عمدة القاري شرح صحيح البخاري

(بَاب الخصر فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان حكم الخصر فِي الصَّلَاة والخصر بِفَتْح الْخَاء الْمُعْجَمَة وَسُكُون الصَّاد الْمُهْملَة وَهُوَ أَن يضع يَده على خاصرته فِي الصَّلَاة
242 - (حَدثنَا أَبُو النُّعْمَان قَالَ حَدثنَا حَمَّاد عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ. قَالَ نهي عَن الخصر فِي الصَّلَاة. وَقَالَ هِشَام وَأَبُو هِلَال عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -)
243 - (حَدثنَا عَمْرو بن عَليّ قَالَ حَدثنَا يحيى قَالَ حَدثنَا هِشَام قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ. قَالَ نهي أَن يُصَلِّي الرجل مُخْتَصرا) مُطَابقَة هَذَا الحَدِيث بِطرقِهِ للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَالْكَلَام فِيهِ على أَنْوَاع. الأول فِي رِجَاله وهم تِسْعَة. الأول أَبُو النُّعْمَان مُحَمَّد بن الْفضل السدُوسِي الملقب بعارم. الثَّانِي حَمَّاد بن زيد. الثَّالِث أَيُّوب بن أبي تَمِيمَة السّخْتِيَانِيّ. الرَّابِع مُحَمَّد بن سِيرِين. الْخَامِس هِشَام بن حسان أَبُو عبد الله القردسي بِضَم الْقَاف مَاتَ سنة سبع وَأَرْبَعين وَمِائَة. السَّادِس أَبُو هِلَال مُحَمَّد بن سليم الرَّاسِبِي بالراء وبالسين الْمُهْملَة وبالباء الْمُوَحدَة مَاتَ سنة سبع وَسِتِّينَ وَمِائَة. السَّابِع عَمْرو بن عَليّ الصَّيْرَفِي الفلاس. الثَّامِن يحيى بن سعيد الْقطَّان. التَّاسِع أَبُو هُرَيْرَة (النَّوْع الثَّانِي فِي لطائف إِسْنَاده) هَذِه الطّرق فِيهَا التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي خَمْسَة مَوَاضِع وفيهَا العنعنة فِي سَبْعَة مَوَاضِع وفيهَا القَوْل فِي سِتَّة مَوَاضِع وفيهَا أَن رواتها بصريون وفيهَا أَبُو هِلَال وَقد أدخلهُ البُخَارِيّ فِي الضُّعَفَاء وَاسْتشْهدَ بِهِ هَهُنَا وَرُوِيَ لَهُ فِي كتاب الْقِرَاءَة خلف الإِمَام وَغَيره وفيهَا أَن الطَّرِيق الأول مُسْند وَلكنه مَوْقُوف ظَاهرا وَلَكِن فِي الْحَقِيقَة مَرْفُوع لِأَن قَوْله نهي وَإِن كَانَ بِضَم النُّون على صِيغَة الْمَجْهُول لَكِن الناهي هُوَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَمَا فِي الطَّرِيق الثَّانِي وَهُوَ رِوَايَة هِشَام وَقد صلها البُخَارِيّ لَكِن وَقع فِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْحَمَوِيّ وَالْمُسْتَمْلِي نهى بِفَتْح النُّون على الْبناء للْفَاعِل وَلكنه لم يسمه وَقد رَوَاهُ مُسلم وَالتِّرْمِذِيّ من طَرِيق أبي أُسَامَة عَن هِشَام بِلَفْظ " نهى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَن يُصَلِّي الرجل مُخْتَصرا "

(7/296)


النَّوْع الثَّالِث فِيمَن أخرجه غَيره رَوَاهُ مُسلم عَن أبي بكر بن أبي شيبَة عَن أبي أُسَامَة وَأبي خَالِد الْأَحْمَر وَعَن الحكم بن مُوسَى عَن ابْن الْمُبَارك وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُد عَن يَعْقُوب بن كَعْب عَن مُحَمَّد بن سَلمَة الْحَرَّانِي وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيّ عَن أبي كريب عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام بن حسان. وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ عَن سُوَيْد بن نصر عَن ابْن الْمُبَارك وَعَن اسحق بن إِبْرَاهِيم عَن جرير بن عبد الحميد النَّوْع الرَّابِع فِي اخْتِلَاف أَلْفَاظه فَفِي إِحْدَى روايتي البُخَارِيّ نهى عَن الخصر وَفِي الْأُخْرَى مُخْتَصرا وَفِي رِوَايَة أبي ذَر عَن الْكشميهني مخصرا بتَشْديد الصَّاد وَفِي رِوَايَة النَّسَائِيّ متخصرا بِزِيَادَة التَّاء الْمُثَنَّاة من فَوق وَفِي رِوَايَة أبي دَاوُد " نهى عَن الِاخْتِصَار " وَفِي رِوَايَة الْبَيْهَقِيّ " نهى عَن التخصر ". النَّوْع الْخَامِس فِي مَعْنَاهُ وَقد ذكرنَا أَن الخصر وضع الْيَد على الخاصرة وَقَوله " مُخْتَصرا " من الِاخْتِصَار وَقد فسره التِّرْمِذِيّ بقوله والاختصار هُوَ أَن يضع الرجل يَده على خاصرته فِي الصَّلَاة وَكَأَنَّهُ أَرَادَ نفس الِاخْتِصَار الْمنْهِي عَنهُ وَإِلَّا فحقيقة الِاخْتِصَار لَا تتقيد بِكَوْنِهَا فِي الصَّلَاة وَفَسرهُ أَبُو دَاوُد عقيب حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَقَالَ يَعْنِي أَن يضع يَده على خاصرته وَمَا فسره بِهِ التِّرْمِذِيّ فسره بِهِ مُحَمَّد بن سِيرِين رَاوِي الحَدِيث فِيمَا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه عَن أبي أُسَامَة عَن هِشَام عَن مُحَمَّد وَهُوَ أَن يضع يَده على خاصرته وَهُوَ يُصَلِّي وَكَذَا فسره هِشَام فِيمَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ فِي سنَنه عَنهُ وَحكى الْخطابِيّ وَغَيره قولا آخر فِي تَفْسِير الِاخْتِصَار وَهُوَ أَن يمسك بيدَيْهِ مخصرة أَي عَصا يتَوَكَّأ عَلَيْهَا وَأنْكرهُ ابْن الْعَرَبِيّ وَعَن الْهَرَوِيّ فِي الغريبين وَابْن الْأَثِير فِي النِّهَايَة وَهُوَ أَن يختصر السُّورَة فَيقْرَأ من آخرهَا آيَة أَو آيَتَيْنِ وَحكى الْهَرَوِيّ أَيْضا وَهُوَ أَن يحذف فِي الصَّلَاة فَلَا يمد قِيَامهَا وركوعها وسجودها وَقيل يختصر الْآيَات الَّتِي فِيهَا السَّجْدَة فِي الصَّلَاة فَيسْجد فِيهَا وَالْقَوْل الأول هُوَ الْأَصَح وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد حَدثنَا هناد بن السّري عَن وَكِيع عَن سعيد بن زِيَاد عَن زِيَاد بن صبيح الْحَنَفِيّ قَالَ " صليت إِلَى جنب ابْن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُمَا فَوضعت يَدي على خاصرتي فَلَمَّا صلى قَالَ هَذَا الصلب فِي الصَّلَاة وَكَانَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ينْهَى عَنهُ " قَوْله " هَذَا الصلب " أَي شبه الصلب لِأَن المصلوب يمد بَاعه على الْجذع وهيئة الصلب فِي الصَّلَاة أَن يضع يَدَيْهِ على خاصرته ويجافي بَين عضديه فِي الْقيام النَّوْع السَّادِس فِي الْحِكْمَة فِي النَّهْي عَن الخصر فَقيل لِأَن إِبْلِيس أهبط مُخْتَصرا رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة من طَرِيق حميد بن هِلَال مَوْقُوفا قيل لِأَن الْيَهُود تكْثر من فعله فَنهى عَنهُ كَرَاهَة للتشبه بهم أخرجه البُخَارِيّ فِي ذكر بني إِسْرَائِيل من رِوَايَة أبي الْفَتْح عَن مَسْرُوق " عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا كَانَت تكره أَن يضع يَده على خاصرته تَقول أَن الْيَهُود تَفْعَلهُ " زَاد ابْن أبي شيبَة فِي رِوَايَة لَهُ " فِي الصَّلَاة " وَفِي رِوَايَة أُخْرَى " لَا تشبهوا باليهود " وَقيل لِأَنَّهُ رَاحَة أهل النَّار كَمَا روى ابْن أبي شيبَة فِي مُصَنفه عَن مُجَاهِد قَالَ " وضع الْيَدَيْنِ على الحقو استراحة أهل النَّار " وروى ابْن أبي شيبَة أَيْضا من رِوَايَة خَالِد بن معدان " عَن عَائِشَة رَضِي الله تَعَالَى عَنْهَا أَنَّهَا رَأَتْ رجلا وَاضِعا يَده على خاصرته فَقَالَت هَكَذَا أهل النَّار فِي النَّار " وَهَذَا مُنْقَطع وَقد جَاءَ ذَلِك من حَدِيث مَرْفُوع رَوَاهُ الْبَيْهَقِيّ من رِوَايَة عِيسَى بن يُونُس عَن هِشَام بن حسان عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " الِاخْتِصَار فِي الصَّلَاة رَاحَة أهل النَّار " وَظَاهر هَذَا الْإِسْنَاد الصِّحَّة إِلَّا أَن الطَّبَرَانِيّ رَوَاهُ فِي الْأَوْسَط فَأدْخل بَين عِيسَى بن يُونُس وَبَين هِشَام عبد الله بن الْأَزْوَر وَقَالَ لم يروه عَن هِشَام إِلَّا عبد الله بن الْأَزْوَر تفرد بِهِ عِيسَى بن يُونُس وَعبد الله بن الْأَزْوَر ضعفه الْأَزْدِيّ وَالله أعلم. وَقيل لِأَنَّهُ فعل المختالين والمتكبرين قَالَه الْمُهلب بن أبي صفرَة وَقيل لِأَنَّهُ شكل من أشكال أهل المصائب يضعون أَيْديهم على الخواصر إِذا قَامُوا فِي المآثم قَالَه الْخطابِيّ النَّوْع السَّابِع فِي حكم الخصر فِي الصَّلَاة اخْتلفُوا فِيهِ فكرهه ابْن عمر وَابْن عَبَّاس وَعَائِشَة وَإِبْرَاهِيم النَّخعِيّ وَمُجاهد وَأَبُو مجلز وَآخَرُونَ وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَالْأَوْزَاعِيّ وَذهب أهل الظَّاهِر إِلَى تَحْرِيم الِاخْتِصَار فِي الصَّلَاة عملا بِظَاهِر الحَدِيث (أسئلة وأجوبة) مِنْهَا مَا قيل أَن حَدِيث أم قيس بنت مُحصن عِنْد أبي دَاوُد من رِوَايَة هِلَال بن يسَاف قَالَ فِيهِ فدفعنا

(7/297)


إِلَى وابصة بن معبد فَإِذا هُوَ مُعْتَمد على عَصا فِي صلَاته فَقُلْنَا بعد أَن سلمنَا فَقَالَ حَدَّثتنِي أم قيس بنت مُحصن " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما أسن وَحمل اللَّحْم اتخذ عمودا فِي مُصَلَّاهُ يعْتَمد عَلَيْهِ " انْتهى يُعَارض قَول من يُفَسر الِاخْتِصَار الْمنْهِي عَنهُ بإمساك الْمُصَلِّي مخصرة يتَوَكَّأ عَلَيْهَا وَأجِيب بِأَن هَذَا الحَدِيث لَا يَصح فَلَا يُقَاوم الحَدِيث الْمُتَّفق عَلَيْهِ والْحَدِيث وَإِن كَانَ أَبُو دَاوُد سكت عَنهُ فَإِنَّهُ رَوَاهُ عَن عبد السَّلَام بن عبد الرَّحْمَن بن صَخْر الوابصي عَن أَبِيه وَعبد الرَّحْمَن بن صَخْر هَذَا لم يروه عَنهُ سوى وَلَده عبد السَّلَام قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بن دَقِيق الْعِيد فِي الإِمَام وَقَالَ الْمزي فِي التَّهْذِيب أَن عبد السَّلَام لم يدْرك أَبَاهُ وَجَوَاب آخر هُوَ أَن يكون النَّهْي فِي حق من فعله بِغَيْر عذر بل للاستراحة وَحَدِيث أم قيس مَحْمُول على من فعل ذَلِك لعذر من كبر السن وَالْمَرَض وَنَحْوهمَا وَهَكَذَا قَالَ أَصْحَابنَا وَاسْتَدَلُّوا بِهِ على أَن الضَّعِيف وَالشَّيْخ الْكَبِير إِذا كَانَ قَادِرًا على الْقيام مُتكئا على شَيْء يُصَلِّي قَائِما مُتكئا وَلَا يقْعد وروى أَبُو بكر بن أبي شيبَة فِي مُصَنفه حَدثنَا مَرْوَان بن مُعَاوِيَة " عَن عبد الرَّحْمَن بن عرَاك ابْن مَالك عَن أَبِيه قَالَ أدْركْت النَّاس فِي شهر رَمَضَان يرْبط لَهُم الحبال يتمسكون بهَا من طول الْقيام " وَحدثنَا وَكِيع عَن عِكْرِمَة بن عمار رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ " عَن عَاصِم بن سميح قَالَ رَأَيْت أَبَا سعيد الْخُدْرِيّ رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ يُصَلِّي مُتكئا على عَصا " وَحدثنَا وَكِيع " عَن أبان بن عبد الله البَجلِيّ قَالَ رَأَيْت أَبَا بكر بن أبي مُوسَى يُصَلِّي مُتكئا على عَصا " وَمِنْهَا مَا قيل أَن صَاحب الْإِكْمَال ذكر فِي حَدِيث آخر " المختصرون يَوْم الْقِيَامَة على وُجُوههم النُّور ثمَّ قَالَ هم الَّذين يصلونَ بِاللَّيْلِ ويضعون أَيْديهم على خواصرهم من التَّعَب " قَالَ وَقيل يأْتونَ يَوْم الْقِيَامَة مَعَهم أَعمال يتكؤن عَلَيْهَا مَأْخُوذ من المخصرة وَهِي الْعَصَا وَأجَاب عَنهُ شَيخنَا زين الدّين رَحمَه الله هَذَا الحَدِيث لَا أعلم لَهُ أصلا وَهُوَ مُخَالف للأحاديث الصَّحِيحَة فِي النَّهْي عَن ذَلِك وعَلى تَقْدِير وُرُوده يكون المُرَاد أَن يكون بِأَيْدِيهِم مخاصر يختصرون وَيجوز أَن تكون أَعْمَالهم تجسد لَهُم كَمَا ورد فِي بعض الْأَعْمَال وَفِي حَدِيث عبد الله بن أنيس " إِن أقل النَّاس يَوْمئِذٍ المتخصرون " أَي يَوْم الْقِيَامَة رَوَاهُ أَحْمد فِي مُسْنده وَالطَّبَرَانِيّ فِي الْكَبِير فِي قصَّة قَتله لخَالِد بن سُفْيَان الْهُذلِيّ وَفِي رِوَايَة الطَّبَرَانِيّ خَالِد بن نُبيح من بني هُذَيْل وَأَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أعطَاهُ عَصا فَقَالَ أمسك هَذِه عَنْك يَا عبد الله بن أنيس وَفِيه أَنه سَأَلَهُ لم أَعْطَيْتنِي هَذِه قَالَ آيَة بيني وَبَيْنك يَوْم الْقِيَامَة وَإِن أقل النَّاس المتخصرون يَوْمئِذٍ وَفِيه أَنَّهَا دفنت مَعَه. وَمِنْهَا مَا قيل أَنه لَيْسَ لأهل النَّار المخلدين فِيهَا رَاحَة وَكَيف يذكر فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " الِاخْتِصَار فِي الصَّلَاة رَاحَة أهل النَّار " (وَأجِيب) بِأَن أهل النَّار فِي النَّار على هَذِه الْحَالة وَلَا مَانع من ذَلِك أَنهم يختصرون لقصد الرَّاحَة وَلَا رَاحَة لَهُم فِي ذَلِك.

