
أَيْضا عَن عَليّ بن الْأَقْمَر فَمَا وَجه التخطئة وَلم
يبين مدعيها (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه
البُخَارِيّ أَيْضا فِي الرقَاق عَن خَلاد بن يحيى وَفِي
التَّفْسِير عَن صَدَقَة ابْن الْفضل عَن سُفْيَان بن
عُيَيْنَة وَأخرجه مُسلم فِي أَوَاخِر الْكتاب عَن
قُتَيْبَة وَعَن ابْن أبي شيبَة وَمُحَمّد بن عبد الله بن
نمير وَأخرجه التِّرْمِذِيّ فِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة
وَبشر بن معَاذ وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن قُتَيْبَة
وَعمر بن مَنْصُور وَفِي التَّفْسِير عَن قُتَيْبَة أَيْضا
عَن أبي عوَانَة بِهِ وَفِي الرقَاق عَن سُوَيْد بن نصر
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن هِشَام بن عمار
(ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " إِن كَانَ ليقوم " كلمة إِن
مُخَفّفَة من الثَّقِيلَة وَهِي بِكَسْر الْهمزَة وَضمير
الشَّأْن فِيهِ مَحْذُوف وَالتَّقْدِير أَنه كَانَ
وَاللَّام فِي ليقوم مَفْتُوحَة للتَّأْكِيد وَفِي
رِوَايَة كَرِيمَة " ليقوم يُصَلِّي " وَفِي حَدِيث
عَائِشَة " كَانَ يقوم من اللَّيْل " قَوْله " أَو
ليُصَلِّي " شكّ من الرَّاوِي قَوْله " حَتَّى ترم " قد مر
تَفْسِيره عَن قريب وَفِي رِوَايَة خَلاد بن يحيى " حَتَّى
ترم أَو تنتفخ " وَعند التِّرْمِذِيّ " حَتَّى انتفخت
قدماه " وَفِي رِوَايَة للْبُخَارِيّ فِي تَفْسِير
الْفَتْح " حَتَّى تورمت " وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ
عَن أبي
(7/179)
هُرَيْرَة حَتَّى تزلع وَلَا اخْتِلَاف فِي
الْحَقِيقَة فِي هَذِه الرِّوَايَة لِأَن كلهَا ترجع إِلَى
معنى وَاحِد وروى الْبَزَّار من حَدِيث مُحَمَّد بن عبد
الرَّحْمَن بن سفينة عَن أَبِيه عَن جده " أَن النَّبِي -
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تعبد قبل أَن يَمُوت
وَاعْتَزل النِّسَاء حَتَّى صَار كَأَنَّهُ شن " وَفِي
سَنَده مُحَمَّد بن الْحجَّاج قَالَ ابْن معِين لَيْسَ
بِثِقَة قَوْله " أَو ساقاه " شكّ من الرَّاوِي وَفِي
رِوَايَة خَلاد " قدماه " من غير شكّ قَوْله " فَيُقَال
لَهُ " لم يذكر الْمَقُول وَلَا بَين الْقَائِل من هُوَ
أما الْمَقُول فمقدر تَقْدِيره فَيُقَال لَهُ غفر الله لَك
مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر وَفِي حَدِيث أبي
هُرَيْرَة أخرجه الْبَزَّار " فَقيل لَهُ يَا رَسُول الله
أتفعل هَذَا وَقد جَاءَك من الله أَن قد غفر لَك مَا تقدم
من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر " وَفِي حَدِيث أنس أخرجه
الْبَزَّار أَيْضا وَأَبُو يعلى وَالطَّبَرَانِيّ فِي
الْأَوْسَط " فَقيل لَهُ أَلَيْسَ قد غفر الله لَك مَا
تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر " وَفِي حَدِيث ابْن
مَسْعُود أخرجه الطَّبَرَانِيّ الصَّغِير " فَقيل لَهُ يَا
رَسُول الله أوليس الله قد غفر لَك " وَفِي حَدِيث
النُّعْمَان بن بشير أخرجه الطَّبَرَانِيّ " فَقيل يَا
رَسُول الله أوليس الله قد غفر لَك " وَفِي حَدِيث أبي
جُحَيْفَة أخرجه الطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير " فَقيل يَا
رَسُول الله قد غفر الله لَك " وَأما بَيَان الْقَائِل
فَفِي حَدِيث عَائِشَة " لم تصنع هَذَا يَا رَسُول الله
وَقد غفر الله لَك " وَفِي رِوَايَة أبي عوَانَة " فَقيل
لَهُ أتتكلف هَذَا " قَوْله " أَفلا أكون عبدا شكُورًا "
الْفَاء فِيهِ للسَّبَبِيَّة بَيَان أَن الشُّكْر سَبَب
للمغفرة والتهجد هُوَ الشُّكْر فَلَا يتْركهُ (ذكر مَا
يُسْتَفَاد مِنْهُ) قَالَ ابْن بطال فِيهِ أَن أَخذ
الْإِنْسَان على نَفسه بالشدة فِي الْعِبَادَة وَإِن أضرّ
ذَلِك بِبدنِهِ وَله أَن يَأْخُذ بِالرُّخْصَةِ ويكلف
نَفسه بِمَا سمحت إِلَّا أَن الْأَخْذ بالشدة أفضل
لِأَنَّهُ إِذا فعل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- وَقد غفر لَهُ فَكيف من لم يعلم أَنه اسْتحق النَّار أم
لَا وَإِنَّمَا ألزم الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة
وَالسَّلَام أنفسهم شدَّة الْخَوْف لعلمهم عَظِيم نعْمَة
الله عَلَيْهِم وَأَنه ابتدأهم بهَا قبل اسْتِحْقَاقهَا
فبذلوا مجهودهم فِي شكره مَعَ أَن حُقُوق الله تَعَالَى
أعظم من أَن يقوم بهَا الْعباد وَقَالَ بعض الْعلمَاء مَا
ورد فِي الْقُرْآن وَالسّنة من ذكر ذَنْب لبَعض
الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام كَقَوْلِه
{وَعصى آدم ربه فغوى} وَنَحْو ذَلِك فَلَيْسَ لنا أَن
نقُول ذَلِك فِي غير الْقُرْآن وَالسّنة حَيْثُ ورد ويؤول
ذَلِك على ترك الأولى وَسميت ذنوبا لعظم مقدارهم كَمَا
قَالَ بَعضهم حَسَنَات الْأَبْرَار سيئات المقربين وعَلى
هَذَا فَمَا وَجه قَول من سَأَلَهُ من الصَّحَابَة بقوله "
أتتكلف هَذَا وَقد غفر لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا
تَأَخّر " وَالْجَوَاب أَن من سَأَلَهُ عَن ذَلِك إِنَّمَا
أَرَادَ بِهِ مَا وَقع فِي سُورَة الْفَتْح وَلَعَلَّ بعض
الروَاة اختصر عزو ذَلِك إِلَى الله لما جَاءَ فِي حَدِيث