(بَاب تفكر الرجل الشَّيْء فِي الصَّلَاة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان تفكر الرجل الشَّيْء والتفكر مصدر مُضَاف إِلَى فَاعله وَقَوله الشَّيْء مَفْعُوله وَفِي بعض النّسخ شَيْئا وَهُوَ أَيْضا مفعول وَقيد الرجل وَقع إتفاقيا لِأَن الْمُكَلّفين كلهم فِيهِ سَوَاء قَالَ الْمُهلب التفكر أَمر غَالب لَا يُمكن الِاحْتِرَاز عَنهُ فِي الصَّلَاة وَلَا فِي غَيرهَا لما جعل الله للشَّيْطَان من السَّبِيل على الْإِنْسَان وَلَكِن إِن كَانَ فِي أَمر أخروي ديني فَهُوَ أخف مِمَّا يكون فِي أَمر دنياوي.
(وَقَالَ عمر رَضِي الله عَنهُ إِنِّي لأجهز جيشي وَأَنا فِي الصَّلَاة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَن قَول عمر هَذَا يدل على أَنه يتفكر حَال جَيْشه فِي الصَّلَاة وَهَذَا أَمر أخروي وَهَذَا تَعْلِيق رَوَاهُ ابْن أبي شيبَة عَن حَفْص عَن عَاصِم عَن أبي عُثْمَان النَّهْدِيّ عَنهُ بِلَفْظ " إِنِّي لأجهز جيوشي وَأَنا فِي الصَّلَاة " وَقَالَ ابْن التِّين إِنَّمَا هَذَا فِيمَا يقل فِيهِ التفكر كَانَ يَقُول أجهز فلَانا أقدم فلَانا أخرج من الْعدَد كَذَا وَكَذَا فَيَأْتِي على مَا يُرِيد فِي أقل شَيْء من المفكرة فَأَما إِذا تَابع الْفِكر وَأكْثر حَتَّى لَا يدْرِي كم صلى فَهَذَا لاه فِي صلَاته فَيجب عَلَيْهِ الْإِعَادَة انْتهى. قيل هَذَا الْإِطْلَاق لَيْسَ على وَجهه وَقد جَاءَ عَن عمر رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ مَا يأباه فروى ابْن أبي شيبَة من طَرِيق عُرْوَة ابْن الزبير قَالَ قَالَ عمر " إِنِّي لأحسب جِزْيَة الْبَحْرين وَأَنا فِي الصَّلَاة " وروى صَالح بن أَحْمد بن حَنْبَل فِي كتاب الْمسَائِل عَن أَبِيه من طَرِيق همام

(7/298)


ابْن الْحَارِث " أَن عمر صلى الْمغرب فَلم يقْرَأ فَلَمَّا انْصَرف قَالُوا يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ إِنَّك لم تقْرَأ فَقَالَ إِنِّي حدثت نَفسِي وَأَنا فِي الصَّلَاة بعير جهزتها من الْمَدِينَة حَتَّى دخلت الشَّام ثمَّ أعادوا وَأعَاد الْقِرَاءَة " وَمن طَرِيق عِيَاض الْأَشْعَرِيّ قَالَ صلى عمر الْمغرب فَلم يقْرَأ فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى إِنَّك لم تقْرَأ فَأقبل على عبد الرَّحْمَن بن عَوْف فَقَالَ صدق فَأَعَادَ فَلَمَّا فرغ قَالَ لَا صَلَاة لَيست فِيهَا قِرَاءَة إِنَّمَا شغلني عير جهزتها إِلَى الشَّام فَجعلت أتفكر فِيهَا فَهَذَا يدل على أَنه إِنَّمَا أعَاد لتَركه الْقِرَاءَة لَا لكَونه مُسْتَغْرقا فِي الْفِكر وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من طَرِيق ضَمْضَم بن حوس " عَن عبد الله بن حَنْظَلَة الراهب أَن عمر صلى الْمغرب فَلم يقْرَأ فِي الرَّكْعَة الأولى فَلَمَّا كَانَ الثَّانِيَة قَرَأَ بِفَاتِحَة الْكتاب مرَّتَيْنِ فَلَمَّا فرغ وَسلم سجد سَجْدَتي السَّهْو ".
244 - (حَدثنَا إِسْحَاق بن مَنْصُور قَالَ حَدثنَا روح قَالَ حَدثنَا عمر هُوَ ابْن سعيد. قَالَ أَخْبرنِي ابْن أبي مليكَة عَن عقبَة بن الْحَارِث رَضِي الله عَنهُ. قَالَ صليت مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الْعَصْر فَلَمَّا سلم قَامَ سَرِيعا فَدخل على بعض نِسَائِهِ ثمَّ خرج وَرَأى مَا فِي وُجُوه الْقَوْم من تعجبهم لسرعته فَقَالَ ذكرت وَأَنا فِي الصَّلَاة تبرا عندنَا فَكرِهت أَن يُمْسِي أَو يبيت عندنَا فَأمرت بقسمته) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " ذكرت وَأَنا فِي الصَّلَاة تبرا عندنَا " وَذَلِكَ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تفكر فِي أَمر ذَاك التبر وَهُوَ فِي الصَّلَاة وَمَعَ هَذَا لم يعد الصَّلَاة وَهَذَا الحَدِيث قد مضى فِي بَاب من صلى بِالنَّاسِ فَذكر حَاجَة فتخطاهم رَوَاهُ عَن مُحَمَّد بن عبيد عَن عِيسَى بن يُونُس عَن عمر بن سعيد إِلَى آخِره وَقد ذكرنَا هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء مُسْتَوْفِي. وروح بِفَتْح الرَّاء ابْن عبَادَة مر فِي بَاب اتِّبَاع الْجَنَائِز من كتاب الْإِيمَان وَعمر بن سعيد هُوَ ابْن أبي حُسَيْن الْمَكِّيّ وَابْن أبي مليكَة هُوَ عبد الله بن أبي مليكَة مصغر الملكة وَعقبَة بِضَم الْعين الْمُهْملَة وَسُكُون الْقَاف ابْن الْحَارِث مر فِي بَاب الرحلة فِي الْمَسْأَلَة النَّازِلَة وَفِي الْبَاب الْمَذْكُور.
245 - (حَدثنَا يحيى بن بكير قَالَ حَدثنَا اللَّيْث عَن جَعْفَر عَن الْأَعْرَج قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِذا أذن بِالصَّلَاةِ أدبر الشَّيْطَان لَهُ ضراط حَتَّى لَا يسمع التأذين فَإِذا سكت الْمُؤَذّن أقبل فَإِذا ثوب أدبر فَإِذا سكت أقبل فَلَا يزَال بالمريء يَقُول لَهُ أذكر مَا لم يكن يذكر حَتَّى لَا يدْرِي كم صلى قَالَ أَبُو سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن إِذا فعل ذَلِك أحدكُم فليسجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ قَاعد وسَمعه أَبُو سَلمَة من أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " فَلَا يزَال بالمريء يَقُول لَهُ أذكر مَا لم يكن يذكر حَتَّى لَا يدْرِي كم صلى " وَهَذَا يتفكر أَشْيَاء حَتَّى لَا يعلم كم رَكْعَة صلاهَا وَهَذَا لَا يقْدَح فِي صِحَة الصَّلَاة مَا لم يتْرك شَيْئا من أَرْكَانهَا وَهَذَا الحَدِيث مضى فِي بَاب فضل التأذين رَوَاهُ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن أبي الزِّنَاد عَن الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة إِلَى آخِره وَلَيْسَ فِيهِ قَالَ أَبُو سَلمَة إِلَى آخِره. وجعفر هُوَ ابْن ربيعَة الْمصْرِيّ والأعرج هُوَ عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز قَوْله " قَالَ أَبُو سَلمَة " إِلَى آخِره تَعْلِيق وطرف من حَدِيث أخرجه فِي الْبَاب السَّادِس من الْأَبْوَاب الَّتِي عقيب الحَدِيث الْمَذْكُور وَفِي الْبَاب السَّابِع أَيْضا على مَا يَجِيء إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَلَا يظنّ ظان أَن هَذِه الزِّيَادَة من رِوَايَة جَعْفَر بن ربيعَة الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث الْمَذْكُور وَلَكِن من رِوَايَة يحيى بن كثير عَن أبي سَلمَة وَرِوَايَة الزُّهْرِيّ عَنهُ عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا وستقف عَلَيْهِ فِي الْبَابَيْنِ الْمَذْكُورين إِن شَاءَ الله تَعَالَى
246 - (حَدثنَا مُحَمَّد بن الْمثنى قَالَ حَدثنَا عُثْمَان بن عمر قَالَ أَخْبرنِي ابْن أبي ذِئْب

(7/299)


عَن سعيد المَقْبُري قَالَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ يَقُول النَّاس أَكثر أَبُو هُرَيْرَة فَلَقِيت رجلا فَقلت بِمَا قَرَأَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - البارحة فِي الْعَتَمَة فَقَالَ لَا أَدْرِي فَقلت ألم تشهدها قَالَ بلَى قلت لَكِن أَنا أَدْرِي قَرَأَ سُورَة كَذَا وَكَذَا) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن ذَلِك الرجل كَانَ متفكرا فِي الصَّلَاة بفكر دُنْيَوِيّ حَتَّى لم يضْبط مَا قَرَأَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِيهَا وَيجوز أَن يكون من حَيْثُ أَن أَبَا هُرَيْرَة كَانَ متفكرا بِأَمْر الصَّلَاة حَتَّى ضبط مَا قَرَأَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة. الأول مُحَمَّد بن الْمثنى بن عبيد أَبُو مُوسَى الْمَعْرُوف بالزمن. الثَّانِي عُثْمَان بن عمر بن فَارس الْعَبْدي. الثَّالِث مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن أبي ذِئْب. الرَّابِع سعيد بن أبي سعيد المَقْبُري وَقد تكَرر ذكره. الْخَامِس أَبُو هُرَيْرَة. (ذكر لطائف إِسْنَاده) فِيهِ التحديث بِصِيغَة الْجمع فِي موضِعين والإخبار بِصِيغَة الْجمع فِي مَوضِع وَفِيه العنعنة فِي مَوضِع وَفِيه القَوْل فِي أَرْبَعَة مَوَاضِع وَفِيه أَن شَيْخه وَشَيخ شَيْخه بصريان وَابْن أبي ذِئْب وَسَعِيد مدنيان وَفِيه قَالَ أَبُو هُرَيْرَة وَفِي رِوَايَة الْإِسْمَاعِيلِيّ عَن أبي هُرَيْرَة وَفِيه أَن هَذَا الحَدِيث من أَفْرَاده. (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " يَقُول النَّاس أَكثر أَبُو هُرَيْرَة " أَي من الرِّوَايَة عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وروى الْبَيْهَقِيّ فِي الْمدْخل من طَرِيق أبي مُصعب عَن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن دِينَار عَن ابْن أبي ذِئْب بِلَفْظ " أَن النَّاس قَالُوا قد أَكثر أَبُو هُرَيْرَة من الحَدِيث عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنِّي كنت ألزمهُ لشبع بَطْني فَلَقِيت رجلا فَقلت لَهُ بِأَيّ سُورَة " فَذكر الحَدِيث وَعند الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق ابْن أبي فديك عَن ابْن أبي ذِئْب فِي أول هَذَا الحَدِيث " حفظت من رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وعاءين " الحَدِيث " وَفِيه أَن النَّاس قَالُوا أَكثر أَبُو هُرَيْرَة " فَذكره وَتقدم فِي الْعلم من طَرِيق الْأَعْرَج عَن أبي هُرَيْرَة " أَن النَّاس يَقُولُونَ أَكثر أَبُو هُرَيْرَة وَالله لَوْلَا آيتان فِي كتاب الله مَا حدثت " وَسَيَأْتِي فِي أَوَائِل الْبيُوع من طَرِيق سعيد ابْن الْمسيب وَأبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ " إِنَّكُم تَقولُونَ أَن أَبَا هُرَيْرَة أَكثر " الحَدِيث قَوْله " بِمَ " بِكَسْر الْبَاء الْمُوَحدَة بِغَيْر ألف لأبي ذَر وَهُوَ الْمَعْرُوف وَفِي رِوَايَة الْأَكْثَرين " بِمَا " بِإِثْبَات الْألف وَهُوَ قَلِيل قَوْله " البارحة " نصب على الظّرْف وَهِي اللَّيْلَة الْمَاضِيَة قَوْله " فِي الْعَتَمَة " وَهِي الْعشَاء الْآخِرَة قَوْله " ألم تشهد " بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام ويروى " لم تشهد " بِدُونِ الْهمزَة (وَمِمَّا يُسْتَفَاد مِنْهُ) إتقان أبي هُرَيْرَة وَشدَّة ضَبطه وَفِيه إكثار أبي هُرَيْرَة وَهُوَ لَيْسَ بِعَيْب إِذا لم يخْش مِنْهُ قلَّة الضَّبْط وَمن النَّاس من لَا يكثر وَلَا يضْبط مثل هَذَا الرجل لم يحفظ مَا قَرَأَهُ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الْعَتَمَة وَفِيه مَا يدل على أَنه قد يجوز أَن يَنْفِي الشَّيْء عَمَّن لم يحكمه لِأَن أَبَا هُرَيْرَة قَالَ للرجل ألم تشهدها يُرِيد شُهُودًا تَاما فَقَالَ الرجل بلَى شهدتها كَمَا يُقَال للصانع إِذا لم يحسن صَنعته مَا صنعت شَيْئا يُرِيدُونَ الإتقان وللمتكلم مَا قلت شَيْئا إِذا لم يعلم مَا يَقُول

(بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم)
(بَاب مَا جَاءَ فِي السَّهْو إِذا قَامَ من رَكْعَتي الْفَرِيضَة)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان مَا جَاءَ فِي أَمر السَّهْو الْوَاقِع فِي الصَّلَاة إِذا قَامَ الْمُصَلِّي من رَكْعَتي الْفَرِيضَة وَلم يجلس عقبيهما وَهَذَا بَيَانه إِذا وَقع وَحكمه فِي حَدِيث الْبَاب. والسهو الْغَفْلَة عَن الشَّيْء وَذَهَاب الْقلب إِلَى غَيره وَقَالَ بَعضهم وَفرق بَعضهم بَين السَّهْو وَالنِّسْيَان وَلَيْسَ بِشَيْء (قلت) هَذَا الَّذِي قَالَه لَيْسَ بِشَيْء بل بَينهمَا فرق دَقِيق وَهُوَ أَن السَّهْو أَن يَنْعَدِم لَهُ شُعُور وَالنِّسْيَان لَهُ فِيهِ شُعُور ثمَّ اعْلَم أَن لَفْظَة بَاب سَاقِطَة فِي رِوَايَة أبي ذَر وَفِي رِوَايَة الْكشميهني والأصيلي وَأبي الْوَقْت " من رَكْعَتي الْفَرْض "
247 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك عَن يحيى بن سعيد عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج عَن عبد الله بن بُحَيْنَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ إِن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَامَ من اثْنَتَيْنِ من الظّهْر لم يجلس بَينهمَا فَلَمَّا قضى صلَاته سجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سلم بعد ذَلِك)

(7/300)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " قَامَ من اثْنَتَيْنِ من الظّهْر " وَهُوَ معنى قَوْله فِي التَّرْجَمَة إِذا قَامَ من رَكْعَتي الْفَرِيضَة. (ذكر رِجَاله) وهم خَمْسَة ذكرُوا غير مرّة وَعبد الرَّحْمَن هُوَ ابْن هُرْمُز الْأَعْرَج وَوَقع كَذَا عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج فِي رِوَايَة كَرِيمَة وَفِي رِوَايَة غَيرهَا عَن الْأَعْرَج وَلم يَقع اسْمه وبحينة بِضَم الْبَاء الْمُوَحدَة وَفتح الْحَاء الْمُهْملَة وَسُكُون الْيَاء آخر الْحُرُوف وَفتح النُّون وَفِي آخِره هَاء وَهُوَ اسْم أم عبد الله وَقيل اسْم أم أَبِيه فَيَنْبَغِي أَن يكْتب ابْن بُحَيْنَة بِأَلف وَقد تقدم هَذَا الحَدِيث فِي بَاب من لم ير التَّشَهُّد الأول وَاجِبا وَقد ذكرنَا هُنَاكَ أَن هَذَا الحَدِيث أخرجه البُخَارِيّ فِي مَوَاضِع وَأخرجه بَقِيَّة الْجَمَاعَة (ذكر مَعْنَاهُ وَمَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَحْكَام) قَوْله " قَامَ من اثْنَتَيْنِ " أَي من رَكْعَتَيْنِ من صَلَاة الظّهْر وَفِي مُسْند السراج من حَدِيث ابْن إِسْحَق عَن الزُّهْرِيّ " الظّهْر أَو الْعَصْر " وَمن حَدِيث أبي مُعَاوِيَة عَن يحيى مثله وَمن حَدِيث سُفْيَان عَن الزُّهْرِيّ أَي إِحْدَى صَلَاتي الْعشي قَوْله " لم يجلس بَينهمَا " أَي بَين هَاتين الثِّنْتَيْنِ اللَّتَيْنِ هما الركعتان الأوليان وَبَين الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ قَوْله " فَلَمَّا قضى صلَاته " أَي لما فرغ مِنْهَا قَوْله " بعد ذَلِك " أَي بعد أَن سجد سَجْدَتَيْنِ وهما سجدتا السَّهْو. وَاحْتج قوم بِظَاهِر هَذَا الحَدِيث أَن سُجُود السَّهْو قبل السَّلَام مُطلقًا فِي الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان وَهُوَ الصَّحِيح من مَذْهَب الشَّافِعِي وَرُوِيَ ذَلِك عَن أبي هُرَيْرَة وَالزهْرِيّ وَمَكْحُول وَرَبِيعَة وَيحيى بن سعيد الْأنْصَارِيّ والسائب الْقَارِي وَالْأَوْزَاعِيّ وَاللَّيْث بن سعد وَزعم أَبُو الْخطاب أَنَّهَا رِوَايَة عَن أَحْمد بن حَنْبَل وَلَهُم أَحَادِيث أُخْرَى فِي ذَلِك مِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الرَّحْمَن بن عَوْف قَالَ سَمِعت النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " إِذا سَهَا أحدكُم فِي صلَاته " الحَدِيث وَفِيه " فليسجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم " وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن صَحِيح. وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث أبي سعيد قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته " الحَدِيث وَفِيه " فليسجد سَجْدَتَيْنِ من قبل أَن يسلم ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن عجلَان أَن مُعَاوِيَة سَهَا فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس بعد أَن أتم الصَّلَاة وَقَالَ سَمِعت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُول " من نسي شَيْئا من صلَاته فليسجد مثل هَاتين السَّجْدَتَيْنِ ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمخْرج عِنْد السِّتَّة وَفِيه زِيَادَة " فليسجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم ثمَّ ليسلم ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ من حَدِيث ابْن عَبَّاس قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته " الحَدِيث وَفِيه " فَإِذا فرغ فَلم يبْق إِلَّا التَّسْلِيم فليسجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس ثمَّ ليسلم ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من حَدِيث أبي عُبَيْدَة عَن أَبِيه عَن ابْن مَسْعُود عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " إِذا كنت فِي صَلَاة فشككت فِي ثَلَاث أَو أَربع " وَفِيه " وتشهدت ثمَّ سجدت سَجْدَتَيْنِ وَأَنت جَالس قبل أَن تسلم ثمَّ تشهدت أَيْضا ثمَّ تسلم ". وَذهب أَبُو حنيفَة وَأَصْحَابه وَالثَّوْري إِلَى أَن السُّجُود يكون بعد السَّلَام فِي الزِّيَادَة وَالنَّقْص وَهُوَ مَرْوِيّ عَن عَليّ بن أبي طَالب وَسعد بن أبي وَقاص وَابْن مَسْعُود وعمار وَابْن عَبَّاس وَابْن الزبير وَأنس بن مَالك وَالنَّخَعِيّ وَابْن أبي ليلى وَالْحسن الْبَصْرِيّ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ الْمخْرج فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقد مر فِيمَا مضى وَفِيه " فَأَتمَّ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا بَقِي من الصَّلَاة ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس بعد التَّسْلِيم ". وَاحْتَجُّوا أَيْضا بِأَحَادِيث أُخْرَى. مِنْهَا مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث الشّعبِيّ قَالَ " صلى بِنَا الْمُغيرَة بن شُعْبَة فَنَهَضَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فسبح بِهِ الْقَوْم وَسبح بهم فَلَمَّا صلى بَقِيَّة صلَاته سلم ثمَّ سجد سَجْدَتي السَّهْو وَهُوَ جَالس ثمَّ حَدثهمْ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فعل بهم مثل الَّذِي فعل ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ مُسلم من حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى الْعَصْر فَسلم فِي ثَلَاث رَكْعَات فَقَامَ رجل يُقَال لَهُ الْخِرْبَاق قد ذكر لَهُ صَنِيعه فَقَالَ أصدق هَذَا قَالُوا نعم فصلى رَكْعَة ثمَّ سلم ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سلم " وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن صَالح بن عَليّ بن عبد الله بن عَبَّاس قَالَ " صليت خلف أنس بن مَالك صَلَاة فَسَهَا فِيهَا فَسجدَ بعد السَّلَام ثمَّ الْتفت إِلَيْنَا وَقَالَ أما إِنِّي لم أصنع إِلَّا كَمَا رَأَيْت رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يصنع ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْن سعد فِي الطَّبَقَات " عَن عَطاء بن أبي رَبَاح قَالَ صليت مَعَ عبد الله بن الزبير الْمغرب فَسلم فِي الرَّكْعَتَيْنِ ثمَّ قَامَ يسبح بِهِ الْقَوْم فصلى بهم الرَّكْعَة ثمَّ سلم ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ قَالَ فَأتيت ابْن عَبَّاس من فوري فَأَخْبَرته فَقَالَ لله أَبوك مَا مَاطَ عَن سنة رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ ابْن خُزَيْمَة فِي صَحِيحه من حَدِيث عبد الله بن جَعْفَر أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ " من شكّ فِي صلَاته فليسجد سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا يسلم ". وَمِنْهَا مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد

(7/301)


وَابْن مَاجَه وَأحمد فِي مُسْنده وَعبد الرَّزَّاق فِي مُصَنفه وَالطَّبَرَانِيّ فِي مُعْجَمه من حَدِيث ثَوْبَان عَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قَالَ " لكل سَهْو سَجْدَتَانِ بَعْدَمَا يسلم " وَبِمَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ من حَدِيث قَتَادَة " عَن أنس فِي الرجل يهم فِي صلَاته لَا يدْرِي أزاد أم نقص قَالَ يسْجد سَجْدَتَيْنِ بعد السَّلَام " (فَإِن قلت) قَالَ الْبَيْهَقِيّ فِي الْمعرفَة روى عَن الزُّهْرِيّ أَنه ادّعى نسخ السُّجُود بعد السَّلَام وأسنده الشَّافِعِي عَنهُ ثمَّ أكده بِحَدِيث مُعَاوِيَة أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سجدهما قبل السَّلَام رَوَاهُ النَّسَائِيّ فِي سنَنه قَالَ وصحبة مُعَاوِيَة مُتَأَخِّرَة (قلت) قَول الزُّهْرِيّ مُنْقَطع وَهُوَ غير حجَّة عِنْدهم وَقَالَ الطرطوشي هَذَا لَا يَصح عَن الزُّهْرِيّ وَفِي إِسْنَاده أَيْضا مطرف بن مَازِن قَالَ يحيى كَذَّاب وَقَالَ النَّسَائِيّ غير ثِقَة وَقَالَ ابْن حبَان لَا تجوز الرِّوَايَة عَنهُ إِلَّا للاعتبار (فَإِن قلت) قَالُوا المُرَاد بِالسَّلَامِ فِي الْأَحَادِيث الَّتِي جَاءَت بِالسُّجُود بعد السَّلَام هُوَ السَّلَام على النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي التَّشَهُّد أَو يكون تَأْخِيرهَا على سَبِيل السَّهْو (قلت) هَذَا بعيد جدا مَعَ أَنه معَارض بِمثلِهِ وَهُوَ أَن يُقَال حَدِيثهمْ قبل السَّلَام يكون على سَبِيل السَّهْو وَيحْتَمل حَدِيثهمْ على السَّلَام الْمَعْهُود الَّذِي يخرج بِهِ عَن الصَّلَاة وَهُوَ سَلام التَّحَلُّل وَيبْطل أَيْضا حملهمْ على السَّلَام الَّذِي فِي التشهدان سُجُود السَّهْو لَا يكون إِلَّا بعد التسليمتين اتِّفَاقًا. وَأما الْجَواب عَن أَحَادِيثهم فَنَقُول أما حَدِيث الْبَاب وَهُوَ حَدِيث ابْن بُحَيْنَة فَهُوَ يخبر عَن فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَفِي أحاديثنا مَا يخبر عَن قَوْله فَالْعَمَل بقوله أولى على أَنه قد تعَارض فعلاه لِأَن فِي أَحَادِيثهم أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سجد للسَّهْو قبل السَّلَام وَفِي أحاديثنا سجد بعد السَّلَام فَفِي مثل هَذَا الْمصير إِلَى قَوْله أولى وَقد يُقَال أَن سُجُوده بعد السَّلَام إِنَّمَا كَانَ لبَيَان الْجَوَاز قبل السَّلَام لَا لبَيَان الْمسنون وَقَالَ بعض الشَّافِعِيَّة وَللشَّافِعِيّ قَول آخر أَنه يتَخَيَّر إِن شَاءَ قبل السَّلَام وَإِن شَاءَ بعده وَالْخلاف عندنَا فِي الْأَجْزَاء وَقيل فِي الْأَفْضَل وَادّعى الْمَاوَرْدِيّ اتِّفَاق الْفُقَهَاء يَعْنِي جَمِيع الْعلمَاء عَلَيْهِ وَقَالَ صَاحب الذَّخِيرَة للحنفية لَو سجد قبل السَّلَام جَازَ عندنَا قَالَ الْقَدُورِيّ هَذَا فِي رِوَايَة الْأُصُول قَالَ وروى عَنْهُم أَنه لَا يجوز لِأَنَّهُ أَدَّاهُ قبل وقته وَوجه رِوَايَة الْأُصُول أَنه فعل حصل فِي مُجْتَهد فِيهِ فَلَا يحكم بفساده وَهَذَا لَو أمرناه بِالْإِعَادَةِ يتَكَرَّر عَلَيْهِ السُّجُود وَلم يقل بِهِ أحد من الْعلمَاء وَذكر صَاحب الْهِدَايَة أَن هَذَا الْخلاف فِي الْأَوْلَوِيَّة وَذكر ابْن عبد الْبر كلهم يَقُولُونَ لَو سجد قبل السَّلَام فِيمَا يجب السُّجُود بعده أَو بعده فِيمَا يجب قبله لَا يضر وَهُوَ مُوَافق لنقل الْمَاوَرْدِيّ الْمَذْكُور آنِفا وَقَالَ الْحَازِمِي طَرِيق الْإِنْصَاف أَن نقُول أما حَدِيث الزُّهْرِيّ الَّذِي فِيهِ دلَالَة على النّسخ فَفِيهِ انْقِطَاع فَلَا يَقع مُعَارضا للأحاديث الثَّابِتَة وَأما بَقِيَّة الْأَحَادِيث فِي السُّجُود قبل السَّلَام وَبعده قولا وفعلا فَهِيَ وَإِن كَانَت ثَابِتَة صَحِيحَة فَفِيهَا نوع من تعَارض غير أَن تَقْدِيم بَعْضهَا على بعض غير مَعْلُوم رِوَايَة صَحِيحَة مَوْصُولَة وَالْأَشْبَه حمل الْأَحَادِيث على التَّوَسُّع وَجَوَاز الْأَمريْنِ انْتهى. وَأما حَدِيث أبي سعيد فَإِن مُسلما أخرجه مُنْفَردا بِهِ وَرَوَاهُ مَالك مُرْسلا (فَإِن قلت) قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ القَوْل لمن وَصله (قلت) قَالَ الْبَيْهَقِيّ الأَصْل الْإِرْسَال. وَأما حَدِيث مُعَاوِيَة فَإِن النَّسَائِيّ أخرجه من حَدِيث ابْن عجلَان عَن مُحَمَّد بن يُوسُف مولى عُثْمَان عَن أَبِيه عَنهُ ثمَّ قَالَ ويوسف لَيْسَ بِمَشْهُور. وَأما حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَهُوَ مَنْسُوخ. وَأما حَدِيث ابْن عَبَّاس فَإِنَّهُ من حَدِيث ابْن إِسْحَاق عَن مَكْحُول عَن كريب عَن ابْن عَبَّاس وَرَوَاهُ أَبُو عَليّ الطوسي فِي الْأَحْكَام عَن يَعْقُوب بن إِبْرَاهِيم حَدثنَا ابْن علية حَدثنَا مُحَمَّد بن إِسْحَاق حَدثنِي مَكْحُول أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ فَذكره وَقَالَ الدراقطني رَوَاهُ حَمَّاد بن سَلمَة عَن ابْن إِسْحَق عَن مَكْحُول مُرْسلا وَرَوَاهُ ابْن علية وَعبد الله بن نمير والمحاربي عَن ابْن إِسْحَق عَن مَكْحُول مُرْسلا وَوَصله يرجع إِلَى حُسَيْن بن عبد الله وَإِسْمَاعِيل بن مُسلم وَكِلَاهُمَا ضعيفان. وَأما حَدِيث ابْن مَسْعُود فَإِن أَبَا عُبَيْدَة رَوَاهُ عَن أَبِيه وَلم يسمع مِنْهُ وَبقيت هُنَا أَحْكَام أُخْرَى. الأول أَن فِي مَحل سَجْدَتي السَّهْو خَمْسَة أَقْوَال الْقَوْلَانِ للحنفية وَالشَّافِعِيَّة ذكرناهما. وَالثَّالِث مَذْهَب الْمَالِكِيَّة فَإِن عِنْدهم إِن كَانَ للنقصان فَقبل السَّلَام وَإِن كَانَ للزِّيَادَة فَبعد السَّلَام وَهُوَ قَول للشَّافِعِيّ. وَالرَّابِع مَذْهَب الْحَنَابِلَة أَنه يسْجد قبل السَّلَام فِي الْمَوَاضِع الَّتِي سجد فِيهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَبعد السَّلَام فِي الْمَوَاضِع الَّتِي سجد فِيهَا بعد السَّلَام وَمَا كَانَ من السُّجُود فِي غير تِلْكَ الْمَوَاضِع يسْجد لَهُ أبدا قبل السَّلَام. وَالْخَامِس مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة أَنه لَا يسْجد للسَّهْو إِلَّا فِي الْمَوَاضِع الَّتِي سجد فِيهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَط وَغير ذَلِك إِن كَانَ فرضا أَتَى بِهِ وَإِن كَانَ ندبا فَلَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء. والمواضع الَّتِي سجد فِيهَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خَمْسَة. أَحدهَا قَامَ من ثِنْتَيْنِ على مَا جَاءَ بِهِ فِي حَدِيث