أبي هُرَيْرَة " تفعل ذَلِك وَقد جَاءَك من الله أَن قد
غفر لَك مَا تقدم من ذَنْبك وَمَا تَأَخّر " وَلَك أَن
تَقول دلّ قَوْله " وَمَا تَأَخّر " على انْتِفَاء الذَّنب
لِأَن مَا لم يَقع إِلَى الْآن لَا يُسمى ذَنبا فِي
الْخَارِج وَأَرَادَ الله تأمينه بذلك لشدَّة خَوفه حَيْثُ
قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "
إِنِّي لأعلمكم بِاللَّه وأشدكم لَهُ خشيَة " فَأَرَادَ
لَو وَقع مِنْك ذَنْب لَكَانَ مغفورا وَلَا يلْزم من فرض
ذَلِك وُقُوعه وَالله تَعَالَى أعلم. وَفِي " أَفلا أكون
عبدا شكُورًا " أَن الشُّكْر يكون بِالْعَمَلِ كَمَا يكون
بِاللِّسَانِ وَمِنْه قَوْله تَعَالَى {اعْمَلُوا آل
دَاوُد شكرا} فَإِذا وَفقه الله تَعَالَى لعمل صَالح شكر
ذَلِك بِعَمَل آخر ثمَّ يكون شكر ذَلِك الْعلم الثَّانِي
بِعَمَل آخر ثَالِث فيتسلسل ذَلِك إِلَى غير نِهَايَة
(بَاب من نَام عِنْد السحر)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم من نَام عِنْد السحر وَفِي
رِوَايَة الْأصيلِيّ والكشميهني " عِنْد السّحُور " السحر
بِفتْحَتَيْنِ قبيل الصُّبْح تَقول لَقيته سحرنَا هَذَا
إِذا أردْت بِهِ سحر ليلتك لم تصرفه لِأَنَّهُ معدول عَن
الْألف وَاللَّام وَهُوَ معرفَة وَقد غلب عَلَيْهِ
التَّعْرِيف بِغَيْر إِضَافَة وَلَا ألف وَلَام وَإِذا
أردْت بِسحر بكرَة صرفته كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى
{إِلَّا آل لوط نجيناهم بِسحر} والسحور مَا يتسحر بِهِ
وَهُوَ أَيْضا لَا يكون إِلَّا قبيل الصُّبْح وَلكُل
وَاحِد من الرِّوَايَتَيْنِ وَجه وَلَكِن عِنْد السحر أوجه
وَأقرب
160 - (حَدثنَا عَليّ بن عبد الله قَالَ حَدثنَا سُفْيَان
قَالَ حَدثنَا عَمْرو بن دِينَار أَن عَمْرو بن أَوْس
أخبرهُ أَن عبد الله بن عَمْرو بن العَاصِي رَضِي الله
عَنْهُمَا أخبرهُ أَن رَسُول الله
(7/180)
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -
قَالَ أحب الصَّلَاة إِلَى الله صَلَاة دَاوُد عَلَيْهِ
السَّلَام وَأحب الصّيام إِلَى الله صِيَام دَاوُد وَكَانَ
ينَام نصف اللَّيْل وَيقوم ثلثه وينام سدسه ويصوم يَوْمًا
وَيفْطر يَوْمًا) مطابقته للتَّرْجَمَة " وينام سدسه "
وَهُوَ النّوم عِنْد السحر كَمَا سنبينه عَن قريب (ذكر
رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول عَليّ بن عبد الله
الْمَعْرُوف بِابْن الْمَدِينِيّ. الثَّانِي سُفْيَان بن
عُيَيْنَة. الثَّالِث عَمْرو بن دِينَار. الرَّابِع عَمْرو
بن أَوْس الثَّقَفِيّ الْمَكِّيّ مَاتَ سنة أَرْبَعَة
وَتِسْعين وَفِي تذهيب التَّهْذِيب عَمْرو بن أَوْس
الثَّقَفِيّ الطَّائِفِي ذكره ابْن حبَان فِي الثِّقَات
وَقَالَ بَعضهم هُوَ تَابِعِيّ كَبِير وَوهم من ذكره فِي
الصَّحَابَة وَإِنَّمَا الصُّحْبَة لِأَبِيهِ وَذكر
الذَّهَبِيّ عَمْرو بن أَوْس فِي تَجْرِيد الصَّحَابَة
وَقَالَ عَمْرو بن أَوْس الثَّقَفِيّ الطَّائِفِي لَهُ
وفادة وَرِوَايَة روى عَنهُ ابْنه عُثْمَان. الْخَامِس عبد
الله بن عَمْرو بن الْعَاصِ (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ
التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع وَفِيه
الْإِخْبَار بِصِيغَة الْإِفْرَاد فِي موضِعين وَفِيه أَن
شَيْخه مدنِي والبقية مكيون وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ
عَن التَّابِعِيّ عَن الصَّحَابِيّ وعَلى قَول من يَقُول
أَن عَمْرو بن أَوْس من الصَّحَابَة يكون فِيهِ رِوَايَة
الصَّحَابِيّ عَن الصَّحَابِيّ. (ذكر تعدد مَوْضِعه وَمن
أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا فِي أَحَادِيث
الْأَنْبِيَاء عَن قُتَيْبَة وَأخرجه مُسلم فِي الصَّوْم
عَن أبي بكر بن أبي شيبَة وَزُهَيْر بن حَرْب كِلَاهُمَا
عَن سُفْيَان وَعَن مُحَمَّد بن رَافع عَن عبد الرَّزَّاق
وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن أَحْمد بن حَنْبَل
وَمُحَمّد بن عِيسَى ومسدد ثَلَاثَتهمْ عَن سُفْيَان بِهِ
وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ وَفِي الصَّلَاة عَن قُتَيْبَة
بِهِ وَأخرجه ابْن ماجة فِي الصَّوْم عَن إِبْرَاهِيم بن
مُحَمَّد الشَّافِعِي الْمَكِّيّ عَن سُفْيَان بِهِ (ذكر
مَعْنَاهُ) قَوْله " لَهُ " أَي لعبد الله بن عَمْرو
قَوْله " أحب الصَّلَاة إِلَى الله " لَفْظَة أحب بِمَعْنى
المحبوب وَهُوَ قَلِيل إِذْ غَالب أفعل التَّفْضِيل أَن
يكون بِمَعْنى الْفَاعِل وَإِطْلَاق الْمحبَّة على الله
تَعَالَى كِنَايَة عَن إِرَادَة الْخَيْر قَوْله " صَلَاة
دَاوُد عَلَيْهِ السَّلَام " وَقَالَ الْمُهلب كَانَ
دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام يجم نفس بنوم أول
اللَّيْل ثمَّ يقوم فِي الْوَقْت الَّذِي يُنَادي فِيهِ
الرب هَل من سَائل فَأعْطِيه سؤله هَل من مُسْتَغْفِر
فَأغْفِر لَهُ ثمَّ يسْتَدرك من النّوم مَا يستريح بِهِ من
نصب الْقيام فِي بَقِيَّة اللَّيْل وَإِنَّمَا صَار ذَلِك
أحب إِلَى الله من أجل الْأَخْذ بالرفق على النُّفُوس
الَّتِي يخْشَى مِنْهَا السَّآمَة الَّتِي هِيَ سَبَب ترك
الْعِبَادَة وَالله يحب أَن يديم فَضله ويوالي إحسانه