(7/302)


ابْن بُحَيْنَة. وَالثَّانِي سلم من ثِنْتَيْنِ كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ. وَالثَّالِث سلم من ثَلَاث كَمَا جَاءَ بِهِ فِي حَدِيث عمرَان بن حُصَيْن. وَالرَّابِع أَنه صلى خمْسا كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ. وَالْخَامِس السُّجُود على الشَّك كَمَا جَاءَ فِي حَدِيث أبي سعيد الْخُدْرِيّ الحكم الثَّانِي أَن فِي الحَدِيث دلَالَة على سنية التَّشَهُّد الأول وَالْجُلُوس لَهُ إِذْ لَو كَانَا واجبين لما جبرا بِالسُّجُود كالركوع وَغَيره وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأَبُو حنيفَة كَذَا نَقله صَاحب التَّوْضِيح عَن أبي حنيفَة فَإِن كَانَ مُرَاده من السّنة السّنة الْمُؤَكّدَة يَصح النَّقْل عَنهُ لِأَن السّنة الْمُؤَكّدَة فِي قُوَّة الْوَاجِب وَفِي الْمُحِيط قَالَ الْكَرْخِي والطَّحَاوِي وَبَعض الْمُتَأَخِّرين الْقعدَة الأولى وَاجِبَة وَقِرَاءَة التَّشَهُّد فِيهَا سنة عِنْد بعض الْمَشَايِخ وَهُوَ الأقيس وَعند بَعضهم وَاجِبَة وَهُوَ الْأَصَح وَقِرَاءَة التَّشَهُّد فِي الْقعدَة الْأَخِيرَة وَاجِبَة بالِاتِّفَاقِ الحكم الثَّالِث فِي أَن التَّكْبِير مَشْرُوع لسجود السَّهْو بِالْإِجْمَاع وَفِي التَّوْضِيح مَذْهَبنَا أَن تَكْبِير الصَّلَوَات كلهَا سنة غير تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فَهُوَ ركن وَهُوَ قَول الْجُمْهُور وَأَبُو حنيفَة يُسمى تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَاجِبَة وَفِي رِوَايَة عَن أَحْمد والظاهرية أَن كلهَا وَاجِبَة (قلت) مَذْهَب أبي حنيفَة أَن تَكْبِيرَة الْإِحْرَام فرض وَنحن نفرق بَين الْفَرْض وَالْوَاجِب وَلكنه شَرط أَو ركن فعندنا شَرط وَعند الشَّافِعِي ركن كَمَا عرف فِي مَوْضِعه الحكم الرَّابِع فِي أَنه هَل يتَشَهَّد فِي سُجُود السَّهْو أم لَا فعندنا يتَشَهَّد وَعند الشَّافِعِي فِي الصَّحِيح لَا يتَشَهَّد كَمَا فِي سُجُود التِّلَاوَة والجنازة وَقَالَ ابْن قدامَة إِن كَانَ قبل السَّلَام يسلم عقيب التَّكْبِير وَإِن كَانَ بعده يتَشَهَّد وَيسلم قَالَ وَبِه قَالَ ابْن مَسْعُود وَقَتَادَة وَالنَّخَعِيّ وَالْحكم وَحَمَّاد وَالثَّوْري وَالْأَوْزَاعِيّ وَالشَّافِعِيّ وَعَن النَّخعِيّ يتَشَهَّد وَلَا يسلم وَعَن أنس وَالشعْبِيّ وَالْحسن وَعَطَاء لَيْسَ فيهمَا تشهد وَلَا تَسْلِيم وَعَن سعد بن أبي وَقاص وعمار وَابْن أبي ليلى وَابْن سِيرِين وَابْن الْمُنْذر فيهمَا تَسْلِيم بِغَيْر تشهد وَقَالَ ابْن الْمُنْذر التَّسْلِيم فيهمَا ثَابت من غير وَجه وَفِي ثُبُوت التَّشَهُّد عَنهُ نظر وَقَالَ أَبُو عمر لَا أحفظه مَرْفُوعا من وَجه صَحِيح وَعَن عَطاء إِن شَاءَ يتَشَهَّد وَيسلم وَإِن شَاءَ لم يفعل (قلت) عندنَا يسلم ثِنْتَيْنِ وَبِه قَالَ الثَّوْريّ وَأحمد وَيسلم عَن يَمِينه وشماله وَفِي الْمُحِيط يَنْبَغِي أَن يسلم وَاحِدَة عَن يَمِينه وَهُوَ قَول الْكَرْخِي وَبِه قَالَ النَّخعِيّ كالجنازة وَفِي الْبَدَائِع يسلم تِلْقَاء وَجهه فِي صفة السَّلَام فهما رِوَايَتَانِ عَن مَالك الحكم الْخَامِس فِي أَنه لَا يتَكَرَّر السُّجُود فَإِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لما ترك التَّشَهُّد الأول وَالْجُلُوس لَهُ اكْتفى بسجدتين وَهُوَ قَول أَكثر أهل الْعلم وَعَن الْأَوْزَاعِيّ إِذا سَهَا عَن شَيْئَيْنِ مُخْتَلفين يُكَرر وَيسْجد أَرْبعا وَقَالَ ابْن أبي ليلى يتَكَرَّر السُّجُود بِتَكَرُّر السَّهْو وَقَالَ ابْن أبي حَازِم وَعبد الْعَزِيز بن أبي سَلمَة إِذا كَانَ عَلَيْهِ سهوان فِي صَلَاة وَاحِدَة مِنْهُ مَا يسْجد لَهُ قبل السَّلَام وَمِنْه مَا يسْجد لَهُ بعد السَّلَام فليفعلهما الحكم السَّادِس فِي أَن سُجُود السَّهْو فِي التَّطَوُّع كالفرض سَوَاء وَقَالَ ابْن سِيرِين وَقَتَادَة لَا سُجُود فِي التَّطَوُّع وَهُوَ قَول غَرِيب ضَعِيف للشَّافِعِيّ الحكم السَّابِع فِي أَن مُتَابعَة الإِمَام عِنْد الْقيام من هَذَا الْجُلُوس وَاجِبَة أم لَا فَذكر فِي التَّوْضِيح أَنَّهَا وَاجِبَة وَقد وَقع كَذَلِك فِي الحَدِيث وَيجوز أَن يَكُونُوا علمُوا حكم هَذِه الْحَادِثَة أَو لم يعلمُوا فَسَبحُوا فَأَشَارَ إِلَيْهِم أَن يقومُوا نعم اخْتلفُوا فِيمَن قَامَ من اثْنَتَيْنِ سَاهِيا هَل يرجع إِلَى الْجُلُوس فَقَالَت طَائِفَة بِهَذَا الحَدِيث أَن من استتم قَائِما واستقل من الأَرْض فَلَا يرجع وليمض فِي صلَاته وَإِن لم يستو قَائِما جلس وروى ذَلِك عَن عَلْقَمَة وَقَتَادَة وَعبد الرَّحْمَن بن أبي ليلى وَهُوَ قَول الْأَوْزَاعِيّ وَابْن الْقَاسِم فِي الْمُدَوَّنَة وَالشَّافِعِيّ وَقَالَت طَائِفَة إِذا فَارَقت إليته الأَرْض وَإِن لم يعتدل فَلَا يرجع ويتمادى وَيسْجد قبل السَّلَام رَوَاهُ ابْن الْقَاسِم عَن مَالك فِي الْمَجْمُوعَة وَقَالَت طَائِفَة يقْعد وَإِن كَانَ استتم قَائِما رُوِيَ ذَلِك عَن النُّعْمَان بن بشير وَالنَّخَعِيّ وَالْحسن الْبَصْرِيّ إِلَّا أَن النَّخعِيّ قَالَ يجلس مَا لم يستتم الْقِرَاءَة وَقَالَ الْحسن مَا لم يرْكَع وَقد روى عَن

(7/303)


عمر وَابْن مَسْعُود وَمُعَاوِيَة وَسَعِيد والمغيرة بن شُعْبَة وَعقبَة بن عَامر رَضِي الله تَعَالَى عَنْهُم أَنهم قَامُوا من اثْنَتَيْنِ فَلَمَّا ذكرُوا بعد الْقيام لم يجلسوا وَقَالُوا أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يفعل ذَلِك وَفِي قَول أَكثر الْعلمَاء أَن من رَجَعَ إِلَى الْجُلُوس بعد قِيَامه من ثِنْتَيْنِ أَنه لَا تفْسد صلَاته إِلَّا مَا ذكر ابْن أبي زيد عَن سَحْنُون أَنه قَالَ أفسد الصَّلَاة رُجُوعه وَالصَّوَاب قَول الْجَمَاعَة الحكم الثَّامِن فِيمَن سَهَا فِي سَجْدَتي السَّهْو لَا سَهْو عَلَيْهِ قَالَه النَّخعِيّ وَالْحكم وَحَمَّاد والمغيرة وَابْن أبي ليلى وَالْحسن الحكم التَّاسِع أَن سُجُود السَّهْو وَاجِب عِنْد أبي حنيفَة لوُجُود الْأَمر بِهِ فِي غير حَدِيث لقَوْله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة الْمُتَّفق عَلَيْهِ " فَإِذا وجد ذَلِك أحدكُم فليسجد سَجْدَتَيْنِ " وَذهب الشَّافِعِي إِلَى أَن سُجُود السَّهْو سنة يجوز تَركه والْحَدِيث حجَّة عَلَيْهِ وَقَالَ ابْن شبْرمَة فِي رجل نسي سَجْدَتي السَّهْو حَتَّى يخرج من الْمَسْجِد قَالَ يُعِيد الصَّلَاة (فَإِن قلت) روى الطَّبَرَانِيّ من حَدِيث ابْن عمر أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يسْجد يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ (قلت) فِي إِسْنَاده عبد الله بن عمر الْعمريّ وَهُوَ مُخْتَلف فِي الِاحْتِجَاج بِهِ وَلَئِن سلمنَا صِحَّته فَإِنَّهُ لَا يُقَاوم حَدِيث أبي هُرَيْرَة فَافْهَم
248 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك بن أنس عَن ابْن شهَاب عَن عبد الرَّحْمَن الْأَعْرَج عَن عبد الله بن بُحَيْنَة رَضِي الله عَنهُ أَنه قَالَ صلى لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَكْعَتَيْنِ من بعض الصَّلَوَات ثمَّ قَامَ فَلم يجلس فَنَامَ النَّاس مَعَه فَلَمَّا قضى صلَاته ونظرنا تَسْلِيمه كبر قبل التَّسْلِيم فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس ثمَّ سلم) مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " صلى لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - رَكْعَتَيْنِ من بعض الصَّلَوَات ثمَّ قَامَ " وَهَذَا الحَدِيث نَحْو الحَدِيث الأول غير أَن مَالِكًا يروي عَن يحيى بن سعيد فِيهِ وَهَهُنَا يروي عَن ابْن شهَاب وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ وَفِيه زِيَادَة وَفِي أَكثر النّسخ هَذَا الحَدِيث مَذْكُور قبل الحَدِيث الأول قَوْله " من بعض الصَّلَوَات " بَين ذَلِك فِي الحَدِيث السَّابِق أَنَّهَا صَلَاة الظّهْر قَوْله " ثمَّ قَامَ " أَي إِلَى الثَّالِثَة وَزَاد الضَّحَّاك بن عُثْمَان عَن الْأَعْرَج " فَسَبحُوا بِهِ فَمضى حَتَّى فرغ من صلَاته " أخرجه ابْن خُزَيْمَة قَوْله " فَلَمَّا قضى صلَاته " أَي لما فرغ مِنْهَا وَلَيْسَ المُرَاد مِنْهُ الْقَضَاء الَّذِي يُقَابل الْأَدَاء قَوْله " ونظرنا تَسْلِيمه " أَي انتظرنا وَفِي رِوَايَة شُعَيْب " وانتظر النَّاس تَسْلِيمه " قَوْله " وَهُوَ جَالس " جملَة اسمية وَقعت حَالا من الضَّمِير الَّذِي فِي " فَسجدَ " قَوْله " ثمَّ سلم " زَاد فِي رِوَايَة يحيى بن سعيد " ثمَّ سلم بعد ذَلِك " وَسَيَأْتِي فِي رِوَايَة اللَّيْث " وسجدهما النَّاس مَعَه مَكَان مَا نسي من الْجُلُوس " (وَيُسْتَفَاد مِنْهُ أَشْيَاء) الأول فِي قَوْله " فَلَمَّا قضى صلَاته " دلَالَة على أَن السَّلَام لَيْسَ من الصَّلَاة حَتَّى لَو أحدث بعد أَن جلس وَقبل أَن يسلم تمت صلَاته وَهُوَ مَذْهَب أبي حنيفَة وَقَالَ بَعضهم وَتعقب بِأَن السَّلَام لما كَانَ للتحليل من الصَّلَاة كَانَ الْمُصَلِّي إِذا انْتهى إِلَيْهِ كمن فرغ من صلَاته وَيدل على ذَلِك قَوْله فِي رِوَايَة ابْن مَاجَه من طَرِيق جمَاعَة من الثِّقَات عَن يحيى بن سعيد عَن الْأَعْرَج " حَتَّى إِذا فرغ من الصَّلَاة إِلَّا أَن يسلم " فَدلَّ أَن بعض الروَاة حذف الِاسْتِثْنَاء لوضوحه وَالزِّيَادَة من الْحَافِظ مَقْبُولَة انْتهى (قلت) أَصْحَابنَا مَا اكتفوا بِهَذَا فِي عدم فَرضِيَّة السَّلَام حَتَّى يذكر هَذَا الْقَائِل التعقب بل احْتَجُّوا أَيْضا بِحَدِيث " عبد الله بن مَسْعُود أَن نَبِي الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَخذ بِيَدِهِ فَعلمه التَّشَهُّد " وَفِي آخِره " إِذا قلت هَذَا أَو قضيت هَذَا فقد قضيت صَلَاتك إِن شِئْت أَن تقوم وَإِن شِئْت أَن تقعد فَاقْعُدْ " رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأحمد فِي مُسْنده وَابْن حبَان فِي صَحِيحه وَإِسْحَاق فِي مُسْنده وَهَذَا يُنَافِي فَرضِيَّة السَّلَام فِي الصَّلَاة لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خير الْمُصَلِّي بعد الْقعُود بقوله " إِن شِئْت " أَي آخِره وهم تمسكوا بقوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " تَحْرِيمهَا التَّكْبِير وتحليلها التَّسْلِيم " وَمَعْنَاهُ لَا يخرج من الصَّلَاة إِلَّا بِهِ وَنحن نمْنَع إِثْبَات الْفَرْضِيَّة بِخَبَر الْوَاحِد على أَن مدَار هَذَا الحَدِيث على عبد الله بن مُحَمَّد بن عقيل وعَلى أبي سُفْيَان من طَرِيق ابْن شهَاب وَكِلَاهُمَا ضعيفان وَالْعجب من هَذَا الْقَائِل أَنه يجوز للراوي حذف شَيْء من الحَدِيث لوضوحه وَكَيف يجوز التَّصَرُّف فِي كَلَام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَان وَلَا سِيمَا فِي بَاب الْأَحْكَام

(7/304)


الثَّانِي فِيهِ الدّلَالَة على مَشْرُوعِيَّة سَجْدَتي السَّهْو وَأَن الْمَشْرُوع سَجْدَتَانِ فَلَو اقْتصر على سَجْدَة وَاحِدَة سَاهِيا أَو عَامِدًا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْء وَذكر بَعضهم أَنه لَو تَركهَا عَامِدًا بطلت صلَاته لِأَنَّهُ تعمد الْإِتْيَان بِسَجْدَة زَائِدَة لَيست مَشْرُوعَة (قلت) كَيفَ تبطل الصَّلَاة إِذا زَاد فِيهَا شَيْئا من جِنْسهَا الثَّالِث فِيهِ أَن سَجْدَتي السَّهْو قبل السَّلَام وَقد ذكرنَا الْخلاف فِيهِ مَعَ حججه فِيمَا مضى. الرَّابِع فِيهِ أَن الْمَأْمُوم يسْجد مَعَ الإِمَام سَجْدَتي السَّهْو إِذا سَهَا الإِمَام وَإِن سَهَا الْمَأْمُوم لم يلْزمه وَلَا الإِمَام وَفِي مَبْسُوط أبي الْيُسْر وَيسْجد الْمَسْبُوق مَعَ الإِمَام للسَّهْو سَوَاء أدْركهُ فِي الْقعدَة أَو فِي وسط الصَّلَاة الْخَامِس فِيهِ أَن السَّهْو وَالنِّسْيَان جائزان على الْأَنْبِيَاء عَلَيْهِم الصَّلَاة وأزكى السَّلَام فِيمَا طَرِيقه التشريع. السَّادِس فِيهِ أَن مَحل سَجْدَتي السَّهْو آخر الصَّلَاة.

(بَاب إِذا صلى خمْسا)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا صلى الْمُصَلِّي الرّبَاعِيّة خمس رَكْعَات وَأَشَارَ بِهَذَا إِلَى التَّفْرِقَة بَين مَا إِذا كَانَ السَّهْو بِالنُّقْصَانِ وَبَين مَا إِذا كَانَ بِالزِّيَادَةِ فَفِي الْبَاب الأول كَانَ السُّجُود قبل السَّلَام وَفِي هَذَا بعد السَّلَام وَإِلَى التَّفْرِقَة ذهب مَالك كَمَا ذَكرْنَاهُ.
249 - (حَدثنَا أَبُو الْوَلِيد قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن الحكم عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة عَن عبد الله رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى الظّهْر خمْسا فَقيل لَهُ أَزِيد فِي الصَّلَاة فَقَالَ وَمَا ذَاك قَالَ صليت خمْسا فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا سلم) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَمضى هَذَا الحَدِيث بِعَيْنِه فِي بَاب مَا جَاءَ فِي الْقبْلَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن مُسَدّد عَن يحيى عَن شُعْبَة عَن الحكم إِلَى آخِره وَهنا عَن أبي الْوَلِيد هِشَام بن عبد الْملك عَن شُعْبَة بن الْحجَّاج عَن الحكم بِفتْحَتَيْنِ ابْن عتيبة عَن إِبْرَاهِيم بن يزِيد النَّخعِيّ عَن عَلْقَمَة بن قيس عَن عبد الله بن مَسْعُود رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ والتفاوت بَينهمَا يسير سندا ومتنا فَاعْتبر ذَلِك بِالنّظرِ وَأخرجه أَيْضا فِي بَاب التَّوَجُّه نَحْو الْقبْلَة بأطول مِنْهُ عَن عُثْمَان عَن جرير عَن مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم عَن عَلْقَمَة قَالَ قَالَ عبد الله صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى آخِره وَقد ذكرنَا هُنَاكَ أَن حَدِيث عُثْمَان أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه وَحَدِيث أبي الْوَلِيد أخرجه مُسلم وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ وَابْن مَاجَه. فَلفظ مُسلم " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى الظّهْر خمْسا فَلَمَّا سلم قيل أَزِيد فِي الصَّلَاة قَالَ وَمَا ذَاك قَالُوا صليت خمْسا فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ " وَفِي لفظ لَهُ " صلى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خمْسا فَقُلْنَا يَا رَسُول الله أَزِيد فِي الصَّلَاة قَالَ وَمَا ذَاك قَالُوا صليت خمْسا قَالَ إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ أذكر كَمَا تذكرُونَ وأنسى كَمَا تنسون ثمَّ سجد سَجْدَتي السَّهْو " وَفِي لفظ لَهُ " صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَزَاد أَو نقص قَالَ إِبْرَاهِيم وَالوهم مني فَقيل يَا رَسُول الله أَزِيد فِي الصَّلَاة شَيْء فَقَالَ إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ أنسى كَمَا تنسون فَإِذا نسي أحدكُم فليسجد سَجْدَتَيْنِ وَهُوَ جَالس ثمَّ تحول رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ " وَفِي لفظ لَهُ " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سجد سَجْدَتي السَّهْو بعد السَّلَام وَالْكَلَام " وَفِي لفظ لَهُ " قَالَ صلينَا مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فإمَّا زَاد أَو نقص قَالَ إِبْرَاهِيم وأيم الله مَا جَاءَ ذَاك إِلَّا من قبلي قَالَ قُلْنَا يَا رَسُول الله أحدث فِي الصَّلَاة شَيْء قَالَ لَا قَالَ قُلْنَا لَهُ الَّذِي صنع فَقَالَ إِذا زَاد الرجل أَو نقص فليسجد سَجْدَتَيْنِ قَالَ ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ " وَفِي لفظ أبي دَاوُد قَالَ " صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الظّهْر خمْسا " وَالْبَاقِي نَحْو لفظ البُخَارِيّ وَفِي لفظ لَهُ " قَالَ عبد الله صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِبْرَاهِيم فَلَا أَدْرِي أزاد أم نقص فَلَمَّا سلم قيل يَا رَسُول الله أحدث فِي الصَّلَاة شَيْء قَالَ وَمَا ذَاك قَالُوا صليت كَذَا وَكَذَا قَالَ فَثنى رجلَيْهِ واستقبل الْقبْلَة فَسجدَ بهم سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سلم فَلَمَّا انْفَتَلَ أقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ أَنه لَو أحدث فِي الصَّلَاة شَيْء أنبأتكم بِهِ وَلَكِن إِنَّمَا أَنا بشر أنسى كَمَا تنسون فَإِذا نسيت فذكروني وَإِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فليتحر الصَّوَاب فليتم عَلَيْهِ ثمَّ ليسلم ثمَّ ليسجد سَجْدَتَيْنِ " وَفِي لفظ لَهُ " فَإِذا نسي أحدكُم فليسجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ تحول فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ " وَفِي لفظ لَهُ " قَالَ عبد الله صلى بِنَا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - خمْسا فَلَمَّا انْفَتَلَ توشوش الْقَوْم بَينهم فَقَالَ

(7/305)