وَقيل يُرَاد بقوله " أحب الصَّلَاة إِلَى الله صَلَاة
دَاوُد " من عدا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّم َ - لقَوْله تَعَالَى {يَا أَيهَا المزمل قُم
اللَّيْل إِلَّا قَلِيلا} الْآيَات وَفِيه نظر لِأَن هَذَا
الْأَمر قد نسخ وَفِي كتاب الْمحَامِلِي وَإِن صلى بعض
اللَّيْل فَأَي وَقت أفضل فِيهِ قَولَانِ أَحدهمَا أَن
يُصَلِّي جَوف اللَّيْل وَالثَّانِي وَقت السحر ليُصَلِّي
بِهِ صَلَاة الْفجْر قَوْله " وَأحب الصّيام إِلَى الله
صِيَام دَاوُد " ظَاهره أَنه أفضل من صَوْم الدَّهْر عِنْد
عدم التضرر وَلَا شكّ أَن الْمُكَلف لم يتعبد بالصيام
خَاصَّة بل بِهِ وبالحج وبالجهاد وَغير ذَلِك فَإِذا
استفرغ جهده فِي الصَّوْم خَاصَّة انْقَطَعت قوته وَبَطلَت
سَائِر الْعِبَادَات فَأمر أَن يستبقي قوته قَوْله "
وَكَانَ " أَي دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام
وَهَذَا بَيَان صلَاته وَقَوله " ويصوم يَوْمًا وَيفْطر
يَوْمًا " بَيَان صِيَامه
161 - (حَدثنِي عَبْدَانِ قَالَ أَخْبرنِي أبي عَن شُعْبَة
عَن أَشْعَث قَالَ سَمِعت أبي قَالَ سَمِعت مسروقا قَالَ
سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَي الْعَمَل كَانَ
أحب إِلَى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- قَالَت الدَّائِم قلت مَتى كَانَ يقوم قَالَت يقوم إِذا
سمع الصَّارِخ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " إِذا
سمع الصَّارِخ " والصارخ هُوَ الديك وَإِنَّمَا كَانَ
يصْرخ فِي حُدُود الثُّلُث الْأَخير وَوقت السحر فِيهِ
(ذكر رِجَاله) وهم سَبْعَة الأول عَبْدَانِ بِفَتْح الْعين
الْمُهْملَة وَسُكُون الْبَاء الْمُوَحدَة واسْمه عبد الله
وعبدان لقب عَلَيْهِ وَقد مر فِي كتاب الْوَحْي الثَّانِي
أَبوهُ عُثْمَان بن جبلة بِفَتْح الْجِيم وَالْبَاء
الْمُوَحدَة مر فِي بَاب تَضْييع الصَّلَاة عَن وَقتهَا
الثَّالِث شُعْبَة بن الْحجَّاج وَقد تكَرر ذكره الرَّابِع
أَشْعَث بِسُكُون الشين الْمُعْجَمَة وَفتح الْعين
الْمُهْملَة وَفِي آخِره تَاء مُثَلّثَة الْخَامِس أَبوهُ
أَبُو الشعْثَاء واسْمه سليم بن أسود الْمحَاربي السَّادِس
مَسْرُوق بن الأجدع
(7/181)
السَّابِع عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة
الْجمع فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه الْإِخْبَار بِصِيغَة
الْإِفْرَاد فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه العنعنة فِي موضِعين
وَفِيه السماع فِي موضِعين وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة
مَوَاضِع وَفِيه السُّؤَال فِي مَوضِع وَاحِد وَفِيه أَن
شَيْخه مروزي سكن الْبَصْرَة وَأَبوهُ كَذَلِك وَشعْبَة
واسطي وَأَشْعَث وَأَبوهُ ومسروق كوفيون وَفِيه أَن شَيْخه
مَذْكُور بلقبه وَفِيه رِوَايَة الابْن عَن الْأَب فِي
موضِعين وَفِيه رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن الصحابية. (ذكر
تعدد مَوْضِعه وَمن أخرجه غَيره) أخرجه البُخَارِيّ أَيْضا
فِي هَذَا الْبَاب عَن مُحَمَّد عَن أبي الْأَحْوَص
وَأخرجه فِي الرقَاق أَيْضا عَن عَبْدَانِ عَن أَبِيه
وَأخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن هناد عَن أبي الْأَحْوَص
بِهِ وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن إِبْرَاهِيم بن
مُوسَى الرَّازِيّ وهناد بن السّري كِلَاهُمَا عَن أبي
الْأَحْوَص وَأخرجه النَّسَائِيّ فِيهِ عَن مُحَمَّد بن
إِبْرَاهِيم بن صدران (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " الدَّائِم
" مَرْفُوع لِأَنَّهُ خبر مُبْتَدأ مَحْذُوف وَهُوَ من
الدَّوَام وَهُوَ الْمُلَازمَة الْعُرْفِيَّة لَا شُمُول
الْأَزْمِنَة لِأَنَّهُ مُتَعَذر وَمَا ذَاك إِلَّا
تَكْلِيف بِمَا لَا يُطَاق وَيُقَال الدَّوَام على
الْعَمَل الْقَلِيل يكون أَكثر وَإِذا تكلّف الْمَشَقَّة
فِي الْعَمَل انْقَطع عَنهُ فَيكون أقل قَوْله " الصَّارِخ
" أَي الديك والصرخة الصَّيْحَة الشَّدِيدَة قَالَ
مُحَمَّد بن نَاصِر جرت الْعَادة بِأَن الديك يَصِيح عِنْد
نصف اللَّيْل غَالِبا وَقَالَ ابْن التِّين هُوَ مُوَافق
لقَوْل ابْن عَبَّاس نصف اللَّيْل أَو قبله بِقَلِيل أَو
بعده بِقَلِيل وَقَالَ ابْن بطال الصَّارِخ يصْرخ عِنْد
ثلث اللَّيْل فَكَانَ دَاوُد عَلَيْهِ الصَّلَاة
وَالسَّلَام يتحَرَّى الْوَقْت الَّذِي يُنَادي الله فِيهِ
هَل من سَائل كَذَا وَالْمرَاد من الدَّوَام قِيَامه كل
لَيْلَة فِي ذَلِك الْوَقْت لَا الدَّوَام الْمُطلق (قلت)
وَبِهَذَا يُجَاب عَمَّا يُقَال الصَّارِخ يدل على عدم
الدَّوَام فَيكون مناقضا لقَوْله " الدَّائِم " (ذكر مَا
يُسْتَفَاد مِنْهُ) فِيهِ الْحَث على المداومة على
الْعَمَل وَإِن قَلِيله الدَّائِم خير من كثير يَنْقَطِع
وَذَلِكَ لِأَن مَا يَدُوم عَلَيْهِ بِلَا مشقة وملل تكون
النَّفس بِهِ أنْشد وَالْقلب منشرحا بِخِلَاف مَا يتعاطاه
من الْأَعْمَال الشاقة فَإِنَّهُ بصدد أَن يتْركهُ كُله
أَو بعضه أَو يَفْعَله بِغَيْر الانشراح فيفوته خير كثير
وَفِيه الاقتصاد فِي الْعِبَادَة وَالنَّهْي عَن التعمق
فِيهَا.
162 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن سَلام قَالَ أخبرنَا أَبُو
الْأَحْوَص عَن الْأَشْعَث قَالَ إِذا سمع الصَّارِخ قَامَ
فصلى) هَذَا حَدِيث آخر فِي الحَدِيث السَّابِق رَوَاهُ
عَن مُحَمَّد وَهُوَ ابْن سَلام وَكَذَا هُوَ فِي رِوَايَة
أبي ذَر وَمُحَمّد بن سَلام وَكَذَا نسبه أَبُو عَليّ بن
السكن قَالَ الجياني فِي نُسْخَة أبي ذَر عَن أبي أَحْمد
الْحَمَوِيّ حَدثنَا مُحَمَّد بن سَالم وَقَالَ أَبُو
الْوَلِيد الْبَاجِيّ مُحَمَّد ابْن سَالم وسَاق الحَدِيث
حَدثنَا مُحَمَّد بن سَالم وعَلى سَالم عَلامَة
الْحَمَوِيّ قَالَ وَسَأَلت عَنهُ أَبَا ذَر فَقَالَ
أرَاهُ ابْن سَلام وسها فِيهِ أَبُو مُحَمَّد الْحَمَوِيّ
وَلَا أعلم فِي طبقَة البُخَارِيّ مُحَمَّد بن سَالم
وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن مُحَمَّد بن يحيى
الْمروزِي حَدثنَا خلف بن هِشَام حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص
عَن أَشْعَث عَن أَبِيه عَن مَسْرُوق وَالْأسود قَالَ
سَأَلت عَائِشَة الحَدِيث ثمَّ قَالَ وَلم يذكر
البُخَارِيّ بعد أَشْعَث فِي هَذَا أحدا وَأَبُو
الْأَحْوَص اسْمه سَلام بن سليم الْكُوفِي مر فِي بَاب
النَّحْر بالمصلى وَأخرجه مُسلم من طَرِيقه فَقَالَ
حَدثنِي هناد بن السّري قَالَ حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص
عَن أَشْعَث عَن أَبِيه " عَن مَسْرُوق قَالَ سَأَلت
عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عَن عمل رَسُول الله
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَت كَانَ
يحب الدَّائِم قَالَ قلت أَي حِين كَانَ يُصَلِّي فَقَالَت
كَانَ إِذا سمع الصَّارِخ قَامَ فصلى " وَرَوَاهُ أَبُو
دَاوُد أَيْضا حَدثنَا إِبْرَاهِيم أخبرنَا أَبُو
الْأَحْوَص وَحدثنَا هناد عَن أبي الْأَحْوَص وَهَذَا
حَدِيث إِبْرَاهِيم عَن أَشْعَث عَن أَبِيه " عَن مَسْرُوق
قَالَ سَأَلت عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا عَن
صَلَاة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ
- فَقلت لَهَا أَي حِين كَانَ يُصَلِّي قَالَت كَانَ إِذا
سمع الصُّرَاخ قَامَ فصلى " قَوْله " إِذا سمع الصُّرَاخ "
أَي صياح الديك وَهَذَا يدل على أَن قِيَامه - صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يكون فِي الثُّلُث
الْأَخير من اللَّيْل لِأَن الديك مَا يكثر الصياح إِلَّا
فِي ذَلِك الْوَقْت وَإِنَّمَا اخْتَار - صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَذَا الْوَقْت لِأَنَّهُ وَقت
نزُول الرَّحْمَة وَوقت السّكُون وهدو الْأَصْوَات.
163 - (حَدثنَا مُوسَى بن إِسْمَاعِيل قَالَ حَدثنَا
إِبْرَاهِيم بن سعد قَالَ ذكر أبي عَن أبي سَلمَة
(7/182)
عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا قَالَت
مَا ألفاه السحر عِنْدِي إِلَّا نَائِما تَعْنِي النَّبِي
- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) -
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن نَومه صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كَانَ عِنْد السحر.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: مُوسَى بن إِسْمَاعِيل
الْمنْقري الَّذِي يُقَال لَهُ التَّبُوذَكِي. الثَّانِي:
إِبْرَاهِيم بن سعد بن إِبْرَاهِيم بن عبد الرَّحْمَن بن
عَوْف أَبُو إِسْحَاق الزُّهْرِيّ، كَانَ على قَضَاء
بَغْدَاد. الثَّالِث: أَبوهُ سعد بن إِبْرَاهِيم.
الرَّابِع: أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف.
الْخَامِس: أم الْمُؤمنِينَ عَائِشَة، رَضِي الله تَعَالَى
عَنْهَا.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: الرِّوَايَة بطرِيق الذّكر وَقد رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد عَن أبي تَوْبَة فَقَالَ: حَدثنَا
إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه. وَأخرجه الْإِسْمَاعِيلِيّ
عَن الْحسن بن سُفْيَان عَن جُمُعَة بن عبد الله عَن
إِبْرَاهِيم بن سعد عَن أَبِيه عَن عَمه أبي سَلمَة بن عبد
الرَّحْمَن بِهِ. وَفِيه: العنعنة فِي موضِعين. وَفِيه:
القَوْل فِي موضِعين. وَفِيه: رِوَايَة الابْن عَن الْأَب.