مَا شَأْنكُمْ قَالُوا يَا رَسُول الله هَل زيد فِي الصَّلَاة قَالَ لَا قَالُوا فَإنَّك قد صليت خمْسا فَانْفَتَلَ فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ قَالَ إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ أنسى كَمَا تنسون " وَلَفظ التِّرْمِذِيّ " أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى الظّهْر خمْسا فَقيل لَهُ أَزِيد فِي الصَّلَاة فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ بَعْدَمَا سلم " وَفِي لفظ لَهُ " سجد سَجْدَتَيْنِ بعد الْكَلَام " وَلَفظ النَّسَائِيّ " قَالَ عبد الله صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَزَاد أَو نقص فَقيل يَا رَسُول الله هَل حدث فِي الصَّلَاة شَيْء قَالَ لَو حدث فِي الصَّلَاة شَيْء أنبأتكموه وَلَكِنِّي إِنَّمَا أَنا بشر مثلكُمْ أنسى كَمَا تنسون فَأَيكُمْ مَا شكّ فِي صلَاته فَلْينْظر أَحْرَى ذَلِك إِلَى الصَّوَاب فليتم عَلَيْهِ ثمَّ ليسلم وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ " وَفِي لفظ لَهُ " صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَزَاد فِيهَا أَو نقص فَلَمَّا سلم قُلْنَا يَا نَبِي الله هَل حدث فِي الصَّلَاة شَيْء قَالَ وَمَا ذَاك قَالَ فَذَكرنَا لَهُ الَّذِي فعل فَثنى رجله فَاسْتقْبل الْقبْلَة فَسجدَ سَجْدَتي السَّهْو ثمَّ أقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ لَو حدث فِي الصَّلَاة شَيْء لأنبأتكم بِهِ ثمَّ قَالَ إِنَّمَا أَنا بشر أنسى كَمَا تنسون فَأَيكُمْ أنسى فِي صلَاته شَيْئا فليتحر الَّذِي يرى أَنه هُوَ صَوَاب ثمَّ يسلم ثمَّ يسْجد سَجْدَتي السَّهْو " وَفِي لفظ لَهُ " إِذا أوهم أحدكُم فِي صلَاته فليتحر أقرب ذَلِك من الصَّوَاب ثمَّ ليتم عَلَيْهِ ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ " وَلَفظ ابْن مَاجَه " قَالَ عبد الله صلى رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة لَا نَدْرِي أزاد أَو نقص فَسَأَلَ فحدثاه فَثنى رجله واستقبل الصَّلَاة وَسجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ أقبل علينا بِوَجْهِهِ فَقَالَ لَو حدث فِي الصَّلَاة شَيْء لأنبأتكموه وَإِنَّمَا أَنا بشر أنسى كَمَا تنسون فَإِذا نسيت فذكروني وَأَيكُمْ مَا شكّ فِي الصَّلَاة فليتحر أقرب ذَلِك من الصَّوَاب فَيتم عَلَيْهِ وَيسْجد سَجْدَتَيْنِ " وَقد استقصينا الْكَلَام فِي هَذَا فِي بَاب التَّوَجُّه نَحْو الْقبْلَة (ذكر مَعْنَاهُ) قَوْله " صلى الظّهْر خمْسا " أَي خمس رَكْعَات فَهُنَا جزم بِأَن الَّذِي صلى كَانَ خمْسا وَقد مر فِي بَاب التَّوَجُّه إِلَى الْقبْلَة فِي رِوَايَة مَنْصُور عَن إِبْرَاهِيم وَفِيه قَالَ إِبْرَاهِيم لَا أَدْرِي زَاد أَو نقص قَوْله " قيل لَهُ " أَي لرَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَوْله أَزِيد الْهمزَة فِيهِ للاستفهام على سَبِيل الاستخبار قَوْله " وَمَا ذَاك " أَي وَمَا سؤالكم عَن الزِّيَادَة فِي الصَّلَاة قَوْله " فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ " أَي للسَّهْو قَوْله " بَعْدَمَا سلم " كلمة مَا مَصْدَرِيَّة أَي بعد سَلام الصَّلَاة (ذكر مَا يُسْتَفَاد مِنْهُ) هَذَا الحَدِيث حجَّة لأبي حنيفَة وَأَصْحَابه أَن سَجْدَتي السَّهْو بعد السَّلَام وَإِن كَانَت للزِّيَادَة وَقَالَ بَعضهم وَتعقب بِأَنَّهُ لم يعلم بِزِيَادَة الرَّكْعَة إِلَّا بعد السَّلَام حِين سَأَلُوهُ هَل زيد فِي الصَّلَاة وَقد اتّفق الْعلمَاء فِي هَذِه الصُّورَة على أَن سُجُود السَّهْو بعد السَّلَام لتعذره قبله لعدم علمه بالسهو ورد بِأَنَّهُ وَقع فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود هَذَا فِي لفظ مُسلم فِي الزِّيَادَة أَنه أَمر بالإتمام وَالسَّلَام ثمَّ بسجدتي السَّهْو وَهُوَ قَوْله " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فليتحر الصَّوَاب فليتم عَلَيْهِ ثمَّ ليسلم ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ " وَالشَّكّ بالسهو غير الْعلم بِهِ وعورض بِأَنَّهُ معَارض بِحَدِيث أبي سعيد عِنْد مُسلم وَلَفظه " إِذا شكّ أحدكُم فِي صلَاته فَلم يدر كم صلى فليطرح الشَّك وليبن على مَا استيقن ثمَّ يسْجد سَجْدَتَيْنِ قبل أَن يسلم " وَأجِيب بِأَن التَّعَارُض إِذا كَانَ بَين الْقَوْلَيْنِ يُصَار إِلَى جَانب الْفِعْل لسلامته عَن الْمعَارض وَإِذا كَانَ بَين القَوْل وَالْفِعْل يُصَار إِلَى جَانب القَوْل لقُوته أَو يُقَال كَانَ ذَلِك مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لبَيَان الْجَوَاز والتوسع فِي الْأَمريْنِ وَقَالَ ابْن خُزَيْمَة لَا حجَّة للعراقيين فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود لأَنهم خالفوه فَقَالُوا إِن جلس الْمُصَلِّي فِي الرَّابِعَة مِقْدَار التَّشَهُّد يُضَاف إِلَى الْخَامِسَة سادسة ثمَّ سلم وَسجد للسَّهْو وَإِن لم يجلس فِي الرَّابِعَة لم تصح صلَاته وَلم ينْقل فِي حَدِيث ابْن مَسْعُود إِضَافَة سادسة وَلَا إِعَادَة وَلَا بُد من أَحدهمَا عِنْدهم وَيحرم على الْعَالم أَن يُخَالف السّنة بعد علمه بهَا (قلت) لَا نسلم أَنهم خالفوه فَلَو وقف هَذَا الْمُعْتَرض على مدارك هَذِه الصُّورَة لما قَالَ ذَلِك. الْمدْرك الأول أَن الْقعدَة الْأَخِيرَة فرض عِنْدهم فَلَو ترك شخص فرضا من فروض الصَّلَاة تبطل صلَاته. الْمدْرك الثَّانِي أَنه حِين قَامَ إِلَى السَّادِسَة بعد الْقعُود صَار شَارِعا فِي صَلَاة أُخْرَى بِنَاء على التَّحْرِيمَة الأولى لِأَنَّهَا شَرط عِنْدهم وَلَيْسَ بِرُكْن. الْمدْرك الثَّالِث أَن الصَّلَاة بِرَكْعَة وَاحِدَة منهية عِنْدهم كَمَا ثَبت ذَلِك فِي مَوْضِعه فَإِذا كَانَ كَذَلِك فبالضرورة من إِضَافَة رَكْعَة أُخْرَى إِلَيْهَا ليخرج عَن البتيراء. الْمدْرك الرَّابِع أَن التَّسْلِيم فِي آخر الصَّلَاة غير فرض عِنْدهم فبتركه لَا تبطل صلَاته فَإِذا وقف أحد على هَذِه المدارك لَا يصدر مِنْهُ هَذَا الِاعْتِرَاض وَيحرم عَلَيْهِ أَن ينْسب أحدا إِلَى مُخَالفَة السّنة بعد الْعلم بهَا وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي قَوْله " أَزِيد فِي الصَّلَاة " دَلِيل لمَذْهَب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَالْجُمْهُور من السّلف وَالْخلف أَن من زَاد فِي صلَاته رَكْعَة نَاسِيا لم تبطل صلَاته بل إِن علم بعد السَّلَام فقد مَضَت صلَاته صَحِيحَة وَيسْجد للسَّهْو وَقَالَ أَبُو حنيفَة إِذا

(7/306)


زَاد رَكْعَة سَاهِيا بطلت صلَاته وَلَزِمَه إِعَادَتهَا وَقَالَ أَيْضا إِن كَانَ تشهد فِي الرَّابِعَة ثمَّ زَاد خَامِسَة أضَاف إِلَيْهَا سادسة تشفعها وَإِن لم يكن تشهد بطلت صلَاته وَهَذَا الحَدِيث يرد عَلَيْهِ وَهُوَ حجَّة لِلْجُمْهُورِ (قلت) لَا نسلم صِحَة النَّقْل عَن أبي حنيفَة بِبُطْلَان صلَاته إِذا زَاد رَكْعَة سادسة سَاهِيا وَالظَّاهِر من حَال النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنه قعد على الرَّابِعَة لِأَن حمل فعله على الصَّوَاب أحسن من حمله على غَيره وَهُوَ اللَّائِق بِحَالهِ على أَن الْمَذْكُور فِيهِ صلى الظّهْر خمْسا وَالظّهْر اسْم للصَّلَاة الْمَعْهُودَة فِي وَقتهَا بِجَمِيعِ أَرْكَانهَا (فَإِن قلت) لم يرجع النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من الْخَامِسَة وَلم يشفعها (قلت) لَا يضرنا ذَلِك لأَنا لَا نلزمه بِضَم الرَّكْعَة السَّادِسَة على طَرِيق الْوُجُوب حَتَّى قَالَ صَاحب الْهِدَايَة وَلَو لم يضم لَا شَيْء عَلَيْهِ لِأَنَّهُ مظنون وَقَالَ صَاحب الْبَدَائِع وَالْأولَى أَن يضيف إِلَيْهَا رَكْعَة أُخْرَى ليصيرا نفلا إِلَّا فِي الْعَصْر

(بَاب إِذا سلم فِي رَكْعَتَيْنِ أَو فِي ثَلَاث فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ مثل سُجُود الصَّلَاة أَو أطول)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ إِذا سلم الْمُصَلِّي فِي رَكْعَتَيْنِ وَكلمَة فِي بِمَعْنى من أَو بِمَعْنى على قَوْله " أَو فِي ثَلَاث " أَي أَو سلم على ثَلَاث رَكْعَات قَوْله " مثل سُجُود الصَّلَاة أَو أطول " أَي أطول مِنْهُ وَهَذَا اللَّفْظ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة يَأْتِي فِي الْبَاب الثَّانِي وَهُوَ قَوْله " ثمَّ كبر فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول "
250 - (حَدثنَا آدم قَالَ حَدثنَا شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ صلى بِنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الظّهْر أَو الْعَصْر فَسلم فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ الصَّلَاة يَا رَسُول الله أنقصت فَقَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لأَصْحَابه أَحَق مَا يَقُول قَالُوا نعم فصلى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ. قَالَ سعد وَرَأَيْت عُرْوَة بن الزبير صلى من الْمغرب رَكْعَتَيْنِ فَسلم وَتكلم ثمَّ صلى مَا بَقِي وَسجد سَجْدَتَيْنِ وَقَالَ هَكَذَا فعل النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) مطابقته للتَّرْجَمَة من حَيْثُ أَن الحَدِيث ينبىء أَنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - سلم على آخر الرَّكْعَتَيْنِ وَهَذَا ظَاهر وَلَكِن لَيْسَ فِي الْبَاب ذكر مَا إِذا سلم على آخر ثَلَاث رَكْعَات وَأخرج البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث فِي بَاب هَل يَأْخُذ الإِمَام إِذا شكّ بقول النَّاس من طَرِيقين. أَحدهمَا عَن عبد الله بن مسلمة عَن مَالك بن أنس عَن أَيُّوب عَن مُحَمَّد بن سِيرِين " عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انْصَرف من اثْنَتَيْنِ " إِلَى آخِره. وَالْآخر عَن أبي الْوَلِيد عَن شُعْبَة عَن سعد بن إِبْرَاهِيم عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة وَقد ذكر البُخَارِيّ هَذَا الحَدِيث مطولا فِي بَاب تشبيك الْأَصَابِع فِي الْمَسْجِد وَغَيره وَقد ذكرنَا هُنَاكَ جَمِيع مَا يتَعَلَّق بِحَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ مستقصى فَمن أَرَادَ ذَلِك فَليرْجع إِلَى ذَاك الْبَاب قَوْله " صلى بِنَا النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الظّهْر " ظَاهره أَن أَبَا هُرَيْرَة حضر الْقِصَّة وَذُو الْيَدَيْنِ اسْتشْهد ببدر قَالَه الزُّهْرِيّ وَمُقْتَضَاهُ أَن تكون الْقِصَّة قبل بدر وَهِي قبل إِسْلَام أبي هُرَيْرَة بِأَكْثَرَ من خمس سِنِين وَلَكِن معنى قَول أبي هُرَيْرَة " صلى بِنَا " أَي صلى بِالْمُسْلِمين وَهَذَا جَائِز فِي اللُّغَة كَمَا رُوِيَ عَن النزال بن سُبْرَة قَالَ " قَالَ لنا رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنا وَإِيَّاكُم كُنَّا ندعى بني عبد منَاف " الحَدِيث والنزال لم ير رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَإِنَّمَا أَرَادَ بذلك قَالَ لقومنا وروى " عَن طَاوس قَالَ قدم علينا معَاذ بن جبل رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ فَلم يَأْخُذ من الخضراوات شَيْئا " وَإِنَّمَا أَرَادَ قدم بلدنا لِأَن معَاذًا قدم الْيمن فِي عهد رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قبل أَن يُولد طَاوس وَقَالَ بَعضهم اتّفق أَئِمَّة الحَدِيث كَمَا نَقله ابْن عبد الْبر وَغَيره على أَن الزُّهْرِيّ وهم فِي ذَلِك وَسَببه أَنه جعل الْقِصَّة لذِي الشمالين وَذُو الشمالين هُوَ الَّذِي قتل ببدر وَهُوَ خزاعي واسْمه عَمْرو بن نَضْلَة وَأما ذُو الْيَدَيْنِ فَتَأَخر بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَهُوَ سلمي واسْمه الْخِرْبَاق وَقد وَقع عِنْد مُسلم من طَرِيق أبي سَلمَة " عَن أبي هُرَيْرَة فَقَامَ رجل من بني سليم " فَلَمَّا وَقع عِنْد الزُّهْرِيّ بِلَفْظ " فَقَامَ ذُو الشمالين " وَهُوَ يعرف أَنه قتل ببدر قَالَ لأجل ذَلِك أَن الْقِصَّة وَقعت قبل بدر انْتهى (قلت) وَقع فِي كتاب النَّسَائِيّ أَن ذَا الْيَدَيْنِ وَذَا الشمالين وَاحِد كِلَاهُمَا لقب على الْخِرْبَاق حَيْثُ قَالَ أخبرنَا مُحَمَّد بن رَافع حَدثنَا عبد الرَّزَّاق أخبرنَا معمر عَن الزُّهْرِيّ عَن أبي

(7/307)