وَفِيه: رِوَايَة الرجل عَن عَمه وَهُوَ سعد بن
إِبْرَاهِيم يرْوى عَن عَمه كَمَا صرح بِهِ فِي رِوَايَة
الْإِسْمَاعِيلِيّ. وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن
التَّابِعِيّ، فَإِن سعد بن إِبْرَاهِيم من أجلة
التَّابِعين وفقهائهم وصالحيهم. وَفِيه: رِوَايَة
التَّابِعِيّ عَن الصحابية.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن أبي
كريب عَن مُحَمَّد بن بشر. وَأخرجه أَبُو دَاوُد فِيهِ عَن
أبي تَوْبَة الرّبيع بن نَافِع عَن إِبْرَاهِيم بن سعد،
وَأخرجه ابْن مَاجَه فِيهِ عَن عَليّ بن مُحَمَّد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (مَا ألفاه) ، بِالْفَاءِ أَي: مَا
وجده، يُقَال: الفيت الشَّيْء أَي: وجدته، وتلافيته أَي:
تداركته. قَالَ تَعَالَى: {وألفيا سَيِّدهَا لَدَى
الْبَاب} (يُوسُف: 52) . أَي: وجداه. قَوْله: (السحر)
بِالرَّفْع لِأَنَّهُ فَاعل (الفاه) ، وَالضَّمِير
الْمَنْصُوب فِي: ألفاه، رَاجع إِلَى النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَلَا يُقَال: إِنَّه إِضْمَار قبل الذّكر
لِأَن أَبَا سَلمَة كَانَ سَأَلت عَائِشَة عَن نوم
النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقت السحر بعد رَكْعَتي
الْفجْر، وكانتا فِي ذكر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ
وَسلم، وَأَيْضًا فسرت عَائِشَة الضَّمِير بقولِهَا:
تَعْنِي النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فَإِن قلت: وَقت
السحر يُطلق على قبيل الصُّبْح عِنْد أهل اللُّغَة،
وَأَيْضًا اشتقاق السّحُور مِنْهُ، لِأَنَّهُ لَا يجوز
إلاّ قبل انفجار الصُّبْح، فَهَل كَانَ نَومه فِي هَذَا
الْوَقْت أَو فِي غَيره؟ قلت: قَالَ بَعضهم: المُرَاد
نَومه بعد الْقيام الَّذِي مبدؤه عِنْد سَماع الصَّارِخ.
انْتهى. وَالَّذِي يظْهر لي أَنه اضطجاعه بعد رَكْعَتي
الْفجْر، وعَلى هَذَا ترْجم مُسلم فَقَالَ: بَاب
الِاضْطِجَاع بعد رَكْعَتي الْفجْر، ثمَّ روى الحَدِيث
الْمَذْكُور، فَقَالَ: حَدثنَا أَبُو كريب، قَالَ: حَدثنَا
ابْن بشر عَن مسعر عَن سعد عَن أبي سَلمَة (عَن عَائِشَة
مَا ألفى رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم السحر على
فِرَاشِي أَو عِنْدِي إلاّ نَائِما) . وَيُؤَيّد مَا
ذَكرْنَاهُ تَرْجَمَة الْبَاب الَّذِي عقيب الْبَاب
الْمَذْكُور، يظْهر ذَلِك بِالتَّأَمُّلِ، وَذكر بعض من
يعتني بشرح الْأَحَادِيث فِي (شرح سنَن أبي دَاوُد) فِي
تَفْسِير هَذَا الحَدِيث. قَوْله: (مَا ألفاه السحر
عِنْدِي إِلَّا نَائِما) يَعْنِي: مَا أَتَى عَلَيْهِ
السحر عِنْدِي إلاّ وَهُوَ نَائِم، فعلى هَذَا كَانَت
صلَاته بِاللَّيْلِ، وَفعله فِيهِ إِلَى السحر، وَيُقَال:
هَذَا النّوم هُوَ النّوم الَّذِي كَانَ دَاوُد، عَلَيْهِ
الصَّلَاة وَالسَّلَام، ينَام، وَهُوَ أَنه كَانَ ينَام
أول اللَّيْلَة ثمَّ يقوم فِي الْوَقْت الَّذِي يُنَادي
فِيهِ الله، عز وَجل، هَل من سَائل؟ ثمَّ يسْتَدرك من
النّوم مَا يستريح بِهِ من نصب الْقيام فِي اللَّيْل،
وَهَذَا هُوَ النّوم عِنْد السحر، على مَا بوب لَهُ
البُخَارِيّ، وَقَالَ ابْن التِّين: قَوْلهَا: (إلاّ
نَائِما) أَي: مُضْطَجعا على جنبه، لِأَنَّهَا قَالَت فِي
حَدِيث آخر: (فَإِن كنت يقظانة حدَّثني وإلاّ اضْطجع
حَتَّى يَأْتِيهِ الْمُنَادِي للصَّلَاة) ، فَيحصل بالضجعة
الرَّاحَة من نصب الْقيام، وَلما يستقبله من طول صَلَاة
الصُّبْح، فَلهَذَا كَانَ ينَام عِنْد السحر. وَقَالَ ابْن
بطال: النّوم وَقت السحر كَانَ يَفْعَله النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم فِي اللَّيَالِي الطوَال، وَفِي غير شهر
رَمَضَان، لِأَنَّهُ قد ثَبت عَنهُ تَأْخِير السّحُور، على
مَا يَأْتِي فِي الْبَاب الَّذِي بعده.
8 - (بابُ مَنْ تَسَحَّرَ ثُمَّ قامَ إِلَى الصَّلاَةِ
فَلَمْ يَنَمْ حَتَّى صَلَّى الصبْحَ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان حَال من تسحر ثمَّ قَامَ إِلَى
الصَّلَاة، أَي: صَلَاة الصُّبْح، فَلم ينم بعد التسحر
حَتَّى صلى الصُّبْح، هَذِه التَّرْجَمَة على هَذَا
الْوَجْه فِي رِوَايَة الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي،
وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بَاب من تسحر فَلم ينم
حَتَّى صلى الصُّبْح.