سَلمَة بن عبد الرَّحْمَن وَأبي بكر بن سُلَيْمَان بن أبي خَيْثَمَة " عَن أبي هُرَيْرَة قَالَ صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الظّهْر أَو الْعَصْر فَسلم من رَكْعَتَيْنِ فَانْصَرف فَقَالَ لَهُ ذُو الشمالين ابْن عَمْرو أنقصت الصَّلَاة أم نسيت قَالَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - مَا يَقُول ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا صدق يَا رَسُول الله فَأَتمَّ بهم الرَّكْعَتَيْنِ اللَّتَيْنِ نقص " وَهَذَا سَنَد صَحِيح مُتَّصِل صرح فِيهِ بِأَن ذَا الشمالين هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ وروى النَّسَائِيّ أَيْضا بِسَنَد صَحِيح صرح فِيهِ أَيْضا أَن ذَا الشمالين هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ وَقد تَابع الزُّهْرِيّ على ذَلِك عمرَان بن أبي أنس قَالَ النَّسَائِيّ أخبرنَا عِيسَى بن حَمَّاد أخبرنَا اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب عَن عمرَان بن أبي أنس عَن أبي سَلمَة " عَن أبي هُرَيْرَة أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى يَوْمًا فَسلم فِي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ انْصَرف فأدركه ذُو الشمالين فَقَالَ يَا رَسُول الله أنقصت الصَّلَاة أم نسيت فَقَالَ لم تنقص الصَّلَاة وَلم أنس قَالَ بلَى وَالَّذِي بَعثك بِالْحَقِّ قَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أصدق ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا نعم فصلى بِالنَّاسِ رَكْعَتَيْنِ " وَهَذَا أَيْضا سَنَد صَحِيح على شَرط مُسلم وَأخرج نَحوه الطَّحَاوِيّ عَن ربيع الْمُؤَذّن عَن شُعَيْب بن اللَّيْث عَن اللَّيْث عَن يزِيد بن أبي حبيب إِلَى آخِره فَثَبت أَن الزُّهْرِيّ لم يهم وَلَا يلْزم من عدم تَخْرِيج ذَلِك فِي الصَّحِيحَيْنِ عدم صِحَّته فَثَبت أَن ذَا الْيَدَيْنِ وَذَا الشمالين وَاحِد وَالْعجب من هَذَا الْقَائِل أَنه مَعَ اطِّلَاعه على مَا رَوَاهُ النَّسَائِيّ من هَذَا كَيفَ اعْتمد على قَول من نسب الزُّهْرِيّ إِلَى الْوَهم وَلَكِن أريحية العصبية تحمل الرجل على أَكثر من هَذَا وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا وَقد جوز بعض الْأَئِمَّة أَن تكون الْقِصَّة لكل من ذِي الشمالين وَذي الْيَدَيْنِ وَأَن أَبَا هُرَيْرَة روى الْحَدِيثين فَأرْسل أَحدهمَا وَهُوَ قصَّة ذِي الشمالين وَشَاهد الآخر وَهُوَ قصَّة ذِي الْيَدَيْنِ وَهَذَا يحْتَمل فِي طَرِيق الْجمع (قلت) هَذَا يحْتَاج إِلَى دَلِيل صَحِيح وَجعل الْوَاحِد اثْنَيْنِ خلاف الأَصْل وَقد يلقب الرجل بلقبين وَأكْثر وَقَالَ أَيْضا وَيدْفَع الْمجَاز الَّذِي ارْتَكَبهُ الطَّحَاوِيّ مَا رَوَاهُ مُسلم وَأحمد وَغَيرهمَا من طَرِيق يحيى بن أبي كثير عَن أبي سَلمَة فِي هَذَا الحَدِيث عَن أبي هُرَيْرَة بِلَفْظ " بَيْنَمَا أَنا أُصَلِّي مَعَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَاة الظّهْر سلم رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من رَكْعَتَيْنِ فَقَامَ رجل من بني سليم واقتص " الحَدِيث (قلت) هَذَا الحَدِيث رَوَاهُ مُسلم من خمس طرق فلفظه من طَرِيقين " صلى بِنَا " وَفِي طَرِيق " صلى لنا " وَفِي طَرِيق " أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى رَكْعَتَيْنِ " وَفِي طَرِيق " بَيْنَمَا أَنا أُصَلِّي " وَفِي ثَلَاث طرق التَّصْرِيح بِلَفْظ ذِي الْيَدَيْنِ وَفِي الطَّرِيقَيْنِ بِلَفْظ رجل من بني سليم وَفِي الطَّرِيق الأول إِحْدَى صَلَاتي الْعشي إِمَّا الظّهْر أَو الْعَصْر بِالشَّكِّ وَفِي الثَّانِي إِحْدَى صَلَاتي الْعشي من غير ذكر الظّهْر وَالْعصر بِدُونِ الْيَقِين وَفِي الثَّالِث صَلَاة الْعَصْر بِالْجَزْمِ وَفِي الرَّابِع وَالْخَامِس صَلَاة الظّهْر بِالْجَزْمِ فَهَذَا كُله يدل على اخْتِلَاف الْقَضِيَّة وَإِلَّا يكون فِيهَا إِشْكَال فَإِذا كَانَ الْأَمر كَذَلِك يحْتَمل أَن يكون الرجل الْمَذْكُور الَّذِي نَص عَلَيْهِ أَنه من بني سليم غير ذِي الْيَدَيْنِ وَأَن تكون قَضيته غير قَضِيَّة ذِي الْيَدَيْنِ وَأَن أَبَا هُرَيْرَة شَاهد هَذَا حَتَّى أخبر عَن ذَلِك بقوله " بَينا أَنا أُصَلِّي " وَكَون ذِي الْيَدَيْنِ من بني سليم على قَول من يَدعِي ذَلِك لَا يسْتَلْزم أَن لَا يكون غَيره من بني سليم وَقَالَ هَذَا الْقَائِل أَيْضا وَالظَّاهِر أَن الِاخْتِلَاف فِيهِ أَي فِي الْمَذْكُور من إِحْدَى صَلَاتي العشى وَالْعصر وَالظّهْر من الروَاة وَأبْعد من قَالَ يحمل على أَن الْقَضِيَّة وَقعت مرَّتَيْنِ (قلت) أَن الْحمل على التَّعَدُّد أولى من نِسْبَة الروَاة إِلَى الشَّك (فَإِن قلت) روى النَّسَائِيّ من طَرِيق ابْن عون عَن ابْن سِيرِين أَن الشَّك فِيهِ من أبي هُرَيْرَة وَلَفظه " صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِحْدَى صَلَاتي العشى قَالَ وَلَكِنِّي نسيت " فَالظَّاهِر أَن أَبَا هُرَيْرَة رَوَاهُ كثيرا على الشَّك وَكَانَ رُبمَا غلب على ظَنّه أَنَّهَا الظّهْر فَجزم بهَا وَتارَة غلب على ظَنّه أَنَّهَا الْعَصْر فَجزم (قلت) لَيْسَ فِي الَّذِي رَوَاهُ النَّسَائِيّ من الطَّرِيق الْمَذْكُور شكّ وَإِنَّمَا صرح أَبُو هُرَيْرَة بِأَنَّهُ نسي وَالنِّسْيَان غير الشَّك وَقَوله فَالظَّاهِر إِلَى آخِره غير ظَاهر فَلَا دَلِيل على ظُهُوره من نفس الْمُتُون وَلَا من الْخَارِج يعرف هَذَا بِالتَّأَمُّلِ قَوْله " فَسلم " يَعْنِي على آخر الرَّكْعَتَيْنِ وَزَاد أَبُو دَاوُد من طَرِيق معَاذ عَن شُعْبَة " فِي الرَّكْعَتَيْنِ " قَوْله " قَالَ سعد " يَعْنِي سعد بن إِبْرَاهِيم الْمَذْكُور فِي سَنَد الحَدِيث وَهُوَ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُور وَأخرجه ابْن أبي شيبَة عَن غنْدر عَن شُعْبَة عَن سعد فَذكره وَقَالَ أَبُو نعيم رَوَاهُ يَعْنِي البُخَارِيّ عَن آدم عَن شُعْبَة وَزَاد قَالَ سعد وَرَأَيْت عُرْوَة إِلَى آخِره وَأوردهُ الْإِسْمَاعِيلِيّ من طَرِيق معَاذ وَيحيى عَن شُعْبَة حَدثنَا سعد بن إِبْرَاهِيم سَمِعت أَبَا سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة الحَدِيث ثمَّ قَالَ فِي آخِره وَرَوَاهُ غنْدر (فصلى رَكْعَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثمَّ سجد سَجْدَتَيْنِ " لم يقل ثمَّ سلم ثمَّ سجد قَالَ لم يتَضَمَّن هَذَا

(7/308)


الحَدِيث مَا ذكره فِي التَّرْجَمَة وَخرج مَا ذكره من تَرْجَمَة هَذَا الْبَاب فِي الْبَاب الَّذِي يَلِيهِ وَكَذَا قَالَ ابْن التِّين لم يَأْتِ فِي الحَدِيث شَيْء مِمَّا يشْهد للسلام من ثَلَاث قَوْله " الصَّلَاة يَا رَسُول الله أنقصت " الصَّلَاة مَرْفُوع لِأَنَّهُ مُبْتَدأ وَخَبره قَوْله " أنقصت " ويروى " نقصت " بِدُونِ همزَة الِاسْتِفْهَام وَيجوز فِي نون نقصت الْفَتْح على أَن يكون لَازِما وَيجوز ضمهَا على أَن يكون مُتَعَدِّيا وَقَوله " يَا رَسُول الله " جملَة مُعْتَرضَة بَين الْمُبْتَدَأ وَالْخَبَر قَوْله " أَحَق مَا يَقُول " يجوز فِي إعرابه وَجْهَان أَحدهمَا أَن يكون لفظ حق مُبْتَدأ دخلت عَلَيْهِ همزَة الِاسْتِفْهَام وَقَوله " مَا يَقُول " سَاد مسد الْخَبَر وَالْآخر أَن يكون أَحَق خَبرا وَمَا يَقُول مُبْتَدأ قَوْله " أُخْرَيَيْنِ " ويروى " أخراوين " على خلاف الْقيَاس وَقَالَ الْكرْمَانِي (فَإِن قلت) كَيفَ بنى الصَّلَاة على الرَّكْعَتَيْنِ وَقد فسدتا بالْكلَام (قلت) كَانَ سَاهِيا لِأَنَّهُ كَانَ يظنّ أَنه خَارج الصَّلَاة (قلت) فِي هَذَا اخْتِلَاف الْعلمَاء فَذهب مَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَق إِلَى أَن كَلَام الْقَوْم فِي الصَّلَاة لإمامهم لإِصْلَاح الصَّلَاة مُبَاح وَكَذَا الْكَلَام من الإِمَام لأجل السَّهْو لَا يُفْسِدهَا وَقَالَ أَبُو عمر ذهب الشَّافِعِي وَأَصْحَابه إِلَى أَن الْكَلَام وَالسَّلَام سَاهِيا فِي الصَّلَاة لَا يُفْسِدهَا كَقَوْل مَالك وَأَصْحَابه سَوَاء وَإِنَّمَا الْخلاف بَينهمَا أَن مَالِكًا يَقُول لَا يفْسد الصَّلَاة تعمد الْكَلَام فِيهَا إِذا كَانَ فِي إصلاحها وَهُوَ قَول ربيعَة وَابْن الْقَاسِم إِلَّا مَا رُوِيَ عَنهُ فِي الْمُنْفَرد وَهُوَ قَول أَحْمد وَقَالَ عِيَاض وَقد اخْتلف قَول مَالك وَأَصْحَابه فِي التعمد بالْكلَام لإِصْلَاح الصَّلَاة من الإِمَام وَالْمَأْمُوم وَمنع ذَلِك بِالْجُمْلَةِ أَبُو حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَأهل الظَّاهِر وجعلوه مُفْسِدا للصَّلَاة إِلَّا أَن أَحْمد أَبَاحَ ذَلِك للْإِمَام وَحده وَسوى أَبُو حنيفَة بَين الْعمد والسهو (فَإِن قلت) كَيفَ تكلم ذُو الْيَدَيْنِ وَالْقَوْم وهم بعد فِي الصَّلَاة (قلت) أجَاب النَّوَوِيّ بِوَجْهَيْنِ أَحدهمَا أَنهم لم يَكُونُوا على الْيَقِين من الْبَقَاء فِي الصَّلَاة لأَنهم كَانُوا مجوزين لنسخ الصَّلَاة من أَربع إِلَى رَكْعَتَيْنِ وَالْآخر أَن هَذَا كَانَ خطابا للنَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وجوابا وَذَلِكَ لَا يبطل عندنَا وَلَا عِنْد غَيرنَا وَفِي رِوَايَة لأبي دَاوُد بِإِسْنَاد صَحِيح " أَن الْجَمَاعَة أومأوا أَي أشاروا نعم " فعلى هَذِه الرِّوَايَة لم يتكلموا (قلت) الْكَلَام وَالْخُرُوج من الْمَسْجِد وَنَحْو ذَلِك كُله قد نسخ حَتَّى لَو فعل أحد مثل هَذَا فِي هَذَا الْيَوْم بطلت صلَاته وَالدَّلِيل عَلَيْهِ مَا رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ " أَن عمر بن الْخطاب رَضِي الله تَعَالَى عَنهُ كَانَ مَعَ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ ثمَّ حدث بِهِ تِلْكَ الْحَادِثَة بعد النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَعمل فِيهَا بِخِلَاف مَا عمل - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْمئِذٍ وَلم يُنكر عَلَيْهِ أحد مِمَّن حضر فعله من الصَّحَابَة وَذَلِكَ لَا يَصح أَن يكون مِنْهُ وَمِنْهُم إِلَّا بعد وقوفهم على نسخ مَا كَانَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَوْم ذِي الْيَدَيْنِ

(بَاب من لم يتَشَهَّد فِي سَجْدَتي السَّهْو)
أَي هَذَا بَاب فِي بَيَان من لم يتَشَهَّد فِي سَجْدَتي السَّهْو يَعْنِي يسْجد سَجْدَتَيْنِ للسَّهْو فَقَط وَلَا يتَشَهَّد وَقَالَ بَعضهم أَي إِذا سجدهما بعد السَّلَام من الصَّلَاة وَأما قبل السَّلَام فالجمهور على أَنه لَا يُعِيد التَّشَهُّد (قلت) لم يشر البُخَارِيّ إِلَى هَذَا التَّفْصِيل أصلا لَا فِي التَّرْجَمَة وَلَا فِي الَّذِي ذكره فِي الْبَاب وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَة الْإِشَارَة إِلَى بَيَان من لَا يرى التَّشَهُّد فِي سَجْدَتي السَّهْو وَهُوَ مَذْهَب سعد وعمار وَابْن سِيرِين وَابْن أبي ليلى فَإِنَّهُم قَالُوا من عَلَيْهِ السَّهْو يسْجد وَيسلم وَلَا يتَشَهَّد وَقَالَ أنس وَالْحسن وَعَطَاء وَطَاوُس لَيْسَ فِي سَجْدَتي السَّهْو تشهد وَلَا سَلام وَقَالَ ابْن مَسْعُود وَالشعْبِيّ وَالثَّوْري وَقَتَادَة وَالْحكم وَاللَّيْث وَحَمَّاد يتَشَهَّد وَيسلم وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة وَمَالك وَالشَّافِعِيّ وَأحمد وَإِسْحَق وَفِي التَّوْضِيح وَالأَصَح عندنَا لَا يتَشَهَّد وَهُوَ مَا حَكَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن الشَّافِعِي وَالْأَوْزَاعِيّ. وَهنا قَول رَابِع إِن سجد قبل السَّلَام لَا يتَشَهَّد وَإِن سجد بعده يتَشَهَّد رَوَاهُ أَشهب عَن مَالك وَهُوَ قَول ابْن الْمَاجشون وَأحمد (وَسلم أنس وَالْحسن وَلم يتشهدا) أَي سلم أنس بن مَالك وَالْحسن الْبَصْرِيّ عقيب سَجْدَتي السَّهْو وَلم يتشهدا وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن أبي شيبَة وَقَالَ حَدثنَا ابْن علية عَن عبد الْعَزِيز بن صُهَيْب أَن أنس بن مَالك قعد فِي الرَّكْعَة الثَّانِيَة فَسَبحُوا بِهِ فَقَامَ وأتمهن أَرْبعا فَلَمَّا سلم سجد سَجْدَتَيْنِ ثمَّ أقبل على الْقَوْم بِوَجْهِهِ وَقَالَ افعلوا هَكَذَا وروى ابْن أبي شيبَة أَيْضا عَن ابْن مهْدي عَن حَمَّاد بن سَلمَة عَن قَتَادَة عَن الْحسن وَأنس أَنَّهُمَا سجدا للسَّهْو بعد السَّلَام ثمَّ قاما وَلم يسلما

(7/309)