(7/183)
4311 - حدَّثنا يَعْقُوبُ بنُ إبْرَاهِيمَ
قَالَ حدَّثنا رَوْحٌ قَالَ حدَّثنا سعِيدٌ عنْ قَتَادَةَ
عَنْ أنَسِ بنِ مالِكٍ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أنَّ
نَبِيَّ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَزَيْدَ بنَ
ثَابِتٍ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ تَسَحَّرا فَلَمَّا
فَرَغَا مِنْ سَحُورِهِمَا قامَ نَبِيُّ الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم إلَى الصَّلاةِ فصَلَّى قُلْنَا لأِنَسٍ
كَمْ كانَ بَيْنِ فَرَاغِهِمَا مِنْ سَحُورِهِمَا
وَدُخُولِهِمَا فِي الصَّلاَةِ. قَالَ كَقَدْرِ مَا
يَقْرأُ الرَّجُلُ خَمْسِينَ آيَةً.
(أنظر الحَدِيث 675) .
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة، وَقد مضى الحَدِيث فِي:
بَاب وَقت الْفجْر، فِي كتاب مَوَاقِيت الصَّلَاة،
فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ: عَن عَمْرو ابْن عَاصِم عَن همام
عَن قَتَادَة عَن أنس، وَأخرجه أَيْضا هُنَاكَ: عَن الْحسن
بن الصَّباح سمع روح بن عبَادَة، قَالَ: حَدثنَا سعيد عَن
قَتَادَة عَن أنس، وَهنا أخرجه: عَن يَعْقُوب بن
إِبْرَاهِيم الدَّوْرَقِي عَن روح، بِفَتْح الرَّاء: ابْن
عبَادَة، وَقد مضى الْكَلَام فِيهِ مُسْتَوفى.
9 - (بابُ طُولِ الصَّلاَةِ فِي قِيَامِ اللَّيْلِ)
أَي: هَذَا بَاب فِي بَيَان طول الصَّلَاة فِي قيام
اللَّيْل، هَذِه التَّرْجَمَة على هَذَا الْوَجْه للحموي
وَالْمُسْتَمْلِي، وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين: بَاب طول
الْقيام فِي صَلَاة اللَّيْل، قَالَ بَعضهم: وَفِي حَدِيث
الْبَاب مُوَافق لرِوَايَة الْحَمَوِيّ، لِأَنَّهُ دَال
على طول الصَّلَاة لَا على طول الْقيام بِخُصُوصِهِ، إلاّ
أَن طول الصَّلَاة يسْتَلْزم طول الْقيام، لِأَن غير
الْقيام كالركوع مثلا لَا يكون أطول من الْقيام. قلت: لَا
نسلم أَن طول الصَّلَاة يسْتَلْزم طول الْقيام، فَمن أَيْن
الْمُلَازمَة؟ فَرُبمَا يطول الْمُصَلِّي رُكُوعه
وَسُجُوده أطول من قِيَامه، وَهُوَ غير مَمْنُوع لَا شرعا
وَلَا عقلا، وَقَوله: (كالركوع) ، مثلا: لَا يكون أطول من
الْقيام غير مُسلم، لِأَن عدم كَون الرُّكُوع أطول من
الْقيام مَمْنُوع، كَمَا ذكرنَا.
5311 - حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ حَرْبٍ قَالَ حدَّثنا
شُعْبَةُ عنِ الأعْمَشِ عَنْ أبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ
الله رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ قَالَ صَلَّيْتُ مَعَ
النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَيْلَةً فَلَمْ يَزَلْ
قائِما حَتَّى هَمَمْتُ بِأمْرِ سَوْءٍ قُلْنَا وَمَا
هَمَمْتُ أنْ أقْعُدَ وَأذَرَ النبيَصلى الله عَلَيْهِ
وَسلم.
مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة الدّلَالَة.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: سُلَيْمَان بن حَرْب
أَبُو أَيُّوب الواشحي، حكى البرقاني عَن الدَّارَقُطْنِيّ
أَن سُلَيْمَان بن حَرْب تفرد بِرِوَايَة هَذَا الحَدِيث
عَن شُعْبَة. الثَّانِي: شُعْبَة بن الْحجَّاج. الثَّالِث:
سُلَيْمَان الْأَعْمَش. الرَّابِع: أَبُو وَائِل، اسْمه
شَقِيق بن سَلمَة الْأَسدي. الْخَامِس: عبد الله بن
مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شَيْخه بَصرِي
وَشعْبَة واسطي وَالْأَعْمَش وَأَبُو وَائِل كوفيان.
وَفِيه: رِوَايَة التَّابِعِيّ عَن التَّابِعِيّ عَن
الصَّحَابِيّ.
ذكر من أخرجه غَيره: أخرجه مُسلم فِي الصَّلَاة عَن
عُثْمَان بن أبي شيبَة وَإِسْحَاق بن إِبْرَاهِيم،
كِلَاهُمَا عَن جرير وَعَن إِسْمَاعِيل ابْن الْخَلِيل
وسُويد بن سعيد، كِلَاهُمَا عَن عَليّ بن مسْهر. وَأخرجه
التِّرْمِذِيّ فِي الشَّمَائِل عَن سُفْيَان بن وَكِيع
وَعَن مَحْمُود بن غيلَان عَن سُلَيْمَان بن حَرْب وَأخرجه
ابْن مَاجَه فِي الصَّلَاة عَن عبد الله بن عَامر وسُويد
بن سعيد.
ذكر مَعْنَاهُ: قَوْله: (حَتَّى هَمَمْت) أَي: قصدت.
قَوْله: (بِأَمْر سوء) ، يجوز فِيهِ إِضَافَة أَمر إِلَى
سوء، وَيجوز أَن يكون: سوء صفة لأمر، وَهَذَا السوء من
جِهَة ترك الْأَدَب، وَصُورَة الْمُخَالفَة، وَإِن كَانَ
الْقعُود جَائِزا فِي النَّفْل مَعَ الْقُدْرَة على
الْقيام. قَوْله: (وأذر النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم)
أَي: أتركه، أَرَادَ أَن يقْعد لَا أَنه يخرج عَن
الصَّلَاة، وَهَذِه اللَّفْظَة أمات الْعَرَب ماضيها كَمَا
فِي: يدع.
ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ: قَالَ ابْن بطال، رَحمَه الله،
فِيهِ: دَلِيل على طول الْقيام فِي صَلَاة اللَّيْل، لِأَن
ابْن مَسْعُود، رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، كَانَ جلدا
قَوِيا محافظا على الِاقْتِدَاء بِالنَّبِيِّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم، وَمَا هم بالقعود إلاّ عَن طول كثير، وَقد
اخْتلف الْعلمَاء: هَل الْأَفْضَل فِي صَلَاة التَّطَوُّع
طول الْقيام أَو كَثْرَة الرُّكُوع وَالسُّجُود؟ فَذهب
بَعضهم إِلَى أَن كَثْرَة الرُّكُوع وَالسُّجُود أفضل،
وَاحْتَجُّوا
(7/184)
فِي ذَلِك بِمَا رَوَاهُ مُسلم عَن
ثَوْبَان: أفضل الْأَعْمَال كَثْرَة الرُّكُوع
وَالسُّجُود، قَالَه النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم،
وَلما سَأَلَهُ ربيعَة بن كَعْب مرافقته فِي الْجنَّة،
قَالَ: (أَعنِي على نَفسك بِكَثْرَة السُّجُود) ،
وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِمَا رَوَاهُ ابْن مَاجَه من حَدِيث
عبَادَة بن الصَّامِت أَنه سمع رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم يَقُول: (مَا من عبد يسْجد لله سَجْدَة
إلاَّ كتب الله، عز وَجل، لَهُ بهَا حَسَنَة ومحا عَنهُ
بهَا سَيِّئَة، وَرفع لَهَا بهَا دَرَجَة، فاستكثروا من
السُّجُود) . وروى ابْن مَاجَه أَيْضا من حَدِيث كثير بن
مرّة: (أَن أَبَا فَاطِمَة حَدثهُ، قَالَ: قلت: يَا رَسُول
الله {أَخْبرنِي بِعَمَل أستقيم عَلَيْهِ وأعمله} قَالَ:
عَلَيْك بِالسُّجُود فَإنَّك لَا تسْجد لله سَجْدَة إلاَّ
رفعك الله بهَا دَرَجَة وَحط عَنْك بهَا خَطِيئَة) وَبِمَا
روى الطَّحَاوِيّ، قَالَ: حَدثنَا فَهد، قَالَ: حَدثنَا
يحيى بن عبد الحميد، قَالَ: حَدثنَا أَبُو الْأَحْوَص
وخديج عَن أبي إِسْحَاق (عَن الْمخَارِق، قَالَ: خرجنَا
حجاجا فمررنا بالربذة، فَوَجَدنَا أَبَا ذَر قَائِما
يُصَلِّي، فرأيته لَا يُطِيل الْقيام وَيكثر الرُّكُوع
وَالسُّجُود، فَقلت لَهُ فِي ذَلِك فَقَالَ: مَا ألوت أَن
أحسن أَنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: من ركع رَكْعَة وَسجد سَجْدَة رَفعه الله بهَا
دَرَجَة وَحط عَنهُ بهَا خَطِيئَة) . وَأخرجه أَحْمد
أَيْضا فِي (مُسْنده) وَالْبَيْهَقِيّ فِي (سنَنه) . قلت:
أَبُو الْأَحْوَص سَلام بن سليم، وخديج بن مُعَاوِيَة ضعفه
النَّسَائِيّ، وَقَالَ أَحْمد: لَا أعلم إلاَّ هيرا. وَاسم
أبي إِسْحَاق: عَمْرو ابْن عبد الله السبيعِي، والمخارق،
بِضَم الْمِيم: غير مَنْسُوب، قَالَ الذَّهَبِيّ:
مَجْهُول. وَفِي (التَّكْمِيل) ؛ وَثَّقَهُ ابْن حبَان،
والربذة: قَرْيَة من قرى الْمَدِينَة بهَا قبر أبي ذَر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ، وَاسم أبي ذَر: جُنْدُب بن
جُنَادَة الْغِفَارِيّ. قَوْله: (مَا ألوت) أَي: مَا قصرت،
وروى الطَّحَاوِيّ أَيْضا من حَدِيث عبد الله بن عمر،
رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا، أَنه: (رأى فَتى وَهُوَ
يُصَلِّي وَقد أَطَالَ صلَاته، فَلَمَّا انْصَرف مِنْهَا
قَالَ: من يعرف هَذَا؟ قَالَ رجل: أَنا. فَقَالَ عبد الله:
لَو كنت أعرفهُ لأمرته أَن يُطِيل الرُّكُوع وَالسُّجُود،
فَإِنِّي سَمِعت رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
يَقُول: إِذا قَامَ العَبْد يُصَلِّي أَتَى بذنوبه فَجعلت
على رَأسه وعاتقه، فَكلما ركع أَو سجد تساقطت عَنهُ) .
وَأخرجه الْبَيْهَقِيّ أَيْضا، وَيَقُول أهل هَذِه
الْمقَالة: قَالَ الْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ: فِي
قَول، وَأحمد فِي رِوَايَة، وَمُحَمّد بن الْحسن، ويحكى
ذَلِك عَن ابْن عمر، وَذهب قوم إِلَى أَن طول الْقيام
أفضل، وَبِه قَالَ الْجُمْهُور من التَّابِعين وَغَيرهم،
وَمِنْهُم مَسْرُوق وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَالْحسن
الْبَصْرِيّ وَأَبُو حنيفَة. وَمِمَّنْ قَالَ بِهِ أَبُو
يُوسُف وَالشَّافِعِيّ فِي قَول، وَأحمد فِي رِوَايَة،
وَقَالَ أَشهب: هُوَ أحب إِلَيّ لِكَثْرَة الْقِرَاءَة،
وَاحْتَجُّوا فِي ذَلِك بِحَدِيث الْبَاب، وَبِمَا رَوَاهُ
مُسلم من حَدِيث جَابر: (سُئِلَ رَسُول الله صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم: أَي الصَّلَاة أفضل؟ قَالَ: طول
الْقُنُوت) . وَأَرَادَ بِهِ طول الْقيام، وَبِمَا رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد من حَدِيث عبد الله بن حبش الْخَثْعَمِي:
(إِن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم سُئِلَ: أَي
الصَّلَاة أفضل؟ فَقَالَ: طول الْقيام) . وَهَذَا يُفَسر
قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (طول الْقُنُوت) وَإِن
كَانَ الْقُنُوت يَأْتِي بِمَعْنى: الْخُشُوع وَغَيره.
وَمِمَّا يُسْتَفَاد من الحَدِيث الْمَذْكُور أَنه
يَنْبَغِي الْأَدَب مَعَ الْأَئِمَّة الْكِبَار، وَأَن
مُخَالفَة الإِمَام أَمر سوء، قَالَ تَعَالَى: {فليحذر
الَّذين يخالفون عَن أمره} (النُّور:) . الْآيَة.
6311 - حدَّثنا حَفْصُ بنُ عُمرَ قَالَ حدَّثنا خالِدُ بنُ
عَبْدِ الله عنْ حُصَيْنٍ عَنْ أبِي وَائِلٍ عَنْ
حُذَيْفَةَ رَضِي الله تَعَالَى عنهُ أَن النبيَّ صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم كانَ إذَا قامَ لِلتَّهَجُّدِ مِنَ
اللَّيْلِ يَشُوصُ فاهُ بِالسِّوَاكِ..
قَالَ ابْن بطال: هَذَا الحَدِيث لَا دخل لَهُ فِي الْبَاب
لِأَن شوص الْفَم لَا يدل على طول الصَّلَاة. قَالَ:
وَيُمكن أَن يكون ذَلِك من غلط النَّاسِخ، فَكَتبهُ فِي
غير مَوْضِعه أَو أَن البُخَارِيّ أعجلته الْمنية عَن
تَهْذِيب كِتَابه وتصفحه، وَله فِيهِ مَوَاضِع مثل هَذَا
تدل على أَنه مَاتَ قبل تَحْرِير الْكتاب. وَقَالَ ابْن
الْمُنِير: يحْتَمل أَن يكون أَرَادَ أَن حُذَيْفَة روى
قَالَ: (صليت مَعَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ذَات
لَيْلَة فَافْتتحَ الْبَقَرَة، فَقلت: يرْكَع عِنْد
الْمِائَة فَمضى، فَقلت: يُصَلِّي بهَا فِي رَكْعَة فَمضى.
.) الحَدِيث. فَكَأَنَّهُ لما قَالَ: يتهجد، وَذكر حَدِيثه
فِي السِّوَاك، وَكَانَ يتَسَوَّك حِين يقوم من النّوم،
وَلكُل صَلَاة فَفِيهِ إِشَارَة إِلَى طول الْقيام، أَو
يحمل على أَن فِي الحَدِيث إِشَارَة من جِهَة أَن
اسْتِعْمَال السِّوَاك حِينَئِذٍ يدل على مَا يُنَاسِبه من
إِكْمَال الْهَيْئَة وَالتَّأَهُّب لِلْعِبَادَةِ،
وَذَلِكَ دَلِيل على طول الْقيام، إِذْ النَّافِلَة
المخففة لَا يتهيأ لَهَا هَذَا التهيؤ الْكَامِل. انْتهى.
وَقيل: أَرَادَ بِهَذَا الحَدِيث استحضار حَدِيث حُذَيْفَة
الْمَذْكُور الَّذِي أخرجه مُسلم، وَإِنَّمَا لم يُخرجهُ
لكَونه على غير شَرطه. وَقَالَ بَعضهم: يحْتَمل أَن يكون
بيض التَّرْجَمَة بِحَدِيث
(7/185)
حُذَيْفَة، فضم الحَدِيث الَّذِي بعده إِلَى الحَدِيث
الَّذِي قبله. انْتهى. قلت: هَذِه كلهَا تعسفات لَا طائل
تحتهَا، أما ابْن بطال فَإِنَّهُ لم يذكر شَيْئا مَا فِي
تَوْجِيه وضع هَذَا الحَدِيث فِي هَذَا الْبَاب،
وَإِنَّمَا ذكر وَجْهَيْن: أَحدهمَا: نِسْبَة هَذَا إِلَى
الْغَلَط من النَّاسِخ، وَهَذَا بعيد، لِأَن النَّاسِخ لم
يَأْتِ بِهَذَا الحَدِيث من عِنْده وَكتبه هُنَا.
وَالثَّانِي: أَنه اعتذر من جِهَة البُخَارِيّ بِأَنَّهُ
لم يدْرك تحريره، وَفِيه نوع نِسْبَة إِلَى التَّقْصِير،
وَأما كَلَام ابْن الْمُنِير فَإِنَّهُ لَا يجدي شَيْئا
فِي تَوْجِيه هَذَا الْموضع، لِأَن حَاصِل مَا ذكره من
الطول هُوَ الْخَارِج عَن مَاهِيَّة الصَّلَاة، وَلَيْسَ
المُرَاد من التَّرْجَمَة مُطلق الطول، وَإِنَّمَا
المُرَاد هُوَ الطول الْكَائِن فِي هَيْئَة الصَّلَاة،
وَأما الْقَائِل الَّذِي وَجه بقوله: أَرَادَ بِهَذَا
الحَدِيث استحضار حَدِيث حُذَيْفَة، فَإِنَّهُ تَوْجِيه
بعيد، لِأَن استحضار حَدِيث أَجْنَبِي بِالْوَجْهِ الَّذِي
ذكره لَا يدل على الْمُطَابقَة، وَأما كَلَام بَعضهم،
فاحتمال بعيد، لِأَن تبييض التَّرْجَمَة لحَدِيث حُذَيْفَة
لَا وَجه لَهُ أصلا لعدم الْمُنَاسبَة، وَلَكِن يُمكن أَن
يعْتَذر عَن البُخَارِيّ فِي وَضعه هَذَا الحَدِيث هُنَا
بِوَجْه مِمَّا يسْتَأْنس بِهِ، وَهُوَ أَن التَّرْجَمَة
فِي طول الْقيام فِي صَلَاة اللَّيْل وَحَدِيث حُذَيْفَة
فِيهِ الْقيام للتهجد، والتهجد فِي اللَّيْل غَالِبا يكون
بطول الصَّلَاة، وَطول الصَّلَاة غَالِبا يكون بطول
الْقيام، فِيهَا وَإِن كَانَ يَقع أَيْضا بطول الرُّكُوع
وَالسُّجُود.
ذكر رِجَاله: وهم خَمْسَة: الأول: حَفْص بن عمر بن
الْحَارِث أَبُو عمر الحوضي. الثَّانِي: خَالِد بن عبد
الله بن عبد الرَّحْمَن الطَّحَّان. الثَّالِث: حُصَيْن،
بِضَم الْحَاء وَفتح الصَّاد الْمُهْمَلَتَيْنِ وَسُكُون
الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفِي آخِره نون: ابْن عبد
الرَّحْمَن السّلمِيّ أَبُو الْهُذيْل: مر فِي: بَاب
الْأَذَان بعد ذهَاب الْوَقْت. الرَّابِع: أَبُو وَائِل
شَقِيق بن سَلمَة. الْخَامِس: حُذَيْفَة بن الْيَمَان.
ذكر لطائف إِسْنَاده: فِيهِ: التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي
موضِعين. وَفِيه: العنعنة فِي ثَلَاثَة مَوَاضِع. وَفِيه:
القَوْل فِي مَوضِع وَاحِد. وَفِيه: أَن شَيْخه من
أَفْرَاده، وَأَنه بَصرِي وخَالِد واسطي وحصين وَأَبُو
وَائِل كوفيان.
والْحَدِيث أخرجه أَيْضا فِي: بَاب السِّوَاك، فِي كتاب
الْوضُوء عَن عُثْمَان بن أبي شيبَة عَن جرير عَن مَنْصُور
عَن أبي وَائِل عَن حُذَيْفَة، وَمر الْكَلَام فِيهِ
هُنَاكَ مُسْتَوفى. قَوْله: (يشوص) أَي: يدلك أَو يغسل. |