(وَقَالَ قَتَادَة لَا يتَشَهَّد) لِأَنَّهُ روى عَن شَيْخه أنس وَالْحسن أَنَّهُمَا لم يتشهدا فذهبا فِيهِ إِلَى مَا ذَهَبا إِلَيْهِ قَالَ بَعضهم وَفِيه نظر فقد رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق عَن معمر عَن قَتَادَة قَالَ يتَشَهَّد فِي سَجْدَتي السَّهْو وَيسلم فَلَعَلَّ لَا فِي التَّرْجَمَة زَائِدَة (قلت) فِي نظره نظر لجَوَاز أَن يكون عَن قَتَادَة رِوَايَتَانِ فَإِذا قيل بِزِيَادَة لَا فِيمَا ذكره البُخَارِيّ فللقائل أَن يَقُول لَعَلَّهَا سَقَطت فِيمَا رَوَاهُ عبد الرَّزَّاق وَقَوله أَيْضا فَلَعَلَّ لَا فِي التَّرْجَمَة زَائِدَة لَيْسَ كَذَلِك فَإِن التَّرْجَمَة لَيست فِيهَا كلمة لَا وَإِنَّمَا ظَنّه بِالزِّيَادَةِ فِي الْأَثر الَّذِي ذكره عَن قَتَادَة
251 - (حَدثنَا عبد الله بن يُوسُف قَالَ أخبرنَا مَالك بن أنس عَن أَيُّوب بن أبي تَمِيمَة السّخْتِيَانِيّ عَن مُحَمَّد بن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - انْصَرف من اثْنَتَيْنِ فَقَالَ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ أقصرت الصَّلَاة أم نسيت يَا رَسُول الله فَقَالَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أصدق ذُو الْيَدَيْنِ فَقَالَ النَّاس نعم فَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فصلى اثْنَتَيْنِ أُخْرَيَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ كبر فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول ثمَّ رفع) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يتَشَهَّد فِي هَذِه الصُّورَة وَادّعى ابْن الْمُهلب أَنه لَيْسَ فِي حَدِيث ذِي الْيَدَيْنِ تشهد وَلَا تَسْلِيم قيل يحْتَمل ذَلِك وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يكون - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - تشهد فِيهَا وَسلم وَلم ينْقل ذَلِك الْمُحدث وَالثَّانِي أَنه لم يتَشَهَّد فيهمَا وَلَا سلم وَألْحق الْمُسلمُونَ بِهَاتَيْنِ السَّجْدَتَيْنِ سنَن الصَّلَاة تَأْكِيدًا لَهما وَقَالَ ابْن الْمُنْذر فِي التَّسْلِيم فيهمَا أَنه ثَابت عَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - من غير وَجه وَفِي ثُبُوت التَّشَهُّد عَنهُ نظر والْحَدِيث قد مر فِي بَاب هَل يَأْخُذ الإِمَام إِذا شكّ بقول النَّاس بِعَيْنِه بِهَذَا الْإِسْنَاد والمتن بِلَا اخْتِلَاف قَوْله " ثمَّ رفع " أَي رفع رَأسه من السَّجْدَتَيْنِ وَلم يتَشَهَّد وَلم يسلم وَاسْتشْكل بَعضهم فِي قَوْله " فَقَامَ رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لِأَنَّهُ كَانَ قَائِما (وَأجِيب) بِأَن المُرَاد بقوله " فَقَامَ " أَي اعتدل لِأَنَّهُ كَانَ مُسْتَندا إِلَى الْخَشَبَة كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى وَقيل هُوَ كِنَايَة عَن الدُّخُول فِي الصَّلَاة
252 - (حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب قَالَ حَدثنَا حَمَّاد عَن سَلمَة بن عَلْقَمَة. قَالَ قلت لمُحَمد فِي سَجْدَتي السَّهْو تشهد قَالَ لَيْسَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَحَمَّاد هُوَ ابْن زيد وَسَلَمَة بِفَتْح اللَّام ابْن عَلْقَمَة أَبُو بشر التَّمِيمِي الْبَصْرِيّ وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين وَفِي رِوَايَة أبي نعيم فِي الْمُسْتَخْرج " سَأَلت مُحَمَّد بن سِيرِين " قَوْله لَيْسَ فِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة يَعْنِي لَيْسَ فِيهِ تشهد وَفِي رِوَايَة أبي نعيم " فَقَالَ لم أحفظ فِيهِ عَن أبي هُرَيْرَة شَيْئا وَأحب إِلَى أَن يتَشَهَّد " وَقد ورد التَّشَهُّد فِي حَدِيث غَيره من ذَلِك مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من رِوَايَة أبي الْمُهلب " عَن عمرَان بن حُصَيْن أَن النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صلى بهم فَسَهَا فَسجدَ سَجْدَتَيْنِ ثمَّ تشهد ثمَّ سلم " وَأخرجه التِّرْمِذِيّ وَقَالَ حَدِيث حسن غَرِيب أخرجه النَّسَائِيّ أَيْضا وَأخرجه الْحَاكِم وَقَالَ صَحِيح على شَرط الشَّيْخَيْنِ وَأخرجه ابْن حبَان أَيْضا

(بَاب يكبر فِي سَجْدَتي السَّهْو)
أَي هَذَا بَاب يذكر فِيهِ أَن الساهي فِي صلَاته يكبر فِي سَجْدَتي السَّهْو وَفِي بعض النّسخ بَاب من يكبر فِي سَجْدَتي السَّهْو فجمهور الْعلمَاء على الِاكْتِفَاء بتكبير السُّجُود وَبِذَلِك يشْهد غَالب الْأَحَادِيث وَحكى الْقُرْطُبِيّ أَن قَول مَالك مُخْتَلف فِي وجوب السَّلَام بعد سَجْدَتي السَّهْو قَالَ وَمَا يتَحَلَّل مِنْهُ بِسَلام لَا بُد لَهُ من تَكْبِيرَة إِحْرَام قَالَ وَيُؤَيِّدهُ مَا رَوَاهُ أَبُو دَاوُد من

(7/310)


طَرِيق حَمَّاد بن زيد عَن هَاشم بن حسان عَن ابْن سِيرِين فِي حَدِيث الْبَاب " ثمَّ رفع وَكبر ثمَّ كبر وَسجد للسَّهْو " وَهَذَا يدل على تكبيرتين إِحْدَاهمَا تَكْبِيرَة الْإِحْرَام وَالْأُخْرَى تَكْبِيرَة السَّجْدَة وَلَكِن أَشَارَ أَبُو دَاوُد إِلَى شذوذ هَذِه الرِّوَايَة حَيْثُ قَالَ وَقَالَ أَبُو دَاوُد وَلم يقل أحد فَكبر ثمَّ كبر إِلَّا حَمَّاد بن زيد
253 - (حَدثنَا حَفْص بن عمر قَالَ حَدثنَا يزِيد بن إِبْرَاهِيم عَن مُحَمَّد عَن أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ قَالَ صلى النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِحْدَى صَلَاتي الْعشي. قَالَ مُحَمَّد وَأكْثر ظَنِّي الْعَصْر رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَة فِي مقدم الْمَسْجِد فَوضع يَده عَلَيْهَا وَفِيهِمْ أَبُو بكر وَعمر رَضِي الله عَنْهُمَا فَهَابَا أَن يُكَلِّمَاهُ وَخرج سرعَان النَّاس فَقَالُوا أقصرت الصَّلَاة وَرجل يَدعُوهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - ذَا الْيَدَيْنِ فَقَالَ أنسيت أم قصرت فَقَالَ لم أنس وَلم تقصر قَالَ بلَى قد نسيت فصلى رَكْعَتَيْنِ ثمَّ سلم ثمَّ كبر فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول ثمَّ رفع رَأسه فَكبر ثمَّ وضع رَأسه فَكبر فَسجدَ مثل سُجُوده أَو أطول ثمَّ رفع رَأسه وَكبر) مطابقته للتَّرْجَمَة ظَاهِرَة وَيزِيد من الزِّيَادَة هُوَ ابْن إِبْرَاهِيم التسترِي وَمُحَمّد هُوَ ابْن سِيرِين والإسناد كُله بصريون وَقد مضى الحَدِيث فِي بَاب تشييك الْأَصَابِع فِي الْمَسْجِد وَغَيره فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن إِسْحَق عَن ابْن شُمَيْل عَن ابْن عون عَن ابْن سِيرِين عَن أبي هُرَيْرَة إِلَى آخِره وَهُنَاكَ بعض زِيَادَة تعلم عِنْد الرُّجُوع إِلَيْهِ وتكلمنا هُنَاكَ أَيْضا على مَا يحْتَاج إِلَيْهِ من الْأَشْيَاء الْمُتَعَلّقَة بِهِ قَوْله " قَالَ مُحَمَّد " هُوَ ابْن سِيرِين قَوْله " فِي مقدم الْمَسْجِد " بتَشْديد الدَّال الْمَفْتُوحَة أَي فِي جِهَة الْقبْلَة وَفِي رِوَايَة ابْن عون " فَقَامَ إِلَى خَشَبَة معروضة فِي الْمَسْجِد " أَي مَوْضُوعَة بِالْعرضِ وَفِي رِوَايَة مُسلم من طَرِيق ابْن عُيَيْنَة عَن أَيُّوب " ثمَّ أَتَى جذعا فِي قبْلَة الْمَسْجِد فاستند إِلَيْهَا مغضبا " قَوْله " فَهَابَا أَن يُكَلِّمَاهُ " وَفِي رِوَايَة ابْن عون " فهاباه " بِزِيَادَة الضَّمِير وَالْمعْنَى أَنَّهُمَا غلب عَلَيْهِمَا احترام النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وتعظيمه عَن الِاعْتِرَاض عَلَيْهِ قَوْله " سرعَان النَّاس " بالمهملات الْمَفْتُوحَة أَي أخفاؤهم والمستعجلون مِنْهُم وأوائلهم وَيلْزم الْإِعْرَاب نونه فِي كل وَجه وَهَذَا الْوَجْه هُوَ الصَّوَاب الَّذِي قَالَه الْجُمْهُور من أهل الحَدِيث واللغة وَهَكَذَا ضَبطه المتقنون وَقَالَ ابْن الْأَثِير السرعان بِفَتْح السِّين وَالرَّاء أَوَائِل النَّاس الَّذين يتسارعون إِلَى الشَّيْء ويقبلون عَلَيْهِ بِسُرْعَة وَيجوز تسكين الرَّاء (قلت) وَكَذَا نقل القَاضِي عَن بَعضهم قَالَ وَضَبطه الْأصيلِيّ فِي البُخَارِيّ بِضَم السِّين وَإِسْكَان الرَّاء وَوَجهه أَنه جمع سريع كقفيز وقفزان وكثيب وكثبان وَمن قَالَ سرعَان بِكَسْر السِّين فَهُوَ خطأ وَقيل يُقَال أَيْضا بِكَسْر السِّين وَسُكُون الرَّاء وَهُوَ جمع سريع كرعيل ورعلان وَأما قَوْلهم سرعَان مَا فعلت فَفِيهِ ثَلَاث لُغَات الضَّم وَالْكَسْر وَالْفَتْح مَعَ إسكان الرَّاء وَالنُّون مَفْتُوحَة أبدا قَوْله " أقصرت الصَّلَاة " بِهَمْزَة الِاسْتِفْهَام وَفِي رِوَايَة ابْن عون بحذفها " وَقصرت " على صِيغَة الْمَجْهُول ويروى على بِنَاء الْفَاعِل قَالَ النَّوَوِيّ هَذَا أَكثر قَوْله " وَرجل يَدعُوهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " أَي يُسَمِّيه ذَا الْيَدَيْنِ (فَإِن قلت) مَا الرافع للرجل (قلت) هُوَ مُبْتَدأ تخصص بِالصّفةِ وَهُوَ قَوْله " يَدعُوهُ النَّبِي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " وَخَبره مَحْذُوف تَقْدِيره وَهُنَاكَ رجل وَفِي رِوَايَة ابْن عون " وَفِي الْقَوْم رجل فِي يَده طول يُقَال لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ "
254 - (حَدثنَا قُتَيْبَة بن سعيد قَالَ حَدثنَا لَيْث عَن ابْن شهَاب عَن الْأَعْرَج عَن عبد الله بن بُحَيْنَة الْأَسدي حَلِيف بني عبد الْمطلب أَن رَسُول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَامَ فِي صَلَاة الظّهْر وَعَلِيهِ جُلُوس فَلَمَّا أتم صلَاته سجد سَجْدَتَيْنِ فَكبر فِي كل سَجْدَة وَهُوَ جَالس قبل أَن يسلم وسجدهما النَّاس مَعَه مَكَان مَا نسي من الْجُلُوس)

(7/311)


مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله " يكبر فِي كل سَجْدَة " وَقد مضى هَذَا الحَدِيث عَن قريب فِي بَاب مَا جَاءَ فِي السَّهْو إِذا قَامَ من رَكْعَتي الْفَرِيضَة فَإِنَّهُ أخرجه هُنَاكَ عَن عبد الله بن يُوسُف عَن مَالك عَن ابْن شهَاب عَن الْأَعْرَج وَهنا عَن قُتَيْبَة عَن لَيْث بن سعد عَن ابْن شهَاب وَهُوَ مُحَمَّد بن مُسلم الزُّهْرِيّ عَن عبد الرَّحْمَن بن هُرْمُز الْأَعْرَج وَقد ذكرنَا هُنَاكَ مَا يتَعَلَّق بِهِ من الْأَشْيَاء قَوْله " الْأَسدي " بِفَتْح الْهمزَة وَسُكُون السِّين الْمُهْملَة وَمِنْهُم من يَقُول الْأَزْدِيّ بالزاي مَوضِع السِّين نِسْبَة إِلَى أَزْد قَوْله " بني عبد الْمطلب " الصَّوَاب بني الْمطلب بِإِسْقَاط عبد لِأَن جده حَالف الْمطلب بن عبد منَاف
(تَابعه ابْن جريج عَن ابْن شهَاب فِي التَّكْبِير) أَي تَابع اللَّيْث عبد الْعَزِيز بن عبد الْملك بن جريج فِي رِوَايَة عَن مُحَمَّد بن مُسلم بن شهَاب الزُّهْرِيّ فِي الْإِتْيَان بِلَفْظ التَّكْبِير فِي سَجْدَتي السَّهْو وَقد وَصله عبد الرَّزَّاق عَن ابْن جريج وَأخرجه أَحْمد عَن عبد الرَّزَّاق وَمُحَمّد بن بكير كِلَاهُمَا عَن ابْن جريج بِلَفْظ " فَكبر فَسجدَ ثمَّ كبر فَسجدَ ثمَّ سلم "